الإتقان في علوم القرآن

السيوطي

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم. يقول سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلامة البحر الفهامة، الرّحلة جلال الدين، نجل سيدنا الإمام العالم العلامة كمال الدين السيوطيّ الشافعيّ، فسح الله في مدته: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ تَبْصِرَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَأَوْدَعَهُ مِنْ فُنُونِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ الْعَجَبَ الْعُجَابَ وَجَعَلَهُ أَجَلَّ الْكُتُبِ قَدْرًا وَأَغْزَرَهَا عِلْمًا وَأَعْذَبَهَا نَظْمًا وَأَبْلَغَهَا فِي الْخِطَابِ، قرآنا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ وَلَا مخلوق، لا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا ارْتِيَابَ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأرباب، الذي عنت لقيوميته الوجوه وَخَضَعَتْ لِعَظَمَتِهِ الرِّقَابُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ مِنْ أَكْرَمِ الشُّعُوبِ وَأَشْرَفِ الشِّعَابِ إِلَى خَيْرِ أُمَّةٍ بِأَفْضَلِ كِتَابٍ الْأَنْجَابِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْمَآبِ. وَبَعْدُ فَإِنَّ الْعِلْمَ بَحْرٌ زَخَّارٌ لَا يُدْرَكُ لَهُ مِنْ قَرَارٍ وَطَوْدٌ شَامِخٌ لَا يُسْلَكُ إِلَى قُنَّتِهِ وَلَا يُصَارُ مَنْ أَرَادَ السَّبِيلَ إِلَى اسْتِقْصَائِهِ لَمْ يَبْلُغْ إِلَى ذَلِكَ وُصُولًا

وَمَنْ رَامَ الْوُصُولَ إِلَى إِحْصَائِهِ لَمْ يَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} وَإِنَّ كِتَابَنَا الْقُرْآنَ لَهُوَ مُفَجِّرُ الْعُلُومِ وَمَنْبَعُهَا وَدَائِرَةُ شَمْسِهَا وَمَطْلَعُهَا أَوْدَعَ فِيهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِلْمَ كل شيء وأبان فيه كُلَّ هَدْيٍ وَغَيٍّ فَتَرَى كُلَّ ذِي فَنٍّ مِنْهُ يَسْتَمِدُّ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ فَالْفَقِيهُ يَسْتَنْبِطُ مِنْهُ الْأَحْكَامَ وَيَسْتَخْرِجُ حُكْمَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَالنَّحْوِيُّ يَبْنِي مِنْهُ قَوَاعِدَ إِعْرَابِهِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ خَطَأِ الْقَوْلِ مِنْ صَوَابِهِ. وَالْبَيَانِيُّ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى حُسْنِ النِّظَامِ وَيَعْتَبِرُ مَسَالِكَ الْبَلَاغَةِ فِي صَوْغِ الْكَلَامِ. وَفِيهِ مِنَ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ مَا يُذَكِّرُ أُولِي الْأَبْصَارِ وَمِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْأَمْثَالِ مَا يَزْدَجِرُ بِهِ أُولُو الْفِكْرِ وَالِاعْتِبَارِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومٍ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ عَلِمَ حَصْرَهَا هَذَا مَعَ فَصَاحَةِ لَفْظٍ وَبَلَاغَةِ أُسْلُوبٍ تَبْهَرُ الْعُقُولَ وَتَسْلُبُ الْقُلُوبَ وَإِعْجَازُ نَظْمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ. وَلَقَدْ كُنْتُ فِي زَمَانِ الطَّلَبِ أَتَعَجَّبُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِذْ لَمْ يُدَوِّنُوا كِتَابًا فِي أَنْوَاعِ عُلُومِ الْقُرْآنِ كَمَا وَضَعُوا ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ فَسَمِعْتُ شَيْخَنَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ وَإِنْسَانَ عَيْنِ النَّاظِرِينَ خُلَاصَةَ الْوُجُودِ عَلَّامَةَ الزَّمَانِ فَخْرَ الْعَصْرِ وَعَيْنَ الْأَوَانِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحْيِيَ الدِّينِ الْكَافِيَجِيَّ مَدَّ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ ظِلَّهُ يَقُولُ قَدْ دَوَّنْتُ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ كِتَابًا لَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ فَكَتَبْتُهُ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ صَغِيرُ الْحَجْمِ جِدًّا وَحَاصِلُ مَا فِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ: فِي ذِكْرِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَالْقُرْآنِ وَالسُّورَةِ وَالْآيَةِ. وَالثَّانِي: فِي

شُرُوطِ الْقَوْلِ فِيهِ بِالرَّأْيِ وَبَعْدَهُمَا خَاتِمَةٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَلَمْ يَشْفِ لِي ذَلِكَ غَلِيلًا وَلَمْ يَهْدِنِي إِلَى الْمَقْصُودِ سَبِيلًا. ثُمَّ أَوْقَفَنِي شَيْخُنَا شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَخُلَاصَةُ الْأَنَامِ حَامِلُ لِوَاءِ الْمَذْهَبِ الْمُطَّلِبِيِّ عَلَمُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كِتَابٍ فِي ذَلِكَ لِأَخِيهِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالِ الدِّينِ سَمَّاهُ: "مَوَاقِعُ الْعُلُومِ مِنْ مَوَاقِعِ النُّجُومِ" فَرَأَيْتُهُ تَأْلِيفًا لَطِيفًا وَمَجْمُوعًا ظَرِيفًا ذَا تَرْتِيبٍ وَتَقْرِيرٍ وَتَنْوِيعٍ وَتَحْبِيرٍ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ. قَدِ اشْتُهِرَتْ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخَاطَبَةٌ لِبَعْضِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ فِيهَا ذِكْرُ بَعْضِ أَنْوَاعِ القرآن يحصل منها لمقصدنا الاقتباس وَقَدْ صَنَّفَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ فِي سَنَدِهِ دُونَ مَتْنِهِ وفي مُسْنِدِيهِ وَأَهْلِ فَنِّهِ وَأَنْوَاعِ الْقُرْآنِ شَامِلَةً وَعُلُومِهِ كَامِلَةً فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَ فِي هَذَا التَّصْنِيفِ مَا وَصَلَ إِلَى عِلْمِي مِمَّا حَوَاهُ الْقُرْآنُ الشَّرِيفُ مِنْ أَنْوَاعِ عِلْمِهِ الْمَنِيفِ وَيَنْحَصِرُ فِي أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: مَوَاطِنُ النُّزُولِ وَأَوْقَاتُهُ وَوَقَائِعُهُ وَفِي ذلك اثنا عشر نوعا: الْمَكِّيُّ الْمَدَنِيُّ السَّفَرِيُّ الْحَضَرِيُّ اللَّيْلِيُّ النَّهَارِيُّ الصَّيْفِيُّ الشتائي الفراشي النومي أَسْبَابُ النُّزُولِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ آخِرُ مَا نَزَلَ. الْأَمْرُ الثَّانِي: السَّنَدُ وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ الْمُتَوَاتِرُ الْآحَادُ الشَّاذُّ قِرَاءَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّوَاةُ الْحُفَّاظُ.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْأَدَاءُ وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ الْوَقْفُ الِابْتِدَاءُ الْإِمَالَةُ الْمَدُّ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ الْإِدْغَامُ. الْأَمْرُ الرَّابِعُ: الْأَلْفَاظُ وَهُوَ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ الْغَرِيبُ الْمُعَرَّبُ الْمَجَازُ الْمُشْتَرَكُ الْمُتَرَادِفُ الِاسْتِعَارَةُ التَّشْبِيهُ. الْأَمْرُ الْخَامِسُ: الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَحْكَامِ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَوْعًا الْعَامُّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مَا خَصَّ فِيهِ الْكِتَابُ السنة ما خصصت فِيهِ السُّنَّةُ الْكِتَابَ الْمُجْمَلُ الْمُبَيِّنُ المؤول الْمَفْهُومُ الْمُطْلَقُ الْمُقَيَّدُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ نَوْعٌ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهُوَ مَا عُمِلَ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَالْعَامِلُ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ. الْأَمْرُ السَّادِسُ: الْمَعَانِي المتعلقة بالألفاظ وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْفَصْلُ الْوَصْلُ الإيجاز الْإِطْنَابُ الْقَصْرُ. وَبِذَلِكَ تَكَمَّلَتِ الْأَنْوَاعُ خَمْسِينَ وَمِنَ الْأَنْوَاعِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ الْأَسْمَاءُ الْكُنَى الْأَلْقَابُ الْمُبْهَمَاتُ فَهَذَا نِهَايَةُ مَا حُصِرَ مِنَ الْأَنْوَاعِ. هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْرِيرٍ وَتَتِمَّاتٍ وَزَوَائِدَ مُهِمَّاتٍ فَصَنَّفْتُ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ: {التَّحْبِيرُ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ} ضَمَّنْتُهُ ما ذكر الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الْأَنْوَاعِ مَعَ زِيَادَةٍ مِثْلِهَا وَأَضَفْتُ إِلَيْهِ فَوَائِدَ سَمَحَتِ الْقَرِيحَةُ بِنَقْلِهَا وَقُلْتُ فِي خُطْبَتِهِ

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْعُلُومَ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهَا وَانْتَشَرَ فِي الْخَافِقَيْنِ مددها فغايتها بحرقعره لَا يُدْرَكُ وَنِهَايَتُهَا طَوْدٌ شَامِخٌ لَا يُسْتَطَاعُ إِلَى ذُرْوَتِهِ أَنْ يُسْلَكَ وَهَذَا يَفْتَحُ لِعَالِمٍ بَعْدَ آخَرَ مِنَ الْأَبْوَابِ مَا لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الْأَسْبَابُ وَإِنَّ مِمَّا أَهْمَلَ المتقدمون تَدْوِينِهِ حَتَّى تَحَلَّى فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِأَحْسَنِ زِينَةٍ عِلْمَ التَّفْسِيرِ الَّذِي هُوَ كَمُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ فَلَمْ يُدَوِّنْهُ أَحَدٌ لَا فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ حَتَّى جَاءَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعُمْدَةُ الْأَنَامُ عَلَّامَةُ الْعَصْرِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَمِلَ فيه كِتَابِهِ مَوَاقِعُ الْعُلُومِ مِنْ مَوَاقِعِ النُّجُومِ فَنَقَّحَهُ وَهَذَّبَهُ وَقَسَّمَ أَنْوَاعَهُ وَرَتَّبَهُ وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ نَوْعًا مُنْقَسِمَةً إِلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ وَتَكَلَّمَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِالْمَتِينِ مِنَ الْكَلَامِ فَكَانَ كَمَا قال الإمام أبو السعادات ابن الْأَثِيرِ فِي مُقَدِّمَةِ نِهَايَتِهِ: كُلُّ مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ومبتدع أمرا لَمْ يُتَقَدَّمْ فِيهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَلِيلًا ثُمَّ يَكْثُرُ وَصَغِيرًا ثُمَّ يَكْبُرُ. فَظَهَرَ لِيَ اسْتِخْرَاجُ أنواع لم يسبق إليها وزيادة مُهِمَّاتٍ لَمْ يُسْتَوْفَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فجردت الْهِمَّةُ إِلَى وَضْعِ كِتَابٍ فِي هَذَا الْعِلْمِ وَأَجْمَعُ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى شَوَارِدَهُ وَأَضُمُّ إِلَيْهِ فَوَائِدَهُ وَأُنَظِّمُ فِي سِلْكِهِ فَرَائِدَهُ لِأَكُونَ فِي إِيجَادِ هَذَا الْعِلْمِ ثَانِيَ اثْنَيْنِ وَوَاحِدًا فِي جَمْعِ الشَّتِيتِ مِنْهُ كَأَلْفٍ أَوْ كَأَلْفَيْنِ وَمُصَيِّرًا فَنَّيِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ فِي اسْتِكْمَالِ التَّقَاسِيمِ إِلْفَيْنِ وَإِذْ برز نور أكمامه وَفَاحَ وَطَلَعَ بَدَرُ كَمَالِهِ وَلَاحَ وَأَذَّنَ فَجْرُهُ بِالصَّبَاحِ وَنَادَى دَاعِيهِ بالفلاح سَمَّيْتُهُ التَّحْبِيرِ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ. وَهَذِهِ فَهْرَسْتُ الْأَنْوَاعِ بَعْدَ الْمُقَدِّمَةِ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ. الثالث وَالرَّابِعُ: الْحَضَرِيُّ وَالسَّفَرِيُّ. الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: النَّهَارِيُّ وَاللَّيْلِيُّ. السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: الصَّيْفِيُّ وَالشِّتَائِيُّ. التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ: الْفِرَاشِيُّ وَالنَّوْمِيُّ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَسْبَابُ النُّزُولِ. الثَّانِيَ عَشَرَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ. الثَّالِثَ عَشَرَ: آخِرُ مَا نَزَلَ. الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا عُرِفَ وَقْتُ نُزُولِهِ. الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ فِيهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. السَّادِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. السَّابِعَ عَشَرَ: مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ. الثَّامِنَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا. التَّاسِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ جَمْعًا. الْعِشْرُونَ: كَيْفِيَّةُ إنزاله. وهذه كلها متعلقة بالنزول. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الْمُتَوَاتِرُ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ. الْآحَادُ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الشَّاذُّ. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قِرَاءَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: الرُّوَاةُ وَالْحُفَّاظُ. السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَيْفِيَّةُ التَّحَمُّلِ.

الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: الْعَالِي وَالنَّازِلُ. التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُسَلْسَلُ وهذه متعلقة بالسند. الثَّلَاثُونَ: الِابْتِدَاءُ. الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: الْوَقْفُ. الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْإِمَالَةُ. الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: الْمَدُّ. الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ. الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِدْغَامُ. السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِخْفَاءُ. السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِقْلَابُ. الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: مَخَارِجُ الْحُرُوفِ وهذه متعلقة بالأداء. التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْغَرِيبُ. الْأَرْبَعُونَ: الْمُعَرَّبُ. الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: الْمَجَازُ. الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُشْتَرَكُ. الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: الَمُتَرَادِفُ. الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: وَالْأَرْبَعُونَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ. السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُشْكِلُ. السَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ. التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: الِاسْتِعَارَةُ. الخمسون: التشبيه. الحادي والثاني والخمسون: الكناية والتعريض.

مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم. يقول سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلامة البحر الفهامة، الرّحلة جلال الدين، نجل سيدنا الإمام العالم العلامة كمال الدين السيوطيّ الشافعيّ، فسح الله في مدته: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ تَبْصِرَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَأَوْدَعَهُ مِنْ فُنُونِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ الْعَجَبَ الْعُجَابَ وَجَعَلَهُ أَجَلَّ الْكُتُبِ قَدْرًا وَأَغْزَرَهَا عِلْمًا وَأَعْذَبَهَا نَظْمًا وَأَبْلَغَهَا فِي الْخِطَابِ، قرآنا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ وَلَا مخلوق، لا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا ارْتِيَابَ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأرباب، الذي عنت لقيوميته الوجوه وَخَضَعَتْ لِعَظَمَتِهِ الرِّقَابُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ مِنْ أَكْرَمِ الشُّعُوبِ وَأَشْرَفِ الشِّعَابِ إِلَى خَيْرِ أُمَّةٍ بِأَفْضَلِ كِتَابٍ الْأَنْجَابِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْمَآبِ. وَبَعْدُ فَإِنَّ الْعِلْمَ بَحْرٌ زَخَّارٌ لَا يُدْرَكُ لَهُ مِنْ قَرَارٍ وَطَوْدٌ شَامِخٌ لَا يُسْلَكُ إِلَى قُنَّتِهِ وَلَا يُصَارُ مَنْ أَرَادَ السَّبِيلَ إِلَى اسْتِقْصَائِهِ لَمْ يَبْلُغْ إِلَى ذَلِكَ وُصُولًا

وَمَنْ رَامَ الْوُصُولَ إِلَى إِحْصَائِهِ لَمْ يَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} وَإِنَّ كِتَابَنَا الْقُرْآنَ لَهُوَ مُفَجِّرُ الْعُلُومِ وَمَنْبَعُهَا وَدَائِرَةُ شَمْسِهَا وَمَطْلَعُهَا أَوْدَعَ فِيهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِلْمَ كل شيء وأبان فيه كُلَّ هَدْيٍ وَغَيٍّ فَتَرَى كُلَّ ذِي فَنٍّ مِنْهُ يَسْتَمِدُّ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ فَالْفَقِيهُ يَسْتَنْبِطُ مِنْهُ الْأَحْكَامَ وَيَسْتَخْرِجُ حُكْمَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَالنَّحْوِيُّ يَبْنِي مِنْهُ قَوَاعِدَ إِعْرَابِهِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ خَطَأِ الْقَوْلِ مِنْ صَوَابِهِ. وَالْبَيَانِيُّ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى حُسْنِ النِّظَامِ وَيَعْتَبِرُ مَسَالِكَ الْبَلَاغَةِ فِي صَوْغِ الْكَلَامِ. وَفِيهِ مِنَ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ مَا يُذَكِّرُ أُولِي الْأَبْصَارِ وَمِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْأَمْثَالِ مَا يَزْدَجِرُ بِهِ أُولُو الْفِكْرِ وَالِاعْتِبَارِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومٍ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ عَلِمَ حَصْرَهَا هَذَا مَعَ فَصَاحَةِ لَفْظٍ وَبَلَاغَةِ أُسْلُوبٍ تَبْهَرُ الْعُقُولَ وَتَسْلُبُ الْقُلُوبَ وَإِعْجَازُ نَظْمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ. وَلَقَدْ كُنْتُ فِي زَمَانِ الطَّلَبِ أَتَعَجَّبُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِذْ لَمْ يُدَوِّنُوا كِتَابًا فِي أَنْوَاعِ عُلُومِ الْقُرْآنِ كَمَا وَضَعُوا ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ فَسَمِعْتُ شَيْخَنَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ وَإِنْسَانَ عَيْنِ النَّاظِرِينَ خُلَاصَةَ الْوُجُودِ عَلَّامَةَ الزَّمَانِ فَخْرَ الْعَصْرِ وَعَيْنَ الْأَوَانِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحْيِيَ الدِّينِ الْكَافِيَجِيَّ مَدَّ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ ظِلَّهُ يَقُولُ قَدْ دَوَّنْتُ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ كِتَابًا لَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ فَكَتَبْتُهُ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ صَغِيرُ الْحَجْمِ جِدًّا وَحَاصِلُ مَا فِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ: فِي ذِكْرِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَالْقُرْآنِ وَالسُّورَةِ وَالْآيَةِ. وَالثَّانِي: فِي

شُرُوطِ الْقَوْلِ فِيهِ بِالرَّأْيِ وَبَعْدَهُمَا خَاتِمَةٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَلَمْ يَشْفِ لِي ذَلِكَ غَلِيلًا وَلَمْ يَهْدِنِي إِلَى الْمَقْصُودِ سَبِيلًا. ثُمَّ أَوْقَفَنِي شَيْخُنَا شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَخُلَاصَةُ الْأَنَامِ حَامِلُ لِوَاءِ الْمَذْهَبِ الْمُطَّلِبِيِّ عَلَمُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كِتَابٍ فِي ذَلِكَ لِأَخِيهِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالِ الدِّينِ سَمَّاهُ: "مَوَاقِعُ الْعُلُومِ مِنْ مَوَاقِعِ النُّجُومِ" فَرَأَيْتُهُ تَأْلِيفًا لَطِيفًا وَمَجْمُوعًا ظَرِيفًا ذَا تَرْتِيبٍ وَتَقْرِيرٍ وَتَنْوِيعٍ وَتَحْبِيرٍ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ. قَدِ اشْتُهِرَتْ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخَاطَبَةٌ لِبَعْضِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ فِيهَا ذِكْرُ بَعْضِ أَنْوَاعِ القرآن يحصل منها لمقصدنا الاقتباس وَقَدْ صَنَّفَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ فِي سَنَدِهِ دُونَ مَتْنِهِ وفي مُسْنِدِيهِ وَأَهْلِ فَنِّهِ وَأَنْوَاعِ الْقُرْآنِ شَامِلَةً وَعُلُومِهِ كَامِلَةً فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَ فِي هَذَا التَّصْنِيفِ مَا وَصَلَ إِلَى عِلْمِي مِمَّا حَوَاهُ الْقُرْآنُ الشَّرِيفُ مِنْ أَنْوَاعِ عِلْمِهِ الْمَنِيفِ وَيَنْحَصِرُ فِي أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: مَوَاطِنُ النُّزُولِ وَأَوْقَاتُهُ وَوَقَائِعُهُ وَفِي ذلك اثنا عشر نوعا: الْمَكِّيُّ الْمَدَنِيُّ السَّفَرِيُّ الْحَضَرِيُّ اللَّيْلِيُّ النَّهَارِيُّ الصَّيْفِيُّ الشتائي الفراشي النومي أَسْبَابُ النُّزُولِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ آخِرُ مَا نَزَلَ. الْأَمْرُ الثَّانِي: السَّنَدُ وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ الْمُتَوَاتِرُ الْآحَادُ الشَّاذُّ قِرَاءَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّوَاةُ الْحُفَّاظُ.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْأَدَاءُ وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ الْوَقْفُ الِابْتِدَاءُ الْإِمَالَةُ الْمَدُّ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ الْإِدْغَامُ. الْأَمْرُ الرَّابِعُ: الْأَلْفَاظُ وَهُوَ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ الْغَرِيبُ الْمُعَرَّبُ الْمَجَازُ الْمُشْتَرَكُ الْمُتَرَادِفُ الِاسْتِعَارَةُ التَّشْبِيهُ. الْأَمْرُ الْخَامِسُ: الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَحْكَامِ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَوْعًا الْعَامُّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مَا خَصَّ فِيهِ الْكِتَابُ السنة ما خصصت فِيهِ السُّنَّةُ الْكِتَابَ الْمُجْمَلُ الْمُبَيِّنُ المؤول الْمَفْهُومُ الْمُطْلَقُ الْمُقَيَّدُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ نَوْعٌ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهُوَ مَا عُمِلَ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَالْعَامِلُ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ. الْأَمْرُ السَّادِسُ: الْمَعَانِي المتعلقة بالألفاظ وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْفَصْلُ الْوَصْلُ الإيجاز الْإِطْنَابُ الْقَصْرُ. وَبِذَلِكَ تَكَمَّلَتِ الْأَنْوَاعُ خَمْسِينَ وَمِنَ الْأَنْوَاعِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ الْأَسْمَاءُ الْكُنَى الْأَلْقَابُ الْمُبْهَمَاتُ فَهَذَا نِهَايَةُ مَا حُصِرَ مِنَ الْأَنْوَاعِ. هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْرِيرٍ وَتَتِمَّاتٍ وَزَوَائِدَ مُهِمَّاتٍ فَصَنَّفْتُ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ: {التَّحْبِيرُ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ} ضَمَّنْتُهُ ما ذكر الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الْأَنْوَاعِ مَعَ زِيَادَةٍ مِثْلِهَا وَأَضَفْتُ إِلَيْهِ فَوَائِدَ سَمَحَتِ الْقَرِيحَةُ بِنَقْلِهَا وَقُلْتُ فِي خُطْبَتِهِ

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْعُلُومَ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهَا وَانْتَشَرَ فِي الْخَافِقَيْنِ مددها فغايتها بحرقعره لَا يُدْرَكُ وَنِهَايَتُهَا طَوْدٌ شَامِخٌ لَا يُسْتَطَاعُ إِلَى ذُرْوَتِهِ أَنْ يُسْلَكَ وَهَذَا يَفْتَحُ لِعَالِمٍ بَعْدَ آخَرَ مِنَ الْأَبْوَابِ مَا لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الْأَسْبَابُ وَإِنَّ مِمَّا أَهْمَلَ المتقدمون تَدْوِينِهِ حَتَّى تَحَلَّى فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِأَحْسَنِ زِينَةٍ عِلْمَ التَّفْسِيرِ الَّذِي هُوَ كَمُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ فَلَمْ يُدَوِّنْهُ أَحَدٌ لَا فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ حَتَّى جَاءَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعُمْدَةُ الْأَنَامُ عَلَّامَةُ الْعَصْرِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَمِلَ فيه كِتَابِهِ مَوَاقِعُ الْعُلُومِ مِنْ مَوَاقِعِ النُّجُومِ فَنَقَّحَهُ وَهَذَّبَهُ وَقَسَّمَ أَنْوَاعَهُ وَرَتَّبَهُ وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ نَوْعًا مُنْقَسِمَةً إِلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ وَتَكَلَّمَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِالْمَتِينِ مِنَ الْكَلَامِ فَكَانَ كَمَا قال الإمام أبو السعادات ابن الْأَثِيرِ فِي مُقَدِّمَةِ نِهَايَتِهِ: كُلُّ مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ومبتدع أمرا لَمْ يُتَقَدَّمْ فِيهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَلِيلًا ثُمَّ يَكْثُرُ وَصَغِيرًا ثُمَّ يَكْبُرُ. فَظَهَرَ لِيَ اسْتِخْرَاجُ أنواع لم يسبق إليها وزيادة مُهِمَّاتٍ لَمْ يُسْتَوْفَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فجردت الْهِمَّةُ إِلَى وَضْعِ كِتَابٍ فِي هَذَا الْعِلْمِ وَأَجْمَعُ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى شَوَارِدَهُ وَأَضُمُّ إِلَيْهِ فَوَائِدَهُ وَأُنَظِّمُ فِي سِلْكِهِ فَرَائِدَهُ لِأَكُونَ فِي إِيجَادِ هَذَا الْعِلْمِ ثَانِيَ اثْنَيْنِ وَوَاحِدًا فِي جَمْعِ الشَّتِيتِ مِنْهُ كَأَلْفٍ أَوْ كَأَلْفَيْنِ وَمُصَيِّرًا فَنَّيِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ فِي اسْتِكْمَالِ التَّقَاسِيمِ إِلْفَيْنِ وَإِذْ برز نور أكمامه وَفَاحَ وَطَلَعَ بَدَرُ كَمَالِهِ وَلَاحَ وَأَذَّنَ فَجْرُهُ بِالصَّبَاحِ وَنَادَى دَاعِيهِ بالفلاح سَمَّيْتُهُ التَّحْبِيرِ فِي عُلُومِ التَّفْسِيرِ. وَهَذِهِ فَهْرَسْتُ الْأَنْوَاعِ بَعْدَ الْمُقَدِّمَةِ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ. الثالث وَالرَّابِعُ: الْحَضَرِيُّ وَالسَّفَرِيُّ. الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: النَّهَارِيُّ وَاللَّيْلِيُّ. السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: الصَّيْفِيُّ وَالشِّتَائِيُّ. التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ: الْفِرَاشِيُّ وَالنَّوْمِيُّ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَسْبَابُ النُّزُولِ. الثَّانِيَ عَشَرَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ. الثَّالِثَ عَشَرَ: آخِرُ مَا نَزَلَ. الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا عُرِفَ وَقْتُ نُزُولِهِ. الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ فِيهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. السَّادِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. السَّابِعَ عَشَرَ: مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ. الثَّامِنَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا. التَّاسِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ جَمْعًا. الْعِشْرُونَ: كَيْفِيَّةُ إنزاله. وهذه كلها متعلقة بالنزول. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الْمُتَوَاتِرُ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ. الْآحَادُ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الشَّاذُّ. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قِرَاءَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: الرُّوَاةُ وَالْحُفَّاظُ. السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَيْفِيَّةُ التَّحَمُّلِ.

الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: الْعَالِي وَالنَّازِلُ. التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُسَلْسَلُ وهذه متعلقة بالسند. الثَّلَاثُونَ: الِابْتِدَاءُ. الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: الْوَقْفُ. الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْإِمَالَةُ. الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: الْمَدُّ. الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ. الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِدْغَامُ. السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِخْفَاءُ. السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِقْلَابُ. الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: مَخَارِجُ الْحُرُوفِ وهذه متعلقة بالأداء. التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْغَرِيبُ. الْأَرْبَعُونَ: الْمُعَرَّبُ. الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: الْمَجَازُ. الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُشْتَرَكُ. الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: الَمُتَرَادِفُ. الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: وَالْأَرْبَعُونَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ. السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُشْكِلُ. السَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: الْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ. التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: الِاسْتِعَارَةُ. الخمسون: التشبيه. الحادي والثاني وَالْخَمْسُونَ: الْكِنَايَةُ وَالتَّعْرِيضُ.

الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: الْعَامُّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ. الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ. الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: مَا خَصَّ فِيهِ الْكِتَابُ السُّنَّةَ. السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: مَا خَصَّتْ فِيهِ السُّنَّةُ الكتاب. الثامن والخمسون: المؤول. التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: الْمَفْهُومُ. السِّتُّونَ وَالْحَادِيُ وَالسِّتُّونَ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ. الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ. الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: مَا عَمِلَ بِهِ وَاحِدٌ ثُمَّ نُسِخَ. الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى وَاحِدٍ. السَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: الْإِيجَازُ وَالْإِطْنَابُ وَالْمُسَاوَاةُ. التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: الْأَشْبَاهُ. السَّبْعُونَ وَالْحَادِيُ وَالسَّبْعُونَ: الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ. الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: الْقَصْرُ. الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: الِاحْتِبَاكُ. الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ. الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ والسابع وَالسَّبْعُونَ: الْمُطَابَقَةُ وَالْمُنَاسَبَةُ وَالْمُجَانَسَةُ. الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: التَّوْرِيَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ. الثَّمَانُونَ: اللَّفُّ وَالنَّشْرُ. الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: الِالْتِفَاتُ. الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: الْفَوَاصِلُ وَالْغَايَاتُ.

الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: أَفْضَلُ الْقُرْآنِ وَفَاضِلُهُ وَمَفْضُولُهُ. السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ: مُفْرَدَاتُ الْقُرْآنِ. السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: الْأَمْثَالُ. الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ: آدَابُ الْقَارِئِ وَالْمُقْرِئِ. التِّسْعُونَ: آدَابُ الْمُفَسِّرِ. الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: مَنْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ وَمَنْ يُرَدُّ. الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: غَرَائِبُ التَّفْسِيرِ. الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُفَسِّرِينَ. الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: كِتَابَةُ الْقُرْآنِ. الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ: تَسْمِيَةُ السُّوَرِ. السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ: تَرْتِيبُ الْآيِ وَالسُّوَرِ. السَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ: الْأَسْمَاءُ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابُ. الْمِائَةُ: الْمُبْهَمَاتُ. الْأَوَّلُ بَعْدَ الْمِائَةِ: أَسْمَاءُ مَنْ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ. الثَّانِي بَعْدَ الْمِائَةِ: التَّارِيخُ. وَهَذَا آخِرُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي خُطْبَةِ: "التَّحْبِيرِ " وَقَدْ تَمَّ هَذَا الْكِتَابُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَكَتَبَهُ مَنْ هُوَ فِي طَبَقَةِ أَشْيَاخِي مِنْ أُولِي التَّحْقِيقِ ثُمَّ خطر لي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ أُؤَلِّفَ كِتَابًا مَبْسُوطًا وَمَجْمُوعًا مَضْبُوطًا أَسْلُكُ فِيهِ طَرِيقَ الْإِحْصَاءِ وَأَمْشِي فِيهِ عَلَى مِنْهَاجِ الِاسْتِقْصَاءِ هَذَا كُلُّهُ وَأَنَا أَظُنُّ أَنِّي مُتَفَرِّدٌ بِذَلِكَ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِالْخَوْضِ فِي هَذِهِ الْمَسَالِكِ فَبَيْنَا أَنَا أُجِيلُ فِي ذَلِكَ فِكْرًا أُقَدِّمُ رِجْلًا وَأُؤَخِّرُ أُخْرَى إِذْ بَلَغَنِي أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ بدر الدين محمد

ابن عَبْدِ اللَّهِ الزَّرْكَشِيَّ أَحَدَ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيِّينَ أَلَّفَ كِتَابًا فِي ذَلِكَ حَافِلًا يُسَمَّى: "الْبُرْهَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ " فَتَطَلَّبْتُهُ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: لَمَّا كَانَتْ عُلُومُ الْقُرْآنِ لَا تحصى ومعانيه لا تُسْتَقْصَى وَجَبَتِ الْعِنَايَةُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَمِمَّا فَاتَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَضْعُ كِتَابٍ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعِ عُلُومِهِ كَمَا وَضَعَ النَّاسُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي وَضْعِ كِتَابٍ فِي ذَلِكَ جَامِعٍ لِمَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي فُنُونِهِ وَخَاضُوا فِي نُكَتِهِ وَعُيُونِهِ وَضَمَّنْتُهُ مِنَ الْمَعَانِي الْأَنِيقَةِ وَالْحِكَمِ الرَّشِيقَةِ مَا بَهَرَ الْقُلُوبَ عَجَبًا لِيَكُونَ مِفْتَاحًا لِأَبْوَابِهِ عنوانا على كِتَابِهِ مُعِينًا لِلْمُفَسِّرِ عَلَى حَقَائِقِهِ مُطَّلِعًا عَلَى بَعْضِ أَسْرَارِهِ وَدَقَائِقِهِ وَسَمَّيْتُهُ: "الْبُرْهَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ "، وَهَذِهِ فَهْرَسَتُ أَنْوَاعِهِ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ. الثَّانِي: مَعْرِفَةُ المناسبة بَيْنَ الْآيَاتِ. الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الْفَوَاصِلِ. الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ. الْخَامِسُ: عِلْمُ الْمُتَشَابِهِ. السَّادِسُ: عِلْمُ الْمُبْهَمَاتِ.

السَّابِعُ: فِي أَسْرَارِ الفواتح. الثَّامِنُ: فِي خَوَاتِمِ السُّوَرِ. التَّاسِعُ: فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ. الْعَاشِرُ: فِي مَعْرِفَةِ أَوَّلِ مَا نَزَلَ. الْحَادِيَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ عَلَى كَمْ لُغَةٍ نَزَلَ. الثَّانِيَ عَشَرَ: فِي كَيْفِيَّةِ إنزاله. الثالث عشر: في بَيَانُ جَمْعِهِ وَمَنْ حَفِظَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. الرَّابِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ تَقْسِيمِهِ. الْخَامِسَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ أَسْمَائِهِ. السَّادِسَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ الْحِجَازِ. السَّابِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ مَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ. الثَّامِنَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ غَرِيبِهِ. التَّاسِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ التَّصْرِيفِ. الْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ كَوْنِ اللَّفْظِ أَوِ التَّرْكِيبِ أَحْسَنَ وَأَفْصَحَ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ تَوْجِيهِ الْقُرْآنِ. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ. الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: عِلْمُ مَرْسُومِ الْخَطِّ. السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ فَضَائِلِهِ. السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ خَوَاصِّهِ. الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: هَلْ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ شَيْءٍ.

التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي آدَابِ تِلَاوَتِهِ. الثَّلَاثُونَ: فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ فِي التَّصَانِيفِ وَالرَّسَائِلِ وَالْخُطَبِ اسْتِعْمَالُ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ. الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الْأَمْثَالِ الْكَامِنَةِ فِيهِ. الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ. الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ جَدَلِهِ. الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ. الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ مُوهِمِ الْمُخْتَلِفِ. السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُحْكَمِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ. السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي حُكْمِ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الصِّفَاتِ. الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ إِعْجَازِهِ. التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ وُجُوبِ مُتَوَاتِرِهِ. الْأَرْبَعُونَ: فِي بَيَانِ مُعَاضَدَةِ السنة الكتاب. الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِهِ. الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ وُجُوهِ الْمُخَاطَبَاتِ. الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ. الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي الْكِنَايَاتِ وَالتَّعْرِيضِ. الْخَامِسَ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي أَقْسَامِ مَعْنَى الْكَلَامِ. السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ. السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْأَدَوَاتِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ إِلَّا وَلَوْ أَرَادَ الْإِنْسَانُ اسْتِقْصَاءَهُ لَاسْتَفْرَغَ عُمْرَهُ ثُمَّ لَمْ يَحْكُمْ أَمْرَهُ وَلَكِنِ اقْتَصَرْنَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى أُصُولِهِ وَالرَّمْزِ إِلَى بَعْضِ فُصُولِهِ فَإِنَّ الصِّنَاعَةَ طَوِيلَةٌ وَالْعُمُرَ قَصِيرٌ وَمَاذَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَ لِسَانُ التَّقْصِيرِ! هَذَا آخَرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيِّ فِي خُطْبَتِهِ. وَلَمَّا وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ ازْدَدْتُ بِهِ سُرُورًا وَحَمِدْتُ اللَّهَ كَثِيرًا وَقَوِيَ الْعَزْمُ عَلَى إِبْرَازِ مَا أَضْمَرْتُهُ وَشَدَدْتُ الْحَزْمَ فِي إِنْشَاءِ التَّصْنِيفِ الَّذِي قَصَدْتُهُ فَوَضَعْتُ هَذَا الْكِتَابَ الْعَلِيَّ الشَّأْنِ الْجَلِيَّ الْبُرْهَانِ الْكَثِيرَ الْفَوَائِدِ وَالْإِتْقَانِ وَرَتَّبْتُ أَنْوَاعَهُ تَرْتِيبًا أَنْسَبَ مِنْ تَرْتِيبِ الْبُرْهَانِ وَأَدْمَجْتُ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ فِي بَعْضٍ وَفَصَلْتُ مَا حَقُّهُ أَنْ يُبَانَ وَزِدْتُهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْفَرَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ وَالشَّوَارِدِ مَا يُشَنِّفُ الْآذَانَ وسميته بالإتقان فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ وَسَتَرَى فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بِالتَّصْنِيفِ مُفْرَدًا وَسَتُرْوَى مِنْ مَنَاهِلِهِ الْعَذْبَةِ رِيًّا لَا ظَمَأَ بَعْدَهُ أَبَدًا وَقَدْ جَعَلْتُهُ مُقَدِّمَةً لِلتَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ الَّذِي شَرَعْتُ فِيهِ وسميته بمجمع الْبَحْرَيْنِ وَمَطْلَعِ الْبَدْرَيْنِ الْجَامِعِ لِتَحْرِيرِ الرِّوَايَةِ وَتَقْرِيرِ الدِّرَايَةِ وَمِنَ اللَّهِ أَسْتَمِدُّ التَّوْفِيقَ وَالْهِدَايَةَ وَالْمَعُونَةَ وَالرِّعَايَةَ إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أنيب وَهَذِهِ فَهْرَسَتُ أَنْوَاعِهِ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ. الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْحَضَرِيِّ وَالسَّفَرِيِّ.

الثَّالِثُ: النَّهَارِيُّ وَاللَّيْلِيُّ. الرَّابِعُ: الصَّيْفِيُّ وَالشِّتَائِيُّ. الْخَامِسُ: الْفِرَاشِيُّ وَالنَّوْمِيُّ. السَّادِسُ: الْأَرْضِيُّ وَالسَّمَائِيُّ. السَّابِعُ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ. الثَّامِنُ: آخِرُ مَا نَزَلَ. التَّاسِعُ: أَسْبَابُ النُّزُولِ. الْعَاشِرُ: مَا نَزَلَ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. الْحَادِيَ عَشَرَ: مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ. الثاني عشر: ما تأخر حكمه عَنْ نُزُولِهِ وَمَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ عَنْ حُكْمِهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا وَمَا نَزَلَ جَمْعًا. الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا. الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا لَمْ يُنَزَّلْ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ. السَّابِعَ عَشَرَ: فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَأَسْمَاءِ سُوَرِهِ. الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي جَمْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ. التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي عَدَدِ سُوَرِهِ وَآيَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ. الْعِشْرُونَ: فِي حُفَّاظِهِ وَرُوَاتِهِ. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي الْعَالِي وَالنَّازِلِ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُتَوَاتِرِ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْمَشْهُورِ.

الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْآحَادِ. الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الشَّاذِّ. السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: الْمَوْضُوعُ. السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُدْرَجُ. الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ. التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي بَيَانِ الْمَوْصُولِ لَفْظًا الْمَفْصُولِ مَعْنًى. الثَّلَاثُونَ: فِي الْإِمَالَةِ وَالْفَتْحِ وَمَا بَيْنَهُمَا. الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْإِقْلَابِ. الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الْمَدِّ وَالْقَصْرِ. الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ. الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِ. الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي آدَابِ تِلَاوَتِهِ. السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ غَرِيبِهِ. السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْحِجَازِ. الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ. التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ. الْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُفَسِّرُ. الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ إِعْرَابِهِ. الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي قَوَاعِدَ مُهِمَّةٍ يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا. الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ. الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ. الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي خَاصِّهِ وَعَامِّهِ.

السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُجْمَلِهِ وُمُبَيَّنِهِ. السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ. الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُشْكِلِهِ وَمُوهِمِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَاقُضِ. التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُطْلَقِهِ وَمُقَيَّدِهِ. الْخَمْسُونَ: فِي مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ. الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: فِي وُجُوهِ مُخَاطَبَاتِهِ. الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ. الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: فِي تَشْبِيهِهِ وَاسْتِعَارَتِهِ. الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي كِنَايَاتِهِ وَتَعْرِيضِهِ. الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْحَصْرِ وَالِاخْتِصَاصِ. السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ. السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ. الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: فِي بَدَائِعِ الْقُرْآنِ. التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي فَوَاصِلِ الْآيِ. السِّتُّونَ: فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ. الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: فِي خَوَاتِمِ السُّوَرِ. الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: فِي مُنَاسَبَةِ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ. الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: فِي الْآيَاتِ الْمُشْتَبِهَاتِ. الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ. الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: فِي الْعُلُومِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنَ الْقُرْآنِ. السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: فِي أَمْثَالِهِ.

السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي أَقْسَامِهِ. الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: فِي جَدَلِهِ. التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابِ. السَّبْعُونَ: فِي مُبْهَمَاتِهِ. الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: فِي أَسْمَاءِ مَنْ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ. الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: فِي أَفْضَلِ الْقُرْآنِ وَفَاضِلِهِ. الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ. الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: فِي خَوَاصِّهِ. السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: فِي رُسُومِ الْخَطِّ وَآدَابِ كِتَابَتِهِ. السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ تَأْوِيلِهِ وَتَفْسِيرِهِ وَبَيَانِ شَرَفِهِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ. الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: فِي شُرُوطِ الْمُفَسِّرُ وَآدَابِهِ. التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي غَرَائِبِ التَّفْسِيرِ. الثَّمَانُونَ: فِي طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ. فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَوْعًا عَلَى سَبِيلِ الْإِدْمَاجِ وَلَوْ نَوَّعْتُ بِاعْتِبَارِ مَا أَدْمَجْتُهُ فِي ضِمْنِهَا لَزَادَتْ عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ وَغَالِبُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فِيهَا تَصَانِيفُ مُفْرَدَةٌ وَقَفْتُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا. وَمِنَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي مِثْلِ هَذَا النَّمَطِ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ مِثْلَهُ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ ونبذة قصيرة وفنون الْأَفْنَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الجوزي وجمال الْقُرَّاءِ لِلشَّيْخِ عَلَمِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ والمرشد الْوَجِيزُ فِي عُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ الْعَزِيزِ لِأَبِي شامة والبرهان فِي مُشْكِلَاتِ الْقُرْآنِ لِأَبِي الْمَعَالِي

عَزِيزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَعْرُوفُ بِشَيْذَلَةَ وَكُلُّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَوْعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ كَحَبَّةِ رَمْلٍ فِي جَنْبِ رَمْلٍ عَالِجٍ وَنُقْطَةِ قَطْرٍ في حيال بَحْرٍ زَاخِرٍ. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الْكُتُبِ الَّتِي نَظَرْتُهَا عَلَى هَذَا الْكِتَابِ وَلَخَّصْتُهُ مِنْهَا. فَمِنَ الْكُتُبِ النَّقْلِيَّةِ: تَفْسِيرُ ابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وابن مروديه وأبي الشيخ وابن حَيَّانَ، وَالْفِرْيَابِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ - وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ سُنَنِهِ - وَالْحَاكِمِ - وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ - وَتَفْسِيرُ الْحَافِظِ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ كَثِيرٍ وَفَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِأَبِي عُبَيْدٍ وَفَضَائِلُ الْقُرْآنِ لابن الضر يس وَفَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ والمصاحف لِابْنِ أَبِي دَاوُدَ الْمَصَاحِفُ لِابْنِ أَشْتَةَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الأنبا ري أَخْلَاقُ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ لِلْآجُرِّيِّ التِّبْيَانُ فِي آدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ لِلنَّوَوِيِّ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ حَجَرٍ. وَمِنْ جوامع الحديث والمسانيد مالا يُحْصَى. وَمِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ وَتَعَلُّقَاتِ الْأَدَاءِ: جَمَالُ الْقُرَّاءِ لِلسَّخَاوِيِّ، النَّشْرُ والتقريب لابن الجزري، الكامل لِلْهُذَلِيِّ، الْإِرْشَادُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ لِلْوَاسِطِيِّ، الشَّوَاذُّ لِابْنِ غَلْبُونَ، الْوَقْفُ والابتداء لابن الأنبا ري وَلِلسَّجَاوَنْدِيِّ وَلِلنَّحَّاسِ، وَلِلدَّانِي وَلِلْعَمَّانِيِّ وَلِابْنِ النِّكْزَاوِيِّ، قُرَّةُ الْعَيْنِ فِي الْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِابْنِ الْقَاصِحِ. وَمِنْ كُتُبِ اللُّغَاتِ وَالْغَرِيبِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْإِعْرَابِ:

مُفْرَدَاتُ الْقُرْآنِ لِلرَّاغِبِ، غَرِيبُ الْقُرْآنِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ وَلِلْعُزَيْزِيِّ، الْوُجُوهُ وَالنَّظَائِرُ لِلنَّيْسَابُورِيِّ وَلِابْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، الْوَاحِدُ والجمع في القرآن لأبي الحسن الْأَخْفَشِ الْأَوْسَطِ، الزَّاهِرُ لِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، شَرْحُ التَّسْهِيلِ وَالِارْتِشَافِ لِأَبِي حَيَّانَ، الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ، الْجَنَى الدَّانِيُّ فِي حُرُوفِ الْمَعَانِي لِابْنِ أُمِّ قَاسِمٍ، إِعْرَابُ الْقُرْآنِ لِأَبِي الْبَقَاءِ وَلِلسَّمِينِ وَلِلسَّفَاقِسِيِّ وَلِمُنْتَخَبِ الدين، والمحتسب فِي تَوْجِيهِ الشَّوَاذِّ لِابْنِ جِنِّيٍّ، الْخَصَائِصُ لَهُ، الْخَاطِرِيَّاتُ لَهُ، ذَا الْقَدِّ لَهُ، أَمَالِي ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُعْرَّبُ لِلْجَوَالِيقِيِّ مُشْكِلُ الْقُرْآنِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ اللُّغَاتُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا القرآن للقاسم بن سلام الْغَرَائِبُ وَالْعَجَائِبُ لِلْكَرْمَانِيِّ قَوَاعِدُ فِي التَّفْسِيرِ لِابْنِ تَيْمِيَةَ. وَمِنْ كُتُبِ الْأَحْكَامِ وَتَعَلُّقَاتِهَا: أَحْكَامُ الْقُرْآنِ لِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، وَلِبَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ، وَلِأَبِي بَكْرِ الرَّازِيِّ، وَلِلْكِيَا الْهَرَّاسِيِّ وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلِابْنِ الْفَرَسِ وَلِابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادَ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لِمَكِّيِّ وَلِابْنِ الْحَصَّارِ وَلِلسَّعِيدِيِّ وَلِأَبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلِأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَلِأَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَلِأَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ التَّمِيمِيِّ الْإِمَامُ فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبَدِ السَّلَامِ. وَمِنَ الْكُتُبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِعْجَازِ وَفُنُونِ الْبَلَاغَةِ: إِعْجَازُ الْقُرْآنِ لِلْخَطَّابِيِّ، وَلِلرُّمَّانِيِّ، وَلِابْنِ سُرَاقَةَ، وَلِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ الْبَاقِلَانِيِّ، وَلِعَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيِّ، وَلِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ، وَلِابْنِ أَبِي الْأُصْبُعِ -

وَاسْمُهُ الْبُرْهَانُ -،وَلِلزَّمْلَكَانِيِّ - وَاسْمُهُ الْبُرْهَانُ أَيْضًا - وَمُخْتَصَرُهُ لَهُ - وَاسْمُهُ الْمَجِيدُ - مَجَازُ الْقُرْآنِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِيجَازُ فِي الْمَجَازِ لِابْنِ الْقَيِّمِ نِهَايَةُ التَّأْمِيلِ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ لِلزَّمْلَكَانِيِّ التِّبْيَانُ فِي الْبَيَانِ لَهُ الْمَنْهَجُ الْمُفِيدُ فِي أَحْكَامِ التَّوْكِيدِ لَهُ بَدَائِعُ الْقُرْآنِ لِابْنِ أَبِي الْأُصْبُعِ التَّحْبِيرُ لَهُ الْخَوَاطِرُ السَّوَانِحُ فِي أَسْرَارِ الْفَوَاتِحِ لَهُ أَسْرَارُ التَّنْزِيلِ لِلشَّرَفِ الْبَارِزِيِّ الْأَقْصَى الْقَرِيبُ لِلتَّنُوخِيِّ مِنْهَاجُ الْبُلَغَاءِ لِحَازِمٍ الْعُمْدَةُ لِابْنِ رَشِيقٍ الصِّنَاعَتَيْنِ لِلْعَسْكَرِيِّ الْمِصْبَاحُ لِبَدْرِ الدِّينِ بْنِ مَالِكٍ التِّبْيَانُ لِلطَّيِّبِيِّ الْكِنَايَاتُ لِلْجُرْجَانِيِّ الْإِغْرِيضُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الِاقْتِنَاصُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَصْرِ وَالِاخْتِصَاصِ لَهُ عَرُوسُ الْأَفْرَاحِ لِوَلَدِهِ بَهَاءِ الدِّينِ رَوْضُ الْأَفْهَامِ فِي أَقْسَامِ الِاسْتِفْهَامِ لِلشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الصَّائِغِ نَشْرُ الْعَبِيرِ فِي إِقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الضَّمِيرِ لَهُ الْمُقَدِّمَةُ فِي سر الألفاظ المقدمة لَهُ إِحْكَامُ الرَّايِ فِي أَحْكَامِ الْآيِ لَهُ مُنَاسَبَاتُ تَرْتِيبِ السُّوَرِ لِأَبِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَوَاصِلُ الْآيَاتِ لِلطُّوفِيِّ الْمَثَلُ السَّائِرُ لِابْنِ الْأَثِيرِ الْفَلَكُ الدَّائِرُ عَلَى الْمَثَلِ السَّائِرِ كَنْزُ الْبَرَاعَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ شَرْحُ بَدِيعِ قُدَامَةَ لِلْمُوَفَّقِ عَبْدِ اللَّطِيفِ. وَمِنَ الْكُتُبِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ: الْبُرْهَانُ فِي مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ لِلْكَرْمَانِيِّ دُرَّةُ التَّنْزِيلِ وَغُرَّةُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُتَشَابِهِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ كَشْفُ الْمَعَانِي عن متشابه الْمَثَانِي لِلْقَاضِي بَدْرِ الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةٍ أَمْثَالُ الْقُرْآنِ لِلْمَاوَرْدِيِّ أَقْسَامُ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْقَيِّمِ جَوَاهِرُ الْقُرْآنِ لِلْغَزَالِيِّ التَّعْرِيفُ وَالْإِعْلَامُ فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَعْلَامِ لِلسُّهَيْلِيِّ الذَّيْلُ عَلَيْهِ لِابْنِ عَسَاكِرَ التِّبْيَانُ فِي مُبْهَمَاتِ الْقُرْآنِ لِلْقَاضِي بَدْرِ

الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ أَسْمَاءُ مِنْ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ لِإِسْمَاعِيلَ الضَّرِيرِ ذَاتُ الرُّشْدِ فِي عَدَدِ الْآيِ وَشَرْحِهَا لِلْمَوْصِلِيِّ شَرْحُ آيَاتِ الصِّفَاتِ لِابْنِ اللَّبَّانِ الدُّرُّ النَّظِيمُ فِي مَنَافِعِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِلْيَافِعِيِّ. وَمِنْ كُتُبِ الرَّسْمِ: الْمُقَنَّعُ لِلدَّانِيِّ شَرْحُ الرَّائِيَةِ لِلسَّخَاوِيِّ شَرْحُهَا لِابْنِ جُبَارَةَ. وَمِنَ الْكُتُبِ الْجَامِعَةِ: بَدَائِعُ الْفَوَائِدِ لِابْنِ الْقَيِّمِ كَنْزُ الْفَوَائِدِ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْغُرَرُ وَالدُّرَرُ لِلشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى تَذْكِرَةُ الْبَدْرِ بْنِ الصَّاحِبِ جَامِعُ الْفُنُونِ لِابْنِ شَبِيبٍ الْحَنْبَلِيِّ النَّفِيسُ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ الْبُسْتَانُ لِأَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ. وَمِنْ تَفَاسِيرِ غَيْرِ الْمُحَدِّثِينَ. الْكَشَّافُ وَحَاشِيَتُهُ لِلطَّيِّبِيِّ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ تَفْسِيرُ الْأَصْبِهَانِيِّ وَالْحَوْفِيِّ وَأَبِي حَيَّانَ وَابْنِ عَطِيَّةَ وَالْقُشَيْرِيِّ وَالْمُرْسِيِّ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ رَزِينٍ وَالْوَاحِدِيِّ وَالْكَوَاشِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَسُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ بَرَّجَانَ وَابْنِ بَزِيزَةَ وَابْنِ الْمُنِيرِ أَمَالِي الرَّافِعِيِّ عَلَى الْفَاتِحَةِ مُقَدِّمَةُ تَفْسِيرِ ابن النقيب. وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمَعْبُودِ.

النوع الأول: في معرفة المكي والمدني

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَكِّيُّ وَالْعِزُّ الدَّيْرِينِيُّ وَمِنْ فَوَائِدِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمُتَأَخِّرِ فَيَكُونُ نَاسِخًا أَوْ مُخَصَّصًا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى تَأْخِيرَ الْمُخَصَّصِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى فَضْلِ عُلُومِ الْقُرْآنِ: مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِ الْقُرْآنِ عِلْمُ نُزُولِهِ وَجِهَاتِهِ وَتَرْتِيبِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَحُكْمُهُ مَدَنِيٌّ وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَحُكْمُهُ مَكِّيٌّ وَمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا يُشْبِهُ نُزُولَ الْمَكِّيِّ فِي الْمَدَنِيِّ وَمَا يُشْبِهُ نُزُولَ الْمَدَنِيِّ فِي الْمَكِّيِّ وَمَا نَزَلَ بِالْجُحْفَةِ وَمَا نَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا نَزَلَ بِالطَّائِفِ وَمَا نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةَ وَمَا نَزَلَ لَيْلًا وَمَا نَزَلَ نَهَارًا وَمَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا وَالْآيَاتُ الْمَدَنِيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَالْآيَاتُ الْمَكِّيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ وَمَا حُمِلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَمَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَا نَزَلَ مُجْمَلًا وَمَا نَزَلَ مُفَسَّرًا وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَدَنِيٌّ وَبَعْضُهُمْ مَكِّيٌّ فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا وَيُمَيِّزْ بَيْنَهَا لَمْ يَحْلُ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى.

قُلْتُ: وَقَدْ أَشْبَعْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ فَمِنْهَا مَا أَفْرَدْتُهُ بِنَوْعٍ وَمِنْهَا مَا تَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: الَّذِي عَلِمْنَاهُ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّ مِنْهُ مَكِّيًّا وَمَدَنِيًّا وَسَفَرِيًّا وَحَضَرِيًّا وَلَيْلِيًّا وَنَهَارِيًّا وَسَمَائِيًّا وَأَرْضِيًّا وَمَا نَزَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فِي الْغَارِ. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ: الْمُنَزَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ وَمَا بَعْضُهُ مَكِّيٌّ وَبَعْضُهُ مَدَنِيٌّ وَمَا لَيْسَ بِمَكِّيٍّ وَلَا مَدَنِيٍّ. اعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ اصْطِلَاحَاتٌ ثَلَاثَةٌ: أَشْهَرُهَا: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالْمَدَنِيَّ مَا نَزَلَ بَعْدَهَا سَوَاءٌ نَزَلَ بِمَكَّةَ أَمْ بِالْمَدِينَةِ عَامَ الْفَتْحِ أَوْ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ أَمْ بِسَفَرٍ مِنَ الْأَسْفَارِ. أَخْرَجَ عثمان ابن سعد الرازي بِسَنَدِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ قَالَ: مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَمَا نَزَلَ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَهُوَ مِنَ الْمَكِّيِّ وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في أَسْفَارِهِ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَهُوَ مِنَ الْمَدَنِيِّ وَهَذَا أَثَرٌ لَطِيفٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا نَزَلَ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ مَكِّيٌّ اصْطِلَاحًا. الثَّانِي: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْمَدَنِيُّ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ فَمَا نَزَلَ بِالْأَسْفَارِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَكِّيٌّ وَلَا مَدَنِيٌّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ: مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَالشَّامَ " قَالَ الْوَلِيدُ: يَعْنِي بَيْتَ

الْمَقْدِسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ: بَلْ تَفْسِيرُهُ بِتَبُوكٍ أَحْسَنُ. قُلْتُ: وَيَدْخُلُ فِي مَكَّةَ ضَوَاحِيهَا كَالْمَنْزِلِ بِمِنَى وَعَرَفَاتٍ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَفِي الْمَدِينَةِ ضَوَاحِيهَا كَالْمُنَزَّلِ بِبَدْرٍ وَأُحُدٍ وَسَلْعٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا وَقَعَ خِطَابًا لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدَنِيُّ مَا وَقَعَ خِطَابًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحُمِلَ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ: إِنَّمَا يَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ إِلَى حِفْظِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عِلْمَ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الْأُمَّةِ وَإِنْ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ تَارِيخِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَقَدْ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصِّ الرَّسُولِ انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ ". وَقَالَ أَيُّوبٌ: سَأَلَ رَجُلٌ عكرمة عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: "نَزَلَتْ فِي سَفْحِ ذَلِكَ الْجَبَلِ "- وَأَشَارَ إِلَى سَلْعٍ. أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ عَدُّ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَأَنَا أَسُوقُ مَا وَقَعَ لِي مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أُعْقِبُهُ بِتَحْرِيرِ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَنْبَأَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحَضْرَمِيِّ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ نَزَلَ بِهَا سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً وَسَائِرُهَا بِمَكَّةَ ".

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: حَدَّثَنِي يَمُوتُ بْنُ الْمُزَرِّعِ حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى حدثني يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ يَقُولُ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ تَلْخِيصِ آيِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ مِنَ الْمَكِّيِّ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ السُّوَرِ مَدَنِيَّاتٌ. وَنَزَلَتْ بِمَكَّةَ سُورَةُ الْأَعْرَافِ وَيُونُسَ وَهُودٍ وَيُوسُفَ وَالرَّعْدِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحِجْرِ وَالنَّحْلِ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أُحُدٍ - وَسُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْحَجِّ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ: {هَذَانِ خَصْمَانِ} إِلَى تَمَامِ الَآيَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بالمدينة - وسورة المؤمنين وَالْفَرْقَانِ وَسُورَةُ الشُّعَرَاءِ - سِوَى خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ أخراها نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إِلَى آخِرِهَا. وَسُورَةُ النَّمْلِ وَالْقَصَصِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ وَلُقْمَانَ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ - وَسُورَةُ السَّجْدَةِ سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً} إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ وَسُورَةُ سَبَأٍ وَفَاطِرٍ وَيس وَالصَّافَّاتِ وَص وَالزَّمْرِ سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} إِلَى تَمَامِ

الثلاث آيات والحوا ميم السبع وق والداريات وَالطُّورُ وَالنَّجْمُ وَالْقَمَرُ وَالرَّحْمَنُ وَالْوَاقِعَةُ وَالصَّفُّ وَالتَّغَابُنُ إِلَّا آيَاتٌ مِنْ آخِرِهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ. وَالْمُلْكُ وَن وَالْحَاقَّةُ وَسَأَلَ وَسُورَةُ نُوحٍ وَالْجِنِّ وَالْمُزَّمِّلِ إِلَّا آيَتَيْنِ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ} وَالْمُدَّثِّرِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ إِلَّا إِذَا زُلْزِلَتِ وإذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَإِنَّهُنَّ مَدَنِيَّاتٌ. وَنَزَلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةٍ وَالنُّورِ وَالْأَحْزَابِ وَسُورَةُ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْحِ وَالْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيدِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى التَّحْرِيمِ ". هَكَذَا أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَشْهُورِينَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ الْعَدْلُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ عن عكرمة والحسن بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قَالَا: "أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَن وَالْمُزَّمِّلَ وَالْمُدَّثِّرَ وَتَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالْفَجْرِ وَالضُّحَى وألم نشرح والعصر والعاديات والكوثر وألهاكم التكاثر وأرأيت وقل يا أيها الكافرون وأصحاب الفيل والفلق وقل أعوذ برب الناس وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالنَّجْمَ وَعَبَسَ وَإِنَّا أنزلناه والشمس وَضُحَاهَا وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالتِّينِ

الزيتون ولإيلاف قُرَيْشٍ وَالْقَارِعَةَ وَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْهُمَزَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ وَق ولا أقسم بهذا البلد والسماء وَالطَّارِقِ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَص وَالْجِنَّ وَيس وَالْفُرْقَانَ وَالْمَلَائِكَةَ وَطه وَالْوَاقِعَةَ وَطسم وَطس وَطسم وَبَنِي إِسْرَائِيلَ وَالتَّاسِعَةَ وَهُودَ وَيُوسُفَ وَأَصْحَابَ الْحِجْرِ وَالْأَنْعَامَ وَالصَّافَّاتِ وَلُقْمَانَ وَسَبَأَ وَالزُّمَرَ وَحم الْمُؤْمِنِ وَحم الدُّخَانِ وحم السجدة وحمعسق وحم الزخرف والجاثية والأحقاف والداريات والغاشية وأصحاب الكهف والنحل ونوح وَإِبْرَاهِيمَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالم السَّجْدَةَ وَالطَّوْرَ وَتَبَارَكَ وَالْحَاقَّةَ وَسَأَلَ وَعم يتساءلون والنازعات وإذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَالرُّومَ وَالْعَنْكَبُوتَ. وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَالْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالْأَنْفَالُ وَالْأَحْزَابُ وَالْمَائِدَةُ وَالْمُمْتَحَنَةُ وَالنِّسَاءُ وَإِذَا زُلْزِلَتِ وَالْحَدِيدُ وَمُحَمَّدٌ وَالرَّعْدُ وَالرَّحْمَنُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَالطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ وَالْحَشْرُ وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالنُّورُ وَالْحَجُّ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْمُجَادَلَةُ وَالْحُجُرَاتُ وَيا أيها النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ وَالصَّفُّ وَالْجُمْعَةُ وَالتَّغَابُنُ وَالْفَتْحُ وَبَرَاءَةٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالتَّاسِعَةُ يُرِيدُ بِهَا سُورَةَ يُونُسَ قَالَ وَقَدْ سَقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْفَاتِحَةُ وَالْأَعْرَافُ وَكهيعص فِيمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ. قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَارُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيُّ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا خَصِيفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مِنَ الْقُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَذَكَرَ السُّوَرَ الَّتِي سَقَطَتْ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي ذِكْرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَقَالَ وَلِلْحَدِيثِ شَاهِدٌ فِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ وَغَيْرِهِ مَعَ الْمُرْسَلِ الصَّحِيحِ الَّذِي تَقَدَّمَ. وقال ابن الضر يس فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جعفر الرازي أنبأنا عمرو بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَتْ إِذَا أنزلت فاتحة الكتاب بِمَكَّةَ كُتِبَتْ بِمَكَّةَ ثُمَّ يَزِيدُ اللَّهُ فِيهَا مَا شَاءَ وَكَانَ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثُمَّ ن ثُمَّ يا أيها المزمل ثم يا أيها الْمُدَّثِّرُ ثُمَّ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ثُمَّ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ثُمَّ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ثُمَّ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ثُمَّ وَالْفَجْرِ ثُمَّ وَالضُّحَى ثُمَّ أَلَمْ نَشْرَحْ ثُمَّ وَالْعَصْرِ ثُمَّ وَالْعَادِيَّاتِ ثُمَّ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ثُمَّ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ثُمَّ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ ثُمَّ قُلْ يا أيها الْكَافِرُونَ ثُمَّ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ثُمَّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ثُمَّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ وَالنَّجْمِ ثُمَّ عَبَسَ ثُمَّ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ثُمَّ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ثُمَّ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ثُمَّ والتين ثُمَّ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ثُمَّ الْقَارِعَةُ ثُمَّ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ثُمَّ وَالْمُرْسَلَاتِ ثُمَّ ق ثُمَّ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ثُمَّ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ثُمَّ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ثُمَّ ص ثُمَّ الْأَعْرَافُ ثُمَّ قُلْ

أُوحِيَ ثُمَّ يس ثُمَّ الْفُرْقَانُ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ ثم كهيعص ثم طه ثُمَّ الْوَاقِعَةُ ثُمَّ طسم الشُّعَرَاءِ ثُمَّ طس ثُمَّ الْقَصَصُ ثُمَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ يُونُسَ ثُمَّ هَودٌ ثُمَّ يُوسُفَ ثُمَّ الحجر ثم الأنعام ثم الصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم الْمُؤْمِنِ ثُمَّ حم السَّجْدَةِ ثُمَّ حم عسق ثُمَّ حم الزُّخْرُفِ ثُمَّ الدُّخَانِ ثُمَّ الْجَاثِيَةِ ثُمَّ الْأَحْقَافِ ثُمَّ الذَّارِيَاتُ ثُمَّ الْغَاشِيَةُ ثُمَّ الْكَهْفُ ثُمَّ النَّحْلُ ثُمَّ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا ثُمَّ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ الأنبياء ثم المؤمنين ثُمَّ تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ ثُمَّ الطَّوْرُ ثُمَّ تَبَارَكَ الْمُلْكِ ثُمَّ الْحَاقَّةُ ثُمَّ سَأَلَ ثُمَّ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ثُمَّ النَّازِعَاتُ ثُمَّ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ثُمَّ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ثم الروم ثم الْعَنْكَبُوتُ ثُمَّ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فَهَذَا مَا أَنْزَلَ الله بمكة. ثم أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ثُمَّ الْأَنْفَالِ ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُمْتَحَنَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ ثُمَّ إِذَا زُلْزِلَتِ ثُمَّ الْحَدِيدِ ثُمَّ الْقِتَالِ ثُمَّ الرَّعْدِ ثُمَّ الرَّحْمَنِ ثُمَّ الْإِنْسَانِ ثُمَّ الطَّلَاقِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ الْحَشْرِ ثُمَّ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ثُمَّ النُّورِ ثُمَّ الْحَجِّ ثُمَّ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ الْمُجَادَلَةِ ثُمَّ الْحُجُرَاتِ ثُمَّ التَّحْرِيمِ ثُمَّ الْجُمْعَةِ ثُمَّ التَّغَابُنِ ثُمَّ الصَّفِّ ثُمَّ الْفَتْحِ ثُمَّ الْمَائِدَةِ ثُمَّ بَرَاءَةٍ ". وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ وَالْأَنْفَالِ وَالتَّوْبَةِ وَالْحَجِّ والنور والأحزاب والذين كَفَرُوا وَالْفَتْحِ وَالْحَدِيدِ وَالْمُجَادَلَةِ وَالْحَشْرِ وَالْمُمْتَحَنَةِ وَالْحِوَارِيِينَ - يُرِيدُ الصَّفَّ - وَالتَّغَابُنِ ويا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ

النساء ويا أيها النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ وَالْفَجْرِ وَاللَّيْلِ وَإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلَمْ يَكُنِ وَإِذَا زُلْزِلَتِ وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَسَائِرِ ذَلِكَ بِمَكَّةَ ". وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا حجاج ابن مِنْهَالٍ نَبَّأَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "نَزَلَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَبَرَاءَةٌ وَالرَّعْدُ وَالنَّحْلُ وَالْحَجُّ وَالنُّورُ وَالْأَحْزَابُ وَمُحَمَّدٌ وَالْفَتْحُ وَالْحُجُرَاتُ وَالْحَدِيدُ وَالرَّحْمَنُ وَالْمُجَادَلَةُ والحشرو الممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق وياأيها النبي صلى الله عليه وسلم لم تحرم إلى رأس العشروإذا زلزلت وإذا جاء نصرا لله وسائر القرآن نزل بمكة ". وقال أبو الحسن بن الحصارفي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: الْمَدَنِيُّ بِاتِّفَاقِ عِشْرُونَ سُورَةً والمختلف فيه اثْنَتَا عَشْرَةَ سُورَةً وَمَا عَدَا ذَلِكَ مَكِّيٌّ بِاتِّفَاقٍ ثُمَّ نَظَمَ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا فَقَالَ: يَا سَائِلِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ مُجْتَهِدًا وَعَنْ ترتب مَا يُتْلَى مِنَ السُّوَرِ وَكَيْفَ جَاءَ بِهَا الْمُخْتَارُ مِنْ مُضَرٍ صَلَّى الْإِلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا قَبْلَ هِجْرَتِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فِي بَدْوٍ وَفِي حَضَرِ لِيَعْلَمَ النَّسَخَ وَالتَّخْصِيصَ مُجْتَهِدٌ يُؤَيِّدُ الْحُكْمَ بِالتَّارِيخِ وَالنَّظَرِ تَعَارَضَ النَّقْلُ فِي أُمِّ الْكُتَّابِ وَقَدْ تُؤُوِّلَتِ الْحِجْرُ تَنْبِيهًا لِمُعْتَبِرِ أُمُّ الْقُرَانِ وَفِي أُمِّ الْقُرَى نَزَلَتْ مَا كَانَ لِلْخَمْسِ قَبْلَ محمد مِنْ أَثَرٍ

وَبَعْدَ هِجْرَةِ خَيْرِ النَّاسِ قَدْ نَزَلَتْ عِشْرُونَ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ فِي عَشْرِ فَأَرْبَعٌ مِنْ طُوَالِ السَّبْعِ أَوَّلُهَا وَخَامِسُ الْخَمْسِ فِي الْأَنْفَالِ ذِي الْعِبَرِ وَتَوْبَةُ اللَّهِ إِنْ عُدَّتْ فَسَادِسَةٌ وَسُورَةُ النُّورِ وَالْأَحْزَابِ ذِي الذِّكْرِ وَسُورَةٌ لِنَبِيِّ اللَّهِ مَحْكَمَةٌ وَالْفَتْحُ وَالْحُجُرَاتُ الْغِرُّ فِي غُرَرِ ثُمَّ الْحَدِيدُ وَيَتْلُوهَا مُجَادَلَةٌ وَالْحَشْرُ ثُمَّ امْتِحَانُ اللَّهِ لِلْبَشَرِ وَسُورَةٌ فَضَحَ اللَّهُ النِّفَاقَ بِهَا وَسُورَةُ الْجَمْعِ تِذْكَارٌ لِمُدَّكِرِ وَلِلطَّلَاقِ وَلِلتَّحْرِيمِ حُكْمُهُمَا وَالنَّصْرُ وَالْفَتْحُ تَنْبِيهًا عَلَى الْعُمْرِ هَذَا الَّذِي اتَّفَقَتْ فِيهِ الرُّوَاةُ لَهُ وَقَدْ تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ فِي أُخَرِ فَالرَّعْدُ مُخْتَلِفٌ فِيهَا مَتَى نَزَلَتْ وَأَكْثَرُ النَّاسِ قَالُوا الرَّعْدُ كَالْقَمَرِ وَمِثْلُهَا سُورَةُ الرَّحْمَنِ شَاهِدُهَا مِمَّا تَضَمَّنَ قَوْلَ الْجِنِّ فِي الْخَبَرِ وَسُورَةٌ اللحواريين قَدْ عُلِمَتْ ثُمَّ التَّغَابُنُ وَالتَّطْفِيفُ ذُو النُّذُرِ وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ قَدْ خُصَّتْ بِمِلَّتِنَا وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهَا الزِّلْزَالُ فَاعْتَبِرِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ مِنْ أَوْصَافِ خَالِقِنَا وَعَوْذَتَانِ تَرُدُّ الْبَأْسَ بِالْقَدْرِ وَذَا الَّذِي اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرُّوَاةُ لَهُ وَرُبَّمَا اسْتُثْنِيَتْ آيٌ مِنَ السُّوَرِ وَمَا سِوَى ذَاكَ مَكِّيٌّ تَنَزُّلُهُ فَلَا تَكُنْ مِنْ خِلَافِ النَّاسِ فِي حَصَرِ فَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ جَاءَ مُعْتَبَرًا إِلَّا خِلَافٌ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ

فَصْلٌ: فِي تَحْرِيرِ السُّوَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ بَلْ وَرَدَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} وقد فسرها بِالْفَاتِحَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَقَدِ امْتَنَّ عَلَى رَسُولِهِ فِيهَا بِهَا فَدَلَّ عَلَى تَقَدُّمِ نُزُولِ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهَا إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَمْتَنَّ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَنْزِلْ بَعْدُ وَبِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ صَلَاةٌ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ. وقد روى الواحدي والثعلبي مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ بِمَكَّةَ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ. وَاشْتُهِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ هَذِهِ هَفْوَةٌ مِنْ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَسَوَادَةَ بْنِ زِيَادٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ. وَوَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأوسط: حدثنا عبيد ابن غَنَّامٍ نَبَّأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَبَّأَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ

عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ إِبْلِيسَ رَنَّ حِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَأُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ مُبَالَغَةً فِي تَشْرِيفِهَا. وَفِيهَا قَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّهَا نَزَلَتْ نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا بِمَكَّةَ وَنِصْفُهَا بِالْمَدِينَةِ حكاه أبو الليث السَّمَرْقَنْدِيُّ. سُورَةُ النِّسَاءِ: زَعَمَ النَّحَّاسُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} الآية نَزَلَتْ بِمَكَّةَ اتِّفَاقًا فِي شَأْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ مُسْتَنَدٌ وَاهٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نُزُولِ آيَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنْ سُورَةٍ طَوِيلَةٍ نَزَلَ مُعْظَمُهَا بِالْمَدِينَةِ أَنْ تَكُونَ مَكِّيَّةً خُصُوصًا أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مَدَنِيٌّ وَمَنْ رَاجَعَ أَسْبَابَ نُزُولِ آياتهاعرف الرَّدَّ عَلَيْهِ وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ وَدُخُولُهَا عَلَيْهِ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا. وَقِيلَ: نَزَلَتْ عِنْدَ الْهِجْرَةِ. سورة يونس: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ فَتَقَدَّمَ فِي الْآثَارِ السَّابِقَةِ عَنْهَا أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ خَصِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَيُؤَيِّدُ الْمَشْهُورَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ أَوْ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقَالُوا اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} الآية. سُورَةُ الرَّعْدِ تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَفِي بَقِيَّةِ الْآثَارِ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِثْلَهُ عَنْ قَتَادَةَ وَأَخْرَجَ الْأَوَّلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} أَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ فَقَالَ: كَيْفَ وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ! وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} إِلَى قوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} نَزَلَ فِي قِصَّةِ أَرْبَدَ بْنِ قَيْسٍ وَعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ حِينَ قَدِمَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالَّذِي يَجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ: أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَاتٌ. مِنْهَا سُورَةُ الحج: تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا الآيات الَّتِي اسْتَثْنَاهَا وَفِي الْآثَارِ الْبَاقِيَةِ: أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهَا

مَدَنِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَقِيلَ إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا: {هَذَانِ خَصْمَانِ} الْآيَاتُ. وَقِيلَ: إِلَّا عَشْرَ آيَاتٍ. وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ} إِلَى: {عَقِيمٍ} . قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: كُلُّهَا مَدَنِيَّةٌ قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: هِيَ مُخْتَلِطَةٌ فِيهَا مَدَنِيٌّ وَمَكِّيٌّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ مَا نَسَبَهُ إِلَى الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ. سُورَةُ الفرقان: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَدَنِيَّةٌ. سورة يس: حكى أبو سليمان الدمشقي له قَوْلًا أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، قَالَ: وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ. سُورَةُ ص: حَكَى الْجَعْبَرِيُّ قَوْلًا أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ خِلَافَ حِكَايَةِ جَمَاعَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. سُورَةُ مُحَمَّدٍ: حَكَى النَّسْفِيُّ قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. سُورَةُ الحجرات: حُكِيَ قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "لَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ سُورَةَ الرَّحْمَنِ حَتَّى فَرَغَ قَالَ: مالي أَرَاكُمْ سُكُوتًا لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ مِنْكُمْ رَدًّا مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَرَّةٍ: {فَبِأَيِّ آلاءِ

رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إِلَّا قَالُوا: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ ". قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ: وَقِصَّةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْوَ الرُّكْنِ قَبْلَ أَنْ يَصْدَعَ بِمَا يُؤْمَرُ وَالْمُشْرِكُونَ يَسْمَعُونَ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ نُزُولِهَا عَلَى سُورَةِ الْحِجْرِ. سورة الحديد: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهَا قُرْآنًا مَدَنِيًّا لَكِنْ يُشْبِهُ صَدْرُهَا أَنْ يَكُونَ مَكِّيًّا. قُلْتُ: الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ عَنْ عُمْرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُخْتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَإِذَا صَحِيفَةٌ فِيهَا أَوَّلُ سُورَةِ الْحَدِيدِ فَقَرَأَهَا وَكَانَ سَبَبَ إِسْلَامِهِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ بَيْنَ إِسْلَامِهِ وَبَيْنَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يُعَاتِبُهُمُ اللَّهُ بِهَا إِلَّا أَرْبَعَ سِنِينَ: {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} الآية. سورة الصف: الْمُخْتَارُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَنَسَبُهُ ابْنُ الْفَرَسِ إِلَى الْجُمْهُورِ وَرَجَّحَهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قَعَدْنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا: لَوْ نَعْلَمُ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {سَبَّحَ لِلَّهِ

مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} حَتَّى خَتَمَهَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا. سورة الجمعة: الصَّحِيحُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قلت من هم يارسول اللَّهِ؟ " الْحَدِيثَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} خِطَابٌ لِلْيَهُودِ وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَآخِرُ السُّورَةِ نَزَلَ فِي انفضاضهم حَالَ الْخُطْبَةِ لِمَا قَدِمَتِ الْعِيرُ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَثَبَتَ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا. سُورَةُ التَّغَابُنِ: قِيلَ: مَدَنِيَّةٌ وَقِيلَ: مَكِّيَّةٌ إِلَّا آخِرَهَا. سُورَةُ الْمُلْكِ: فِيهَا قَوْلٌ غَرِيبٌ إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. سُورَةُ الْإِنْسَانِ: قِيلَ: مَدَنِيَّةٌ وَقِيلَ: مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} . سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: قِيلَ: إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ لِذِكْرِ الْأَسَاطِيرِ فِيهَا، وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ فَسَادًا فِي الْكَيْلِ:

وَقِيلَ: نَزَلَتْ بِمَكَّةَ إِلَّا قِصَّةُ التَّطْفِيفِ وَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. انْتَهَى. قُلْتُ: أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ". سُورَةُ الْأَعْلَى: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: وَقِيلَ: إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ لِذِكْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِيهَا. قُلْتُ: وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أم مكتوم فجعلا يقرآننا الْقُرْآنَ ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ وَسَعْدٌ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فِي سور مِثْلِهَا. سُورَةُ الْفَجْرِ: فِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْفَرَسِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. سُورَةُ الْبَلَدِ: حَكَى ابْنُ الْفَرَسِ فِيهَا أَيْضًا قَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: {بِهَذَا الْبَلَدِ} يَرُدُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. سُورَةُ اللَّيْلِ: الْأَشْهُرُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ لِمَا وَرَدَ فِي سَبَبِ

نُزُولِهَا مِنْ قِصَّةِ النَّخْلَةِ كَمَا أَخْرَجْنَاهُ فِي أسباب النُّزُولِ وَقِيلَ فِيهَا مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ. سُورَةُ الْقَدْرِ: فِيهَا قَوْلَانِ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَيُسْتَدَلُّ لِكَوْنِهَا مَدَنِيَّةً بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وَنَزَلَتْ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الْحَدِيثَ قَالَ الْمِزِّيُّ: وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.

سُورَةُ لَمْ يَكُنْ: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: الْأَشْهُرُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ لِمُقَابِلِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي حَبَّةَ الْبَدْرِيِّ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} إِلَى آخِرِهَا: قَالَ جِبْرِيلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَهَا أُبَيًّا ". الْحَدِيثَ. وَقَدْ جَزَمَ ابن كثير بأنها مَدَنِيَّةٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ. سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: فِيهَا قَوْلَانِ وَيُسْتَدَلُّ لِكَوْنِهَا مَدَنِيَّةً بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} الْآيَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَرَاءٍ عَمَلِي." الْحَدِيثَ. وَأَبُو سَعِيدٍ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ إِلَّا بَعْدَ أُحُدٍ. سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: فِيهَا قَوْلَانِ. وَيُسْتَدَلُّ لِكَوْنِهَا مَدَنِيَّةً بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا فَلَبِثَتْ شَهْرًا لَا يَأْتِيهِ مِنْهَا خَبَرٌ فَنَزَلَتْ: {وَالْعَادِيَاتِ ... } . " الْحَدِيثَ. سُورَةُ أَلْهَاكُمْ: الْأَشْهَرُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَيَدُلُّ لِكَوْنِهَا مَدَنِيَّةً - وَهُوَ الْمُخْتَارُ - مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ تَفَاخَرُوا ... الْحَدِيثَ. وَأُخْرِجَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: "كُنَّا نَرَى هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ - يَعْنِي " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مَنْ ذَهَبٍ "- حَتَّى نَزَلَتْ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا زِلْنَا نَشُكُّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ حَتَّى نَزَلَتْ وَعَذَابُ الْقَبْرِ لَمْ يُذْكَرْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. سُورَةُ أَرَأَيْتَ: فِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْفَرَسِ. سُورَةُ الْكَوْثَرِ: الصَّوَابُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عن أنس قال: "بيننا رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إغفاءة فرفع رأسه متبسما فَقَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حَتَّى خَتَمَهَا ... الْحَدِيثَ. سُورَةُ الْإِخْلَاصِ: فِيهَا قَوْلَانِ لِحَدِيثَيْنِ في سبب نزولها مُتَعَارِضَيْنِ. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ نُزُولِهَا ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ تَرْجِيحٍ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ. الْمُعَوِّذَتَانِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُمَا مَدَنِيَّتَانِ لِأَنَّهُمَا نَزَلَتَا فِي قِصَّةِ سِحْرِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ.

فَصْلٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: فِي بَعْضِ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ آيَاتٌ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فَأُلْحِقَتْ بِهَا وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ وكل نَوْعٍ مِنَ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ مِنْهُ آيَاتٌ مُسْتَثْنَاةٌ قَالَ إِلَّا أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنِ اعْتَمَدَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الِاجْتِهَادِ دُونَ النَّقْلِ. فَصْلٌ: فِي ذِكْرِ مَا اسْتُثْنِيَ مِنَ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَقَالَ ابْنُ حجر في شرح البخاري: قد اعْتَنَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِبَيَانِ مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ بِالْمَدِينَةِ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ. قَالَ: وَأَمَّا عَكْسُ ذلك وهو نُزُولُ شَيْءٍ مِنْ سُورَةٍ بِمَكَّةَ تَأَخُّرُ نُزُولِ تِلْكَ السُّورَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَرَهُ إِلَّا نَادِرًا. قلت: وها أنا أَذْكُرُ مَا وَقَفْتُ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ مِنَ النَّوْعَيْنِ مُسْتَوْعِبًا مَا رَأَيْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَأُشِيرَ إِلَى أَدِلَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَجْلِ قَوْلِ ابْنِ الْحَصَّارِ السَّابِقِ وَلَا أَذْكُرُ الْأَدِلَّةَ بِلَفْظِهَا اخْتِصَارًا وَإِحَالَةً عَلَى كِتَابِنَا أَسْبَابُ النُّزُولِ. الْفَاتِحَةُ: تَقَدَّمَ قَوْلٌ أَنَّ نِصْفَهَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ النِّصْفُ الثَّانِي وَلَا دَلِيلَ لِهَذَا الْقَوْلِ. الْبَقَرَةُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا آيَتَانِ: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} وَ: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} .

الْأَنْعَامُ: قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا تِسْعُ آيَاتٍ وَلَا يَصِحُّ بِهِ نَقْلٌ خُصُوصًا قَدْ وَرَدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً. قُلْتُ: قَدْ صَحَّ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ استثناء: {قُلْ تَعَالَوْا} الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْبَوَاقِي: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} . لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَالِكِ بن الصيف وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي مُسَيْلِمَةَ. وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} . وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: نَزَلَتِ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا بِمَكَّةَ إِلَّا آيَتَيْنِ نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ فِي رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} . وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ بِشْرٍ قَالَ: الْأَنْعَامُ مَكِّيَّةٌ إِلَّا: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} وَالْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. الْأَعْرَافِ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْأَعْرَافُ مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَةَ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} . وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ هُنَا إِلَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} مَدَنِيٌّ.

الْأَنْفَالُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ بِمَكَّةَ. قُلْتُ: يَرُدُّهُ مَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بِعَيْنِهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ كَمَا أَخْرَجْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} الْآيَةَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ. قُلْتُ: يُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ. بَرَاءَةٌ: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَتَيْنِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} إِلَى آخِرِهَا. قُلْتُ: غَرِيبٌ كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهَا آخِرُ مَا نَزَلَ! وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية لِمَا وَرَدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَبِي طالب: "لأستغفرن لك مالم أُنْهَ عَنْكَ ". يُونُسُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} الآيتين وَقَوْلُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} الآية. قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ. وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ مكي والباقي مدني حكاه ابْنُ الْفَرَسِ وَالسَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ. هُودٌ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ} {أَفَمَنْ

كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} . قُلْتُ: دَلِيلُ الثَّالِثَةِ مَا صَحَّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي حَقِّ أَبِي الْيُسْرِ. يُوسُفُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا حَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ وَهُوَ وَاهٍ جِدًّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. الرَّعْدُ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُورَةُ الرَّعْدِ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَةً قَوْلُهُ: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ يُسْتَثْنَى قَوْلُهُ: {اللَّهُ يَعْلَمُ} إِلَى قَوْلِهِ: {شَدِيدُ الْمِحَالِ} كَمَا تَقَدَّمَ وَالْآيَةُ آخِرُهَا فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ حَتَّى أَخَذَ بِعِضَادَتَيْ بَابَ الْمَسْجِدِ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيْ قوم أتعلمون أَنِّي الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. .إِبْرَاهِيمُ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ مَكِّيَّةٌ غَيْرَ آيَتَيْنِ مَدَنِيَّتَيْنِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} إِلَى: {وَبِئْسَ الْقَرَارُ} . الْحِجْرُ: اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْهَا: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً} الْآيَةَ.

قُلْتُ: وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ} الآية. لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا وَأَنَّهَا فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ. النَّحْلُ: تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ اسْتَثْنَى آخِرَهَا وَسَيَأْتِي فِي السَّفَرِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ نَزَلَتِ النَّحْلُ كُلُّهَا بِمَكَّةَ إِلَا هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إِلَى آخِرِهَا. وَأُخْرِجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُورَةُ النَّحْلِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} إِلَى آخِرِهَا مَدَنِيٌّ، وَمَا قَبْلَهَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ مَكِّيٌّ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّحْلَ نَزَلَ مِنْهَا بِمَكَّةَ أَرْبَعُونَ وَبَاقِيهَا بِالْمَدِينَةِ. وَيَرُدُّ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فِي نُزُولِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} وَسَيَأْتِي فِي نَوْعِ التَّرْتِيبِ. الْإِسْرَاءُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الْآيَةَ لِمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي جَوَابِ سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْهَا أَيْضًا: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} إلى قوله: {نَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} وَقَوْلُهُ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ} الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا} الآية و: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} لِمَا أَخْرَجْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ.

الْكَهْفُ اسْتُثْنِيَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى: {جُرُزاً} وَقَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} الْآيَةَ وَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. مَرْيَمُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا آيَةُ السَّجْدَةِ وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} . طه: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {فاصبر على ما يقولون} الآية. قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى آيَةٌ أُخْرَى فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفًا فَأَرْسَلَنِي إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ: أَنْ أَسْلِفْنِي دَقِيقًا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ فَقَالَ: لَا إِلَّا بِرَهْنٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لِأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ " فَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآية: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ} .الْأَنْبِيَاءُ اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ} الْآيَةَ. الْحَجُّ: تَقَدَّمَ مَا يُسْتَثْنَى منها. المؤمنين: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُبْلِسُونَ} .

الْفُرْقَانُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ} إِلَى: {رَحِيماً} . الشُّعَرَاءُ: اسْتَثْنَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْهَا: {وَالشُّعَرَاءُ} إِلَى آخِرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ زَادَ غَيْرُهُ قَوْلَهُ: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ} حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ. الْقَصَصُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْجَاهِلِينَ} فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ هِيَ وَآخِرُ الْحَدِيدِ فِي أَصْحَابِ النَّجَاشِيِّ الَّذِينَ قَدِمُوا وَشَهِدُوا وَقْعَةَ أُحُدٍ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} الْآيَةَ لِمَا سَيَأْتِي. الْعَنْكَبُوتُ: اسْتُثْنِيَ مِنْ أولها إلى: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا قُلْتُ وَيُضَمُّ إِلَيْهِ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ} الْآيَةَ. لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا. لُقْمَانُ: اسْتَثْنَى مِنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ} الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ. السَّجْدَةُ: اسْتَثْنَى مِنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً}

الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ غَيْرُهُ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ بِلَالٍ قَالَ كُنَّا نَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعِشَاءِ فَنَزَلَتْ. سَبَأٌ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} الْآيَةَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ فَرْوَةَ بن نسيك الْمُرَادِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي ... الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأُنْزِلَ فِي سَبَأٍ مَا أُنْزِلَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا سَبَأٌ؟ الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّ مُهَاجَرَةَ فَرْوَةَ بَعْدَ إِسْلَامِ ثَقِيفٍ سَنَةَ تِسْعٍ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَأُنْزِلَ حِكَايَةً عَمَّا تَقَدَّمَ نُزُولُهُ قَبْلَ هِجْرَتِهِ. يس: اسْتُثْنِيَ منها: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} الآية لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَتْ بَنُو سَلَمَةَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَأَرَادُوا النَّقْلَةَ إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ " فَلَمْ يَنْتَقِلُوا - وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا} الْآيَةَ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ. الزُّمَرُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ} الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَحْشِيِّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} الآية ذَكَرَهُ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ وَزَادَ غَيْرُهُ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} الآية. وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ. غَافِرٌ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَا يَعْلَمُونَ} فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ لَمَّا ذَكَرُوا الدَّجَّالَ وَأَوْضَحْتُهُ في أسباب النزول. شورى: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى} إِلَى قَوْلِهِ: {بَصِيرٌ} قُلْتُ: بِدَلَالَةِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ بَسَطَ} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الصُّفَّةِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ} إلى قوله: {مِنْ سَبِيلٍ} حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ. الزُّخْرُفُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} الْآيَةَ قِيلَ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ فِي السَّمَاءِ. الْجَاثِيَةُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَةَ حَكَاهُ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ عَنْ قَتَادَةَ.

الْأَحْقَافُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الْآيَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بمكة إنما كَانَ إِسْلَامُ ابْنُ سَلَامٍ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ خُصُومَةٌ خَاصَمَ بِهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَيْسَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ} الْآيَاتِ الْأَرْبَعَ وَقَوْلُهُ: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْم} الْآيَةَ حَكَاهُ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ. ق: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ} إلى: {لُغُوبٍ} فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ. النَّجْمُ: اسْتُثْنِيَ منها: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ} إِلَى: {اتَّقَى} وَقِيلَ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} الآيات التسع. القمر: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الْآيَةَ. هو مَرْدُودٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّانِي عَشْرَ وَقِيلَ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْآيَتَيْنِ. الرَّحْمَنُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {يَسْأَلُهُ} حَكَاهُ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ. الْوَاقِعَةُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}

وَقَوْلُهُ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إِلَى: {تُكَذِّبُونَ} لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا. الْحَدِيدُ: يُسْتَثْنَى مِنْهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ آخِرُهَا. الْمُجَادَلَةُ اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ} الْآيَةَ حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَغَيْرُهُ. التَّغَابُنُ: يُسْتَثْنَى مِنْهَا عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ آخِرُهَا لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا. التَّحْرِيمُ: تَقَدَّمَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمَدَنِيَّ مِنْهَا إِلَى رَأْسِ الْعَشْرِ وَالْبَاقِي مَكِّيٌّ. تَبَارَكَ: أَخْرَجَ جُوَيْبِرٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُنْزِلَتِ: الْمُلْكُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ. ن: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} إِلَى: {يَعْلَمُونَ} ، وَمِنْ: {فَاصْبِرْ} إِلَى: {الصَّالِحِينَ} فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ حَكَاهُ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ. الْمُزَّمِّلُ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} الْآيَتَيْنِ حَكَاهُ الْأَصْبِهَانِيُّ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ نَزَلَ بَعْدَ نُزُولِ

صَدْرِ السُّورَةِ بِسَنَةٍ وَذَلِكَ حِينَ فُرِضَ قِيَامُ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. الْإِنْسَانُ اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} .الْمُرْسَلَاتُ اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَغَيْرُهُ. الْمُطَفِّفِينَ: قِيلَ: مَكِّيَّةٌ إِلَا سِتَّ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا. الْبَلَدُ: قِيلَ: مَدَنِيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا. اللَّيْلُ: قِيلَ: مَكِّيَّةٌ إِلَّا أَوَّلَهَا.

ضوابط في المكي والمدني {أَرَأَيْتَ} نَزَلَ ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا بِمَكَّةَ وَالْبَاقِي بِالْمَدِينَةِ ضَوَابِطُ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا كَانَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فَبِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ عَنْ عَلْقَمَةَ مُرْسَلًا. وَأُخْرِجَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: مَا كَانَ فِي القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أو: {يَا بَنِي آدَمَ} فَإِنَّهُ مَكِّيٌّ وَمَا كَانَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَابْنُ الْفَرَسِ وَغَيْرُهُمَا: هو في: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} صحيح وأما: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فَقَدْ يَأْتِي فِي الْمَدَنِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الحصار: قد اعْتَنَى الْمُتَشَاغِلُونَ بِالنَّسْخِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَاعْتَمَدُوهُ عَلَى ضَعْفِهِ وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنْ " النِّسَاءَ " مَدَنِيَّةٌ وأولها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وَعَلَى أَنَّ " الْحَجَّ " مَكِّيَّةٌ وفيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} . وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا الْقَوْلُ إِنْ أُخِذَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ وَفِيهَا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ} . وَسُورَةُ النِّسَاءِ مَدَنِيَّةٌ وَأَوَّلُهَا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} .

وَقَالَ مَكِّيٌّ: هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْثَرِ وَلَيْسَ بِعَامٍّ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} . وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ الْمَقْصُودُ بِهِ - أَوْ جُلُّ الْمَقْصُودِ بِهِ - أَهْلُ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الرُّجُوعُ فِي هَذَا إِلَى النَّقْلِ فَمُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِ حُصُولَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْكَثْرَةِ دُونَ مَكَّةَ فَضَعِيفٌ إِذْ يَجُوزُ خِطَابُ الْمُؤْمِنِينَ بِصِفَتِهِمْ وَبِاسْمِهِمْ وَجِنْسِهِمْ وَيُؤْمَرُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعِبَادَةِ كَمَا يُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُونَ بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا وَالِازْدِيَادِ مِنْهَا. نَقَلَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهِ ذِكْرُ الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَمَا كَانَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: لِمَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ طَرِيقَانِ: سَمَاعِيٌّ وَقِيَاسِيٌّ فَالسَّمَاعِيُّ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا نُزُولُهُ بِأَحَدِهِمَا وَالْقِيَاسِيُّ كُلُّ سُورَةٍ فِيهَا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فَقَطْ، أَوْ {كَلَّا} أَوْ أَوَّلُهَا حَرْفُ تَهَجٍّ سِوَى الزَّهْرَاوَيْنِ وَالرَّعْدِ أَوْ فِيهَا قِصَّةُ آدَمَ وَإِبْلِيسَ سِوَى الْبَقَرَةِ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ. وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا قَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مَكِّيَّةٌ وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا فَرِيضَةٌ أَوْ حَدٌّ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ. انْتَهَى. وَقَالَ مَكِّيٌّ: كُلُّ سُورَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْمُنَافِقِينَ فَمَدَنِيَّةٌ زَادَ غَيْرُهُ سِوَى الْعَنْكَبُوتِ. وَفِي كَامِلِ الْهُذَلِيِّ كُلُّ سُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ.

وَقَالَ الدِّيرِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَا نَزَلَتْ كَلَّا بِيَثْرِبَ فَاعْلَمَنْ وَلَمْ تَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ نَزَلَ أَكْثَرُهُ بِمَكَّةَ وَأَكْثَرُهَا جَبَابِرَةٌ فَتَكَرَّرَتْ فِيهِ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالتَّعْنِيفِ لَهُمْ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَمَا نَزَلَ مِنْهُ فِي الْيَهُودِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِيرَادِهَا فِيهِ لِذِلَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ ذَكَرَهُ الْعِمَّانِيُّ. فَائِدَةٌ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَزَلَ الْمُفَصَّلُ بِمَكَّةَ فَمَكَثْنَا حِجَجًا نَقْرَؤُهُ لَا يَنْزِلُ غَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ قَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَوْجُهِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ حَبِيبٍ الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ وَتَرْتِيبُ نُزُولِ ذَلِكَ وَالْآيَاتُ الْمَدَنِيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَالْآيَاتُ الْمَكِّيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ وَبَقِيَ أَوْجُهٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا النَّوْعِ ذَكَرَ هُوَ أَمْثِلَتَهَا فَنَذْكُرُهُ. مِثَالُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَحُكْمُهُ مدني: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآية، نزل بِمَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. وَقَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} كَذَلِكَ.

قُلْتُ: وَكَذَا قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فِي آيَاتٍ أُخَرَ. وَمِثَالُ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَحُكْمُهُ مَكِّيٌّ سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ مُخَاطِبَةً لِأَهْلِ مَكَّةَ. وَقَوْلُهُ فِي النَّحْلِ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا} إِلَى آخِرِهَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مُخَاطِبًا بِهِ أَهْلَ مَكَّةَ وَصَدْرُ بَرَاءَةٍ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ خِطَابًا لِمُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ. وَمِثَالُ مَا يُشْبِهُ تَنْزِيلَ الْمَدَنِيِّ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ قَوْلُهُ فِي النَّجْمِ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} فَإِنَّ الْفَوَاحِشَ كُلُّ ذَنْبٍ فِيهِ حَدٌّ وَالْكَبَائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ عَاقِبَتُهُ النَّارُ وَاللَّمَمُ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ مِنَ الذُّنُوبِ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ حَدٌّ وَلَا نَحْوُهُ. وَمِثَالُ مَا يُشْبِهُ تَنْزِيلَ مَكَّةَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ قَوْلُهُ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} وَقَوْلُهُ فِي الْأَنْفَالِ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} الآية. وَمِثَالُ مَا حُمِلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ سُورَةُ يُوسُفَ وَالْإِخْلَاصِ. قلت: وسبح كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ. وَمِثَالُ مَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} وَآيَةُ الرِّبَا وَصَدْرُ بَرَاءَةٍ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الْآيَاتِ.

وَمِثَالُ مَا حُمِلَ إِلَى الْحَبَشَةِ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} الْآيَاتِ. قُلْتُ: صَحَّ حَمْلُهَا إِلَى الرُّومِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُمَثَّلَ لِمَا حُمِلَ إِلَى الْحَبَشَةِ بِسُورَةِ مَرْيَمَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَرَأَهَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَأَمَّا ما نزل بِالْجُحْفَةِ وَالطَّائِفِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْحُدَيْبِيَةِ فَسَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا وَيُضَمُّ إِلَيْهِ مَا نَزَلَ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ وَعُسْفَانَ وَتَبُوكٍ وَبَدْرٍ وَأُحُدٍ وَحِرَاءَ وَحَمْرَاءِ الْأَسَدِ.

النوع الثاني: في معرفة الحضري والسفري

النوع الثاني: في مَعْرِفَةُ الْحَضَرِيِّ وَالسَّفَرِيِّ أَمْثِلَةُ الْحَضَرِيِّ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا السَّفَرِيُّ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ تَتَبَّعْتُهَا مِنْهَا: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} نَزَلَتْ بِمَكَّةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: هَذَا مَقَامُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ قال: قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَفَلَا نَتَّخِذُهُ مُصَلَّى؟ فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ مَرَّ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ نَقُومُ مَقَامَ خَلِيلِ رَبِّنَا؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: أَفَلَا نَتَّخِذُهُ مُصَلَّى فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ. وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: نَزَلَتْ إِمَّا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ أَوْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَوْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَمِنْهَا: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الْآيَةَ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَعَنِ السَّدِّيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَمِنْهَا: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ صفوان ابن أُمَيَّةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَضَمِّخٌ بِالزَّعْفَرَانِ

عَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي فِي عُمْرَتِي؟ فَنَزَلَتْ فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ أَلْقِ عَنْكَ ثِيَابَكَ ثُمَّ اغْتَسِلْ ... " الْحَدِيثَ. وَمِنْهَا: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةَ كَمَّا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ وَالْوَاحِدِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ} الْآيَةَ قِيلَ: نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى دليل. ومنها: {اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ} الْآيَةَ نَزَلَتْ بِمِنًى عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ. وَمِنْهَا: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الْآيَةَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِحَمْرَاءَ الْأَسَدِ. وَمِنْهَا آيَةُ التَّيَمُّمِ فِي النِّسَاءِ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَعْضِ أَسْفَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} نَزَلَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ سُنَيْدٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْهَا: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الْآيَةَ نَزَلَتْ بِعُسْفَانَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ.

وَمِنْهَا: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ. وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْمَائِدَةِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمِنًى وَأَخْرَجَ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ أُمِّ عَمْرٍو عَنْ عَمِّهَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَسِيرٍ لَهُ. وأخرج أبو عبيد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَمِنْهَا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُمْرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ. وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّامِنَ عَشْرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَرْجِعُهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا: آيَةُ التَّيَمُّمِ فِيهَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْبَيْدَاءِ وَهُمْ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ. وُفِي لفظ " بالبيداء أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الَاسْتِذْكَارِ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ: لِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ بَيْنَ قُدَيْدٍ وَالسَّاحِلِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ نَاحِيَةِ خيبر لقول عائشة: "إنها نزلت بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ " وَهُمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ،

كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّ الْبَيْدَاءَ هِيَ ذُو الْحُلَيْفَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ: الْبَيْدَاءُ هُوَ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ وَذَاتُ الْجَيْشِ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ. وَمِنْهَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} الْآيَةَ. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَطْنِ نَخْلٍ في الغزوة السابقة حِينَ أَرَادَ بَنُو ثَعْلَبَةَ وَبَنُو مُحَارِبٍ أَنْ يَفْتِكُوا بِهِ فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْهَا: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السَّفَرِ: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ بِأَعْلَى نَخْلٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ. وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ بِبَدْرٍ عقب الوقعة كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْهَا: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} الْآيَةَ نَزَلَتْ بِبَدْرٍ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ. وَمِنْهَا: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ ثَوْبَانَ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْهَا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} نزلت في غزوة تبوك كما أخرجه ابن أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْهَا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَةَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى الِلَّهِ عليه وسلم صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا وَهَبَطَ مِنْ ثَنِيَّةِ عُسْفَانَ فَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ وَاسْتَأْذَنَ فِي الَاسْتِغْفَارِ لَهَا. وَمِنْهَا: خَاتِمَةُ النَّحْلِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِأُحُدٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ عَلَى حَمْزَةَ حِينَ اسْتُشْهِدَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ. وَمِنْهَا: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} . أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَبُوكٍ. وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْحَجِّ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} ، نزلت عَلَيْهِ هَذِهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ ... " الْحَدِيثَ. وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طريق الكلبي عن أبي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَسِيرِهِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ.

ومنها: {هَذَانِ خَصْمَانِ} الْآيَاتِ قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبَلْقِينِيُّ: الظَّاهِرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقْتَ الْمُبَارَزَةِ لِمَا فِيهِ من الإشارة بهذان. ومنها: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الْآيَةَ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أُخْرِجُ النَّبِيُّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ لَيُهْلَكُنَّ. فَنَزَلَتْ قَالَ ابْنُ الحصار: استنبط بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا نزلت فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ. وَمِنْهَا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} الْآيَةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَزَلَتْ بِالطَّائِفِ وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى مُسْتَنَدٍ. وَمِنْهَا: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} نَزَلَتْ بِالْجُحْفَةِ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ. وَمِنْهَا: أَوَّلُ الرُّومِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَنَزَلَتْ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} إِلَى قَوْلِهِ: {بِنَصْرِ اللَّهِ} قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَلَبَتِ الرُّومُ يَعْنِي بِالْفَتْحِ. وَمِنْهَا: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} الْآيَةَ، قال ابن حبيب: نزلت في بيت الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَمِنْهَا: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} الْآيَةَ قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَوَجَّهَ مهاجرا إلى المدينة،

وقف ونظر إِلَى مَكَّةَ وَبَكَى فَنَزَلَتْ. وَمِنْهَا: سُورَةُ الْفَتْحِ. أخرج الحاكم عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا: نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَجْمَعِ بْنِ جَارِيَةَ أَنَّ أَوَّلَهَا نَزَلَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ. وَمِنْهَا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الْآيَةَ أَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ لَمَّا رَقِيَ بِلَالٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَأَذَّنَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَهَذَا الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ يُؤَذِّنُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ؟!. وَمِنْهَا: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الْآيَةَ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ بَدْرٍ حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّانِي عَشَرَ ثُمَّ رَأَيْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُؤَيِّدُهُ. وَمِنْهَا: قَالَ النَّسَفِيُّ قَوْلَهُ: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ} وَقَوْلُهُ: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} نزلتا في سفره إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى مُسْتَنَدٍ. وَمِنْهَا: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حزرة قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ لَمَّا نَزَلُوا الْحِجْرَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ الِلَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا يَحْمِلُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ثُمَّ ارْتَحَلَ ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلًا آخَرَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَشَكَوْا ذَلِكَ فَدَعَا فَأَرْسَلَ اللَّهُ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ حَتَّى اسْتَقَوْا مِنْهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ

الْمُنَافِقِينَ: إِنَّمَا مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَنَزَلَتْ. وَمِنْهَا: آية الامتحان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} الْآيَةَ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِأَسْفَلِ الْحُدَيْبِيَةِ. ومنها: سورة المنافقين، أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلًا فِي غزوة تبوك. وأخرج سُفْيَانَ أَنَّهَا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ، أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: وَالْمُرْسَلَاتِ ".الْحَدِيثَ. وَمِنْهَا: سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ. أَوْ بَعْضُهَا حَكَى النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ دُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. وَمِنْهَا: أَوَّلُ سُورَةِ اقْرَأْ نَزَلَ بِغَارِ حِرَاءَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَمِنْهَا: سُورَةُ الْكَوْثَرِ. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وفيه نظر. ومنها: النَّصْرِ. أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعِ فَأَمَرَ بِنَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرَحَلَتْ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَذَكَرَ خُطْبَتَهُ الْمَشْهُورَةَ.

النوع الثالث: معرفة النهاري والليلي

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ النَّهَارِيِّ وَاللَّيْلِيِّ أَمْثِلَةُ النَّهَارِيِّ كَثِيرَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَزَلَ أَكْثَرُ الْقُرْآنِ نَهَارًا وأما الليل فَتَتَبَّعْتُ لَهُ أَمْثِلَةً: مِنْهَا: آيَةُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بقباء في صلاة الصبح إذا أَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يصلي ببيت الْمَقْدِسِ فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الْآيَةَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ فَمَالُوا كُلُّهُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ لَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى قَبَلَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشْرَ - أَوْ سَبْعَةَ عَشْرَ - شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا الْعَصْرَ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِالِلَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْكَعْبَةِ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ نَهَارًا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ: وَالْأَرْجَحُ بِمُقْتَضَى الَاسْتِدْلَالِ نُزُولُهَا بِاللَّيْلِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ أَهْلِ قُبَاءَ كَانَتْ فِي الصُّبْحِ وَقُبَاءُ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ

رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الْبَيَانَ لَهُمْ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الصُّبْحِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَقْوَى أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ نَهَارًا. وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إِلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ. وَوَصَلَ وَقْتَ الصُّبْحِ إِلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَهْلُ قُبَاءَ. وَقَوْلُهُ: "قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ " مَجَازٌ مِنْ إِطْلَاقِ اللَّيْلَةِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ الْمَاضِي وَالَّذِي يَلِيهِ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: مَرَرْنَا يَوْمًا وَرَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقُلْتُ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَجَلَسْتُ فَقَرَأَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ. وَمِنْهَا: أَوَاخِرُ آلِ عِمْرَانَ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّفَكُّرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بِلَالًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَذِّنُّهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ يَبْكِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَبْكِيَ وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} ! ثُمَّ قَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ! وَمِنْهَا: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ".

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخَطْمِيِّ قَالَ: كُنَّا نَحْرُسُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ حَتَّى نَزَلَتْ فَتَرَكَ الْحَرَسَ. وَمِنْهَا: سُورَةُ الْأَنْعَامِ. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِمَكَّةَ لَيْلًا جُمْلَةً حَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلِكٍ يَجْأَرُونَ بِالتَّسْبِيحِ. وَمِنْهَا: آيَةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبٍ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا حين بَقِيَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ. وَمِنْهَا: سُورَةُ مَرْيَمَ. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنِ ابْنِ عباس قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: وُلِدَتْ لِيَ اللَّيْلَةَ جَارِيَةٌ فَقَالَ: وَاللَّيْلَةَ أنزلت عَلَيَّ سُورَةُ مَرْيَمَ سَمِّهَا مَرْيَمَ. وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْحَجِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَرَكَاتٍ السعيدي فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَجَزَمَ بِهِ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَقَدْ نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَتَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ ... الْحَدِيثَ. وَمِنْهَا: آيَةُ الْإِذْنِ فِي خُرُوجِ النِّسْوَةِ فِي الْأَحْزَابِ قَالَ الْقَاضِي جلال الدين. والظاهر أنها: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} الْآيَةَ فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: خَرَجَتْ سودة بعدما ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا - وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا - فَرَآهَا عُمَرُ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ أَمَا وَالِلَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ قَالَتْ فَانْكَفَأْتُ رَاجِعَةً إِلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لِيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ فَقُلْتُ:

يَا رَسُولَ الِلَّهِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لي عمر كذ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ – فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ. قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلًا لِأَنَّهُنَّ إِنَّمَا كُنَّ يَخْرُجْنَ لِلْحَاجَةِ لَيْلًا كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ. وَمِنْهَا: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إِنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَمِنْهَا: أَوَّلُ الْفَتْحِ. فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ: "لقد أنزلت عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَقَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} ... " الحديث. ومنها: سورة المرسلات. قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا نزلت ليلة الجن بِحِرَاءَ. قُلْتُ: هَذَا أَثَرٌ لَا يُعْرَفُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي صَحِيحِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَهُوَ مُسْتَخْرِجُهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ عَرَفَةَ بِغَارِ مِنًى وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ قَوْلِهُ: "لَيْلَةَ عَرَفَةَ " وَالْمُرَادُ بِهَا لَيْلَةَ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَإِنَّهَا الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُهَا بِمِنًى. وَمِنْهَا: الْمُعَوِّذَتَانِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ أشته في المصاحف: نبأنا محمد بن عقوب نَبَّأَنَا أَبُو دَاوُدَ نَبَّأَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَبَّأْنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ،وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ".

فرع وَمِنْهُ مَا نَزَلَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ وَذَلِكَ آيَاتٌ: مِنْهَا: آيَةُ التَّيَمُّمِ فِي الْمَائِدَةِ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ: وَحَضَرَتِ الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . وَمِنْهَا: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ يَدْعُوَ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ. تَنْبِيهٌ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَصْنَعُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "أَصْدَقُ الرُّؤْيَا مَا كَانَ نَهَارًا لِأَنَّ الِلَّهِ خَصَّنِي بِالْوَحْيِ نَهَارًا "؟ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ. قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.

النوع الرابع: الصيفي والشتائي

النَّوْعُ الرَّابِعُ: الصَّيْفِيُّ وَالشِّتَائِيُّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُمْرَ: مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ وَمَا أَغْلَظَ فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ! "! وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ مَا الْكَلَالَةُ؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْفِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي سَفَرِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَيُعَدُّ مِنَ الصَّيْفِيِّ مَا نَزَلَ فِيهَا كَأَوَّلِ الْمَائِدَةِ وَقَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ} وَآيَةُ الدَّيْنِ وَسُورَةُ النَّصْرِ. وَمِنْهُ: الْآيَاتُ النَّازِلَةُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فَقَدْ كَانَتْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ ابن إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الِلَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَخْرُجُ فِي وَجْهٍ مِنْ مَغَازِيهِ إِلَا أَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَهُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أُرِيدُ الرُّومَ " فَأَعْلَمَهُمْ وَذَلِكَ فِي زَمَانِ الْبَأْسِ وَشِدَّةِ

الْحَرِّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ فَبَيْنَمَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي جِهَازِهِ إِذْ قَالَ لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ: "هَلْ لَكَ فِي بَنَاتِ بَنِي الْأَصْفَرِ؟ " قَالَ يَا رَسُولَ الِلَّهِ لَقَدْ علم قومي أنه ليس أحد أَشَدُّ عُجْبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي وَإِنِّي أَخَافُ إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الأصفر أن يفتنني فائذن لِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} الْآيَةَ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} وَمِنْ أَمْثِلَةِ الشِّتَائِيِّ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمٍ شَاتٍ. وَالْآيَاتُ الَّتِي فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ فَقَدْ كَانَتْ فِي الْبَرْدِ فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ إِلَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَتَانِي رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: قُمْ فَانْطَلِقْ إِلَى عَسْكَرِ الْأَحْزَابِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا قُمْتُ لَكَ - إِلَا حَيَاءً - مِنَ الْبَرْدِ ... الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} إِلَى آخِرِهَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ.

النوع الخامس: الفراشي والنومي

النوع الخامس: الفراشي والنومي من أَمْثِلَةِ الْفِرَاشِيِّ قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} كَمَا تَقَدَّمَ وَآيَةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ. وَاسْتَشْكَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ عَائِشَةَ: "مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ فِي فِرَاشِ امْرَأَةٍ غَيْرِهَا ". قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ: وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْقِصَّةِ الَّتِي نَزَلَ الْوَحْيُ فِيهَا فِي فِرَاشِ أُمِّ سَلَمَةَ. قُلْتُ: ظَفِرْتُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَابُ الَّذِي أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فَرَوَى أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أُعْطِيتُ تِسْعًا ... " الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: "وَإِنْ كَانَ الْوَحْيُ لِيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَهْلِهِ فَيَنْصَرِفُونَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لِيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ فِي لِحَافِهِ ".وَعَلَى هَذَا لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا النومي: فمن أَمْثِلَتِهِ سُورَةُ الْكَوْثَرِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فقلنا: ما أضحكك يا رَسُولَ الِلَّهِ؟ فَقَالَ: أُنْزِلَ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فقرأ: بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} . وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ فِي أَمَالِيهِ: فَهُمْ فَاهِمُونَ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ السُّورَةَ

نَزَلَتْ فِي تِلْكَ الْإِغْفَاءَةِ وَقَالُوا: مِنَ الْوَحْيِ مَا كَانَ يَأْتِيهِ فِي النَّوْمِ لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ. قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ نَزَلَ فِي الْيَقَظَةِ وَكَأَنَّهُ خَطَرَ لَهُ فِي النَّوْمِ سُورَةُ الْكَوْثَرِ الْمُنَزَّلَةِ فِي الْيَقَظَةِ أَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْكَوْثَرُ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ السُّورَةُ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ وَفَسَّرَهَا لَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَرِيهِ عِنْدَ نُزُولِ الوحي ويقال لها: برحاء الْوَحْيِ. انْتَهَى. قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي غَايَةِ الِاتِّجَاهِ وَهُوَ الَّذِي كُنْتُ أَمِيلُ إِلَيْهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَالتَّأْوِيلُ الْأَخِيرِ أَصَحُّ مِنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "أُنْزِلَ عَلَيَّ آنِفًا "، يَدْفَعُ كَوْنَهَا نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ نَزَلَتْ في تلك الحالة وليس الْإِغْفَاءُ إِغْفَاءَ نَوْمٍ بَلِ الْحَالَةُ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَرِيهِ عِنْدَ الْوَحْيِ فَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ كَانَ يُؤْخَذُ عَنِ الدُّنْيَا.

النوع السادس: الأرضي والسمائي

النَّوْعُ السَّادِسُ: الْأَرْضِيُّ وَالسَّمَائِيُّ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ مِنَ الْقُرْآنِ سَمَائِيًّا وَأَرْضِيًّا وَمَا نَزَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فِي الْغَارِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا التَّمِيمِيُّ أَنْبَأَنَا هِبَةُ الِلَّهِ الْمُفَسِّرُ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إِلَا سِتَّ آيَاتٍ نَزَلَتْ لَا فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثٌ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} الْآيَاتُ الثَّلَاثُ وَوَاحِدَةٌ فِي الزُّخْرُفِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} الْآيَةَ وَالْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ نزلت لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي الْفَضَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: وَأَمَّا مَا نَزَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ فَسُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قُلْتُ أَمَّا الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مُسْتَنَدٍ لِمَا ذَكَرَهُ فِيهَا إِلَّا آخِرَ الْبَقَرَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: "فَأُعْطِيَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ثَلَاثًا أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ مِنْ أُمَّتِهِ بِالِلَّهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ ". وَفِي الْكَامِلِ لِلْهُذَلِيِّ نزلت: {آمَنَ الرَّسُولُ} إِلَى آخِرِهَا بِقَابَ قَوْسَيْنِ.

النوع السابع: معرفة أول ما نزل

النَّوْعُ السَّابِعُ: مَعْرِفَةُ أَوَّلِ مَا نَزَلَ اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ رَضِيَ الِلَّهِ عَنْهَا فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: اقْرَأْ قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّانِيةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حَتَّى بَلَغَ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ... " الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ

الْعُطَارِدِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُقْرِئُنَا فَيُجْلِسُنَا حِلَقًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ فَإِذَا تَلَا هَذِهِ السُّورَةَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ، قَالَ: هَذِهِ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ، قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ فَوَالِلَّهِ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} : فَكَانَ يَقُولُ هُوَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} و: {نْ وَالْقَلَمِ} . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَمَطٍ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فَيَرَوْنَ أَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ. وَأَخْرَجَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِحِرَاءَ إِذْ أَتَى مَلَكٌ بِنَمَطٍ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إِلَى {مَا لَمْ يَعْلَمْ} . القول الثاني: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} روى الشيخان عن سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبَدِ الِلَّهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} قُلْتُ: أَوِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قَالَ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِي

فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ يَعْنِي جِبْرِيلَ فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرَتْهُمْ فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ الله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} . وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ نُزُولِ سُورَةٍ كَامِلَةٍ فَبَيَّنَ أَنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ نَزَلَتْ بِكَمَالِهَا قَبْلَ نُزُولِ تمام سورة اقْرَأْ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا صَدْرُهَا. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فقال في حديثه: بينا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الذي جاءني بحراء عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فَقَوْلُهُ: "الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ قِصَّةِ حِرَاءَ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} . ثَانِيهَا: أَنَّ مُرَادَ جَابِرٍ بالأولية مَخْصُوصَةٌ بِمَا بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ لَا أَوَّلِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلِيَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ لِلنُّبُوَّةِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وأول ما نزل للرسالة: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} . رَابِعُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ وَهُوَ مَا وَقَعَ مِنَ التَّدَثُّرِ النَّاشِئِ عن الرعب وأما اقرأ فنزلت ابتداء بِغَيْرِ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ.

خَامِسُهَا: أَنَّ جَابِرًا اسْتَخْرَجَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ رِوَايَتِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ. قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ. وَأَحْسَنُ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: سُورَةُ الْفَاتِحَةِ قَالَ فِي الْكَشَّافِ: ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ "اقْرَأْ " وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى الْأَكْثَرِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَا عَدَدٌ أَقَلُّ مِنَ الْقَلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ وَحُجَّتُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَدِيجَةَ: "إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً فَقَدْ وَالِلَّهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَمْرًا "، فَقَالَتْ: مَعَاذَ الِلَّهِ مَا كَانَ الِلَّهُ لِيَفْعَلَ بِكَ فَوَالِلَّهِ إِنَّكَ لَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ. فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَتْ خَدِيجَةُ حَدِيثَهُ لَهُ وَقَالَتْ: اذْهَبْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ. فَانْطَلَقَا فَقَصَّا عَلَيْهِ فَقَالَ: "إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً خَلْفِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! فَأَنْطَلِقُ هَارِبًا فِي الْأُفُقِ "،فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ إِذَا أَتَاكَ فَاثْبُتْ حَتَّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي فَلَمَّا خَلَا نَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حَتَّى بَلَغَ: {وَلا الضَّالِّينَ} " الْحَدِيثَ. هَذَا مُرْسَلٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا يحتمل أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ نُزُولِهَا بعدما نَزَلَتْ عَلَيْهِ اقْرَأْ وَالْمُدَّثِّرُ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَكَاهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ قَوْلًا زَائِدًا. وَأَخْرَجَ الو احدي بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَأَوَّلُ سورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .و أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ ثُمَّ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ قَوْلًا بِرَأْسِهِ فَإِنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ نُزُولِ السُّورَةِ نُزُولُ الْبَسْمَلَةِ مَعَهَا فَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَوَرَدَ فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ". وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِأَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ " اقْرَأْ " وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ مقدره أي من أَوَّلُ مَا نَزَلَ وَالْمُرَادُ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ وَفِي آخِرِهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَعَلَّ آخِرَهَا نزل قَبْلَ نُزُولِ بَقِيَّةَ " اقْرَأْ ".

فَرْعٌ أَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ وَيُقَالُ: الْعَنْكَبُوتُ. وَأَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِهَا: {بَرَاءَةٌ} وَأَوَّلُ سُورَةٍ أَعْلَنَهَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ النَّجْمُ. وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَابْنِ حَجَرٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَفِي دَعْوَى الَاتِّفَاقِ نَظَرٌ لِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَذْكُورِ. وَفِي تَفْسِيرِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الَقَدْرِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبْيَضَ فِي جُزْئِهِ الْمَشْهُورِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عُبَيْدُ الِلَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ الْأَزْدِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ثُمَّ: {نْ وَالْقَلَمِ} ثُمَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ثم: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ثُمَّ: {الْفَاتِحَةَ} ثُمَّ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ثُمَّ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ثُمَّ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ثُمَّ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ثُمَّ: {وَالْفَجْرِ} ثُمَّ: {وَالضُّحَى} ثُمَّ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} ثُمَّ: {وَالْعَصْرِ} ثُمَّ: {وَالْعَادِيَاتِ} ثُمَّ {الْكَوْثَرَ} ثُمَّ: {أَلْهَاكُمُ} ثُمَّ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ} ثُمَّ: {الْكَافِرُونَ} ثُمَّ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} ثُمَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ثُمَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثُمَّ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُمَّ: {وَالنَّجْمِ} ثُمَّ: {عَبَسَ} ثُمَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً} ثُمَّ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ثُمَّ: {الْبُرُوجِ} ثُمَّ: {وَالتِّينِ} ثُمَّ: {لِإِيلافِ} ثُمَّ: {الْقَارِعَةُ} ثُمَّ: {الْقِيَامَةِ} ثُمَّ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} ثُمَّ: {وَالْمُرْسَلاتِ} ثُمَّ: {ق}

ثُمَّ: {الْبَلَدُ} ثُمَّ: {الطَّارِقُ} ثُمَّ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ثُمَّ: {ص} ثُمَّ: {الْأَعْرَافَ} ثُمَّ: {الْجِنَّ} ثُمَّ: {يس} ثم: {الفرقان} ثم: {الملائكة} ثم: {كهيعص} ثُمَّ: {طه} ثُمَّ: {الْوَاقِعَةَ} ثُمَّ: {الشُّعَرَاءَ} ثُمَّ: {طس سُلَيْمَانَ} ثُمَّ: {طسم} {الْقِصَصِ} ثُمَّ: {بَنِي إِسْرَائِيلَ} ثُمَّ التَّاسِعَةَ يَعْنِي: {يُونُسَ} ثُمَّ: {هَودٌ} ثُمَّ: {يُوسُفَ} ثُمَّ: {الْحِجْرُ} ثم: {الأنعام} ثم: {الصافات} ثم: {لقمان} ثم: {سبأ} ثم: {الزمر} ثم: {حم} {المؤمن} ثم: {حم السَّجْدَةِ} ثُمَّ حم: {الزُّخْرُفِ} ثُمَّ حم: {الدُّخَانِ} ثُمَّ حم: {الْجَاثِيَةِ} ثُمَّ حم: {الْأَحْقَافِ} ثُمَّ: {الذاريات} ثم: {الغاشية} ثم: {الكهف} ثُمَّ حم: {عسق} ثُمَّ: {تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ} ثُمَّ: {الْأَنْبِيَاءَ} ثُمَّ: {النَّحْلَ أَرْبَعِينَ وَبَقِيَّتَهَا بِالْمَدِينَةِ} ثُمَّ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} ثُمَّ: {الطَّوْرَ} ثُمَّ: {الْمُؤْمِنُونَ} ثُمَّ: {تَبَارَكَ} ثُمَّ: {الْحَاقَّةَ} ثُمَّ: {سَأَلَ} ثُمَّ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ثُمَّ: {وَالنَّازِعَاتِ} ثُمَّ: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} ثُمَّ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ثم: {الروم} ثم: {الْعَنْكَبُوتَ} ثُمَّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَذَاكَ مَا أُنْزِلَ بِمَكَّةَ. وَأُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ثُمَّ: {آلَ عِمْرَانَ} ثُمَّ: {الْأَنْفَالَ} ثُمَّ: {الْأَحْزَابَ} ثُمَّ: {الْمَائِدَةَ} ثُمَّ: {الْمُمْتَحَنَةَ} ثُمَّ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ثُمَّ: {النُّورِ} ثُمَّ: {الْحَجِّ} ثُمَّ: {الْمُنَافِقُونَ} ثُمَّ: {الْمُجَادَلَةِ} ثُمَّ: {الْحُجُرَاتِ} ثُمَّ: {التَّحْرِيمِ} ثُمَّ: {الْجُمْعَةِ} ثُمَّ: {التَّغَابُنَ} ثُمَّ: {سَبَّحَ الْحَوَارِيِّينَ} ثُمَّ: {الْفَتْحَ} ثم: {التوبة} وخاتمة الْقُرْآنِ. قُلْتُ: هَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ وَفِي هَذَا التَّرْتِيبِ نَظَرٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ بالْقُرْآنِ وَقَدِ اعْتَمَدَ الْبُرْهَانُ الْجَعْبَرِيُّ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي سَمَّاهَا تَقْرِيبُ الْمَأْمُولِ فِي تَرْتِيبِ النُّزُولِ فَقَالَ: مَكِّيُهَا سِتٌّ ثَمَانُونَ اعْتَلَتْ نُظِمَتْ عَلَى وَفْقِ النُّزُولِ لِمَنْ تَلَا اقْرَأْ وَنُونٌ مُزَّمِّلٌ مُدَّثِّرٌ وَالْحَمْدُ تَبَّتْ كُوِّرَتِ الْأَعْلَى عَلَا

ليل وفجر والضحى شرح وعصر الْعَادِيَّاتِ وَكَوْثَرٌ أَلْهَاكُمْ تَلَا أَرَأَيْتَ قُلْ بِالْفِيلِ مَعْ فَلَقٍ كَذَا نَاسٌ وَقُلْ هُوَ نَجْمُهَا عَبَسٌ جَلَا قَدْرٌ وَشَمْسٌ وَالْبُرُوجُ وَتِينُهَا لِإِيلَافِ قَارِعَةً قِيَامَةَ أَقْبَلَا وَيْلٌ لِكُلِّ الْمُرْسَلَاتِ وَقَافُ مَعْ بَلَدٌ وَطَارِقُهَا مَعَ اقْتَرَبَتْ كِلَا صَادٌ وَأَعْرَافٌ وَجِنٌّ ثُمَّ يَا سِينٌ وَفُرْقَانٌ وَفَاطِرٌ اعْتَلَى كَافٌ وَطه ثلة الشعرا وَنَمْـ لُ قَصُّ الْإِسْرَا يُونُسُ هُودٌ وَلَا قُلْ يُوسُفُ حِجْرٌ وَأَنْعَامٌ وَذَبْـ حٌ ثُمَّ لُقْمَانُ سبأ زمر جلا مَعَ غَافِرٍ مَعَ فُصِّلَتْ مَعَ زُخْرُفٍ وَدُخَانُ جَاثِيَةٍ وَأَحْقَافٌ تَلَا ذَرَوٌ وَغَاشِيَةٌ وَكَهْفٌ ثُمَّ شُو رى والخليل والأنبيا نَحْلٌ حَلَا وَمَضَاجِعٌ نُوحٌ وَطُورٌ وَالْفَلَا حُ الْمُلْكِ وَاعِيَةٌ وَسَالَ وَعَمَّ لَا غَرَقٌ مَعَ انْفَطَرَتْ وَكَدْحٌ ثُمَّ رُو مُ الْعَنْكَبُوتِ وَطُفِّفَتْ فَتَكَمَّلَا وَبِطَيِّبَةٍ عِشْرُونَ ثُمَّ ثَمَانٌ الطُّو لَى وَعِمْرَانٌ وَأَنْفَالٌ جَلَا لِأَحْزَابِ مَائِدَةِ امْتِحَانٌ وَالنِّسَا مَعَ زُلْزِلَتْ ثُمَّ الْحَدِيدِ تَأَمَّلَا وَمُحَمَّدٌ وَالرَّعْدُ والرحمن الإنسان الطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ حَشْرٌ مَلَا نصر ونور ثُمَّ حَجَّ وَالْمُنَا فِقُ مَعْ مُجَادَلَةٍ وَحُجْرَاتٍ وَلَا تَحْرِيمُهَا مَعَ جُمْعَةٍ وَتَغَابُنٍ صَفٌّ وَفَتْحٌ تَوْبَةٌ خُتِمَتْ أُولَى أَمَّا الَّذِي قَدْ جَاءَنَا سَفَرِيُّهُ عُرْفِيٌ اكْمَلْتُ لَكُمْ قَدْ كُمِّلَا لَكِنْ إِذَا قُمْتُمْ فَجَيْشِيٌّ بَدَا وَاسْأَلْ مَنَ ارْسَلْنَا الشَّآمِيُّ اقْبَلَا إِنَّ الَّذِي فَرَضَ انْتَمَى جُحْفِيُّهَا وَهُوَ الَّذِي كَفَّ الْحُدَيْبِيُّ انْجَلَى

فَرْعٌ فِي أَوَائِلَ مَخْصُوصَةٍ أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي الْقِتَالِ: رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ بِالْمَدِينَةِ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} . وَفِي الْإِكْلِيلِ لِلْحَاكِمِ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي الْقِتَالِ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} . أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ: آيَةُ الْإِسْرَاءِ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً} الْآيَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ. أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي الْخَمْرِ: رَوَى الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ فَأَوَّلُ شَيْءٍ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الْآيَةَ، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الِلَّهِ دَعْنَا نَنْتَفِعْ بِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ فَسَكَتَ عَنْهُمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الِلَّهِ لَا نَشْرَبُهَا قُرْبَ الصَّلَاةِ فَسَكَتَ عَنْهُمْ ثُمَّ نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} فقال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ. أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْأَطْعِمَةِ بِمَكَّةَ آيَةُ الْأَنْعَامِ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} ثُمَّ آيَةُ النَّحْلِ: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً}

إِلَى آخِرِهَا. وَبِالْمَدِينَةِ آيَةُ الْبَقَرَةِ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} الْآيَةَ ثُمَّ آيَةُ الْمَائِدَةِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الْآيَةَ قَالَهُ ابْنُ الْحَصَّارِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ النَّجْمُ. وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} قَالَ: هِيَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٍ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ نَبَّأَنَا سَعِيدٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ بَرَاءَةٍ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} ثُمَّ نَزَلَ أَوَّلُهَا ثُمَّ نَزَلَ آخِرُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ بَرَاءَةَ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} سَنَوَاتٍ ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَرَاءَةٌ أَوَّلُ السُّورَةِ فَأَلْفَتْ بِهَا أَرْبَعُونَ آيَةً. وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ فِي قَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} قَالَ: هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَرَاءَةٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ تَبُوكٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ إِلَا ثَمَانٌ وَثَلَاثِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِهَا. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ آلِ عِمْرَانَ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَقِيَّتُهَا يَوْمَ أُحُدٍ.

النوع الثامن: معرفة آخر ما نزل

النَّوْعِ الثَّامِنِ: مَعْرِفَةُ آخِرِ مَا نَزَلَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وَآخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ وَالْمُرَادُ بها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عُمَرَ: مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا. وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا آيَةُ الرِّبَا. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ} . الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ وَالضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنِ ابْنِ صَالِحٍ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ وَكَانَ بَيْنَ نُزُولِهَا وَبَيْنَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ، وَعَاشَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ تِسْعَ لَيَالٍ ثُمَّ مَاتَ لَيْلَةَ الَاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الرِّبَا وَآيَةُ الدَّيْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ أَحْدَثَ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الدَّيْنِ. مُرْسَلٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ عِنْدِي بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي آيَةِ الرِّبَا: {وَاتَّقُوا يَوْماً} وَآيَةُ الدَّيْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَتَرْتِيبِهَا فِي الْمُصْحَفِ وَلِأَنَّهَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخْبَرَ كُلٌّ عَنْ بَعْضِ مَا نَزَلَ بِأَنَّهُ آخِرٌ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَوْلُ الْبَرَاءِ: آخِرُ مَا نَزَلَ: {يَسْتَفْتُونَكَ} ، أَيْ فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي آيَةِ الرِّبَا: {وَاتَّقُوا يَوْمًا} أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ خِتَامُ الْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةِ فِي الرِّبَا إِذْ هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهِنَّ وَيَجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا جَمِيعًا فَيَصْدُقُ أَنَّ كُلًّا

مِنْهُمَا آخِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَاهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْآخِرِيَّةُ فِي آيَةِ النِّسَاءِ مُقَيَّدَةً بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوَارِيثِ بِخِلَافِ آيَةِ الْبَقَرَةِ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ والأول أَرْجَحُ لِمَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ مِنَ الْإِشَارَةِ إلى معنى الوفاء الْمُسْتَلْزَمَةِ لِخَاتِمَةِ النُّزُولِ انْتَهَى وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَرَوَى عَبْدُ الِلَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِيٍّ أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ رِجَالٌ يَكْتُبُونَ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةٍ، {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} ظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُمْ أَبِيُّ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي بَعْدَهَا آيَتَيْنِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وَقَالَ: هَذَا آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: فَخَتَمَ بِمَا فَتَحَ بِهِ بِالِلَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيٍّ أَيْضًا قَالَ: آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالِلَّهِ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بِلَفْظِ أَقْرَبُ الْقُرْآنِ بِالسَّمَاءِ عَهْدًا وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: آخر آية نَزَلَتْ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} .

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَاسْتَحِلُّوهُ ... "الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الِلَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَالْفَتْحِ. قُلْتُ: يَعْنِي إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ الْمَشْهُورِ: بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الَاخْتِلَافَاتِ - إِنْ صَحَّتْ - بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَارِ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلٌّ قَالَهُ بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ كُلًّا مِنْهُمْ أَخْبَرَ عَنْ آخِرٍ مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَوْ قَبْلَ مَرَضِهِ بِقَلِيلٍ وَغَيْرُهُ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ هُوَ. وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي هِيَ آخِرُ آيَةٍ تَلَاهَا الرَّسُولُ مَعَ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَعَهَا فَيُؤْمَرُ بِرَسْمِ مَا نَزَلَ مَعَهَا بَعْدَ رَسْمِ تِلْكَ فَيَظُنُّ أَنَّهُ آخِرُ مَا نَزَلَ فِي التَّرْتِيبِ. انْتَهَى. وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} الْآيَةَ: وَقَالَ: إِنَّهَا آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذَا أَثَرٌ مُشْكِلٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا آيَةٌ تَنْسَخُهَا وَلَا تُغَيِّرُ حُكْمَهَا بَلْ هِيَ مُثْبَتَةٌ مُحْكَمَةٌ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذهِ

الْآيَةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنِّسَائِيِّ عَنْهُ: لَقَدْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: آخَرُ آيَةٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ} إِلَى آخِرِهَا. قُلْتُ: وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ أَرَى اللَّهَ يَذْكُرُ الرِّجَالَ وَلَا يَذْكُرُ النِّسَاءَ؟ فَنَزَلَتْ: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وَنَزَلَتْ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَهِيَ آخِرُ الثَّلَاثَةِ نُزُولًا أَوْ آخِرُ مَا نَزَلَ بعدما كَانَ يَنْزِلُ فِي الرِّجَالِ خَاصَّةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ فَارَقَهَا وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ ". قَالَ أَنَسٌ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الِلَّهِ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} الآية. قُلْتُ: يَعْنِي فِي آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ. وَفِي الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ.

وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْحَصَّارِ بِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَمْ يَرِدْ نَقْلٌ بتأخر هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ نُزُولِ السُّورَةِ بَلْ هِيَ فِي مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُخَاصَمَتِهِمْ وَهُمْ بِمَكَّةَ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ مِنَ الْمُشْكِلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِعَرَفَةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَظَاهِرُهَا إكمال جميع الْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ قَبْلَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ السُّدِّيُّ فَقَالَ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ مَعَ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي آيَةِ الرِّبَا وَالدَّيْنِ وَالْكَلَالَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ بإفرادهم بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَإِجْلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ حَتَّى حَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ لَا يُخَالِطُهُمُ الْمُشْرِكُونَ. ثُمَّ أَيَّدَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يَحُجُّونَ جَمِيعًا، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ نُفِيَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} .

النوع التاسع: معرفة سبب النزول

النَّوْعُ التَّاسِعُ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ أَقْدَمُهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمِنْ أَشْهَرِهَا كِتَابُ الْوَاحِدِيِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ إِعْوَازٍ وَقَدِ اخْتَصَرَهُ الْجَعْبَرِيُّ فَحَذَفَ أَسَانِيدَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَأَلَّفَ فِيهِ شَيْخُ الإسلام أبو الفضل بن حَجَرٍ كِتَابًا مَاتَ عَنْهُ مُسْوَدَّةً فَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ كَامِلًا وَقَدْ أَلَّفْتُ فِيهِ كِتَابًا حَافِلًا مُوجَزًا مُحَرَّرًا لَمْ يُؤَلَّفْ مَثَلُهُ فِي هَذَا النَّوْعِ سَمَّيْتُهُ: "لُبَابُ النُّقُولِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ ". قَالَ الْجَعْبَرِيُّ: نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ نَزَلَ ابْتِدَاءً وَقِسْمٌ نَزَلَ عَقِبَ وَاقِعَةٍ أَوْ سُؤَالٍ وَفِي هَذَا النَّوْعِ مَسَائِلٌ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَ هَذَا الْفَنِّ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى التَّارِيخِ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ وَجْهِ الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَشْرِيعِ الْحُكْمِ. وَمِنْهَا: تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ عَامًّا وَيَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى تخصصه فَإِذَا عُرِفَ السَّبَبُ قَصُرَ التَّخْصِيصُ عَلَى مَا عَدَا صُورَتَهُ فَإِنَّ دُخُولَ صُورَةِ السَّبَبِ قَطْعِيٌّ وَإِخْرَاجُهَا بِالَاجْتِهَادِ مَمْنُوعٌ كَمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي التقريب ولا التفات إِلَى مَنْ شَذَّ فَجَوَّزَ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: الْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى وَإِزَالَةُ الْإِشْكَالِ قَالَ الْوَّاحِدِيُّ: لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الْآيَةَ دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى قِصَّتِهَا وَبَيَانِ نُزُولِهَا. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدُ: بَيَانُ سَبَبِ النُّزُولِ طَرِيقٌ قَوِيٌّ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُوَرِّثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ. وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية، وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحٌ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ حَتَّى بَيَّنَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ وَأَرَوْهُ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ. أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ. وَحُكِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: الْخَمْرُ مُبَاحَةٌ وَيَحْتَجَّانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية وَلَوْ عَلِمَا سَبَبَ نُزُولِهَا لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ: كَيْفَ بِمَنْ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الِلَّهِ وَمَاتُوا وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَهِيَ رِجْسٌ؟ فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} فَقَدْ أَشْكَلَ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى بَعْضِ

الْأَئِمَّةِ حَتَّى قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ بِأَنَّ الْآيِسَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ تُرَتِّبْ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ سَبَبَ النُّزُولِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي عِدَدِ النِّسَاءِ قَالُوا قَدْ بَقِيَ عَدَدٌ مِنْ عِدَدِ النِّسَاءِ لَمْ يُذْكَرْنَ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أُبَيٍّ. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا حُكْمُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ وَارْتَابَ: هَلْ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ عِدَّتُهُنَّ كَاللَّاتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ لَا؟ فَمَعْنَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} إِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمْ كَيْفَ يعتدون فَهَذَا حُكْمُهُنَّ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فَإِنَّا لَوْ تُرِكْنَا وَمَدْلُولَ اللَّفْظِ لَاقْتَضَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَمَّا عُرِفَ سبب نزولها علم أَنَّهَا فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ أَوْ فِيمَنْ صَلَّى بِالَاجْتِهَادِ وَبَانَ لَهُ الْخَطَأُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية فَإِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّعْيَ فَرْضٌ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ تَمَسُّكًا بِذَلِكَ وَقَدْ رَدَّتْ عَائِشَةُ عَلَى عُرْوَةَ فِي فَهْمِهِ ذَلِكَ بِسَبَبِ نُزُولِهَا وَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَأَثَّمُوا مِنَ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَنَزَلَتْ. وَمِنْهَا: دَفْعُ تَوَهُّمِ الْحَصْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية: أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا حَرَّمُوا مَا أَحَلَّ

اللَّهُ وَأَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَكَانُوا عَلَى المضادة والمحاداة فَجَاءَتِ الْآيَةُ مُنَاقِضَةً لِغَرَضِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا حَلَالَ إِلَا مَا حَرَّمْتُمُوهُ وَلَا حَرَامَ إِلَا مَا أحللتموه نازلا نزلة مِنْ يَقُولُ: لَا تَأْكُلِ الْيَوْمَ حَلَاوَةً فَتَقُولُ: لَا آكُلُ الْيَوْمَ إِلَا الْحَلَاوَةَ وَالْغَرَضُ الْمُضَادَّةُ لَا النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَا حَرَامَ إِلَا مَا أَحْلَلْتُمُوهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ولحم الخنزير وما أهل لغير الِلَّهِ بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ حِلَّ مَا وَرَاءَهُ إِذِ الْقَصْدُ إِثْبَاتُ التَّحْرِيمِ لَا إِثْبَاتُ الْحِلِّ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَلَوْلَا سَبْقُ الشَّافِعِيِّ إِلَى ذَلِكَ لَمَا كُنَّا نَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ مَالِكٍ فِي حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَتْهُ الْآيَةُ. وَمِنْهَا: مَعْرِفَةُ اسْمِ النَّازِلِ فِيهِ الْآيَةُ وَتَعْيِينُ الْمُبْهَمُ فِيهَا وَلَقَدْ قَالَ مَرْوَانُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: إِنَّهُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} حَتَّى رَدَّتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَبَيَّنَتْ لَهُ سَبَبَ نُزُولِهَا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأُصُولِ: هَلْ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِخُصُوصِ السَّبَبِ؟ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا الْأَوَّلُ وَقَدْ نَزَلَتْ آيَاتٌ فِي أَسْبَابٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَعْدِيَتِهَا إِلَى غَيْرِ أَسْبَابِهَا كَنُزُولِ آيَةِ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ وَآيَةِ اللِّعَانِ فِي شَأْنِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَحَدِّ الْقَذْفِ فِي رُمَاةِ عَائِشَةَ ثُمَّ تَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِمْ. وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ عُمُومَ اللَّفْظِ قَالَ: خَرَجَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ وَنَحْوُهَا لِدَلِيلٍ آخَرَ كَمَا قُصِرَتْ آيَاتٌ عَلَى أَسْبَابِهَا اتِّفَاقًا لِدَلِيلٍ قَامَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ الْهُمَزَةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ خَاصًّا وَالْوَعِيدُ عَامًّا لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ الْقَبِيحَ وَلِيَكُونَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى التَّعْرِيضِ.

قُلْتُ: وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ عُمُومِ اللَّفْظِ احْتِجَاجُ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي وَقَائِعَ بِعُمُومِ آيَاتٍ نَزَلَتْ عَلَى أَسْبَابٍ خَاصَّةٍ شَائِعًا ذَائِعًا بَيْنَهُمْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ أَخْبَرْنَا أَبِي أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ سَمِعْتُ سَعِيدَ الْمَقْبُرِيَّ يُذَاكِرُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعَّبٍ الْقُرَظِيَّ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ فِي بَعْضِ كُتُبِ الِلَّهِ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ لَبِسُوا لِبَاسَ مَسُوكِ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ يَجْتَرُّونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ هَذَا فِي كِتَابِ الِلَّهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية، فَقَالَ سَعِيدٌ قَدْ عَرَفْتُ فِيمَنْ أُنْزِلَتْ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّ الْآيَةَ تَنْزِلُ فِي الرَّجُلِ ثُمَّ تَكُونُ عَامَّةً بَعْدُ. فَإِنْ قُلْتَ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَعْتَبِرْ عُمُومَ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية، بَلْ قَصَرَهَا عَلَى مَا أُنْزِلَتْ فيه مِنْ قِصَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ. قُلْتُ: أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ اللَّفْظَ أَعَمُّ مِنَ السَّبَبِ لَكِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ خَاصٌّ وَنَظِيرُهُ تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الظلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بِالشِّرْكِ مِنْ قَوْلِهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} مَعَ فَهْمِ الصَّحَابَةِ الْعُمُومَ فِي كُلِّ ظُلْمٍ. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَإِنَّهُ قَالَ بِهِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي امْرَأَةٍ سَرَقَتْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو ثَمِيلَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ نَجْدَةَ الْحَنَفِيِّ

قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أخاص أم عَامٌّ؟ قَالَ: بَلْ عَامٌّ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: قَدْ يَجِيءُ كَثِيرًا مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كَذَا لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ شَخْصًا كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ آيَةَ الظِّهَارِ نَزَلَتْ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَإِنَّ آيَةَ الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الِلَّهِ وَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنُّضَيْرِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُونَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَالَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يَقْصِدُوا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ يَخْتَصُّ بِأُولَئِكَ الْأَعْيَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَلَا عَاقِلٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالنَّاسُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ: هَلْ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ؟ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ إِنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فتعم مَا يُشْبِهُهُ وَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ فِيهَا بِحَسْبِ اللَّفْظِ وَالْآيَةُ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ إِنْ كَانَتْ أمرا ونهيا فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ فَهِيَ متناولة لذلك الشخص كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي لَفْظٍ لَهُ عُمُومٌ أَمَّا آيَةٌ نَزَلَتْ فِي مُعَيَّنٍ وَلَا عُمُومَ لِلَفْظِهَا فَإِنَّهَا تَقْصُرُ عَلَيْهِ قَطْعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ

بِالْإِجْمَاعِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِّيُّ مَعَ قَوْلِهِ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَوَهِمَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَهُ إِجْرَاءً لَهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ عُمُومٍ إِذِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ إِنَّمَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إِذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مُعَرَّفَةً فِي جَمْعٍ زَادَ قَوْمٌ: أو مفرد بشرط ألا يَكُونَ هُنَاكَ عَهْدٌ وَاللَّامُ فِي " الْأَتْقَى " لَيْسَتْ مَوْصُولَةً لِأَنَّهَا لَا تُوصَلُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ إِجْمَاعًا " وَالْأَتْقَى " لَيْسَ جَمْعًا بَلْ هُوَ مُفْرَدٌ وَالْعَهْدُ مَوْجُودٌ خُصُوصًا مَعَ مَا يُفِيدُهُ صِيغَةُ " أَفْعَلَ " مِنَ التَّمْيِيزِ وَقَطْعِ الْمُشَارَكَةِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ وَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ بِالْخُصُوصِ وَالْقَصْرِ عَلَى مَنْ نَزَلَتْ فِيهِ رَضِيَ الِلَّهِ عنه. المسألة الثالثة: تَقَدَّمَ أَنَّ صُورَةَ السَّبَبِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ فِي الْعَامِّ وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَاتُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ وَتُوضَعُ مَعَ مَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الْآيِ الْعَامَّةِ رِعَايَةً لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ السِّيَاقِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْخَاصُّ قَرِيبًا مِنْ صُورَةِ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ قَطْعِيَّ الدُّخُولِ فِي الْعَامِّ كَمَا اخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ رُتْبَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ دُونَ السَّبَبِ وَفَوْقَ الْمُجَرَّدِ مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} إِلَى آخِرِهِ فَإِنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَنَحْوِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ لَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ وَشَاهَدُوا قَتْلَى بَدْرٍ حَرَّضُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِمْ وَمُحَارَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُمْ:

مَنْ أَهْدَى سَبِيلًا؟ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَمْ نَحْنُ؟ فَقَالُوا: أَنْتُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْطَبِقِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ الْمَوَاثِيقِ عليهم ألا يَكْتُمُوهُ فَكَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً لَازِمَةً لَهُمْ وَلَمْ يُؤَدُّوهَا حَيْثُ قَالُوا لِلْكُفَّارِ أَنْتُمْ أَهْدَى سَبِيلًا حَسَدًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ التَّوَعُّدَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِلْأَمْرِ بِمُقَابِلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ بَيَانُ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِفَادَةِ أَنَّهُ الْمَوْصُوفُ فِي كِتَابِهِمْ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِأَمَانَةٍ هِيَ صِفَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِالطَّرِيقِ السَّابِقِ وَالْعَامُّ تَالٍ لِلْخَاصِّ فِي الرَّسْمِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ فِي النُّزُولِ وَالْمُنَاسَبَةُ تَقْتَضِي دُخُولَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَاصُّ فِي الْعَامِّ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَجْهُ النَّظْمِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ كِتْمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَةَ محمد وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَهْدَى سَبِيلًا فَكَانَ ذَلِكَ خِيَانَةً مِنْهُمْ فَانْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ. انْتَهَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَرِدُ تَأَخُّرُ نُزُولِ آيَةِ الْأَمَانَاتِ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا بِنَحْوِ سِتِّ سِنِينَ لِأَنَّ الزَّمَانَ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ لَا فِي الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَضْعُ آيَةٍ فِي مَوْضِعٍ يُنَاسِبُهَا وَالْآيَاتُ كَانَتْ تُنَزَّلُ عَلَى أَسْبَابِهَا وَيَأْمُرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَلِمَ مِنَ الِلَّهِ أَنَّهَا مَوَاضِعُهَا. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْكِتَابِ إِلَّا بِالرِّوَايَةِ وَالسَّمَاعِ مِمَّنْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ وَوَقَفُوا عَلَى الْأَسْبَابِ وَبَحَثُوا عَنْ عِلْمِهَا

وقد قال محمد بن سِيرِينَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: اتَّقِ الِلَّهَ وَقُلْ سَدَادًا ذَهَبَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ فيم أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ! وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ أَمْرٌ يَحْصُلُ لِلصَّحَابَةِ بِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِالْقَضَايَا وَرُبَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بَعْضُهُمْ فَقَالَ أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي كَذَا كَمَا أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَبْدِ الِلَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شِرَاجِ الْحُرَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ إِنْ كَانَ ابْنُ عَمَّتِكَ! فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ... " الْحَدِيثَ. قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} . قَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ: إِذَا أَخْبَرَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي شَهِدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كَذَا فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ وَمَشَى عَلَى هَذَا ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَمَثَّلُوهُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} . وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: قَوْلُهُمْ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا يُرَادُ بِهِ تَارَةً سَبَبُ النُّزُولِ وَيُرَادُ به تارة أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ السَّبَبَ كَمَا

تَقُولُ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَذَا. وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْنَدِ كَمَا لَوْ ذُكِرَ السَّبَبُ الَّذِي أُنْزِلَتْ لِأَجْلِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَى التَّفْسِيرِ مِنْهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْنَدٍ فَالْبُخَارِيُّ يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُ لَا يُدْخِلُهُ فِيهِ وَأَكْثَرُ الْمَسَانِيدِ عَلَى هَذَا الَاصْطِلَاحِ كَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا ذُكِرَ سَبَبًا نَزَلَتْ عَقِبَهُ فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ يُدْخِلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الْمُسْنَدِ. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: قَدْ عُرِفَ مِنْ عَادَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ هَذَا الْحُكْمَ لَا أَنَّ هَذَا كَانَ السَّبَبَ فِي نُزُولِهَا فَهُوَ مَنْ جِنْسِ الَاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْآيَةِ لَا مَنْ جِنْسِ النَّقْلِ لِمَا وَقَعَ. قُلْتُ: وَالَّذِي يَتَحَرَّرُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَنَّهُ مَا نَزَلَتِ الْآيَةُ أَيَّامَ وُقُوعِهِ لِيُخْرِجَ مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي سُورَةِ الْفِيلِ مِنْ أَنَّ سَبَبَهَا قِصَّةُ قُدُومِ الْحَبَشَةِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَقَائِعِ الْمَاضِيَةِ كَذِكْرِ قِصَّةِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَبِنَاءِ الْبَيْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} سَبَبُ اتِّخَاذِهِ خَلِيلًا لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ كَمَا لَا يَخْفَى.

تَنْبِيهٌ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُسْنَدِ مِنَ الصَّحَابِيِّ إِذَا وَقَعَ مِنْ تَابِعِيٍّ فَهُوَ مَرْفُوعٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ فَقَدْ يُقْبَلُ إِذَا صَحَّ السَّنَدُ إِلَيْهِ وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ الْآخِذِينَ عَنِ الصَّحَابَةِ كَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوِ اعْتَضَدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْمُفَسِّرُونَ لِنُزُولِ الْآيَةِ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةً وَطَرِيقُ الَاعْتِمَادِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى الْعِبَارَةِ الْوَاقِعَةِ فَإِنْ عَبَّرَ أَحَدُهُمْ بِقَوْلِهِ: نَزَلَتْ فِي كَذَا وَالْآخَرُ: نَزَلَتْ فِي كَذَا. وَذَكَرَ أَمْرًا آخَرَ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا يُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ لَا ذِكْرُ سَبَبِ النزول فلا منافاة بين قولهما إِذَا كَانَ اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ وَإِنْ عَبَّرَ وَاحِدٌ بِقَوْلِهِ نَزَلَتْ فِي كَذَا وَصَرَّحَ الْآخَرُ بِذِكْرِ سَبَبِ خِلَافِهِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وذاك استنباط مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُنْزِلَتْ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ. وَتَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ سَبَبِ خِلَافِهِ فَالْمُعْتَمَدُ حَدِيثُ جَابِرٍ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ اسْتِنْبَاطٌ مِنْهُ وَقَدْ وَهَمَهُ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ. وَإِنَّ ذِكْرَ وَاحِدٍ سَبَبًا وَآخَرَ سَبَبًا غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ إِسْنَادُ أَحَدِهِمَا صَحِيحًا دُونَ الْآخَرِ فَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جُنْدُبٍ:

اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَا قَدْ تَرَكَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ما مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّهَا - وَكَانَتْ خَادِمَ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جَرْوًا دَخَلَ بَيْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ تَحْتَ السَّرِيرِ فَمَاتَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَقَالَ يَا خَوْلَةُ مَا حَدَثَ فِي بَيْتِ رَسُولِ الِلَّهِ؟ جِبْرِيلُ لَا يَأْتِينِي فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ هَيَّأْتُ الْبَيْتَ وَكَنَسْتُهُ! فَأَهْوَيْتُ بِالْمِكْنَسَةِ تَحْتَ السَّرِيرِ فَأَخْرَجْتُ الْجَرْوَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَدُ لِحْيَتُهُ - وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالضُّحَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَرْضَى} .و قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قِصَّةُ إِبْطَاءِ جِبْرِيلَ بِسَبَبِ الْجَرْوِ مَشْهُورَةٌ لَكِنَّ كَوْنَهَا سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الصَّحِيحِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس أن رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا - وَكَانَ يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ - فَكَانَ يَدْعُو الِلَّهَ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَأَنْزَلَ الله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ وَقَالُوا:

مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وَقَالَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أَنْ تُصَلِّيَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ فِي التَّطَوُّعِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ - وَضَعَّفَهُ - مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لرسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ فَنَزَلَتْ. مُرْسَلٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ فَنَزَلَتْ. مُعْضَلٌ غَرِيبٌ جِدًّا. فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَضْعَفُهَا الْأَخِيرُ لِإِعْضَالِهِ ثُمَّ مَا قَبْلَهُ لِإِرْسَالِهِ ثُمَّ مَا قَبْلَهُ لِضَعْفِ رُوَاتِهِ وَالثَّانِي صَحِيحٌ لَكِنَّهُ قَالَ: قَدْ أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّبَبِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَصَرَّحَ فِيهِ بِذِكْرِ السَّبَبِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ - أَوْ سَعِيدٍ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَتَوْا رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ تَعَالَ فَتَمَسَّحْ بِآلِهَتِنَا وَنَدْخُلُ مَعَكَ فِي دِينِكَ - وَكَانَ يُحِبُّ إِسْلَامَ قَوْمِهِ - فَرَقَّ لَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الْآيَاتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ثَقِيفًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجِّلْنَا سَنَةً حَتَّى يُهْدَى لِآلِهَتِنَا فَإِذَا قَبَضْنَا الَّذِي يُهْدَى لَهَا أَحْرَزْنَاهُ ثُمَّ أَسْلَمْنَا. فَهَمَّ أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ فَنَزَلَتْ. هَذَا يَقْتَضِي نُزُولَهَا بِالْمَدِينَةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي نُزُولَهَا بِمَكَّةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَرْتَقِي إِلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. الْحَالُ الرَّابِعُ: أَنْ يَسْتَوِيَ الْإِسْنَادَانِ فِي الصِّحَّةِ فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِكَوْنِ رَاوِيهِ حَاضِرَ الْقِصَّةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لَوْ سَأَلْتُمُوهُ! فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ فَقَامَ سَاعَةً وَرَفَعَ رَأْسَهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ ثُمَّ قَالَ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ: أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالُوا: اسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَسَأَلُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الْآيَةَ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَالْأَوَّلُ خِلَافُهُ وَقَدْ رَجَّحَ بِأَنَّ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ وَبِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ حَاضِرَ الْقِصَّةِ.

الْحَالُ الْخَامِسُ: أَنْ يُمْكِنَ نُزُولُهَا عُقَيْبَ السَّبَبَيْنِ والأسباب الْمَذْكُورَةِ بِأَلَّا تَكُونَ مَعْلُومَةَ التَّبَاعُدِ كَمَا فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَمِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس أن هلال بن أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ بن سحماء فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ " فَقَالَ يَا رَسُولَ الِلَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ! فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} . وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: اسْأَلْ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَابَ السَّائِلَ فَأَخْبَرَ عَاصِمٌ عُوَيْمِرًا فَقَالَ: وَالِلَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فلأ سألنه فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صاحبتك قرآنا ... " الْحَدِيثَ. جَمَعَ بَيْنِهِمَا بِأَنَّ أَوَّلَ ما وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ هِلَالٌ وَصَادَفَ مَجِيءُ عُوَيْمِرٍ أَيْضًا فَنَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمَا مَعًا. وَإِلَى هَذَا جَنَحَ النَّوَوِيُّ وَسَبَقَهُ الْخَطِيبُ فَقَالَ لَعَلَّهُمَا اتَّفَقَ لَهُمَا ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْ رَأَيْتَ مَعَ أُمِّ رُومَانَ رَجُلًا مَا كُنْتَ فَاعِلًا بِهِ؟ قَالَ: شَرًّا قَالَ:

فَأَنْتَ يَا عُمْرُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ الْأَعْجَزَ فَإِنَّهُ لِخَبِيثٌ. فَنَزَلَتْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ. الْحَالُ السادس: ألا يُمْكِنَ ذَلِكَ فَيُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ النُّزُولِ وَتَكَرُّرِهِ مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ الِلَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: أَيْ عَمُّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ الِلَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَعَبْدُ الِلَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ! فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ " فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ - وَحَسَّنَهُ - عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقُلْتُ: تَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ! فَقَالَ: اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِلَى الْمَقَابِرِ فَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا فَنَاجَاهُ طَوِيلًا ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: إِنَّ الْقَبْرَ الَّذِي جَلَسْتُ عِنْدَهُ قَبْرُ أُمِّي وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي الدُّعَاءِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} فنجمع بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِتَعَدُّدِ النُّزُولِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ حِينَ اسْتُشْهِدَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ: "لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ " فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِخَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحْلِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ مِنْهُمْ حَمْزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِمْ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} الْآيَةَ فَظَاهِرُهُ تَأْخِيرُ نُزُولِهَا إِلَى الْفَتْحِ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ نُزُولُهَا بِأُحُدٍ قَالَ ابْنُ الحصار: ويجمع بأنها نَزَلَتْ أَوَّلًا بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مَعَ السُّورَةِ لِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ ثُمَّ ثَانِيًا بِأُحُدٍ ثُمَّ ثَالِثًا يَوْمَ الْفَتْحِ تَذْكِيرًا مِنَ الِلَّهِ لِعِبَادِهِ وَجَعَلَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ آيَةُ الرُّوحِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَكُونُ فِي إِحْدَى الْقِصَّتَيْنِ فَتَلَا فَيَهِمُ الرَّاوِي فَيَقُولُ: "فَنَزَلَ" مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ - وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ عَلَى ذِهِ وَالْأَرَضِينَ عَلَى ذِهِ وَالْمَاءَ عَلَى ذِهِ وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهِ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى ذِهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية،

وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ " فَتَلَا رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَهُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ الِلَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِمَقْدِمِ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ؟ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَقَرَأَ هذه الآية: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْآيَةَ رَدًّا عَلَى قَوْلِ الْيَهُودِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نُزُولَهَا حِينَئِذٍ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَحَّ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ قِصَّةٌ غَيْرُ قِصَّةٍ ابْنِ سَلَامٍ. تَنْبِيهٌ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُذْكَرَ سَبَبٌ وَاحِدٌ فِي نُزُولِ آيات متفرقة وَلَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ يَنْزِلُ فِي الواقعة الْوَاحِدَةِ آيَاتٌ عَدِيدَةٌ فِي سُورٍ شَتَّى مِثَالُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ لَا أَسْمَعُ الِلَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ تَذْكُرُ الرِّجَالَ

وَلَا تَذْكُرُ النِّسَاءَ فَأُنْزِلَتْ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} وَأُنْزِلَتْ: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} . وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهَا أَنَّهَا قالت: يغزو الرِّجَالُ وَلَا تَغْزُو النِّسَاءُ وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وَأَنْزَلَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلَى عَلَيْهِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَقَالَ: يارسول الِلَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ - وَكَانَ أَعْمَى - فأنزل الله: {أُولِي الضَّرَرِ} . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَيْضًا قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ لِرَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لِوَاضِعٌ الْقَلَمَ عَلَى أُذُنِي إذ أَمَرَ بِالْقِتَالِ فَجَعَلَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ إِذْ جَاءَ أَعْمَى فَقَالَ: كَيْفَ لِي يَا رَسُولَ الِلَّهِ وَأَنَا أَعْمَى! فَأُنْزِلَتْ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} . وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلِّ حُجْرَةٍ فَقَالَ: إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ يَنْظُرُ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ فَطَلَعَ رَجُلٌ أَزْرَقُ فَدَعَاهُ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فجاء بأصحابه فَحَلَفُوا بِالِلَّهِ مَا قَالُوا حَتَّى تَجَاوَزَ عَنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّه

مَا قَالُوا} الْآيَةَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَآخِرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} الآية. تَنْبِيهٌ تَأَمَّلْ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاشْدُدْ بِهِ يَدَيْكَ فَإِنِّي حَرَّرَتْهُ وَاسْتَخْرَجْتُهُ بِفِكْرِي مِنِ اسْتِقْرَاءِ صَنِيعِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ وَلَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ.

النوع العاشر: فيما أنزل من القرآن على لسان بعض الصحابة

النَّوْعُ الْعَاشِرُ: فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَوْعٌ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مُوَافِقَاتُ عُمْرَ وَقَدْ أَفْرَدَهَا بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الِلَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمْرَ وَقَلْبِهِ" قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَمَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا: وَقَالَ: إِلَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ عُمْرُ يَرَى الرَّأْيَ فَيَنْزِلُ بِهِ الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ إِنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ وَاجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ فِي الْغَيْرَةِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ} ، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فِي الحجاب وفي أساري بَدْرٍ وَفِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّي - أَوْ وَافَقَنِي

رَبِّي فِي أَرْبَعٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} الْآيَةَ فَلَمَّا نَزَلَتْ قُلْتُ أَنَا: "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " فَنَزَلَتْ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} . وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ يَهُودِيًّا لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ الَّذِي يَذْكُرُ صَاحِبَكُمْ عَدُوٌّ لَنَا فَقَالَ عُمَرُ: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} قال فَنَزَلَتْ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. وَأَخْرَجَ سُنَيْدٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا سَمِعَ مَا قِيلَ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ قَالَ: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَخِي مِيمِي فِي فَوَائِدِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَانَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَالَا: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَأَبُو أَيُّوبَ فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لَمَّا أَبْطَأَ عَلَى النِّسَاءِ الْخَبَرَ فِي أُحُدٍ خَرَجْنَ يَسْتَخْبِرْنَ فَإِذَا رجلان مقبلان على بعير فقالت امرأة: مَا فَعَلَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم؟ قال: حَيٌّ، قَالَتْ: فَلَا أُبَالِي يَتَّخِذُ الِلَّهِ مِنْ عِبَادِهِ الشُّهَدَاءَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا قَالَتْ: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ محمد ابن شُرَحْبِيلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَمَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ اللِّوَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَهُوَ يَقُولُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ

إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ثُمَّ قطعت يده اليسرى فحنا عَلَى اللِّوَاءِ وَضَمَّهُ بِعَضُدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} الآية ثم قتل فسقط اللواء قال محمد بن شرحبيل وما نزلت هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} يَوْمَئِذٍ حَتَّى نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَذْنِيبٌ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ غير الله كالنبي صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة غير مصرح فإضافته إِلَيْهِمْ وَلَا مَحْكِيٌّ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية فإن هذا ورد عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ آخِرِهَا: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} . وَقَوْلُهُ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً} الآية فإنه أوردها أَيْضًا عَلَى لِسَانِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الْآيَةَ وَارِدٌ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} وَارِدٌ عَلَى لِسَانِ الْمَلَائِكَةِ. وَكَذَا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَارِدٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ إِلَا أَنَّهُ يُمْكِنُ هُنَا تَقْدِيرُ الْقَوْلِ أَيْ قُولُوا وَكَذَا الْآيَتَانِ الْأُولَيَانِ يَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِمَا [قُلْ] بِخِلَافِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ

النوع الحادي عشر: ما تكرر نزوله

النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَكَرَّرَ نُزُولُهُ قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: قَدْ يَتَكَرَّرُ نُزُولُ الْآيَةِ تَذْكِيرًا وَمَوْعِظَةً وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ النَّحْلِ وَأَوَّلَ سُورَةِ الرُّوم. وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْهُ آيَةَ الرُّوحِ. وَذَكَرَ قَوْمٌ مِنْهُ الْفَاتِحَةَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ قَوْلَهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَةَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: قَدْ يَنْزِلُ الشَّيْءُ مَرَّتَيْنِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَتَذْكِيرًا عِنْدَ حُدُوثِ سَبَبِهِ خوف نِسْيَانِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهُ آيَةَ الرُّوحِ وَقَوْلُهُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية. قَالَ: فَإِنَّ سُورَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُودٍ مَكِّيَّتَانِ وَسَبَبُ نُزُولِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ وَلِهَذَا أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ. وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ مِنْ أَنَّهَا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ وَجَوَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ بالمدينة وكذلك قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآية قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ سَبَبٌ مِنْ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ تَقْتَضِي نُزُولَ آيَةٍ وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَتَضَمَّنُهَا فَيُوحِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْآيَةَ بِعَيْنِهَا تَذْكِيرًا لَهُمْ بِهَا وَبِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ هَذِهِ.

تَنْبِيهٌ قَدْ يُجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ الْأَحْرُفُ الَّتِي تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُبَيٍّ: "إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إلي أن اقرأه عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ بَلْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ لِلسَّخَاوِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَ بِنُزُولِ الْفَاتِحَةِ مَرَّتَيْنِ: إِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً؟ قُلْتُ: يَجُوزُ أن يكون نَزَلَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنَزَلَتْ فِي الثَّانِيةِ بِبَقِيَّةِ وُجُوهِهَا نَحْوُ مَلِكِ وَمَالِكِ وَالسِّرَاطَ وَالصِّرَاطَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ يَتَكَرَّرُ نُزُولُهُ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ: "الْكَفِيلِ بِمَعَانِي التَّنْزِيلِ "وَعِلَلِهِ بِأَنَّ تَحْصِيلَ مَا هُوَ حَاصِلٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فَوَائِدِهِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنَّ جِبْرِيلَ كان يعارضه القرآن كُلَّ سَنَةٍ وَرَدَّ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَبِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْإِنْزَالِ إِلَّا أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِقُرْآنٍ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ قَبْلُ فيقرئه إِيَّاهُ. وَرَدَّ بِمَنْعِ اشْتِرَاطِ قَوْلِهِ: "لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ قَبْلُ " ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُمْ يَعْنُونَ بِنُزُولِهَا مَرَّتَيْنِ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ حِينَ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ فَأَخْبَرَ الرَّسُولُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ كَمَا كَانَتْ بِمَكَّةَ فَظَنَّ ذَلِكَ نُزُولًا لَهَا مَرَّةً أُخْرَى أَوْ أَقْرَأَهُ فِيهَا قِرَاءَةً أُخْرَى لَمْ يُقْرِئْهَا لَهُ بِمَكَّةَ فَظَنَّ ذَلِكَ إِنْزَالًا. انْتَهَى.

النوع الثاني عشر: ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه

النَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ: مَا تَأَخَّرَ حُكْمُهُ عَنْ نُزُولِهِ وَمَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ عَنْ حُكْمِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ قَدْ يَكُونُ النُّزُولُ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَدْرِي مَا وجه هذا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ عِيدٌ وَلَا زَكَاةٌ وَلَا صَوْمٌ! وَأَجَابَ الْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا قَالَ: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} فَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ الْحِلِّ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ حَتَّى قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ " وكذلك نزل بِمَكَّةَ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَقُلْتُ: أَيُّ جَمْعٍ؟ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ وَانْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ نَظَرْتُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ مُصَلِّتًا بِالسَّيْفِ وَيَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فَكَانَتْ لِيَوْمِ بَدْرٍ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ} .قَالَ قَتَادَةُ وَعَدَهُ اللَّهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ أَنَّهُ سَيَهْزِمُ جُنْدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَجَاءَ تَأْوِيلُهَا يَوْمَ بَدْرٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

ومثله أيضا قوله تعالى: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} . أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قوله: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ} قَالَ: السَّيْفُ وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى فَرْضِ الْقِتَالِ وَيُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصْبًا فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ كَانَ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} . وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: ذَكَرَ اللَّهُ الزَّكَاةَ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّاتِ كَثِيرًا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا بِأَنَّ الِلَّهَ سَيُنْجِزُ وَعْدَهُ لِرَسُولِهِ وَيُقِيمُ دِينَهُ وَيُظْهِرُهُ حَتَّى تُفْرَضَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَسَائِرُ الشَّرَائِعِ وَلَمْ تُؤْخَذِ الزَّكَاةُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَوْرَدَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهَا: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يُشْرَعِ الْأَذَانُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ عَنْ حُكْمِهِ آيَةُ الْوُضُوءِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ فَأَنَاخَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ فَثَنَى رَأْسَهُ فِي حِجْرِي رَاقِدًا وَأَقْبَلَ

أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ! ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتَمَسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فَالْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ إِجْمَاعًا وَفَرْضُ الْوُضُوءِ كَانَ بِمَكَّةَ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ مُنْذُ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ إِلَا بِوُضُوءٍ وَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ مَعَ تَقَدُّمِ الْعَمَلِ بِهِ لِيَكُونَ فَرْضُهُ مَتْلُوًّا بِالتَّنْزِيلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْآيَةِ نَزَلَ مُقَدَّمًا مَعَ فَرْضِ الْوُضُوءِ ثُمَّ نَزَلَ بَقِيَّتُهَا وَهُوَ ذِكْرُ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ. قُلْتُ: يَرُدُّهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا آيَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَالْجُمُعَةُ فُرِضَتْ بِمَكَةَ وَقَوْلُ ابْنُ الْفَرَسِ: إِنَّ إِقَامَةَ الْجُمُعَةِ لَمْ تَكُنْ بِمَكَّةَ قَطُّ يَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أُبَيٍّ حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ بِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ الْأَذَانَ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ صَلَاتَكَ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ كُلَّمَا سَمِعْتُ النِّدَاءَ بِالْجُمُعَةِ، لِمَ هَذَا؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ كَانَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بِنَا الْجُمُعَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَقَدْ فُرِضَتِ الزَّكَاةُ قَبْلَهَا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ.

قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: فَقَدْ يَكُونُ مَصْرِفُهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَعْلُومًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قُرْآنٌ مَتْلُوٌّ كَمَا كَانَ الْوُضُوءُ مَعْلُومًا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةُ ثُمَّ نَزَلَتْ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ تَأْكِيدًا بِهِ.

النوع الثالث عشر: ما نزل مفرقا وما نزل جمعا

النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا وَمَا نَزَلَ جَمْعًا الْأَوَّلُ غَالِبُ الْقُرْآنِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ: {اقْرَأْ} أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} وَالضُّحَى أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَرْضَى} كَمَا فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْكَوْثَرِ وَتَبَّتْ وَلَمْ يَكُنْ وَالنَّصْرُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا. وَمِنْهُ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ الْمُرْسَلَاتُ فَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} ، فَأَخَذْتُهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ رَطْبٌ بِهَا فَلَا أَدْرِي بِأَيِّهَا خَتَمَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} أَوْ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} . وَمِنْهُ سُورَةُ الصَّفِّ لِحَدِيثِهَا السَّابِقِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ. وَمِنْهُ سُورَةُ الْأَنْعَامِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِمَكَّةَ لَيْلًا جُمْلَةً حَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ الصَّفَّارِ - وَهُوَ مَتْرُوكٌ - عَنِ ابْنِ عون عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةُ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أنزل

الْقُرْآنُ خَمْسًا خَمْسًا إِلَا سُورَةَ الْأَنْعَامِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً فِي أَلْفٍ يُشَيِّعُهَا مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ سَبْعُونَ مَلَكًا حَتَّى أَدَّوْهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةُ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ". وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "نَزَلَتِ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً مَعَهَا خَمْسُمَائَةِ مَلَكٍ ". وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: "أُنْزِلَتِ الْأَنْعَامُ جَمِيعًا وَمَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ". فَهَذِهِ شَوَاهِدُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فتاويه: الحديث الوارد في أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَمْ نَرَ لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحًا وَقَدْ رُوِيَ مَا يُخَالِفُهُ فَرُوِيَ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً بَلْ نَزَلَتْ آيَاتٌ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. انتهى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النوع الرابع عشر: ما نزل مشيعا وما نزل مفردا

النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ: مِنَ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَهُوَ سُورَةُ الْأَنْعَامِ شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَمَانُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَسُورَةُ يس نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ مَلَكٍ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} نَزَلَتْ وَمَعَهَا عِشْرُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَسَائِرُ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مُفْرَدًا بِلَا تَشْيِيعٍ. قُلْتُ: أَمَّا سُورَةُ الْأَنْعَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهَا بِطُرُقِهِ وَمِنْ طُرُقِهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَمَعَهَا مَوْكِبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسُدُّ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ وَالْأَرْضُ تَرْتَجُّ ". وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ سَبَّحَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "شَيَّعَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا سَدَّ الْأُفُقَ ". قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِيهِ انْقِطَاعٌ وَأَظُنُّهُ مَوْضُوعًا. وَأَمَّا الْفَاتِحَةُ وَسُورَةُ يس، وَ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} فَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ فِيهَا بِذَلِكَ وَلَا أَثَرٍ. وَأَمَّا آيَةُ الْكُرْسِيِّ فَقَدْ وَرَدَ فِيهَا وَفِي جَمِيعِ آيَاتِ الْبَقَرَةِ حَدِيثٌ أَخْرَجَ

أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَقَرَةُ سَنَامُ الْقُرْآنِ وَذُرْوَتُهُ نَزَلَ مَعَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ثَمَانُونَ مَلَكًا وَاسْتُخْرِجَتْ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَوُصِلَتْ بِهَا ". وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: خَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ جَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَبَقِيَ سُوَرٌ أُخْرَى مِنْهَا سُورَةُ الْكَهْفِ قَالَ ابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِهِ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِسُورَةٍ مَلْءُ عَظَمَتِهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ سُورَةُ الْكَهْفِ ". تَنْبِيهٌ لِيَنْظُرَ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا مَضَى وَبَيْنَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ مَا جَاءَ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَمَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَفَظَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُعِثَ إِلَيْهِ الْمَلَكُ بُعِثَ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومن خلفه مخافة أَنْ يَتَشَبَّهَ الشَّيْطَانُ عَلَى صُورَةِ الْمَلَكِ فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الضُّرَيْسِ: أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ - يَعْنِي ابْنَ جَمِيلٍ - عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَرْبَعُ

آيَاتٍ نَزَلَتْ مِنْ كَنْزِ الْعَرْشِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَخَاتِمَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْكَوْثَرِ. قُلْتُ: أَمَّا الْفَاتِحَةُ فأخرج الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "إِنَّ الِلَّهَ أَعْطَانِي فِيمَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ: إِنِّي أَعْطَيْتُكَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَهِيَ مِنْ كُنُوزِ عَرْشِي". وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا: "أُعْطِيتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ". وَأَخْرَجَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فقال: حدثنا نبي الله أَنَّهَا نَزَلَتْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ. وَأَمَّا آخِرُ الْبَقَرَةِ فَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ فِي مَسْنَدِهِ عَنْ أَيْفَعَ الْكُلَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الِلَّهِ أَيُّ آيَةٍ تُحِبُّ أَنْ تُصِيبَكَ وَأُمَّتُكَ؟ قَالَ: "آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّهَا مِنْ كَنْزِ الرَّحْمَةِ مِنْ تَحْتِ عَرْشِ الِلَّهِ." وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: "اقرؤوا هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فَإِنَّ رَبِّي أَعْطَانِيهِمَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ". وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: "أُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي ". وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: "أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي ". وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا آيَةُ الْكُرْسِيِّ فَتَقَدَّمَتْ فِي حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ السَّابِقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كان رسول الله صلى الله عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ضَحِكَ وَقَالَ: "إِنَّهَا مَنْ كَنْزِ الرَّحْمَنِ تَحْتَ الْعَرْشِ. " وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "آيَةُ الْكُرْسِيِّ أُعْطِيَهَا نَبِيُّكُمْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَ نَبِيِّكُمْ ". وَأَمَّا سُورَةُ الْكَوْثَرِ فَلَمْ أَقِفْ فِيهَا عَلَى حَدِيثٍ وَقَوْلُ أَبِي أُمَامَةَ فِي ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَرْفُوعِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أبو الشيخ بن حَيَّانَ وَالدَّيْلَمِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِإِسْنَادِهِ السَّابِقِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا.

النوع الخامس عشر: ما أنزل منه على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم

النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا لَمْ يُنَزَّلْ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّانِي الْفَاتِحَةُ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَخَاتِمَةُ الْبَقَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ قَرِيبًا. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكٌ، فَقَالَ: "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ قَدْ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: تَرَدَّدُوا فِي الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {آمَنَ الرَّسُولُ} إِلَى خَاتِمَتِهَا فَإِنَّ الِلَّهَ اصْطَفَى بِهَا مُحَمَّدًا. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ أَرْبَعَ آيَاتٍ لَمْ يُعْطَهُنَّ مُوسَى وَإِنَّ مُوسَى أُعْطِيَ آيَةً لَمْ يُعْطَهَا مُحَمَّدٌ قَالَ: وَالْآيَاتُ الَّتِي أُعْطِيهِنَّ مُحَمَّدٌ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ الْبَقَرَةَ فَتِلْكَ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ. وَالْآيَةُ الَّتِي أُعْطِيهَا مُوسَى: "اللَّهُمَّ لَا تُولِجِ الشَّيْطَانَ فِي قُلُوبِنَا وَخَلِّصْنَا مِنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ لَكَ الْمَلَكُوتَ وَالْأَيْدِ وَالسُّلْطَانَ وَالْمُلْكَ وَالْحَمْدَ وَالْأَرْضَ والسماء الدهر الدَّاهِرَ أَبَدًا أَبَدًا آمِينَ آمِينَ ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّبْعُ الطُّوَالُ

لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُعْطِيَ مُوسَى مِنْهَا اثْنَتَيْنِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَعْطَيْتُ أُمَّتِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} . وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْأَوَّلِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّهَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى "، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فَبَلَغَ: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ وَفَّى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} إِلَى قَوْلِهِ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الِلَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: "بِلَفْظِ نُسِخَ مِنْ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ". وَأَخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى مِثْلَ مَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: نَبَّأَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ مِمَّا أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فِيهَا خَالِدُونَ} وَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الْآيَةَ وَالَّتِي فِي سَأَلَ: {الَّذِينَ

هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَائِمُونَ} فَلَمْ يَفِ بِهَذِهِ السِّهَامِ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الله بن عمرو بن العاص قَالَ: إِنَّهُ - يَعْنِي - النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لموصوف فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} ، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ... الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَغَيْرِهِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: فُتِحَتِ التَّوْرَاةُ: بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وَخُتِمَتْ: بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} . وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ: فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ فَاتِحَةُ الْأَنْعَامِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ، وَخَاتِمَةُ التَّوْرَاةِ خَاتِمَةُ هُودٍ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَا أُنْزِلُ فِي التَّوْرَاةِ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهَا. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: بِسْمِ الِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} الْآيَاتِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْآيَاتِ الْعَشْرِ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لِمُوسَى فِي التَّوْرَاةِ أَوَّلَ مَا كَتَبَ وَهِيَ تَوْحِيدُ الِلَّهِ وَالنَّهْيُ عَنِ الشِّرْكِ وَالْيَمِينُ

الكاذبة والعقوق والقتل والزنا وَالسَّرِقَةُ وَالزُّورُ وَمَدُّ الْعَيْنِ إِلَى مَا فِي يَدِ الْغَيْرِ وَالْأَمْرُ بِتَعْظِيمِ السَّبْتِ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَأُعَلِّمَنَّكَ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ غَيْرِي {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . وروى البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَغْفَلَ النَّاسُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عن مَيْسَرَةَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكْتُوبَةٌ فِي التَّوْرَاةِ بِسَبْعِمِائَةِ آيَةٍ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أَوَّلُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ. فَائِدَةٌ يَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ الْبُرْهَانُ الَّذِي أُرِيَ يُوسُفَ ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ الِلَّهِ: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وَقَوْلُهُ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} الآية، وَقَوْلُهُ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} زَادَ غَيْرُهُ آيَةً أُخْرَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} قَالَ: رَأَى آيَةً مِنْ كِتَابِ الِلَّهِ نَهَتْهُ مَثُلَتْ لَهُ فِي جِدَارِ الْحَائِطِ.

النوع السادس عشر: في كيفية إنزاله

النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ فِيهِ مَسَائِلُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} . اخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي عشرين سنة وثلاث وعشرين أو خمس وَعِشْرِينَ عَلَى حَسْبِ الْخِلَافِ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بمكة بعد البعثة. وأخرج الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَكَانَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَكَانَ اللَّهُ يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ في ليلة واحدة إلى السماء الدُّنْيَا لَيْلَةَ الَقَدْرِ ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ قَرَأَ: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ

إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي آخِرِهِ فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَحْدَثُوا شَيْئًا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ جَوَابًا. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَسَّانِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فُصِلَ الْقُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ فَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَجَعَلَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَسَانِيدُهَا كُلُّهَا صَحِيحَةٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجوما. إسناده لا بأس به. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ أُنْزِلُ الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً حَتَّى وُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَنَزَّلَهُ جبريل على محمد بِجَوَابِ كَلَامِ الْعِبَادِ وَأَعْمَالِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ دُفِعَ إِلَى جِبْرِيلَ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ ثُمَّ جَعَلَ يُنَزِّلُهُ تَنْزِيلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطِيَّةَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَقَالَ: أَوْقَعَ فِي قَلْبِي الشَّكُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وَقَوْلُهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وَهَذَا نَزَلَ فِي شَوَّالَ

وفي ذي القعدة وفي ذي الْحِجَّةِ وَفِي الْمُحَرَّمِ وَصَفَرَ وَشَهْرِ رَبِيعٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّهُ أنزل في رمضان لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ رَسْلًا فِي الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: قَوْلُهُ: "رَسْلًا " أَيْ رِفْقًا وَعَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ أَيْ عَلَى مثل مَسَاقِطُهَا يُرِيدُ: أُنْزِلَ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَا وَقَعَ مُفَرَّقًا يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا عَلَى تُؤَدَةٍ وَرِفْقٍ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ نزل إلى السماء الدُّنْيَا فِي عِشْرِينَ لَيْلَةِ قَدْرٍ أو ثلاث وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مَا يُقَدِّرُ الِلَّهُ إِنْزَالَهُ فِي كُلِّ السَّنَةِ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ بَحْثًا فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى إِنْزَالِهِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ اللَّوْحِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. ثُمَّ تَوَقَّفَ هَلْ هَذَا أَوْلَى أَوِ الْأَوَّلُ!. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا الَّذِي جَعَلَهُ احْتِمَالًا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَحَكَى الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا. قُلْتُ: وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ مُقَاتِلٍ الْحَلِيمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الدَّيْنِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ ابْتُدِئَ إِنْزَالُهُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ: قَالَ:

وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلًا رَابِعًا أَنَّهُ نَزَلَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَأَنَّ الْحَفَظَةَ نَجَّمَتْهُ عَلَى جِبْرِيلَ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَجَّمَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً. وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ فِي رَمَضَانَ بِمَا يَنْزِلُ بِهِ عليه فِي طُولِ السَّنَةِ. وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي. قُلْتُ: هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ الِلَّهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَةً. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قِيلَ السِّرُّ فِي إِنْزَالِهِ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ تَفْخِيمُ أَمْرِهِ وَأَمْرِ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وذلك بإعلام سكان السموات السَّبْعِ أَنَّ هَذَا آخِرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى خَاتَمِ الرُّسُلِ لِأَشْرَفِ الْأُمَمِ قَدْ قَرَّبْنَاهُ إِلَيْهِمْ لِنُنَزِّلَهُ عَلَيْهِمْ وَلَوْلَا أَنَّ الْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ اقْتَضَتْ وُصُولَهُ إِلَيْهِمْ مُنَجَّمًا بِحَسْبِ الْوَقَائِعِ لَهَبَطَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ جُمْلَةً كَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَايَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَجَعَلَ لَهُ الْأَمْرَيْنِ: إِنْزَالُهُ جُمْلَةً ثُمَّ إِنْزَالُهُ مُفَرَّقًا تَشْرِيفًا لِلْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو شَامَةَ فِي الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ. وَقَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا تَسْلِيمًا مِنْهُ لِلْأُمَّةِ مَا كَانَ أَبْرَزَ لَهُمْ مِنَ الْحَظِّ بمبعث مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ

أن بعثته كَانَتْ رَحْمَةً فَلَمَّا خَرَجَتِ الرَّحْمَةُ بِفَتْحِ الْبَابِ جَاءَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ فَوُضِعَ الْقُرْآنُ بِبَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِيَدْخُلَ فِي حَدِّ الدُّنْيَا وَوُضِعَتِ النُّبُوَّةُ فِي قَلْبِ مُحَمَّدٍ وَجَاءَ جِبْرِيلُ بِالرِّسَالَةِ ثُمَّ الْوَحْيِ كَأَنَّهُ أَرَادَ تَعَالَى أَنَّ يُسَلِّمَ هَذِهِ الرَّحْمَةَ الَّتِي كَانَتْ حَظَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ اللَّهِ إِلَى الْأُمَّةِ. وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: فِي نُزُولِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُمْلَةً تَكْرِيمُ بَنِي آدَمَ وَتَعْظِيمُ شَأْنِهِمْ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَتَعْرِيفُهُمْ عِنَايَةَ اللَّهِ بِهِمْ وَرَحْمَتَهُ لَهُمْ وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَمَرَ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنْ تُشَيِّعَ سُورَةَ الْأَنْعَامِ وَزَادَ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِأَنْ أَمَرَ جِبْرِيلَ بِإِمْلَائِهِ عَلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ وَإِنْسَاخِهِمْ إِيَّاهُ وَتِلَاوَتِهِمْ لَهُ. قَالَ: وَفِيهِ أَيْضًا التَّسْوِيَةُ بين نبينا وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي إِنْزَالِهِ كِتَابَهُ جُمْلَةً وَالتَّفْضِيلُ لِمُحَمَّدٍ فِي إِنْزَالِهِ عَلَيْهِ مُنَجَّمًا لِيَحْفَظَهُ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: فَإِنْ قُلْتَ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} مِنْ جُمْلَةِ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ جُمْلَةً أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَمَا نَزَلَ جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَمَا وَجْهُ صِحَّةِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ؟ قُلْتُ: لَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِنَّا حَكَمْنَا بِإِنْزَالِهِ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ وَقَضَيْنَاهُ وَقَدَّرْنَاهُ فِي الْأَزَلِ. وَالثَّانِي: أَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْمَاضِي وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ أَيْ يُنَزِّلُهُ جُمْلَةً فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ انْتَهَى. الثَّانِي: قَالَ أَبُو شَامَةَ أَيْضًا: الظَّاهِرُ أَنَّ نُزُولَهُ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَبْلَ ظُهُورِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا. قُلْتُ: الظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي وَسِيَاقُ الْآثَارِ السَّابِقَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَرِيحٌ فِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ البخاري: قد أخرج أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ والإنجيل لثلاث عشرة خَلَتْ مِنْهُ وَالزَّبُورُ لِثَمَانِ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْهُ وَالْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْهُ ". وَفِي رِوَايَةٍ: "وَصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ لِأَوَّلِ لَيْلَةٍ " قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وَلِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الَقَدْرِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ كَانَتْ اللَّيْلَةَ فَأُنْزِلَ فِيهَا جُمْلَةً إِلَى سماء الدُّنْيَا ثُمَّ أُنْزِلَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ إِلَى الْأَرْضِ أَوَّلُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} . قُلْتُ: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا اشْتُهِرَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ فِي شَهْرٍ رَبِيعٍ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِمَا ذَكَرُوهُ أنه نبئ أَوَّلًا بِالرُّؤْيَا فِي شَهْرِ مَوْلِدِهِ ثُمَّ كَانَتْ مُدَّتُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْيَقَظَةِ. ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ أُنْزِلَتِ الْكُتُبُ كَامِلَةً لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ. الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو شَامَةَ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ مَا السِّرُّ فِي نُزُولِهِ مُنَجَّمًا وَهَلَّا نزل كَسَائِرِ الْكُتُبِ جُمْلَةً! قُلْنَا: هَذَا سُؤَالٌ قَدْ تَوَلَّى اللَّهُ جَوَابَهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} ، يَعْنُونَ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ فَأَجَابَهُمْ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {كَذَلِكَ} أَيْ أَنْزَلْنَاهُ كَذَلِكَ مُفَرَّقًا: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أَيْ لِنُقَوِّيَ بِهِ قَلْبَكَ فَإِنَّ الْوَحْيَ إِذَا كَانَ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ

كَانَ أَقْوَى بِالْقَلْبِ وَأَشَدَّ عِنَايَةً بِالْمُرْسَلِ إِلَيْهِ وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كَثْرَةَ نُزُولِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ وَتَجَدُّدِ الْعَهْدِ بِهِ وَبِمَا مَعَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ الْوَارِدَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجَنَابِ الْعَزِيزِ فَيَحْدُثُ لَهُ مِنَ السُّرُورِ مَا تَقْصُرُ عَنْهُ الْعِبَارَةُ وَلِهَذَا كَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ لِكَثْرَةِ لِقَائِهِ جِبْرِيلَ. وَقِيلَ: مَعْنَى {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أَيْ لنحفظه فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ فَفُرِّقَ عَلَيْهِ لِيَثْبُتَ عِنْدَهُ حِفْظُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ كَاتِبًا قَارِئًا فَيُمْكِنُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ. وَقَالَ ابْنُ فَوْرَكَ: قِيلَ: أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ جُمْلَةً لِأَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى نَبِيٍّ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ وَهُوَ مُوسَى وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ مُفَرَّقًا لِأَنَّهُ أُنْزِلَ غَيْرَ مَكْتُوبٍ عَلَى نَبِيٍّ أُمِّيٍّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا لَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ مِنْهُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا أُنْزِلَ مُفَرَّقًا وَمِنْهُ ما هو جواب لسؤال وما هُوَ إِنْكَارٌ عَلَى قَوْلٍ قِيلَ أَوْ فِعْلٍ فُعِلَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَنَزَّلَهُ جِبْرِيلُ بِجَوَابِ كَلَامِ الْعِبَادِ وَأَعْمَالِهِمْ وَفَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآيَةَ تَضَمَّنَتْ حِكْمَتَيْنِ لِإِنْزَالِهِ مُفَرَّقًا. تَذْنِيبٌ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ سَائِرَ الْكُتُبِ أُنْزِلَتْ جُمْلَةً. هُوَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى ألسنتهم. حتى كاد يَكُونَ إِجْمَاعًا وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ

فُضَلَاءَ الْعَصْرِ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ إِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مُفَرَّقَةً كَالْقُرْآنِ. وَأَقُولُ: الصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ آيَةُ الْفَرْقَانِ السَّابِقَةُ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَوْلَا أُنْزِلُ هَذَا الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى فَنَزَلَتْ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ بِلَفْظِ: "قَالَ الْمُشْرِكُونَ " وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ. فَإِنْ قُلْتَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ قَوْلُ الْكُفَّارِ! قُلْتُ: سُكُوتُهُ تَعَالَى عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَعُدُولِهِ إِلَى بَيَانِ حِكْمَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَوْ كَانَتِ الْكُتُبُ كُلُّهَا نَزَلَتْ مُفَرَّقَةً لَكَانَ يَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى الرُّسُلِ السَّابِقَةَ كَمَا أَجَابَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} فَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} وَقَوْلُهُمْ: {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً} فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} وَقَوْلُهُمْ كَيْفَ يَكُونُ رَسُولًا وَلَا هَمَّ لَهُ إِلَّا النِّسَاءُ! فَقَالَ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي إِنْزَالِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى يَوْمَ الصَّعْقَةِ: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} {وألقى الألواح} {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ} {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى إِتْيَانِهِ التَّوْرَاةَ جُمْلَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُعْطِيَ مُوسَى التَّوْرَاةَ فِي سَبْعَةِ أَلْوَاحٍ مِنْ زَبَرْجَدٍ فِيهَا تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمَوْعِظَةٌ فَلَمَّا جَاءَ بِهَا فَرَأَى بَنِي إِسْرَائِيلَ عُكُوفًا عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ رَمَى بِالتَّوْرَاةِ مِنْ يَدِهِ فَتَحَطَّمَتْ فَرَفَعَ اللَّهُ مِنْهَا سِتَّةَ أَسْبَاعٍ وَبَقِيَ مِنْهَا سُبْعٌ. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ قَالَ: الْأَلْوَاحُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى كَانَتْ مِنْ سِدْرِ الْجَنَّةِ كَانَ طُولَ اللَّوْحِ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْفِتُونِ، قَالَ: أَخَذَ مُوسَى الْأَلْوَاحَ بَعْدَمَا سكت عَنْهُ الْغَضَبُ فَأَمَرَهُمْ بِالَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ مِنَ الْوَظَائِفِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِمْ وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا حَتَّى نَتَقَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَدَنَا مِنْهُمْ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ فَأَقَرُّوا بِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: جَاءَتْهُمُ التَّوْرَاةُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَكَبُرَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يأخذوها حَتَّى ظَلَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ فَأَخَذُوهَا عِنْدَ ذَلِكَ.

فَهَذِهِ آثَارٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي إِنْزَالِ التَّوْرَاةِ جُمْلَةً وَيُؤْخَذُ مِنِ الْأَثَرِ الْأَخِيرِ مِنْهَا حِكْمَةٌ أُخْرَى لِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ مُفَرَّقًا فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى قَبُولِهِ إِذَا نَزَلَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفِرُ مِنْ قَبُولِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْمَنَاهِي. وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلُ شَيْءٍ: "لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ " لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ: "لَا تَزْنُوا " لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا. ثُمَّ رَأَيْتُ هَذِهِ الْحِكْمَةَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِمَكِّيٍ. فَرْعٌ الَّذِي اسْتُقْرِئَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يَنْزِلُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ خمس آيات وعشرا وَأَكْثَرُ وَأَقَلُّ وَقَدْ صَحَّ نُزُولُ الْعَشْرِ آيَاتٍ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ جُمْلَةً وَصَحَّ نُزُولُ عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ "الْمُؤْمِنُونَ" جُمْلَةً، وَصَحَّ نُزُولُ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} وَحْدَهَا وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ نَزَلَتْ بَعْدَ نُزُولِ أَوَّلِ الْآيَةِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ وَذَلِكَ بَعْضُ آيَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قوله: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ نُجُومًا ثَلَاثَ آيَاتٍ وَأَرْبَعَ آيَاتٍ وَخَمْسَ آيَاتٍ. وَقَالَ النِّكْزَاوِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: كَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ مُفَرَّقًا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ بِالْغَدَاةِ وَخَمْسَ آيَاتٍ بِالْعَشِيِّ وَيُخْبِرُ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِالْقُرْآنِ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلْدَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ فَإِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا خَمْسًا وَمِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ خَمْسًا خَمْسًا إِلَّا سُورَةَ الْأَنْعَامِ وَمَنْ حَفِظَ خَمْسًا خَمْسًا لَمْ يَنْسَهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ - إِنْ صَحَّ - إِلْقَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بهذا الَقَدْرَ حَتَّى يَحْفَظَهُ ثُمَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْبَاقِي لَا إِنْزَالُهُ بِهَذَا الَقَدْرِ خَاصَّةً وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ جِبْرِيلَ خَمْسًا خَمْسًا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيةُ: فِي كَيْفِيَّةِ الْإِنْزَالِ وَالْوَحْيِ: قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ: اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْإِنْزَالِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِظْهَارُ الْقِرَاءَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَ كَلَامَهُ جِبْرِيلَ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ عَالٍ مِنَ الْمَكَانِ وَعَلَّمَهُ قِرَاءَتَهُ ثُمَّ جِبْرِيلُ أَدَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ يَهْبِطُ فِي الْمَكَانِ. وَفِي التَّنْزِيلِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخَلَعَ مِنْ صُورَةِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى صُورَةِ الْمَلَكِيَّةِ وَأَخَذَهُ مِنْ جِبْرِيلَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَلَكَ انْخَلَعَ إِلَى الْبَشَرِيَّةِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الرَّسُولُ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَصْعَبُ الْحَالَيْنِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَلَقَّفَهُ الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَلَقُّفًا رُوحَانِيًّا أَوْ يَحْفَظُهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَيَنْزِلُ بِهِ إِلَى الرَّسُولِ وَيُلْقِيهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقُطْبُ الرَّازِيُّ فِي حَوَاشِي الكشاف: الإنزال لُغَةً بِمَعْنَى الْإِيوَاءِ وَبِمَعْنَى تَحْرِيكِ الشَّيْءِ مِنَ علو إلى أسفل وكلاهما لا يتحققان فِي الْكَلَامِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ فِي مَعْنَى مَجَازِيٍّ فَمَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْزَالُهُ أَنْ يُوجِدَ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفَ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيُثْبِتَهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ هُوَ الْأَلْفَاظُ فَإِنْزَالُهُ مُجَرَّدُ إِثْبَاتِهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ لِكَوْنِهِ مَنْقُولًا عَنِ الْمَعْنَيَيْنِ اللُّغَوِيَّيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِإِنْزَالِهِ إِثْبَاتُهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِلْمَعْنَى الثَّانِي وَالْمُرَادُ بِإِنْزَالِ الْكُتُبِ عَلَى الرُّسُلِ أَنْ يَتَلَقَّفَهَا الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَلَقُّفًا روحيا أَوْ يَحْفَظَهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَيَنْزِلُ بِهَا فَيُلْقِيهَا عَلَيْهِمُ. انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: فِي الْمُنَزَّلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى وَأَنَّ جِبْرِيلَ حَفِظَ الْقُرْآنَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَنَزَلَ بِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحْرُفَ الْقُرْآنِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا بِقَدْرِ جَبَلٍ قَافٍ وَأَنَّ تحت كل حرف منها معان لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ جِبْرِيلَ إِنَّمَا نَزَلَ بِالْمَعَانِي خَاصَّةً وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ تِلْكَ الْمَعَانِي وَعَبَّرَ عَنْهَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَتَمَسَّكَ قَائِلُ هَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ}

وَالثَّالِثُ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَلْقَى إِلَيْهِ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَأَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ يقرؤونه بِالْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّا أَسْمَعْنَا الْمَلَكَ وَأَفْهَمْنَاهُ إِيَّاهُ وَأَنْزَلْنَاهُ بِمَا سَمِعَ فيكون الملك منتقلا به مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: هَذَا الْمَعْنَى مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْإِنْزَالِ الْمُضَافَةِ إِلَى الْقُرْآنِ أَوْ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُعْتَقِدُونَ قِدَمَ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ أَنَّ جِبْرِيلَ تَلَقَّفَهُ سَمَاعًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ مَرْفُوعًا: إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاءَ رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاءِ صُعِقُوا وَخَرُّوا سُجَّدًا فَيَكُونُ أَوَّلُهُمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ فَيَنْتَهِي بِهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَكُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ أَهْلُهَا مَاذَا قَالَ رَبُّنَا؟ قَالَ: الْحَقُّ. فَيَنْتَهِي بِهِ حَيْثُ أَمَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سمع أهل السموات صَلْصَلَةً كَصَلْصَلَةِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ فَيَفْزَعُونَ وَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ الساعة وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ النَّيْسَابُورِيِّ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتٍ يُقَالُ لَهُ بَيْتُ الْعِزَّةِ فَحِفْظَهُ جبريل وغشي على أهل السموات مِنْ هَيْبَةِ كَلَامِ اللَّهِ فَمَرَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ وَقَدْ أَفَاقُوا فَقَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا الْحَقَّ - يَعْنِي الْقُرْآنَ،

- وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} فَأَتَى بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فَأَمْلَاهُ عَلَى السَّفَرَةِ الْكَتَبَةِ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} . وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ: كَلَامُ اللَّهِ الْمُنَزَّلُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ قَالَ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ: قُلْ لِلنَّبِيِّ الَّذِي أَنْتَ مُرْسَلٌ إِلَيْهِ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: افْعَلْ كَذَا وكذا وأمر بكذا وكذا فَفَهِمَ جِبْرِيلُ مَا قَالَهُ رَبُّهُ ثُمَّ نَزَلَ عَلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَا قَالَهُ رَبُّهُ وَلَمْ تَكُنِ الْعِبَارَةُ تِلْكَ الْعِبَارَةَ كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ: قُلْ لِفُلَانٍ: يَقُولُ لَكَ الْمَلِكُ: اجْتَهِدْ فِي الْخِدْمَةِ وَاجْمَعْ جُنْدَكَ لِلْقِتَالِ فَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ: يَقُولُ الْمَلِكُ لَا تَتَهَاوَنْ فِي خِدْمَتِي وَلَا تَتْرُكِ الْجُنْدَ تَتَفَرَّقُ وَحُثَّهُمْ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ لَا يُنْسَبُ إِلَى كَذِبٍ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي أَدَاءِ الرِّسَالَةِ. وَقِسْمٌ آخَرُ قَالَ اللَّهُ لجبريل: اقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم هَذَا الْكِتَابَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ كَمَا يَكْتُبُ الْمَلِكُ كِتَابًا وَيُسَلِّمُهُ إِلَى أَمِينٍ، وَيَقُولُ اقْرَأْهُ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ لَا يُغَيِّرُ مِنْهُ كَلِمَةً وَلَا حَرْفًا. انْتَهَى قُلْتُ: الْقُرْآنُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ كَمَا وَرَدَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ. وَمِنْ هُنَا جَازَ رِوَايَةُ السُّنَّةِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَدَّاهُ بِالْمَعْنَى وَلَمْ تَجُزِ الْقِرَاءَةُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَدَّاهُ بِاللَّفْظِ وَلَمْ يُبِحْ لَهُ إِيحَاءَهُ بِالْمَعْنَى وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعَبُّدُ بِلَفْظِهِ وَالْإِعْجَازُ بِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَأَنَّ تَحْتَ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ مَعَانِيَ لَا يُحَاطُ بِهَا كَثْرَةً فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهُ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَالتَّخْفِيفُ عَلَى الْأُمَّةِ حَيْثُ جَعَلَ الْمُنَزَّلَ إِلَيْهِمْ عَلَى قِسْمَيْنِ:

قِسْمٌ يَرْوُونَهُ بِلَفْظِهِ الْمُوحَى بِهِ وَقِسْمٌ يَرْوُونَهُ بِالْمَعْنَى وَلَوْ جُعِلَ كُلُّهُ مِمَّا يُرْوَى بِاللَّفْظِ لَشَقَّ أَوْ بِالْمَعْنَى لَمْ يُؤْمَنِ التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ فَتَأَمَّلْ. وَقَدْ رَأَيْتُ عَنِ السَّلَفِ مَا يُعَضِّدُ كَلَامَ الْجُوَيْنِيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْوَحْيِ فَقَالَ: الْوَحْيُ مَا يُوحِي اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَيُثْبِتُهُ فِي قَلْبِهِ فَيَتَكَلَّمُ بِهِ وَيَكْتُبُهُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَمِنْهُ مَا لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ وَلَا يَكْتُبُهُ لْأَحَدٍ وَلَا يَأْمُرُ بِكِتَابَتِهِ وَلَكِنَّهُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ حَدِيثًا وَيُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِلنَّاسِ ويبلغهم إياه. فصل وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوَحْيِ كَيْفِيَّاتٍ: إِحْدَاهَا: أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَلَكُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَأَلَتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تُحِسُّ بِالْوَحْيِ فَقَالَ أَسْمَعُ صَلَاصِلَ ثُمَّ أَسْكُتُ عِنْدَ ذَلِكَ فَمَا مِنْ مَرَّةٍ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تُقْبَضُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارِكٌ يسمعه ولا يبين له أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ. وَقِيلَ: هُوَ صَوْتُ خَفْقِ أَجْنِحَةِ الْمَلَكِ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَفْرُغَ سَمْعُهُ لِلْوَحْيِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَانًا لِغَيْرِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ أَشَدُّ حَالَاتِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَةُ وعيد وتهديد.

الثَّانِيةُ: أَنْ يَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ الْكَلَامَ نَفْثًا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رُوحَ الَقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي ". أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. وَهَذَا قَدْ يَرْجِعُ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى أَوِ الَّتِي بَعْدَهَا بِأَنْ يَأْتِيَهُ فِي إِحْدَى الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَيَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْتِيَهُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيُكَلِّمَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ: "وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ "، زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ: "وَهُوَ أَهْوَنُهُ عَلَيَّ". الرَّابِعَةُ: أَنَّ يَأْتِيَهُ الْمَلَكُ فِي النَّوْمِ وَعَدَّ مِنْ هَذَا قَوْمٌ سُورَةَ الْكَوْثَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. الْخَامِسَةُ: أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِمَّا فِي الْيَقَظَةِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ أَوْ فِي النَّوْمِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "أَتَانِي رَبِّي فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى.." الْحَدِيثَ. وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ مِنْهُ آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَبَعْضُ سُورَةِ الضُّحَى وَأَلَمْ نَشْرَحْ فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَأَلْتُ رَبِّي مَسْأَلَةً وَدِدْتُ أَنِّي لِمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ قُلْتُ: أَيْ رَبِّ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُ وَضَالًّا فَهَدَيْتُ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْتُ وَشَرَحْتُ لَكَ صَدْرَكَ وَحَطَطْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ وَرَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ فَلَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي! ". فَائِدَةٌ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَقَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلَ ثَلَاثَ سِنِينَ فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ وَلَمْ يُنَزِّلْ عَلَيْهِ

الْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ قَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلَ فَنَزَّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَالْحِكْمَةُ في توكيل إسرافيل أَنَّهُ الْمُوَكَّلُ بِالصُّورِ الَّذِي فِيهِ هَلَاكُ الْخَلْقِ وَقِيَامُ السَّاعَةِ وَنَبُّوتُهُ مُؤْذِنَةٌ بِقُرْبِ السَّاعَةِ وَانْقِطَاعِ الْوَحْيِ كَمَا وَكَّلَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ رِيَافِيلَ الَّذِي يَطْوِي الْأَرْضَ وَبِخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ مَالِكَ خَازِنَ النَّارِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ: "فِي أُمِّ الْكِتَابِ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَوَكَّلَ ثَلَاثَةً بِحِفْظِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَوَكَّلَ جِبْرِيلَ بِالْكُتُبِ وَالْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَبِالنَّصْرِ عِنْدَ الْحُرُوبِ وَبِالْمُهْلِكَاتِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَ قَوْمًا وَوَكَّلَ مِيكَائِيلَ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ وَوَكَّلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَارَضُوا بَيْنَ حِفْظِهِمْ وَبَيْنَ مَا كَانَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَيَجِدُونَهُ سَوَاءً ". وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ جِبْرِيلُ لْأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ اللَّهِ عَلَى رُسُلِهِ. فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنِ بِالتَّفْخِيمِ كَهَيْئَتِهِ: {عُذْراً أَوْ نُذْراً} وَ: {الصَّدَفَيْنِ} وَ: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} وَأَشْبَاهُ هَذَا. قُلْتُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي

كِتَابِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ فَقَطْ وَأَنَّ الْبَاقِيَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ عَمَّارِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَحَدِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ. فَائِدَةٌ أُخْرَى أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ تَرْجَمَ كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ. فَائِدَةٌ أُخْرَى أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَغُطُّ فِي رَأْسِهِ وَيَتَرَبَّدُ وَجْهُهُ أَيْ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ بِالْجَرِيدَةِ وَيَجِدُ بَرْدًا فِي ثَنَايَاهُ وَيَعْرَقُ حَتَّى يَتَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ الجمان. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا. قُلْتُ: وَرَدَ حَدِيثُ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " مِنْ رِوَايَةِ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَنَسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وسليمان بْنِ صُرَدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي جَهْمٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ. فَهَؤُلَاءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا وَقَدْ نَصَّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى تَوَاتُرِهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذْكَرَ اللَّهُ رَجُلًا،

سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ " لَمَّا قَامَ فَقَامُوا حَتَّى لَمْ يُحْصَوْا فَشَهِدُوا بِذَلِكَ فَقَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ مَعَهُمْ. اختلاف الأقوال في نزول القرآن على سبعة أحرف وَسَأَسُوقُ مِنْ رُوَاتِهِمْ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فَأَقُولُ: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ قَوْلًا: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مِنِ الْمُشْكِلِ الَّذِي لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ لْأَنَّ الْحَرْفَ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى حَرْفِ الْهِجَاءِ وَعَلَى الْكَلِمَةِ وَعَلَى الْمَعْنَى وَعَلَى الْجِهَةِ قَالَهُ ابْنُ سَعْدَانَ النَّحْوِيُّ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ حَقِيقَةَ الْعَدَدِ بَلِ الْمُرَادُ التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ وَالسَّعَةُ وَلَفْظُ [السَّبْعَةِ] يُطْلَقُ عَلَى إِرَادَةِ الْكَثْرَةِ فِي الْآحَادِ كَمَا يُطْلَقُ السَّبْعُونَ فِي الْعَشَرَاتِ وَالسَّبْعُمِائَةِ فِي الْمِئِينَ وَلَا يُرَادُ الْعَدَدُ الْمُعَيَّنُ. وَإِلَى هَذَا جَنَحَ عِيَاضُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَيَرُدُّهُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ "،وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ عِنْدَ مُسْلِمِ: "إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ: أَنْ أَقْرَأَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ". وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: "إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَتَيَانِي فَقَعَدَ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِي وَمِيكَائِيلَ عَنْ يَسَارِي فَقَالَ جِبْرِيلُ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ،

فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ ... حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ:، وفي حديث أبي بكرة عنه: "فَنَظَرْتُ إِلَى مِيكَائِيلَ فَسَكَتَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدِ انْتَهَتِ الْعِدَّةُ ". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ حَقِيقَةِ الْعَدَدِ وَانْحِصَارِهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا سَبْعُ قِرَاءَاتٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةٌ تُقْرَأُ على سبعة أوجه إلاالقليل مثل: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} و، {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} . الرَّابِعُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تُقْرَأُ بِوَجْهٍ أَوْ وَجْهَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ إِلَى سَبْعَةٍ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ فِي الْكَلِمَاتِ مَا قُرِئَ عَلَى أَكْثَرَ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا رَابِعًا. الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَوْجُهُ الَّتِي يَقَعُ فيها التَّغَايُرُ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: فَأَوَّلُهَا مَا يَتَغَيَّرُ حَرَكَتُهُ وَلَا يزول معناه وصورته مثل: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ} بِالْفَتْحِ وَالرَّفْعِ وَثَانِيهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِالْفِعْلِ مِثْلُ: {بَاعَدَ} و {بَاعِدْ} بِلَفْظِ الْمَاضِي وَالطَّلَبِ وَثَالِثُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِالنَّقْطِ مثل: {نُنْشِزُهَا} و {نَنْشُرُهَا} وَرَابِعُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِإِبْدَالِ حَرْفٍ قَرِيبِ الْمَخْرَجِ مثل: {طَلْحٍ مَّنْضُودٍ} وَ {طَلْعٍ} وَخَامِسُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِثْلُ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وَ "سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ". وَسَادِسُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةٍ

أَوْ نُقْصَانٍ مِثْلَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} و" الذكر وَالْأُنْثَى "، وَسَابِعُهَا مَا يَتَغَيَّرُ بِإِبْدَالِ كَلِمَةٍ بِأُخْرَى مِثْلُ: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} وَ" كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ ". وَتَعَقَّبَ هَذَا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَقَعَتْ وَأَكْثَرُهُمْ يَوْمَئِذٍ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَعْرِفُ الرَّسْمَ وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْحُرُوفَ وَمَخَارِجَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَوْهِينُ مَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ لَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَانْحِصَارُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ. السَّادِسُ: وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِّيُّ فِي اللوامح الْكَلَامُ لَا يَخْرُجُ عَنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ: فِي الِاخْتِلَافِ. الْأَوَّلُ: اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ مِنْ إِفْرَادٍ وَتَثْنِيَةٍ وَجَمْعٍ وتذكير وتأنيث. الثاني: اخْتِلَافُ تَصْرِيفِ الْأَفْعَالِ مِنْ مَاضٍ وَمُضَارِعٍ وَأَمْرٍ. الثَّالِثُ: وُجُوهُ الْإِعْرَابِ. الرَّابِعُ: النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ. الْخَامِسُ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ. السَّادِسُ: الْإِبْدَالُ. السَّابِعُ: اخْتِلَافُ اللُّغَاتِ كَالْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ، وَالتَّرْقِيقِ وَالتَّفْخِيمِ، وَالْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ. السَّابِعُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهَا كَيْفِيَّةُ النُّطْقِ بِالتِّلَاوَةِ مِنْ إِدْغَامٍ وَإِظْهَارٍ وَتَفْخِيمٍ وَتَرْقِيقٍ وَإِمَالَةٍ وَإِشْبَاعٍ وَمَدٍّ وَقَصْرٍ وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ السَّابِعُ. الثَّامِنُ: وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: قَدْ تَتَبَّعْتُ صحيح القراءة وَشَاذَّهَا وَضَعِيفَهَا وَمُنْكَرَهَا فَإِذَا هِيَ يَرْجِعُ اخْتِلَافُهَا إِلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا وَذَلِكَ إِمَّا فِي الْحَرَكَاتِ بِلَا تَغَيُّرٍ فِي الْمَعْنَى والصورة نحو: {بِالْبُخْلِ} بِأَرْبَعَةٍ وَيُحْسَبُ بِوَجْهَيْنِ أَوْ مُتَغَيِّرٌ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ نَحْوَ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ

كَلِمَاتٍ} وَإِمَّا فِي الْحُرُوفِ بِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى لَا الصُّورَةِ نحو: {تَبْلُو} وَ: {تَتْلُو} أَوْ عَكْسُ ذَلِكَ نَحْوُ: {الصِّرَاطَ} وَ: "السِّرَاطَ" أَوْ بتغيرهما نحو: {وَامْضُوا} " واسعوا " وَإِمَّا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ نَحْوُ: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} أَوْ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ نَحْوُ: {وَصَّى} وَ " أَوْصَى " فَهَذِهِ سَبْعَةٌ لَا يَخْرُجُ الَاخْتِلَافُ عَنْهَا قَالَ: وَأَمَّا نَحْوُ اخْتِلَافِ الْإِظْهَارِ وَالْإِدْغَامِ وَالرَّوْمِ والإشمام والتحقيق وَالتَّسْهِيلِ وَالنَّقْلِ وَالْإِبْدَالِ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الذي يتنوع فيه اللفظ أو المعنى لْأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُتَنَوِّعَةَ فِي أَدَائِهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّامِنُ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "عَلَى قَلْبِ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ". التَّاسِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ نَحْوَ أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَهَلُمَّ وَعَجِّلْ وَأَسْرِعْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَخَلَائِقُ. وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ " أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ قَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ ... حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ: كُلُّ شَافٍ كَافٍ ما لم تختم آيَةُ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ رَحْمَةٌ بِعَذَابٍ نَحْوُ قَوْلِكَ: تَعَالَ وَأَقْبِلْ وَهَلُمَّ وَاذْهَبْ وَأَسْرِعْ وَعَجِّلْ ". هَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أُبَيٍّ: "قُلْتُ: سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا مَا لَمْ تُخْلَطْ آيَةُ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آية رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ ". وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ عَلِيمًا حَكِيمًا غَفُورًا رَحِيمًا " وَعِنْدَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ: "أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ صَوَابٌ مَا لَمْ تَجْعَلْ مَغْفِرَةً عَذَابًا أَوْ عَذَابًا مَغْفِرَةً " أَسَانِيدُهَا جِيَادٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا ضَرْبَ الْمَثَلِ لِلْحُرُوفِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَعَانٍ مُتَّفِقٌ مَفْهُومُهَا مُخْتَلِفٌ مَسْمُوعُهَا لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَعْنًى وَضِدُّهُ وَلَا وَجْهٌ يُخَالِفُ مَعْنَى وَجْهٍ خِلَافًا يَنْفِيهِ وَيُضَادُّهُ كَالرَّحْمَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْعَذَابِ وَضِدُّهُ. ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} " مَرُّوا فِيهِ " " سَعَوْا فِيهِ " وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ: {لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا} أَمْهِلُونَا أَخِّرُونَا. قَالَ الطَّحَّاوِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمُ التِّلَاوَةُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْطِ وَإِتْقَانِ الْحِفْظِ ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْرِ وَتَيَسُّرِ الْكِتَابَةِ وَالْحِفْظِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاقِلَّانِيُّ وَآخَرُونَ. وَفِي فَضَائِلِ أَبِي عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أقرأ رجلا: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: "طَعَامُ الْيَتِيمِ " فَرَدَّهَا فَلَمْ يَسْتَقِمْ بِهَا لِسَانُهُ فَقَالَ: أتسطيع أَنْ تَقُولَ: طَعَامُ الْفَاجِرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَافْعَلْ.

الْعَاشِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعُ لُغَاتٍ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ وثعلب والأزهري وَآخَرُونَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لُغَاتِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْصَحُهَا فَجَاءَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ مِنْهَا خَمْسٌ بِلُغَةِ الْعَجُزِ مِنْ هَوَازِنَ قَالَ وَالْعَجُزُ: سَعْدُ بْنُ بكر وجشم بن بَكْرٍ وَنَصْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَثَقِيفٌ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ هَوَازِنَ وَيُقَالُ لَهُمْ: عُلْيَا هَوَازِنَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: أَفْصَحُ الْعَرَبِ عُلْيَا هَوَازِنَ وَسُفْلَى تَمِيمٍ - يَعْنِي بَنِي دَارِمٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْكَعْبِيِّينَ: كَعْبِ قُرَيْشٍ وَكَعْبِ خُزَاعَةَ قِيلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: لْأَنَّ الدَّارَ وَاحِدَةٌ - يَعْنِي أَنَّ خُزَاعَةَ كَانُوا جِيرَانَ قُرَيْشٍ فَسَهُلَتْ عَلَيْهِمْ لُغَتُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَهُذَيْلٍ وَتَمِيمٍ وَالْأَزْدِ وَرَبِيعَةَ وَهَوَازِنَ وَسَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَاسْتَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَالَ: لَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ إِلَّا بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} فَعَلَى هَذَا تَكُونُ اللُّغَاتُ السَّبْعُ فِي بُطُونِ قُرَيْشٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تُقْرَأُ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ بَلِ اللُّغَاتُ السَّبْعُ مُفَرَّقَةٌ فِيهِ فَبَعْضُهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هَوَازِنَ وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَبَعْضُ اللغات أسعد بها مِنْ بَعْضٍ وَأَكْثَرُ نَصِيبًا. وَقِيلَ: نَزَلَ بِلُغَةِ مُضَرَ خَاصَّةً لِقَوْلِ عُمَرَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ مُضَرَ.

وَعَيَّنَ بَعْضُهُمْ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ السَّبْعَ مِنْ مُضَرَ أَنَّهُمْ: هُذَيْلٌ وَكِنَانَةُ وَقَيْسٌ وَضَبَّةُ وَتَيْمُ الرِّبَابِ وَأَسَدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَقُرَيْشٌ فَهَذِهِ قَبَائِلُ مُضَرَ، تَسْتَوْعِبُ سَبْعَ لُغَاتٍ. وَنَقَلَ أَبُو شَامَةَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ أَوَّلًا بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الْفُصَحَاءِ ثُمَّ أُبِيحَ لِلْعَرَبِ أَنْ يقرؤوه بِلُغَاتِهِمُ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا على اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْإِعْرَابِ وَلَمْ يكلف أحد مِنْهُمْ الِانْتِقَالُ عَنْ لُغَتِهِ إِلَى لُغَةٍ أُخْرَى لِلْمَشَقَّةِ وَلِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنَ الْحَمِيَّةِ وَلِطَلَبِ تَسْهِيلِ فَهْمِ الْمُرَادِ. وَزَادَ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَقَعْ بِالتَّشَهِّي بِأَنْ يُغَيِّرَ كُلُّ أَحَدٍ الْكَلِمَةَ بِمُرَادِفِهَا فِي لُغَتِهِ بَلِ الْمَرْعِيُّ فِي ذَلِكَ السَّمَاعُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْفِظُ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ سَبْعَ مَرَّاتٍ! وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنما يَلْزَمُ هَذَا لَوِ اجْتَمَعَتِ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَنَحْنُ قُلْنَا كَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِي فِي كُلِّ عَرْضَةٍ بِحَرْفٍ إِلَى أَنْ تَمَّتْ سَبْعَةً. وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ رد هذا الْقَوْلُ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ كِلَاهُمَا قُرَشِيٌّ من لغة واحدة وقبيلة وَاحِدَةٍ وَقَدِ اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهُمَا وَمُحَالٌ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ عُمَرُ لُغَتَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْرُفِ السبعة غير اللغات. الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ تَرُدُّهُ وَالْقَائِلُونَ بِهِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ السَّبْعَةِ. فَقِيلَ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ يَنْزِلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ

عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أحرف زاجر وآمر وحلال وَحَرَامٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ ... " الْحَدِيثَ. وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ قَوْمٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى لْأَنَّ سِيَاقَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ يَأْبَى حَمْلَهَا عَلَى هَذَا بل هي ظَاهِرِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْكَلِمَةَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ وَثَلَاثَةٍ إِلَى سَبْعَةٍ تَيْسِيرًا وَتَهْوِينًا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ حَلَالًا وَحَرَامًا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ هُنَا الْأَنْوَاعُ الَّتِي نَزَلَ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِهَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ اللُّغَاتُ الَّتِي يُقْرَأُ بِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ أول الأحرف السبعة بِهَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ لْأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ مِنْهَا حَرَامًا لا ما سواه أو حلالا لا مَا سِوَاهُ وَلْأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ يُقْرَأُ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ كُلُّهُ أَوْ حَرَامٌ كُلُّهُ أَوْ أَمْثَالٌ كُلُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ لْأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التَّوْسِعَةَ لَمْ تَقَعْ فِي تَحْرِيمِ حَلَالٍ وَلَا تَحْلِيلِ حَرَامٍ وَلَا فِي تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ لْأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُرُوفِ وَإِبْدَالِ حَرْفٍ بِحَرْفٍ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ إِبْدَالِ آيَةِ أَمْثَالٍ بِآيَةِ أَحْكَامٍ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وأبو العلاء الهمذاني: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "زَاجِرٌ وَآمِرٌ " إِلَخْ. اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ آخَرَ أَيْ هُوَ زَاجِرٌ أَيِ الْقُرْآنُ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ تَفْسِيرُ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الَاتِّفَاقِ فِي الْعَدَدِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ زَجْرًا وَأَمْرًا - بِالنَّصْبِ - أَيْ نَزَلَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْأَبْوَابِ السَّبْعَةِ.

وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ لِلْأَبْوَابِ لَا لِلْأَحْرُفِ أَيْ هِيَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْكَلَامِ وَأَقْسَامِهِ أَيْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ لَمْ يَقْتَصِرْ مِنْهَا عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ. الثَّانِي عَشَرَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَالْعَامُّ والخاص والنص والمؤول وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُفَسَّرُ وَالَاسْتِثْنَاءُ وَأَقْسَامُهُ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ عَنِ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَشَرَ. الثَّالِثَ عَشَرَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْحَذْفُ وَالصِّلَةُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَالَاسْتِعَارَةُ وَالتَّكْرَارُ وَالْكِنَايَةُ وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُفَسَّرُ وَالظَّاهِرُ وَالْغَرِيبُ حَكَاهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ عَشَرَ. الرَّابِعَ عَشَرَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ وَالتَّصْرِيفُ وَالْإِعْرَابُ وَالْأَقْسَامُ وَجَوَابُهَا وَالْجَمْعُ وَالْإِفْرَادُ وَالتَّصْغِيرُ وَالتَّعْظِيمُ وَاخْتِلَافُ الْأَدَوَاتِ حَكَاهُ عَنِ النُّحَاةِ وَهَذَا هُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ. الْخَامِسَ عَشَرَ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الزُّهْدُ وَالْقَنَاعَةُ مَعَ الْيَقِينِ وَالْجَزْمِ وَالْخِدْمَةُ مَعَ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ وَالْفُتُوَّةُ مَعَ الْفَقْرِ وَالْمُجَاهَدَةِ وَالْمُرَاقَبَةُ مَعَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغْفَارُ مَعَ الرِّضَا وَالشُّكْرِ وَالصَّبْرُ مَعَ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقُ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ. حَكَاهُ عَنِ الصُّوفِيَّةِ وَهَذَا هُوَ الْخَامِسَ عشر. السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا سَبْعَةُ عُلُومٍ: عِلْمُ الْإِنْشَاءِ وَالْإِيجَادِ وَعِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ وَعِلْمُ صِفَاتِ الذَّاتِ وَعَلَمُ صِفَاتِ الْفِعْلِ وَعِلْمُ الْعَفْوِ وَالْعَذَابِ وَعَلَمُ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ وَعَلَمُ النُّبُوَّاتِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ بَلَغَ الَاخْتِلَافُ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْطُبِيُّ مِنْهَا سِوَى خَمْسَةٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبَّانِ فِي هَذَا بَعْدَ تَتَبُّعِي مَظَانَّهُ. قُلْتُ: قَدْ حَكَاهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ الشَّرَفِ الْمُزَنِيِّ الْمُرْسِيِّ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ. اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ زَجْرٌ وَأَمْرٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ. الثَّانِي: حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ وَزَجْرٌ وَخَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدُ وَأَمْثَالٌ. الثَّالِثُ: وَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ وَاحْتِجَاجٌ. الرَّابِعُ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَبِشَارَةٌ وَنِذَارَةٌ وَأَخْبَارٌ وَأَمْثَالٌ. الْخَامِسُ: مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ وَخُصُوصٌ وَعُمُومٌ وَقَصَصٌ. السَّادِسُ: أَمْرٌ وَزَجْرٌ وَتَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ وَجَدَلٌ وَقَصَصٌ وَمَثَلٌ. السَّابِعُ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَحَدٌّ وَعِلْمٌ وَسَرٌّ وَظَهْرٌ وَبَطْنٌ. الثَّامِنُ: نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَرُغْمٌ وَتَأْدِيبٌ وَإِنْذَارٌ. التَّاسِعُ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَافْتِتَاحٌ وَأَخْبَارٌ وَفَضَائِلُ وَعُقُوبَاتٌ. الْعَاشِرُ: أَوَامِرُ وَزَوَاجِرُ وَأَمْثَالٌ وَأَنْبَاءٌ وَعَتَبٌ وَوَعْظٌ وَقَصَصٌ. الْحَادِي عَشَرَ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَأَمْثَالٌ وَمَنْصُوصٌ وَقَصَصٌ وَإِبَاحَاتٌ. الثَّانِي عَشَرَ: ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَفَرْضٌ وَنَدْبٌ وَخُصُوصٌ وَعُمُومٌ وَأَمْثَالٌ.

لثالث عَشَرَ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَإِبَاحَةٌ وَإِرْشَادٌ وَاعْتِبَارٌ. الرَّابِعَ عَشَرَ: مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ وَفَرَائِضُ وَحُدُودٌ وَمَوَاعِظَ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ. الْخَامِسَ عَشَرَ: مُفَسَّرٌ وَمُجْمَلٌ وَمَقْضِيٌّ وَنَدْبٌ وَحَتْمٌ وَأَمْثَالٌ. السَّادِسَ عَشَرَ: أَمْرُ حَتْمٍ وَأَمَرُ نَدْبٍ وَنَهْيُ حَتْمٍ وَنَهْيُ نَدْبٍ وَأَخْبَارٌ وَإِبَاحَاتٌ. السَّابِعَ عَشَرَ: أَمْرُ فَرْضٍ وَنَهْيُ حَتْمٍ وَأَمْرُ نَدْبٍ وَنَهْيُ مُرْشِدٍ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَقَصَصٌ. الثَّامِنَ عَشَرَ: سَبْعُ جِهَاتٍ لَا يَتَعَدَّاهَا الْكَلَامُ لَفْظٌ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَلُفِظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامٌّ وَلَفْظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَلَفْظٌ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ ولفظ ييستغنى بِتَنْزِيلِهِ عَنْ تَأْوِيلِهِ وَلَفْظٌ لَا يَعْلَمُ فِقْهَهُ إِلَّا الْعُلَمَاءُ وَلَفْظٌ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ إِلَّا الرَّاسِخُونَ. التَّاسِعَ عَشَرَ: إِظْهَارُ الرُّبُوبِيَّةِ وَإِثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ وَتَعْظِيمُ الْأُلُوهِيَّةِ وَالتَّعَبُّدُ لِلَّهِ وَمُجَانَبَةُ الْإِشْرَاكِ وَالتَّرْغِيبُ فِي الثَّوَابِ وَالتَّرْهِيبُ مِنَ الْعِقَابِ. الْعِشْرُونَ سَبْعُ لُغَاتٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ هَوَازِنَ وَاثْنَتَانِ لِسَائِرِ الْعَرَبِ. الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا لِقَبِيلَةٍ مَشْهُورَةٍ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ أَرْبَعٌ لِعَجُزِ هَوَازِنَ سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وجشم بن بكر ونصر بن مُعَاوِيَةَ وَثَلَاثٌ لِقُرَيْشٍ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَلُغَةٌ لِلْيَمَنِ وَلُغَةٌ لَجُرْهُمَ وَلُغَةٌ لِهَوَازِنَ وَلُغَةٌ لِقُضَاعَةَ وَلُغَةٌ لِتَمِيمٍ وَلُغَةٌ لطيء. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: لُغَةُ الْكَعْبِيِّينَ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو كعب بْنِ لُؤَيٍّ وَلَهُمَا سَبْعُ لُغَاتٍ.

الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: اللُّغَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ لِأَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مِثْلُ هَلُمَّ وَهَاتِ وَتَعَالَ وَأَقْبِلْ. السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ قِرَاءَاتٍ لِسَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمْ. السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: هَمْزٌ وَإِمَالَةٌ وَفَتْحٌ وَكَسْرٌ وَتَفْخِيمٌ وَمَدٌّ وَقَصْرٌ. الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: تَصْرِيفٌ وَمَصَادِرُ وَعَرُوضٌ وَغَرِيبٌ وَسَجْعٌ وَلُغَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ كُلُّهَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْرَبُ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ حَتَّى يَكُونَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَإِنِ اختلف اللفظ فيه. الثَّلَاثُونَ: أُمَّهَاتُ الْهِجَاءِ الْأَلِفُ وَالْبَاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ وَالْعَيْنُ لْأَنَّ عَلَيْهَا تَدُورُ جَوَامِعُ كَلَامِ الْعَرَبِ. الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا فِي أَسْمَاءِ الرَّبِّ مِثْلُ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: هِيَ آيَةٌ فِي صِفَاتِ الذات آية تَفْسِيرُهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى وَآيَةٌ بَيَانُهَا فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَآيَةٌ فِي قِصَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَآيَةٌ فِي خَلْقِ الْأَشْيَاءِ وَآيَةٌ فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ وَآيَةٌ فِي وَصْفِ النَّارِ. الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: آية فِي وَصْفِ الصَّانِعِ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ صِفَاتِهِ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ رُسُلِهِ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ كُتُبِهِ وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ الْإِسْلَامِ وَآيَةٌ فِي نَفْيِ الْكُفْرِ.

الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: سَبْعُ جِهَاتٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ لِلَّهِ الَّتِي لَا يَقَعُ عَلَيْهَا التَّكْيِيفُ. الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَمُبَايَنَةُ الشِّرْكِ وَإِثْبَاتُ الْأَوَامِرِ وَمُجَانَبَةُ الزَّوَاجِرِ وَالثَّبَاتُ عَلَى الْإِيمَانِ وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ قَوْلًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ فِي مَعْنَى إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَهِيَ أَقَاوِيلُ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَكُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَتَحْتَمِلُ غَيْرَهَا. وَقَالَ الْمُرْسِيُّ: هَذِهِ الْوُجُوهُ أَكْثَرُهَا مُتَدَاخِلَةٌ وَلَا أَدْرِي مُسْتَنَدَهَا وَلَا عَمَّنْ نُقِلَتْ وَلَا أَدْرِي لِمَ خَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَذِهِ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ بِمَا ذَكَرَ مَعَ أَنَّ كُلَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ فَلَا أَدْرِي مَعْنَى التخصيص! وفيها أشياء لَا أَفْهَمُ مَعْنَاهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَكْثَرُهَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ عُمَرَ مَعَ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِفَا فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا أَحْكَامِهِ إِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي قِرَاءَةِ حُرُوفِهِ وَقَدْ ظَنَّ كَثِيرٌ مِنَ الْعَوَامِّ أَنَّ الْمُرَادَ بها القراءات السبعة وهو جهل قبيح. تَنْبِيهٌ اخْتُلِفَ: هَلِ الْمَصَاحِفُ الْعُثْمَانِيَّةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى ذَلِكَ وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تُهْمِلَ نَقْلَ شَيْءٍ مِنْهَا وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى نَقْلِ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ مِنَ الصُّحُفِ الَّتِي كَتَبَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ

عَلَى مَا يُحْتَمَلُ رَسْمُهَا مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَقَطْ جَامِعَةٌ لِلْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرِيلَ مُتَضَمِّنَةٌ لَهَا لَمْ تَتْرُكْ حَرْفًا مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ صَوَابَهُ. وَيُجَابُ عَنِ الْأَوَّلُ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ جَائِزًا لَهُمْ وَمُرَخَّصًا لَهُمْ فِيهِ فَلَمَّا رَأَى الصَّحَابَةُ أَنَّ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ وَتَخْتَلِفُ إِذَا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ اجْتِمَاعًا شَائِعًا وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الضَّلَالَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَرْكُ وَاجِبٍ وَلَا فِعْلُ حَرَامٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرْآنَ نُسِخَ مِنْهُ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ وَغُيِّرَ فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنْ كَتَبُوا مَا تَحَقَّقُوا أَنَّهُ قُرْآنٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ وَتَرَكُوا مَا سِوَى ذلك. أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: الْقِرَاءَةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي يَقْرَؤُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ [مَرَّةً] ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ مَرَّتَيْنِ فَيَرَوْنَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُنَا هَذِهِ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يُقَالُ إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ الَّتِي بُيِّنَ فِيهَا مَا نُسِخَ وَمَا بَقِيَ وكتبها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِهَا حَتَّى مَاتَ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي جَمْعِهِ وَوَلَّاهُ عُثْمَانُ كَتْبَ الْمَصَاحِفِ.

النوع السابع عشر: في معرفة أسمائه وأسماء سوره

النَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ: فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَأَسْمَاءِ سُوَرِهِ قَالَ الْجَاحِظُ: سَمَّى اللَّهُ كِتَابَهُ اسْمًا مُخَالِفًا لِمَا سَمَّى الْعَرَبُ كَلَامَهُمْ عَلَى الجملة وَالتَّفْصِيلِ. سَمَّى جُمْلَتَهُ قُرْآنًا كَمَا سَمَّوْا دِيوَانًا وَبَعْضُهُ سُورَةٌ كَقَصِيدَةٍ وَبَعْضُهَا آيَةٌ كَالْبَيْتِ وَآخِرُهَا فَاصِلَةٌ كقافية. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي عُزَيْزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ المعروف بشيذلة فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سَمَّى الْقُرْآنَ بِخَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ اسْمًا: سَمَّاهُ كِتَابًا وَمُبِينًا فِي قوله: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} . وقرآنا وكريما: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} . وَكَلَامًا: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} . وَنُورًا: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} . وهدى ورحمة: {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} . وَفُرْقَانًا: {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} . وَشِفَاءً: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} . وموعظة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} .

وَذِكْرًا وَمُبَارَكًا: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} . وَعَلِيًّا: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ} . وحكمة: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} . وحكيما: {لْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} . وَمُهَيْمِنًا: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً} . وحبلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} . وَصِرَاطًا مُسْتَقِيمًا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} . وقيما: {قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً} . وَقَوْلًا وَفَصْلًا: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} . وَنَبَأً عَظِيمًا: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} . وَأَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَمُتَشَابِهًا وَمَثَانِيَ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} . وَتَنْزِيلًا: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وَرُوحًا: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} . ووحيا: {إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} .

وعربيا: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} . وبصائر: {هَذَا بَصَائِرُ} . وبيانا: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} . وَعِلْمًا: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} . وَحَقًّا: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} . وَهَدْيًا {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي} وعجبا: {قُرْآناً عَجَباً} . وتذكرة: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ} . والعروة الوثقى: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} . وصدقا: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} . وعدلا: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} . وَأَمْرًا: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} . وَمُنَادِيًا: {سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} . وبشرى: {هُدىً وَبُشْرَى} . وَمَجِيدًا: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} .

وَزَبُورًا: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} . وَبَشِيرًا وَنَذِيرًا: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً} . وعزيزا: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} . وبلاغا: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ} . وقصصا: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} . وسماه أربعة أسماء في آيتين وَاحِدَةٍ: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} انْتَهَى. فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ كِتَابًا فَلِجَمْعِهِ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ وَالْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ وَالْكِتَابُ لُغَةً الْجَمْعُ. وَالْمُبِينَ لْأَنَّهُ أَبَانَ أَيْ أَظْهَرَ الْحَقَّ مَنِ الْبَاطِلِ. وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ اسْمُ عَلَمٍ غَيْرُ مُشْتَقٍّ خَاصٌّ بِكَلَامِ اللَّهِ فَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَبِهِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَهْمِزُ قَرَأْتَ وَلَا يَهْمِزُ الْقُرْآنَ وَيَقُولُ: الْقُرَانَ اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَهْمُوزٍ ولم يؤخذ من قرأت وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.

وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْأَشْعَرِيُّ: هُوَ مُشْتَقٌّ مَنْ قَرَنْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إِذَا ضَمَمْتَ أَحَدَهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَسُمِّيَ بِهِ لِقِرَانِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ فِيهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَرَائِنِ لْأَنَّ الْآيَاتِ مِنْهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُشَابِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَهِيَ قَرَائِنُ وَعَلَى القولين هو بِلَا هَمْزٍ أَيْضًا وَنُونُهُ أَصْلِيَّةٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا الْقَوْلُ سَهْوٌ والصحيح أن ترك الهمزة فِيهِ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَنَقْلِ حركة الهمزة إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَهْمُوزٌ فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ اللِّحْيَانِيُّ هُوَ مَصْدَرٌ لَقَرَأْتُ كَالرُّجْحَانِ وَالْغُفْرَانِ سُمِّيَ بِهِ الْكِتَابُ الْمَقْرُوءُ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ: هُوَ وَصْفٌ عَلَى فُعْلَانٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَرْءِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَمِنْهُ قَرَأْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لْأَنَّهُ جَمَعَ السُّوَرِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: لَا يُقَالُ لِكُلِّ جَمْعٍ قُرْآنٌ وَلَا لِجَمْعِ كَلِّ كَلَامٍ قُرْآنٌ قَالَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ قُرْآنًا لِكَوْنِهِ جَمْعٌ ثَمَرَاتُ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ الْمُنَزَّلَةِ. وَقِيلَ: لْأَنَّهُ جَمَعَ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ كُلَّهَا. وَحَكَى قُطْرُبُ قَوْلًا: إِنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ قُرْآنًا لْأَنَّ الْقَارِئَ يُظْهِرُهُ وَيُبَيِّنُهُ مِنْ فِيهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: مَا قَرَأَتِ النَّاقَةُ سَلًا قَطُّ أَيْ مَا رَمَتْ بِوَلَدٍ أَيْ مَا أَسْقَطَتْ وَلَدًا أَيْ مَا حَمَلَتْ قَطُّ وَالْقُرْآنُ يلفظه الْقَارِئُ مِنْ فِيهِ وَيُلْقِيهِ فَسُمِّيَ قُرْآنًا. قُلْتُ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.

وَأَمَّا الْكَلَامُ: فَمُشْتَقٌّ مِنَ الْكَلِمِ بِمَعْنَى التَّأْثِيرِ لْأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ فَائِدَةً لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ. وَأَمَّا النُّورُ: فَلِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ غَوَامِضُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَأَمَّا الْهُدَى، فَلْأَنَّ فِيهِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْفَاعِلِ مُبَالَغَةً. وَأَمَّا الْفُرْقَانُ، فَلِأَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَجَّهَهُ بِذَلِكَ مُجَاهِدٌ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَأَمَّا الشِّفَاءُ، فَلْأَنَّهُ يَشْفِي مِنَ الْأَمْرَاضِ الْقَلْبِيَّةِ كَالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ وَالْغِلِّ وَالْبَدَنِيَّةِ أَيْضًا. وَأَمَّا الذِّكْرُ فَلِمَا فِيهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالذِّكْرُ أَيْضًا الشَّرَفُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} ، أَيْ شَرَفٌ لْأَنَّهُ بِلُغَتِهِمْ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ، فَلْأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى الْقَانُونِ الْمُعْتَبَرِ مِنْ وَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ أَوْ لْأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحِكْمَةِ. وَأَمَّا الْحَكِيمُ، فَلْأَنَّهُ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ بِعَجِيبِ النَّظْمِ وَبَدِيعِ الْمَعَانِي وَأُحْكِمَتْ عَنْ تَطَرُّقِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّبَايُنِ. وَأَمَّا الْمُهَيْمِنُ، فَلْأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ. وَأَمَّا الْحَبْلُ، فَلْأَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَصَلَ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ الْهُدَى وَالْحَبَلُ السَّبَبُ. وَأَمَّا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَلْأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ قَوِيمٌ لَا عِوَجَ فِيهِ.

وَأَمَّا الْمَثَانِي، فَلْأَنَّ فِيهِ بَيَانُ قِصَصِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَهُوَ ثَانٍ لما تقدمه. وقيل: لتكرر الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ فِيهِ وَقِيلَ: لْأَنَّهُ نَزَلَ مَرَّةً بِالْمَعْنَى وَمَرَّةً بِاللَّفْظِ والمعنى كقوله: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} حكاه الرماني فِي عَجَائِبِهِ. وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ، فَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحُسْنِ وَالصِّدْقِ. وَأَمَّا الرُّوحُ، فَلْأَنَّهُ تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ وَالْأَنْفُسُ. وَأَمَّا الْمَجِيدُ، فَلِشَرَفِهِ. وَأَمَّا الْعَزِيزُ، فَلْأَنَّهُ يَعِزُّ عَلَى مَنْ يَرُومُ مُعَارَضَتَهُ. وَأَمَّا الْبَلَاغُ، فَلْأَنَّهُ أُبْلِغَ بِهِ النَّاسُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ بَلَاغَةً وَكِفَايَةً عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ السِّلَفِيُّ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ: سَمِعْتُ أَبَا الْكَرَمِ النَّحْوِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ التَّنُوخِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرماني وسئل: كُلُّ كِتَابٍ لَهُ تَرْجَمَةٌ فَمَا تَرْجَمَةُ كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} . وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} إِنَّهُ الْقُرْآنُ. فَائِدَةٌ حَكَى الْمُظَفَّرِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَالَ: لَمَّا جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الْقُرْآنَ قَالَ: سَمُّوهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمُّوهُ إِنْجِيلًا فَكَرِهُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمُّوهُ سِفْرًا فَكَرِهُوهُ مِنْ يَهُودٍ. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: رَأَيْتُ بِالْحَبَشَةِ كِتَابًا يَدْعُونَهُ الْمُصْحَفَ فَسَمَّوْهُ بِهِ.

قُلْتُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا جَمَعُوا الْقُرْآنِ فَكَتَبُوهُ فِي الْوَرَقِ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الْتَمِسُوا لَهُ اسْمًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ السِّفْرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُصْحَفُ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ يُسَمُّونَهُ الْمُصْحَفَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ كِتَابَ اللَّهَ وَسَمَّاهُ الْمُصْحَفَ ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ وَسَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا. فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ أَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَغَيْرُهُ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ: "يَا مُحَمَّدُ إِنِّي مُنْزِلٌ عَلَيْكَ تَوْرَاةً حَدِيثَةً تَفْتَحُ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا " وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ مُوسَى الْأَلْوَاحَ قَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. فَفِي هَذَيْنَ الْأَثَرَيْنِ تَسْمِيَةُ الْقُرْآنِ تَوْرَاةً وَإِنْجِيلًا وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ الْآنَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهَذَا كَمَا سُمِّيَتِ التَّوْرَاةُ فُرْقَانًا فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} وسمى الزَّبُورَ قُرْآنًا فِي قَوْلِهِ: "خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ ".

فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ السُّوَرِ قَالَ الْقَتَبِيُّ: السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ فَمَنْ هَمَزَهَا جَعَلَهَا مِنْ أَسْأَرَتْ أَيْ أَفْضَلَتْ مِنَ السُّؤْرِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّرَابِ فِي الْإِنَاءِ كَأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهَا جَعَلَهَا مِنَ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ وَسَهَّلَ هَمْزَهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهَا بسور الْبِنَاءِ، أَيْ الْقِطْعَةُ مِنْهُ أَيْ مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وَقِيلَ مِنْ سُوَرِ الْمَدِينَةِ لِإِحَاطَتِهَا بِآيَاتِهَا وَاجْتِمَاعِهَا كَاجْتِمَاعِ الْبُيُوتِ بِالسُّورِ وَمِنْهُ السُّوَارُ لِإِحَاطَتِهِ بِالسَّاعِدِ. وَقِيلَ: لَارْتِفَاعِهَا لْأَنَّهَا كَلَامُ اللَّهِ وَالسُّورَةُ الْمَنْزِلَةُ الرَّفِيعَةُ قَالَ النَّابِغَةُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً تَرَى كُلَّ مُلْكٍ حَوْلَهَا يَتَذَبْذُبٍ وَقِيلَ: لِتَرْكِيبِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مِنَ التَّسَوُّرِ بِمَعْنَى التَّصَاعُدِ وَالتَّرَكُّبِ وَمِنْهُ: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} . وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: حَدُّ السُّورَةِ قُرْآنٌ يَشْتَمِلُ عَلَى آي ذِي فَاتِحَةٍ وَخَاتِمَةٍ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: السُّورَةُ الطَّائِفَةُ الْمُتَرْجَمَةُ تَوْقِيفًا أَيِ الْمُسَمَّاةُ بِاسْمٍ خَاصٍّ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ ثَبَتَ جَمِيعُ أَسْمَاءِ السُّوَرِ بِالتَّوْقِيفِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَبَيَّنْتُ ذَلِكَ.

وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ يَسْتَهْزِئُونَ بِهَا فَنَزَلَ: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} . وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ: سُورَةُ كَذَا لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "لَا تَقُولُوا سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَلَا سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ وَلَا سُورَةُ النِّسَاءِ وَكَذَا الْقُرْآنُ كُلُّهُ وَلَكِنْ قُولُوا السُّورَةُ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ وَالَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ وَكَذَا الْقُرْآنُ كُلُّهُ ".وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بَلِ ادَّعَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنَّمَا يُعْرَفُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَقَدْ صَحَّ إِطْلَاقُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكْرَهْهُ الْجُمْهُورُ. فَصْلٌ قَدْ يَكُونُ لِلسُورَةِ اسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كَثِيرٌ وَقَدْ يَكُونُ لَهَا اسمان فأكثر من ذَلِكَ: الْفَاتِحَةُ: وَقَدْ وَقَفْتُ لَهَا عَلَى نَيْفٍ وَعِشْرِينَ اسْمًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شَرَفِهَا فَإِنَّ كَثْرَةَ الْأَسْمَاءِ دَالَّةٌ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى. أَحَدُهَا: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

" هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَهِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي" وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لْأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَفِي التَّعْلِيمِ وَفِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا أَوَّلُ سورة نزلت وَقِيلَ: لْأَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ كُتِبَتْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. حَكَاهُ الْمُرْسِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ وَقِيلَ: لْأَنَّ الْحَمْدَ فَاتِحَةُ كُلِّ كَلَامٍ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ. حَكَاهُ الْمُرْسِيُّ ورده بأن لذي افْتُتِحَ بِهِ كُلُّ كِتَابٍ هُوَ الْحَمْدُ فَقَطْ لَا جَمِيعَ السُّورَةِ وَبِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنُ لَا جِنْسَ الْكِتَابِ. قَالَ: لْأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ أَسْمَائِهَا فَاتِحَةُ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ وَالْقُرْآنِ وَاحِدًا. ثَانِيهَا: فَاتِحَةُ الْقُرْآنِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُرْسِيُّ. وَثَالِثُهَا، وَرَابِعُهَا: أُمُّ الْكِتَابِ وَأُمُّ الْقُرْآنِ وَقَدْ كَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ تُسَمَّى أُمَّ الْكِتَابِ وَكَرِهَ الْحَسَنُ أَنْ تُسَمَّى أُمَّ الْقُرْآنِ وَوَافَقَهُمَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ لْأَنَّ أُمَّ الْكِتَابِ هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ قَالَ تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} ، {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} وَآيَاتُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ قَالَ تَعَالَى: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} ، قَالَ الْمُرْسِيُّ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أُمُّ الْكِتَابِ وَلْيَقُلْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ". قُلْتُ: هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فَالْتَبَسَ عَلَى الْمُرْسِيِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ فَأَخْرَجَ الدارقطني وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إِذَا قرأتم الحمد فاقرؤوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي ".

وَاخْتُلِفَ لِمَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ فَقِيلَ: لْأَنَّهَا يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَبِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السُّورَةِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي مَجَازِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُنَاسِبُ تَسْمِيَتَهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ لَا أُمَّ الْكِتَابِ وأجيب بأن ذلك بالنظر إلى أن الأم مبتدأ الْوَلَدِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتُقَدُّمِهَا وَتَأَخُّرِ مَا سِوَاهَا تَبَعًا لَهَا لْأَنَّهَا أُمَّتُهُ أَيْ تَقَدَّمَتْهُ وَلِهَذَا يُقَالُ لِرَايَةِ الْحَرْبِ أُمٌّ لِتَقَدُّمِهَا وَاتِّبَاعِ الْجَيْشِ لَهَا. وَيُقَالُ لِمَا مَضَى مِنْ سني الإنسان أَمْ لِتُقَدُّمِهَا وَلِمَكَّةَ أُمُّ الْقُرَى لتقدمها عَلَى سَائِرِ الْقُرَى. وَقِيلَ: أَمُّ الشَّيْءِ أَصْلُهُ وَهِيَ أَصْلُ الْقُرْآنِ لَانْطِوَائِهَا عَلَى جَمِيعِ أَغْرَاضِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالسَّبْعِينَ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لْأَنَّهَا أَفْضَلُ السُّوَرِ كَمَا يُقَالُ لِرَئِيسِ الْقَوْمِ: أُمُّ الْقَوْمِ. وَقِيلَ: لْأَنَّ حُرْمَتَهَا كَحُرْمَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ. وَقِيلَ: لْأَنَّ مَفْزَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِلَيْهَا كَمَا يُقَالُ لِلرَّايَةِ أُمٌّ لْأَنَّ مَفْزَعَ الْعَسْكَرِ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: لْأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَالْمُحْكَمَاتُ أُمُّ الْكِتَابِ. خَامِسُهَا: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُمِّ الْقُرْآنِ: "هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ "، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآنِ. سَادِسُهَا: السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَرَدَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ أَمَّا تَسْمِيَتُهَا سَبْعًا فَلْأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَقِيلَ: فِيهَا سَبْعَةُ آدَابٍ فِي كُلِّ آيَةٍ أَدَبٌ وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقِيلَ: لْأَنَّهَا خَلَتْ مِنْ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ الثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالْخَاءُ وَالزَّايُ وَالشِّينُ وَالظَّاءُ وَالْفَاءُ قَالَ الْمُرْسِيُّ: وَهَذَا أَضْعَفُ مِمَّا قَبِلَهُ لْأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُسَمَّى بِشَيْءٍ وُجِدَ

فِيهِ لَا بِشَيْءٍ فُقِدَ مِنْهُ. وَأَمَّا الْمَثَانِي: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ الثَّنَاءِ لِمَا فِيهَا مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثَّنْيَا لْأَنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَاهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنِ التَّثْنِيَةِ قِيلَ لْأَنَّهَا تَثْنِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَيُقَوِّيهِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ تَثْنِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقِيلَ: لْأَنَّهَا تُثَنَّى بِسُورَةٍ أُخْرَى وَقِيلَ: لْأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ ثَنَاءٌ وَدُعَاءٌ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا كُلَّمَا قَرَأَ الْعَبْدُ مِنْهَا آيَةً ثَنَاهُ اللَّهُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ: لْأَنَّهَا اجْتَمَعَ فِيهَا فَصَاحَةُ الْمَبَانِي وَبَلَاغَةُ الْمَعَانِي وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. سَابِعُهَا: الْوَافِيَةُ، كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عيينة يُسَمِّيهَا بِهِ لْأَنَّهَا وَافِيَةٌ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَعَانِي قَالَهُ فِي الْكَشَّافِ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: لْأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّصْنِيفَ فَإِنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَوْ قُرِئَ نصفها في كل رَكْعَةٍ وَالنِّصْفُ الثَّانِي فِي أُخْرَى لَجَازَ بِخِلَافِهَا. وقال الْمُرْسِيُّ: لْأَنَّهَا جَمَعَتْ بَيْنَ مَا لِلَّهِ وَبَيْنَ مَا لِلْعَبْدِ. ثَامِنُهَا: الْكَنْزُ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ قَالَهُ فِي الْكَشَّافِ وَوَرَدَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعَ عَشَرَ. تَاسِعُهَا: الْكَافِيَةُ، لْأَنَّهَا تَكْفِي فِي الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يَكْفِي عَنْهَا غَيْرُهَا. عَاشِرُهَا: الْأَسَاسُ، لْأَنَّهَا أَصْلُ الْقُرْآنِ وَأَوَّلُ سُورَةٍ فِيهِ. حَادِي عَشْرِهَا: النُّورُ. ثَانِي عَشْرِهَا وَثَالِثُ عَشْرِهَا: سُورَةُ الْحَمْدِ وَسُورَةُ الشُّكْرِ. رَابِعُ عَشْرِهَا وَخَامِسُ عَشْرِهَا: سُورَةُ الْحَمْدِ الْأُولَى وَسُورَةُ الْحَمْدِ الْقُصْرَى.

سَادِسُ عَشْرِهَا وَسَابِعُ عَشْرِهَا وَثَامِنُ عَشْرِهَا: الرُّقْيَةُ وَالشِّفَاءُ وَالشَّافِيَةُ لِلْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ فِي نَوْعِ الْخَوَاصِّ. تَاسِعُ عَشْرِهَا: سُورَةُ الصَّلَاةِ لِتَوَقُّفِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا. الْعِشْرُونَ: وَقِيلَ إِنَّ مِنْ أَسْمَائِهَا الصَّلَاةَ أَيْضًا لِحَدِيثِ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ أَيِ السُّورَةَ قَالَ الْمُرْسِيُّ لْأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِهَا فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ لَازِمِهِ وَهَذَا الَاسْمُ الْعِشْرُونَ. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الدُّعَاءِ، لَاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {اهْدِنَا} . الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ السُّؤَالِ، لِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ تَعْلِيمِ، الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْمُرْسِيُّ لْأَنَّ فِيهَا آدَابَ السُّؤَالِ لْأَنَّهَا بُدِئَتْ بِالثَّنَاءِ قَبْلَهُ. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْمُنَاجَاةِ لْأَنَّ الْعَبْدَ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ بِقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ التَّفْوِيضِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . فَهَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَسْمَائِهَا وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِي كِتَابٍ قَبْلَ هَذَا. وَمِنْ ذَلِكَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ: كَانَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ يُسَمِّيهَا فُسْطَاطَ الْقُرْآنِ وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ وَذَلِكَ لِعِظَمِهَا وَلِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِي غَيْرِهَا وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَدْرَكِ تَسْمِيَتُهَا: "سَنَامُ الْقُرْآنِ " وَسَنَامُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ.

وَآلُ عِمْرَانَ: رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَطَّافٍ قَالَ: اسْمُ آلِ عِمْرَانَ فِي التَّوْرَاةِ طَيِّبَةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: تَسْمِيَتُهَا وَالْبَقَرَةُ الزَّهْرَاوَيْنِ. وَالْمَائِدَةُ: تُسَمَّى أَيْضًا الْعُقُودُ وَالْمُنْقِذَةُ قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ لْأَنَّهَا تُنْقِذُ صَاحِبَهَا مِنْ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ. وَالْأَنْفَالُ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْأَنْفَالِ، قَالَ: تِلْكَ سُورَةُ بَدْرٍ. وَبَرَاءَةٌ: تُسَمَّى أَيْضًا التَّوْبَةُ لِقَوْلِهِ فِيهَا: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} الْآيَةَ. وَالْفَاضِحَةُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لَابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ. قَالَ: التَّوْبَةُ، بَلْ هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ: "وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ ... "حَتَّى ظننا ألا يَبْقَى أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا فَرَغَ مِنْ تَنْزِيلِ بَرَاءَةٍ حَتَّى ظَنَنَّا أنه لا يبق مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا سَيَنْزِلُ فِيهِ. وَكَانَتْ تُسَمَّى الْفَاضِحَةَ وَسُورَةُ الْعَذَابِ. أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ حذيفة قال: التي تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب وأخرج أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا ذُكِرَ لَهُ سُورَةُ بَرَاءَةٍ فَقِيلَ: سُورَةُ التَّوْبَةِ قَالَ: هِيَ إِلَى الْعَذَابِ أَقْرَبُ مَا كَادَتْ تُقْلِعُ عَنِ النَّاسِ حَتَّى مَا كَادَتْ تُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا. وَالْمُقَشْقِشَةُ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَابْنِ عُمَرَ: سُورَةُ التَّوْبَةِ فَقَالَ: وَأَيَّتُهُنَّ سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ فَقَالَ: بَرَاءَةٌ فَقَالَ: وَهَلْ

فَعَلَ بِالنَّاسِ الْأَفَاعِيلَ إِلَّا هِيَ! مَا كُنَّا نَدْعُوهَا إِلَّا الْمُقَشْقِشَةَ. أَيْ الْمُبَرِّئَةَ مِنَ النِّفَاقِ. وَالْمُنَقِّرَةُ، أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَتْ تُسَمَّى بَرَاءَةٌ الْمُنَقِّرَةُ نَقَرَتْ عَمَّا فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ. وَالْبُحُوثُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَوْ قَعَدْتُ الْعَامَ عَنِ الْغَزْوِ قَالَ أَتَتْ عَلَيْنَا الْبُحُوثُ يَعْنِي بَرَاءَةً. الْحَدِيثَ. وَالْحَافِرَةُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْفَرَسِ لْأَنَّهَا حَفَرَتْ عَنْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ. وَالْمُثِيرَةُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تُسَمَّى الْفَاضِحَةُ فَاضِحَةُ الْمُنَافِقِينَ وَكَانَ يُقَالُ لَهَا الْمُثِيرَةُ أَنْبَأَتْ بِمَثَالِبِهِمْ وَعَوْرَاتِهِمْ. وحكى ابْنُ الْفَرَسِ مِنْ أَسْمَائِهَا الْمُبَعْثَرَةَ وَأَظُنُّهُ تَصْحِيفُ الْمُنَقِّرَةِ فَإِنْ صَحَّ كملت الأسماء عشرة ثم رأيته كذلك - أعني الْمُبَعْثَرَةَ - بِخَطِّ السَّخَاوِيِّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ وَقَالَ: لْأَنَّهَا بَعْثَرَتْ عَنْ أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ أَسْمَائِهَا الْمُخْزِيَةَ وَالْمُنَكِّلَةَ وَالْمُشَرِّدَةَ وَالْمُدَمْدِمَةَ. النَّحْلِ: قَالَ قَتَادَةُ: تُسَمَّى سُورَةَ النَّعَمَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ لِمَا عَدَّدَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ النِّعَمِ عَلَى عِبَادِهِ. الْإِسْرَاءُ: تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ " سُبْحَانَ " وَسُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. الْكَهْفُ: وَيُقَالُ لَهَا سُورَةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ كَذَا فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَنَّهَا تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الْحَائِلَةَ تَحُولُ بَيْنَ قَارِئِهَا وَبَيْنَ النَّارِ وَقَالَ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ.

طه: تسمى أيضا سورة التكليم، ذَكَرَهُ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ. الشُّعَرَاءُ: وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْإِمَامِ مَالِكٍ تَسْمِيَتُهَا بِسُورَةِ الْجَامِعَةِ. النَّمْلُ: تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ سُلَيْمَانَ. السَّجْدَةُ: تُسَمَّى أَيْضًا الْمَضَاجِعِ. فَاطِرٌ: تُسَمَّى سُورَةَ الْمَلَائِكَةِ. يس: سماها قَلْبَ الْقُرْآنِ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: "سُورَةُ يس تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الْمُعِمَّةَ نعم بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَتُدْعَى الدَّافِعَةُ وَالْقَاضِيَةُ تَدْفَعُ عَنْ صَاحِبِهَا كُلَّ سُوءٍ وَتَقْضِي لَهُ كُلَّ حَاجَةٍ ". وَقَالَ إِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. الزُّمَرُ: تُسَمَّى سُورَةُ الْغُرَفِ. غَافِرٌ: تُسَمَّى سُورَةُ الطَّوْلِ، وَالْمُؤْمِنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فيها {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ} . فُصِّلَتْ: تُسَمَّى السَّجْدَةَ وَسُورَةُ الْمَصَابِيحِ. الْجَاثِيَةُ: تُسَمَّى الشَّرِيعَةَ وَسُورَةُ الدَّهْرِ حَكَاهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ. سورة مُحَمَّدٌ: تُسَمَّى الْقِتَالَ. ق: تُسَمَّى سُورَةُ الْبَاسِقَاتِ. اقْتَرَبَتْ: تُسَمَّى الْقَمَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّهَا

تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الْمُبَيِّضَةُ تُبَيِّضُ وَجْهَ صَاحِبِهَا يَوْمَ تَسْوَدُّ الْوُجُوهُ وَقَالَ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ. الرَّحْمَنُ: سُمِّيَتْ فِي حَدِيثٍ عَرُوسُ الْقُرْآنِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا. الْمُجَادَلَةُ: سُمِّيَتْ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ الظِّهَارَ. الْحَشْرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بن جبير قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ: قُلْ: سُورَةُ بَنِي النَّضِيرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَأَنَّهُ كَرِهَ تَسْمِيَتَهَا بِالْحَشْرِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ به هنا إِخْرَاجُ بَنِي النَّضِيرِ. الْمُمْتَحَنَةُ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَقَدْ تكسر فعلى الأول هو صِفَةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي نَزَلَتِ السُّورَةُ بِسَبَبِهَا وَعَلَى الثَّانِي هِيَ صِفَةُ السُّورَةِ كَمَا قِيلَ لِبَرَاءَةٍ: الْفَاضِحَةَ وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ الِامْتِحَانِ وَسُورَةُ الْمَوَدَّةِ. الصَّفُّ: تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ الْحَوَارِيِّينَ. الطَّلَاقُ: تسمى سورة النساء القصرى كذا سَمَّاهَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: لَا أَرَى قَوْلَهُ: الْقُصْرَى مَحْفُوظًا وَلَا يُقَالُ: فِي سُورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ قُصْرَى وَلَا صُغْرَى قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ رَدٌّ لِلْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ بِلَا مُسْتَنَدٍ وَالْقِصَرُ وَالطُّولُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قال: "طولى الطوليين " وَأَرَادَ بِذَلِكَ سُورَةَ الْأَعْرَافِ. التَّحْرِيمُ: يُقَالُ لَهَا سُورَةُ: الْمُتَحَرِّمُ وَسُورَةَ لِمَ تُحَرِّمُ.

تَبَارَكَ: تُسَمَّى سُورَةُ الْمُلْكِ: وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هِيَ فِي التَّوْرَاةِ سُورَةُ الْمُلْكِ وَهِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ". وَفِي مُسْنَدِ عُبَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ: "أَنَّهَا الْمُنْجِيَةُ وَالْمُجَادِلَةُ تُجَادِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّهَا لِقَارِئِهَا ". وَفِي تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا الْمُنْجِيَةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نُسَمِّيهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَانِعَةَ. وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: تسمى أيضا الواقية والمناعة. سَأَلَ: تُسَمَّى الْمَعَارِجَ وَالْوَاقِعَ. عَمَّ: يُقَالُ لَهَا النَّبَأُ، وَالتَّسَاؤُلُ، وَالْمُعْصِرَاتُ. لَمْ يَكُنْ: تُسَمَّى سُورَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَتْ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَسُورَةُ الْبَيِّنَةِ وَسُورَةُ الْقِيَامَةِ وَسُورَةُ الْبَرِيَّةِ وَسُورَةُ الانفكاك ذكر ذَلِكَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ. أَرَأَيْتَ: تُسَمَّى سُورَةُ الدِّينَ وَسُورَةُ الْمَاعُونِ. الْكَافِرُونَ: تُسَمَّى الْمُقَشْقِشَةُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: وَتُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ الْعِبَادَةِ. قَالَ: وسورة النَّصْرِ: تُسَمَّى سُورَةُ التَّوْدِيعَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وسورة تبت: تسمى سورة المسد.

وسورة الْإِخْلَاصِ: تُسَمَّى الْأَسَاسَ لَاشْتِمَالِهَا عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَهُوَ أَسَاسُ الدِّينِ. قَالَ: وَالْفَلَقُ وَالنَّاسُ: يُقَالُ لَهُمَا الْمُعَوِّذَتَانِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمُشَقْشِقَتَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَطِيبٌ مُشَقْشِقٌ. تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانُ: يَنْبَغِي الْبَحْثُ عَنْ تَعْدَادِ الْأَسَامِي: هَلْ هُوَ تَوْقِيفِيٌّ أَوْ بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَمْ يَعْدَمِ الْفَطِنُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مَعَانِيَ كَثِيرَةً تَقْتَضِي اشْتِقَاقَ أَسْمَاءٍ لَهَا. وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ: وَيَنْبَغِي النَّظَرُ فِي اخْتِصَاصِ كُلِّ سُورَةٍ بِمَا سُمِّيَتْ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَرَبَ تُرَاعِي فِي كَثِيرٍ من المسميات أخد أَسْمَائِهَا مِنْ نَادِرٍ أَوْ مُسْتَغْرَبٍ يَكُونُ فِي الشَّيْءِ مِنْ خَلْقٍ أَوْ صِفَةٍ تَخُصُّهُ أَوْ يكون مَعَهُ أَحْكَمَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ لِإِدْرَاكِ الرَّائِي لِلْمُسَمَّى. وَيُسَمُّونَ الجملة من الكلام أو القصيدة الطَّوِيلَةِ بِمَا هُوَ أَشْهَرُ فِيهَا وَعَلَى ذَلِكَ جَرَتْ أَسْمَاءُ سُوَرِ الْقُرْآنِ كَتَسْمِيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِهَذَا الَاسْمِ لِقَرِينَةِ قِصَّةِ الْبَقَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا وَعَجِيبِ الْحِكْمَةِ فِيهَا وَسُمِّيَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ بِهَذَا الَاسْمِ لَمَّا تَرَدَّدَ فِيهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ وَتَسْمِيَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ تَفْصِيلِ أحوالها وإن كان قد وَرَدَ لَفْظُ " الْأَنْعَامِ " فِي غَيْرِهَا إِلَّا أَنَّ التَّفْصِيلَ الْوَارِدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً} إِلَى قَوْلِهِ: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِهَا كَمَا وَرَدَ ذِكْرُ النِّسَاءِ

فِي سُوَرٍ إِلَّا أَنَّ مَا تَكَرَّرَ وَبُسِطَ مِنْ أَحْكَامِهِنَّ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَكَذَا سُورَةُ الْمَائِدَةِ لَمْ يَرِدْ ذِكْرُ الْمَائِدَةِ فِي غَيْرِهَا فَسُمِّيَتْ بِمَا يَخُصُّهَا. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَدَ فِي سُورَةِ هُودٍ ذِكْرُ نُوحٍ وَصَالِحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ وَمُوسَى فَلِمَ خُصَّتْ بِاسْمِ هُودٍ وَحْدَهُ مَعَ أَنَّ قِصَّةَ نُوحٍ فِيهَا أَوْعَبَ وَأَطْوَلَ؟ قِيلَ: تَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْقِصَصُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ هُودٍ وَالشُّعَرَاءِ بِأَوْعَبَ مِمَّا وَرَدَتْ فِي غَيْرِهَا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ اسْمُ هُودٍ كَتَكَرُّرِهِ فِي سُورَتِهِ فَإِنَّهُ تَكَرَّرَ فِيهَا في أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ وَالتَّكْرَارُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَكَرَّرَ اسْمُ نُوحٍ فِيهَا فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ! قِيلَ: لَمَّا أُفْرِدَتْ لِذِكْرِ نُوحٍ وَقِصَّتِهِ مَعَ قَوْمِهِ سُورَةٌ بِرَأْسِهَا فَلَمْ يَقَعْ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ كَانَتْ أَوْلَى بِأَنْ تُسَمَّى بِاسْمِهِ مِنْ سُورَةٍ تَضَمَّنَتْ قِصَّتَهُ وَقِصَّةَ غَيْرِهِ. انْتَهَى. قُلْتُ: وَلَكَ أَنْ تَسْأَلَ فَتَقُولُ: قَدْ سُمِّيَتْ سُوَرٌ جَرَتْ فِيهَا قَصَصُ أَنْبِيَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ كَسُورَةِ نُوحٍ وَسُورَةِ هُودٍ وَسُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَسُورَةِ يُونُسَ وَسُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَسُورَةِ طس سُلَيْمَانَ وَسُورَةِ يُوسُفَ وَسُورَةِ مُحَمَّدٍ وَسُورَةِ مَرْيَمَ وَسُورَةِ لُقْمَانَ وَسُورَةِ الْمُؤْمِنِ وَقِصَّةُ أَقْوَامٍ كذلك كسورة بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسُورَةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَسُورَةُ الْحِجْرِ وَسُورَةُ سَبَأٍ وَسُورَةُ الْمَلَائِكَةِ وَسُورَةُ الْجِنِّ وَسُورَةُ الْمُنَافِقِينَ وَسُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ يُفْرَدْ لِمُوسَى سُورَةٌ تُسَمَّى بِهِ مَعَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى قَالَ

بَعْضُهُمْ: كَادَ الْقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ كله موسى وَكَانَ أَوْلَى سُورَةٍ أَنْ تُسَمَّى بِهِ سُورَةُ طه أو الْقَصَصِ أَوِ الْأَعْرَافِ لِبَسْطِ قِصَّتِهِ فِي الثَّلَاثَةِ مَا لَمْ يُبْسَطْ فِي غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ قِصَّةُ آدَمَ ذُكِرَتْ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ وَلَمْ تُسَمَّ بِهِ سُورَةٌ كَأَنَّهُ اكْتِفَاءٌ بِسُورَةِ الْإِنْسَانِ وَكَذَلِكَ قِصَّةُ الذَّبِيحِ مِنْ بَدَائِعِ الْقَصَصِ وَلَمْ تُسَمَّ بِهِ سُورَةُ الصَّافَّاتِ وَقِصَّةُ دَاوُدَ ذُكِرَتْ فِي ص وَلَمْ تُسَمَّ بِهِ فَانْظُرْ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ عَلَى أَنِّي رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ لِلسَّخَاوِيِّ أَنَّ سُورَةَ طه تُسَمَّى سُورَةَ الْكِلِيمَ وَسَمَّاهَا الْهُذَلِيُّ فِي كَامِلِهِ سُورَةَ مُوسَى وَأَنَّ سُورَةَ ص تُسَمَّى سُورَةَ دَاوُدَ. وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ الْجَعْبَرِيِّ أَنَّ سُورَةَ الصَّافَّاتِ تُسَمَّى سُورَةَ الذَّبِيحِ وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى مُسْتَنَدٍ مِنَ الْأَثَرِ. فَصْلٌ وَكَمَا سُمِّيَتِ السُّورَةُ الْوَاحِدَةُ بِأَسْمَاءٍ سُمِّيَتْ سُوَرٌ بِاسْمٍ وَاحِدٍ كَالسُّوَرِ الْمُسَمَّاةِ بـ" ألم " أو " ألر"، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ فَوَاتِحَ السُّوَرِ أَسْمَاءٌ لَهَا. فَائِدَةٌ فِي إِعْرَابِ أَسْمَاءِ السُّوَرِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ: مَا سُمِّيَ مِنْهَا بِجُمْلَةٍ تُحْكَى نَحْوَ: {قُلْ أُوحِيَ} و: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} أَوْ بِفِعْلٍ لَا ضَمِيرَ فِيهِ أُعْرِبَ إِعْرَابَ مَا لَا يَنْصَرِفُ إِلَّا مَا فِي أَوَّلِهِ هَمْزَةُ وَصْلٍ فَتُقْطَعُ أَلِفُهُ وَتُقْلَبُ تَاؤُهُ هَاءً فِي الْوَقْفِ وَيُكْتَبُ بِهَاءٍ عَلَى صُورَةِ الْوَقْفِ فَتَقُولُ: قَرَأَتْ اقْتَرَبَةْ وَفِي الْوَقْفِ اقْتَرَبَهْ أَمَّا الإعراب فلأنها صارت أسماء وَالْأَسْمَاءُ مُعْرَبَةٌ إِلَّا لِمُوجَبِ بِنَاءٍ. وَأَمَّا قَطْعُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فَلْأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي أَلْفَاظٍ مَحْفُوظَةٍ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا قَلْبُ تَائِهًا هَاءً فلأن ذلك حُكْمُ

تَاءِ التَّأْنِيثِ الَّتِي فِي الْأَسْمَاءِ وَأَمَّا كَتْبُهَا هَاءً فَلْأَنَّ الْخَطَّ تَابِعٌ لِلْوَقْفِ غَالِبًا. وَمَا سُمِّيَ مِنْهَا بِاسْمٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَهُوَ حَرْفٌ وَاحِدٌ وأضفت إِلَيْهِ سُورَةٌ فَعِنْدَ ابْنِ عُصْفُورٍ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَا إِعْرَابَ فِيهِ وَعِنْدَ الشَّلَوْبِينَ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ: الْوَقْفُ وَالْإِعْرَابُ أَمَّا الْأَوَّلُ - وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحِكَايَةِ فَلِأَنَّهَا حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ تُحْكَى كَمَا هِيَ. وَأَمَّا الثَّانِي: فعلى جعله اسما لِحُرُوفِ الْهِجَاءِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ صَرْفُهُ بِنَاءً عَلَى تَذْكِيرِ الْحَرْفِ وَمَنْعِهِ بِنَاءً عَلَى تَأْنِيثِهِ وَإِنْ لَمْ تُضَفِ إِلَيْهِ سُورَةٌ لَا لَفْظًا وَلَا تَقْدِيرًا فَلَكَ الْوَقْفُ وَالْإِعْرَابُ مَصْرُوفًا وَمَمْنُوعًا. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ حَرْفٍ فَإِنْ وزان الأسماء الأعجمية كطاسين وحاميم وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ سُورَةُ أَمْ لَا فَلَكَ الْحِكَايَةُ وَالْإِعْرَابُ مَمْنُوعًا، لِمُوَازَنَةِ قَابِيلَ وَهَابِيلَ وَإِنْ لَمْ يُوَازِنْ فَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِ التَّرْكِيبُ كَطَاسِينْ مِيمْ وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ سُورَةٌ فَلَكَ الْحِكَايَةُ وَالْإِعْرَابُ إِمَّا مُرَكَّبًا مَفْتُوحَ النون كحضرموت أَوْ مُعْرَبَ النُّونِ مُضَافًا لِمَا بعده مصروفا وَمَمْنُوعًا. عَلَى اعْتِقَادِ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ وَإِنْ لَمْ تُضَفْ إِلَيْهِ سُورَةٌ فَالْوَقْفُ عَلَى الْحِكَايَةِ وَالْبِنَاءُ كَخَمْسَةَ عشر والإعراب ممنوعا. وإن لم يمكن التَّرْكِيبُ فَالْوَقْفُ لَيْسَ إِلَّا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ سُورَةُ أَمْ لَا نَحْوُ كهيعص وحمعسق وَلَا يَجُوزُ إِعْرَابُهُ لْأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ وَلَا تَرْكِيبُهُ مَزْجًا لْأَنَّهُ لَا يُرَكَّبُ كَذَلِكَ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَجَوَّزَ يُونُسُ إِعْرَابَهُ مَمْنُوعًا. وَمَا سُمِّيَ مِنْهَا بِاسْمِ غَيْرِ حرف الهجاء فَإِنْ كَانَ فِيهِ اللَّامُ انْجَرَّ نَحْوَ الْأَنْفَالِ وَالْأَعْرَافِ وَالْأَنْعَامِ وَإِلَّا مُنِعَ الصَّرْفُ إِنْ لَمْ يُضَفْ إِلَيْهِ سُورَةٌ نَحْوَ هَذِهِ هُودٌ وَنُوحٌ وَقَرَأْتُ هُودُ وَنُوحُ وَإِنْ أَضَفْتَ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ

فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ مُنِعَ نَحْوَ قُرِأَتْ سُورَةُ يُونُسَ وَإِلَّا صُرِفَ نَحْوُ سُورَةِ نُوحٍ وَسُورَةِ هُودٍ انْتَهَى مُلَخَّصًا. خَاتِمَةٌ قُسِّمَ الْقُرْآنُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَجُعِلَ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهُ اسْمٌ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السبع الطول وَأَعْطَيْتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمِئِينَ وَأَعْطَيْتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ ". وَسَيَأْتِي مَزِيدُ كَلَامٍ فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي الْقُرْآنِ ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيح وَرِيَاضٌ فَمَيَادِينُهُ مَا افْتُتِحَ ب الم وَبَسَاتِينُهُ مَا افْتُتِحَ بـ" الر " وَمَقَاصِيرُهُ الْحَامِدَاتُ وَعَرَائِسُهُ الْمُسَبِّحَاتُ وَدَيَابِيجُهُ آلُ عِمَرانَ وَرِيَاضُهُ الْمُفَصَّلُ وَقَالُوا الطَّوَاسِيمَ وَالطَّوَاسِينَ وَآل حم وَالْحَوَامِيمَ. قُلْتُ: وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْحَوَامِيمُ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ قَالَ: السَّخَاوِيُّ وَقَوَارِعُ الْقُرْآنِ الْآيَاتُ الَّتِي يُتَعَوَّذُ بِهَا وَيُتَحَصَّنُ سُمِّيَتْ بذلك لأنها تقرع الشَّيْطَانَ وَتَدْفَعُهُ وَتَقْمَعُهُ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَنَحْوِهَا. قُلْتُ: وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا آيَةُ الْعِزِّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الْآيَةَ.

النوع الثامن عشر: في جمعه وترتيبه

النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي جَمْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ قَالَ الديرعاقولي فِي فَوَائِدِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ فِي شَيْءٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا لَمْ يجمع الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ لِمَا كَانَ يَتَرَقَّبُهُ مِنْ وُرُودِ نَاسِخٍ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ أَوْ تِلَاوَتِهِ فَلَمَّا انْقَضَى نُزُولُهُ بِوَفَاتِهِ أَلْهَمَ اللَّهُ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ ذَلِكَ وَفَاءً بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ بِضَمَانِ حِفْظِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الصِّدِّيقِ بِمَشُورَةِ عُمَرَ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ ... " الْحَدِيثَ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ لْأَنَّ الْكَلَامَ فِي كِتَابَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ كَانَ الْقُرْآنُ كُتِبَ كُلُّهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ غَيْرُ مَجْمُوعٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ولا مرتب السور. القول في جمع القرآن ثلاث مرات وقال الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ جُمِعَ الْقُرْآنُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: إِحْدَاهَا: بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُخْرِجَ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ ... "الْحَدِيثَ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُشَبَّهُ أَنْ يَكُونَ أن الْمُرَادُ بِهِ تَأْلِيفُ مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ المتفرقة فِي سُوَرِهَا وَجَمْعُهَا فِيهَا بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الثَّانِيةُ: بِحَضْرَةِ أَبِي بَكْرٍ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخِطَّابِ عِنْدَهُ فقال أبوبكر: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ فَقُلْتُ: لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال عمر: وهو وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنِ فَاجْمَعْهُ - فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ – قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ بِهِ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ وَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} . حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٍ. فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَعْظَمُ النَّاسِ فِي الْمَصَاحِفِ أَجْرًا أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ! هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ كِتَابَ اللَّهِ لَكِنْ أَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَيْتُ أَلَّا آخُذَ عَلَيَّ رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةِ جُمْعَةٍ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ. فَجَمَعَهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا الْأَثَرُ ضَعِيفٌ لَانْقِطَاعِهِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَمُرَادُهُ بِجَمْعِهِ حَفِظُهُ فِي صَدْرِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْهُ أَصَحُّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قُلْتُ: قَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِهِ: حَدَّثَنَا بِشْرُ ابن مُوسَى حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ حدثنا عون عن محمد بن سِيرِينَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ بَعْدَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ قَعَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي بَيْتِهِ فَقِيلَ لْأَبِي بَكْرٍ: قَدْ كَرِهَ بَيْعَتَكَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَكَرِهْتَ بَيْعَتِي؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: مَا أَقْعَدَكَ عَنِّي قَالَ: رَأَيْتُ كِتَابَ اللَّهِ يُزَادُ فِيهِ فَحَدَّثْتُ نفسي ألا أَلْبَسَ رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةٍ حَتَّى أَجْمَعَهُ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّكَ نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَقُلْتُ لِعِكْرِمَةَ: أَلِّفُوهُ كَمَا أُنْزِلَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ قَالَ: لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يؤلفوه ذلك التَّأْلِيفَ مَا اسْتَطَاعُوا. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَفِيهِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي مُصْحَفِهِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ قَالَ: فطلبت ذَلِكَ الْكِتَابَ وَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ: كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ! وَأَمَرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ

فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ. إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: "فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَهُ " أَيْ أَشَارَ بِجَمْعِهِ. قُلْتُ: وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَرَدَ فِي أَوَّلِ مَنْ جَمَعَهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ كَهْمَسَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي مُصْحَفٍ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَقْسَمَ لَا يَرْتَدِي بِرِدَاءٍ حَتَّى يجمعه فَجَمَعَهُ ثُمَّ ائْتَمَرُوا: مَا يُسَمُّونَهُ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمُّوهُ السِّفْرَ قَالَ: ذلك اسم تَسْمِيَةُ الْيَهُودِ فَكَرِهُوهُ فَقَالَ رَأَيْتُ مِثْلَهُ بِالْحَبَشَةِ يُسَمَّى الْمُصْحَفَ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُسَمُّوهُ الْمُصْحَفَ. إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَحَدَ الْجَامِعَيْنِ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: قَدِمَ عُمَرُ فَقَالَ: مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِ بِهِ وَكَانُوا يَكْتُبُونَ ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أحد شيئا حتى يشهد به شَهِيدَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَيْدًا كَانَ لا يكتفي لمجرد وِجْدَانِهِ مَكْتُوبًا حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ مَنْ تَلَقَّاهُ سَمَاعًا مَعَ كَوْنِ زَيْدٍ كَانَ يَحْفَظُ فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الِاحْتِيَاطِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ وَلِزَيْدٍ: اقْعُدَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ. رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّاهِدَيْنِ الْحِفْظُ وَالْكِتَابُ. وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهِدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ

كتب بين يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنِ الْوُجُوهِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَكَانَ غَرَضُهُمْ ألا يُكْتَبَ إِلَّا مِنْ عَيْنِ مَا كُتِبَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْحِفْظِ. قَالَ: وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ: لَمْ أَجِدْهَا مَعَ غَيْرِهِ أَيْ لَمْ أَجِدْهَا مَكْتُوبَةً مَعَ غَيْرِهِ لْأَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتَفِي بِالْحِفْظِ دُونَ الْكِتَابَةِ. قُلْتُ: أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ وَفَاتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ آخِرُ النَّوْعِ السَّادِسَ عَشَرَ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ أَبُو بَكْرٍ وَكَتَبَهُ زَيْدٌ وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَكَانَ لَا يَكْتُبُ آيَةً إِلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَإِنَّ آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَةٍ لَمْ تُوجَدْ إلا مع خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ: اكْتُبُوهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَكَتَبَ. وَإِنَّ عُمَرَ أَتَى بِآيَةِ الرَّجْمِ فَلَمْ يَكْتُبْهَا لْأَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ. وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ فِي كِتَابِ فَهْمِ السُّنَنِ: كِتَابَةُ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ بِمُحْدَثَةٍ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِكِتَابَتِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُفَرَّقًا فِي الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ فَإِنَّمَا أَمَرَ الصَّدِيقِ بِنَسْخِهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ

مُجْتَمِعًا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَوْرَاقٍ وُجِدَتْ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا القرآن مُنْتَشِرٌ فَجَمَعَهَا جَامِعٌ وَرَبَطَهَا بِخَيْطٍ حَتَّى لَا يَضِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وَقَعَتِ الثِّقَةُ بِأَصْحَابِ الرِّقَاعِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ؟ قِيلَ: لْأَنَّهُمْ كَانُوا يُبْدُونَ عَنْ تَأْلِيفٍ مُعْجِزٍ وَنَظْمٍ مَعْرُوفٍ قَدْ شَاهَدُوا تِلَاوَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَةً فَكَانَ تَزْوِيرُ مَا لَيْسَ مِنْهُ مَأْمُونًا وَإِنَّمَا كَانَ الْخَوْفُ مِنْ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ صُحُفِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَفِي رِوَايَةٍ " وَالرِّقَاعِ " وَفِي أُخْرَى: "وَقِطَعِ الْأَدِيمِ "، وَفِي أُخْرَى: "وَالْأَكْتَافِ " وَفِي أُخْرَى: "وَالْأَضْلَاعِ " وَفِي أُخْرَى: "وَالْأَقْتَابِ " فَالْعُسُبِ: جَمْعُ عَسِيبٍ وَهُوَ جَرِيدُ النَّخْلِ كَانُوا يَكْشِطُونَ الْخُوصَ وَيَكْتُبُونَ فِي الطَّرَفِ الْعَرِيضِ. وَاللِّخَافُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ خَفِيفَةٍ آخِرُهُ فَاءٌ: جَمْعُ لَخْفَةٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الدِّقَاقُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَفَائِحُ الْحِجَارَةِ. وَالرِّقَاعُ: جَمْعُ رُقْعَةٍ وَقَدْ تَكُونُ من جلد أو رق أَوْ كَاغِدٍ وَالْأَكْتَافُ جَمَعَ كَتِفٍ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي لِلْبَعِيرِ أَوِ الشَّاةِ كَانُوا إِذَا جَفَّ كَتَبُوا عليه. والأقتاب: جمع قتب هو الْخَشَبُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ لِيَرْكَبَ عَلَيْهِ. وَفِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله ابن عُمَرَ قَالَ: جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الْقُرْآنَ فِي قَرَاطِيسَ وَكَانَ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ فأبى حتى استعان بِعُمَرَ فَفَعَلَ. وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِالْيَمَامَةِ فَزِعَ أَبُو بَكْرٍ وَخَافَ أَنْ يَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ طَائِفَةٌ فَأَقْبَلَ الناس

بما كان مَعَهُمْ وَعِنْدَهُمْ حَتَّى جُمِعَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْوَرَقِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي الصُّحُفِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فَأَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ فَكَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأَدِيمِ وَالْعُسُبِ فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ كَتَبْتُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَتْ عِنْدَهُ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إِنَّمَا كَانَ فِي الْأَدِيمِ وَالْعُسُبِ أَوَّلًا قيل أَنْ يُجْمَعَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ جُمِعَ فِي الصُّحُفِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَرَادِفَةُ. قَالَ الْحَاكِمُ: وَالْجَمْعُ الثَّالِثُ هُوَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ لِعُثْمَانَ: أَدْرِكِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا الصُّحُفَ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ. فأرسلت بها حفصة إ لى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ. وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا،

وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صحيفة ومصحف أن يحرق. قال زيد: فقدت آيَةً مِنَ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ، فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ قَالَ وَغَفَلَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا. انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ يُقَالُ لَهُ أَنْسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: اخْتَلَفُوا في القراءة عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ حَتَّى اقْتَتَلَ الْغِلْمَانُ وَالْمُعَلِّمُونَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: عِنْدِي تُكَذِّبُونَ بِهِ وَتَلْحَنُونَ فِيهِ فَمَنْ نَأَى عَنِّي كَانَ أَشَدَّ تَكْذِيبًا وَأَكْثَرَ لَحْنًا. يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ اجْتَمِعُوا فَاكْتُبُوا لِلنَّاسِ إِمَامًا. فَاجْتَمَعُوا فَكَتَبُوا فكانوا إذا اختلفوا وتدا رءوا في آيَةٍ قَالُوا: هَذِهِ أَقْرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا فَيُرْسِلُ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى رأس ثلاث من المدينة فقال لَهُ: كَيْفَ أَقْرَأَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَيَكْتُبُونَهَا وَقَدْ تَرَكُوا لِذَلِكَ مَكَانًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طريق محمد بن سِيرِينَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ أَنْ يَكْتُبَ الْمَصَاحِفَ جَمَعَ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فَبَعَثُوا إِلَى الرَّبْعَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ عُمَرَ فَجِيءَ بِهَا وَكَانَ عثمان يتعاهد هم فَكَانُوا إِذَا تَدَارَءُوا فِي شَيْءٍ أَخَّرُوهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَظَنَنْتُ أَنَّمَا كَانُوا

يُؤَخِّرُونَهُ لِيَنْظُرُوا أَحْدَثَهُمْ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ فَيَكْتُبُونَهُ عَلَى قَوْلِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ؟ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّ قِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِكَ وَهَذَا يَكَادُ يَكُونُ كُفْرًا قُلْنَا: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ وَلَا اخْتِلَافٌ قُلْنَا: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. قَالَ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ: الْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ وَجَمْعِ عُثْمَانَ أَنَّ جَمْعَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لِخَشْيَةِ أَنْ يَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ شيء بذهاب جملته لْأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَجْمُوعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُ فِي صَحَائِفَ مُرَتِّبًا لِآيَاتِ سُوَرِهِ عَلَى مَا وَقَّفَهُمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمْعُ عُثْمَانَ كَانَ لَمَّا كَثُرَ الَاخْتِلَافُ فِي وُجُوهِ القراءة حتى قرؤوه بِلُغَاتِهِمْ عَلَى اتِّسَاعِ اللُّغَاتِ فَأَدَّى ذَلِكَ بَعْضَهُمِ إِلَى تَخْطِئَةِ بَعْضٍ فَخَشِيَ مِنْ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَ تِلْكَ الصُّحُفَ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ مُرَتِّبًا لِسُوَرِهِ وَاقْتَصَرَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وإن كان قد وسع قِرَاءَتِهِ بِلُغَةِ غَيْرِهِمْ رَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ فَرَأَى أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ قَدِ انْتَهَتْ فَاقْتَصَرَ عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَارِ: لَمْ يَقْصِدْ عُثْمَانُ قَصْدَ أَبِي بَكْرٍ فِي جَمْعِ نَفْسِ الْقُرْآنِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَإِنَّمَا قَصَدَ جَمْعَهُمْ عَلَى الْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلْغَاءَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَخْذِهِمْ بِمُصْحَفٍ

لَا تَقْدِيمَ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرَ وَلَا تَأْوِيلَ أُثْبِتَ مَعَ تَنْزِيلٍ وَلَا مَنْسُوخٌ تِلَاوَتُهُ كُتِبَ مَعَ مُثْبَتٍ رَسْمُهُ وَمَفْرُوضٌ قِرَاءَتُهُ وَحِفْظُهُ خَشْيَةَ دُخُولِ الْفَسَادِ وَالشُّبْهَةِ عَلَى مَنْ يَأْتِي بَعْدُ. وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ جَامِعَ الْقُرْآنِ عُثْمَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا حَمَلَ عُثْمَانُ النَّاسَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ عَلَى اخْتِيَارٍ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَمَّا خَشِيَ الْفِتْنَةَ عِنْدَ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ فِي حُرُوفِ الْقِرَاءَاتِ فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتِ الْمَصَاحِفُ بِوُجُوهٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمُطْلِقَاتِ عَلَى الحروف السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فَأَمَّا السَّابِقُ إِلَى الْجَمْعِ مِنَ الْحَمْلَةِ فَهُوَ الصِّدِّيقُ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ وَلِيتُ لَعَمِلْتُ بِالْمَصَاحِفِ عمل عثمان بها. انتهى. اخْتُلِفَ فِي عِدَّةِ الْمَصَاحِفِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا عُثْمَانُ إِلَى الْآفَاقِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ قَالَ: أَرْسَلَ عُثْمَانُ أَرْبَعَةَ مَصَاحِفَ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ: كُتِبَ سَبْعَةُ مَصَاحِفَ فَأَرْسَلَ إِلَى مكة وإلى الشام وَإِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى الْبَحْرَيْنِ وَإِلَى الْبَصْرَةِ وَإِلَى الْكُوفَةِ وَحَبَسَ بِالْمَدِينَةِ واحدا. فصل الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ الْمُتَرَادِفَةُ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ توقيفي لا شبهة في ذلك وأما الْإِجْمَاعُ فَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مُنَاسَبَاتِهِ وَعِبَارَتُهُ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي سُوَرِهَا وَاقِعٌ بِتَوْقِيفِهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي هَذَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. وَسَيَأْتِي مِنْ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا النُّصُوصُ فَمِنْهَا حَدِيثُ زَيْدٍ السَّابِقُ: "كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ ". وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةٍ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَوَضَعْتُمُوهَا في السبع الطول؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْزِلُ عليه السور ذوات الْعَدَدِ فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا. وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ في المدينة وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَوَضَعْتُهَا فِي السبع الطول. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ ثُمَّ صَوَّبَهُ ثُمَّ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ هَذِهِ الْآيَةَ هَذَا الْمَوْضِعَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} إِلَى آخِرِهَا".

وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} قَدْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى فَلَمْ تَكْتُبْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا؟ قَالَ: يَا بن أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلَالَةِ حَتَّّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ:. وَمِنْهَا الْأَحَادِيثُ فِي خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ " وَفِي لَفْظٍ عِنْدَهُ: "مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ ". وَمِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَالًا مَا ثَبَتَ من قراءته لِسُوَرٍ عَدِيدَةٍ كَسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَالْأَعْرَافِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قرأها في المغرب، وقَدْ أَفْلَحَ، رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الصُّبْحِ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ. وَالرُّومِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الصُّبْحِ وَ: "الم تَنْزِيلُ"وَ، "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ" رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ، وَ " ق " فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي الْخُطْبَةِ وَالرَّحْمَنِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَرَأَهَا عَلَى الْجِنِّ وَ: "النَّجْمِ " فِي الصَّحِيحِ قَرَأَهَا بِمَكَّةَ عَلَى الْكُفَّارِ وَسَجَدَ فِي آخِرِهَا. وَ: "اقْتَرَبَتْ" عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا مَعَ: "ق" فِي العيد والجمعة. وَ" الْمُنَافِقُونَ " فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الجمعة والصف فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ

أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ حِينَ أُنْزِلَتْ حتى ختمها في سُوَرٍ شَتَّى مِنَ الْمُفَصَّلِ تَدُلُّ قراءته لَهَا بِمَشْهَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِهَا تَوْقِيفِيٌّ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ لِيُرَتِّبُوا تَرْتِيبًا سَمِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى خِلَافِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ مَبْلَغَ التواتر ابن خزيمة نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى الْحَارِثُ ابن خُزَيْمَةَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعَيْتُهُمَا فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْتُهُمَا ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَتْ ثَلَاثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ فَانْظُرُوا آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَلْحِقُوهَا فِي آخِرِهَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَلِّفُونَ آيَاتِ السُّوَرِ بِاجْتِهَادِهِمْ وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ. قُلْتُ: يُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} ظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا أُنْزِلَ فَقَالَ أُبَيٌّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي بَعْدَ هَذَا آيَتَيْنِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَالَ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ بِأَمْرٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولما لم يَأْمُرْ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ تُرِكَتْ بِلَا بَسْمَلَةٍ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَارِ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَحُكْمٌ لَازِمٌ فَقَدْ كَانَ جِبْرِيلُ يَقُولُ: "ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا ".

وَقَالَ أَيْضًا: الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهِ وَأَمَرَ بِإِثْبَاتِ رَسْمِهِ وَلَمْ يَنْسَخْهُ وَلَا رَفَعَ تِلَاوَتَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ هُوَ هَذَا الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ الَّذِي حَوَاهُ مُصْحَفُ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا زِيدَ فِيهِ وَأَنَّ تَرْتِيبَهُ وَنَظْمَهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا نَظَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَتَّبَهُ عَلَيْهِ رَسُولُهُ مِنْ آيِ السُّوَرِ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ ذلك مؤخر ولا أخر منه مقدم وَإِنَّ الْأُمَّةَ ضَبَطَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيبَ آيِ كُلِّ سُورَةٍ وَمَوَاضِعِهَا وَعَرَفَتْ مَوَاقِعَهَا كَمَا ضُبِطَتْ عَنْهُ نَفْسُ الْقِرَاءَاتِ وَذَاتُ التِّلَاوَةِ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَتَّبَ سُوَرَهُ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَوَلَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ قَالَ: وَهَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ زَادُوا أَوْ نَقَصُوا مِنْهُ شَيْئًا خَوْفَ ذَهَابِ بَعْضِهِ بِذَهَابِ حَفَظَتِهِ فَكَتَبُوهُ كَمَا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ أن قدموا شيئا أو أخروا أَوْ وَضَعُوا لَهُ تَرْتِيبًا لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَقِّنُ أَصْحَابَهُ وَيُعَلِّمُهُمْ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ الْآنَ فِي مَصَاحِفِنَا بِتَوْقِيفِ جِبْرِيلَ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِعْلَامِهِ عِنْدَ نُزُولِ كُلِّ آيَةٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُكْتَبُ عَقِبَ آيَةِ كَذَا فِي سُورَةِ كَذَا فَثَبَتَ أَنَّ سَعْيَ الصَّحَابَةِ كَانَ فِي جَمْعِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا فِي تَرْتِيبِهِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى هَذَا

التَّرْتِيبِ أَنْزَلَهُ اللَّهُ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ كَانَ يُنْزِلُهُ مُفَرَّقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَتَرْتِيبُ النُّزُولِ غَيْرُ تَرْتِيبِ التِّلَاوَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: تَرْتِيبُ السُّوَرِ وَوَضْعُ الْآيَاتِ مَوَاضِعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِالْوَحْيِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا " وَقَدْ حَصَلَ الْيَقِينُ مِنَ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ بِهَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ تِلَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِهِ هَكَذَا في المصحف. فصل وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ فَهَلْ هُوَ تَوْقِيفِيٌّ أَيْضًا أَوْ هُوَ بِاجْتِهَادٍ مِنَ الصَّحَابَةِ؟ خِلَافٌ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الثَّانِي مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْقَاضِي أَبُو بكر في قَوْلَيْهِ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: جُمِعَ الْقُرْآنُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَأْلِيفُ السُّوَرِ كَتَقْدِيمِ السَّبْعِ الطُّوَالِ وَتَعْقِيبِهَا بِالْمِئِينَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَوَلَّتْهُ الصَّحَابَةُ وَأَمَّا الْجَمْعُ الْآخَرُ وَهُوَ جَمْعُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ فَهُوَ تَوْقِيفِيٌّ تَوَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ جِبْرِيلُ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ. وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ لِذَلِكَ اخْتِلَافُ مَصَاحِفِ السَّلَفِ فِي تَرْتِيبِ السُّوَرِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَتَّبَهَا عَلَى النُّزُولِ وَهُوَ مُصْحَفُ عَلِيٍّ كَانَ أَوَّلَهُ اقْرَأْ ثُمَّ الْمُدَّثِّرُ ثُمَّ ن ثُمَّ الْمُزَّمِّلُ ثُمَّ تَبَّتْ ثُمَّ التَّكْوِيرُ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَكَانَ أَوَّلَ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَقَرَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ وَكَذَا مُصْحَفُ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حِبَّانَ ابن يَحْيَى عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: أَمَرَهُمْ عُثْمَانُ أَنْ يُتَابِعُوا الطُّوَالَ فَجُعِلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَسُورَةُ التَّوْبَةِ فِي السَّبْعِ وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بـ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ".

وَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْقَاضِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. قَالَ أبو بكر الأنبا ري: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَى سماء الدُّنْيَا ثُمَّ فَرَّقَهُ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ فَكَانَتِ السُّورَةُ تَنْزِلُ لْأَمْرٍ يَحْدُثُ وَالْآيَةُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ وَيُوقِفُ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ الْآيَةِ وَالسُّورَةِ فَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كَاتِّسَاقِ الْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ كله عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ قَدَّمَ سُورَةً أَوْ أَخَّرَهَا فَقَدْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: تَرْتِيبُ السُّوَرِ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَعَلَيْهِ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ عَلَى جِبْرِيلَ كُلَّ سَنَةٍ مَا كَانَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنْهُ وَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوَفِّيَ فِيهَا مَرَّتَيْنِ وَكَانَ آخِرُ الْآيَاتِ نُزُولًا: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ، فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ آيَتَيِ الرِّبَا وَالدَّيْنِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ أَوَّلًا جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ نَزَلَ مُفَرَّقًا عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ ثُمَّ أُثْبِتَ فِي الْمَصَاحِفِ عَلَى التَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ الْمُثْبَتِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِيٌّ لْأَنَّ الْقَائِلَ بِالثَّانِي يَقُولُ إنه رمز إليهم بذلك ليعلمهم بِأَسْبَابِ نُزُولِهِ وَمَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا أَلَّفُوا الْقُرْآنَ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ فَآلَ الْخِلَافُ إِلَى أنه: هل هُوَ بِتَوْقِيفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ بِمُجَرَّدِ استناد فِعْلِيٍّ بِحَيْثُ بَقِيَ لَهُمْ فِيهِ مَجَالٌ لِلنَّظَرِ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ: كَانَ الْقُرْآنُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَتَّبًا سُوَرُهُ وَآيَاتُهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ إِلَّا الْأَنْفَالَ وَبَرَاءَةَ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ السَّابِقِ وَمَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السُّوَرِ كَانَ قَدْ عُلِمَ تَرْتِيبُهَا فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالسَّبْعِ الطُّوَالِ وَالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّلِ وَأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَوَّضَ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: الْآثَارُ تَشْهَدُ بِأَكْثَرَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيَبْقَى مِنْهَا قَلِيلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فيه الخلاف كقوله: "اقرؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ: "قَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبْعِ الطُّوَالِ فِي رَكْعَةٍ ".رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وفيه أنه كان عليه الصلاة والسلام يَجْمَعُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاءِ: "إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي "، فَذَكَرَهَا نَسَقًا كَمَا اسْتَقَرَّ تَرْتِيبُهَا. وفي البخاري أنه كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: الْمُخْتَارُ أَنَّ تَأْلِيفَ السُّوَرِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ: "أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ الطُّوَالَ ... " الْحَدِيثَ. قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْلِيفَ الْقُرْآنِ مَأْخُوذٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا جُمِعَ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ،

لْأَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ بِلَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: تَرْتِيبُ السُّوَرِ وَوَضْعُ الْآيَاتِ مَوَاضِعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِالْوَحْيِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: تَرْتِيبُ بَعْضِ السُّوَرِ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ مُعْظَمِهَا لَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفِيًّا. قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أن ترتيبها توقيفي مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ ثَقِيفٍ ... الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنَ الْقُرْآنِ فأردت ألا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَهُ "، فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا نُحَزِّبُهُ ثَلَاثَ سُوَرٍ وَخَمْسَ سُوَرٍ وَسَبْعَ سُوَرٍ وَتِسْعَ سُوَرٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ "ق" حَتَّى نَخْتِمَ. قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الَّذِي كَانَ مُرَتَّبًا حِينَئِذٍ حِزْبُ الْمُفَصَّلِ خَاصَّةً بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ. قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ توقيفي كَوْنُ الْحَوَامِيمِ رُتِّبَتْ وَلَاءً وَكَذَا الطَّوَاسِينِ وَلَمْ تُرَتَّبِ الْمُسَبِّحَاتُ وَلَاءً بَلْ فُصِلَ بَيْنَ سُوَرِهَا وَفُصِلَ بَيْنَ طسم الشُّعَرَاءِ وَطسم الْقَصَصِ بطس مَعَ أَنَّهَا أَقْصَرُ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ اجْتِهَادِيًّا لَذُكِرَتِ الْمُسَبِّحَاتُ وَلَاءً وَأُخِّرَتْ طس عَنِ الْقَصَصِ. وَالَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ السُّوَرِ تَرْتِيبُهَا تَوْقِيفِيٌّ إِلَّا بَرَاءَةَ وَالْأَنْفَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يستدل بقراءته سُوَرًا وَلَاءً عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدَ

حَدِيثُ قِرَاءَتِهِ النِّسَاءَ قَبْلَ آلِ عِمْرَانَ لْأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ فِي الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَعَلَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ ابن بِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ يَسْأَلُ: لِمَ قُدِّمَتِ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَهُمَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا أُنْزِلَتَا بِالْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: قُدِّمَتَا وَأُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى عِلْمٍ مِمَّنْ أَلَّفَهُ بِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِيهِ وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَى عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا يُنْتَهَى إِلَيْهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ. خَاتِمَةٌ السَّبْعُ الطُّوَالُ: أَوَّلُهَا الْبَقَرَةُ وَآخِرُهَا بَرَاءَةٌ. كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ لَكِنْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السبع الطول: الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَالْأَنْعَامُ وَالْأَعْرَافُ. قَالَ الرَّاوِي: وَذَكَرَ السَّابِعَةَ فَنَسِيتُهَا وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا يُونُسُ. وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهَا الْكَهْفُ. وَالْمِئُونُ: مَا وَلِيَهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لْأَنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنْهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ آيَةٍ أَوْ تُقَارِبُهَا. وَالْمَثَانِي: مَا وَلِيَ الْمِئِينَ لْأَنَّهَا ثَنَّتْهَا أَيْ كَانَتْ بَعْدَهَا فَهِيَ لَهَا ثَوَانٍ وَالْمِئُونُ لَهَا أَوَائِلُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ السُّورَةُ الَّتِي آيُهَا أَقَلُّ من مائة لْأَنَّهَا تُثَنَّى أَكْثَرَ مِمَّا يُثَنَّى الطُّوَالُ وَالْمِئُونَ. وَقِيلَ: لِتَثْنِيَةِ الْأَمْثَالِ فيها بِالْعِبَرِ وَالْخَبَرِ. حَكَاهُ النِّكْزَاوِيُّ. وَقَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: هِيَ السُّوَرُ الَّتِي ثُنِّيَتْ فِيهَا الْقَصَصُ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْقُرْآنِ كُلِّهِ وَعَلَى الْفَاتِحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالْمُفَصَّلُ: مَا وَلِيَ الْمَثَانِي مِنْ قِصَارِ السُّوَرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ الَّتِي بَيْنَ السُّوَرِ بِالْبَسْمَلَةِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ مِنْهُ وَلِهَذَا يُسَمَّى بِالْمُحْكَمِ أَيْضًا كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ وَآخِرُهُ سُورَةُ النَّاسِ بِلَا نِزَاعٍ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا: أَحَدُهَا: ق لِحَدِيثِ أَوْسٍ السَّابِقِ قَرِيبًا. الثَّانِي: الْحُجُرَاتِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ. الثَّالِثُ: الْقِتَالِ عَزَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ. الرَّابِعُ: الجاثية حكاه القاضي عياض. والخامس: الصَّافَّاتِ. السَّادِسُ: الصَّفِّ. السَّابِعُ: تَبَارَكَ حَكَى الثَّلَاثَةَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ اليمني في نكته عَلَى التَّنْبِيهِ. الثَّامِنُ: الْفَتْحِ حَكَاهُ الْكَمَالُ الذِّمَارَيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. التَّاسِعُ: الرَّحْمَنِ حَكَاهُ ابْنُ السِّيدِ في أمياله عَلَى الْمُوَطَّأِ. الْعَاشِرُ: الْإِنْسَانِ. الْحَادِي عَشَرَ: سَبِّحِ حَكَاهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ في تعليقه عن الْمَرْزُوقِيِّ. الثَّانِي عَشَرَ: الضُّحَى حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْقَارِئَ يَفْصِلُ بَيْنَ هَذِهِ السُّوَرِ بِالتَّكْبِيرِ وَعِبَارَةُ الرَّاغِبِ فِي مُفْرَدَاتِهِ الْمُفَصَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ السُّبُعُ الْأَخِيرُ.

فَائِدَةٌ لِلْمُفَصَّلِ طِوَالٌ وَأَوْسَاطٌ وَقِصَارٌ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ: فَطِوَالُهُ إِلَى عَمَّ وَأَوْسَاطُهُ مِنْهَا إِلَى الضُّحَى وَمِنْهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارُهُ. هَذَا أَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْمُفَصَّلُ فَقَالَ: وَأَيُّ الْقُرْآنِ ليست بِمُفَصَّلٍ وَلَكِنْ قُولُوا قِصَارُ السُّوَرِ وَصِغَارُ السُّوَرِ. وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ أَنْ يُقَالَ: سُورَةٌ قصيرة أو صغيرة. وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَالِيَةِ وَرَخَّصَ فِيهِ آخَرُونَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ قَالَا: لَا تَقُلْ: سُورَةٌ خَفِيفَةٌ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} ولكن سورة يسيرة. فائدة في ترتيب مصحفي أبي وابن مسعود قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ قَالَ: هَذَا تَأْلِيفُ مُصْحَفِ أُبَيٍّ الْحَمْدُ ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ ثُمَّ الْأَنْعَامُ ثُمَّ الْأَعْرَافُ ثُمَّ الْمَائِدَةُ ثُمَّ يُونُسُ ثُمَّ الْأَنْفَالُ ثُمَّ بَرَاءَةٌ ثُمَّ هَوَّدٌ ثُمَّ مَرْيَمُ ثُمَّ الشُّعَرَاءُ ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ يُوسُفُ ثُمَّ الْكَهْفُ ثُمَّ النَّحْلُ ثم الأحزاب ثم بني إِسْرَائِيلَ ثُمَّ الزُّمَرُ أَوَّلُهَا حم ثُمَّ طه ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ النُّورُ ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ ثُمَّ سَبَأٌ ثُمَّ الْعَنْكَبُوتُ ثُمَّ الْمُؤْمِنُ ثُمَّ الرَّعْدُ ثُمَّ الْقَصَصُ ثُمَّ النَّمْلُ،

ثُمَّ الصَّافَّاتُ ثُمَّ ص ثُمَّ يس ثُمَّ الحجر ثم حمعسق ثُمَّ الرُّومُ ثُمَّ الْحَدِيدُ ثُمَّ الْفَتْحُ ثُمَّ الْقِتَالُ ثُمَّ الظِّهَارُ ثُمَّ تَبَارَكَ الْمُلْكُ ثُمَّ السَّجْدَةُ ثُمَّ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا ثُمَّ الْأَحْقَافُ ثُمَّ ق ثُمَّ الرَّحْمَنُ ثُمَّ الْوَاقِعَةُ ثُمَّ الْجِنُّ ثُمَّ النَّجْمُ ثُمَّ سَأَلَ سَائِلٌ ثُمَّ الْمُزَّمِّلُ ثُمَّ الْمُدَّثِّرُ ثُمَّ اقْتَرَبَتْ ثُمَّ حم الدُّخَانُ ثُمَّ لُقْمَانُ ثُمَّ حم الْجَاثِيَةُ ثُمَّ الطَّوْرُ ثُمَّ الذَّارِيَاتُ ثُمَّ ن ثُمَّ الْحَاقَّةُ ثُمَّ الْحَشْرُ ثُمَّ الْمُمْتَحَنَةُ ثُمَّ الْمُرْسَلَاتُ ثُمَّ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ثُمَّ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ثُمَّ يا أيها إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ثُمَّ النَّازِعَاتُ ثُمَّ التَّغَابُنُ ثُمَّ عَبَسَ ثُمَّ الْمُطَفِّفِينَ ثُمَّ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ثُمَّ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ثُمَّ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثُمَّ الْحُجُرَاتُ ثُمَّ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ الْجُمُعَةُ ثُمَّ لِمَ تُحَرِّمُ ثُمَّ الْفَجْرُ ثُمَّ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ثُمَّ وَاللَّيْلِ ثُمَّ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ثُمَّ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ثُمَّ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ثُمَّ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ثُمَّ الْغَاشِيَةُ ثُمَّ الصَّفُّ ثُمَّ سُورَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهِيَ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ الضُّحَى ثُمَّ أَلَمْ نَشْرَحْ ثُمَّ الْقَارِعَةُ ثُمَّ التَّكَاثُرُ ثُمَّ الْعَصْرُ ثُمَّ سُورَةُ الْخُلْعِ ثُمَّ سُورَةُ الْحَفْدِ ثُمَّ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ثُمَّ إِذَا زُلْزِلَتِ ثُمَّ الْعَادِيَاتُ ثُمَّ الْفِيلُ ثُمَّ لِإِيلَافِ ثُمَّ أَرَأَيْتَ ثُمَّ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ثُمَّ الْقَدْرُ ثُمَّ الْكَافِرُونَ ثُمَّ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَبَّتْ ثُمَّ الصَّمَدُ ثُمَّ الْفَلَقُ ثُمَّ النَّاسُ. قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ أَيْضًا: وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مُوسَى حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مِهْرَانَ الطَّائِيُّ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ تَأْلِيفُ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:

الطُّوَالُ الْبَقَرَةُ وَالنِّسَاءُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالْأَعْرَافُ وَالْأَنْعَامُ وَالْمَائِدَةُ وَيُونُسَ. وَالْمَئِينُ: بَرَاءَةٌ وَالنَّحْلُ وَهُودٌ وَيُوسُفُ وَالْكَهْفُ وبني إِسْرَائِيلَ وَالْأَنْبِيَاءُ وَطه وَالْمُؤْمِنُونَ وَالشُّعَرَاءُ وَالصَّافَّاتُ. وَالْمَثَانِي: الْأَحْزَابُ وَالْحَجُّ وَالْقَصَصُ وَطس النَّمْلُ وَالنُّورُ وَالْأَنْفَالُ وَمَرْيَمُ وَالْعَنْكَبُوتُ وَالرُّومُ وَيس وَالْفُرْقَانُ وَالْحِجْرُ وَالرَّعْدُ وَسَبَأٌ وَالْمَلَائِكَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَص وَالَّذِينَ كَفَرُوا ولقمان والزمر وَالْحَوَامِيمُ حم الْمُؤْمِنُ وَالزُّخْرُفُ وَالسَّجْدَةُ وحمعسق وَالْأَحْقَافُ وَالْجَاثِيَةُ وَالدُّخَانُ وَإِنَّا فَتَحْنَا لَكَ وَالْحَشْرُ وَتَنْزِيلُ السَّجْدَةُ وَالطَّلَاقُ وَن وَالْقَلَمُ وَالْحُجُرَاتُ وَتَبَارَكَ وَالتَّغَابُنُ وَإِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ وَالْجُمُعَةُ والصف وقل أوحي وإنا أرسلنا والمجادلة والممتحنة ويا أيها النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ تُحَرِّمُ. وَالْمُفَصَّلُ: الْرَحْمَنُ وَالنَّجْمُ وَالطَّوْرُ وَالذَّارِيَاتُ واقتربت الساعة والواقعة والنازعات وسأل سَائِلٌ وَالْمُدَّثِّرُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ وَهَلْ أَتَى وَالْمُرْسَلَاتُ وَالْقِيَامَةُ وعم يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وإذا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَالْغَاشِيَةُ وَسَبِّحْ وَاللَّيْلُ وَالْفَجْرُ وَالْبُرُوجُ وإذا السماء انشقت واقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ وَالْبَلَدُ وَالضُّحَى وَالطَّارِقُ وَالْعَادِيَاتُ وَأَرَأَيْتَ وَالْقَارِعَةُ وَلَمْ يكن والشمس وضحاها والتين وويل لكل همزة وألم تر كيف ولإيلاف قريش وألهاكم وإنا أنزلناه وإذا زلزلت والعصر وإذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْكَوْثَرُ وَقل يا أيها الكافرون وتبت وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأَلَمْ نَشْرَحْ وَلَيْسَ فِيهِ الْحَمْدُ وَلَا الْمُعَوِّذَتَانِ.

النوع التاسع عشر: في عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه

النَّوْعُ التَّاسِعُ عَشَرَ: فِي عَدَدِ سُوَرِهِ وَآيَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ أَمَّا سُوَرِهِ فَمِائَةٌ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةٍ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَقِيلَ وَثَلَاثَ عشرة بجعل الأنفال وبراءة سُورَةً وَاحِدَةً أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي رَوْقٍ قَالَ الْأَنْفَالُ وبراءة سُورَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنِ الأنفال وبراءة: سُورَتَانِ أَمْ سُورَةٌ؟ قَالَ: سُورَتَانِ. وَنُقِلَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي رَوْقٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّ بَرَاءَةٌ مِنْ يَسْأَلُونَكَ وإنما لم تكتب بَرَاءَةٌ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لأنها مِنْ {يَسْأَلونَكَ} وَشُبْهَتُهُمُ اشْتِبَاهُ الطَّرَفَيْنِ وَعَدَمُ الْبَسْمَلَةِ وَيَرُدُّهُ تَسْمِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلًا مِنْهُمَا. وَنَقَلَ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ ثابتة لبراءة فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَلَا يُؤْخَذُ بِهَذَا. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا فِيهَا. وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ: لِمَ لَمْ تُكْتَبْ فِي بَرَاءَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ قَالَ: لأنها أمان وبراءة نُزِّلَتْ بِالسَّيْفِ.

وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَوَّلَهَا لَمَّا سَقَطَ سَقَطَ مَعَهُ الْبَسْمَلَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِلُ الْبَقَرَةَ لِطُولِهَا. وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِائَةٌ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سُورَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتُبِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سِتَّ عَشْرَةَ لِأَنَّهُ كَتَبَ فِي آخِرِهِ سُورَتَيِ الْحَفْدِ وَالْخُلْعِ. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ كَتَبَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي مُصْحَفِهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَاللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَتَرَكَهُنَّ ابْنُ مَسْعُودٍ وَكَتَبَ عُثْمَانُ مِنْهُنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى الْأَسْلَمِيِّ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا حَمَلَكَ عَلَى حُبِّ أَبِي تُرَابٍ إِلَّا أَنَّكَ أَعْرَابِيٌّ جَافٌّ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ أَبَوَاكَ وَلَقَدْ عَلَّمَنِي مِنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سُورَتَيْنِ عَلَّمَهُمَا إِيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلِمْتَهُمَا أَنْتَ وَلَا أَبُوكَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نُكْفُرُكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ

نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى نِقْمَتَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حِكْمَةُ الْبَسْمَلَةِ أَنَّهُمَا سُورَتَانِ فِي مُصْحَفِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بِالسُّورَتَيْنِ فَذَكَرَهُمَا وَأَنَّهُ كَانَ يَكْتُبْهُمَا فِي مُصْحَفِهِ. وَقَالَ ابْنُ الضُّرَيْسِ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنْبَأَنَا الْأَجْلَحُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فِي مُصْحَفِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِرَاءَةُ أُبي وَأَبِي مُوسَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ وَلَا نَكْفُرُكَ ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه: اللهم اياك نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَخْشَى عَذَابَكَ وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَمَّنَا أُمِّيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ بِخُرَاسَانَ فَقَرَأَ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ: إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ قَوْلِهِ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} الآية لَمَّا قَنَتَ يَدْعُو عَلَى مُضَرَ.

تَنْبِيهٌ كَذَا نَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ مُصْحَفِ أُبَيٍّ أَنَّهُ سِتَّ عَشْرَةَ سورة [ومائة] , وَالصَّوَابُ أَنَّهُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَإِنَّ سُورَةَ الْفِيلِ وَسُورَةَ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ فِيهِ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَنَقَلَ ذَلِكَ عن السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَأَبِي نَهِيكٍ أَيْضًا. قُلْتُ: وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ والطبراني من حديث أم هاني أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فَضَّلَ اللَّهُ قُرَيْشًا بِسَبْعٍ ... " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِيهِمْ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ". وَفِي كَامِلِ الْهُذَلِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ الضحى وألم نَشْرَحْ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ نَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي تفسيره عن طاووس وعمر بن عبد العزيز. فَائِدَةٌ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَسْوِيرِ الْقُرْآنِ سُوَرًا تَحْقِيقُ كَوْنِ السُّورَةِ بِمُجَرَّدِهَا مُعْجِزَةً وَآيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ نَمَطٌ مُسْتَقِلٌّ فَسُورَةُ يُوسُفَ تُتَرْجِمُ عَنْ قِصَّتِهِ وَسُورَةُ بَرَاءَةٌ تُتَرْجِمُ عَنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَأَسْرَارِهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَسُوِّرَتِ السُّوَرُ طِوَالًا وَأَوْسَاطًا وَقِصَارًا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الطُّولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِعْجَازِ فَهَذِهِ سُورَةُ الْكَوْثَرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَهِيَ مُعْجِزَةٌ إِعْجَازَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ ظَهَرَتْ لِذَلِكَ حِكْمَةٌ فِي التَّعْلِيمِ وَتَدْرِيجِ الْأَطْفَالِ مِنَ السُّورِ الْقِصَارِ إِلَى مَا فَوْقَهَا تَيْسِيرًا مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ لِحِفْظِ كِتَابِهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: فَإِنْ قُلْتَ فَهَلَّا كَانَتِ الْكُتُبُ السَّالِفَةُ كَذَلِكَ؟ قُلْتُ: لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَاتٍ مِنْ جِهَةِ النَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ، وَالْآخَرُ: أَنَّهَا لَمْ تُيَسَّرْ لِلْحِفْظِ لَكِنْ ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَا يُخَالِفُهُ فَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْفَائِدَةُ فِي تَفْصِيلِ الْقُرْآنِ وَتَقْطِيعِهِ سُوَرًا كَثِيرَةً وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَمَا أَوْحَاهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ مُسَوَّرَةً وَبَوَّبَ الْمُصَنِّفُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَبْوَابًا مُوَشَّحَةَ الصُّدُورِ بِالتَّرَاجِمِ مِنْهَا أَنَّ الْجِنْسَ إِذَا انْطَوَتْ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ وَأَصْنَافٌ كَانَ أَحْسَنَ وَأَفْخَمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَابًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا خَتَمَ سُورَةً أَوْ بَابًا مِنَ الْكِتَابِ ثُمَّ أَخَذَ فِي آخَرَ كَانَ أَنْشَطَ لَهُ وَأَبْعَثَ عَلَى التَّحْصِيلِ مِنْهُ لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكِتَابِ بِطُولِهِ وَمَثَلُهُ الْمُسَافِرُ إِذَا قَطَعَ مِيلًا أَوْ فَرْسَخًا [وانتهى إلى رأس برية] نَفَّسَ ذَلِكَ مِنْهُ وَنَشِطَ لِلسَّيْرِ وَمِنْ ثَمَّ جزيء الْقُرْآنُ أَجْزَاءً وَأَخْمَاسًا وَمِنْهَا أَنَّ الْحَافِظَ إِذَا حَذَقَ السُّورَةَ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ طَائِفَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا فَيَعْظُمُ عِنْدَهُ مَا حَفِظَهُ وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ: "كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِينَا ". وَمِنْ ثَمَّ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ بِسُورَةٍ أَفْضَلَ. ومنها التَّفْصِيلَ بِسَبَبِ تَلَاحُقِ الْأَشْكَالِ وَالنَّظَائِرِ وملائمة بَعْضِهَا لِبَعْضٍ وَبِذَلِكَ تَتَلَاحَظُ الْمَعَانِي وَالنُّظُمُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ. انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ تَسْوِيرِ سَائِرِ الْكُتُبِ هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ،

فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الزَّبُورَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سُورَةً كُلُّهَا مَوَاعِظُ وَثَنَاءٌ لَيْسَ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ وَلَا فَرَائِضُ وَلَا حُدُودٌ وَذَكَرُوا أَنَّ فِي الْإِنْجِيلِ سُورَةً تُسَمَّى سُورَةُ الْأَمِثَالِ. فَصْلٌ فِي عَدِّ الْآيِ أَفْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالتَّصْنِيفِ قَالَ الْجَعْبَرِيُّ حَدُّ الْآيَةِ قُرْآنٌ مُرَكَّبٌ مِنْ جُمَلٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا ذُو مَبْدَإٍ أَوْ مَقْطَعٍ مُنْدَرِجٍ فِي سُورَةٍ وَأَصْلُهَا الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ: {إِِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ لِلْفَضْلِ وَالصِّدْقِ أَوِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا جَمَاعَةُ كَلِمَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْآيَةُ طَائِفَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. وَقِيلَ: هِيَ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ فِي السُّوَرِ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى صِدْقِ مَنْ أَتَى بها وعلى عجز الْمُتَحَدِّي بِهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ على علامة انْقِطَاعِ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ وَانْقِطَاعِهِ مِمَّا بَعْدَهَا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يُجَوِّزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَسْمِيَةَ أَقَلِّ مِنَ الْآيَةِ آيَةً لَوْلَا أَنَّ التَّوْقِيفَ وَرَدَ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ لَا أَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ وَحْدَهَا آيَةً إِلَّا قَوْلَهُ: {مُدْهَامَّتَانِ} . وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ فِيهِ غَيْرُهَا مِثْلُ: وَالنَّجْمِ وَالضُّحَى وَالْعَصْرِ وَكَذَا فَوَاتِحُ السُّوَرِ عِنْدَ مَنْ عَدَّهَا. قَالَ بَعْضُهُمُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تُعْلَمُ بِتَوْقِيفٍ مِنَ الشَّارِعِ كَمَعْرِفَةِ السُّورَةِ. قَالَ: فَالْآيَةُ طَائِفَةٌ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ عُلِمَ بِالتَّوْقِيفِ انْقِطَاعُهَا،

يَعْنِي عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي بَعْدَهَا فِي أَوَّلِ الْقُرْآنِ وَعَنِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا فِي آخِرِ الْقُرْآنِ وَعَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي غَيْرِهِمَا غَيْرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: وَبِهَذَا الْقَيْدِ خَرَجَتِ السُّورَةُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْآيَاتُ عِلْمٌ تَوْقِيفِيٌّ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَلِذَلِكَ عَدُّوا " الم " آيَةً حَيْثُ وَقَعَتْ، وَ " المص "، وَلَمْ يَعُدُّوا " المر ", وَ " الر "، وَعَدُّوا " حم " آيَةً فِي سُوَرِهَا، وَ " طه " وَ " يس " وَلَمْ يَعُدُّوا " طس ". قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةً مِنَ الثَّلَاثِينَ مِنْ آلِ حم قال: يعني الأحقاف. قال: وكانت السُّورَةُ إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً سُمِّيَتِ الثَّلَاثِينَ ... الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَسُورَةُ الْمُلْكِ ثَلَاثُونَ آيَةً. وَصَحَّ أَنَّهُ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. قَالَ: وَتَعْدِيدُ الْآيِ مِنْ مُعْضِلَاتِ الْقُرْآنِ وَمِنْ آيَاتِهِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ وَمِنْهُ مَا يَنْتَهِي إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبَبُ اخْتِلَافِ السَّلَفِ فِي عَدَدِ الْآيِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ عَلَى رؤوس الْآيِ لِلتَّوْقِيفِ فَإِذَا عُلِمَ مَحَلُّهَا وَصَلَ لِلتَّمَامِ فَيَحْسَبُ السَّامِعُ حِينَئِذٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَاصِلَةً. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَمِيعُ آيِ القرآن ستة آلاف وستمائة وست عشرة آيَةً وَجَمِيعُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ حَرْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ حَرْفٍ وَسِتُّمِائَةِ حَرْفٍ وَوَاحِدٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا.

قَالَ الدَّانِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَمِائَتَا آيَةٍ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ وَقِيلَ: وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ: وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ: وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ: وَسِتٌّ وَثَلَاثُونَ قُلْتُ: أَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ طَرِيقِ الْفَيْضِ بْنِ وَثِيقٍ عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا دَرَجُ الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ آيِ الْقُرْآنِ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةٌ فَتِلْكَ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَمِائَتَا آيَةٍ وَسِتُّ عَشْرَةَ آيَةٍ بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْفَيْضُ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ خَبِيثٌ. وَفِي الشُّعْبِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "عَدَدُ دَرَجِ الْجَنَّةِ عَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ دَرَجَةٌ ". قَالَ الْحَاكِمُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ شَاذٌّ وَأَخْرَجَهُ الْآجُرِّيُّ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا مَوْقُوفًا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَوْصِلِيُّ فِي شَرْحِ قَصِيدَتِهِ ذَاتُ الرَّشَدِ فِي الْعَدَدِ: اخْتَلَفَ في عد الْآيِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَدَدَانِ: عَدَدٌ أَوَّلٌ وَهُوَ عَدَدُ أَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ وَعَدَدٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ مَكَّةَ فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الشَّامِ فَرَوَاهُ هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحُلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَرَوَاهُ ابْنُ ذَكْوَانَ وَهِشَامٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَارِئِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ

الذِّمَارِيِّ. قَالَ: هَذَا الْعَدَدُ الَّذِي نَعُدُّهُ عَدَدُ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّا رَوَاهُ الْمَشْيَخَةُ لَنَا عَنِ الصَّحَابَةِ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْيَحْصَبِيُّ لَنَا وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ. وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَمَدَارُهُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ الْعَجَّاجِ الْجَحْدَرِيِّ. وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَهُوَ الْمُضَافُ إِلَى حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكِسَائِيِّ وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ حَمْزَةُ أَخْبَرَنَا بِهَذَا الْعَدَدِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: ثُمَّ سُوَرُ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ لَا فِي إِجْمَالٍ وَلَا فِي تَفْصِيلٍ وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ تَفْصِيلًا لَا إِجْمَالًا وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا. فَالْأَوَّلُ أَرْبَعُونَ سُورَةً: يُوسُفُ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ الْحِجْرُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ النَّحْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ الْفُرْقَانُ سبع وسبعون الأحزاب ثلاثة وَسَبْعُونَ الْفَتْحُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ الْحُجُرَاتُ والتغابن ثَمَانِ عَشْرَةَ ق خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ الذَّارِيَاتُ سِتُّونَ الْقَمَرُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ الْحَشْرُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ الْمُمْتَحَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ الصَّفُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ الْجُمُعَةُ والمنافقون والضحى والعاديات إِحْدَى عَشْرَةَ التَّحْرِيمُ اثْنَتَا عَشْرَةَ ن اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ الْإِنْسَانُ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ الْمُرْسَلَاتُ خَمْسُونَ التَّكْوِيرُ تِسْعٌ وعشرون الانفطار وسبح تِسْعَ عَشْرَةَ التَّطْفِيفُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ الْبُرُوجُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ الْغَاشِيَةُ سِتٌّ وَعِشْرُونَ الْبَلَدُ عِشْرُونَ اللَّيْلُ إِحْدَى وعشرون ألم نشرح والتين وألهاكم ثمان الهمزة تسع الفيل والفلق وتبت خمس الكافرون ست الكوثر والنصر ثَلَاثٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَرْبَعُ سُوَرٍ: الْقَصَصُ ثَمَانٌ وَثَمَانُونَ عَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ طسم وَالْبَاقُونَ بَدَلَهَا: {أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} الْعَنْكَبُوتُ تِسْعٌ وَسِتُّونَ عَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ " الم "،وَالْبَصْرَةِ بَدَلَهَا: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وَالشَّامِ {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} .ا الْجِنُّ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ، عَدَّ الْمَكِّيُّ: {لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ} وَالْبَاقُونَ بَدَلَهَا: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} . الْعَصْرُ ثَلَاثٌ، عَدَّ الْمَدَنِيُّ الْأَخِيرَ: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} دُونَ {وَالْعَصْرِ} وَعَكَسَ الْبَاقُونَ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ سَبْعُونَ سُورَةً: الْفَاتِحَةُ: الْجُمْهُورُ سَبْعٌ فَعَدَّ الْكُوفِيُّ وَالْمَكِّيُّ الْبَسْمَلَةَ دُونَ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَعَكَسَ الْبَاقُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: ثَمَانٌ فَعَدَّهُمَا وَبَعْضُهُمْ سِتٌّ فَلَمْ يُعِدَّهُمَا وَآخَرُ تِسْعٌ فَعَدَّهُمَا وَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ،فقطعها آيَةً آيَةً وَعَدَّهَا عَدَّ الْأَعْرَابِ، وَعَدَّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةً وَلَمْ يَعُدَّ: {عَلَيْهِمْ} . وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ،

قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنِ السَّبْعِ الْمَثَانِي، فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَقِيلَ لَهُ إِنَّمَا هِيَ سِتُّ آيَاتٍ فَقَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةٌ. الْبَقَرَةُ: مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ. آلُ عِمْرَانَ: مِائَتَانِ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً. النِّسَاءُ: مِائَةٌ وَسَبْعُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ. الْمَائِدَةُ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ وَثَلَاثٌ. الْأَنْعَامُ: مِائَةٌ وَسَبْعُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ. الْأَعْرَافُ: مِائَتَانِ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ. الْأَنْفَالُ: سَبْعُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ. بَرَاءَةٌ: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً. يُونُسَ: مِائَةٌ وعشرة وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً. هُودٌ: مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَقِيلَ: ثَلَاثٌ. الرَّعْدُ: أَرْبَعُونَ وَثَلَاثٌ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: سَبْعٌ. إِبْرَاهِيمُ: إِحْدَى وَخَمْسُونَ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ. الْإِسْرَاءُ: مِائَةٌ وَعَشْرٌ وَقِيلَ: وَإِحْدَى عَشْرَةَ. الْكَهْفُ: مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: وَسِتٌّ وَقِيلَ: وَعَشْرٌ وقيل: إحدى عَشْرَةَ. مَرْيَمُ: تِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَقِيلَ: ثَمَانٍ. طه: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ وَقِيلَ: وَأَرْبَعُونَ.

الْأَنْبِيَاءُ: مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَقِيلَ: وَاثْنَتَا عَشْرَةَ. الْحَجُّ: سَبْعُونَ وَأَرْبَعٌ وقيل: خمس وقيل: ست وَقِيلَ: ثَمَانٍ. قَدْ أَفْلَحَ: مِائَةٌ وَثَمَانِ عَشْرَةَ وَقِيلَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. النُّورُ: سِتُّونَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ. الشُّعَرَاءُ: مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ وَسِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ. النَّمْلُ: تِسْعُونَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ. الرُّومُ: سِتُّونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً. لُقْمَانُ: ثَلَاثُونَ وَثَلَاثٌ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ. السَّجْدَةُ: ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً. سَبَأٌ: خَمْسُونَ وَأَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ. فَاطِرٌ: أَرْبَعُونَ وَسِتٌّ وَقِيلَ: خَمْسٌ. يس: ثَمَانُونَ وَثَلَاثٌ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ. الصَّافَّاتُ: مِائَةٌ وَثَمَانُونَ وَآيَةٌ وَقِيلَ: آيَتَانِ. ص: ثَمَانُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: ثَمَانٍ. الزُّمَرُ: سَبْعُونَ وَآيَتَانِ وَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ. غَافِرٌ: ثَمَانُونَ وَآيَتَانِ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌّ. فُصِّلَتْ: خَمْسُونَ وَاثْنَتَانِ وَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ. الشُّورَى: خمسون وقيل: ثلاث. الزُّخْرُفُ: ثَمَانُونَ وَتِسْعٌ وَقِيلَ: ثَمَانٍ.

الدُّخَانُ: خَمْسُونَ وَسِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ وَقِيلَ: تِسْعٌ. الْجَاثِيَةُ: ثَلَاثُونَ وَسِتٌّ وَقِيلَ: سَبْعٌ. الْأَحْقَافُ: ثَلَاثُونَ وَأَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ. الْقِتَالُ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً وَقِيلَ: إِلَّا آيَتَيْنِ. الطُّورُ: أَرْبَعُونَ وَسَبْعٌ وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَقِيلَ: تِسْعٌ. النَّجْمُ: إِحْدَى وَسِتُّونَ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ. الرَّحْمَنُ: سَبْعُونَ وَسَبْعٌ وَقِيلَ: سِتٌّ وَقِيلَ: ثَمَانٍ. الْوَاقِعَةُ: تِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَقِيلَ: سَبْعٌ قيل: سِتٌ. الْحَدِيدُ: ثَلَاثُونَ وَثَمَانٍ وَقِيلَ: تِسْعٌ قَدْ سَمِعَ اثْنَتَانِ وَقِيلَ: إِحْدَى وَعِشْرُونَ. الطَّلَاقُ: إِحْدَى وَقِيلَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ. تَبَارَكَ: ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِحْدَى وَثَلَاثُونَ، بِعَدِّ: {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} . قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ شَنَبُوذٍ: وَلَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ سُورَةً فِي الْقُرْآنِ ثَلَاثِينَ آيَةً شَفَعَتْ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَةً خَاصَمَتْ عَنْ صَاحِبِهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ ".

الْحَاقَّةُ: إِحْدَى – وَقِيلَ: اثْنَتَانِ – وَخَمْسُونَ. المعا رج: أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعٌ وَقِيلَ: ثَلَاثٌ. نُوحٌ: ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً وَقِيلَ: إلا آيتين. الْمُزَّمِّلِ: عِشْرُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً وَقِيلَ: إِلَّا آيَتَيْنِ. الْمُدَّثِّرِ: خَمْسُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌ. الْقِيَامَةُ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً. عَمَّ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: وَآيَةً. النَّازِعَاتُ: أَرْبَعُونَ وَخَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌ. عَبَسَ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: وَآيَةٌ وَقِيلَ: وَآيَتَانِ. الِانْشِقَاقُ: عِشْرُونَ وَثَلَاثٌ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ. الطَّارِقُ: سَبْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ: سِتَّ عَشْرَةَ. الْفَجْرُ: ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ. الشَّمْسُ: خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ: سِتَّ عَشْرَةَ. اقْرَأْ: عِشْرُونَ وَقِيلَ: إِلَّا آيَةً. الْقَدْرُ: خَمْسٌ وَقِيلَ: سِتٌ. لَمْ يَكُنْ: ثَمَانٍ وَقِيلَ: تِسْعٌ. الزَّلْزَلَةُ: تِسْعٌ وَقِيلَ: ثَمَانٍ. الَقَارِعَةُ: ثَمَانٍ وَقِيلَ: عَشْرٌ وَقِيلَ: إِحْدَى عَشْرَةَ. قُرَيْشٌ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ. أَرَأَيْتَ: سَبْعٌ وَقِيلَ: سِتٌّ.

الِإِخْلَاصُ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ. النَّاسُ: سَبْعٌ وَقِيلَ: سِتٌ. ضَوَابِطٌ الْبَسْمَلَةُ نَزَلَتْ مَعَ السُّورَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ مَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِمَ يَعُدَّهَا. وَعَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ الم حَيْثُ وَقَعَ آية وكذا المص وطه وكهيعص وطسم ويس وحم وعدوا حمعسق آيَتَيْنِ وَمَنْ عَدَاهُمْ لَمْ يَعُدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ الر حَيْثُ وَقَعَ آيَةً وَكَذَا المر وطس وص وق ون. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِالْأَثَرِ وَاتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا قِيَاسَ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لم يعدوا ص ون وق لِأَنَّهَا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَلَا طس لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَخَوَيْهَا بِحَذْفِ الْمِيمِ وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُفْرَدَ كَقَابِيلَ ويس وَإِنْ كَانَتْ بِهَذَا الْوَزْنِ لَكِنَّ أَوَّلَهَا يَاءٌ فَأَشْبَهَتِ الْجَمْعَ إِذْ لَيْسَ لَنَا مُفْرَدٌ أَوَّلُهُ يَاءٌ. وَلَمْ يَعُدُّوا الر بِخِلَافِ الم لِأَنَّهَا أَشْبَهُ بِالْفَوَاصِلِ مِنْ الر وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى عد {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} آيَةً لِمُشَاكَلَتِهِ الْفَوَاصِلَ بَعْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} . قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: وَعَدُّوا قَوْلَهُ: {ثُمَّ نَظَرَ} آيَةً وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَقْصَرَ مِنْهَا أَمَّا مِثْلُهَا فعم وَالْفَجْرُ وَالضُّحَى.

تَذْنِيبٌ نَظَمَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ الْغَالِي أُرْجُوزَةً فِي الْقَرَائِنِ وَالْأَخَوَاتِ ضَمَّنَهَا السُّوَرَ الَّتِي اتَّفَقَتْ فِي عِدَّةِ الْآيِ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمَاعُونِ وَكَالرَّحْمَنِ وَالْأَنْفَالِ وَكَيُوسُفَ وَالْكَهْفِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مما تقدم. فائدة يترتب على معرفة الآي وَعَدِّهَا وَفَوَاصِلِهَا أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ: مِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِيمَنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلَهَا سَبْعُ آيَاتٍ. وَمِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِي الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ كَامِلَةٍ وَلَا يَكْفِي شَطْرَهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً وَكَذَا الطَّوِيلَةُ عَلَى ما أطلقه الجمهور وها هنا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ مَا اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ آخِرَ آيَةٍ هَلْ تَكْفِي الْقِرَاءَةُ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. وَمِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَفِي الصَّحِيحِ أنه كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. وَمِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِي قِرَاءَةِ قِيَامِ اللَّيْلِ فَفِي أَحَادِيثَ: "مَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ "،وَ " مَنْ قَرَأَ بِخَمْسِينَ آيَةً فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْحَافِظِينَ "، وَ "مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ "، وَ " مَنْ قَرَأَ بِمِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْفَائِزِينَ "، " ومن قَرَأَ بِثَلَاثِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الْأَجْرِ "، وَ " مَنْ قرأ بخمسمائة وسبعمائة وَأَلْفِ آيَةٍ ... " أَخْرَجَهَا الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مُفَرَّقَةً. وَمِنْهَا: اعْتِبَارُهَا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الْهُذَلِيُّ فِي كَامِلِهِ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْمًا جَهِلُوا الْعَدَدَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ،

حَتَّى قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: الْعَدَدُ لَيْسَ بِعِلْمٍ وَإِنَّمَا اشْتَغَلَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِيُرَوِّجَ بِهِ سُوقَهُ. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِنِصْفِ آيَةٍ وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: تجزئ بآية وآخرون بثلاثة آيَاتٍ وَآخَرُونَ لَا بُدَّ مِنْ سَبْعٍ وَالْإِعْجَازُ لَا يَقَعُ بِدُونِ آيَةٍ فَلِلْعَدَدِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ ذِكْرُ الْآيَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى كَالْأَحَادِيثِ فِي الْفَاتِحَةِ وَأَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْآيَتَيْنِ خَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ وَكَحَدِيثِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} و: {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُهْتَدِينَ} . وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ مَخَرَمَةَ قال: قلت لعبد الرحمن ابن عَوْفٍ: يَا خَالُ أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِكُمْ يَوْمَ أُحَدٍ قَالَ اقْرَأْ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ تَجِدُ قِصَّتَنَا: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}

فصل وَعَدَّ قَوْمٌ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَتِسْعَمِائَةٍ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ كَلِمَةٍ وَقِيلَ: وَأَرْبَعُمِائَةٍ وسبع وثلاثون وَمِائَتَانِ وَسَبْعٌ وَسَبْعُونَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذلك. قيل: وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي عَدِّ الْكَلِمَاتِ أَنَّ الْكَلِمَةَ لَهَا حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ وَلَفْظٌ وَرَسْمٌ وَاعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْهَا جَائِزٌ وَكُلٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ اعْتَبَرَ أَحَدَ الْجَوَائِزِ. فَصْلٌ وَتَقَدَّمَ عَنِ ابن عباس عد حُرُوفِهِ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ وَالِاشْتِغَالُ بِاسْتِيعَابِ ذَلِكَ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَقَدِ اسْتَوْعَبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ وَعَدَّ الْأَنْصَافَ وَالْأَثْلَاثَ إِلَى الْأَعْشَارِ وَأَوْسَعَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ مِنْهُ فَإِنَّ كِتَابَنَا مَوْضُوعٌ لِلْمُهِمَّاتِ لَا لِمِثْلِ هذه البطالات. وقد قَالَ السَّخَاوِيُّ: لَا أَعْلَمُ لِعَدَدِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ مِنْ فَائِدَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ أَفَادَ فَإِنَّمَا يُفِيدُ فِي كِتَابٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ وَالْقُرْآنُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ. وَمِنَ الْأَحَادِيثِ فِي اعْتِبَارِ الْحُرُوفِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا: "الْقُرْآنُ أَلْفُ ألف حرف وسبعة وعشرون أَلِفِ حَرْفٍ فَمَنْ قَرَأَهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ".رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَ الطَّبَرَانِيِّ مُحَمَّدَ بْنَ عبيد بن آدم

ابن أَبَى إِيَاسٍ تَكَلَّمَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ لهذا الحديث. وَقَدْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى مَا نُسِخَ رَسْمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْضًا إِذِ الْمَوْجُودُ الْآنَ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْعَدَدَ. فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ لَهُ أَنْصَافٌ بِاعْتِبَارَاتٍ فَنَصِفُهُ بِالْحُرُوفِ "النُّونُ" مِنْ: {نُكْراً} في الكهف "والكاف" مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي. وَنِصْفُهُ بِالْكَلِمَاتِ "الدَّالُ" مِنْ قوله: {وَالْجُلُودُ} فِي الْحَجِّ وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ} مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي. وَنِصْفُهُ بِالْآيَاتِ {يَأْفِكُونَ} مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَقَوْلُهُ: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي. وَنِصْفُهُ عَلَى عِدَادِ السُّورِ آخِرُ الْحَدِيدِ وَالْمُجَادَلَةُ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي وَهُوَ عَشْرَةٌ بِالْأَحْزَابِ. وَقِيلَ: إِنَّ النِّصْفَ بِالْحُرُوفِ "الْكَافُ". مِنْ نُكْرًا وَقِيلَ: "الْفَاءُ" مِنْ قَوْلِهِ: {وَلْيَتَلَطَّفْ}

النوع العشرون: في معرفة حفاظه ورواته

النَّوْعُ الْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ حُفَّاظِهِ ورواته رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: "مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "،أَيْ تَعَلَّمُوا مِنْهُمْ. وَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَهُمَا الْمُبْتَدَأُ بِهِمَا وَاثْنَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذٌ هُوَ ابْنُ جَبَلٍ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ يَبْقَوْنَ حَتَّى يَنْفَرِدُوا بِذَلِكَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بَلِ الَّذِينَ مَهَرُوا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ أَضْعَافُ الْمَذْكُورِينَ وَقَدْ قُتِلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ وَمَاتَ مُعَاذٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَاتَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَدْ تَأَخَّرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي الْقِرَاءَةِ وَعَاشَ بَعْدَهُمْ زَمَنًا طَوِيلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَلَا يَلْزَمُ من ذلك ألا يَكُونَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَارَكَهُمْ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ بَلْ كان الذي يَحْفَظُونَ مِثْلَ الَّذِي حَفِظُوهُ وَأَزْيَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَفِي الصَّحِيحِ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ وَكَانُوا سبعين رجلا. وروى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلُتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ:

أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، قُلْتُ مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي. وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّصْرِيحُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالْآخَرُ ذِكْرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بَدَلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَدِ اسْتَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَصْرَ فِي الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ: "لَمْ يَجْمَعُهُ غَيْرُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ سِوَاهُمْ جَمَعَهُ وَإِلَّا فَكَيْفَ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ! وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَ لَقِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ جَمْعٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وهذا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي الْعَادَةِ وَإِذَا كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ. قَالَ: وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَنَسٍ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يُحَفِّظْهُ كُلَّهُ أَلَّا يَكُونَ حَفِظَ مَجْمُوعَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَحْفَظَ كُلُّ فَرْدٍ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا حُفِظَ الْكُلُّ وَلَوْ عَلَى التَّوْزِيعِ كَفَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ وَقُتِلَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ. قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ أَنَسٌ

الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا فِي ذِهْنِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِيُّ: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ أَوْجِهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فلا يلزم ألا يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ. الثَّانِي: الْمُرَادُ لَمْ يَجْمَعْهُ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَالْقِرَاءَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا إِلَّا أُولَئِكَ. الثَّالِثُ: لَمْ يَجْمَعْ مَا نُسِخَ مِنْهُ بَعْدَ تِلَاوَتِهِ وَمَا لَمْ يُنْسَخْ إِلَّا أُولَئِكَ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ تَلَقِّيهِ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِوَاسِطَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّى بَعْضَهُ بِالْوَاسِطَةِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُمْ تَصَدَّوْا لِإِلْقَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ فَاشْتُهِرُوا بِهِ وَخَفِيَ حَالُ غَيْرِهِمْ عَمَّنْ عَرَفَ حَالَهُمْ فَحَصَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ بِحَسْبِ عِلْمِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ. السَّادِسُ: الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْكِتَابَةُ فَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ حِفْظًا عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَجَمَعُوهُ كِتَابَةً وَحَفِظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. السَّابِعُ: الْمُرَادُ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفْصِحْ بِأَنَّهُ جَمَعَهُ بِمَعْنَى أَكْمَلَ حِفْظَهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أُولَئِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَلَمْ يُفْصِحْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُكْمِلْهُ إِلَّا عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ آخَرُ آيَةٍ فَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا مَا حَضَرَهَا إِلَّا أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةُ مِمَّنْ جَمَعَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ حَضَرَهَا مَنْ لَمْ يَجْمَعْ غَيْرَهَا الْجَمْعُ الْكَثِيرُ. الثَّامِنُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ

أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي جَمَعَ الْقُرْآنَ فَقَالَ: اللَّهُمُّ غُفْرًا إِنَّمَا جَمَعَ الْقُرْآنَ مَنْ سَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي غَالِبِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ تَكَلُّفٌ وَلَا سِيَّمَا الْأَخِيرُ. قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِيَ احْتِمَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ لِلْخَزْرَجِ دُونَ الْأَوْسِ فَقَطْ فَلَا يَنْفِي ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ الْقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لِأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الْمُفَاخَرَةِ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: افْتَخَرَ الْحَيَّانِ: الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَقَالَ الْأَوْسُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ: مَنِ اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ومن عدلت شهادته رَجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَنْ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ وَمِنْ حَمَتْهُ الدُّبُرُ عَاصِمُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ فَقَالَ الْخَزْرَجُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ فَذَكَرَهُمْ. قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ بَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَكَانَ يَقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ نَزَلَ مِنْهُ إِذْ ذَاكَ. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا يُرْتَابُ فِيهِ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى تَلَقِّي الْقُرْآنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَاغِ بَالِهِ لَهُ وَهُمَا بِمَكَّةَ وَكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ حَتَّى قالت عائشة إنه كَانَ يَأْتِيهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ " وَقَدْ قَدَّمَهُ فِي مَرَضِهِ إِمَامًا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمُ. انتهى. وسبقه إلى ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ.

قُلْتُ: لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ محمد بن سِيرِينَ قَالَ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يُجْمَعِ الْقُرْآنُ وَقُتِلَ عُمَرُ وَلَمْ يُجْمَعِ الْقُرْآنُ قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي لَمْ يَقْرَأْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ حِفْظًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جَمْعُ الْمَصَاحِفِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى تَرْتِيبِ النُّزُولِ عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر قَالَ: "جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ ... " الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِمْ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدٌ وَأَبُو زَيْدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي رَجُلَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ: أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُثْمَانَ. وَقِيلَ: عُثْمَانُ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ. وأخرج هو وأبو دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ: أُبَيٌّ وزيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو زَيْدٍ وَمُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ قد أَخَذَهُ إِلَّا سُورَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَاتِ الْقُرَّاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَدَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَالِمًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ وَالْعَبَادِلَةَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ وَمِنَ الْأَنْصَارِ: عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَمُعَاذًا الَّذِي يُكَنَّى أَبَا حَلِيمَةَ وَمُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ وَفُضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ. وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ إِنَّمَا أَكْمَلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَدَّ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْهُمْ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ. وَمِمَّنْ جَمَعَهُ أَيْضًا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ. تَنْبِيهٌ أَبُو زَيْدٍ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ اخْتُلِفَ فِي اسمه فقيل: سعد ابن عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عون وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَوْسِيٌّ وَأَنَسٌ خَزْرَجِيٌّ. وَقَدْ قَالَ إِنَّهُ أَحَدُ عُمُومَتِهِ وَبِأَنَّ الشَّعْبِيَّ عَدَّهُ هُوَ وَأَبُو زَيْدٍ جَمِيعًا فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ كَمَا تَقَدَّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الْأَوْسِ غَيْرُ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُحَبَّرِ: سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَحَدُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ ذَكَرَ أَبِي دَاوُدَ فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ فَلَعَلَّهُ هو. وذكر أيضا سعد بن المنذر بن أوس ابن زُهَيْرٍ وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ. قَالَ: ثُمَّ وَجَدْتُ عند ابْنِ أَبِي دَاوُدَ مَا رَفَعَ الْإِشْكَالَ فَإِنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إِلَى ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الَّذِي جَمَعَ القرآن اسمه قيس

ابن السَّكَنِ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا مِنَّا مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ أَحَدَ عُمُومَتِي وَمَاتَ وَلَمْ يَدَعْ عَقِبًا وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: هُوَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ بْنِ زَعْوَرَاءَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: مَاتَ قَرِيبًا مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عِلْمُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا. وَمِنَ الْأَقْوَالِ فِي اسْمِهِ: ثَابِتٌ وَأَوْسٌ وَمُعَاذٌ. فَائِدَةٌ ظَفِرْتُ بِامْرَأَةٍ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ لَمْ يَعُدَّهَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ وَكَانَتْ قَدْ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ: أَتَأْذَنُ لي فأخرج معك أداوي جَرْحَاكُمْ وَأُمَرِّضَ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ يُهْدِي لِي شَهَادَةً؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ مُهْدٍ لَكِ شَهَادَةً. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ فَغَمَّهَا غُلَامٌ لَهَا وَجَارِيَةٌ كَانَتْ دَبَّرَتْهُمَا فَقَتَلَاهَا فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بنا نزور الشهيدة.

فصل في المشتهرين بالإقراء الْمُشْتَهِرُونَ بِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَبْعَةٌ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأُبَيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ كَذَا ذَكَرَهُمُ الذَّهَبِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْقُرَّاءِ. قَالَ: وَقَدْ قَرَأَ عَلَى أُبَيٍّ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ وَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا وَأَخَذَ عَنْهُمْ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعَيْنَ. فَمِمَّنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ: ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَسَالِمٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ وعطاء ابنا يَسَارٍ وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْمَعْرُوفُ بِمُعَاذٍ الْقَارِئِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ الْأَعْرَجُ وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. وَبِمَكَّةَ: عَبِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَبِالْكُوفَةِ: عَلْقَمَةُ وَالْأُسْوَدُ وَمَسْرُوقٌ وَعُبَيْدَةُ وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَعَبِيدُ بْنُ نُضَيْلَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وِالشَّعْبِيُّ. وَبِالْبَصْرَةِ: أَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو رَجَاءٍ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ. وَبِالشَّامِ: الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي شِهَابٍ الْمَخْزُومِيُّ صَاحِبُ عُثْمَانَ وَخَلِيفَةُ ابن سَعْدٍ صَاحِبُ أَبِي الدَّرْدَاءِ.

ثُمَّ تَجَرَّدَ قَوْمٌ وَاعْتَنَوْا بِضَبْطِ الْقِرَاءَةِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ حَتَّى صَارُوا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ وَيُرْحَلُ إِلَيْهِمْ فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ: أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ ثُمَّ شَيْبَةُ بْنُ نِصَاحٍ ثُمَّ نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ. وَبِمَكَّةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَعْرَجُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَيْصِنٍ وَبِالْكُوفَةِ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ ثُمَّ حَمْزَةُ ثُمَّ الْكِسَائِيُّ. وَبِالْبَصْرَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَأَبُو عمر بْنُ الْعَلَاءِ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرَيُّ ثُمَّ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ. وَبِالشَّامِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُهَاجِرِ ثُمَّ يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الذِّمَارِيُّ ثُمَّ شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ. وَاشْتُهِرَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْآفَاقِ الْأَئِمَّةُ السَبْعَةُ: نَافِعٌ وَقَدْ أَخَذَ عَنْ سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ. وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَخَذَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ الصَّحَابِيِّ. وَأَبُو عَمْرٍو وَأَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ. وَابْنُ عَامِرٍ وَأَخَذَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَصْحَابِ عُثْمَانَ. وَعَاصِمٌ وَأَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ. وَحَمْزَةُ وَأَخَذَ عَنْ عَاصِمٍ وَالْأَعْمَشِ وَالسَّبِيعِيِّ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَغَيْرِهِ. وَالْكِسَائِيُّ وَأَخَذَ عَنْ حَمْزَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ. ثُمَّ انْتَشَرَتِ الْقِرَاءَاتُ فِي الْأَقْطَارِ وَتَفَرَّقُوا أُمَمًا بَعْدَ أُمَمٍ وَاشْتُهِرَ مِنْ رُوَاةِ كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ السَّبْعَةِ رَاوِيَانِ:

فَعَنْ نَافِعٍ: قَالُونُ وَوَرْشٌ عَنْهُ. وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: قُنْبُلٌ وَالْبَزِّيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ. وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو: الدُّورِيُّ وَالسُّوسِيُّ عَنِ الْيَزِيدِيِّ عَنْهُ. وَعَنِ ابْنِ عَامِرٍ: هِشَامٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ. وَعَنْ عَاصِمٍ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَحَفْصٌ عَنْهُ. وَعَنْ حَمْزَةَ: خَلَفٌ وَخَلَّادٌ عَنْ سُلَيْمٍ عَنْهُ. وعن الكسائي: الدوري وأبو الْحَارِثِ. ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَ الْخَرْقُ وَكَادَ الْبَاطِلُ يَلْتَبِسُ بِالْحَقِّ قَامَ جَهَابِذَةُ الْأُمَّةِ وَبَالَغُوا فِي الِاجْتِهَادِ وَجَمَعُوا الْحُرُوفَ وَالْقِرَاءَاتِ وَعَزَوُا الْوُجُوهَ وَالرِّوَايَاتِ وَمَيَّزُوا الصَّحِيحَ وَالْمَشْهُورَ وَالشَّاذَّ بِأُصُولٍ أَصَّلُوهَا وَأَرْكَانٍ فَصَّلُوهَا. فَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْقِرَاءَاتِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثُمَّ أَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْكُوفِيُّ ثُمَّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ صَاحِبُ قَالُونَ ثُمَّ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الداجواني ثُمَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ ثُمَّ قَامَ النَّاسُ فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَهِ بِالتَّأْلِيفِ فِي أَنْوَاعِهَا جَامِعًا وَمُفْرَدًا وَمُوجَزًا وَمُسْهَبًا وَأَئِمَّةُ الْقِرَاءَاتِ لَا تُحْصَى. وَقَدْ صَنَّفَ طَبَقَاتِهِمْ حَافِظُ الْإِسْلَامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذهبي ثم حافظ القراءات أبو الخير ابن الْجَزَرِيِّ.

النوع الحادي والعشرون: في معرفة العالي والنازل من أسانيده

النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ مِنْ أَسَانِيدِهِ اعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ قُرْبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَسَّمَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ وَرَأَيْتُهَا تَأْتِي هُنَا: الْأَوَّلُ: الْقُرْبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ وَهُوَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ وَأَجَلُّهَا وَأَعْلَى مَا يَقَعُ لِلشُّيُوخِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إِسْنَادٌ رِجَالُهُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ رَجُلًا وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ عَاصِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ وَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ مِنْ رِوَايَةِ رُوَيْسٍ. الثَّانِي: مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ الْقُرْبُ إِلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَالْأَعْمَشِ وَهُشَيْمٍ وابن جريح وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَنَظِيرُهُ هُنَا الْقُرْبُ إِلَى إِمَامٍ من الأئمة السَّبْعَةِ فَأَعْلَى مَا يَقَعُ الْيَوْمَ لِلشُّيُوخِ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بِالتِّلَاوَةِ إِلَى نَافِعٍ اثْنَا عَشَرَ وَإِلَى عَامِرٍ اثْنَا عَشَرَ. الثَّالِثُ: عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَةِ أَحَدِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ بِأَنْ يَرْوِي حَدِيثًا لَوْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ كِتَابٍ مِنَ السِّتَّةِ وَقَعَ أَنْزَلَ مِمَّا لَوْ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهَا وَنَظِيرُهُ هُنَا الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْقِرَاءَاتِ كَالتَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ وَيَقَعُ فِي هَذَا النَّوْعِ الْمُوَافَقَاتُ وَالْإِبْدَالُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالْمُصَافَحَاتُ.

فَالْمُوَافَقَةُ: أَنْ تَجْتَمِعَ طَرِيقُهُ مَعَ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ فِي شَيْخِهِ وقد يَكُونُ مَعَ عُلُوٍّ عَلَى مَا لَوْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ مِثَالُهُ فِي هَذَا الْفَنِّ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ رِوَايَةَ الْبَزِّيِّ طَرِيقِ ابْنِ بَنَّانٍ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْهُ يَرْوِيهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ مِنْ كِتَابِ الْمِفْتَاحِ لِأَبِي منصور مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونَ وَمِنْ كِتَابِ الْمِصْبَاحِ لِأَبِي الكرم الشهر زوري وَقَرَأَ بِهَا كُلٌّ مِنَ الْمَذْكُورِينَ عَلَى عَبْدِ السَّيِّدِ بْنِ عَتَّابٍ فَرِوَايَتُهُ لَهَا مِنْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ تُسَمَّى مُوَافَقَةٌ لِلْآخَرِ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَالْبَدَلُ: أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ في شَيْخُ شَيْخِهِ فَصَاعِدًا وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا بِعُلُوٍّ وَقَدْ لَا يَكُونُ مِثَالُهُ هُنَا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو رِوَايَةَ الدُّورِيِّ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْهُ رَوَاهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ مِنْ كِتَابِ التَّيْسِيرِ قَرَأَ بِهَا الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ وَقَرَأَ أبو القاسم بِهَا عَلَى أَبِي طَاهِرٍ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَمِنْ الْمِصْبَاحِ قَرَأَ بِهَا أَبُو الْكَرَمِ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ السَّبْتِيِّ وَقَرَأَ بها يحيى عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْحَمَّامِيِّ وَقَرَأَ أبو الحسن عَلَى أَبِي طَاهِرٍ فَرِوَايَتُهُ لَهَا مِنْ طَرِيقِ الْمِصْبَاحِ تُسَمَّى بَدَلًا لِلدَّانِي فِي شَيْخِ شَيْخِهِ. وَالْمُسَاوَاةُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّاوِي وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ إِلَى شَيْخِ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ كَمَا بَيْنَ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْعَدَدِ. وَالْمُصَافَحَةُ: أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْهُ بِوَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ لَقِيَ صَاحِبَ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَصَافَحَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ مِثَالُهُ قِرَاءَةُ نَافِعٍ رَوَاهَا الشَّاطِبِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله محمد ابن عَلِيٍّ النِّفَّرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غُلَامِ الْفُرْسِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ نَجَاحٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ،

عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ الْحَسَنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن عمر المقرئ عن أبي الحسين بْنِ بُويَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّبَعِيِّ الْمَعْرُوفِ بِأَبِي نَشِيطٍ عَنْ قَالُونَ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَيَّاطِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ الصَّائِغِ عَنِ الْكَمَالِ بْنِ فَارِسٍ عَنْ أَبِي الْيُمْنِ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيِّ عَنْ الْفَرَضِيِّ عَنِ ابْنِ بُويَانَ. فَهَذِهِ مُسَاوَاةٌ لِابْنِ الْجَزَرِيِّ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ بُويَانَ سَبْعَةٌ وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي بَيْنَ الشَّاطِبِيِّ وَبَيْنَهُ وَهِيَ لِمَنْ أَخَذَ عَنِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ مُصَافَحَةً لِلشَّاطِبِيِّ. وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا التَّقْسِيمَ الَّذِي لِأَهْلِ الْحَدِيثِ تَقْسِيمُ الْقُرَّاءِ أَحْوَالَ الْإِسْنَادِ إِلَى قِرَاءَةٍ وَرِوَايَةٍ وَطَرِيقٍ وَوَجْهٍ فَالْخِلَافُ إِنْ كَانَ لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ السبعة أو العشرة أَوْ نَحْوِهِمْ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ وَالطُّرُقُ عَنْهُ فَهُوَ قِرَاءَةٌ وَإِنْ كَانَ لِلرَّاوِي عَنْهُ فَرِوَايَةٌ أَوْ لمن بعده فنازلا فطريق أولا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ فِيهِ فَوَجْهٌ. الرَّابِعُ: مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ تَقَدُّمُ وَفَاةِ الشَّيْخِ عَنْ قَرِينِهِ الَّذِي أَخَذَ عَنْ شَيْخِهِ فَالْأَخْذُ مَثَلًا عَنِ التَّاجِ بْنِ مَكْتُومٍ أَعْلَى مِنَ الْأَخْذِ عَنْ أَبِي الْمَعَالِي بْنِ اللَّبَّانِ وَعَنِ ابْنِ اللَّبَّانِ أَعْلَى مِنَ الْبُرْهَانِ الشَّامِيِّ وَإِنِ اشْتَرَكُوا فِي الْأَخْذِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ. الخامس: الْعُلُوُّ بِمَوْتِ الشَّيْخِ لَا مَعَ الْتِفَاتٍ لِأَمْرٍ آخَرَ أَوْ شَيْخٍ آخَرَ مَتَى يَكُونُ قَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ يُوصَفُ الْإِسْنَادُ بِالْعُلُوِّ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ مَوْتِ

الشَّيْخِ خَمْسُونَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: ثَلَاثُونَ فَعَلَى هَذَا الْأَخْذُ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ عَالٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ لِأَنَّ ابْنَ الْجَزَرِيِّ آخِرُ مَنْ كَانَ سَنَدُهُ عَالِيًا وَمَضَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ مَوْتِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً. فَهَذَا مَا حَرَّرْتُهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَدِيثِ وَخَرَّجْتُ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْقِرَاءَاتِ وَلَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَإِذَا عَرَفْتَ الْعُلُوَّ بِأَقْسَامِهِ عَرَفْتَ النُّزُولَ فَإِنَّهُ ضِدُّهُ وَحَيْثُ ذُمَّ النُّزُولُ فَهُوَ مَا لَمْ ينجبر بكون رجاله أعلم وأحفظ وأتقن أَوْ أَجَلُّ أَوْ أَشْهَرُ أَوْ أَوْرَعُ أَمَّا إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَلَا مَفْضُولٍ.

النوع الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والعشرون: معرفة المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ والموضوع والمدرج

النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ وَالْآحَادِ وَالشَّاذِّ وَالْمَوْضُوعِ وَالْمُدْرَجِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ جَلَالَ الدِّينِ الْبَلْقِينِيَّ قَالَ: الْقِرَاءَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى مُتَوَاتِرٍ وَآحَادٍ وَشَاذٍّ فَالْمُتَوَاتِرُ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْآحَادُ قِرَاءَاتُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ تَمَامُ الْعَشْرِ وَيَلْحَقُ بِهَا قِرَاءَةُ الصَّحَابَةِ وَالشَّاذُّ قِرَاءَاتُ التَّابِعِينَ كَالْأَعْمَشِ وَيَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَنَحْوِهِمْ. وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ وَأَحْسَنُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا النَّوْعِ إِمَامُ الْقُرَّاءِ فِي زَمَانِهِ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو الْخَيْرِ بْنُ الْجَزَرِيِّ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ النَّشْرِ: كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ وَوَافَقَتْ أَحَدَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا وَصَحَّ سَنَدُهَا فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ رَدُّهَا وَلَا يَحِلُّ إِنْكَارُهَا بَلْ هِيَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ قَبُولُهَا سَوَاءً كَانَتْ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ أَمْ عَنِ الْعَشْرَةِ أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ السَّبْعَةِ أو عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّانِيُّ وَمَكِّيٌّ وَالْمَهْدَوِيُّ وَأَبُو شَامَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ. قَالَ أَبُو شَامَةَ فِي الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَرَّ بِكُلِّ قِرَاءَةٍ تُعْزَى

إِلَى أَحَدِ السَّبْعَةِ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الصِّحَّةِ وَأَنَّهَا أُنْزِلَتْ هَكَذَا إِلَّا إِذَا دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَرِدُ بِنَقْلِهَا مُصَنِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْلِهَا عَنْهُمْ بَلْ إِنْ نُقِلَتْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقُرَّاءِ فذلك لايخرجها عَنِ الصِّحَّةِ فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى اسْتِجْمَاعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ لَا عَلَى مَنْ تُنْسَبُ إِلَيْهِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى كُلِّ قَارِئٍ مِنَ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالشَّاذِّ غَيْرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةَ لِشُهْرَتِهِمْ وَكَثْرَةِ الصَّحِيحِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي قِرَاءَتِهِمْ تَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ فَوْقَ مَا يُنْقَلُ عَنْ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: فَقَوْلُنَا فِي الضَّابِطِ: "وَلَوْ بِوَجْهٍ " نُرِيدُ بِهِ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ النَّحْوِ سَوَاءٌ كَانَ أَفْصَحَ أَمْ فَصِيحًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَمْ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلَافًا لَا يَضُرُّ مِثْلُهُ إِذَا كَانَتِ القراءة مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ الْأَعْظَمُ وَالرُّكْنُ الْأَقْوَمُ. وَكَمْ مِنْ قِرَاءَةٍ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ النَّحْوِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إِنْكَارُهُمْ كَإِسْكَانِ: {بَارِئْكُمْ} و: {يَأْمُرْكُمْ} وخفض: {وَالأَرْحَامِ} ونصب {لِيُجْزَى قَوْماً} وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْمُضَافَيْنِ فِي: {قَتْل أَوْلادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ} وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ الدَّانِيُّ: وَأَئِمَّةُ الْقُرَّاءِ لَا تَعْمَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَفْشَى فِي اللُّغَةِ وَالْأَقْيَسِ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَلْ عَلَى الْأَثْبَتِ فِي الْأَثَرِ وَالْأَصَحِّ فِي النَّقْلِ وَإِذَا ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ لَمْ يَرُدَّهَا قِيَاسُ عَرَبِيَّةٍ وَلَا فُشُوُّ لُغَةٍ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ يَلْزَمُ قَبُولُهَا وَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا.

قُلْتُ: أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. قال البيهقي: أراد اتِّبَاعَ مَنْ قَبْلَنَا فِي الْحُرُوفِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. لَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ إِمَامٌ وَلَا مُخَالَفَةُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي هِيَ مَشْهُورَةٌ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ أَوْ أَظْهَرَ مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَنَعْنِي بِمُوَافَقَةِ أَحَدِ الْمَصَاحِفِ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ كقراءة ابن عامر: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ} في البقرة بغير واو، و: {بِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ} بِإِثْبَاتِ الْبَاءِ فِيهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْمُصْحَفِ الشَّامَيِّ وَكَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فِي آخِرِ بَرَاءَةٍ بِزِيَادَةِ "مِنْ" فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمُصْحَفِ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ فَشَاذٌّ لِمُخَالَفَتِهَا الرَّسْمَ الْمُجَمَعَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُنَا: "وَلَوِ احْتِمَالًا "، نَعْنِي بِهِ مَا وَافَقَهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا: كَـ {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فَإِنَّهُ كُتِبَ فِي الْجَمِيعِ بِلَا أَلِفٍ فَقِرَاءَةُ الْحَذْفِ تَوَافِقُهُ تَحْقِيقًا وَقِرَاءَةُ الْأَلِفِ تَوَافِقُهُ تَقْدِيرًا لِحَذْفِهَا فِي الْخَطِّ اخْتِصَارًا كَمَا كُتِبَ: {مَلِكَ الْمُلْكِ} . وَقَدْ يُوَافِقُ اخْتِلَافُ الْقِرَاءَاتِ الرَّسْمَ تَحْقِيقًا، نَحْوُ " تَعْلَمُونَ " بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ و" يغفر لَكُمْ " بِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ تَجَرُّدُهُ عَنِ النَّقْطِ وَالشَّكْلِ فِي حَذْفِهِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى فَضْلٍ عَظِيمٍ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي عِلْمِ الْهِجَاءِ خَاصَّةً وَفَهْمٍ ثَاقِبٍ فِي تَحْقِيقِ كُلِّ عِلْمٍ. وَانْظُرْ كَيْفَ كَتَبُوا " الصِّرَاطَ " بِالصَّادِّ الْمُبْدَلَةِ مِنَ السِّينِ وَعَدَلُوا عَنِ السِّينِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ لِتَكُونَ قِرَاءَةُ

السِّينِ - وَإِنْ خَالَفَتِ الرَّسْمَ مِنْ وَجْهٍ - قَدْ أَتَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَيَعْتَدِلَانِ وَتَكُونُ قِرَاءَةُ الْإِشْمَامِ مُحْتَمِلَةٌ وَلَوْ كُتِبَ ذَلِكَ بِالسِّينِ عَلَى الْأَصْلِ لَفَاتَ ذَلِكَ. وَعُدَّتْ قِرَاءَةُ غَيْرِ السِّينِ مُخَالِفَةً لِلرَّسْمِ وَالْأَصْلِ وَلِذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي: {بَصْْطَةً} الْأَعْرَافِ دون: {بَسْطَةً} الْبَقَرَةِ لِكَوْنِ حَرْفِ الْبَقَرَةِ كُتِبَ بِالسِّينِ وَالْأَعْرَافِ بِالصَّادِ عَلَى أَنَّ مُخَالِفَ صَرِيحِ الرَّسْمِ فِي حَرْفٍ مُدْغَمٍ أَوْ مُبْدَلٍ أَوْ ثَابِتٍ أَوْ مَحْذُوفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مُخَالِفًا إِذَا ثَبَتَتِ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَوَرَدَتْ مَشْهُورَةً مُسْتَفَاضَةً وَلِذَا لَمْ يَعُدُّوا إِثْبَاتَ يَاءِ الزَّوَائِدِ وَحَذْفَ يَاءِ: {فَلا تَسْأَلْنِي} في الكهف وواو: {وَأَكُونَ مِنَ الصَّالِحِينَ} والظاء من: {بِضَنِينٍ} وَنَحْوَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الرَّسْمِ الْمَرْدُودَةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مُغْتَفَرٌ إِذْ هُوَ قَرِيبٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَتُمَشِّيهِ صِحَّةُ الْقِرَاءَةِ وَشُهْرَتُهَا وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ كَلِمَةٍ وَنُقْصَانِهَا وَتَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ حَرْفًا وَاحِدًا مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي حُكْمِ الْكَلِمَةِ لا تسوغ مُخَالَفَةُ الرَّسْمِ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ فِي حَقِيقَةِ اتِّبَاعِ الرَّسْمِ وَمُخَالَفَتِهِ. قَالَ: وَقَوْلُنَا: "وَصَحَّ مسندها " نَعْنِي بِهِ أَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ وَتَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ غَيْرَ مَعْدُودَةٍ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغَلَطِ أَوْ مِمَّا شَذَّ بِهَا بَعْضُهُمْ. قَالَ: وَقَدْ شَرَطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّوَاتُرَ فِي هَذَا الرُّكْنِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِصِحَّةِ السَّنَدِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَأَنَّ مَا جَاءَ مَجِيءَ الْآحَادِ لَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ.

قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ: فَإِنَّ التَّوَاتُرَ إِذَا ثَبَتَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الرَّسْمِ وَغَيْرِهِ إِذْ مَا ثَبَتَ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ مُتَوَاتِرًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ قَبُولُهُ وَقُطِعَ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا سَوَاءٌ وَافَقَ الرَّسْمَ أَمْ لَا وَإِذَا شَرَطْنَا التَّوَاتُرَ فِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْخِلَافِ انْتَفَى كَثِيرٌ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ الثَّابِتِ عَنِ السَّبْعَةِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو شَامَةَ: شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّ السَّبْعَ كُلَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ أَيْ كُلُّ فَرْدٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ. قَالُوا: وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاجِبٌ وَنَحْنُ بِهَذَا نَقُولُ وَلَكِنْ فِيمَا اجْتَمَعَتْ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمُ الطُّرُقُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِرَقُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لَهُ فَلَا أَقَلَّ مِنِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَّفِقِ التَّوَاتُرُ فِي بَعْضِهَا. وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: الشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ صِحَّةُ النَّقْلِ وَيَلْزَمُ الْآخَرَانِ فَمَنْ أَحْكَمَ مَعْرِفَةَ حَالِ النَّقَلَةِ وَأَمْعَنَ فِي العربية وأتقن الرسم انحلت لَهُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: مَا رُوِيَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُقْرَأُ بِهِ وَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ وَوَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَخَطَّ الْمُصْحَفِ. وَقِسْمٌ صَحَّ نَقْلُهُ عَنِ الْآحَادِ وَصَحَّ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَخَالَفَ لَفْظُهُ الْخَطَّ فَيُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ لِأَمْرَيْنِ: مُخَالَفَتِهِ لِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِإِجْمَاعٍ بَلْ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَبِئْسَ مَا صَنَعَ إِذْ جَحَدَهُ!

وقسم نَقَلَهُ ثِقَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَوْ نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ وَافَقَ الْخَطَّ. وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: مِثَالُ الْأَوَّلِ كَثِيرٌ كَـ" مَالِكِ " وَ " مَلِكَ " وَ " يَخْدَعُونَ " وَ " يُخَادِعُونَ " وَمِثَالُ الثَّانِي قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ " وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى " وَقِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ "وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ وَإِنْ ثَبَتَتْ بِالنَّقْلِ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ. وَمِثَالُ مَا نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ كَثِيرٌ مِمَّا فِي كُتُبِ الشَّوَاذِّ مِمَّا غَالِبُ إِسْنَادِهِ ضَعِيفٌ وَكَالْقِرَاءَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي جَمَعَهَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخُزَاعِيُّ وَنَقَلَهَا عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ وَمِنْهَا {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءَ} بِرَفْعِ " اللَّهُ " وَنَصْبِ " الْعُلَمَاءَ " وَقَدْ كَتَبَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ. وَمِثَالُ مَا نَقَلَهُ ثِقَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَلِيلٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ رِوَايَةَ خَارِجَةَ عَنْ نَافِعٍ " معائش " بالهمز. قَالَ: وَبَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ مَرْدُودٌ أَيْضًا وَهُوَ مَا وَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَالرَّسْمَ وَلَمْ يُنْقَلِ الْبَتَّةَ فَهَذَا رَدُّهُ أَحَقُّ وَمَنْعُهُ أَشَدُّ وَمُرْتَكِبُهُ مُرْتَكِبٌ لِعَظِيمٍ مِنَ الْكَبَائِرِ وَقَدْ ذُكِرَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مِقْسَمٍ وَعُقِدَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَجْلِسٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَاسِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا أَصْلَ له يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَلَا رُكْنَ يُعْتَمَدُ فِي الْأَدَاءِ عَلَيْهِ.

قَالَ: أَمَّا مَا لَهُ أَصْلٌ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُصَارُ إِلَى قَبُولِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ كَقِيَاسِ إِدْغَامِ"قال رجلان" على " قال رب " وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ نَصًّا وَلَا أَصْلًا وَلَا يَرُدُّ إِجْمَاعًا مَعَ أَنَّهُ قَلِيلٌ جِدًّا. قُلْتُ: أَتْقَنَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ هَذَا الْفَصْلَ جِدًّا وَقَدْ تَحَرَّرَ لِي مِنْهُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ أَنْوَاعٌ: الْأَوَّلُ: الْمُتَوَاتِرُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ جَمْعٌ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مِثْلِهِمْ إِلَى مُنْتَهَاهُ وَغَالِبُ الْقِرَاءَاتِ كَذَلِكَ. الثَّانِي: الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّوَاتُرِ وَوَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَالرَّسْمَ واشتهر عن القراء فلم يعده مِنَ الْغَلَطِ وَلَا مِنَ الشُّذُوذِ وَيُقْرَأُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَيُفْهِمُهُ كَلَامُ أَبِي شَامَةَ السَّابِقُ وَمِثَالُهُ مَا اخْتَلَفَتِ الطُّرُقُ فِي نَقْلِهِ عَنِ السَّبْعَةِ فَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي فَرْشِ الْحُرُوفِ مِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ كَالَّذِي قَبْلَهُ وَمِنْ أَشْهَرِ مَا صُنِّفَ فِي ذَلِكَ التَّيْسِيرُ لِلدَّانِيِّ وقصيدة الشاطبي وأوعية النَّشْرُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَتَقْرِيبِ النَّشْرِ كِلَاهُمَا لِابْنِ الْجَزَرِيِّ. الثَّالِثُ: الْآحَادُ وَهُوَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَخَالَفَ الرَّسْمَ أَوِ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَمْ يَشْتَهِرْ الِاشْتِهَارَ الْمَذْكُورَ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ وَقَدْ عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ لِذَلِكَ بَابًا أَخْرَجَا فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا صَحِيحَ الإسناد من ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْجَحْدَرَيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: "مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِفَ خضر وعبقري حِسَانٍ".

وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قَرَأَ: "فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّاتِ أَعْيُنٍ". وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفَسِكُمْ" بِفَتْحِ الْفَاءِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عائشة أنه قَرَأَ: "فَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ" يَعْنِي بِضَمِّ الرَّاءِ. الرَّابِعُ: الشَّاذُّ وَهُوَ مَا لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهُ وَفِيهِ كُتُبٌ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ ذَلِكَ قِرَاءَةُ: "مَلَكَ يَوْمَ الدِّينِ" بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَنَصْبِ " يَوْمَ " وَ" إِيَّاكَ يُعْبَدُ "بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ. الْخَامِسُ: الْمَوْضُوعُ كَقِرَاءَاتِ الْخُزَاعِيِّ. وَظَهَرَ لِي سَادِسٌ يُشْبِهُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ الْمُدْرَجِ وَهُوَ مَا زِيدَ فِي الْقِرَاءَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ كَقِرَاءَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: "وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ " أَخْرَجَهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَقِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ ". أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ. وَقِرَاءَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُونَ بِاللَّهِ عَلَى مَا أصابهم " قال عمر: فَمَا أَدْرِي: أَكَانَتْ قِرَاءَتَهُ أَمْ فَسَّرَ؟ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وأخرجه ابن الأنبا ري وَجَزَمَ بِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ.

وَأَخْرَجَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا"الْوُرُودُ الدُّخُولُ. قَالَ ابْنُ الأنبا ري: قَوْلُهُ: "الْوُرُودُ الدُّخُولُ "، تَفْسِيرٌ مِنَ الْحَسَنِ لِمَعْنَى الْوُرُودِ وَغَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَأَلْحَقَهُ بِالْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَرُبَّمَا كَانُوا يُدْخِلُونَ التَّفْسِيرَ فِي الْقِرَاءَةِ إِيضَاحًا وَبَيَانًا لِأَنَّهُمْ مُحَقِّقُونَ لِمَا تَلَقَّوْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا فَهُمْ آمِنُونَ مِنَ الِالْتِبَاسِ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَكْتُبُهُ مَعَهُ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِالْمَعْنَى فَقَدْ كَذَبَ. انْتَهَى. وَسَأُفْرِدُ فِي هَذَا النَّوْعِ - أَعْنِي الْمُدَرَجَ - تَأْلِيفًا مُسْتَقِلًّا. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: لَا خِلَافَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا فِي أَصْلِهِ وَأَجْزَائِهِ وَأَمَّا فِي مَحَلِّهِ وَوَضْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِالتَّوَاتُرِ فِي تَفَاصِيلِ مِثْلِهِ لِأَنَّ هَذَا الْمُعْجِزَ الْعَظِيمَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِ جُمَلِهِ وَتَفَاصِيلِهِ فَمَا نُقِلَ آحَادًا وَلَمْ يَتَوَاتَرْ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ قَطْعًا. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ التَّوَاتُرَ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ أَصْلِهِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي مَحَلِّهِ وَوَضْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ بَلْ يَكْثُرُ فِيهَا نَقْلُ الْآحَادِ. قِيلَ: وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ صُنْعُ الشَّافِعِيِّ فِي إِثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ.

وَرُدَّ هَذَا الْمَذْهَبُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ السَّابِقَ يَقْتَضِي التَّوَاتُرَ فِي الْجَمِيعِ ولأنه ولم يُشْتَرَطْ لَجَازَ سُقُوطُ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُكَرَّرِ وَثُبُوتُ كَثِيرٍ مِمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَشْتَرِطِ التَّوَاتُرَ فِي الْمَحَلِّ جاز ألا يتواتر كثير من المتكررات الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ مِثْلِ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَوَاتَرْ بَعْضُ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ الْمَحَلِّ جَازَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ الْبَعْضِ فِي الْمَوْضِعِ بِنَقْلِ الْآحَادِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ: ذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى إِثْبَاتِ قُرْآنٍ حُكْمًا لَا عِلْمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ الِاسْتِفَاضَةِ وَكَرِهَ ذَلِكَ أَهْلُ الْحَقِّ وَامْتَنَعُوا مِنْهُ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ: إِنَّهُ يَسُوغُ إِعْمَالُ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِي إِثْبَاتِ قِرَاءَةٍ وَأَوْجُهٍ وَأَحْرُفٍ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَوْجُهُ صَوَابًا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهَا وَأَبَى ذَلِكَ أَهْلُ الحق وأنكروه وخطؤوا مَنْ قَالَ بِهِ. انْتَهَى. وَقَدْ بَنَى الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ قَالَ بِإِنْكَارِ الْبَسْمَلَةِ قَوْلَهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَقَرَّرُوهُ بِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ. وَأُجِيبُ مِنْ قِبَلِنَا بِمَنْعِ كَوْنِهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ فَرُبَّ مُتَوَاتِرٍ عِنْدَ قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ وَفِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ وَيَكْفِي فِي تَوَاتُرِهَا إِثْبَاتُهَا فِي مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ مَعَ مَنْعِهِمْ أَنْ يُكْتَبَ فِي الْمُصْحَفِ مَا لَيْسَ مِنْهُ كَأَسْمَاءِ السُّوَرِ وَآمِينَ وَالْأَعْشَارِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا اسْتَجَازُوا إِثْبَاتَهَا بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِهَا فَيَكُونُونَ مُغَرِّرِينَ بِالْمُسْلِمِينَ حَامِلِينَ لَهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ فِي الصَّحَابَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهَا أُثْبِتَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّورِ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِيهِ تَغْرِيرٌ وَلَا يَجُوزُ ارْتِكَابُهُ لِمُجَرَّدِ الْفَصْلِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ لَكُتِبَتْ بَيْنَ بَرَاءَةٌ وَالْأَنْفَالِ. وَيَدُلُّ لِكَوْنِهَا قُرْآنًا مُنَزَّلًا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ... الْحَدِيثِ، وَفِيهِ وَعَدَّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةً وَلَمْ يَعُدَّ: {عَلَيْهِمْ} . وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سعيد ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَرَقَ الشَّيْطَانُ مِنَ النَّاسِ أَعْظَمَ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وابن مروديه بِسَنَدٍ حَسَنٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَغْفَلَ النَّاسُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ سِوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ". وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِآيَةٍ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ غَيْرِي " ثُمَّ قَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَفْتَتِحُ الْقُرْآنَ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟، قُلْتُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ: "هِيَ هِيَ ". وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ عَلَيْهِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} زاده الْبَزَّارُ: "فَإِذَا نَزَلَتْ عَرَفَ أَنَّ السُّورَةَ قَدْ خُتِمَتْ وَاسْتَقْبَلَتْ أَوِ ابْتُدِئَتْ سُورَةٌ أُخْرَى ".

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَعْلَمُونَ انْقِضَاءَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فَإِذَا نَزَلَتْ عَلِمُوا أَنَّ السُّورَةَ قَدِ انْقَضَتْ" إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عَلِمَ أَنَّهَا سُورَةٌ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا لَا نَعْلَمُ فَصْلًا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ حَتَّى تَنْزِلَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . قَالَ أَبُو شَامَةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وقت عرضه عَلَى جِبْرِيلَ كَانَ لَا يَزَالُ يَقْرَأُ فِي السُّورَةِ إِلَى أَنْ يَأْمُرَهُ جِبْرِيلُ بِالتَّسْمِيَةِ فَيَعْلَمُ أَنَّ السورة قد انقضت. وعبر بِلَفْظِ النُّزُولِ إِشْعَارًا بِأَنَّهَا قُرْآنٌ فِي جَمِيعِ أَوَائِلِ السُّوَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ آيَاتِ كُلِّ سُورَةٍ كَانَتْ تَنْزِلُ قَبْلَ نُزُولِ الْبَسْمَلَةِ فَإِذَا كَمُلَتْ آيَاتُهَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْبَسْمَلَةِ وَاسْتَعْرَضَ السُّورَةَ فَيَعْلَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَدْ خُتِمَتْ وَلَا يُلْحَقُ بِهَا شَيْءٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، قِيلَ: فَأَيْنَ السَّابِعَةُ قَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ السَّبْعِ الْمَثَانِي،

فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا هِيَ سِتُّ آيَاتٍ فَقَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةٌ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عمر أن رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ جِبْرِيلُ إِذَا جَاءَنِي بِالْوَحْيِ أَوَّلُ مَا يُلْقِي عَلَيَّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". وَأَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَزَلَتْ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فِي كُلِّ سُورَةٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَإِذَا خَتَمَ السُّورَةَ قَرَأَهَا وَيَقُولُ مَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ إِلَّا لِتُقْرَأَ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَرَأْتُمِ الْحَمْدُ فاقرؤوا: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ المثاني وبسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِحْدَى آيَاتِهَا ". وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بينا رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إذا أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ... الْحَدِيثَ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُعْطِي التَّوَاتُرَ الْمَعْنَوِيَّ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا مُنَزَّلًا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. وَمِنَ الْمُشْكِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخَرُ الدِّينِ قَالَ: نُقِلَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُنْكِرُ كَوْنَ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذِتَيْنِ

مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ لِأَنَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ كَانَ حَاصِلًا فِي عصر الصحابة بكون ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ فَإِنْكَارُهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ وَإِنْ قُلْنَا: لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ فِي الْأَصْلِ. قَالَ: وَإِلَّا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ نَقْلَ هَذَا الْمَذْهَبِ عن ابن مسعود نَقْلٌ بَاطِلٌ وَبِهِ يَحْصُلُ الْخَلَاصُ عَنْ هَذِهِ الْعُقْدَةِ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا حُفِظَ عَنْهُ. إِنَّمَا حَكَّهَا وَأَسْقَطَهَا مِنْ مُصْحَفِهِ إِنْكَارًا لِكِتَابَتِهَا لَا جَحْدًا لِكَوْنِهَا قُرْآنًا لِأَنَّهُ كَانَتِ السُّنَّةُ عِنْدَهُ أَلَّا يُكْتَبَ فِي الْمُصْحَفِ إِلَّا مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِثْبَاتِهِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْهُ كَتَبَ ذَلِكَ وَلَا سَمِعَهُ أَمَرَ بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْفَاتِحَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنْهَا شَيْئًا كَفَرَ وَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَاطِلٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى: هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَوْضُوعٌ وَإِنَّمَا صَحَّ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْهُ وَفِيهَا الْمُعَوِّذَتَانِ وَالْفَاتِحَةُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِنْكَارُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ الْمُصْحَفِ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَعَوَّذَ بهما وكان لَا يَقْرَأُ بِهِمَا أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ.

قال البزار: لم يُتَابِعِ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهِمَا فِي الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَذِبٌ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ وَالطَّعْنُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ لَا يُقْبَلُ بَلِ الرِّوَايَاتُ صَحِيحَةٌ وَالتَّأْوِيلُ مُحْتَمَلٌ. قَالَ: وَقَدْ أَوَّلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى إِنْكَارِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَبَقَ. قَالَ: وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّرِيحَةَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَدْفَعُ ذَلِكَ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا: "وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ " قَالَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ لَفْظِ " كِتَابِ اللَّهِ " عَلَى الْمُصْحَفِ فَيَتِمُّ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ. قَالَ: لَكِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ سِيَاقَ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ اسْتَبْعَدَ هَذَا الْجَمْعَ. قَالَ: وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ ثُمَّ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا كَانَتَا مُتَوَاتِرَتَيْنِ فِي عَصْرِهِ لَكِنَّهُمَا لَمْ يَتَوَاتَرَا عِنْدَهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةُ فِي مُشَكِلِ الْقُرْآنِ: ظَنَّ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ بِهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَأَقَامَ عَلَى ظَنِّهِ وَلَا يقول: إِنَّهُ أَصَابَ فِي ذَلِكَ وَأَخْطَأَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ قَالَ: وَأَمَّا إِسْقَاطُهُ الْفَاتِحَةَ مِنْ مُصْحَفِهِ فَلَيْسَ لِظَنِّهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ مَعَاذَ اللَّهِ! وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا كُتِبَ وَجُمِعَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ مَخَافَةَ الشَّكِّ وَالنِّسْيَانِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مَأْمُونٌ فِي سُورَةِ الْحَمْدُ لِقِصَرِهَا وَوُجُوبِ تَعَلُّمِهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ.

قُلْتُ وَإِسْقَاطُهُ الْفَاتِحَةَ مِنْ مُصْحَفِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ النَّوْعِ التَّاسِعَ عَشَرَ. التَّنْبِيهُ الثَّانِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: الْقُرْآنُ وَالْقِرَاءَاتُ حَقِيقَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَالْقُرْآنُ هُوَ الْوَحْيُ المنزل على محمد لِلْبَيَانِ وَالْإِعْجَازِ وَالْقِرَاءَاتُ اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الْوَحْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْحُرُوفِ أَوْ كَيْفِيَّتِهَا مِنْ تَخْفِيفٍ وَتَشْدِيدٍ وَغَيْرِهِمَا وَالْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: بَلْ مَشْهُورَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ أَمَّا تَوَاتُرُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إِسْنَادَهُمْ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ السبعة مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنِ الْوَاحِدِ. قُلْتُ: فِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي وَاسْتَثْنَى أَبُو شَامَةَ - كَمَا تَقَدَّمَ الْأَلْفَاظَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا عَنِ الْقُرَّاءِ. وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ كَالْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَقُّ أَنَّ أَصْلَ الْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ مُتَوَاتِرٌ وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ لِلِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّتِهِ. كَذَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ، قَالَ: وَأَمَّا أَنْوَاعُ تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ فَكُلُّهَا مُتَوَاتِرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ ابْنَ الْحَاجِبِ إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى تَوَاتُرِ ذَلِكَ كُلِّهِ أَئِمَّةُ الأصول كالقاضي أبو بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ تَوَاتُرُ اللَّفْظِ ثَبَتَ تَوَاتُرُ هَيْئَةِ أَدَائِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقُومُ إِلَّا بِهِ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِوُجُودِهِ

التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ قَالَ أَبُو شَامَةَ: ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ هِيَ الَّتِي أُرِيدَتْ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً وَإِنَّمَا يَظُنُّ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَمَّارٍ: لَقَدْ نَقَلَ مُسَبِّعٌ هَذِهِ السَّبْعَةَ مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ وَأَشْكَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْعَامَّةِ بِإِيهَامِهِ كُلَّ مَنْ قَلَّ نَظَرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْخَبَرِ وَلَيْتَهُ إِذَا اقْتَصَرَ نَقَصَ عَنِ السَّبْعَةِ أَوْ زَادَ لِيُزِيلَ الشُّبْهَةَ. وَوَقْعَ لَهُ أَيْضًا فِي اقْتِصَارِهِ عَنْ كُلِّ إِمَامٍ عَلَى رَاوِيَيْنِ أَنَّهُ صَارَ مَنْ سَمِعَ قِرَاءَةَ رَاوٍ ثَالِثٍ غَيْرِهِمَا أَبْطَلَهَا وَقَدْ تَكُونُ هِيَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَأَظْهَرُ وَرُبَّمَا بَالَغَ مَنْ لَا يَفْهَمُ فَخَطَّأَ أَوْ كَفَّرَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَتْ هَذِهِ السَّبْعَةُ مُتَعَيِّنَةً لِلْجَوَازِ حَتَّى لَا يَجُوزَ غَيْرُهَا كَقِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَالْأَعْمَشِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِثْلُهُمْ أَوْ فَوْقَهُمْ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَكِّيٌّ وأبو الْعَلَاءِ الْهَمَذَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: لَيْسَ فِي كِتَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ إِلَّا النَّزْرُ الْيَسِيرُ فَهَذَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ اشْتُهِرَ عَنْهُ سَبْعَةُ عَشَرَ رَاوِيًا ثُمَّ سَاقَ أَسْمَاءَهُمْ وَاقْتَصَرَ فِي كِتَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَلَى الْيَزِيدِيِّ وَاشْتُهِرَ عَنِ الْيَزِيدِيِّ عَشْرَةُ أَنْفُسٍ فَكَيْفَ يَقْتَصِرُ عَلَى السُّوسِيِّ وَالدُّورِيِّ وَلَيْسَ لَهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا! لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَشْتَرِكُونَ فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الْأَخْذِ. قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ لِهَذَا سَبَبًا إِلَّا مَا قُضِيَ مِنْ نَقْصِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ كَنَافِعٍ وَعَاصِمٍ هِيَ الْأَحْرُفُ

السَّبْعَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا عَظِيمًا قَالَ: وَيَلْزَمُ من هذا أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ مِمَّا ثَبَتَ عَنِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَوَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ أَلَّا يَكُونَ قُرْآنًا وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ الَّذِينَ صَنَّفُوا الْقِرَاءَاتِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي قَدْ ذَكَرُوا أَضْعَافَ هَؤُلَاءِ وَكَانَ النَّاسُ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ عَلَى قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ وَبِالْكُوفَةِ عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَعَاصِمٍ وَبِالشَّامِ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ وَبِمَكَّةَ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَبِالْمَدِينَةِ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِمِائَةِ أَثْبَتَ ابْنُ مُجَاهِدٍ اسْمَ الْكِسَائِيَّ وَحَذَفَ يَعْقُوبَ. قَالَ: وَالسَّبَبُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى السَّبْعَةِ - مَعَ أَنَّ فِي أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُمْ قدرا ومثلهم أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِهِمْ - أَنَّ الرُّوَاةَ عَنِ الْأَئِمَّةِ كَانُوا كَثِيرًا جِدًا فَلَمَّا تَقَاصَرَتِ الْهِمَمُ اقْتَصَرُوا مِمَّا يُوَافِقُ خَطَّ الْمُصْحَفِ عَلَى مَا يَسْهُلُ حِفْظُهُ وَتَنْضَبِطُ الْقِرَاءَةُ بِهِ فَنَظَرُوا إِلَى مَنِ اشْتُهِرَ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ وَطُولِ الْعُمُرِ فِي مُلَازَمَةِ القراءة وَالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَخْذِ عَنْهُ فَأَفْرَدُوا مِنْ كُلِّ مِصْرٍ إِمَامًا وَاحِدًا وَلَمْ يَتْرُكُوا مَعَ ذَلِكَ نَقْلَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْقِرَاءَاتِ وَلَا الْقِرَاءَةَ بِهِ كَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْمَكِّيُّ قَبْلَ ابْنِ مُجَاهِدٍ كِتَابًا فِي الْقِرَاءَاتِ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَةٍ اخْتَارَ مِنْ كُلِّ مِصْرٍ إِمَامًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي أَرْسَلَهَا عُثْمَانُ كَانَتْ خَمْسَةً إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ وَيُقَالُ: إِنَّهُ وَجَّهَ بِسَبْعَةٍ: هَذِهِ الْخَمْسَةَ وَمُصْحَفًا إِلَى الْيَمَنِ وَمُصْحَفًا إِلَى الْبَحْرَيْنِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُسْمَعْ لِهَذَيْنِ الْمُصْحَفَيْنِ خَبَرٌ وَأَرَادَ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرُهُ مُرَاعَاةَ عَدَدِ المصاحف استبدلوا من مصحف الْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَنِ قَارِئَيْنِ كَمُلَ بِهِمَا الْعَدَدُ فَصَادَفَ ذَلِكَ مُوَافَقَةَ الْعَدَدِ الَّذِي وَرَدَ الْخَبَرُ بِهِ فَوَقَعَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِطْنَةٌ،

فَظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ. وَالْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ صِحَّةُ السَّنَدِ فِي السَّمَاعِ وَاسْتِقَامَةُ الْوَجْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمُوَافَقَةُ الرَّسْمِ وَأَصَحُّ الْقِرَاءَاتِ سَنَدًا نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَأَفْصَحُهَا أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ. وَقَالَ الْقَرَّابُ فِي الشَّافِي: التَّمَسُّكُ بِقِرَاءَةِ سَبْعَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا سُنَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَمْعِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَانْتَشَرَ وَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَقَالَ الْكَوَاشِيُّ: كُلُّ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَاسْتَقَامَ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَوَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ فَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَنْصُوصَةِ وَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ الشَّاذُّ. وَقَدِ اشْتَدَّ إِنْكَارُ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ عَلَى مَنْ ظَنَّ انْحِصَارَ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِي مِثْلِ مَا فِي التيسير والشاطبية وَآخِرُ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ ولا تجوز بالشاذة وَظَاهِرُ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَ السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ مِنَ الشَّوَاذِّ وَقَدْ نَقَلَ الْبَغَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ مَعَ السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَارِجَ عَنِ السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُ مَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ فَهَذَا لَا شك فيه أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِرَاءَتُهُ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا. وَمِنْهُ مَا لَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ وَلَمْ تَشْتَهِرِ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَإِنَّمَا وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ غَرِيبٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَهَذَا يَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِهِ أَيْضًا. ومنه ما اشتهر

عند أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ الْقِرَاءَةُ بِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَهَذَا لَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ وَغَيْرُهُ. قَالَ وَالْبَغَوِيُّ: أَوْلَى مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُقْرِئٌ فَقِيهٌ جَامِعٌ لِلْعُلُومِ قَالَ: وَهَكَذَا التَّفْصِيلُ فِي شَوَاذِّ السَّبْعَةِ فَإِنَّ عَنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا شَاذًّا. انْتَهَى. وَقَالَ وَلَدُهُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ: إِنَّمَا قُلْنَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالسَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ ثُمَّ قُلْنَا فِي الشَّاذِّ وَالصَّحِيحِ: إِنَّهُ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ وَلَمْ نَقُلْ: وَالْعَشْرُ مُتَوَاتِرَةٌ لِأَنَّ السَّبْعَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي تَوَاتُرِهَا فَذَكَرْنَا أَوَّلًا مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ عَطَفْنَا عَلَيْهِ مَوْضِعَ الْخِلَافِ. قَالَ: عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثَ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَلَا يَصِحُّ الْقَوْلَ بِهِ عَمَّنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي الدِّينِ وَهِيَ لَا تُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ. قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ أَبِي يُشَدِّدُ النَّكِيرَ عَلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِهَا وَاسْتَأْذَنَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَرَّةً فِي إِقْرَاءِ السَّبْعِ فَقَالَ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تقرئ الْعَشْرَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ سَأَلَهُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الشَّاطِبِيُّ وَالثُّلَاثُ الَّتِي هِيَ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ مُتَوَاتِرَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكُلُّ حَرْفٍ انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشَرَةِ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُكَابِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ.

التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ بِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا بَنَى الْفُقَهَاءُ نَقْضَ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ وَعَدَمِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِي: "لَمَسْتُمُ "وَ: "لامستم ". وَجَوَازَ وَطْءِ الْحَائِضِ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَعَدَمِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ في: "يطهرن"وَقَدْ حَكَوْا خِلَافًا غَرِيبًا فِي الْآيَةِ إِذَا قرأت بقراءتين فَحَكَى أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي كِتَابِ الْبُسْتَانِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ بِهِمَا جَمِيعًا وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ قَالَ بِقِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنَّهُ أَذِنَ أَنْ نَقْرَأَ بِقِرَاءَتَيْنِ. ثُمَّ اخْتَارَ تَوَسُّطًا وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ تَفْسِيرٌ يُغَايِرُ الْآخَرَ فَقَدْ قَالَ بِهِمَا جَمِيعًا وَتَصِيرُ الْقِرَاءَتَانِ بِمَنْزِلَةِ آيَتَيْنِ، مِثْلُ: "حَتَّى يَطْهُرْنَ " وَإِنْ كان تفسيرهما واحدا كـ"البيوت" و " البيوت " فإنما قال بإحداهما، وَأَجَازَ الْقِرَاءَةَ بِهِمَا لِكُلِّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَا تَعَوَّدَ لِسَانُهُمْ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قُلْتُمْ إِنَّهُ قَالَ بِإِحْدَاهُمَا فَأَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ هِيَ؟ قُلْنَا: الَّتِي بِلُغَةِ قُرَيْشٍ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ وَتَنَوُّعِهَا فَوَائِدٌ: مِنْهَا: التَّهْوِينُ وَالتَّسْهِيلُ وَالتَّخْفِيفُ عَلَى الْأُمَّةِ. وَمِنْهَا: إِظْهَارُ فَضْلِهَا وَشَرَفِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ إِذْ لَمْ يَنْزِلُ كِتَابُ غَيْرِهِمْ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ.

وَمِنْهَا: إِعْظَامُ أَجْرِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ يُفْرِغُونَ جُهْدَهُمْ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَضَبْطِهِ لَفْظَةً لَفْظَةً حَتَّى مَقَادِيرِ الْمَدَّاتِ وَتَفَاوُتِ الْإِمَالَاتِ ثُمَّ فِي تَتَبُّعِ مَعَانِي ذَلِكَ وَاسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ وَالْأَحْكَامِ مِنْ دَلَالَةِ كُلِّ لَفْظٍ وَإِمْعَانِهِمُ الْكَشْفَ عَنِ التَّوْجِيهِ وَالتَّعْلِيلِ وَالتَّرْجِيحِ. وَمِنْهَا: إِظْهَارُ سِرِّ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ وَصِيَانَتُهُ لَهُ عَنِ التَّبْدِيلِ وَالِاخْتِلَافِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْكَثِيرَةِ. وَمِنْهَا: الْمُبَالَغَةُ فِي إِعْجَازِهِ بِإِيجَازِهِ إِذْ تَنَوُّعُ الْقِرَاءَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْآيَاتِ وَلَوْ جُعِلَتْ دَلَالَةُ كُلِّ لَفْظٍ آيَةً عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَخْفَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ وَلِهَذَا كان قوله: {وَأَرْجُلَِكُمْ} مُنَزَّلًا لِغَسْلِ الرِّجْلِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَاللَّفْظُ الواحد لَكِنْ بِاخْتِلَافِ إِعْرَابِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ بَعْضَ الْقِرَاءَاتِ يُبَيِّنُ مَا لَعَلَّهُ يجهل في القراءة الْأُخْرَى فَقِرَاءَةُ: "يَطَّهَّرْنَ " بِالتَّشْدِيدِ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنَى قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ وَقِرَاءَةُ: "فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ " تُبَيِّنُ أَنَّ المراد بقراءة: "فاسعوا "الذَّهَابُ لَا الْمَشْيُ السَّرِيعُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: الْمَقْصِدُ مِنَ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ تَفْسِيرُ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَتَبْيِينُ مَعَانِيهَا كَقِرَاءَةِ عَائِشَةَ وحفصة " والصلاة الوسطى صَلَاةِ الْعَصْرِ "،وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا " وَقِرَاءَةِ جَابِرٍ: "فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ " قَالَ: فَهَذِهِ الْحُرُوفُ وَمَا شَاكَلَهَا قَدْ صَارَتْ مُفَسِّرَةً لِلْقُرْآنِ وَقَدْ كَانَ يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنِ التَّابِعِينَ

فِي التَّفْسِيرِ فَيُسْتَحْسَنُ فَكَيْفَ إِذَا رُوِيَ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ صَارَ فِي نَفْسِ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنَ التَّفْسِيرِ وَأَقْوَى فَأَدْنَى مَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ التَّأْوِيلِ. انْتَهَى. وَقَدِ اعتنيت في كتاب أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ بِبَيَانِ كُلِّ قِرَاءَةٍ أَفَادَتْ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ. التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ اخْتُلِفَ فِي الْعَمَلِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فَنَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ ظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَتَبِعَهُ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ وَلَمْ يَثْبُتْ. وَذَكَرَ الْقَاضِيَانِ: أَبُو الطَّيِّبِ وَالْحُسَيْنُ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْعَمَلَ بِهَا تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ خَبَرِ الْآحَادِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وشرح الْمُخْتَصَرِ. وَقَدِ احْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى قَطْعِ يَمِينِ السَّارِقِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَاحْتَجَّ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِقِرَاءَتِهِ: "مُتَتَابِعَاتٍ "وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهَا أَصْحَابُنَا لِثُبُوتِ نَسْخِهَا كَمَا سَيَأْتِي. التَّنْبِيهُ السَّادِسُ مِنَ الْمُهِمِّ مَعْرِفَةُ تَوْجِيهِ الْقِرَاءَاتِ وَقَدِ اعْتَنَى بِهِ الْأَئِمَّةُ وَأَفْرَدُوا فِيهِ

كُتُبًا مِنْهَا الْحُجَّةُ لِأَبِي عَلِيٍّ الفارسي والكشف لمكي والهداية للمهدوي والمحتسب فِي تَوْجِيهِ الشَّوَاذِّ لِابْنِ جِنِّيٍّ قَالَ الْكَوَاشِيُّ وفائدته أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى حَسَبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ أَوْ مُرَجِّحًا إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تُرَجَّحُ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى تَرْجِيحًا يَكَادُ يُسْقِطُهَا وَهَذَا غَيْرُ مَرَضِيٍّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَوَاتِرٌ. وَقَدْ حَكَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ الْإِعْرَابَانِ فِي القرآن لَمْ أُفَضِّلْ إِعْرَابًا عَلَى إِعْرَابٍ فَإِذَا خَرَجْتُ إِلَى كَلَامِ النَّاسِ فَضَّلْتُ الْأَقْوَى. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: السَّلَامَةُ عِنْدَ أَهْلِ الدِّينِ إِذَا صَحَّتِ الْقِرَاءَتَانِ أَلَّا يُقَالَ: إِحْدَاهُمَا أَجْوَدُ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْثَمُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الصَّحَابَةِ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا. وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُونَ مِنَ التَّرْجِيحِ بَيْنَ قِرَاءَةِ " مَالِكِ " وَ " مَلِكَ " حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يبالغ إِلَى حَدٍّ يَكَادُ يُسْقِطُ وَجْهَ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى وَلَيْسَ هَذَا بِمَحْمُودٍ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقِرَاءَتَيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَوْجِيهُ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ أَقْوَى فِي الصِّنَاعَةِ مِنْ تَوْجِيهِ الْمَشْهُورَةِ. خَاتِمَةٌ قَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَقُولُوا: قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ سَالِمٍ وَقِرَاءَةُ أُبَيٍّ وَقِرَاءَةَ زَيْدٍ بَلْ يُقَالُ فُلَانٌ كَانَ يَقْرَأُ بِوَجْهِ كَذَا وَفُلَانٌ يَقْرَأُ بِوَجْهِ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ.

النوع الثامن والعشرون: في معرفة الوقف والابتداء

النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقٌ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالزُّجَاجُ وَالدَّانِيُّ وَالْعُمَانِيُّ وَالسَّجَاوَنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ فَنٌّ جَلِيلٌ بِهِ يُعْرَفُ كَيْفَ أَدَاءُ الْقِرَاءَةِ. وَالْأَصْلُ فيه ما أخرج النَّحَّاسُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْبَارِيُّ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ العلاء بن أُبَيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمر الزُّرَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الْبَكْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ ابن عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ وَتَنْزِلُ السُّورَةُ على محمد فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا تَتَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ الْيَوْمَ وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا آمِرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْأَوْقَافَ كَمَا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ. وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: "لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ثابت أَخْرَجَ هَذَا الْأَثَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَعَنْ عَلَيٍّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} ، قَالَ: التَّرْتِيلُ تَجْوِيدُ الْحُرُوفِ وَمَعْرِفَةُ الْوُقُوفِ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ تَمَامِ مَعْرِفَةِ الْقُرْآنِ مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ فِيهِ.

وَقَالَ النِّكْزَاوِيُّ: بَابُ الْوَقْفِ عَظِيمُ الْقَدْرِ جَلِيلُ الخطر لأنه لايتأتى لِأَحَدٍ مَعْرِفَةُ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَلَا اسْتِنْبَاطُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْهُ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْفَوَاصِلِ. وَفِي النَّشْرِ لِابْنِ الْجَزَرِيِّ: لَمَّا لَمْ يُمَكَّنِ الْقَارِئُ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ أَوِ الْقِصَّةَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجُزِ التَّنَفُّسُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ حَالَةَ الْوَصْلِ بَلْ ذَلِكَ كَالتَّنَفُّسِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ وَجَبَ حينئذ اختيار وقف لِلتَّنَفُّسِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَتَعَيَّنَ ارْتِضَاءُ ابْتِدَاءٍ بعده وتحتم أَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَلَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ إِذْ بِذَلِكَ يَظْهَرُ الْإِعْجَازُ وَيَحْصُلُ الْقَصْدُ وَلِذَلِكَ حَضَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. وَفِي كَلَامِ عَلِيٍّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَصَحَّ - بَلْ تَوَاتَرَ - عِنْدَنَا تَعَلُّمُهُ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ أَحَدُ أَعْيَانِ التَّابِعِينَ وَصَاحِبِهِ الْإِمَامِ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ وَعَاصِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَكَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَنُصُوصُهُمْ عَلَيْهِ مَشْهُورَةٌ فِي الْكُتُبِ وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ كَثِيرٌ مِنَ الْخَلَفِ عَلَى الْمُجِيزِ ألا يحيز أحدا إلا بعد معرفته الْوَقْفَ وَالِابْتِدَاءَ وَصَحَّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ:

إِذَا قَرَأْتَ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} . قُلْتُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. فصل: في أنواع الوقف اصْطَلَحَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ لِأَنْوَاعِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ أَسْمَاءً وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْوَقْفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: تَامٌّ، وَحَسَنٌ، وَقَبِيحٌ. فَالتَّامُّ: الَّذِي يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كقوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَقَوْلِهِ: {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} . وَالْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} لِأَنَّ الابتداء بـ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} لَا يَحْسُنُ لِكَوْنِهِ صِفَةً لِمَا قَبْلَهُ. وَالْقَبِيحُ: هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِتَامٍّ وَلَا حَسَنٍ، كَالْوَقْفِ عَلَى " بِسْمِ " مِنْ قَوْلِهِ: {بِسْمِ اللَّهِ} .قَالَ: وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَلَا الْمَنْعُوتِ دُونَ نَعْتِهِ وَلَا الرَّافِعِ دُونَ مَرْفُوعِهِ وَعَكْسِهِ وَلَا النَّاصِبِ دُونَ مَنْصُوبِهِ وَعَكْسِهِ وَلَا الْمُؤَكَّدِ دُونَ تَوْكِيدِهِ وَلَا الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ،

وَلَا الْبَدَلِ دُونَ مُبْدَلِهِ وَلَا إِنَّ أَوْ كَانَ أَوْ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا دُونَ اسْمِهَا وَلَا اسْمِهَا دُونَ خَبَرِهَا وَلَا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا الْمَوْصُولِ دُونَ صلته اسميا أوحرفيا وَلَا الْفِعْلِ دُونَ مَصْدَرِهِ وَلَا حرف دُونَ مُتَعَلَّقِهِ وَلَا شَرْطٍ دُونَ جَزَائِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَقْفُ يَنْقَسِمُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: تَامٍّ مُخْتَارٍ، وَكَافٍ جَائِزٍ، وَحَسَنٍ مَفْهُومٍ، وَقَبِيحٍ مَتْرُوكٍ. فَالتَّامُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِمَّا بَعْدَهُ فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وأكثر ما يوجد عند رؤوس الْآيِ غَالِبًا كَقَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَقَدْ يُوجَدُ فِي أَثْنَائِهَا كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} ، هُنَا التَّمَامُ لِأَنَّهُ انْقَضَى كَلَامُ بِلْقِيسٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} . وَكَذَلِكَ: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} هُنَا التَّمَامُ لِأَنَّهُ انْقَضَى كَلَامُ الظَّالِمِ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} . وَقَدْ يُوجَدُ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ: {مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} هُنَا التَّمَامُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ بِالصُّبْحِ وَبِاللَّيْلِ. وَمِثْلِهِ: {يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً} رأس الآية " يتكئون " و " زخرفا " هُوَ التَّمَامُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ.

وَآخَرِ كُلِّ قِصَّةٍ وَمَا قَبْلَ أَوَّلِهَا وَآخَرِ كُلِّ سُورَةٍ وَقَبْلَ ياء النداء وفعل الأم وَالْقَسَمِ وَلَامِهِ دُونَ الْقَوْلِ وَالشَّرْطِ مَا لَمْ يتقدم جوابه: "وكان الله "، " وما كان " و " ذلك " وَ " لَوْلَا " غَالِبُهُنَّ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُنَّ قَسَمٌ أَوْ قَوْلٌ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ. وَالْكَافِي مُنْقَطِعٌ فِي اللَّفْظِ مُتَعَلِّقٌ فِي الْمَعْنَى: فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ أَيْضًا نَحْوُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} هنا الوقف ويتبدأ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَهَكَذَا كُلُّ رَأْسِ آيَةٍ بَعْدَهَا " لَامُ كَيْ " وَ " إِلَّا " بِمَعْنَى " لَكِنْ " وَ " إِنَّ " الشَّدِيدَةُ الْمَكْسُورَةُ، وَالِاسْتِفْهَامُ، وَ " بَلْ "، وَ " أَلَا " الْمُخَفَّفَةُ، وَ " السِّينُ "، وَ " سَوْفَ " لِلتَّهْدِيدِ، وَ " نِعْمَ " وَ " بِئْسَ " وَ " كَيْلَا "، مالم يَتَقَدَّمْهُنَّ قَوْلٌ أَوْ قَسَمٌ. وَالْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ نَحْوَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَالْقَبِيحُ: هُوَ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ: كَـ {الْحَمْدُ} وَأَقْبَحُ مِنْهُ الْوَقْفُ عَلَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا} ، وَيَبْتَدِئُ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ} لِأَنَّ الْمَعْنَى مُسْتَحِيلٌ بِهَذَا الِابْتِدَاءِ وَمَنْ تَعَمَّدَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ فَقَدْ كَفَرَ. وَمِثْلُهُ

فِي الْوَقْفِ: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ} {فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} . وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْمَنْفِيِّ دُونَ حرف الإيجاب، نحو: {لا إِلَهَ} {إلا الله} {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ} {إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً} فَإِنِ اضْطُرَّ لِأَجْلِ التَّنَفُّسِ جَازَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَا قَبْلَهُ حَتَّى يَصِلَهُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا حَرَجَ. انْتَهَى. وَقَالَ السَّجَاوَنْدِيُّ: الْوَقْفُ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ: لَازِمٌ، وَمُطْلَقٌ، وَجَائِزٌ، وَمُجَوَّزٌ لِوَجْهٍ، وَمُرَخَّصٌ ضَرُورَةً. فَاللَّازِمُ: مَا لَوْ وُصِلَ طَرَفَاهُ غُيِّرَ الْمُرَادُ نَحْوُ قَوْلِهِ: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} يَلْزَمُ الْوَقْفُ هُنَا إِذْ لَوْ وُصِلَ بِقَوْلِهِ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} تُوُهِّمَ أَنَّ الْجُمْلَةَ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ {بِمُؤْمِنِينَ} فَانْتَفَى الْخِدَاعُ عَنْهُمْ وَتَقَرَّرَ الْإِيمَانُ خَالِصًا عَنِ الْخِدَاعِ كَمَا تَقُولُ: مَا هُوَ بِمُؤْمِنٍ مُخَادِعٍ. وَالْقَصْدُ فِي الْآيَةِ إِثْبَاتُ الْخِدَاعِ بَعْدَ نَفْيِ الْإِيمَانِ. وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: {لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ} فَإِنَّ جُمْلَةَ "تُثِيرُ" صِفَةٌ لِـ"ذَلُولٌ" دَاخِلَةٌ حَيِّزِ النَّفْيِ أَيْ لَيْسَتْ ذَلُولًا مُثِيرَةً لِلْأَرْضِ. وَنَحْوُ: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} فَلَوْ وَصَلَهَا بِقَوْلِهِ: {لَهُ

مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} لَأَوْهَمَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِوَلَدٍ وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ وَلَدٌ مَوْصُوفٌ بِأَنَّ له ما في السموات والمراد الْوَلَدِ مُطْلَقًا. وَالْمُطْلَقُ: مَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ كَالِاسْمِ الْمُبْتَدَأِ بِهِ نَحْوَ: {اللَّهَ يَجْتَبِي} . وَالْفِعْلِ الْمُسْتَأْنَفِ نَحْوَ: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} و: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} وَ: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} . وَمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ نَحْوَ: {وَعَدَ اللَّهُ} {سُنَّةَ اللَّهِ} . وَالشَّرْطِ نَحْوَ: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} . وَالِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ مُقَدَّرًا نَحْوَ: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا} {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} . وَالنَّفْيِ: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كُلُّ ذَلِكَ مَقُولًا لِقَوْلٍ سَابِقٍ. وَالْجَائِزُ: مَا يَجُوزُ فِيهِ الْوَصْلُ وَالْفَصْلُ لِتَجَاذُبِ الْمُوَجِبَيْنِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ نَحْوُ: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} فَإِنَّ وَاوَ الْعَطْفِ تَقْتَضِي الْوَصْلَ وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ يَقْطَعُ النَّظْمَ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: "وَيُوقِنُونَ بِالْآخِرَةِ ". وَالْمُجَوَّزُ لِوَجْهٍ: نَحْوَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}

لِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ} تَقْتَضِي التَّسَبُّبَ وَالْجَزَاءَ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْوَصْلَ وَكَوْنُ نظم الْفِعْلِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ يَجْعَلُ لِلْفَصْلِ وَجْهًا. وَالْمُرَخَّصُ ضَرُورَةً: مَا لَا يَسْتَغْنِي مَا بَعْدَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لَكِنَّهُ يُرَخَّصُ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ وَطُولِ الْكَلَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَصْلُ بِالْعَوْدِ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ جُمْلَةٌ مَفْهُومَةٌ كقوله: {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} لأن قوله: {وَأَنْزَلَ} لَا يَسْتَغْنِي عَنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ فَإِنَّ فَاعِلَهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى مَا قَبْلَهُ غَيْرَ أَنَّ الْجُمْلَةَ مَفْهُومَةٌ. وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَكَالشَّرْطِ دُونَ جَزَائِهِ وَالْمُبْتَدَأِ دُونَ خَبَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَقْفُ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَضْرُبٍ تَامٍّ وَشَبِيهٍ بِهِ وَنَاقِصٍ وَشَبِيهٍ بِهِ وَحَسَنٍ وَشَبِيهٍ بِهِ، وَقَبِيحٍ وَشَبِيهٍ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: أَكْثَرُ مَا ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَقْسَامِ الْوَقْفِ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَلَا مُنْحَصِرٍ وَأَقْرَبُ مَا قُلْتُهُ فِي ضَبْطِهِ: أَنَّ الْوَقْفَ يَنْقَسِمُ إِلَى اخْتِيَارِيٍّ وَاضْطِرَارِيٍّ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِمَّا أَنْ يَتِمَّ أَوْ لَا فَإِنْ تَمَّ كَانَ اختياريا وكونه تاما لا يخلوا إِمَّا أَلَّا يَكُونَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا بَعْدَهُ الْبَتَّةَ - أَيْ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى - فَهُوَ الْوَقْفُ الْمُسَمَّى بِالتَّامِّ لِتَمَامِهِ الْمُطْلَقِ يُوقَفُ عَلَيْهِ ويبتدأ بِمَا بَعْدَهُ ثُمَّ مَثَّلَهُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّامِّ. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا فِي تَفْسِيرٍ وَإِعْرَابٍ وَقِرَاءَةٍ غَيْرُ تَامٍّ عَلَى آخَرَ نَحْوُ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} تَامٌّ إِنْ كَانَ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفًا

غَيْرُ تَامٍّ إِنْ كَانَ مَعْطُوفًا. وَنَحْوُ فَوَاتِحِ السُّوَرِ الْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ إِنْ أُعْرِبَتْ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَوْ عَكْسُهُ أَيْ الم هَذِهِ أَوْ هَذِهِ الم أَوْ مَفْعُولًا بِ قُلْ مُقَدَّرًا غَيْرُ تَامٍّ إِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا هُوَ الْخَبَرُ. وَنَحْوُ: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ: {وَاتَّخِذُوا} بِكَسْرِ الْخَاءِ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ وَنَحْوُ: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ الِاسْمَ الْكَرِيمَ بَعْدَهَا حَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ خَفَضَ. وَقَدْ يَتَفَاضَلُ التَّامُّ نَحْوَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كِلَاهُمَا تَامٌّ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَتَمُّ مِنَ الثَّانِي لِاشْتِرَاكِ الثَّانِي فِيمَا بَعْدَهُ فِي مَعْنَى الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ بَعْضُهُمْ شَبِيهًا بِالتَّامِّ. وَمِنْهُ ما يتأكد استحسانه لِبَيَانِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِهِ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ السَّجَاوَنْدِيُّ بِاللَّازِمِ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي لِلِاكْتِفَاءِ بِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَمَّا بَعْدَهُ وَاسْتِغْنَاءِ مَا بَعْدَهُ عَنْهُ كَقَوْلِهِ: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وَقَوْلِهِ: {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} وَقَوْلِهِ: {عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} . أويتفاضل في الكفاية كتفاضل التام نَحْوُ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} كَافٍ: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} أَكْفَى مِنْهُ: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أَكَفَى مِنْهُمَا. وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ كَافِيًا عَلَى تَفْسِيرٍ وَإِعْرَابٍ وَقِرَاءَةٍ غَيْرُ كَافٍ عَلَى آخَرَ،

نَحْوُ قَوْلِهِ: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} كَافٍ إِنْ جُعِلَتْ مَا بَعْدَهُ نَافِيَةً حَسَنٌ إِنَّ فُسِّرَتْ مَوْصُولَةً. {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} كَافٍ إِنْ أُعْرِبَ مَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ: {عَلَى هُدىً} حَسَنٌ إِنْ جُعِلَ خَبَرَ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أَوْ خَبَرَ: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ} . {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ أَمْ تَقُولُونَ بِالْخِطَابِ حَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْغَيْبِ. {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ: {فَيَغْفِرُ} وَ: {يُعَذِّبُ} حَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ جَزَمَ. وَإِنْ كَانَ التَّعَلُّقُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحُسْنِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ مُفِيدٌ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ دُونَ الِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ لِلتَّعَلُّقِ اللَّفْظِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسَ آيَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ لِمَجِيئِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي. وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ حَسَنًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَكَافِيًا أَوْ تَامًّا عَلَى آخَرَ نَحْوُ: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} حَسَنٌ إِنْ جُعِلَ مَا بَعْدَهُ نَعْتًا كَافٍ إن جعل خبر مقدر أو مفعول مقدر عَلَى الْقَطْعِ تَامٌّ إِنْ جُعِلَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ: {أُولَئِكَ} . وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ اضْطِرَارِيًّا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَبِيحِ،

لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مِنِ انْقِطَاعِ نَفَسٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ لِفَسَادِ المعنى نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ} . وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ أَقْبَحَ مِنْ بَعْضٍ نَحْوُ: {فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} لإبهامه أَنَّهُمَا مَعَ الْبِنْتِ شُرَكَاءَ فِي النِّصْفِ. وَأَقْبَحَ مِنْهُ نَحْوَ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي} {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} . فَهَذَا حُكْمُ الْوَقْفِ اخْتِيَارِيًّا وَاضْطِرَارِيًّا. وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا اخْتِيَارِيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْوَقْفِ تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِمُسْتَقِلٍّ بِالْمَعْنَى مُوفٍ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ فِي أَقْسَامِهِ كَأَقْسَامِ الْوَقْفِ الْأَرْبَعَةِ وتتفاوت تَمَامًا وَكِفَايَةً وَحُسْنًا وَقُبْحًا بِحَسَبِ التَّمَامِ وَعَدَمِهِ وَفَسَادِ الْمَعْنَى وَإِحَالَتِهُ نَحْوُ الْوَقْفِ عَلَى: {وَمِنَ النَّاسِ} فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِـ" النَّاسِ " قَبِيحٌ وبـ {وَآمَنََّا} تَامٌّ فَلَوْ وُقِفَ عَلَى مَنْ يقول كَانَ الِابْتِدَاءُ بِـ" يَقُولُ " أَحْسَنَ من الابتداء بِـ" مَنْ ". وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى: {خَتَمَ اللَّهُ} قَبِيحٌ وَالِابْتِدَاءُ بِ اللَّهُ أَقْبَحُ وَبِـ" خَتَمَ " كَافٍ. وَالْوَقْفُ عَلَى: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} وَ: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} قبيح والابتداء بابن قبيح وَبِعُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ أَشَدُّ قُبْحًا.

وَلَوْ وُقِفَ عَلَى: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ} ضَرُورَةً كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالْجَلَالَةِ قَبِيحًا وَبِـ" وَعَدَنَا " أَقْبَحَ مِنْهُ وَبِـ" مَا " أَقْبَحَ مِنْهُمَا. وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ حَسَنًا وَالِابْتِدَاءُ بِهِ قَبِيحًا نَحْوُ: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} الْوَقْفُ عَلَيْهِ حَسَنٌ وَالِابْتِدَاءُ بِهِ قَبِيحٌ لِفَسَادِ الْمَعْنَى إِذْ يَصِيرُ تَحْذِيرًا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ. وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ قَبِيحًا وَالِابْتِدَاءُ جَيِّدًا نَحْوُ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} الْوَقْفُ عَلَى هَذَا قَبِيحٌ لِفَصْلِهِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْمَرْقَدِ وَالِابْتِدَاءُ بِهَذَا كَافٍ أَوْ تَامٌّ لِاسْتِئْنَافِهِ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ: لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إليه ولا كذا قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْجَوَازَ الْأَدَائِيَّ وَهُوَ الَّذِي يَحْسُنُ فِي الْقِرَاءَةِ وَيَرُوقُ فِي التِّلَاوَةِ وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَا مَكْرُوهٌ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ تَحْرِيفَ الْقُرْآنِ وَخِلَافَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَأْثَمَ. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ أيضا: ليس كلما يَتَعَسَّفُهُ بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ أَوْ يَتَكَلَّفُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ أَوْ يَتَأَوَّلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِمَّا يَقْتَضِي وَقْفًا أو ابتداء يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَمَّدَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ بَلْ يَنْبَغِي تَحَرِّي الْمَعْنَى الْأَتَمِّ وَالْوَقْفِ الْأَوْجَهِ،

وَذَلِكَ نَحْوُ الْوَقْفِ عَلَى: {وَارْحَمْنَا أَنْتَ} وَالِابْتِدَاءُ {مَوْلانَا فَانْصُرْنَا} عَلَى مَعْنَى النِّدَاءِ. وَنَحْوُ: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ} وَيَبْتَدِئُ {بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا} . ونحو: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ} وَيَبْتَدِئُ بِاللَّهِ {إِنَّ الشِّرْكَ} عَلَى مَعْنَى الْقَسَمِ. وَنَحْوُ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ} وَيَبْتَدِئُ {اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} . وَنَحْوُ: {فَلا جُنَاحَ} وَيَبْتَدِئُ {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} . فَكُلُّهُ تَعَسُّفٌ وَتَمَحُّلٌ وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. الثَّالِثُ: يُغْتَفَرُ فِي طُولِ الْفَوَاصِلِ وَالْقَصَصِ وَالْجُمَلِ الْمُعْتَرِضَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي حَالَةِ جَمْعِ القراءت وَقِرَاءَةِ التَّحْقِيقِ وَالتَّنْزِيلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا فَرُبَّمَا أُجِيزَ الْوَقْفُ وَالِابْتِدَاءُ لِبَعْضِ مَا ذُكِرَ وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ وَهَذَا الَّذِي سَمَّاهُ السَّجَاوَنْدِيُّ الْمُرَخَّصُ ضَرُورَةً وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} . قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَالْأَحْسَنُ تَمْثِيلُهُ بِنَحْوِ: {قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} وبنحو: {النَّبِيِّينَ} وَبِنَحْوِ: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} وبنحو: {عَاهَدُوا} وَبِنَحْوِ كُلٍّ مِنْ فَوَاصِلِ: {قَدْ أَفْلَحَ} الْمُؤْمِنُونَ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْفَى: النَّحْوِيُّونَ يَكْرَهُونَ الْوَقْفَ النَّاقِصَ فِي التَّنْزِيلِ مَعَ إِمْكَانِ التَّامِّ فَإِنْ طَالَ الْكَلَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَقْفٌ تَامٌّ حَسُنَ الْأَخْذُ بِالنَّاقِصِ كَقَوْلِهِ: {قُلْ أُوحِيَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} إِنْ كَسَرْتَ بَعْدَهُ إِنْ وَإِنْ فَتَحْتَهَا فَإِلَى قَوْلِهِ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} . قَالَ: وَيُحَسِّنُ الْوَقْفَ النَّاقِصَ أُمُورٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ لِضَرْبٍ مِنَ الْبَيَانِ كَقَوْلِهِ: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} فَإِنَّ الْوَقْفَ هُنَا يُبَيِّنُ أَنَّ {قِيَماً} مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَأَنَّهُ حَالٌ فِي نِيَّةِ التَّقْدِيمِ وَكَقَوْلِهِ: {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} لِيَفْصِلَ بِهِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ النَّسَبِيِّ وَالسَّبَبِيِّ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَبْنِيًّا عَلَى الْوَقْفِ نَحْوُ: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} . قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَكَمَا اغْتُفِرَ الْوَقْفُ لِمَا ذُكِرَ قَدْ لَا يُغْتَفَرُ وَلَا يَحْسُنُ فِيمَا قَصُرَ مِنَ الْجُمَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّعَلُّقُ لَفْظِيًّا نَحْوُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} ، {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} لقرب الوقف على {بِالرُّسُلِ} وعلى {الْقُدُسِ} . وَكَذَا يُرَاعَى فِي الْوَقْفِ الِازْدِوَاجُ فَيُوصِلُ مَا يُوقَفُ عَلَى نَظِيرِهِ مِمَّا يُوجَدُ التَّمَامُ عَلَيْهِ وَانْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ بِمَا بَعْدَهُ لَفْظًا وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ ازْدِوَاجِهِ نَحْوُ: {لهَا مَا كَسَبَتْ} - مع - {وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} .

وَنَحْوُ: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} مَعَ: {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} . وَنَحْوُ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} – مَعَ - {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} . وَنَحْوُ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} مَعَ {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} . الرَّابِعُ: قَدْ يُجِيزُونَ الْوَقْفَ عَلَى حرف ويجيز آخرون الوقف على آخَرَ وَيَكُونُ بَيْنَ الْوَقْفَيْنِ مُرَاقَبَةٌ عَلَى التَّضَادِّ فَإِذَا وُقِفَ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتَنَعَ الْوَقْفُ عَلَى الْآخَرِ كَمَنْ أَجَازَ الْوَقْفَ عَلَى: {لَا رَيْبَ} فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهُ عَلَى: {فِيهِ} وَالَّذِي يُجِيزُهُ عَلَى: {فِيهِ} لَا يُجِيزُهُ عَلَى: {لَا رَيْبَ} . وَكَالْوَقْفِ عَلَى: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ} فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ: {كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} مُرَاقَبَةً وَالْوَقْفِ عَلَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} مُرَاقَبَةً. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَأَوَّلُ مَنْ نَبَّهَ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ فِي الْوَقْفِ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَخَذَهُ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ فِي الْعَرُوضِ. الْخَامِسُ: قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ لَا يَقُومُ بِالتَّمَامِ فِي الْوَقْفِ إِلَّا نَحْوِيٌّ عَالِمٌ بِالْقِرَاءَاتِ عَالَمٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالْقَصَصِ وَتَخْلِيصِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ عَالِمٌ بِاللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَذَا عِلْمُ الْفِقْهِ وَلِهَذَا مَنْ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} . وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ النِّكْزَاوِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: لَا بُدَّ لِلْقَارِئِ مِنْ مَعْرِفَةِ بَعْضِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْفِقْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ لِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعَ يَنْبَغِي الْوَقْفُ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِهِمْ وَيَمْتَنِعُ عَلَى مَذْهَبِ آخَرِينَ. فَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى عِلْمِ النَّحْوِ وَتَقْدِيرَاتِهِ فَلِأَنَّ مَنْ جَعَلَ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} مَنْصُوبًا عَلَى الْإِغْرَاءِ وَقَفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ أما إذا أعمل فيه ما قبله فلا [يقف] . وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْقِرَاءَاتِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ قَدْ يَكُونُ تَامًّا عَلَى قِرَاءَةٍ غَيْرَ تَامٍّ عَلَى أُخْرَى. وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى التَّفْسِيرِ فَلِأَنَّهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} كَانَ الْمَعْنَى إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَإِذَا وَقَفَ عَلَى: {عَلَيْهِمْ} كَانَ الْمَعْنَى إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَأَنَّ التِّيهَ أَرْبَعِينَ فَرَجَعَ في هَذَا إِلَى التَّفْسِيرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ تَامًّا عَلَى تَفْسِيرٍ وَإِعْرَابٍ غَيْرُ تَامٍّ عَلَى تَفْسِيرٍ وَإِعْرَابٍ آخَرَ. وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْمَعْنَى فَضَرُورَةٌ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَقَاطِعِ الْكَلَامِ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ: {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ} فَقَوْلُهُ: {إِنَّ الْعِزَّةَ} اسْتِئْنَافٌ لَا مَقُولُهُمْ وَقَوْلُهُ: {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا} ويبتدئ: {أَنْتُمَا} وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: الْأَحْسَنُ الْوَقْفُ عَلَى {إِلَيْكُمَا} ،

لِأَنَّ إِضَافَةَ الْغَلَبَةِ إِلَى الْآيَاتِ أَوْلَى مِنْ إِضَافَةِ عَدَمِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الْعَصَا وَصِفَاتُهَا وَقَدْ غَلَبُوا بِهَا السَّحَرَةَ وَلَمْ تَمْنَعْ عَنْهُمْ فِرْعَوْنَ. وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} ويبتدئ: {وَهَمَّ بِهَا} عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: "لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا " فَقُدِّمَ جَوَابُ " لَوْلَا "، وَيَكُونُ هَمُّهُ مُنْتَفِيًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْمَعْنَى أَصْلٌ فِي ذَلِكَ كَبِيرٌ. السَّادِسُ: حَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ النَّحْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ تَقْدِيرَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ بِالتَّامِّ وَالنَّاقِصِ وَالْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَتَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ بِدْعَةٌ وَمُتَعَمِّدُ الْوُقُوفِ عَلَى نَحْوِهِ مُبْتَدِعٌ قَالَ: لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ وَهُوَ كالقطعة الْوَاحِدَةِ فَكُلُّهُ قُرْآنٌ وَبَعْضُهُ قُرْآنٌ وَكُلُّهُ تَامٌّ حَسَنٌ وَبَعْضُهُ تَامٌّ حَسَنٌ. السَّابِعُ: لِأَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ مَذَاهِبٌ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ فَنَافِعٌ كَانَ يُرَاعِي محاسنهما بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ حَيْثُ يَنْقَطِعُ النَّفَسُ وَاسْتَثْنَى ابْنُ كَثِيرٍ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ، {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} فَتَعَمَّدَ الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ حَيْثُ تَمَّ الْكَلَامُ وَأَبُو عَمْرٍو يتعمد رؤوس الْآيِ وَيَقُولُ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيٌّ فِي الشُّعَبِ وَآخَرُونَ: الْأَفْضَلُ الْوَقْفُ على رؤوس الْآيَاتِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا اتِّبَاعًا لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ قَطَّعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً يَقُولُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثُمَّ يَقِفُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ثُمَّ يَقِفُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثُمَّ يَقِفُ. الثَّامِنُ: الْوَقْفُ وَالْقَطْعُ وَالسَّكْتُ عِبَارَاتٌ يُطْلِقُهَا الْمُتَقَدِّمُونَ غَالِبًا مُرَادًا بِهَا الْوَقْفُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ فَرَّقُوا فَقَالُوا: الْقَطْعُ: عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ رَأْسًا فَهُوَ كَالِانْتِهَاءِ فَالْقَارِئُ بِهِ كَالْمُعْرِضِ عَنِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُنْتَقِلِ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى غَيْرِهَا وَهُوَ الَّذِي يُسْتَعَاذُ بَعْدَهُ لِلْقِرَاءَةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى رَأْسِ آيَةٍ لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أن يقرؤوا بعض الآية وَيَدَعُوا بَعْضَهَا. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ وَقَوْلُهُ: "كَانُوا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ. وَالْوَقْفُ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّوْتِ عَنِ الْكَلِمَةِ زَمَنًا يُتَنَفَّسُ فِيهِ عَادَةً بِنِيَّةِ اسْتِئْنَافِ الْقِرَاءَةِ لَا بنية الإعراض ويكون في رؤوس الْآيِ وَأَوْسَاطِهَا وَلَا يَأْتِي فِي وَسَطِ الْكَلِمَةِ وَلَا فِيمَا اتَّصَلَ رَسْمًا. وَالسَّكْتُ: عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّوْتِ زَمَنًا هُوَ دُونَ زَمَنِ الْوَقْفِ عَادَةً مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ وَاخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الْأَئِمَّةِ فِي التَّأْدِيَةِ عَنْهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى طُولِهِ وَقِصَرِهِ فَعَنْ حَمْزَةَ فِي السَّكْتِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَ الْهَمْزَةِ سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ وَقَالَ الْأُشْنَانِيُّ،

قَصِيرَةٌ وَعَنِ الْكِسَائِيِّ. سَكْتَةٌ مُخْتَلَسَةٌ مِنْ غَيْرِ إِشْبَاعٍ وَقَالَ ابْنُ غَلْبُونَ: وَقْفَةٌ يَسِيرَةٌ وَقَالَ مَكِّيٌّ: وَقْفَةٌ خَفِيفَةٌ وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ: وُقَيْفَةٌ. وَعَنْ قُتَيْبَةَ: مِنْ غَيْرِ قَطْعِ نَفَسٍ وَقَالَ الدَّانِيُّ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ. وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: قَطْعُ الصَّوْتِ زَمَنًا قَلِيلًا أَقْصَرُ مِنْ زَمَنِ إِخْرَاجِ النَّفَسِ لِأَنَّهُ إِنْ طَالَ صَارَ وَقْفًا فِي عِبَارَاتٍ أُخَرَ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ وَلَا يَجُوزُ إِلَّا فِيمَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهِ لِمَعْنًى مَقْصُودٍ بذاته. وقيل: يجوز في رؤوس الْآيِ مُطْلَقًا حَالَةَ الْوَصْلِ لِقَصْدِ الْبَيَانِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَلَى ذَلِكَ. ضَوَابِطٌ 1- كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ " الَّذِي " وَ " الَّذِينَ " يَجُوزُ فِيهِ الْوَصْلُ بِمَا قَبْلَهُ نَعْتًا وَالْقَطْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ إِلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الِابْتِدَاءُ بِهَا. {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ} فِي الْبَقَرَةِ. {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} فِيهَا وَفِي الْأَنْعَامِ أَيْضًا. {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا} فِي البقرة. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} فِي بَرَاءَةٌ. {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ} فِي الْفُرْقَانِ.

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} فِي غَافِرٍ. وَفِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ} يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الْقَارِئُ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَيَبْتَدِئَ بِـ" الَّذِي " إِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الْقَطْعِ بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلْتَهُ صِفَةً. وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: الصِّفَةُ إِنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ امْتَنَعَ الْوَقْفُ عَلَى مَوْصُوفِهَا دُونَهَا وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَدْحِ جَازَ لِأَنَّ عَامِلَهَا فِي الْمَدْحِ غَيْرُ عَامِلِ الْمَوْصُوفِ. 2- الْوَقْفُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دُونَ الْمُسْتَثْنَى إِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فِيهِ مَذَاهِبُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مُبْتَدَأٍ حُذِفَ خَبَرُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى مَا قَبْلَهُ لَفْظًا لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدِ اسْتِعْمَالُ "إِلَّا" وَمَا فِي مَعْنَاهَا إِلَّا مُتَّصِلَةً بِمَا قَبْلَهَا وَمَعْنَى لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا مُشْعِرٌ بِتَمَامِ الْكَلَامِ فِي الْمَعْنَى إِذْ قَوْلُكَ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ هُوَ الَّذِي صَحَّحَ " إِلَّا الْحِمَارَ "، وَلَوْ قُلْتَ: "إِلَّا الْحِمَارَ " عَلَى انْفِرَادِهِ كَانَ خَطَأً. وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ صَرَّحَ بِالْخَبَرِ جَازَ لِاسْتِقْلَالِ الْجُمْلَةِ وَاسْتِغْنَائِهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَإِنْ لِمْ يُصَرَّحْ بِهِ فَلَا لِافْتِقَارِهَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ. 3- الْوَقْفُ عَلَى الْجُمْلَةِ النِّدَائِيَّةِ جَائِزٌ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ وَمَا بَعْدَهَا جُمْلَةٌ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِهَا.

4- كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ حِكَايَتُهُ قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. 5- " كَلَّا " فِي الْقُرْآنِ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْهَا سَبْعَةٌ لِلرَّدْعِ اتِّفَاقًا فَيُوقَفُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ: {عَهْداً كَلَّا} فِي مَرْيَمَ. {عِزّاً كَلَّا} فِي مَرْيَمَ. {أَنْ يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا} فِي الشُّعَرَاءِ. {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} فِي الشُّعَرَاءِ. {شُرَكَاءَ كَلَّا} فِي سَبَأٍ. {أَنْ أَزِيدَ كَلَّا} فِي الْمُدَّثِّرِ. {أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا} فِي الْقِيَامَةِ. وَالْبَاقِي مِنْهَا مَا هُوَ بِمَعْنَى حَقًّا قَطْعًا فَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَقَالَ مَكِّيٌّ: هِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ فِيهِ عَلَيْهَا عَلَى مَعْنَى الرَّدْعِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا عَلَى مَعْنَى " حَقًّا " وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا: اثْنَانِ فِي مَرْيَمَ وَفِي: {قَدْ أَفْلَحَ} وَسَبَأٍ وَاثْنَانِ فِي الْمَعَارِجِ وَاثْنَانِ فِي الْمُدَّثِّرِ: {أَنْ أَزِيدَ كَلَّا} {مُنَشَّرَةً كَلَّا} ، وَفِي الْمُطَفِّفِينَ: {أَسَاطِيرُ

الأَوَّلِينَ كَلَّا} وفي الفجر: {أَهَانَنِ كَلَّا} وَفِي الْهُمَزَةِ: {أَخْلَدَهُ كَلَّا} الثَّانِي: مَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَهُوَ مَوْضِعَانِ فِي الشُّعَرَاءِ: {أَنْ يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا} {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} الثَّالِثُ: مَا لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عليها ولا الِابْتِدَاءُ بِهَا بَلْ تُوصَلُ بِمَا قَبْلَهَا وَبِمَا بَعْدَهَا وَهُوَ مَوْضِعَانِ فِي عَمَّ وَالتَّكَاثُرِ: {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} الرَّابِعُ: مَا لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ يبتدأ بها وهو الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةُ. 6- " بَلَى " فِي الْقُرْآنِ فِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا إِجْمَاعًا لتعليق ما بعدها بما قبلها وهو سَبْعَةُ مَوَاضِعَ: فِي الْأَنْعَامِ: {بَلَى وَرَبِّنَا} . فِي النَّحْلِ: {بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً} . فِي سَبَأٍ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} .

فِي الزُّمَرِ: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ} . فِي الْأَحْقَافِ: {بَلَى وَرَبِّنَا} . فِي التَّغَابُنِ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي} . فِي الْقِيَامَةِ: {بَلَى قَادِرِينَ} . الثَّانِي: مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالِاخْتِيَارُ الْمَنْعُ وَذَلِكَ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ: فِي البقرة: {لَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} . فِي الزُّمَرِ: {بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ} . فِي الزُّخْرُفِ: {بَلَى وَرُسُلُنَا} . فِي الْحَدِيدِ: {قَالُوا بَلَى} . فِي تَبَارَكَ: {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا} . الثَّالِثُ: مَا الِاخْتِيَارُ جَوَازُ الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ. 7- " نَعَمْ " فِي الْقُرْآنِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْأَعْرَافِ: {قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ} . وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا قَبْلَهَا إِذْ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ النَّارِ. [وَالْبَوَاقِي فِيهَا] .

وَفِي الشُّعَرَاءِ: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} . وَفِي الصَّافَّاتِ: {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} . وَالْمُخْتَارُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِتَعَلُّقِ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا لِاتِّصَالِهِ بِالْقَوْلِ. ضَابِطٌ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي النَّشْرِ كُلُّ مَا أَجَازُوا الْوَقْفَ عَلَيْهِ أَجَازُوا الِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهُ. فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمِ لِلْوَقْفِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَوْجُهٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْهَا عِنْدَ أئمة القراءة تِسْعَةٌ: السُّكُونُ، وَالرَّوْمُ، وَالْإِشْمَامُ، وَالْإِبْدَالُ، وَالنَّقْلُ، وَالْإِدْغَامُ، وَالْحَذْفُ، وَالْإِثْبَاتُ، وَالْإِلْحَاقُ. فَأَمَّا السُّكُونُ: فَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْكَلِمَةِ الْمُحَرَّكَةِ وَصْلًا لِأَنَّ مَعْنَى الْوَقْفِ التَّرْكُ وَالْقَطْعُ وَلِأَنَّهُ ضِدُّ الِابْتِدَاءِ فَكَمَا لَا يُبْتَدَأُ بِسَاكِنٍ لَا يُوقَفُ عَلَى مُتَحَرِّكٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرَّاءِ. وَأَمَّا الرَّوْمُ: فَهُوَ عِنْدَ الْقُرَّاءِ عِبَارَةٌ عَنِ النُّطْقِ بِبَعْضِ الْحَرَكَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَضْعِيفُ الصَّوْتِ بِالْحَرَكَةِ حَتَّى يَذْهَبَ مُعْظَمُهَا. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَاحِدٌ. وَيَخْتَصُّ بِالْمَرْفُوعِ وَالْمَجْزُومِ وَالْمَضْمُومِ وَالْمَكْسُورِ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ لِأَنَّ الْفَتْحَةَ خَفِيفَةٌ إِذَا خَرَجَ بَعْضُهَا خَرَجَ سَائِرُهَا فَلَا تَقْبَلُ التَّبْعِيضَ.

وَأَمَّا الْإِشْمَامُ: فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَرَكَةِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ وَقِيلَ أَنْ تَجْعَلَ شَفَتَيْكَ عَلَى صُورَتِهَا وَكِلَاهُمَا وَاحِدٌ وَيَخْتَصُّ بِالضَّمَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَرَكَةَ إِعْرَابٍ أَمْ بِنَاءٍ إِذَا كَانَتْ لَازِمَةً أَمَّا الْعَارِضَةُ وَمِيمُ الْجَمْعِ عِنْدَ مَنْ ضَمَّ وَهَاءُ التَّأْنِيثِ فَلَا رَوْمَ فِي ذَلِكَ وَلَا إِشْمَامَ وَقَيَّدَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ هَاءَ التَّأْنِيثِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ بِخِلَافِ مَا يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ لِلرَّسْمِ ثُمَّ إِنَّ الْوَقْفَ بِالرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ ورد عن أبي عمرو وَالْكُوفِيِّينَ نَصًّا وَلَمْ يَأْتِ عَنِ الْبَاقِينَ فِيهِ شَيْءٌ وَاسْتَحَبَّهُ أَهْلُ الْأَدَاءِ فِي قِرَاءَتِهِمْ أَيْضًا وَفَائِدَتُهُ بَيَانُ الْحَرَكَةِ الَّتِي تَثْبُتُ فِي الْوَصْلِ لِلْحِرَفِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ لِلسَّامِعِ أَوِ النَّاظِرِ كَيْفَ تِلْكَ الْحَرَكَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْإِبْدَالُ: فَفِي الِاسْمِ الْمَنْصُوبِ الْمُنَوَّنِ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْأَلِفِ بَدَلًا مِنَ التَّنْوِينِ وَمِثْلِهِ إِذَنْ وَفِي الِاسْمِ الْمُفْرَدِ المؤنث بالتاء يوقف عليها بِالْهَاءِ بَدَلًا مِنْهَا وَفِيمَا آخِرُهُ هَمْزَةٌ مُتَطَرِّفَةٌ بَعْدَ حَرَكَةٍ أَوْ أَلِفٍ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ حَمْزَةَ بِإِبْدَالِهَا حَرْفَ مَدٍّ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا. ثُمَّ إِنْ كَانَ أَلِفًا جَازَ حَذْفُهَا نَحْوُ: {اقْرَأْ} و {نَبِّئْ} و {يَبْدأُ} و {إِنِ امْرُؤٌ} و {مِنْ شَاطِئِ} و {يَشَاءُ} و {مِنَ السَّمَاءِ} و {مِنْ مَاءٍ} وَأَمَّا النَّقْلُ فَفِيمَا آخِرُهُ هَمْزَةٌ بَعْدَ سَاكِنٍ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ حَمْزَةَ بِنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَيْهِ فتحرك بهاء ثُمَّ تُحْذَفُ هِيَ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّاكِنُ صَحِيحًا نحو: {دِفْءٌ} {مِلءُ} {يَنْظُرُ الْمَرْءُ} {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ} {بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} {يُخْرِجُ الْخَبْءَ} - وَلَا ثَامِنَ

لَهَا أَمْ يَاءً أَوْ وَاوًا أَصْلِيَّتَيْنِ سَوَاءً كَانَتَا حَرْفَ مَدٍّ. نحو: {الْمُسِيءُ} {وَجِيءَ} و {يضيء} {أَنْ تَبُوءَ} {لَتَنُوءُ} {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} أَمْ لِينٍ نَحْوُ: {شَيْء} {قَوْمَ سَوْءٍ} {مَثَلُ السَّوْءِ} وَأَمَّا الْإِدْغَامُ: فَفِيمَا آخِرُهُ هَمْزٌ بَعْدَ يَاءٍ أَوْ وَاوٍ زَائِدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ حَمْزَةَ أَيْضًا بِالْإِدْغَامِ بَعْدَ إِبْدَالِ الْهَمْزِ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ نَحْوُ: {النَّسِيءُ} و: {بَرِيءٌ} و {قُرُوءٍ} . وَأَمَّا الْحَذْفُ: فَفِي الْيَاءَاتِ الزَّوَائِدِ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُهَا وَصْلًا وَيَحْذِفُهَا وَقْفًا وَيَاءَاتُ الزَّوَائِدِ - وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُرْسَمْ - مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ مِنْهَا خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ فِي حَشْوِ الْآيِ وَالْبَاقِي فِي رؤوس الْآيِ فَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ يُثْبِتُونَهَا فِي الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ وَابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ يُثْبِتَانِ فِي الْحَالَيْنِ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَخَلَفٌ يَحْذِفُونَ فِي الْحَالَيْنِ وَرُبَّمَا خَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَصْلِهِ فِي بَعْضِهَا. وَأَمَّا الْإِثْبَاتُ: فَفِي الْيَاءَاتِ الْمَحْذُوفَاتِ وَصْلًا عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُهَا وَقْفًا نَحْوَ: {هَادٍ} وَ: {وَالٍ} وَ: {وَاقٍ} وَ: {بَاقٍ} . وَأَمَّا الْإِلْحَاقُ: فَمَا يَلْحَقُ آخِرَ الْكَلِمِ مِنْ هَاءَاتِ السَّكْتِ عِنْدَ مَنْ يُلْحِقُهَا فِي: {عَمَّ} وَ: {فِيمَ} وَ: {بِمَ} وَ: {لِمَ} وَ: {مِمَّ} وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ جَمْعِ الْإِنَاثِ نَحْوُ: {هُنَّ} وَ: {مِثْلَهُنَّ} وَالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ نَحْوُ: {الْعَالَمِينَ} وَ: {الَّذِينَ} وَ: {الْمُفْلِحُونَ} . وَالْمُشَدَّدِ الْمَبْنِيِّ نَحْوُ: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} و: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} و: {مصرخي} و: {لَدَيَّ} .

قَاعِدَةٌ أَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ اتِّبَاعِ رَسْمِ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ فِي الْوَقْفِ إِبْدَالًا وَإِثْبَاتًا وَحَذْفًا وَوَصْلًا وَقَطْعًا إِلَّا أَنَّهُ وَرَدَ عَنْهُمُ اخْتِلَافٌ فِي أَشْيَاءَ بِأَعْيَانِهَا كَالْوَقْفِ بِالْهَاءِ عَلَى مَا كُتِبَ بِالتَّاءِ وَبِإِلْحَاقِ الْهَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ وَبِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي مَوَاضِعَ لَمْ تُرْسَمْ بِهَا وَالْوَاوِ فِي: {وَيَدْعُ الْأِنْسَانُ} {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} و: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} والألف في: {أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} {أَيُّهَا السَّاحِرُ} {أَيُّهَا الثَّقَلانِ} . وَتُحْذَفُ النُّونُ فِي: {وَكَأَيِّنْ} حَيْثُ وَقَعَ فَإِنَّ أَبَا عَمْرٍو يَقِفُ عليه بالياء ويوصل: {أياما} فِي الْإِسْرَاءِ وَ: {مَالَ} فِي النِّسَاءِ وَالْكَهْفِ وَالْفُرْقَانِ وَسَأَلَ وَقَطَعَ: {وَيْكَأَنَّ} {وَيْكَأَنَّهُ} و: {ألا يسجدوا} . وَمِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسْمَ فِي الْجَمِيعِ.

النوع التاسع والعشرون: في بيان الموصول لفظا المفصول معنى

النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي بَيَانِ الْمَوْصُولِ لَفْظًا المفصول معنى وهو نَوْعٌ مُهِمٌّ جَدِيرٌ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّصْنِيفِ وَهُوَ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْوَقْفِ وَلِهَذَا جَعَلْتُهُ عَقِبَهُ وَبِهِ يَحْصُلُ حَلُّ إِشْكَالَاتٍ وَكَشْفُ مُعْضِلَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} فَإِنَّ الْآيَةَ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ كَمَا يُفْهِمُهُ السِّيَاقُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكِنَّ آخِرَ الْآيَةِ مُشْكِلٌ حَيْثُ نُسِبَ الْإِشْرَاكُ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ وَآدَمُ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنَ الشِّرْكِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا إِجْمَاعًا وَقَدْ جَرَّ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ إِلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَأَنَّهَا فِي رَجُلٍ وَزَوْجَتِهِ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَتَعَدَّى إِلَى تَعْلِيلِ الْحَدِيثِ وَالْحُكْمِ بِنَكَارَتِهِ وَمَا زِلْتُ فِي وَقْفَةٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} قَالَ: هَذِهِ فَصْلٌ مِنْ آيَةِ آدَمَ خَاصَّةٌ فِي آلِهَةِ الْعَرَبِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أخبرنا ابْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ صَدَقَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الْمَكِّيَّ يُحَدِّثُ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: هَذَا من الْمَوْصُولُ الْمَفْصُولُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ حَدَّثَنَا مِهْرَانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: هَذِهِ مَفْصُولَةٌ إِطَاعَةً فِي الْوَلَدِ: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} هَذِهِ لِقَوْمِ مُحَمَّدٍ فَانْحَلَّتْ عَنِّي هَذِهِ الْعُقْدَةُ وَانْجَلَتْ لِي هَذِهِ الْمُعْضِلَةُ وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ آخَرَ قِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ: {فِيمَا آتَاهُمَا} وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ تَخَلُّصٌ إِلَى قِصَّةِ الْعَرَبِ وَإِشْرَاكِهُمُ الْأَصْنَامَ. وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ تَغْيِيرُ الضَّمِيرِ إِلَى الْجَمْعِ بَعْدَ التَّثْنِيَةِ وَلَوْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ لَقَالَ عَمَّا يُشْرِكَانِ كَقَوْلِهِ: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} وَكَذَلِكَ الضَّمَائِرُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً} وَمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ وَحُسْنُ التَّخَلُّصِ وَالِاسْتِطْرَادُ مِنْ أَسَالِيبِ القرآن. ومِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْوَصْلِ يَكُونُ: "الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ " وَعَلَى تَقْدِيرِ الْفَصْلِ بِخِلَافِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَأَبِي نَهْيِكٍ قَالَا إِنَّكُمْ تَصِلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ مَقْطُوعَةٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ كَوْنُ الْآيَةِ دَلَّتْ عَلَى ذَمِّ مُتَّبِعِي الْمُتَشَابِهِ وَوَصْفِهِمْ بِالزَّيْغِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوطٌ بِالْخَوْفِ وَأَنَّهُ لَا قَصْرَ مَعَ الْأَمْنِ وَقَدْ قَالَ بِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ لَكِنْ بُيِّنَ سَبَبُ النُّزُولِ أَنَّ هَذَا مِنَ الْمَوْصُولِ الْمَفْصُولِ،

فَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ علي قال سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يارسول اللَّهِ إِنَّا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} ثُمَّ انْقَطَعَ الْوَحْيُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَمْكَنَكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ظُهُورِهِمْ هَلَّا شَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ! فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ لَهُمْ أُخْرَى مِثْلَهَا فِي أَثَرِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَاباً مُهِيناً} ، فَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ: {إِنْ خِفْتُمْ} شَرْطٌ فِيمَا بَعْدَهُ وَهُوَ صَلَاةُ الخوف لا في صَلَاةُ الْقَصْرِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا تَأْوِيلٌ فِي الْآيَةِ حسن لو لم تكن فِي الْآيَةِ " إِذَا " قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: وَيَصِحُّ مَعَ إِذَا عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ زَائِدَةً. قُلْتُ: يَعْنِي وَيَكُونُ مِنِ اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ تَجْعَلَ " إِذَا " زَائِدَةً بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ زِيَادَتَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ التَّفْسِيرِ: قَدْ تَأْتِي الْعَرَبُ بِكَلِمَةٍ إِلَى جَانِبِ كلمة أُخْرَى كَأَنَّهَا مَعَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِهَا وَفِي الْقُرْآنِ: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} هَذَا قَوْلُ الْمَلَأِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: {مَاذَا تَأْمُرُونَ} وَمِثْلُهُ: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} انْتَهَى كَلَامُهَا، فَقَالَ يُوسُفُ ذَلِكَ: {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} .

وَمِثْلُهُ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} هَذَا مُنْتَهَى قَوْلِهَا فَقَالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} . وَمِثْلُهُ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} انْتَهَى قَوْلُ الْكُفَّارِ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ الِلَّهِ أَوَّلُهَا أَهْلُ الضَّلَالَةِ وَآخِرُهَا أَهْلُ الْهُدَى قَالُوا: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} هَذَا قَوْلُ أَهْلِ النِّفَاقِ وَقَالَ أَهْلُ الْهُدَى حِينَ بُعِثُوا مِنْ قُبُورِهِمْ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} . وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلَهُ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} قَالَ وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ إِذَا جَاءَتْ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِخَبَرٍ فَقَالَ: {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} .

النوع الثلاثون: في الإمالة والفتح وما بينهما

النَّوْعُ الثَّلَاثُونَ: فِي الْإِمَالَةِ وَالْفَتْحِ وَمَا بَيْنَهُمَا أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مِنْهُمُ ابْنُ الْقَاصحِ عَمِلَ كِتَابَهُ: قُرَّةَ الْعَيْنِ فِي الْفَتْحِ والإمالة وبين اللفظين. قال الدَّانِيُّ: الْفَتْحُ وَالْإِمَالَةُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَاشِيَّتَانِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُصَحَاءِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ فَالْفَتْحُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْإِمَالَةُ لُغَةُ عَامَّةِ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ تميم وَأَسْدٍ وَقَيْسٍ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِيهَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ مرفوعا: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا وَإِيَّاكُمْ وَأَصْوَاتِ أَهْلِ الْفِسْقِ وَأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ "، قَالَ: فَالْإِمَالَةُ لَا شَكَّ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَمَنْ لُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْأَلِفَ وَالْيَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ قَالَ يَعْنِي بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ التَّفْخِيمَ وَالْإِمَالَةَ. وَأَخْرَجَ فِي تَارِيخِ الْقُرَّاءِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ الضَّرِيرِ الْكُوفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بن عبد الله عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ "طهَ" وَلَمْ يَكْسِرْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "طِهِ" وَكَسَرَ الطَّاءَ وَالْهَاءَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: "طَهَ "وَلَمْ يَكْسِرْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "طِهِ " وَكَسَرَ الطَّاءَ وَالْهَاءَ،

فَقَالَ الرَّجُلُ: "طَهَ " وَلَمْ يَكْسِرْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "طِهِ " وَكَسَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْعَزْرَمِيُّ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا لَكِنْ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فَأَتِيَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَحَدِيثُهُ هَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَكَذَا نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ. وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: {يَا يَحْيَى} فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُمِيلُ وَلَيْسَ هِيَ لُغَةَ قُرَيْشٍ؟ فَقَالَ: هِيَ لُغَةُ الْأَخْوَالِ بَنِي سَعْدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشَتَّةَ عَنْ ابن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: احْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ فِي الْإِمَالَةِ بِأَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي الْمُصْحَفِ الْيَاءَاتِ فِي مَوْضِعِ الْأَلِفَاتِ فَاتَّبَعُوا الْخَطَّ وَأَمَالُوا لِيَقْرُبُوا مِنَ الْيَاءَاتِ. الْإِمَالَةُ: أَنْ يَنْحُوَ بِالْفَتْحَةِ نَحْوَ الْكَسْرَةِ وَبِالْأَلِفِ نَحْوَ الْيَاءِ كَثِيرًا وَهُوَ الْمَحْضُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: الْإِضْجَاعُ وَالْبَطْحُ وَالْكَسْرُ قَلِيلًا وَهُوَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: التَّقْلِيلُ وَالتَّلْطِيفُ وَبَيْنَ بَيْنَ فَهِيَ قِسْمَانِ: شَدِيدَةٌ وَمُتَوَسِّطَةٌ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَالشَّدِيدَةُ يُجْتَنَبُ مَعَهَا الْقَلْبُ الْخَالِصُ وَالْإِشْبَاعُ الْمُبَالَغُ فِيهِ وَالْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الْفَتْحِ الْمُتَوَسِّطِ والإمالة الشديدة.

قال الدَّانِيُّ: وَعُلَمَاؤُنَا مُخْتَلِفُونَ أَيُّهُمَا أَوْجَهُ وَأَوْلَى؟ وَأَنَا أَخْتَارُ الْإِمَالَةَ الْوُسْطَى الَّتِي هِيَ بَيْنَ بَيْنَ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْإِمَالَةِ حَاصِلٌ بِهَا وَهُوَ الإعلام بأن أَصْلُ الْأَلِفِ الْيَاءَ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى انْقِلَابِهَا إِلَى الْيَاءِ فِي مَوْضِعٍ أَوْ مُشَاكَلَتِهَا لِلْكَسْرِ الْمُجَاوِرِ لَهَا أَوِ الْيَاءِ. وَأَمَّا الْفَتْحُ فَهُوَ فَتْحُ الْقَارِئِ فَاهُ بِلَفْظِ الْحَرْفِ وَيُقَالُ لَهُ التَّفْخِيمُ وَهُوَ شَدِيدٌ وَمُتَوَسِّطٌ فَالشَّدِيدُ هُوَ نِهَايَةُ فَتْحِ الشَّخْصِ فَاهُ بِذَلِكَ الْحَرْفِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْقُرْآنِ بَلْ هُوَ مَعْدُومٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْمُتَوَسِّطُ مَا بَيْنَ الْفَتْحِ الشَّدِيدِ وَالْإِمَالَةِ المتوسطة. قال الدَّانِيُّ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ أَصْحَابُ الْفَتْحِ مِنَ الْقُرَّاءِ. وَاخْتَلَفُوا: هَلِ الْإِمَالَةُ فَرْعٌ عَنِ الْفَتْحِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِرَأْسِهِ؟ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِمَالَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِسَبَبٍ فَإِنْ فُقِدَ لَزِمَ الْفَتْحُ وَإِنْ وُجِدَ جَازَ الْفَتْحُ وَالْإِمَالَةُ فَمَا مِنْ كَلِمَةٍ تُمَالُ إِلَّا فِي الْعَرَبِ مَنْ يَفْتَحُهَا فَدَلَّ اطِّرَادُ الْفَتْحِ عَلَى أَصَالَتِهِ وَفَرْعِيَّتِهَا. وَالْكَلَامُ فِي الْإِمَالَةِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَسْبَابِهَا وَوُجُوهِهَا وَفَائِدَتِهَا وَمَنْ يُمِيلُ وَمَا يُمَالُ. أما أَسْبَابُهَا فَذَكَرُهَا الْقُرَّاءُ عَشَرَةً قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْكَسْرَةُ وَالثَّانِي الْيَاءُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلَى مَحَلِّ الإمالة من الكلمة أو متاخرا عَنْهُ وَيَكُونُ أَيْضًا مُقَدَّرًا فِي مَحَلِّ الْإِمَالَةِ. وَقَدْ تَكُونُ الْكَسْرَةُ وَالْيَاءُ غَيْرَ مَوْجُودَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَلَا مُقَدَّرَتَيْنِ فِي مَحَلِّ الْإِمَالَةِ وَلَكِنَّهُمَا مِمَّا يَعْرِضُ فِي بَعْضِ تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ. وَقَدْ تُمَالُ الْأَلِفُ أَوِ الْفَتْحَةُ لِأَجْلِ أَلِفٍ

أُخْرَى أَوْ فَتْحَةٍ أُخْرَى مُمَالَةٍ وَتُسَمَّى هَذِهِ إِمَالَةٌ لِأَجْلِ إِمَالَةٍ وَقَدْ تُمَالُ الْأَلِفُ تَشْبِيهًا بِالْأَلِفِ الْمُمَالَةِ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَتُمَالُ أَيْضًا بِسَبَبِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ فَتَبْلُغُ الْأَسْبَابُ اثْنَيْ عَشَرَ سَبَبًا. فَأَمَّا الْإِمَالَةُ لأجل الكسرة السابقة فشر طها أن يكون الفاصل بينهما وَبَيْنَ الْأَلِفِ حَرْفًا وَاحِدًا نَحْوُ كِتَابٌ وَحِسَابٌ - وَهَذَا الْفَاصِلُ إِنَّمَا حَصَلَ بِاعْتِبَارِ الْأَلِفِ وَأَمَّا الْفَتْحَةُ الْمُمَالَةُ فَلَا فَاصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَسْرَةِ - أو حرفين أو لهما سَاكِنٌ نَحْوُ إِنْسَانٌ أَوْ مَفْتُوحَيْنِ وَالثَّانِي هَاءٌ لِخَفَائِهَا. وَأَمَّا الْيَاءُ السَّابِقَةُ فَإِمَّا مُلَاصِقَةٌ لِلْأَلِفِ كَالْحَيَاةِ وَالْأَيَامَى أَوْ مَفْصُولَةٌ بِحَرْفَيْنِ أَحَدُهُمَا الْهَاءُ كَيَدِهَا. وَأَمَّا الْكَسْرَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَسَوَاءٌ كَانَتْ لَازِمَةً نَحْوَ عَابِدٍ أَمْ عَارِضَةً نَحْوَ مِنَ النَّاسِ وفي النَّارِ. وَأَمَّا الْيَاءُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَنَحْوُ: مُبَايِعٌ وَأَمَّا الْكَسْرَةُ الْمُقَدَّرَةُ فَنَحْوَ خَافَ إِذِ الْأَصْلُ خَوِفَ. وَأَمَّا الياء المقدرة فنحو: يخشى والهدى وَأَبَى وَالثَّرَى فَإِنَّ الْأَلِفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ تَحَرَّكَتْ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا. وَأَمَّا الْكَسْرَةُ الْعَارِضَةُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ الْكَلِمَةِ فَنَحْوُ طَابَ وَجَاءَ وَشَاءَ وَزَادَ لِأَنَّ الْفَاءَ تُكْسَرُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُتَحَرِّكِ. وَأَمَّا الْيَاءُ الْعَارِضَةُ كَذَلِكَ نَحْوُ: تَلَا وَغَزَا فَإِنَّ أَلِفَهُمَا عَنْ وَاوٍ وَإِنَّمَا أُمِيلَتْ لِانْقِلَابِهَا يَاءً فِي تُلِيَ وَغُزِيَ.. وَأَمَّا الْإِمَالَةُ لِأَجْلِ الْإِمَالَةِ فَكَإِمَالَةِ الْكِسَائِيِّ الْأَلِفَ بَعْدَ النُّونِ مِنْ: {إِنَّا لِلَّهِ}

لِإِمَالَةِ الْأَلِفِ مِنْ: "لِلَّهِ " وَلَمْ يُمِلْ: "وَإِنَّا إِلَيْهِ " لِعَدَمِ ذَلِكَ بَعْدَهُ وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ إِمَالَةَ: الضُّحَى وَالْقُرَى وَضُحَاهَا وَتَلَاهَا. وَأَمَّا الْإِمَالَةُ لِأَجْلِ الشَّبَهِ: فَإِمَالَةُ أَلِفِ التَّأْنِيثِ فِي نَحْوِ الحسنى ألف مُوسَى وَعِيسَى لِشَبَهِهَا بِأَلِفِ الْهُدَى. وَأَمَّا الْإِمَالَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَكَإِمَالَةِ: النَّاسِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ عَلَى مَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ. وَأَمَّا الْإِمَالَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ فَكَإِمَالَةِ الْفَوَاتِحِ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ إِنَّ إِمَالَةَ بَاءٍ وَتَاءٍ فِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ لِأَنَّهَا أَسْمَاءُ مَا يُلْفَظُ بِهِ فَلَيْسَتْ مِثْلَ مَا ولا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْحُرُوفِ. وَأَمَّا وُجُوهُهَا: فَأَرْبَعَةٌ تَرْجِعُ إِلَى الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ. أَصْلُهَا اثْنَانِ: الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِشْعَارُ. فَأَمَّا الْمُنَاسَبَةُ فَقِسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ فِيمَا أُمِيلَ لِسَبَبٍ مَوْجُودٍ فِي اللَّفْظِ وَفِيمَا أُمِيلَ لِإِمَالَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ عَمَلُ اللِّسَانِ ومجاورة النطق بالحرف الممال لسبب الْإِمَالَةِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَعَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا الْإِشْعَارُ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: إِشْعَارٌ بِالْأَصْلِ وَإِشْعَارٌ بِمَا يَعْرَضُ فِي الْكَلِمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَإِشْعَارٌ بِالشَّبَهِ الْمُشْعِرِ بِالْأَصْلِ

وَأَمَّا فَائِدَتُهَا فَسُهُولَةُ اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ اللِّسَانَ يَرْتَفِعُ بِالْفَتْحِ وَيَنْحَدِرُ بِالْإِمَالَةِ وَالِانْحِدَارُ أَخَفُّ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ الِارْتِفَاعِ فَلِهَذَا أَمَالَ مَنْ أَمَالَ وَأَمَّا مَنْ فَتَحَ فَإِنَّهُ رَاعَى كَوْنَ الْفَتْحِ أَمْتَنَ أَوِ الأصل. أما مَنْ أَمَالَ فَكُلُّ الْقُرَّاءِ الْعَشَرَةِ إِلَّا ابْنَ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُمِلْ شَيْئًا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا مَا يُمَالُ فَمَوْضِعُ اسْتِيعَابِهِ كُتُبُ الْقِرَاءَاتِ وَالْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ فِي الْإِمَالَةِ. وَنَذْكُرُ هُنَا مَا يَدْخُلُ تَحْتَ ضَابِطٍ: فَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ أَمَالُوا كُلَّ أَلِفٍ مُنْقَلِبَةٍ عَنْ يَاءٍ حَيْثُ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ كَالْهُدَى وَالْهَوَى وَالْفَتَى وَالْعَمَى وَالزِّنَا وَأَتَى وَأَبَى وسعى ويخشى ويرضى وَاجْتَبَى وَاشْتَرَى وَمَثْوَى وَمَأْوَى وَأَدْنَى وَأَزْكَى. وَكُلَّ أَلِفِ تَأْنِيثٍ عَلَى فُعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ أَوْ كَسْرِهَا أَوْ فَتْحِهَا كَطُوبَى وَبُشْرَى وَقُصْوَى وَالْقُرْبَى وَالْأُنْثَى وَالدُّنْيَا وَإِحْدَى وَذِكْرَى وَسِيمَا وَضِيزَى وَمَوْتَى وَمَرْضَى وَالسَّلْوَى وَالتَّقْوَى وَأَلْحَقُوا بِذَلِكَ مُوسَى وَعِيسَى وَيَحْيَى. وَكُلَّ مَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فُعَالَى بِالضَّمِّ أَوِ الْفَتْحِ كَسُكَارَى وَكُسَالَى وَأُسَارَى وَيَتَامَى وَنَصَارَى وَالْأَيَامَى. وَكُلَّ مَا رُسِمَ فِي الْمَصَاحِفِ بالياء نحو بلى ومتى ويا أسفى ويا ويلتى،

ويا حسرتى وأنى لِلِاسْتِفْهَامِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى وَإِلَى وَعَلَى وَلَدَى وَمَا زَكَّى فَلَمْ تُمَلْ بِحَالٍ. وَكَذَلِكَ أَمَالُوا مِنَ الْوَاوِيِّ مَا كُسِرَ أَوَّلُهُ أَوْ ضُمَّ وَهُوَ الرِّبَا كَيْفَ وقع والضحى كَيْفَ جَاءَ وَالْقُوَى وَالْعُلَى. وَأَمَالُوا رؤوس الْآيِ مِنْ إِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً جَاءَتْ عَلَى نَسَقٍ وَهِيَ: طه وَالنَّجْمِ وَسَأَلَ وَالْقِيَامَةِ وَالنَّازِعَاتِ وَعَبَسَ وَالْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَاللَّيْلِ وَالضُّحَى وَالْعَلَقِ وَوَافَقَ عَلَى هَذِهِ السُّوَرِ أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ. وَأَمَالَ أَبُو عَمْرٍو كُلَّ مَا كَانَ فِيهِ رَاءٌ بعد أَلِفٌ بِأَيِّ وَزْنٍ كَانَ كَذِكْرَى وَبُشْرَى وَأَسْرَى وَأَرَاهُ وَاشْتَرَى وَيَرَى وَالْقُرَى وَالنَّصَارَى وَأُسَارَى وَسُكَارَى وَوَافَقَ عَلَى أَلِفَاتِ فُعْلَى كَيْفَ أَتَتْ. وَأَمَالَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ كُلَّ أَلِفٍ بَعْدَهَا رَاءٌ مُتَطَرِّفَةٌ مَجْرُورَةٌ نَحْوُ الدَّارِ وَالنَّارِ وَالْقَهَّارِ وَالْغَفَّارِ وَالنَّهَارِ وَالدِّيَارِ وَالْكُفَّارِ وَالْإِبْكَارِ وَبِقِنْطَارِ وَأَبْصَارِهِمْ وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا وَحِمَارِكَ سَوَاءٌ كَانَتِ الْأَلِفُ أَصْلِيَّةً أَمْ زَائِدَةً. وَأَمَالَ حَمْزَةُ الْأَلِفَ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنْ عَشَرَةِ أَفْعَالٍ وَهِيَ زَادَ وَشَاءَ وَجَاءَ وَخَابَ وَرَانَ وَخَافَ وَزَاغَ وَطَابَ وَضَاقَ وَحَاقَ حَيْثُ وَقَعَتْ وَكَيْفَ جَاءَتْ. وَأَمَالَ الْكِسَائِيُّ هَاءَ التَّأْنِيثِ وَمَا قَبْلَهَا وَقْفًا مُطْلَقًا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: "فَجَثَتْ زَيْنَبُ لِذَوْدِ شَمْسٍ "، فَالْفَاءُ كَخَلِيفَةٍ وَرَأْفَةٍ وَالْجِيمُ كَوَلِيجَةٍ وَلُجَّةٍ وَالثَّاءُ كَثَلَاثَةٍ وَخَبِيثَةٍ وَالتَّاءُ كَبَغْتَةٍ وَالْمَيْتَةِ وَالزَّايُ

كبارزة وأعزة والياء كخشية وشية وَالنُّونُ كَسُنَّةٍ وَجَنَّةٍ وَالْبَاءُ كَحَبَّةٍ وَالتَّوْبَةِ وَاللَّامُ كَلَيْلَةٍ وَثُلَّةٍ وَالذَّالُ كَلَذَّةٍ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْوَاوُ كَقَسْوَةٍ وَالْمَرْوَةِ وَالدَّالُ كَبَلْدَةٍ وَعِدَّةٍ وَالشِّينُ كَالْفَاحِشَةِ وَعِيشَةٍ وَالْمِيمُ كَرَحْمَةٍ وَنِعْمَةٍ وَالسِّينُ كالخامسة وخمسة. ويفتح مطلقا بعد عشرة حرف وَهِيَ جَاعَ وَحُرُوفُ الِاسْتِعْلَاءِ " قِظَّ خُصَّ ضَغْطٍ " وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ وَهِيَ " أَكْهَرْ " إِنْ كَانَ قَبْلَ كُلٍّ مِنْهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ أَوْ كَسْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ بِسَاكِنٍ يُمِيلُ وإلا يفتح. وَبَقِيَ أَحْرُفٌ فِيهَا خُلْفٌ وَتَفْصِيلٌ وَلَا ضَابِطَ يَجْمَعُهَا فَلْتُنْظَرْ مِنْ كُتُبِ الْفَنِّ. وَأَمَّا فَوَاتِحُ السُّوَرِ فَأَمَالَ الر فِي السُّورِ الْخَمْسَةِ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَبَيْنَ بَيْنَ وَرْشٌ. وَأَمَالَ الْهَاءَ مِنْ فاتحة مريم وطه وأبو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ. وَأَمَالَ حَمْزَةُ وَخَلَفٌ طه دُونَ مَرْيَمَ. وَأَمَالَ الْيَاءَ مِنْ أَوَّلِ مَرْيَمَ مَنْ أَمَالَ الر إِلَّا أَبَا عَمْرٍو عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ. وَمِنْ أَوَّلِ يس الثَّلَاثَةُ الْأَوَّلُونَ وَأَبُو بَكْرٍ. وَأَمَالَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ الطَّاءَ من طه وطسم وطس وَالْحَاءَ مَنْ حم فِي السُّوَرِ السَّبْعِ وَوَافَقَهُمْ فِي الْحَاءِ ابْنُ ذَكْوَانَ.

خَاتِمَةٌ كَرِهَ قَوْمٌ الْإِمَالَةَ لِحَدِيثِ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ "،وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ نَزَلَ بِذَلِكَ ثُمَّ رُخِّصَ فِي الْإِمَالَةِ. ثَانِيهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ الرِّجَالِ لَا يَخْضَعُ الصَّوْتُ فِيهِ كَكَلَامِ النِّسَاءِ. ثَالِثُهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ أُنْزِلَ بِالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ فِي تَفْسِيرِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. رَابِعُهَا: أن معناه بالتعظيم والتبجيل أَيْ عَظِّمُوهُ وَبَجِّلُوهُ فَحَضَّ بِذَلِكَ عَلَى تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ وَتَبْجِيلِهِ. خَامِسُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْخِيمِ تَحْرِيكُ أَوْسَاطِ الْكَلِمِ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا دُونَ إِسْكَانِهَا لِأَنَّهُ أَشْبَعُ لَهَا وَأَفْخَمُ. قَالَ الدَّانِيُّ: وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ خَاقَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ سَمِعْتُ الْكِسَائِيَّ يُخْبِرُ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّفْخِيمِ نَحْوُ قَوْلِهُ: "الْجُمُعَةَ " وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ التَّثْقِيلِ ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْحَاكِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: "نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: {عُذْراً أَوْ نُذْراً} و: {الصَّدَفَيْنِ} يَعْنِي بِتَحْرِيكِ الْأَوْسَطِ فِي ذَلِكَ.

قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبَى عُبَيْدَةَ: أَهْلُ الْحِجَازِ يُفَخِّمُونَ الْكَلَامَ كُلَّهُ إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا: "عَشْرَةً " فَإِنَّهُمْ يَجْزِمُونَهُ وَأَهْلُ نَجْدٍ يَتْرُكُونَ التَّفْخِيمَ فِي الْكَلَامِ إِلَّا هَذَا الْحَرْفَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَشِرَةَ بِالْكَسْرِ. قَالَ الدَّانِيُّ: فَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى فِي تَفْسِيرِ الْخَبَرِ.

النوع الحادي والثلاثون: في الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب

النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْإِقْلَابِ أَفْرَدَ ذَلِكَ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ. الْإِدْغَامُ: هُوَ اللَّفْظُ بِحَرْفَيْنِ حَرْفًا كَالثَّانِي مُشَدَّدًا. وَيَنْقَسِمُ إِلَى كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ: الإدغام الكبير فَالْكَبِيرُ مَا كَانَ أَوَّلُ الْحَرْفَيْنِ فيه متحركا سَوَاءٌ كَانَا مِثْلَيْنِ أَمْ جِنْسَيْنِ أَمْ مُتَقَارِبَيْنِ وَسُمِّيَ كَبِيرًا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ إِذِ الْحَرَكَةُ أَكْثَرُ مِنَ السُّكُونِ، وَقِيلَ: لِتَأْثِيرِهِ فِي إِسْكَانِ الْمُتَحَرِّكِ قَبْلَ إِدْغَامِهِ وَقِيلَ: لِمَا فِيهِ مِنَ الصُّعُوبَةِ وَقِيلَ: لِشُمُولِهِ نَوْعَيْ الْمِثْلَيْنِ وَالْجِنْسَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ وَالْمَشْهُورُ بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعَشْرَةِ هُوَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَوَرْدَ عَنْ جَمَاعَةٍ خَارِجَ الْعَشْرَةِ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَعْمَشِ وَابْنِ مُحَيْصِنٍ وغَيْرِهِمْ. وَوَجْهُهُ: طَلَبُ التَّخْفِيفِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْقِرَاءَاتِ لَمْ يَذْكُرُوهُ الْبَتَّةَ كَأَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ وَابْنِ مُجَاهِدٍ فِي مُسَبَّعَتِهِ وَمَكِّيٍّ فِي

تَبْصِرَتِهِ وَالطَّلَمَنْكِيِّ فِي رَوْضَتِهِ وَابْنِ سُفْيَانٍ فِي هَادِيهِ وَابْنِ شُرَيْحٍ فِي كَافِيهِ وَالْمَهْدَوِيِّ فِي هِدَايَتِهِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَقْرِيبِ النَّشْرِ: وَنَعْنِي بِالْمُتَمَاثِلَيْنِ مَا اتَّفَقَا مَخْرَجًا وَصِفَةً وَالْمُتَجَانِسَيْنِ مَا اتَّفَقَا مخرجا واختلفا صفة وبالمتقاربين مَا تَقَارَبَا مَخْرَجًا أَوْ صِفَةً فَأَمَّا الْمُدْغَمُ مِنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فَوَقَعَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَهِيَ الْبَاءُ وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْحَاءُ وَالرَّاءُ وَالسِّينُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ وَالْكَافُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ وَالْوَاوُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ نَحْوُ: {الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} {الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا} {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} {النِّكَاحِ حَتَّى} {شَهْرُ رَمَضَانَ ا} {النَّاسَ سُكَارَى} {يَشْفَعُ عِنْدَهُ} {يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ} {اخْتَلَفَ فِيهِ} {أَفَاقَ قَالَ} {إِنَّكِ كُنْتِ} {لا قِبَلَ لَهُمْ} {الرَّحِيمِ مَالِكِ} {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} {هُوَ وَلِيُّهُمُ} {فِيهِ هُدىً} {يَأْتِيَ يَوْمٌ} . وَشَرْطُهُ أَنْ يَلْتَقِيَ الْمِثْلَانِ خَطًّا فَلَا يُدْغَمُ فِي نَحْوِ: {أَنَا نَذِيرٌ} من أجل وجود الألف وأن يكونا مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَإِنِ الْتَقَيَا مِنْ

كَلِمَةٍ فَلَا يُدْغَمُ إِلَّا فِي حَرْفَيْنِ نَحْوُ: {مَنَاسِكَكُمْ} فِي الْبَقَرَةِ وَ: {مَا سَلَكَكُمْ} فِي الْمُدَّثِّرِ وألا يكون الأول تاء ضمير المتكلم أَوْ خِطَابًا فَلَا يُدْغَمُ نَحْوَ: {كُنْتُ تُرَاباً} {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ} وَلَا مُشَدَّدًا فَلَا يُدْغَمُ نَحْوُ: {مَسَّ سَقَرَ} {رَبِّ بِمَا} وَلَا مُنَوَّنًا فَلَا يُدْغَمُ نَحْوُ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَأَمَّا الْمُدْغَمُ مِنَ الْمُتَجَانِسَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ فَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ حَرْفًا يَجْمَعُهَا: رُضْ سَنَشُدُّ حُجَّتَكَ بِذُلِّ قَثْمٍ وَشَرْطُهُ أَلَّا يَكُونَ الْأَوَّلُ مُشَدَّدًا نَحْوَ: {أَشَدَّ ذِكْراً} وَلَا مُنَوَّنًا نَحْوَ: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} وَلَا تَاءَ ضَمِيرٍ نَحْوَ: {خَلَقْتَ طِيناً} فَالْبَاءُ تُدْغَمُ فِي الْمِيمِ فِي: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} فَقَطْ وَالتَّاءُ فِي عَشَرَةِ أَحْرُفٍ الثَّاءِ: {بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ} والجيم: {الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ} والذال: {السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ} والزاي: {الْجَنَّةَ} {زُمَراً} والسين: {الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ} وَلَمْ يُدْغَمْ: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً} لِلْجَزْمِ مَعَ خِفَّةِ الْفَتْحَةِ وَالشِّينِ: {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} والصاد: {وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً} والضاد: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} وَالطَّاءِ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} والظاء: {الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي} . وَالثَّاءُ فِي خَمْسَةِ أَحْرُفٍ التَّاءِ: {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} والذال: {وَالْحَرْثِ ذَلِكَ} والسين: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ} والشين: {حَيْثُ شِئْتُمَا} والضاد: {حَدِيثُ ضَيْفِ} . وَالْجِيمُ فِي حَرْفَيْنِ الشِّينِ: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} والتاء: {ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ} وَالْحَاءُ فِي الْعَيْنِ فِي: {زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} فَقَطْ. وَالدَّالُ فِي عَشَرَةِ أَحْرُفٍ التَّاءِ الْمَسَاجِدِ تلك: {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} ،

والثاء: {يُرِيدُ ثَوَابَ} والجيم: {دَاوُدُ جَالُوتَ} والذال: {وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ} والزاي: {يَكَادُ زَيْتُهَا} والسين: {الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ} والشين: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} والصاد: {نَفْقِدُ صُوَاعَ} والضاد: {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ} والظاء: {يُرِيدُ ظُلْماً} وَلَا تُدْغَمُ مَفْتُوحَةً بَعْدَ سَاكِنٍ إِلَّا فِي التَّاءِ لِقُوَّةِ التَّجَانُسِ وَالذَّالُ فِي السِّينِ فِي قَوْلِهِ: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} وَالصَّادِ فِي قَوْلِهِ مَا اتَّخَذَ صاحبة. وَالرَّاءُ فِي اللَّامِ نَحْوُ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} المصير: {لا يُكَلِّفُ} والنهار لآيات فَإِنْ فُتِحَتْ وَسَكَنَ مَا قَبْلَهَا لَمْ تُدْغَمْ نَحْوُ: {وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} وَالسِّينُ فِي الزَّايِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} وَالشِّينِ فِي قَوْلِهِ: {الرَّأْسُ شَيْباً} . وَالشِّينُ فِي السِّينِ فِي: {ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} فَقَطْ وَالضَّادُ فِي: {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} فَقَطْ. وَالْقَافُ فِي الْكَافِ إِذَا مَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} وكذا إذا كانت معها في كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَبَعْدَهَا مِيمٌ نَحْوُ: {خَلَقَكُمْ} . وَالْكَافُ فِي الْقَافِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال إلا إِنْ سَكَنَ نَحْوُ: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} . وَاللَّامُ فِي الرَّاءِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ: {رُسُلُ رَبِّكَ} أَوْ سَكَنَ وَهِيَ مَضْمُومَةٌ أَوْ مَكْسُورَةٌ نَحْوُ: {لَقَوْلُ رَسُولٍ} {إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} إلا إِنْ فُتِحَتْ نَحْوُ: {فَيَقُولَ رَبِّ} إِلَّا لَامَ قَالَ فَإِنَّهَا تُدْغَمُ حَيْثُ وَقَعَتْ نَحْوَ: {قَالَ رَبِّ} {قَالَ رَجُلانِ} .

وَالْمِيمُ تُسْكَنُ عِنْدَ الْبَاءِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا فَتَخْفَى بِغُنَّةٍ نحو: {أَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} {مَرْيَمَ بُهْتَاناً} وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْإِخْفَاءِ الْمَذْكُورِ فِي التَّرْجَمَةِ وَذِكْرُ ابْنِ الْجَزَرِيِّ لَهُ فِي أَنْوَاعِ الْإِدْغَامِ تَبِعَ فِيهِ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ قَالَ هُوَ فِي النَّشْرِ إِنَّهُ غَيْرُ صَوَابٍ فَإِنْ سَكَنَ مَا قَبْلَهَا أظهرت نحو: {إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} . وَالنُّونُ تُدْغَمُ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا فِي الرَّاءِ وَفِي اللَّامِ نحو: {تَأَذَّنَ رَبُّكَ} {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} فَإِنْ سَكَنَ أُظْهِرَتْ عِنْدَهُمَا نَحْوُ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} {أَنْ تَكُونَ لَهُمْ} إِلَّا نُونَ نَحْنُ فَإِنَّهَا تُدْغَمُ نحو: {نَحْنُ لَهُ} {وَمَا نَحْنُ لَكَ} لكثرة دورها وَتَكْرَارِ النُّونِ فِيهَا وَلُزُومِ حَرَكَتِهَا وَثِقْلِهَا. تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: وَافَقَ أَبُو عَمْرٍو حَمْزَةَ وَيَعْقُوبَ فِي أَحْرُفٍ مَخْصُوصَةٍ اسْتَوْعَبَهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي كِتَابَيْهِ النشر والتقريب. الثَّانِي: أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ الْعَشَرَةُ عَلَى إدغام: {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّفْظِ بِهِ فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِإِدْغَامِهِ مَحْضًا بِلَا إِشَارَةٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِشَارَةِ رَوْمًا وَإِشْمَامًا.

ضَابِطٌ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: جَمِيعُ مَا أَدْغَمَهُ أَبُو عَمْرٍو مِنَ الْمِثْلَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ إِذَا وَصَلَ السُّورَةَ بِالسُّورَةِ أَلْفُ حَرْفٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ لِدُخُولِ آخِرِ " الْقَدْرِ " بِـ" لَمْ يَكُنْ "وَإِذَا بَسْمَلَ وَوَصْلَ آخِرَ السُّورَةِ بِالْبَسْمَلَةِ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ لِدُخُولِ آخِرِ " الرَّعْدِ " بِأَوَّلِ " إِبْرَاهِيمَ " وَآخِرِ " إِبْرَاهِيمَ " بِأَوَّلِ " الْحِجْرِ " وَإِذَا فَصَلَ بِالسَّكْتِ وَلَمْ يُبَسْمِلْ ألف وثلاثمائة وثلاثة. الإدغام الصغير وَأَمَّا الْإِدْغَامُ الصَّغِيرُ: فَهُوَ مَا كَانَ الْحَرْفُ الْأَوَّلُ فِيهِ سَاكِنًا وَهُوَ وَاجِبٌ وَمُمْتَنِعٌ وَجَائِزٌ وَالَّذِي جَرَتْ عَادَةُ الْقُرَّاءُ بِذِكْرِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ هُوَ الْجَائِزُ لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِيهِ، وَهُوَ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: إِدْغَامُ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةٍ فِي حُرُوفٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَتَنْحَصِرُ فِي إِذْ وَقَدْ وَتَاءِ التَّأْنِيثِ وَهَلْ وَبَلْ. فإذ اخْتُلِفَ فِي إِدْغَامِهَا وَإِظْهَارِهَا عِنْدَ سِتَّةِ أَحْرُفٍ التَّاءِ: {إِذْ تَبَرَّأَ} والجيم: {إِذْ جَعَلَ} والدال: {إِذْ دَخَلْتَ} والزاي: {وَإِذْ زَاغَتِ} والسين: {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} والصاد: {وَإِذْ صَرَفْنَا} . وقد اخْتُلِفَ فِيهَا عِنْدَ ثَمَانِيَةِ أَحْرُفٍ الْجِيمِ: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ} والذال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} والزاي: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} والسين: {قَدْ سَأَلَهَا} ،

والشين: {قَدْ شَغَفَهَا} والصاد: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} والضاد: {قَدْ ضَلُّوا} والظاء: {فَقَدْ ظَلَمَ} . وَتَاءِ التَّأْنِيثِ اخْتُلِفَ فِيهَا عِنْدَ سِتَّةِ أَحْرُفٍ الثَّاءِ: {بَعِدَتْ ثَمُودُ} والجيم: {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} والزاي: {خَبَتْ زِدْنَاهُمْ} والسين: {أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} والصاد: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} والظاء: {كَانَتْ ظَالِمَةً} . ولام هل وبل اخْتُلِفَ فِيهَا عِنْدَ ثَمَانِيَةِ أَحْرُفٍ تَخْتَصُّ بَلْ مِنْهَا بِخَمْسَةٍ الزَّايِ: {بَلْ زُيِّنَ} والسين: {بَلْ سَوَّلَتْ} والضاد: {بَلْ ضَلُّوا} والطاء: {بَلْ طَبَعَ} والظاء: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} . وَتَخْتَصُّ هَلْ بِالثَّاءِ: {هَلْ ثُوِّبَ} وَيَشْتَرِكَانِ فِي التَّاءِ وَالنُّونِ: {هَلْ تَنْقِمُونَ} {بَلْ تَأْتِيهِمْ} {هَلْ نَحْنُ} {بَلْ نَتَّبِعُ} الْقِسْمُ الثَّانِي: إِدْغَامُ حُرُوفٍ قَرُبَتْ مَخَارِجُهَا وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ حَرْفًا اخْتُلِفَ فِيهَا: أَحَدُهَا: الْبَاءُ عِنْدَ الْفَاءِ فِي: {أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ} {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} {اذْهَبْ فَمَنْ} {فَاذْهَبْ فَإِنَّ} {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ} الثاني:: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} فِي الْبَقَرَةِ. الثَّالِثُ: {ارْكَبْ مَعَنَا} فِي هُودٍ. الرَّابِعُ: {نَخْسِفْ بِهِمُ} فِي سَبَأٍ. الْخَامِسُ: الرَّاءُ السَّاكِنَةُ عِنْدَ اللَّامِ نَحْوُ: {يَغْفِرْ لَكُمْ} {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} . السَّادِسُ: اللَّامُ السَّاكِنَةُ فِي الذَّالِ: {مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ} حَيْثُ وَقَعَ.

السَّابِعُ: الثَّاءُ فِي الذَّالِ فِي: {يَلْهَثْ ذَلِكَ} . الثَّامِنُ: الدَّالُ فِي الثَّاءِ: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ} حَيْثُ وَقَعَ. التَّاسِعُ: الذَّالُ فِي التَّاءِ مِنِ: {اتَّخَذْتُمُ} وَمَا جَاءَ مِنْ لَفْظِهِ. الْعَاشِرُ: الذَّالُ فِيهَا مِنْ: {فَنَبَذْتُهَا} فِي طه. الْحَادِي عَشَرَ: الذَّالُ فِيهَا أَيْضًا فِي: {عُذْتُ بِرَبِّي} فِي غَافِرٍ والدخان. الثَّانِي عَشَرَ: الثَّاءُ مِنْ: {لَبِثْتُمْ} و: {لَبِثْتَ} كَيْفَ جَاءَا. الثَّالِثَ عَشَرَ: الثَّاءُ في: {أُورِثْتُمُوهَا} في الأعراف والزخرف. الرَّابِعَ عَشَرَ: الدَّالُ فِي الذَّالِ فِي: {كهيعص ذِكْرُ} . الْخَامِسَ عَشَرَ: النُّونُ فِي الْوَاوِ مِنْ: {يس وَالْقُرْآنِ} . السَّادِسَ عَشَرَ: النُّونُ فِيهَا مِنْ: {نْ وَالْقَلَمِ} . السَّابِعَ عَشَرَ: النُّونُ عِنْدَ الْمِيمِ مِنْ: {طسم} أول الشعراء والقصص. قَاعِدَةٌ كُلُّ حَرْفَيْنِ الْتَقَيَا أَوَّلُهُمَا سَاكِنٌ وَكَانَا مِثْلَيْنِ أَوْ جِنْسَيْنِ وَجَبَ إِدْغَامُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لُغَةً وَقِرَاءَةً. فَالْمِثْلَانِ نَحْوُ: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ} {رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} {وَقَدْ دَخَلُوا} {اذْهَبْ بِكِتَابِي} {وَقُلْ لَهُمْ} {وَهُمْ مِنْ} {عَنْ نَفْسٍ} {يُدْرِكْكُمُ} {يُوَجِّهْهُ} . والجنسان نحو: {قَالَتْ طَائِفَةٌ} وقد تبين: {إِذْ ظَلَمْتُمْ} {بَلْ رَانَ} {هَلْ رَأَيْتُمْ} {قُلْ رَبِّ} مَا لَمْ يَكُنْ أَوَّلُ الْمِثْلَيْنِ حَرْفُ مَدٍّ

نحو: {قَالُوا وَهُمْ} {الَّذِي يُوَسْوِسُ} أَوْ أَوَّلُ الْجِنْسَيْنِ حَرْفُ حَلْقٍ نَحْوُ: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} . فَائِدَةٌ كَرِهَ قَوْمٌ الْإِدْغَامَ فِي الْقُرْآنِ وَعَنْ حَمْزَةَ أَنَّهُ كَرِهَهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَحَصَّلْنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أقوال. تَذْنِيبٌ يَلْحَقُ بِالْقِسْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ قِسْمٌ آخَرَ اخْتُلِفَ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ أَحْكَامُ النُّونِ السَّاكِنَةِ وَالتَّنْوِينِ وَلَهُمَا أَحْكَامٌ أَرْبَعَةٌ: إِظْهَارٌ وَإِدْغَامٌ وَإِقْلَابٌ وَإِخْفَاءٌ. فَالْإِظْهَارُ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ عِنْدَ سِتَّةِ أَحْرُفٍ وَهِيَ حُرُوفُ الْحَلْقِ: الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْغَيْنُ والخاء نحو: {يَنْأَوْنَ} {مَنْ آمَنَ} {فَانْهَارَ} {مِنْ هَادٍ} {جُرُفٍ هَارٍ} {أَنْعَمْتَ} {مِنْ عَمَلِ} {عَذَابٌ عَظِيمٌ} {وَانْحَرْ} {مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} {فَسَيُنْغِضُونَ} {مِنْ غِلٍّ} {إِلَهٍ غَيْرُهُ} {وَالْمُنْخَنِقَةُ} {مِنْ خَيْرٍ} {قَوْمٌ خَصِمُونَ} . وَبَعْضُهُمْ يُخْفِي عِنْدَ الْخَاءِ وَالْغَيْنِ. وَالْإِدْغَامُ فِي سِتَّةٍ: حَرْفَانِ بِلَا غُنَّةٍ وَهُمَا اللَّامُ وَالرَّاءُ نَحْوُ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} {مِنْ رَبِّهِمْ} {ثَمَرَةٍ رِزْقاً} وَأَرْبَعَةٌ بِغُنَّةٍ وَهِيَ النُّونُ وَالْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ نَحْوَ: {عَنْ نَفْسٍ} {حِطَّةٌ نَغْفِرْ} {مِنْ مَالٍ} {مَثَلاً مَا} {مِنْ وَالٍ} {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} {مَنْ يَقُولُ} {وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ}

وَالْإِقْلَابُ عِنْدَ حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْبَاءُ نَحْوُ: {أَنْبِئْهُمْ} {مِنْ بَعْدِهِمْ} {صُمٌّ بُكْمٌ} بِقَلْبِ النُّونِ وَالتَّنْوِينِ عِنْدَ الْبَاءِ مِيمًا خَاصَّةً فَتُخْفَى بِغُنَّةٍ. وَالْإِخْفَاءُ عِنْدَ بَاقِي الْحُرُوفِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ والكاف نحو: {كُنْتُمْ} {مَنْ تَابَ} {جَنَّاتٍ تَجْرِي} {الْأُنْثَى} {من ثمرة} {قَوْلاً ثَقِيلاً} {أَنْجَيْتَنَا} {إِنْ جَعَلَ} {خَلْقاً جَدِيداً} {أَنْدَاداً} {أَنْ دَعَوْا} {وَكَأْساً دِهَاقاً} {أَأَنْذَرْتَهُمْ} {مِنْ ذَهَبٍ} {وَكِيلاً ذُرِّيَّةٌ} {تَنْزِيلٌ مِنَ} {مِنْ زَوَالٍ} {صَعِيداً زَلَقاً} {الْإِنْسَانُ} {مِنْ سُوءٍ} {وَرَجُلاً سَلَماً} {أَنْشَرَهُ} {إِنْ شَاءَ} {غَفُورٌ شَكُورٌ} {وَالأَنْصَارِ} {أَنْ صَدُّوكُمْ} {وجمالات صفر} {مَنْضُودٍ} {مَنْ ضَلَّ} {وَكُلّاً ضَرَبْنَا} {الْمُقَنْطَرَةِ} {مِنْ طِينٍ} {صَعِيداً طَيِّباً} {يُنْظَرُونَ} {مِنْ ظَهِيرٍ} {ظِلاًّ ظَلِيلاً} {فَانْفَلَقَ} {مِنْ فَضْلِهِ} {خَالِداً فِيهَا} {انْقَلَبُوا} {مِنْ قَرَارٍ} {سَمِيعٌ قَرِيبٌ} {الْمُنْكَرِ} {مِنْ كِتَابٍ} {كِتَابٌ كَرِيمٌ} وَالْإِخْفَاءُ حَالَةٌ بَيْنَ الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ وَلَا بُدَّ مِنَ الْغُنَّةِ مَعَهُ.

النوع الثاني والثلاثون: في المد والقصر

النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الْمَدِّ وَالْقَصْرِ أَفْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالتَّصْنِيفِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَدِّ مَا أخرجه سعيد ابن مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ يَزِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُقْرِئُ رَجُلًا فَقَرَأَ الرَّجُلُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} مُرْسَلَةً فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا هَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ أَقْرَأَكَهَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} فَمَدَّ. وَهَذَا حديث حسن جَلِيلٌ حُجَّةٌ وَنَصٌّ فِي الْبَابِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ. الْمَدُّ: عِبَارَةٌ عَنْ زِيَادَةِ مَطٍّ فِي حَرْفِ الْمَدِّ عَلَى الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ وَهُوَ الَّذِي لَا تَقُومُ ذَاتُ حَرْفِ الْمَدِّ دُونَهُ. وَالْقَصْرُ: تَرْكُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَإِبْقَاءُ الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ عَلَى حَالِهِ. وَحَرْفُ الْمَدِّ الألف مطلقا والواو السَّاكِنَةُ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا وَالْيَاءُ السَّاكِنَةُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا. وَسَبَبُهُ لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ فَاللَّفْظِيُّ إِمَّا هَمْزٌ أَوْ سُكُونٌ فَالْهَمْزُ يَكُونُ بَعْدَ حَرْفِ الْمَدِّ وَقَبْلَهُ وَالثَّانِي نَحْوُ: {آدَمَ} {وَرَأى} {وإِيمَان} {وخَاطِئِينَ} {وأُوتُوا} {والمَوْؤُودَةُ} .

وَالْأَوَّلُ إِنْ كَانَ مَعَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ الْمُتَّصِلُ نَحْوُ: {أُولَئِكَ} {شَاءَ اللَّهُ} وَ: {السُّوءَ} و: {مِنْ سُوءٍ} و: {يُضِيءُ} . وَإِنْ كَانَ حَرْفُ الْمَدِّ آخَرَ كَلِمَةٍ وَالْهَمْزُ أَوَّلُ أُخْرَى فَهُوَ الْمُنْفَصِلُ نَحْوُ: {بِمَا أُنْزِلَ} {يَا أَيُّهَا} {قَالُوا آمَنَّا} {أَمْرُهُ إِلَى اللهِ} {فِي أَنْفُسِكُمْ} {بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} . وَوَجْهُ الْمَدِّ لِأَجْلِ الْهَمْزِ أَنَّ حَرْفَ الْمَدِّ خَفِيٌّ وَالْهَمْزُ صَعْبٌ فَزِيدَ فِي الْخَفِيِّ لِيُتَمَكَّنَ مِنَ النُّطْقِ بِالصَّعْبِ. وَالسُّكُونُ إِمَّا لَازِمٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ فِي حَالَيْهِ نَحْوُ: {الضَّالِّينَ} و: {دَابَّةٍ} و: {أَلَمْ} و: {أَتُحَاجُّونِّي} أَوْ عَارِضٌ: وَهُوَ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْوَقْفِ وَنَحْوِهِ نحو: {الْعِبَادِ} و: {الْحِسَابِ} وَ: {نَسْتَعِينُ} وَ: {الرَّحِيمِ} وَ: {يُوقِنُونَ} - حَالَةَ الْوَقْفِ - وَ: {فِيهِ هُدىً} و: {قَالَ لَهُمُ} و: {يَقُولُ رَبَّنَا} - حَالَةَ الْإِدْغَامِ -. وَوَجْهُ الْمَدِّ لِلسُّكُونِ التَّمَكُّنُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ حَرَكَةٍ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى مَدِّ نَوْعَيِ الْمُتَّصِلِ وَذِي السَّاكِنِ اللَّازِمِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَدِّ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ: وَهُمَا الْمُنْفَصِلُ وَذُو السَّاكِنِ الْعَارِضِ وَفِي قَصْرِهِمَا. فَأَمَّا الْمُتَّصِلُ فَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى مَدِّهِ قَدْرًا وَاحِدًا مُشَبَّعًا مِنْ غَيْرِ إِفْحَاشٍ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَفَاضُلِهِ كَتَفَاضُلِ الْمُنْفَصِلِ فَالطُّولِيُّ لِحَمْزَةَ وَوَرْشٍ وَدُونَهَا لِعَاصِمٍ وَدُونَهَا لِابْنِ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيِّ وَخَلَفٍ وَدُونَهَا لِأَبِي عَمْرٍو وَالْبَاقِينَ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مَرْتَبَتَانِ فَقَطْ الطُّولِيُّ لِمَنْ ذَكَرَ وَالْوَسَطِيُّ لِمَنْ بَقِيَ.

وَأَمَّا ذُو السَّاكِنِ وَيُقَالُ لَهُ مَدُّ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ يَعْدِلُ حَرَكَةً - فَالْجُمْهُورُ أَيْضًا عَلَى مَدِّهِ مُشَبَّعًا قَدْرًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَفَاوُتِهِ. وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ - وَيُقَالُ لَهُ مَدُّ الْفَصْلِ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَمَدُّ الْبَسْطِ لِأَنَّهُ يَبْسُطُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَمَدُّ الِاعْتِبَارِ لِاعْتِبَارِ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ وَمَدُّ حَرْفٍ بِحَرْفٍ أَيْ مَدُّ كَلِمَةٍ بِكَلِمَةٍ وَالْمَدُّ الْجَائِزُ مِنْ أَجْلِ الْخِلَافِ فِي مَدِّهِ وَقَصْرِهِ - فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْعِبَارَاتُ فِي مِقْدَارِ مَدِّهِ اخْتِلَافًا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ سَبْعَ مَرَاتِبَ: الْأُولَى: الْقَصْرُ وَهُوَ حَذْفُ الْمَدِّ الْعَرَضِيِّ وَإِبْقَاءُ ذَاتِ حَرْفِ الْمَدِّ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَهِيَ فِي الْمُنْفَصِلِ خَاصَّةً لِأَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ كَثِيرٍ وَلِأَبِي عَمْرٍو عِنْدَ الْجُمْهُورِ. الثَّانِيَةُ: فُوَيْقَ الْقَصْرِ قَلِيلًا وَقُدِّرَتْ بِأَلِفَيْنِ وَبَعْضُهُمْ بِأَلِفٍ وَنِصْفٍ وَهِيَ لِأَبِي عَمْرٍو فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ عِنْدَ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ. الثَّالِثَةُ: فُوَيْقَهَا قَلِيلًا وَهِيَ التَّوَسُّطُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَقُدِّرَتْ بِثَلَاثِ أَلِفَاتٍ وَقِيلَ بِأَلِفَيْنِ وَنِصْفٍ وَقِيلَ بِأَلِفَيْنِ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهَا بِأَلْفٍ وَنِصْفٍ وَهِيَ لِابْنِ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيِّ فِي الضَّرْبَيْنِ عِنْدَ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ. الرَّابِعَةُ: فُوَيْقَهَا قَلِيلًا وَقُدِّرَتْ بِأَرْبَعِ أَلِفَاتٍ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ وَنِصْفٍ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَهَا وَهِيَ لِعَاصِمٍ فِي الضَّرْبَيْنِ عِنْدَ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ.

الخامسة: فويقها قليلا وَقَدِّرَتْ بِخَمْسِ أَلِفَاتٍ وَبِأَرْبَعٍ وَنِصْفٍ وَبِأَرْبَعٍ عَلَى الْخِلَافِ وَهِيَ فِيهَا لِحَمْزَةَ وَوَرْشٍ عِنْدَهُ. السَّادِسَةُ: فَوْقَ ذَلِكَ وَقَدَّرَهَا الْهُذَلِيُّ بِخَمْسِ أَلِفَاتٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْخَامِسَةِ بِأَرْبَعٍ وَذَكَرَ أَنَّهَا لِحَمْزَةَ. السَّابِعَةُ: الْإِفْرَاطُ قَدَّرَهَا الْهُذَلِيُّ بِسِتٍّ وَذَكَرَهَا لِوَرْشٍ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي تَقْدِيرِ الْمَرَاتِبِ بِالْأَلِفَاتِ لَا تَحْقِيقَ وَرَاءَهُ بَلْ هُوَ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ الْمَرْتَبَةَ الدُّنْيَا - وَهِيَ الْقَصْرُ - إِذَا زِيدَ عَلَيْهَا أَدْنَى زِيَادَةٍ صَارَتْ ثَانِيَةً ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْقُصْوَى. وَأَمَّا الْعَارِضُ فَيَجُوزُ فِيهِ - لِكُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ - كُلٌّ مِنَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ: الْمَدُّ وَالتَّوَسُّطُ وَالْقَصْرُ وَهِيَ أَوْجُهُ تَخْيِيرٍ وَأَمَّا السَّبَبُ الْمَعْنَوِيُّ فَهُوَ قَصْدُ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّفْيِ وَهُوَ سَبَبٌ قَوِيٌّ مَقْصُودٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ مِنَ اللَّفْظِيِّ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَمِنْهُ مَدُّ التَّعْظِيمِ فِي نَحْوِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ} وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَصْحَابِ الْقَصْرِ فِي الْمُنْفَصِلِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَيُسَمَّى مَدُّ الْمُبَالَغَةِ قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ فِي كِتَابِ الْمَدَّاتِ إِنَّمَا سُمِّيَ مَدُّ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ إِلَهِيَّةِ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَهَذَا مَذْهَبٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا تَمُدُّ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَعِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ وَعِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ شَيْءٍ وَيَمُدُّونَ مَا لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ حَمْزَةَ مَدَّ الْمُبَالَغَةِ لِلنَّفْيِ فِي لَا الَّتِي لِلتَّبْرِئَةِ نَحْوُ: {لا رَيْبَ

فِيهِ} {لا شِيَةَ فِيهَا} {لا مَرَدَّ لَهُ} {لا جَرَمَ} وَقَدْرُهُ فِي ذَلِكَ وَسَطٌ لَا يَبْلُغُ الْإِشْبَاعَ لِضَعْفِ سَبَبِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقِصَاعِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ السَّبَبَانِ اللَّفْظِيُّ وَالْمَعْنَوِيُّ فِي نَحْوِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، وَ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، و {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فَيُمَدُّ لِحَمْزَةَ مَدًّا مُشْبَعًا عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَدِّ لِأَجْلِ الْهَمْزِ وَيُلْغَى الْمَعْنَوِيُّ إِعْمَالًا لِلْأَقْوَى وَإِلْغَاءً لِلْأَضْعَفِ. قَاعِدَةٌ إِذَا تَغَيَّرَ سَبَبُ الْمَدِّ جَازَ الْمَدُّ مُرَاعَاةً لِلْأَصْلِ وَالْقَصْرُ نَظَرًا لِلَّفْظِ سَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ هَمْزًا أَوْ سُكُونًا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ الْهَمْزُ بِبَيْنَ بَيْنَ أَوْ بِإِبْدَالٍ أَوْ حَذْفٍ وَالْمَدُّ أَوْلَى فِيمَا بَقِيَ لِتَغَيُّرِ أَثَرِهِ نَحْوُ: {هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ} فِي قِرَاءَةِ قَالُونَ وَالْبَزِّيِّ وَالْقَصْرُ فِيمَا ذَهَبَ أَثَرُهُ نَحْوَهَا فِي قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو. قَاعِدَةٌ مَتَى اجْتَمَعَ سَبَبَانِ: قَوِيٌّ وَضَعِيفٌ عُمِلَ بِالْقَوِيِّ وَأُلْغِيَ الضَّعِيفُ إِجْمَاعًا وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا فُرُوعٌ: مِنْهَا: الْفَرْعُ السَّابِقُ فِي اجْتِمَاعِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ. وَمِنْهَا: نحو: {جَاؤُوا آبَاءَهُم} ، و {رَأَى أَيْدِيَهُمْ} إِذَا قُرِئَ لِوَرْشٍ لَا يَجُوزُ

فِيهِ الْقَصْرُ وَلَا التَّوَسُّطُ بَلِ الْإِشْبَاعُ عَمَلًا بِأَقْوَى السَّبَبَيْنِ وَهُوَ الْمَدُّ لِأَجْلِ الْهَمْزِ بَعْدَهُ فَإِنْ وقف على: {جَاؤُوا} أَوْ، {رَأَى} جَازَتِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ بِسَبَبِ تَقَدُّمِ الْهَمْزِ عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ وَذَهَابِ سَبَبِيَّةِ الْهَمْزِ بَعْدَهُ. فَائِدَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مِهْرَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: مَدَّاتُ الْقُرْآنِ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ: مَدُّ الْحَجْزِ فِي نَحْوِ: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} ، {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} ، {أَإِذَا مِتْنَا} ، {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ} لِأَنَّهُ أَدْخَلَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ حَاجِزًا خَفَّفَهُمَا لِاسْتِثْقَالِ الْعَرَبِ جَمْعَهُمَا وَقَدْرُهُ أَلِفٌ تَامَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَحُصُولُ الْحَجْزِ بِذَلِكَ. وَمَدُّ الْعَدْلِ فِي كُلِّ حَرْفٍ مُشَدَّدٍ وَقَبْلَهُ حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ نَحْوُ: {الضَّالِّينَ} لِأَنَّهُ يَعْدِلُ حَرَكَةً أَيْ يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْحَجْزِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ. وَمَدُّ التَّمْكِينِ فِي نَحْوِ: {وَأُولَئِكَ} و {الْمَلائِكَةِ} و {شَعَائِرِ} وَسَائِرِ الْمِدَّاتِ الَّتِي تَلِيهَا هَمْزَةٌ لِأَنَّهُ جُلِبَ لِيُتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ تَحْقِيقِهَا وَإِخْرَاجِهَا مِنْ مَخْرَجِهَا. وَمَدُّ الْبَسْطِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مَدُّ الْفَصْلِ فِي نَحْوِ: {بِمَا أُنْزِلَ} لِأَنَّهُ يُبْسَطُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ ويصل بِهِ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ. وَمَدُّ الرَّوْمِ فِي نَحْوِ: {هَا أَنْتُمْ} لِأَنَّهُمْ يَرُومُونَ الْهَمْزَةَ مِنْ: {أَنْتُمْ}

وَلَا يُحَقِّقُونَهَا وَلَا يَتْرُكُونَهَا أَصْلًا وَلَكِنْ يُلَيِّنُونَهَا وَيُشِيرُونَ إِلَيْهَا وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَهْمِزُ: {هَا أَنْتُمْ} وَقَدْرُهُ أَلِفٌ وَنِصْفٌ. وَمَدُّ الْفَرْقِ فِي نَحْوِ: {الْآنَ} لِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ وَقَدْرُهُ أَلِفٌ تَامَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَلِفِ الْمَدِّ حَرْفٌ مُشَدَّدٌ زِيدَ أَلِفٌ أُخْرَى لِيُتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ نحو: {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ} . وَمَدُّ الْبِنْيَةِ فِي نَحْوِ: {مَاءً} وَ {دُعَاءً} وَ {نِدَاءً} و {زَكَرِيَّا} ، لِأَنَّ الِاسْمَ بُنِيَ عَلَى الْمَدِّ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْصُورِ. وَمَدُّ الْمُبَالَغَةِ فِي نَحْوِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} . وَمَدُّ الْبَدَلِ مِنَ الْهَمْزَةِ فِي نَحْوِ: {آدَمَ} وَ {آخَرَ} وَ {آمَنَ} وَقَدْرُهُ أَلِفٌ تَامَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَمَدُّ الْأَصْلِ فِي الْأَفْعَالِ الْمَمْدُودَةِ نَحْوُ: {جَاءَ} وَ {شَاءَ} وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَدِّ الْبِنْيَةِ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ بُنِيَتْ عَلَى الْمَدِّ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصُورِ وَهَذِهِ مَدَّاتٌ فِي أُصُولِ أَفْعَالٍ أُحْدِثَتْ لِمَعَانٍ. انْتَهَى.

النوع الثالث والثلاثون: في تخفيف الهمز

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي تَخْفِيفِ الْهَمْزِ فِيهِ تَصَانِيفُ مُفْرَدَةٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْهَمْزَ لَمَّا كَانَ أَثْقَلَ الْحُرُوفِ نُطْقًا وَأَبْعَدَهَا مَخْرَجًا تَنَوَّعَ الْعَرَبُ فِي تَخْفِيفِهِ بِأَنْوَاعِ التَّخْفِيفِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ أَكْثَرَهُمْ لَهُ تَخْفِيفًا وَلِذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَرِدُ تَخْفِيفُهُ مِنْ طُرُقِهِمْ كَابْنِ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ وَكَنَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ وَرْشٍ وَكَأَبِي عَمْرٍو فَإِنَّ مَادَّةَ قِرَاءَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَا هَمَزَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا الْخُلَفَاءُ وَإِنَّمَا الْهَمْزُ بِدْعَةٌ ابْتَدَعُوهَا مَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. قُلْتُ: وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيءَ اللَّهِ فَقَالَ: لَسْتُ بِنَبِيءِ اللَّهِ وَلَكِنِّي نَبِيُّ اللَّهِ قَالَ: الذَّهَبِيُّ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَحُمْرَانُ رَافِضِيٌّ لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَأَحْكَامُ الْهَمْزِ كَثِيرَةٌ لَا يُحْصِيهَا أَقَلُّ مِنْ مُجَلَّدٍ وَالَّذِي نُورِدُهُ هُنَا أَنَّ تَحْقِيقَهُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: النَّقْلُ لِحَرَكَتِهِ إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهُ فَيَسْقُطُ نحو: {قَدْ أَفْلَحَ} بِفَتْحِ الدَّالِّ وَبِهِ قَرَأَ نَافِعٌ مِنْ طَرِيقِ وَرْشٍ وَذَلِكَ حَيْثُ كَانَ السَّاكِنُ

صَحِيحًا آخِرًا وَالْهَمْزَةُ أَوَّلًا وَاسْتَثْنَى أَصْحَابُ يَعْقُوبَ عَنْ وَرْشٍ: {كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ} فَسَكَّنُوا الْهَاءَ وَحَقَّقُوا الْهَمْزَةَ وَأَمَّا الباقون فحققوا وَسَكَّنُوا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَثَانِيهَا: الْإِبْدَالُ بِأَنْ تُبْدَلَ الْهَمْزَةُ السَّاكِنَةُ حَرْفَ مَدٍّ مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا فَتُبْدَلُ أَلْفًا بَعْدَ الْفَتْحِ نحو: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} واوا بعد الضم نحو: {يُؤْمِنُونَ} وَيَاءً بَعْدَ الْكَسْرِ نَحْوَ: {جِيتَ} وَبِهِ يَقْرَأُ أَبُو عَمْرٍو وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْهَمْزَةُ فَاءً أَمْ عَيْنًا أَمْ لَامًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُكُونُهَا جزما نحو: {نَنْسَاهَا} أَوْ بِنَاءً نَحْوَ: {أَرْجِئْهُ} أَوْ يَكُونَ تَرْكُ الْهَمْزِ فِيهِ أَثْقَلُ وهو: {تُؤْوِي إِلَيْكَ} فِي الْأَحْزَابِ أَوْ يُوقِعَ فِي الِالْتِبَاسِ وهو: {رئياً} فِي مَرْيَمَ فَإِنْ تَحَرَّكَتْ فَلَا خِلَافَ عَنْهُ فِي التَّحْقِيقِ نَحْوُ: {يؤدوه} . ثَالِثُهَا: التَّسْهِيلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرَكَتِهَا فَإِنِ اتَّفَقَ الْهَمْزَتَانِ فِي الْفَتْحِ سَهَّلَ الثَّانِيَةَ الْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو وَهِشَامٌ وَأَبْدَلَهَا وَرْشٌ أَلِفًا وَابْنُ كَثِيرٍ لَا يُدْخِلُ قَبْلَهَا أَلْفًا وَقَالُونُ وَهِشَامٌ وَأَبُو عَمْرٍو يُدْخِلُونَهَا وَالْبَاقُونَ مِنَ السَّبْعَةِ يُحَقِّقُونَ وَإِنِ اخْتَلَفَا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ سَهَّلَ الْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو الثَّانِيَةَ وَأَدْخَلَ قَالُونُ وَأَبُو عَمْرٍو قَبْلَهَا أَلِفًا وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ. أَوْ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَذَلِكَ فِي: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} {أَأُلْقِيَ} فَقَطْ فَالثَّلَاثَةُ يُسَهِّلُونَ وَقَالُونُ يُدْخِلُ أَلِفًا وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ. قَالَ الدَّانِيُّ: وَقَدْ أَشَارَ الصَّحَابَةُ إِلَى التَّسْهِيلِ بِكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ وَاوًا. رَابِعُهَا: الْإِسْقَاطُ بِلَا نَقْلٍ وَبِهِ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو إِذَا اتَّفَقَا فِي الْحَرَكَةِ وَكَانَا فِي كَلِمَتَيْنِ فَإِنِ اتَّفَقَا كَسْرًا نَحْوَ: {هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ} جَعَلَ وَرْشٌ

وَقُنْبُلٌ الثَّانِيَةَ كَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَقَالُونُ وَالْبَزِّيُّ الْأُولَى كَيَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَأَسْقَطَهَا أَبُو عَمْرٍو وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ وَإِنِ اتَّفَقَا فَتْحًا نَحْوَ: {جَاءَ أَجَلُهُمْ} جَعَلَ وَرْشٌ وَقُنْبُلٌ الثَّانِيَةَ كَمَدَّةٍ وَأَسْقَطَ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ أَوْ ضَمًّا وَهُوَ: {أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} فَقَطْ أَسْقَطَهَا أَبُو عَمْرٍو وَجَعَلَهَا قَالُونُ وَالْبَزِّيُّ كَوَاوٍ مَضْمُومَةٍ وَالْآخَرَانِ يَجْعَلَانِ الثَّانِيَةَ كَوَاوٍ سَاكِنَةٍ وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّاقِطِ هَلْ هُوَ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةُ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالثَّانِي عَنِ الْخَلِيلِ مِنَ النُّحَاةِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْمَدِّ فَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْأُولَى فَهُوَ مُنْفَصِلٌ أَوِ الثَّانِيَةُ فَهُوَ مُتَّصِلٌ.

النوع الرابع والثلاثون: في كيفية تحمله

النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِ اعْلَمْ أَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأُمَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَالْعُبَادِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَلَّا يَنْقَطِعَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِيهِ فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ فَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ قَوْمٌ يَبْلُغُونَ هَذَا الْعَدَدَ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ. وَتَعْلِيمُهُ أَيْضًا فرض كفاية وهو من أَفْضَلُ الْقُرَبِ فَفِي الصَّحِيحِ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ". وَأَوْجُهُ التَّحَمُّلِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ وَالْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَالسَّمَاعُ عَلَيْهِ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَالْمُنَاوَلَةُ وَالْإِجَازَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْإِعْلَامُ وَالْوِجَادَةُ فَأَمَّا غَيْرُ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يَأْتِي هُنَا لِمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ فَهِيَ الْمُسْتَعْمَلَةُ سَلَفًا وَخَلَفًا وَأَمَّا السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِهِ هُنَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّمَا أَخَذُوا الْقُرْآنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْمَنْعُ فِيهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا كَيْفِيَّةُ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ كَهَيْئَتِهِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمَعْنَى أَوِ اللَّفْظُ لَا بِالْهَيْئَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي أَدَاءِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَكَانَتْ

فَصَاحَتُهُمْ وَطِبَاعُهُمُ السَّلِيمَةُ تَقْتَضِي قُدْرَتَهُمْ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا سَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ. وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ عَرْضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي رَمَضَانَ كُلَّ عَامٍ وَيُحْكَى أَنَّ الشَّيْخَ شَمْسَ الدِّينِ بْنَ الْجَزَرِيِّ لَمَّا قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ الْخَلْقُ لَمْ يَتَّسِعْ وَقْتُهُ لِقِرَاءَةِ الْجَمِيعِ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ ثُمَّ يُعِيدُونَهَا عَلَيْهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَكْتَفِ بِقِرَاءَتِهِ. وَتَجُوزُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ يَقْرَأُ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهُمْ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينٍ السَّخَاوِيُّ يَقْرَأُ عَلَيْهِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَيَرُدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّيْخُ مُشْتَغِلًا بِشُغْلٍ آخَرَ كَنَسْخٍ وَمُطَالَعَةٍ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ مِنَ الْحِفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ يَكْفِي وَلَوْ مِنَ الْمُصْحَفِ. فَصْلٌ كَيْفِيَّاتُ الْقِرَاءَةِ ثَلَاثٌ: أَحَدُهَا: التَّحْقِيقُ وَهُوَ إِعْطَاءُ كُلِّ حَرْفٍ حَقَّهُ مِنْ إِشْبَاعِ الْمَدِّ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَإِتْمَامِ الْحَرَكَاتِ وَاعْتِمَادِ الْإِظْهَارِ وَالتَّشْدِيدَاتِ وَبَيَانِ الْحُرُوفِ وَتَفْكِيكِهَا وَإِخْرَاجِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ بِالسَّكْتِ وَالتَّرْتِيلِ وَالتُّؤَدَةِ وَمُلَاحَظَةِ الْجَائِزِ مِنَ الْوُقُوفِ بِلَا قَصْرٍ وَلَا اخْتِلَاسٍ وَلَا إِسْكَانِ مُحَرَّكٍ وَلَا إِدْغَامِهِ وَهُوَ يَكُونُ لِرِيَاضَةِ الْأَلْسُنِ وَتَقْوِيمِ الْأَلْفَاظِ وَيُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ بِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَجَاوَزَ فِيهِ إِلَى حَدِّ الْإِفْرَاطِ بِتَوْلِيدِ الْحُرُوفِ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءَاتِ وَتَحْرِيكِ السَّوَاكِنِ وَتَطْنِينِ النُّونَاتِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْغُنَّاتِ، كَمَا قَالَ

حَمْزَةُ لِبَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ يُبَالِغُ فِي ذَلِكَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَا فَوْقَ الْبَيَاضِ بَرَصٌ وَمَا فَوْقَ الْجُعُودَةِ قَطَطٌ وَمَا فَوْقَ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ؟! وَكَذَا يُحْتَرَزُ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ كَمَنْ يَقِفُ عَلَى التَّاءِ مِنْ: {نَسْتَعِينُ} وَقْفَةً لَطِيفَةً مُدَّعِيًا أَنَّهُ يُرَتِّلُ وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَذْهَبُ حَمْزَةَ وَوَرْشٍ وَقَدْ أَخْرَجَ فِيهِ الدَّانِيُّ حَدِيثًا فِي كِتَابِ التَّجْوِيدِ مُسَلْسَلًا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم التَّحْقِيقَ وَقَالَ: إِنَّهُ غَرِيبٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ. الثَّانِيَةُ: الْحَدْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ إِدْرَاجُ الْقِرَاءَةِ وَسُرْعَتُهَا وَتَخْفِيفُهَا بِالْقَصْرِ وَالتَّسْكِينِ وَالِاخْتِلَاسِ وَالْبَدَلِ وَالْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مَعَ مُرَاعَاةِ إِقَامَةِ الْإِعْرَابِ وَتَقْوِيمِ اللَّفْظِ وَتَمَكُّنِ الْحُرُوفِ بِدُونِ بَتْرِ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاخْتِلَاسِ أَكْثَرِ الْحَرَكَاتِ وَذَهَابِ صَوْتِ الْغُنَّةِ وَالتَّفْرِيطِ إِلَى غَايَةٍ لَا تَصِحُّ بِهَا الْقِرَاءَةُ وَلَا تُوصَفُ بِهَا التِّلَاوَةُ وَهَذَا النَّوْعُ مَذْهَبُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ. وَمَنْ قَصَرَ الْمُنْفَصِلَ كَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ. الثَّالِثَةُ: التَّدْوِيرُ: وَهُوَ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ مِنَ التَّحْقِيقِ وَالْحَدْرِ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ عَنْ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ مَدَّ الْمُنْفَصِلَ وَلَمْ يَبْلُغْ فِيهِ الْإِشْبَاعَ وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ الْقُرَّاءِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ. تَنْبِيهٌ سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا اسْتِحْبَابُ التَّرْتِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْقِيقِ - فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ - أَنَّ التَّحْقِيقَ يَكُونُ لِلرِّيَاضَةِ وَالتَّعْلِيمِ

وَالتَّمْرِينِ وَالتَّرْتِيلَ يَكُونُ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالِاسْتِنْبَاطِ فَكُلُّ تَحْقِيقٍ تَرْتِيلٌ وَلَيْسَ كُلُّ تَرْتِيلٍ تَحْقِيقًا. فَصْلٌ مِنَ الْمُهِمَّاتِ تَجْوِيدُ الْقُرْآنِ وَقَدْ أَفْرَدَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ بِالتَّصْنِيفِ وَمِنْهُمُ الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "جَوِّدُوا الْقُرْآنَ ". قَالَ الْقُرَّاءُ: التَّجْوِيدُ حِلْيَةُ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حُقُوقَهَا وَتَرْتِيبَهَا وَرَدُّ الْحَرْفِ إِلَى مَخْرَجِهِ وَأَصْلِهِ وَتَلْطِيفُ النُّطْقِ بِهِ عَلَى كَمَالِ هَيْئَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَعَسُّفٍ وَلَا إِفْرَاطٍ وَلَا تَكَلُّفٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ " - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ أُعْطِيَ حَظًّا عَظِيمًا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُمَّةَ كَمَا هُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِفَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ هُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِتَصْحِيحِ أَلْفَاظِهِ وَإِقَامَةِ حُرُوفِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَقَدْ عَدَّ الْعُلَمَاءُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِ تَجْوِيدٍ لَحْنًا فَقَسَّمُوا اللَّحْنَ إِلَى جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ فَاللَّحْنُ خَلَلٌ يَطْرَأُ عَلَى الْأَلْفَاظِ فَيُخِلُّ إِلَّا أَنَّ الْجَلِيَّ يُخِلُّ إِخْلَالًا ظَاهِرًا يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ وَالْخَفِيَّ يُخِلُّ إِخْلَالًا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَةِ وَأَئِمَّةُ الْأَدَاءِ الَّذِينَ تَلَقَّوْهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ وَضَبَطُوهُ مِنْ أَلْفَاظِ أَهْلِ الْأَدَاءِ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَلَا أَعْلَمُ لِبُلُوغِ النِّهَايَةِ فِي التَّجْوِيدِ مِثْلَ رِيَاضَةِ الْأَلْسُنِ

وَالتَّكْرَارِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُتَلَقَّى مِنْ فَمِ الْمُحَسِّنِ. وَقَاعِدَتُهُ تَرْجِعُ إِلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ وَالْإِمَالَةِ وَالْإِدْغَامِ وَأَحْكَامِ الْهَمْزِ وَالتَّرْقِيقِ وَالتَّفْخِيمِ وَمَخَارِجِ الْحُرُوفِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ وَأَمَّا التَّرْقِيقُ فَالْحُرُوفُ الْمُسْتَفِلَةُ كُلُّهَا مُرَقَّقَةٌ لَا يَجُوزُ تَفْخِيمُهَا إِلَّا اللَّامَ مِنِ اسْمِ اللَّهِ بَعْدَ فَتْحَةٍ أَوْ ضَمَّةٍ إِجْمَاعًا أَوْ بَعْدَ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ فِي رِوَايَةٍ إِلَّا الرَّاءَ الْمَضْمُومَةَ أَوِ الْمَفْتُوحَةَ مُطْلَقًا أَوِ السَّاكِنَةَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. وَالْحُرُوفُ الْمُسْتَعْلِيَةُ كُلُّهَا مُفَخَّمَةٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا شَيْءٌ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَأَمَّا مَخَارِجُ الْحُرُوفِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَمُتَقَدِّمِي النُّحَاةِ كَالْخَلِيلِ أَنَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ: سِتَّةَ عَشَرَ فَأَسْقَطُوا مَخْرَجَ الْحُرُوفِ الْجَوْفِيَّةِ وَهِيَ حُرُوفُ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَجَعَلُوا مَخْرَجَ الْأَلِفِ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ وَالْوَاوِ مِنْ مَخْرَجِ الْمُتَحَرِّكَةِ وَكَذَا الْيَاءُ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَأَسْقَطُوا مَخْرَجَ النُّونِ وَاللَّامِ وَالرَّاءِ وَجَعَلُوهَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ وَإِلَّا فَلِكُلِّ حَرْفٍ مَخْرَجٌ عَلَى حدة. قال القراء: واختيار مَخْرَجِ الْحَرْفِ مُحَقَّقًا أَنْ تَلْفِظَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ وَتَأْتِيَ بِالْحَرْفِ بَعْدَهُ سَاكِنًا أَوْ مُشَدَّدًا وَهُوَ أَبْيَنُ مُلَاحِظًا فِيهِ صِفَاتِ ذَلِكَ الْحَرْفِ:

الْمَخْرَجُ الْأَوَّلُ: الْجَوْفُ لِلْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ السَّاكِنَتَيْنِ بَعْدَ حَرَكَةٍ تُجَانِسُهُمَا. الثَّانِي: أَقْصَى الْحَلْقِ لِلْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ. الثَّالِثُ: وَسَطُهُ لِلْعَيْنِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ. الرَّابِعُ: أَدْنَاهُ لِلْفَمِ لِلْغَيْنِ وَالْخَاءِ. الْخَامِسُ: أَقْصَى اللِّسَانِ مِمَّا يَلِي الْحَلْقَ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ لِلْقَافِ. السَّادِسُ: أَقْصَاهُ مِنْ أَسْفَلِ مَخْرَجِ الْقَافِ قَلِيلًا وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْحَنَكِ لِلْكَافِ. السَّابِعُ: وَسَطُهُ بينه وبين وسط الحنك الجيم وَالشِّينِ وَالْيَاءِ. الثَّامِنُ: لِلضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ أَوَّلِ حَافَّةِ اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْأَضْرَاسِ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ الْأَيْمَنِ. التَّاسِعُ: اللَّامُ مِنْ حَافَةِ اللِّسَانِ مِنْ أَدْنَاهَا إِلَى مُنْتَهَى طَرَفِهِ وَمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يَلِيهَا مِنَ الْحَنَكِ الْأَعْلَى. الْعَاشِرُ: لِلنُّونِ مِنْ طَرَفِهِ أَسْفَلَ اللَّامِ قَلِيلًا. الْحَادِيَ عَشَرَ: لِلرَّاءِ مِنْ مَخْرَجِ النُّونِ لَكِنَّهَا أَدْخَلُ فِي ظَهْرِ اللِّسَانِ.

الثَّانِيَ عَشَرَ: لِلطَّاءِ وَالدَّالِ وَالتَّاءِ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأُصُولِ الثَّنَايَا العلياء مُصْعِدًا إِلَى جِهَةِ الْحَنَكِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: الْحَرْفُ الصغير الصاد والسين والزاء مِنْ بَيْنِ طَرَفِ اللِّسَانِ وَفُوَيْقَ الثَّنَايَا السُّفْلَى. الرَّابِعَ عَشَرَ: لِلظَّاءِ وَالثَّاءِ وَالذَّالِ مِنْ بَيْنِ طَرَفِهِ وأطراف الثنايا العلياء. الْخَامِسَ عَشَرَ: لِلْفَاءِ مِنْ بَاطِنِ الشَّفَةِ السُّفْلَى واطراف الثنايا العلياء. السَّادِسَ عَشَرَ لِلْبَاءِ وَالْمِيمِ وَالْوَاوِ غَيْرِ الْمَدِّيَّةِ بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ السَّابِعَ عَشَرَ الْخَيْشُومُ لِلْغُنَّةِ فِي الْإِدْغَامِ والنون أوالميم السَّاكِنَةِ. قَالَ فِي النَّشْرِ: فَالْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ اشْتَرَكَا مَخْرَجًا وَانْفِتَاحًا وَاسْتِفَالًا وَانْفَرَدَتِ الْهَمْزَةُ بِالْجَهْرِ وَالشِّدَّةِ وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ اشْتَرَكَا كَذَلِكَ وَانْفَرَدَتِ الْحَاءُ بِالْهَمْسِ وَالرَّخَاوَةِ الْخَالِصَةِ. وَالْغَيْنُ وَالْخَاءُ اشْتَرَكَا مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَاسْتِعْلَاءً وَانْفِتَاحًا وَانْفَرَدَتِ الْغَيْنُ بِالْجَهْرِ. وَالْجِيمُ وَالشِّينُ وَالْيَاءُ اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَانْفِتَاحًا وَاسْتِفَالًا وَانْفَرَدَتِ الْجِيمُ بالشدة وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الْيَاءِ فِي الْجَهْرِ وَانْفَرَدَتِ الشِّينُ بِالْهَمْسِ وَالتَّفَشِّي وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الْيَاءِ فِي الرَّخَاوَةِ. وَالضَّادُ وَالظَّاءُ اشْتَرَكَا صِفَةً جَهْرًا وَرَخَاوَةً وَاسْتِعْلَاءً وَإِطْبَاقًا وَافْتَرَقَا

مَخْرَجًا وَانْفَرَدَتِ الضَّادُ بِالِاسْتِطَالَةِ. وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَالتَّاءُ اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَشِدَّةً وَانْفَرَدَتِ الطَّاءُ بِالْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الدَّالِ فِي الْجَهْرِ وَانْفَرَدَتِ التَّاءُ بِالْهَمْسِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الدَّالِ فِي الِانْفِتَاحِ وَالِاسْتِفَالِ. وَالظَّاءُ وَالذَّالُ وَالثَّاءُ اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَانْفَرَدَتِ الظَّاءُ بِالِاسْتِعْلَاءِ وَالْإِطْبَاقِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الذَّالِ فِي الْجَهْرِ وَانْفَرَدَتِ الثَّاءُ بِالْهَمْسِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ الذَّالِ انْفِتَاحًا وَاسْتِفَالًا. وَالصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ اشْتَرَكَتْ مَخْرَجًا وَرَخَاوَةً وَصَفِيرًا وَانْفَرَدَتِ الصَّادُ بِالْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ السِّينِ فِي الْهَمْسِ وَانْفَرَدَتِ الزَّايُ بِالْجَهْرِ وَاشْتَرَكَتْ مَعَ السِّينِ فِي الِانْفِتَاحِ وَالِاسْتِفَالِ فَإِذَا أَحْكَمَ الْقَارِئُ النُّطْقَ بِكُلِّ حَرْفٍ عَلَى حِدَتِهِ مُوَفًّى حَقَّهُ فَلْيُعْمِلْ نَفْسَهُ بِإِحْكَامِهِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَنِ التَّرْكِيبِ مَا لَمْ يَكُنْ حَالَةَ الْإِفْرَادِ بِحَسَبِ مَا يُجَاوِرُهَا مِنْ مُجَانِسٍ وَمُقَارِبٍ وَقَوِيٍّ وَضَعِيفٍ وَمُفَخَّمٍ وَمُرَقَّقٍ فَيَجْذِبُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ وَيَغْلِبُ الْمُفَخَّمُ الْمُرَقَّقَ وَيَصْعُبُ عَلَى اللِّسَانِ النُّطْقُ بِذَلِكَ عَلَى حَقِّهِ إِلَّا بِالرِّيَاضَةِ الشَّدِيدَةِ: فَمَنْ أَحْكَمَ صِحَّةَ التَّلَفُّظِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ حَصَّلَ حَقِيقَةَ التَّجْوِيدِ. وَمِنْ قَصِيدَةِ الشَّيْخِ عَلَمِ الدِّينِ فِي التَّجْوِيدِ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ: لَا تَحْسَبِ التَّجْوِيدَ مَدًّا مُفْرِطًا أَوْ مَدَّ مَا لَا مَدَّ فِيهِ لِوَانِ أَوْ أَنْ تُشَدِّدَ بَعْدَ مَدٍّ هَمْزَةً أَوْ أَنْ تَلُوكَ الْحَرْفَ كَالسَّكْرَانِ أَوْ أَنْ تَفُوهَ بِهَمْزَةٍ مُتَهَوِّعًا فَيَفِرُّ سَامِعُهَا مِنَ الْغَثَيَانِ لِلْحَرْفِ مِيزَانٌ فَلَا تَكُ طَاغِيًا فِيهِ وَلَا تَكُ مُخْسِرَ الْمِيزَانِ

فإذا همزت فجيء بِهِ مُتَلَطِّفًا مِنْ غَيْرِ مَا بُهْرٍ وَغَيْرِ تَوَانِ وَامْدُدْ حُرُوفَ الْمَدِّ عِنْدَ مُسَكَّنٍ أَوْ هَمْزَةٍ حَسَنًا أَخَا إِحْسَانِ فَائِدَةٌ قَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ: قَدْ ابْتَدَعَ النَّاسُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَصْوَاتَ الْغِنَاءِ وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا غُنِّيَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} ،نَقَلُوا ذَلِكَ مِنْ تَغَنِّيهِمْ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: أَمَّا الْقَطَاةُ فَإِنِّي سَوْفَ أَنْعَتُهَا نَعْتًا يُوَافِقُ عِنْدِي بَعْضَ مَا فِيهَا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَؤُلَاءِ: "مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ ". وَمِمَّا ابْتَدَعُوهُ شَيْءٌ سَمَّوْهُ التَّرْعِيدَ وَهُوَ أَنْ يُرْعِدَ صَوْتَهُ كَالَّذِي يُرْعِدُ مِنْ بَرْدٍ أَوْ ألم. وآخره سَمَّوْهُ التَّرْقِيصَ وَهُوَ أَنْ يَرُومَ السكون عَلَى السَّاكِنِ ثُمَّ يَنْفِرُ مَعَ الْحَرَكَةِ كَأَنَّهُ فِي عَدْوٍ أَوْ هَرْوَلَةٍ. وَآخَرُ يُسَمَّى التَّطْرِيبَ وَهُوَ أَنْ يَتَرَنَّمَ بِالْقُرْآنِ وَيَتَنَغَّمَ بِهِ فَيَمُدَّ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْمَدِّ وَيَزِيدَ فِي الْمَدِّ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي. وَآخَرُ يُسَمَّى التَّحْزِينَ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى وَجْهٍ حَزِينٍ يَكَادُ يَبْكِي مَعَ خُشُوعٍ وَخُضُوعٍ. وَمِنْ ذَلِكَ نَوْعٌ أَحْدَثَهُ هؤلاء الذين يجتمعون فيقرؤون كُلُّهُمْ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} " أَفَلَ تعقلون " بحذف الألف،

وقال: {آمَنَّا} بِحَذْفِ الْوَاوِ وَيَمُدُّونَ مَا لَا يُمَدُّ لِيَسْتَقِيمَ لَهُمُ الطَّرِيقُ الَّتِي سَلَكُوهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى التَّحْرِيفَ. انْتَهَى. فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِإِفْرَادِ الْقِرَاءَاتِ وَجَمْعِهَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ أَخْذُ كُلِّ خَتْمَةٍ بِرِوَايَةٍ لَا يَجْمَعُونَ رِوَايَةً إِلَى غَيْرِهَا إِلَّا أَثْنَاءَ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ فَظَهَرَ جَمْعُ الْقِرَاءَاتِ فِي الْخَتْمَةِ الْوَاحِدَةِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، الْعَمَلُ وَلَمْ يَكُونُوا يَسْمَحُونَ بِهِ إِلَّا لِمَنْ أَفْرَدَ الْقِرَاءَاتِ وَأَتْقَنَ طُرُقَهَا وَقَرَأَ لِكُلِّ قَارِئٍ بِخَتْمَةٍ عَلَى حِدَةٍ بَلْ إِذَا كَانَ لِلشَّيْخِ روايات قرؤوا لِكُلِّ رَاوٍ بِخَتْمَةٍ ثُمَّ يَجْمَعُونَ لَهُ وَهَكَذَا. وَتَسَاهَلَ قَوْمٌ فَسَمَحُوا أَنْ يَقْرَأَ لِكُلِّ قَارِئٍ مِنَ السَّبْعَةِ بِخَتْمَةٍ سِوَى نَافِعٍ وَحَمْزَةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ بِخَتْمَةٍ لِقَالُونَ ثُمَّ خَتْمَةٍ لِوَرْشٍ ثُمَّ خَتْمَةٍ لِخَلَفٍ ثُمَّ خَتْمَةٍ لِخَلَّادٍ وَلَا يَسْمَحُ أَحَدٌ بِالْجَمْعِ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَعَمْ إِذَا رَأَوْا شَخْصًا أَفْرَدَ وَجَمَعَ عَلَى شَيْخٍ مُعْتَبَرٍ وَأُجِيزَ وَتَأَهَّلَ وَأَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الْقِرَاءَاتِ فِي خَتْمَةٍ لَا يُكَلِّفُونَهُ الْإِفْرَادَ لِعِلْمِهِمْ بِوُصُولِهِ إِلَى حَدِّ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِتْقَانِ. ثُمَّ لَهُمْ فِي الْجَمْعِ مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا: الْجَمْعُ بِالْحَرْفِ بِأَنْ يَشْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِذَا مَرَّ بِكَلِمَةٍ فِيهَا خُلْفٌ أَعَادَهَا بِمُفْرَدِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا فِيهَا ثُمَّ يَقِفَ عَلَيْهَا إِنَّ صَلَحَتْ لِلْوَقْفِ وَإِلَّا وَصَلَهَا بِآخِرِ وَجْهٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْوَقْفِ. وَإِنْ كَانَ الْخُلْفُ يَتَعَلَّقُ بِكَلِمَتَيْنِ كَالْمَدِّ الْمُنْفَصِلِ وَقَفَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَاسْتَوْعَبَ الْخِلَافَ وَانْتَقَلَ إِلَى

مَا بَعْدَهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الْمِصْرِيِّينَ وَهُوَ أَوْثَقُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَأَخَفُّ عَلَى الْآخِذِ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ رَوْنَقِ الْقِرَاءَةِ وَحُسْنِ التِّلَاوَةِ. الثَّانِي: الْجَمْعُ بِالْوَقْفِ بِأَنْ يَشْرَعَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَدَّمَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْفٍ ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْقَارِئِ الَّذِي بَعْدَهُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْفِ ثُمَّ يَعُودَ وَهَكَذَا حَتَّى يَفْرُغَ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّامِيِّينَ وَهُوَ أَشَدُّ اسْتِحْضَارًا وَأَشَدُّ اسْتِظْهَارًا وَأَطْوَلُ زَمَنًا وَأَجْوَدُ مَكَانًا وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَجْمَعُ بِالْآيَةِ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَيْجَاطِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ وشرحها: الجامع الْقِرَاءَاتِ شُرُوطًا سَبْعَةً حَاصِلُهَا خَمْسَةٌ: أَحَدُهَا: حُسْنُ الْوَقْفِ. ثَانِيهَا: حُسْنُ الِابْتِدَاءِ. ثَالِثُهَا: حُسْنُ الْأَدَاءِ. رَابِعُهَا: عَدَمُ التَّرْكِيبِ، فَإِذَا قَرَأَ لِقَارِئٍ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهِ حَتَّى يُتِمَّ مَا فِيهَا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَدَعْهُ الشَّيْخُ بَلْ يُشِيرُ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ قَالَ: لَمْ تَصِلْ فَإِنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ مَكَثَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ فَإِنْ عَجَزَ ذَكَرَ لَهُ. الْخَامِسُ: رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُؤَلِّفُونَ فِي كُتُبِهِمْ فَيَبْدَأُ بِنَافِعٍ قَبْلَ ابْنِ كَثِيرٍ وَبِقَالُونَ قَبْلَ وَرْشٍ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مُسْتَحَبٌّ بَلِ الَّذِينَ أَدْرَكْنَاهُمْ مِنَ الْأُسْتَاذَيْنِ لَا يَعُدُّونَ الْمَاهِرَ إِلَّا مَنْ يَلْتَزِمُ تَقْدِيمَ شَخْصٍ

بِعَيْنِهِ وَبَعْضُهُمْ كَانَ يُرَاعِي فِي الْجَمْعِ التَّنَاسُبَ فَيَبْدَأُ بِالْقَصْرِ ثُمَّ بِالرُّتْبَةِ الَّتِي فَوْقَهُ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ مَرَاتِبِ الْمَدِّ وَيَبْدَأُ بِالْمُشْبَعِ ثُمَّ بِمَا دُونَهُ إِلَى الْقَصْرِ وَإِنَّمَا يُسْلَكُ ذَلِكَ مَعَ شَيْخٍ بَارِعٍ عَظِيمِ الِاسْتِحْضَارِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُسْلَكُ مَعَهُ تَرْتِيبٌ وَاحِدٌ. قَالَ: وَعَلَى الْجَامِعِ أَنْ يَنْظُرَ مَا فِي الْأَحْرُفِ مِنَ الْخِلَافِ أُصُولًا وَفَرْشًا فَمَا أَمْكَنَ فِيهِ التَّدَاخُلُ اكْتُفِيَ مِنْهُ بِوَجْهٍ وَمَا لَمْ يُمْكِنْ فِيهِ نُظِرَ فَإِنْ أَمْكَنَ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيطٍ وَلَا تَرْكِيبٍ اعْتَمَدَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْسُنْ عَطْفُهُ رَجَعَ إِلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْأَوْجُهَ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ إِهْمَالٍ وَلَا تَرْكِيبٍ وَلَا إِعَادَةِ مَا دَخَلَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ وَالثَّالِثَ مَعِيبٌ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالتَّلْفِيقِ وَخَلْطُ قِرَاءَةٍ بِأُخْرَى فَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا. وَأَمَّا الْقِرَاءَاتُ وَالرِّوَايَاتُ وَالطُّرُقُ وَالْأَوْجُهُ فَلَيْسَ لِلْقَارِئِ أَنْ يَدَعَ مِنْهَا شَيْئًا أَوْ يُخِلَّ بِهِ فَإِنَّهُ خَلَلٌ فِي إِكْمَالِ الرِّوَايَةِ إِلَّا الْأَوْجُهَ فَإِنَّهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ فَأَيُّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا قَدْرُ مَا يُقْرَأُ حَالَ الْأَخْذِ فَقَدْ كَانَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ لَا يَزِيدُونَ عَلَى عَشْرِ آيَاتٍ لِكَائِنٍ مَنْ كَانَ وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَرَأَوْهُ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْآخِذِ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: والذي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْأَخْذُ فِي الْإِفْرَادِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَفِي الْجَمْعِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَحُدَّ لَهُ آخَرُونَ حَدًّا وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّخَاوِيِّ.

وَقَدْ لَخَّصْتُ هَذَا النَّوْعَ وَرَتَّبْتُ فِيهِ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَاتِ وَهُوَ نَوْعٌ مُهِمٌّ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَارِئُ كَاحْتِيَاجِ الْمُحَدِّثِ إِلَى مِثْلِهِ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ. فَائِدَةٌ ادَّعَى ابْنُ خَيْرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ وَلَوْ بِالْإِجَازَةِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ آيَةً أَوْ يَقْرَأَهَا مَا لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى شَيْخٍ؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَلِذَلِكَ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَدَاءِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ. وَلِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ أَنْ يُدْخَلَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَوْ يُتَقَوَّلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْهُ وَالْقُرْآنُ مَحْفُوظٌ مُتَلَقًّى مُتَدَاوَلٌ مُيَسَّرٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ: الْإِجَازَةُ مِنَ الشَّيْخِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي جَوَازِ التَّصَدِّي لِلْإِقْرَاءِ وَالْإِفَادَةِ فَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ وَعَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ الْأَوَّلُونَ وَالصَّدْرُ الصَّالِحُ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ عِلْمٍ وَفِي الْإِقْرَاءِ وَالْإِفْتَاءِ خِلَافًا لِمَا يَتَوَهَّمُهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنِ اعْتِقَادِ كَوْنِهَا شَرْطًا. وَإِنَّمَا اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى الْإِجَازَةِ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الشَّخْصِ لَا يَعْلَمُهَا غَالِبًا مَنْ يُرِيدُ الْأَخْذَ عَنْهُ مِنَ الْمُبْتَدِئِينَ وَنَحْوِهِمْ لِقُصُورِ مَقَامِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَالْبَحْثُ عَنِ الْأَهْلِيَّةِ قَبْلَ الْأَخْذِ شَرْطٌ فَجُعِلَتِ الْإِجَازَةُ كَالشَّهَادَةِ مِنَ الشَّيْخِ لِلْمُجَازِ بِالْأَهْلِيَّةِ.

فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ مَا اعْتَادَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ الْقُرَّاءِ مِنِ امْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْإِجَازَةِ إِلَّا بِأَخْذِ مَالٍ فِي مُقَابِلِهَا لَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا بَلْ إِنْ عَلِمَ أَهْلِيَّتَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَازَةُ أَوْ عَدَمَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتِ الْإِجَازَةُ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ عَنْهَا وَلَا الْأُجْرَةُ عَلَيْهَا. وَفِي فَتَاوَى الصَّدْرِ مَوْهُوبٌ الْجَزَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْخٍ طَلَبَ مِنَ الطَّالِبِ شَيْئًا عَلَى إِجَازَتِهِ فَهَلْ لِلطَّالِبِ رَفْعُهُ إِلَى الْحَاكِمِ وَإِجْبَارُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ؟ فَأَجَابَ: لَا تَجِبُ الْإِجَازَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا. وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ أَجَازَهُ الشَّيْخُ بِالْإِقْرَاءِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ وَخَافَ الشَّيْخُ مِنْ تَفْرِيطِهِ فَهَلْ لَهُ النُّزُولُ عَنِ الْإِجَازَةِ: فَأَجَابَ لَا تَبْطُلُ الْإِجَازَةُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ دَيِّنٍ. وَأَمَّا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ فَجَائِزٌ فَفِي الْبُخَارِيِّ: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ " وَقِيلَ: إِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ فَأَهْدَى لَهُ قَوْسًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ سَرَّكَ أَنْ تُطَوَّقَ بِهَا طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا ". وَأَجَابَ مَنْ جَوَّزَهُ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالًا وَلِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِتَعْلِيمِهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِخِلَافِ مَنْ يَعْقِدُ مَعَهُ إِجَارَةً قَبْلَ التَّعْلِيمِ.

وَفِي الْبُسْتَانِ لِأَبِي اللَّيْثِ: التَّعْلِيمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لِلْحِسْبَةِ وَلَا يَأْخُذُ بِهِ عِوَضًا. وَالثَّانِي: أَنْ يُعَلِّمَ بِالْأُجْرَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُعَلِّمَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِذَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ قَبِلَ. فَالْأَوَّلُ مَأْجُورٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْأَرْجَحُ الْجَوَازُ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ إِجْمَاعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُعَلِّمًا لِلْخَلْقِ وَكَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ. فَائِدَةٌ رَابِعَةٌ كَانَ ابْنُ بُصْحَانَ إِذَا رَدَّ عَلَى الْقَارِئِ شَيْئًا فَاتَهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ كَتَبَهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَإِذَا أَكْمَلَ الْخَتْمَةَ وَطَلَبَ الْإِجَازَةَ سَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ عَرَفَهَا أَجَازَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ يَجْمَعُ خَتْمَةً أُخْرَى. فَائِدَةٌ أُخْرَى عَلَى مُرِيدِ تَحْقِيقِ الْقِرَاءَاتِ وَإِحْكَامِ تِلَاوَةِ الْحُرُوفِ أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا كَامِلًا يَسْتَحْضِرُ بِهِ اختلاف القراءة وتميز الْخِلَافِ الْوَاجِبِ مِنَ الْخِلَافِ الْجَائِزِ.

فَائِدَةٌ أُخْرَى قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا الْبَشَرَ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطُوا ذَلِكَ وَأَنَّهَا حَرِيصَةٌ لِذَلِكَ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنَ الْإِنْسِ.

النوع الخامس والثلاثون: في آداب تلاوته وتاليه

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي آدَابِ تِلَاوَتِهِ وَتَالِيهِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي الْأَذْكَارِ جُمْلَةً مِنَ الْآدَابِ وَأَنَا أُلَخِّصُهَا هُنَا وَأَزِيدُ عَلَيْهَا أَضْعَافَهَا وَأُفَصِّلُهَا مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُهَا. مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ قَالَ تَعَالَى مُثْنِيًا عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ دأبه {تْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْل} . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ". وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا". وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ ".

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أمامة: "اقرؤوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: "الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يَتَرَاءَى لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تَتَرَاءَى النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ". وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "نَوِّرُوا مَنَازِلَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ". وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: "أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ". وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: "كُلُّ مُؤْدِبٍ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى مَأْدُبَتُهُ وَمَأْدُبَةُ اللَّهِ الْقُرْآنُ فَلَا تَهْجُرُوهُ". وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدَةَ الْمَكِّيِّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ لَا تَتَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَفْشُوهُ وَتَدَبَّرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ". وَقَدْ كَانَ لِلسَّلَفِ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ عَادَاتٌ فَأَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ: "مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَمَانِيَ خَتَمَاتٍ: أَرْبَعًا فِي اللَّيْلِ وَأَرْبَعًا فِي النَّهَارِ "،وَيَلِيهِ: "مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعًا "، وَيَلِيهِ ثَلَاثًا وَيَلِيهِ ختمين وَيَلِيهِ خَتْمَةً. وَقَدْ ذَمَّتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مِخْرَاقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: إِنَّ رِجَالًا يَقْرَأُ أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَتْ: قرؤوا ولم يقرؤوا كُنْتُ أَقُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ التَّمَامِ فَيَقْرَأُ بِالْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ فَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا اسْتِبْشَارٌ إِلَّا دَعَا وَرَغِبَ وَلَا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ إِلَّا دَعَا وَاسْتَعَاذَ.

وَيْلِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي لَيْلَتَيْنِ وَيَلِيهِ مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَهُوَ حَسَنٌ. وَكَرِهَ جَمَاعَاتٌ الْخَتْمَ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أقل من ثلاث ". وأخرج ابن دَاوُدَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: "قَالَ لَا تقرؤوا الْقُرْآنَ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ ". وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ - وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ – قَالَ: قُلْتُ: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِ اسْتَطَعْتَ. وَيَلِيهِ: مَنْ خَتَمَ فِي أَرْبَعٍ ثُمَّ فِي خَمْسٍ ثُمَّ فِي سِتٍّ ثُمَّ فِي سَبْعٍ وَهَذَا أَوْسَطُ الْأُمُورِ وَأَحْسَنُهَا وَهُوَ فِعْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ. أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: أَقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ". وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ - وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: فِي خَمْسَةَ عَشَرَ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ: اقْرَأْهُ فِي جُمُعَةٍ. وَيْلِي ذَلِكَ: مَنْ خَتَمَ فِي ثَمَانٍ ثُمَّ فِي عَشْرٍ ثُمَّ فِي شَهْرٍ ثُمَّ فِي شَهْرَيْنِ.

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: كَانَ أَقْوِيَاءُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقرؤون الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ وَبَعْضُهُمْ فِي شَهْرٍ وَبَعْضُهُمْ فِي شَهْرَيْنِ وَبَعْضُهُمْ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْبُسْتَانِ: يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَخْتِمَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الزِّيَادَةِ. وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ أَدَّى حقه لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَرَضَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُكْرَهُ تَأْخِيرُ خَتْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَمْ نَخْتِمُ الْقُرْآنَ قَالَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَمَنْ كَانَ يَظْهَرُ لَهُ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ لَطَائِفُ وَمَعَارِفُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ يَحْصُلُ لَهُ مَعَهُ كَمَالُ فَهْمِ مَا يَقْرَأُ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مَشْغُولًا بِنَشْرِ الْعِلْمِ أَوْ فَصْلِ الْحُكُومَاتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ لَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ إِخْلَالٌ بِمَا هُوَ مُرْصَدٌ لَهُ وَلَا فَوَاتُ كَمَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَلْيَسْتَكْثِرْ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ إِلَى حَدِّ الْمَلَلِ أَوِ الْهَذْرَمَةِ فِي الْقِرَاءَةِ.

مَسْأَلَةٌ نِسْيَانُهُ كَبِيرَةٌ صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا". وَرَوَى أَيْضًا حَدِيثَ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ ". وَفِي الصحيحين: "تعاهدوا القرآن فوالدي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهْوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا ". مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ لِلْمُحْدِثِ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ: وَإِذَا كَانَ يَقْرَأُ فَعَرَضَتْ لَهُ رِيحٌ أَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ خُرُوجِهَا. وَأَمَّا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْقِرَاءَةُ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِمْرَارُهُ عَلَى الْقَلْبِ وَأَمَّا مُتَنَجِّسُ الْفَمِ فَتُكْرَهُ لَهُ الْقِرَاءَةُ. وَقِيلَ: تَحْرُمُ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ بِالْيَدِ النَّجِسَةِ.

مَسْأَلَةٌ وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ فِي مَكَانٍ نَظِيفٍ وَأَفْضَلُهُ الْمَسْجِدُ وَكَرِهَ قَوْمٌ الْقِرَاءَةَ فِي الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَذْهَبُنَا لَا تُكَرَهُ فِيهِمَا قَالَ وَكَرِهَهَا الشَّعْبِيُّ فِي الْحُشِّ وَبَيْتِ الرَّحَا وَهِيَ تَدُورُ قَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا. مَسْأَلَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ مُسْتَقْبِلًا مُتَخَشِّعًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مُطْرِقًا رَأْسَهُ. مَسْأَلَةٌ وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ تَعْظِيمًا وَتَطْهِيرًا وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا: "إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ فَطَيِّبُوهَا بِالسِّوَاكِ ". قُلْتُ: وَلَوْ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ فَمُقْتَضَى اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ إِعَادَةُ السِّوَاكِ أَيْضًا. مَسْأَلَةٌ وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} أَيْ أَرَدْتَ قِرَاءَتَهُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ بَعْدَهَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهَا لِظَاهِرِ الأمر.

الْإِسْرَارُ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ وَإِسْمَاعِ نَفْسِهِ وَقِيلَ الْكِتْمَانُ بِأَنْ يَذْكُرَهَا بِقَلْبِهِ بِلَا تَلَفُّظٍ. قَالَ: وَإِذَا قَطَعَ الْقِرَاءَةَ إِعْرَاضًا أَوْ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ - وَلَوْ رَدِّ السَّلَامِ اسْتَأْنَفَهَا أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا. قَالَ: وَهَلْ هِيَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ حَتَّى لَوْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ جُمْلَةً فَهَلْ يَكْفِي اسْتِعَاذَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اعْتِصَامُ الْقَارِئِ وَالْتِجَاؤُهُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ فَلَا يَكُونُ تَعَوُّذُ وَاحِدٍ كَافِيًا عَنْ آخَرَ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ. مَسْأَلَةٌ وَلْيُحَافِظْ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرِ بَرَاءَةٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ فَإِذَا أَخَلَّ بِهَا كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الْخَتْمَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ اسْتُحِبَّتْ لَهُ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْعُبَادِيُّ قَالَ الْقُرَّاءُ: وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ قِرَاءَةِ نَحْوِ: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ} لِمَا فِي ذِكْرِ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى الشَّيْطَانِ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: الِابْتِدَاءُ بِالْآيِ وَسَطَ بَرَاءَةٍ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْبَسْمَلَةِ فِيهِ أَبُو الْحَسَنِ السخاوي ورد عليه الجعبري.

الْإِسْرَارُ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ وَإِسْمَاعِ نَفْسِهِ وَقِيلَ الْكِتْمَانُ بِأَنْ يَذْكُرَهَا بِقَلْبِهِ بِلَا تَلَفُّظٍ. قَالَ: وَإِذَا قَطَعَ الْقِرَاءَةَ إِعْرَاضًا أَوْ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ - وَلَوْ رَدِّ السَّلَامِ اسْتَأْنَفَهَا أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا. قَالَ: وَهَلْ هِيَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ حَتَّى لَوْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ جُمْلَةً فَهَلْ يَكْفِي اسْتِعَاذَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اعْتِصَامُ الْقَارِئِ وَالْتِجَاؤُهُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ فَلَا يَكُونُ تَعَوُّذُ وَاحِدٍ كَافِيًا عَنْ آخَرَ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ. مَسْأَلَةٌ وَلْيُحَافِظْ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرِ بَرَاءَةٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ فَإِذَا أَخَلَّ بِهَا كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الْخَتْمَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ اسْتُحِبَّتْ لَهُ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْعُبَادِيُّ قَالَ الْقُرَّاءُ: وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ قِرَاءَةِ نَحْوِ: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ} لِمَا فِي ذِكْرِ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى الشَّيْطَانِ. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: الِابْتِدَاءُ بِالْآيِ وَسَطَ بَرَاءَةٍ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْبَسْمَلَةِ فِيهِ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ.

مَسْأَلَةٌ لَا تَحْتَاجُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إِلَى نِيَّةٍ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ إِلَّا إِذَا نَذَرَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ النَّذْرِ أَوِ الْفَرْضِ وَلَوْ عَيَّنَ الزَّمَانَ فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَجُزْ نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ. مَسْأَلَةٌ يُسَنُّ التَّرْتِيلُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا نَعَتَتْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا ". وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "كَانَتْ مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ " اللَّهَ " وَيَمُدُّ " الرَّحْمَنَ " وَيَمُدُّ" الرَّحِيمَ ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي أَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: "هَذًّا كَهَذِّ الشعر إن قوما يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ ". وَأَخْرَجَ الْآجُرِّيُّ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ ولا تهذوه هذا الشِّعْرِ قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ وَلَا يَكُونُ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ ".

وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ فِي الدَّرَجَاتِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ كُنْتَ تَقْرَؤُهَا " قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ الْإِفْرَاطِ فِي الْإِسْرَاعِ. قَالُوا: وَقِرَاءَةُ جُزْءٍ بِتَرْتِيلٍ أَفْضَلُ مِنْ قراءة جزأين فِي قَدْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِلَا تَرْتِيلٍ. قَالُوا: وَاسْتِحْبَابُ التَّرْتِيلِ لِلتَّدَبُّرِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّوْقِيرِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لِلْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ انْتَهَى. وَفِي النَّشْرِ: اخْتُلِفَ هَلِ الْأَفْضَلُ التَّرْتِيلُ وَقِلَّةُ الْقِرَاءَةِ أَوِ السُّرْعَةُ مَعَ كَثْرَتِهَا؟ وَأَحْسَنَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا فَقَالَ: إِنَّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ التَّرْتِيلِ أَجَلُّ قَدْرًا وَثَوَابُ الْكَثْرَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا لِأَنَّ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ. وَفِي الْبُرْهَانِ لِلزَّرْكَشِيِّ: كَمَالُ التَّرْتِيلِ تَفْخِيمُ أَلْفَاظِهِ وَالْإِبَانَةُ عَنْ حُرُوفِهِ وَأَلَّا يُدْغَمَ حَرْفٌ فِي حَرْفٍ وَقِيلَ هَذَا أَقَلُّهُ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى مَنَازِلِهِ فَإِنْ قَرَأَ تَهْدِيدًا لَفِظَ بِهِ لَفْظَ الْمُتَهَدِّدِ أَوْ تَعْظِيمًا لَفِظَ بِهِ عَلَى التَّعْظِيمِ. مَسْأَلَةٌ وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ وَالْمَطْلُوبُ الْأَهَمُّ وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}

وقال {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشْغَلَ قَلْبَهُ بِالتَّفْكِيرِ فِي مَعْنَى مَا يَلْفِظُ بِهِ فَيَعْرِفُ مَعْنَى كُلِّ آيَةٍ وَيَتَأَمَّلُ الْأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ وَيَعْتَقِدُ قَبُولَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا قَصَّرَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى اعْتَذَرَ وَاسْتَغْفَرَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ اسْتَبْشَرَ وَسَأَلَ أَوْ عَذَابٍ أَشْفَقَ وَتَعَوَّذَ أَوْ تَنْزِيهٍ نَزَّهَ وَعَظَّمَ أَوْ دُعَاءٍ تَضَرَّعَ وَطَلَبَ. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قُمْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ مَنْ قرأ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا فَلْيَقُلْ: بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَمَنْ قَرَأَ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ {وَالْمُرْسَلاتِ} فَبَلَغَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ لَقَدْ قَرَأَتُهَا عَلَى الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مروديه وَالدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاءِ وَغَيْرُهُمْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الْآيَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ وَتَكَفَّلْتَ بِالْإِجَابَةِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ أَشْهَدُ أَنَّكَ فَرْدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كفؤا أَحَدٌ وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ وَلِقَاءَكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةَ حَقُّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّكَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: {وَلا الضَّالِّينَ} فَقَالَ: "آمِينَ " يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ قَالَ: "آمِينَ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: قَالَ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي آمِينَ ". وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ لَقَّنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ خَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ " آمِينَ ". وَأَخْرَجَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ قَالَ: آمِينَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنَ الْآدَابِ إِذَا قَرَأَ نَحْوَ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} أَنْ يَخْفِضَ بِهَا صَوْتَهُ كَذَا كَانَ النَّخَعِيُّ يَفْعَلُ. مَسْأَلَةٌ لَا بَأْسَ بِتَكْرِيرِ الْآيَةِ وَتَرْدِيدِهَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} الْآيَةَ. مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّبَاكِي لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْحُزْنُ وَالْخُشُوعُ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ" فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ". وَفِي الشُّعَبِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ وَكَآبَةٍ فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا". وَفِيهِ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه قَالَ: "إِنِّي قَارِئٌ عَلَيْكُمْ سُورَةً فَمَنْ بَكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا " وَفِي مُسْنَدِ أبي يعلى حديث: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِالْحُزْنِ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْحُزْنِ "

وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: "أَحْسَنُ النَّاسِ قِرَاءَةً مَنْ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ يَتَحَزَّنُ بِهِ " قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِ الْبُكَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَأُ مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يُفَكِّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَصَائِبِ. مَسْأَلَةٌ يُسَنُّ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَتَزْيِينُهَا لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ " وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ: "حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا " وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ: "حُسْنُ الصَّوْتِ زِينَةُ الْقُرْآنِ ". وَفِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَثِيرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ حَسَّنَهُ مَا اسْتَطَاعَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ إِلَى حَدِّ التَّمْطِيطِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا وَعَنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الْجِيزِيِّ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلِ الْمَكْرُوهُ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الْمَدِّ وَفِي إِشْبَاعِ الْحَرَكَاتِ حَتَّى يَتَوَلَّدَ مِنَ الْفَتْحَةِ أَلِفٌ وَمِنَ الضَّمَّةِ وَاوٌ وَمِنَ الْكَسْرَةِ يَاءٌ أَوْ يَدْغَمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَلَا كَرَاهَةَ. قَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِفْرَاطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَرَامٌ يَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ. قَالَ: وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ.

قلت: وفيه حديث: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَأَهْلِ الْفِسْقِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالْإِصْغَاءُ إِلَيْهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا بِإِدَارَتِهَا وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ قِطْعَةً ثُمَّ الْبَعْضُ قِطْعَةً بَعْدَهَا. مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهُ بِالتَّفْخِيمِ لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ: "نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُ عَلَى قِرَاءَةِ الرِّجَالِ وَلَا يُخْضِعُ الصَّوْتَ فِيهِ كَكَلَامِ النِّسَاءِ. قَالَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا كَرَاهَةُ الْإِمَالَةِ الَّتِي هِيَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْقُرَّاءِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِالتَّفْخِيمِ فَرُخِّصَ مَعَ ذَلِكَ فِي إِمَالَةِ مَا يَحْسُنُ إِمَالَتُهُ. مَسْأَلَةٌ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحَادِيثُ تَقْتَضِي الْإِسْرَارَ وَخَفْضَ الصَّوْتِ فَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ". وَمِنَ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: "الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ ".

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ حَيْثُ خَافَ الرِّيَاءَ أَوْ تَأَذَّى مُصَلُّونَ أَوْ نِيَامٌ بِجَهْرِهِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى إِلَى السَّامِعِينَ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إِلَى الْفِكْرِ وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إِلَيْهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيَزِيدُ فِي النَّشَاطِ وَيَدُلُّ لِهَذَا الْجَمْعِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: "أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بعضكم في القراءة ". وقال بعضهم: يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار. مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ حِفْظِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ عِبَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَالسَّلَفُ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَيُخْتَارُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ لِمَنِ اسْتَوَى خُشُوعُهُ وَتَدَبُّرُهُ فِي حَالَتَيِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَمِنَ الْحِفْظِ وَيُخْتَارُ الْقِرَاءَةُ مِنَ الْحِفْظِ لِمَنْ يَكْمُلُ بِذَلِكَ خُشُوعُهُ وَيَزِيدُ عَلَى خُشُوعِهِ وَتَدَبُّرِهِ لَوْ قَرَأَ مِنَ الْمُصْحَفِ لَكَانَ هَذَا قَوْلًا حَسَنًا. قُلْتُ: وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ مَرْفُوعًا: "قِرَاءَةُ الرَّجُلِ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ أَلْفُ دَرَجَةٍ وَقِرَاءَتُهُ فِي الْمُصْحَفِ تُضَاعَفُ أَلْفَيْ دَرَجَةٍ ".

وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: "فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ نَظَرًا عَلَى مَنْ يَقْرَؤُهُ ظَاهِرًا كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ عَلَى النَّافِلَةِ ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ " وَقَالَ إِنَّهُ مُنْكَرٌ. وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مَوْقُوفًا: "أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ ". وَحَكَى الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ مَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلًا وَحَكَى مَعَهُ قَوْلًا ثَالِثًا: إِنَّ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْحِفْظِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتَارَهُ لِأَنَّ فِيهِ مِنَ التَّدَبُّرِ مَا لَا يَحْصُلُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ. مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي التِّبْيَانِ: إِذَا أُرْتِجَ عَلَى الْقَارِئِ فَلَمْ يَدْرِ مَا بَعْدَ الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ غَيْرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ بِمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ وَبَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ قَالُوا: إِذَا سَأَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ عَنْ آيَةٍ فَلْيَقْرَأْ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ يَسْكُتُ وَلَا يَقُولُ كَيْفَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ يُلَبِّسُ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: إِذَا شَكَّ الْقَارِئُ فِي حَرْفٍ: هَلْ بِالتَّاءِ أَوْ بِالْيَاءِ؟ فَلْيَقْرَأْهُ بِالْيَاءِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مُذَكَّرٌ وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَهْمُوزٌ أَوْ غَيْرُ مَهْمُوزٍ؟ فَلْيَتْرُكِ الْهَمْزَ وَإِنْ شَكَّ فِي حِرَفٍ: هَلْ يَكُونُ مَوْصُولًا أَوْ مَقْطُوعًا؟

فَلْيَقْرَأْ بِالْوَصْلِ وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَمْدُودٌ أَوْ مَقْصُورٌ؟ فَلْيَقْرَأْ بِالْقَصْرِ وَإِنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ: هَلْ هُوَ مَفْتُوحٌ أَوْ مَكْسُورٌ؟ فَلْيَقْرَأْ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ لَحْنٍ فِي مَوْضِعٍ وَالثَّانِي لَحْنٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. قُلْتُ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي يَاءٍ وَتَاءٍ فَاجْعَلُوهَا يَاءً ذَكِّرُوا الْقُرْآنَ. فَفَهِمَ مِنْهُ ثَعْلَبٌ أَنَّ مَا احْتُمِلَ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ كَانَ تَذْكِيرُهُ أَجْوَدَ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إِرَادَةُ تَذْكِيرِ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ التَّأْنِيثِ لِكَثْرَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ بِالتَّأْنِيثِ نَحْوُ {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ} {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ} وإذ امْتَنَعَ إِرَادَةُ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ فَالْحَقِيقِيُّ أَوْلَى قَالُوا وَلَا يَسْتَقِيمُ إِرَادَةُ أَنَّ مَا احْتَمَلَ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ غَلَبَ فِيهِ التَّذْكِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} فَأَنَّثَ مَعَ جَوَازِ التَّذْكِيرِ قَالَ تَعَالَى {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} {مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ} . قَالُوا فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فُهِمَ بَلِ الْمُرَادُ بِ ذَكِّرُوا الْمَوْعِظَةَ وَالدُّعَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الْجَارَ وَالْمَقْصُودُ ذَكِّرُوا النَّاسَ بِالْقُرْآنِ أَيِ ابْعَثُوهُمْ عَلَى حِفْظِهِ كَيْلَا يَنْسَوْهُ. قُلْتُ: أَوَّلُ الْأَثَرِ يَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْأَمْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ثَعْلَبٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ وَلَمْ يُحْتَجْ فِي التَّذْكِيرِ إِلَى مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ ذُكِّرَ نَحْوُ

{وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ هَذَا أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ كَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ ذَهَبُوا إلى هذا فقرؤوا ما كل مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِالتَّذْكِيرِ نَحْوُ {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ. مَسْأَلَةٌ يُكْرَهُ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ لِمُكَالَمَةِ أَحَدٍ قَالَ الْحَلِيمِيُّ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيْهِ كَلَامُ غَيْرِهِ. وَأَيَّدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا فِي الصَّحِيحِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ. وَيُكْرَهُ أَيْضًا الضَّحِكُ وَالْعَبَثُ وَالنَّظَرُ إِلَى مَا يُلْهِي. مَسْأَلَةٌ وَلَا يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْعَجَمِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجِهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لَكِنْ فِي شَارِحِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ يُذْهِبُ إِعْجَازَهُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ. وَعَنِ الْقَفَّالِ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُتَصَوَّرُ قِيلَ لَهُ:

فَإِذَنْ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُفَسِّرَ الْقُرْآنَ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ هُنَاكَ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ مُرَادِ اللَّهِ وَيَعْجِزَ عَنِ الْبَعْضِ أَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ إِبْدَالُ لَفْظَةٍ بِلَفْظَةٍ تَقُومُ مَقَامَهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ. مَسْأَلَةٌ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ ذكر موهوب الْجَزَرِيُّ جَوَازَهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى. مَسْأَلَةٌ الْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لِأَنَّ تَرْتِيبَهُ لِحِكْمَةٍ فَلَا يَتْرُكُهَا إِلَّا فِيمَا وَرَدَ فِيهِ الشَّرْعُ كَصَلَاةِ صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةَ بألم تنزيل وهل أَتَى وَنَظَائِرِهِ فَلَوْ فَرَّقَ السُّوَرَ أَوْ عَكَسَهَا جَازَ وَتَرَكَ الْأَفْضَلَ. قَالَ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ السُّورَةِ مِنْ آخِرِهَا إِلَى أَوَّلِهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بَعْضَ نَوْعِ الْإِعْجَازِ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ. قُلْتُ: وَفِيهِ أَثَرٌ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا قَالَ: ذَاكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ. وَأَمَّا خَلْطُ سُورَةٍ بِسُورَةٍ فَعَدَّ الْحَلِيمِيُّ تَرْكَهُ مِنَ الْآدَابِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ مَرَّ بِبِلَالٍ

وَهُوَ يَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَالَ: يَا بِلَالُ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ لسورة قال: خلطت الطَّيِّبَ بِالطَّيِّبِ فَقَالَ: "اقْرَأِ السُّورَةَ عَلَى وَجْهِهَا - أَوْ قَالَ - عَلَى نَحْوِهَا " مُرْسَلٌ صَحِيحٌ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَوْصُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ آخِرِهِ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: "إِذَا قَرَأْتَ السُّورَةَ فَأَنْفِذْهَا. وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنِ الرَّجُلِ يَقْرَأُ مِنَ السُّورَةِ آيَتَيْنِ ثُمَّ يَدَعُهَا وَيَأْخُذُ فِي غيرها وقال: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْثَمَ إِثْمًا كَبِيرًا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا ابْتَدَأْتَ فِي سُورَةٍ فَأَرَدْتَ أَنْ تَتَحَوَّلَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا فَتَحَوَّلْ إِلَى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَإِذَا ابْتَدَأَتْ فِيهَا فَلَا تَتَحَوَّلْ مِنْهَا حَتَّى تَخْتِمَهَا. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يقرؤوا بَعْضَ الْآيَةِ وَيَدَعُوا بَعْضَهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْآيَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِلَالٍ وَكَمَا كَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ فَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يَبْتَدِئَ الرَّجُلُ فِي السُّورَةِ يُرِيدُ إِتْمَامَهَا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي أُخْرَى فَأَمَّا مَنِ ابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ يُرِيدُ التَّنَقُّلَ مِنْ آيَةٍ إِلَى آيَةٍ وَتَرَكَ التَّأْلِيفَ لِآيِ الْقُرْآنِ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَنْزَلَهُ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ قِرَاءَةِ آيَةً آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَحْسَنُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا التَّأْلِيفَ لِكِتَابِ اللَّهِ مَأْخُوذٌ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ عَنْ جِبْرِيلَ فَالْأَوْلَى لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى التَّأْلِيفِ الْمَنْقُولِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ تَأْلِيفُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ تَأْلِيفِكُمْ. مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: يُسَنُّ اسْتِيفَاءُ كُلِّ حَرْفٍ أَثْبَتَهُ قَارِئٌ لِيَكُونَ قَدْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ مَا هُوَ قُرْآنٌ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ إِذَا ابْتَدَأَ بِقِرَاءَةِ أَحَدٍ مِنَ الْقُرَّاءِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُزَادَ عَلَى تِلْكَ الْقِرَاءَةِ مَا دَامَ الْكَلَامُ مُرْتَبِطًا فَإِذَا انْقَضَى ارْتِبَاطُهُ فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِقِرَاءَةٍ أُخْرَى وَالْأَوْلَى دَوَامُهُ عَلَى الْأُولَى فِي هَذَا الْمَجْلِسِ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَتَّبَةً عَلَى الْأُخْرَى مُنِعَ ذَلِكَ مَنْعَ تَحْرِيمٍ كَمَنْ يَقْرَأُ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} بِرَفْعِهِمَا أَوْ نَصْبِهِمَا أَخَذَ رَفْعَ "آدَمُ" مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ ابْنِ كَثِيرٍ وَرَفْعَ "كَلِمَاتٍ" مِنْ قِرَاءَتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ مَقَامِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الرِّوَايَةِ حَرُمَ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الرِّوَايَةِ وَتَخْلِيطٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ جَازَ.

مَسْأَلَةٌ يُسَنُّ الِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَرْكُ اللَّغَطِ وَالْحَدِيثِ بِحُضُورِ الْقِرَاءَةِ قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ} . مَسْأَلَةٌ يُسَنُّ السُّجُودُ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَهِيَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ فِي الْأَعْرَافِ وَالرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَالْإِسْرَاءِ وَمَرْيَمَ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ وَ {الم تَنْزِيلُ} وَفُصِّلَتْ وَالنَّجْمِ وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وَأَمَّا ص فَمُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ أَيْ مُتَأَكِّدَاتِهِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ آخِرَ الْحِجْرِ نَقَلَهُ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ. مَسْأَلَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَوْقَاتُ الْمُخْتَارَةُ لِلْقِرَاءَةِ أَفْضَلُهَا مَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ اللَّيْلُ ثُمَّ نِصْفُهُ الْأَخِيرُ وَهِيَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَحْبُوبَةٌ وَأَفْضَلُ النَّهَارِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَا تُكْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِمَعْنًى فِيهِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ مَشَايِخِهِ،: أَنَّهُمْ كَرِهُوا الْقِرَاءَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ – وَقَالُوا: هُوَ دِرَاسَةُ يَهُودَ - فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا أَصْلَ لَهُ. وَيُخْتَارُ مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ ثُمَّ الْجُمُعَةِ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. وَمِنَ الْأَعْشَارِ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ وَالْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَمِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ.

وَيُخْتَارُ لِابْتِدَائِهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَلِخَتْمِهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَالْأَفْضَلُ الْخَتْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِمَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ إِذَا وَافَقَ خَتْمُ الْقُرْآنِ أَوَّلَ اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ وَإِنْ وَافَقَ خَتْمُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَيَكُونُ الْخَتْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَأَوَّلَ اللَّيْلِ فِي رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ. مسألة وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ يُسْتَحَبُّ الْخَتْمُ فِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ. مَسْأَلَةٌ يُسَنُّ صَوْمُ يَوْمِ الْخَتْمِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَنْ يَحْضُرَ أَهْلُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَدَعَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ مُجَاهِدٌ وَعِنْدَهُ ابْنُ أبي أمامة وَقَالَا: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَيْكَ لِأَنَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْتِمَ الْقُرْآنَ وَالدُّعَاءُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَيَقُولُ عِنْدَهُ تُنَزَّلُ الرَّحْمَةُ.

مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ مِنَ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْمَكِّيِّينَ. أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي بَزَّةَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّيِّ فَلَمَّا بَلَغْتُ الضُّحَى قَالَ: كَبِّرْ حَتَّى تَخْتِمَ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ وَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُجَاهِدٍ فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ وَأَخْبَرَنِي مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَمْرَهُ بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ. كَذَا أَخْرَجْنَاهُ مَوْقُوفًا. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ بَزَّةَ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَعْنِي الْمَرْفُوعَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنِ الْبَزِّيِّ. وَعَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ قَالَ: قَالَ لِي الْبَزِّيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ تَرَكْتَ التَّكْبِيرَ فَقَدْتَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ نَبِيِّكَ قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا يَقْتَضِي تَصْحِيحَهُ لِلْحَدِيثِ. وَرَوَى أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ عَنِ الْبَزِّيِّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْقَطَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ فقال المشركون: قلا مُحَمَّدًا رَبُّهُ فَنَزَلَتْ سُورَةُ الضُّحَى فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: نُكْتَةُ التَّكْبِيرِ التَّشْبِيهُ لِلْقِرَاءَةِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ إِذَا أَكْمَلَ عِدَّتَهُ يُكَبِّرُ فَكَذَا هُنَا يُكَبِّرُ إِذَا أَكْمَلَ عِدَّةَ السُّورَةِ. قَالَ: وَصِفَتُهُ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ كُلِّ سُورَةٍ وَقْفَةً وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.

وَكَذَا قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي تَفْسِيرِهِ: يُكَبِّرُ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ تَكْبِيرَةً وَلَا يَصِلُ آخِرَ السُّورَةِ بِالتَّكْبِيرِ بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ. قَالَ: وَمَنْ لَا يُكَبِّرُ مِنَ الْقُرَّاءِ حُجَّتُهُمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى الزِّيَادَةِ فِي الْقُرْآنِ بِأَنْ يُدَاوَمَ عَلَيْهِ فتوهم أَنَّهُ مِنْهُ. وَفِي النَّشْرِ: اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي ابْتِدَائِهِ هَلْ هُوَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى أَوْ مِنْ آخِرِهَا؟ وَفِي انْتِهَائِهِ: هَلْ هُوَ أَوَّلُ سُورَةِ النَّاسِ أَوْ آخِرُهَا؟ وَفِي وَصْلِهِ بِأَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا وَقَطْعِهِ وَالْخِلَافُ فِي الْكُلِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّهُ: هَلْ هُوَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ لِآخِرِهَا وَفِي لَفْظِهِ فَقِيلَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَقِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَسَوَاءٌ فِي التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا صَرَّحَ بِهِ السَّخَاوِيُّ وَأَبُو شَامَةَ. مَسْأَلَةٌ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عَقِبَ الْخَتْمِ لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ مَرْفُوعًا: "مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ". وَفِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَمِدَ الرَّبَّ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَدْ طَلَبَ الْخَيْرَ مَكَانَهُ ". مَسْأَلَةٌ يُسَنُّ إِذَا فَرِغَ مِنَ الْخَتْمَةِ أَنْ يَشْرَعَ فِي أُخْرَى عَقِبَ الْخَتْمِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: "أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ ". وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} افْتَتَحَ

مِنَ الْحَمْدِ ثُمَّ قَرَأَ مِنَ الْبَقَرَةِ إِلَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، ثُمَّ دَعَا بِدُعَاءِ الْخَتْمَةِ ثُمَّ قَامَ. مَسْأَلَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ عِنْدَ الْخَتْمِ لَكِنَّ عَمَلَ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ مَا وَرَدَ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ خَتْمَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْرَأَ أَرْبَعًا لِيَحْصُلَ لَهُ خَتْمَتَانِ!. قُلْنَا: الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُصُولِ خَتْمَةٍ إِمَّا الَّتِي قَرَأَهَا وَإِمَّا الَّتِي حَصَلَ ثَوَابُهَا بِتَكْرِيرِ السُّورَةِ. انْتَهَى. قُلْتُ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى جَبْرِ مَا لَعَلَّهُ حَصَلَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ خَلَلٍ وَكَمَا قَاسَ الْحَلِيمِيُّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الْخَتْمِ عَلَى التَّكْبِيرِ عِنْدَ إِكْمَالِ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ تَكْرِيرُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ عَلَى إِتْبَاعِ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالَ. مَسْأَلَةٌ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الْقُرْآنِ مَعِيشَةً يُتَكَسَّبُ بِهَا. وَأَخْرَجَ الْآجُرِّيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ فَإِنَّهُ سيأتي قوم يقرؤون الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ ". وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ صَالِحٍ حَدِيثَ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عِنْدَ ظَالِمٍ لِيَرْفَعَ مِنْهُ لُعِنَ بِكُلِّ حِرَفٍ عَشْرَ لَعَنَاتٍ ".

مَسْأَلَةٌ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا بَلْ أُنْسِيتُهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. مَسْأَلَةٌ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَمَذْهَبُنَا خِلَافُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} . فَصْلٌ فِي الِاقْتِبَاسِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ الِاقْتِبَاسُ تَضْمِينُ الشِّعْرِ أَوِ النَّثْرِ بَعْضَ الْقُرْآنِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ بِأَلَّا يُقَالَ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْوُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ اقْتِبَاسًا. وَقَدِ اشْتُهِرَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ تَحْرِيمُهُ وَتَشْدِيدُ النَّكِيرِ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَمَّا أَهْلُ مَذْهَبِنَا فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَلَا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ شُيُوعِ الِاقْتِبَاسِ فِي أَعْصَارِهِمْ وَاسْتِعْمَالِ الشُّعَرَاءِ لَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَسُئِلَ عَنْهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ ابن عَبْدِ السَّلَامِ فَأَجَازَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ: "إِلَى آخِرِهِ وَقَوْلِهِ: "اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانَا اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ ". وَفِي سِيَاقِ كَلَامٍ لِأَبِي بَكْرٍ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .

وَفِي آخِرِ حَدِيثٍ لِابْنِ عُمَرَ: "قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ". انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فِي مقام الموعظ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ وَفِي النَّثْرِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِهِ فِي الشِّعْرِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ صَرَّحَ بِأَنَّ تَضْمِينَهُ فِي الشِّعْرِ مَكْرُوهٌ وَفِي النَّثْرِ جَائِزٌ. وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا فِي النَّثْرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ خُطْبَةِ الشِّفَا. وَقَالَ الشَّرَفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُقْرِئِ الْيَمَنِيُّ صَاحِبُ مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ فِي شَرْحِ بَدِيعِيَّتِهِ: مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَمَدْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وآله وصحبه وَلَوْ فِي النَّظْمِ فَهُوَ مَقْبُولٌ؟ وَغَيْرُهُ مَرْدُودٌ. وَفِي شَرْحِ بَدِيعِيَّةِ ابْنِ حُجَّةَ: الِاقْتِبَاسُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَقْبُولٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَرْدُودٌ. فَالْأَوَّلُ: مَا كَانَ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْعُهُودِ. وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي الْقَوْلِ وَالرَّسَائِلِ وَالْقِصَصِ. وَالثَّالِثُ: عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ - وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَنْقُلُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا قِيلَ عَنْ أَحَدِ بَنِي مَرْوَانَ أَنَّهُ وَقَّعَ عَلَى مُطَالَعَةٍ فِيهَا شِكَايَةُ عُمَّالِهِ: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} - وَالْآخَرُ تَضْمِينُ آيَةٍ فِي مَعْنَى هَزْلٍ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، كقوله: أوحى إِلَى عُشَّاقِهِ طَرْفَهُ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ وَرِدْفُهُ يَنْطِقُ مِنْ خَلْفِهِ لِمِثْلِ ذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ قُلْتُ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ حَسَنٌ جِدًّا وَبِهِ أَقُولُ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ الطَّاهِرِ التَّمِيمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَجِلَّائِهِمْ أَنَّ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلَهُ: يَا من عدا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ أَبْشِرْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِي آيَاتِهِ: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ وَقَالَ: اسْتِعْمَالُ مِثْلِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ مِثْلَ هَذَا الِاقْتِبَاسِ فِي شِعْرِهِ لَهُ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ جَلِيلُ الْقَدْرِ وَالنَّاسُ يَنْهَوْنَ عَنْ هَذَا وَرُبَّمَا أَدَّى بَحْثُ بَعْضِهِمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَيَثِبُونَ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَثْبَةَ مَنْ لَا يُبَالِي وَهَذَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا وَأَسْنَدَ عَنْهُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ. قُلْتُ: لَيْسَ هَذَانِ الْبَيْتَانِ مِنْ الِاقْتِبَاسِ لِتَصْرِيحِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْهُ. وَأَمَّا أَخُوهُ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ فَقَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ الْوَرَعُ اجْتِنَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنْ يُنَزَّهَ عَنْ مِثْلِهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قُلْتُ: رَأَيْتُ اسْتِعْمَالَ الِاقْتِبَاسِ لِأَئِمَّةٍ أَجِلَّاءَ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ، قَالَ وَأَنْشَدَهُ فِي أَمَالِيهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ: الْمُلْكُ لِلَّهِ الَّذِي عَنَتِ الْوُجُو هُ لَهُ وَذَلَّتْ عِنْدَهُ الْأَرْبَابُ مُتَفَرِّدٌ بِالْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ تَجَاذَبُوهُ وَخَابُوا دَعْهُمْ وَزَعْمَ الْمُلْكِ يَوْمَ غُرُورِهِمْ فَسَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ!

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ أَنْشَدَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ لِنَفْسِهِ: سَلِ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَاتَّقِهِ فَإِنَّ التُّقَى خَيْرُ مَا تَكْتَسِبُ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَصْنَعْ لَهُ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَيَقْرُبُ مِنْ الِاقْتِبَاسِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهَا الْكَلَامُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا فَرَوَى النَّخَعِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُتَأَوَّلَ الْقُرْآنُ لِشَيْءٍ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِمَكَّةَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ} ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} . وَأَخْرَجَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُحَكِّمَةِ أَتَى عَلِيًّا وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فَأَجَابَهُ فِي الصَّلَاةِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} . انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُكَرَهُ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْقُرْآنِ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِمَادُ الْبَيْهَقِيُّ تِلْمِيذُ الْبَغَوِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الصَّلَاحُ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ. الثَّانِي: التَّوْجِيهُ بِالْأَلْفَاظِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا شَكٍّ، وَرُوِّينَا عَنِ الشَّرِيفِ تَقِيِّ الدِّينِ الْحُسَيْنِيِّ أَنَّهُ لَمَّا نَظَمَ قَوْلَهُ: مَجَازٌ حَقِيقَتُهَا فَاعْبُرُوا وَلَا تَعْمُرُوا هَوِّنُوهَا تَهُنْ وَمَا حُسْنُ بَيْتٍ لَهُ زُخْرُفٌ تَرَاهُ إِذَا زُلْزِلَتْ لَمْ يَكُنْ!

خَشِيَ أَنْ يَكُونَ ارْتَكَبَ حَرَامًا لِاسْتِعْمَالِهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْقُرْآنِيَّةَ فِي الشِّعْرِ فَجَاءَ إِلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهُمَا فَقَالَ لَهُ: قُلْ: "وَمَا حُسْنُ كَهْفٍ " فَقَالَ: يَا سَيِّدِي أَفَدْتَنِي وَأَفْتَيْتَنِي. خَاتِمَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يَجُوزُ تَعَدِّي أَمْثِلَةِ الْقُرْآنِ: وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ عَلَى الْحَرِيرِيِّ قَوْلَهُ: "فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا أَحْرَجَ مِنَ التَّابُوتِ وَأَوْهَى مِنْ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ ". وَأَيُّ مَعْنًى أَبْلَغُ مِنْ مَعْنًى أَكَّدَهُ اللَّهُ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ حَيْثُ قَالَ: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} فَأَدْخَلَ "إِنَّ" وَبَنَى أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَبَنَاهُ مِنَ الْوَهْنِ وَأَضَافَهُ إِلَى الْجَمْعِ وَعَرَّفَ الْجَمْعَ بِاللَّامِ وَأَتَى فِي خَبَرِ "إِنَّ" بِاللَّامِ. لَكِنِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ، وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَثَلَ بِمَا دُونَ

الْبَعُوضَةِ فَقَالَ: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ... ". قُلْتُ: قَدْ قَالَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَمَا فَوْقَهَا} فِي الْخِسَّةِ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: مَعْنَاهُ: "فَمَا دونها " فزال الإشكال. تم الجزء الأول من كتاب الإتقان في علوم القرآن للإمام السيوطي ويليه الجزء الثاني وأوله: الباب السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ فِي مَعْرِفَةِ غَرِيبِهِ.

المجلد الثاني

المجلد الثاني النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ غريبه ... بسم الله الرحمن الرحيم النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ غَرِيبِهِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقٌ لَا يُحْصَوْنَ: مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَابْنُ دُرَيْدٍ. وَمِنْ أَشْهَرِهَا كِتَابُ الْعُزَيْزِيِّ فَقَدْ أَقَامَ فِي تَأْلِيفِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يُحَرِّرُهُ هُوَ وَشَيْخُهُ أَبُو بَكْرِ بن الأنبا ري. وَمِنْ أَحْسَنِهَا الْمُفْرَدَاتُ لِلرَّاغِبِ وَلِأَبِي حَيَّانَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفٌ مُخْتَصَرٌ فِي كُرَّاسَيْنِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وحيث رأيت في كتاب التَّفْسِيرِ: "قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي "، فَالْمُرَادُ بِهِ مُصَنِّفُو الْكُتُبِ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ كَالزَّجَّاجِ وَالْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ وَابْنِ الأنبا ري. انْتَهَى. وَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ وَالْتَمِسُوا غرائبه ". وأخرج مثله عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عِشْرُونَ حَسَنَةً وَمَنْ قَرَأَهُ بِغَيْرِ إِعْرَابٍ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ". الْمُرَادُ بِإِعْرَابِهِ مَعْرِفَةُ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِعْرَابَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ النُّحَاةِ وَهُوَ مَا يُقَابِلُ اللَّحْنَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَعَ فَقْدِهِ لَيْسَتْ قِرَاءَةً وَلَا ثَوَابَ فِيهَا.

وَعَلَى الْخَائِضِ فِي ذَلِكَ التَّثَبُّتُ وَالرُّجُوعُ إِلَى كُتُبِ أَهْلِ الْفَنِّ وَعَدَمُ الْخَوْضِ بِالظَّنِّ فَهَذِهِ الصَّحَابَةُ - وَهُمُ الْعَرَبُ الْعَرْبَاءُ وَأَصْحَابُ اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَمَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ وَبِلُغَتِهِمْ - تَوَقَّفُوا فِي أَلْفَاظٍ لَمْ يَعْرِفُوا مَعْنَاهَا فَلَمْ يَقُولُوا فِيهَا شَيْئًا، فَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَضَائِلِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ سُئِلَ عَنْ قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ، فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي أَوْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِنْ أَنَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ! وَأَخْرَجَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ، فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْكَلَفُ يَا عُمَرُ! وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا فَاطِرُ السموات حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، يَقُولُ: أَنَا ابْتَدَأْتُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} ، فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا شَيْئًا. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا حَنَانًا! وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ الْقُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلَّا أَرْبَعًا: {غِسْلِينٍ} و {وَحَنَاناً} و {أَوَّاهٌ} و {وَالرَّقِيمِ} .

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا قَوْلُهُ: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} ، حَتَّى سَمِعْتُ قَوْلَ بِنْتِ ذِي يَزِنَ: "تَعَالَ أُفَاتِحَكَ " تَقُولُ: تَعَالَ أُخَاصِمَكَ. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا أَدْرِي ما الفسلين! وَلَكِنِّي أَظُنُّهُ الزَّقُّومَ. فَصْلٌ مَعْرِفَةُ هَذَا الْفَنِّ [أمر] ضروري للمفسر كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الْمُفَسِّرِ. قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَيَحْتَاجُ الْكَاشِفُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ عِلْمِ اللُّغَةِ: أَسْمَاءً وَأَفْعَالًا وَحُرُوفًا فَالْحُرُوفُ لِقِلَّتِهَا تَكَلَّمَ النُّحَاةُ عَلَى مَعَانِيهَا فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمْ وَأَمَّا الأسماء والأفعال فتأخذ مَنْ كُتُبِ عِلْمِ اللُّغَةِ وَأَكْبَرُهَا كِتَابُ ابْنِ السِّيدِ. وَمِنْهَا التَّهْذِيبُ لِلْأَزْهَرِيِّ وَالْمُحْكَمُ لِابْنِ سِيدَهْ وَالْجَامِعُ لِلْقَزَّازِ وَالصِّحَاحُ لِلْجَوْهَرِيِّ وَالْبَارِعُ لِلْفَارَابِيِّ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ لِلصَّاغَانِيِّ. وَمِنَ الْمَوْضُوعَاتِ فِي الْأَفْعَالِ كِتَابُ ابْنِ الْقُوطِيَّةِ وَابْنِ طَرِيفٍ وَالسَّرَقُسْطِيِّ. وَمِنْ أَجْمَعِهَا كِتَابُ ابْنِ الْقَطَّاعِ. قُلْتُ: وَأَوْلَى مَا يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ

الْآخِذِينَ عَنْهُ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَنْهُمْ مَا يَسْتَوْعِبُ تَفْسِيرَ غَرِيبِ الْقُرْآنِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ الصَّحِيحَةِ. وَهَا أَنَا أَسُوقُ هُنَا مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَاصَّةً فَإِنَّهَا مِنْ أَصَحِّ الطُّرُقِ عَنْهُ وَعَلَيْهَا اعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُرَتَّبًا عَلَى السور. سورة البقرة قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أبي – [ح] وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى – قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بن صالح عن علي بن أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤْمِنُونَ} ، قال: لا يصدقون. {يَعْمَهُونَ} : يتمادون. {مُطَهَّرَةٌ} : من القذر والأذى. {الْخَاشِعِينَ} : الْمُصَدِّقِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ. {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ} : نعمة. {وَفُومِهَا} : الحنطة. {إِلَّا أَمَانِيَّ} : أحاديث. {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} : في غطاء.

{مَا نَنْسَخْ} : نبدل. {أَوْ نُنْسِهَا} : نتركها فلا نبدلها. {مَثَابَةً} : يَثُوبُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ. {حَنِيفاً} : حاجا. {شَطْرَهُ} : نحوه. {فَلا جُنَاحَ} : فلا حرج. {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} : عَمَلَهُ. {أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} : ذبح للطواغيت. {وَابْنَ السَّبِيلِ} : الضَّيْفَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ. {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} : مالا. {جَنَفاً} : إثما. {حُدُودُ اللَّهِ} : طَاعَةُ اللَّهِ. {لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} : شرك. {فَمَنْ فَرَضَ} : أحرم.

{قُلِ الْعَفْوَ} : ما لا يتبين في أحوالكم. {لَأَعْنَتَكُمْ} : لَأَحْرَجَكُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ. {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا} :.الْمَسُّ: الْجِمَاعُ، وَالْفَرِيضَةُ الصَّدَاقُ. {فِيهِ سَكِينَةٌ} : رحمة. {سِنَةٌ} : نعاس. {وَلا يَؤُودُهُ} : يثقل عليه. {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} : حَجَرٌ صَلْدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. آل عمران {مُتَوَفِّيكَ} : مميتك. {رِبِّيُّونَ} : جموع. النساء {حُوباً كَبِيراً} : إثما عظيما. {نِحْلَةً} مهرا.

{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} : اختبروا. {آنَسْتُمْ} : عرفتم. {رُشْداً} : صلاحا. {كَلالَةً} مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَالِدًا وَلَا وَلَدًا. {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} : تقهروهن. {وَالْمُحْصَنَاتُ} : كل ذات زوج. {طَوْلاً} : سعة. {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} : عَفَائِفٍ غَيْرَ زَوَانٍ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} : أخلاء. {فَإِذَا أُحْصِنَّ} : تزوجن. {الْعَنَتَ} : الزنا. {مَوَالِيَ} : عصبة. {قَوَّامُونَ} أمراء. {قَانِتَاتٌ} : مطيعات.

{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ. {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} الرفيق. {فَتِيلاً} : الَّذِي فِي الشِّقِّ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ. {الْجِبْتِ} : الشرك. {نَقِيراً} النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ. {وَأُولِي الأَمْرِ} : أهل الفقه والدين. {ثُبَاتٍ} : عصبا سرايا متفرقين. {مُقِيتاً} حفيظا. {أَرْكَسَهُمْ} : أوقعهم. {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} : ضاقت. {أُولِي الضَّرَرِ} : العذر. {مُرَاغَماً} : التَّحَوُّلَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى الْأَرْضِ. {وَسَعَةً} : الرزق. {مَوْقُوتاً} : مفروضا.

{تَأْلَمُونَ} : توجعون. {خَلْقَ اللَّهِ} : دين الله. {نُشُوزاً} : بغضا. {كَالْمُعَلَّقَةِ} لَا هِيَ أَيِّمٌ وَلَا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ. {وَإِنْ تَلْوُوا} : أَلْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا. {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً} : يعني رموها بالزنا. المائدة {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} مَا أَحَلَّ وَمَا حَرَّمَ وَمَا فَرَضَ وَمَا حَدَّ فِي الْقُرْآنِ كله. {لا يَجْرِمَنَّكُمْ} : يحملنكم. {شَنَآنُ} : عداوة. {عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} : الْبِرُّ: مَا أُمِرْتَ بِهِ، وَالتَّقْوَى: مَا نُهِيتَ عنه. {وَالْمُنْخَنِقَةُ} : التي تخنق فتموت. {وَالْمَوْقُوذَةُ} : الَّتِي تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ فَتَمُوتُ. {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} : التي تتردى من الجبل.

{وَالنَّطِيحَةُ} : الشَّاةُ الَّتِي تَنْطَحُ الشَّاةَ. {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} : مَا أَخَذَ. {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} : ذبحتم وبه روح. {بِالأَزْلامِ} : القداح. {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ} : متعد لإثم. {مِنَ الْجَوَارِحِ} : الْكِلَابِ وَالْفُهُودِ وَالصُّقُورِ وَأَشْبَاهِهَا. {مُكَلِّبِينَ} : ضَوَارِي. {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} : ذبائحهم. {فَافْرُقْ} : فَافْصِلْ. {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} : ضلالته. {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} : أَمِينًا الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ. {شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} : سَبِيلًا وَسُنَّةً. {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} : رحماء. {مَغْلُولَةٌ} : يَعْنُونَ بَخِيلٌ أَمْسَكَ مَا عِنْدَهُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. {بَحِيرَةٍ} : هِيَ النَّاقَةُ إِذَا أَنْتَجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ نَظَرُوا إِلَى الْخَامِسِ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ فَأَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى

جدعوا آذانها. وَأَمَّا السَّائِبَةُ فَكَانُوا يُسَيِّبُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ لِآلِهَتِهِمْ لَا يَرْكَبُونَ لَهَا ظَهْرًا وَلَا يَحْلِبُونَ لَهَا لَبَنًا وَلَا يَجُزُّونَ لَهَا وَبَرًا وَلَا يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَمَّا الْوَصِيلَةُ فَالشَّاةُ إِذَا نَتَجَتْ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ نَظَرُوا السَّابِعَ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مَيْتٌ اشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى وَذَكَرًا فِي بَطْنٍ اسْتَحْيَوْهَا وَقَالُوا: وَصَلَتْهُ أُخْتُهُ فَحَرَّمَتْهُ عَلَيْنَا وَأَمَّا الْحَامُ فَالْفَحْلُ مِنَ الْإِبِلِ إِذَا وُلِدَ لِوَلَدِهِ قَالُوا: حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ فَلَا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَا يَجُزُّونَ لَهُ وَبَرًا وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ حِمَى رَعْيٍ وَلَا مِنْ حَوْضٍ يَشْرَبُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ. الأنعام {مِدْرَاراً} : يتبع بعضها بعضا. {وَيَنْأَوْنَ} : يتباعدون. {فَلَمَّا نَسُوا} : تركوا. {مُبْلِسُونَ} : آيسون. {يَصْدِفُونَ} : يعدلون. {يَدْعُونَ} : يعبدون.

{جَرَحْتُمْ} : كسبتم من الإثم. {يُفَرِّطُونَ} : يضيعون. {شِيَعاً} : أَهْوَاءَ مُخْتَلِفَةً. {لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ} : حقيقة. {أَنْ تُبْسَلَ} تفضح. {بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} : البسط الضرب. {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} : ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ. {حُسْبَاناً} : عَدَدُ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ. {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} : قِصَارُ النَّخْلِ اللَّاصِقَةُ عُرُوقُهَا بِالْأَرْضِ. {وَخَرَقُوا لَهُ} : تخرصوا. {قُبُلاً} : معاينة. {مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} : ضالا فهديناه. {عَلَى مَكَانَتِكُمْ} : ناحيتكم. {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} : حرام. {حَمُولَةً} : الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْمَلُ عليه.

{وَفَرْشاً} : الغنم. {مَسْفُوحاً} : مهراقا. {مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} : مَا عَلِقَ بِهَا مِنَ الشَّحْمِ. {الْحَوَايَا} : المبعر. {مِنْ إِمْلاقٍ} : الفقر. {عَنْ دِرَاسَتِهِمْ} : تلاوتهم. {وَصَدَفَ عَنْهَا} : أعرض. الأعراف {مَذْءُوماً} : ملوما. {وَرِيشاً} : مالا. {حَثِيثاً} : سريعا. {رِجْسٌ} : سخط. {بِكُلِّ صِرَاطٍ} : الطريق.

{رَبَّنَا افْتَحْ} : اقض. {آسَى} : أحزن. {حَتَّى عَفَوْا} : كثروا. {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} : يترك عبادتك. {الطُّوفَانَ} : المطر. {مُتَبَّرٌ} : خسران. {أَسِفاً} : الأسف الْحَزِينُ. {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} : إِنْ هُوَ إِلَّا عَذَابُكَ. {وَعَزَّرُوهُ} : حموه ووقروه. {ذَرَأْنَا ل} : خلقنا. {فَانْبَجَسَتْ} : انفجرت. {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} : رفعناه. {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} : لطيف بها. {مَسَّهُمْ طَائِفٌ} : الطائف اللمة. {لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} : لَوْلَا أَحْدَثْتَهَا لَوْلَا تَلَقَّنْتَهَا فَأَنْشَأْتَهَا.

الأنفال {كُلَّ بَنَانٍ} : البنان: الأطراف. {جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} : الفتح المدد. {فُرْقَاناً} : مخرجا. {لِيُثْبِتُوكَ} : ليوثقوك. {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} : يَوْمَ بَدْرٍ فَرَّقَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ. {مِنْ وَلَايَتِهِمْ} : ميراثهم. سورة التوبة {يُضَاهِئُونَ} : يشبهون. {كَافَّةً} : جميعا. {لِيُوَاطِئُوا} : يشبهوا. {وَلا تَفْتِنِّي} : ولا تخرجني. {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} : فَتْحٌ أَوْ شَهَادَةٌ.

{أَوْ مَغَارَاتٍ} : الغيران في الجبل. {مُدْخَلاً} السرب. {هُوَ أُذُنٌ} : يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} أَذْهِبِ الرِّفْقَ عَنْهُمْ. {وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} : صلوات الرسول استغفاره. {سَكَنٌ لَهُمْ} : رحمة. {رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} : شَكٌّ. {إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} : يعني الموت. {لَأَوَّاهٌ} : الْأَوَّاهُ الْمُؤْمِنُ التَّوَّابُ. {مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} : عصبة. يونس {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} : سَبَقَ لَهُمُ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ. {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} : أعلمكم. {تَرْهَقُهُمْ} : تغشاهم.

{مِنْ عَاصِمٍ} : مانع. {إِذْ تُفِيضُونَ} : تفعلون. {وَمَا يَعْزُبُ} : يغيب. هود {يَثْنُونَ} : يكنون. {حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} : يغطون رؤوسهم. {لا جَرَمَ} بلى. {وَأَخْبَتُوا} : خافوا. {وَفَارَ التَّنُّورُ} : نبع. {أَقْلِعِي} : اسكني. {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا} : يغنوا يعيشوا. {حَنِيذٍ} : نضيج. {سِيءَ بِهِمْ} : سَاءَ ظَنًّا بِقَوْمِهِ. {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} : بأضيافه.

{عَصِيبٌ} : شديد. {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يسرعون. {بِقِطْعٍ} : سواد. {مُسَوَّمَةً} : معلمة. {عَلَى مَكَانَتِكُمْ} : ناحيتكم. {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ} : موجع. {زَفِيرٌ} : صوت شديد. {وَشَهِيقٌ} : صوت ضعيف. {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} : غير منقطع. {وَلا تَرْكَنُوا} : تذهبوا. يوسف {شَغَفَهَا} : غلبها. {مُتَّكَأً} : مجلسا. {أَكْبَرْنَهُ} : أعظمنه.

{فَاسْتَعْصَمَ} : امتنع. {بَعْدَ أُمَّةٍ} : حين. {مِمَّا تُحْصِنُونَ} : تخزنون. {يَعْصِرُونَ} : الأعناب والدهن. {حَصْحَصَ} : تبين. {زَعِيمٌ} : كفيل. {لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} : خطئك. الرعد {صِنْوَانٌ} : مجتمع. {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} : داع. {مُعَقِّبَاتٌ} : الْمَلَائِكَةُ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ بِإِذْنِهِ. {بِقَدَرِهَا} : على قدر طاقتها. {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} : سوء العاقبة.

{طُوبَى لَهُمْ} فَرَحٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ. {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} : يعلم. إبراهيم {مُهْطِعِينَ} : ناظرين. {فِي الأَصْفَادِ} : في وثاق. {مِنْ قَطِرَانٍ} : النحاس المذاب. الحجر {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} : يتمنى. {مُسْلِمِينَ} : موحدين. {فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} : أُمَمِ. {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} : معلوم. {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} : طين رطب. {أَغْوَيْتَنِي} : أضللتني. {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} : فأمضه.

النحل {بِالرُّوحِ} : بالوحي. {فِيهَا دِفْءٌ} : الثياب. {وَمِنْهَا جَائِرٌ} : الأهواء المختلفة. {تُسِيمُونَ} : ترعون. {مَوَاخِرَ} : جواري. {تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} : تخالفون. {يَتَفَيَّأُ} : يتميل. {وَحَفَدَةً} : الأصهار. {عَنِ الْفَحْشَاءِ} : الزنا. {يَعِظُكُمْ} : يوصيكم. {هِيَ أَرْبَى} : أكثر. الإسراء {وَقَضَيْنَا} : أعلمنا. {فَجَاسُوا} : فمشوا.

{حَصِيراً} : سجنا. {فَصَّلْنَاهُ} : بيناه. {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} : سلطنا شرارها. {فَدَمَّرْنَاهَا} : أهلكناها. {وَقَضَى رَبُّكَ} : أمر. {وَلا تَقْفُ} : ولا تقل. {رُفَاتًا} : غبارا. {فَسَيُنْغِضُونَ} : يهزون. {بِحَمْدِهِ} بأمره. {لَأَحْتَنِكَنَّ} : لأستولين. {يُزْجِي} : يجرى. {قَاصِفاً} : عاصفا. {تَبِيعاً} : نظيرا. {زَهُوقاً} : ذاهبا. {يَؤُوساً} : قنوطا.

{شَاكِلَتِهِ} : ناحيته. {كِسَفاً} قطعا. {مَثْبُوراً} ملعونا. {فَرَقْنَاهُ} فصلناه. الكهف {عِوَجاً} : ملتبسا. {قِيَماً} : عدلا. {وَالرَّقِيمِ} : الكتاب. {تَزَاوَرُ} : تميل. {تَقْرِضُهُمْ} : تذرهم. {بِالْوَصِيدِ} : بِالْفِنَاءِ. {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} : لَا تَتَعَدَّاهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ. {كَالْمُهْلِ} : عكر الزيت. {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} : ذكر الله. {مَوْبِقاً} مهلكا.

{مَوْئِلاً} : ملجأ. {حُقُباً} : دَهْرًا. {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} : علما. {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} : حارة. {زُبَرَ الْحَدِيدِ} : قطع الحديد. {بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} : الجبلين. مريم {سَوِيّاً} مِنْ غَيْرِ خَرَسٍ. {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} : رحمة من عندنا. {سَرِيّاً} : هو عيسى. {جَبَّاراً شَقِيّاً} : عصيا. {وَاهْجُرْنِي} : اجتنبني. {بِي حَفِيّاً} : لطيفا. {لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} : الثناء الحسن. {غَيّاً} : خسرانا.

{لَغْواً} : باطلا. {أَثَاثاً} : مالا. {ضِدّاً} : أعوانا. {تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} : تُغْوِيهِمْ إِغْوَاءً. {نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} أَنْفَاسَهُمُ الَّتِي يَتَنَفَّسُونَ فِي الدُّنْيَا. {وِرْداً} : عطاشا. {عَهْداً} : شَهَادَةَ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. {إِدّاً} : عظيما. {هَدّاً} : هدما. {رِكْزاً} : صوتا. طه {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} : المبارك واسمه طوى. {أَكَادُ أُخْفِيهَا} : لَا أُظْهِرُ عَلَيْهَا أَحَدًا غَيْرِي. {سِيرَتَهَا} : حالتها.

{وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} : اختبرناك اختبارا. {وَلا تَنِيَا} : لَا تُبْطِئَا. {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} : خَلَقَ لِكُلِّ شَيْءٍ رُوحَهُ ثُمَّ هَدَاهُ لِمَنْكَحِهِ وَمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَسْكَنِهِ. {لا يَضِلُّ} : لا يخطئ. {تَارَةً} : مرة. {فَيُسْحِتَكُمْ} : فيهلككم. {وَالسَّلْوَى} : طَائِرٌ شَبِيهٌ بِالسِّمَّانِيِّ. {وَلا تَطْغَوْا} : لا تظلموا. {فَقَدْ هَوَى} : شقي. {بِمَلْكِنَا} : بأمرنا. {ظَلْتَ عَلَيْهِ} : أقمت. {لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ} : لنذرينه في البحر. {سَاءَ} : بئس. {يَتَخَافَتُونَ} يتسارون.

{قاعا} : مستويا {صَفْصَفاً} لا نبات فيه. {عِوَجاً} : واديا. {أَمْتاً} : رابية. {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ} : سكتت. {هَمْساً} : الصوت الخفي. {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} : ذلت. {فَلا يَخَافُ ظُلْماً} أَنْ يُظْلَمَ فَيَزْدَادُ فِي سَيِّئَاتِهِ. الأنبياء {فَلَكٍ} دوران. {يَسْبَحُونَ} : يجرون. {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} : تنقص أهلها وبركتها. {جُذَاذاً} : حُطَامًا. {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} : أَنْ لَنْ يَأْخُذَهُ الْعَذَابُ الَّذِي أَصَابَهُ.

{مِنْ كُلِّ حَدَبٍ} : شرف. {يَنْسِلُونَ} : يقبلون. {حَصَبُ جَهَنَّمَ} : شجر. {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} : كطي الصحيفة على الكتاب. الحج {بَهِيجٍ} حسن. {ثَانِيَ عِطْفِهِ} : مستكبرا في نفسه. {وَهُدُوا} : ألهموا. {تَفَثَهُمْ} : وَضْعَ إِحْرَامِهِمْ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَلَبْسِ الثِّيَابِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَنَحْوِ ذلك. {مَنْسَكاً} : عيدا. {الْقَانِعَ} : المتعفف. {المُعْتَرَّ} : السائل. {إِذَا تَمَنَّى} : حدث.

{فِي أُمْنِيَّتِهِ} : حديثه. {يَسْطُونَ} : يبطشون. المؤمنون {خَاشِعُونَ} : خائفون ساكنون. {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} : هو الزيت. {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} : بعيد بعيد. {تَتْرَى} : يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} : خائفين. {يَجْأَرُونَ} : يستغيثون. {تَنْكِصُونَ} : تدبرون. {سَامِراً تَهْجُرُونَ} : تَسْمُرُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَتَقُولُونَ هَجْرًا. {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} : عن الحق عادلون. {تُسْحَرُونَ} : تكذبون. {كَالِحُونَ} : عابسون.

النور {يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} : الحرائر. {مَا زَكَى مِنْكُمْ} : ما اهتدى. {وَلا يَأْتَلِ} : لا يقسم. {دِينِهِمْ} : حسابهم. {تَسْتَأْنِسُوا} : تَسْتَأْذِنُوا. {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} : لَا تُبْدِي خَلَاخِيلَهَا وَمِعْضَدَيْهَا وَنَحْرَهَا وَشَعْرَهَا إِلَّا لِزَوْجِهَا. {غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ} : الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ. {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ حِيلَةً. {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} ضَعُوا عَنْهُمْ مِنْ مُكَاتَبَتِهِمْ. {فَتَيَاتِكُمُ} : إمائكم. {الْبِغَاءِ} : الزنا. {نُورُ السَّمَاوَاتِ} : هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ. {مَثَلُ نُورِهِ} : هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ.

{كَمِشْكَاةٍ} : موضع الفتيلة. {فِي بُيُوتٍ} : المساجد. {أَنْ تُرْفَعَ} : تكرم. {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} : يتلى فيها كتابه. {يُسَبِّحُ} : يصلى. {بِالْغُدُوِّ} : صلاة الغداة {وَالْآصَالِ} : صلاة العصر. {بِقِيعَةٍ} : أرض مستوية. {تَحِيَّةً} : التحية السلام. الفرقان {ثُبُوراً} : ويلا. {بُوراً} : هلكى. {هَبَاءً مَنْثُوراً} : الماء المهراق. {سَاكِناً} : دائما.

{قَبْضاً يَسِيراً} : سَرِيعًا. {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} : مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَعْمَلَهُ أدركه بالنهار. {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} : المؤمنون. {هَوْناً} : بِالطَّاعَةِ وَالْعَفَافِ وَالتَّوَاضُعِ. {لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} : إيمانكم. الشعراء {كَالطَّوْدِ} : كالجبل. {فَكُبْكِبُوا} : جمعوا. {رِيعٍ} شرف. {لَعَلَّكُمْ} : كأنكم. {خُلُقُ الأَوَّلِينَ} : دين الأولين. {هَضِيمٌ} : معشبة. {فَارِهِينَ} : حاذقين.

{الأَيْكَةِ} : الغيضة. {وَالْجِبِلَّةَ} : الْخَلْقَ. {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} : في كل لغو يخوضون. النمل {بُورِكَ} : قدس. {أَوْزِعْنِي} : اجعلني. {يُخْرِجُ الْخَبْءَ} : يَعْلَمُ كُلَّ خَفِيَّةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. {طَائِرُكُمْ} : مصائبكم. {ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} : غاب علمهم. {رَدِفَ} : قرب. {يُوزَعُونَ} : يدفعون. {دَاخِرِينَ} : صاغرين. {جَامِدَةً} : قائمة. {أَتْقَنَ} : أحكم.

القصص {جَذْوَةٍ} : شهاب. {سَرْمَداً} : دائما. {لَتَنُوءُ} : تثقل. العنكبوت {وَتَخْلُقُونَ} : تصنعون. {إِفْكاً} : كذبا. الروم {أَدْنَى الأَرْضِ} : طَرَفِ الشَّامِ. {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} : أيسر. {يَصَّدَّعُونَ} : يتفرقون. لقمان {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} : لَا تَتَكَبَّرْ فَتَحْقِرْ عِبَادَ اللَّهِ وَتُعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ إِذَا كَلَّمُوكَ.

{الْغُرُورِ} : الشيطان. السجدة {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} : تركناكم. {مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى} : مصائب الدنيا وأسقامها وبلائها. الأحزاب {سَلَقُوكُمْ} : استقبلوكم. {تُرْجِي} : تؤخر. {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} : لنسلطنك عليهم. {الأَمَانَةَ} : الفرائض. {جَهُولاً} : غرا بأمر الله. سبأ {إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ} : الأرضة. {مِنْسَأَتَهُ} : عصاه.

{سَيْلَ الْعَرِمِ} : الشديد. {خَمْطٍ} : الأراك. {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} : جلي. {الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} : القاضي. {فَلا فَوْتَ} : فَلَا نَجَاةَ. {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} : فكيف لهم بالرد. فاطر {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} : ذكر الله. {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} : أداء الفرائض. {مِنْ قِطْمِيرٍ} : الْجِلْدُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ النواة. {مِنْ لُغُوبٍ} : إعياء. يس {يَا حَسْرَةً} : ويل. {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} : أصل العذق العتيق.

{الْمَشْحُونِ} : الممتلئ. {مِنَ الأَجْدَاثِ} : الأجداث القبور. {فَاكِهُونَ} : فرحون. الصافات {فَاهْدُوهُمْ} : وجهوهم. {لا فِيهَا غَوْلٌ} : صداع. {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} : اللؤلؤ المكنون. {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} : وسط الجحيم. {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ} : وَجَدُوا. {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} : لِسَانَ صِدْقٍ لِلْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ. {مِنْ شِيعَتِهِ} : أَهْلِ دِينِهِ. {بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} : العمل. {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} : صرعه. {فَنَبَذْنَاهُ} : ألقيناه.

{بِالْعَرَاءِ} : بالساحل. {بِفَاتِنِينَ} : مضلين. ص {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} : ليس حين فرار. {اخْتِلاقٌ} : تخريص. {فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ} : السماء. {مِنْ فَوَاقٍ} : ترداد. {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} : العذاب. {فَطَفِقَ مَسْحاً} : جعل يمسح. {جَسَداً} : شيطانا. {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} : مُطِيعَةً لَهُ حَيْثُ أَرَادَ. {ضِغْثاً} : حزمة. {أُولِي الأَيْدِي} : القوة. {وَالأَبْصَارِ} : الْفِقْهِ فِي الدِّينِ.

{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} : عن غير أزواجهن. {أَتْرَابٌ} : مستويات. {وَغَسَّاقٌ} : الزمهرير. {أَزْوَاجٌ} : ألوان من العذاب. الزمر {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ} : يحمل. {لَمِنَ السَّاخِرِينَ} : المخرفين. {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} : المهتدين. غافر {ذِي الطَّوْلِ} : السِّعَةِ وَالْغِنَى. {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} : حال. {فِي تَبَابٍ} : خسران. {ادْعُونِي} : وحدوني.

فصلت {فَهَدَيْنَاهُمْ} : بينا لهم. الشورى {رَوَاكِدَ} : وقوفا. {أَوْ يُوبِقْهُنَّ} : يهلكهن. الزخرف {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} : مطيقين. {وَمَعَارِجَ} : الدرج. {وَزُخْرُفاً} : الذهب. {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ} : شرف. {تُحْبَرُونَ} : تكرمون. الدخان {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً} : سمتا.

الجاثية {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} : في سابق علمه. الأحقاف {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} : لم نمكنكم فيه. محمد {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} : متغير. الحجرات {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} : لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. {وَلا تَجَسَّسُوا} : هُوَ أَنْ تُتَّبَعَ عَوْرَاتُ الْمُؤْمِنِ. ق {الْمَجِيدِ} : الكريم. {مَرِيجٍ} : مختلف.

{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} : طوالا. {فِي لَبْسٍ} : شك. {مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} : الوريد عرق العنق. الذاريات {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} : يَعْنِي الْمُرْتَابُونَ. {فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} : في ضلالتهم يتمادون. {يُفْتَنُونَ} : يعذبون. {مَا يَهْجَعُونَ} : ينامون. {فِي صَرَّةٍ} : صيحة. {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} : لطمت. {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} : بقوته. {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} : بقوة. {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} : الشديد. {ذَنُوباً} : دلوا.

الطور {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} : المحبوس. {يَوْمَ تَمُورُ} : تحرك. {يَوْمَ يُدَعُّونَ} : يدفعون. {فَاكِهِينَ} : معجبين. {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} : ما نقصناهم. {وَلا تَأْثِيمٌ} : كذب. {رَيْبَ الْمَنُونِ} : المنون الموت. {الْمُصَيْطِرُونَ} : المسلطون الجبارون. النجم {ذُو مِرَّةٍ} : منظر حسن. {أَغْنَى وَأَقْنَى} : أعطى وأرضى. {الْآزِفَةِ} : مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. {سَامِدُونَ} : لاهون.

الرحمن {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ} : النَّجْمُ مَا يَنْبَسِطُ عَلَى الْأَرْضِ وَالشَّجَرُ مَا يَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ. {لِلْأَنَامِ} : الخلق. {ذُو الْعَصْفِ} : التبن. {وَالرَّيْحَانُ} : خُضْرَةُ الزَّرْعِ. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا} : بِأَيِّ نِعْمَةِ اللَّهِ. {مِنْ مَارِجٍ} : خالص النار. {مَرَجَ} : أرسل. {بَرْزَخٌ} حاجز. {ذُو الْجَلالِ} : ذُو الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} : هَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ وَلَيْسَ بِاللَّهِ شُغْلٌ. {لَا تَنْفُذُونَ} : لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي. {شُوَاظٌ} : لهب النار. {وَنُحَاسٌ} : دخان النار.

{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} : ثمار. {لم لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} : يدن منهن. {نَضَّاخَتَانِ} : فائضتان. {رَفْرَفٍ خُضْرٍ} : المجالس. الواقعة {مُتْرَفِينَ} : منعمين. {لِلْمُقْوِينَ} : المسافرين. {غَيْرَ مَدِينِينَ} : محاسبين. {فَرَوْحٌ} : راحة. الحديد {أَنْ نَبْرَأَهَا} : نخلقها. الممتحنة {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} : لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَنَا. {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ} : لَا يُلْحِقْنَ بِأَزْوَاجِهِنَّ غَيْرَ أَوْلَادِهِمْ.

المنافقون {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} : لَعَنَهُمْ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ قَتْلٌ فَهُوَ لعن. {وَأَنْفِقُوا} : تصدقوا. الطلاق {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} : يُنْجِيهِ مِنْ كُلِّ كُرَبٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. {عَتَتْ} : عصت يعني أهلها. الملك {تَمَيَّزُ} : تتفرق. {فَسُحْقاً} : بعدا. القلم {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} : لَوْ تُرَخِّصُ لَهُمْ فَيُرَخِّصُونَ. {زَنِيمٍ} : ظلوم. {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} : أَعْدَلُهُمْ.

{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} : هُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الْمُفَظَّعُ مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {وَهُوَ مَكْظُومٌ} : مغموم. {مَذْمُومٌ} : ملوم. {لَيُزْلِقُونَكَ} : ينفذونك. الحاقة {لَمَّا طَغَا الْمَاءُ} : طغى كثر. {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} : واعية حافظة. {إِنِّي ظَنَنْتُ} : أيقنت. {مِنْ غِسْلِينٍ} : صديد. {الْخَاطِئُونَ} : أهل النار. المعارج {ذِي الْمَعَارِجِ} : العلو والفواضل

نوح {سُبُلاً} : طرقا. {فِجَاجاً} : مختلفة. الجن {جَدُّ رَبِّنَا} : فِعْلُهُ وَأَمْرُهُ وَقُدْرَتُهُ. {فَلا يَخَافُ بَخْساً} : نَقْصًا مِنْ حَسَنَاتِهِ. {وَلا رَهَقاً} : زيادة في سيئاته. المزمل {كَثِيباً مَهِيلاً} : الرمل السائل. {وَبِيلاً} : شديدا. المدثر {يَوْمٌ عَسِيرٌ} : شديد. {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} : مغيرة.

القيامة {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} : بيناه. {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} : اعْمَلْ بِهِ. {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ فَتَلْتَقِي الشِّدَّةُ بِالشِّدَّةِ. {سُدىً} : هملا. الإنسان {أمشاج} : مختلفة الألوان. {مُسْتَطِيراً} : فاشيا. {عَبُوساً} : ضيقا. {قَمْطَرِيراً} : طويلا. المرسلات {كِفَاتاً} : كنا. {رَوَاسِيَ} : جبالا. {شَامِخَاتٍ} : مشرفات.

{مَاءً فُرَاتاً} : عذبا. النبأ {سِرَاجاً وَهَّاجاً} : مضيئا. {مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} : السحاب. {ثَجَّاجاً} : منصبا. {أَلْفَافاً} : مجتمعة. {جَزَاءً وِفَاقاً} : وفق أعمالهم. {مَفَازاً} : متنزها. {وَكَوَاعِبَ} : نواهد. {يَقُومُ الرُّوحُ} : مَلَكٌ مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا. {وَقَالَ صَوَاباً} : لا إله إلا الله. النازعات {الرَّادِفَةُ} : النفخة الثانية. {وَاجِفَةٌ} : خائفة.

{فِي الْحَافِرَةِ} : الحياة. {سَمْكَهَا} : بناءها. {وَأَغْطَشَ} : أظلم. عبس {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} : مشرقة. التكوير {كُوِّرَتْ} : أظلمت. {انْكَدَرَتْ} : تغيرت. {إِذَا عَسْعَسَ} : أدبر. الانفطار {فُجِّرَتْ} : بعضها في بعض. {بُعْثِرَتْ} : بحثت.

المطففين {لَفِي عِلِّيِّينَ} : الجنة. الانشقاق {لَنْ يَحُورَ} : لن يبعث. {بِمَا يُوعُونَ} : يسرون. البروج {الْوَدُودُ} : الحبيب. الطارق {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} : حق. {بِالْهَزْلِ} : بالباطل. الأعلى {غُثَاءً} : هشيما. {أَحْوَى} : أسود متغيرا. {مَنْ تَزَكَّى} : مِنَ الشِّرْكِ.

{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} : وحد الله. {فَصَلَّى} : الصلوات الخمس. الغاشية {الْغَاشِيَةِ} وَ {الطَّامَّةُ} وَ {الصَّاخَّةُ} وَ {الْحَاقَّةُ} وَ {الْقَارِعَةُ} : مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. {مِنْ ضَرِيعٍ} : شجر ذو شوك. {وَنَمَارِقُ} : المرافق. {بِمُصَيْطِرٍ} : بجبار. الفجر {لَبِالْمِرْصَادِ} : يسمع ويرى. {جَمّاً} : شديدا. {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} : كيف له.

البلد {النَّجْدَيْنِ} : الضلالة والهدى. الشمس {طَحَاهَا} : قسمها. {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} : بَيَّنَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} : لا يخاف من أحد عاقبة. الضحى {سَجَى} : ذَهَبَ. {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} : ما تركك وما أبغضك. الشرح {فَانْصَبْ} في الدعاء. قريش {إِيلافِهِمْ} : لزومهم.

الكوثر {شَانِئَكَ} : عدوك. الإخلاص {الصَّمَدُ} : السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ. الْفَلَقِ {الْفَلَقِ} : الْخَلْقِ. هَذَا لَفْظُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِمَا مُفَرَّقًا فَجَمَعْتُهُ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ غَرِيبَ الْقُرْآنِ فَقَدْ أَتَى عَلَى جُمْلَةٍ صَالِحَةٍ مِنْهُ. وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سُقْتُهَا مِنْ نُسْخَةِ الضَّحَّاكِ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ [ح] ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} : قَالَ الشُّكْرُ لِلَّهِ. {رَبِّ الْعَالَمِينَ} : قَالَ لَهُ الْخَلْقُ كُلُّهُ. {لِلْمُتَّقِينَ} : الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ وَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِي.

{وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} : إِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا. {مَرَضٌ} : نفاق. {عَذَابٌ أَلِيمٌ} : نكال موجع. {يَكْذِبُونَ} : يبدلون ويحرفون. {السُّفَهَاءُ} : الجهال. {طُغْيَانِهِمْ} : كفرهم. {كَصَيِّبٍ} : المطر. {أَنْدَاداً} : أشباها. {وَنُقَدِّسُ لَكَ} : التقديس التطهير. {رَغَداً} سعة المعيشة. {وَلا تَلْبِسُوا} : تخلطوا. {أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} : يضرون. {وَقُولُوا حِطَّةٌ} : قُولُوا هَذَا الْأَمْرُ حَقٌّ كَمَا قِيلَ لَكُمُ. {الطُّورَ} مَا أَنْبَتَ مِنَ الْجِبَالِ وَمَا لَمْ يَنْبُتْ فَلَيْسَ بِطُورٍ. {خَاسِئِينَ} : ذليلين.

{نَكَالاً} : عقوبة. {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} : من بعدهم. {وَمَا خَلْفَهَا} : الذين بقوا معهم. {وَمَوْعِظَةً} : تَذْكِرَةً. {بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} : بِمَا أَكْرَمَكُمْ بِهِ. {بِرُوحِ الْقُدُسِ} : الِاسْمُ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى. {قَانِتُونَ} : مطيعون. {الْقَوَاعِدَ} : أساس البيت. {صِبْغَةَ اللَّهِ} : دين الله. {أَتُحَاجُّونَنَا} : أتخاصموننا. {يُنْظَرُونَ} : يؤخرون. {أَلَدُّ الْخِصَامِ} : شديد الخصومة. {فِي السِّلْمِ} : في الطاعة. {كَافَّةً} : جميعا. {كَدَأْبِ} : كصنع.

{بِالْقِسْطِ} : بالعدل. {الأَكْمَهَ} : الَّذِي يُولَدُ وَهُوَ أَعْمَى. {رَبَّانِيِّينَ} : علماء فقهاء. {وَلا تَهِنُوا} : وَلَا تَضْعُفُوا. {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} : يَقُولُونَ اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ. {لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ} : تحريفا بالكذب. {إِلَّا إِنَاثاً} : موتى. {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} : أَعَنْتُمُوهُمْ. {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} : قَالَ أَمَرَتْهُمْ. {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} : حجتهم. {بِمُعْجِزِينَ} : بمسابقين. {قَوْماً عَمِينَ} : كفارا. {بَسْطَةً} : شدة. {وَلا تَبْخَسُوا} : لا تنقصوا.

{وَالْقُمَّلَ} : الْجَرَادَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَجْنِحَةٌ. {يَعْرِشُونَ} : يبنون. {مُتَبَّرٌ} : هالك. {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} : بجد وحزم. {إِصْرَهُمْ} : عهدهم ومواثيقهم. {مُرْسَاهَا} : منتهاها. {خُذِ الْعَفْوَ} : أنفق الفضل. {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} : بالمعروف. {وَجِلَتْ} : فرقت. {الْبُكْمُ} الخرس. {فُرْقَاناً} : نصرا. {بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا} : شَاطِئِ الْوَادِي. {إِلّاً وَلا ذِمَّةً} : الْإِلُّ الْقَرَابَةُ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ. {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} : كيف يكذبون. {ذَلِكَ الدِّينُ} : القضاء.

{عَرَضاً} : غنيمة. {الشُّقَّةُ} : المسير. {فَثَبَّطَهُمْ} : حبسهم. {مَلْجَأً} : الْحِرْزُ فِي الْجَبَلِ. {أَوْ مَغَارَاتٍ} : الْأَسْرَابُ فِي الْأَرْضِ الْمُخِيفَةِ. {أَوْ مُدَّخَلاً} : المأوى. {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} : السعاة. {نَسُوا اللَّهَ} : تركوا طاعة الله. {فَنَسِيَهُمْ} : تَرَكَهُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَكَرَامَتِهِ. {بِخَلاقِهِمْ} : بدينهم. {الْمُعَذِّرُونَ} : أهل العذر. {مَخْمَصَةٍ} : مجاعة. {غِلْظَةً} شدة. {يُفْتَنُونَ} : يبتلون. {عَزِيزٌ} : شديد.

{مَا عَنِتُّمْ} : مَا شَقَّ عَلَيْكُمْ. {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} : انهضوا إلي. {وَلا تُنْظِرُونِ} : تؤخرون. {حَقَّتْ} : سبقت. {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} : يَأْتِيهَا رِزْقُهَا حَيْثُ كَانَتْ. {مُنِيبٌ} : الْمُقْبِلُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ. {وَلا يَلْتَفِتْ} : يتخلف. {وَلا تَعْثَوْا} : تسعوا. {هَيْتَ لَكَ} : تَهَيَّأْتُ لَكَ وَكَانَ يَقْرَؤُهَا مَهْمُوزَةً. {وَأَعْتَدَتْ} : هيأت. {عَلَى الْعَرْشِ} : السرير. {هَذِهِ سَبِيلِي} : دعوتي. {الْمَثُلاتُ} : مَا أَصَابَ الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ مِنَ الْعَذَابِ. {الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} : السر والعلانية. {شَدِيدُ الْمِحَالِ} : شَدِيدُ الْمَكْرِ وَالْعَدَاوَةِ.

{عَلَى تَخَوُّفٍ} : نَقْصٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ. {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} : ألهمها. {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} : أبعد حجة. {قَبِيلاً} : عَيَانًا. {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} : اطْلُبْ بَيْنَ الْإِعْلَانِ وَالْجَهْرِ وَبَيْنَ التَّخَافُتِ وَالْخَفْضِ طَرِيقًا لَا جَهْرًا شَدِيدًا وَلَا خَفْضًا لَا يُسْمِعُ أذنيك. {رُطَباً جَنِيّاً} : طريا. {أَنْ يَفْرُطَ} : يعجل. {يَطْغَى} يعتدي. {لا تَظْمَأُ} : لا تعطش. {وَلا تَضْحَى} : لَا يُصِيبُكَ حَرٌّ. {إِلَى رَبْوَةٍ} : المكان المرتفع. {ذَاتِ قَرَارٍ} : خصب. {وَمَعِينٍ} : ماء طاهر. {أُمَّتُكُمْ} : دينكم. {تَبَارَكَ} : تفاعل من البركة.

{كَرَّةً} : رجعة. {خَاوِيَةٌ} : سَقَطَ أَعْلَاهَا عَلَى أَسْفَلِهَا. {فَلَهُ خَيْرٌ} : ثواب. {يُبْلِسُ} : ييأس. {جُدَدٌ} : طرائق. {إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} : طريق النار. {وَقِفُوهُمْ} : احبسوهم. {إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} : مُحَاسَبُونَ. {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} : تمانعون. {مُسْتَسْلِمُونَ} : مستنجدون. {وَهُوَ مُلِيمٌ} : مسيء مذنب. {فُصِّلَتْ} : بينت. {وَالْغَوْا فِيهِ} : عيبوه. {مُهْطِعِينَ} : مقبلين. {وَبُسَّتِ} : فتت.

{وَلا يُنْزِفُونَ} : لَا يَقِيئُونَ كَمَا يَقِيءُ صَاحِبُ خَمْرِ الدُّنْيَا. {الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} : الشرك. {الْمُهَيْمِنُ} : الشاهد. {الْعَزِيزُ} : الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ. {الْحَكِيمُ} : الْمُحْكِمُ لِمَا أَرَادَ. {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} : نخل. {مِنْ فُطُورٍ} : تشقق. {وَهُوَ حَسِيرٌ} : كَلِيلٌ ضَعِيفٌ. {لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} : لَا تَخَافُونَ لَهُ عَظَمَةً. {جَدُّ رَبِّنَا} : عظمته. {أَتَانَا الْيَقِينُ} : الموت. {يَتَمَطَّى} : يختال. {أَتْرَاباً} : فِي سَنٍّ وَاحِدٍ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. {مُرْسَاهَا} : منتهاها. {مَتَاعاً لَكُمْ} : منفعة. {مَمْنُونٍ} : منقوص.

فصل قال أبو يكربن الأنبا ري قَدْ جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - كَثِيرًا - الِاحْتِجَاجُ عَلَى غَرِيبِ الْقُرْآنِ وَمُشْكِلِهِ بِالشِّعْرِ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ - لَا عِلْمَ لَهُمْ - عَلَى النَّحْوِيِّينَ ذَلِكَ وَقَالُوا: إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ جَعَلْتُمِ الشِّعْرَ أَصْلًا لِلْقُرْآنِ وَقَالُوا: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِالشِّعْرِ عَلَى الْقُرْآنِ وَهُوَ مَذْمُومٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ! قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوهُ مِنْ أَنَّا جَعَلْنَا الشِّعْرَ أَصْلًا لِلْقُرْآنِ بَلْ أَرَدْنَا تَبْيِينَ الْحَرْفِ الْغَرِيبِ مِنَ الْقُرْآنِ بِالشِّعْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} ، وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشِّعْرُ دِيوَانُ الْعَرَبِ فَإِذَا خَفِيَ عَلَيْنَا الْحَرْفُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ رَجَعْنَا إِلَى دِيوَانِهَا فَالْتَمَسْنَا مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنْهُ. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا سَأَلْتُمُونِي عَنْ غَرِيبِ الْقُرْآنِ فَالْتَمِسُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّ الشِّعْرَ دِيوَانُ الْعَرَبِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْقُرْآنِ فَيُنْشِدُ فِيهِ الشِّعْرَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي كَانَ يَسْتَشْهِدُ بِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ. قُلْتُ: قَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ وَأَوْعَبُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ مَسَائِلُ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ وَقَدْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَسُوقَهَا هُنَا بِتَمَامِهَا لِتُسْتَفَادَ:

أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّالِحِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التَّنُوخِيِّ عَنِ القاسم بن عساكر أخبرنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرَازِيُّ أخبرنا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ العراقي أخبرنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبْهَانَ الكاتب أخبرنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ علي بْنِ مُكْرَمٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّسِّيِّ حَدَّثَنَا أَبُو سهل السري الْجُنْدَيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بَحْرُ بْنُ فَرُّوخَ الْمَكِّيُّ أخبرنا سعيد بن أبي سعيد أخبرنا عِيسَى بْنُ دَأَبٍ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ قَدِ اكْتَنَفَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ لِنَجْدَةَ بْنِ عُوَيْمِرٍ: قُمْ بِنَا إِلَى هَذَا الَّذِي يَجْتَرِئُ عَلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ: فَقَامَا إِلَيْهِ فَقَالَا: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَتُفَسِّرَهَا لَنَا وَتَأْتِيَنَا بِمُصَادَقَةٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَلَانِي عَمَّا بَدَا لَكُمَا فَقَالَ نَافِعٌ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} ، قال العزون: الحلق الرقاق، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ عُبَيْدَ بْنَ الْأَبْرَصِ وَهُوَ يَقُولُ: فجاؤا يهرعون إليه حت يَكُونُوا حَوْلَ مِنْبَرِهِ عِزِينَا

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} قَالَ: الْوَسِيلَةُ الْحَاجَةُ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ عَنْتَرَةَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ إِنْ يَأْخُذُوكِ تَكَحَّلِي وَتَخَضَّبِي قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} قَالَ: الشِّرْعَةُ: الدِّينُ، وَالْمِنْهَاجُ: الطَّرِيقُ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ أَبَا سفيان ابن الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ نَطَقَ الْمَأْمُونُ بِالصِّدْقِ والهدى وبين للإسلام دين ومنهاجا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: {إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} قَالَ: نُضْجِهِ وَبَلَاغِهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: إِذَا مَا مَشَتْ وَسْطَ النِّسَاءِ تَأَوَّدَتْ كَمَا اهْتَزَّ غُصْنٌ نَاعِمُ النَّبْتِ يَانِعُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وريشا} ، قَالَ: الرِّيشُ الْمَالُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ: فَرِشْنِي بخير طالما ما قَدْ بَرَيْتَنِي وَخَيْرُ الْمَوَالِي مَنْ يَرِيشُ وَلَا يَبْرِي قَالَ أَخْبِرْنِي: عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} ، قَالَ: فِي اعْتِدَالٍ وَاسْتِقَامَةٍ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ لَبِيدَ بْنَ بيعة وَهُوَ يَقُولُ: يَا عَيْنُ هَلَّا بَكَيْتِ أَرْبَدَ إِذْ قُمْنَا وَقَامَ الْخُصُومُ فِي كَبَدِ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} قَالَ: السَّنَا الضَّوْءُ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ: يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ لَا يَبْغِي بِهِ بَدَلًا يَجْلُو بِضَوْءِ سَنَاهُ دَاجِيَ الظُّلَمِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَفَدَةً} قَالَ: وَلَدُ الْوَلَدِ وَهُمُ الْأَعْوَانُ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ: حَفْدُ الْوَلَائِدِ حَوْلَهُنَّ وَأَسْلَمَتْ بِأَكُفِّهِنَّ أزمة الأجمال قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} قَالَ: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ طَرَفَةَ بْنَ الْعَبْدِ يَقُولُ: أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ: أَفَلَمْ يَعْلَمْ بِلُغَةِ بَنِي مَالِكٍ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ مالك ابن عَوْفٍ يَقُولُ: لَقَدْ يَئِسَ الْأَقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ وَإِنْ كُنْتُ عن أرض العشيرة نائبا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْبُوراً} قَالَ: مَلْعُونًا مَحْبُوسًا مِنَ الْخَيْرِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزِّبَعْرَى يَقُولُ:

إِذْ أَتَانِي الشَّيْطَانُ فِي سِنَةِ النوم وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} قَالَ: أَلْجَأَهَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: إِذْ شَدَدْنَا شَدَّةً صَادِقَةً فَأَجَأْنَاكُمْ إِلَى سَفْحِ الْجَبَلِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَدِيّاً} قَالَ: النَّادِي الْمَجْلِسُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ: يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَثَاثاً وَرِئْياً} قَالَ: الْأَثَاثُ الْمَتَاعُ، وَالرِّئْيُ مِنَ الشَّرَابِ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ: كَأَنَّ عَلَى الْحُمُولِ غَدَاةَ وَلَّوْا مِنَ الرِّئْيِ الْكَرِيمِ مِنَ الْأَثَاثِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} قَالَ: الْقَاعُ الْأَمْلَسُ، وَالصَّفْصَفُ الْمُسْتَوِي قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ: بِمَلْمُومَةٍ شَهْبَاءَ لَوْ قَذَفُوا بِهَا شَمَارِيخَ مِنْ رَضْوَى إِذَنْ صَفْصَفًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} ،

قَالَ: لَا تَعْرَقُ فِيهَا مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الشَّمْسِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ يَقُولُ: رَأَتْ رَجُلًا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ فَيَضْحَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَرُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ خُوَارٌ} قَالَ: لَهُ صِيَاحٌ، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ: قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: كَأَنَّ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنَ بَكْرٍ إِلَى الْإِسْلَامِ صَائِحَةٌ تَخُورُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} قَالَ: لَا تَضْعُفَا عَنْ أَمْرِي قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: إِنِّي وَجَدِّكَ مَا وَنَيْتُ وَلَمْ أَزَلْ أَبْغِي الْفِكَاكَ لَهُ بِكُلِّ سَبِيلِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا أُعْطِيَ وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَعْتَرِضُ الْأَبْوَابَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: على مكثريهم حق من يعتريهم وَعِنْدَ الْمُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ وَالْبَذْلُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} قال: مشيد بالجص والآخر قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ عَدِيَّ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْسًا فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {شُوَاظٌ} قَالَ: الشُّوَاظُ اللَّهَبُ الَّذِي لَا دُخَانَ لَهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: يَظَلُّ يَشُبُّ كِيرًا بَعْدَ كِيرٍ وَيَنْفُخُ دَائِبًا لَهَبَ الشُّوَاظِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ: فَازُوا وَسَعِدُوا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ: فَاعْقِلِي إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقَلْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} قَالَ: يُقَوِّي قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: برجال لستموا أَمْثَالَهُمْ أَيَّدُوا جِبْرِيلَ نَصْرًا فَنَزَلْ قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُحَاسٌ} قَالَ: هُوَ الدُّخَانُ الَّذِي لَا لَهَبَ فِيهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: يُضِيءُ كَضَوْءِ سِرَاجِ السَّلِيطِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {أَمْشَاجٍ} قَالَ: اخْتِلَاطُ مَاءِ

الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ إِذَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ: كَأَنَّ الرِّيشَ وَالْفَوْقَ مِنْهُ خِلَالَ النَّصْلِ خَالَطَهُ مَشِيجُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {وَفُومِهَا} قَالَ: الْحِنْطَةُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ: قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي كَأَغْنَى وَاحِدٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: السُّمُودُ اللَّهْوُ وَالْبَاطِلُ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ هُزَيْلَةَ بِنْتِ بَكْرٍ وَهِيَ تَبْكِي قَوْمَ عَادٍ: لَيْتَ عَادًا قَبِلُوا الْحَقَّ وَلَمْ يُبْدُوا جُحُودًا قِيلَ فَقُمْ فَانْظُرْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ دَعْ عَنْكَ السُّمُودَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا نَتَنٌ وَلَا كَرَاهِيَةٌ كَخَمْرِ الدُّنْيَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ: رُبَّ كَأْسٍ شَرِبْتُ لَا غُولَ فِيهَا وَسَقَيْتُ النَّدِيمَ مِنْهَا مِزَاجًا

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} قَالَ: اتِّسَاقُهُ اجْتِمَاعُهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ: إِنَّ لَنَا قَلَائِصًا نَقَانِقَا مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ تَجِدْنَ سَائِقًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} قَالَ: بَاقُونَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ: فَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إِمَّا هَلَكْنَا وَهَلْ بِالْمَوْتِ يَا لَلنَّاسِ من عَارُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} قَالَ: كَالْحِيَاضِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ: كَالْجَوَابِي لَا تَنِي مُتْرَعَةً لِقِرَى الْأَضْيَافِ أَوْ لِلْمُحْتَضِرْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} قال: الفجور والزنى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: حَافِظٌ لِلْفَرْجِ رَاضٍ بِالتُّقَى لَيْسَ مِمَّنْ قَلَبُهُ فِيهِ مَرَضْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} قَالَ: الْمُلْتَزِقُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:

فَلَا يَحْسَبُونَ الْخَيْرَ لَا شَرَّ بَعْدَهُ وَلَا يَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {أَنْدَاداً} قَالَ: الْأَشْبَاهُ وَالْأَمْثَالُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ لَهُ بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} قال: الخلط الْحَمِيمِ وَالْغَسَّاقِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} قَالَ: الْقِطُّ الْجَزَاءُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتَهُ بِنِعْمَتِهِ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيُطْلِقُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} قَالَ: الْحَمَأُ السَّوَادُ وَالْمَسْنُونُ الْمُصَوَّرُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَغَرٌّ كَأَنَّ البدر سنة وَجْهِهِ جَلَا الْغَيْمَ عَنْهُ ضَوْءُهُ فَتَبَدَّدَا

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} قَالَ: الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ شِدَّةِ الْحَالِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ طَرَفَةَ: يَغْشَاهُمُ الْبَائِسُ الْمُدْقِعُ وَالضَّيْفُ وَجَارٌ مُجَاوِرٌ جُنُبُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {مَاءً غَدَقاً} قَالَ: كَثِيرًا جَارِيًا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: تُدْنِي كَرَادِيسَ مُلْتَفًّا حَدَائِقُهَا كَالنَّبْتِ جَادَتْ بِهَا أنهارها غدقا قال: أخبرنا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} قَالَ: شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ يَقْتَبِسُونَ مِنْهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ: هَمٌّ عَرَانِي فَبِتُّ أَدْفَعُهُ دُونَ سُهَادِي كَشُعْلَةِ الْقَبَسِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ: الْأَلِيمُ الْوَجِيعُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: نَامَ مَنْ كَانَ خَلِيًّا مِنْ أَلَمْ وَبَقِيتُ اللَّيْلَ طُولًا لَمْ أَنَمْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ} قَالَ: أَتْبَعْنَا عَلَى آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْ بَعَثْنَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:

يَوْمَ قَفَّتْ عِيرُهُمْ مِنْ عِيرِنَا وَاحْتِمَالُ الْحَيِّ فِي الصُّبْحِ فَلَقْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا تَرَدَّى} قَالَ: إِذَا مَاتَ وَتَرَدَّى فِي النَّارِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ: خَطَفَتْهُ مَنِيَّةٌ فَتَرَدَّى وَهُوَ فِي الْمُلْكِ يَأْمُلُ التَّعْمِيرَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} قَالَ: النَّهَرُ السَّعَةُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ: مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا يرى قائم مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} قَالَ: الْخَلْقُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ: فَإِنْ تَسْأَلِينَا مِمَّ نَحْنُ فَإِنَّنَا عَصَافِيرُ من هذي الْأَنَامِ الْمُسَحَّرِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ لَنْ يَحُورَ} قَالَ: أَنْ لَنْ يَرْجِعَ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَمَا الْمَرْءُ إِلَّا كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} قال:

أجدى أَلَّا تَمِيلُوا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: إِنَّا تَبِعْنَا واطرحوا قول وَعَالُوا فِي الْمَوَازِينِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مُلِيمٌ} قَالَ: الْمُسِيءُ الْمُذْنِبُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: مِنَ الْآفَاتِ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ وَلَكِنَّ الْمُسِيءَ هُوَ الْمُلِيمُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} قَالَ: تَقْتُلُونَهُمْ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَمِنَّا الَّذِي لَاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ فَحَسَّ بِهِ الْأَعْدَاءَ عُرْضَ الْعَسَاكِرِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَلْفَيْنَا} قَالَ: يَعْنِي وَجَدْنَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ: فَحَسَّبُوهُ فَأَلْفَوْهُ كَمَا زَعَمَتْ تِسْعًا وَتِسْعِينَ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {جَنَفاً} قَالَ: الْجَوْرُ وَالْمَيْلُ فِي الْوَصِيَّةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عدي بن زيد: أمك يَا نُعْمَانُ فِي أَخَوَاتِهَا تَأْتِينَ مَا يَأْتِينَهُ جَنَفًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} قَالَ: الْبَأْسَاءُ

الْخِصْبُ وَالضَّرَّاءُ الْجَدْبُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو: إِنَّ الْإِلَهَ عَزِيزٌ وَاسِعٌ حَكَمٌ بِكَفِّهِ الضُّرُّ وَالْبَأْسَاءُ وَالنِّعَمُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا رَمْزاً} قال: الإشارة باليد والوحي بِالرَّأْسِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: مَا فِي السَّمَاءِ مِنَ الرَّحْمَنِ مُرْتَمَزٌ إِلَّا إِلَيْهِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ وَزَرِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَدْ فَازَ} قَالَ: سَعِدَ وَنَجَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ: وَعَسَى أَنْ أَفُوزَ ثَمَّتَ أَلْقَى حُجَّةً أَتَّقِي بِهَا الْفَتَّانَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} قَالَ: عَدْلٌ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: تَلَاقَيْنَا فَقَاضَيْنَا سَوَاءً وَلَكِنْ جُرَّ عَنْ حَالٍ بِحَالِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} ، قال: السفينة الموقرة الممتلئة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ: شَحَنَّا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهُمْ أَذَلَّ مِنَ الصِّرَاطِ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {زَنِيمٍ} قَالَ: وَلَدُ الزِّنَى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: زَنِيمٌ تَدَاعَتْهُ الرِّجَالُ زِيَادَةً كَمَا زِيدَ فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ الْأَكَارِعُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {طَرَائِقَ قِدَداً} قَالَ: الْمُنْقَطِعَةُ فِي كُلِّ وَجْهٍ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَلَقَدْ قُلْتُ وَزَيْدٌ حَاسِرٌ يَوْمَ وَلَّتْ خَيْلُ زَيْدٍ قِدَدًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِرَبِّ الْفَلَقِ} قَالَ: الصُّبْحُ إِذَا انْفَلَقَ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى: الْفَارِجُ الْهَمِّ مَسْدُولًا عَسَاكِرُهُ كَمَا يُفَرِّجُ غَمَّ الظُّلْمَةِ الْفَلَقُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {مِنْ خَلاقٍ} قَالَ: نَصِيبٌ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ فِيهَا لَا خَلَاقَ لَهُمْ. إِلَّا سَرَابِيلُ مِنْ قَطْرٍ وَأَغْلَالِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} قَالَ: مُقِرُّونَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ: قَانِتًا لِلَّهِ يَرْجُو عَفْوَهُ يَوْمَ لَا يُكْفَرُ عَبْدٌ مَا ادَّخَرْ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَدُّ رَبِّنَا} قَالَ: عَظَمَةُ رَبِّنَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: لَكَ الْحَمْدُ وَالنَّعْمَاءُ وَالْمُلْكُ رَبَّنَا فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْكَ جَدًّا وَأَمْجَدُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَمِيمٍ آنٍ} قَالَ: الْآنُ الَّذِي انْتَهَى طَبْخُهُ وَحَرُّهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ: وَيَخْضِبُ لِحْيَةً غدرت وحانت بأحمى من نجيع الخوف آنِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} قَالَ: الطَّعْنُ بِاللِّسَانِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: فِيهِمُ الْخِصْبُ وَالسَّمَاحَةُ وَالنَّجْدَةُ فِيهِمْ وَالْخَاطِبُ الْمِسْلَاقُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَأَكْدَى} قَالَ: كَدَّرَهُ بِمَنِّهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَأَعْطَى قَلِيلًا ثُمَّ أَكْدَى بِمَنِّهِ وَمَنْ يَنْشُرُ الْمَعْرُوفَ فِي النَّاسِ يُحْمَدُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا وَزَرَ} قَالَ: الْوَزَرُ الْمَلْجَأُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ: لَعَمْرُكَ مَا إِنْ لَهُ صَخْرَةً لَعَمْرُكَ مَا إِنْ لَهُ مِنْ وَزَرْ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَضَى نَحْبَهُ} قَالَ: أَجَلَهُ الَّذِي قُدِّرَ لَهُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَلَا تَسْأَلَانِ الْمَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُو مِرَّةٍ} قَالَ: ذُو شِدَّةٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ: وَهُنَا قِرَى ذِي مِرَّةٍ حَازِمِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمُعْصِرَاتِ} قَالَ: السَّحَابُ يَعْصِرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَخْرُجُ الْمَاءُ بَيْنَ السَّحَابَتَيْنِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ: تَجُرُّ بِهَا الْأَرْوَاحُ مِنْ بَيْنِ شَمْأَلٍ وَبَيْنَ صَبَاهَا الْمُعْصِرَاتُ الدَّوَامِسُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} قَالَ: الْعَضُدُ الْمُعِينُ النَّاصِرُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ: فِي ذِمَّةٍ مِنْ أَبِي قَابُوسَ مُنْقِذَةٍ لِلْخَائِفِينَ وَمَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَضُدُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {فِي الْغَابِرِينَ} قَالَ: فِي الْبَاقِينَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ:

ذَهَبُوا وَخَلَّفَنِي الْمُخَلِّفُ فِيهِمُ فَكَأَنَّنِي فِي الْغَابِرِينَ غَرِيبُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَأْسَ} قَالَ: لَا تَحْزَنْ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ: وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَصْدِفُونَ} قَالَ: يُعْرِضُونَ عَنِ الْحَقِّ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي سُفْيَانَ: عَجِبْتُ لِحِلْمِ اللَّهِ عَنَّا وَقَدْ بَدَا لَهُ صَدْفُنَا عَنْ كُلِّ حَقٍّ مُنَزَّلِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تُبْسَلَ} قَالَ: تُحْبَسَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرٍ: وَفَارَقَتْكَ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ يَوْمَ الْوَدَاعِ فَقَلْبِي مُبْسَلٌ غَلِقَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَفَلَتْ} قَالَ: زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَتَغَيَّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ وَالشَّمْسُ قَدْ كُسِفَتْ وَكَادَتْ تَأْفُلُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عن قوله تعالى: {كَالصَّرِيمِ} قال: الذاهب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: غَدَوْتُ عَلَيْهِ غُدْوَةً فَوَجَدْتُهُ قُعُودًا لَدَيْهِ بِالصَّرِيمِ عَوَاذِلُهُ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَفْتَأُ} قال: لا تزال قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: لَعَمْرُكَ مَا تَفْتَأُ تَذْكُرُ خَالِدًا وَقَدْ غَالَهُ مَا غَالَ تُبَّعَ مِنْ قَبْلُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} قال: مخافة الفقر قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَإِنِّي عَلَى الْإِمْلَاقِ يَا قَوْمِ مَاجِدٌ أُعِدُّ لِأَضْيَافِي الشِّوَاءَ الْمُضَهَّبَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {حَدَائِقَ} قال: البساتين فال: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: بِلَادٌ سَقَاهَا اللَّهُ أَمَّا سُهُولُهَا فَقَضْبٌ وَدُرٌّ مُغْدِقٌ وَحَدَائِقُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مُقِيتاً} قال: قادرا مقتدرا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُحَيْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ: وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ وَكُنْتُ عَلَى مُسَاءَتِهِ مُقِيتَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَلا يَؤُودُهُ} قال: لا يثقله قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: يُعْطِي الْمِئِينَ وَلَا يؤوده حَمْلُهَا مَحْضُ الضَّرَائِبِ مَاجِدُ الْأَخْلَاقِ قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرِيّاً} قال: النهر الصغير قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر: سهل الخليفة مَاجِدٌ ذُو نَائِلٍ مِثْلُ السَّرِيِّ تُمِدُّهُ الْأَنْهَارُ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} قال: ملأى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَتَانَا عَامِرٌ يَرْجُو قِرَانَا فَأَتْرَعْنَا لَهُ كَأْسًا دِهَاقًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكَنُودٌ} قَالَ: كَفَوْرٌ لِلنِّعَمِ وَهُوَ الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ وَيُجِيعُ عبده قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: شَكَرْتُ لَهُ يَوْمَ الْعُكَاظِ نَوَالَهُ وَلَمْ أَكُ لِلْمَعْرُوفِ ثَمَّ كَنُودَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} قال: يحركون رؤوسهم استهزاء قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَتُنْغِضُ لِي يَوْمَ الْفَخَارِ وَقَدْ تَرَى خُيُولًا عَلَيْهَا كَالْأُسُودِ ضَوَارِيَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {يُهْرَعُونَ} قال: يقبلون إليه بالغضب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَتَوْنَا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسَارَى نَسُوقُهُمُ عَلَى رَغْمِ الْأُنُوفِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} قَالَ: بِئْسَ اللَّعْنَةُ بَعْدَ اللَّعْنَةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر: لا تقذفن بِرُكْنٍ لَا كَفَاءَ لَهُ وَإِنْ تَأَثَّفَكَ الْأَعْدَاءُ بِالرِّفَدِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} قال: تخسير قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ بِشْرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ: هُمُ جَدَعُوا الْأُنُوفَ فَأَوْعَبُوهَا وَهُمْ تَرَكُوا بَنِي سَعْدٍ تَبَابَا

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} ما يقطع؟ قَالَ: آخِرُ اللَّيْلِ سَحَرًا، قَالَ مَالِكُ بْنُ كِنَانَةَ: وَنَائِحَةٌ تَقُومُ بِقِطْعِ لَيْلٍ عَلَى رَجُلٍ أَصَابَتْهُ شعوب قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَيْتَ لَكَ} قال: تهيأت لك قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُحَيْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ: بِهِ أَحْمِي الْمُضَافَ إِذَا دَعَانِي إِذَا مَا قِيلَ لِلْأَبْطَالِ هَيْتَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمٌ عَصِيبٌ} قال: شديد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: هُمُ ضَرَبُوا قَوَانِسَ خَيْلِ حُجْرٍ بِجَنْبِ الرَّدْهِ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {مُؤْصَدَةٌ} قال: مطبقة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: تَحِنُّ إِلَى أَجْبَالِ مَكَّةَ نَاقَتِي وَمِنْ دُونِنَا أَبْوَابُ صَنْعَاءَ مُؤْصَدَةٌ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَمُونَ} قَالَ: لَا يَفْتُرُونَ وَلَا يَمَلُّونَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: مِنَ الْخَوْفِ لَا ذُو سَأْمَةٍ مِنْ عِبَادَةٍ وَلَا هُوَ مِنْ طُولِ التَّعَبُّدِ يُجْهَدُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قَالَ ذَاهِبَةً وَجَائِيَةً تَنْقُلُ الْحِجَارَةَ بِمَنَاقِيرِهَا وَأَرْجُلِهَا فَتُبَلْبِلُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ رؤوسهم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وَبِالْفَوَارِسِ مِنْ وَرْقَاءَ قَدْ عَلِمُوا أَحْلَاسَ خَيْلٍ عَلَى جُرْدٍ أَبَابِيلِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَقِفْتُمُوهُمْ} قال: وجدتموهم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّ بَنِي لُؤَيٍّ جَذِيمَةَ إِنَّ قَتْلَهُمُ دَوَاءُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} قَالَ: النَّقْعُ مَا يَسْطَعُ مِنْ حَوَافِرِ الْخَيْلِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ: عَدِمْنَا خَيْلَنَا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} قال: وسط الجحيم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: رَمَاهَا بِسَهْمٍ فَاسْتَوَى فِي سَوَائِهَا وَكَانَ قَبُولًا لِلْهَوَى ذِي الطَّوَارِقِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} قَالَ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَوْكٌ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: إِنَّ الْحَدَائِقَ فِي الْجِنَانِ ظَلِيلَةٌ فِيهَا الْكَوَاعِبُ سِدْرُهَا مَخْضُودُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قال: منهضم بعضه إلى بعض قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ: دَارٌ لِبَيْضَاءِ الْعَوَارِضِ طَفْلَةٍ مَهْضُومَةُ الْكَشْحَيْنِ رَيَّا الْمِعْصَمِ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَوْلاً سَدِيداً} قال: قولا عدلا حقا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَمْزَةَ: أَمِينٌ عَلَى مَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ قَلْبَهُ فَإِنْ قَالَ قَوْلًا كَانَ فِيهِ مُسَدَّدًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلّاً وَلا ذِمَّةً} قَالَ: الْإِلُّ الْقُرَابَةُ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: جَزَى اللَّهُ إِلًّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ جَزَاءَ ظَلُومٍ لَا يُؤَخِّرُ عَاجِلًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَامِدِينَ} قال: ميتين قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيَدٍ: حَلُّوا ثِيَابَهُمْ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ فَهُمْ بِأَفْنِيَةِ الْبُيُوتِ خُمُودُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {زُبَرَ الْحَدِيدِ} قال: قطع الحديد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: تَلَظَّى عَلَيْهِمْ حِينَ أَنْ شَدَّ حَمْيُهَا بِزُبْرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسُحْقاً} قال: بعدا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ: أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنِّي أُبَيًّا فَقَدْ أُلْقِيتُ فِي سُحْقِ السَّعِيرِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا فِي غُرُورٍ} قال: في باطل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حسان:

تمنتك الْأَمَانِيَ مِنْ بَعِيدٍ وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَصُوراً} قَالَ: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَحَصُورٌ عَنِ الْخَنَا يأمرالنا سَ بِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَالتَّشْمِيرِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبُوساً قَمْطَرِيراً} قَالَ: الَّذِي يَنْقَبِضُ وَجْهُهُ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَلَا يَوْمَ الْحِسَابِ وَكَانَ يَوْمًا عُبُوسًا فِي الشَّدَائِدِ قَمْطَرِيرًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: عن شدة الآخرة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: قَدْ قَامَتْ بِنَا الْحَرْبُ عَلَى سَاقِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {إِيَابَهُمْ} قال: الإياب المرجع قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ: وَكُلُّ ذِي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُوباً} قَالَ: إِثْمًا بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: فَإِنِّي وَمَا كَلَّفْتُمُونِي مِنْ أَمْرِكُمْ لِيُعْلَمَ مَنْ أَمْسَى أَعَقَّ وَأَحْوَبَا

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {الْعَنَتَ} قال: الإثم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: رَأَيْتُكَ تَبْتَغِي عَنَتِي وَتَسْعَى مَعَ السَّاعِي عَلَيَّ بِغَيْرِ ذَحْلِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتِيلاً} قَالَ: الَّتِي تَكُونُ فِي شِقِّ النواة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ: يَجْمَعُ الْجَيْشَ ذَا الْأُلُوفِ وَيَغْزُو ثُمَّ لَا يَرْزَأُ الْأَعَادِي فَتِيلًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ قِطْمِيرٍ} قَالَ: الْجِلْدَةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي عَلَى النواة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: لَمْ أَنَلْ مِنْهُمْ فَسِيطًا وَلَا زُبْدًا وَلَا فُوفَةً وَلَا قِطْمِيرًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْكَسَهُمْ} قال: حبسهم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ: أُرْكِسُوا فِي جَهَنَّمَ إِنَّهُمْ كا نواعتاة تقول كِذْبًا وَزُورًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} قال: سلطنا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيَدٍ: إِنْ يُغْبَطُوا يَيْسَرُوا وَإِنْ أَمِرُوا يَوْمًا يَصِيرُوا لِلْهُلْكِ وَالْفَقْدِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ:

يُضِلَّكُمْ بِالْعَذَابِ وَالْجَهْدِ بِلُغَةِ هَوَازِنَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: كُلُّ امْرِئٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مُضْطَهَدٌ بِبَطْنِ مَكَّةَ مَقْهُورٌ وَمَفْتُونُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا} قال: كأن لم يكونوا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدٍ: وَغَنَّيْتَ سَبْتًا قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ لَوْ كَانَ لِلنَّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَذَابَ الْهُونِ} قال: الهوان قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: إِنَّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللَّهِ وَاسِعَةً تُنْجِي مِنَ الذُّلِّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} قَالَ: النَّقِيرُ مَا فِي شِقِّ النَّوَاةِ وَمِنْهُ تنبت النخلة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَلَيْسَ النَّاسُ بَعْدَكَ فِي نَقِيرٍ وَلَيْسُوا غَيْرَ أَصْدَاءٍ وَهَامِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا فَارِضٌ} قال: الهرمة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْطَيْتَ ضَيْفَكَ فَارِضًا يُسَاقُ إِلَيْهِ مَا يَقُومُ عَلَى رَجُلِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} قَالَ: بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ وَهُوَ الصُّبْحُ إِذَا انْفَلَقَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ:

الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ضَوْءُ الصُّبْحِ مُنْفَلِقٌ وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ لَوْنُ اللَّيْلِ مَكْمُومُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} قَالَ: بَاعُوا نَصِيبَهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ بِطَمَعٍ يَسِيرٍ من الدُّنْيَا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: يُعْطَى بِهَا ثَمَنًا فَيَمْنَعُهَا وَيَقُولُ صَاحِبُهَا أَلَا تَشْرِي قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ} قال: نار من السَّمَاءِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ: بَقِيَّةُ مَعْشَرٍ صُبَّتْ عَلَيْهِمْ شَآبِيبٌ مِنَ الْحُسْبَانِ شُهْبُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} قال: استسلمت وخضعت قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: لِيَبْكِ عَلَيْكَ كُلُّ عَانٍ بِكُرْبَةٍ وَآلُ قُصَيٍّ مِنْ مُقِلٍّ وَذِي وَفْرِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَعِيشَةً ضَنْكاً} قال: الضنك الضيق الشديد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَالْخَيْلُ قَدْ لَحِقَتْ بِهَا فِي مَأْزِقٍ ضَنْكٍ نَوَاحِيهِ شَدِيدِ الْمَقْدِمِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ} قال: طريق قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَحَازُوا الْعِيَالَ وَسَدُّوا الْفِجَاجَ بِأَجْسَادِ عَادٍ لَهَا آيَدَانِ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَاتِ الْحُبُكِ} قَالَ: ذَاتُ طَرَائِقَ وَالْخَلْقِ الْحَسَنِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى: هُمْ يَضْرِبُونَ حَبِيكَ الْبَيْضِ إِذْ لَحِقُوا لَا ينكصون إذا ما استرحموا رحموا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَرَضاً} قال: المدنف الهالك من شدة الوجع قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَمِنْ ذِكْرِ لَيْلَى أَنْ نَأَتْ غُرْبَةٌ بِهَا كَأَنَّكَ جُمٌّ لِلْأَطِبَّاءِ مُحْرَضُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} قال: يدفعه عن حقه قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ: يُقَسِّمُ حَقًّا لِلْيَتِيمِ وَلَمْ يَكُنْ يَدُعُّ لَدَى أَيْسَارِهِنَّ الْأَصَاغِرَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُنْصَدِعٌ مِنْ خَوْفِ يَوْمِ القيامة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر: ظباهن حتى أعرض الليل دونها أفاطير وسمي رواء جُذُورُهَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} قَالَ: يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ حَتَّى تَنَامَ الطير قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَزِعْتُ رَعِيلَهَا بِأَقَبَّ نَهْدٍ إِذَا مَا الْقَوْمُ شَدُّوا بَعْدَ خَمْسِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّمَا خَبَتْ} قَالَ: الْخَبْوُ الَّذِي يُطْفَأُ مَرَّةً وَيُسَعَّرُ أُخْرَى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر:

وتخبو النار عن آذان قومي وأضرمها إذا ابتردوا سَعِيرًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَالْمُهْلِ} قال: كدردي الزيت أخرى قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: تُبَارِي بِهَا الْعِيسُ السُّمُومَ كَأَنَّهَا تَبَطَّنَتِ الْأَقْرَابَ مِنْ عِرْقِ مُهْلًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَخْذاً وَبِيلاً} قَالَ: شَدِيدًا لَيْسَ لَهُ مَلْجَأٌ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَخِزْيُ الْحَيَاةِ وَخِزْيُ الْمَمَاتِ وَكُلًّا أَرَاهُ طَعَامًا وَبِيلًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} قال: هربوا بلغة اليمن قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ: نَقَبُوا فِي الْبِلَادِ مِنْ حَذَرِ الْمَوْ تِ وَجَالُوا فِي الْأَرْضِ أَيَّ مَجَالِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا هَمْساً} قَالَ: الْوَطْءُ الْخَفِيُّ وَالْكَلَامُ الْخَفِيُّ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: فَبَاتُوا يُدْلِجُونَ وَبَاتَ يَسْرِي بَصِيرٌ بِالدُّجَا هَادٍ هَمُوسُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مُقْمَحُونَ} قَالَ: الْمُقْمَحُ الشَّامِخُ بِأَنْفِهِ الْمُنَكِّسُ رأسه قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَنَحْنُ عَلَى جَوَانِبِهَا قُعُودٌ نَغُضُّ الطَّرْفَ كَالْإِبِلِ الْقِمَاحِ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} قال: المريج الباطل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: فَرَاعَتْ فَابْتَدَرْتُ بِهَا حَشَاهَا فَخَرَّ كَأَنَّهُ خُوطٌ مَرِيجُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتْماً مَقْضِيّاً} قال: الحتم الواجب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ: عِبَادُكَ يُخْطِئُونَ وَأَنْتَ رَبٌّ بِكَفَّيْكَ الْمَنَايَا وَالْحُتُومُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {وَأَكْوَابٍ} قَالَ: الْقِلَالُ الَّتِي لَا عُرَى لها قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْهُذَلِيِّ: فَلَمْ يَنْطِقِ الدِّيكُ حَتَّى مَلَأَتُ كُؤُوبَ الدِّنَانِ لَهُ فَاسْتَدَارَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} قال: لا يسكرون قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ: ثُمَّ لَا يُنْزَفُونَ عَنْهَا وَلَكِنْ يَذْهَبُ الْهَمُّ عَنْهُمُ وَالْغَلِيلُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَانَ غَرَاماً} قَالَ: مُلَازِمًا شَدِيدًا كَلُزُومِ الْغَرِيمِ الغريم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ بِشْرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ: وَيَوْمَ النسار ويوم الجفا ركانا عَذَابًا وَكَانَا غَرَامًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: هُوَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ المرأة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وَالزَّعْفَرَانُ عَلَى تَرَائِبِهَا شَرَقًا بِهِ اللِّبَّاتُ وَالنَّحْرُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً} قَالَ: هَلْكَى بِلُغَةِ عُمَانَ وَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: فَلَا تَكْفُرُوا مَا قَدْ صَنَعْنَا إِلَيْكُمُو وَكَافُوا بِهِ فَالْكُفْرُ بُورٌ لِصَانِعِهْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَفَشَتْ} قال: النفش الرعي بالليل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيَدٍ: بُدِّلْنَ بَعْدَ النَّفَشِ الو جيفا وَبَعْدَ طُولِ الْجِرَّةِ الصَّرِيفَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَدُّ الْخِصَامِ} قَالَ: الْجَدِلُ الْمُخَاصِمُ فِي الْبَاطِلِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ مُهَلْهِلٍ: إِنَّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَزْمًا وَجُودًا وَخَصِيمًا أَلَدَّ ذَا مِعْلَاقِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} قَالَ: النَّضِيجُ مِمَّا يُشْوَى بِالْحِجَارَةِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر: لهم راح وفار المسك فيهم وشاويهم إذا شاؤوا حَنِيذَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ الأَجْدَاثِ} قال: القبور قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ ابْنِ رَوَاحَةَ: حِينًا يَقُولُونَ إِذْ مَرُّوا عَلَى جَدَثَيْ أَرْشِدْهُ يَا رَبِّ مِنْ عَانٍ وَقَدْ رَشَدَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلُوعاً} قال: ضجرا جزوعا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ بِشْرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ:

لَا مَانِعًا لِلْيَتِيمِ نِحْلَتَهُ وَلَا مُكِبًّا لِخَلْقِهِ هَلِعًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} قال: ليس بحين فرار قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: تَذَكَّرَتْ لَيْلَى حِينَ لَاتَ تَذَكُّرٍ وَقَدْ بِنْتُ مِنْهَا وَالْمَنَاصُ بَعِيدُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَدُسُرٍ} قَالَ: الدُّسُرُ الَّذِي تَخْرَزُ بِهِ السفينة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: سَفِينَةُ نُوتِيٍّ قَدَ احْكَمَ صنعها مثخنة الْأَلْوَاحِ مَنْسُوجَةُ الدُّسُرِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {رِكْزاً} قال: حسا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَقَدْ تَوَجَّسَ رِكْزًا مُقْفِرٌ نَدُسُّ بِنَبْأَةِ الصَّوْتِ مَا فِي سَمْعِهِ كَذِبُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَاسِرَةٌ} قال: كالحة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ: صَبَحْنَا تَمِيمًا غداة النسار شَهْبَاءَ مَلْمُومَةً بَاسِرَةْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {ضِيزَى} قال: جائرة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ: ضَازَتْ بَنُو أَسَدٍ بِحُكْمِهِمُ إِذْ يَعْدِلُونَ الرَّأْسَ بِالذَّنَبِ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} قال: لم تغيره السنون قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: طَابَ مِنْهُ الطَّعْمُ وَالرِّيحُ معا لن ترا مُتَغَيِّرًا مِنْ آسَنْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {خَتَّارٍ} قال: الغدار الظلوم الغشوم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: لَقَدْ عَلِمَتْ وَاسْتَيْقَنَتْ ذَاتُ نَفْسِهَا بِأَلَّا تَخَافَ الدَّهْرَ صَرْمِي وَلَا خَتْرِي قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَيْنَ الْقِطْرِ} قال: الصفر قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: فَأَلْقَى فِي مَرَاجِلَ مِنْ حَدِيدٍ قُدُورَ الْقِطْرِ لَيْسَ مِنَ الْبَرَاةِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُكُلٍ خَمْطٍ} قال: الأراك قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَمَا مِغْزَلٌ فَرْدٌ تُرَاعِي بِعَيْنِهَا أَغَنَّ غَضِيضَ الطَّرَفِ مِنْ خَلَلِ الْخَمْطِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اشْمَأَزَّتْ} قال: نفرت قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ: إِذَا عَضَّ الثقاف بها اشمأزت وولته عشو زنة زَبُونَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جُدَدٌ} قال: طرائق قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: قَدْ غَادَرَ النِّسْعَ فِي صَفَحَاتِهَا جُدَدًا كَأَنَّهَا طُرُقٌ لَاحَتْ عَلَى أَكَمِ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ: أَغْنَى مِنَ الْفَقْرِ وَأَقْنَى مِنَ الْغِنَى فقنع به قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيِّ: فَأَقْنِي حَيَاءَكِ لَا أبالك وَاعْلَمِي أَنِّي امْرُؤٌ سَأَمُوتُ إِنْ لَمْ أُقْتَلِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَلِتْكُمْ} قَالَ: لَا يَنْقُصُكُمْ بِلُغَةِ بَنِي عبس قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْحُطَيْئَةِ الْعَبْسِيِّ: أَبْلِغْ سَرَاةَ بَنِي سَعْدٍ مُغَلْغَلَةً جَهْدَ الرِّسَالَةِ لَا أَلْتًا وَلَا كَذِبًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَبّاً} قَالَ: الْأَبُّ مَا تَعْتَلِفُ مِنْهُ الدواب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: تَرَى بِهِ الْأَبَّ وَالْيَقْطِينَ مُخْتَلِطًا عَلَى الشَّرِيعَةِ يَجْرِي تَحْتَهَا الْغَرْبُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ} قال: السر الجماع قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ: أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبِرْتُ وَأَلَّا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} قال: ترعون قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: وَمَشَى الْقَوْمُ بِالْعِمَادِ إِلَى الرز حى وَأَعْيَا الْمُسِيمُ أَيْنَ الْمَسَاقُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} قَالَ: لَا تَخْشَوْنَ لِلَّهِ عَظَمَةً قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نَوْبٍ عَوَاسِلُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَا مَتْرَبَةٍ} قال: ذا حاجة وجهد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر: تربت يداك ثُمَّ قَلَّ نَوَالُهَا وَتَرَفَّعَتْ عَنْكَ السَّمَاءُ سِجَالُهَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ} قال: مذعنين خاضعين قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ تُبَّعٍ: تَعَبَّدَنِي نَمِرُ بْنُ سَعْدٍ وَقَدْ دَرَى وَنَمِرُ بْنُ سَعْدٍ لِي مَدِينٌ وَمُهْطِعُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} قال: ولدا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَمَّا السَّمِيُّ فَأَنْتَ مِنْهُ مُكْثِرٌ وَالْمَالُ فِيهِ تَغْتَدِي وَتَرُوحُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُصْهَرُ} قال يذاب قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: سَخُنَتْ صُهَارَتُهُ فَظَلَّ عُثَانُهُ فِي سَيْطَلٍ كُفِيَتْ بِهِ يَتَرَدَّدُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} قال: لتثقل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ: تَمْشِي فَتُثْقِلُهَا عَجِيزَتُهَا مَشْيَ الضَّعِيفِ يَنُوءُ بِالْوَسْقِ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّ بَنَانٍ} قال: أطراف الأصابع قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَنْتَرَةَ: فَنِعْمَ فَوَارِسُ الْهَيْجَاءِ قَوْمِي إِذَا عَلِقُوا الْأَسِنَّةَ بِالْبَنَانِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِعْصَارٌ} قال: الريح الشديدة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: فَلَهُ فِي آثَارِهِنَّ خُوَارٌ وَحَفِيفٌ كَأَنَّهُ إِعْصَارُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {مُرَاغَماً} قال: منفسحا بلغة هذيل قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشاعر: وأترك أرض هجرة إِنَّ عِنْدِي رَجَاءً فِي الْمُرَاغَمِ وَالتَّعَادِي قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {صَلْداً} قال: أملس قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ: وَإِنِّي لَقُرْمٌ وَابْنُ قُرْمٍ لِهَاشِمٍ لِآبَاءِ صِدْقٍ مَجْدُهُمْ مَعْقِلٌ صَلْدُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} قال: غير منقوص قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرٍ: فَضَلَ الْجَوَادُ عَلَى الْخَيْلِ الْبِطَاءِ فَلَا يُعْطِي بِذَلِكَ مَمْنُونًا وَلَا نَزِقًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَابُوا الصَّخْرَ} قَالَ: نَقَبُوا الْحِجَارَةَ فِي الْجِبَالِ فَاتَّخَذُوهَا بُيُوتًا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ: وَشَقَّ أَبْصَارَنَا كَيْمَا نَعِيشَ بِهَا وَجَابَ لِلسَّمْعِ أَصْمَاخًا وَآذَانًا

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُبّاً جَمّاً} قال: كثيرا قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُمَيَّةَ: إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرُ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {غَاسِقٍ} قال: الظلمة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ زُهَيْرٍ: ظَلَّتْ تَجُوبُ يَدَاهَا وَهِيَ لَاهِيَةٌ حَتَّى إِذَا جَنَحَ الْإِظْلَامُ وَالْغَسَقُ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} قال: النفاق قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: أُجَامِلُ أَقْوَامًا حَيَاءً وَقَدْ أَرَى صُدُورَهُمْ تَغْلِي عَلَيَّ مِرَاضُهَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعْمَهُونَ} قال: يلعبون ويترددون قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: أُرَانِي قَدْ عَمِهْتُ وَشَابَ رَأْسِي وَهَذَا اللِّعْبُ شَيْنٌ بِالْكَبِيرِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَى بَارِئِكُمْ} قال: خالقكم قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ تُبَّعٍ: شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ بَارِي النَّسَمْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} قال: لا شك فِيهِ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ ابْنِ الزِّبَعْرَى: لَيْسَ فِي الْحَقِّ يَا أُمَامَةَ رَيْبٌ إِنَّمَا الرَّيْبُ مَا يَقُولُ الْكَذُوبُ

قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} قال: طبع عليها قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: وَصَهْبَاءَ طَافَ يَهُودُ بِهَا فَأَبْرَزَهَا وَعَلَيْهَا خُتُمْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله تعالى: {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} قال: الحجر الأملس قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ: عَلَى ظَهْرِ صَفْوَانٍ كَأَنَّ مُتُونَهُ عُلِلْنَ بِدُهْنٍ يُزْلِقُ الْمُتَنَزِّلَا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهَا صِرٌّ} قال: برد قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ نَابِغَةَ: لَا يَبْرَمُونَ إِذَا مَا الْأَرْضُ جَلَّلَهَا صِرُّ الشِّتَاءِ مِنَ الْإِمْحَالِ كَالْأَدَمِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} قال: توطن المؤمنين قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى: وَمَا بَوَّأَ الرَّحْمَنُ بَيْتَكَ مَنْزِلًا بِأَجْيَادِ غَرْبِيِّ الصَّفَا وَالْمُحَرَّمِ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رِبِّيُّونَ} قال: جموع كثيرة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ: وَإِذْ مَعْشَرٌ تُجَافَوْا عَنِ الْقَصْدِ حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ رِبِّيَّا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَخْمَصَةٍ} قال: مجاعة قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْأَعْشَى:

تَبِيتُونَ فِي الْمَشْتَى مِلَاءً بُطُونُكُمْ وجاراتكم غرثى يَبِتْنَ خَمَائِصًا قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} قَالَ: لِيَكْتَسِبُوا مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدٍ: وَإِنِّي لِآتٍ مَا أَتَيْتُ وَإِنَّنِي لِمَا اقْتَرَفَتْ نَفْسِي عَلَيَّ لِرَاهِبُ هَذَا آخِرُ مَسَائِلِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ وَقَدْ حَذَفْتُ مِنْهَا يَسِيرًا نَحْوَ بِضْعَةَ عَشَرَ سُؤَالًا أَسْئِلَةٌ مَشْهُورَةٌ وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ أَفْرَادًا مِنْهَا بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأنبا ري فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ مِنْهَا قِطْعَةً وَهِيَ الْمُعَلَّمُ عَلَيْهَا بِالْحُمْرَةِ صُورَةُ [ك] قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ أَنَسٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ ابن الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ أَنْبَأَنَا أَبُو صَالِحٍ هُدْبَةُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَنْبَأَنَا مُجَاهِدُ بْنُ شُجَاعٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْيَشْكُرِيُّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: دَخَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ الْمَسْجِدَ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْهَا قِطْعَةً وَهِيَ الْمُعَلَّمُ عَلَيْهَا صُورَةُ [ط] مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: خَرَجَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ فَذَكَرَهُ.

النوع السابع والثلاثون: فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز

النَّوْعُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْحِجَازِ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي النَّوْعِ السَّادِسَ عَشَرَ وَنُورِدُ هُنَا أَمْثِلَةَ ذَلِكَ. وَقَدْ رَأَيْتُ فِيهِ تَأْلِيفًا مُفْرَدًا. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ: الْغِنَاءُ وَهِيَ يَمَانِيَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: هِيَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كُنَّا لَا نَدْرِي مَا الْأَرَائِكُ حَتَّى لَقِيَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الْأَرِيكَةَ عِنْدَهُمْ: الْحَجَلَةُ فِيهَا السَّرِيرُ. وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ، قَالَ: سُتُورَهُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا وَزَرَ} قال: لا حيل وَهِيَ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ} قَالَ: هِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَةٌ وَذَلِكَ أَنْ أَهْلَ الْيَمَنِ يَقُولُونَ: زَوَّجْنَا فُلَانًا بِفُلَانَةٍ، قَالَ الرَّاغِبُ فِي مفرداته. ولم يجيء فِي الْقُرْآنِ: "زَوَّجْنَاهُمْ حُورًا " كَمَا يُقَالُ: زَوَّجْتُهُ امْرَأَةً تَنْبِيهًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْمُتَعَارَفِ فِيمَا بَيْنَنَا بِالْمُنَاكَحَةِ.

وَأَخْرَجَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً} قَالَ: اللَّهْوُ بِلِسَانِ الْيَمَنِ: الْمَرْأَةُ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} قال: هي بلغة طيء: ابْنُ امْرَأَتِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ قُرِئَ: "وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهاُ ". وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَعْصِرُ خَمْراً} قَالَ: عِنَبًا بِلُغَةِ أَهْلِ عُمَانَ يُسَمَّوْنَ الْعِنَبَ خَمْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} قَالَ: رَبًّا بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَعْلًا: ربا، بلغة أزدشنوءة. وأخرج أبو بكر بن الأنبا ري فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْوَزَرُ: وَلَدُ الْوَلَدِ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ. وَأَخْرَجَ فِيهِ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: الْمَرْجَانُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ بِلُغَةِ الْيَمَنِ. وَأَخْرَجَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الصواع الطر جهالة بِلُغَةِ حِمْيَرٍ. وَأَخْرَجَ فِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ: أَفَلَمْ يَعْلَمُوا بِلُغَةِ هَوَازِنَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكَلْبِيُّ: بِلُغَةِ النَّخَعِ. وَفِي مَسَائِلِ نَافِعِ بْنِ الأزرق لابن عباس: {يَفْتِنَكُمُ} يُضِلَّكُمْ بِلُغَةِ هَوَازِنَ.

وفيها: {بُوراً} هَلْكَى بِلُغَةِ عُمَانَ، وَفِيهَا: {فَنَقَّبُوا} هَرَبُوا بِلُغَةِ الْيَمَنِ، وَفِيهَا: {لَا يَلِتْكُمْ} لَا يَنْقُصُكُمْ بِلُغَةِ بَنِي عَبْسٍ، وَفِيهَا: {مُرَاغَماً} مُنْفَسِحًا بِلُغَةِ هُذَيْلٍ، وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {سَيْلَ الْعَرِمِ} : الْمُسَنَّاةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَأَخْرَجَ جُوَيْبِرٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} قَالَ: مَكْتُوبًا وَهِيَ لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ يُسَمُّونَ الْكِتَابَ أَسْطُورًا. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ فِي الْقُرْآنِ. بِلُغَةِ كنانة {السُّفَهَاءُ} : الجهال. {خَاسِئِينَ} : صاغرين. {شَطْرَهُ} : تلقاءه. {لا خَلاقَ} : لا نصيب.

{وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً} : أحرارا. {قَبِيلاً} : عيانا. {بِمُعْجِزِينَ} سابقين. {يَعْزُبُ} : يغيب. {وَلا تَرْكَنُوا} : ولا تميلوا. {فِي فَجْوَةٍ} : ناحية. {مَوْئِلاً} : ملجأ. {مُبْلِسُونَ} آيسون. {دُحُوراً} : طردا. {الْخَرَّاصُونَ} : الكذابون. {أَسْفَاراً} : كتبا. {أُقِّتَتْ} : جمعت. {لَكَنُودٌ} : كفور للنعم.

بلغة هذيل: {وَالرُّجْزَ} : العذاب. {شَرَوْا} : باعوا. {عَزَمُوا الطَّلاقَ} : حققوا. {صَلْداً} : نقيا. {آنَاءَ اللَّيْلِ} : ساعاته. {مِنْ فَوْرِهِمْ} : وجههم. {مِدْرَاراً} : متتابعا. {فُرْقَاناً} : مخرجا. {حَرِّضِ} : حض. {عَيْلَةً} : فاقة. {وَلِيجَةً} : بطانة. {انْفِرُوا} : اغزوا. {السَّائِحُونَ} : الصائمون. {الْعَنَتَ} : الإثم.

{بِبَدَنِكَ} : بدرعك. {غُمَّةً} : شبهة. {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} : زوالها. {شَاكِلَتِهِ} : ناحيته. {رَجْماً} : ظنا. {مُلْتَحَداً} : ملجأ. {يَرْجُو} : يخاف. {هَضْماً} : نقصا. {هَامِدَةً} : مغبرة. {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} : أسرع. {الأَجْدَاثِ} : القبور. {ثَاقِبٌ} : مضيء. {بَالَهُمْ} : حالهم. {يَهْجَعُونَ} : ينامون. {ذَنُوباً} : عذابا.

{وَدُسُرٍ} : المسامير. {مِنْ تَفَاوُتٍ} : عيب. {أَرْجَائِهَا} : نواحيها. {أَطْوَاراً} : ألوانا. {بَرْداً: نوما. {وَاجِفَةٌ} : خائفة. {مَسْغَبَةٍ} : مجاعة. {الْمُبَذِّرِينَ} : الْمُسْرِفِينَ. وَبِلُغَةِ حِمْيَرٍ: {أَنْ تَفْشَلا} : أن تجبنا. {عُثِرَ} : اطلع. {فِي سَفَاهَةٍ} : جنون. {فَزَيَّلْنَا} : فميزنا. {مَرْجُوّاً} : حقيرا.

{السِّقَايَةَ} : الإناء. {مَسْنُونٍ} : منتن. {إِمَامٍ} : كتاب. {فَسَيُنْغِضُونَ} : يحركون. {حُسْبَاناً} : بردا. {مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} : نحولا. {مَآرِبُ} : حاجات. {خَرْجاً} : جعلا. {غَرَاماً} : بلاء. {الصَّرْحَ} : البيت. {أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ} أقبحها. {يَتِرَكُمْ} : ينقصكم. {مَدِينِينَ} : محاسبين. {رَابِيَةً} : شديدة. {وَبِيلاً} : شديدا.

بلغة جرهم: {بِجَبَّارٍ} : بمسلط. {مَرَضٌ} زنا. {الْقِطْرِ} النحاس. {مَحْشُورَةً} : مجموعة. {مَعْكُوفاً} : محبوسا. {فَبَاءُوا} : استوجبوا. {شِقَاقٍ} : ضلال. {خَيْراً} : مالا. {كَدَأْبِ} : كأشباه. {تَعُولُوا} : تميلوا. {لَمْ يَغْنَوْا} : لم يتمتعوا. {فَشَرِّدْ} : نكل. {أَرَاذِلُنَا} : سفلتنا. {عَصِيبٌ} : شديد.

{لَفِيفاً} : جميعا. {مَحْسُوراً} : منقطعا. {حَدَبٍ} : جانب. {مِنْ خِلالِهِ} : السحاب. {الْوَدْقَ} : المطر. {لَشِرْذِمَةٌ} : عصابة. {رِيعٍ} : طريق. {يَنْسِلُونَ} : يخرجون. {لَشَوْباً} : مزجا. {الْحُبُكِ} : الطرائق. {بِسُورٍ} : الحائط. وبلغة أزدشنوءة: {لا شِيَةَ ْ} : لا وضح. {تَعْضُلُوهُنَّ} : العضل: الحبس. {أُمَّةً} : سنين.

{الرَّسِّ} : البئر. {كَاظِمِينَ} : مكروبين. {غِسْلِينٍ} : الْحَارُّ الَّذِي تَنَاهَى حَرُّهُ. {لَوَّاحَةٌ} : حراقه. وبلغة مذحج: {رَفَثَ} : جماع. {مُقِيتاً} : مقتدرا. {بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} : بكذب. {بِالْوَصِيدِ} : الفناء. {حُقُباً} : دهرا. {الْخُرْطُومِ} : الأنف. وبلغة خثعم: {تُسِيمُونَ} : ترعون. {مَرِيجٍ} : منتشر. {صَغَتْ} : مالت.

{هَلُوعاً} : ضجورا. {شَطَطاً} : كَذِبًا. وَبِلُغَةِ قَيْسِ عَيْلَانَ: {نِحْلَةً} : فريضة. {حَرَجاً} : ضيقا. {لَخَاسِرُونَ} : مضيعون. {تُفَنِّدُونِ} : تستهزئون. {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} : حصونهم. {تُحْبَرُونَ} : تنعمون. {رَجِيمٍ} : ملعون. {يَلِتْكُمْ} : يَنْقُصُكُمْ. وَبِلُغَةِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ: {وَحَفَدَةً} : أختان. {كَلٌّ} : عيال.

وبلغة كندة: {فِجَاجاً} : طرقا. {وَبُسَّتِ} : فتتت. {تَبْتَئِسْ} : تحزن. وبلغة عذرة: {اخسؤوا} : اخزوا. وبلغة حضرموت: {رِبِّيُّونَ} : رجال. {دَمَّرْنَا} : أهلكنا. {لُغُوبٌ} : إعياء. {مِنْسَأَتَهُ} : عصاه. وبلغة غسان: {طَفِقَا} : عمدا. {بَئِيسٍ} : شديد. {سِيءَ بِهِمْ} : كَرِهَهُمْ.

وبلغة مزينة: {لا تَغْلُوا} : لا تزيدوا. وبلغة لخم: {إِمْلاٍ ق} : جوع. {وَلَتَعْلُنَّ} : وَلَتُقْهَرُنَّ. وَبِلُغَةِ جُذَامٍ: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} تَخَلَّلُوا الْأَزِقَّةَ. وَبِلُغَةِ بَنِي حَنِيفَةَ: {بِالْعُقُودِ} : العهود. {جَنَاحَ} : اليد. {الرَّهْبِ} : الفزع. وبلغة اليمامة: {حَصِرَتْ} : ضَاقَتْ. وَبِلُغَةِ سَبَأٍ: {تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} : تخطئوا خطأ بينا. {تَبَّرْنَا} : أهلكنا.

وبلغة سليم: {نَكَصَ} : رجع. وبلغة عمارة: {الصَّاعِقَةُ} : الموت وبلغة طيء: {يَنْعِقُ} : يصيح. {رَغَداً} : خصبا. {سَفِهَ نَفْسَهُ} : خسرها. {يس} : يَا إِنْسَانُ. وَبِلُغَةِ خُزَاعَةَ: {أَفِيضُوا} : انْفِرُوا. {وَالْإِفْضَاءُ} : الْجِمَاعُ. وَبِلُغَةِ عُمَانَ: {خَبَالاً} : غيا. {نَفَقاً} : سربا. {حَيْثُ أَصَابَ} : أراد.

وبلغة تميم: {أُمَّةً} : نسيان. {بَغْياً} : حسدا. وبلغة أنمار: {طَائِرَهُ} : عمله. {أَغْطَشَ} : أظلم. وبلغة الأشعريين: {لأَحْتَنِكَنَّ} : لاستأصلن. {تَارَةً} : مرة. {اشْمَأَزَّتْ} : مَالَتْ وَنَفَرَتْ. وَبِلُغَةِ الْأَوْسِ: {لِينَةٍ} : النخل. وبلغة الخزرج: {يَنْفَضُّوا} : يذهبوا. وبلغة مدين: {فَافْرُقْ} : فَاقْضِ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ مُلَخَّصًا.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ فِي كِتَابِهِ: الْإِرْشَادُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ: فِي الْقُرْآنِ مِنَ اللُّغَاتِ خَمْسُونَ لُغَةً: لُغَةُ قُرَيْشٍ وَهُذَيْلٍ وَكِنَانَةَ وَخَثْعَمَ وَالْخَزْرَجِ وَأَشْعَرَ وَنُمَيْرٍ وَقَيْسِ وعيلان وجرهم واليمن وأزدشنوءة وَكِنْدَةَ وَتَمِيمٍ وَحِمْيَرٍ وَمَدْيَنَ وَلَخْمٍ وَسَعْدِ الْعَشِيرَةِ وَحَضْرَمَوْتَ وَسَدُوسٍ وَالْعَمَالِقَةِ وَأَنْمَارٍ وَغَسَّانَ وَمَذْحِجٍ وَخُزَاعَةَ وَغَطَفَانَ وسبأ وعمان وبنو حَنِيفَةَ وَثَعْلَبَةَ وَطَيِّئٍ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَأَوْسٍ وَمُزَيْنَةَ وَثَقِيفٍ وَجُذَامٍ وَبَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَهَوَازِنَ وَالنَّمِرِ وَالْيَمَامَةِ. وَمِنْ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ: الْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالنَّبَطِ وَالْحَبَشَةِ وَالْبَرْبَرِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ وَالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْقِبْطِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَمْثِلَةِ ذَلِكَ غَالِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أبي القاسم، وزاد: {الرِّجْزُ} : الْعَذَابُ، بِلُغَةِ بَلِيٍّ. {طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} : نخسة بلغة ثقيف. {بِالأَحْقَافِ} الرِّمَالِ، بِلُغَةِ ثَعْلَبَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ: فِي الْقُرْآنِ بِلُغَةِ هَمَذَانَ: {وَرَيْحَانٌ} : الرزق. {عَيْنٍ} : بيض. {وَعَبْقَرِيٍّ} : الطَّنَافِسُ.

وبلغة نصر بن معاوية: {خَتَّارٍ} : الْغَدَّارُ. وَبِلُغَةِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ: {وَحَفَدَةً} : الحفدة: الخدم. وبلغة ثقيف: {تَعُولُوا} : الْعَوْلُ الْمَيْلُ. وَبِلُغَةِ عَكٍّ. {الصُّورِ} : الْقَرْنُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ مَعْنَاهُ عِنْدِي الْأَغْلَبُ لِأَنَّ غَيْرَ لُغَةِ قُرَيْشٍ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْقِرَاءَاتِ مِنْ تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَنَحْوِهَا وَقُرَيْشٌ لَا تَهْمِزُ. وَقَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ بِلُغَةِ الْحِجَازِيِّينَ إِلَّا قَلِيلًا فَإِنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ التَّمِيمِيِّينَ كَالْإِدْغَامِ فِي {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ} ، وفي {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} ، فَإِنَّ إِدْغَامَ الْمَجْزُومِ لُغَةُ تَمِيمٍ وَلِهَذَا قَلَّ وَالْفَكُّ لُغَةُ الْحِجَازِ وَلِهَذَا كَثُرَ نَحْوُ: {وَلْيُمْلِلِ} ، {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ،

{اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} ، {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} . قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى نَصْبِ: {إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ، لأن لغة الحجاز بين الْتِزَامُ النَّصْبِ فِي الْمُنْقَطِعِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى نَصْبِ {مَا هَذَا بَشَراً} ، لِأَنَّ لُغَتَهُمْ إِعْمَالُ"مَا". وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ جَاءَ عَلَى لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ قَالَ الْوَاسِطِيُّ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ حَرْفٌ غَرِيبٌ مِنْ لُغَةِ قُرَيْشٍ غَيْرَ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ لِأَنَّ كَلَامَ قُرَيْشٍ سَهْلٌ لَيِّنٌ وَاضِحٌ. وَكَلَامَ الْعَرَبِ وَحْشِيٌّ غَرِيبٌ فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ غَرِيبَةٍ: {فَسَيُنْغِضُونَ} : وهو تحريك الرأس، {مُقِيتاً} : مقتدرا {فَشَرِّدْ بِهِمْ} : سَمِّعْ.

النوع الثامن والثلاثون: فيما وقع فيه بغير لغة العرب

النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ قَدْ أَفْرَدْتُ فِي هَذَا النَّوْعِ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ: "الْمُهَذَّبَ فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُعَرَّبِ "، وَهَا أَنَا أُلَخِّصُ هُنَا فَوَائِدَهُ فَأَقُولُ: اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي وُقُوعِ الْمُعَرَّبِ فِي الْقُرْآنِ: فَالْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقَاضِي أبو بكر وبن فَارِسٍ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فِيهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} وَقَدْ شَدَّدَ الشَّافِعِيُّ النَّكِيرَ عَلَى الْقَائِلِ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ فِيهِ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْقَوْلَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ كذابا بِالنَّبَطِيَّةِ فَقَدْ أَكْبَرَ الْقَوْلَ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: لَوْ كَانَ فِيهِ مِنْ لُغَةِ غَيْرِ الْعَرَبِ شَيْءٌ لَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا عَجَزَتْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِلُغَاتٍ لَا يَعْرِفُونَهَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَفْسِيرِ أَلْفَاظٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّهَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَوِ الْحَبَشِيَّةِ أَوِ النَّبَطِيَّةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إِنَّمَا اتَّفَقَ فِيهَا تَوَارُدُ اللُّغَاتِ فَتَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ وَالْفُرْسُ وَالْحَبَشَةُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ كَانَ لِلْعَرَبِ الْعَارِبَةِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ بَعْضُ مُخَالَطَةٍ لِسَائِرِ الْأَلْسِنَةِ فِي أَسْفَارِهِمْ فَعَلَّقَتْ مِنْ لُغَاتِهِمْ أَلْفَاظًا غَيَّرَتْ بَعْضَهَا بِالنَّقْصِ

مِنْ حُرُوفِهَا وَاسْتَعْمَلَتْهَا فِي أَشْعَارِهَا وَمُحَاوَرَاتِهَا حَتَّى جَرَتْ مَجْرَى الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ وَوَقَعَ بِهَا الْبَيَانُ وَعَلَى هَذَا الْحَدِّ نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ. وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةٌ صِرْفَةٌ وَلَكِنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ مُتَّسِعَةٌ جِدًّا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَخْفَى عَلَى الْأَكَابِرِ الْجِلَّةِ وَقَدْ خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَى " فَاطِرِ " وَ " فَاتِحٍ ". قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ: لَا يُحِيطُ بِاللُّغَةِ إِلَّا نَبِيٌّ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي عُزَيْزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنَّمَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَلِفَاظُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ اللُّغَاتِ وَأَكْثَرُهَا أَلْفَاظًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا سُبِقُوا إِلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى وُقُوعِهِ فِيهِ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} ، بِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الْيَسِيرَةَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَالْقَصِيدَةُ الْفَارِسِيَّةُ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا بِلَفْظَةٍ فِيهَا عَرَبِيَّةٍ وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} بِأَنَّ الْمَعْنَى مِنَ السِّيَاقِ: "أَكَلَامٌ أَعْجَمِيٌّ وَمُخَاطَبٌ عَرَبِيٌّ! ". وَاسْتَدَلُّوا بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ مَنْعَ صَرْفِ نَحْوِ " إِبْرَاهِيمَ " لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَيْسَتْ مَحَلَّ خِلَافٍ فَالْكَلَامُ فِي غَيْرِهَا مُوَجَّهٌ بِأَنَّهُ إِذَا اتُّفِقَ عَلَى وُقُوعِ الْأَعْلَامِ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ الْأَجْنَاسِ. وَأَقْوَى مَا رَأَيْتُهُ لِلْوُقُوعِ - وَهُوَ اخْتِيَارِي - مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ قَالَ: فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ. فَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حِكْمَةَ وُقُوعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ حَوَى عُلُومَ

الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَنَبَأَ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنْوَاعِ اللُّغَاتِ وَالْأَلْسُنِ لِيَتِمَّ إِحَاطَتُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَاخْتِيرَ لَهُ مِنْ كُلِّ لُغَةٍ أَعْذَبُهَا وَأَخَفُّهَا وَأَكْثَرُهَا اسْتِعْمَالًا لِلْعَرَبِ. ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ النَّقِيبِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ: مِنْ خَصَائِصِ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهَا شَيْءٌ بِلُغَةِ غَيْرِهِمْ وَالْقُرْآنُ احْتَوَى عَلَى جَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَأُنْزِلَ فِيهِ بِلُغَاتِ غَيْرِهِمْ مِنَ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَالْحَبَشَةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ. انْتَهَى. وأيضا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ إِلَى كُلِّ أُمَّةٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْكِتَابِ الْمَبْعُوثِ بِهِ مِنْ لِسَانِ كُلِّ قَوْمٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ بِلُغَةِ قَوْمِهِ هُوَ. وَقَدْ رَأَيْتُ الْخُوَيِّيَّ ذَكَرَ لِوُقُوعِ الْمُعَرَّبِ فِي الْقُرْآنِ فَائِدَةً أُخْرَى فَقَالَ: إِنْ قيل إن " إستبرق " لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَغَيْرُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْعَرَبِيِّ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ فَنَقُولُ: لَوِ اجْتَمَعَ فُصَحَاءُ الْعَالَمِ وَأَرَادُوا أَنْ يَتْرُكُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَيَأْتُوا بِلَفْظٍ يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْفَصَاحَةِ لَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى الطَّاعَةِ فَإِنْ لَمْ يُرَغِّبْهُمْ بِالْوَعْدِ الْجَمِيلِ وَيُخَوِّفْهُمْ بِالْعَذَابِ الْوَبِيلِ لَا يَكُونُ حَثُّهُ عَلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ فَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ نَظَرًا إِلَى الْفَصَاحَةِ وَاجِبٌ ثُمَّ إِنَّ الْوَعْدَ بِمَا يَرْغَبُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ وَذَلِكَ مُنْحَصِرٌ فِي أُمُورٍ: الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ ثُمَّ الْمَآكِلِ الشَّهِيَّةِ ثُمَّ الْمَشَارِبِ الْهَنِيَّةِ ثُمَّ الْمَلَابِسِ الرَّفِيعَةِ،

ثُمَّ الْمَنَاكِحِ اللَّذِيذَةِ ثُمَّ مَا بَعْدَهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الطِّبَاعُ فَإِذَنْ ذِكْرُ الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ وَالْوَعْدِ بِهِ لَازِمٌ عِنْدَ الْفَصِيحِ وَلَوْ تَرَكَهُ لَقَالَ مَنْ أُمِرَ بِالْعِبَادَةِ وَوُعِدَ عَلَيْهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ: إِنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لَا أَلْتَذُّ بِهِ إِذَا كُنْتُ فِي حَبْسٍ أَوْ مَوْضِعٍ كَرِيهٍ فَإِذَنْ ذَكَرَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِيهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مِنَ الْمَلَابِسِ مَا هُوَ أَرْفَعُهَا وَأَرْفَعُ الْمَلَابِسِ فِي الدُّنْيَا الْحَرِيرُ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَلَيْسَ مِمَّا يُنْسَجُ مِنْهُ ثَوْبٌ. ثُمَّ إِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَزْنُ وَالثِّقَلُ وَرُبَّمَا يَكُونُ الصَّفِيقُ الخفيف أرفع من الثقيف الْوَزْنِ وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَكُلَّمَا كَانَ ثَوْبُهُ أَثْقَلَ كَانَ أَرْفَعَ فَحِينَئِذٍ وَجَبَ عَلَى الْفَصِيحِ أَنْ يَذْكُرَ الأثقل والأثخن وَلَا يَتْرُكَهُ فِي الْوَعْدِ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي الْحَثِّ وَالدُّعَاءِ. ثُمَّ هَذَا الْوَاجِبُ الذِّكْرِ إِمَّا أَنْ يُذْكَرَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَوْضُوعٍ لَهُ صَرِيحٍ أَوْ لَا يُذْكَرَ بِمِثْلِ هَذَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الذِّكْرَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ الصَّرِيحِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَوْجَزُ وَأَظْهَرُ فِي الْإِفَادَةِ وَذَلِكَ " إِسْتَبْرَقٍ " فَإِنْ أَرَادَ الْفَصِيحُ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا اللَّفْظَ وَيَأْتِيَ بِلَفْظٍ آخَرَ لَمْ يُمْكِنْهُ لِأَنَّ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ إِمَّا لَفْظٌ وَاحِدٌ أَوْ أَلْفَاظٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَلَا يَجِدُ الْعَرَبِيُّ لَفْظًا وَاحِدًا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثِّيَابَ مِنَ الْحَرِيرِ عَرَفَهَا الْعَرَبُ مِنَ الْفُرْسِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهَا عَهْدٌ وَلَا وُضِعَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِلدِّيبَاجِ الثَّخِينِ اسْمٌ وَإِنَّمَا عَرَّبُوا مَا سَمِعُوا مِنَ الْعَجَمِ وَاسْتَغْنَوْا بِهِ عَنِ الْوَضْعِ لِقِلَّةِ وَجُودِهِ عِنْدَهُمْ وَنُدْرَةِ تَلَفُّظِهِمْ بِهِ وَأَمَّا إِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظَيْنِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ أَخَلَّ بِالْبَلَاغَةِ لِأَنَّ ذِكْرَ لَفْظَيْنِ لِمَعْنًى يُمْكِنُ ذِكْرُهُ بِلَفْظٍ تَطْوِيلٌ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ لَفْظَ " إِسْتَبْرَقٍ " يَجِبُ عَلَى كُلِّ فَصِيحٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يَجِدُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَأَيُّ فَصَاحَةٍ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ!. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَ بِالْوُقُوعِ عَنِ الْفُقَهَاءِ

والمنع عن الْعَرَبِيَّةِ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي مَذْهَبٌ فِيهِ تَصْدِيقُ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُفَ أُصُولُهَا أَعْجَمِيَّةٌ كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ، لَكِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْعَرَبِ فَعَرَّبَتْهَا بِأَلْسِنَتِهَا وَحَوَّلَتْهَا عَنْ أَلْفَاظِ الْعَجَمِ إِلَى أَلْفَاظِهَا فَصَارَتْ عَرَبِيَّةً ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَقَدِ اخْتَلَطَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فَمَنْ قَالَ إِنَّهَا عَرَبِيَّةٌ فَهُوَ صَادِقٌ، وَمَنْ قَالَ أَعْجَمِيَّةٌ فَصَادِقٌ. وَمَالَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَوَالِيقِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَآخَرُونَ. وَهَذَا سَرْدُ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ مرتبة على حروف المعجم: {أباريق} : حَكَى الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ أَنَّهَا فَارِسِيَّةٌ وَقَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: الْإِبْرِيقُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَمَعْنَاهُ طَرِيقُ الْمَاءِ أَوْ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى هِينَةٍ. {أَبٌّ} : قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْحَشِيشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْغَرْبِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ. {ابْلَعِي} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ابْلَعِي مَاءَكِ} قَالَ: بِالْحَبَشِيَّةِ " ازْدَرِدِيهِ ". وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اشْرَبِي بلغة الهند. {أَخْلَدَ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ رَكَنَ بِالْعِبْرِيَّةِ. {الأَرَائِكِ} : حَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ، أَنَّهَا السُّرُرُ بِالْحَبَشِيَّةِ. {آزَرَ} عُدَّ فِي الْمُعَرَّبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِعَلَمٍ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ وَلَا لِلصَّنَمِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقْرَأُ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} يَعْنِي بِالرَّفْعِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهَا أَعْوَجُ وَأَنَّهَا أَشَدُّ كَلِمَةٍ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ بِلُغَتِهِمْ يَا مُخْطِئُ.

{أَسْبَاطٌ} : حَكَى أَبُو اللَّيْثِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهَا بِلُغَتِهِمْ كَالْقَبَائِلِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ. {إِسْتَبْرَقٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ الدِّيبَاجُ الْغَلِيظُ بلغة العجم. {أَسْفَار} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ: هِيَ الْكُتُبُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: هِيَ الكتب بالنبطية. {إِصْرِي} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي لُغَاتِ الْقُرْآنِ: مَعْنَاهُ عهدي بالنبطية. {أَكْوَابٍ} : حَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهَا الْأَكْوَازُ بِالنَّبَطِيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهَا بِالنَّبَطِيَّةِ جِرَارٌ لَيْسَتْ لَهَا عُرًى. {إِلٌّ} : قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: ذَكَرُوا أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّبَطِيَّةِ. {أَلِيمٌ} : حَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ الْمُوجِعُ بِالزِّنْجِيَّةِ وَقَالَ شَيْذَلَةُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ. {إِنَاهُ} : نُضْجَهُ بِلِسَانِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ ذَكَرَهُ شَيْذَلَةُ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: بِلُغَةِ الْبَرْبَرِ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَمِيمٍ آنٍ} : هُوَ الَّذِي انْتَهَى حَرُّهُ بِهَا، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي حارة بها. {أَوَّاهٌ} : أخرج أبو الشيخ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَوَّاهُ الْمُوقِنُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِثْلَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: الْأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ بِالْعِبْرِيَّةِ. {أَوَّابٌ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: الْأَوَّابُ:

الْمُسَبِّحُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوِّبِي مَعَهُ} ، قَالَ: سَبِّحِي بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. {الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} قَالَ شَيْذَلَةُ: الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى أَيْ الْآخِرَةُ فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ أَيْ الْأُولَى بِالْقِبْطِيَّةِ وَالْقِبْطُ يُسَمُّونَ الْآخِرَةَ الْأُولَى وَالْأُولَى الْآخِرَةَ. وَحَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي البرهان. {بَطَائِنُهَا} : قَالَ شَيْذَلَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} أَيْ ظَوَاهِرُهَا بِالْقِبْطِيَّةِ. وَحَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ. {بَعِيرٍ} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْلَ بَعِيرٍ} أَيْ كَيْلَ حِمَارٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ: إِنَّ الْبَعِيرَ كُلُّ مَا يُحْمَلُ عليه بالعبرانية. {بِيَعٌ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ فِي كِتَابِ الْمُعَرَّبِ: الْبِيعَةُ وَالْكَنِيسَةُ جَعَلَهُمَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فارسيين معربين. {تنور} ذكروا الْجَوَالِيقِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. {تَتْبِيراً} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} قَالَ: تَبَّرَهُ بِالنَّبَطِيَّةِ. {تَحْتِ} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي لُغَاتِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} أَيْ بَطْنِهَا بِالنَّبَطِيَّةِ. وَنَقَلَ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ مِثْلَهُ عَنْ مُؤَرِّخٍ.

{الْجِبْتِ} : أخر ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجِبْتُ اسْمُ الشَّيْطَانِ بالحبشية. وأخرج عبد بن حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الشَّيْطَانُ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الْجِبْتُ السَّاحِرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. {جَهَنَّمُ} : قِيلَ: أَعْجَمِيَّةٌ، وَقِيلَ: فَارِسِيَّةٌ وَعِبْرَانِيَّةٌ، أَصْلُهَا: "كَهْنَامُ ". {حُرِّمَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ وَحَرُمَ وَجَبَ بِالْحَبَشِيَّةِ، حَصَبُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} . قَالَ: حَطَبُ جَهَنَّمَ بِالزِّنْجِيَّةِ. {حِطَّةٌ} : قِيلَ: مَعْنَاهُ: قُولُوا صَوَابًا بِلُغَتِهِمْ. {حَوَارِيُّونَ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ الْغَسَّالُونَ بِالنَّبَطِيَّةِ وَأَصْلُهُ هَوَارِيُّ. {حُوب} تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال حوبا: إِثْمًا بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ. {دَارَسْتُ} : مَعْنَاهُ قَارَأْتُ بِلُغَةِ اليهود. {دُرِّيٌّ} : مَعْنَاهُ الْمُضِيءُ بِالْحَبَشِيَّةِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ وَأَبُو الْقَاسِمِ. {دِينَارٍ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ وغيره أنه فارسي. {رَاعِنَا} : أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَاعَنَا سَبٌّ بِلِسَانِ الْيَهُودِ. {ربَّانِيُّونَ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ

الرَّبَّانِيِّينَ وَإِنَّمَا عَرَفَهَا الْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ. قَالَ: وَأَحْسَبُ الْكَلِمَةَ لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَإِنَّمَا هِيَ عِبْرَانِيَّةٌ أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ، وَجَزَمَ الْقَاسِمُ بِأَنَّهَا سُرْيَانِيَّةٌ. {رِبِّيُّونَ} : ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ أنها سريانية. {الرَّحْمَنِ} : ذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ إِلَى أَنَّهُ عِبْرَانِيٌّ وَأَصْلُهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ. {الرَّسِّ} : فِي الْعَجَائِبِ لِلْكَرْمَانِيِّ إِنَّهُ عَجَمِيٌّ وَمَعْنَاهُ الْبِئْرُ. {الرقيم} : قِيلَ: إِنَّهُ اللَّوْحُ بِالرُّومِيَّةِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: هُوَ الْكِتَابُ بِهَا، وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: هُوَ الدواة بها. {رَمْزاً} : عَدَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ مِنَ الْمُعَرَّبِ. وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ هُوَ تَحْرِيكُ الشَّفَتَيْنِ بِالْعِبْرِيَّةِ. {رَهْواً} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً} أَيْ سَهْلًا دَمِثًا بِلُغَةِ النَّبَطِ. وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: أَيْ سَاكِنًا بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {الرُّومُ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: هُوَ أَعْجَمِيٌّ اسْمٌ لِهَذَا الْجِيلِ مِنَ النَّاسِ. {زَنْجَبِيلٌ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ أَنَّهُ فارسي. {السِّجِلِّ} : أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السِّجِلُّ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ الرَّجُلُ. وَفِي الْمُحْتَسِبِ لِابْنِ جِنِّيٍّ السِّجِلُّ: الْكِتَابُ قَالَ قَوْمٌ: هُوَ فَارِسِيٌّ معرب.

{سِجِّيلٍ} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ سِجِّيلٌ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوَّلُهَا حِجَارَةٌ وَآخِرُهَا طين. {سِجِّينٍ} : ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ أَنَّهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ. {سُرَادِقُ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُهُ سِرَادِرُ وَهُوَ الدِّهْلِيزُ، وَقَالَ غَيْرُهُ. الصَّوَابُ أَنَّهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سِرَابِرْدِهْ أَيْ سِتْرُ الدَّارِ. {سَرِيٌّ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى: {سَرِيّاً} قَالَ: نَهْرًا، بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِالنَّبَطِيَّةِ وَحَكَى شَيْذَلَةُ أَنَّهُ بِالْيُونَانِيَّةِ. {سَفَرَةٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} قال بالنبطية القراء. {سَقَرَ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ. {سُجَّداً} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} أي مقنعي الرؤوس بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {سَكَرٌ} : أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّكَرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْخَلُّ. {سَلْسَبِيل} : حَكَى الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهُ عَجَمِيٌّ. {سَنَا} : عَدَّهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي نَظْمِهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ.

{سُنْدُسٍ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: هُوَ رَقِيقُ الدِّيبَاجِ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي أَنَّهُ مُعَرَّبٌ. وَقَالَ شَيْذَلَةُ: هُوَ بِالْهِنْدِيَّةِ. {سَيِّدَهَا} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أَيْ زَوْجَهَا بِلِسَانِ الْقِبْطِ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو لَا أَعْرِفُهَا فِي لغة العرب. {سِينِينَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سِينِينَ الْحَسَنُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. {سَيْنَاءَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ سَيْنَاءَ بِالنَّبَطِيَّةِ الْحَسَنُ. {شَطْرَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ رُفَيْعٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَطْرَ الْمَسْجِدِ} قَالَ: تِلْقَاءَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ. {شَهْرُ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {الصِّرَاطَ} : حَكَى النَّقَّاشُ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ الطَّرِيقُ بِلُغَةِ الرُّومِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الزينة لأبي حاتم. {صرهن} : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصُرْهُنَّ} قَالَ: هِيَ نَبَطِيَّةٌ فَشَقِّقْهُنَّ. وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنِ الضَّحَّاكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قال: مامن اللُّغَةِ شَيْءٌ إِلَّا مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ قِيلَ: وَمَا فِيهِ مِنَ الرُّومِيَّةِ؟ قَالَ: "فَصِرْهُنَّ " يَقُولُ: قطعهن. {صَلَوَاتٌ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيٌّ: هِيَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ كَنَائِسُ الْيَهُودِ وَأَصْلُهَا " صُلُوتَا ". وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ نَحْوَهُ عَنِ الضَّحَّاكِ.

{طه} : أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {طه} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِكَ: يَا مُحَمَّدُ بِلِسَانِ الْحَبَشِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "طه " بِالنَّبَطِيَّةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: طه يَا رَجُلُ بِالنَّبَطِيَّةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ طه يَا رَجُلُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. {الطاغوت} : هو الكاهن بالحبشية. {طَفِقَا} : قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ قَصَدَا بِالرُّومِيَّةِ وَحَكَاهُ شَيْذَلَةُ. {طوبى} : اسم الجنة بالحبشية وأخرج أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: بالهندية. {طور} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الطُّورُ الْجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ بالنبطية. {طوى} : فِي الْعَجَائِبِ لِلْكَرْمَانِيِّ قِيلَ هُوَ مُعَرَّبٌ مَعْنَاهُ لَيْلًا وَقِيلَ هُوَ رَجُلٌ بِالْعِبْرَانِيَّةِ. {عَبَّدْتَ} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ} مَعْنَاهُ قَتَلْتَ بِلُغَةِ النَّبَطِ. {عَدْنٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} قَالَ: جَنَّاتُ كُرُومٍ وَأَعْنَابٍ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَمِنْ تَفْسِيرِ جُوَيْبِرٍ أَنَّهُ بِالرُّومِيَّةِ.

{الْعَرِمِ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْعَرِمُ بِالْحَبَشِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَنَّاةُ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا الْمَاءُ ثُمَّ يَنْبَثِقُ. {غَسَّاق} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ والو اسطي: هُوَ الْبَارِدُ الْمُنْتِنُ بِلِسَانِ التُّرْكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ الْغَسَّاقُ المنتن وهو بالطخارية. {غِيضَ} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: غِيضَ نَقَصَ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ. {فِرْدَوْسِ} : أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وقال: الْفِرْدَوْسُ بُسْتَانٌ بِالرُّومِيَّةِ. وَأَخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْكَرْمُ بِالنَّبَطِيَّةِ وَأَصْلُهُ " فِرْدَاسًا ". {فُومِ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ: هُوَ الحنطة بالعبرية. {قَرَاطِيسَ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: يُقَالُ: إِنَّ الْقِرْطَاسَ أَصْلُهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ. {قِسْطِ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قال: القسط الْعَدْلِ بِالرُّومِيَّةِ. {قِسْطَاسِ} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقِسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: القسطاس بلغة الروم الميزان. {قَسْوَرَةٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَسَدُ يُقَالُ لَهُ: بالحبشية قسورة. {قِطَّنَا} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: مَعْنَاهُ كِتَابَنَا بِالنَّبَطِيَّةِ. {قُفْلٌ} : حَكَى الْجَوَالِيقِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.

{قُمَّلَ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ: الدَّبَا بِلِسَانِ الْعِبْرِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: لَا أَعْرِفُهُ فِي لُغَةِ أَحَدٍ من العرب. {قنطار} : ذَكَرَ الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ أَنَّهُ بِالرُّومِيَّةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: زَعَمُوا أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ مَلْءُ جِلْدِ ثَوْرٍ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ بِلُغَةِ بَرْبَرَ أَلْفُ مِثْقَالٍ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: قِيلَ: إِنَّهُ ثَمَانِيَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ بِلِسَانِ أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ. {الْقَيُّومُ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَنَامُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {كَافُور} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ وَغَيْرُهُ، أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. {كَفِّرَ} : قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَفِّرْ عَنَّا مَعْنَاهُ امْحُ عَنَّا بِالنَّبَطِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} قَالَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ [مَحَا عَنْهُمْ] . {كِفْلَيْنِ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ كِفْلَيْنِ ضعفين بالحبشية. {كَنْزٌ} ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. كورت أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كُوِّرَتْ غُوِّرَتْ وَهِيَ بالفارسية. {لِينَةٍ} فِي الْإِرْشَادِ لِلْوَاسِطِيِّ هِيَ النَّخْلَةُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ لَا أَعْلَمُهَا إِلَّا بِلِسَانِ يَهُودَ يَثْرِبَ.

{مُتَّكَأً} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ تَمَامٍ الشَّقَرِيِّ قَالَ مُتَّكَأً بِلِسَانِ الْحَبَشِ يُسَمُّونَ التُّرُنْجَ مُتَّكَأً. {مَجُوسَ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ. {مَرْجَانُ} : حَكَى الْجَوَالِيقِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ. {مِسْكٌ} : ذَكَرَ الثَّعَالِبِيُّ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ. {مِشْكَاةٌ} : أَخْرَجَ ابْنُ أبي حاتم عن مجاهد قال المشكاة الكوة بلغة الحبشة. {مَقَالِيدُ} : أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَقَالِيدُ مَفَاتِيحُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالْجَوَالِيقِيُّ الْإِقْلِيدُ وَالْمِقْلِيدُ الْمِفْتَاحُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. {مَرْقُومٌ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كِتَابٌ مَرْقُومٌ أَيْ مَكْتُوبٌ بِلِسَانِ الْعِبْرِيَّةِ. {مُزْجَاةٍ} : قَالَ الْوَاسِطِيُّ: مُزْجَاةٍ قَلِيلَةٍ بِلِسَانِ الْعَجَمِ وَقِيلَ بِلِسَانِ الْقِبْطِ. {مَلَكُوتَ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلَكُوتَ} قَالَ: هُوَ الْمُلْكُ وَلَكِنَّهُ بِكَلَامِ النَّبَطِيَّةِ " مَلَكُوتًا ". وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ: هُوَ الْمُلْكُ بِلِسَانِ النَّبَطِ.

{مَنَاصٍ} : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: مَعْنَاهُ فِرَارٌ بِالنَّبَطِيَّةِ. {مِنْسَأَةٌ} : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْمِنْسَأَةُ الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. {مُنْفَطِرٌ} أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: مُمْتَلِئَةٌ بِهِ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ {مُهْل} : قِيلَ: هُوَ عَكَرُ الزَّيْتِ بِلِسَانِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: بِلُغَةِ الْبَرْبَرِ. {نَاشِئَةَ} : أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: نَاشِئَةَ اللَّيْلِ: قِيَامُ اللَّيْلِ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. {نْ} : حَكَى الْكَرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ أصله النون وَمَعْنَاهُ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ. {هُدْنَا} : قِيلَ: مَعْنَاهُ: تُبْنَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ حَكَاهُ شَيْذَلَةُ وَغَيْرُهُ. {هُودُ} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: الْهُودُ الْيَهُودُ أَعْجَمِيٌّ. {هُونٍ} : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} قَالَ: حُكَمَاءُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ أَنَّهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ. {هَيْتَ لَكَ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ هَيْتَ لَكَ هَلُمَّ لَكَ بِالْقِبْطِيَّةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ هِيَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ بِالْحَوْرَانِيَّةِ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: هِيَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَأَصِلُهُ هيتلج أَيْ تَعَالَهْ. {وَرَاءَ} : قِيلَ: مَعْنَاهُ أَمَامُ بِالنَّبَطِيَّةِ وَحَكَاهُ شَيْذَلَةُ وَأَبُو الْقَاسِمِ، وَذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهَا غير عربية. {وَرْدَةً} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ أَنَّهَا غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ. {وِزْرَ} : قال أبو القاسم: هو الحبل وَالْمَلْجَأُ بِالنَّبَطِيَّةِ. {يَاقُوتٌ} : ذَكَرَ الْجَوَالِيقِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ. {يَحُورَ} أخرج ابن أبي حاتم عن داود بن هند في قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} قَالَ: بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ يَرْجِعَ، وَأُخْرِجَ مِثْلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَتَقَدَّمَ فِي أَسْئِلَةِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. {يس} أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يس} قَالَ: يَا إِنْسَانُ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: يس يَا رَجُلُ بِلُغَةِ الحبشة. {يَصُدُّونَ} : قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَعْنَاهُ يَضِجُّونَ بِالْحَبَشِيَّةِ. {يُصْهَرُ} : قِيلَ: مَعْنَاهُ يُنْضَجُ، بِلِسَانِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ حَكَاهُ شيذلة. {الْيَمِّ} قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْيَمُّ الْبَحْرُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَقَالَ شَيْذَلَةُ: بِالْقِبْطِيَّةِ.

{اليهود} : قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ مَنْسُوبُونَ إِلَى يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ فَعُرِّبَ بِإِهْمَالِ الدَّالِ. فَهَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُعَرَّبَةِ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَحْصِ الشَّدِيدِ سِنِينَ وَلَمْ تَجْتَمِعْ قَبْلُ فِي كِتَابٍ قَبْلَ هَذَا. وَقَدْ نَظَمَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ مِنْهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ لَفْظًا فِي أَبْيَاتٍ وَذَيَّلَ عَلَيْهَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ بِأَبْيَاتٍ فِيهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لَفْظًا وَذَيَّلْتُ عَلَيْهَا بِالْبَاقِي وَهُوَ بِضْعٌ وَسِتُّونَ فَتَمَّتْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ لَفْظَةٍ فَقَالَ ابْنُ السُّبْكِيِّ: السَّلْسَبِيلُ وَطَهَ كُوِّرَتْ بِيَعٌ رُومٌ وَطُوبَى وَسِجِّيلٌ وَكَافُورُ وَالزَّنْجَبِيلُ وَمِشْكَاةٌ سُرَادِقُ مَعَ إِسْتَبْرَقٍ صَلَوَاتٌ سُنْدُسٌ طُورُ كَذَا قَرَاطِيسُ رَبَانِيُّهُمْ وَغَسَّا قٌ وَدِينَارُ وَالْقِسْطَاسُ مَشْهُورُ كَذَاكَ قَسْوَرَةٌ وَالْيَمُّ نَاشِئَةٌ وَيُؤْتَ كِفْلَيْنِ مَذْكُورٌ وَمَسْطُورُ لَهُ مَقَالِيدُ فِرْدَوْسٌ يُعَدُّ كَذَا فِيمَا حَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ مِنْهُ تَنُّورُ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَزِدْتُ حِرْمٌ وَمُهْلٌ وَالسِّجِلُّ كَذَا السَّرِيُّ وَالْأَبُّ ثُمَّ الْجِبْتُ مَذْكُورُ وَقِطَّنَا وَإِنَاهُ ثُمَّ متكئا دَارَسْتُ يُصْهَرُ مِنْهُ فَهُوَ مَصْهُورُ وَهَيْتَ وَالسَّكَرُ الْأَوَّاهُ مَعَ حَصَبٍ وَأَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّاغُوتُ مَسْطُورُ صُرْهُنَّ إِصْرِي وَغِيضَ الْمَاءُ مَعَ وَزَرٍ ثُمَّ الرَّقِيمُ مَنَاصٌ وَالسَّنَا النُّورُ

وَقُلْتُ أَيْضًا: وَزِدْتُ يس وَالرَّحْمَنُ مَعَ مَلَكُو تِ ثُمَّ سِينِينَ شَطْرَ الْبَيْتِ مَشْهُورُ ثُمَّ الصِّرَاطُ وَدُرِّيٌّ يَحُورُ وَمَرْ جَانٌ وَيَمٌّ مَعَ الْقِنْطَارِ مَذْكُورُ وَرَاعِنَا طَفِقَا هدنا ابلعي وورا ء وَالْأَرَائِكُ وَالْأَكْوَابُ مَأْثُورُ هُودٌ وَقِسْطٌ كَفِّرْ رَمْزُهُ سَقَرٌ هَوْنٌ يَصِدُّونَ وَالْمِنْسَاةُ مَسْطُورُ شَهْرٌ مَجُوسٌ وَأَقْفَالٌ يَهُودُ حَوَا رِيُّونَ كَنْزٌ وَسِجِّينٌ وَتَتْبِيرُ بَعِيرٌ آزَرُ حُوبٌ وَرْدَةٌ عَرِمٌ إِلٌّ وَمِنْ تَحْتِهَا عَبَّدْتَ وَالصُّورُ وَلِينَةٌ فُومُهَا رَهْوٌ وَأَخْلَدَ مُزْ جَاةٌ وَسَيِّدَهَا الْقَيُّومُ مَوْقُورُ وَقُمَّلٌ ثُمَّ أَسْفَارٌ عَنَى كُتُبًا وَسُجَّدًا ثُمَّ رِبِّيُّونَ تَكْثِيرُ وَحِطَّةٌ وَطُوًى وَالرَّسُّ نُونٌ كَذَا عَدْنٌ وَمُنْفَطِرٌ الْأَسْبَاطُ مَذْكُورُ مِسْكٌ أَبَارِيقُ يَاقُوتٌ رَوَوْا فَهُنَا مَا فَاتَ مِنْ عَدَدِ الْأَلْفَاظِ مَحْصُورُ وَبَعْضُهُمْ عَدَّ الْأُولَى مَعَ بَطَائِنِهَا وَالْآخِرَةَ لِمَعَانِي الضِّدِّ مَقْصُورُ

النوع التاسع والثلاثون: في معرفة الوجوه والنظائر

النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ صَنَّفَ فِيهَا قَدِيمًا مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ الدَّامِغَانِيِّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْمِصْرِيُّ وَابْنُ فَارِسٍ وَآخَرُونَ. فَالْوُجُوهُ لِلَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي عِدَّةِ مَعَانٍ كَلَفْظِ الْأُمَّةِ وَقَدْ أَفْرَدْتُ فِي هَذَا الْفَنِّ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ " مُعْتَرَكُ الْأَقْرَانِ فِي مُشْتَرَكِ الْقُرْآنِ ". وَالنَّظَائِرُ كَالْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ. وَقِيلَ: النَّظَائِرُ فِي اللَّفْظِ وَالْوُجُوهُ فِي الْمَعَانِي وَضُعِّفَ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا لَكَانَ الْجَمْعُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ وَهُمْ يَذْكُرُونَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ اللَّفْظَ الَّذِي مَعْنَاهُ وَاحِدٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فَيَجْعَلُونَ الْوُجُوهَ نَوْعًا لِأَقْسَامٍ وَالنَّظَائِرَ نَوْعًا آخَرَ. وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ حَيْثُ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى عِشْرِينَ وَجْهًا وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْبَشَرِ. وَذَكَرَ مُقَاتِلٌ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا: "لَا يَكُونُ الرَّجُلُ فَقِيهًا كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً ". قُلْتُ: هَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا وَلَفْظُهُ: "لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ ": وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَرَى اللَّفْظَ الْوَاحِدَ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مُتَعَدِّدَةً فَيَحْمِلَهُ عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَضَادَّةٍ وَلَا يَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.

وَأَشَارَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِشَارَاتِ الْبَاطِنَةِ وَعَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّفْسِيرِ الظَّاهِرِ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرٍ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تَفْقَهَ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا ". قَالَ حَمَّادٌ: فَقُلْتُ لِأَيُّوبَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: "حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا " أَهُوَ أَنْ يَرَى لَهُ وُجُوهًا فَيَهَابُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ هَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَرْسَلَهُ إِلَى الْخَوَارِجِ فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَيْهِمْ فَخَاصِمْهُمْ وَلَا تُحَاجَّهُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ ذُو وُجُوهٍ وَلَكِنْ خَاصِمْهُمْ بِالسُّنَّةِ ". وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْهُمْ فِي بُيُوتِنَا نَزَلَ قَالَ: صَدَقْتَ وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ وَيَقُولُونَ وَلَكِنْ خَاصِمْهُمْ بِالسُّنَنِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصًا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَخَاصَمَهُمْ بِالسُّنَنِ فَلَمْ تَبْقَ بِأَيْدِيهِمْ حُجَّةٌ. وَهَذِهِ عُيُونٌ مِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ. مِنْ ذَلِكَ: {الْهُدَى} : يَأْتِي على تسعة عَشَرَ وَجْهًا: بِمَعْنَى الثَّبَاتِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} .

وَالْبَيَانِ: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} . وَالدِّينِ: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} . وَالْإِيمَانِ: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} . والدعاء: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} . وَبِمَعْنَى الرِّسْلِ وَالْكُتُبِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} . والمعرفة: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} . وَبِمَعْنَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} . وَبِمَعْنَى الْقُرْآنِ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} . وَالتَّوْرَاةِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} . والاسترجاع: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} . وَالْحُجَّةِ: {لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} أَيْ لَا يَهْدِيهِمْ حُجَّةً. وَالتَّوْحِيدِ: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} . والسنة: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ، {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} .

وَالْإِصْلَاحِ: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} . وَالْإِلْهَامِ: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} ، أَيْ أَلْهَمَهُمُ الْمَعَاشَ. وَالتَّوْبَةِ: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} . وَالْإِرْشَادِ: {أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} . وَمِنْ ذَلِكَ: " السُّوءُ ": يَأْتِي عَلَى أَوْجُهٍ: الشِّدَّةِ: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} . والعقر: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} . وَالزِّنَى: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً} ، {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} . وَالْبَرَصِ: {بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} . وَالْعَذَابِ: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ} . وَالشِّرْكِ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} . والشدة: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} .

{وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} . والذنب: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} . وَبِمَعْنَى: بِئْسَ {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} . والضر: {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} ، {وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} . وَالْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ: {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} . وَمِنْ ذَلِكَ: " الصَّلَاةُ " تَأْتِي عَلَى أَوْجُهٍ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} . وَصَلَاةِ الْعَصْرِ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} . وَصَلَاةِ الْجُمُعَةَ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} . وَالْجِنَازَةِ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} . والدعاء: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} . والدين: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ} . والقراءة: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} .

وَالرَّحْمَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} . ومواضع الصلاة: {وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} ، {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} . وَمِنْ ذَلِكَ: " الرَّحْمَةُ ": وَرَدَتْ عَلَى وجه: الْإِسْلَامِ: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} . وَالْإِيمَانِ: {وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} . وَالْجَنَّةِ: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . وَالْمَطَرِ: {بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} . وَالنِّعْمَةِ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} . وَالنُّبُوَّةِ: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} ، {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} . وَالْقُرْآنِ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . والرزاق: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} . وَالنَّصْرِ وَالْفَتْحِ: {إِِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} . والعافية: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} .

والمودة: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً} ، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} . وَالسَّعَةِ: {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} . وَالْمَغْفِرَةِ: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} . وَالْعِصْمَةِ: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} . وَمِنْ ذَلِكَ: " الْفِتْنَةُ: وَرَدَتْ عَلَى أَوْجُهٍ: الشِّرْكِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} ، {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} . والإضلال: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} . وَالْقَتْلِ: {أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . والصد: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} . وَالضَّلَالَةِ: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} . وَالْمَعْذِرَةِ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} . وَالْقَضَاءِ: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} . وَالْإِثْمِ: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} .

وَالْمَرَضِ: {يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} . والعبرة: {لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} . والعقوبة: {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} . وَالِاخْتِبَارِ: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} . وَالْعَذَابِ: {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} . وَالْإِحْرَاقِ: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} . والجنون: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} . وَمِنْ ذَلِكَ: " الرُّوحُ "، وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ: الْأَمْرِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} . والوحي: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ} . وَالْقُرْآنِ: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} . والرحمة: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} . والحياة: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} . وجبريل: {أَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} ، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} .

وَمَلَكٌ عَظِيمٌ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} . وَجَيْشٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} . وَرُوحِ الْبَدَنِ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} . وَمِنْ ذَلِكَ: " الْقَضَاءُ ": وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ. الْفَرَاغِ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} والأمر: {إِذَا قَضَى أَمْراً} . وَالْأَجْلِ: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} . وَالْفَصْلِ: {لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} . وَالْمُضِيِّ: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} . والهلاك: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} . والوجوب: {قُضِيَ الأَمْرُ} . وَالْإِبْرَامِ: {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} .

وَالْإِعْلَامِ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ} . وَالْوَصِيَّةِ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} . والموت: {فَقَضَى عَلَيْهِ} . وَالنُّزُولِ: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} . والخلق: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} . وَالْفِعْلِ: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} ، يعني حقا لم يفعل. وَالْعَهْدِ: {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ} . وَمِنْ ذَلِكَ: " الذِّكْرُ ": وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ: ذِكْرِ اللِّسَانِ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} . وَذِكْرِ الْقَلْبِ: {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} . والحفظ: {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} . والطاعة والجزاء: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} . وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} .

وَالْعِظَةِ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} ، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى} . وَالْبَيَانِ: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} . والحديث: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} ، أَيْ حَدِّثْهُ بِحَالِي. وَالْقُرْآنِ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذكري} ، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} . والتوراة: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ} . وَالْخَبَرِ: {سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً} . والشرف: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ} . وَالْعَيْبِ: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} . وَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} . والثناء: {وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} . والوحي: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} . والرسول: {ذِكْراً رَسُولاً} . والصلاة: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} . وَصَلَاةِ الْجُمُعَةَ: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} .

وَصَلَاةِ الْعَصْرِ: {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} . وَمِنْ ذَلِكَ: " الدُّعَاءُ " وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ: الْعِبَادَةِ: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} . والاستعانة: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} . والسؤال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} . وَالْقَوْلِ: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} . والنداء: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} . وَالتَّسْمِيَةِ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} . وَمِنْ ذَلِكَ: " الْإِحْصَانُ ": وَرَدَ عَلَى أَوْجُهٍ: الْعِفَّةِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} . والتزوج: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} . وَالْحُرِّيَّةِ: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} .

فَصْلٌ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِ الْأَفْرَادِ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْأَسَفِ فَمَعْنَاهُ الحزن إلا {فَلَمَّا آسَفُونَا} فَمَعْنَاهُ أَغْضَبُونَا. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ " الْبُرُوجِ "، فَهِيَ الْكَوَاكِبُ إِلَّا: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} ، فَهِيَ الْقُصُورُ الطِّوَالُ الْحَصِينَةُ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ " الْبَرِّ وَالْبَحْرِ "، فَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمَاءُ وَبِالْبَرِّ التُّرَابُ الْيَابِسُ إِلَّا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فَالْمُرَادُ بِهِ الْبَرِيَّةُ وَالْعُمْرَانُ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " بَخْسٍ "، فَهُوَ النَّقْصُ إِلَّا: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أَيْ حَرَامٍ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ " الْبَعْلِ "، فَهُوَ الزَّوْجُ إِلَّا: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} فَهُوَ الصَّنَمُ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " الْبَكَمِ "، فَالْخَرَسُ عَنِ الْكَلَامِ بِالْإِيمَانِ إِلَّا: {عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} فِي الْإِسْرَاءِ، وَ {أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} فِي النَّحْلِ، فَالْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا. وَكُلُّ مَا فِيهِ " جِثِيًّا " فَمَعْنَاهُ جَمِيعًا، إِلَّا: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} فَمَعْنَاهُ تَجْثُو عَلَى رُكَبِهَا. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " حُسْبَانٍ " فَهُوَ الْعَدَدُ، إِلَّا: {حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ} في الْكَهْفِ فَهُوَ الْعَذَابُ.

وَكُلُّ مَا فِيهِ " حَسْرَةٌ " فَالنَّدَامَةُ إِلَّا: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} فَمَعْنَاهُ الْحُزْنُ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " الدَّحْضِ " فَالْبَاطِلُ إِلَّا: {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} فَمَعْنَاهُ مِنَ الْمَقْرُوعِينَ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " رِجْزٍ " فَالْعَذَابُ إِلَّا: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فَالْمُرَادُ بِهِ الصَّنَمُ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " رَيْبٍ " فَالشَّكُّ إِلَّا: {رَيْبَ الْمَنُونِ} يَعْنِي حَوَادِثَ الدَّهْرِ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " الرَّجْمِ " فَهُوَ الْقَتْلُ إلا: {لَأَرْجُمَنَّكَ} فمعناه أشتمنك، و {رَجْماً بِالْغَيْبِ} أَيْ ظَنَّا. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " الزُّورِ " فَالْكَذِبُ مَعَ الشِّرْكِ إِلَّا: {مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} فَإِنَّهُ كَذِبٌ غَيْرُ الشِّرْكِ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " زَكَاةٍ " فَهُوَ الْمَالُ إِلَّا: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} أَيْ طُهْرَةً. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ " الزَّيْغِ " فَالْمَيْلُ إِلَّا: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} أَيْ شَخَصَتْ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " سَخِرَ " فَالِاسْتِهْزَاءُ إِلَّا: {سُخْرِيّاً} فِي الزُّخْرُفِ فَهُوَ مِنَ التَّسْخِيرِ وَالِاسْتِخْدَامِ.

وَكُلُّ " سَكِينَةٍ " فِيهِ طُمَأْنِينَةٌ إِلَّا الَّتِي فِي قِصَّةِ طَالُوتَ فَهُوَ شَيْءٌ كَرَأْسِ الْهِرَّةِ لَهُ جَنَاحَانِ. وَكُلُّ " سَعِيرٍ " فِيهِ فَهُوَ النَّارُ وَالْوَقُودُ إلا: {فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} فَهُوَ الْعَنَاءُ. وَكُلُّ " شَيْطَانٍ " فِيهِ فَإِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ إِلَّا: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} . وَكُلُّ " شَهِيدٍ " فِيهِ غَيْرُ الْقَتْلَى فَمَنْ يَشْهَدُ فِي أُمُورِ النَّاسِ إلا: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} فَهُوَ شُرَكَاؤُكُمْ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ " أَصْحَابِ النَّارِ " فَأَهْلُهَا إِلَّا: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً} فَالْمُرَادُ خَزَنَتُهَا. وَكُلُّ " صَلَاةٍ " فِيهِ عِبَادَةٌ وَرَحْمَةٌ إِلَّا: {وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} فَهِيَ الْأَمَاكِنُ. وَكُلُّ " صَمَمٌ " فِيهِ فَفِي سَمَاعِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ خَاصَّةً إِلَّا الَّذِي فِي الْإِسْرَاءِ.

وَكُلُّ " عَذَابٍ " فِيهِ فَالتَّعْذِيبُ إِلَّا: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} فَهُوَ الضَّرْبُ. وَكُلُّ " قُنُوتٍ " فِيهِ طَاعَةٌ إِلَّا: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} فمعناه مقربون. وَكُلُّ " كَنْزٍ " فِيهِ مَالٌ إِلَّا الَّذِي فِي الْكَهْفِ فَهُوَ صَحِيفَةُ عِلْمٍ. وَكُلُّ " مِصْبَاحٍ " فِيهِ كَوْكَبٌ إِلَّا الَّذِي فِي النُّورِ فَالسِّرَاجُ. وَكُلُّ "نِكَاحٍ " فِيهِ تَزَوُّجٌ إِلَّا: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} فَهُوَ الْحُلُمُ. وَكُلُّ " نَبَأٍ " فِيهِ خَبَرٌ إِلَّا: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ} فَهِيَ الْحُجَجُ. وَكُلُّ " وُرُودٍ " فِيهِ دُخُولٌ إِلَّا: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} يَعْنِي هَجَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ. وَكُلُّ مَا فيه " من " [تكلبف] {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} فَالْمُرَادُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا الَّتِي فِي الطَّلَاقِ فَالْمُرَادُ مِنَ النَّفَقَةِ. وَكُلُّ " يَأْسٍ " فِيهِ قُنُوطٌ إِلَّا الَّتِي فِي الرَّعْدِ فَمِنَ الْعِلْمِ.

وَكُلُّ " صَبْرٍ " فِيهِ مَحْمُودٌ إِلَّا: {لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} ، {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} . هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلُّ " صَوْمٍ " فِيهِ فَمِنَ الْعِبَادَةِ إِلَّا: {نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} أَيْ صَمْتًا. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ " الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ " فَالْمُرَادُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ إِلَّا الَّتِي فِي أَوَّلِ الْأَنْعَامِ فَالْمُرَادُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَنُورُ النَّهَارِ. وَكُلُّ " إِنْفَاقٍ " فِيهِ فَهُوَ الصَّدَقَةُ إِلَّا: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَهْرُ. وَقَالَ الدَّانِيُّ: كُلُّ مَا فِيهِ مِنَ " الْحُضُورِ " بِالضَّادِ فَهُوَ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ إِلَّا مَوْضِعًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ بِالظَّاءِ مِنَ الِاحْتِظَارِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} . وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ " بَعْدَ " بِمَعْنَى " قَبْلَ " إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} .

قَالَ مُغَلْطَايْ فِي كِتَابِ الْمُيَسَّرِ: قَدْ وَجَدْنَا حَرْفًا آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} . قَالَ أَبُو مُوسَى فِي كِتَابِ الْمُغِيثِ: مَعْنَاهُ هُنَا " قَبْلَ " لِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَعَلَى هَذَا خَلْقُ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ. انْتَهَى. قُلْتُ: قَدْ تَعَرَّضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة والتابعون بشيء مِنْ هَذَا النَّوْعِ. فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ حَرْفٍ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهِ الْقُنُوتُ فَهُوَ الطَّاعَةُ. هَذَا إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَابْنُ حِبَّانَ يُصَحِّحُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَلِيمٌ " فَهُوَ الْمُوجِعُ. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " قُتِلَ " فَهُوَ لُعِنَ. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ " الرِّجْزِ " يَعْنِي بِهِ الْعَذَابَ. وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ صَلَاةٌ وَكُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ حُجَّةٌ ". وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ" كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " الدِّينُ " فَهُوَ الْحِسَابُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ: "الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ "مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ رَيْبٍ شَكٌّ إِلَّا مَكَانًا وَاحِدًا فِي الطور: {رَيْبَ الْمَنُونِ} يَعْنِي حَوَادِثَ الْأُمُورِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنَ " الرِّيَاحِ " فَهِيَ رَحْمَةٌ وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ مِنَ " الرِّيحِ " فَهُوَ عَذَابٌ. وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: كُلُّ " كَأْسٍ " ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا عَنَى بِهِ الْخَمْرَ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " فَاطِرٌ " فَهُوَ خَالِقٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِفْكٌ " فَهُوَ كَذِبٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كُلُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَهُوَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كُلُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهَا " حِفْظُ

الْفَرْجِ " فَهُوَ مِنَ الزِّنَى إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} فَالْمُرَادُ أَلَّا يَرَاهَا أَحَدٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ " إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْكُفَّارَ. وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " خُلُودٌ " فَإِنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " يَقْدِرُ " فَمَعْنَاهُ يُقِلُّ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ قَالَ: "التَّزَكِّي " فِي الْقُرْآنِ كُلُّهُ إِسْلَامٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: "وَرَاءَ " فِي الْقُرْآنِ " أَمَامَ " كُلُّهُ غَيْرَ حَرْفَيْنِ {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} يَعْنِي سِوَى ذَلِكَ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ، يَعْنِي سِوَى ذَلِكُمْ. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: مَا كَانَ " كِسْفًا " فَهُوَ عَذَابٌ وَمَا كَانَ " كِسَفًا " فَهُوَ قِطَعُ السَّحَابِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَا صَنَعَ اللَّهُ فَهُوَ " السُّدّ " مَا صَنَعَ النَّاسُ فَهُوَ " السَّدّ ". وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي رَوْقٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " جَعَلَ " فَهُوَ خَلَقَ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: "الْمُبَاشَرَةُ " فِي كُلِّ كِتَابِ اللَّهِ الْجِمَاعُ.

وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " فَاسِقٌ " فَهُوَ كَاذِبٌ إِلَّا قَلِيلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " حَنِيفًا مُسْلِمًا "وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ " حُجَّاجًا. وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "الْعَفْوُ " فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ: نَحْوُ تَجَاوُزٍ عَنِ الذَّنْبِ، وَنَحْوٌ فِي الْقَصْدِ فِي النَّفَقَةِ: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} وَنَحْوٌ فِي الْإِحْسَانِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَا سَمَّى اللَّهُ الْمَطَرَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْغَيْثَ. قُلْتُ: اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ} ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَيْثُ قَطْعًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِذَا كَانَ فِي الْعَذَابِ فَهُوَ " أَمْطَرَتْ " وَإِذَا كَانَ فِي الرَّحْمَةِ فَهُوَ " مَطَرَتْ ". فَرْعٌ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: احْفَظْ عَنِّي كُلَّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ: {وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} فَهُوَ لِلْمُشْرِكِينَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَمَا أَكْثَرَ أَنْصَارَهُمْ وَشُفَعَاءَهُمْ.

وَأَخْرَجَ: سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ طَعَامٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " قَلِيلٌ " وَ " إِلَّا قَلِيلٌ " فَهُوَ دُونَ الْعَشَرَةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ " "حافظوا على الصلوات " فَهُوَ عَلَى مَوَاقِيتِهَا. وَأَخْرَجَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ: "وَمَا يُدْرِيكَ " فلم يخبر " وَمَا أَدْرَاكَ " فَقَدْ أَخْبَرَ بِهِ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ قَالَ: كُلُّ " مَكْرٍ " فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ عَمَلٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ: "قُتل، لُعن " فَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الْكَافِرُ. وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِهِ: قِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: "وَمَا أَدْرَاكَ " فَسَّرَهُ وَكُلُّ شَيْءٍ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: "وَمَا يُدْرِيكَ " تَرَكَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} ، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} ثُمَّ فَسَّرَ الْكِتَابَ، لَا السِّجِّينُ وَلَا الْعِلِّيُّونَ. وَفِي ذَلِكَ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ. انْتَهَى وَلَمْ يَذْكُرْهَا. وَبَقِيَتْ أَشْيَاءُ تَأْتِي فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:

النوع الأربعون: في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر

النَّوْعُ الْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُفَسِّرُ وَأَعْنِي بِالْأَدَوَاتِ الْحُرُوفَ وَمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالظُّرُوفِ. اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ لِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِهَا وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ الْكَلَامُ وَالِاسْتِنْبَاطُ بِحَسَبِهَا كَمَا فِي قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} فَاسْتُعْمِلَتْ " عَلَى " فِي جَانِبِ الْحَقِّ، وَ" فِي " فِي جَانِبِ الضَّلَالِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ كَأَنَّهُ مُسْتَعْلٍ يَصْرِفُ نَظَرَهُ كَيْفَ شَاءَ وَصَاحِبَ البطل كَأَنَّهُ مُنْغَمِسٌ فِي ظَلَامٍ مُنْخَفِضٍ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} عَطَفَ عَلَى الْجُمَلِ. الْأُوَلِ بِالْفَاءِ وَالْأَخِيرَةِ بِالْوَاوِ لَمَّا انْقَطَعَ نِظَامُ التَّرَتُّبِ لِأَنَّ التَّلَطُّفَ غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالطَّعَامِ كَمَا كَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى النَّظَرِ فِيهِ وَالنَّظَرُ فِيهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى التَّوَجُّهِ فِي طَلَبِهِ وَالتَّوَجُّهُ فِي طَلَبِهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى قَطْعِ الْجِدَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ مُدَّةِ اللَّبْثِ وَتَسْلِيمِ الْعِلْمِ لَهُ تَعَالَى. وَقَوْلِهِ تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} ، الْآيَةَ عَدَلَ عَنِ اللَّامِ إِلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ إِيذَانًا إِلَى أَنَّهُمْ أَكْثَرُ اسْتِحْقَاقًا لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِمْ بِمَنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ بِاللَّامِ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ بِاسْتِعْمَالِهَا عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يُجْعَلُوا مَظِنَّةً لِوَضْعِ الصَّدَقَاتِ فِيهِمْ كَمَا يُوضَعُ الشَّيْءُ فِي وِعَائِهِ مُسْتَقِرًّا فِيهِ.

وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: إِنَّمَا قَالَ: {وَفِي الرِّقَابِ} ، وَلَمْ: يَقُلْ " وَلِلرِّقَابِ " لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} وَلَمْ يَقُلْ: {فِي صَلاتِهِمْ} . وَسَيَأْتِي ذِكْرُ كَثِيرٍ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَهَذَا سَرْدُهَا مُرَتَّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَقَدْ أَفْرَدَ هَذَا النَّوْعَ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْهَرَوِيِّ فِي الْأُزْهِيَةِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ أُمِّ قَاسِمٍ فِي الْجَنَى الدَّانِي. الْهَمْزَةُ تَأْتِي عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الِاسْتِفْهَامُ وَحَقِيقَتُهُ طَلَبُ الْإِفْهَامِ وَهِيَ أَصْلُ أَدَوَاتِهِ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَصَّتْ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: جَوَازُ حَذْفِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْخَمْسِينَ. ثَانِيهَا: أَنَّهَا تَرِدُ لِطَلَبِ التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ بِخِلَافِ هَلْ فَإِنَّهَا لِلتَّصْدِيقِ خَاصَّةً وَسَائِرُ الْأَدَوَاتِ لِلتَّصَوُّرِ خَاصَّةً. ثَالِثُهَا: أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْإِثْبَاتِ نَحْوَ: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} ، وَعَلَى النَّفْيِ نَحْوَ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} ، وَتُفِيدُ حِينَئِذٍ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّذَكُّرُ وَالتَّنْبِيهُ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ

إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} وَالْآخَرُ: التَّعَجُّبُ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} وَفِي كِلَا الْحَالَيْنِ هِيَ تَحْذِيرٌ نَحْوَ: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ} . رَابِعُهَا: تَقْدِيمُهَا عَلَى الْعَاطِفِ تَنْبِيهًا عَلَى أَصَالَتِهَا فِي التَّصْدِيرِ نَحْوَ: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً} ، {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} ، {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} ، وَسَائِرُ أَخَوَاتِهَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ نَحْوَ: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} ، {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} ، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} ، {فَهَلْ يُهْلَكُ} ، {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} ، {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ} . خَامِسُهَا: أَنَّهُ لَا يُسْتَفْهَمُ بِهَا حَتَّى يَهْجِسَ فِي النَّفْسِ إِثْبَاتُ مَا يُسْتَفْهَمُ عَنْهُ بِخِلَافِ هَلْ فَإِنَّهُ لِمَا لَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ فِيهِ نَفْيٌ وَلَا إِثْبَاتٌ حَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ عَنْ بَعْضِهِمْ. سَادِسُهَا: أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الشَّرْطِ نَحْوَ: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ، {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَتَخْرُجُ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ الْحَقِيقِيِّ فَتَأْتِي لِمَعَانٍ تُذْكَرُ فِي النوع السابع والخمسون.

فَائِدَةٌ: إِذَا دَخَلَتْ عَلَى " رَأَيْتَ " امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ أَوِ الْقَلْبِ وَصَارَ بِمَعْنَى " أخبرني " وقد تبدل " ها "، وَخَرَجَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاءَةُ قُنْبُلٍ {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ} بِالْقَصْرِ وَقَدْ تَقَعُ فِي الْقَسَمِ وَمِنْهُ مَا قرئ {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ} بِالتَّنْوِينِ {اللَّهِ} بِالْمَدِّ. الثَّانِي: مِنْ وَجْهَيِ الْهَمْزَةِ أَنْ تَكُونَ حَرْفًا يُنَادَى بِهِ الْقَرِيبُ وَجَعَلَ مِنْهُ الفراء: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} عَلَى قِرَاءَةِ تَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ صَاحِبُ هَذِهِ الصِّفَاتِ. قَالَ هِشَامٌ: وَيُبْعِدُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ نِدَاءٌ بِغَيْرِ يَاءٍ وَيُقَرِّبُهُ سَلَامَتُهُ مِنْ دَعْوَى الْمَجَازِ إِذْ لَا يَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمِنْ دَعْوَى كَثْرَةِ الْحَذْفِ إِذِ التَّقْرِيرُ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا لِلِاسْتِفْهَامِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ خَيْرٌ أَمْ هَذَا الْكَافِرُ. أَيْ الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} ، فَحُذِفَ شَيْئَانِ: مُعَادِلُ الْهَمْزَةِ وَالْخَبَرُ. أَحَدٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ: هُوَ اسْمٌ أَكْمَلُ مِنَ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ فُلَانٌ لَا يَقُومُ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ فِي الْمَعْنَى أن يقوم اثنا فَأَكْثَرُ بِخِلَافِ قَوْلِكَ: لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ. وَفِي الْأَحَدِ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْوَاحِدِ تَقُولُ: لَيْسَ فِي الدَّارِ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ وَالْإِنْسِ فَيَعُمُّ النَّاسَ وَغَيْرَهُمْ بِخِلَافِ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْآدَمِيِّينَ دُونَ غَيْرِهِمْ.

قَالَ: وَيَأْتِي الْأَحَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَبِمَعْنَى الْوَاحِدِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ وَفِي النَّفْيِ نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَيْ وَاحِدٌ، وَأَوَّلٌ: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} ، وَبِخِلَافِهِمَا فَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي النَّفْيِ تَقُولُ: مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَمِنْهُ: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} وَ {أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ} . وَوَاحِدٌ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا مُطْلَقًا وَأَحَدٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، قَالَ تَعَالَى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} بِخِلَافِ الْوَاحِدِ فَلَا يُقَالُ: كَوَاحِدٍ مِنَ النِّسَاءِ بَلْ كَوَاحِدَةٍ وَأَحَدٌ يصلح في الأفراد وَالْجَمْعِ. قُلْتُ: وَلِهَذَا وَصْفُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} بِخِلَافِ الْوَاحِدِ. وَالْأَحَدُ لَهُ جَمْعٌ مِنْ لَفْظِهِ وهو الأحد ون وَالْآحَادُ وَلَيْسَ لِلْوَاحِدِ جَمْعٌ مِنْ لَفْظِهِ فَلَا يُقَالُ وَاحِدُونَ بَلِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ. وَالْأَحَدُ مُمْتَنِعُ الدُّخُولِ فِي الضَّرْبِ وَالْعَدَدِ وَالْقِسْمَةِ وَفِي شَيْءٍ مِنَ الْحِسَابِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ بَيْنَهُمَا سَبْعَةُ فُرُوقٍ. وَفِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ لِلْبَارِزِيِّ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ: فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الْأَحَدَ يُسْتَعْمَلُ بَعْدَ النَّفْيِ وَالْوَاحِدَ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ فَكَيْفَ جَاءَ أَحَدٌ هُنَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ.

قُلْنَا: قَدِ اخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمَكَانٍ دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ أَحَدٍ فِي النَّفْيِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ هُنَا عَنِ الْغَالِبِ رِعَايَةً لِلْفَوَاصِلِ انْتَهَى. وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: أَحَدٌ يُسْتَعْمَلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي النَّفْيِ فَقَطْ، وَالْآخَرُ فِي الْإِثْبَاتِ. فَالْأَوَّلُ: لِاسْتِغْرَاقِ جِنْسِ النَّاطِقِينَ، وَيَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ وَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ فَاضِلِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} . وَالثَّانِي: عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْعَدَدِ مَعَ الْعَشَرَاتِ نَحْوَ أَحَدَ عَشَرَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ. وَالثَّانِي: الْمُسْتَعْمَلُ مُضَافًا إِلَيْهِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، نَحْوَ: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} . وَالثَّالِثُ: الْمُسْتَعْمَلُ وَصْفًا مُطْلَقًا وَيَخْتَصُّ بِوَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَأَصْلُهُ وَحَدٌ إِلَّا أَنَّ وَحَدًا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى. إِذْ: ترد على أوجه: أحدهما: أَنْ تَكُونَ اسْمًا لِلزَّمَنِ الْمَاضِي وَهُوَ الْغَالِبُ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَكُونُ إِلَّا ظَرْفًا نَحْوَ: {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ،

أَوْ مُضَافًا إِلَيْهَا الظَّرْفُ نَحْوَ: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ، {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ} ، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} . وَقَالَ غَيْرُهُمْ: تَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ، نَحْوَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً} وَكَذَا الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَائِلِ الْقَصَصِ كُلُّهَا مَفْعُولٌ بِهِ بِتَقْدِيرِ: {اذْكُرْ} . وَبَدَلًا مِنْهُ، نَحْوَ: {وَاذْكُرْ فِي الكتاب مريم إذ انتبذت} فَإِذْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَرْيَمَ عَلَى حَدِّ الْبَدَلِ فِي: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ، {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} أَيْ اذْكُرُوا النِّعْمَةَ الَّتِي هِيَ الْجَعْلُ الْمَذْكُورُ، فَهِيَ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ وَالْجُمْهُورُ يَجْعَلُونَهَا فِي الْأَوَّلِ ظَرْفًا لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا. وَفِي الثَّانِي ظَرْفًا لِمُضَافٍ إِلَى الْمَفْعُولِ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَاذْكُرْ قِصَّةَ مَرْيَمَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِهِ في: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} . وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ مُبْتَدَأً وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ بَعْضِهِمْ: "لِمَنْ مَنِّ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " قَالَ: التَّقْدِيرُ: "مَنُّهُ إِذْ بَعَثَ " فَإِذْ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ كَإِذَا فِي قَوْلِكَ أَخْطُبُ مَا يَكُونُ الْأَمِيرُ إِذَا كَانَ قَائِمًا أَيْ لِمَنْ مَنِّ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَقْتَ بَعْثِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا نَعْلَمُ بِذَلِكَ قَائِلًا. وَذَكَرَ كَثِيرٌ أَنَّهَا تَخْرُجُ عَنِ الْمُضِيِّ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ، نَحْوَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، وَالْجُمْهُورُ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَجَعَلُوا الْآيَةَ مِنْ بَابِ {وَنُفِخَ

فِي الصُّورِ} ، أَعْنِي مِنْ تَنْزِيلِ الْمُسْتَقْبَلِ الْوَاجِبِ الْوُقُوعِ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي الْوَاقِعِ. وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ مِنْهُمُ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} فَإِنَّ " يَعْلَمُونَ " مُسْتَقْبَلٌ لَفْظًا وَمَعْنًى لِدُخُولِ حَرْفِ التَّنْفِيسِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَمِلَ فِي " إِذْ " فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ " إِذَا ". وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تَأْتِي فِي الْحَالِ نَحْوَ: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أَيْ حِينَ تُفِيضُونَ فِيهِ. فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " بِكَسْرِ الْأَلِفِ فَلَمْ يَكُنْ وَمَا كَانَ " إِذْ " فَقَدْ كَانَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، نَحْوَ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} أي ولن ينفعكم اليوم إشراككم فِي الْعَذَابِ لِأَجْلِ ظُلْمِكُمْ فِي الدُّنْيَا. وَهَلْ هِيَ حَرْفٌ بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْعِلَّةِ أَوْ ظَرْفٌ بِمَعْنَى وَقْتٍ وَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ لَا مِنَ اللَّفْظِ قَوْلَانِ؟، الْمَنْسُوبُ إِلَى سِيبَوَيْهِ الْأَوَّلُ وَعَلَى الثَّانِي فِي الْآيَةِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ " إِذْ " لَا تُبْدَلُ مِنَ الْيَوْمِ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانَيْنِ وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِـ" يَنْفَعَ " لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي ظَرْفَيْنِ وَلَا لِـ" مُشْتَرِكُونَ " لِأَنَّ مَعْمُولَ خَبَرِ " إِنَّ " وَأَخَوَاتِهَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ مَعْمُولَ الصِّلَةِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُولِ وَلِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي زَمَنِ ظُلْمِهِمْ. وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى التَّعْلِيلِ: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} ، {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} . وَأَنْكَرَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْقِسْمِ وَقَالُوا: التَّقْدِيرُ: "بعد إذا ظَلَمْتُمْ ".

وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: رَاجَعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مِرَارًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ} الْآيَةَ، مُسْتَشْكِلًا إِبْدَالَ إِذْ مِنَ الْيَوْمِ وَآخِرُ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ مُتَّصِلَتَانِ وَأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ اللَّهِ سَوَاءٌ فَكَأَنَّ الْيَوْمَ مَاضٍ انْتَهَى. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: التَّوْكِيدُ بِأَنْ تُحْمَلَ عَلَى الزِّيَادَةِ. قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَحَمَلَا عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْهَا: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} . الرَّابِعُ: التَّحْقِيقُ كَقَدْ وَحُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. وَجَعَلَ مِنْهُ السُّهَيْلِيُّ قَوْلَهُ: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ الْقَوْلَانِ بِشَيْءٍ. مَسْأَلَةٌ تَلْزَمُ إِذْ الْإِضَافَةَ إِلَى جُمْلَةٍ، إِمَّا اسْمِيَّةٍ، نَحْوَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ، أَوْ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُهَا مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} ، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} أَوْ مَعْنًى لَا لَفْظًا نَحْوَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} . وَقَدْ تُحْذَفُ الْجُمْلَةُ لِلْعِلْمِ بِهَا، وَيُعَوَّضُ عَنْهَا التَّنْوِينُ وَتُكْسَرُ الذَّالُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، نَحْوَ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} ، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} . وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّ " إِذْ " فِي ذَلِكَ مُعْرَبَةٌ لِزَوَالِ افْتِقَارِهَا إِلَى الْجُمْلَةِ،

وَأَنَّ الْكَسْرَةَ إِعْرَابٌ لِأَنَّ الْيَوْمَ وَالْحِينَ مُضَافَانِ إِلَيْهَا وَرُدَّ بِأَنَّ بِنَاءَهَا لِوَضْعِهَا عَلَى حَرْفَيْنِ وَبِأَنَّ الِافْتِقَارَ بَاقٍ فِي الْمَعْنَى كَالْمَوْصُولِ تُحْذَفُ صِلَتُهُ. إِذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ لِلْمُفَاجَأَةِ فَتَخْتَصُّ بِالْجُمَلِ الِاسْمِيَّةِ وَلَا تَحْتَاجُ لِجَوَابٍ وَلَا تَقَعُ فِي الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهَا الْحَالُ لَا الِاسْتِقْبَالُ، نَحْوَ: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} ، {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ} ، {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} . قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ حُضُورُ الشَّيْءِ مَعَكَ فِي وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِكَ الْفِعْلِيَّةِ تَقُولُ: خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ بِالْبَابِ فَمَعْنَاهُ حُضُورُ الْأَسَدِ مَعَكَ فِي زَمَنِ وَصْفِكَ بِالْخُرُوجِ أَوْ فِي مَكَانِ خُرُوجِكَ وَحُضُورُهُ مَعَكَ فِي مَكَانِ خُرُوجِكَ أَلْصَقُ بِكَ مِنْ حُضُورِهِ فِي خُرُوجِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ يَخُصُّكَ دُونَ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكُلَّمَا كَانَ أَلْصَقَ كَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ فِيهِ أَقْوَى. وَاخْتُلِفَ فِي " إِذَا " هَذِهِ فَقِيلَ: إِنَّهَا حَرْفٌ وَعَلَيْهِ الْأَخْفَشُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ. وَقِيلَ: ظَرْفُ مَكَانٍ وَعَلَيْهِ الْمُبَرِّدُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ. وَقِيلَ: ظَرْفُ زَمَانٍ وَعَلَيْهِ الزَّجَّاجُ وَرَجَّحَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَزَعَمَ أَنَّ عَامِلَهَا فِعْلٌ مُقَدَّرٌ مُشْتَقٌّ مِنْ لَفْظِ الْمُفَاجَأَةِ قَالَ: التَّقْدِيرُ: ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ فَاجَأْتُمُ الْخُرُوجَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ نَاصِبُهَا عِنْدَهُمُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ أَوِ الْمُقَدَّرُ قَالَ: وَلَمْ يَقَعِ الخبر معها في التنزير إِلَّا مُصَرَّحًا بِهِ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ الْمُفَاجَأَةِ فَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ وَتَخْتَصُّ بِالدُّخُولِ عَلَى الْجُمَلِ الْفِعْلِيَّةِ وَتَحْتَاجُ لِجَوَابٍ وَتَقَعُ فِي الِابْتِدَاءِ عَكْسَ الْفُجَائِيَّةِ. وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا إِمَّا ظَاهِرٌ نَحْوَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} أَوْ مُقَدَّرٌ نَحْوَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} . وَجَوَابُهَا إِمَّا فِعْلٌ نَحْوَ: {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ} أَوْ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مَقْرُونَةٌ بِالْفَاءِ نَحْوَ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} ، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ} أَوْ فِعْلِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ كَذَلِكَ نَحْوَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أَوِ اسْمِيَّةٌ مَقْرُونَةٌ بِإِذَا الْفُجَائِيَّةِ نَحْوَ: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ، {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} . وَقَدْ يَكُونُ مُقَدَّرًا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ أَوْ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ وَسَيَأْتِي فِي أَنْوَاعِ الْحَذْفِ. وَقَدْ تَخْرُجُ إِذَا عَنِ الظَّرْفِيَّةِ قَالَ الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} : إِنَّ إِذَا جُرَّ بِحَتَّى. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} الْآيَةَ فِيمَنْ نَصَبَ: {خَافِضَةً رَافِعَةً} : إِنَّ إِذَا الْأُولَى مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِيَةَ خَبَرٌ وَالْمَنْصُوبَانِ حَالَانِ وَكَذَا جُمْلَةُ لَيْسَ وَمَعْمُولَاهَا. وَالْمَعْنَى: وَقْتُ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ خَافِضَةً لِقَوْمٍ رَافِعَةً لِآخَرِينَ هُوَ وَقْتُ رَجِّ الْأَرْضِ. وَالْجُمْهُورُ

أَنْكَرُوا خُرُوجَهَا عَنِ الظَّرْفِيَّةِ وَقَالُوا فِي الْآيَةِ الْأُولَى: إِنَّ " حَتَّى " حَرْفُ ابْتِدَاءٍ دَاخِلٌ عَلَى الْجُمْلَةِ بِأَسْرِهَا وَلَا عَمَلَ لَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ إِنَّ إِذَا الثَّانِيَةَ: بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى وَالْأُولَى ظَرْفٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَحَسَّنَهُ طُولُ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ بَعْدَ إِذَا الثَّانِيَةِ أَيْ انْقَسَمْتُمْ أَقْسَامًا وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً. وَقَدْ تَخْرُجُ عَنِ الِاسْتِقْبَالِ فَتُرَدُّ لِلْحَالِ، نَحْوَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فَإِنَّ الْغَشَيَانَ مُقَارِنٌ لِلَّيْلِ {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} . وَلِلْمَاضِي نَحْوَ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً} الْآيَةَ، فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالِانْفِضَاضِ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} ، {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} ، {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} . وَقَدْ تَخْرُجُ عَنِ الشَّرْطِيَّةِ نَحْوَ: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} ، {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} فَإِذَا فِي الْآيَتَيْنِ ظَرْفٌ لِخَبَرِ الْمُبْتَدَإِ بَعْدَهَا وَلَوْ كَانَتْ شَرْطِيَّةً وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ جَوَابٌ لَاقْتَرَنَتْ بِالْفَاءِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهَا لَا تُحْذَفُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَقَوْلٌ آخَرُ: إِنَّ الضَّمِيرَ تَوْكِيدٌ لَا مُبْتَدَأٌ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ الْجَوَابُ تَعَسُّفٌ وَقَوْلٌ آخَرُ جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْجُمْلَةِ بَعْدَهَا تَكَلُّفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ نَاصِبَ إِذَا شَرْطُهَا وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مَا فِي جَوَابِهَا مِنْ فِعْلٍ أَوْ شَبَهِهِ الثَّانِي: قَدْ تُسْتَعْمَلُ إِذَا لِلِاسْتِمْرَارِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ وَالْحَاضِرَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ لِذَلِكَ وَمِنْهُ: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} أَيْ هَذَا شَأْنُهُمْ أَبَدًا وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} . الثَّالِثُ: ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي " إِذْ مَا " وَلَمْ يَذْكُرْ " إِذَا مَا ". وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ فِي أَدَوَاتِ الشَّرْطِ. فَأَمَّا " إِذْ مَا "، فَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا حَرْفٌ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَأَمَّا " إِذَا مَا " فَوَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا} ، {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِكَوْنِهَا بَاقِيَةً عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ مُحَوَّلَةً إِلَى الْحَرْفِيَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْقَوْلَانِ فِي " إِذْ مَا " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزَمَ بِبَقَائِهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ عَنِ التَّرْكِيبِ بِخِلَافِ " إِذْ مَا ". الرَّابِعُ: تَخْتَصُّ إِذَا بِدُخُولِهَا عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَالْمَظْنُونِ وَالْكَثِيرِ الْوُقُوعِ بِخِلَافِ إِنْ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ وَالْمَوْهُومِ النَّادِرِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} فَأَتَى بِإِذَا فِي الْوُضُوءِ لِتَكَرُّرِهِ وَكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَبِإِنْ فِي الْجَنَابَةِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهَا

بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَدَثِ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا} ، {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} أَتَى فِي جَانِبِ الْحَسَنَةِ بِإِذَا لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ كَثِيرَةٌ وَمَقْطُوعٌ بِهَا وَبِإِنْ فِي جَانِبِ السَّيِّئَةِ لِأَنَّهَا نَادِرَةُ الْوُقُوعِ وَمَشْكُوكٌ فِيهَا. نَعَمْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ آيَتَانِ الْأُولَى قَوْلُهُ تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ} ، {أَفَإِنْ مَاتَ} فَأَتَى بِإِنْ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} فَأَتَى بِإِذَا فِي الطَّرَفَيْنِ. وَأَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ الْأُولَى بِأَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ مَجْهُولَ الْوَقْتِ أُجْرِيَ مَجْرَى غَيْرِ الْمَجْزُومِ. وَأَجَابَ السَّكَّاكِيُّ عَنِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّهُ قَصَدَ التَّوْبِيخَ وَالتَّقْرِيعَ فَأَتَى بِإِذَا لِيَكُونَ تَخْوِيفًا لَهُمْ وَإِخْبَارًا بِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَمَسَّهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ وَاسْتُفِيدَ التَّقْلِيلُ مِنْ لَفْظِ " الْمَسِّ " وَتَنْكِيرِ " ضُرٍّ ". وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي " مَسَّهُ " لِلْمُعْرِضِ الْمُتَكَبِّرِ لَا لِمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ وَيَكُونُ لَفْظُ " إِذَا " لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَعْرِضِ يَكُونُ ابْتِلَاؤُهُ بِالشَّرِّ مَقْطُوعًا بِهِ. وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ إِذَا يَجُوزُ دُخُولُهَا عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَالْمَشْكُوكِ،

لِأَنَّهَا ظَرْفٌ وَشَرْطٌ فَبِالنَّظَرِ إِلَى الشَّرْطِ تَدْخُلُ عَلَى الْمَشْكُوكِ وَبِالنَّظَرِ إِلَى الظَّرْفِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ كَسَائِرِ الظُّرُوفِ. الْخَامِسُ: خَالَفَتْ " إِذَا "، " إِنْ " أَيْضًا فِي إِفَادَةِ الْعُمُومِ قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: فَإِذَا قُلْتَ إِذَا قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو أَفَادَتْ أَنَّهُ كُلَّمَا قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو قَالَ هَذَا هُوَ لصحيح وَفِي أَنَّ الْمَشْرُوطَ بِهَا إِذَا كَانَ عَدَمًا يَقَعُ الْجَزَاءُ فِي الْحَالِ وَفِي إِنْ لَا يَقَعُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ مِنْ وُجُودِهِ وَفِي أَنَّ جَزَاءَهَا مُسْتَعْقِبٌ لِشَرْطِهَا عَلَى الِاتِّصَالِ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ بِخِلَافِ إِنْ وَفِي أَنَّ مَدْخُولَهَا لَا تَجْزِمُهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَخَّضُ شَرْطًا. خَاتِمَةٌ قِيلَ: قَدْ تَأْتِي إِذَا زَائِدَةً وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} أَيْ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ كَمَا قَالَ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} . إِذًا: قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَعْنَاهَا الْجَوَابُ وَالْجَزَاءُ فَقَالَ الشَّلَوْبِينُ: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: فِي الْأَكْثَرِ وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِإِنْ أَوْ لَوْ ظَاهِرَتَيْنِ أَوْ مُقَدَّرَتَيْنِ: قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَيْثُ جَاءَتْ بَعْدَهَا اللَّامُ فَقَبْلَهَا لَوْ مُقَدَّرَةٌ إِنْ لم تكن ظاهرة نحو: {إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، وَهِيَ حَرْفٌ يَنْصِبُ الْمُضَارِعَ بِشَرْطِ تَصْدِيرِهَا وَاسْتِقْبَالِهِ وَاتِّصَالِهَا أَوِ انْفِصَالِهَا بِالْقَسَمِ أَوْ بِلَا النَّافِيَةِ قَالَ النُّحَاةُ: وَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، نَحْوَ: {وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ

خِلافَكَ} ، {فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ} وَقُرِئَ شَاذًّا بِالنَّصْبِ فِيهِمَا. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَهَا شَرْطٌ وَجَزَاءٌ وَعُطِفَتْ فَإِنْ قَدَّرْتَ الْعَطْفَ عَلَى الْجَوَابِ جَزَمْتَ وَبَطَلَ عَمَلُ إِذًا لِوُقُوعِهَا حَشْوًا أَوْ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا جَازَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَكَذَا إِذَا تَقَدَّمَهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِعْلٌ مَرْفُوعٌ إِنْ عُطِفَتْ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ رُفِعَتْ أَوِ الِاسْمِيَّةِ فَالْوَجْهَانِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذًا نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَدُلَّ عَلَى إِنْشَاءِ السَّبَبِيَّةِ وَالشَّرْطِ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ الِارْتِبَاطُ مِنْ غَيْرِهَا نَحْوَ أَزُورُكَ غَدًا فَتَقُولُ إِذًا أُكْرِمَكَ وَهِيَ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَامِلَةٌ تَدْخُلُ عَلَى الْجُمَلِ الْفِعْلِيَّةِ فَتَنْصِبُ الْمُضَارِعَ الْمُسْتَقْبَلَ الْمُتَّصِلَ إِذَا صُدِّرَتْ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِجَوَابٍ ارْتَبَطَ بِمُقَدَّمٍ أَوْ مُنَبِّهَةً عَلَى مُسَبَّبٍ حَصَلَ فِي الْحَالِ وَهِيَ حِينَئِذٍ غَيْرُ عَامِلَةٍ لِأَنَّ الْمُؤَكِّدَاتِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَالْعَامِلَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ نَحْوَ إِنْ تَأْتِنِي إِذًا آتِيكَ وَاللَّهِ إِذًا لَأَفْعَلَنَّ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ لَفُهِمَ الِارْتِبَاطُ وَتَدْخُلُ هَذِهِ عَلَى الِاسْمِيَّةِ فَتَقُولُ إِذًا أَنَا أُكْرِمُكَ وَيَجُوزُ تَوَسُّطُهَا وَتَأَخُّرُهَا وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً} فَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْجَوَابِ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ الْكَافَيَجِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} : لَيْسَتْ إِذًا هَذِهِ الْكَلِمَةَ

الْمَعْهُودَةَ وَإِنَّمَا هِيَ إِذًا الشَّرْطِيَّةُ حُذِفَتْ جُمْلَتُهَا الَّتِي تُضَافُ إِلَيْهَا وَعُوِّضَ عَنْهَا بِالتَّنْوِينِ كَمَا فِي يَوْمِئِذٍ. وَكُنْتُ أَسْتَحْسِنُ هَذَا جِدًّا وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ لَا سَلَفَ لَهُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْتُ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِإِذًا الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ: وَذَكَرَ لَهُمَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعْنًى ثَالِثًا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُرَكَّبَةً مِنْ إذ الَّتِي هِيَ ظَرْفُ زَمَنٍ مَاضٍ وَمِنْ جُمْلَةٍ بَعْدَهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لَكِنْ حُذِفَتِ الْجُمْلَةُ تَخْفِيفًا وَأُبْدِلَ مِنْهَا التَّنْوِينُ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ فِي حِينَئِذٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ لِأَنَّ تِلْكَ تَخْتَصُّ بِهِ وَلِذَا عَمِلَتْ فِيهِ وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا مَا يَخْتَصُّ وَهَذِهِ لَا تَخْتَصُّ بَلْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ} ، {إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ} ، {إِذاً لَأَذَقْنَاكَ} وَعَلَى الِاسْمِ نَحْوَ: {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَذْكُرْهُ النُّحَاةُ لَكِنَّهُ قِيَاسٌ مَا قَالُوهُ فِي إِذْ. وَفِي التَّذْكِرَةِ لِأَبِي حَيَّانَ: ذَكَرَ لِي عَلَمُ الدِّينِ الْقِمَّنِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ رَزِينٍ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ إِذًا عِوَضٌ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ نَحْوِيٍّ. وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمَنْ قَالَ: أنا آتيك: إذا أكرمك بالفرع عَلَى مَعْنَى إِذَا أَتَيْتَنِي أُكْرِمُكَ فَحُذِفَتْ أَتَيْتَنِي وَعُوِّضَتِ التَّنْوِينُ مِنَ الْجُمْلَةِ فَسَقَطَتِ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَالَ: وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ اتِّفَاقُ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَنْصُوبٌ بِإِذًا لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ

بِذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتْ حَرْفًا نَاصِبًا لَهُ وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ رَفْعُ الْفِعْلِ بَعْدَهَا إِذَا أُرِيدَ بِهَا إِذَا الزَّمَانِيَّةُ مُعَوَّضًا مِنْ جُمْلَتِهَا التَّنْوِينُ كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجْزِمُ مَا بَعْدَ " مِنْ " إِذَا جَعَلَهَا شَرْطِيَّةً وَيَرْفَعُهُ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْمَوْصُولَةُ. انْتَهَى. فَهَؤُلَاءِ قَدْ حَامُوا حَوْلَ مَا حَامَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالنَّحْوِ وَمِمَّنْ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِيهِ نَعَمْ ذَهَبَ بَعْضُ النُّحَاةِ إِلَى أَنَّ أَصْلَ إِذًا النَّاصِبَةِ اسْمٌ وَالتَّقْدِيرُ فِي إِذًا أُكْرِمُكَ: إِذَا جِئْتَنِي أُكْرِمُكَ فَحُذِفَتِ الْجُمْلَةُ وَعُوِّضَ مِنْهَا التَّنْوِينُ وَأُضْمِرَتْ " أَنْ " وَذَهَبَ آخَرُونَ أَنَّهَا حَرْفٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ إِذْ وإن حَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي. التَّنْبِيهُ الثَّانِي الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ إِذًا يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ النُّونِ وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ وَجَوَّزَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْمُبَرِّدُ وَالْمَازِنِيُّ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا بِالنُّونِ كَلَنْ وَإِنْ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوُقُوفِ عَلَيْهَا كِتَابَتُهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَمَا رُسِمَتْ فِي الْمَصَاحِفِ وَعَلَى الثَّانِي بِالنُّونِ. وَأَقُولُ: الْإِجْمَاعُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَكِتَابَتُهَا بِالْأَلِفِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ مُنَوَّنٌ لَا حَرْفٌ آخِرُهُ نُونٌ خُصُوصًا أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِيهِ نَاصِبَةً لِلْمُضَارِعِ فَالصَّوَابُ إِثْبَاتُ هَذَا الْمَعْنَى لَهَا كَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ وَمَنْ سَبَقَ النَّقْلُ عَنْهُ.

أُفٍّ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ التَّضَجُّرِ وَالتَّكَرُّهِ وَقَدْ حَكَى أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلِ الْأَمْرِ أَيْ كُفَّ وَاتْرُكْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مَاضٍ أَيْ كَرِهْتُ وَتَضَجَّرْتُ. وَحَكَى غَيْرُهُ ثَالِثًا: أَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُضَارِعٍ أَيْ أَتَضَجَّرُ مِنْكُمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {أُفٍّ لَكُمْ} ، فَأَحَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْإِسْرَاءِ وَمُقْتَضَاهُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى. وَقَالَ الْعُزَيْزِيُّ فِي غَرِيبِهِ: هُنَا أَيْ بِئْسًا لَكُمْ. وَفَسَّرَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: أُفٍّ بِمَعْنَى قَذَرًا. وَقَالَ فِي الِارْتِشَافِ: أُفٍّ أَتَضَجَّرُ. وَفِي الْبَسِيطِ: مَعْنَاهُ التَّضَجُّرُ وَقِيلَ: الضَّجَرُ وَقِيلَ: تَضَجَّرْتُ ثُمَّ حَكَى فِيهَا تِسْعًا وَثَلَاثِينَ لُغَةً. قُلْتُ: قُرِئَ مِنْهَا فِي السَّبْعِ " أف " بالكسر بلا تنوين و" أف " بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِينِ وَ" أُفَّ " بِالْفَتْحِ بِلَا تَنْوِينٍ وَفِي الشَّاذِّ أُفٌّ بِالضَّمِّ مُنَوَّنًا وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ وأف بِالتَّخْفِيفِ.

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قَالَ: لَا تُقَذِّرْهُمَا. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: هُوَ الرَّدِيءُ مِنَ الْكَلَامِ. أَلْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ اسْمًا مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي وَفُرُوعِهِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ نَحْوَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} الْآيَةَ. وَقِيلَ: هِيَ حِينَئِذٍ حَرْفُ تَعْرِيفٍ وَقِيلَ: مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَعْرِيفٍ وَهِيَ نَوْعَانِ: عَهْدِيَّةٌ وَجِنْسِيَّةٌ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَالْعَهْدِيَّةُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَصْحُوبُهَا مَعْهُودًا ذِكْرِيًّا، نَحْوَ: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ، {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ} وَضَابِطُ هَذِهِ أَنْ يَسُدَّ الضَّمِيرُ مَسَدَّهَا مَعَ مَصْحُوبِهَا. أَوْ مَعْهُودًا ذِهْنِيًّا، نَحْوَ: {إِِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} ، {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} أَوْ مَعْهُودًا حُضُورِيًّا نَحْوَ: {الْيَوْمَ

أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: وَكَذَا كُلُّ وَاقِعَةٍ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ أَيْ فِي النِّدَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ أَوْ فِي اسْمِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ نَحْوَ الْآنَ. وَالْجِنْسِيَّةُ: إِمَّا لِاسْتِغْرَاقِ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الَّتِي تَخْلُفُهَا " كُلُّ " حَقِيقَةً نَحْوَ: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} ، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} وَمِنْ دَلَائِلِهَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَدْخُولِهَا نَحْوَ: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} وَوَصْفُهُ بِالْجَمْعِ نَحْوَ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} . وَإِمَّا لِاسْتِغْرَاقِ خَصَائِصِ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الَّتِي تَخْلُفُهَا " كُلُّ " مَجَازًا نَحْوَ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أَيِ الْكِتَابُ الْكَامِلُ فِي الْهِدَايَةِ الْجَامِعُ لِصِفَاتِ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَخَصَائِصِهَا وَإِمَّا لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْجِنْسِ وَهِيَ الَّتِي لَا تَخْلُفُهَا " كُلُّ " لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا نَحْوَ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} . قيل: والفرق بين المعرف بأل وَبَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ النَّكِرَةِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ حُضُورِهَا فِي الذِّهْنِ وَاسْمُ الْجِنْسِ النَّكِرَةُ يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْحَقِيقَةِ لَا بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَهِيَ نَوْعَانِ لَازِمَةٌ كَالَّتِي فِي الْمَوْصُولَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ تَعْرِيفَهَا بِالصِّلَةِ وَكَالَّتِي فِي الْأَعْلَامِ الْمُقَارِنَةِ لِنَقْلِهَا كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى أَوْ لِغَلَبَتِهَا كَالْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ وَالْمَدِينَةِ لِطِيبَةَ وَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا

وَهَذِهِ فِي الْأَصْلِ لِلْعَهْدِ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} ، قَالَ: الثُّرَيَّا. وَغَيْرُ لَازِمَةٍ كَالْوَاقِعَةِ فِي الْحَالِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {لَيَخْرُجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} ، بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ ذَلِيلًا لِأَنَّ الْحَالَ وَاجِبَةُ التَّنْكِيرِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ فَصِيحٍ فَالْأَحْسَنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ خُرُوجَ الْأَذَلِّ كَمَا قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. مَسْأَلَةٌ اخْتُلِفَ فِي أَلْ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هِيَ عوض من الهمزة لمحذوفة بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ " إِلَهٌ " دَخَلَتْ أَلْ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى اللَّامِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَطْعُ هَمْزِهَا وَلُزُومُهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَزِيدَةٌ لِلتَّعْرِيفِ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا وَأَصْلُ " إله " " أولاه " وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ لَا لِلتَّعْرِيفِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ هَاءُ الْكِتَابَةِ زِيدَتْ فِيهِ لَامُ الْمِلْكِ فَصَارَ " لَه " ثُمَّ زِيدَتْ " أَلْ " تَعْظِيمًا وَفَخَّمُوهُ تَوْكِيدًا. وَقَالَ الْخَلِيلُ وَخَلَائِقُ: هِيَ مِنْ بِنْيَةِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ اسْمٌ عَلَمٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ وَلَا أَصْلَ. خَاتِمَةٌ أَجَازَ الْكُوفِيُّونَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ نِيَابَةَ " أَلْ " عَنِ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}

وَالْمَانِعُونَ يُقَدِّرُونَ لَهُ، وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ نِيَابَتَهَا عَنِ الظَّاهِرِ أَيْضًا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَسْمَاءُ الْمُسَمَّيَاتِ. أَلَا بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ، وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لِلتَّنْبِيهِ، فَتَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ مَا بَعْدَهَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلِذَلِكَ قَلَّ وُقُوعُ الْجُمَلِ بَعْدَهَا إِلَّا مُصَدَّرَةً بِنَحْوِ مَا يُتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ وَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} ، {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَقُولُ الْمُعْرِبُونَ فِيهَا: حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ فَيُبَيِّنُونَ مَكَانَهَا ويمهلون مَعْنَاهَا وَإِفَادَتُهَا التَّحْقِيقَ مِنْ جِهَةِ تَرْكِيبِهَا مِنَ الْهَمْزَةِ وَلَا وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّفْيِ أَفَادَتِ التَّحْقِيقَ: نَحْوَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} . الثَّانِي وَالثَّالِثُ: التَّحْضِيضُ وَالْعَرْضُ وَمَعْنَاهُمَا طَلَبُ الشَّيْءِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ طَلَبٌ بِحَثٍّ وَالثَّانِي طَلَبٌ بِلِينٍ وتختض فِيهِمَا بِالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} ، {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} ، {أَلا تَأْكُلُونَ} ، {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} .

أَلَّا بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ حَرْفُ تَحْضِيضٍ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ لِهَذَا الْمَعْنَى فِيمَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} فَلَيْسَتْ هَذِهِ بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ أَنَّ النَّاصِبَةُ وَلَا النَّافِيَةُ أَوْ أَنْ الْمُفَسِّرَةُ وَلَا النَّاهِيَةُ. إِلَّا بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا نَحْوَ: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً} ، {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} أَوْ مُنْقَطِعًا نَحْوَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ، {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} . الثَّانِي: بِمَعْنَى غَيْرَ فَيُوصَفُ بِهَا وَبِتَالِيهَا جَمْعٌ مُنَكَّرٌ أَوْ شِبْهُهُ وَيُعْرَبُ الِاسْمُ الْوَاقِعُ بَعْدَهَا بِإِعْرَابِ غَيْرَ نَحْوَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ لِلِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ " آلِهَةً " جَمْعٌ مُنَكَّرٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَصُحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ لَيْسَ فِيهِمُ اللَّهُ لَفَسَدَتَا " وَهُوَ بَاطِلٌ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ فِي التَّشْرِيكِ ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ، {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ} ، أَيْ وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَلَا مَنْ ظَلَمَ وَتَأَوَّلَهُمَا الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ. الرَّابِعُ: بِمَعْنَى " بَلْ "، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً} أَيْ بَلْ تَذْكِرَةً. الْخَامِسُ: بِمَعْنَى بَدَلَ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّائِغِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} أَيْ بَدَلَ اللَّهِ أَوْ عِوَضَهُ وَبِهِ يُخْرَجُ عَنِ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي الْوَصْفِ بِإِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ. وَغَلِطَ ابْنُ مَالِكٍ فَعَدَّ مِنْ أَقْسَامِهَا نَحْوَ: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} وَلَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ: إِنْ الشَّرْطِيَّةُ ولا النَّافِيَةُ. فَائِدَةٌ قَالَ الرُّمَّانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: مَعْنَى إِلَّا اللَّازِمُ لَهَا الِاخْتِصَاصُ بِالشَّيْءِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا قُلْتَ: جَاءَنِي الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا فَقَدِ اخْتَصَصْتَ زَيْدًا بِأَنَّهُ لَمْ يجيء وَإِذَا قُلْتَ: مَا جَاءَنِي إِلَّا زَيْدٌ فَقَدِ اخْتَصَصْتَهُ بِالْمَجِيءِ وَإِذَا قُلْتَ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إِلَّا رَاكِبًا فَقَدِ اخْتَصَصْتَهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غيرها من المشيء وَالْعَدْوِ وَنَحْوِهِ.

الْآنَ اسْمٌ لِلزَّمَنِ الْحَاضِرِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَحَلٌّ لِلزَّمَانَيْنِ أَيْ ظَرْفٌ لِلْمَاضِي وَظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ يُتَجَوَّزُ بِهَا عَمَّا قَرُبَ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: لِوَقْتٍ حَضَرَ جَمِيعُهُ كَوَقْتِ فِعْلِ الْإِنْشَاءِ حَالَ النُّطْقِ بِهِ أَوْ بَعْضِهِ نَحْوَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} ، {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} قَالَ: وَظَرْفِيَّتُهُ غَالِبَةٌ لَا لَازِمَةٌ. وَاخْتُلِفَ فِي " أَلْ " الَّتِي فِيهِ فَقِيلَ: لِلتَّعْرِيفِ الْحُضُورِيِّ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ. إِلَى حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا انْتِهَاءُ الْغَايَةِ زَمَانًا، نَحْوَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، أَوْ مَكَانًا، نَحْوَ: {إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} . أَوْ غَيْرَهُمَا، نَحْوَ: {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} أَيْ مُنْتَهٍ إِلَيْكِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْأَكْثَرُونَ غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى. وَزَادَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْكُوفِيِّينَ مَعَانِيَ أُخَرَ مِنْهَا الْمَعِيَّةُ وَذَلِكَ إِذَا ضَمَمْتَ شَيْئًا إِلَى آخَرَ فِي الْحُكْمِ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ أَوِ التَّعَلُّقِ نَحْوَ: {مَنْ

أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ، {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، قَالَ الرَّضِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا لِلِانْتِهَاءِ أَيْ مُضَافَةٌ إِلَى الْمَرَافِقِ وَإِلَى أَمْوَالِكُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا وَرَدَ من ذلك مؤول عَلَى تَضْمِينِ الْعَامِلِ وَإِبْقَاءِ إِلَى عَلَى أَصْلِهَا وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى: مَنْ يُضِيفُ نُصْرَتَهُ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ أَوْ مَنْ يَنْصُرُنِي حَالَ كَوْنِي ذَاهِبًا إِلَى اللَّهِ. وَمِنْهَا الظَّرْفِيَّةُ كَفِي نَحْوَ: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أَيْ فِيهِ، {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ، أَيْ فِي أَنْ. وَمِنْهَا مُرَادَفَةُ اللَّامِ، وَجُعِلَ مِنْهُ: {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} أَيْ لَكِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنَ الِانْتِهَاءِ. وَمِنْهَا التَّبْيِينُ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وهي المبينة لفاعلية مجر ورها بَعْدَمَا يُفِيدُ حُبًّا أَوْ بُغْضًا مِنْ فِعْلِ تَعَجُّبٍ أَوِ اسْمِ تفضيل نحو: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} . وَمِنْهَا التَّوْكِيدُ، وَهِيَ الزَّائِدَةُ، نَحْوَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ تَهْوَاهُمْ قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَلَى تَضْمِينِ " تَهْوَى " مَعْنَى " تَمِيلُ ".

تَنْبِيهٌ حَكَى ابْنُ عُصْفُورٍ فِي شَرْحِ أَبْيَاتِ الْإِيضَاحِ عَنِ ابْنِ الأنبا ري: أَنَّ إِلَى تُسْتَعْمَلُ اسْمًا فَيُقَالُ: انْصَرَفْتُ مِنْ إِلَيْكَ كَمَا يُقَالُ: غَدَوْتُ مِنْ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} وَبِهِ يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ أَبِي حَيَّانَ فِيهِ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَشْهُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتَعَدَّى إِلَى ضَمِيرٍ يَتَّصِلُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْحَرْفِ وَقَدْ رُفِعَ الْمُتَّصِلُ وَهُمَا لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ بَابِ ظَنَّ. اللَّهُمَّ الْمَشْهُورُ أَنَّ مَعْنَاهُ: يَا اللَّهُ حُذِفَتْ يَاءُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ فِي آخِرِهِ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ فَرُكِّبَ تَرْكِيبَ حَيَّهَلَا. وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: الْمِيمُ فِيهَا تَجْمَعُ سَبْعِينَ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ. وَقَالَ ابْنُ ظَفَرٍ: قِيلَ إِنَّهَا الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ وَالْمِيمَ دَالَّةٌ عَلَى الصِّفَاتِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: اللَّهُمَّ تَجْمَعُ الدُّعَاءَ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ فَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ.

أَمْ حَرْفُ عَطْفٍ وَهِيَ نَوْعَانِ: مُتَّصِلَةٌ وَهِيَ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا هَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ نَحْوَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} ، {وَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} ، {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} . وَالثَّانِي: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا هَمْزَةٌ يُطْلَبُ بِهَا وَبِأَمِ التَّعْيِينُ نَحْوَ: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} . وَسُمِّيَتْ فِي الْقِسْمَيْنِ مُتَّصِلَةً لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا لَا يُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ. وَتُسَمَّى أَيْضًا مُعَادِلَةً لِمُعَادَلَتِهَا لِلْهَمْزَةِ فِي إِفَادَةِ التَّسْوِيَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي. وَيَفْتَرِقُ الْقِسْمَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا وَثَانِيهَا: أَنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ لَا تَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعَهَا لَيْسَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهَا قَابِلٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَلَيْسَتْ تِلْكَ كَذَلِكَ الِاسْتِفْهَامَ مِنْهَا عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ لَا تَقَعُ إِلَّا بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ وَلَا تَكُونُ الْجُمْلَتَانِ مَعَهَا إِلَّا فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدَيْنِ وَتَكُونُ الْجُمْلَتَانِ فِعْلِيَّتَيْنِ وَاسْمِيَّتَيْنِ وَمُخْتَلِفَتَيْنِ نَحْوَ: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ، وَأَمِ الْأُخْرَى تَقَعُ

بَيْنَ الْمُفْرَدَيْنِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهَا نَحْوَ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ} وَبَيْنَ جُمْلَتَيْنِ لَيْسَا فِي تَأْوِيلِهِمَا. النَّوْعُ الثَّانِي: مُنْقَطِعَةٌ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَسْبُوقَةٌ بِالْخَبَرِ الْمَحْضِ، نَحْوَ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} . وَمَسْبُوقَةٌ بِالْهَمْزَةِ لِغَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ، نَحْوَ: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} ، إِذِ الْهَمْزَةُ فِي ذَلِكَ لِلْإِنْكَارِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ وَالْمُتَّصِلَةُ لَا تَقَعُ بَعْدَهُ. وَمَسْبُوقَةٌ بِاسْتِفْهَامٍ بِغَيْرِ الْهَمْزَةِ، نَحْوَ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} . وَمَعْنَى أَمِ الْمُنْقَطِعَةِ الَّذِي لَا يُفَارِقُهَا الْإِضْرَابُ ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ لَهُ مُجَرَّدًا وَتَارَةً تَضَمَّنُ مَعَ ذَلِكَ اسْتِفْهَامًا إِنْكَارِيًّا. فَمِنَ الْأَوَّلِ: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى اسْتِفْهَامٍ. وَمِنَ الثَّانِي: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ، تَقْدِيرُهُ: بَلْ أَلَهُ الْبَنَاتُ إِذْ لَوْ قَدَّرْتَ الْإِضْرَابَ الْمَحْضَ لَزِمَ الْمُحَالُ.

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: قَدْ تَرِدُ أَمْ مُحْتَمِلَةً لِلِاتِّصَالِ وَلِلِانْقِطَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} . قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ فِي أَمْ أَنْ تَكُونَ مُعَادِلَةً بِمَعْنَى أَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَائِنٌ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُنْقَطِعَةً. الثَّانِي: ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ أَنَّ أَمْ تَقَعُ زَائِدَةً وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ} ، قَالَ: التَّقْدِيرُ: أَفَلَا يُبْصِرُونَ أَنَا خَيْرٌ. أَمَّا بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، حَرْفُ شَرْطٍ وَتَفْصِيلٍ وَتَوْكِيدٍ. أَمَّا كَوْنُهَا حَرْفَ شَرْطٍ، فَبِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ بَعْدَهَا، نَحْوَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ} وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ فَحُذِفَ الْقَوْلُ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِالْمَقُولِ فَتَبِعَتْهُ الْفَاءُ فِي الْحَذْفِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} . وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَهُوَ غَالِبُ أَحْوَالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَقَوْلِهِ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} ، {وَأَمَّا الْغُلامُ} ، {وَأَمَّا الْجِدَارُ} . د يُتْرَكُ تَكْرَارُهَا اسْتِغْنَاءً بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ وَسَيَأْتِي فِي أَنْوَاعِ الحذف.

أما التَّوْكِيدُ فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَائِدَةُ: أَمَّا فِي الْكَلَامِ أَنْ تُعْطِيَهُ فَضْلَ تَوْكِيدٍ، تَقُولُ: زَيْدٌ ذَاهِبٌ فَإِذَا قَصَدْتَ تَوْكِيدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا مَحَالَةَ ذَاهِبٌ وَأَنَّهُ بِصَدَدِ الذَّهَابِ وَأَنَّهُ مِنْهُ عَزِيمَةٌ قُلْتُ: أَمَّا زَيْدٌ فَذَاهِبٌ وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَزَيْدٌ ذاهب. يفصل بَيْنَ أَمَّا وَالْفَاءِ إِمَّا بِمُبْتَدَإٍ كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوْ خَبَرٍ نَحْوَ أَمَّا فِي الدَّارِ فَزَيْدٌ أَوْ جُمْلَةِ شَرْطٍ نَحْوَ: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ} الْآيَاتِ أَوِ اسْمٍ مَنْصُوبٍ بِالْجَوَابِ نَحْوَ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} أَوِ اسْمِ مَعْمُولٍ لِمَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ، نَحْوَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ بِالنَّصْبِ. تَنْبِيهٌ لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ أَمَّا الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ أَمِ الْمُنْقَطِعَةُ وَمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ. إِمَّا بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، تَرِدُ لِمَعَانٍ: الْإِبْهَامُ نَحْوَ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} . وَالتَّخْيِيرُ نَحْوَ: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} ، {إِمَّا أَنْ

تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} ، {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} . وَالتَّفْصِيلُ، نَحْوَ: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} . تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: لَا خِلَافَ أَنَّ إِمَّا الْأُولَى فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَنَحْوِهَا غَيْرُ عَاطِفَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي الثَّانِيَةِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ مَالِكٍ لِمُلَازَمَتِهَا غَالِبًا الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ. وَادَّعَى ابْنُ عُصْفُورٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا فِي بَابِ الْعَطْفِ لِمُصَاحَبَتِهَا لِحَرْفِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا عَطَفَتِ الِاسْمَ عَلَى الِاسْمِ وَالْوَاوُ عَطَفَتْ إِمَّا عَلَى إِمَّا وَهُوَ غَرِيبٌ. الثَّانِي: سَيَأْتِي أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ لأو وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ إِمَّا أَنَّ إِمَّا يُبْنَى الْكَلَامُ مَعَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى مَا جِيءَ بِهَا لِأَجْلِهِ وَلِذَلِكَ وَجَبَ تَكْرَارُهَا وأو يُفْتَتَحُ الْكَلَامُ مَعَهَا عَلَى الْجَزْمِ ثُمَّ يَطْرَأُ الْإِبْهَامُ أَوْ غَيْرُهُ وَلِهَذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ. الثَّالِثُ: لَيْسَ من أقسام أما التي في قَوْلِهِ: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} بَلْ هِيَ كَلِمَتَانِ إِنَّ الشَّرْطِيَّةُ وَمَا الزَّائِدَةُ. إِنْ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ، عَلَى أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً، نَحْوَ: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ، {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ} وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى " لَمْ " فَالْجَزْمُ بِلَمْ

لا بها لنحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أَوْ عَلَى لَا فَالْجَزْمُ بِهَا لَا بِلَا نَحْوَ: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي} ، {إِلاّ تَنْصُرُوهُ} وَالْفَرْقُ أَنَّ لَمْ عَامِلٌ يَلْزَمُ مَعْمُولَهُ وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ وإن يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَعْمُولِهَا بمعموله ولا لَا تَعْمَلُ الْجَزْمَ إِذَا كَانَتْ نَافِيَةً فَأُضِيفَ الْعَمَلُ إِلَى إِنْ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ نَحْوَ: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} ، {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} ، {إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى} ، {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً} . قِيلَ: وَلَا تَقَعُ إِلَّا وَبَعْدَهَا إِلَّا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لَمَّا الْمُشَدَّدَةُ نَحْوَ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ وَرُدَّ بِقَوْلِهِ: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} ، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} . وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى النَّافِيَةِ قَوْلُهُ: {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} ، {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} وَعَلَى هَذَا فَالْوَقْفُ هُنَا،: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} أَيْ فِي الَّذِي مَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَقِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: {مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} ، وَعَدَلَ عَنْ " مَا " لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ فَيَثْقُلَ اللَّفْظُ. قُلْتُ: وَكَوْنُهَا لِلنَّفْيِ هُوَ الْوَارِدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَوْعِ الْغَرِيبِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الشَّرْطِيَّةُ وَالنَّافِيَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ

زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} وَإِذَا دَخَلَتِ النَّافِيَةُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ لَمْ تَعْمَلْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ وَالْمُبَرِّدُ إِعْمَالَهَا عَمَلَ لَيْسَ وخرج عليه قراءة سعيد ابن جُبَيْرٍ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} . فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " فَهُوَ إِنْكَارٌ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ فَتَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ ثُمَّ الْأَكْثَرُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الِاسْمِيَّةِ إِهْمَالُهَا نَحْوَ: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} ، {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فِي قِرَاءَةِ حَفْصٍ وَابْنِ كَثِيرٍ. وَقَدْ تَعْمَلُ نَحْوَ: {وَإِنَّ كُلّاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} فِي قِرَاءَةِ الْحَرَمِيَّيْنِ، وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ فَالْأَكْثَرُ كَوْنُهُ مَاضِيًا نَاسِخًا نَحْوَ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} ، {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} ، {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} ، {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} وَحَيْثُ وَجَدْتَ إِنْ وَبَعْدَهَا اللَّامُ الْمَفْتُوحَةُ فَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ. الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} .

الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ كَإِذْ قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} ، {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا الْفِعْلُ فِيهِ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ آيَةِ الْمَشِيئَةِ بِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ لِلْعِبَادِ كَيْفَ يَتَكَلَّمُونَ إِذَا أَخْبَرُوا عَنِ المستقيل أَوْ بِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الشَّرْطُ ثُمَّ صَارَ يُذْكَرُ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى: لَتَدْخُلُنَّ جَمِيعًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَلَّا يَمُوتَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَعَنْ سَائِرِ الْآيَاتِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ جِيءَ بِهِ لِلتَّهْيِيجِ وَالْإِلْهَابِ كَمَا تَقُولُ لِابْنِكَ إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَأَطِعْنِي. السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى قَدْ ذَكَرَهُ قُطْرُبٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أَيْ قَدْ نَفَعَتْ وَلَا يَصِحُّ مَعْنَى الشَّرْطِ فِيهِ. لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّذْكِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ لِلشَّرْطِ وَمَعْنَاهُ ذَمُّهُمْ وَاسْتِبْعَادٌ لِنَفْعِ التَّذْكِيرِ فِيهِمْ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} . فَائِدَةٌ قَالَ: بَعْضُهُمْ: وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ إِنْ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَهُوَ غير مراد في ست مَوَاضِعَ:

{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} . {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} . {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ} . {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ} . {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} . {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} . أَنْ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا نَاصِبًا لِلْمُضَارِعِ وَيَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ نَحْوَ: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وَبَعْدَ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ الْيَقِينِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ نَحْوَ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ} ، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً} . وَنَصْبٍ نَحْوَ: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} ، {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} ، {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}

وخفض نحو: {وذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} . وأن هَذِهِ مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ وَتُوصَلُ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ مُضَارِعًا كَمَا مَرَّ وَمَاضِيًا نَحْوَ: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} ، {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} . وَقَدْ يُرْفَعُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا إِهْمَالًا لَهَا حَمْلًا عَلَى مَا أُخْتِهَا كَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} . الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ فَتَقَعُ بَعْدَ فِعْلِ الْيَقِينِ أَوْ مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ نَحْوَ: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} ، {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} ، {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ} فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً بِمَنْزِلَةِ أَيْ نَحْوَ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} ، {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} ، وَشَرْطُهَا أَنْ تُسْبَقَ بِجُمْلَةٍ فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ جَعَلَ مِنْهَا: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وَأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا جُمْلَةٌ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَمِنْهُ: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِانْطِلَاقِ الْمَشْيَ بَلِ انْطِلَاقَ أَلْسِنَتِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمَشْيَ الْمُتَعَارَفَ بَلِ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْمَشْيِ.

وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً} مُفَسَّرَةٌ بِأَنْ قَبْلَهُ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وَالْوَحْيُ هَنَا إِلْهَامٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ فِي الْإِلْهَامِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِاتِّخَاذِ الْجِبَالِ وَأَلَّا يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ أَحْرُفُ الْقَوْلِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِلْقَوْلِ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْأَمْرِ أَيْ مَا أَمَرْتُهُمْ إِلَّا بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ فِي الضَّابِطِ أَنْ لا تكون فيه حروف القول إلا القول مؤول بِغَيْرِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا مِنَ الْغَرَائِبِ كَوْنُهُمْ يَشْرُطُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ فَإِذَا جَاءَ لَفْظُهُ أَوَّلُوهُ بِمَا فِيهِ مَعْنَاهُ مَعَ صَرِيحِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْلِهِمْ أَلْ فِي الْآنَ زَائِدَةً مَعَ قَوْلِهِمْ بِتَضَمُّنِهَا مَعْنَاهَا وَأَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَرْفُ جَرٍّ. الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَقَعَ بَعْدَ لَمَّا التَّوْقِيتِيَّةِ نَحْوَ: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} . وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّهَا تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ وَهِيَ زَائِدَةٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} قَالَ فَهِيَ زَائِدَةٌ بِدَلِيلِ: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} . الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً كَالْمَكْسُورَةِ قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ. وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ:

{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} ، {أََنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، {صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرَجِّحُهُ عِنْدِي تَوَارُدُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ. وَقَدْ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَدُخُولُ الْفَاءِ بَعْدَهَا فِي قوله: {فَتُذَكِّرَ} . السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً قَالَ بَعْضُهُمْ. فِي قَوْلِهِ: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} أَيْ لَا يُؤْتَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَيْ بِإِيتَاءِ أَحَدٍ. السَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا} وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَقَبْلَهَا لَامُ الْعِلَّةِ مُقَدَّرَةٌ. الثَّامِنُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى لِئَلَّا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ: كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا. إِنَّ بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: التَّأْكِيدُ وَالتَّحْقِيقُ، وَهُوَ الْغَالِبُ نَحْوَ: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} : قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ: وَالتَّأْكِيدُ بِهَا أَقْوَى مِنَ التَّأْكِيدِ

بِاللَّامِ، قَالَ: وَأَكْثَرُ مَوَاقِعِهَا بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ، وَالْجَوَابُ لِسُؤَالٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُقَدَّرٍ إِذَا كَانَ لِلسَّائِلِ فِيهِ ظَنٌّ. وَالثَّانِي: التَّعْلِيلُ، أَثْبَتَهُ ابْنُ جِنِّي وَأَهْلُ الْبَيَانِ وَمَثَّلُوهُ بِنَحْوِ: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} ، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّأْكِيدِ. الثَّالِثُ: مَعْنَى نَعَمْ أَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْمُبَرِّدُ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} . أَنَّ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَأْكِيدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فَرْعُ الْمَكْسُورَةِ وَأَنَّهَا موصول حرفي تؤول مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا بِالْمَصْدَرِ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ مُشْتَقًّا بِالْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ بِهِ مِنْ لَفْظِهِ نَحْوَ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ قُدْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ جَامِدًا قُدِّرَ بِالْكَوْنِ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُهَا لِلتَّأْكِيدِ، بِأَنَّكَ لَوْ صَرَّحْتَ بِالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْهَا لَمْ يُفِدْ تَأْكِيدًا وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لِلْمَصْدَرِ الْمُنْحَلِّ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْسُورَةِ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْمَكْسُورَةِ لِلْإِسْنَادِ وهذا لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لُغَةً فِي لَعَلَّ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} فِي قِرَاءَةِ الْفَتْحِ أَيْ لَعَلَّهَا.

أَنَّى اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ، فَأَمَّا الِاسْتِفْهَامُ فَتَرِدُ فِيهِ بِمَعْنَى كَيْفَ نَحْوَ: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} وَمِنْ أَيْنَ نَحْوَ: {أَنَّى لَكِ هَذَا} أَيْ مِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا أَيْ مِنْ أَيْنَ جَاءَنَا. قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ أين ومن أَيْنَ أَنَّ أَيْنَ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الشَّيْءُ ومن أَيْنَ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي بَرَزَ مِنْهُ الشَّيْءُ وَجُعِلَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قُرِئَ شَاذًّا: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} . وَبِمَعْنَى مَتَى وَقَدْ ذُكِرَتِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ الثَّانِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَاخْتَارَهُ وَأَخْرَجَ الثَّالِثَ عَنِ الضَّحَّاكِ وَأَخْرَجَ قَوْلًا رَابِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا بِمَعْنَى " حَيْثُ شِئْتُمْ ". وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ شَرْطِيَّةٌ وَحُذِفَ جَوَابُهَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً لَاكْتَفَتْ بِمَا بَعْدَهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ أَنْ تَكْتَفِيَ بِمَا بَعْدَهَا أَيْ تَكُونَ كَلَامًا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا. أَوْ حَرْفُ عَطْفٍ تَرِدُ لِمَعَانٍ: الشَّكُّ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، نَحْوَ: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} .

وَالْإِبْهَامُ عَلَى السَّامِعِ نَحْوَ: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَالْإِبَاحَةُ بِأَلَّا يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ. وَمُثِّلَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} الآية، ومثل الأولى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، وَقَوْلِهِ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} . وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْجَمْعَ فِي الْآيَتَيْنِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. وَأَجَابَ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوعِ كُلِّ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ بَلْ يَقَعُ وَاحِدٌ مِنْهُنَّ كَفَّارَةً أَوْ فَدِيَةً وَالْبَاقِي قُرْبَةً مُسْتَقِلَّةً خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ قَوْلُهُ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الآية، عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْخِيَرَةَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ بَلْ يَفْعَلُ مِنْهَا وَاحِدًا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ. وَالتَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ نَحْوَ: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} ، {إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} ، أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ كَذَا وَبَعْضُهُمْ كَذَا. وَالْإِضْرَابُ كبل، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} ، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {أَوْكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً} بِسُكُونِ الْوَاوِ.

وَمُطْلَقُ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ نَحْوَ: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} . وَالتَّقْرِيبُ، ذَكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ وَجُعِلَ مِنْهُ: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} . وَرُدَّ بِأَنَّ التَّقْرِيبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ غَيْرِهَا. وَمَعْنَى إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَى إِلَى وَهَاتَانِ يُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهُمَا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ وَخُرِّجَ عَلَيْهَا: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} . فَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ لَا مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى تَمَسُّوهُنَّ لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَعْنَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُهُورِ النِّسَاءِ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فِي مُدَّةِ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَعَ أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الْفَرْضُ دُونَ الْمَسِيسِ لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا انْتَفَى الْمَسِيسُ دُونَ الْفَرْضِ لَزِمَ نِصْفُ الْمُسَمَّى فَكَيْفَ يَصِحُّ دَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ قَدْ ذُكِرْنَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الْآيَةَ، وَتُرِكَ ذِكْرُ الْمَمْسُوسَاتِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَفْهُومِ وَلَوْ كَانَتْ تَفْرِضُوا مَجْزُومًا لَكَانَتِ الْمَمْسُوسَاتُ وَالْمَفْرُوضُ لَهُنَّ مُسْتَوِيَاتٍ فِي الذِّكْرِ وَإِذَا قُدِّرَتْ " أَوْ " بِمَعْنَى " إِلَّا " خَرَجَتِ الْمَفْرُوضُ لَهُنَّ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمَمْسُوسَاتِ فِي الذِّكْرِ وَكَذَا إِذَا قُدِّرَتْ بِمَعْنَى " إِلَى " وَتَكُونُ غَايَةً لِنَفْيِ الْجُنَاحِ لَا لِنَفْيِ المسيس. وأجاب ابن الحاجب عَنِ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ كَوْنِ الْمَعْنَى مُدَّةَ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا بَلْ مُدَّةً لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَذَلِكَ بِنَفْيِهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ الصَّرِيحِ.

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّ ذِكْرَ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ إِنَّمَا كَانَ لِتَيَقُّنِ النِّصْفِ لَهُنَّ لَا لِبَيَانِ أَنَّ لَهُنَّ شَيْئًا فِي الْجُمْلَةِ. وَمِمَّا خُرِّجَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ أُبَيٍّ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} . تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُتَقَدِّمُونَ لأو هَذِهِ الْمَعَانِيَ بَلْ قَالُوا: هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَالْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْقَرَائِنِ. الثَّانِي: قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: "أَوْ " فِي النَّهْيِ نَقِيضَةُ " أَوْ " فِي الْإِبَاحَةِ فَيَجِبُ اجْتِنَابُ الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِهِ: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا فَلَوْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَانَ فِعْلًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: "أَوْ " فِي مِثْلِ هَذَا بِمَعْنَى الْوَاوِ تُفِيدُ الْجَمْعَ. وَقَالَ الطَّيْبِيُّ: الْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ التعميم فيما مِنَ النَّهْيِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَ النَّهْيِ: "تطيع آثِمًا أَوْ كَفُورًا "،أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِذَا جَاءَ النَّهْيُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانَ ثَابِتًا فَالْمَعْنَى: لَا تُطِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَالتَّعْمِيمُ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ وَهِيَ عَلَى بَابِهَا الثَّالِثُ: لِكَوْنِ مَبْنَاهَا عَلَى عَدَمِ التَّشْرِيكِ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَى مُفْرَدَيْهَا بِالْإِفْرَادِ بِخِلَافِ الْوَاوِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْخَصْمَانِ غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ.

فَائِدَةٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " أَوْ " فَهُوَ مُخَيَّرٌ فَإِذَا كَانَ " فَمَنْ لَمْ يَجِدْ " فَهُوَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ " أَوْ " فَلِلتَّخْيِيرِ إِلَّا قَوْلَهُ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا أَقُولُ أَوْلَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَوْلَى لَهُمْ} قَالَ فِي الصِّحَاحِ: قَوْلُهُمْ: أَوْلَى لَكَ كَلِمَةُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ قَالَ الشَّاعِرُ: فَأَوْلَى لَهُ ثُمَّ أَوْلَى لَهُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَعْنَاهُ قَارَبَهُ مَا يُهْلِكُهُ أَيْ نَزَلَ بِهِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٌّ وَمَعْنَاهُ وَلِيَكَ شَرٌّ بَعْدَ شَرٍّ وَ" لَكَ " تَبْيِينٌ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَمٌ لِلْوَعِيدِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَلِذَا لَمْ يُنَوَّنْ وَإِنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَلَكَ الْخَبَرُ وَوَزْنُهُ عَلَى هَذَا " فَعْلَى " وَالْأَلِفُ لِلْإِلْحَاقِ وَقِيلَ: "أَفْعَلْ ". وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْوَيْلُ لَكَ وَأَنَّهُ مَقْلُوبٌ مِنْهُ وَالْأَصْلُ " أَوَيْلُ "، فَأُخِّرَ حَرْفُ الْعِلَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَنْسَاءِ: هَمَمْتُ لِنَفْسِي بَعْضِ الْهُمُومِ فَأَوْلَى لِنَفْسِي أَوْلَى لَهَا

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الذَّمُّ لَكَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْتَ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِهَذَا الْعَذَابِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَوْلَى لَكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ مُقَارَبَةُ الْهَلَاكِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ وُلِّيتُ الْهَلَاكَ أَوْ قَدْ دَانَيْتُ الْهَلَاكَ أَصْلُهُ مِنَ الْوُلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَمِنْهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} أَيْ يَقْرُبُونَ مِنْكُمْ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَوْلَى لَكَ أَيْ كِدْتَ تَهْلِكُ وَكَأَنَّ تَقْدِيرَهُ: أَوْلَى لَكَ الْهَلَكَةُ. إِي بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ، حَرْفُ جَوَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ، فَتَكُونُ لِتَصْدِيقِ الْمُخْبِرِ، وَلِإِعْلَامِ الْمُسْتَخْبِرِ وَلِوَعْدِ الطَّالِبِ قَالَ النُّحَاةُ: وَلَا تَقَعُ إِلَّا قَبْلَ الْقَسَمِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِلَّا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ، نَحْوَ: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} . أَيُّ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً نَحْوَ: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الحسنى. الثَّانِي: اسْتِفْهَامِيَّةً نَحْوَ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً} وَإِنَّمَا يُسْأَلُ

بِهَا عَمَّا يُمَيِّزُ أَحَدَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي أَمْرٍ يَعُمُّهُمَا، نَحْوَ: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً} أَيْ أَنَحْنُ أَمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ!. الثَّالِثُ: مَوْصُولَةً نَحْوَ: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} . وَهِيَ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مُعْرَبَةٌ، وَتُبْنَى فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ عَلَى الضَّمِّ إِذَا حُذِفَ عَائِدُهَا وَأُضِيفَتْ كَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَعْرَبَهَا الْأَخْفَشُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ بَعْضِهِمْ بِالنَّصْبِ وَأَوَّلَ قِرَاءَةَ الضَّمِّ عَلَى الْحِكَايَةِ وَأَوَّلَهَا غَيْرُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِلْفِعْلِ وَأَوَّلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وتقدير الكلام لنزعن بَعْضَ كُلِّ شِيعَةٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ هَذَا الْبَعْضُ فَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَشَدُّ ثُمَّ حُذِفَ الْمُبْتَدَآنِ الْمُكْتَنِفَانِ لِأَيٍّ. وَزَعَمَ ابْنُ الطَّرَاوَةِ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ مَقْطُوعَةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ مَبْنِيَّةٌ وَأَنَّ " هُمْ أَشَدُّ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَرُدَّ بِرَسْمِ الضَّمِيرِ مُتَّصِلًا بِأَيِّ وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى إِعْرَابِهَا إِذَا لَمْ تُضَفْ. الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ وَصْلَةً إِلَى نِدَاءِ مَا فِيهِ أَلْ نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} . إِيَّا زَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّهَا اسْمٌ ظَاهِرٌ وَالْجُمْهُورُ ضَمِيرٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ على أقوال: أحدها: أنه كلمة ضمير هو وما اتَّصَلَ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَحْدَهُ ضَمِيرٌ وَمَا بَعْدَهُ اسْمٌ مُضَافٌ لَهُ يُفَسِّرُ مَا يُرَادُ بِهِ

مِنْ تَكَلُّمٍ وَغَيْبَةٍ وَخِطَابٍ نَحْوَ: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ، {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَحْدَهُ ضَمِيرٌ وَمَا بَعْدَهُ حُرُوفٌ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ عِمَادٌ، وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الضَّمِيرُ. وَقَدْ غَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَفِيهِ سَبْعُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهَا: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا مَعَ الْهَمْزَةِ وَإِبْدَالِهَا هَاءً مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً هَذِهِ ثَمَانِيَةٌ يَسْقُطُ مِنْهَا بِفَتْحِ الْهَاءِ مَعَ التَّشْدِيدِ أَيَّانَ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَفْهَمُ بِهِ عَنِ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ وَأَبُو حَيَّانَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَعَانِي مَجِيئَهَا لِلْمَاضِي. وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي مَوَاضِعِ التَّفْخِيمِ نَحْوَ: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ، {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} . وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ النُّحَاةِ أَنَّهَا كَمَتَى تُسْتَعْمَلُ فِي التَّفْخِيمِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ بِالْأَوَّلِ مِنَ النُّحَاةِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّبَعِيُّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ فَقَالَ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الشَّيْءِ الْمُعَظَّمِ أَمْرُهُ. وَفِي الكشاف: قيل إنها مشتقى من أوى " فَعْلَانَ " مِنْهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَيَّ وَقْتٍ وَأَيَّ فِعْلٍ مِنْ آوَيْتُ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ آوٍ إِلَى الكل ومتساند وَهُوَ بَعِيدٌ

وَقِيلَ: أَصْلُهُ أَيُّ آنٍ. وَقِيلَ: أَيُّ أَوَانٍ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ مِنْ " أَوَانٍ " وَالْيَاءُ الثَّانِيَةُ مِنْ " أَيِّ " وَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتِ السَّاكِنَةُ فِيهَا وَقُرِئَ بِكَسْرِ هَمْزَتِهَا. أَيْنَ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْمَكَانِ، نَحْوَ: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} ، وَتَرِدُ شَرْطًا عَامًّا فِي الْأَمْكِنَةِ وَأَيْنَمَا أَعَمُّ مِنْهَا نَحْوَ: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ} الْبَاءُ الْمُفْرَدَةُ حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا، الْإِلْصَاقُ: وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا سِيبَوَيْهِ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبِّ: وَهُوَ تَعَلُّقُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِالْآخَرِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً نحو: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} أي ألصقوا المسح برؤوسكم {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا نَحْوَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ أَيْ بِمَكَانٍ يَقْرُبُونَ مِنْهُ. الثَّانِي: التَّعْدِيَةُ كَالْهَمْزَةِ، نَحْوَ: {ذَهَبَ اللَّهُ بنورهم} ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} أَيْ أَذْهَبَهُ كَمَا قَالَ: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} .

وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَالسُّهَيْلِيُّ أَنَّ بَيْنَ تَعْدِيَةِ الْبَاءِ وَالْهَمْزَةِ فَرْقًا وَأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ كُنْتَ مُصَاحِبًا لَهُ فِي الذَّهَابِ وَرَدَّ بِالْآيَةِ. الثَّالِثُ: الِاسْتِعَانَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ كَبَاءِ الْبَسْمَلَةِ. الرَّابِعُ: السَّبَبِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى سَبَبِ الْفِعْلِ، نَحْوَ: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} ، {ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا أَيْضًا بِالتَّعْلِيلِ. الْخَامِسُ: الْمُصَاحَبَةُ كَمَعَ، نَحْوَ: {اهْبِطْ بِسَلامٍ} ، {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} السَّادِسُ: الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، زَمَانًا وَمَكَانًا نَحْوَ: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} . السَّابِعُ: الِاسْتِعْلَاءُ كَعَلَى نَحْوَ: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أَيْ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ: {إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} . الثَّامِنُ: الْمُجَاوَزَةُ كَعَنْ نَحْوَ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} أَيْ عَنْهُ بِدَلِيلِ: {يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} ثُمَّ قِيلَ تَخْتَصُّ بِالسُّؤَالِ وَقِيلَ لَا نَحْوَ: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} أَيْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أَيْ عَنْهُ.

التَّاسِعُ: التَّبْعِيضُ كَمِنْ، نَحْوَ: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أَيْ مِنْهَا. الْعَاشِرُ: الْغَايَةُ كَإِلَى، نَحْوَ: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} أَيْ إِلَى. الْحَادِيَ عَشَرَ: الْمُقَابَلَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَعْوَاضِ نَحْوَ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وَإِنَّمَا لَمْ نُقَدِّرْهَا بَاءَ السَّبَبِيَّةِ كَمَا قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ بِعِوَضٍ قَدْ يُعْطِي مَجَّانًا وَأَمَّا الْمُسَبَّبُ فَلَا يُوجَدُ بِدُونِ السَّبَبِ. الثَّانِي عَشَرَ: التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ فَتُزَادُ فِي الْفَاعِلِ وُجُوبًا فِي نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} ، وَجَوَازًا غَالِبًا فِي نَحْوِ: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} فإن الاسم الكريم فاعل وشهيدا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَدَخَلَتْ لِتَأْكِيدِ الِاتِّصَالِ لِأَنَّ الِاسْمَ فِي قَوْلِهِ: {كَفَى بِاللَّهِ} مُتَّصِلٌ بِالْفِعْلِ اتِّصَالَ الْفَاعِلِ. قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: وَفَعَلَ ذَلِكَ إِيذَانًا بِأَنَّ الْكِفَايَةَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ كَالْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي عِظَمِ الْمَنْزِلَةِ فَضُوعِفَ لَفْظُهَا لِتَضَاعُفِ مَعْنَاهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: دَخَلَتْ لِتُضَمِّنَ " كَفَى " مَعْنَى " أَكْتَفِي ". قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ مِنَ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ. وَقِيلَ: الْفَاعِلُ مُقَدَّرٌ وَالتَّقْدِيرُ كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ فَحُذِفَ الْمَصْدَرُ وَبَقِيَ مَعْمُولُهُ دَالًّا عَلَيْهِ.

وَلَا تُزَادُ فِي فَاعِلِ " كَفَى " بِمَعْنَى وَقَى، نَحْوَ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} . وَفِي الْمَفْعُولِ نَحْوَ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} ، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} ، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} . وفي المبتدأ، نحو: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} أَيْ أَيُّكُمْ وَقِيلَ: هِيَ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ فِي أَيِّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ. وَفِي اسْمِ لَيْسَ، فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} بِنَصْبِ الْبِرِّ. وَفِي الْخَبَرِ الْمَنْفِيِّ، نَحْوَ: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ} قِيلَ: وَالْمُوجَبِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} . وَفِي التَّوْكِيدِ، وَجُعِلَ مِنْهُ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} . فَائِدَةٌ اخْتُلِفَ فِي الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} ، فَقِيلَ: لِلْإِلْصَاقِ وَقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَقِيلَ: لِلِاسْتِعَانَةِ وَإِنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَقَلْبًا فَإِنَّ " مَسَحَ " يَتَعَدَّى إِلَى الْمُزَالِ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَإِلَى الْمُزِيلِ بِالْبَاءِ فَالْأَصْلُ " امْسَحُوا رؤوسكم " بِالْمَاءِ.

بَلْ حَرْفُ إِضْرَابٍ إِذَا تَلَاهَا جُمْلَةٌ. ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ مَعْنَى الْإِضْرَابِ الْإِبْطَالَ لِمَا قَبْلَهَا، نَحْوَ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} أَيْ بَلْ هُمْ عِبَادٌ، {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} . وَتَارَةً يَكُونُ مَعْنَاهُ الِانْتِقَالَ مِنْ غَرَضٍ إِلَى آخَرَ نَحْوَ: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} ، فَمَا قَبْلَ " بَلْ " فِيهِ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} . وَذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ كفايته: أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَوَهَّمَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَسَبَقَ ابْنَ مَالِكٍ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إِبْطَالُ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُهُ لِلثَّانِي إِنْ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ بَابِ الْغَلَطِ فَلَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ. انْتَهَى. أَمَّا إِذَا تَلَاهَا مُفْرَدٌ فَهِيَ حَرْفُ عَطْفٍ وَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ كَذَلِكَ. بَلَى حَرْفٌ أَصْلِيُّ الْأَلِفِ وَقِيلَ الْأَصْلُ بَلْ وَالْأَلِفُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ هِيَ لِلتَّأْنِيثِ بِدَلِيلِ إِمَالَتِهَا.

وَلَهَا مَوْضِعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ رَدًّا لِنَفْيٍ يَقَعُ قَبْلَهَا نَحْوَ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى} أَيْ عَمِلْتُمُ السُّوءَ،: {لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى} أَيْ يَبْعَثُهُمْ، {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ثم قال: {بَلَى} أَيْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ثم قال: {بَلَى} أَيْ يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} ثم قال: {بَلَى} ، أَيْ تَمَسُّهُمْ وَيُخَلَّدُونَ فِيهَا. الثَّانِي: أَنْ تَقَعَ جَوَابًا لِاسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى نَفْيٍ فَتُفِيدُ إِبْطَالَهُ سَوَاءٌ كان لاستفهام حَقِيقِيًّا نَحْوَ: أَلَيْسَ زَيْدٌ بِقَائِمٍ؟ فَتَقُولُ بَلَى وتوبيخا نَحْوَ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} ، {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى} ، أَوْ تَقْرِيرِيًّا نَحْوَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: لَوْ قَالُوا: نَعَمْ كَفَرُوا وَوَجْهُهُ أَنَّ نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِلْمُخْبِرِ بِنَفْيٍ أَوْ إِيجَابٍ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا لَسْتَ رَبَّنَا بِخِلَافِ بَلَى فَإِنَّهَا لِإِبْطَالِ النَّفْيِ فَالتَّقْدِيرُ: أَنْتَ رَبُّنَا. وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ التَّقْرِيرِيَّ خَبَرٌ مُوجَبٌ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ سِيبَوَيْهِ مِنْ جَعْلِ أَمْ مُتَّصِلَةً فِي قَوْلِهِ: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا

خَيْرٌ} لِأَنَّهَا بَعْدَ الْإِيجَابِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ إِيجَابٌ فَنَعَمْ بَعْدَ الْإِيجَابِ تَصْدِيقٌ لَهُ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِمْ أَنَّ بَلَى لَا يُجَابُ بِهَا عَنِ الْإِيجَابِ اتِّفَاقًا. بِئْسَ فِعْلٌ لِإِنْشَاءِ الذَّمِّ لَا يَتَصَرَّفُ. بَيْنَ قَالَ الرَّاغِبُ: هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْخَلَلِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَوَسَطَهُمَا، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً} . وَتَارَةً تُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا وَتَارَةً اسْمًا فَمِنَ الظَّرْفِ: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} ، {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} . وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا لَهُ مَسَافَةٌ نَحْوَ بين البلدين أَوْ لَهُ عَدَدٌ مَا: اثْنَانِ فَصَاعِدًا نَحْوَ: وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ وَلَا يُضَافُ إِلَى مَا يَقْتَضِي مَعْنَى الْوَحْدَةَ إِلَّا إِذَا كُرِّرَ نَحْوَ: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} ، {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} ، وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْوَصْلِ.

وَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَاتَ بَيْنِكُمْ} وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} أَيْ فِرَاقِهِمَا. التَّاءُ حَرْفُ جَرٍّ مَعْنَاهُ الْقَسَمُ يَخْتَصُّ بِالتَّعَجُّبِ وَبِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} : الْبَاءُ أَصْلُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَفِيهَا زِيَادَةُ مَعْنَى التَّعَجُّبِ كَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ تَسَهُّلِ الْكَيْدِ عَلَى يَدَيْهِ وَتَأَتِّيهِ مَعَ عُتُوِّ نَمْرُوذَ وَقَهْرِهِ. انْتَهَى. تَبَارَكَ فِعْلٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا بِلَفْظِ الْمَاضِي ولا يستعمل إلا الله. تعال فعل لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ. ثُمَّ حَرْفٌ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: التَّشْرِيكُ فِي الْحُكْمِ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُهْلَةُ وَفِي كُلٍّ خِلَافٌ. أَمَّا التَّشْرِيكُ فَزَعَمَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ أَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ بِأَنْ تَقَعَ زَائِدَةً

فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً أَلْبَتَّةَ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} . وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا مُقَدَّرٌ. وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَالْمُهْلَةُ فَخَالَفَ قَوْمٌ فِي اقْتِضَائِهَا إِيَّاهُمَا تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ منها زوجها} ، {وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ} ، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} وَالِاهْتِدَاءُ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} . وَأُجِيبُ عَنِ الْكُلِّ بِأَنَّ ثُمَّ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَغَيْرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْفَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُصَحِّحُ التَّرْتِيبَ فقط لا المهملة إِذْ لَا تَرَاخِيَ بَيْنَ الْإِخْبَارَيْنِ وَالْجَوَابُ الْمُصَحَّحُ لَهُمَا مَا قِيلَ فِي الْأُولَى: إِنَّ الْعَطْفَ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْشَأَهَا ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ: أَنَّ " سَوَّاهُ " عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ. وَفِي الثَّالِثَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ: ثُمَّ دَامَ عَلَى الْهِدَايَةِ. فَائِدَةٌ أَجْرَى الْكُوفِيُّونَ " ثُمَّ " مَجْرَى الْفَاءِ وَالْوَاوِ فِي جَوَازِ نَصْبِ الْمُضَارِعِ

الْمَقْرُونِ بِهَا بَعْدَ فِعْلِ الشَّرْطِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} بِنَصْبِ يُدْرِكُهُ. ثَمَّ بِالْفَتْحِ اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ نَحْوَ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} وَهُوَ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ أَعْرَبَهُ مَفْعُولًا لِـ"رَأَيْتَ" فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} وَقُرِئَ: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ} أَيْ هُنَالِكَ اللَّهُ شَهِيدٌ بِدَلِيلِ: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} . وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} : مَعْنَاهُ: هُنَالِكَ وَلَيْسَتْ ثُمَّ الْعَاطِفَةَ. وَهَذَا وَهْمٌ أَشْبَهَ عَلَيْهِ الْمَضْمُومَةُ بِالْمَفْتُوحَةِ. وَفِي التَّوْشِيحِ لِخَطَّابٍ: ثَمَّ ظَرْفٌ فِيهِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ إِلَى حَيْثُ لِأَنَّهُ هُوَ فِي الْمَعْنَى. جَعَلَ قَالَ الرَّاغِبُ: لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ فَعَلَ وَصَنَعَ وَسَائِرِ أَخَوَاتِهَا وَيَتَصَرَّفُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يَجْرِي مَجْرَى صَارَ وَطَفِقَ وَلَا يَتَعَدَّى نَحْوَ: جَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ كَذَا. وَالثَّانِي: مَجْرَى أَوْجَدَ فَيَتَعَدَّى لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ نَحْوَ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} . وَالثَّالِثُ: فِي إِيجَادِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ وَتَكْوِينِهِ مِنْهُ نَحْوَ: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} ، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} . وَالرَّابِعُ: فِي تَصْيِيرِ الشَّيْءِ عَلَى حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ نَحْوَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} ، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} . الْخَامِسُ: الْحُكْمُ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ حَقًّا كَانَ نَحْوَ: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أَوْ بَاطِلًا نَحْوَ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} ، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} . حَاشَا اسْمٌ بِمَعْنَى التَّنْزِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} ، {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً} لَا فِعْلٌ وَلَا حَرْفٌ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {حَاشَ لِلَّهِ} بِالتَّنْوِينِ، كَمَا يُقَالُ: "بَرَاءَةٌ لِلَّهِ " وَقِرَاءَةِ ابن مسعود {حَاشَ لِلَّهِ} بالإضافة كمعاذ اللَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَدُخُولِهَا عَلَى اللَّامِ فِي قِرَاءَةِ

السَّبْعَةِ وَالْجَارُّ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْجَارِّ وَإِنَّمَا تُرِكَ التَّنْوِينُ فِي قِرَاءَتِهِمْ لِبِنَائِهَا لِشَبَهِهَا بِحَاشَا الْحَرْفِيَّةِ لَفْظًا. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ أَتَبَرَّأُ وَتَبَرَّأْتُ لِبِنَائِهَا. وَرُدَّ بِإِعْرَابِهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ جِنِّي أَنَّهَا فِعْلٌ وَأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ جَانَبَ يُوسُفُ الْمَعْصِيَةَ لِأَجْلِ اللَّهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى. وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: حَاشَا فِعْلٌ مِنَ الْحَشَا وَهُوَ النَّاحِيَةُ أَيْ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ أَيْ بَعُدَ مِمَّا رُمِيَ وَتَنَحَّى عَنْهُ فَلَمْ يَغْشَهُ وَلَمْ يُلَابِسْهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ حَاشَا إِلَّا اسْتِثْنَائِيَّةً. حَتَّى حَرْفٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَـ"إِلَى"، لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي أُمُورٍ: فَتَنْفَرِدُ حَتَّى بِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إِلَّا الظَّاهِرَ وَإِلَّا الْآخِرَ الْمَسْبُوقَ بِذِي أَجْزَاءٍ أَوِ الْمُلَاقِيَ لَهُ نَحْوَ: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} . وَأَنَّهَا لِإِفَادَةِ تَقَضِّي الْفِعْلِ قَبْلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا. وَأَنَّهَا لَا يُقَابَلُ بِهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ. وَأَنَّهَا يَقَعُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ الْمَنْصُوبُ بِأَنِ الْمَقْدَّرَةِ وَيَكُونَانِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَخْفُوضٍ.

ثُمَّ لَهَا حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: مُرَادَفَةُ إِلَى، نَحْوَ: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} ، أَيْ إِلَى رُجُوعِهِ. وَمُرَادَفَةُ كَيِ التَّعْلِيلِيَّةِ، نَحْوَ: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ} ، وَ {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} . وتحتملها نحو: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} . وَمُرَادَفَةُ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا} . مَسْأَلَةٌ مَتَى دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ الَّتِي بَعْدَ إِلَى وحتى فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا أَوْ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ. فَالْأَوَّلُ نَحْوَ: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ، دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى دُخُولِ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ. وَالثَّانِي نَحْوَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، دَلَّ النَّهْيُ عَنِ الْوِصَالِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ اللَّيْلِ فِي الصِّيَامِ، {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، فَإِنَّ الْغَايَةَ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا لَوَجَبَ الْإِنْظَارُ حَالَ الْيَسَارِ أَيْضًا وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَتَفْوِيتِ حَقِّ الدَّائِنِ.

وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ: تَدْخُلَ مَعَ " حَتَّى " دُونَ " إِلَى " حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ فِي الْبَابَيْنِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مَعَ الْقَرِينَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَ إِلَى وَالدُّخُولُ مَعَ حَتَّى فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ. وَالثَّانِي: تَدْخُلُ فِيهِمَا عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: لَا فِيهِمَا، وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلَيْنِ فِي اسْتِوَائِهِمَا بقوله: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {حَتَّى حِينٍ} . تَنْبِيهٌ تَرِدُ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةً أَيْ حَرْفًا يُبْتَدَأُ بَعْدَهُ الْجُمَلُ أَيْ تُسْتَأْنَفُ فَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ الْمُضَارِعِيَّةِ وَالْمَاضِيَّةِ، نَحْوَ: {حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ} بالرفع، {حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا} ، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} . وَادَّعَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا فِي الْآيَاتِ جَارَّةٌ لإذا ولأن مُضْمَرَةٍ فِي الْآيَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ. وَتَرِدُ عَاطِفَةً وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِهَا قَلِيلٌ جِدًّا وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَهُ الْكُوفِيُّونَ أَلْبَتَّةَ. فَائِدَةٌ إِبْدَالُ حَائِهَا عَيْنًا لُغَةُ هُذَيْلٍ وَبِهَا قَرَأَ ابن مسعود أخرج.

حَيْثُ ظَرْفُ مَكَانٍ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَتَرِدُ لِلزَّمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْجُمَلِ كَلَا إِضَافَةٍ وَلِهَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} : مَا بَعْدَ حَيْثُ صِلَةٌ لَهَا وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةٍ إِلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا فَصَارَتْ كَالصِّلَةِ لَهَا أَيْ كَالزِّيَادَةِ وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهَا. وَفَهِمَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَرُدَّ عَلَيْهِ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُعْرِبُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَعَلَى الْفَتْحِ لِلتَّخْفِيفِ وَتَحْتَمِلُهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} بِالْكَسْرِ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ، بِالْفَتْحِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ. وَجَوَّزَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ كَوْنَهَا مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ قَالُوا: وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ أَعْلَمَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ، وَلِأَنَّ المعنى: أنه يَعْلَمُ نَفْسَ الْمَكَانِ الْمُسْتَحِقِّ لِوَضْعِ الرِّسَالَةِ لَا شَيْئًا فِي الْمَكَانِ وَعَلَى هَذَا فَالنَّاصِبُ لَهَا " يَعْلَمُ " مَحْذُوفًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِـ" أَعْلَمُ " لَا بِهِ، لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِهِ إِلَّا إِنْ أَوَّلْتَهُ بِعَالِمٍ. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الظَّاهِرُ إِقْرَارُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَتَضْمِينُ " أَعْلَمَ " مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى إِلَى الظَّرْفِ فَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَنْفَذُ عِلْمًا حَيْثُ يَجْعَلُ أَيْ هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

دون ترد ظرفا نقيص فَوْقَ فَلَا تَتَصَرَّفُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ: تَتَصَرَّفُ وَبِالْوَجْهَيْنِ قُرِئَ: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ. وَتَرِدُ اسْمًا بِمَعْنَى " غَيْرَ " نَحْوَ: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} أَيْ غَيْرَهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ: أَدْنَى مَكَانٍ مِنَ الشَّيْءِ. وَتُسْتَعْمَلُ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْحَالِ نَحْوَ زَيْدٌ دُونَ عَمْرٍو أَيْ فِي الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ. وَاتُّسِعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي تَجَاوُزِ حَدٍّ إِلَى حَدٍّ نَحْوَ: {لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ لَا تُجَاوِزُوا وِلَايَةَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ. ذُو اسْمٌ بِمَعْنَى صَاحِبٍ وُضِعَ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى وَصْفِ الذَّوَاتِ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ كَمَا أَنَّ " الَّذِي " وُضِعَتْ صِلَةً إِلَى وَصْفِ الْمَعَارِفِ بِالْجُمَلِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافًا. وَلَا يُضَافُ إِلَى ضَمِيرٍ وَلَا مُشْتَقٍّ وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .

وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ عَنْهَا بِأَنَّ الْعَالِمَ هُنَا مَصْدَرٌ كَالْبَاطِلِ أَوْ بِأَنَّ " ذِي " زَائِدَةٌ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْوَصْفُ بِـ"ذُو" أَبْلَغُ مِنَ الْوَصْفِ بِصَاحِبٍ وَالْإِضَافَةُ بِهَا أَشْرَفُ فَإِنَّ "ذُو" يُضَافُ لِلتَّابِعِ وَصَاحِبَ يُضَافُ إِلَى الْمَتْبُوعِ تَقُولُ: أَبُو هُرَيْرَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَمَّا ذُو فَإِنَّكَ تَقُولُ: ذُو الْمَالِ وَذُو الْفَرَسِ فَتَجِدُ الِاسْمَ الْأَوَّلَ مَتْبُوعًا غَيْرَ تَابِعٍ وَبُنِيَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {وَذَا النُّونِ} فَأَضَافَهُ إِلَى النُّونِ وَهُوَ الْحُوتُ وَقَالَ فِي سُورَةِ ن: {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لَكِنْ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ فِي حُسْنِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَالَتَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَتَى بِذِي لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِهَا أَشْرَفُ وَبِالنُّونِ لِأَنَّ لَفْظَهُ أَشْرَفُ مِنْ لَفْظِ الْحُوتِ لِوُجُودِهِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْحُوتِ مَا يُشَرِّفُهُ لِذَلِكَ فَأَتَى بِهِ وَبِصَاحِبٍ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ النَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِهِ. رُوَيْدًا اسْمٌ لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلَّا مُصَغَّرًا مَأْمُورًا بِهِ وَهُوَ تَصْغِيرُ "رَوَدٍ" وَهُوَ الْمَهَلُ.

رُبَّ حَرْفٌ فِي مَعْنَاهُ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ دَائِمًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. الثَّانِي: لِلتَّكْثِيرِ دَائِمًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} فَإِنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ تَمَنِّي ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوَّلُونَ: هُمْ مَشْغُولُونَ بِغَمَرَاتِ الْأَهْوَالِ فَلَا يُفِيقُونَ بِحَيْثُ يَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا. الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ. الرَّابِعُ: لِلتَّقْلِيلِ غَالِبًا وَالتَّكْثِيرِ نَادِرًا وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ. الْخَامِسُ: عَكْسُهُ. السَّادِسُ: لَمْ تُوضَعْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ حَرْفُ إِثْبَاتٍ لَا يدل عَلَى تَكْثِيرٍ وَلَا تَقْلِيلٍ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ. السَّابِعُ: لِلتَّكْثِيرِ فِي مَوْضِعِ الْمُبَاهَاةِ وَالِافْتِخَارِ وَلِلتَّقْلِيلِ فِيمَا عَدَاهُ. الثَّامِنُ: لِمُبْهَمِ الْعَدَدِ تَكُونُ تَقْلِيلًا وَتَكْثِيرًا وَتَدْخُلُ عَلَيْهَا " مَا " فَتَكُفُّهَا عَنْ عَمَلِ الْجَرِّ وَتُدْخِلُهَا عَلَى الْجُمَلِ وَالْغَالِبُ حِينَئِذٍ دُخُولُهَا عَلَى الْفِعْلِيَّةِ الْمَاضِي فِعْلُهَا لَفْظًا وَمَعْنًى وَمِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ. قِيلَ: إِنَّهُ عَلَى حَدِّ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} .

السِّينُ حَرْفٌ يَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَيُخْلِصُهُ للاستقبال وينزل مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ فَلِذَا لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ. وَذَهَبُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ الِاسْتِقْبَالِ مَعَهُ أَضْيَقُ مِنْهَا مَعَ سَوْفَ وَعِبَارَةُ الْمُعْرِبِينَ: حَرْفُ تَنْفِيسٍ وَمَعْنَاهَا حَرْفُ تَوَسُّعٍ لأنها نقلت الْمُضَارِعَ مِنَ الزَّمَنِ الضَّيِّقِ - وَهُوَ الْحَالُ - إِلَى الزَّمَنِ الْوَاسِعِ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي لِلِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} الآية، {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} الآية، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ: {مَا وَلَّاهُمْ} فَجَاءَتِ السِّينُ إِعْلَامًا بِالِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ النَّحْوِيُّونَ بَلِ الِاسْتِمْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمُضَارِعِ وَالسِّينُ بَاقِيَةٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ إِذِ الِاسْتِمْرَارُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ: وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْبُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَفَادَتْ أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَلَمْ أَرَ مَنْ فَهِمَ وَجْهَ ذَلِكَ وَوُجِّهَ أَنَّهَا تفيد الوعد في محصول الْفِعْلِ فَدُخُولُهَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْوَعْدَ أَوِ الْوَعِيدَ مُقْتَضٍ لِتَوْكِيدِهِ وَتَثْبِيتِ مَعْنَاهُ وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ، مَعْنَى السِّينِ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى حِينٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} : السِّينُ مُفِيدَةٌ وُجُودَ

الرَّحْمَةِ لَا مَحَالَةَ فَهِيَ تُؤَكِّدُ الْوَعْدَ كَمَا تُؤَكِّدُ الْوَعِيدَ فِي قَوْلِكَ: سَأَنْتَقِمُ مِنْكَ. سَوْفَ كَالسِّينِ وَأَوْسَعُ زَمَانًا مِنْهَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْحُرُوفِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَعْنَى وَمُرَادِفَةٌ لَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَتَنْفَرِدُ عَنِ السِّينِ بِدُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهَا نَحْوَ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ} . قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إِدْخَالُ اللَّامِ عَلَى السِّينِ كَرَاهَةَ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ فِي " لَسَيُدَحْرِجُ " ثُمَّ طَرَدَ الْبَاقِيَ. قَالَ ابْنُ بَابَشَاذَ: وَالْغَالِبُ عَلَى " سَوْفَ " اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَعَلَى السِّينِ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعْدِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ " سَوْفَ " فِي الْوَعْدِ وَالسِّينُ فِي الْوَعِيدِ. سَوَاءٌ تَكُونُ بِمَعْنَى مُسْتَوٍ فَتُقْصَرُ مَعَ الْكَسْرِ، نَحْوَ: {مَكَاناً سُوَىً} وَتُمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ نَحْوَ: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} .

وَبِمَعْنَى التَّمَامِ فَكَذَلِكَ نَحْوَ: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} أَيْ تَمَامًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ: {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} . وَلَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى غَيْرَ وَقِيلَ: وَرَدَتْ وَجُعِلَ مِنْهُ فِي الْبُرْهَانِ: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} وَهُوَ وَهْمٌ وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً} : إِنَّهَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ وَالْمُسْتَثْنَى مَحْذُوفٌ أَيْ مَكَانًا سُوَى هَذَا الْمَكَانِ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ غَيْرَ مُضَافَةٍ. سَاءَ فِعْلٌ لِلذَّمِّ لَا يَتَصَرَّفُ. سُبْحَانَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ لَازِمُ النَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى مُفْرَدٍ ظاهر نحو: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} ، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} ، أَوْ مُضْمَرٍ نَحْوَ: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} ، {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا} وَهُوَ مِمَّا أُمِيتَ فِعْلُهُ.

وَفِي الْعَجَائِبِ لِلْكِرْمَانِيِّ: مِنَ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ المفضل أَنَّهُ مَصْدَرُ " سَبَّحَ " إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ،. وَأَنْشَدَ: قَبَّحَ الْإِلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا سَبَّحَ الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {سُبْحَانَ اللَّهِ} ، قَالَ: تَنْزِيهُ اللَّهِ نَفْسَهُ عَنِ السُّوءِ. ظَنَّ أَصْلُهُ لِلِاعْتِقَادِ الرَّاجِحِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} . أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ ظَنٍّ فِي الْقُرْآنِ يَقِينٌ وَهَذَا مُشْكِلٌ بِكَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِيهَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَالْآيَةِ الْأُولَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْآنِ ضَابِطَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الظَّنُّ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْيَقِينُ وَحَيْثُ وُجِدَ مَذْمُومًا مُتَوَعَّدًا عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ فَهُوَ الشَّكُّ. وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بَعْدَهُ أَنْ الْخَفِيفَةُ فَهُوَ شَكٌّ نَحْوَ: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} ، وَكُلُّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ الْمُشَدَّدَةُ فَهُوَ يَقِينٌ كَقَوْلِهِ: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} ، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} وَقُرِئَ: "وَأَيْقَنَ أَنَّهُ الْفِرَاقُ "، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشَدَّدَةَ لِلتَّأْكِيدِ فَدَخَلَتْ

عَلَى الْيَقِينِ وَالْخَفِيفَةَ بِخِلَافِهَا فَدَخَلَتْ فِي الشَّكِّ وَلِهَذَا دَخَلَتِ الْأُولَى فِي الْعِلْمِ نَحْوَ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} . وَالثَّانِيَةُ فِي الْحُسْبَانِ نَحْوَ: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} . ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّاغِبُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ} . وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا هُنَا اتَّصَلَتْ بِالِاسْمِ وَهُوَ مَلْجَأٌ وَفِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ اتَّصَلَتْ بِالْفِعْلِ. ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قَالَ: فَتَمَسَّكْ بِهَذَا الضَّابِطِ فَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: قَالَ ثَعْلَبٌ: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الظَّنَّ عِلْمًا وَشَكًّا وَكَذِبًا فَإِنْ قَامَتْ بَرَاهِينُ الْعِلْمِ فَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ بَرَاهِينِ الشَّكِّ فَالظَّنُّ يَقِينٌ وَإِنِ اعْتَدَلَتْ بَرَاهِينُ الْيَقِينِ وَبَرَاهِينُ الشَّكِّ فَالظَّنُّ شَكٌّ وَإِنْ زَادَتْ بَرَاهِينُ الشَّكِّ عَلَى بَرَاهِينِ الْيَقِينِ فَالظَّنُّ كَذِبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} أَرَادَ يَكْذِبُونَ. انْتَهَى. عَلَى حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا، الِاسْتِعْلَاءُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى، نَحْوَ: {وَعَلَيْهَا

وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} ، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ، {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} . ثَانِيهَا: لِلْمُصَاحَبَةِ كَمَعَ، نَحْوَ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أَيْ مَعَ حُبِّهِ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} . ثَالِثُهَا: لِلِابْتِدَاءِ كَمِنْ، نَحْوَ: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} أَيْ مِنَ النَّاسِ، {لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ. رَابِعُهَا: التَّعْلِيلُ كَاللَّامِ، نَحْوَ: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ،أَيْ لِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ. خَامِسُهَا: الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، نَحْوَ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} أَيْ فِي حِينِ،: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أَيْ فِي زَمَنِ مُلْكِهِ. سَادِسُهَا: مَعْنَى الْبَاءِ نَحْوَ: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ} أَيْ بِأَنْ كَمَا قَرَأَ أُبَيٌّ.

فَائِدَةٌ هِيَ فِي نَحْوِ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} ، بِمَعْنَى الْإِضَافَةِ وَالْإِسْنَادِ أَيْ أَضِفْ تَوَكُّلَكَ وَأَسْنِدْهُ إِلَيْهِ كَذَا قِيلَ وَعِنْدِي أَنَّهَا فِيهِ بِمَعْنَى بَاءِ الِاسْتِعَانَةِ وَفِي نَحْوِ: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} لِتَأْكِيدِ التَّفَضُّلِ لَا الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَكَذَا فِي نَحْوِ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} لِتَأْكِيدِ الْمُجَازَاةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا ذُكِرَتِ النِّعْمَةُ فِي الْغَالِبِ مَعَ الحمد لم تقترن بعلى وَإِذَا أُرِيدَتِ النِّعْمَةُ أَتَى بِهَا وَلِهَذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ "، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ". تَنْبِيهٌ تَرِدُ " عَلَى " اسْمًا فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ إِذَا كَانَ مَجْرُورُهَا وَفَاعِلُ مُتَعَلِّقِهَا ضَمِيرَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، نَحْوَ: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} ، لِمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي إِلَى وَتَرِدُ فِعْلًا مِنَ الْعُلُوِّ وَمِنْهُ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} .

عَنْ حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا، الْمُجَاوَزَةُ، نَحْوَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، أَيْ يُجَاوِزُونَهُ وَيَبْعُدُونَ عَنْهُ. ثَانِيهَا: الْبَدَلُ، نَحْوَ: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} . ثَالِثُهَا: التَّعْلِيلُ، نَحْوَ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} ، أَيْ لِأَجْلِ مَوْعِدَةٍ، {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أَيْ لِقَوْلِكَ. رَابِعُهَا: بِمَعْنَى عَلَى، نَحْوَ: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} أَيْ عَلَيْهَا. خَامِسُهَا: بِمَعْنَى مِنْ، نَحْوَ: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} ، أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ: {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} . سَادِسُهَا: بِمَعْنَى بَعْدَ، نَحْوَ: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} بِدَلِيلِ أَنَّ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} ، {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} أَيْ حَالَةً بَعْدَ حَالَةٍ. تَنْبِيهٌ تَرِدُ اسْمًا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ وَجَعَلَ ابْنُ هِشَامٍ: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ

أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} ، قَالَ: فَتُقَدَّرُ مَعْطُوفَةً عَلَى مَجْرُورِ مِنْ لَا عَلَى مِنْ وَمَجْرُورِهَا. عَسَى فِعْلٌ جَامِدٌ لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ حَرْفٌ وَمَعْنَاهُ التَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ وَالْإِشْفَاقُ فِي الْمَكْرُوهِ وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} . قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَتَأْتِي لِلْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ، نَحْوَ: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} . وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " عَسَى " عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُوَحَّدٌ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ وَوُجِّهَ عَلَى مَعْنَى عَسَى الْأَمْرُ أَنْ يَكُونَ كَذَا. وَمَا كَانَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ، نَحْوَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ: هَلْ عَرَفْتُمْ ذَلِكَ، وهل جزتموه؟. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَلُّ عَسَى فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: عَسَى فِي الْقُرْآنِ وَاجِبَةٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ فَمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بَلْ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْقَعَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ.

وَالثَّانِي: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً} فَلَمْ يَقَعِ التَّبْدِيلُ، وَأَبْطَلَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِثْنَاءَ وَعَمَّمَ الْقَاعِدَةَ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ كَانَتْ مَشْرُوطَةً بِأَلَّا يَعُودُوا كَمَا قال: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} ، وَقَدْ عَادُوا فَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ وَالتَّبْدِيلُ مَشْرُوطًا بِأَنْ يُطَلِّقَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَلَا يَجِبُ. وَفِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ: "عَسَى " إِطْمَاعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْإِجَابَةِ بِلَعَلَّ وَعَسَى وَوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَوْقِعَ الْقَطْعِ وَالْبَتِّ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جِيءَ بِهِ تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ أَنْ يَكُونُوا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ. وَفِي الْبُرْهَانِ: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجَبَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا رَجَاءً وَطَمَعًا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ وَالظُّنُونُ وَالْبَارِئُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُمْكِنَةَ لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَشُكُّونَ فِيهَا وَلَا يَقْطَعُونَ عَلَى الْكَائِنِ مِنْهَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْكَائِنَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ صَارَتْ لَهَا نِسْبَتَانِ: نِسْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تُسَمَّى نِسْبَةَ قَطْعٍ وَيَقِينٍ وَنِسْبَةٌ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ تُسَمَّى نِسْبَةَ شَكٍّ وَظَنٍّ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِذَلِكَ تَرِدُ تَارَةً بِلَفْظِ الْقَطْعِ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَتَارَةً بِلَفْظِ الشَّكِّ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلْقِ نَحْوَ: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} وَنَحْوَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ

حَالَ إِرْسَالِهِمَا. مَا يُفْضِي إِلَيْهِ حَالُ فِرْعَوْنَ لَكِنْ وَرَدَ اللَّفْظُ بِصُورَةِ مَا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ مُوسَى وَهَارُونَ مِنَ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ. وَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ الْمُتَيَقَّنَ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ لِأَغْرَاضٍ. وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ: عَسَى فِعْلٌ مَاضِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى لِأَنَّهُ طَمَعٌ قَدْ حَصَلَ فِي شَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَاضِي اللَّفْظِ مُسْتَقْبَلُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ طَمَعٍ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ. تَنْبِيهٌ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: رَافِعَةٌ لِاسْمٍ صَرِيحٍ بَعْدَهُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَقْرُونٌ بِأَنْ وَالْأَشْهَرُ فِي إِعْرَابِهَا حِينَئِذٍ أَنَّهَا فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ عَامِلٌ عَمَلَ كَانَ فَالْمَرْفُوعُ اسْمُهَا وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ. وَقِيلَ: مُتَعَدٍّ بِمَنْزِلَةِ قَارَبَ مَعْنًى وَعَمَلًا أَوْ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَةِ قَرُبَ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ وَحُذِفَ الْجَارُّ تَوَسُّعًا وَهُوَ رَأْيُ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ. وَقِيلَ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَةِ قَرُبَ وَأَنْ يَفْعَلَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ فَاعِلِهَا. الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ بَعْدَهَا أَنْ وَالْفِعْلُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا حِينَئِذٍ تَامَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: عِنْدِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَبَدًا وَأَنَّ وَصِلَتُهَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْجُزْأَيْنِ كَمَا فِي: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}

عِنْدَ ظَرْفُ مَكَانٍ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحُضُورِ وَالْقُرْبِ سَوَاءً كَانَا حِسِّيَّيْنِ نَحْوَ: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ} ، {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} أَوْ مَعْنَوِيَّتَيْنِ، نَحْوَ: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} ، {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} ، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ} ، {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ، {ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} فَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ قُرْبُ التَّشْرِيفِ وَرِفْعَةُ الْمَنْزِلَةِ. وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظرفا أو مجرورة بمن خاصة نحو: {فَمِنْ عِنْدِكَ} ، {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . وَتُعَاقِبُهَا لَدَى وَلَدُنْ، نَحْوَ: {لَدَى الْحَنَاجِرِ} ، {لَدَى الْبَابِ} ، {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} ، {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} . وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِهِ: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} ولو جيء فيهما بعند أَوْ لَدُنْ صَحَّ لَكِنْ تُرِكَ دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ وَإِنَّمَا حَسُنَ تَكْرَارُ لَدَى فِي: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا.

وَتُفَارِقُ عِنْدَ وَلَدَى لَدُنْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ: فَعِنْدَ وَلَدَى تَصْلُحُ فِي مَحَلِّ ابْتِدَاءِ غَايَةٍ وَغَيْرِهَا وَلَا تَصْلُحُ لَدُنْ إِلَّا فِي ابْتِدَاءِ غَايَةٍ. وَعِنْدَ وَلَدَى يَكُونَانِ فَضْلَةً، نَحْوَ: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} ، {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} ، وَلَدُنْ لَا تَكُونُ فَضْلَةً. وَجَرُّ لَدُنْ بِمِنْ أَكْثَرُ مِنْ نَصْبِهَا حتى أنها لم تجيء فِي الْقُرْآنِ مَنْصُوبَةً وَجَرُّ عِنْدَ كَثِيرٌ وَجَرُّ لَدَى مُمْتَنِعٌ. وَعِنْدَ وَلَدَى يُعْرَبَانِ وَلَدُنْ مَبْنِيَّةٌ فِي لُغَةِ الْأَكْثَرِينَ. وَلَدُنْ قَدْ لَا تُضَافُ وَقَدْ تُضَافُ لِلْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِمَا. وَقَالَ الرَّاغِبُ: لَدُنْ أَخَصُّ مِنْ عِنْدَ وَأَبْلَغُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاءِ نِهَايَةِ الْفِعْلِ انْتَهَى. وَ " عِنْدَ " أَمْكَنُ مِنْ لَدُنْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَنَّهَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي بِخِلَافِ لَدُنْ. وَعِنْدَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ لدى إِلَّا فِي الْحَاضِرِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الشَّجَرِيِّ وَغَيْرُهُ. غَيْرَ اسْمٌ مُلَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ وَالْإِبْهَامِ فَلَا تَتَعَرَّفُ مَا لم تقع بين ضدين وَمِنْ ثَمَّ جَازَ وَصْفُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فِي قَوْلِهِ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، وَالْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ وَصْفًا لِلنَّكِرَةِ، نَحْوَ: {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} .

وَتَقَعُ حَالًا إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا " لَا " وَاسْتِثْنَاءً إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا " إِلَّا " فَتُعْرَبُ بِإِعْرَابِ الِاسْمِ التَّالِي إِلَّا فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ " الْقَاعِدُونَ ". أَوِ اسْتِثْنَاءٌ وَأَبْدِلْ عَلَى حَدِّ: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَبِالْجَرِّ خَارِجَ السَّبْعِ صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي الْمُفْرَدَاتِ لِلرَّاغِبِ: غَيْرُ تُقَالُ عَلَى أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ مَعْنًى بِهِ نَحْوَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ غَيْرِ قَائِمٍ أَيْ لَا قَائِمَ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً} ، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} . الثَّانِي: بِمَعْنَى " إِلَّا " فَيُسْتَثْنَى بِهَا وَتُوصَفُ بِهِ النَّكِرَةُ نَحْوَ: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} الثَّالِثُ لِنَفْيِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ مَادَّتِهَا نَحْوَ: "الْمَاءُ إِذَا كَانَ حَارًّا غَيْرُهُ إِذَا كَانَ بَارِدًا " وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} . الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَنَاوِلًا لِذَاتٍ نَحْوَ: {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ

غَيْرَ الْحَقِّ} ، {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً} ، {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} ، {يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} انْتَهَى. الْفَاءُ تَرِدُ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً فَتُفِيدُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: أَحَدُهَا التَّرْتِيبُ مَعْنَوِيًّا كَانَ نَحْوَ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} أَوْ ذِكْرِيًّا وَهُوَ عَطْفٌ مُفَصَّلٌ عَلَى مُجْمَلٍ نَحْوَ: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} ، {سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} ، {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} الْآيَةَ، وَأَنْكَرَهُ - أَيْ التَّرْتِيبَ - الْفَرَّاءُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} . وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا. ثَانِيهَا: التَّعْقِيبُ وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ عَنِ التَّرَاخِي فِي نَحْوِ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ، {خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} ، الآية. ثَالِثُهَا: السَّبَبِيَّةُ غَالِبًا نَحْوَ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} ،

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} ، {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} . وَقَدْ تَجِيءُ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ، نَحْوَ: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} ، {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ} ، {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ} الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ نَحْوَ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ} إِذْ لَا يُعْطَفُ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسُهُ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ رَابِطَةً لِلْجَوَابِ حَيْثُ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونُ شَرْطًا بِأَنْ كَانَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً نَحْوَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} ، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَوْ فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا جَامِدٌ نَحْوَ: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} ، {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ، {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً} . أَوْ إِنْشَائِيٌّ نَحْوَ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} ، {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} وَاجْتَمَعَتِ الِاسْمِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} أَوْ مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ

مِنْ قَبْلُ} أَوْ مَقْرُونٌ بِحَرْفِ اسْتِقْبَالٍ نَحْوَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} ، {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} وَكَمَا تَرْبِطُ الْجَوَابَ بِشَرْطِهِ تَرْبِطُ شِبْهَ الْجَوَابِ بِشِبْهِ الشَّرْطِ نَحْوَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَبَشِّرْهُمْ} . الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزَّجَّاجُ: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} ورد بأن الخبر {حَمِيمٍ} ، وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْفَارِسِيُّ: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} وَغَيْرَهُ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {كُنْ فَيَكُونُ} بالرفع. فِي حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا: الظَّرْفِيَّةُ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا نَحْوَ: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} حَقِيقَةً كَالْآيَةِ أَوْ مَجَازًا نَحْوَ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، {لَقَدْ كَانَ

فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} ، {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . ثانيها: المصاحبة كمع، نحو: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} أَيْ مَعَهُمْ، {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} . ثَالِثُهَا: التَّعْلِيلُ، نَحْوَ: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ، {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} أَيْ لِأَجْلِهِ. رَابِعُهَا: الِاسْتِعْلَاءُ، نَحْوَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أَيْ عَلَيْهَا. خَامِسُهَا: مَعْنَى الْبَاءِ، نحو: {يَذْرَأُكُمْ فِيهِ} أَيْ بِسَبَبِهِ. سَادِسُهَا: مَعْنَى إِلَى، نَحْوَ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أَيْ إِلَيْهَا. سَابِعُهَا: مَعْنَى مِنْ، نحو: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} أَيْ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى. ثَامِنُهَا: مَعْنَى عَنْ، نَحْوَ: {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} أَيْ عَنْهَا وَعَنْ مَحَاسِنِهَا. تَاسِعُهَا: الْمُقَايَسَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ بَيْنَ مَفْضُولٍ سَابِقٍ وَفَاضِلٍ لَاحِقٍ نَحْوَ: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} .

عَاشِرُهَا: التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ، نَحْوَ: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي أركبوها. قَدْ حَرْفٌ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ الْخَبَرِيِّ الْمُثْبَتِ الْمُجَرَّدِ مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ وَحَرْفِ تَنْفِيسٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُضَارِعًا وَلَهَا مَعَانٍ: الْأَوَّلُ: التَّحْقِيقُ مَعَ الْمَاضِي، نَحْوَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا الْقَسَمُ مِثْلَ إِنَّ وَاللَّامِ فِي الِاسْمِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا فِي إفادة التوكيد. والثاني: وَالتَّقْرِيبُ مَعَ الْمَاضِي أَيْضًا تُقَرِّبُهُ مِنَ الْحَالِ، تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ فَيَحْتَمِلُ الْمَاضِيَ الْقَرِيبَ وَالْمَاضِيَ الْبَعِيدَ فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَامَ اخْتَصَّ بِالْقَرِيبِ قَالَ النُّحَاةُ: وَانْبَنَى عَلَى إِفَادَتِهَا ذَلِكَ أَحْكَامٌ: مِنْهَا: مَنْعُ دُخُولِهَا عَلَى لَيْسَ وَعَسَى وَنِعْمَ وَبِئْسَ، لِأَنَّهُنَّ لِلْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ مَا يُقَرِّبُ مَا هُوَ حَاصِلٌ وَلِأَنَّهُنَّ لَا يُفِدْنَ الزَّمَانَ. وَمِنْهَا: وُجُوبُ دُخُولِهَا عَلَى الْمَاضِي الْوَاقِعِ حَالًا، إِمَّا ظَاهِرَةً، نَحْوَ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا} أَوْ مُقَدَّرَةً، نَحْوَ: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ، {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ وَقَالُوا: لَا تَحْتَاجُ لِذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ حَالًا بِدُونِ قَدْ.

وَقَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ وَشَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْكَافَيَجِيُّ: مَا قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ غَلَطٌ سَبَبُهُ اشْتِبَاهُ لَفْظِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الْحَالَ الَّذِي تُقَرِّبُهُ " قَدْ " حَالُ الزَّمَانِ وَالْحَالَ الْمُبَيِّنَ لِلْهَيْئَةِ حَالُ الصِّفَاتِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَعْنَى. الْمَعْنَى الثَّالِثُ: التَّقْلِيلُ مَعَ الْمُضَارِعِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ ضَرْبَانِ تَقْلِيلُ وُقُوعِ الْفِعْلِ، نَحْوَ: "قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ " وَتَقْلِيلُ مُتَعَلِّقِهِ، نَحْوَ: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أَيْ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ أَقَلُّ مَعْلُومَاتِهِ تَعَالَى قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا لِلتَّحْقِيقِ انْتَهَى. وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: إِنَّهَا أُدْخِلَتْ لِتَوْكِيدِ الْعِلْمِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى تَوْكِيدِ الْوَعِيدِ. الرَّابِعُ: التَّكْثِيرُ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} قَالَ: أَيْ رُبَّمَا نَرَى وَمَعْنَاهُ تَكْثِيرُ الرُّؤْيَةِ. الْخَامِسُ: التَّوَقُّعُ، نَحْوَ: قَدْ يُقْدِمُ الْغَائِبُ، لِمَنْ يَتَوَقَّعُ قدومه وينتظره، وقد قَامَتِ الصَّلَاةُ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مُنْتَظِرُونَ ذَلِكَ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} لِأَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَقَّعُ إِجَابَةَ اللَّهِ لِدُعَائِهَا.

الْكَافُ حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا التَّشْبِيهُ، نَحْوَ: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} ، وَالتَّعْلِيلُ، نَحْوَ: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً} إلى قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ لِأَجْلِ إِرْسَالِنَا فِيكُمْ رَسُولًا منكم {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} أَيْ لِأَجْلِ هِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} أَيْ أَعْجَبُ لِعَدَمِ فَلَاحِهِمْ {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وَالتَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ لَزِمَ إِثْبَاتُ الْمِثْلِ وَهُوَ مُحَالٌ وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ نَفْيُهُ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَإِنَّمَا زِيدَتْ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْمِثْلِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْحَرْفِ بِمَنْزِلَةِ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ ثَانِيًا. وَقَالَ الرَّاغِبُ: إِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَ الْكَافِ وَالْمِثْلِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْمِثْلِ وَلَا الْكَافِ فَنَفَى بِلَيْسَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ: لَيْسَتْ زَائِدَةً وَالْمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ وَإِذَا نَفَيْتَ التَّمَاثُلَ عَنِ الْمِثْلِ فَلَا مِثْلَ لِلَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مِثْلُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الذَّاتُ كَقَوْلِكَ: مِثْلُكَ لَا يَفْعَلُ هَذَا أَيْ أَنْتَ لَا تَفْعَلُهُ كَمَا قَالَ: وَلَمْ أَقُلْ مِثْلَكَ أَعْنِي بِهِ سِوَاكَ يَا فَرْدًا بِلَا مُشْبِهِ

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} أَيْ بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ إِيَّاهُ لِأَنَّ إِيمَانَهُمْ لَا مِثْلَ لَهُ فَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَةِ: لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْمِثْلُ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ كَصِفَتِهِ صِفَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وُصِفَ بِكَثِيرٍ مِمَّا وُصِفَ بِهِ الْبَشَرُ فَلَيْسَ تِلْكَ الصِّفَاتُ لَهُ عَلَى حَسَبِ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَشَرِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى. تَنْبِيهٌ تَرِدُ الْكَافُ اسْمًا بِمَعْنَى " مِثْلٍ " فَتَكُونُ فِي مَحَلِّ إِعْرَابٍ وَيَعُودُ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ} : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي " فِيهِ " لِلْكَافِ فِي كَهَيْئَةٍ أَيْ فَأَنْفُخُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُمَاثِلِ فَيَصِيرُ كَسَائِرِ الطُّيُورِ. انْتَهَى. مَسْأَلَةٌ الْكَافُ فِي " ذَلِكَ " أَيْ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ وَفُرُوعِهِ وَنَحْوِهِ حَرْفُ خِطَابٍ لَا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ وَفِي " إِيَّاكَ " قِيلَ: حَرْفٌ وَقِيلَ: اسْمٌ مُضَافٌ إِلَيْهِ وَفِي أَرَأَيْتَكَ قِيلَ: حَرْفٌ وَقِيلَ: اسْمٌ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ وَقِيلَ: نَصْبٍ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ.

كَادَ فِعْلٌ نَاقِصٌ أَتَى مِنْهُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعُ فَقَطْ، لَهُ اسْمٌ مَرْفُوعٌ وَخَبَرٌ مُضَارِعٌ مُجَرَّدٌ مِنْ أَنْ وَمَعْنَاهَا قَارَبَ فَنَفْيُهَا نَفْيٌ لِلْمُقَارَبَةِ وَإِثْبَاتُهَا إِثْبَاتٌ لِلْمُقَارَبَةِ وَاشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ أَنَّ نَفْيَهَا إِثْبَاتٌ وَإِثْبَاتَهَا نَفْيٌ فَقَوْلُكَ: كَادَ زَيْدٌ يَفْعَلُ مَعْنَاهُ لَمْ يَفْعَلْ، بِدَلِيلِ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} ، " وَمَا كَادَ يَفْعَلُ " مَعْنَاهُ: فَعَلَ بِدَلِيلِ: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} . أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ كَادَ، وَأَكَادُ، وَيَكَادُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَبَدًا. وَقِيلَ: إِنَّهَا تُفِيدُ الدَّلَالَةَ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ بِعُسْرٍ، وَقِيلَ: نَفْيُ الْمَاضِي إِثْبَاتٌ، بِدَلِيلِ: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وَنَفْيُ الْمُضَارِعِ نَفْيٌ بِدَلِيلِ: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ شَيْئًا. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا نَفْيُهَا نَفْيٌ وَإِثْبَاتُهَا إِثْبَاتٌ فَمَعْنَى كَادَ يَفْعَلُ قَارَبَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَفْعَلْ وَمَا كَادَ يَفْعَلُ مَا قَارَبَ الْفِعْلَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفْعَلَ فَنَفْيُ الْفِعْلِ لَازِمٌ مِنْ نَفْيِ الْمُقَارَبَةِ عَقْلًا. وَأَمَّا آيَةُ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَوَّلًا بُعَدَاءَ مِنْ ذَبْحِهَا وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ إِنَّمَا فُهِمَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَذَبَحُوهَا} . وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ} مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْكَنْ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا فَإِنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَوْلَا الِامْتِنَاعِيَّةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ تَرِدُ كَادَ بِمَعْنَى أَرَادَ، وَمِنْهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} ، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي يكاد. كَانَ فِعْلٌ نَاقِصٌ مُتَصَرِّفٌ يَرْفَعُ الِاسْمَ وَيَنْصِبُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ الْمُضِيُّ وَالِانْقِطَاعُ نَحْوَ: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً} وَتَأْتِي بِمَعْنَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ نَحْوَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} ، {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِكَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: كَانَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: بِمَعْنَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ، كَقَوْلِهِ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} . بِمَعْنَى الْمُضِيِّ الْمُنْقَطِعِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَاهَا، نَحْوَ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} . وَبِمَعْنَى الْحَالِ، نَحْوَ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} .

وَبِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، نَحْوَ: {يَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مستطيرا} . وَبِمَعْنَى صَارَ، نَحْوَ: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} . انْتَهَى. قُلْتُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَقَالَ: "أَنْتُمْ " فَكُنَّا كُلَّنَا، وَلَكِنْ قَالَ: "كُنْتُمْ " فِي خَاصَّةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ. وَتَرِدُ كَانَ بِمَعْنَى " يَنْبَغِي " نَحْوَ: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} ، {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} . وَبِمَعْنَى حَضَرَ أَوْ وَجَدَ، نَحْوَ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} ، {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} ، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً} . وَتَرِدُ لِلتَّأْكِيدِ وَهِيَ الزَّائِدَةُ، وَجُعِلَ مِنْهُ: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، أي بما يعملون. كَأَنَّ بِالتَّشْدِيدِ. حَرْفٌ لِلتَّشْبِيهِ الْمُؤَكِّدِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَنَّ الْمُؤَكِّدَةِ وَالْأَصْلُ فِي كَأَنَّ زَيْدًا أَسَدٌ " أَنَّ زَيْدًا كَأَسَدٍ " قُدِّمَ حَرْفُ التَّشْبِيهِ اهْتِمَامًا بِهِ فَفُتِحَتْ هَمْزَةُ أَنَّ لِدُخُولِ الْجَارِّ.

قَالَ حَازِمٌ: وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يَقْوَى الشَّبَهُ حَتَّى يَكَادَ الرَّائِي يَشُكُّ فِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ وَلِذَلِكَ قَالَتْ بلقيس: {كَأَنَّهُ هُوَ} . قِيلَ: وَتَرِدُ لِلظَّنِّ وَالشَّكِّ فِيمَا إِذَا كَانَ خَبَرُهَا غَيْرَ جَامِدٍ. وَقَدْ تُخَفَّفُ نَحْوَ: {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} . كَأَيِّنْ اسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَيٍّ الْمُنَوَّنَةِ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْعَدَدِ نَحْوَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} . وَفِيهَا لُغَاتٌ مِنْهَا: كَائِنٌ، بِوَزْنِ بَائِعٍ، وَقَرَأَ بِهَا ابْنُ كَثِيرٍ حَيْثُ وَقَعَتْ وَكَأْيٍ بِوَزْنِ كَعْبٍ وقرئ بها {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ} وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ لَازِمَةُ الصَّدْرِ مُلَازِمَةٌ لِلْإِبْهَامِ مُفْتَقِرَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَتَمْيِيزُهَا مَجْرُورٌ بمن غَالِبًا وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: لَازِمًا. كَذَا لَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْإِشَارَةِ نَحْوَ: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} .

كُلُّ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْمُنَكَّرِ الْمُضَافِ هُوَ إِلَيْهِ، نَحْوَ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} . وَالْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ، نَحْوَ: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} ، {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ} وأجزاء المفرد المعرف نحو: {طْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} بِإِضَافَةِ " قَلْبٍ " إِلَى " مُتَكَبِّرٍ " أَيْ عَلَى كُلِّ أَجْزَائِهِ وَقِرَاءَةُ التَّنْوِينِ لِعُمُومِ أَفْرَادِ الْقُلُوبِ. وَتَرِدُ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ نَعْتًا لِنَكِرَةٍ أَوْ مَعْرِفَةٍ فَتَدُلُّ عَلَى كَمَالِهِ وَتَجِبُ إِضَافَتُهَا إِلَى اسْمٍ ظَاهِرٍ يُمَاثِلُهُ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوَ: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} أَيْ بَسْطًا كُلَّ الْبَسْطِ أَيْ تَامًّا، {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . ثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ تَوْكِيدًا لِمَعْرِفَةٍ فَفَائِدَتُهَا الْعُمُومُ وَتَجِبُ إِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرٍ رَاجِعٍ لِلْمُؤَكَّدِ نَحْوَ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ قَطْعَهَا حِينَئِذٍ عَنِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: "إِنَّا كُلاًّ فِيهَا ". ثالثها: ألا تَكُونُ تَابِعَةً بَلْ تَالِيَةً لِلْعَوَامِلِ فَتَقَعُ مُضَافَةً إِلَى الظَّاهِرِ وَغَيْرَ

مُضَافَةٍ، نَحْوَ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ، {وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} . وَحَيْثُ أُضِيفَتْ إِلَى مُنَكَّرٍ وَجَبَ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا نَحْوَ: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} ، {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ} ، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ} . أَوْ إِلَى مُعَرَّفٍ جَازَ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّذْكِيرِ وَمُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} . أَوْ قُطِعَتْ فَكَذَلِكَ، نَحْوَ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} ، {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} ، {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} ، {وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} . وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ بِأَنْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا أَدَاتُهُ أَوِ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ فَالنَّفْيُ مُوَجَّهٌ إِلَى الشُّمُولِ خَاصَّةً وَيُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ إِثْبَاتُ الْفِعْلِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ. وَإِنْ وَقَعَ النَّفْيُ فِي خَبَرِهَا فَهُوَ مُوَجَّهٌ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيَانِيُّونَ. وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} إِذْ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْحُبِّ لِمَنْ فِيهِ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ

وَأُجِيبُ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ إِنَّمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ وَهُوَ هُنَا مَوْجُودٌ إِذْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِيَالِ وَالْفَخْرِ مُطْلَقًا. مَسْأَلَةٌ تَتَّصِلُ " مَا " بِكُلٍّ، نَحْوَ: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً} ، وَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ وَلَكِنَّهَا نَابَتْ بِصِلَتِهَا عَنْ ظَرْفِ زَمَانٍ كَمَا يَنُوبُ عَنْهُ الْمَصْدَرُ الصَّرِيحُ وَالْمَعْنَى: كُلَّ وَقْتٍ وَلِهَذَا تُسَمَّى " مَا " هَذِهِ الْمَصْدَرِيَّةَ الظَّرْفِيَّةَ أَيِ النَّائِبَةَ عَنِ الظَّرْفِ لَا أَنَّهَا ظَرْفٌ فِي نَفْسِهَا فَكُلٌّ مِنْ " كُلَّمَا " مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى شَيْءٍ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَنَاصِبُهُ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ جَوَابٌ فِي الْمَعْنَى: وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ أَنَّ " كُلَّمَا " لِلتَّكْرَارِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ مَا لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ مُرَادٌ بِهَا الْعُمُومُ وكل أكدته. كِلَا وَكِلْتَا اسْمَانِ مُفْرَدَانِ لَفْظًا مُثَنَّيَانِ مَعْنًى، مُضَافَانِ أَبَدًا لَفْظًا وَمَعْنًى إِلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مُعَرَّفَةٍ دَالَّةٍ عَلَى اثْنَيْنِ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَهُمَا فِي التَّثْنِيَةِ كَكُلٍّ فِي الْجَمْعِ، قَالَ تَعَالَى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ} ، {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا} . كَلَّا مُرَكَّبَةٌ عِنْدَ ثَعْلَبٍ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ ولا الثانية شُدِّدَتْ لَامُهَا لِتَقْوِيَةِ الْمَعْنَى وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ بَقَاءِ مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: بَسِيطَةٌ فَقَالَ سِيبَوَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ: حَرْفٌ مَعْنَاهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ لَا مَعْنَى لَهَا عِنْدَهُمْ إِلَّا ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُمْ يُجِيزُونَ أَبَدًا الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهَا وَحَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: مَتَى سَمِعْتَ كَلَّا فِي سُورَةٍ فَاحْكُمْ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَأَكْثَرُ مَا نُزِّلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُتُوِّ كَانَ بِهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مَعْنَى الزَّجْرِ فِي نَحْوِ: {مَا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا} ، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَلَّا} ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ كَلَّا} ، وَقَوْلُهُمْ: انْتَهِ عَنْ تَرْكِ الْإِيمَانِ بِالتَّصْوِيرِ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ اللَّهُ وَبِالْبَعْثِ وَعَنِ الْعَجَلَةِ بِالْقُرْآنِ تَعَسُّفٌ إِذْ لَمْ تَتَقَدَّمْ فِي الأولين حِكَايَةُ نَفْيِ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ وَلِطُولِ الْفَصْلِ فِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ كَلَّا وَذِكْرِ الْعَجَلَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلْ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْعَلَقِ ثُمَّ نَزَلَ: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} فَجَاءَتْ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ. وَرَأَى آخَرُونَ أَنَّ مَعْنَى الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لَيْسَ مُسْتَمِرًّا فِيهَا فَزَادُوا مَعْنًى ثَانِيًا يَصِحُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوقَفَ دُونَهَا ويبتدأ بهاء. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: تَكُونُ بِمَعْنَى حَقًّا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: بِمَعْنَى أَلَا الِاسْتِفْتَاحِيَّةِ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: حَرْفُ جَوَابٍ بِمَنْزِلَةِ أَيْ وَنَعَمْ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ: {كَلَّا وَالْقَمَرِ} . وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ سَعْدَانَ: بِمَعْنَى سَوْفَ وَحَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَذْكِرَتِهِ.

قَالَ مَكِّيٌّ: وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى حَقًّا فَهِيَ اسْمٌ وَقُرِئَ: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} بِالتَّنْوِينِ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ مَصْدَرُ كَلَّ إِذَا أَعْيَا أَيْ كَلُّوا فِي دَعْوَاهُمْ وَانْقَطَعُوا أَوْ مِنَ الْكَلِّ وَهُوَ الثِّقَلُ أَيْ حَمَلُوا كَلًّا. وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَهُ حَرْفَ رَدْعٍ نُوِّنَ كَمَا فِي: {سَلاسِلا} . وَرَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا صَحَّ في: {سَلاسِلا} لأن اسْمٌ أَصْلُهُ التَّنْوِينُ فَرَجَعَ بِهِ إِلَى أَصْلِهِ لِلتَّنَاسُبِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ التَّوْجِيهُ مُنْحَصِرًا عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي ذَلِكَ بَلْ جَوَّزَ كَوْنَ التَّنْوِينِ بَدَلًا مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ الْمَزِيدِ فِي رَأْسِ الْآيَةِ ثُمَّ أَنَّهُ وُصِلَ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ. كَمْ اسْمٌ مَبْنِيٌّ لَازِمُ الصَّدْرِ مُبْهَمٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّمْيِيزِ وَتَرِدُ اسْتِفْهَامِيَّةً - وَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ - وَخَبَرِيَّةً بِمَعْنَى كَثِيرٍ. وَإِنَّمَا تَقَعُ غَالِبًا فِي مَقَامِ الِافْتِخَارِ وَالْمُبَاهَاةِ، نَحْوَ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} ، {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} ، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} . وَعَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّ أَصْلَهَا " كَمَا " فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِثْلَ بِمَ وَلِمَ وَحَكَاهُ الزَّجَّاجُ. وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَفْتُوحَةَ الْمِيمِ.

كَيْ حَرْفٌ لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّعْلِيلُ نَحْوَ: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ} . وَالثَّانِي: مَعْنَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ نَحْوَ: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} لِصِحَّةِ حُلُولِ أَنْ مَحَلَّهَا وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَرْفَ تَعْلِيلٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَرْفُ تَعْلِيلٍ. كَيْفَ اسْمٌ يَرِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الشَّرْطُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} ، {يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} ، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} . وَجَوَابُهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا. وَالِاسْتِفْهَامُ وَهُوَ الْغَالِبُ وَيُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الشَّيْءِ لَا عَنْ ذَاتِهِ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَإِنَّمَا يُسْأَلُ بِهَا عَمَّا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ شَبِيهٌ وَغَيْرُ شَبِيهٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّهِ: كَيْفَ. قَالَ: وَكُلَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِلَفْظِ " كَيْفَ " عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ اسْتِخْبَارٌ عَلَى طَرِيقِ التَّنْبِيهِ لِلْمُخَاطَبِ أَوِ التَّوْبِيخِ، نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} ، {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً} .

اللَّامُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: جَارَّةٌ، وَنَاصِبَةٌ، وَجَازِمَةٌ، وَمُهْمَلَةٌ، غَيْرُ عَامِلَةٍ. فَالْجَارَّةُ مَكْسُورَةٌ مَعَ الظَّاهِرِ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فَالضَّمَّةُ عَارِضَةٌ لِلْإِتْبَاعِ مفتوحة مع المضمر إِلَّا الْيَاءَ. وَلَهَا مَعَانٍ: الِاسْتِحْقَاقُ: وَهِيَ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ مَعْنًى وَذَاتٍ، نَحْوَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، {لِلَّهِ الأَمْرُ} ، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ، {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} . وَالِاخْتِصَاصُ: نَحْوَ: {إِنَّ لَهُ أَباً} ، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} . وَالْمِلْكُ: نَحْوَ: {لَهُ ماَ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} . وَالتَّعْلِيلُ: نَحْوَ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} ، أَيْ وَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} الْآيَةُ، فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ أَيْ لِأَجْلِ إِيتَائِي إِيَّاكُمْ بَعْضَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ثُمَّ لِمَجِيءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} ، فما مَصْدَرِيَّةٌ وَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} وتعلقها بـ" يعبدوا ". وقيل: بما قبلها أَيْ {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} وَرُجِّحَ بِأَنَّهُمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ

وَمُوَافَقَةُ " إِلَى " نَحْوَ: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} ، {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} . وَ" عَلَى " نَحْوَ: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} ، {دَعَانَا لِجَنْبِهِ} ، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ، {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} أَيْ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَ" فِي " نَحْوَ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ، {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ، أَيْ فِي حَيَاتِي. وَقِيلَ: هِيَ فِيهَا لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ لِأَجْلِ حَيَاتِي فِي الْآخِرَةِ. وَ" عِنْدَ " كَقِرَاءَةِ الْجَحْدَرِيِّ: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} . وَ" بَعْدَ " نَحْوَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} . وَ" عَنْ " نَحْوَ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أَيْ عَنْهُمْ وَفِي حَقِّهِمْ لَا أَنَّهُمْ خَاطَبُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَّا لَقِيلَ: "مَا سَبَقْتُمُونَا ". وَالتَّبْلِيغُ: وَهِيَ الْجَارَّةُ لِاسْمِ السَّامِعِ لِقَوْلٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْإِذْنِ. وَالصَّيْرُورَةُ: وَتُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ، نَحْوَ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ

عَدُوّاً وَحَزَناً} ، فَهَذَا عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ لَا عِلَّتُهُ إِذْ هِيَ التبني ومنع قول ذَلِكَ وَقَالُوا: هِيَ لِلتَّعْلِيلِ مَجَازًا لِأَنَّ كَوْنَهُ عَدُوًّا لَمَّا كَانَ نَاشِئًا عَنِ الِالْتِقَاطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضًا لَهُمْ - نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْغَرَضِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ حَقِيقَةً وَأَنَّهُمُ الْتَقَطُوهُ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: "لِمَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أَيْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا انْتَهَى. وَالتَّأْكِيدُ: وَهِيَ الزَّائِدَةُ أَوِ الْمُقَوِّيَةُ لِلْعَامِلِ الضَّعِيفِ لِفَرْعِيَّةٍ أَوْ تَأْخِيرٍ نحو: {رَدِفَ لَكُمْ} ، {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} ، {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} ، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} ، {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} . وَالتَّبْيِينُ لِلْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، نَحْوَ: {فَتَعْساً لَهُمْ} ، {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} ، {هَيْتَ لَكَ} . وَالنَّاصِبَةُ هِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ، وَادَّعَى الكوفيون نصبها وَقَالَ غَيْرُهُمْ بِأَنْ مَقْدَّرَةٍ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِاللَّامِ. وَالْجَازِمَةُ وَهِيَ لَامُ الطَّلَبِ وَحَرَكَتُهَا الْكَسْرُ وَسُلَيْمٌ تَفْتَحُهَا وَإِسْكَانُهَا بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ أَكْثَرُ مِنْ تَحْرِيكِهَا، نَحْوَ: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} .

وَقَدْ تُسَكَّنُ بَعْدَ ثُمَّ نَحْوَ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا} ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَبُ أَمْرًا نَحْوَ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} أَوْ دُعَاءً نَحْوَ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} . وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ إِلَى الْخَبَرِ نَحْوَ: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ} ، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} . أَوِ التَّهْدِيدِ نَحْوَ: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} . وَجَزْمُهَا فِعْلَ الْغَائِبِ كَثِيرٌ، نَحْوَ: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} وَفِعْلَ الْمُخَاطَبِ قَلِيلٌ وَمِنْهُ: {فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا} فِي قِرَاءَةِ التَّاءِ وَفِعْلَ الْمُتَكَلِّمِ أَقَلُّ وَمِنْهُ: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ: أَرْبَعٌ: لَامُ الِابْتِدَاءِ وَفَائِدَتُهَا أَمْرَانِ تَوْكِيدُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا زَحْلَقُوهَا فِي بَابِ إِنَّ عَنْ صَدْرِ الْجُمْلَةِ كَرَاهَةَ تَوَالِي مُؤَكِّدَيْنِ وَتَخْلِيصَ الْمُضَارِعِ لِلْحَالِ وَتَدْخُلُ فِي الْمُبْتَدَإِ نَحْوَ: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} . وَفِي خَبَرِ إِنَّ نَحْوَ: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} ، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وَاسْمِهَا الْمُؤَخَّرِ نَحْوَ: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالأُولَى}

وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ فِي خَبَرِ " أَنَّ " الْمَفْتُوحَةِ كَقِرَاءَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} والمفعول كَقَوْلِهِ: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} وَلَامُ الْجَوَابِ لِلْقَسَمِ أَوْ " لَوْ " أَوْ " لَوْلَا " نَحْوَ: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ} ، {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} ، {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا} ، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} وَاللَّامُ الْمُوَطِّئَةُ وَتُسَمَّى الْمُؤْذِنَةُ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَدَاةِ شَرْطٍ لِلْإِيذَانِ بأن الجواب بعدها مَبْنِيٌّ عَلَى قَسَمٍ مُقَدَّرٍ نَحْوَ: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ} وَخُرِّجَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} . لَا عَلَى أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَهِيَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَ " إِنَّ " وذلك إذا أريد بها نفس الْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيصِ وَتُسَمَّى حِينَئِذٍ تَبْرِئَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ نَصْبُهَا إِذَا كَانَ اسْمُهَا مُضَافًا أَوْ شِبْهَهُ وَإِلَّا فَيُرَكَّبُ مَعَهَا نَحْوَ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، {لا رَيْبَ فِيهِ} .

فَإِنْ تَكَرَّرَتْ جَازَ التَّرْكِيبُ وَالرَّفْعُ نَحْوَ: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ ولا جدال} {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} . ثَانِيهَا: أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَ لَيْسَ نَحْوَ: {وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} . ثَالِثُهَا وَرَابِعُهَا: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً أَوْ جَوَابِيَّةً وَلَمْ يَقَعَا فِي الْقُرْآنِ. خَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا جُمْلَةً اسْمِيَّةً صَدْرُهَا مَعْرِفَةٌ أَوْ نَكِرَةٌ وَلَمْ تَعْمَلْ فِيهَا أَوْ فِعْلًا مَاضِيًا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا وَجَبَ تَكْرَارُهَا نَحْوَ: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} . أَوْ مُضَارِعًا لَمْ يَجِبْ نَحْوَ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ} {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} وَتَعْتَرِضُ لَا هَذِهِ بَيْنَ النَّاصِبِ وَالْمَنْصُوبِ نَحْوَ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ} وَالْجَازِمِ وَالْمَجْزُومِ نَحْوَ: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِطَلَبِ التَّرْكِ فَتَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَتَقْتَضِي جَزْمَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ سَوَاءٌ كَانَ نَهْيًا نَحْوَ: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} ،

{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ} {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إ} أَوْ دُعَاءً نَحْوَ: {لَا تُؤَاخِذْنَا} . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: التَّأْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ نَحْوَ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ} {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أَيْ لِيَعْلَمُوا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَا هُنَا مُؤَكِّدَةٌ قَائِمَةٌ مَقَامَ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَفَائِدَتُهَا مَعَ التَّوْكِيدِ التَّمْهِيدُ لِنَفْيِ الْجَوَابِ وَالتَّقْدِيرُ: "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُتْرَكُونَ سُدًى " وَمِثْلُهُ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ لَأُقْسِمُ وَقِيلَ: نَافِيَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ فَقِيلَ: لَهُمْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ الْقَسَمُ قَالُوا: وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِهَذَا يُذْكَرُ الشَّيْءُ فِي سُورَةٍ وَجَوَابُهُ فِي سورة نحو: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} ، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} . وقيل: منفيتها أُقْسِمُ عَلَى أَنَّهُ إِخْبَارٌ لَا إِنْشَاءٌ وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: وَالْمَعْنَى نَفْيُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ بِالشَّيْءِ إِلَّا إِعْظَامًا لَهُ بِدَلِيلِ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ

النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ إِعْظَامَهُ بِالْإِقْسَامِ بِهِ كَلَا إِعْظَامٍ أَيْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إِعْظَامًا فَوْقَ ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا} فَقِيلَ: لَا نَافِيَةٌ وَقِيلَ: نَاهِيَةٌ وَقِيلَ: زَائِدَةٌ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} فَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَقِيلَ: نَافِيَةٌ وَالْمَعْنَى يَمْتَنِعُ عَدَمُ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْآخِرَةِ. تَنْبِيهٌ تَرِدُ " لَا " اسْمًا بِمَعْنَى غَيْرٍ فَيَظْهَرُ إِعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا نَحْوَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ، {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} ، {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} . فَائِدَةٌ قَدْ تُحْذَفُ أَلِفُهَا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ ابْنُ جِنِّي: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} . لَاتَ اخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ قَوْمٌ: فِعْلٌ مَاضٍ بِمَعْنَى نَقْصٍ. وَقِيلَ: أَصْلُهَا لَيْسَ تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ فَقُلِبَتْ أَلِفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا وَأُبْدِلَتِ السِّينُ تَاءً وَقِيلَ هِيَ كَلِمَتَانِ لَا النَّافِيَةُ زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ لِتَأْنِيثِ الْكَلِمَةِ وَحُرِّكَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ،

وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: هِيَ لَا النَّافِيَةُ وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ فِي أَوَّلِ الْحِينِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَنَّهُ وَجَدَهَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ مُخْتَلِطَةً بِحِينٍ فِي الْخَطِّ. وَاخْتُلِفَ فِي عَمَلِهَا، فَقَالَ الْأَخْفَشُ: لَا تَعْمَلُ شَيْئًا فَإِنْ تَلَاهَا مَرْفُوعٌ فَمُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَوْ مَنْصُوبٌ فَبِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} بِالرَّفْعِ أَيْ كَائِنٌ لَهُمْ وَبِالنَّصْبِ أَيْ لَا أَرَى حِينَ مَنَاصٍ. وَقِيلَ: تَعْمَلُ عَمَلَ إِنَّ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا إِلَّا أَحَدُ الْمَعْمُولَيْنِ وَلَا تَعْمَلُ إِلَّا فِي لَفْظِ الْحِينِ قِيلَ: أَوْ مَا رَادَفَهُ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ حَرْفَ جَرٍّ لِأَسْمَاءِ الزَّمَانِ خَاصَّةً وَخَرَّجَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: {وَلاتَ حِينِ} بِالْجَرِّ. لَا جَرَمَ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ مَتْلُوَّةٍ بِأَنْ وَاسْمِهَا، وَلَمْ يجيء بَعْدَهَا فِعْلٌ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ: لَا نَافِيَةٌ لما تقدم وجرم فعل معناه حق وأن مَعَ مَا فِي حَيِّزِهِ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. وَقِيلَ: زَائِدَةٌ وَجَرَمَ مَعْنَاهُ كَسَبَ أَيْ كَسَبَ لَهُمْ عَمَلُهُمُ النَّدَامَةَ وَمَا فِي حَيِّزِهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.

وَقِيلَ: هُمَا كَلِمَتَانِ رُكِّبَتَا وَصَارَ مَعْنَاهُمَا حَقًّا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا لَا بُدَّ وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ. لَكِنَّ مُشَدَّدَةُ النُّونِ: حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِدْرَاكُ وَفُسِّرَ بِأَنْ تَنْسُبَ لِمَا بَعْدَهَا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ مَا قَبْلَهَا وَلِذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا كَلَامٌ مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهَا أَوْ مُنَاقِضٌ لَهُ، نَحْوَ: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} . وَقَدْ تَرِدُ لِلتَّوْكِيدِ مُجَرَّدًا عَنِ الِاسْتِدْرَاكِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ، وَفُسِّرَ الِاسْتِدْرَاكُ بِرَفْعِ مَا تُوُهِّمَ ثُبُوتُهُ نَحْوَ مَا زَيْدٌ شُجَاعًا لَكِنَّهُ كَرِيمٌ لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْكَرَمَ لَا يَكَادَانِ يَفْتَرِقَانِ فَنَفْيُ أَحَدِهِمَا يُوهِمُ نَفْيَ الْآخَرِ. وَمِثْلُ التَّوْكِيدِ بِنَحْوِ: لَوْ جَاءَنِي أَكْرَمْتُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يجيء فَأَكَّدَتْ مَا أَفَادَتْهُ " لَوْ " مِنَ الِامْتِنَاعِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عُصْفُورٍ أَنَّهَا لَهُمَا مَعًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَمَا أن كأن للتشبيه لمؤكد وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ " لَكِنْ أَنَّ " فَطُرِحَتِ الْهَمْزَةُ لِلتَّخْفِيفِ وَنُوِّنَ " لَكِنْ " لِلسَّاكِنَيْنِ.

لَكِنْ مُخَفَّفَةٌ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَهِيَ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ لَا يَعْمَلُ بَلْ لِمُجَرَّدِ إِفَادَةِ الِاسْتِدْرَاكِ وَلَيْسَتْ عَاطِفَةً لِاقْتِرَانِهَا بِالْعَاطِفِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} . وَالثَّانِي: عَاطِفَةٌ إِذَا تَلَاهَا مُفْرَدٌ وَهِيَ أَيْضًا لِلِاسْتِدْرَاكِ نَحْوَ: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} ، {لَكِنِ الرَّسُولُ} ، {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} . لَدَى وَلَدُنْ تَقَدَّمَتَا فِي عِنْدَ. لَعَلَّ حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَلَهُ مَعَانٍ: أَشْهَرُهَا: التَّوَقُّعُ وَهُوَ التَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ، نَحْوَ: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . وَالْإِشْفَاقُ فِي الْمَكْرُوهِ، نَحْوَ: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ، وَذَكَرَ التَّنُوخِيُّ أَنَّهَا تُفِيدُ تَأْكِيدَ ذَلِكَ. الثَّانِي: التَّعْلِيلُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .

الثَّالِثُ: الِاسْتِفْهَامُ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} ، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} ، وَلِذَا عَلَّقَ " تَدْرِي ". قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَحَكَى الْبَغَوَيُّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " لَعَلَّ " فَإِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ إِلَّا قَوْلَهُ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فَإِنَّهَا لِلتَّشْبِيهِ، قَالَ: وَكَوْنُهَا لِلتَّشْبِيهِ غَرِيبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ النُّحَاةُ، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أَنَّ لَعَلَّ لِلتَّشْبِيهِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِلرَّجَاءِ الْمَحْضِ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ. انْتَهَى. قُلْتُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: "لَعَلَّكُمْ " فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى " كَيْ " غَيْرَ آيَةٍ فِي الشُّعَرَاءِ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} يَعْنِي كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: {وتَتَخِّذُونَ مَصَانِعَ كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ} . لَمْ حَرْفُ جَزْمٍ لِنَفْيِ الْمُضَارِعِ وَقَلْبِهِ مَاضِيًا نَحْوَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وَالنَّصْبُ بِهَا لُغَةٌ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا قِرَاءَةَ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} .

لَمَّا عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ جَزْمٍ فَتَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَتَنْفِيهِ وَتَقْلِبُهُ مَاضِيًا كَـ" لَمْ " لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ مِنْ أَوْجُهٍ أَنَّهَا لَا تَقْتَرِنُ بِأَدَاةِ شَرْطٍ وَنَفْيُهَا مُسْتَمِرٌّ إِلَى الْحَالِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ وَمُتَوَقَّعٌ ثُبُوتُهُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ في: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} الْمَعْنَى لَمْ يَذُوقُوهُ وَذَوْقُهُ لَهُمْ مُتَوَقَّعٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} : مَا فِي لَمَّا مِنْ مَعْنَى التَّوَقُّعِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ آمَنُوا فِيمَا بَعْدُ وَأَنَّ نَفْيَهَا آكَدُ مِنْ نَفْيِ لَمْ فَهِيَ لِنَفْيِ قَدْ فَعَلَ وَلَمْ لِنَفْيِ فَعَلَ وَلِهَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ تَبَعًا لِابْنِ جِنِّي: إنها مركبة من لم وما وَإِنَّهُمْ لَمَّا زَادُوا فِي الْإِثْبَاتِ " قَدْ " زَادُوا فِي النَّفْيِ " مَا " وَأَنَّ مَنْفِيَ " لَمَّا " جَائِزُ الْحَذْفِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ " لَمْ " وَهِيَ أَحْسَنُ مَا يُخَرَّجُ عَلَيْهِ: {وَإِنَّ كُلّاً لَمَّا} أَيْ لَمَّا يُهْمَلُوا أَوْ يُتْرَكُوا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا أَعْرِفُ وَجْهًا فِي الْآيَةِ أَشْبَهَ مِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَتِ النُّفُوسُ تَسْتَبْعِدُهُ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي التَّنْزِيلِ، قَالَ: وَالْحَقُّ أَلَّا يُسْتَبْعَدَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أن يقدر " لما يوفوا أعمالها "، أَيْ إِنَّهُمْ إِلَى الْآنِ لَمْ يُوَفَّوْهَا وَسَيُوَفَّوْنَهَا. الثَّانِي: أَنْ تَدْخُلَ على الماضي فتقضي جُمْلَتَيْنِ وُجِدَتِ الثَّانِيَةُ عِنْدَ وُجُودِ الْأُولَى نَحْوَ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} وَيُقَالُ: فِيهَا حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا حِينَئِذٍ ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينٍ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: بِمَعْنَى إِذْ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَاضِي وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى الْجُمْلَةِ.

وَجَوَابُ هَذِهِ يَكُونُ مَاضِيًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَجُمْلَةً اسْمِيَّةً بِالْفَاءِ أَوْ بِإِذَا الْفُجَائِيَّةِ، نَحْوَ: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} . وَجَوَّزَ ابْنُ عُصْفُورٍ كَوْنَهُ مُضَارِعًا نَحْوَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} وَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ بِـ"جَادَلَنَا". الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ اسْتِثْنَاءٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْمَاضِيَّةِ نَحْوَ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} بِالتَّشْدِيدِ أَيْ "إِلَّا" {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . لَنْ حَرْفُ نَفْيٍ وَنَصْبٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَالنَّفْيُ بِهَا أَبْلَغُ مِنَ النَّفْيِ بِلَا فَهِيَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ الْخَبَّازِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ مَنَعَهُ مُكَابَرَةً فَهِيَ لِنَفْيِ إِنِّي أفعل ولا لِنَفْيِ أَفْعَلُ كَمَا فِي " لَمْ " " ولما ". قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَرَبُ تَنْفِي الْمَظْنُونَ بِلَنْ وَالْمَشْكُوكَ بِلَا ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي التِّبْيَانِ. وَادَّعَى الزَّمَخْشَرِيُّ أيضا أنها لتأييد النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} {وَلَنْ تَفْعَلُوا} .

وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُهُ فِي {لَنْ تَرَانِي} ، أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى. وَرَدَّ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّأْبِيدِ لَمْ يُقَيَّدْ مَنْفِيُّهَا بِالْيَوْمِ فِي {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} ، وَلَمْ يَصِحَّ التَّوْقِيتُ فِي {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} وَلَكَانَ ذِكْرُ " الْأَبَدِ " فِي {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} تَكْرَارًا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَاسْتِفَادَةُ التَّأْبِيدِ فِي {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} وَنَحْوِهِ مِنْ خَارِجٍ. وَوَافَقَهُ عَلَى إِفَادَةِ التَّأْبِيدِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {لَنْ تَرَانِي} لَوْ بَقِينَا عَلَى هَذَا النَّفْيِ لَتَضَمَّنَ أَنَّ مُوسَى لَا يَرَاهُ أَبَدًا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لَكِنْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَهُ. وَعَكَسَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ مَقَالَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ فَقَالَ: إِنَّ لَنْ لِنَفْيِ مَا قَرُبَ وَعَدَمِ امْتِدَادِ النَّفْيِ وَلَا يَمْتَدُّ مَعْنَى النَّفْيِ، قَالَ: وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الألفاظ مشاكلة للمعاني ولا آخِرُهَا الْأَلِفُ وَالْأَلِفُ يُمْكِنُ امْتِدَادُ الصَّوْتِ بِهَا بِخِلَافِ النُّونِ فَطَابَقَ كُلُّ لَفْظٍ مَعْنَاهُ. قَالَ: وَلِذَلِكَ أَتَى بِـ"لَنْ" حَيْثُ لَمْ يَرِدْ بِهِ النَّفْيُ مُطْلَقًا بَلْ فِي الدُّنْيَا حَيْثُ قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} وَبِـ" لَا " فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} حَيْثُ أُرِيدَ نَفْيُ الْإِدْرَاكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلرُّؤْيَةِ انْتَهَى.

قِيلَ: وَتَرِدُ لَنْ لِلدُّعَاءِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ} الآية. لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ فِي الْمُضِيِّ يُصْرَفُ الْمُضَارِعُ إِلَيْهِ بِعَكْسِ إِنْ الشَّرْطِيَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِي إِفَادَتِهَا الِامْتِنَاعَ وَكَيْفِيَّةِ إِفَادَتِهَا إِيَّاهُ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَا تُفِيدُهُ بِوَجْهٍ وَلَا تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّرْطِ وَلَا امْتِنَاعِ الْجَوَابِ بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ رَبْطِ الْجَوَابِ بِالشَّرْطِ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي كَمَا دَلَّتْ " إِنْ " عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَمْ تَدُلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعٍ وَلَا ثُبُوتٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ كَإِنْكَارِ الضَّرُورِيَّاتِ إِذْ فَهْمُ الِامْتِنَاعِ مِنْهَا كَالْبَدِيهِيِّ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ لَوْ فَعَلَ فَهِمَ عَدَمَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلِهَذَا جَازَ اسْتِدْرَاكُهُ فَتَقُولُ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِئْ. الثَّانِي: وَهُوَ لِسِيبَوَيْهِ: قَالَ: إِنَّهَا حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، أَيْ أَنَّهَا تَقْتَضِي فِعْلًا مَاضِيًا كَانَ يُتَوَقَّعُ ثُبُوتُهُ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ وَالْمُتَوَقَّعُ غَيْرُ وَاقِعٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَرْفٌ يَقْتَضِي فِعْلًا امْتَنَعَ لِامْتِنَاعِ مَا كَانَ يَثْبُتُ لِثُبُوتِهِ. الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النُّحَاةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُعْرِبُونَ: أَنَّهَا حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ أَيْ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ فَقَوْلُكَ: لَوْ جِئْتَ لَأَكْرَمْتُكَ دَالٌّ عَلَى امْتِنَاعِ الْإِكْرَامِ لِامْتِنَاعِ الْمَجِيءِ وَاعْتُرِضَ

بِعَدَمِ امْتِنَاعِ الْجَوَابِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} ، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} فَإِنَّ عَدَمَ النَّفَادِ عِنْدَ فَقْدِ مَا ذُكِرَ وَالتَّوَلِّي عِنْدَ عَدَمِ الْإِسْمَاعِ أَوْلَى. وَالرَّابِعُ: وَهُوَ لِابْنِ مَالِكٍ: أَنَّهَا حَرْفٌ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ مَا يَلِيهِ وَاسْتِلْزَامَهُ لِتَالِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْيِ التَّالِي قَالَ: فَقِيَامُ زِيدٍ مِنْ قَوْلِكَ: لَوْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو مَحْكُومٌ بِانْتِفَائِهِ وَبِكَوْنِهِ مُسْتَلْزِمًا ثُبُوتُهُ لِثُبُوتِ قِيَامٍ مِنْ عَمْرٍو وَهَلْ وَقَعَ لِعَمْرٍو قِيَامٌ آخَرُ غَيْرُ اللَّازِمِ عَنْ قِيَامِ زَيْدٍ أَوْ لَيْسَ لَهُ؟ لَا تَعَرُّضَ لِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ أَجْوَدُ الْعِبَارَاتِ. فَائِدَةٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " لَوْ " فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَبَدًا. فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ تَخْتَصُّ لَوِ الْمَذْكُورَةُ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا نَحْوُ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} فَعَلَى تَقْدِيرِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَإِذَا وَقَعَتْ أَنَّ بَعْدَهَا وَجَبَ كَوْنُ خَبَرِهَا فِعْلًا لِيَكُونَ عِوَضًا عَنِ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ وَرَدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِآيَةِ ولو أن ما في الأرض وَقَالَ إِنَّمَا ذَاكَ إِذَا كَانَ مُشْتَقًّا لَا جَامِدًا وَرَدَّهُ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ:

لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الْفَلَاحِ أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ وُجِدَتْ آيَةٌ فِي التَّنْزِيلِ وَقَعَ فِيهَا الْخَبَرُ اسْمًا مُشْتَقًّا وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ كَمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ لِآيَةِ لُقْمَانَ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِلَّا لَمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ابْنُ مَالِكٍ وَإِلَّا لَمَا اسْتَدَلَّ بِالشِّعْرِ وَهِيَ قَوْلُهُ: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} وَوُجِدَتْ آيَةُ الْخَبَرِ فِيهَا ظَرْفٌ: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الأَوَّلِينَ} . وَرَدَّ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ وَابْنُ الدَّمَامِينِيِّ: بِأَنَّ لَوْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِلتَّمَنِّي وَالْكَلَامُ فِي الْامْتِنَاعِيَّةِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَقَالَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ سَبَقَهُ إِلَيْهَا السِّيرَافِيُّ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ وَمَا اسْتُدْرِكَ بِهِ مَنْقُولٌ قَدِيمًا فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ لِابْنِ الْخَبَّازِ لَكِنْ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهِ فَقَالَ فِي بَابِ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا: قَالَ السِّيرَافِيُّ: لَوْ أَنَّ زَيْدًا أَقَامَ لَأَكْرَمْتُهُ لَا يَجُوزُ لَوْ أَنَّ زَيْدًا حَاضِرًا لَأَكْرَمْتُهُ لِأَنَّكَ لَمْ تَلْفَظْ بِفِعْلٍ يَسُدُّ مَسَدَّ ذَلِكَ الْفِعْلِ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} فَأُوقِعَ خَبَرُهَا صِفَةً وَلَهُمْ أَنَّ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ هَذِهِ لِلتَّمَنِّي فَأُجْرِيَتْ مجرى ليت كما نقول لَيْتَهُمْ بَادُونَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَجَوَابُ " لَوْ " إِمَّا مُضَارِعٌ مَنْفِيٌّ بِـ" لَمْ " أَوْ مَاضٍ مُثْبَتٌ أَوْ مَنْفِيٌّ بِـ" مَا " وَالْغَالِبُ عَلَى الْمُثْبَتِ دُخُولُ اللَّامِ عَلَيْهِ نَحْوَ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} وَمِنْ تَجَرُّدِهِ، {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} وَالْغَالِبُ عَلَى الْمَنْفِيِّ تَجَرُّدُهُ، نَحْوَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} .

فائدة ثانية قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ: لَوْ جَاءَنِي زِيدٌ لَكَسَوْتُهُ وَلَوْ زَيْدٌ جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ وَلَوْ أَنَّ زَيْدًا جَاءَنِي لَكَسَوْتُهُ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْأَوَّلِ مُجَرَّدُ رَبْطِ الْفِعْلَيْنِ وَتَعْلِيقُ أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ لَا غَيْرَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى التَّعَلُّقِ السَّاذَجِ وَفِي الثَّانِي انْضَمَّ إِلَى التَّعْلِيقِ أَحَدُ مَعْنَيَيْنِ إِمَّا نَفْيُ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ وَأَنَّ الْمَذْكُورَ مَكْسُوٌّ لَا مَحَالَةَ وَإِمَّا بَيَانُ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَتُخَرَّجَ عَلَيْهِ آيَةُ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} وَفِي الثَّالِثِ مَعَ مَا فِي الثَّانِي زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ الَّذِي تُعْطِيهِ " أَنَّ " وَإِشْعَارٌ بِأَنَّ زَيْدًا كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجِيءَ وَأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الْمَجِيءَ قَدْ أَغْفَلَ حَظَّهُ وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} وَنَحْوُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَخَرِّجْ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ. تَنْبِيهٌ تَرِدُ " لَوْ " شَرْطِيَّةً فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا " إِنْ " نَحْوَ: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ، {لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} وَمَصْدَرِيَّةً وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا أَنْ الْمَفْتُوحَةُ وَأَكْثَرُ وُقُوعِهَا بَعْدَ وَدَّ وَنَحْوِهِ نَحْوَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} ، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} ، {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي} أَيِ الرَّدُّ وَالتَّعْمِيرُ وَالِافْتِدَاءُ.

وَلِلتَّمَنِّي وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا لَيْتَ نَحْوَ: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} وَلِهَذَا نُصِبَ الْفِعْلُ فِي جَوَابِهَا. وللتعليل، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} . لَوْلَا عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَيَكُونُ جَوَابُهَا فِعْلًا مَقْرُونًا بِاللَّامِ إِنْ كَانَ مُثْبَتًا نَحْوَ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ} وَمُجَرَّدًا مِنْهَا إِنْ كَانَ مَنْفِيًّا نَحْوَ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} وَإِنْ وَلِيَهَا ضَمِيرٌ فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ رَفْعٍ نَحْوَ: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} . الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى هَلَّا فَهِيَ لِلتَّحْضِيضِ وَالْعَرْضِ فِي الْمُضَارِعِ أَوْ مَا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} ، {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} وَلِلتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ فِي الْمُضَارِعِ نَحْوَ: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ، {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} ، {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} ،

{فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} ، {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الثالث: أن تكون للاستفهام ذكر الْهَرَوِيُّ وَجَعَلَ مِنْهُ: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي} ، {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِيهِمَا بِمَعْنَى " هَلَّا ". الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ أَيْضًا وَجَعَلَ مِنْهُ: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} أَيْ فَمَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ أَيْ أَهْلُهَا عِنْدَ مَجِيءِ الْعَذَابِ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا وَالْجُمْهُورُ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ التَّوْبِيخُ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَذَابِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ " فَهَلَّا " وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُنْقَطِعٌ. فَائِدَةٌ نُقِلَ عَنِ الْخَلِيلِ: أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " لَوْلَا " فَهِيَ بِمَعْنَى " هَلَّا " إِلَّا {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} لَوْلَا فِيهِ امْتِنَاعِيَّةٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ لَهُمْ بِهَا أَوْ لِوَاقِعِهَا. وَقَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} وَقَوْلُهُ: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} أَيْ لَأَبْدَتْ بِهِ فِي آيَاتٍ أُخَرَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَنْبَأَنَا مُوسَى الْخَطْمِيُّ أَنْبَأَنَا هَارُونُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ " فَلَوْلَا " فَهُوَ " فَهَلَّا " إِلَّا حَرْفَيْنِ: فِي يُونُسَ: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} ، يَقُولُ: فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ وَقَوْلِهِ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مُرَادُ الْخَلِيلِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ " لَوْلَا " الْمُقْتَرِنَةُ بِالْفَاءِ. لَوْمَا بِمَنْزِلَةِ " لَوْلَا " قَالَ تَعَالَى: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ} وَقَالَ الْمَالِقِيُّ: لَمْ تَرِدْ إِلَّا لِلتَّحْضِيضِ. لَيْتَ حَرْفٌ يَنْصِبُ الِاسْمَ وَيَرْفَعُ الْخَبَرَ وَمَعْنَاهُ التَّمَنِّي وَقَالَ التَّنُوخِيُّ: إِنَّهَا تُفِيدُ تَأْكِيدَهُ. لَيْسَ فِعْلٌ جَامِدٌ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى قَوْمٌ حَرْفِيَّتَهُ وَمَعْنَاهُ نَفْيُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ فِي الْحَالِ وَنَفْيُ غَيْرِهِ بِالْقَرِينَةِ. وَقِيلَ: هِيَ لِنَفْيِ الْحَالِ وَغَيْرِهِ وَقَوَّاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

{أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} فَإِنَّهُ نَفْيٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَتَرِدُ لِلنَّفْيِ الْعَامِّ الْمُسْتَغْرَقِ المراد به الجنس كلا التَّبْرِئَةِ وَهُوَ مِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} . مَا اسْمِيَّةٌ وَحَرْفِيَّةٌ: فَالِاسْمِيَّةُ تَرِدُ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي نَحْوَ: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} وَيَسْتَوِي فِيهَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْمُفْرَدُ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعُ وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا لَا يُعْلَمُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعَالِمِ نَحْوَ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أَيِ اللَّهُ وَيَجُوزُ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ} وَهَذِهِ مُعَرَّفَةٌ بِخِلَافِ الْبَاقِي. وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ بِمَعْنَى أَيِّ شَيْءٍ وَيُسْأَلُ بِهَا عَنْ أَعْيَانِ مَا لَا يُعْقَلُ وَأَجْنَاسِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَجْنَاسِ الْعُقَلَاءِ وَأَنْوَاعِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ نحو: {مَا هِيَ} {مَا لَوْنُهَا} {مَا وَلَّاهُمْ} {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} {وَمَا الرَّحْمَنُ}

وَلَا يُسْأَلُ بِهَا عَنْ أَعْيَانِ أُولِي الْعِلْمِ خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ فِرْعَوْنَ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} فإن قَالَهُ جَهْلًا وَلِهَذَا أَجَابَهُ مُوسَى بِالصِّفَاتِ. وَيَجِبُ حَذْفُ أَلِفِهَا إِذَا جُرَّتْ وَإِبْقَاءُ الْفَتْحَةِ دَلِيلًا عَلَيْهَا فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْصُولَةِ نَحْوَ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} . وَشُرْطِيَّةٌ نَحْوَ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ} {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} وَهَذِهِ مَنْصُوبَةٌ بِالْفِعْلِ بَعْدَهَا. تَعَجُّبِيَّةٌ نَحْوَ: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي قِرَاءَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {مَا أَغَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} وَمَحَلُّهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهَا خَبَرٌ وَهِيَ نَكِرَةٌ تَامَّةٌ. وَنَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ نَحْوَ: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ} أَيْ نِعْمَ شَيْئًا يَعِظُكُمْ بِهِ. وَغَيْرُ مَوْصُوفَةٍ نَحْوَ: {فَنِعِمَّا هِيَ} أَيْ نِعْمَ شَيْئًا هِيَ. وَالْحَرْفِيَّةُ تَرِدُ مَصْدَرِيَّةً إِمَّا زَمَانِيَّةٌ نَحْوَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ،

أَيْ مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِكُمْ أَوْ غَيْرُ زَمَانِيَّةٍ نَحْوَ: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ} أَيْ بِنِسْيَانِكُمْ. وَنَافِيَةٌ إِمَّا عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ نَحْوَ: {مَا هَذَا بَشَراً} {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وَلَا رَابِعَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ. أَوْ غَيْرُ عَامِلَةٍ نَحْوَ: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} . قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهِيَ لِنَفْيِ الْحَالِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ أَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا فِي النَّفْيِ جَوَابًا لِقَدْ فِي الْإِثْبَاتِ فَكَمَا أَنَّ " قَدْ " فِيهَا مَعْنَى التَّأْكِيدِ فَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ جَوَابًا لَهَا. وَزَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ إِمَّا كَافَّةٌ نَحْوَ: {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ} {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} . أَوْ غَيْرُ كَافَّةٍ نَحْوَ: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} {أَيّاً مَا تَدْعُوا} {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} {فَبِمَا رَحْمَةٍ} {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} {مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} .

قَالَ الْفَارِسِيُّ: جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الشَّرْطِ بَعْدَ " إِمَّا " مؤكد بالنون لمشابهة فِعْلَ الشَّرْطِ بِدُخُولِ مَا لِلتَّأْكِيدِ لِفِعْلِ الْقَسَمِ مِنْ جِهَةِ " أَنَّ " مَا كَاللَّامِ فِي الْقَسَمِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّأْكِيدِ وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: زِيَادَةُ مَا مُؤْذِنَةٌ بِإِرَادَةِ شِدَّةِ التَّأْكِيدِ. فَائِدَةٌ حَيْثُ وَقَعَتْ " مَا " قَبْلَ لَيْسَ أَوْ لَمْ أَوْ لَا أَوْ بَعْدَ إِلَّا فَهِيَ مَوْصُولَةٌ نَحْوَ: {مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} {مَا لَمْ يَعْلَمْ} {مَا لا تَعْلَمُونَ} {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} . وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَعْدَ كَافِ التَّشْبِيهِ فَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَعْدَ الْبَاءِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُهُمَا نَحْوَ: {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} وَحَيْثُ وَقَعَتْ بَيْنَ فِعْلَيْنِ سَابِقُهُمَا عِلْمٌ أَوْ دِرَايَةٌ أَوْ نَظَرٌ احْتَمَلَتِ الْمَوْصُولَةَ وَالِاسْتِفْهَامِيَّةَ نَحْوَ: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} . وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ إِلَّا فَهِيَ نَافِيَةٌ إِلَّا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: {مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا} . {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} .

{بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ} . {مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} . {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} . {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا} . {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا} . {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا} . فِي مَوْضِعَيْ هُودٍ. {فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً} ، {مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا} . {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} . {وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} ، حيث كان. مَاذَا تَرِدُ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ ما استفهاما وذا مَوْصُولَةً وَهُوَ أَرْجَحُ الْوَجْهَيْنِ فِي

{وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوُ} فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ أَيِ الَّذِي يُنْفِقُونَهُ الْعَفْوُ إِذِ الْأَصْلُ أَنْ تُجَابَ الِاسْمِيَّةُ بِالِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةُ بِالْفِعْلِيَّةِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا اسْتِفْهَامًا وذا إِشَارَةً. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مَاذَا كُلُّهَا اسْتِفْهَامًا عَلَى التَّرْكِيبِ وَهُوَ أَرْجَحُ الْوَجْهَيْنِ فِي {مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ أَيْ ينفقون العفوز الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَاذَا كُلُّهُ اسْمَ جِنْسٍ بِمَعْنَى شَيْءٍ أَوْ مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي. الْخَامِسُ: أَنْ تكون ما زائدة وذا لِلْإِشَارَةِ. السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ مَا استفهاما وذا زائدة ويجوز أن يخرج عليه. مَتَى تَرِدُ اسْتِفْهَامًا عَنِ الزَّمَانِ نَحْوَ: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} وشرطا. مع اسم بدليل جرها بمن فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} وَهِيَ بِمَعْنَى عِنْدَ وَأَصْلُهَا لِمَكَانِ الِاجْتِمَاعِ أَوْ وَقْتِهِ نَحْوَ: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} {أَرْسِلْهُ مَعَنَا} {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ}

وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ الِاجْتِمَاعِ وَالِاشْتِرَاكِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحِظَةِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ نَحْوَ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، وأما نحو: {إِنِّي مَعَكُمْ} {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} فَالْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ وَالْحِفْظُ وَالْمَعُونَةُ مَجَازًا. قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ لَفْظُ مَعَ هُوَ الْمَقْصُودُ كَالْآيَاتِ المذكورة. مِنْ حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ أَشْهَرُهَا: ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ مَكَانًا وَزَمَانًا وَغَيْرَهُمَا نَحْوَ: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} ، {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} . وَالتَّبْعِيضُ بِأَنْ يَسُدَّ بَعْضُ مَسَدَّهَا نَحْوَ: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ " وَالتَّبْيِينُ وَكَثِيرًا مَا تَقَعُ بعد " ما ومهما " نَحْوَ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} .

وَمِنْ وُقُوعِهَا بَعْدَ غَيْرِهِمَا: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} . وَالتَّعْلِيلُ نَحْوَ: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} . وَالْفَصْلُ بِالْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى ثَانِي الْمُتَضَادَّيْنِ نَحْوَ: {يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} . وَالْبَدَلُ نَحْوَ: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} أَيْ بَدَلَهَا {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ} أي بدلكم. وَتَنْصِيصُ الْعُمُومِ نَحْوَ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} قَالَ فِي الْكَشَّافِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ فِي: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} فِي إِفَادَةِ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ. وَمَعْنَى " الْبَاءِ " نَحْوَ: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي به. و" على " نحو: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي عليهم. و" في " نَحْوِ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} أَيْ فِيهِ.

وَفِي الشَّامِلِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} بِمَعْنَى فِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَعَنْ نَحْوَ: {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} أي عنه. و" عند " نَحْوَ: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ} أَيْ عِنْدَ. وَالتَّأْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ فِي النَّفْيِ أَوِ النَّهْيِ أَوِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوَ: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} . وَأَجَازَهَا قَوْمٌ فِي الْإِيجَابِ وَخَرَّجُوا عَلَيْهِ: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} . فَائِدَةٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ دَعَا قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَكِنَّهُ خَصَّ حِينَ قَالَ: "أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ " فَجُعِلَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَوْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: "فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي

إِلَيْهِمْ لَزَاحَمَتْكُمْ عَلَيْهِ الرُّومُ وَفَارِسُ " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي فَهْمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ التَّبْعِيضُ مِنْ " مِنْ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَيْثُ وَقَعَتْ: "يَغْفِرْ لَكُمْ " فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تُذْكَرْ مَعَهَا مِنْ كَقَوْلِهِ فِي الْأَحْزَابِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وفي الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدلكم على جارة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} . وَقَالَ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ فِي سُورَةِ نُوحٍ: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} وَكَذَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْوَعْدِ ذَكَرَهُ فِي الكشاف. مَنْ لَا تَقَعُ إِلَّا اسْمًا فَتَرِدُ مَوْصُولَةً نَحْوَ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ} . وَشَرْطِيَّةً نَحْوَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} . وَاسْتِفْهَامِيَّةً نَحْوَ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} . وَنَكِرَةً مَوْصُوفَةً: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} أَيْ فَرِيقٌ يَقُولُ

وَهِيَ كَـ" مَا " فِي اسْتِوَائِهَا فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِمَا وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْعَالَمِ عَكْسَ مَا ونكتته مَا أَكْثَرُ وُقُوعًا فِي الْكَلَامِ مِنْهَا وَمَا لَا يَعْقِلُ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْقِلُ فَأَعْطُوا مَا كَثُرَتْ مواضعه الكثير وَمَا قَلَّتْ لِلْقَلِيلِ لِلْمُشَاكَلَةِ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَاخْتِصَاصُ مَنْ بِالْعَالَمِ وما بِغَيْرِهِ فِي الْمَوْصُولَتَيْنِ دُونَ الشَّرْطِيَّتَيْنِ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَسْتَدْعِي الْفِعْلَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ. مَهْمَا اسْمٌ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَيْهَا فِي {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرُ بِهِ وَضَمِيرُ بِهَا حَمْلًا عَلَى اللَّفْظِ وَعَلَى الْمَعْنَى وَهِيَ شَرْطٌ لِمَا لَا يَعْقِلُ غَيْرَ الزَّمَانِ كَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِيهَا تَأْكِيدٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ أَصْلَهَا ما الشرطية وما الزَّائِدَةُ أُبْدِلَتْ أَلِفُ الْأُولَى هَاءً دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ. النُّونُ عَلَى أَوْجُهٍ: اسْمٌ وَهِيَ ضَمِيرُ النِّسْوَةِ نَحْوَ: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ} وَحَرْفٌ. وَهِيَ نَوْعَانِ: نُونُ التَّوْكِيدِ وَهِيَ خَفِيفَةٌ وَثَقِيلَةٌ نَحْوَ:

{لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً} {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} وَلَمْ تَقَعِ الْخَفِيفَةُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ. قُلْتُ: وَثَالِثٌ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ وَهِيَ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} . وَرَابِعٌ: فِي قِرَاءَةِ الْحَسَنِ {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} ذَكَرَهُ ابْنُ جِنِّي فِي الْمُحْتَسَبِ. وَنُونُ الْوِقَايَةِ وَتَلْحَقُ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ الْمَنْصُوبَةَ بِفِعْلٍ نَحْوَ: {فَاعْبُدْنِي} {لَيَحْزُنُنِي} أو حرف نحو: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} وَالْمَجْرُورَةَ بِلَدُنْ نَحْوَ: {مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} أَوْ مِنْ أَوْ عَنْ نَحْوَ: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} ، {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} . التَّنْوِينُ نُونٌ تُثْبَتُ لَفْظًا لَا خَطًّا وَأَقْسَامُهُ كَثِيرَةٌ: تَنْوِينُ التَّمْكِينِ، وَهُوَ اللَّاحِقُ لِلْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ نَحْوَ: {وَهُدىً وَرَحْمَةً} {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} .

وَتَنْوِينُ التَّنْكِيرِ، وَهُوَ اللَّاحِقُ لِأَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ فَرْقًا بَيْنَ مَعْرِفَتِهَا وَنَكِرَتِهَا نَحْوَ التَّنْوِينِ اللَّاحِقِ لِأُفٍّ فِي قراءة من نونه ولهيهات فِي قِرَاءَةِ مَنْ نَوَّنَهَا. وَتَنْوِينُ الْمُقَابَلَةِ وَهُوَ اللَّاحِقُ لِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ نَحْوَ: {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} . وَتَنْوِينُ الْعِوَضِ إِمَّا عَنْ حَرْفِ آخِرِ مَفَاعِلِ الْمُعْتَلِّ نَحْوَ: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ} {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} أَوْ عَنِ اسْمٍ مُضَافٍ إِلَيْهِ فِي كُلٍّ وَبَعْضٍ وَأَيٍّ نَحْوَ: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} {أَيّاً مَا تَدْعُوا} . وَعَنِ الْجُمْلَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا إِذْ نَحْوَ: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} أَيْ حِينَ إِذْ بَلَغَتِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، أَوْ إِذَا - عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ – نَحْوَ: {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أَيْ إِذَا غَلَبْتُمْ. وَتَنْوِينُ الْفَوَاصِلِ الَّذِي يُسَمَّى فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ التَّرَنُّمَ بَدَلًا مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ وَيَكُونُ فِي الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ: {قَوَارِيرَا} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ} بتنوين الثلاثة.

نَعَمْ حَرْفُ جَوَابٍ فَيَكُونُ تَصْدِيقًا لِلْمُخْبِرِ وَوَعْدًا لِلطَّالِبِ وَإِعْلَامًا لِلْمُسْتَخْبِرِ وَإِبْدَالُ عَيْنِهَا حَاءً وَكَسْرُهَا وَإِتْبَاعُ النُّونِ لَهَا فِي الْكَسْرِ لُغَاتٌ قُرِئَ بِهَا " نِعْمَ " نِعْمَ فِعْلٌ لِإِنْشَاءِ الْمَدْحِ لَا يَتَصَرَّفُ. الْهَاءُ اسْمٌ ضَمِيرٌ غَائِبٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَرِّ وَالنَّصْبِ نَحْوَ: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} وَحَرْفٌ لِلْغَيْبَةِ وَهُوَ اللَّاحِقُ لِإِيَّا وَلِلسَّكْتِ نَحْوَ: {مَا هِيَهْ} {كِتَابِيَهْ} {حِسَابِيَهْ} {سُلْطَانِيَهْ} {مَالِيَهْ} {لَمْ يَتَسَنَّهْ} وَقُرِئَ بِهَا فِي أَوَاخِرِ آيِ الْجَمْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقْفًا. هَا تَرِدُ اسْمَ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ وَيَجُوزُ مَدُّ أَلِفِهِ فَيَتَصَرَّفُ حِينَئِذٍ لِلْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ نَحْوَ: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} .

وَاسْمًا ضَمِيرًا لِلْمُؤَنَّثِ نَحْوَ: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وَحَرْفَ تَنْبِيهٍ فَتَدْخُلُ عَلَى الْإِشَارَةِ نَحْوَ: {هَؤُلاءِ هَذَانِ خَصْمَانِ} وَهَاهُنَا وَعَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِإِشَارَةٍ نَحْوَ هَا أَنْتُمْ أولاء وَعَلَى نَعْتِ " أَيٍّ " فِي النِّدَاءِ نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وَيَجُوزُ فِي لُغَةِ أَسَدٍ حَذْفُ أَلِفِ هَذِهِ وَضَمِّهَا إِتْبَاعًا وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَيُّهُ الثقلان. هَاتِ فِعْلُ أَمْرٍ لَا يَتَصَرَّفُ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ اسم فعل. هَلْ حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ يُطْلَبُ بِهِ التَّصْدِيقُ دُونَ التَّصَوُّرِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْفِيٍّ وَلَا شَرْطٍ وَلَا أَنْ وَلَا اسْمٍ بَعْدَهُ فِعْلٌ غَالِبًا وَلَا عَاطِفٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَعَهَا إِلَّا مُسْتَقْبَلًا وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} . وَتَرِدُ بِمَعْنَى قَدْ وَبِهِ فُسِّرَ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} . وَبِمَعْنَى النَّفْيِ نَحْوَ: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} وَمَعَانٍ أُخَرَ سَتَأْتِي فِي مَبْحَثِ الِاسْتِفْهَامِ.

هَلُمَّ دُعَاءٌ إِلَى الشَّيْءِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَصْلَهُ " هَا ولم " مِنْ قَوْلِكَ: لَمَمْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَصْلَحْتُهُ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ وَرُكِّبَ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ " هَلْ أُمَّ " كَأَنَّهُ قِيلَ: هَلْ لَكَ فِي كَذَا أُمَّهُ أَيْ اقْصُدْهُ فَرُكِّبَا وَلُغَةُ الْحِجَازِ تَرْكُهُ عَلَى حَالِهِ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَبِهَا وَرَدَ الْقُرْآنُ وَلُغَةُ تميم إلحاقه العلامات. هُنَا اسْمٌ يُشَارُ بِهِ لِلْمَكَانِ الْقَرِيبِ نَحْوَ: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} وَتَدْخُلُ عَلَيْهِ اللَّامُ وَالْكَافُ فَيَكُونُ لِلْبَعِيدِ نَحْوَ: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} . وَقَدْ يُشَارُ بِهِ لِلزَّمَانِ اتِّسَاعًا وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} . هِيتَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَسْرَعَ وَبَادَرَ قَالَ فِي الْمُحْتَسَبِ وَفِيهَا لُغَاتٌ قُرِئَ بِبَعْضِهَا: "هَيَّتْ " بفتح الهاء والتاء وهيت بكسر الهاء وفتح التاء وهيت بفتح الهاء

وكسر التاء وهيت بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ وَقُرِئَ: "هِئْتُ " بِوَزْنِ جِئْتُ وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى تَهَيَّأْتُ وَقُرِئَ هُيِّئْتُ وَهُوَ فعل بمعنى أصلحت. هَيْهَاتَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى بَعُدَ قَالَ تَعَالَى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} قَالَ الزَّجَّاجُ: الْبُعْدُ لِمَا تُوعَدُونَ قِيلَ: وَهَذَا غَلَطٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ اللَّامُ فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ بَعُدَ الْأَمْرُ لِمَا تُوعَدُونَ أَيْ لِأَجْلِهِ. وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنَّ اللَّامَ لِتَبْيِينِ الْفَاعِلِ وَفِيهَا لُغَاتٌ قُرِئَ مِنْهَا بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ وَبِالْخَفْضِ مَعَ التَّنْوِينِ فِي الثلاثة وعدمه. الْوَاوُ جَارَّةٌ وَنَاصِبَةٌ وَغَيْرُ عَامِلَةٍ فَالْجَارَّةُ وَاوُ الْقَسَمِ نَحْوَ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . وَالنَّاصِبَةُ وَاوُ مَعَ فَتَنْصِبُ الْمَفْعُولَ مَعَهُ فِي رَأْيِ قَوْمٍ نَحْوَ: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} وَلَا ثَانِيَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُضَارِعَ فِي جَوَابِ النَّفْيِ أَوِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ نَحْوَ: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ

الصَّابِرِينَ} {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ} . وَاوُ الصَّرْفِ عِنْدَهُمْ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ يَقْتَضِي إِعْرَابًا فَصَرَفَتْهُ عَنْهُ إِلَى النَّصْبِ نَحْوَ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ. وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: وَاوُ الْعَطْفِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَتَعْطِفُ الشَّيْءَ عَلَى مُصَاحِبِهِ نَحْوَ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} . وعلى سابقه نحو: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} . وَلَاحِقِهِ نَحْوَ: {يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} . وَتُفَارِقُ سَائِرَ حُرُوفِ الْعَطْفِ فِي اقْتِرَانِهَا بِإِمَّا نَحْوَ: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} . وَبِـ" لَا " بَعْدَ نَفْيٍ نَحْوَ: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ} . وَبِـ" لَكِنْ " نَحْوَ: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} وَتَعْطِفُ الْعِقْدَ عَلَى النَّيِّفِ وَالْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ وَعَكْسَهُ نَحْوَ: {وَمَلَائِكَتِهِ ورسله وجبريل وميكال} {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}

وَالشَّيْءَ عَلَى مُرَادِفِهِ نَحْوَ: {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} والمجرور على الجوار نحو: {بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} وَقِيلَ: تَرِدُ بِمَعْنَى أَوْ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ. وَلِلتَّعْلِيلِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْخَارَزَنْجِيُّ الْوَاوَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمَنْصُوبَةِ. ثَانِيهَا: وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ نَحْوَ: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} بِالرَّفْعِ إِذْ لَوْ كَانَتْ عَاطِفَةً لنصب نقر وَانْجَزَمَ مَا بَعْدَهُ وَنُصِبَ أَجَلٌ. ثَالِثُهَا: وَاوُ الْحَالِ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ نَحْوَ: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} . وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ صِفَةً لِتَأْكِيدِ ثُبُوتِ الصفة للموصوف ولصوقها بها كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} . رَابِعُهَا: وَاوُ الثَّمَانِيَةِ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ كَالْحَرِيرِيِّ وَابْنِ خَالَوَيْهِ وَالثَّعْلَبِيِّ

وَزَعَمُوا أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَدُّوا يُدْخِلُونَ الْوَاوَ بَعْدَ السَّبْعَةِ إِيذَانًا بِأَنَّهَا عَدَدٌ تَامٌّ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ وَجَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} . وَقَوْلَهُ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} لِأَنَّهُ الْوَصْفُ الثَّامِنُ. وَقَوْلَهُ: {مُسْلِمَاتٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَبْكَاراً} وَالصَّوَابُ عَدَمُ ثُبُوتِهَا وَأَنَّهَا فِي الْجَمِيعِ لِلْعَطْفِ. خَامِسُهَا: الزَّائِدَةُ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَتَلَّهُ للجبين وناديناه} . سَادِسُهَا: وَاوُ ضَمِيرِ الذُّكُورِ فِي اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ نَحْوَ: {الْمُؤْمِنُونَ} {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا} . سَابِعُهَا: وَاوُ عَلَامَةِ الْمُذَكَّرِينَ فِي لُغَةِ طَيِّءٍ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} . ثَامِنُهَا: الْوَاوُ الْمُبْدَلَةُ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا كَقِرَاءَةِ قنبل: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وَأَمِنْتُمْ} {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ}

وي كأن قَالَ الْكِسَائِيُّ: كَلِمَةُ تَنَدُّمٍ وَتَعَجُّبٍ وَأَصْلُهُ " وَيْلَكَ " وَالْكَافُ ضَمِيرٌ مَجْرُورٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَيِ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَعْجَبُ وَالْكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ وَأَنَّ عَلَى إِضْمَارِ اللَّامِ وَالْمَعْنَى: أَعْجَبُ لِأَنَّ اللَّهَ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: وَيْ وَحْدَهَا وَكَأَنَّ كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلتَّحْقِيقِ لَا لِلتَّشْبِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يَحْتَمِلُ وَيْ كَأَنَّهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَنْ يَكُونَ وَيْكَ حَرْفًا وأنه حرف وَالْمَعْنَى " أَلَمْ " تَرَ وَأَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ وَالْمَعْنَى " وَيْلَكَ " وَأَنْ تَكُونَ وَيْ حَرْفًا لِلتَّعَجُّبِ وَكَأَنَّهُ حَرْفٌ وَوُصِلَا خَطًّا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا وُصِلَ " يبنؤم ". وَيْلٌ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَيْلٌ تَقْبِيحٌ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} . وَقَدْ يُوضَعُ مَوْضِعَ التَّحَسُّرِ وَالتَّفَجُّعِ نَحْوَ: {يَا وَيْلَتَنَا} {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ} . أَخْرَجَ الْحَرْبِيُّ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" وَيْحَكِ! "فَجَزِعْتُ مِنْهَا فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ إِنَّ " وَيْحَكِ " أَوْ " وَيْسَكِ " رَحْمَةٌ فَلَا تَجْزَعِي مِنْهَا وَلَكِنِ اجْزَعِي مِنَ الْوَيْلِ ". يَا حَرْفٌ لِنِدَاءِ الْبَعِيدِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهِيَ أَكْثَرُ أَحْرُفِهِ اسْتِعْمَالًا وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ عِنْدَ الْحَذْفِ سِوَاهَا نَحْوَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي} {يُوسُفُ أَعْرِضْ} وَلَا يُنَادَى اسْمُ اللَّهِ وَأَيُّهَا وَأَيَّتُهَا إِلَّا بِهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَتُفِيدُ التَّأْكِيدَ الْمُؤْذِنَ بِأَنَّ الْخِطَابَ الَّذِي يَتْلُوهُ مُعْتَنًى بِهِ جِدًّا. أوترد لِلتَّنْبِيهِ فَتَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ نَحْوَ: {أَلَّا يَسْجُدُوا} {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} . تَنْبِيهٌ هَا قَدْ أَتَيْتُ عَلَى شَرْحِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهٍ مُوجَزٍ مُفِيدٍ مُحَصِّلٍ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ وَلَمْ أَبْسُطْهُ لِأَنَّ مَحَلَّ الْبَسْطِ وَالْإِطْنَابِ إِنَّمَا هُوَ تَصَانِيفُنَا فِي فَنِّ الْعَرَبِيَّةِ وَكُتُبُنَا النَّحْوِيَّةُ وَالْمَقْصُودُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ هَذَا الْكِتَابِ إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ لَا اسْتِيعَابُ الْفُرُوعِ وَالْجُزْئِيَّاتِ.

النوع الحادي والأربعون: في معرفة إعرابه

النَّوْعُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ إِعْرَابِهِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنْهُمْ مَكِّيٌّ وَكِتَابُهُ فِي الْمُشْكِلِ خَاصَّةً وَالْحَوْفِيُّ وَهُوَ أَوْضَحُهَا وَأَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ وَهُوَ أَشْهَرُهَا وَالسَّمِينُ وَهُوَ أَجَلُّهَا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ حَشْوٍ وَتَطْوِيلٍ وَلَخَّصَهُ السَّفَاقِسِيُّ فَحَرَّرَهُ وَتَفْسِيرُ أَبِي حَيَّانَ مَشْحُونٌ بِذَلِكَ. وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا النَّوْعِ مَعْرِفَةُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْإِعْرَابَ يُمَيِّزُ الْمَعَانِيَ وَيُوقِفُ عَلَى أَغْرَاضِ الْمُتَكَلِّمِينَ. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: "تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ وَالْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ ". وَأَخْرَجَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ الرَّجُلُ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بِهَا قِرَاءَتَهُ قَالَ: حَسَنٌ يَا بن أَخِي فَتَعَلَّمْهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْرَأُ الْآيَةَ فَيَعْيَا بِوَجْهِهَا فَيَهْلِكُ فِيهَا. وَعَلَى النَّاظِرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْكَاشِفِ عَنْ أَسْرَارِهِ النَّظَرُ فِي الْكَلِمَةِ وَصِيغَتِهَا وَمَحَلِّهَا كَكَوْنِهَا مُبْتَدَأً أَوْ خَبَرًا أَوْ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا أَوْ فِي مَبَادِئِ الْكَلَامِ أَوْ فِي جَوَابٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ. أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى مَا يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا قَبْلَ الْإِعْرَابِ فَإِنَّهُ فَرْعُ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إِعْرَابُ فَوَاتِحِ السُّوَرِ إِذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ.

وَقَالُوا فِي تَوْجِيهِ نَصْبِ " كَلَالَةٍ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} : إِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُرَادِ بِهَا فَإِنْ كَانَ اسْمًا لِلْمَيِّتِ فَهُوَ حال و" يورث " خبر " كان " أو صفة وكان تامة أو ناقصة وكلالة خَبَرٌ أَوْ لِلْوَرَثَةِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ ذَا كَلَالَةٍ وَهُوَ أَيْضًا حَالٌ أَوْ خَبَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لِلْقَرَابَةِ فَهُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ. وَقَوْلُهُ: {سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَثَانِي الْقُرْآنَ – فَـ" مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، - أَوِ الْفَاتِحَةَ فَلِبَيَانِ الْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الِاتِّقَاءِ فَهِيَ مَصْدَرٌ أَوْ بِمَعْنَى مُتَّقًى أَيْ أَمْرًا يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ فَمَفْعُولٌ بِهِ أَوْ جَمْعًا كَرُمَاةٍ فَحَالٌ. وَقَوْلُهُ: {غُثَاءً أَحْوَى} إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَفَافِ وَالْيُبْسِ فَهُوَ صِفَةٌ لِغُثَاءٍ أَوْ مِنْ شِدَّةِ الْخُضْرَةِ فَحَالٌ مِنَ الْمَرْعَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ زَلَّتْ أَقْدَامُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْرِبِينَ رَاعَوْا فِي الْإِعْرَابِ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مُوجِبِ الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ عَطْفُ " أَنْ نَفْعَلَ " عَلَى " أَنْ نَتْرُكَ "، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مَا يشاؤون وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى " مَا " فَهُوَ مَعْمُولٌ لِلتَّرْكِ وَالْمَعْنَى: أَنْ نَتْرُكَ أَنْ نَفْعَلَ وَمُوجِبُ الْوَهْمِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُعْرِبَ يَرَى أَنْ وَالْفِعْلَ مَرَّتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ.

الثَّانِي: أَنْ يُرَاعِيَ مَا تَقْتَضِيهِ الصِّنَاعَةُ فَرُبَّمَا رَاعَى الْمُعْرِبُ وَجْهًا صَحِيحًا وَلَا يَنْظُرُ فِي صِحَّتِهِ فِي الصِّنَاعَةِ فَيُخْطِئُ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} : إن ثمودا مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ لِـ" مَا " النَّافِيَةِ الصَّدْرُ فَلَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " عَادًا " أَوْ على تقدير: "وأهلك ثمودا ". وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ، {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} إِنَّ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقٌ بَاسِمِ لَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ اسْمَ " لَا " حِينَئِذٍ مُطَوَّلٌ فَيَجِبُ نَصْبُهُ وَتَنْوِينُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ. وَقَوْلُ الْحَوْفِيِّ: إِنَّ الْبَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} مُتَعَلِّقَةٌ بِـ" نَاظِرَةٌ " وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ الصَّدْرُ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ. وَكَذَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} إِنَّهُ حَالٌ مِنْ مَعْمُولِ " ثُقِفُوا " أَوْ " أُخِذُوا " بَاطِلٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَهُ الصَّدْرُ بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الذَّمِّ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مليا بالعربية لئلا يخرج عل مَا لَمْ يَثْبُتْ كَقَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} : إِنَّ الْكَافَ قَسَمٌ حَكَاهُ مَكِّيٌّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَشَنَّعَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ عَلَيْهِ فِي سُكُوتِهِ وَيُبْطِلُهُ أَنَّ الْكَافَ لَمْ تَجِئْ

بِمَعْنَى وَاوِ الْقَسَمِ وَإِطْلَاقَ مَا الْمَوْصُولَةِ عَلَى اللَّهِ وَرَبْطَ الْمَوْصُولِ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ فَاعِلُ " أَخْرَجَكَ " وَبَابُ ذَلِكَ الشِّعْرُ. وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِي الآية إنها مع مجر ورها خَبَرٌ مَحْذُوفٌ أَيْ هَذِهِ الْحَالُ مِنْ تَنْفِيلِكَ الْغُزَاةَ عَلَى مَا رَأَيْتَ فِي كَرَاهَتِهِمْ لَهَا كَحَالِ إِخْرَاجِكَ لِلْحَرْبِ فِي كَرَاهِيَتِهِمْ لَهَا. وَكَقَوْلِ ابْنِ مِهْرَانَ فِي قِرَاءَةِ: "إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَتْ " بِتَشْدِيدِ التَّاءِ: إِنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ التَّاءِ فِي أَوَّلِ الْمَاضِي وَلَا حَقِيقَةَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَإِنَّمَا أَصْلُ الْقِرَاءَةِ: "إِنَّ الْبَقَرَةَ تَشَابَهَتْ " بِتَاءِ الْوَحْدَةِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي تَاءِ " تَشَابَهَتْ " فَهُوَ إِدْغَامٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَتَجَنَّبَ الْأُمُورَ الْبَعِيدَةَ وَالْأَوْجُهَ الضَّعِيفَةَ وَاللُّغَاتِ الشَّاذَّةَ. وَيُخَرِّجُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْقَوِيِّ وَالْفَصِيحِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ إِلَّا الْوَجْهُ الْبَعِيدُ فَلَهُ عُذْرٌ وَإِنْ ذَكَرَ الْجَمِيعَ لِقَصْدِ الْإِغْرَابِ وَالتَّكْثِيرِ فَصَعْبٌ شَدِيدٌ أَوْ لِبَيَانِ الْمُحْتَمَلِ وَتَدْرِيبِ الطَّالِبِ فَحَسَنٌ فِي غَيْرِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَمَّا التَّنْزِيلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَرَّجَ إِلَّا عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إِرَادَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ شَيْءٌ فَلْيَذْكُرِ الْأَوْجُهَ الْمُحْتَمَلَةَ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قال في: {وَقِيلِهِ} ، بِالْجَرِّ أَوِ النَّصْبِ: إِنَّهُ عُطِفَ عَلَى لَفْظِ " السَّاعَةِ " أَوْ مَحَلِّهَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّبَاعُدِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَسَمٌ أَوْ مَصْدَرُ " قَالَ " مقدرا. وَمَنْ قَالَ فِي: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} : إِنَّ خَبَرَهُ {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْذُوفٌ. وَمَنْ قَالَ فِي: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} : إِنَّ جَوَابَهُ {إِنَّ ذَلِكَ

لَحَقٌّ} وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا أَوْ إِنَّهُ لَمُعْجِزٌ أَوْ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. وَمَنْ قَالَ فِي: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} : إن الوقف على " جناح " و" عليه " إِغْرَاءٌ لِأَنَّ إِغْرَاءَ الْغَائِبِ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي {عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا} فَإِنَّهُ حَسَنٌ لِأَنَّ إِغْرَاءَ الْمُخَاطَبِ فَصِيحٌ. وَمَنْ قَالَ فِي: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} إِنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لِضَعْفِهِ بَعْدَ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مُنَادَى. وَمَنْ قَالَ فِي: {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} بِالرَّفْعِ: إِنَّ " أَصْلَهُ " أَحْسَنُوا فَحُذِفَتِ الْوَاوُ اجْتِزَاءً عَنْهَا بِالضَّمَّةِ لِأَنَّ بَابَ ذَلِكَ الشِّعْرُ وَالصَّوَابُ تَقْدِيرُ مُبْتَدَإٍ أَيْ هُوَ أَحْسَنُ. وَمَنْ قَالَ فِي: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ} بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ إِنَّهُ مِنْ بَابِ: إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشِّعْرِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا ضَمَّةُ إِتْبَاعٍ وَهُوَ مَجْزُومٌ. وَمَنْ قَالَ فِي: {وَأَرْجُلَكُمْ} إِنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى الْجِوَارِ لِأَنَّ الْجَرَّ عَلَى الْجِوَارِ فِي نَفْسِهِ ضَعِيفٌ شَاذٌّ لَمْ يَرِدْ مِنْهُ إِلَّا أَحْرُفٌ يَسِيرَةٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ على {بِرُؤُوسِكُمْ} عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَسْحُ الْخُفِّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَقَدْ يَكُونُ الْمَوْضِعُ لَا يَتَخَرَّجُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ،

فَلَا حَرَجَ عَلَى مُخْرِجِهِ كَقِرَاءَةِ: {نُجِي المُؤْمِنِينَ} قِيلَ: الْفِعْلُ مَاضٍ وَيُضَعِّفُهُ إِسْكَانُ آخِرِهِ وَإِنَابَةُ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ عَنِ الْفَاعِلِ مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ بِهِ. وَقِيلَ: مُضَارِعٌ أَصْلُهُ " نُنْجِي " بِسُكُونِ ثَانِيهٍ وَيُضَعِّفُهُ أَنَّ النُّونَ لَا تُدْغَمُ فِي الْجِيمِ وَقِيلَ: أَصْلُهُ " نُنَجِّي " بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ فَحُذِفَتِ النُّونُ وَيُضَعِّفُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي التَّاءِ. الْخَامِسُ: أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مِنَ الْأَوْجُهِ الظَّاهِرَةِ فَتَقُولُ فِي نَحْوِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} يَجُوزُ كَوْنُ الْأَعْلَى صِفَةً لِلرَّبِّ وَصِفَةً لِلِاسْمِ وَفِي نَحْوِ: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ} يَجُوزُ كَوْنُ " الَّذِينَ " تَابِعًا وَمَقْطُوعًا إِلَى النَّصْبِ بِإِضْمَارِ " أَعْنِي " أَوْ " أَمْدَحُ " وَإِلَى الرَّفْعِ بِإِضْمَارِ " هُمْ ". السَّادِسُ: أَنْ يُرَاعِيَ الشُّرُوطَ الْمُخْتَلِفَةَ بِحَسَبِ الْأَبْوَابِ وَمَتَى لَمْ يَتَأَمَّلْهَا اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ الْأَبْوَابُ وَالشَّرَائِطُ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} إِنَّهُمَا عَطْفُ بَيَانٍ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا نَعْتَانِ لِاشْتِرَاطِ الِاشْتِقَاقِ فِي النَّعْتِ وَالْجُمُودِ فِي عَطْفِ الْبَيَانِ. وَفِي قَوْلِهِ فِي: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} بِنَصْبِ " تَخَاصُمِ ": إِنَّهُ صِفَةٌ لِلْإِشَارَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ إِنَّمَا يُنْعَتُ بِذِي اللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ وَالصَّوَابُ كَوْنُهُ بَدَلًا.

وَفِي قَوْلِهِ فِي: {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} وفي {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا} إِنَّ الْمَنْصُوبَ فِيهِمَا ظَرْفٌ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ شَرْطُهُ الْإِبْهَامُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى إِسْقَاطِ الْجَارِّ تَوَسُّعًا وَهُوَ فِيهِمَا " إِلَى ". وَفِي قَوْلِهِ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} : إِنَّ " أَنْ " مَصْدَرِيَّةٌ وَهِيَ وَصِلَتُهَا عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى الْهَاءِ لِامْتِنَاعِ عَطْفِ الْبَيَانِ عَلَى الضَّمِيرِ كَنَعْتِهِ. وَهَذَا الْأَمْرُ السَّادِسُ عَدَّهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي وَيَحْتَمِلُ دُخُولُهُ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي. السَّابِعُ: أَنْ يُرَاعِيَ فِي كُلِّ تَرْكِيبٍ مَا يُشَاكِلُهُ فَرُبَّمَا خَرَّجَ كَلَامًا عَلَى شَيْءٍ وَيَشْهَدُ اسْتِعْمَالٌ آخَرُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِهِ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي: {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} إِنَّهُ عُطِفَ عَلَى {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَعْطُوفًا عَلَى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} لِأَنَّ عَطْفَ الِاسْمِ عَلَى الِاسْمِ أَوْلَى وَلَكِنَّ مَجِيءَ قَوْلِهِ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} بِالْفِعْلِ فِيهِمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} إِنَّ الْوَقْفَ عَلَى " رَيْبَ " وَ" فِيهِ " خَبَرُ " هُدًى " وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} : إِنَّ الرَّابِطَ الْإِشَارَةُ وَإِنَّ الصَّابِرَ وَالْغَافِرَ جُعِلَا مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ مُبَالَغَةً وَالصَّوَابُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلصَّبْرِ وَالْغُفْرَانِ بِدَلِيلِ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وَلَمْ يَقُلْ " إِنَّكُمْ ". وَمَنْ قَالَ فِي نَحْوِ: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} إِنَّ الْمَجْرُورَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَالصَّوَابُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأَنَّ الخبر لم يجيء فِي التَّنْزِيلِ مُجَرَّدًا مِنَ الْبَاءِ إِلَّا وَهُوَ مَنْصُوبٌ. وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} إِنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ مُبْتَدَأٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِدَلِيلِ: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} . تَنْبِيهٌ وَكَذَا إِذَا جَاءَتْ قِرَاءَةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ تساعد أحد الإعرابيين فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرَجَّحَ كَقَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} ، قِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ وَقِيلَ: وَلَكِنَّ البر بر مَنْ آمَنَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ قُرِئَ: "وَلَكِنَّ الْبَارَّ ". تَنْبِيهٌ وَقَدْ يُوجَدُ مَا يُرَجِّحُ كُلًّا مِنَ الْمُحْتَمَلَاتِ فَيُنْظَرُ فِي أَوْلَاهَا نَحْوَ: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} ، فَـ" مَوْعِدًا " مُحْتَمِلٌ لِلْمَصْدَرِ وَيَشْهَدُ لَهُ: {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ} وَلِلزَّمَانِ وَيَشْهَدُ لَهُ: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} وَلِلْمَكَانِ وَيَشْهَدُ لَهُ: {مَكَاناً سُوَىً} وَإِذَا أَعْرَبَ " مَكَانًا " بَدَلًا مِنْهُ لَا ظَرْفًا لِـ" نُخْلِفُهُ " تَعَيَّنَ ذَلِكَ.

الثامن: أن يراعي الاسم وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {سَلْسَبِيلاً} إِنَّهَا جُمْلَةٌ أَمْرِيَّةٌ أَيْ سَلْ طَرِيقًا مُوَصِّلَةً إِلَيْهَا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكُتِبَتْ مَفْصُولَةً. وَمَنْ قَالَ فِي: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ،: إِنَّهَا إِنَّ وَاسْمُهَا أَيْ إِنَّ الْقِصَّةَ وَذَانِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَسَاحِرَانِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ وَهُوَ بَاطِلٌ برسم " أن " منفصلة وهذان مُتَّصِلَةً. وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} إِنَّ اللَّامَ لِلِابْتِدَاءِ وَالَّذِينَ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الرَّسْمَ " وَلَا ". وَمَنْ قَالَ في: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} إِنَّ " هُمْ أَشَدُّ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَأَيُّ مَقْطُوعَةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِرَسْمِ " أَيُّهُمْ " مُتَّصِلَةً. وَمَنْ قَالَ فِي: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} إِنَّ " هُمْ " ضَمِيرُ رَفْعٍ مُؤَكِّدٌ لِلْوَاوِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِرَسْمِ الْوَاوِ فِيهِمَا بِلَا أَلِفٍ بَعْدَهَا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ. التَّاسِعُ: أَنْ يَتَأَمَّلَ عِنْدَ وُرُودِ الْمُشْتَبِهَاتِ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} إنه فعل تَفْضِيلٍ وَالْمَنْصُوبُ تَمْيِيزٌ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ " الْأَمَدَ " لَيْسَ مُحْصِيًا بَلْ مُحْصًى وَشَرْطُ التَّمْيِيزِ الْمَنْصُوبِ بَعْدَ

" أَفْعَلَ " كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي الْمَعْنَى فَالصَّوَابُ أَنَّهُ فِعْلٌ وَأَمَدًا مَفْعُولٌ مِثْلَ: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} . الْعَاشِرُ: أَلَّا يُخَرِّجَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ خِلَافِ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَكِّيٌّ فِي قَوْلِهِ فِي: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي} إِنَّ الْكَافَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ أَيْ إِبْطَالًا كَإِبْطَالِ الَّذِي. وَالْوَجْهُ كَوْنُهُ حَالًا مِنَ الْوَاوِ أَيْ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ مُشْبِهِينَ الَّذِي فَهَذَا لَا حَذْفَ فِيهِ. الْحَادِي عَشَرَ: أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْأَصْلِيِّ وَالزَّائِدِ نَحْوَ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فَإِنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْوَاوَ فِي {يَعْفُونَ} ضَمِيرُ الْجَمْعِ فَيُشْكِلُ إِثْبَاتُ النُّونِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ فِيهِ لَامُ الْكَلِمَةِ فَهِيَ أَصْلِيَّةٌ وَالنُّونُ ضَمِيرُ النِّسْوَةِ وَالْفِعْلُ مَعَهَا مَبْنِيٌّ وَوَزْنُهُ: "يَفْعُلْنَ " بِخِلَافِ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ} فَالْوَاوُ فِيهِ ضَمِيرُ الْجَمْعِ وَلَيْسَتْ مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ. الثَّانِي عَشَرَ: أَنْ يَجْتَنِبَ إِطْلَاقَ لَفْظِ الزَّائِدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الزَّائِدَ قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ وَكِتَابُ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلِذَا فَرَّ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّعْبِيرِ بَدَلَهُ بِالتَّأْكِيدِ وَالصِّلَةِ وَالْمُقْحَمِ. وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الزَّائِدِ فِي الْقُرْآنِ،

فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ الْقَوْمِ وَمُتَعَارَفِهِمْ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِإِزَاءِ الْحَذْفِ هَذَا لِلِاخْتِصَارِ وَالتَّخْفِيفِ وَهَذَا لِلتَّوْكِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى ذَلِكَ وَقَالَ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَحْمُولَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ جَاءَتْ لِفَوَائِدَ وَمَعَانٍ تَخُصُّهَا فَلَا أَقْضِي عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ. قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالزِّيَادَةِ إِثْبَاتُ مَعْنًى لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَبَثٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ إِلَيْنَا بِهِ حَاجَةً لَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْأَشْيَاءِ قَدْ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ فَلَيْسَتِ الْحَاجَةُ إِلَى اللَّفْظِ الَّذِي عَدَّهُ هَؤُلَاءِ زِيَادَةً كَالْحَاجَةِ إِلَى اللَّفْظِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَأَقُولُ: بَلِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ بِالنَّظَرِ إِلَى مُقْتَضَى الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ كَانَ الْكَلَامُ دُونَهُ مَعَ إِفَادَتِهِ أَصْلَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ أَبْتَرَ خَالِيًا عَنِ الرَّوْنَقِ الْبَلِيغِيِّ لَا شُبْهَةَ فِي ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا يُسْتَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْإِسْنَادِ الْبَيَانِيِّ الَّذِي خَالَطَ كَلَامَ الْفُصَحَاءِ وَعَرَفَ مَوَاقِعَ اسْتِعْمَالِهَا وَذَاقَ حَلَاوَةَ أَلْفَاظِهِمْ وَأَمَّا النَّحْوِيُّ الْجَافِي فَعَنْ ذَلِكَ بِمُنْقَطَعِ الثَّرَى. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَدْ يَتَجَاذَبُ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْكَلَامِ أَنَّ الْمَعْنَى يَدْعُو إِلَى أَمْرٍ وَالْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَالْمُتَمَسَّكُ به صحة المعنى ويؤول لِصِحَّةِ الْمَعْنَى الْإِعْرَابُ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} فَالظَّرْفُ الَّذِي هُوَ " يَوْمٌ " يَقْتَضِي الْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ " رَجْعٌ " أَيْ أَنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَقَادِرٌ لَكِنَّ الْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ لِعَدَمِ جَوَازِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ فَيُجْعَلُ الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلًا مُقَدَّرًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ

وَكَذَا: {أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ} فالمعنى يقتضي تعلق " إذ " بِالْمَقْتِ وَالْإِعْرَابُ يَمْنَعُهُ لِلْفَصْلِ الْمَذْكُورِ فَيُقَدَّرُ لَهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ. الثَّانِي: قَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ هَذَا تَفْسِيرُ مَعْنًى وَهَذَا تَفْسِيرُ إِعْرَابٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُلَاحَظَةِ الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ وَتَفْسِيرَ الْمَعْنَى لَا تَضُرُّهُ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ لَحْنِ الْقُرْآنِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} فقالت: يا بن أَخِي هَذَا عَمَلُ الْكُتَّابِ أَخْطَئُوا فِي الْكِتَابِ " هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ عُرِضَتْ عَلَى عُثْمَانَ فَوَجَدَ فِيهَا حُرُوفًا مِنَ اللَّحْنِ فَقَالَ: لَا تُغَيِّرُوهَا فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتُغَيِّرُهَا - أَوْ قَالَ: سَتُعْرِبُهَا بِأَلْسِنَتِهَا لَوْ كَانَ الْكَاتِبُ مِنْ ثَقِيفٍ وَالْمُمْلِي مِنْ هُذَيْلٍ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ الأنبا ري فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ وَابْنُ أُشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ. ثُمَّ أَخْرَجَ ابن الأنبا ري نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَابْنِ أُشْتَةَ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ.

وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} وَيَقُولُ: هُوَ لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَهَذِهِ الْآثَارُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ أَوَّلًا أَنَّهُمْ يَلْحَنُونَ فِي الْكَلَامِ فَضْلًا عَنِ الْقُرْآنِ وَهُمُ الْفُصَحَاءُ اللُّدُّ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثَانِيًا فِي الْقُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أُنْزِلَ وَحَفِظُوهُ وَضَبَطُوهُ واتقوه ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثَالِثًا اجْتِمَاعُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى الْخَطَإِ وَكِتَابَتِهِ! ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ رَابِعًا عَدَمُ تَنَبُّهِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ عَنْهُ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِعُثْمَانَ أَنَّهُ يَنْهَى عَنْ تَغْيِيرِهِ! ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ اسْتَمَرَّتْ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْخَطَإِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالتَّوَاتُرِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ! هَذَا مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً. وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَنْ عُثْمَانَ فَإِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ وَلِأَنَّ عُثْمَانَ جُعِلَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يَقْتَدُونَ بِهِ فَكَيْفَ يَرَى فِيهِ لَحْنًا وَيَتْرُكُهُ لِتُقِيمَهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا! فَإِذَا كَانَ الَّذِينَ تَوَلَّوْا جَمْعَهُ وَكِتَابَتَهُ لَمْ يُقِيمُوا ذَلِكَ وَهُمُ الْخِيَارُ فَكَيْفَ يُقِيمُهُ غَيْرُهُمْ! وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ مُصْحَفًا وَاحِدًا بَلْ كَتَبَ عِدَّةَ مَصَاحِفَ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّحْنَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهَا فَبَعِيدٌ اتِّفَاقُهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ فِي بَعْضِهَا فَهُوَ اعْتِرَافٌ بِصِحَّةِ الْبَعْضِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ اللَّحْنَ كَانَ فِي مُصْحَفٍ دُونَ مُصْحَفٍ وَلَمْ تَأْتِ الْمَصَاحِفُ قَطُّ مُخْتَلِفَةً إِلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بلحن. الوجه الثَّانِي: عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ إِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّمْزِ وَالْإِشَارَةِ وَمَوَاضِعِ الْحَذْفِ نَحْوَ: "الكتب "، " وَالصَّابِرِينَ " وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أنه مؤول عَلَى أَشْيَاءَ خَالَفَ لَفْظُهَا رَسْمَهَا كَمَا كَتَبُوا

{وَلَا أَوْضَعُوا} وَ {لَا أَذْبَحَنَّهُ} بألف بعد لا و {جزاؤا الظالمين} بواو وألف و " بأييد " بِيَاءَيْنِ فَلَوْ قُرِئَ بِظَاهِرِ الْخَطِّ لَكَانَ لَحْنًا وَبِهَذَا الْجَوَابِ وَمَا قَبْلَهُ جَزَمَ ابْنُ أُشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ: "الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ "فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ: لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ وَمَا يَشْهَدُ عَقْلٌ بِأَنَّ عُثْمَانَ وَهُوَ إِمَامُ الْأُمَّةِ الَّذِي هُوَ إِمَامُ النَّاسِ فِي وَقْتِهِ وَقُدْوَتُهُمْ يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ فَيَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلَلًا وَيُشَاهِدُ فِي خَطِّهِ زَلَلًا فَلَا يُصْلِحُهُ! كَلَّا وَاللَّهِ مَا يَتَوَهَّمُ عَلَيْهِ هَذَا ذُو إِنْصَافٍ وَتَمْيِيزٍ وَلَا يُعْتَقَدُ أَنَّهُ أَخَّرَ الْخَطَأَ فِي الْكِتَابِ لِيُصْلِحَهُ مَنْ بَعْدَهُ. وَسَبِيلُ الْجَائِينَ مِنْ بَعْدِهِ الْبِنَاءُ عَلَى رَسْمِهِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُكْمِهِ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "أَرَى فِيهِ لَحْنًا "، أَرَى فِي خَطِّهِ لَحْنًا إِذَا أَقَمْنَاهُ بِأَلْسِنَتِنَا كَانَ لَحْنُ الْخَطِّ غَيْرَ مُفْسِدٍ وَلَا مُحَرِّفٍ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيفِ الْأَلْفَاظِ وَإِفْسَادِ الْإِعْرَابِ فَقَدْ أَبْطَلَ وَلَمْ يُصِبْ لِأَنَّ الْخَطَّ مُنْبِئٌ عَنِ النُّطْقِ فَمَنْ لَحَنَ فِي كَتْبِهِ فَهُوَ لَاحِنٌ فِي نُطْقِهِ وَلَمْ يَكُنْ عُثْمَانُ لِيُؤَخِّرَ فَسَادًا فِي هِجَاءِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ مِنْ جِهَةِ كَتْبٍ وَلَا نُطْقٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ مُوَاصِلًا لِدَرْسِ الْقُرْآنِ مُتْقِنًا لِأَلْفَاظِهِ مُوَافِقًا عَلَى مَا رُسِمَ فِي المصاحف المنقذة إِلَى الْأَمْصَارِ وَالنَّوَاحِي. ثُمَّ أَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَارَكٍ حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ - شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - عَنْ هَانِئٍ الْبَرْبَرِيِّ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ وَهُمْ يَعْرِضُونَ الْمَصَاحِفَ فَأَرْسَلَنِي بِكَتِفِ شَاةٍ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِيهَا {لَمْ

يَتَسَن} وفيها {لا تَبْدِيل للخَلْق} وفيها {فَأَمْهِل الكافِرين} قَالَ: فَدَعَا بِالدَّوَاةِ فَمَحَا أَحَدَ اللَّامَيْنِ فَكَتَبَ: {لَخَلْقِ اللَّهِ} وَمَحَى {فَأَمْهِل} وَكَتَبَ {فَمَهِّلِ} وَكَتَبَ {لَمْ يَتَسَنَّهْ} أَلْحَقَ فِيهَا الْهَاءَ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَكَيْفَ يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ رَأَى فَسَادًا فَأَمْضَاهُ وَهُوَ يُوقَفُ عَلَى مَا كُتِبَ وَيُرْفَعُ الْخِلَافُ إِلَيْهِ الْوَاقِعُ مِنَ النَّاسِخِينَ لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ وَيُلْزِمَهُمْ إِثْبَاتُ الصَّوَابِ وَتَخْلِيدُهُ؟!! انْتَهَى. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أُشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ عَنْ سَوَّارِ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمَصَاحِفِ فَقَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ عُمَرُ قَدْ هَمَّ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ فَطُعِنَ طَعْنَتَهُ الَّتِي مَاتَ بِهَا فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَذَكَرَ لَهُ فَجَمَعَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى عَائِشَةَ فَجِئْتُ بِالصُّحُفِ فَعَرَضْنَاهَا عَلَيْهَا حَتَّى قَوَّمْنَاهَا ثُمَّ أَمَرَ بِسَائِرِهَا فَشُقِّقَتْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ ضَبَطُوهَا وَأَتْقَنُوهَا وَلَمْ يَتْرُكُوا فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى إِصْلَاحٍ وَلَا تَقْوِيمٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْعَدَةَ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الأعلى ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا فُرِغَ مِنَ الْمُصْحَفِ أُتِيَ بِهِ عُثْمَانَ فَنَظَرَ فِيهِ فَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ! أَرَى شَيْئًا سَنُقِيمُهُ

بِأَلْسِنَتِنَا فَهَذَا الْأَثَرُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ فَكَأَنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَرَأَى فِيهِ شَيْئًا كُتِبَ عَلَى غَيْرِ لِسَانِ قُرَيْشٍ كَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي " التَّابُوةُ "وَ " التَّابُوتُ " فَوَعَدَ بِأَنَّهُ سَيُقِيمُهُ عَلَى لِسَانِ قُرَيْشٍ ثُمَّ وَفَى بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَرْضِ وَالتَّقْوِيمِ وَلَمْ يَتْرُكْ فِيهِ شَيْئًا. وَلَعَلَّ مَنْ رَوَى تِلْكَ الْآثَارَ السَّابِقَةَ عَنْهُ حَرَّفَهَا وَلَمْ يُتْقِنِ اللَّفْظَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ عُثْمَانَ فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ مِنَ الْإِشْكَالِ فَهَذَا أَقْوَى مَا يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَبَعْدُ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ لَا يَصْلُحُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَمَّا الْجَوَابُ بِالتَّضْعِيفِ فَلِأَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ كَمَا تَرَى وَأَمَّا الْجَوَابُ بِالرَّمْزِ وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ سُؤَالَ عُرْوَةَ عَنِ الأحرف المذكور لَا يُطَابِقُهُ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ أُشْتَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ جُبَارَةَ فِي شَرْحِ الرَّائِيَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا " أَخْطَئُوا " أَيْ فِي اخْتِيَارِ الْأَوْلَى مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لِجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الَّذِي كَتَبُوا مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَالَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ وُقُوعِهِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ فَيَعْنِي بِاللَّحْنِ الْقِرَاءَةَ وَاللُّغَةَ يَعْنِي أَنَّهَا لُغَةُ الَّذِي كَتَبَهَا وَقِرَاءَتُهُ وَفِيهَا قِرَاءَةٌ أُخْرَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} و " إِنْ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " سَوَاءٌ لَعَلَّهُمْ كَتَبُوا الْأَلِفَ مَكَانَ الْيَاءِ وَالْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: {وَالصَّابِئُونَ} مَكَانَ الْيَاءِ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ إِبْدَالِ حَرْفٍ فِي الْكِتَابِ بحرف مثل الصلاة والزكاة والحياة. وَأَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ فِيهَا وَالْكِتَابَةُ

بِخِلَافِهَا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى مُقْتَضَى الرَّسْمِ فَلَا وَقَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَوَجَّهُوهَا عَلَى أَحْسَنِ تَوْجِيهٍ. أَمَّا قَوْلُهُ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فَفِيهِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَارٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُجْرِي الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ فِي أَحْوَالِهِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ لِكِنَانَةَ، وَقِيلَ: لِبَنِي الْحَارِثِ. الثَّانِي: أَنَّ اسْمَ " إِنَّ " ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا وَالْجُمْلَةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ خَبَرُ إِنَّ. الثَّالِثُ: كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ " سَاحِرَانِ " خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ: لَهُمَا سَاحِرَانِ. الرَّابِعُ: أَنَّ " إِنْ " هُنَا بِمَعْنَى: نَعَمْ. الْخَامِسُ: أَنَّ " هَا " ضَمِيرُ الْقِصَّةِ اسْمُ إِنَّ وَ " ذَانِ لَسَاحِرَانِ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَتَقَدَّمَ رَدُّ هَذَا الْوَجْهِ بِانْفِصَالِ " إِنْ " واتصال ها فِي الرَّسْمِ. قُلْتُ: وَظَهَرَ لِي وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْأَلِفِ لِمُنَاسَبَةِ " سَاحِرَانِ يُرِيدَانِ " كَمَا نون {سَلاسِلا} لمناسبة {وَأَغْلالاً} و {سَبَأٍ} لمناسبة {بِنَبَأٍ} . وأما قوله: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} فَفِيهِ أَيْضًا أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَقْطُوعٌ إِلَى الْمَدْحِ بِتَقْدِيرِ: "أَمْدَحُ " لِأَنَّهُ أَبْلَغُ. الثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ فِي: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أَيْ وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ. وَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ وَقِيلَ:

التَّقْدِيرُ: يُؤْمِنُونَ بِدِينِ الْمُقِيمِينَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ: بِإِجَابَةِ الْمُقِيمِينَ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى " قَبْلِ " أَيْ وَمِنْ قَبْلِ الْمُقِيمِينَ فَحُذِفَتْ " قَبْلُ " وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الكاف في " قبلك". الْخَامِسُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِ فِي " إِلَيْكَ ". السَّادِسُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ على الضمير في " منهم ". حَكَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ أَبُو الْبَقَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالصَّابِئُونَ} فَفِيهِ أَيْضًا أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ وَالصَّابِئُونَ كَذَلِكَ. الثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ " إِنَّ " مَعَ اسْمِهَا فَإِنَّ مَحَلَّهُمَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفَاعِلِ فِي هَادُوا. الرَّابِعُ: أَنَّ " إِنَّ " بِمَعْنَى نَعَمْ فَـ " الَّذِينَ آمَنُوا " وَمَا بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ " وَالصَّابِئُونَ " عُطِفَ عَلَيْهِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ عَلَى إِجْرَاءِ صِيغَةِ الْجَمْعِ مَجْرَى الْمُفْرَدِ وَالنُّونُ حَرْفُ الْإِعْرَابِ. حَكَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ أَبُو الْبَقَاءِ.

تَذْنِيبٌ يَقْرُبُ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أُشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي خَلَفٍ مَوْلَى بَنِي جُمَحٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكِ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا؟ قَالَتْ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} أَوْ " وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا " فَقَالَتْ: أَيَّتُهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قُلْتُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا قَالَتْ: أَيُّهُمَا؟ قُلْتُ: "وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا " فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا وَكَذَلِكَ أُنْزِلَتْ وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ. وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ، " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا " أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ " هُوَ " - فِيمَا أَحْسَبُ - مِمَّا أَخْطَأَتْ بِهِ الْكُتَّابُ. وما أخرجه ابن الأنبا ري مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ " أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا " فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} فَقَالَ: أَظُنُّ الْكَاتِبَ كَتَبَهَا وَهُوَ نَاعِسٌ. وَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ} : إِنَّمَا هِيَ " وَوَصَّى رَبُّكَ " الْتَزَقَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ.

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أُشْتَةَ، بِلَفْظِ " اسْتَمَدَّ مِدَادًا كَثِيرًا فَالْتَزَقَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ ". وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ: {كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ؟ قَالَ: {وَقَضَى رَبُّكَ} قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ نَقْرَؤُهَا نَحْنُ وَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا هِيَ " وَوَصَّى رَبُّكَ "، وَكَذَلِكَ كَانَتْ تُقْرَأُ وَتُكْتَبُ فَاسْتَمَدَّ كَاتِبُكُمْ فَاحْتَمَلَ الْقَلَمُ مِدَادًا كَثِيرًا فَالْتَصَقَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} وَلَوْ كَانَتْ " قَضَى "مِنَ الرَّبِّ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ رَدَّ قَضَاءِ الرَّبِّ وَلَكِنَّهُ وَصِيَّةٌ أَوْصَى بِهَا الْعِبَادَ. وَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ضِيَاءً} وَيَقُولُ: خُذُوا هَذِهِ الْوَاوَ وَاجْعَلُوهَا هُنَا: {وَالَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الْآيَةَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْزِعُوا هَذِهِ الْوَاوَ فَاجْعَلُوهَا فِي: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} . وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أُشْتَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نُورُهُ مِثْلَ نُورِ الْمِشْكَاةِ إِنَّمَا هِيَ " مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ كَمِشْكَاةٍ ". وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ أُشْتَةَ عَنْ هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ أَخْطَئُوا فِي الِاخْتِيَارِ،

وَمَا هُوَ الْأَوْلَى لِجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ. لَا أَنَّ الَّذِي كُتِبَ خَطَأٌ خَارِجٌ عَنِ الْقُرْآنِ قَالَ: فَمَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ: حُرِّفَ الْهِجَاءُ أُلْقِيَ إِلَى الْكَاتِبِ هِجَاءٌ غَيْرُ مَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُلْقَى إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ. قَالَ: وَكَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "كَتَبَهَا وَهُوَ نَاعِسٌ " يَعْنِي فَلَمْ يَتَدَبَّرِ الْوَجْهَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ وَكَذَا سَائِرُهَا. وَأَمَّا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فَإِنَّهُ جَنَحَ إِلَى تَضْعِيفِ الرِّوَايَاتِ وَمُعَارَضَتِهَا بِرِوَايَاتٍ أُخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ بِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَقْعَدُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالُوا لِزَيْدٍ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَوَهِمْتَ! إِنَّمَا هِيَ " ثَمَانِيَةُ " أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ "، فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} فَهُمَا زَوْجَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ: الذَّكَرُ زَوْجٌ وَالْأُنْثَى زَوْجٌ. قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: فَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ يَتَخَيَّرُونَ أَجْمَعَ الْحُرُوفِ لِلْمَعَانِي وَأَسْلَسَهَا عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَأَقْرَبَهَا فِي الْمَأْخَذِ وَأَشْهَرَهَا عِنْدَ الْعَرَبِ لِلْكِتَابَةِ فِي الْمَصَاحِفِ وَأَنَّ الْأُخْرَى كَانَتْ قِرَاءَةً مَعْرُوفَةً عِنْدَ كُلِّهِمْ وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ فِيمَا قُرِئَ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْإِعْرَابِ أَوِ الْبِنَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَدْ رَأَيْتُ تَأْلِيفًا لَطِيفًا لِأَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مَالِكٍ الرُّعَيْنِيِّ سَمَّاهُ: "تُحْفَةَ الْأَقْرَانِ فِيمَا قُرِئَ بِالتَّثْلِيثِ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ ". {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، قُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْكَسْرِ عَلَى إِتْبَاعِ الدَّالِ اللَّامَ فِي حَرَكَتِهَا. {رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قُرِئَ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ بِإِضْمَارِ مُبْتَدَإٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَيْهِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَوْ على النداء. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قُرِئَ بِالثَّلَاثَةِ. {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} ، قُرِئَ بِسُكُونِ الشِّينِ وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَكَسْرِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ لُغَةُ بَلِيٍّ. {يْنَ الْمَرْءِ} ، قُرِئَ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ لُغَاتٌ فِيهِ. {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} ، قِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَقُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ بِوَزْنِ ضَرَبَ وَعَلِمَ وَحَسُنَ. {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} ، قُرِئَ بِتَثْلِيثِ الذَّالِ. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} ، قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا

عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ضَمِيرٍ بِهِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ وَالْأَرْحَامُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ تَتَّقُوهُ وَأَنْ تَحْتَاطُوا لِأَنْفُسِكُمْ فِيهِ. {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ، قرئ بالرفع صفة لقاعدون وَبِالْجَرِّ صِفَةً لِ الْمُؤْمِنِينَ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ، قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْأَيْدِي وَبِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ أَوْ غَيْرِهِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ. {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ، قُرِئَ بِجَرِّ مِثْلُ بِإِضَافَةِ جَزَاءٌ إِلَيْهِ وَبِرَفْعِهِ وَتَنْوِينِ مِثْلُ صِفَةً لَهُ وَبِنَصْبِهِ مَفْعُولٌ بِ جَزَاءٌ. {وَاللَّهِ رَبِّنَا} ، قُرِئَ بِجَرِّ رَبِّنَا نَعْتًا أَوْ بَدَلًا وَبِنَصْبِهِ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ بِإِضْمَارِ أَمْدَحُ وَبِرَفْعِهِ وَرَفْعِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} ، قُرِئَ بِرَفْعِ يَذَرَكَ وَنَصْبِهِ وَجَزْمِهِ لِلْخِفَّةِ. {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} ، قُرِئَ بِنَصْبِ شُرَكَاءَكُمْ مَفْعُولًا مَعَهُ أَوْ مَعْطُوفًا أَوْ بِتَقْدِيرِ وَادْعُوا وَبِرَفْعِهِ عَطْفًا عَلَى ضَمِيرِ فَأَجْمِعُوا أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَبِجَرِّهِ عَطْفًا عَلَى كُمْ فِي أَمْرَكُمْ. {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} قرئ بجر الأرض عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَبِنَصْبِهَا مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ وَبِرَفْعِهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَا بَعْدَهَا.

{مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} ، قُرِئَ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ. {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} ، قُرِئَ بِلَفْظِ الْمَاضِي بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا وَبِلَفْظِ الْوَصْفِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا مَعَ فَتْحِ الْحَاءِ وَبِسُكُونِهَا مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ وَحَرَامٌ بِالْفَتْحِ وَأَلِفٍ فَهَذِهِ سَبْعُ قِرَاءَاتٍ. {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} ، قرئ بتثليث الدال. {ياسين} الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِسُكُونِ النُّونِ وَقُرِئَ شَاذًّا بِالْفَتْحِ لِلْخِفَّةِ وَالْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَبِالضَّمِّ عَلَى النِّدَاءِ. {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} ، قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَشَاذًّا بِالرَّفْعِ أَيْ هُوَ وَبِالْجَرِّ حَمْلًا عَلَى الْأَيَّامِ. {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} ، قُرِئَ بِنَصْبِ حِينَ وَرَفْعِهِ وَجَرِّهِ. {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} ، قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَبِالْجَرِّ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَشَاذًّا بِالرَّفْعِ عَطْفًا على علم الساعة. {قاف} الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالسُّكُونِ وَقُرِئَ شَاذًّا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ لِمَا مَرَّ أَيْ لِلْخِفَّةِ وَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. {الْحُبُكِ} ، فِيهِ سَبْعُ قِرَاءَاتٍ ضَمُّ الْحَاءِ وَالْبَاءِ وَكَسْرُهُمَا وَفَتْحُهُمَا وَضَمُّ الْحَاءِ وَسُكُونُ الْبَاءِ وَضَمُّهَا وَفَتْحُ الْبَاءِ وَكَسْرُهَا وَسُكُونُ الْبَاءِ وَكَسْرُهَا وَضَمُّ الْبَاءِ.

{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} ، قُرِئَ بِرَفْعِ الثَّلَاثَةِ وَنَصْبِهَا وَجَرِّهَا. {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ} قُرِئَ بِرَفْعِهِمَا وَجَرِّهِمَا وَنَصْبِهِمَا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيْ وَيُزَوَّجُونَ. فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى كَثْرَةِ مَنْصُوبَاتِهِ مَفْعُولٌ مَعَهُ. قُلْتُ: فِي الْقُرْآنِ عِدَّةُ مَوَاضِعَ أُعْرِبَ كُلٌّ مِنْهَا مَفْعُولًا مَعَهُ. أَحَدُهَا: وَهُوَ أَشْهَرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} أَيْ أَجْمِعُوا أَنْتُمْ مَعَ شُرَكَائِكُمْ أَمْرَكُمْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ. الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِ التَّفْسِيرِ: هُوَ مَفْعُولٌ مَعَهُ أَيْ مَعَ أَهْلِيكُمْ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "وَالْمُشْرِكِينَ " مَفْعُولًا مَعَهُ مِنَ " الَّذِينَ " أَوْ مِنَ الْوَاوِ فِي " كَفَرُوا ".

النوع الثاني والأربعون: في قواعد مهمة يحتاج المفسر إلى معرفتها

النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي قَوَاعِدَ مُهِمَّةٍ يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا قَاعِدَةٌ فِي الضَّمَائِرِ: أَلَّفَ ابْنُ الأنبا ري فِي بَيَانِ الضَّمَائِرِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ مُجَلَّدَيْنِ وَأَصْلُ وَضْعِ الضَّمِيرِ لِلِاخْتِصَارِ وَلِهَذَا قَامَ قَوْلُهُ: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} مَقَامَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ كَلِمَةً لَوْ أَتَى بِهَا مُظْهَرَةً. وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} قَالَ مَكِّيٌّ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ اشْتَمَلَتْ عَلَى ضَمَائِرَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنَّ فِيهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ضَمِيرًا وَمِنْ ثَمَّ لَا يُعْدَلُ إِلَى الْمُنْفَصِلِ إِلَّا بَعْدَ تَعَذُّرِ الْمُتَّصِلِ بِأَنْ يَقَعَ فِي الابتداء، نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أَوْ بَعْدَ " أَلَّا " نَحْوَ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} . مَرْجِعُ الضَّمِيرِ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَرْجِعٍ يَعُودُ إِلَيْهِ وَيَكُونُ مَلْفُوظًا بِهِ سَابِقًا مُطَابِقًا بِهِ نحو: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} . أَوْ مُتَضَمِّنًا لَهُ نَحْوَ: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ} فَإِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْعَدْلِ

الْمُتَضَمِّنِ لَهُ " اعْدِلُوا ". {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} أَيْ الْمَقْسُومَ لِدَلَالَةِ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ. أَوْ دَالًّا عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ، نَحْوَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} أَيِ الْقُرْآنَ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا. {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ} فَـ" عُفِيَ " يَسْتَلْزِمُ عَافِيًا أُعِيدَ عَلَيْهِ الْهَاءُ مِنْ إِلَيْهِ. أَوْ مُتَأَخِّرًا لَفْظًا لَا رُتْبَةً مُطَابِقًا، نَحْوَ: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} . أَوْ رُتْبَةً أَيْضًا فِي بَابِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ وَنِعْمَ وَبِئْسَ وَالتَّنَازُعِ. أَوْ مُتَأَخِّرًا دَالًّا بِالِالْتِزَامِ، نَحْوَ: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} أَضْمَرَ الرُّوحَ أَوِ النَّفْسَ لِدَلَالَةِ الْحُلْقُومِ وَالتَّرَاقِي عَلَيْهَا {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} أَيِ الشَّمْسُ لِدَلَالَةِ الْحِجَابِ عَلَيْهَا. وَقَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فَيُضْمَرُ ثِقَةً بِفَهْمِ السَّامِعِ نَحْوَ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا} أَيِ الْأَرْضِ أَوِ الدُّنْيَا {وَلِأَبَوَيْهِ} أَيِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى لَفْظِ الْمَذْكُورِ دُونَ مَعْنَاهُ نَحْوَ: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} أَيْ عُمُرِ مُعَمَّرٍ آخَرَ.

وَقَدْ يَعُودُ عَلَى بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ، نَحْوَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} بعد قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ} فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ وَالْعَائِدُ عَلَيْهِ فِيهِنَّ وَفِي غَيْرِهِنَّ. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ فِي آيَةِ الْكَلَالَةِ: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَفْظٌ مُثَنًّى يَعُودُ عَلَيْهِ قَالَ الْأَخْفَشُ: لِأَنَّ الْكَلَالَةَ تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ فَثُنِّىَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إِلَيْهَا حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى كَمَا يَعُودُ الضَّمِيرُ جَمْعًا عَلَى مَنْ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهَا. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى لَفْظِ شَيْءٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَقَوْلِهِ: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} أَيْ بِجِنْسَيِ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ لِدَلَالَةِ {غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً} عَلَى الْجِنْسَيْنِ وَلَوْ رَجَعَ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهِ لَوَحَّدَهُ. وَقَدْ يُذْكَرُ شَيْئَانِ وَيُعَادُ الضَّمِيرُ إِلَى أَحَدِهِمَا وَالْغَالِبُ كَوْنُهُ الثَّانِيَ نَحْوَ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} فَأُعِيدَ الضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ وَقِيلَ: لِلِاسْتِعَانَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنِ {اسْتَعِينُوا} . {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} أَيِ الْقَمَرَ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ الشُّهُورُ. {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} أَرَادَ " يُرْضُوهُمَا " فَأَفْرَدَ لِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ دَاعِي الْعِبَادِ وَالْمُخَاطِبُ لَهُمْ شِفَاهًا وَيَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُ رِضَا رَبِّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ يُثَنَّى الضَّمِيرُ وَيَعُودُ عَلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ نَحْوَ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَقَدْ يَجِيءُ الضَّمِيرُ مُتَّصِلًا بِشَيْءٍ وَهُوَ لِغَيْرِهِ نَحْوَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} يَعْنِي آدَمَ ثُمَّ قَالَ: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} فَهَذِهِ لِوَلَدِهِ لِأَنَّ آدَمَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ نُطْفَةٍ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ وَمِنْهُ: {لَا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ثُمَّ قَالَ: {قَدْ سَأَلَهَا} أَيْ أَشْيَاءَ أُخَرَ مَفْهُومَةً مِنْ لَفْظِ أَشْيَاءَ السَّابِقَةِ. وَقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى مُلَابِسِ مَا هُوَ لَهُ نَحْوَ: {إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أَيْ ضُحَى يَوْمِهَا لَا ضُحَى الْعَشِيَّةِ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا ضُحَى لَهَا. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى غَيْرِ مُشَاهَدٍ مَحْسُوسٍ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ نَحْوَ: {وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فَضَمِيرُ " لَهُ " عَائِدٌ عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَابِقًا فِي عِلْمِ اللَّهِ كَوْنُهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الشاهد الْمَوْجُودِ. قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ عَوْدُهُ عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَمِنْ ثَمَّ أُخِّرَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} ، لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ لِقُرْبِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَافًا وَمُضَافًا إِلَيْهِ

فَالْأَصْلُ عَوْدُهُ لِلْمُضَافِ لِأَنَّهُ الْمُحَدِّثُ عَنْهُ نَحْوَ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} . وَقَدْ يَعُودُ عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ نَحْوَ: {إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} . وَاخْتُلِفَ فِي: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} فَمِنْهُمْ مَنْ أَعَادَهُ عَلَى الْمُضَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَعَادَهُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ. قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ تَوَافُقُ الضَّمَائِرِ فِي الْمَرْجِعِ حَذَرًا مِنَ التَّشْتِيتِ وَلِهَذَا لَمَّا جَوَّزَ بَعْضُهُمْ فِي: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} أَنَّ الضَّمِيرَ فِي الثَّانِي لِلتَّابُوتِ وَفِي الْأَوَّلِ لِمُوسَى عَابَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَجَعَلَهُ تَنَافُرًا مُخْرِجًا لِلْقُرْآنِ عَنْ إِعْجَازِهِ فَقَالَ: وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى مُوسَى وَرُجُوعُ بَعْضِهَا إِلَيْهِ وَبَعْضُهَا إِلَى التَّابُوتِ فِيهِ هُجْنَةٌ لما يؤدي إِلَيْهِ مِنْ تَنَافُرِ النَّظْمِ الَّذِي هُوَ أُمُّ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَمُرَاعَاتُهُ أَهَمُّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُفَسِّرِ. وَقَالَ فِي: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} الضَّمَائِرُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِتَعْزِيرِهِ تَعْزِيرُ دِينِهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ فَرَّقَ الضَّمَائِرَ فَقَدْ أَبْعَدَ. وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً} فَإِنَّ ضَمِيرَ " فِيهِمْ " لِأَصْحَابِ الْكَهْفِ " ومنهم " لِلْيَهُودِ.

قَالَهُ ثَعْلَبٌ وَالْمُبَرِّدُ وَمِثْلِهِ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَاءَ ظَنًّا بِقَوْمِهِ وَضَاقَ ذَرْعًا بِأَضْيَافِهِ. وَقَوْلِهِ: {إلا تنصروه} الْآيَةَ، فِيهَا اثْنَا عَشَرَ ضَمِيرًا كلها لنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ضَمِيرَ " عَلَيْهِ " فَلِصَاحِبِهِ كَمَا نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَضَمِيرُ " جَعَلَ " لَهُ تَعَالَى. وَقَدْ يُخَالَفُ بَيْنَ الضَّمَائِرِ حَذَرًا مِنَ التَّنَافُرِ نَحْوَ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} الضَّمِيرُ لِلِاثْنَيْ عَشْرَ ثُمَّ قَالَ: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مُخَالِفًا لِعَوْدِهِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ. ضَمِيرُ الْفَصْلِ: ضَمِيرٌ بِصِيغَةِ الْمَرْفُوعِ مُطَابِقٌ لِمَا قَبْلَهُ تَكَلُّمًا وَخِطَابًا وَغَيْبَةً إِفْرَادًا وَغَيْرَهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ مُبْتَدَإٍ أَوْ مَا أَصْلُهُ الْمُبْتَدَأُ وَقَبْلَ خَبَرٍ كَذَلِكَ نَحْوَ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً} {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً} {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} .

وَجَوَّزَ الْأَخْفَشُ وُقُوعَهُ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحَبِهَا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ: {هُنَّ أَطْهَرَ} بِالنَّصْبِ. وَجَوَّزَ الْجُرْجَانِيُّ وُقُوعَهُ قَبْلَ مُضَارِعٍ وَجَعَلَ مِنْهُ: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} ، وَجَعَلَ مِنْهُ أَبُو الْبَقَاءِ: {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} . وَلَا مَحَلَّ لِضَمِيرِ الْفَصْلِ مِنَ الْإِعْرَابِ وَلَهُ ثلاثة فَوَائِدَ: الْإِعْلَامُ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ خَبَرٌ لَا تَابِعٌ وَالتَّأْكِيدُ وَلِهَذَا سَمَّاهُ الْكُوفِيُّونَ دِعَامَةً. لِأَنَّهُ يُدْعَمُ بِهِ الْكَلَامُ أَيْ يُقَوَّى وَيُؤَكَّدُ وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَا يُقَالُ: زَيْدٌ نَفْسُهُ هُوَ الْفَاضِلُ وَالِاخْتِصَاصُ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ الثَّلَاثَةَ فِي: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فَقَالَ: فَائِدَتُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ خَبَرٌ لَا صِفَةٌ وَالتَّوْكِيدُ وَإِيجَابُ أَنَّ فَائِدَةَ الْمُسْنَدِ ثَابِتَةٌ لِلْمُسْنَدِ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ. ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ: وَيُسَمَّى ضَمِيرَ الْمَجْهُولِ قَالَ فِي الْمُغْنِي خَالَفَ الْقِيَاسَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا: عَوْدُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ لُزُومًا إِذْ لَا يَجُوزُ لِلْجُمْلَةِ الْمُفَسِّرَةِ لَهُ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ مُفَسِّرَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا جُمْلَةً.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِتَابِعٍ فَلَا يُؤَكَّدُ وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ وَلَا يُبْدَلُ مِنْهُ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ إِلَّا الِابْتِدَاءُ أَوْ نَاسِخُهُ. وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلْإِفْرَادِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} . وَفَائِدَتُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى تَعْظِيمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَتَفْخِيمِهِ بِأَنْ يُذْكَرَ أَوَّلًا مُبْهَمًا ثُمَّ يُفَسَّرُ. تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَتَى أَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَى غَيْرِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ ضَعُفَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ} إِنَّ اسْمَ إِنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ ضَمِيرَ الشَّيْطَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قراءة: {وَقَبِيلَهُ} بِالنَّصْبِ وَضَمِيرُ الشَّأْنِ لَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ. قَاعِدَةٌ جمع العاقلات لَا يَعُودُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ غَالِبًا إِلَّا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْقِلَّةِ أَوْ لِلْكَثْرَةِ نَحْوَ: {وَالْوَالِدَاتُ يرضعن} {والمطلقات يتربصن} وَوَرَدَ الْإِفْرَادُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} وَلَمْ يَقُلْ مُطَهَّرَاتٌ. وَأَمَّا غَيْرُ الْعَاقِلِ فَالْغَالِبُ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ الْإِفْرَادُ وَفِي الْقِلَّةِ الْجَمْعُ وَقَدِ

اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} إِلَى أَنْ قَالَ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} فَأَعَادَ مِنْهَا بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ عَلَى الشُّهُورِ وَهِيَ لِلْكَثْرَةِ ثُمَّ قَالَ: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} فَأَعَادَهُ جَمْعًا عَلَى " أَرْبَعَةٍ حُرُمٍ " وهي للقلة. وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ سِرًّا لَطِيفًا وَهُوَ أَنَّ الْمُمَيَّزَ مَعَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ هُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشْرَةِ لَمَّا كَانَ وَاحِدًا وُحِّدَ الضَّمِيرُ وَمَعَ الْقِلَّةِ وَهُوَ الْعَشْرَةُ فَمَا دُونَهَا لَمَّا كَانَ جَمْعًا جُمِعَ الضَّمِيرُ. قَاعِدَةٌ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الضَّمَائِرِ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بُدِئَ بِاللَّفْظِ ثُمَّ بِالْمَعْنَى هَذَا هُوَ الْجَادَّةُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} ثُمَّ قَالَ: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} أَفْرَدَ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ ثُمَّ جَمَعَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَكَذَا: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} . قَالَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ ولم يجيء فِي الْقُرْآنِ الْبَدَاءَةُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} فَأَنَّثَ " خَالِصًا " حَمْلًا عَلَى مَعْنَى " مَا " ثُمَّ رَاعَى اللَّفْظَ فَذَكَّرَ فَقَالَ: {مُحَرَّمٌ} . انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ: إِذَا حُمِلَ عَلَى اللفظ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى

الْمَعْنَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى ضَعُفَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَقْوَى فَلَا يَبْعُدُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَيَضْعُفُ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْقَوِيِّ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَضْعَفِ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي الْمُحْتَسَبِ: لَا يَجُوزُ مُرَاجَعَةُ اللَّفْظِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ثُمَّ قال: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} فقد ارجع اللَّفْظَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى. وَقَالَ مَحْمُودُ بْنُ حَمْزَةَ فِي كِتَابِ الْعَجَائِبِ: ذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى اللَّفْظِ بَعْدَ الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} . قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ " لَيْسَ ": الْقَاعِدَةُ فِي " مَن " وَنَحْوِهِ الرُّجُوعُ مِنَ اللَّفْظِ إِلَى الْمَعْنَى وَمِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْجَمْعِ وَمِنَ الْمُذَكَّرِ إِلَى الْمُؤَنَّثِ نَحْوَ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً} {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أَجْمَعَ عَلَى هَذَا النَّحْوِيُّونَ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ الرُّجُوعُ مِنَ الْمَعْنَى إِلَى اللَّفْظِ إِلَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ اسْتَخْرَجَهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ} ،

الآية، وحد في يؤمن ويعمل ويدخله ثُمَّ جَمَعَ فِي قَوْلِهِ: {خَالِدِينَ} ثُمَّ وَحَّدَ فِي قَوْلِهِ: {أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} فَرَجَعَ بَعْدَ الْجَمْعِ إِلَى التَّوْحِيدِ. قَاعِدَةٌ: فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ التَّأْنِيثُ ضَرْبَانِ: حَقِيقِيٌّ وَغَيْرُهُ فَالْحَقِيقِيُّ لَا تُحْذَفُ تَاءُ التَّأْنِيثِ مِنْ فِعْلِهِ غَالِبًا إِلَّا إِنْ وَقَعَ فَصْلٌ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْفَصْلُ حَسُنَ الْحَذْفُ وَالْإِثْبَاتُ مَعَ الْحَقِيقِيِّ أَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ جَمْعًا وَأَمَّا غَيْرُ الْحَقِيقِيِّ فَالْحَذْفُ فِيهِ مَعَ الْفَصْلِ أَحْسَنُ نَحْوَ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ} فَإِنْ كَثُرَ الْفَصْلُ ازْدَادَ حُسْنًا نَحْوَ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} . والإثبات أيضا حسن نَحْوَ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي سُورَةِ هُودٍ. وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَرْجِيحِ الْحَذْفِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَيَجُوزُ الْحَذْفُ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ الْفَصْلِ حَيْثُ الْإِسْنَادُ إِلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ كَانَ إِلَى ضَمِيرِهِ امْتَنَعَ. وَحَيْثُ وَقَعَ ضَمِيرٌ أَوْ إِشَارَةٌ بَيْنَ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ أَحَدُهُمَا مُذَكَّرٌ وَالْآخَرُ مُؤَنَّثٌ جَازَ فِي الضَّمِيرِ وَالْإِشَارَةِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ

هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} ، فَذُكِّرَ وَالْخَبَرُ مُؤَنَّثٌ لِتَقَدُّمِ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَذَانِكَ برهانان من ربك} ذُكِّرَ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ الْيَدُ وَالْعَصَا وَهُمَا مُؤَنَّثَانِ لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ وَهُوَ "بُرْهَانَانِ ". وَكُلُّ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ فِيهَا التَّذْكِيرُ حَمْلًا عَلَى الْجِنْسِ وَالتَّأْنِيثُ حَمْلًا عَلَى الْجَمَاعَةِ كَقَوْلِهِ: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} وَقُرِئَ: {تَشَابَهَتْ} {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} . وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً} . وَقَدْ سُئِلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} وَقَوْلِهِ: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} . وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: لَفْظِيٌّ، وَهُوَ كَثْرَةُ حُرُوفِ الْفَاصِلِ فِي الثَّانِي وَالْحَذْفُ مَعَ كَثْرَةِ الْحَوَاجِزِ أَكْثَرُ وَمَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ: {مَنْ حَقَّتْ} رَاجِعَةٌ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَفْظًا بِدَلِيلِ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} ثُمَّ قَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأُمَمِ وَلَوْ قَالَ: ضَلَّتْ لَتَعَيَّنَتِ التَّاءُ وَالْكَلَامَانِ وَاحِدٌ وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا كَانَ إِثْبَاتُ التَّاءِ أَحْسَنَ مِنْ تَرْكِهَا لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِيمَا هُوَ مِنْ مَعْنَاهُ. وَأَمَّا {فَرِيقاً هَدَى} الْآيَةَ فَالْفَرِيقُ يُذَكَّرُ وَلَوْ قَالَ: "فَرِيقٌ

ضَلُّوا " لَكَانَ بِغَيْرِ تَاءٍ وَقَوْلُهُ: {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} فِي مَعْنَاهُ فجاء غير تَاءٍ وَهَذَا أُسْلُوبٌ لَطِيفٌ مِنْ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ أَنْ يَدَعُوا حُكْمَ اللَّفْظِ الْوَاجِبَ فِي قِيَاسِ لُغَتِهِمْ إِذَا كَانَ فِي مَرْتَبَةِ كَلِمَةٍ لَا يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ الْحُكْمُ. قَاعِدَةٌ: فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَقَامًا لَا يَلِيقُ بِالْآخَرِ أَمَّا التَّنْكِيرُ فَلَهُ أَسْبَابٌ: أَحَدُهَا: إِرَادَةُ الْوَحْدَةِ، نَحْوَ: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} أَيْ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ} . الثَّانِي: إِرَادَةُ النَّوْعِ، نَحْوَ: {هَذَا ذِكْرُ} أَيْ نَوْعٌ مِنَ الذِّكْرِ {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} أَيْ نَوْعٌ غَرِيبٌ مِنَ الْغِشَاوَةِ لَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بِحَيْثُ غَطَّى مَا لَا يُغَطِّيهِ شَيْءٌ مِنَ الْغِشَاوَاتِ {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} أَيْ نَوْعٍ مِنْهَا وَهُوَ الِازْدِيَادُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْحِرْصَ لَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي وَلَا عَلَى الْحَاضِرِ. وَيَحْتَمِلُ الْوَحْدَةَ وَالنَّوْعِيَّةَ مَعًا قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} أَيْ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّوَابِّ مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَاءِ وَكُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الدَّوَابِّ مِنْ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ النُّطَفِ.

الثَّالِثُ: التَّعْظِيمُ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَيَّنَ وَيُعْرَفَ، نَحْوَ: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ} أَيْ بِحَرْبٍ أَيِّ حَرْبٍ {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} . الرابع: التكثير، نحو: {أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً} أَيْ وَافِرًا جَزِيلًا. وَيَحْتَمِلُ التَّعْظِيمَ وَالتَّكْثِيرَ مَعًا، نَحْوَ: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} أَيْ رُسُلٌ عِظَامٌ ذَوُو عَدَدٍ كَثِيرٍ. الْخَامِسُ: التَّحْقِيرُ بِمَعْنَى انْحِطَاطِ شَأْنِهِ إِلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَرَّفَ نَحْوَ: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً} أَيْ ظَنًّا حَقِيرًا لَا يُعْبَأُ بِهِ وَإِلَّا لَاتَّبَعُوهُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْدَنُهُمْ بِدَلِيلِ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أَيْ مِنْ شَيْءٍ حَقِيرٍ مَهِينٍ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ} . السَّادِسُ: التَّقْلِيلُ نَحْوَ: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} أَيْ رِضْوَانٌ قَلِيلٌ مِنْهُ أَكْبَرُ مِنَ الْجَنَّاتِ لِأَنَّهُ رَأْسُ كُلِّ سَعَادَةٍ. قَلِيلٌ مِنْكَ يَكْفِينِي وَلَكِنْ قَلِيلُكَ لَا يُقَالُ لَهُ قَلِيلُ وَجَعَلَ مِنْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} أَيْ لَيْلًا قَلِيلًا أَيْ بَعْضَ لَيْلٍ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْلِيلَ رَدُّ الْجِنْسِ إِلَى فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ لَا تَنْقِيصُ فَرْدٍ

إِلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَأَجَابَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّيْلَ حَقِيقَةٌ فِي جَمِيعِ اللَّيْلَةِ بَلْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا يُسَمَّى لَيْلًا. وَعَدَّ السَّكَّاكِيُّ مِنَ الْأَسْبَابِ أَلَّا يُعْرَفَ مِنْ حَقِيقَتِهِ إِلَّا ذَلِكَ وَجَعَلَ مِنْهُ أَنْ تَقْصِدَ التَّجَاهُلَ وَأَنَّكَ لَا تُعَرِّفُ شَخْصَهُ كَقَوْلِكَ: هَلْ لَكَ فِي حَيَوَانٍ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ يَقُولُ: كَذَا! وَعَلَيْهِ مِنْ تَجَاهُلِ الْكُفَّارِ: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} كَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ. وَعَدَّ غَيْرُهُ مِنْهَا قَصْدَ الْعُمُومِ بِأَنْ كَانَتْ سِيَاقِ النَّفْيِ نَحْوَ: {لَا رَيْبَ فيه} {فلا رفث} الْآيَةَ. أَوِ الشَّرْطِ، نَحْوَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} . أَوِ الِامْتِنَانِ، نَحْوَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} . وَأَمَّا التَّعْرِيفُ فَلَهُ أَسْبَابٌ فَبِالْإِضْمَارِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ التَّكَلُّمِ أَوِ الْخِطَابِ أَوِ الْغَيْبَةِ. وَبِالْعَلَمِيَّةِ لِإِحْضَارِهِ بِعَيْنِهِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ ابْتِدَاءً بِاسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ نَحْوَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} . أَوْ لِتَعْظِيمٍ أَوْ إِهَانَةٍ، حَيْثُ عِلْمُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَمِنَ التَّعْظِيمِ ذِكْرُ يَعْقُوبَ بِلَقَبِهِ إِسْرَائِيلَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَدْحِ وَالتَّعْظِيمِ بِكَوْنِهِ صَفْوَةَ اللَّهِ أَوْ سَرِيَّ اللَّهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي مَعْنَاهُ فِي الْأَلْقَابِ وَمِنَ الْإِهَانَةِ: قَوْلُهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وَفِيهِ أَيْضًا نُكْتَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْكِنَايَةُ عَنْ كَوْنِهِ جَهَنَّمِيًّا.

وَبِالْإِشَارَةِ لِتَمْيِيزِهِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ بِإِحْضَارِهِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ حِسًّا نَحْوَ: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} . وَلِلتَّعْرِيضِ بِغَبَاوَةِ السَّامِعِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ لَهُ الشَّيْءُ إِلَّا بِإِشَارَةِ الْحَسِّ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَلِبَيَانِ حَالِهِ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَيُؤْتَى فِي الْأَوَّلِ بِنَحْوِ هَذَا وَفِي الثَّانِي بِنَحْوِ: ذَلِكَ، وَأُولَئِكَ. وَلِقَصْدِ تَحْقِيرِهِ بِالْقُرْبِ كَقَوْلِ الْكُفَّارِ: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً} وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} وَلِقَصْدِ تَعْظِيمِهِ بِالْبُعْدِ، نَحْوَ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} ذَهَابًا إِلَى بُعْدِ دَرَجَتِهِ. وَلِلتَّنْبِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِأَوْصَافٍ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ جَدِيرٌ بِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنْ أَجْلِهَا نَحْوَ: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . وَبِالْمَوْصُولِيَّةِ لِكَرَاهَةِ ذِكْرِهِ بِخَاصِّ اسْمِهِ إِمَّا سَتْرًا عَلَيْهِ أَوْ إِهَانَةً لَهُ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَيُؤْتَى بِالَّذِي وَنَحْوِهَا مَوْصُولَةً بِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ نَحْوَ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} . وَقَدْ يَكُونُ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ، نَحْوَ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الْآيَةَ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} {إِنَّ

الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ} . وَلِلِاخْتِصَارِ نَحْوَ: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} أَيْ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ آدَرُ إِذْ لَوْ عَدَّدَ أَسْمَاءَ الْقَائِلِينَ لَطَالَ وَلَيْسَ لِلْعُمُومِ لَأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا فِي حَقِّهِ ذَلِكَ. وَبِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَعْهُودٍ خَارِجِيٍّ أَوْ ذِهْنِيٍّ أَوْ حُضُورِيٍّ، وَلِلِاسْتِغْرَاقِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا أَوْ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ وَقَدْ مَرَّتْ أَمْثِلَتُهَا فِي نَوْعِ الْأَدَوَاتِ، وَبِالْإِضَافَةِ لِكَوْنِهَا أَخْصَرَ طَرِيقٍ وَلِتَعْظِيمِ الْمُضَافِ نَحْوَ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} أَيِ الْأَصْفِيَاءُ فِي الْآيَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَلِقَصْدِ الْعُمُومِ نَحْوَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أ} أَيْ كُلَّ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. فَائِدَةٌ سُئِلَ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي تَنْكِيرِ أَحَدٌ وَتَعْرِيفِ الصَّمَدُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} وَأَلَّفْتُ فِي جَوَابِهِ تَأْلِيفًا مُودَعًا فِي الْفَتَاوَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ نُكِّرَ لِلتَّعْظِيمِ وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ - وَهُوَ الذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ - غَيْرُ مُمْكِنٍ تَعْرِيفُهَا وَالْإِحَاطَةُ بِهَا. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِدْخَالُ أَلْ عَلَيْهِ كَغَيْرٍ وَكُلٍّ وَبَعْضٍ وَهُوَ فَاسِدٌ فَقَدْ قُرِئَ شاذا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ الأَحَدُ اللَّهُ الصَّمَدُ} حَكَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. الثَّالِثُ: وَهُوَ مِمَّا خَطَرَ لِي أَنَّ هُوَ مبتدأ والله خَبَرٌ وَكِلَاهُمَا مَعْرِفَةٌ فَاقْتَضَى الْحَصْرَ فَعُرِفَ الْجُزْآنِ فِي " اللَّهُ الصَّمَدُ " لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ لِيُطَابِقَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى وَاسْتُغْنِيَ عَنْ تَعْرِيفِ " أَحَدٌ " فِيهَا لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ دُونَهُ فَأُتِيَ بِهِ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ التَّنْكِيرِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ ثَانٍ وَإِنْ جُعِلَ الاسم الكريم مبتدأ وأحد خَبَرَهُ فَفِيهِ مِنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ مَا فِيهِ مِنَ التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ فَأَتَى بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى نَحْوِ الْأُولَى بِتَعْرِيفِ الْجُزْأَيْنِ لِلْحَصْرِ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا. قَاعِدَةٌ أُخْرَى: تَتَعَلَّقُ بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ إِذَا ذُكِرَ الِاسْمُ مَرَّتَيْنِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَا مَعْرِفَتَيْنِ أَوْ نَكِرَتَيْنِ أَوِ الْأَوَّلُ نَكِرَةً وَالثَّانِي مَعْرِفَةً أَوْ بِالْعَكْسِ. فَإِنْ كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ غَالِبًا دَلَالَةً عَلَى الْمَعْهُودِ الَّذِي هُوَ فِي الْأَصْلِ فِي اللَّامِ أَوِ الْإِضَافَةِ نَحْوَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} . {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ

وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} . وَإِنْ كَانَا نَكِرَتَيْنِ فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ غَالِبًا وَإِلَّا لَكَانَ الْمُنَاسِبُ هُوَ التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَعْهُودًا سَابِقًا نَحْوَ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالضَّعْفِ الْأَوَّلِ النُّطْفَةُ وَبِالثَّانِي الطُّفُولِيَّةُ وَبِالثَّالِثِ الشَّيْخُوخَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} الْفَائِدَةُ فِي إِعَادَةِ لَفْظِ الشَّهْرِ الْإِعْلَامُ بِمِقْدَارِ زَمَنِ الْغُدُوِّ وَزَمَنِ الرَّوَاحِ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَأْتِي مُبَيِّنَةً لِلْمَقَادِيرِ لَا يَحْسُنُ فِيهَا الْإِضْمَارُ وَلَوْ أُضْمِرَ فَالضَّمِيرُ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَا تَقَدَّمَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجَبَ الْعُدُولُ عَنِ الْمُضْمَرِ إِلَى الظَّاهِرِ. وَقَدِ اجْتَمَعَ الْقِسْمَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} فَالْعُسْرُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَالْيُسْرُ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَةِ: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ". وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ نَكِرَةً وَالثَّانِي مَعْرِفَةً فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ حَمْلًا عَلَى الْعَهْدِ نَحْوَ: {أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} {مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ} . وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةً وَالثَّانِي نَكِرَةً فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بَلْ يُتَوَقَّفُ عَلَى الْقَرَائِنِ

فَتَارَةً تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى التَّغَايُرِ نَحْوَ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً} {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ هُدىً} . قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْمُرَادُ جَمِيعُ مَا أَتَاهُ مِنَ الدِّينِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَالشَّرَائِعِ وهدى إِرْشَادًا وَتَارَةً تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى الِاتِّحَادِ نَحْوَ: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيّاً} . تَنْبِيهٌ قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ وَغَيْرِهِ: إِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ غَيْرُ محررة فإنها منتقصة بِآيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} : فَإِنَّهُمَا مَعْرِفَتَانِ وَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} الْآيَةَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} ثُمَّ قَالَ: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} فَإِنَّ الْأَوَّلَ آدَمُ وَالثَّانِيَ وَلَدُهُ. {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} فَإِنَّ الْأَوَّلَ الْقُرْآنُ وَالثَّانِيَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ. وَمِنْهَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} .

{يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} فَإِنَّ الثَّانِيَ فِيهِمَا هُوَ الْأَوَّلُ وَهُمَا نَكِرَتَانِ. وَمِنْهَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} . {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} . {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} . {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} . {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ} . {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ} فَإِنَّ الثَّانِيَ فِيهَا غَيْرُ الْأَوَّلِ. وَأَقُولُ: لَا إنتفاض بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ فَإِنَّ اللَّامَ فِي الْإِحْسَانِ لِلْجِنْسِ فِيمَا يَظْهَرُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ وَكَذَا آيَةُ النَّفْسِ وَالْحُرِّ بِخِلَافِ آيَةِ الْعُسْرِ فَإِنَّ أَلْ فِيهَا إِمَّا لِلْعَهْدِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ وَكَذَا آيَةُ الظَّنِّ لَا نُسَلِّمُ فِيهَا أَنَّ الثَّانِيَ فِيهَا غَيْرُ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ قَطْعًا إِذْ لَيْسَ كُلُّ ظَنِّ مَذْمُومًا كَيْفَ وَأَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ ظَنِّيَّةٌ! وَكَذَا آيَةُ الصُّلْحِ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَاسْتِحْبَابُ الصُّلْحِ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّنَّةِ وَمِنَ الْآيَةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ بَلْ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَأَنَّ كُلَّ صُلْحٍ خَيْرٌ لِأَنَّ

مَا أَحَلَّ حَرَامًا مِنَ الصُّلْحِ أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَكَذَا آيَةُ الْقِتَالِ لَيْسَ الثَّانِي فِيهَا عَيْنَ الْأَوَّلِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ المراد بالأول المسؤول عَنْهُ الْقِتَالُ الَّذِي وَقَعَ فِي سَرِيَّةِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ وَالْمُرَادَ بِالثَّانِي جِنْسُ الْقِتَالِ لَا ذَاكَ بِعَيْنِهِ وَأَمَّا آيَةُ {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} فَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا الطَّيْبِيُّ أَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّكْرِيرِ لِإِفَادَةِ أَمْرٍ زَائِدٍ بِدَلِيلِ تَكْرِيرِ ذِكْرِ الرَّبِّ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ} وَوَجْهُهُ الْإِطْنَابُ فِي تَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْ نِسْبَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ وَشَرْطُ الْقَاعِدَةِ أَلَّا يُقْصَدَ التَّكْرِيرُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ الِاسْمِ مَرَّتَيْنِ كَوْنُهُ مَذْكُورًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ أَوْ كَلَامَيْنِ بَيْنَهُمَا تَوَاصُلٌ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفًا عَلَى الْآخَرِ وَلَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ ظَاهِرٌ وَتَنَاسُبٌ وَاضِحٌ وَأَنْ يَكُونَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَدَفَعَ بِذَلِكَ إِيرَادَ آيَةِ الْقِتَالِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهَا مَحْكِيٌّ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَالثَّانِيَ مَحْكِيٌّ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَاعِدَةٌ: فِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ مِنْ ذَلِكَ " السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ " حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا مُفْرَدَةٌ وَلَمْ تجمع - بخلاف السموات - لِثِقَلِ جَمْعِهَا وَهُوَ أَرَضُونَ وَلِهَذَا لَمَّا أُرِيدَ ذِكْرُ جَمِيعِ الْأَرَضِينَ قَالَ: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} وَأَمَّا السَّمَاءُ،

فَذُكِرَتْ تَارَةً بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَتَارَةً بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ لِنُكَتٍ تَلِيقُ بِذَلِكَ المحل لما أَوْضَحْتُهُ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ أُرِيدَ الْعَدَدُ أُتِيَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الدَّالَّةِ عَلَى سَعَةِ الْعَظَمَةِ وَالْكَثْرَةِ نَحْوَ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} أَيْ جَمِيعُ سُكَّانِهَا عَلَى كَثْرَتِهِمْ {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى اخْتِلَافِ عَدَدِهَا {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} إِذِ الْمُرَادُ نَفْيُ عِلْمِ الْغَيْبِ عَنْ كُلِّ مَنْ هُوَ فِي واحدة من السموات. وَحَيْثُ أُرِيدَ الْجِهَةُ أُتِيَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ نَحْوَ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} أَيْ مِنْ فَوْقِكُمْ. وَمِنْ ذَلِكَ الرِّيحُ ذُكِرَتْ مَجْمُوعَةً وَمُفْرَدَةً فَحَيْثُ ذُكِرَتْ فِي سِيَاقِ الرَّحْمَةِ جُمِعَتْ أَوْ فِي سِيَاقِ الْعَذَابِ أُفْرِدَتْ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الرِّيَاحِ فَهُوَ رَحْمَةٌ وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ مِنَ الرِّيحِ فَهُوَ عَذَابٌ "، وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا ". وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ: أَنَّ رِيَاحَ الرَّحْمَةِ مُخْتَلِفَةُ الصِّفَاتِ وَالْمَهَبَّاتِ وَالْمَنَافِعِ وَإِذَا هَاجَتْ مِنْهَا رِيحٌ أُثِيرَ لَهَا مِنْ مُقَابِلِهَا مَا يَكْسِرُ سَوْرَتَهَا فَيَنْشَأُ مِنْ بَيْنِهِمَا رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَنْفَعُ الْحَيَوَانَ وَالنَّبَاتَ فَكَانَتْ فِي الرَّحْمَةِ رِيَاحًا وَأَمَّا فِي الْعَذَابِ فَإِنَّهَا تَأْتِي مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا وَلَا دَافِعَ وَقَدْ خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: لَفْظِيٌّ وَهُوَ الْمُقَابَلَةُ فِي قَوْلِهِ: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} وَرُبَّ شَيْءٍ يَجُوزُ فِي الْمُقَابَلَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْلَالًا نَحْوَ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} . وَمَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ تَمَامَ الرَّحْمَةِ هُنَاكَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِوَحْدَةِ الرِّيحِ لَا بِاخْتِلَافِهَا فَإِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَسِيرُ إِلَّا بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهَا الرِّيَاحُ كَانَ سَبَبَ الْهَلَاكِ وَالْمَطْلُوبُ هُنَا رِيحٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا أُكِّدَ هَذَا الْمَعْنَى بِوَصْفِهَا بِالطَّيِّبِ وَعَلَى ذَلِكَ أَيْضًا جَرَى قَوْلُهُ: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ} . وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ: إِنَّهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ سُكُونَ الرِّيحِ عَذَابٌ وَشِدَّةٌ عَلَى أَصْحَابِ السُّفُنِ، وَمِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ النُّورِ وَجَمْعُ الظُّلُمَاتِ وَإِفْرَادُ سَبِيلِ الْحَقِّ وَجَمْعُ سُبُلِ الْبَاطِلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} لِأَنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ وَاحِدَةٌ وَطَرِيقَ الْبَاطِلِ مُتَشَعِّبَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَالظُّلُمَاتُ بِمَنْزِلَةِ طُرُقِ الْبَاطِلِ وَالنُّورُ بِمَنْزِلَةِ طَرِيقِ الْحَقِّ بَلْ هُمَا هُمَا وَلِهَذَا وَحَّدَ " وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ " وَجَمَعَ " أَوْلِيَاءَ الْكُفَّارِ " لِتَعَدُّدِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} . وَمِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ النَّاِرِ حَيْثُ وقعت والجنة وَقَعَتْ مَجْمُوعَةً وَمُفْرَدَةً لِأَنَّ الْجِنَانَ مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ فَحَسُنَ جَمْعُهَا وَالنَّارَ مَادَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ الْجَنَّةَ رَحْمَةٌ وَالنَّارَ عَذَابٌ فَنَاسَبَ جَمْعُ الْأُولَى وَإِفْرَادُ الثَّانِيَةِ عَلَى حَدِّ الرِّيَاحِ وَالرِّيحِ.

وَمِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ السَّمْعِ وَجَمْعُ الْبَصَرِ لِأَنَّ السَّمْعَ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَصْدَرِيَّةُ فَأُفْرِدَ بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَإِنَّهُ اشْتُهِرَ فِي الْجَارِحَةِ وَلِأَنَّ مُتَعَلِّقَ السَّمْعِ الْأَصْوَاتُ وَهِيَ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمُتَعَلِّقَ الْبَصَرِ الْأَلْوَانُ وَالْأَكْوَانُ وَهِيَ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ فَأَشَارَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى مُتَعَلِّقِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ الصَّدِيقِ وَجَمْعُ الشَّافِعِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} وَحِكْمَتُهُ كَثْرَةُ الشُّفَعَاءِ فِي الْعَادَةِ وَقِلَّةُ الصَّدِيقِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا امْتُحِنَ بِإِرْهَاقِ ظَالِمٍ نَهَضَتْ جَمَاعَةٌ وَافِرَةٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لِشَفَاعَتِهِ رَحْمَةً وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ بِأَكْثَرِهِمْ مَعْرِفَةٌ وَأَمَّا الصَّدِيقُ فَأَعَزُّ مِنْ بَيْضِ الْأَنُوقِ. وَمِنْ ذَلِكَ: {الْأَلْبَابُ} لَمْ يَقَعْ إِلَّا مَجْمُوعًا لِأَنَّ مُفْرَدَهُ ثَقِيلٌ لَفْظًا. وَمِنْ ذَلِكَ مَجِيءُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ فَحَيْثُ أُفْرِدَا فَاعْتِبَارًا لِلْجِهَةِ وَحَيْثُ ثُنِّيَا فَاعْتِبَارًا لِمَشْرِقِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَمَغْرِبِهِمَا وَحَيْثُ جُمِعَا فَاعْتِبَارًا لِتَعَدُّدِ الْمَطَالِعِ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْ فَصْلَيِ السَّنَةِ. وَأَمَّا وَجْهُ اخْتِصَاصِ كُلِّ مَوْضُوعٍ بِمَا وَقَعَ فِيهِ فَفِي سُورَةِ الرَّحْمَةِ وَقَعَ بِالتَّثْنِيَةِ لِأَنَّ سِيَاقَ السُّورَةِ سِيَاقُ الْمُزْدَوِجَيْنِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ أَوَّلًا نَوْعَيِ الْإِيجَادِ وَهُمَا الْخَلْقُ وَالتَّعْلِيمُ ثُمَّ ذَكَرَ سِرَاجَيِ الْعَالَمِ: الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثُمَّ نَوْعَيِ النَّبَاتِ: مَا كَانَ عَلَى سَاقٍ وَمَا لَا سَاقَ لَهُ وَهُمَا النَّجْمُ وَالشَّجَرُ ثُمَّ نَوْعَيِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ نَوْعَيِ الْعَدْلِ وَالظُّلْمِ ثُمَّ نَوْعَيِ الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُمَا الْحُبُوبُ وَالرَّيَاحِينُ ثُمَّ نَوْعَيِ الْمُكَلَّفِينَ وَهُمَا:

الْإِنْسُ وَالْجَانُّ ثُمَّ نَوْعَيِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ثُمَّ نَوْعَيِ الْبَحْرِ الْمِلْحِ وَالْعَذْبِ فَلِهَذَا حَسُنَ تَثْنِيَةُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَجُمِعَا فِي قَوْلِهِ: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} وَفِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى سَعَةِ الْقُدْرَةِ وَالْعَظَمَةِ. فَائِدَةٌ حَيْثُ وَرَدَ " الْبَارُّ " مَجْمُوعًا فِي صِفَةِ الْآدَمِيِّينَ قِيلَ: "أَبْرَارٌ " وَفِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ قِيلَ: "بَرَرَةٌ " ذَكَرَهُ الرَّاغِبُ وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الثَّانِيَ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ جَمْعُ " بَارٍّ " وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ " بَرٍّ " مُفْرَدِ الْأَوَّلِ. وَحَيْثُ وَرَدَ " الْأَخُ " مَجْمُوعًا فِي النَّسَبِ قِيلَ: "إِخْوَةٌ " وَفِي الصَّدَاقَةِ قِيلَ: "إِخْوَانٌ " قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ: وَأُورِدَ عَلَيْهِ فِي الصَّدَاقَةِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وَفِي النَّسَبِ {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} . فَائِدَةٌ أَلَّفَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ كِتَابًا فِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ ذَكَرَ فِيهِ جَمْعَ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مُفْرَدًا وَمُفْرَدَ مَا وَقَعَ جَمْعًا وَأَكْثَرُهُ مِنَ الْوَاضِحَاتِ وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِنْ خَفِيِّ ذَلِكَ. الْمَنُّ: لَا وَاحِدَ لَهُ. السَّلْوَى: لَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِوَاحِدٍ. النَّصَارَى: قِيلَ جَمْعُ نَصْرَانِيٍّ وَقِيلَ جَمْعُ نَصِيرٍ كَنَدِيمٍ وَقَبِيلٍ.

الْعَوَانُ: جَمْعُهُ عَوْنٌ. الْهُدَى: لَا وَاحِدَ لَهُ. الْإِعْصَارُ: جَمْعُهُ أَعَاصِيرُ. الْأَنْصَارُ: وَاحِدُهُ نَصِيرٌ كَشَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ. الْأَزْلَامُ: وَأَحَدُهَا زَلَمٌ وَيُقَالُ: زُلَمٌ بِالضَّمِّ. مِدْرَارًا: جَمْعُهُ مَدَارِيرُ. أَسَاطِيرُ: وَاحِدُهُ أُسْطُورَةٌ وَقِيلَ: أَسْطَارُ جَمْعُ سَطْرٍ. الصُّورُ: جَمْعُ صُورَةٍ وَقِيلَ: وَاحِدُ الْأَصْوَارِ. فُرَادَى: جَمْعُ أَفْرَادٍ جَمْعُ فَرْدٍ. قِنْوَانٌ: جَمْعُ قِنْوٍ وصنوان: جَمْعُ صِنْوٍ وَلَيْسَ فِي اللُّغَةِ جَمْعٌ وَمُثَنًّى بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا هَذَانِ وَلَفْظٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ قَالَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ: فِي كِتَابِ" لَيْسَ ". الْحَوَايَا: جَمْعُ حَاوِيَةٍ وَقِيلَ حَاوِيَاءُ. نَشْرًا: جَمْعُ نشور. عضين وعزين: جمع عضة وعزة. المثاني: جمع مثنى. تارة: جمعها تارات وتير. أيقاظا: جَمْعُ يَقِظٍ. الْأَرَائِكِ: جَمْعُ أَرِيكَةٍ. سَرِيٌّ: جَمْعُهُ سِرْيَانٌ كَخَصِيِّ وَخِصْيَانٍ.

آنَاءِ اللَّيْلِ: جَمْعُ إِنَا بِالْقَصْرِ كَمِعًى وَقِيلَ: إِنْيٌ كَقِرْدٍ وَقِيلَ: إِنْوَةٌ كَفِرْقَةٍ. الصَّيَاصِي: جَمْعُ صَيْصِيَةٍ. منسأة: جمعها مناسئ. الحرور: جمعه حرور بالضم. غرابيب: جمع غربيب. أتراب: جَمْعُ تِرْبٍ. الْآلَاءُ: جَمْعُ إِلًى كَمِعًى وَقِيلَ: أُلَى كَقَفَى وَقِيلَ: إِلْيٌ كَقِرْدٍ وَقِيلَ: أَلَوٌ. التَّرَاقِيَ: جَمْعُ تَرْقُوَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ. الْأَمْشَاجُ: جَمْعُ مَشِيجٍ. ألفافا: جمع لف بالكسر. العشار: جمع عشر. الخنس: جمع خانسة وكذا الكنس. الزبانية: جمع زبينة وَقِيلَ: زَابِنٌ وَقِيلَ: زَبَانِي. أَشْتَاتًا: جمع شت وشتيت. أبابيل: لَا وَاحِدَ لَهُ وَقِيلَ: وَاحِدُهُ إِبَّوْلٌ مِثْلَ عِجَّوْلٍ وَقِيلَ: إِبِّيلٌ مِثْلُ إِكْلِيلٌ.

فَائِدَةٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَعْدُولَةِ إِلَّا أَلْفَاظُ الْعَدَدِ " مثنى وثلاث ورباع " ومن غيرها " طوى " فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَمِنَ الصِّفَاتِ " أُخَرُ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} . قَالَ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ: هِيَ مَعْدُولَةٌ عَنْ تَقْدِيرِ مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَلَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ فَإِنَّ أَفْعَلَ إِمَّا أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ مِنْ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا فَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ وَتُحْذَفُ مِنْهُ مِنْ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَيُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ بَيْنِ أَخَوَاتِهَا جُوِّزَ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ: لَا يَمْتَنِعُ كَوْنُهَا مَعْدُولَةً عَنِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مَعَ كَوْنِهَا وَصْفًا لِنَكِرَةٍ لِأَنَّ ذلك مقدر من وجه غير مُقَدَّرٍ مِنْ وَجْهٍ. قَاعِدَةٌ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَارَةً تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} أَيْ اسْتَغْشَى كُلٌّ مِنْهُمْ ثَوْبَهُ. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ أُمُّهُ. {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} أَيْ كُلًّا فِي أَوْلَادِهِ. {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تُرْضِعُ وَلَدَهَا.

وَتَارَةً يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْجَمْعِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ نَحْوَ: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} . وَجَعَلَ مِنْهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} . وَتَارَةً يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ يُعَيِّنُ أحدهما. وأما مقابل الْجَمْعِ بِالْمُفْرَدِ فَالْغَالِبُ أَلَّا يَقْتَضِيَ تَعْمِيمَ الْمُفْرَدِ وَقَدْ يَقْتَضِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} الْمَعْنَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} لِأَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ. قَاعِدَةٌ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُظَنُّ بِهَا التَّرَادُفُ وَلَيْسَتْ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ لَا يَكَادُ اللُّغَوِيُّ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَشْيَةَ أَعْلَى مِنْهُ وَهِيَ أَشَدُّ الْخَوْفِ فَإِنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَجَرَةٌ خَشِيَّةٌ أَيْ يَابِسَةٌ وَهُوَ فَوَاتٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْخَوْفُ مِنْ نَاقَةٍ خَوْفَاءَ أَيْ بِهَا دَاءٌ وَهُوَ نَقْصٌ وَلَيْسَ بِفَوَاتٍ وَلِذَلِكَ خُصَّتِ الْخَشْيَةُ بِاللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} . وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّ الْخَشْيَةَ تَكُونُ مِنْ عِظَمِ الْمُخْتَشَى وَإِنْ كَانَ الْخَاشِي قَوِيًّا وَالْخَوْفُ يَكُونُ مِنْ ضَعْفِ الْخَائِفِ وَإِنْ كَانَ الْمَخُوفُ أَمْرًا يَسِيرًا وَيَدُلُّ

لِذَلِكَ أَنَّ الْخَاءَ وَالشِّينَ وَالْيَاءَ فِي تَقَالِيبِهَا تَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ نَحْوَ شَيْخٌ لِلسَّيِّدِ الْكَبِيرِ وَخَيْشٌ لِمَا غَلُظَ مِنَ اللِّبَاسِ وَلِذَا وَرَدَتِ الْخَشْيَةُ غَالِبًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} . وَأَمَّا {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} فَفِيهِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ فَإِنَّهُ فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ وَلَمَّا ذَكَرَ قُوَّتَهُمْ وَشِدَّةَ خَلْقِهِمْ عَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْخَوْفِ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا غِلَاظًا شِدَادًا فَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَالَى ضُعَفَاءُ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِالْفَوْقِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَظَمَةِ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَلَمَّا كَانَ ضَعْفُ الْبَشَرِ مَعْلُومًا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الشُّحُّ وَالْبُخْلُ وَالشُّحُّ هُوَ أَشَدُّ الْبُخْلِ قَالَ الرَّاغِبُ الشُّحُّ بُخْلٌ مَعَ حِرْصٍ. وَفَرَّقَ الْعَسْكَرِيُّ بَيْنَ الْبُخْلِ والضن بِأَنَّ الضَّنَّ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَوَارِي وَالْبُخْلَ بِالْهِبَاتِ وَلِهَذَا يُقَالُ هُوَ ضَنِينٌ بِعِلْمِهِ وَلَا يُقَالُ بَخِيلٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَارِيَةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا وَهَبَ شَيْئًا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْعَارِيَةِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} وَلَمْ يَقُلْ: بِبَخِيلٍ. وَمِنْ ذَلِكَ السَّبِيلُ وَالطَّرِيقُ وَالْأَوَّلُ أَغْلَبُ وُقُوعًا فِي الْخَيْرِ وَلَا يَكَادُ اسْمُ الطَّرِيقِ يُرَادُ بِهِ الْخَيْرُ إِلَّا مَقْرُونًا بِوَصْفٍ أَوْ إِضَافَةٍ تُخَلِّصُهُ لِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} وَقَالَ الرَّاغِبُ: السَّبِيلُ الطَّرِيقُ الَّتِي فِيهَا سُهُولَةٌ فَهُوَ أَخَصُّ.

وَمِنْ ذَلِكَ جَاءَ وَأَتَى فَالْأَوَّلُ يُقَالُ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْيَانِ وَالثَّانِي فِي الْمَعَانِي وَالْأَزْمَانِ وَلِهَذَا وَرَدَ " جَاءَ " فِي قَوْلِهِ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} وآتى في: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} {أَتَاهَا أَمْرُنَا} . وأما: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أَيْ أَمْرُهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْوَالُ الْقِيَامَةِ الْمُشَاهَدَةُ وَكَذَا: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} لِأَنَّ الْأَجَلَ كَالْمُشَاهَدَةِ وَلِهَذَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْحُضُورِ فِي قَوْلِهِ: {حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ: {جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ} لأن الأول والعذاب وَهُوَ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ بِخِلَافِ الْحَقِّ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْإِتْيَانُ مَجِيءٌ بِسُهُولَةٍ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْمَجِيءِ قَالَ: وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّائِلِ الْمَارِّ عَلَى وَجْهِهِ: أَتِيٌّ وَأَتَاوِيٌّ. وَمِنْ ذَلِكَ مَدَّ وَأَمَدَّ قَالَ الرَّاغِبُ: أَكْثَرُ مَا جَاءَ الْإِمْدَادُ فِي المحبوب نحو: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ} وَالْمَدُّ فِي الْمَكْرُوهِ نَحْوَ: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً} . وَمِنْ ذَلِكَ سَقَى وَأَسْقَى فَالْأَوَّلُ لِمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي شَرَابِ الْجَنَّةِ نَحْوَ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً} وَالثَّانِي لِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي مَاءِ الدُّنْيَا نَحْوَ: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} . وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْإِسْقَاءُ

أَبْلَغُ مِنَ السَّقْيِ لِأَنَّ الْإِسْقَاءَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ مَا يَسْقِي مِنْهُ وَيَشْرَبُ وَالسَّقْيَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَشْرَبُ. وَمِنْ ذَلِكَ عَمِلَ وَفَعَلَ فَالْأَوَّلُ لِمَا كَانَ مِنِ امْتِدَادِ زَمَانٍ نَحْوَ: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ} {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} لِأَنَّ خَلْقَ الْأَنْعَامِ وَالثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ بِامْتِدَادٍ وَالثَّانِي بخلافه نحو: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} {كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} لِأَنَّهَا إِهْلَاكَاتٌ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ بُطْءٍ {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} أَيْ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ وَلِهَذَا عَبَّرَ بِالْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} حَيْثُ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمُثَابَرَةَ عَلَيْهَا لَا الْإِتْيَانَ بِهَا مَرَّةً أَوْ بِسُرْعَةٍ وَبِالثَّانِي فِي قَوْلِهِ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} حَيْثُ كَانَ بِمَعْنَى سَارِعُوا كَمَا قَالَ: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} حَيْثُ كَانَ الْقَصْدُ يَأْتُونَ بِهَا عَلَى سُرْعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوَانٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْقُعُودُ وَالْجُلُوسُ فَالْأَوَّلُ لِمَا فِيهِ لُبْثٌ بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِهَذَا يُقَالُ: قَوَاعِدُ الْبَيْتِ وَلَا يُقَالُ: جَوَالِسُهُ لِلُزُومِهَا وَلُبْثِهَا وَيُقَالُ: جَلِيسُ الْمَلِكِ وَلَا يُقَالُ: قَعِيدُهُ لِأَنَّ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ يُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّخْفِيفُ وَلِهَذَا اسْتُعْمِلَ الْأَوَّلُ فِي قوله: {مَقْعَدِ صِدْقٍ} لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا زَوَالَ لَهُ بِخِلَافِ {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} لِأَنَّهُ يُجْلَسُ فِيهِ زَمَانًا يَسِيرًا.

وَمِنْ ذَلِكَ التَّمَامُ وَالْكَمَالُ وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فَقِيلَ: الْإِتْمَامُ لِإِزَالَةِ نُقْصَانِ الْأَصْلِ وَالْإِكْمَالُ لِإِزَالَةِ نُقْصَانِ الْعَوَارِضِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَصْلِ وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} أَحْسَنَ مِنْ " تَامَّةٍ " فَإِنَّ التَّمَامَ مِنَ الْعَدَدِ قَدْ عُلِمَ وَإِنَّمَا نَفَى احْتِمَالَ نَقْصٍ فِي صِفَاتِهَا وَقِيلَ: تَمَّ يُشْعِرُ بِحُصُولِ نَقْصٍ قَبْلَهُ وكمل لَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ. وَقَالَ الْعَسْكَرِيُّ: الْكَمَالُ اسْمٌ لِاجْتِمَاعِ أَبْعَاضِ الْمَوْصُوفِ بِهِ وَالتَّمَامُ اسْمٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ الْمَوْصُوفُ وَلِهَذَا يُقَالُ: الْقَافِيَةُ تَمَامُ الْبَيْتِ وَلَا يُقَالُ: ماله وَيَقُولُونَ: الْبَيْتُ بِكَمَالِهِ أَيْ بِاجْتِمَاعِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْإِعْطَاءُ وَالْإِيتَاءُ قَالَ الخويي: لَا يَكَادُ اللُّغَوِيُّونَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَظَهَرَ لِي بَيْنَهُمَا فَرْقٌ يُنْبِئُ عَنْ بَلَاغَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ أَنَّ الْإِيتَاءَ أَقْوَى مِنَ الْإِعْطَاءِ فِي إِثْبَاتِ مَفْعُولِهِ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لَهُ مُطَاوِعٌ تَقُولُ أَعْطَانِي فَعُطَوْتُ وَلَا يُقَالُ فِي الْإِيتَاءِ آتَانِي فَأُتِيتُ وَإِنَّمَا يُقَالُ آتَانِي فَأَخَذْتُ وَالْفِعْلُ الَّذِي لَهُ مُطَاوِعٌ أَضْعَفُ فِي إِثْبَاتِ مَفْعُولِهِ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي لَا مُطَاوِعَ لَهُ لِأَنَّكَ تَقُولُ قَطَعْتُهُ فَانْقَطَعَ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْفَاعِلِ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى قَبُولٍ فِي الْمَحَلِّ لَوْلَاهُ مَا ثَبَتَ الْمَفْعُولُ وَلِهَذَا يَصِحُّ قَطَعْتُهُ فَمَا انْقَطَعَ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا مُطَاوِعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ ضَرَبْتُهُ فَانْضَرَبَ أَوْ فَمَا انْضَرَبَ وَلَا قَتَلْتُهُ فَانْقَتَلَ وَلَا فَمَا انْقَتَلَ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالٌ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْفَاعِلِ ثَبَتَ لَهَا الْمَفْعُولُ فِي الْمَحَلِّ وَالْفَاعِلُ مُسْتَقِلٌّ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي لَا مُطَاوِعَ لَهَا فَالْإِيتَاءُ أَقْوَى مِنَ الْإِعْطَاءِ. قَالَ وَقَدْ تَفَكَّرْتُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ فَوَجَدْتُ

ذَلِكَ مُرَاعًى قَالَ تَعَالَى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} لِأَنَّ الْمُلْكَ شَيْءٌ عَظِيمٌ لَا يُعْطَاهُ إِلَّا مَنْ لَهُ قُوَّةٌ وَكَذَا {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} {آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} لِعِظَمِ الْقُرْآنِ وَشَأْنِهِ وَقَالَ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} : لِأَنَّهُ مَوْرُودٌ فِي الْمَوْقِفِ مُرْتَحَلٌ عَنْهُ قَرِيبٌ إِلَى مَنَازِلِ الْعِزِّ فِي الْجَنَّةِ فَعَبَّرَ فِيهِ بِالْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ عَنْ قُرْبٍ وَيُنْتَقَلُ إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَكَذَا: {يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْرِيرِ الْإِعْطَاءِ وَالزِّيَادَةِ إِلَى أَنْ يَرْضَى كُلَّ الرِّضَا وَهُوَ مُفَسَّرٌ أَيْضًا بِالشَّفَاعَةِ وَهِيَ نَظِيرُ الْكَوْثَرِ فِي الِانْتِقَالِ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَكَذَا: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} لِتَكَرُّرِ حُدُوثِ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَوْجُودَاتِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَبُولٍ مِنَّا وَإِنَّمَا يُعْطَوْنَهَا عَنْ كُرْهٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الرَّاغِبُ: خُصَّ دَفْعُ الصَّدَقَةِ فِي الْقُرْآنِ بِالْإِيتَاءِ نَحْوَ: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} قَالَ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِي وَصْفِ الْكِتَابِ " آتَيْنَا " فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ " أُوتُوا " لِأَنَّ " أُوتُوا " قَدْ يُقَالُ: إِذَا أُوتِيَ مَنْ لَمْ يَكُنْ منه قبول " وآتيناهم " يُقَالُ فِيمَنْ كَانَ مِنْهُ قَبُولٌ. وَمِنْ ذَلِكَ السَّنَةُ وَالْعَامُ قَالَ الرَّاغِبُ: الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُ السَّنَةِ فِي الْحَوْلِ الَّذِي فِيهِ الشِّدَّةُ وَالْجَدْبُ وَلِهَذَا يُعَبَّرُ عَنِ الْجَدْبِ بِالسَّنَةِ وَالْعَامُ

مَا فِيهِ الرَّخَاءُ وَالْخِصْبُ وَبِهَذَا تَظْهَرُ النُّكْتَةُ فِي قَوْلِهِ: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} حَيْثُ عَبَّرَ عَنِ الْمُسْتَثْنَى بِالْعَامِ وَعَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِالسَّنَةِ. قَاعِدَةٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ الْأَصْلُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ إِذَا كَانَ السُّؤَالُ مُتَوَجِّهًا وَقَدْ يُعْدَلُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا يَقْتَضِيهِ السُّؤَالُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّ السُّؤَالِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَيُسَمِّيهِ السَّكَّاكِيُّ: الْأُسْلُوبَ الْحَكِيمَ. وقد يجيء الْجَوَابُ أَعَمَّ مِنَ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي السُّؤَالِ وَقَدْ يَجِيءُ أَنْقَصَ لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذَلِكَ. مِثَالُ مَا عُدِلَ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} سَأَلُوا عَنِ الْهِلَالِ: لِمَ يَبْدُو دَقِيقًا مِثْلَ الْخَيْطِ ثُمَّ يَتَزَايَدُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَمْتَلِئَ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْقُصُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ؟ فَأُجِيبُوا بِبَيَانِ حِكْمَةِ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَهَمَّ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ لَا مَا سَأَلُوا عَنْهُ كَذَا قَالَ السَّكَّاكِيُّ: وَمُتَابِعُوهُ وَاسْتَرْسَلَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي الْكَلَامِ إِلَى أَنْ قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يَطَّلِعُ عَلَى دَقَائِقِ الْهَيْئَةِ بِسُهُولَةٍ. وَأَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ غَيْرِ مَا حَصَلَ الْجَوَابُ بِهِ! وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوهَا فَإِنَّ نَظْمَ الْآيَةِ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالُوهُ. وَالْجَوَابُ بِبَيَانِ الْحِكْمَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْجِيحِ الِاحْتِمَالِ الَّذِي قُلْنَاهُ وَقَرِينَةٌ تُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ

إِذِ الْأَصْلُ فِي الْجَوَابِ الْمُطَابَقَةُ لِلسُّؤَالِ وَالْخُرُوجُ عَنِ الْأَصْلِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَلَمْ يَرِدْ بِإِسْنَادٍ لَا صَحِيحٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ بَلْ وَرَدَ مَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ: فَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ خُلِقَتِ الْأَهِلَّةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ لَا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْهَيْئَةِ وَلَا يَظُنُّ ذُو دِينٍ بِالصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ أَدَقُّ فَهْمًا وَأَغْزَرُ عِلْمًا أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يَطَّلِعُ عَلَى دَقَائِقِ الْهَيْئَةِ بِسُهُولَةٍ وَقَدِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا آحَادُ الْعَجَمِ الَّذِينَ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُمْ أَبْلَدُ أَذْهَانًا مِنَ الْعَرَبِ بِكَثِيرٍ هَذَا لَوْ كَانَ لِلْهَيْئَةِ أَصْلٌ مُعْتَبَرٌ فَكَيْفَ وَأَكْثَرُهَا فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَدْ صَنَّفْتُ كِتَابًا فِي نَقْضِ أَكْثَرِ مَسَائِلِهَا بِالْأَدِلَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي صَعَدَ إِلَى السَّمَاءِ وَرَآهَا عِيَانًا وَعَلِمَ مَا حَوَتْهُ مِنْ عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَأَتَاهُ الْوَحْيُ مِنْ خَالِقِهَا وَلَوْ كَانَ السُّؤَالُ وَقَعَ عَمَّا ذَكَرُوهُ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُجَابُوا عَنْهُ بِلَفْظٍ يَصِلُ إِلَى أَفْهَامِهِمْ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لَمَّا سَأَلُوا عَنِ الْمَجَرَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَلَكُوتِيَّاتِ نِعْمَ الْمِثَالُ الصَّحِيحُ لِهَذَا الْقِسْمِ جَوَابُ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ حَيْثُ قَالَ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين قل رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} ، لِأَنَّ "مَا" سُؤَالٌ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَالْجِنْسِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا السُّؤَالُ فِي حَقِّ الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَطَأً لِأَنَّهُ لَا جِنْسَ لَهُ فَيُذْكَرُ وَلَا تُدْرَكُ ذَاتُهُ عَدَلَ إِلَى الْجَوَابِ بِالصَّوَابِ بِبَيَانِ الْوَصْفِ الْمُرْشِدِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَلِهَذَا تَعَجَّبَ فِرْعَوْنُ مِنْ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلسُّؤَالِ فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: {أَلا تَسْتَمِعُونَ} أَيْ جَوَابُهُ الَّذِي لَمْ يُطَابِقِ السُّؤَالَ فَأَجَابَ مُوسَى بِقَوْلِهِ: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ

الأَوَّلِينَ} الْمُتَضَمِّنِ إِبْطَالَ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ رُبُوبِيَّةِ فِرْعَوْنَ نَصًّا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِي الْأَوَّلِ ضِمْنًا إِغْلَاظًا فَزَادَ فِرْعَوْنُ فِي الِاسْتِهْزَاءِ فَلَمَّا رَآهُمْ مُوسَى لَمْ يَتَفَطَّنُوا أَغْلَظَ فِي الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} . وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ فِي الْجَوَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} فِي جَوَابِ: {مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} . وقول مُوسَى: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} فِي جَوَابِ: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} زَادَ فِي الْجَوَابِ اسْتِلْذَاذًا بِخِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وقول قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ: {نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} في جواب: {مَا تَعْبُدُونَ} زَادُوا فِي الْجَوَابِ إِظْهَارًا لِلِابْتِهَاجِ بعبادتها وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى مُوَاظَبَتِهَا لِيَزْدَادَ غَيْظُ السَّائِلِ. وَمِثَالُ النَّقْصِ مِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} فِي جَوَابِ: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} أَجَابَ عَنِ التَّبْدِيلِ دُونَ الِاخْتِرَاعِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأَنَّ التَّبْدِيلَ فِي إِمْكَانِ الْبَشَرِ دُونَ الِاخْتِرَاعِ فَطَوَى ذِكْرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ مُحَالٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّبْدِيلُ أَسْهَلُ مِنَ الِاخْتِرَاعِ وَقَدْ نُفِيَ إِمْكَانُهُ، فَالِاخْتِرَاعُ أَوْلَى.

تَنْبِيهٌ قَدْ يُعْدَلُ عَنِ الْجَوَابِ أَصْلًا، إِذَا كَانَ السَّائِلُ قَصْدُهُ التَّعَنُّتُ، نَحْوَ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} قَالَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ: إِنَّمَا سَأَلَ الْيَهُودُ تَعْجِيزًا وتغليظا، إذا كَانَ الرُّوحُ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى رُوحِ الْإِنْسَانِ وَالْقُرْآنِ وَعِيسَى وَجِبْرِيلَ وَمَلَكٍ آخَرَ وَصِنْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَقَصَدَ الْيَهُودُ أَنْ يَسْأَلُوهُ فَبِأَيِّ مُسَمًّى أَجَابَهُمْ قَالُوا: لَيْسَ هُوَ، فَجَاءَهُمُ الْجَوَابُ مُجْمَلًا، وَكَانَ هَذَا الاحتمال كَيْدًا يَرُدُّ بِهِ كَيْدَهُمْ. قَاعِدَةٌ قِيلَ: أَصْلُ الْجَوَابِ أَنْ يُعَادَ فِيهِ نَفْسُ السُّؤَالِ، لِيَكُونَ وِفْقَهُ نحو: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ} فَـ {أَنَا} فِي جَوَابِهِ هُوَ {أَنْتَ؟} فِي سُؤَالِهِمْ وَكَذَا: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} فَهَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أُتُوا عِوَضَ ذَلِكَ بِحُرُوفِ الْجَوَابِ اخْتِصَارًا وَتَرْكًا لِلتَّكْرَارِ. وَقَدْ يُحْذَفُ السُّؤَالُ ثِقَةً بِفَهْمِ السَّامِعِ بِتَقْدِيرِهِ، نَحْوَ: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مِنْ وَاحِدٍ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ " قُلِ اللَّهُ " جَوَابَ سُؤَالٍ، كَأَنَّهُمْ سَأَلُوا لَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ: فَمَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ؟

قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُشَاكِلًا لِلسُّؤَالِ، فَإِنْ كَانَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ. وَيَجِيءُ كَذَلِكَ فِي الْجَوَابِ الْمُقَدَّرِ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي قَوْلِكَ: زَيْدٌ فِي جَوَابِ مَنْ قَرَأَ إِنَّهُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْفِعْلِ عَلَى جَعْلِ الْجَوَابِ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً. قَالَ: وَإِنَّمَا قَدَّرْتُهُ كَذَلِكَ لَا مُبْتَدَأً مَعَ احْتِمَالِهِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْأَجْوِبَةِ إِذَا قَصَدُوا تَمَامَهَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا} ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} فَلَمَّا أَتَى بِالْفِعْلِيَّةِ مَعَ فَوَاتِ مُشَاكَلَةِ السُّؤَالِ عُلِمَ أَنَّ تَقْدِيرَ الْفِعْلِ أَوَّلًا أَوْلَى. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي الْبُرْهَانِ: أَطْلَقَ النَّحْوِيُّونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ زَيْدًا فِي جَوَابِ مَنْ قَامَ؟ فَاعِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ قَامَ زَيْدٌ وَالَّذِي تُوجِبُهُ صِنَاعَةُ عِلْمِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُطَابِقُ الْجُمْلَةَ المسؤول بِهَا فِي الِاسْمِيَّةِ كَمَا وَقَعَ التَّطَابُقُ فِي قَوْلِهِ: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً} فِي الْفِعْلِيَّةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعِ التَّطَابُقُ فِي قَوْلِهِ: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} لِأَنَّهُمْ لَوْ طَابَقُوا لَكَانُوا مُقِرِّينَ بِالْإِنْزَالِ وَهُمْ مِنَ الْإِذْعَانِ بِهِ عَلَى مَفَاوِزَ. الثَّانِي: أَنَّ اللَّبْسَ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ السَّائِلِ إِلَّا فِيمَنْ فَعَلَ الْفِعْلَ فَوَجَبَ

أَنْ يَتَقَدَّمَ الْفَاعِلُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ مُتَعَلَّقُ غَرَضِ السَّائِلِ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَمَعْلُومٌ عِنْدَهُ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ فَحَرِيٌّ أَنْ يَقَعَ فِي الْأَوَاخِرِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ التَّكْمِلَاتِ وَالْفَضَلَاتِ. وَأَشْكَلَ عَلَى هَذَا {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} فِي جَوَابِ: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا} فَإِنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الْفَاعِلِ لَا عَنِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَفْهِمُوهُ عَنِ الْكَسْرِ بَلْ عَنِ الْكَاسِرِ وَمَعَ ذَلِكَ صَدَرَ الْجَوَابُ بِالْفِعْلِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَابَ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ إِذْ " بَلْ " لَا تَصْلُحُ أَنْ يَصْدُرَ بِهَا الْكَلَامُ وَالتَّقْدِيرُ: "مَا فَعَلْتُهُ بَلْ فَعَلَهُ ". قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ: حَيْثُ كَانَ السُّؤَالُ مَلْفُوظًا بِهِ فَالْأَكْثَرُ تَرْكُ الْفِعْلِ فِي الْجَوَابِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الِاسْمِ وَحْدَهُ وَحَيْثُ كَانَ مُضْمَرًا فَالْأَكْثَرُ لتصريح بِهِ لِضَعْفِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} فِي قِرَاءَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. فَائِدَةٌ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا خَيْرًا من أصحاب محمد مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ. وَأَوْرَدَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ بِلَفْظِ " أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا "، وَقَالَ: مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ فِي الْبَقَرَةِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} .

{يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} . {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ} . {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} . {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} . {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} . {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} . {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} . وَالتَّاسِعُ: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} في الْمَائِدَةِ. وَالْعَاشِرُ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} . وَالْحَادِيَ عَشَرَ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} . وَالثَّانِي عَشَرَ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} . وَالثَّالِثَ عَشَرَ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} . وَالرَّابِعَ عَشَرَ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} .

قُلْتُ السَّائِلُ عَنِ الرُّوحِ وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ مشركوا مَكَّةَ وَالْيَهُودُ كَمَا فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ لَا الصَّحَابَةُ فَالْخَالِصُ اثْنَا عَشَرَ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ. فَائِدَةٌ قَالَ الرَّاغِبُ: السُّؤَالُ إِذَا كَانَ لِلتَّعْرِيفِ تَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِـ" عَنْ " وَهُوَ أَكْثَرُ نَحْوَ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} وَإِذَا كَانَ لِاسْتِدْعَاءِ مَالٍ فَإِنَّهُ يُعَدَّى بِنَفْسِهِ أَوْ بِمِنْ وَبِنَفْسِهِ أَكْثَرُ نَحْوَ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} . قَاعِدَةٌ فِي الْخِطَابِ بِالِاسْمِ وَالْخِطَابِ بِالْفِعْلِ الِاسْمُ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ وَلَا يَحْسُنُ وَضْعُ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} و} لو {قيل: "يَبْسُطُ " لَمْ يُؤَدِّ الْغَرَضَ لِأَنَّهُ يُؤْذِنُ بِمُزَاوَلَةِ الْكَلْبِ الْبَسْطَ وَأَنَّهُ يَتَجَدَّدُ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ فَبَاسِطٌ أَشْعَرَ بِثُبُوتِ الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} لَوْ قِيلَ: "رَازِقُكُمْ " لَفَاتَ

مَا أَفَادَهُ الْفِعْلُ مِنْ تَجَدُّدِ الرِّزْقِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَلِهَذَا جَاءَتِ الْحَالُ فِي صُورَةِ الْمُضَارِعِ مَعَ أَنَّ الْعَامِلَ الَّذِي يُفِيدُهُ مَاضٍ نَحْوَ: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} إِذِ الْمُرَادُ أَنْ يُفِيدَ صُورَةَ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَقْتَ الْمَجِيءِ وَأَنَّهُمْ آخِذُونَ فِي الْبُكَاءِ يُجَدِّدُونَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى حِكَايَةُ الْحَالِ الْمَاضِيَةَ وَهَذَا هُوَ سِرُّ الْإِعْرَاضِ عَنِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلِهَذَا أَيْضًا عُبِّرَ بِـ" الَّذِينَ يُنْفِقُونَ " وَلَمْ يَقُلْ: "الْمُنْفِقُونَ " كَمَا قِيلَ: الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُتَّقُونَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ أَمْرٌ فِعْلِيٌّ شَأْنُهُ الِانْقِطَاعُ وَالتَّجَدُّدُ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ لَهُ حَقِيقَةً تَقُومُ بِالْقَلْبِ يَدُومُ مُقْتَضَاهَا وَكَذَلِكَ التَّقْوَى وَالْإِسْلَامُ وَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ وَالْهُدَى وَالْعَمَى وَالضَّلَالَةُ وَالْبَصَرُ كُلُّهَا لها مسميات حقيقة أَوْ مَجَازِيَّةٌ تَسْتَمِرُّ وَآثَارٌ تَتَجَدَّدُ وَتَنْقَطِعُ فَجَاءَتْ بِالِاسْتِعْمَالَيْنِ. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: لَمَّا كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِشَأْنِ إِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ أَشَدَّ أَتَى فِيهِ بِالْمُضَارِعِ لِيَدُلَّ عَلَى التَّجَدُّدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} . تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالتَّجَدُّدِ فِي الْمَاضِي الْحُصُولُ وَفِي الْمُضَارِعِ أَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَكَرَّرَ وَيَقَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} .

قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْجَوَابُ عَمَّا يُورَدُ مِنْ نَحْوِ: "عَلِمَ اللَّهُ كَذَا "، فَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ لَا يَتَجَدَّدُ وَكَذَا سَائِرُ الصِّفَاتِ الدَّائِمَةِ الَّتِي يُسْتَعْمَلُ فِيهَا الْفِعْلُ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى " عَلِمَ اللَّهُ كَذَا " وَقَعَ عِلْمُهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعِلْمَ فِي زَمَنٍ مَاضٍ أَعَمُّ مِنَ الْمُسْتَمِرِّ عَلَى الدَّوَامِ قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَبَعْدَهُ وَغَيْرَهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} الْآيَاتِ فَأَتَى بِالْمَاضِي فِي الْخَلْقِ لِأَنَّهُ مَفْرُوغٌ مِنْهُ وَبِالْمُضَارِعِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالْإِسْقَاءِ وَالشِّفَاءِ لِأَنَّهَا مُتَكَرِّرَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ تَقَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. الثَّانِي: مُضْمَرُ الْفِعْلِ فِيمَا ذَكَرَ كَمُظْهَرِهِ وَلِهَذَا قَالُوا: إِنَّ سَلَامَ الْخَلِيلِ أَبْلَغُ مِنْ سَلَامِ الملائكة حيث: {قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ} فَإِنَّ نَصْبَ " سَلَامًا " إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى إِرَادَةِ الْفِعْلِ أَيْ سَلَّمْنَا سَلَامًا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مُؤْذِنَةٌ بِحُدُوثِ التَّسْلِيمِ مِنْهُمْ إِذِ الْفِعْلُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وُجُودِ الْفَاعِلِ بِخِلَافِ سَلَامِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ فَاقْتَضَى الثُّبُوتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا يَعْرِضُ لَهُ الثُّبُوتُ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُحَيِّيَهُمْ بِأَحْسَنِ مِمَّا حَيَّوْهُ بِهِ. الثَّالِثُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى الثُّبُوتِ وَالْفِعْلِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيَانِ وَقَدْ أنكره أبو المطرف بن عمير فِي كِتَابِ التَّمْوِيهَاتِ عَلَى التِّبْيَانِ لِابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ وَقَالَ: إِنَّهُ غَرِيبٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فَإِنَّ الِاسْمَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ فَقَطْ أَمَّا كَوْنُهُ يُثْبِتُ الْمَعْنَى لِلشَّيْءِ فَلَا. ثُمَّ أَوْرَدَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} .

وَقَوْلَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} . وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ: طَرِيقَةُ الْعَرَبِيَّةِ تَلْوِينُ الْكَلَامِ وَمَجِيءُ الْفِعْلِيَّةِ تَارَةً وَالِاسْمِيَّةِ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ لِمَا ذَكَرُوهُ وَقَدْ رَأَيْنَا الْجُمْلَةَ الْفِعْلِيَّةَ تَصْدُرُ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ الْخُلَّصِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ بِدُونِ التَّأْكِيدِ نَحْوَ: {رَبَّنَا آمَنَّا} وَلَا شَيْءَ بَعْدَ {آمَنَ الرَّسُولُ} وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيدُ فِي كَلَامِ المنافقين {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} . قَاعِدَةٌ فِي الْمَصْدَرِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: سَبِيلُ الْوَاجِبَاتِ الْإِتْيَانُ بِالْمَصْدَرِ مَرْفُوعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تسريح بإحسان} {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} وَسَبِيلُ الْمَنْدُوبَاتِ الْإِتْيَانُ بِهِ مَنْصُوبًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلزَّوْجَاتِ وَاجِبَةً لِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِي قوله: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ التَّفْرِقَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ} فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَنْدُوبٌ وَالثَّانِيَ وَاجِبٌ وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ أَثْبَتُ وَآكَدُ مِنَ الْفِعْلِيَّةِ.

قَاعِدَةٌ فِي الْعَطْفِ هُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَطْفٌ عَلَى اللَّفْظِ: وَهُوَ الْأَصْلُ وَشَرْطُهُ إِمْكَانُ تَوَجُّهِ الْعَامِلِ إِلَى الْمَعْطُوفِ. وَعَطْفٌ عَلَى الْمَحَلِّ: وَلَهُ ثلاث شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: إِمْكَانُ ظُهُورِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فِي لصحيح فَلَا يَجُوزُ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَمْرًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَرَرْتُ زَيْدًا. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ فَلَا يَجُوزُ هَذَا الضَّارِبُ زَيْدًا وَأَخِيهِ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُسْتَوْفِيَ لِشُرُوطِ الْعَمَلِ الْأَصْلُ إِعْمَالُهُ لَا إِضَافَتُهُ. الثَّالِثُ: وُجُودُ الْمُحْرِزِ أَيِ الطَّالِبِ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ فَلَا يَجُوزُ " إِنَّ زَيْدًا وَعَمْرًا قَاعِدَانِ " لِأَنَّ الطَّالِبَ لِرَفْعِ عَمْرٍو هُوَ الِابْتِدَاءُ وَهُوَ قَدْ زَالَ بِدُخُولِ " إِنَّ ". وَخَالَفَ فِي هَذَا الشَّرْطِ الْكِسَائِيُّ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} الْآيَةَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ خَبَرَ " إِنَّ " فِيهَا مَحْذُوفٌ أَيْ مَأْجُورُونَ أَوْ آمِنُونَ. وَلَا تَخْتَصُّ مُرَاعَاةُ الْمَوْضِعِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي اللَّفْظِ زَائِدًا. وَقَدْ أَجَازَ الْفَارِسِيُّ فِي قَوْلِهِ: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ هَذِهِ. وَعَطْفُ التَّوَهُّمِ: نَحْوَ: "لَيْسَ زَيْدٌ قَائِمًا وَلَا قَاعِدٍ " بِالْخَفْضِ عَلَى تَوَهُّمِ دُخُولِ الْبَاءِ فِي الْخَبَرِ. وَشَرْطُ جَوَازِهِ صِحَّةُ دُخُولِ ذَلِكَ الْعَامِلِ الْمُتَوَهَّمِ وَشَرْطُ حُسْنِهِ كَثْرَةُ دُخُولِهِ هُنَاكَ. وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْعَطْفُ فِي الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِ زُهَيْرٍ: بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى وَلَا سَابِقٍ شَيْئًا إِذَا كَانَ جَائِيَا

وَفِي الْمَجْزُومِ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِ أَبِي عَمْرٍو: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} خَرَّجَهُ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى التَّوَهُّمِ لِأَنَّ مَعْنَى: "لَوْلَا أَخَّرْتَنِي فَأَصَّدَّقَ" وَمَعْنَى أَخِّرْنِي أَصَّدَّقْ وَاحِدٌ وَقِرَاءَةُ قُنْبُلٍ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ} خَرَّجَهُ الْفَارِسِيُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ الْمَوْصُولَةَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ. وَفِي الْمَنْصُوبِ فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَابْنِ عَامِرٍ: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} بِفَتْحِ الْبَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى مَعْنَى {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ} إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} وَهُوَ إِنَّا خَلَقْنَا الْكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قِرَاءَةِ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} إِنَّهُ عَلَى مَعْنَى " أَنْ تُدْهِنَ ". وَقِيلَ فِي قِرَاءَةِ حَفْصٍ: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} بِالنَّصْبِ إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى لَعَلِّي أَنْ أَبْلُغَ لِأَنَّ خَبَرَ لَعَلَّ يَقْتَرِنُ بِأَنْ كَثِيرًا، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ} إِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ: "لِيُبَشِّرَكُمْ وَيُذِيقَكُمْ ".

تَنْبِيهٌ ظَنَّ ابْنُ مَالِكٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَهُّمِ الْغَلَطُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ وَابْنُ هِشَامٍ بَلْ هُوَ مَقْصِدٌ صَوَابٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ جَوَّزَ الْعَرَبِيُّ فِي ذِهْنِهِ مُلَاحَظَةَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَعَطَفَ مُلَاحِظًا لَهُ لَا أَنَّهُ غَلِطَ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا كَانَ الْأَدَبُ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ: إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى. مَسْأَلَةٌ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ عَطْفِ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَعَكْسِهِ فَمَنَعَهُ الْبَيَانِيُّونَ وَابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُصْفُورٍ وَنَقَلَهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ وَأَجَازَهُ الصَّفَّارُ وَجَمَاعَةٌ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} فِي سُورَةِ الصَّفِّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْأُولَى: لَيْسَ الْمُعْتَمَدُ بِالْعَطْفِ الْأَمْرَ حَتَّى يُطْلَبَ لَهُ مُشَاكِلٌ بَلِ الْمُرَادُ عَطْفُ جُمْلَةِ ثَوَابِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى جُمْلَةِ ثَوَابِ الْكَافِرِينَ. وَفِي الثَّانِيَةِ: إِنَّ الْعَطْفَ على " تؤمنون " لِأَنَّهُ بِمَعْنَى " آمَنُوا " وَرُدَّ بِأَنَّ الْخِطَابَ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَبِـ" بَشِّرْ " لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبأن الظاهر في " تؤمنون " إِنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلتِّجَارَةِ لَا طَلَبٌ. وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: الْأَمْرَانِ مَعْطُوفَانِ عَلَى " قل " مقدرة قيل: "يَا أَيُّهَا " وَحَذْفُ الْقَوْلِ كَثِيرٌ.

مَسْأَلَةٌ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ عَطْفِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ وَعَكْسِهِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ وَقَدْ لَهِجَ بِهِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ كَثِيرًا. وَرَدَّ بِهِ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِتَحْرِيمِ أَكْلِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} فَقَالَ: هِيَ حُجَّةٌ لِلْجَوَازِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ عَاطِفَةً لِتَخَالُفِ الْجُمْلَتَيْنِ بِالِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَلَا لِلِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّ أَصْلَ الْوَاوِ أَنْ تَرْبِطَ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا فَبَقِيَ أَنْ تَكُونَ لِلْحَالِ فتكون جملة الحال مُقَيَّدَةً لِلنَّهْيِ وَالْمَعْنَى لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ فِسْقًا وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ الْأَكْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِسْقًا وَالْفِسْقُ قَدْ فَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} فَالْمَعْنَى لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إِذَا سُمِّيَ عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ وَمَفْهُومُهُ فَكُلُوا مِنْهُ إِذَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَوْ أُبْطِلَ الْعَطْفُ بِتَخَالُفِ الْجُمْلَتَيْنِ بِالْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ لَكَانَ صَوَابًا. مَسْأَلَةٌ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيِ عَامِلَيْنِ فَالْمَشْهُورُ عَنْ سِيبَوَيْهِ الْمَنْعُ وَبِهِ قَالَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ السَّرَّاجِ وَابْنُ هِشَامٍ وَجَوَّزَهُ الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ

اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ،فِيمَنْ نَصَبَ " آيَاتٍ " الْأَخِيرَةَ. مَسْأَلَةٌ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ فَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى الْمَنْعِ وَبَعْضُهُمْ وَالْكُوفِيُّونَ عَلَى الْجَوَازِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} . وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} : إِنَّ الْمَسْجِدَ مَعْطُوفٌ عَلَى ضَمِيرِ " بِهِ "وَإِنْ لَمْ يُعَدِ الْجَارُّ. قَالَ: وَالَّذِي نَخْتَارُهُ جَوَازُ ذَلِكَ لِوُرُودِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرًا نَظْمًا وَنَثْرًا قَالَ: وَلَسْنَا مُتَعَبَّدِينَ بِاتِّبَاعِ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ بَلْ نَتَّبِعُ الدليل. تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْمُحْكَمِ والمتشابه

المجلد الثالث

المجلد الثالث النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي الْمُحْكَمِ والمتشابه ... بسم الله الرحمن الرحيم النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ قَالَ: تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مُحْكَمٌ لِقَوْلِهِ تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} الثَّانِي كُلُّهُ مُتَشَابِهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} الثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْقِسَامُهُ إِلَى مُحْكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ لِلْآيَةِ الْمُصَدَّرِ بِهَا وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْكَامِهِ إِتْقَانُهُ وَعَدَمُ تَطَرُّقِ النَّقْصِ وَالِاخْتِلَافِ إِلَيْهِ وَبِتَشَابُهِهِ كَوْنُهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَالْإِعْجَازِ وَقَالَ: بَعْضُهُمْ الْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِي الشَّيْئَيْنِ إِذْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ طُرُقِهِ وَقَدْ قَالَ: تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وَالْمُحْكَمُ لَا تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الْبَيَانِ وَالْمُتَشَابِهُ لَا يُرْجَى بَيَانُهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ عَلَى أَقْوَالٍ:

فَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا عُرِفَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِمَّا بِالظُّهُورِ وَإِمَّا بِالتَّأْوِيلِ وَالْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَقِيَامِ السَّاعَةِ وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا وَضَحَ مَعْنَاهُ وَالْمُتَشَابِهُ نَقِيضُهُ. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لَا يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمُتَشَابِهُ مَا احْتَمَلَ أَوْجُهًا. قيل: الْمُحْكَمُ مَا كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى وَالْمُتَشَابِهُ بِخِلَافِهِ كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَاخْتِصَاصِ الصِّيَامِ بِرَمَضَانَ دُونَ شَعْبَانَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ وَالْمُتَشَابِهُ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِرَدِّهِ إِلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ والمتشابه ما لا يدري إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لَمْ تَتَكَرَّرْ أَلْفَاظُهُ وَمُقَابِلُهُ الْمُتَشَابِهُ. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ الْفَرَائِضُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْمُتَشَابِهُ الْقِصَصُ وَالْأَمْثَالُ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ نَاسِخُهُ وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَحُدُودُهُ وَفَرَائِضُهُ وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَيُعْمَلُ بِهِ وَالْمُتَشَابِهَاتُ مَنْسُوخُهُ وَمُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ وَأَمْثَالُهُ وَأَقْسَامُهُ وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ مَا فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْهُ مُتَشَابِهٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ هِيَ أَوَامِرُهُ الزَّاجِرَةُ. وَأَخْرَجَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ وَأَبَا فَاخِتَةَ تَرَاجَعَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: أَبُو فَاخِتَةَ فَوَاتِحُ السُّوَرِ وَقَالَ: يَحْيَى الْفَرَائِضُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْحَلَالُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الثَّلَاثُ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ" مُحْكَمَاتٌ ": {قُلْ تَعَالَوْا} وَالْآيَتَانِ بَعْدَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} قال: من ها هنا: {قُلْ تَعَالَوْا} إِلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ وَمِنْ ها هنا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} إِلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ بَعْدَهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ مَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ وَالْمُتَشَابِهَاتُ مَا قَدْ نُسِخَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: المتشابهات فيما بلغنا آلم والمص والمر والر قَالَ: ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُحْكَمَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ وَالْمُتَشَابِهَ الَّذِي يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ. فَصْلٌ اخْتُلِفَ هَلِ الْمُتَشَابِهُ مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى عِلْمِهِ أَوْ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ مَنْشَؤُهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي قَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} هَلْ

هُوَ مَعْطُوفٌ وَ: {يَقُولُونَ} حَالٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ: {يَقُولُونَ} وَالْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَعَلَى الْأَوَّلِ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} قَالَ: أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} قَالَ: يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ لَمْ يَعْلَمُوا نَاسِخَهُ مِنْ مَنْسُوخِهِ وَلَا حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ وَلَا مُحْكَمَهُ مِنْ مُتَشَابِهِهِ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِنَّهُ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ. وَقَالَ: ابْنُ الْحَاجِبِ: إِنَّهُ الظَّاهِرُ وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ خُصُوصًا أَهْلَ السُّنَّةِ فَذَهَبُوا إِلَى الثَّانِي وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِلَّا شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ وَاخْتَارَهُ الْعُتْبِيُّ قَالَ: وَقَدْ كَانَ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنَّهُ سَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَلَا غَرْوَ فَإِنَّ لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةً وَلِكُلِّ عَالَمٍ هَفْوَةً. قُلْتُ وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ،

لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ بِهَا الْقِرَاءَةُ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهَا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ فَيُقَدَّمُ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى ذَمِّ مُتَّبِعِي الْمُتَشَابِهِ وَوَصْفِهِمْ بِالزَّيْغِ وَابْتِغَاءِ الْفِتْنَةِ وَعَلَى مَدْحِ الَّذِينَ فَوَّضُوا الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ كَمَا مَدَحَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَيْبِ وَحَكَى الْفَرَّاءُ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أيضا: {يَقُولُ الرَّاسِخُونَ} وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {وَإِنْ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} . وَأَخْرَجَ الشيخان وغيرهما عن عائشة قال: ت تلا رسول الله هَذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} إلى قوله: {أُولُوا الأَلْبَابِ} قال: ت: قال: رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرْهُمْ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا ثَلَاثَ خِلَالٍ: أَنْ يَكْثُرَ لَهُمُ الْمَالُ فَيَتَحَاسَدُوا فَيَقْتَتِلُوا وَأَنْ يُفْتَحَ لَهُمُ الْكِتَابُ فَيَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ" الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:: "إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِيُكَذِّبَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا تَشَابَهَ فَآمِنُوا بِهِ". وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ يَنْزِلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه

وَأَمْثَالٍ فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ واعملوا محكمه وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَقُولُوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا" وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ حَلَالٌ وَحَرَامٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ كَاذِبٌ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا بِنَحْوِهِ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نُؤْمِنُ بِالْمُحْكَمِ وَنَدِينُ بِهِ وَنُؤْمِنُ بِالْمُتَشَابِهِ وَلَا نَدِينُ بِهِ وَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كُلُّهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عن عائشة قال: ت كَانَ رُسُوخُهُمْ فِي الْعِلْمِ أَنْ آمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَلَا يَعْلَمُونَهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَأَبِي نَهِيكٍ قَالَ: إِنَّكُمْ تَصِلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ مَقْطُوعَةٌ وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ: لَهُ صَبِيغٌ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عراجين النخل فقال: من أنت قال: أنا عبد الله بن صبيغ فأخذ عمر عرجونا من تلك الْعَرَاجِينِ فَضَرَبَهُ حَتَّى دَمَّى رَأْسَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ: فَضَرَبَهُ بِالْجَرِيدِ حَتَّى تَرَكَ ظَهْرَهُ دَبَرَةً ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرِأَ ثُمَّ عَادَ لَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرِأَ فَدَعَا بِهِ لِيَعُودَ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ

تُرِيدُ قَتْلِي فَاقْتُلْنِي قَتْلًا جَمِيلًا فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَلَّا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ نَاسٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِمُشْتَبِهَاتِ الْقُرْآنِ فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ الْخَوْضَ فِيهِ مَذْمُومٌ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: الطَّيْبِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُحْكَمِ مَا اتَّضَحَ مَعْنَاهُ وَالْمُتَشَابِهُ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يَقْبَلُ مَعْنًى إِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ غَيْرَهُ أَوْ لَا وَالثَّانِي النَّصُّ وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ أَرْجَحَ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيَهُ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُجْمَلُ وَالثَّانِي الْمُؤَوَّلُ فَالْمُشْتَرِكُ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ هُوَ الْمُحْكَمُ وَالْمُشْتَرِكُ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمَؤَوَّلِ هُوَ الْمُتَشَابِهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّقْسِيمَ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْقَعَ الْمُحْكَمَ مُقَابِلًا لِلْمُتَشَابِهِ قال: وا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُحْكَمُ بِمَا يُقَابِلُهُ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ أُسْلُوبُ الْآيَةِ وَهُوَ الْجَمْعُ مَعَ التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ تَعَالَى فَرَّقَ مَا جُمِعَ فِي مَعْنَى الْكِتَابِ بِأَنْ قَالَ: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وَأَرَادَ أَنْ يُضِيفَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا شَاءَ فَقَالَ: أَوَّلًا: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمُ اسْتِقَامَةٌ فَيَتَّبِعُونَ الْمُحْكَمَ لَكِنَّهُ وَضَعَ مَوْضِعَ ذَلِكَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} لِإِتْيَانِ لَفْظِ الرُّسُوخِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلا بعد التتبع الْعَامِّ وَالِاجْتِهَادِ الْبَلِيغِ فَإِذَا اسْتَقَامَ الْقَلْبُ عَلَى طُرُقِ الْإِرْشَادِ وَرَسَخَ الْقَدَمُ

فِي الْعِلْمِ أَفْصَحَ صَاحِبُهُ النُّطْقَ بِالْقَوْلِ الْحَقِّ وَكَفَى بِدُعَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} إِلَى آخِرِهِ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: {إِلا اللَّهَ} تَامٌّ وَإِلَى أَنَّ عِلْمَ بَعْضِ الْمُتَشَابِهِ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَنْ حَاوَلَ مَعْرِفَتَهُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: {فَاحْذَرُوهُمْ} . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَقْلُ مُبْتَلًى بِاعْتِقَادِ حَقِيَّةِ الْمُتَشَابِهِ كَابْتِلَاءِ الْبَدَنِ بِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ كَالْحَكِيمِ إِذَا صَنَّفَ كِتَابًا أَجْمَلَ فِيهِ أَحْيَانًا لِيَكُونَ مَوْضِعَ خُضُوعِ الْمُتَعَلِّمِ لِأُسْتَاذِهِ وَكَالْمَلِكِ يَتَّخِذُ علامة يجتاز بِهَا مَنْ يُطْلِعُهُ عَلَى سِرِّهِ وَقِيلَ لَوْ لَمْ يُبْتَلَ الْعَقْلُ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْبَدَنِ لَاسْتَمَرَّ الْعَالِمُ فِي أُبَّهَةِ الْعِلْمِ عَلَى التَّمَرُّدِ فَبِذَلِكَ يَسْتَأْنِسُ إِلَى التَّذَلُّلِ بِعِزِّ الْعُبُودِيَّةِ وَالْمُتَشَابِهُ هُوَ مَوْضِعُ خُضُوعِ الْعُقُولِ لِبَارِئِهَا اسْتِسْلَامًا وَاعْتِرَافًا بِقُصُورِهَا وَفِي خَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} تَعْرِيضٌ بِالزَّائِغِينَ وَمَدْحٌ لِلرَّاسِخِينَ يَعْنِي مَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَيَتَّعِظْ وَيُخَالِفْ هَوَاهُ فَلَيْسَ مِنْ أُولِي الْعُقُولِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: الرَّاسِخُونَ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَخَضَعُوا لِبَارِئِهِمْ لِاسْتِنْزَالِ الْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ بَعْدَ أَنِ اسْتَعَاذُوا بِهِ مِنَ الزَّيْغِ النَّفْسَانِيِّ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُتَشَابِهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا إِذَا رُدَّ إِلَى الْمُحْكَمِ وَاعْتُبِرَ بِهِ عُرِفَ مَعْنَاهُ وَالْآخَرُ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُهُ أَهْلُ الزَّيْغِ فَيَطْلُبُونَ تَأْوِيلَهُ وَلَا يَبْلُغُونَ كُنْهَهُ فَيَرْتَابُونَ فِيهِ فَيَفْتَتِنُونَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: قَسَّمَ اللَّهُ آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلَى مُحْكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ وَأَخْبَرَ عَنِ الْمُحْكَمَاتِ أَنَّهَا أُمُّ الْكِتَابِ لِأَنَّ إِلَيْهَا تُرَدُّ الْمُتَشَابِهَاتُ وَهِيَ الَّتِي تُعْتَمَدُ فِي فَهْمِ

مُرَادِ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ فِي كُلِّ مَا تَعَبَّدَهُمْ بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَتْ أُمَّهَاتٍ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْمُحْكَمَاتِ وَفِي قَلْبِهِ شَكٌّ وَاسْتِرَابَةٌ كَانَتْ رَاحَتُهُ فِي تَتَبُّعِ الْمُشْكِلَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَمُرَادُ الشَّارِعِ مِنْهَا التَّقَدُّمُ إِلَى فَهْمِ الْمُحْكَمَاتِ وَتَقْدِيمِ الْأُمَّهَاتِ حَتَّى إِذَا حَصَلَ الْيَقِينُ وَرَسَخَ الْعِلْمُ لَمْ تُبَالِ بِمَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ وَمُرَادُ هَذَا الَّذِي فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ التَّقَدُّمُ إِلَى الْمُشْكِلَاتِ وَفَهْمِ الْمُتَشَابِهِ قَبْلَ فَهْمِ الْأُمَّهَاتِ وَهُوَ عَكْسُ الْمَعْقُولِ وَالْمُعْتَادِ وَالْمَشْرُوعِ وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ مِثْلُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَقْتَرِحُونَ عَلَى رُسُلِهِمْ آيَاتٍ غَيْرَ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءُوا بِهَا وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ لَوْ جَاءَتْهُمْ آيَاتٌ أَخَرُ لَآمَنُوا عِنْدَهَا جَهْلًا مِنْهُمْ وَمَا عَلِمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى وَقَالَ: الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: الْآيَاتُ عِنْدَ اعْتِبَارِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: مُحْكَمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمُتَشَابِهٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمُحْكَمٌ مِنْ وَجْهٍ مُتَشَابِهٌ مِنْ وَجْهٍ. فَالْمُتَشَابِهُ بِالْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: مُتَشَابِهٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَقَطْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ وَمِنْ جِهَتِهِمَا فَالْأَوَّلُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْغَرَابَةِ نَحْوَ الْأَبِ وَيَزِفُّونَ أَوِ الِاشْتِرَاكِ كَالْيَدِ وَالْيَمِينِ وَثَانِيهِمَا يَرْجِعُ إِلَى جُمْلَةِ الْكَلَامِ الْمُرَكَّبِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ لِاخْتِصَارِ الْكَلَامِ نَحْوَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ}

وَضَرْبٌ لِبَسْطِهِ نَحْوَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لأنه لو قيل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} كَانَ أَظْهَرَ لِلسَّامِعِ وَضَرْبٌ لِنَظْمِ الْكَلَامِ نَحْوَ: {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قِيَماً} تَقْدِيرُهُ أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا. وَالْمُتَشَابِهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَوْصَافُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْصَافُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ لَا تَتَصَوَّرُ لَنَا إذ كَانَ لَا يَحْصُلُ فِي نُفُوسِنَا صُورَةٌ مَا لَمْ نُحِسَّهُ أَوْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَالْمُتَشَابِهُ مِنْ جِهَتِهِمَا خَمْسَةُ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ مِنْ جِهَةِ الْكَمِّيَّةِ كَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ نَحْوَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْكَيْفِيَّةِ كَالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ نَحْوَ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وَالثَّالِثُ مِنْ جِهَةِ الزَّمَانِ كَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ نَحْوَ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} وَالرَّابِعُ مِنْ جِهَةِ الْمَكَانِ وَالْأُمُورِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا نَحْوَ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} ،: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ عَادَتَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْخَامِسُ مِنْ جِهَةِ الشُّرُوطِ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا الْفِعْلُ أَوْ يَفْسُدُ كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالنِّكَاحِ

قَالَ: وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِذَا تُصُوِّرَتْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ الْمُتَشَابِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ التَّقَاسِيمِ ثُمَّ جَمِيعُ الْمُتَشَابِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ لَا سَبِيلَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهِ كَوَقْتِ السَّاعَةِ وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَضَرْبٌ لِلْإِنْسَانِ سَبِيلٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ كَالْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَحْكَامِ الغلقة وَضَرْبٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ بَعْضُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ وَيَخْفَى عَلَى مَنْ دُونَهُمْ وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ" وَإِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْجِهَةَ عَرَفْتَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} وَوَصْلَهُ بِقَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} جَائِزٌ وَأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهًا حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ انْتَهَى. وَقَالَ: الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الرَّاجِحِ إِلَى الْمَرْجُوحِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَهُوَ إِمَّا لَفْظِيٌّ أَوْ عَقْلِيٌّ: وَالْأَوَّلُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاطِعًا لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالَاتِ الْعَشْرَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَانْتِفَاؤُهَا مَظْنُونٌ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَظْنُونِ مَظْنُونٌ وَالظَّنِّيُّ لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْأُصُولِ وَأَمَّا الْعَقْلِيُّ فَإِنَّمَا يُفِيدُ صَرْفَ اللَّفْظِ مِنْ ظَاهِرِهِ لكونه الظَّاهِرِ مُحَالًا وَأَمَّا إِثْبَاتُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَلَا يُمْكِنُ بِالْعَقْلِ لِأَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ تَرْجِيحُ مَجَازٍ عَلَى مَجَازٍ وَتَأْوِيلٍ عَلَى تَأْوِيلٍ وَذَلِكَ التَّرْجِيحُ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ وَالدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ

فِي التَّرْجِيحِ ضَعِيفٌ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ وَالظَّنُّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ فَلِهَذَا اخْتَارَ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بَعْدَ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مُحَالٌ تَرْكَ الْخَوْضِ فِي تَعْيِينِ التَّأْوِيلِ انْتَهَى. وَحَسْبُكَ بِهَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْإِمَامِ فَصْلٌ مِنَ الْمُتَشَابِهِ آيَاتُ الصِّفَاتِ وَلِابْنِ اللَّبَّانِ فِيهَا تَصْنِيفٌ مُفْرَدٌ نَحْوَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} {يد الله فوق أيديهم} {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْهُمُ السَّلَفُ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْإِيمَانِ بِهَا وَتَفْوِيضِ مَعْنَاهَا الْمُرَادِ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نُفَسِّرُهَا مَعَ تَنْزِيهِنَا لَهُ عَنْ حَقِيقَتِهَا. أَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ في السنن عَنْ طَرِيقِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: ت الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْإِقْرَارُ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْجُحُودُ بِهِ كُفْرٌ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ

عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَمِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ وَعَلَيْنَا التَّصْدِيقُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ فَقَالَ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَلَا يقال: كيف وكيف مَرْفُوعٌ. وَأَخْرَجَ اللَّالَكَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ وَلَا تَشْبِيهٍ. وَقَالَ: التِّرْمِذِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ الْمَذْهَبُ فِي هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قال: وا نَرْوِي هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كَمَا جَاءَتْ وَنُؤْمِنُ بِهَا وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ وَلَا نُفَسِّرُ وَلَا نَتَوَهَّمُ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّنَا نُؤَوِّلُهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ تَعَالَى وَهَذَا مَذْهَبُ الْخَلَفِ وَكَانَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَذْهَبُ إِلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ: فِي الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ الَّذِي نَرْتَضِيهِ دِينًا وندين الله بِهِ عَقْدًا اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُمْ دَرَجُوا عَلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَعَانِيهَا. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَضَى صَدْرُ الْأُمَّةِ وَسَادَاتُهَا وَإِيَّاهَا اخْتَارَ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَادَاتُهَا وَإِلَيْهَا دَعَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَأَعْلَامُهُ وَلَا أَحَدَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ من أصحابنا يصد ف عَنْهَا وَيَأْبَاهَا. وَاخْتَارَ ابْنُ بُرْهَانٍ مَذْهَبَ التَّأْوِيلِ قَالَ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ:

هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَمْ نَعْلَمْ مَعْنَاهُ أَوْ لَا بَلْ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ. وَتَوَسَّطَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: إِذَا كَانَ التَّأْوِيلُ قَرِيبًا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ لَمْ يُنْكَرْ أَوْ بَعِيدًا تَوَقَّفْنَا عَنْهُ وَآمَنَّا بِمَعْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ مَعَ التَّنْزِيهِ قَالَ: وَمَا كَانَ مَعْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ظَاهِرًا مَفْهُومًا مِنْ تَخَاطُبِ الْعَرَبِ قُلْنَا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} فَنَحْمِلُهُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ. ذِكْرُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ. مِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الِاسْتِوَاءِ وَحَاصِلُ مَا رَأَيْتُ فِيهَا سَبْعَةَ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: حَكَى مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ: {اسْتَوَى} بِمَعْنَى اسْتَقَرَّ وَهَذَا إِنْ صَحَّ يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ فَإِنَّ الِاسْتِقْرَارَ يُشْعِرُ بِالتَّجْسِيمِ. ثَانِيهَا: أَنَّ: {اسْتَوَى} بِمَعْنَى اسْتَوْلَى وَرُدَّ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَوْلٍ عَلَى الْكَوْنَيْنِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَهْلِهِمَا فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَخْصِيصِ الْعَرْشِ وَالْآخَرُ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ قَهْرٍ وَغَلَبَةٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. أَخْرَجَ اللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى: {اسْتَوَى} فَقَالَ: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ فَقِيلَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَعْنَاهُ (اسْتَوْلَى) ?

قَالَ: اسْكُتْ لَا يُقَالُ: اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ مُضَادٌّ فَإِذَا غَلَبَ أَحَدُهُمَا قِيلَ اسْتَوْلَى. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ بِمَعْنَى صَعِدَ قال: هـ أَبُو عُبَيْدٍ وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الصُّعُودِ أَيْضًا. رَابِعُهَا: أَنَّ التَّقْدِيرَ الرَّحْمَنُ عَلَا أَيْ ارْتَفَعَ مِنَ الْعُلُوِّ وَالْعَرْشُ لَهُ اسْتَوَى حَكَاهُ إِسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ فِي تَفْسِيرِهِ وَرُدَّ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى فِعْلًا وَهِيَ حَرْفٌ هُنَا بِاتِّفَاقٍ فَلَوْ كَانَتْ فِعْلًا لَكُتِبَتْ بِالْأَلِفِ كَقَوْلِهِ: {عَلا فِي الأَرْضِ} وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَفَعَ: {الْعَرْشِ} وَلَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ. خَامِسُهَا: أَنَّ الْكَلَامَ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ثُمَّ ابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: {اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُزِيلُ الْآيَةَ عَنْ نَظْمِهَا وَمُرَادِهَا قُلْتُ وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} سَادِسُهَا: أَنَّ مَعْنَى اسْتَوَى أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ الْعَرْشِ وَعَمَدَ إِلَى خَلْقِهِ كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} أَيْ قَصَدَ وَعَمَدَ إِلَى خَلْقِهَا قال: هـ الْفَرَّاءُ وَالْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْمَعَانِي وَقَالَ: إِسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ إِنَّهُ الصَّوَابُ. قُلْتُ يُبْعِدُهُ تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوهُ لَتَعَدَّى بِإِلَى كَمَا في قوله: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} سَابِعُهَا: قَالَ: ابْنُ اللَّبَّانِ الِاسْتِوَاءُ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ تَعَالَى بِمَعْنَى اعْتَدَلَ، أَيْ

قَامَ بِالْعَدْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَائِماً بِالْقِسْطِ} وَالْعَدْلُ هُوَ اسْتِوَاؤُهُ وَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى أَنَّهُ أَعْطَى بِعِزَّتِهِ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ مَوْزُونًا بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ وَمِنْ ذَلِكَ النَّفْسُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ مُرَادًا بِهِ الْغَيْبُ لِأَنَّهُ مُسْتَتِرٌ كَالنَّفْسِ. وَقَوْلِهِ: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} أَيْ عُقُوبَتَهُ وَقِيلَ إِيَّاهُ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: النَّفْسُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْوُجُودِ دُونَ مَعْنًى زَائِدٍ وَقَدِ اسْتُعْمِلَ مِنْ لَفْظَةِ النَّفَاسَةِ وَالشَّيْءِ النَّفِيسِ فَصَلُحَتْ لِلتَّعْبِيرِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: أَوَّلَهَا العلماء بتأويلات: منها أَنَّ النَّفْسَ عُبِّرَ بِهَا عَنِ الذَّاتِ قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ وَلَكِنَّ تَعَدِّيَ الْفِعْلِ إِلَيْهَا بِفِي الْمُفِيدَةِ لِلظَّرْفِيَّةِ مُحَالٌ عَلَيْهِ تَعَالَى وَقَدْ أَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِالْغَيْبِ أَيْ وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي غَيْبِكَ وَسِرِّكَ قَالَ: وَهَذَا حَسَنٌ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ} وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِالذَّاتِ وَقَالَ: ابْنُ اللَّبَّانِ فِي قَوْلِهِ: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} {إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} الْمُرَادُ إِخْلَاصُ النِّيَّةِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ: {فَثَمَّ وَجْهُ} أَيْ الْجِهَةُ الَّتِي أَمَرَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا وَمِنْ ذَلِكَ الْعَيْنُ وَهِيَ مُؤَوَّلَةٌ بِالْبَصَرِ أَوِ الْإِدْرَاكِ بَلْ قَالَ: بَعْضُهُمْ إِنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِتَوَهُّمِ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهَا مَجَازٌ وَإِنَّمَا الْمَجَازُ فِي تَسْمِيَةِ الْعُضْوِ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: نِسْبَةُ الْعَيْنِ إِلَيْهِ تَعَالَى اسْمٌ لِآيَاتِهِ الْمُبْصِرَةِ الَّتِي بِهَا سُبْحَانَهُ يَنْظُرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَبِهَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ قَالَ: تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} نَسَبَ الْبَصَرَ لِلْآيَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ تَحْقِيقًا لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ بِالْعَيْنِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ وَقَالَ: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} قَالَ: فَقَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أَيْ بِآيَاتِنَا تَنْظُرُ بِهَا إِلَيْنَا وَنَنْظُرُ بِهَا إِلَيْكَ قَالَ: وَيُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْيُنِ هُنَا الْآيَاتُ كَوْنُهُ عَلَّلَ بِهَا الصَّبْرَ لِحُكْمِ رَبِّهِ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} قَالَ وَقَوْلُهُ: فِي سَفِينَةِ نُوحٍ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أَيْ بِآيَاتِنَا بِدَلِيلِ. : {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} وقال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أَيْ عَلَى

حُكْمِ آيَتِي الَّتِي أَوْحَيْتُهَا إِلَى أُمِّكَ: {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} الْآيَةَ انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ فِي الْآيَاتِ كِلَاءَتُهُ تَعَالَى وَحِفْظُهُ وَمِنْ ذَلِكَ الْيَدُ فِي قَوْلِهِ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} وَهِيَ مُؤَوَّلَةٌ بِالْقُدْرَةِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْيَدُ فِي الْأَصْلِ كَالْبَصَرِ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَةٍ لِمَوْصُوفٍ وَلِذَلِكَ مَدَحَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْأَيْدِي مَقْرُونَةً مَعَ الْأَبْصَارِ فِي قَوْلِهِ: {أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} وَلَمْ يَمْدَحْهُمْ بِالْجَوَارِحِ لِأَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ لَا بِالْجَوَاهِرِ قَالَ: وَلِهَذَا قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: إِنَّ الْيَدَ صِفَةٌ وَرَدَ بِهَا الشَّرْعُ وَالَّذِي يَلُوحُ مِنْ مَعْنَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ مَعْنَى الْقُدْرَةِ إِلَّا أَنَّهَا أَخَصُّ وَالْقُدْرَةَ أَعَمُّ كَالْمَحَبَّةِ مَعَ الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ فَإِنَّ فِي الْيَدِ تَشْرِيفًا لَازِمًا. وَقَالَ: الْبَغَوِيُّ فِي قَوْلِهِ: {بِيَدَيَّ} فِي تَحْقِيقِ اللَّهِ التَّثْنِيَةَ فِي الْيَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالنِّعْمَةِ وَإِنَّمَا هُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ. وقال مجاهد: اليد ها هنا صِلَةٌ وَتَأْكِيدٌ كَقَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَيْرُ قَوِيٍّ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صِلَةً لَكَانَ لِإِبْلِيسَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ كُنْتَ خَلَقْتَهُ فَقَدْ خَلَقْتَنِي، وَكَذَلِكَ فِي الْقُدْرَةِ وَالنِّعْمَةِ لَا يَكُونُ لِآدَمَ فِي الْخَلْقِ مرية عَلَى إِبْلِيسَ.

وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: فَإِنْ قُلْتَ فَمَا حَقِيقَةُ الْيَدَيْنِ فِي خَلْقِ آدَمَ قُلْتُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ وَلَكِنَّ الَّذِي اسْتَثْمَرْتُهُ مِنْ تَدَبُّرِ كِتَابِهِ أَنَّ (الْيَدَيْنِ) اسْتِعَارَةٌ لِنُورِ قُدْرَتِهِ الْقَائِمِ بِصِفَةِ فَضْلِهِ وَلِنُورِهَا الْقَائِمِ بِصِفَةِ عَدْلِهِ وَنَبَّهَ عَلَى تَخْصِيصِ آدَمَ وَتَكْرِيمِهِ بِأَنْ جَمَعَ لَهُ فِي خَلْقِهِ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ قَالَ: وَصَاحِبَةُ الْفَضْلِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ ذَلِكَ السَّاقُ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} وَمَعْنَاهُ عَنْ شِدَّةٍ وَأَمْرٍ عَظِيمٍ كَمَا يُقَالُ: قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ. أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: إِذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَابْتَغُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّهُ دِيوَانُ الْعَرَبِ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الشَّاعِرِ: اصْبِرْ عِنَاقْ إِنَّهُ شَرُّ بَاقْ قَدْ سَنَّ لِي قَوْمُكَ ضَرْبَ الْأَعْنَاقْ وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ. وَمِنْ: ذَلِكَ الْجَنْبُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أَيْ فِي طَاعَتِهِ وَحَقِّهِ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَقَعُ فِي الْجَنْبِ الْمَعْهُودِ

وَمِنْ ذَلِكَ: صِفَةُ الْقُرْبِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} أَيْ بِالْعِلْمِ وَمِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْفَوْقِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُلُوُّ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ وَقَدْ قَالَ: فِرْعَوْنُ: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْعُلُوَّ الْمَكَانِيَّ وَمِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْمَجِيءِ فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ} {أو يأتي ربك} أَيْ أَمْرُهُ لِأَنَّ الْمَلَكَ إِنَّمَا يَأْتِي بِأَمْرِهِ أَوْ بِتَسْلِيطِهِ كَمَا قَالَ: تَعَالَى: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} أَيْ اذْهَبْ بِرَبِّكَ أَيْ بِتَوْفِيقِهِ وَقُوَّتِهِ وَمِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْحُبِّ فِي قَوْلِهِ: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ،: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وَصِفَةُ الْغَضَبِ فِي قَوْلِهِ: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} وَصِفَةُ الرِّضَا فِي قَوْلِهِ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} وَصِفَةُ الْعَجَبِ فِي قَوْلِهِ: {بَلْ عَجِبْتَ} بِضَمِّ التَّاءِ وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ}

وَصِفَةُ الرَّحْمَةِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: كُلُّ صِفَةٍ يَسْتَحِيلُ حَقِيقَتُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تُفَسَّرُ بِلَازِمِهَا.، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: جَمِيعُ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ أَعْنِي الرَّحْمَةَ وَالْفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالْغَضَبَ وَالْحَيَاءَ وَالْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ لَهَا أَوَائِلُ وَلَهَا غَايَاتٌ مِثَالُهُ الْغَضَبُ فَإِنَّ أَوَّلَهُ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ وَغَايَتُهُ إِرَادَةُ إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ فَلَفْظُ الْغَضَبِ فِي حَقِّ اللَّهِ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَوَّلِهِ الَّذِي هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ بَلْ عَلَى غَرَضِهِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الْإِضْرَارِ وَكَذَلِكَ الْحَيَاءُ لَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ انْكِسَارٌ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ وَلَهُ غَرَضٌ وَهُوَ تَرْكُ الْفِعْلِ فَلَفْظُ الْحَيَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ لَا عَلَى انْكِسَارِ النَّفْسِ انْتَهَى. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: الْعَجَبُ مِنَ اللَّهِ إِنْكَارُ الشَّيْءِ وَتَعْظِيمُهُ وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ عَنْ قَوْلِهِ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَافَقَ رَسُولَهُ فَقَالَ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} أَيْ هُوَ كَمَا تَقُولُ وَمِنْ ذَلِكَ: لَفْظَةُ عِنْدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عِنْدَ رَبِّكَ} و: {مِنْ عِنْدِهِ} وَمَعْنَاهُمَا الْإِشَارَةُ إِلَى التَّمْكِينِ وَالزُّلْفَى وَالرِّفْعَةِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} أَيْ بِعِلْمِهِ وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ}

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ الْمَعْبُودُ في السموات وَفِي الْأَرْضِ مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِ (يَعْلَمُ) أَيْ عَالِمٌ بِمَا فِي السموات وَالْأَرْضِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} أَيْ سَنَقْصِدُ لِجَزَائِكُمْ. تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: لَيْسَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} . تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ بَطْشَهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي بَدْئِهِ وَإِعَادَتِهِ وَجَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ. فَصْلٌ وَمِنَ الْمُتَشَابِهِ أَوَائِلُ السُّوَرِ وَالْمُخْتَارُ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهَا مِنَ الْأَسْرَارِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ فَقَالَ: إِنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ سِرًّا وَإِنَّ سِرَّ هَذَا الْقُرْآنِ فَوَاتِحُ السُّوَرِ وَخَاضَ فِي مَعْنَاهَا آخَرُونَ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {الم} قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قول: {المص} ، قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَفْصِلُ وَفِي قَوْلِهِ: {الر} أَنَا اللَّهُ أَرَى وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {الم} وَ: {حم} وَ: {ن} قَالَ: اسْمٌ مُقَطَّعٌ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {الر} وَ: {حم} وَ: {ن} حُرُوفُ الرَّحْمَنِ مُفَرَّقَةٌ

وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: {الر} مِنَ الرَّحْمَنِ وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: {المص} الْأَلِفُ مِنَ اللَّهِ وَالْمِيمُ مِنَ الرَّحْمَنِ وَالصَّادُ مِنَ الصَّمَدِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {المص} قَالَ: أَنَا اللَّهُ الصَّادِقُ وَقِيلَ: {المص} مَعْنَاهُ الْمُصَوِّرُ وَقِيلَ: {الر} مَعْنَاهُ أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَرْفَعُ حَكَاهُمَا الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِهِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: {كهيعص} قَالَ: الْكَافُ مِنْ كَرِيمٍ وَالْهَاءُ مَنْ هَادٍ وَالْيَاءُ مِنْ حَكِيمٍ وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {كهيعص} قَالَ: كَافٍ هَادٍ أَمِينٌ عَزِيزٌ صَادِقٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِ: {كهيعص} قَالَ: هُوَ هِجَاءٌ مُقَطَّعٌ الْكَافُ مِنَ الْمَلِكِ وَالْهَاءُ مِنَ اللَّهِ وَالْيَاءُ وَالْعَيْنُ مِنَ الْعَزِيزِ وَالصَّادُ مِنَ الْمُصَوِّرِ وَأَخْرَجَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالصَّادُ مِنَ الصَّمَدِ وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {كهيعص} قَالَ: كَبِيرٌ هَادٍ أَمِينٌ عَزِيزٌ صَادِقٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {كهيعص} قَالَ: الْكَافُ الْكَافِي وَالْهَاءُ الْهَادِي وَالْعَيْنُ الْعَالِمُ وَالصَّادُ الصَّادِقُ

وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: سُئِلَ الْكَلْبِيُّ عَنْ: {كهيعص} فَحَدَّثَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن أم هانىء عن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَافٍ هَادٍ أَمِينٌ عَالَمٌ صَادِقٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {كهيعص} قَالَ: يَقُولُ أَنَا الْكَبِيرُ الْهَادِي عَلِيٌّ أَمِينٌ صَادِقٌ وَأَخْرَجَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: {طه} قَالَ: الطَّاءُ مِنْ: {ذِي الطَّوْلِ} وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: {طسم} قَالَ: الطَّاءُ فِي: {ذِي الطَّوْلِ} وَالسِّينُ مِنَ الْقُدُّوسِ وَالْمِيمُ مِنَ الرَّحْمَنِ. وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {حم} قَالَ: حَاءٌ اشْتُقَّتْ مِنَ الرَّحْمَنِ وَمِيمٌ اشْتُقَّتْ مِنَ الرَّحِيمِ وَأَخْرَجَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قوله: {حمعسق} قَالَ: الْحَاءُ وَالْمِيمُ مِنَ الرَّحْمَنِ وَالْعَيْنُ مِنَ الْعَلِيمِ وَالسِّينُ مِنَ الْقُدُّوسِ وَالْقَافُ مِنَ الْقَاهِرِ وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فَوَاتِحُ السُّوَرِ كُلُّهَا هِجَاءٌ مُقَطَّعٌ وَأَخْرَجَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: {الم} وَ: {حم} وَ: {ن} وَنَحْوُهَا اسْمُ اللَّهِ مُقَطَّعَةٌ. وَأَخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: فَوَاتِحُ السُّوَرِ أَسْمَاءٌ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ فُرِّقَتْ فِي الْقُرْآنِ. وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ فِي قَوْلِهِ: {ق} إِنَّهُ حَرْفٌ مِنِ اسْمِهِ قَادِرٍ وَقَاهِرٍ وَحَكَى غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ: {ن} إِنَّهُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ تَعَالَى نُورٍ وَنَاصِرٍ.

وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهَا حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا مَأْخُوذٌ مِنِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَالِاكْتِفَاءُ بِبَعْضِ الْكَلِمَةِ مَعْهُودٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَالَ: الشَّاعِرُ: قُلْتُ لَهَا قفي فقال: ت قَافْ أَيْ وَقَفْتُ وَقَالَ: بِالْخَيْرِ خَيِّرَاتٌ وَإِنْ شَرًّا فَا وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَا أراد وإن شرا فشر إلا أَنْ تَشَاءَ. وَقَالَ: نَادَاهُمُ أَلَا الْجِمُوا أَلَا تا قال: وا جميعا كلهم ألافا أَرَادَ أَلَا تَرْكَبُونَ أَلَا فَارْكَبُوا. وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ وَقَالَ: الْعَرَبُ تَنْطِقُ بِالْحَرْفِ الْوَاحِدِ تَدُلُّ بِهِ عَلَى الْكَلِمَةِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا. وَقِيلَ إِنَّهَا الِاسْمُ الْأَعْظَمُ إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِفُ تَأْلِيفَهُ مِنْهَا كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {الم} اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الله الْأَعْظَمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {الم} وَ: {طسم} وَ: {ص} وَأَشْبَاهُهَا قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ

اللَّهِ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا أَيْ أَنَّهَا بِرُمَّتِهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمِنَ الثَّانِي. وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ نافع بن أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِئِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: يَا: {كهيعص} اغْفِرْ لِي. وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: فِي قَوْلِهِ: {كهيعص} قَالَ: يَا من يجير ولا يجارعليه وَأَخْرَجَ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ أَيَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَمَّى بِ: {يس} فَقَالَ: مَا أَرَاهُ يَنْبَغِي لِقَوْلِ اللَّهِ:: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} يَقُولُ هَذَا اسْمٌ تَسَمَّيْتُ بِهِ. وَقِيلَ هِيَ أَسْمَاءٌ لِلْقُرْآنِ كَالْفُرْقَانِ وَالذِّكْرِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ كُلُّ هِجَاءٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ هِيَ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ إِلَى الْأَكْثَرِ وَقِيلَ: هِيَ فَوَاتِحُ لِلسُّوَرِ كَمَا يَقُولُونَ فِي أَوَّلِ الْقَصَائِدِ بَلْ وَلَا بَلْ. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:: {الم} وَ: {حم} وَ: {المص} وَ: {ص} ، وَنَحْوُهَا فَوَاتِحُ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهَا الْقُرْآنَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: {الم} وَ: {المر} فَوَاتِحُ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهَا الْقُرْآنَ قُلْتُ أَلَمْ يكن يقول هِيَ أَسْمَاءٌ قَالَ: لَا

وَقِيلَ هَذَا حِسَابُ: أَبِي جَادٍ لِتَدُلَّ عَلَى مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِيَابٍ قَالَ: مَرَّ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنْ يَهُودَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} فَأَتَى أخاه حيي ابن أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ قَالَ نَعَمْ: فَمَشَى حُيَيُّ فِي أُولَئِكَ النَّفَرِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: وا أَلَمْ تَذْكُرْ أَنَّكَ تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} فقال: بلى فقال: وا لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ قَبْلَكَ أَنْبِيَاءَ مَا نَعْلَمُهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مَا مُدَّةُ مُلْكِهِ وَمَا أَجَلُ أُمَّتِهِ غَيْرَكَ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً أَفَنَدْخُلُ فِي دِينِ نَبِيٍّ إِنَّمَا مُدَّةُ مُلْكِهِ وَأَجَلُ أُمَّتِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ قَالَ: نَعَمْ: {المص} قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ وَالصَّادُ ستون فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ قَالَ: نَعَمْ: {الر} قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ وَالرَّاءُ مِائَتَانِ هَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سَنَةٍ هَلْ مع هذه غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ: {المر} قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ هَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَانِ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ لُبِّسَ عَلَيْنَا أَمْرُكَ حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيتَ أَمْ كَثِيرًا ثُمَّ قَالَ: قُومُوا عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ وَمَنْ مَعَهُ: مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلُّهُ لِمُحَمَّدٍ إِحْدَى وسبعون وإحدى وثلاثون وَمِائَةٌ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَانِ فَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعٌ وثلاثون سنين فَقَالُوا: لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ

آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَابْنُ المنذر ومن وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ مُعْضَلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: {الم} قَالَ: هَذِهِ الْأَحْرُفُ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْأَحْرُفِ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ دَارَتْ بِهَا الْأَلْسُنُ لَيْسَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَهُوَ مِفْتَاحُ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَهُوَ مِنْ آلَائِهِ وَبَلَائِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَهُوَ فِي مُدَّةِ أَقْوَامٍ وَآجَالِهِمْ فَالْأَلِفُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّهِ وَاللَّامُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ لَطِيفٍ وَالْمِيمُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ مَجِيدٍ فَالْأَلِفُ آلَاءُ اللَّهِ وَاللَّامُ لُطْفُ اللَّهِ وَالْمِيمُ مَجْدُ اللَّهِ فَالْأَلِفُ سَنَةٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ. قَالَ: الْخُوَيِّيُّ وَقَدِ اسْتَخْرَجَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} أَنَّ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ تَفْتَحُهُ الْمُسْلِمُونَ فِي سَنَةِ ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَوَقَعَ كَمَا قَالَهُ: وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَعَلَّ عَدَدَ الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مَعَ حَذْفِ الْمُكَرَّرِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُدَّةِ بَقَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الزَّجْرُ عَنْ عَدِّ أَبِي جَادٍ وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ السِّحْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ،. وَقَدْ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ: وَمِنَ الْبَاطِلِ عِلْمُ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَقَدْ تَحَصَّلَ لِي فِيهَا عِشْرُونَ قَوْلًا وَأَزْيَدُ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِعِلْمٍ وَلَا يَصِلُ مِنْهَا إِلَى فَهْمٍ وَالَّذِي أَقُولُهُ: إِنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ لَهَا مَدْلُولًا مُتَدَاوَلًا بَيْنَهُمْ

لَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بل تلى عَلَيْهِمْ: {حم} فُصِّلَتْ وَ: {ص} وَغَيْرَهُمَا فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ بَلْ صَرَّحُوا بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ مَعَ تَشَوُّفِهِمْ إِلَى عَثْرَةٍ وغيرها وَحِرْصِهِمْ عَلَى زَلَّةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ لَا إِنْكَارَ فِيهِ انْتَهَى. وَقِيلَ وَهِيَ تَنْبِيهَاتٌ كَمَا فِي النِّدَاءِ عَدَّهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مُغَايِرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَوَاتِحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَاهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {الم} افْتِتَاحُ كَلَامٍ. وَقَالَ: الْخُوَيِّيُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَنْبِيهَاتٌ جَيِّدٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ عَزِيزٌ وَفَوَائِدُهُ عَزِيزَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِدَ عَلَى سَمْعٍ مُتَنَبِّهٍ فَكَانَ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَالَمِ الْبَشَرِ مَشْغُولًا فَأَمَرَ جِبْرِيلَ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ نُزُولِهِ: {الم} وَ: {الر} وَ: {حم} ليسمع النبي صَوْتَ جِبْرِيلَ فَيُقْبِلَ عَلَيْهِ وَيُصْغِيَ إِلَيْهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ تُسْتَعْمَلِ الْكَلِمَاتُ الْمَشْهُورَةُ فِي التَّنْبِيهِ كألا وأما لِأَنَّهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ فِي كَلَامِهِمْ وَالْقُرْآنُ كَلَامٌ لَا يُشْبِهُ الْكَلَامَ فَنَاسَبَ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِأَلْفَاظِ تَنْبِيهٍ لَمْ تُعْهَدْ لِتَكُونَ أَبْلَغَ فِي قَرْعِ سَمْعِهِ انْتَهَى. وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ لَغَوْا فِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا النَّظْمَ الْبَدِيعَ لِيَعْجَبُوا مِنْهُ وَيَكُونَ تَعَجُّبُهُمْ مِنْهُ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِهِمْ وَاسْتِمَاعُهُمْ لَهُ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِ مَا بَعْدَهُ فَتَرِقُّ الْقُلُوبُ وَتَلِينُ الْأَفْئِدَةُ وَعَدَّ هَذَا جَمَاعَةٌ قَوْلًا مُسْتَقِلًّا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ هَذَا مُنَاسَبَةً لِبَعْضِ الْأَقْوَالِ لَا قَوْلًا فِي مَعْنَاهُ إِذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَعْنًى وَقِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ ذُكِرَتْ لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي هِيَ أب ت ث فَجَاءَ بَعْضُهَا مُقَطَّعًا وَجَاءَ تَمَامُهَا مُؤَلَّفًا لِيَدُلَّ

الْقَوْمَ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ أَنَّهُ بِالْحُرُوفِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لَهُمْ وَدَلَالَةً عَلَى عَجْزِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا أَنَّهُ مُنَزَّلٌ بِالْحُرُوفِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَيَبْنُونَ كَلَامَهُمْ مِنْهَا وَقِيلَ الْمَقْصُودُ بِهَا الْإِعْلَامُ بِالْحُرُوفِ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْكَلَامُ فَذَكَرَ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَهِيَ نِصْفُ جَمِيعِ الْحُرُوفِ وَذَكَرَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ نِصْفَهُ فَمِنْ حَرْفِ الْحَلْقِ الْحَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْهَاءُ وَمِنَ الَّتِي فَوْقَهَا الْقَافُ وَالْكَافُ وَمِنَ الْحَرْفَيْنِ الشَّفَهِيَّيْنِ الْمِيمُ وَمِنَ الْمَهْمُوسَةِ السِّينُ وَالْحَاءُ وَالْكَافُ وَالصَّادُ وَالْهَاءُ وَمِنَ الشَّدِيدَةِ الْهَمْزَةُ وَالطَّاءُ وَالْقَافُ وَالْكَافُ وَمِنَ الْمُطْبِقَةِ الطَّاءُ وَالصَّادُ وَمِنَ الْمَجْهُورَةِ الْهَمْزَةُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ وَالْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالطَّاءُ وَالْقَافُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ وَمِنَ الْمُنْفَتِحَةِ الْهَمْزَةُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْحَاءُ وَالْقَافُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ وَمِنَ الْمُسْتَعْلِيَةِ الْقَافُ وَالصَّادُ وَالطَّاءُ وَمِنَ الْمُنْخَفِضَةِ الْهَمْزَةُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْعَيْنُ وَالسِّينُ وَالْحَاءُ وَالنُّونُ وَمِنَ الْقَلْقَلَةِ الْقَافُ وَالطَّاءُ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ حُرُوفًا مُفْرَدَةً وَحَرْفَيْنِ حَرْفَيْنِ وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً وَخَمْسَةً لِأَنَّ تَرَاكِيبَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَلَا زِيَادَةَ عَلَى الْخَمْسَةِ. وَقِيلَ هِيَ أَمَارَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ سَيُنْزِلُ عَلَى مُحَمَّدٍ كِتَابًا فِي أَوَّلِ سُوَرٍ مِنْهُ حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ. هَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَفِي بَعْضِهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ فَقِيلَ إِنَّ طه ويس بِمَعْنَى يَا رَجُلُ أَوْ يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا إِنْسَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُعْرَبِ

وَقِيلَ هُمَا اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِهِ: وَيُقَوِّيهِ في يس قراءة يسن بِفَتْحِ النُّونِ وَقَوْلُهُ: {إِلْ يَاسِينَ} وَقِيلَ طه أَيْ طَأِ الْأَرْضَ أَوِ اطْمَئِنَّ فَيَكُونُ فِعْلَ أَمْرٍ وَالْهَاءُ مَفْعُولٌ أَوْ لِلسَّكْتِ أَوْ مُبْدَلَةً مِنَ الْهَمْزَةِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {طه} هُوَ كَقَوْلِكَ افعل وَقِيلَ: {طه} أَيْ يَا بَدْرُ لِأَنَّ الطَّاءَ بِتِسْعَةٍ وَالْهَاءَ بِخَمْسَةٍ فذلك أربعة عشر إِشَارَةً إِلَى الْبَدْرِ لِأَنَّهُ يَتِمُّ فِيهَا ذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِهِ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: {يس} : أَيْ يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَفِي قَوْلِهِ: {ص} مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّهُ. وَقِيلَ أَقْسَمَ بِالصَّمَدِ الصَّانِعِ الصَّادِقِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ صَادِ يَا مُحَمَّدُ عَمَلَكَ بِالْقُرْآنِ أَيْ عَارِضْهُ بِهِ فَهُوَ أَمْرٌ مِنَ الْمُصَادَاةِ وَأَخْرَجَ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: صَادِ حَادِثِ الْقُرْآنَ يَعْنِي انْظُرْ فِيهِ وَأَخْرَجَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا: {صَادِ وَالْقُرْآنِ} يَقُولُ عَارِضِ الْقُرْآنَ وَقِيلَ:: {ص} اسْمُ بَحْرٍ عَلَيْهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ: اسْمُ بَحْرٍ يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَادِ مُحَمَّدٌ قُلُوبَ الْعِبَادِ حَكَاهَا الْكِرْمَانِيُّ كُلَّهَا وَحَكَى فِي قَوْلِهِ: {المص} أَيْ مَعْنَاهُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وَفِي: {حم} أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: {حم} مَا هُوَ كَائِنٌ وفي: {حمعسق} أَنَّهُ جَبَلُ قَافٍ وَقِيلَ: {ق} جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالْأَرْضِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُجَاهِدٍ

وَقِيلَ أَقْسَمَ بِقُوَّةِ قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: هِيَ الْقَافُ مِنْ قَوْلِهِ: {قُضِيَ الأَمْرُ} دَلَّتْ عَلَى بَقِيَّةِ الْكَلِمَةِ وَقِيلَ: مَعْنَاهَا قِفْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَدَاءِ الرِّسَالَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا أمرت حكاهما الْكِرْمَانِيُّ وَقِيلَ: {ن} هُوَ الْحُوتُ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا (أَوَّلُ) مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ وَالْحُوتَ قَالَ: اكْتُبْ قَالَ: مَا أكتب قال: كل شيء كائن إلى يوم الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَرَأَ: {نْ وَالْقَلَمِ} فَالنُّونُ الْحُوتُ وَالْقَافُ الْقَلَمُ. وَقِيلَ هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ مُرْسَلِ ابْنِ قُرَّةَ مَرْفُوعًا وَقِيلَ: هُوَ الدَّوَاةُ أَخْرَجَهُ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَقِيلَ: هُوَ الْمِدَادُ حَكَاهُ ابن قرصة فِي غَرِيبِهِ وَقِيلَ: هُوَ الْقَلَمُ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ عَنِ الْجَاحِظِ وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي مُبْهَمَاتِهِ. وَفِي الْمُحْتَسَبِ لِابْنِ جِنِّي: أَنَّ ابْنَ عباس قرأ: {حمسق} بِلَا عَيْنٍ وَيَقُولُ: السِّينُ كُلُّ فِرْقَةٍ تَكُونُ وَالْقَافُ كُلُّ جَمَاعَةٍ تَكُونُ قَالَ: ابْنُ جِنِّي وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَوَاتِحَ فَوَاصِلٌ بَيْنَ السُّوَرِ وَلَوْ كَانَتْ أَسْمَاءَ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ تَحْرِيفُ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ حِينَئِذٍ أَعْلَامًا وَالْأَعْلَامُ تُؤَدَّى بِأَعْيَانِهَا وَلَا يُحَرَّفُ شَيْءٌ مِنْهَا وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ} الِاسْتِفْهَامُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الْحُرُوفِ عَمَّا بَعْدَهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا.

خَاتِمَةٌ أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ سُؤَالًا وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ لِلْمُحْكَمِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمُتَشَابِهِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ نَقَضْتُمْ أَصْلَكُمْ فِي أَنَّ جَمِيعَ كَلَامِ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَوَاءٌ وَأَنَّهُ مُنَزَّلٌ بِالْحِكْمَةِ وَأَجَابَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَكْرَابَاذِيُّ بِأَنَّ الْمُحْكَمَ كَالْمُتَشَابِهِ مِنْ وَجْهٍ وَيُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَّفِقَانِ فِي أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِمَا لَا يُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ حِكْمَةِ الْوَاضِعِ وَأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ الْقَبِيحَ وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ الْمُحْكَمَ بِوَضْعِ اللُّغَةِ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا الْوَجْهَ الْوَاحِدَ فَمَنْ سَمِعَهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ فِي الْحَالِ وَالْمُتَشَابِهُ يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرَةٍ وَنَظَرٍ لِيَحْمِلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُطَابِقِ وَلِأَنَّ الْمُحْكَمَ أَصْلٌ وَالْعِلْمُ بِالْأَصْلِ أَسْبَقُ وَلِأَنَّ الْمُحْكَمَ يُعْلَمُ مُفَصَّلًا وَالْمُتَشَابِهَ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مُجْمَلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ فِي إِنْزَالِ الْمُتَشَابِهِ مِمَّنْ أَرَادَ لِعِبَادِهِ بِهِ البيان والهدى قلت إِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ عِلْمُهُ فَلَهُ فَوَائِدُ: مِنْهَا الْحَثُّ لِلْعُلَمَاءِ عَلَى النَّظَرِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ بِغَوَامِضِهِ وَالْبَحْثِ عَنْ دَقَائِقِهِ فَإِنَّ اسْتِدْعَاءَ الْهِمَمِ لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ وَمِنْهَا ظُهُورُ التَّفَاضُلِ وَتَفَاوُتُ الدَّرَجَاتِ إِذْ لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُحْكَمًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَنَظَرٍ لَاسْتَوَتْ مَنَازِلُ الْخَلْقِ وَلَمْ يَظْهَرْ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عِلْمُهُ فَلَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا ابْتِلَاءُ الْعِبَادِ بِالْوُقُوفِ عِنْدَهُ وَالتَّوَقُّفِ فِيهِ وَالتَّفْوِيضِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّعَبُّدِ بِالِاشْتِغَالِ بِهِ مِنْ جِهَةِ التِّلَاوَةِ كَالْمَنْسُوخِ وَإِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَإِقَامَةُ

الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ وَلُغَتِهِمْ وَعَجَزُوا عَنِ الْوُقُوفِ عَلَى مَعْنَاهُ مَعَ بَلَاغَتِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ الَّذِي أَعْجَزَهُمْ عَنِ الْوُقُوفِ عَلَى مَعْنَاهُ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: مِنَ الْمُلْحِدَةِ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآنِ لِأَجْلِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْمُتَشَابِهَاتِ وَقَالَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ تَكَالِيفَ الْخَلْقِ مُرْتَبِطَةٌ بِهَذَا الْقُرْآنِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ثُمَّ إِنَّا نَرَاهُ بِحَيْثُ يَتَمَسَّكُ بِهِ صَاحِبُ كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى مَذْهَبِهِ فَالْجَبْرِيُّ مُتَمَسِّكٌ بِآيَاتِ الْجَبْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} وَالْقَدَرِيُّ يَقُولُ: هَذَا مَذْهَبُ الْكُفَّارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ فِي قَوْلِهِ: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} وَمُنْكِرُ الرُّؤْيَةِ مُتَمَسِّكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} وَمُثْبِتُ الْجِهَةِ مُتَمَسِّكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَالنَّافِي مُتَمَسِّكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ثُمَّ يُسَمِّي كُلُّ وَاحِدٍ الْآيَاتِ الْمُوَافَقَةَ لِمَذْهَبِهِ مُحْكَمَةً وَالْآيَاتِ الْمُخَالِفَةَ لَهُ مُتَشَابِهَةً وَإِنَّمَا آلَ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ إِلَى تَرْجِيحَاتٍ خَفِيَّةٍ وَوُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْحَكِيمِ أَنْ يَجْعَلَ الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ الدِّينِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ هَكَذَا؟

قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا لِوُقُوعِ الْمُتَشَابِهِ فِيهِ فَوَائِدَ: مِنْهَا أَنَّهُ يُوجِبُ الْمَشَقَّةَ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْمُرَادِ وَزِيَادَةُ الْمَشَقَّةِ تُوجِبُ مَزِيدَ الثَّوَابِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُحْكَمًا لَمَا كَانَ مُطَابِقًا إِلَّا لِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ وَكَانَ بِصَرِيحِهِ مُبْطِلًا لِكُلِّ مَا سِوَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَذَلِكَ مِمَّا يُنَفِّرُ أَرْبَابَ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ عَنْ قَبُولِهِ وَعَنِ النَّظَرِ فِيهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ طَمِعَ صَاحِبُ كُلِّ مَذْهَبٍ أَنْ يَجِدَ فِيهِ مَا يؤيد مذهبه وينصر مقال: ته فَيَنْظُرُ فِيهِ جَمِيعُ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ وَيَجْتَهِدُ فِي التَّأَمُّلِ فِيهِ صَاحِبُ كُلِّ مَذْهَبٍ وَإِذَا بَالَغُوا فِي ذَلِكَ صَارَتِ الْمُحْكَمَاتُ مُفَسِّرَةً لِلْمُتَشَابِهَاتِ وَبِهَذَا الطرق يَتَخَلَّصُ الْمُبْطِلُ مِنْ بَاطِلِهِ وَيَتَّصِلُ إِلَى الْحَقِّ وَمِنْهَا أَنَّ الْقُرْآنَ إِذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُتَشَابِهِ افْتُقِرَ إِلَى الْعِلْمِ بِطَرِيقِ التَّأْوِيلَاتِ وَتَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَافْتُقِرَ فِي تَعَلُّمِ ذَلِكَ إِلَى تَحْصِيلِ عُلُومٍ كَثِيرَةٍ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَحْصِيلِ هَذِهِ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ فَكَانَ فِي إِيرَادِ الْمُتَشَابِهِ هَذِهِ الْفَوَائِدُ الْكَثِيرَةُ وَمِنْهَا أَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى دَعْوَةِ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ وَطَبَائِعُ الْعَوَامِّ تَنْفِرُ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ عَنْ دَرْكِ الْحَقَائِقِ فَمَنْ سَمِعَ مِنَ الْعَوَامِّ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ إِثْبَاتَ مَوْجُودٍ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا مُتَحَيِّزٍ وَلَا مُشَارٍ إِلَيْهِ ظَنَّ أَنَّ هَذَا عَدَمٌ وَنَفْيٌ فَوَقَعَ التَّعْطِيلُ فَكَانَ الْأَصْلَحَ أَنْ يُخَاطَبُوا بِأَلْفَاظٍ دَالَّةٍ عَلَى بَعْضِ مَا يُنَاسِبُ مَا تَوَهَّمُوهُ وَتَخَيَّلُوهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَخْلُوطًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ الصَّرِيحِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي يُخَاطَبُونَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَكُونُ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي يُكْشَفُ لَهُمْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مِنَ الْمُحْكَمَاتِ.

النوع الرابع والأربعون: في مقدمه ومؤخره

النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: مَا أَشْكَلَ مَعْنَاهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَلَمَّا عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ اتَّضَحَ وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّصْنِيفِ وَقَدْ تَعَرَّضَ السَّلَفُ لِذَلِكَ فِي آيَاتٍ: فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا} قَالَ: هَذَا مِنْ تَقَادِيمِ الْكَلَامِ يقول: " وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ " وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمّىً} قَالَ: هَذَا مِنْ تَقَادِيمِ الْكَلَامِ يَقُولُ: "لَوْلَا كَلِمَةٌ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا" وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً} قَالَ: هَذَا مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ "أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا " وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} قَالَ: هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ أَيْ " رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُتَوَفِّيكَ "

وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} قَالَ: هَذَا مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ يَقُولُ: "لَهُمْ يَوْمَ الْحِسَابِ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا " وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً} قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ مُقَدَّمَةٌ وَمُؤَخَّرَةٌ إِنَّمَا هِيَ" أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَمْ يَنْجُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ "وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} قَالَ: إِنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا اللَّهَ فَقَدْ رَأَوْهُ إِنَّمَا قَالُوا: "جَهْرَةً أَرِنَا اللَّهَ "قَالَ: هُوَ مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي أَنَّ سُؤَالَهُمْ كَانَ جَهْرَةً وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} قَالَ الْبَغَوِيُّ: هَذِهِ أَوَّلُ الْقِصَّةِ وَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا فِي التِّلَاوَةِ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْقَاتِلِ قَبْلَ ذَبْحِ الْبَقَرَةِ وَإِنَّمَا أُخِّرَ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} الآية عَلِمَ الْمُخَاطَبُونَ أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا تُذْبَحُ إِلَّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى قَاتِلٍ خَفِيَتْ عَيْنُهُ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِلْمُ هَذَا فِي نُفُوسِهِمْ أَتْبَعَ بِقَوْلِهِ: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} فَسَأَلْتُمْ مُوسَى فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَمِنْهُ: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} وَالْأَصْلُ "هَوَاهُ إِلَهَهُ " لِأَنَّ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ غَيْرُ مَذْمُومٍ فَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِلْعِنَايَةِ بِهِ

وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} عَلَى تَفْسِيرِ "أَحْوَى" بِالْأَخْضَرِ وَجَعَلَهُ نَعْتًا لِلْمَرْعَى أَيْ أَخْرَجَهُ أَحْوَى وَأُخِّرَ رِعَايَةً لِلْفَاصِلَةِ وَقَوْلُهُ: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} وَالْأَصْلُ "سُودٌ غَرَابِيبُ" لِأَنَّ الْغِرْبِيبَ الشَّدِيدُ السَّوَادِ وَقَوْلُهُ: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا} أَيْ فَبَشَّرْنَاهَا فَضَحِكَتْ وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أَيْ لَهَمَّ بِهَا وَعَلَى هَذَا فَالْهَمُّ مَنْفِيٌّ عَنْهُ الثَّانِي: مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الصَّائِغِ كِتَابَهُ الْمُقَدِّمَةُ فِي سِرِّ الْأَلْفَاظِ الْمُقَدَّمَةِ قَالَ: فِيهِ الْحِكْمَةُ الشَّائِعَةُ الذَّائِعَةُ فِي ذَلِكَ الِاهْتِمَامُ كَمَا قَالَ: سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ كَأَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الَّذِي بَيَانُهُ أَهَمُّ وَهُمْ بِبَيَانِهِ أَعْنَى قَالَ: هَذِهِ الْحِكْمَةُ إِجْمَالِيَّةٌ وَأَمَّا تَفَاصِيلُ أَسْبَابِ التَّقْدِيمِ وَأَسْرَارِهِ فَقَدْ ظَهَرَ لِي مِنْهَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ: التَّبَرُّكُ كَتَقْدِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأُمُورِ ذَاتِ الشَّأْنِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} وَقَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الْآيَةَ. الثَّانِي: التَّعْظِيمُ كَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} {إِنَّ اللَّهَ

وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} الثَّالِثُ: التَّشْرِيفُ كَتَقْدِيمِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى نَحْوَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الْآيَةَ وَالْحُرِّ فِي قَوْلِهِ: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} وَالْحَيِّ فِي قَوْلِهِ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} الْآيَةَ: {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ} وَالْخَيْلِ فِي قَوْلِهِ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} وَالسَّمْعِ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} وَقَوْلِهِ:: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ} وَقَوْلِهِ: {إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} حَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ النَّقَّاشِ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى تَفْضِيلِ السمع والبصر وَلِذَا وَقَعَ فِي وَصْفِهِ تَعَالَى: {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} بِتَقْدِيمِ" السَّمِيعُ" وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نُوحٍ وَمَنْ مَعَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} الْآيَةَ وَتَقْدِيمُ الرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} وَتَقْدِيمُ الْمُهَاجِرِينَ فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} وَتَقْدِيمُ الْإِنْسِ عَلَى الْجِنِّ حَيْثُ ذُكِرَا فِي الْقُرْآنِ وَتَقْدِيمُ النَّبِيِّينَ ثُمَّ الصِّدِّيقِينَ ثُمَّ الشُّهَدَاءِ ثُمَّ الصَّالِحِينَ فِي آيَةِ النِّسَاءِ وَتَقْدِيمُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى إِسْحَاقَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ بِكَوْنِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدِهِ وَأَسَنُّ وَتَقْدِيمُ مُوسَى عَلَى هَارُونَ لِاصْطِفَائِهِ بِالْكَلَامِ وَقَدَّمَ هَارُونَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ طه رِعَايَةً لِلْفَاصِلَةِ وَتَقْدِيمُ جِبْرِيلَ عَلَى مِيكَائِيلَ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَتَقْدِيمُ الْعَاقِلِ عَلَى غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ: {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} {يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} . وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْأَنْعَامِ فِي قَوْلِهِ: {تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ} فَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الزَّرْعِ فَنَاسَبَ تَقْدِيمَ الْأَنْعَامِ بِخِلَافِ آيَةِ "عَبَسَ" فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِيهَا: {فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} فَنَاسَبَ تَقْدِيمَ" لَكُمُ" وَتَقْدِيمُ"الْمُؤْمِنِينَ"عَلَى "الْكُفَّارِ" فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَأَصْحَابِ الْيَمِينِ عَلَى أَصْحَابِ الشِّمَالِ وَالسَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَالشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ حَيْثُ وَقَعَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ: {خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} فَقِيلَ لِمُرَاعَاةِ الْفَاصِلَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ انْتِفَاعَ أَهْلِ السموات الْعَائِدِ عَلَيْهِنَّ الضَّمِيرُ بِهِ أَكْثَرُ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يُقَالُ إِنَّ الْقَمَرَ وَجْهُهُ يُضِيءُ لِأَهْلِ السموات وَظَهْرُهُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فِيهِنَّ} لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ نُورِهِ يُضِيءُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَمِنْهُ تَقْدِيمُ الْغَيْبِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي قَوْلِهِ: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} لِأَنَّ عِلْمَهُ أَشْرَفُ وَأَمَّا: {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} فأخر فيه رعاية للفاصلة الرابع: الْمُنَاسَبَةُ وَهِيَ إِمَّا مُنَاسَبَةُ الْمُتَقَدِّمِ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ:

{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} فَإِنَّ الْجَمَالَ بِالْجَمَالِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا حَالَتَيِ السَّرَاحِ وَالْإِرَاحَةِ إِلَّا أَنَّهَا حَالَةُ إِرَاحَتِهَا وَهُوَ مَجِيئُهَا مِنَ الْمَرْعَى آخِرَ النَّهَارِ يَكُونُ الْجَمَالُ بِهَا أَفْخَرَ إِذْ هِيَ فِيهِ بِطَانٌ وَحَالَةُ سَرَاحِهَا لِلْمَرْعَى أَوَّلَ النَّهَارِ يَكُونُ الْجَمَالُ بِهَا دُونَ الْأَوَّلِ إِذْ هِيَ فِيهِ خِمَاصٌ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} قدم نفي الإسراف لأن الشرف فِي الْإِنْفَاقِ وَقَوْلُهُ: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} لِأَنَّ الصَّوَاعِقَ تَقَعُ مَعَ أَوَّلِ بَرْقَةٍ وَلَا يَحْصُلُ الْمَطَرُ إِلَّا بَعْدَ تَوَالِي الْبَرْقَاتِ وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} قَدَّمَهَا عَلَى الِابْنِ لَمَّا كَانَ السِّيَاقُ فِي ذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الِابْنَ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} وَحَسَّنَهُ تَقَدُّمُ مُوسَى فِي الْآيَةِ قَبْلَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَكُلاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} قَدَّمَ الْحُكْمَ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ سَابِقًا عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِيهِ لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} وَإِمَّا مُنَاسَبَةُ لَفْظٍ هُوَ مِنَ التَّقَدُّمِ أَوِ التَّأَخُّرِ كَقَوْلِهِ: {الأَوَّلُ وَالآخِرُ} {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} {بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} {ثُلَّةٌ مِنَ

الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ} وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى} فَلِمُرَاعَاةِ الْفَاصِلَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ: {جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ} الْخَامِسُ: الْحَثُّ عَلَيْهِ وَالْحَضُّ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ حَذَرًا مِنَ التَّهَاوُنِ بِهِ كَتَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} مَعَ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا شَرْعًا السَّادِسُ: السَّبْقُ وَهُوَ إِمَّا فِي الزَّمَانِ بِاعْتِبَارِ الْإِيجَادِ بِتَقْدِيمِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ وَالظُّلُمَاتِ عَلَى النُّورِ وَآدَمَ عَلَى نُوحٍ وَنُوحٍ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمَ عَلَى مُوسَى وَهُوَ عَلَى عِيسَى وَدَاوُدَ عَلَى سُلَيْمَانَ وَالْمَلَائِكَةَ عَلَى الْبَشَرِ فِي قولهك: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} وَعَادٍ عَلَى ثَمُودَ وَالْأَزْوَاجِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ:: {قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} وَالسِّنَةِ عَلَى النَّوْمِ فِي قَوْلِهِ: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} أَوْ بِاعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ كَقَوْلِهِ: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} أَوْ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ وَالتَّكْلِيفِ نَحْوَ:: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الْآيَةَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} وَلِهَذَا قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"

أَوْ بِالذَّاتِ نَحْوَ: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} وَكَذَا جَمِيعُ الْأَعْدَادِ كُلُّ مَرْتَبَةٍ هِيَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى مَا فَوْقَهَا بِالذَّاتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} فَلِلْحَثِّ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْخَيْرِ السَّابِعُ: السَّبَبِيَّةُ كَتَقْدِيمِ الْعَزِيزِ عَلَى الْحَكِيمِ لِأَنَّهُ عَزَّ فَحَكَمَ وَالْعَلِيمِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِحْكَامَ وَالْإِتْقَانَ نَاشِئٌ عَنِ الْعِلْمِ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْحَكِيمِ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فَلِأَنَّهُ مَقَامُ تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ وَمِنْهُ تَقْدِيمُ الْعِبَادَةِ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ حُصُولِ الْإِعَانَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} لِأَنَّ التَّوْبَةَ سَبَبُ الطَّهَارَةِ: {لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} لِأَنَّ الْإِفْكَ سَبَبُ الْإِثْمِ: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} لِأَنَّ الْبَصَرَ دَاعِيَةٌ إِلَى الْفَرْجِ الثَّامِنُ: الْكَثْرَةُ كَقَوْلِهِ: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} لِأَنَّ الْكُفَّارَ أَكْثَرُ: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} الْآيَةَ قَدَّمَ الظَّالِمَ لِكَثْرَتِهِ ثُمَّ الْمُقْتَصِدَ ثُمَّ السَّابِقَ وَلِهَذَا قَدَّمَ السَّارِقَ عَلَى السَّارِقَةِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ فِي الذُّكُورِ أَكْثَرُ وَالزَّانِيَةَ عَلَى الزَّانِي لِأَنَّ الزِّنَى فِيهِنَّ أَكْثَرُ وَمِنْهُ تَقْدِيمُ الرَّحْمَةِ عَلَى الْعَذَابِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ غَالِبًا وَلِهَذَا وَرَدَ: "إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي" وَقَوْلُهُ: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قَالَ:

ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ إِنَّمَا قَدَّمَ الْأَزْوَاجَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ أَنَّ فِيهِمْ أَعْدَاءً وَوُقُوعُ ذَلِكَ فِي الْأَزْوَاجِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْأَوْلَادِ وَكَانَ أَقْعَدَ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَقُدِّمَ وَلِذَلِكَ قُدِّمَتِ الْأَمْوَالُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} لِأَنَّ الْأَمْوَالَ لَا تَكَادُ تُفَارِقُهَا الْفِتْنَةُ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} وَلَيْسَتِ الْأَوْلَادُ فِي اسْتِلْزَامِ الْفِتْنَةِ مِثْلَهَا فَكَانَ تَقْدِيمُهَا أَوْلَى التَّاسِعُ: التَّرَقِّي مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} الْآيَةَ بَدَأَ بِالْأَدْنَى لِغَرَضِ التَّرَقِّي لِأَنَّ الْيَدَ أَشْرَفُ مِنَ الرِّجْلِ وَالْعَيْنَ أَشْرَفُ مِنَ الْيَدِ وَالسَّمْعَ أَشْرَفُ مِنَ الْبَصَرِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَأْخِيرُ الْأَبْلَغِ وَقَدْ خُرِّجَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الرَّحْمَنِ عَلَى الرَّحِيمِ وَالرَّءُوفِ عَلَى الرَّحِيمِ وَالرَّسُولِ عَلَى النَّبِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً} وَذُكِرَ لِذَلِكَ نُكَتٌ أَشْهَرُهَا مُرَاعَاةُ الْفَاصِلَةِ الْعَاشِرُ: التَّدَلِّي مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً} {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّائِغِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَسْبَابًا أُخَرَ مِنْهَا كَوْنُهُ أَدَلَّ عَلَى الْقُدْرَةِ وَأَعْجَبَ كَقَوْلِهِ: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ}

الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَدَّمَ الْجِبَالَ عَلَى الطَّيْرِ لِأَنَّ تَسْخِيرَهَا لَهُ وَتَسْبِيحَهَا أَعْجَبُ وَأَدَلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ وَأَدْخَلُ فِي الْإِعْجَازِ لِأَنَّهَا جَمَادٌ وَالطَّيْرَ حَيَوَانٌ نَاطِقٍ وَمِنْهَا رِعَايَةُ الْفَوَاصِلِ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا إِفَادَةُ الْحَصْرِ لِلِاخْتِصَاصِ وَسَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالْخَمْسِينَ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُقَدَّمُ لَفْظٌ فِي مَوْضِعٍ وَيُؤَخَّرُ فِي آخَرَ وَنُكْتَةُ ذَلِكَ إِمَّا لِكَوْنِ السِّيَاقِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَقْتَضِي مَا وَقَعَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَإِمَّا لِقَصْدِ الْبَدَاءَةِ وَالْخَتْمِ بِهِ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} الْآيَاتِ وَإِمَّا لِقَصْدِ التَّفَنُّنِ فِي الْفَصَاحَةِ وَإِخْرَاجِ الْكَلَامِ عَلَى عِدَّةِ أَسَالِيبَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} وَقَوْلِهِ: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} وَقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ} وَقَالَ: فِي الْأَنْعَامِ {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} .

النوع الخامس والأربعون: في عامه وخاصه

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي عَامِّهِ وَخَاصِّهِ الْعَامُّ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَصِيغَتُهُ"كُلُّ" مُبْتَدَأَةٌ نَحْوَ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} أَوْ تَابِعَةٌ نَحْوَ:: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} والذي وَالَّتِي وَتَثْنِيَتُهُمَا وَجَمْعُهُمَا نَحْوَ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ كُلُّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} {لَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا} الآية: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} وَأَيُّ وَمَا وَمَنْ شَرْطًا وَاسْتِفْهَامًا وَمَوْصُولًا نَحْوَ: {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}

والجمع الْمُضَافُ نَحْوَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} والمعرف بِأَلْ نَحْوَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} واسم الْجِنْسِ الْمُضَافُ نَحْوَ:: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي كل أمر الله والمعرف بِأَلْ نَحْوَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أَيْ كُلَّ بَيْعٍ: {إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أَيْ كُلَّ إِنْسَانٍ بِدَلِيلِ: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} والنكرة فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالنَّهْيِ نَحْوَ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} وفي سِيَاقِ الشَّرْطِ نَحْوَ:: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} وَفِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ نَحْوَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} فصل الْعَامُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ قَالَ: الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَمِثَالُهُ عَزِيزٌ إذ مامن عَامٍّ إِلَّا وَيُتَخَيَّلُ فِيهِ التَّخْصِيصُ فقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}

قد يخص منه غير المتكلف و: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} خُصَّ مِنْهَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وحرم الربا خُصَّ مِنْهُ الْعَرَايَا وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَأَوْرَدَ مِنْهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً} قُلْتُ: هَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْبُلْقِينِيِّ أَنَّهُ عَزِيزٌ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ وَقَدِ اسْتَخْرَجْتُ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفِكْرِ آيَةً فِيهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَا خُصُوصَ فِيهَا. الثَّانِي: الْعَامُّ المراد به الخصوص. الثَّالِثُ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ وَلِلنَّاسِ بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ أَنَّ الْأَوَّلَ: لَمْ يُرَدْ شُمُولُهُ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ لَا مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ ذُو أَفْرَادٍ اسْتُعْمِلَ فِي فَرْدٍ مِنْهَا وَالثَّانِي: أُرِيدَ عُمُومُهُ وَشُمُولُهُ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهَا لَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَوَّلَ مَجَازٌ قَطْعًا لِنَقْلِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ فِيهِ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ

وَجَمِيعُ الْحَنَابِلَةِ وَنَقَلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ: الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إِنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لِلْبَعْضِ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ كَتَنَاوُلِهِ لَهُ بِلَا تَخْصِيصٍ وَذَلِكَ التَّنَاوُلُ حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقًا فَلْيَكُنْ هَذَا التَّنَاوُلُ حَقِيقِيًّا أَيْضًا وَمِنْهَا أَنَّ قَرِينَةَ الْأَوَّلِ عَقْلِيَّةٌ وَالثَّانِي لَفْظِيَّةٌ وَمِنْهَا أَنَّ قَرِينَةَ الْأَوَّلِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَقَرِينَةَ الثَّانِي قَدْ تَنْفَكُّ عَنْهُ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ به واحدا اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ قَوْلُهُ تَعَالَى:: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} وَالْقَائِلُ وَاحِدٌ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ أَوْ أَعْرَابِيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَثِيرٍ فِي تَثْبِيطِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُلَاقَاةِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَاحِدٌ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} فوقعت الإشارة بقوله"ذلكم"إِلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى جَمْعًا لَقَالَ: "إِنَّمَا أُولَئِكُمُ الشَّيْطَانُ" فَهَذِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي اللَّفْظِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} أَيْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَمْعِهِ مَا فِي النَّاسِ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قال إبراهيم: وَمِنَ الْغَرِيبِ قِرَاءَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِي " قَالَ فِي

الْمُحْتَسَبِ يَعْنِي آدَمَ لِقَوْلِهِ "فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ له عزما " وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} أَيْ جِبْرِيلُ كَمَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا الْمَخْصُوصُ فَأَمْثِلَتُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنَ الْمَنْسُوخِ إِذْ مَا مِنْ عَامٍّ إِلَّا وَقَدْ خُصَّ ثُمَّ الْمُخَصِّصُ لَهُ إِمَّا مُتَّصِلٌ وَإِمَّا مُنْفَصِلٌ فَالْمُتَّصِلُ خَمْسَةٌ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ: أَحَدُهَا الِاسْتِثْنَاءُ نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاِّ الَّذِينَ تَابُوا} {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} إِلَى قَوْلِهِ: {إِلاَّ مَنْ تَابَ} {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} . الثَّانِي: الْوَصْفُ نَحْوَ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} الثَّالِثُ: الشَّرْطُ نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ}

الرَّابِعُ: الْغَايَةُ نَحْوَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} إِلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} الآية وَالْخَامِسُ: بَدَلُ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ نَحْوَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وَالْمُنْفَصِلُ آيَةٌ أُخْرَى فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ حَدِيثٌ أَوْ إِجْمَاعٌ أَوْ قِيَاسٌ وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} خُصَّ بِقَوْلِهِ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} وَبِقَوْلِهِ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَقَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} خُصَّ مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكُ بِقَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} ، وَمِنَ الدَّمِ الْجَامِدِ بِقَوْلِهِ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} وَقَوْلُهُ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} الْآيَةَ خُصَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}

وَقَوْلُهُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} خُصَّ بِقَوْلِهِ: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} وَقَوْلُهُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} خُصَّ بِقَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْحَدِيثِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} خُصَّ مِنْهُ الْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ بِالسُّنَّةِ: {وَحَرَّمَ الرِّبا} خُصَّ مِنْهُ الْعَرَايَا بِالسُّنَّةِ وَآيَاتُ الْمَوَارِيثِ خُصَّ مِنْهَا الْقَاتِلُ وَالْمُخَالِفُ فِي الدِّينِ بِالسُّنَّةِ وَآيَةُ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ خُصَّ مِنْهَا الْجَرَادُ بِالسُّنَّةِ وَآيَةُ: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} خُصَّ مِنْهَا الْأَمَةُ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُهُ: {مَاءً طَهُوراً} خُصَّ مِنْهُ الْمُتَغَيِّرُ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُهُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} خُصَّ مِنْهُ مَنْ سَرَقَ دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ بِالسُّنَّةِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْإِجْمَاعِ آيَةُ الْمَوَارِيثِ خُصَّ مِنْهَا الرَّقِيقُ فَلَا يَرِثُ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْقِيَاسِ آيَةُ الزِّنَا: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}

خُصَّ مِنْهَا الْعَبْدُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي قَوْلِهِ: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} الْمُخَصِّصِ لِعُمُومِ الْآيَةِ ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ أَيْضًا. فَصْلٌ مِنْ خَاصِّ الْقُرْآنِ مَا كَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ السُّنَّةِ وَهُوَ عَزِيزٌ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَقَوْلُهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} خص عموم نهيه عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ بِإِخْرَاجِ الْفَرَائِضِ وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} الْآيَةَ خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ" وَقَوْلُهُ: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ" وقوله: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِالسَّيْفِ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ".

فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْأَوَّلُ: إِذَا سِيقَ الْعَامُّ لِلْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ فَهَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ فِيهِ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا نَعَمْ إِذْ لَا صَارِفَ عَنْهُ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعُمُومِ وَبَيْنَ الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّعْمِيمِ بَلْ لِلْمَدْحِ أَوْ لِلذَّمِّ. وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ فَيَعُمُّ إِنْ لَمْ يُعَارِضْهُ عَامٌّ آخَرَ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ وَلَا يَعُمُّ إِنْ عَارَضَهُ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا مِثَالُهُ وَلَا مُعَارِضَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} وَمَعَ الْمَعَارِضِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فَإِنَّهُ سِيقَ لِلْمَدْحِ وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ جَمْعًا وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِجَمْعِهِمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ يُسَقْ لِلْمَدْحِ فَحُمِلَ الْأَوَّلُ: عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُرَدْ تَنَاوُلُهُ لَهُ وَمِثَالُهُ فِي الذَّمِّ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ سِيقَ لِلذَّمِّ وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْحُلِيَّ الْمُبَاحَ: وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ: " لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ " فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ

الثَّانِي: اخْتُلِفَ فِي الْخِطَابِ الْخَاصِّ به نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} هَلْ يَشْمَلُ الْأُمَّةَ فَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّ أَمْرَ الْقُدْوَةِ أَمْرٌ لِأَتْبَاعِهِ مَعَهُ عُرْفًا وَالْأَصَحُّ فِي الْأُصُولِ الْمَنْعُ لِاخْتِصَاصِ الصِّيغَةِ بِهِ الثَّالِثُ: اخْتُلِفَ فِي الْخِطَابِ ب " يأيها النَّاسُ" هَلْ يَشْمَلُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَذَاهِبَ: أَصَحُّهَا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: نَعَمْ لِعُمُومِ الصِّيغَةِ لَهُ، أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إِذَا قَالَ: اللَّهُ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا افْعَلُوا " فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ لِتَبْلِيغِ غَيْرِهِ وَلِمَا لَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ. وَالثَّالِثُ: إِنِ اقْتَرَنَ بِ"قُلْ"لَمْ يَشْمَلْهُ لِظُهُورِهِ فِي التَّبْلِيغِ وَذَلِكَ قَرِينَةُ عَدَمِ شُمُولِهِ وَإِلَّا فَيَشْمَلُهُ الرَّابِعُ: الْأَصَحُّ فِي الْأُصُولِ أن الخطاب" يأيها النَّاسُ" يَشْمَلُ الْكَافِرَ وَالْعَبْدَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَقِيلَ: لَا يَعُمُّ الْكَافِرَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ وَلَا الْعَبْدَ لِصَرْفِ مَنَافِعِهِ إِلَى سَيِّدِهِ شَرْعًا الْخَامِسُ: اخْتُلِفَ فِي" مَنْ" هَلْ تَتَنَاوَلُ الْأُنْثَى فَالْأَصَحُّ نَعَمْ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} فَالتَّفْسِيرُ بِهِمَا دَالٌّ عَلَى تَنَاوُلِ"مِنْ" لَهُمَا وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ}

وَاخْتُلِفَ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ هَلْ يَتَنَاوَلُهَا فَالْأَصَحُّ لَا وَإِنَّمَا يَدْخُلْنَ فِيهِ بِقَرِينَةٍ أَمَّا الْمُكَسَّرُ فَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِنَّ فِيهِ. السَّادِسُ: اختلف في الخطاب" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ" هَلْ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ فَالْأَصَحُّ لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ قَاصِرٌ عَلَى مَنْ ذُكِرَ وَقِيلَ إن شركوهم فِي الْمَعْنَى شَمِلَهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتُلِفَ فِي الخطاب ب "يأيها الَّذِينَ آمَنُوا " هَلْ يَشْمَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ فَقِيلَ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ وَقِيلَ نَعَمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: "يأيها الَّذِينَ آمَنُوا " خِطَابُ تَشْرِيفٍ لَا تَخْصِيصٍ.

النوع السادس والأربعون: في مجمله ومبينه

النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُجْمَلِهِ وَمُبَيَّنِهِ الْمُجْمَلُ مالم تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ وَهُوَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَفِي جَوَازِ بَقَائِهِ مُجْمَلًا أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا لَا يَبْقَى الْمُكَلَّفُ بِالْعَمَلِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِلْإِجْمَالِ أَسْبَابٌ: مِنْهَا الِاشْتِرَاكُ نَحْوَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} فَإِنَّ الْقُرْءَ مَوْضُوعٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} يَحْتَمِلُ الزَّوْجَ وَالْوَلِيَّ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَمِنْهَا: الْحَذْفُ نَحْوَ: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} يَحْتَمِلُ"فِي"وَ"عَنْ"وَمِنْهَا: اخْتِلَافُ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ نَحْوَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} يَحْتَمِلُ عَوْدُ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي"يَرْفَعُهُ"إِلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ"إِلَيْهِ" وَهُوَ اللَّهُ وَيَحْتَمِلُ عَوْدُهُ إِلَى الْعَمَلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ وَيَحْتَمِلُ عَوْدُهُ إِلَى الْكَلِمِ الطَّيِّبِ: أَيْ أَنَّ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ وَهُوَ التَّوْحِيدُ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَمَلُ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ

وَمِنْهَا احْتِمَالُ الْعَطْفِ وَالِاسْتِئْنَافِ نَحْوَ: {إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ} وَمِنْهَا غَرَابَةُ اللَّفْظِ نَحْوَ: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} ومنها عدم كثرة الاستعمال الآن نحو: {يُلْقُونَ السَّمْعَ} أي يسمعون: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} أَيْ مُتَكَبِّرًا: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} أَيْ نَادِمًا وَمِنْهَا: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ نَحْوَ: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمّىً} أَيْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا: {يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أَيْ يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا كَأَنَّكَ حَفِيٌّ وَمِنْهَا قَلْبُ الْمَنْقُولِ نَحْوَ: {وَطُورِ سِينِينَ} أَيْ سَيْنَاءَ: {عَلَى إِلْ يَاسِينَ} أَيْ عَلَى إِلْيَاسَ وَمِنْهَا التَّكْرِيرُ الْقَاطِعُ لِوَصْلِ الْكَلَامِ فِي الظَّاهِرِ نَحْوَ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ منهم. فَصْلٌ قَدْ يَقَعُ التَّبْيِينُ مُتَّصِلًا نَحْوَ: {مِنَ الْفَجْرِ} بَعْدَ قَوْلِهِ: {الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} وَمُنْفَصِلًا فِي آيَةٍ أُخْرَى نَحْوَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى

تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} بعد قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} فَإِنَّهَا بَيَّنَتْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّلَاقُ الَّذِي يملك الرَّجْعَةُ بَعْدَهُ وَلَوْلَاهَا لَكَانَ الْكُلُّ مُنْحَصِرًا فِي الطَّلْقَتَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي رزين الأسدي قَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ قَالَ: التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ مَرَّتَيْنِ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ قَالَ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَوْلُهُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} دال على جواز الرؤية ويفسره أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} لَا تُحِيطُ بِهِ دُونَ" لَا تَرَاهُ " وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} لَا تُحِيطُ بِهِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الرُّؤْيَةِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} فَقَالَ أَلَسْتَ تَرَى السَّمَاءَ أَفَكُلُّهَا تُرَى وَقَوْلُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} الْآيَةَ فَسَّرَهُ قَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فَسَّرَهُ قَوْلُهُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ} الآية

وَقَوْلُهُ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} فَسَّرَهُ قَوْلُهُ: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً} فَسَّرَهُ قَوْلُهُ فِي آيَةِ النَّحْلِ: {بِالأُنْثَى} وَقَوْلُهُ: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} قَالَ الْعُلَمَاءُ: بَيَانُ هَذَا الْعَهْدِ قَوْلُهُ: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي} إِلَى آخِرِهِ فَهَذَا عَهْدُهُ وَعَهْدُهُمْ {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} إِلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بَيَّنَهُ قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} الْآيَةَ وَقَدْ يَقَعُ التَّبْيِينُ بِالسُّنَّةِ مِثْلَ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَمَقَادِيرَ نُصُبِ الزَّكَوَاتِ فِي أَنْوَاعِهَا. تَنْبِيهٌ اخْتُلِفَ فِي آيَاتٍ هَلْ هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ أَوْ لَا مِنْهَا آيَةُ السَّرِقَةِ قِيلَ إِنَّهَا مُجْمَلَةٌ فِي الْيَدِ لِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْعُضْوِ إِلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ وَفِي الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبَانَةِ وَعَلَى الْجُرْحِ

وَلَا ظُهُورَ لِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِبَانَةُ الشَّارِعِ مِنَ الْكُوعِ تُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ وَقِيلَ لَا إِجْمَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْقَطْعَ ظَاهِرٌ فِي الإبانة ومنها {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} قِيلَ إِنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَمَسْحُ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ وَقِيلَ لَا وَإِنَّمَا هِيَ لِمُطْلَقِ الْمَسْحِ الصَّادِقِ بِأَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَيُفِيدُهُ وَمِنْهَا: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} قِيلَ: مُجْمَلَةٌ لِأَنَّ إِسْنَادَ التَّحْرِيمِ إِلَى الْعَيْنِ لا يصح لأن إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأُمُورٍ لَا حَاجَةَ إِلَى جَمِيعِهَا وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا وَقِيلَ لَا لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَهُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِوَطْءٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا عُلِّقَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ بِالْأَعْيَانِ وَمِنْهَا {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} قِيلَ: إِنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِأَنَّ الرِّبَا الزِّيَادَةُ وَمَا مِنْ بَيْعٍ إِلَّا وَفِيهِ زِيَادَةٌ فَافْتَقَرَ إِلَى بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الْبَيْعَ مَنْقُولٌ شَرْعًا فَحُمِلَ عَلَى عُمُومِهِ مالم يَقُمْ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا عَامَّةٌ فَإِنَّ لَفْظَهَا لَفْظُ عُمُومٍ يَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ وَيَقْتَضِي إِبَاحَةَ جَمِيعِهَا إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بُيُوعٍ كَانُوا يَعْتَادُونَهَا وَلَمْ يُبَيِّنِ الْجَائِزَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ تَنَاوَلَتْ إِبَاحَةَ جَمِيعِ الْبُيُوعِ إِلَّا مَا خُصَّ مِنْهَا فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَخْصُوصَ قَالَ: فَعَلَى هَذَا فِي الْعُمُومِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَإِنْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَيَانَ فِي الثَّانِي مُتَقَدِّمٌ عَلَى اللَّفْظِ وَفِي الْأَوَّلِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ مُقْتَرِنٌ بِهِ. قَالَ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ فِي الْمَسَائِلِ المختلف فيها ما لم يقم دَلِيلُ تَخْصِيصٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَا يُعْقَلُ مِنْهَا صِحَّةُ بَيْعٍ مِنْ فَسَادِهِ إِلَّا بِبَيَانِ النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا أَمْ بِعَارِضِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْبُيُوعِ وَجْهَانِ: وَهَلِ الْإِجْمَالُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ دُونَ لَفْظِهَا لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ اسْمٌ لُغَوِيٌّ مَعْنَاهُ مَعْقُولٌ لَكِنْ لَمَّا قَامَ بِإِزَائِهِ مِنَ السُّنَّةِ مَا يُعَارِضُهُ تَدَافَعُ الْعُمُومَانِ وَلَمْ يَتَعَيَّنِ الْمُرَادُ إِلَّا بِبَيَانِ السُّنَّةِ فَصَارَ مَحَلًّا لِذَلِكَ دُونَ اللَّفْظِ أَوْ فِي اللَّفْظِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَكَانَتْ لَهُ شَرَائِطُ غَيْرَ مَعْقُولَةٍ فِي اللُّغَةِ كَانَ مُشْكِلًا أَيْضًا وَجْهَانِ. قَالَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَجُوزُ الاستدال بِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْمُجْمَلِ حَيْثُ جَازَ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَلَمْ يَجُزِ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِ الْمُجْمَلِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا عَامَّةٌ مُجْمَلَةٌ مَعًا قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْعُمُومَ فِي اللَّفْظِ وَالْإِجْمَالَ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا مَخْصُوصًا، وَالْمَعْنَى مُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعُمُومَ فِي: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَالْإِجْمَالَ فِي {وَحَرَّمَ الرِّبا} وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ مُجْمَلًا فَلَمَّا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ عَامًّا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْمُجْمَلِ قَبْلَ الْبَيَانِ وَفِي الْعُمُومِ بَعْدَ الْبَيَانِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِهَا فِي الْبُيُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا تَنَاوَلَتْ بَيْعًا مَعْهُودًا وَنَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ أَحَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُيُوعًا وَحَرَّمَ بُيُوعًا فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِهَا انْتَهَى وَمِنْهَا الْآيَاتُ الَّتِي فِيهَا الْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ نَحْوَ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} قِيلَ إِنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِاحْتِمَالِ الصَّلَاةِ لِكُلِّ دُعَاءٍ وَالصَّوْمِ لِكُلِّ إِمْسَاكٍ وَالْحَجِّ لِكُلِّ قَصْدٍ وَالْمُرَادُ بِهَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ اللُّغَةُ فَافْتَقَرَ إِلَى الْبَيَانِ. وَقِيلَ لَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى كُلِّ مَا ذُكِرَ إِلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ. تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: مِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ الْمُجْمَلَ وَالْمُحْتَمَلَ بِإِزَاءِ شَيْءٍ وَاحِدٍ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُجْمَلَ اللَّفْظُ الْمُبْهَمُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ وَالْمُحْتَمَلَ اللَّفْظُ الْوَاقِعُ بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مَفْهُومَيْنِ فَصَاعِدًا سَوَاءً كَانَ حَقِيقَةً فِي كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُحْتَمَلَ يَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ مَعْرُوفَةٍ وَاللَّفْظُ مُشْتَرِكٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا وَالْمُبْهَمَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُفَوِّضْ لِأَحَدٍ بَيَانَ الْمُجْمَلِ بِخِلَافِ الْمُحْتَمَلِ.

النوع السابع والأربعون: في ناسخه ومنسوخه

النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَأَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَمَكِّيٌّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَآخَرُونَ قَالَ الْأَئِمَّةُ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَ كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ مِنْهُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وقد قال علي لقاض: أَتَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ قَالَ: لَا قَالَ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ وَفِي هَذَا النَّوْعِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَرِدُ النَّسْخُ بِمَعْنَى الْإِزَالَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} وَبِمَعْنَى التَّبْدِيلِ وَمِنْهُ: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} وَبِمَعْنَى التَّحْوِيلِ كَتَنَاسُخِ الْمَوَارِيثِ بِمَعْنَى تَحْوِيلِ الْمِيرَاثِ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ وَبِمَعْنَى النَّقْلِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَمِنْهُ نَسَخْتُ الْكِتَابَ إِذَا نَقَلْتُ مَا فِيهِ حَاكِيًا لِلَفْظِهِ وَخَطِّهِ

قَالَ مَكِّيٌّ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ وَأَنْكَرَ عَلَى النَّحَّاسِ إِجَازَتَهُ ذَلِكَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّاسِخَ فِيهِ لَا يَأْتِي بِلَفْظِ الْمَنْسُوخِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِي بِلَفْظٍ آخَرَ وَقَالَ السَّعِيدِيُّ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ النَّحَّاسُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وَقَالَ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا نَزَلَ مِنَ الْوَحْيِ نُجُومًا جَمِيعُهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} الثَّانِيَةُ: النَّسْخُ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ لِحِكَمٍ مِنْهَا التَّيْسِيرُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهِ وَأَنْكَرَهُ الْيَهُودُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ بَدَاءٌ كَالَّذِي يَرَى الرَّأْيَ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ كَالْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْإِمَاتَةِ وَعَكْسِهِ وَالْمَرَضِ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَعَكْسِهِ وَالْفَقْرِ بَعْدَ الْغِنَى وَعَكْسِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَدَاءً فكذا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فَقِيلَ لَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ إِلَّا بِقُرْآنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} قَالُوا: وَلَا يَكُونُ مِثْلَ الْقُرْآنِ وَخَيْرًا مِنْهُ إِلَّا قُرْآنٌ وَقِيلَ: بَلْ يُنْسَخُ الْقُرْآنُ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهَا أَيْضًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} وَجُعِلَ مِنْهُ آيَةُ الْوَصِيَّةِ الْآتِيَةُ.

وَالثَّالِثُ: إِذَا كَانَتِ السُّنَّةُ بِأَمْرِ اللَّهِ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ نَسَخَتْ وَإِنْ كَانَتْ بِاجْتِهَادٍ فَلَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْثُ وَقَعَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ فَمَعَهَا قُرْآنٌ عَاضِدٌ لَهَا وَحَيْثُ وَقَعَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ فَمَعَهُ سُنَّةٌ عَاضِدَةٌ لَهُ لِيَتَبَيَّنَ تَوَافُقُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ بُسِطَتْ فُرُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي الْأُصُولِ الثَّالِثَةُ: لَا يَقَعُ النَّسْخُ إِلَّا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلَوْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ أَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْنَى الطَّلَبِ فَلَا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ وَمِنْهُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ عَرَفْتَ فَسَادَ صُنْعِ مَنْ أَدْخَلَ فِي كُتُبِ النَّسْخِ كَثِيرًا مِنْ آيَاتِ الْإِخْبَارِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الرَّابِعَةُ: النَّسْخُ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: نَسْخُ الْمَأْمُورِ بِهِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ وَهُوَ النَّسْخُ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَآيَةِ النَّجْوَى. الثَّانِي: مَا نُسِخَ مِمَّا كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا كَآيَةِ شَرْعِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ أَوْ كَانَ أُمِرَ بِهِ أَمْرًا جُمْلِيًّا كَنَسْخِ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْكَعْبَةِ وَصَوْمِ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ وَإِنَّمَا يُسَمَّى هَذَا نَسْخًا تَجَوُّزًا. الثَّالِثُ: مَا أُمِرَ بِهِ لِسَبَبٍ ثُمَّ يَزُولُ السَّبَبُ كَالْأَمْرِ حِينَ الضَّعْفِ وَالْقِلَّةِ بِالصَّبْرِ وَالصَّفْحِ ثُمَّ نُسِخَ بِإِيجَابِ الْقِتَالِ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ نَسْخًا بَلْ هُوَ مِنْ قِسْمِ الْمُنْسَإِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ نُنْسِهَا} فَالْمُنْسَأُ هُوَ الْأَمْرُ

بِالْقِتَالِ إِلَى أَنْ يَقْوَى الْمُسْلِمُونَ وَفِي حَالِ الضَّعْفِ يَكُونُ الْحُكْمُ وُجُوبَ الصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا لَهِجَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ فِي ذَلِكَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنَ الْمُنْسَإِ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ وَرَدَ يَجِبُ امْتِثَالُهُ فِي وَقْتٍ مَا لِعِلَّةٍ يقتضي ذَلِكَ الْحُكْمَ ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِ تِلْكَ الْعِلَّةِ إِلَى حُكْمٍ آخَرَ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ إِنَّمَا النَّسْخُ الْإِزَالَةُ لِلْحُكْمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ امْتِثَالُهُ وَقَالَ مَكِّيٌّ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ مَا وَرَدَ فِي الْخِطَابِ مُشْعِرٌ بِالتَّوْقِيتِ وَالْغَايَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ لِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ بِأَجَلٍ وَالْمُؤَجَّلُ بِأَجَلٍ لَا نَسْخَ فِيهِ. الْخَامِسَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ سُوَرُ الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَقْسَامٌ: قِسْمٌ لَيْسَ فِيهِ نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَيُوسُفَ وَيس وَالْحُجُرَاتِ وَالرَّحْمَنِ وَالْحَدِيدِ وَالصَّفِّ وَالْجُمُعَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْمُلْكِ وَالْحَاقَّةِ وَنُوحٍ وَالْجِنِّ وَالْمُرْسَلَاتِ وَعَمَّ وَالنَّازِعَاتِ وَالِانْفِطَارِ وَثَلَاثٍ بَعْدَهَا وَالْفَجْرِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ إِلَّا التين والعصر والكافرين وَقِسْمٌ فِيهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ الْبَقَرَةُ وَثَلَاثٌ بَعْدَهَا وَالْحَجُّ وَالنُّورُ وَتَالِيَاهَا وَالْأَحْزَابُ وَسَبَأٌ وَالْمُؤْمِنُ وَالشُّورَى وَالذَّارِيَاتُ وَالطُّورُ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُجَادَلَةُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُدَّثِّرُ وَكُوِّرَتْ وَالْعَصْرِ وَقِسْمٌ فِيهِ النَّاسِخُ فَقَطْ وَهُوَ سِتٌّ الْفَتْحُ وَالْحَشْرُ وَالْمُنَافِقُونَ وَالتَّغَابُنُ وَالطَّلَاقُ، وَالْأَعْلَى.

وَقِسْمٌ فِيهِ الْمَنْسُوخُ فَقَطْ وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ الْبَاقِيَةُ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا سَيَأْتِي السَّادِسَةُ: قَالَ مَكِّيٌّ النَّاسِخُ أَقْسَامٌ فَرْضٌ نَسَخَ فَرْضًا وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْأَوَّلِ كَنَسْخِ الْحَبْسِ لِلزَّوَانِي بِالْحَدِّ وَفَرْضٌ نَسَخَ فَرْضًا وَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْأَوَّلِ كَآيَةِ الْمُصَابَرَةِ وَفَرْضٌ نَسَخَ نَدْبًا كَالْقِتَالِ كَانَ نَدْبًا ثُمَّ صَارَ فَرْضًا وَنَدْبٌ نَسَخَ فَرْضًا كَقِيَامِ اللَّيْلِ نُسِخَ بِالْقِرَاءَةِ فِي قَوْلِهِ: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} السَّابِعَةُ: النَّسْخُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ مَعًا قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ " عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ "، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي قَوْلِهَا: " وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ " فَإِنَّ ظَاهِرَهُ بَقَاءُ التِّلَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ: قَارَبَ الْوَفَاةَ أَوْ أَنَّ التِّلَاوَةَ نُسِخَتْ أَيْضًا وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ كُلَّ النَّاسِ إِلَّا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَؤُهَا. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: نَزَلَتْ ثُمَّ رُفِعَتْ

وَقَالَ مَكِّيٌّ: هَذَا الْمِثَالُ فِيهِ الْمَنْسُوخُ غَيْرُ مَتْلُوٍّ وَالنَّاسِخُ أَيْضًا غَيْرُ مَتْلُوٍّ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ نَظِيرًا انْتَهَى. الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا نُسِخَ حُكْمُهُ دُونَ تِلَاوَتِهِ وَهَذَا الضَّرْبُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ وَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَلِيلٌ جِدًّا وَإِنْ أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ تِعْدَادِ الْآيَاتِ فِيهِ فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ بَيَّنَ ذَلِكَ وَأَتْقَنَهُ وَالَّذِي أَقُولُهُ: أَنَّ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُكْثِرُونَ أَقْسَامٌ قِسْمٌ لَيْسَ مِنَ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ وَلَا مِنَ التَّخْصِيصِ وَلَا لَهُ بِهِمَا عَلَاقَةٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} و {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالُوا: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بَاقٍ أَمَّا الْأُولَى فَإِنَّهَا خَبَرٌ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْإِنْفَاقِ وَذَلِكَ يَصْلُحُ أَنْ يُفَسَّرَ بِالزَّكَاةِ وَبِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَهْلِ وَبِالْإِنْفَاقِ فِي الْأُمُورِ الْمَنْدُوبَةِ كَالْإِعَانَةِ وَالْإِضَافَةِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ يَصْلُحُ حَمْلُهَا عَلَى الزَّكَاةِ وَقَدْ فُسِّرَتْ بِذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} قِيلَ إِنَّهَا مِمَّا نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ أَبَدًا لَا يَقْبَلُ هَذَا الْكَلَامُ النَّسْخَ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْأَمْرَ بِالتَّفْوِيضِ وَتَرْكِ الْمُعَاقَبَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَقَرَةِ: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} عَدَّهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمَنْسُوخِ بِآيَةِ السَّيْفِ وَقَدْ غَلَّطَهُ ابْنُ الْحَصَّارِ بِأَنَّ الْآيَةَ حِكَايَةٌ عَمَّا أَخَذَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْمِيثَاقِ فَهُوَ خَبَرٌ لَا نَسْخَ فِيهِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَقِسْمٌ هُوَ مَنْ قِسْمِ الْمَخْصُوصِ لَا مِنْ قِسْمِ الْمَنْسُوخِ وَقَدِ اعْتَنَى ابْنُ

الْعَرَبِيِّ بِتَحْرِيرِهِ فَأَجَادَ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي خُصَّتْ بِاسْتِثْنَاءٍ أَوْ غَايَةٍ وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ أَدْخَلَهَا فِي الْمَنْسُوخِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} قِيلَ إِنَّهُ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِ وَقِسْمٌ رَفَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا أَوْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي الْقُرْآنِ كَإِبْطَالِ نِكَاحِ نِسَاءِ الْآبَاءِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَحَصْرِ الطَّلَاقِ فِي الثَّلَاثِ وَهَذَا إِدْخَالُهُ فِي قِسْمِ النَّاسِخِ قَرِيبٌ وَلَكِنَّ عَدَمَ إِدْخَالِهِ أَقْرَبُ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ عُدَّ فِي النَّاسِخِ لَعُدَّ جَمِيعُ الْقُرْآنِ مِنْهُ إِذْ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ رَافِعٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ قَالُوا وَإِنَّمَا حَقُّ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَنْ تَكُونَ آيَةٌ نَسَخَتْ آيَةً انْتَهَى. نَعَمْ النَّوْعُ الْأَخِيرُ مِنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ مَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِدْخَالُهُ أَوْجَهُ مِنَ الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ إذا عملت ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُكْثِرُونَ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مَعَ آيَاتِ الصَّفْحِ وَالْعَفْوِ إِنْ قُلْنَا إِنَّ آيَةَ السَّيْفِ لَمْ تَنْسَخْهَا وَبَقِيَ مِمَّا يَصْلُحُ لِذَلِكَ عَدَدٌ يَسِيرٌ وَقَدْ أَفْرَدْتُهُ بِأَدِلَّتِهِ فِي تَأْلِيفٍ لَطِيفٍ وَهَا أَنَا أُورِدُهُ هُنَا مُحَرَّرًا فَمِنَ الْبَقَرَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ قِيلَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَقِيلَ: بِحَدِيثِ " أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " وَقِيلَ بِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} قِيلَ: مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَقِيلَ: مَحْكَمَةٌ وَ" لَا " مُقَدَّرَةٌ وَقَوْلُهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا الْمُوَافَقَةُ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ بَعْدَ النَّوْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَحَكَى قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ نَسْخٌ لِمَا كَانَ بِالسُّنَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} الْآيَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} وَالْوَصِيَّةُ مَنْسُوخَةٌ بِالْمِيرَاثِ وَالسُّكْنَى ثَابِتَةٌ عِنْدَ قَوْمٍ مَنْسُوخَةٌ عِنْدَ آخَرِينَ بِحَدِيثِ "وَلَا سُكْنَى "وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}

وَمِنْ آلِ عِمْرَانَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} وقيل: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وَقِيلَ لَا بَلْ هُوَ مُحْكَمٌ وَلَيْسَ فِيهَا آيَةٌ يَصِحُّ فِيهَا دَعْوَى النَّسْخِ غَيْرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمِنَ النِّسَاءِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} الْآيَةَ قِيلَ: مَنْسُوخَةٌ وَقِيلَ: لَا وَلَكِنْ تَهَاوَنَ النَّاسُ فِي الْعَمَلِ بِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} الآية مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ النُّورِ وَمِنَ الْمَائِدَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} مَنْسُوخَةٌ بِإِبَاحَةِ الْقِتَالِ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَمِنَ الْأَنْفَالِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} الْآيَةَ منسوخة بالآية بعدها ومن براءة: قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} منسوخة بآيات العذر وهوقوله: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} الْآيَتَيْنِ وَبِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} وَمِنَ النُّورِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}

قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الْآيَةَ قِيلَ مَنْسُوخَةٌ وَقِيلَ لَا وَلَكِنْ تَهَاوَنَ النَّاسُ فِي الْعَمَلِ بِهَا وَمِنَ الْأَحْزَابِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الْآيَةَ الْمُجَادَلَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا} الآية مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ بَعْدَهَا وَمِنَ الْمُمْتَحِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} قِيلَ: مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَقِيلَ: بِآيَةِ الْغَنِيمَةِ وَقِيلَ: مُحْكَمٌ وَمِنَ الْمُزَّمِّلِ: قَوْلُهُ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} قِيلَ مَنْسُوخٌ بِآخِرِ السُّورَةِ ثُمَّ نُسِخَ الْآخِرُ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَهَذِهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ آيَةً مَنْسُوخَةً عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا لَا يَصِحُّ دَعْوَى

النَّسْخِ فِي غَيْرِهَا وَالْأَصَحُّ فِي آيَةِ الِاسْتِئْذَانِ وَالْقِسْمَةِ الْإِحْكَامُ فَصَارَتْ تسعة عَشْرَ وَيُضَمُّ إِلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} عَلَى رَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية فَتَمَّتْ عِشْرُونَ. وَقَدْ نَظَمْتُهَا فِي أَبْيَاتٍ فَقُلْتُ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْمَنْسُوخِ مِنْ عَدَدٍ وَأَدْخَلُوا فِيهِ آيًا لَيْسَ تَنْحَصِرُ وَهَاكَ تَحْرِيرُ آيٍ لَا مَزِيدَ لَهَا عِشْرِينَ حَرَّرَهَا الْحُذَّاقُ وَالْكُبَرُ آيُ التَّوَجُّهِ حَيْثُ الْمَرْءِ كَانَ وَأَنْ يُوصِيَ لِأَهْلِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ مُحْتَضِرُ وَحُرْمَةُ الْأَكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ مِنْ رَفَثٍ وَفِدْيَةٌ لِمُطِيقِ الصَّوْمِ مُشْتَهِرُ وَحَقَّ تَقْوَاهُ فِيمَا صَحَّ مِنْ أَثَرٍ وَفِي الْحَرَامِ قِتَالٌ لِلْأُلَى كَفَرُوا وَالِاعْتِدَادُ بِحَوْلٍ مَعْ وَصِيَّتِهَا وَأَنْ يُدَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْفِكَرُ وَالْحِلْفُ وَالْحَبْسُ لِلزَّانِي وَتَرْكُ أُولَى كَفَرُوا شَهَادَتِهِمْ وَالصَّبْرُ وَالنَّفَرُ وَمَنْعُ عَقْدٍ لِزَانٍ أَوْ لِزَانِيَةٍ وماعلى الْمُصْطَفَى فِي الْعَقْدِ مُحْتَظَرُ وَدَفْعُ مَهْرٍ لِمَنْ جاءت وآية نجواه كَذَاكَ قِيَامُ اللَّيْلِ مُسْتَطَرُ وَزِيدَ آيَةُ الِاسْتِئْذَانِ مَنْ مَلَكْتَ وَآيَةُ الْقِسْمَةِ الْفُضْلَى لِمَنْ حَضَرُوا فَإِنْ قُلْتَ مَا الْحِكْمَةُ فِي رَفْعِ الْحُكْمِ وَبَقَاءِ التِّلَاوَةِ: فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْآنَ كَمَا يُتْلَى لِيُعْرَفَ الْحُكْمُ مِنْهُ وَالْعَمَلُ بِهِ فَيُتْلَى لِكَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ فَيُثَابُ عَلَيْهِ فَتُرِكَتِ التِّلَاوَةُ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ النَّسْخَ غَالِبًا يَكُونُ لِلتَّخْفِيفِ فَأُبْقِيَتِ التِّلَاوَةُ تَذْكِيرًا لِلنِّعْمَةِ ورفع المشقة أما مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ نَاسِخًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ أَوْ كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا أَوْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ أَيْضًا قَلِيلُ الْعَدَدِ كَنَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِآيَةِ الْقِبْلَةِ وَصَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ حَرَّرْتُهَا فِي كِتَابِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ. فَوَائِدُ مَنْثُورَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَاسِخٌ إِلَّا وَالْمَنْسُوخُ قَبْلَهُ فِي التَّرْتِيبِ إِلَّا فِي آيَتَيْنِ: آيَةِ الْعِدَّةِ فِي الْبَقَرَةِ وَقَوْلِهِ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} تَقَدَّمَ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَالِثَةً: وَهِيَ آيَةُ الْحَشْرِ في الفئ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْأَنْفَالِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} وَزَادَ قَوْمٌ رَابِعَةً: وَهِيَ قَوْلُهُ: {خُذِ الْعَفْوَ} يَعْنِي الْفَضْلَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الصَّفْحِ عَنِ الْكُفَّارِ وَالتَّوَلِّي وَالْإِعْرَاضِ وَالْكَفِّ عَنْهُمْ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَهِيَ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية نَسَخَتْ مِائَةً وَأَرْبَعًا وَعِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ نَسَخَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَقَالَ أَيْضًا: مِنْ عَجِيبِ الْمَنْسُوخِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ}

الْآيَةَ فَإِنَّ أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا وَهُوَ: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} مَنْسُوخٌ وَوَسَطَهَا مُحْكَمٌ وَهُوَ: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} وَقَالَ: مِنْ عَجِيبِهِ أَيْضًا آيَةٌ أَوَّلُهَا مَنْسُوخٌ وَآخِرُهَا نَاسِخٌ وَلَا نَظِيرَ لَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يَعْنِي بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَهَذَا نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} وَقَالَ السَّعِيدِيُّ: لَمْ يَمْكُثْ مَنْسُوخٌ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} الْآيَةَ مَكَثَتْ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى نَسَخَهَا أَوَّلُ الْفَتْحِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَكَرَ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَلَامَةَ الضَّرِيرُ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} الْآيَةَ إِنَّ الْمَنْسُوخَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ {وَأَسِيراً} وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَسِيرُ الْمُشْرِكِينَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَابْنَتُهُ تَسْمَعُ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَتْ لَهُ أَخْطَأْتَ يَا أَبَتِ قَالَ وَكَيْفَ قَالَتْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْأَسِيرَ يُطْعَمُ وَلَا يُقْتَلُ جُوعًا فَقَالَ: صَدَقْتِ وَقَالَ شَيْذَلَةُ فِي الْبُرْهَانِ: يَجُوزُ نَسْخُ النَّاسِخِ فَيَصِيرُ مَنْسُوخًا كَقَوْلِهِ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ثُمَّ نَسَخَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ لَا نَاسِخٌ.

نَعَمْ يُمَثَّلُ لَهُ بِأَخِرِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ فَإِنَّهُ نَاسِخٌ لِأَوَّلِهَا مَنْسُوخٌ بِفَرْضِ الصَّلَوَاتِ وَقَوْلُهُ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} نَاسِخٌ لِآيَاتِ الْكَفِّ مَنْسُوخٌ بِآيَاتِ الْعُذْرِ وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي مَيْسَرَةَ قَالَا لَيْسَ فِي الْمَائِدَةِ مَنْسُوخٌ وَيُشْكِلُ بِمَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} منسوخ بقوله وأن {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ نَسْخُ الْقِبْلَةِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ أَوَّلُ آيَةٍ نُسِخَتْ مِنَ الْقُرْآنِ الْقِبْلَةُ ثُمَّ الصِّيَامُ الْأَوَّلُ قَالَ مَكِّيٌّ: وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَقَعْ فِي الْمَكِّيِّ نَاسِخٌ قَالَ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي آيَاتٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ غَافِرٍ: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} فَإِنَّهُ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} قُلْتُ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ نَسْخُ قِيَامِ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ بِآخِرِهَا أَوْ بِإِيجَابِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ اتِّفَاقًا.

تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: إِنَّمَا يُرْجَعُ فِي النَّسْخِ إِلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ يَقُولُ آيَةُ كَذَا نَسَخَتْ كَذَا قَالَ: وَقَدْ يُحْكَمُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ التَّعَارُضِ الْمَقْطُوعِ بِهِ مِنْ عِلْمِ التَّارِيخِ لِيُعْرَفَ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ قَالَ: وَلَا يُعْتَمَدُ فِي النَّسْخِ قَوْلُ عَوَامِّ الْمُفَسِّرِينَ بَلْ وَلَا اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ صَحِيحٍ وَلَا مُعَارِضَةٍ بَيِّنَةٍ لِأَنَّ النَّسْخَ يَتَضَمَّنُ رَفْعَ حُكْمٍ وَإِثْبَاتَ حُكْمٍ تَقَرَّرَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ النَّقْلُ وَالتَّارِيخُ دُونَ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ طَرَفَيْ نَقِيضٍ فَمِنْ قَائِلٍ لَا يُقْبَلُ فِي النَّسْخِ أَخْبَارُ الْآحَادِ الْعُدُولِ وَمِنْ مُتَسَاهِلٍ يَكْتَفِي فِيهِ بِقَوْلِ مُفَسِّرٍ أَوْ مُجْتَهِدٍ وَالصَّوَابُ خِلَافُ قَوْلِهِمَا انْتَهَى. الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ فِيهِ سُؤَالًا وَهُوَ مَا الْحِكْمَةُ فِي رَفْعِ التِّلَاوَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ وَهَلَّا بَقِيَتِ التِّلَاوَةُ لِيَجْتَمِعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا وَأَجَابَ صَاحِبُ الْفُنُونِ: بِأَنَّ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ بِهِ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَيُسْرِعُونَ بِأَيْسَرِ شَيْءٍ كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ إِلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ وَالْمَنَامُ أَدْنَى طَرِيقِ الْوَحْيِ وَأَمْثِلَةُ هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرَةٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: قَدْ أَخَذْتُ

الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَمَا يُدْرِيهِ مَا كُلُّهُ قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ قُرْآنٌ كَثِيرٌ وَلَكِنْ لِيَقُلْ قَدْ أَخَذْتُ مِنْهُ مَا ظَهَرَ وَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ تُقْرَأُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَتَيْ آيَةٍ فَلَمَّا كَتَبَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ لَمْ يُقَدَّرْ مِنْهَا إِلَّا عَلَى مَا هُوَ الْآنَ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عن زز بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ كَأَيٍّ تَعُدُّ سُورَةَ الْأَحْزَابِ قُلْتُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ آيَةً أَوْ ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ آيَةً قَالَ إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَإِنْ كُنَّا لَنَقْرَأُ فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ قُلْتُ وَمَا آيَةُ الرجم قال: " إذا زنا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ." وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّ خَالَتَهُ قَالَتْ: لَقَدْ أَقْرَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ الرَّجْمِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ بِمَا قَضَيَا مِنَ اللَّذَّةِ." وَقَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ أَبِي يُونُسَ قَالَتْ قَرَأَ عَلَيَّ أَبِي وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ " إِنَّ اللَّهَ وملائكته يصلون على النبي يأيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَعَلَى الَّذِينَ يُصَلُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ " قَالَتْ قَبْلَ: أَنْ يُغَيِّرَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ.

وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَتَيْنَاهُ فَعَلَّمَنَا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَالَ فَجِئْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: "إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَلَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ لَهُ الثَّانِي لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا الثَّالِثُ وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ." وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} وَمِنْ بَقِيَّتِهَا " لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ سَأَلَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ فَأُعْطِيهِ سَأَلَ ثَانِيًا وَإِنْ سَأَلَ ثَانِيًا فَأُعْطِيهِ سَأَلَ ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ وَإِنَّ ذَاتَ الدِّينِ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ غَيْرُ الْيَهُودِيَّةِ وَلَا النَّصْرَانِيَّةِ وَمَنْ يَعْمَلْ خَيْرًا فَلَنْ يُكْفَرَهُ " وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أبي حرب ابن أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ نَزَلَتْ سُورَةٌ نَحْوَ بَرَاءَةَ ثُمَّ رُفِعَتْ وَحُفِظَ مِنْهَا " أَنَّ اللَّهَ سَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ وَلَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى وَادِيًا ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ " وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كُنَّا نقرأ سورة نشبهها الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِينَاهَا غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ منها " يأيها الذين آمنوا لا تقولوا مالا تَفْعَلُونَ فَتُكْتَبَ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ سعيد عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ

عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ كُنَّا نَقْرَأُ " لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ " ثُمَّ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَكَذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ وَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا " أَنْ جَاهِدُوا كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " فَإِنَّا لَا نَجِدُهَا قَالَ: أُسْقِطَتْ فِيمَا أُسْقِطَ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الْكَلَاعِيِّ أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ: أَخْبِرُونِي بِآيَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يُكْتَبَا فِي الْمُصْحَفِ فَلَمْ يُخْبِرُوهُ وَعِنْدَهُمْ أَبُو الْكَنُّودِ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ مَسْلَمَةُ " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَلَا أَبْشِرُوا أَنْتُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ آوَوْهُمْ وَنَصَرُوهُمْ وَجَادَلُوا عَنْهُمُ الْقَوْمَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أُولَئِكَ لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ إن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَرَأَ رَجُلَانِ سُورَةً أَقْرَأَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَا يَقْرَآنِ بِهَا فَقَامَا ذَاتَ لَيْلَةٍ يُصَلِّيَانِ فَلَمْ يَقْدِرَا مِنْهَا عَلَى حَرْفٍ فَأَصْبَحَا غَادِيَيْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنَّهَا مِمَّا نُسِخَ فَالْهُوَا عَنْهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ الَّذِينَ قُتِلُوا وَقَنَتَ يَدْعُو عَلَى قَاتِلِيهِمْ قَالَ أَنَسٌ وَنَزَلَ فِيهِمْ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ حَتَّى رُفِعَ " أَنْ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ مَا تَقْرَءُونَ رُبُعَهَا يَعْنِي بَرَاءَةَ

قَالَ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُنَادِي فِي كِتَابِهِ" النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" وَمِمَّا رُفِعَ رَسْمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُرْفَعْ مِنَ الْقُلُوبِ حِفْظُهُ سُورَتَا الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ وَتُسَمَّى سُورَتَيِ الْخَلْعِ وَالْحَفْدِ. تَنْبِيهٌ حَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ قَوْمٍ: إِنْكَارَ هَذَا الضَّرْبِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِيهِ أَخْبَارُ آحَادٍ وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ عَلَى إِنْزَالِ قُرْآنٍ ونسخه بأخار آحَادٍ لَا حُجَّةَ فِيهَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ نَسْخُ الرَّسْمِ وَالتِّلَاوَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُنْسِيَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَيَرْفَعَهُ مِنْ أَوْهَامِهِمْ وَيَأْمُرَهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ تِلَاوَتِهِ وَكَتْبِهِ فِي الْمُصْحَفِ فَيَنْدَرِسُ عَلَى الْأَيَّامِ كَسَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} وَلَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ مِنْهَا شَيْءٌ ثُمَّ لَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ لَا يَكُونُ مَتْلُوًّا فِي الْقُرْآنِ أَوْ يَمُوتُ وَهُوَ مَتْلُوٌّ مَوْجُودٌ بِالرَّسْمِ ثُمَّ يُنْسِيهِ اللَّهُ النَّاسَ وَيَرْفَعُهُ مِنْ أَذْهَانِهِمْ وَغَيْرُ جَائِزٍ نَسْخُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي قَوْلِ عُمَرَ: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا يَعْنِي آيَةَ الرَّجْمِ ظَاهِرُهُ أَنَّ كِتَابَتَهَا جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ قَوْلُ النَّاسِ وَالْجَائِزُ فِي نَفْسِهِ قَدْ يَقُومُ مِنْ خَارِجِ مَا يَمْنَعُهُ فَإِذَا كَانَتْ جَائِزَةً

لَزِمَ أَنَّ تَكُونَ ثَابِتَةً لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْمَكْتُوبِ وَقَدْ يُقَالُ لَوْ كَانَتِ التِّلَاوَةُ بَاقِيَةً لَبَادَرَ عُمَرُ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَقَالَةِ النَّاسِ، لِأَنَّ مَقَالَةَ النَّاسِ لَا تَصْلُحُ مَانِعًا وَبِالْجُمْلَةِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ مُشْكِلَةٌ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِهِ وَإِنْ ثَبَتَ الْحُكْمُ وَمِنْ هُنَا أَنْكَرَ ابْنُ ظَفَرٍ فِي " الْيَنْبُوعِ " عَدَّ هَذَا مِمَّا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ قَالَ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُثْبِتُ الْقُرْآنَ قَالَ وَإِنَّمَا هذا الْمُنْسَأِ لَا النَّسْخِ وَهُمَا مِمَّا يَلْتَبِسَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُنْسَأَ لَفْظُهُ قَدْ يُعْلَمُ حُكْمُهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: " لَعَلَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ مَرْدُودٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ من طريق كثير بن الصامت قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ يَكْتُبَانِ الْمُصْحَفَ فَمَرَّا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ زَيْدٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ " فَقَالَ عُمَرُ: لَمَّا نَزَلَتْ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَكْتُبُهَا فَكَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ إِذَا زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ جُلِدَ وَأَنَّ الشَّابَّ إِذَا زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ السَّبَبُ فِي نَسْخِ تِلَاوَتِهَا لِكَوْنِ الْعَمَلِ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ عُمُومِهَا قُلْتُ: وَخَطَرَ لِي فِي ذَلِكَ نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ وَهُوَ أَنَّ سَبَبَهُ التَّخْفِيفُ عَلَى الْأُمَّةِ بِعَدَمِ اشْتِهَارِ تِلَاوَتِهَا وَكِتَابَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا بَاقِيًا لِأَنَّهُ

أَثْقَلُ الْأَحْكَامِ وَأَشَدُّهَا، وَأَغْلَظُ الْحُدُودِ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى نَدْبِ السَّتْرِ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَلَا تَكْتُبُهَا فِي الْمُصْحَفِ؟ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّابَّيْنِ الثَّيِّبَيْنِ يُرْجَمَانِ وَلَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أَكْفِيكُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُبْ لِي آيَةَ الرَّجْمِ قَالَ: لَا تَسْتَطِيعُ قَوْلُهُ: "اكْتُبْ لِي" أَيْ ائْذَنْ لِي فِي كِتَابَتِهَا أَوْ مَكِّنِّي مِنْ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ لا تشكوا فِي الرَّجْمِ فَإِنَّهُ حَقٌّ وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَهُ فِي الْمُصْحَفِ فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ أَلَيْسَ أَتَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَقْرِئُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعْتَ فِي صَدْرِي وَقُلْتَ تَسْتَقْرِئُهُ آيَةَ الرَّجْمِ وَهُمْ يَتَسَافَدُونَ تَسَافُدِ الْحُمُرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ السَّبَبِ فِي رَفْعِ تِلَاوَتِهَا وَهُوَ الِاخْتِلَافُ. تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ فِي هَذَا النَّوْعِ: إِنْ قِيلَ كَيْفَ يَقَعُ النَّسْخُ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} وَهَذَا إِخْبَارٌ لَا يَدْخُلُهُ خُلْفٌ فَالْجَوَابُ أَنْ نقول كُلُّ مَا ثَبَتَ الْآنَ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُنْسَخْ فَهُوَ بَدَلٌ مِمَّا قَدْ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَكُلُّ مَا نَسَخَهُ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا لَا نَعْلَمُهُ الْآنَ فَقَدْ أَبْدَلَهُ بِمَا عَلِمْنَاهُ وَتَوَاتَرَ إِلَيْنَا لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ.

النوع الثامن والأربعون: في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض

النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُشْكِلِهِ وَمُوهِمِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَاقُضِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ قُطْرُبٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُوهِمُ التَّعَارُضَ بَيْنَ الْآيَاتِ، وَكَلَامُهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} ، وَلَكِنْ قَدْ يَقَعُ لِلْمُبْتَدِئِ مَا يُوهِمُ اخْتِلَافًا وَلَيْسَ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَاحْتِيجَ لِإِزَالَتِهِ، كَمَا صَنَّفَ فِي مُخْتَلَفِ الْحَدِيثِ وَبَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحُكِيَ عَنْهُ التَّوَقُّفُ فِي بَعْضِهَا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: رَأَيْتُ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا هُوَ؟ أَشَكٌّ قَالَ: لَيْسَ بِشَكٍّ وَلَكِنَّهُ اخْتِلَافٌ، قَالَ: هَاتِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وَقَالَ: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} فَقَدْ كَتَمُوا وَأَسْمَعُهُ يَقُولُ {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} ثُمَّ قَالَ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} وقال: {لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} حتى بلغ {طَائِعِينَ} ثُمَّ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} ثُمَّ قَالَ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} وأسمعه يقول: {كَانَ اللَّهُ} ما شأنه يقول: {كَانَ اللَّهُ}

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا قَوْلُهُ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ اللَّهَ يغفر الذُّنُوبَ وَلَا يَغْفِرُ شِرْكًا، وَلَا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، جَحَدَهُ الْمُشْرِكُونَ رَجَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ فَقَالُوا: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا" وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} فَإِنَّهُ إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السموات وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَإِنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ وَكَانَتِ السَّمَاءُ دُخَانًا فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سموات فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ خَلْقِ الْأَرْضِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} ، يَقُولُ: جَعَلَ فِيهَا جَبَلًا، وَجَعَلَ فِيهَا نَهْرًا وَجَعَلَ فِيهَا شَجَرًا، وَجَعَلَ فِيهَا بُحُورًا وَأَمَّا قَوْلُهُ: {كَانَ اللَّهُ} فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ عَلِيمٌ قَدِيرٌ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَمَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ يُشْبِهُ مَا ذَكَرْتُ لَكَ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ أَصَابَ الَّذِي أَرَادَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ: حَاصِلٌ ما فِيهِ السُّؤَالُ عَنْ أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ:

الْأَوَّلُ: نَفْيُ الْمَسْأَلَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِثْبَاتُهَا. الثَّانِي: كِتْمَانُ الْمُشْرِكِينَ حَالَهُمْ وَإِفْشَاؤُهُ. الثَّالِثُ: خَلْقُ الْأَرْضِ أَوِ السَّمَاءِ أَيُّهُمَا تَقَدَّمَ الرَّابِعُ: الْإِتْيَانُ بِحَرْفِ"كَانَ " الدَّالَّةِ عَلَى الْمُضِيِّ مَعَ أَنَّ الصِّفَةَ لَازِمَةٌ. وَحَاصِلُ جَوَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ نَفْيَ الْمُسَاءَلَةِ فِيمَا قَبْلَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ وَإِثْبَاتَهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنِ الثَّانِي، أَنَّهُمْ يَكْتُمُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ وَجَوَارِحُهُمْ وَعَنِ الثَّالِثِ، أَنَّهُ بَدَأَ خَلْقَ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ ثُمَّ خلق السموات فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَعَلَ فِيهَا الرَّوَاسِيَ وَغَيْرَهَا فِي يَوْمَيْنِ، فَتِلْكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ لِلْأَرْضِ وَعَنِ الرَّابِعِ، بِأَنَّ"كَانَ"وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَاضِي لَكِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ الِانْقِطَاعَ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ جَاءَ فِيهِ تَفْسِيرٌ آخَرُ، أَنَّ نَفْيَ الْمُسَاءَلَةِ عِنْدَ تَشَاغُلِهِمْ بِالصَّعْقِ وَالْمُحَاسَبَةِ وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ وَإِثْبَاتُهَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ السُّدِّيِّ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفْيَ الْمُسَاءَلَةِ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى وَإِثْبَاتَهَا بَعْدَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ مَسْعُودٍ نَفْيَ الْمُسَاءَلَةِ عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ طَلَبُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ الْعَفْوَ فَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ قَالَ أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَادَى أَلَا إن هذا فُلَانٍ فَمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ قِبَلَهُ فَلْيَأْتِ قَالَ فَتَوَدُّ الْمَرْأَةُ يَوْمَئِذٍ

أَنْ يَثْبُتَ لَهَا حَقٌّ عَلَى أَبِيهَا أَوِ ابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا أَوْ زَوْجِهَا فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يومئذ ولا يتساءلون وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى قَالَ: لَا يُسْأَلُ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ بِنَسَبٍ شَيْئًا وَلَا يَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَلَا يَمُتُّ بِرَحِمٍ وَأَمَّا الثَّانِي، فَقَدْ وَرَدَ بِأَبْسَطَ مِنْهُ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ: أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَوْلُ اللَّهِ: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فَقَالَ: إِنِّي أَحْسَبُكَ قُمْتَ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِكَ فَقُلْتَ لَهُمْ آتِي ابْنَ عَبَّاسٍ أُلْقِي عَلَيْهِ مُتَشَابِهَ الْقُرْآنِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ إِذَا جَمَعَ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا مِمَّنْ وَحَّدَهُ فَيَسْأَلُهُمْ فَيَقُولُونَ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} قَالَ فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُسْتَنْطَقُ جَوَارِحُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَفِيهِ: ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فيقول يا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَيُثْنِي مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُولُ: الْآنَ نبعث شاهدا عليك فيذكر فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَتَنْطِقُ جوارحه" أما الثَّالِثُ، فَفِيهِ أَجْوِبَةٌ أُخْرَى، مِنْهَا أَنَّ"ثُمَّ"بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا إِيرَادَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَرْتِيبُ الْخَبَرِ لَا الْمُخْبَرُ بِهِ كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} وقيل: على بابها وهي لتعارف مَا بَيْنَ الْخَلْقَيْنِ لَا لِلتَّرَاخِي فِي الزَّمَانِ وَقِيلَ: "خَلَقَ" بِمَعْنَى "قَدَّرَ"

وَأَمَّا الرَّابِعُ، وَجَوَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ فَيَحْتَمِلُ كَلَامُهُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ سَمَّى نَفْسَهُ "غَفُورًا رَحِيمًا" وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مَضَتْ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ انْقَضَى. وَأَمَّا الصِّفَتَانِ فَلَا تَزَالَانِ كَذَلِكَ لَا يَنْقَطِعَانِ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ أَوِ الرَّحْمَةَ فِي الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ وَقَعَ مُرَادُهُ قَالَهُ الشَّمْسُ الْكَرْمَانِيُّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَجَابَ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ وَانْتَهَتْ وَالصِّفَةُ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالْآخَرُ أَنَّ مَعْنَى "كَانَ" الدَّوَامُ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ كَذِلَكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ السُّؤَالُ عَلَى مَسْلَكَيْنِ وَالْجَوَابُ عَلَى دَفْعِهِمَا كَأَنْ يُقَالَ هَذَا اللَّفْظُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَغْفِرُ لَهُ أَوْ يَرْحَمُ وَبِأَنَّهُ لَيْسَ في الحال كذلك لما يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ "كَانَ" وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ كَانَ فِي الْمَاضِي تُسَمَّى بِهِ وَعَنِ الثَّانِي،: بِأَنَّ "كَانَ" تُعْطِي مَعْنَى الدَّوَامِ وَقَدْ قَالَ النُّحَاةُ: كَانَ لِثُبُوتِ خَبَرِهَا مَاضِيًا دَائِمًا أَوْ مُنْقَطِعًا. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يَهُودِيًّا قَالَ لَهُ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا فَكَيْفَ هُوَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِهِ عَزِيزًا حَكِيمًا مَوْضِعٌ آخَرُ تَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو عبيدة حدثنا إسماعيل

ابن إبراهيم عن أيوب عن ابن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} وَقَوْلِهِ: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُمَا يَوْمَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَادَ: "مَا أَدْرِي مَا هُمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِيهِمَا مَا لَا أَعْلَمُ" قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَضُرِبَتِ الْبَعِيرُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا حَضَرْتُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ لِلسَّائِلِ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدِ اتَّقَى أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا وَهُوَ أَعْلَمُ مِنِّي. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ يَوْمَ الْأَلْفِ هُوَ مِقْدَارُ سَيْرِ الْأَمْرِ وَعُرُوجِهِ إِلَيْهِ وَيَوْمَ الْأَلْفِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ هُوَ أَحَدُ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خلق الله فيها السموات وَيَوْمَ الْخَمْسِينَ أَلْفًا هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: حَدِّثْنِي مَا هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وَ {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} فَقَالَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ حِسَابُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ والسموات فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ كُلُّ يَوْمٍ يَكُونُ أَلْفَ سَنَةٍ وَ {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا} قَالَ: ذَلِكَ مِقْدَارُ الْمَسِيرِ

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بهما يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ حَالِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ بدليل قوله: {وْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} فصل قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ لِلِاخْتِلَافِ أَسْبَابٌ: أَحَدُهَا: وُقُوعُ الْمُخْبَرِ بِهِ على أنواع مُخْتَلِفَةٍ وَتَطْوِيرَاتٍ شَتَّى كَقَوْلِهِ فِي خَلْقِ آدَمَ: {مِنْ تُرَابٍ} ومرة: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} ومرة {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} ومرة {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} فَهَذِهِ أَلْفَاظٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَانِيهَا فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّ الصَّلْصَالَ غَيْرُ الحمإ والحمأ غيرالتراب إِلَّا أَنَّ مَرْجِعَهَا كُلَّهَا إِلَى جَوْهَرٍ وَهُوَ التُّرَابُ وَمِنَ التُّرَابِ تدرجت هَذِهِ الْأَحْوَالُ وَكَقَوْلِهِ {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ} وَفِي مَوْضِعٍ: {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} وَالْجَانُّ الصَّغِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ وَالثُّعْبَانُ الْكَبِيرُ مِنْهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ خَلْقَهَا خَلْقُ الثُّعْبَانِ الْعَظِيمِ وَاهْتِزَازَهَا وَحَرَكَتَهَا وَخِفَّتَهَا كَاهْتِزَازِ الْجَانِّ وَخِفَّتِهِ. الثَّانِي: لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ كَقَوْلِهِ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ}

وَقَوْلُهُ: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} مَعَ قَوْلِهِ: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} قَالَ الْحَلِيمِيُّ: فَتُحْمَلُ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى السُّؤَالِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَتَصْدِيقِ الرُّسِلِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْإِقْرَارُ بِالنُّبُوَّاتِ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ لِأَنَّ فِي الْقِيَامَةِ مَوَاقِفَ كَثِيرَةً فَفِي مَوْضِعٍ يُسْأَلُونَ وَفِي آخَرَ لَا يُسْأَلُونَ وَقِيلَ إِنَّ السُّؤَالَ الْمُثْبَتَ سُؤَالُ تَبْكِيتٍ وَتَوْبِيخٍ وَالْمَنْفِيَّ سُؤَالُ الْمَعْذِرَةِ وَبَيَانِ الْحُجَّةِ وَكَقَوْلِهِ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} مَعَ قَوْلِهِ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} حَمَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذُلِيُّ الْآيَةَ الْأَوْلَى عَلَى التَّوْحِيدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهَا: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْأَعَمَالِ وَقِيلَ: بَلِ الثَّانِيَةُ نَاسِخَةٌ لِلْأُولَى وَكَقَوْلِهِ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} مَعَ قَوْلِهِ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} فَالْأُولَى تُفْهِمُ إِمْكَانَ الْعَدْلِ وَالثَّانِيَةُ تَنْفِيهِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْأُولَى فِي تَوْفِيَةِ الْحُقُوقِ وَالثَّانِيَةَ فِي الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الِإِنْسَانِ وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} مَعَ قَوْلِهِ: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} فَالْأُولَى فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَالثَّانِيَةُ فِي الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ وَالتَّقْدِيرِ.

الثَّالِثُ: لِاخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَتَيِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} أُضِيفَ الْقَتْلُ إِلَيْهِمْ وَالرَّمْيُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِهَةِ الْكَسْبِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَنَفَاهُ عَنْهُمْ وَعَنْهُ بِاعْتِبَارِ التَّأْثِيرِ: الرَّابِعُ: لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَقَوْلِهِ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} أَيْ سُكَارَى مِنَ الْأَهْوَالِ مَجَازًا لَا مِنَ الشَّرَابِ حَقِيقَةً. الْخَامِسُ: بِوَجْهَيْنِ وَاعْتِبَارَيْنِ كَقَوْلِهِ: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} مَعَ قَوْلِهِ: {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} قَالَ قُطْرُبٌ فَبَصَرُكَ أَيْ عِلْمُكَ وَمَعْرِفَتُكَ بِهَا قَوِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَصُرَ بِكَذَا أَيْ عَلِمَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُؤْيَةَ الْعَيْنِ قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} وَكَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} مَعَ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ الْوَجَلَ خِلَافُ الطُّمَأْنِينَةِ وَجَوَابُهُ: أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ تَكُونُ بِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ وَالْوَجَلُ يَكُونُ عِنْدَ خَوْفِ الزَّيْغِ وَالذَّهَابِ عَنِ الهدى فتوجه الْقُلُوبُ لِذَلِكَ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}

وَمِمَّا اسْتَشْكَلُوهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً} فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْمَانِعِ مِنَ الْإِيمَانِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ: وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً} فَهَذَا حَصْرٌ آخَرُ فِي غَيْرِهِمَا وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الْأَوْلَى: " وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِلَّا إِرَادَةُ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْخَسْفِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا فِي الْآخِرَةِ " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهُمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ مَانِعَةٌ مِنْ وُقُوعِ مَا يُنَافِي الْمُرَادَ فَهَذَا حَصْرٌ فِي السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَانِعُ فِي الْحَقِيقَةِ وَمَعْنَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: " وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِلَّا اسْتِغْرَابُ بَعْثِهِ بَشَرًا رَسُولًا "لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ مَانِعًا مِنَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَابِ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمَانِعِيَّةِ وَاسْتِغْرَابُهُمْ لَيْسَ مَانِعًا حَقِيقِيًّا بَلْ عَادِيًّا لِجَوَازِ وُجُودِ الْإِيمَانِ مَعَهُ بِخِلَافِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا حَصْرٌ فِي الْمَانِعِ الْعَادِيِّ وَالْأَوَّلُ حَصْرٌ فِي الْمَانِعِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَنَافِيَ أَيْضًا وَمِمَّا اسْتَشْكَلَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} مَعَ قَوْلِهِ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِفْهَامِ

هُنَا النَّفْيُ وَالْمَعْنَى: "لَا أَحَدَ أَظْلَمُ" فَيَكُونُ خَبَرًا وَإِذَا كَانَ خَبَرًا وَأُخِذَتِ الْآيَاتُ عَلَى ظَوَاهِرِهَا أدى إلى لتناقص وَأُجِيبُ بِأَوْجُهٍ: مِنْهَا تَخْصِيصُ كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَعْنَى صِلَتِهِ أَيْ لَا أحد من المعاندين أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَا أَحَدَ مِنَ الْمُفْتَرِينَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وإذا تخصص بالصلات زَالَ التَنَاقُضُ. وَمِنْهَا: أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّبْقِ لَمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَحَدٌ إِلَى مِثْلِهِ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَظْلَمُ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ سَالِكًا طَرِيقَهُمْ وَهَذَا يَئُولُ مَعْنَاهُ إِلَى مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ السَّبْقُ إِلَى الْمَانِعِيَّةِ وَالِافْتِرَائِيَّةِ. وَمِنْهَا - وَادَّعَى أَبُو حَيَّانَ أَنَّهُ الصَّوَابُ أَنَّ نَفْيَ الْأَظْلَمِيَّةِ لَا يَسْتَدْعِي نَفْيَ الظَّالِمِيَّةِ لِأَنَّ نَفْيَ الْمُقَيَّدِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُطْلَقِ وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الظَّالِمِيَّةِ لَمْ يَلْزَمِ التَّنَاقُضُ لِأَنَّ فِيهَا إِثْبَاتَ التَّسْوِيَةِ فِي الْأَظْلَمِيَّةِ وَإِذَا ثَبَتَتِ التَّسْوِيَةُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ وُصِفَ بِذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُمْ يَتَسَاوَوْنَ فِي الْأَظْلَمِيَّةِ وَصَارَ الْمَعْنَى لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى وممن مَنَعَ وَنَحْوُهَا وَلَا إِشْكَالَ فِي تَسَاوِي هَؤُلَاءِ فِي الْأَظْلَمِيَّةِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ هَؤُلَاءِ أَظْلَمُ مِنَ الْآخَرِ كَمَا إِذَا قُلْتَ: لَا أَحَدَ أَفْقَهُ مِنْهُمْ انْتَهَى. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ نَفْيَ التَّفْضِيلِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا اسْتِفْهَامٌ مَقْصُودٌ بِهِ التَّهْوِيلُ وَالتَّفْظِيعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إِثْبَاتِ الْأَظْلَمِيَّةِ لِلْمَذْكُورِ حَقِيقَةً وَلَا نَفْيِهَا عَنْ غَيْرِهِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَحْكِي عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ

سُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ عَنْ قَوْلِهِ: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ بِهِ ثُمَّ أَقْسَمَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} فَقَالَ أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أُجِيبُكَ ثُمَّ أَقْطَعُكَ أَوْ أَقْطَعُكَ ثُمَّ أجيبك فقال اقْطَعْنِي ثُمَّ أَجِبْنِي فَقَالَ لَهُ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَةِ رِجَالٍ وَبَيْنَ ظَهَرَانَيْ قوم كانوا أَحْرَصَ الْخَلْقِ عَلَى أَنْ يَجِدُوا فيه مغمزا وَعَلَيْهِ مَطْعَنًا فَلَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ مُنَاقَضَةً لَتَعَلَّقُوا بِهِ وَأَسْرَعُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ عَلِمُوا وَجَهِلْتَ وَلَمْ يُنْكِرُوا مِنْهُ مَا أَنْكَرْتَ ثُمَّ قَالَ: لَهُ إِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُدْخِلُ لَا فِي أثناء كَلَامِهَا وَتُلْغِي مَعْنَاهَا وَأَنْشَدَ فِيهِ أَبْيَاتًا. تَنْبِيهٌ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: إِذَا تَعَارَضَتِ الْآيُ وَتَعَذَّرَ فِيهَا التَّرْتِيبُ وَالْجَمْعُ طُلِبَ التَّارِيخُ وَتُرِكَ الْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ نَسْخًا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَكَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِإِحْدَى الْآيَتَيْنِ عُلِمَ بِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّ النَّاسِخَ مَا أَجْمَعُوا لى الْعَمَلِ بِهَا قَالَ: وَلَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ آيَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ تَخْلُوَانِ عن هذين الوضعين قَالَ غَيْرُهُ: وَتَعَارُضُ الْقِرَاءَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ تَعَارُضِ الْآيَتَيْنِ نحو: {وَأَرْجُلَكُمْ} بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ وَلِهَذَا جُمِعَ بَيْنِهِمَا بِحَمْلِ النَّصْبِ عَلَى الْغَسْلِ وَالْجَرِّ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ

وقال الصيرفي: جماع الاختلاف والتناقص أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ صَحَّ أَنْ يُضَافَ بَعْضُ مَا وَقَعَ الِاسْمُ عَلَيْهِ إِلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ وَإِنَّمَا التَّنَاقُضُ فِي اللَّفْظِ مَا ضَادَّهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَلَا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِيهِ النَّسْخُ فِي وَقْتَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ تَعَارُضُ آيِ الْقُرْآنِ وَالْآثَارِ وَمَا يُوجِبُهُ الْعَقْلُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ قَوْلُهُ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} معارضا لقوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ} لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَنَّهُ لَا خَالِقَ غَيْرُ اللَّهِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ مَا عَارَضَهُ فَيُؤَوَّلُ "وُتَخْلُقُونَ" عَلَى "تكذبون" وتخلق عَلَى" تُصَوِّرُ". فَائِدَةٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} : الِاخْتِلَافُ عَلَى وَجْهَيْنِ اخْتِلَافُ تَنَاقُضٍ وَهُوَ مَا يَدْعُو فِيهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إِلَى خِلَافِ الْآخَرِ وَهَذَا هُوَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْقُرْآنِ وَاخْتِلَافُ تَلَازُمٍ وَهُوَ مَا يُوَافِقُ الْجَانِبَيْنِ كَاخْتِلَافِ مَقَادِيرِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.

النوع التاسع والأربعون: في مطلقه ومقيده

النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مُطْلَقِهِ وَمُقَيَّدِهِ الْمُطْلَقُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ وَهُوَ مَعَ المقيد كَالْعَامِّ مَعَ الْخَاصِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَتَى وُجِدَ دَلِيلٌ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ صُيِّرَ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَنَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ. وَالضَّابِطُ أَنَّ اللَّهَ إِذَا حَكَمَ فِي شَيْءٍ بِصِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ ثُمَّ وَرَدَ حُكْمٌ آخَرُ مُطْلَقًا نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ يُرَدُّ إِلَيْهِ إِلَّا ذَلِكَ الْحُكْمَ الْمُقَيَّدَ وَجَبَ تَقْيِيدُهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ رَدُّهُ إِلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَالْأَوَّلُ مِثْلَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الشُّهُودِ على الرجعة والفرق وَالْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلُهُ: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّهَادَةَ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} وَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِي الْجَمِيعِ وَمِثْلُ تَقْيِيدِهِ مِيرَاثُ الزَّوْجَيْنِ بِقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وَإِطْلَاقُهُ الْمِيرَاثَ فِيمَا أَطْلَقَ فِيهِ وَكَذَلِكَ مَا أَطْلَقَ مِنَ الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ

وَكَذَلِكَ مَا اشْتَرَطَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنَ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَإِطْلَاقِهَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْمُطْلَقُ كَالْمُقَيَّدِ فِي وَصْفِ الرَّقَبَةِ. وَكَذَلِكَ تَقْيِيدُ الْأَيْدِي بِقَوْلِهِ {إِلَى الْمَرَافِقِ} فِي الْوُضُوءِ وَإِطْلَاقُهُ فِي التَّيَمُّمِ وَتَقْيِيدُ إِحْبَاطِ الْعَمَلِ بِالرِّدَّةِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} الْآيَةَ وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} وَتَقْيِيدُ تَحْرِيمِ الدَّمِ بِالْمَسْفُوحِ فِي الْأَنْعَامِ وَأُطْلِقَ فِيمَا عَدَاهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيُّ حَمُلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْجَمِيعِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا يَحْمِلُهُ وَيُجَوِّزُ إِعْتَاقَ الْكَافِرِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَيَكْتَفِي فِي التَّيَمُّمِ بِالْمَسْحِ إِلَى الْكُوعَيْنِ وَيَقُولُ إِنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ بِمُجَرَّدِهَا. وَالثَّانِي مِثْلُ تَقْيِيدِ الصَّوْمِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَتَقْيِيدِهِ بِالتَّفْرِيقِ فِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ وَأَطْلَقَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ فَيَبْقَى عَلَى إِطْلَاقِهِ مِنْ جَوَازِهِ مُفَرَّقًا وَمُتَتَابِعًا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا لِتَنَافِي الْقَيْدَيْنِ "وَهُمَا التَّفْرِيقُ وَالتَّتَابُعُ" وَلَا عَلَى أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ.

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: إِذَا قُلْنَا بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَهَلْ هُوَ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ أَوْ بِالْقِيَاسِ مذهبان: الْأَوَّلِ: أَنَّ الْعَرَبَ مِنْ مَذْهَبِهَا اسْتِحْبَابُ الْإِطْلَاقِ اكْتِفَاءً بِالْمُقَيَّدِ وَطَلَبًا لِلْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ الثَّانِي: مَا تَقَدَّمَ مَحَلُّهُ إِذَا كَانَ الْحُكْمَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَأَمَّا إِذَا حَكَمَ فِي شَيْءٍ بِأُمُورٍ ثُمَّ فِي آخِرَ بِبَعْضِهَا وَسَكَتَ فِيهِ عَنْ بَعْضِهَا فَلَا يَقْتَضِي الْإِلْحَاقَ كَالْأَمْرِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ وَذَكَرَ فِي التَّيَمُّمِ عُضْوَيْنِ فَلَا يُقَالُ بِالْحَمْلِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالتُّرَابِ فِيهِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْعِتْقَ وَالصَّوْمَ وَالْإِطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَاقْتَصَرَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِطْعَامَ فَلَا يُقَالُ بِالْحَمْلِ وَإِبْدَالِ الصِّيَامِ بِالطَّعَامِ.

النوع الخمسون: في منطوقه ومفهومه

النَّوْعُ الْخَمْسُونَ: فِي مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ الْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ فَإِنْ أَفَادَ مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَالنَّصُّ نَحْوَ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} وَقَدْ نُقِلَ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِنُدُورِ النَّصِّ جِدًّا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ بَالَغَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَالَ: لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ النَّصِّ الِاسْتِقْلَالُ بِإِفَادَةِ الْمَعْنَى عَلَى قَطْعٍ مَعَ انْحِسَامِ جِهَاتِ التَّأْوِيلِ وَالِاحْتِمَالِ وَهَذَا وَإِنْ عَزَّ حُصُولُهُ بِوَضْعِ الصِّيَغِ رَدًّا إِلَى اللُّغَةِ فَمَا أَكْثَرَهُ مَعَ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْمَقَالِيَّةِ انْتَهَى أَوْ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا فَالظَّاهِرُ نَحْوُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} فَإِنَّ الْبَاغِيَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَاهِلِ وَعَلَى الظَّالِمِ وَهُوَ فِيهِ أَظْهَرُ وَأَغْلَبُ وَنَحْوُ: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فإنه يقال للإقطاع طُهْرٌ وَلِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ فِي الثَّانِي أَظْهَرُ فإن حُمِلَ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِدَلِيلٍ فَهُوَ تَأْوِيلٌ وَيُسَمَّى الْمَرْجُوحُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهِ مُؤَوَّلًا كَقَوْلِهِ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ حَمْلُ

الْمَعِيَّةَ عَلَى الْقُرْبِ بِالذَّاتِ فَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ عَنْ ذَلِكَ وَحَمْلُهُ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ أَوْ عَلَى الْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ وَكَقَوْلِهِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَجْنِحَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْخُضُوعِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَقَدْ يَكُونُ مُشْتَرِكًا بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ أَوْ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَيَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ قُلْنَا بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ لَا وَوَجْهُهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ قَدْ خُوطِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً أُرِيدَ هَذَا وَمَرَّةً أُرِيدَ هَذَا وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ: لَا يُضَارِرُ الْكَاتِبُ وَالشَّهِيدُ صَاحِبَ الْحَقِّ بِجَوْرٍ فِي الكتابة والشهادة و" لا يُضَارَرُ" بِالْفَتْحِ أَيْ لَا يَضُرُّهُمَا صَاحِبُ الْحَقِّ بإلزامهما مالا يَلْزَمُهُمَا وَإِجْبَارِهِمَا عَلَى الْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ إِنْ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى إِضْمَارٍ سُمِّيَتْ دَلَالَةَ اقتضاء نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أَيْ أَهْلَهَا وَإِنْ لَمْ تَتَوَقَّفْ وَدَلَّ اللَّفْظُ عَلَى مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ سُمِّيَتْ دَلَالَةَ إِشَارَةٍ كَدَلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا إِذْ إِبَاحَةُ الْجِمَاعِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ تَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ جُنُبًا فِي جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الِاسْتِنْبَاطُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ

فصل وَالْمَفْهُومُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَهُوَ قِسْمَانِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ فَالْأَوَّلُ: مَا يُوَافِقُ حُكْمُهُ الْمَنْطُوقَ فَإِنْ كَانَ أَوْلَى سُمِّي فَحْوَى الْخِطَابِ كَدَلَالَةِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا سُمِّي لَحْنَ الْخِطَابِ أَيْ مَعْنَاهُ كَدَلَالَةِ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} عَلَى تَحْرِيمِ الْإِحْرَاقِ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْأَكْلِ فِي الْإِتْلَافِ وَاخْتُلِفَ هَلْ دَلَالَةُ ذَلِكَ قِيَاسِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ أَوْ حَقِيقِيَّةٌ عَلَى أَقْوَالٍ بَيَّنَّاهَا فِي كُتُبِنَا الْأُصُولِيَّةِ وَالثَّانِي: مَا يُخَالِفُ حُكْمُهُ الْمَنْطُوقَ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: مَفْهُومُ صِفَةٍ نَعْتًا كَانَ أَوْ حَالًا أَوْ ظَرْفًا أَوْ عَدَدًا نَحْوُ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْفَاسِقِ لَا يَجِبُ التَّبَيُّنُ فِي خَبَرِهِ فَيَجِبُ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِ فِي غَيْرِهَا {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} أَيْ فَالذِّكْرُ عِنْدَ غَيْرِهِ لَيْسَ مُحَصِّلًا لِلْمَطْلُوبِ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} أي لا أقل ولا أكثرو شرط نَحْوُ: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} أَيْ فَغَيْرُ أُولَاتِ الْحَمْلِ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ

وَغَايَةٍ نَحْوُ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} أَيْ فَإِذَا نَكَحَتْهُ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِشَرْطِهِ وَحَصْرٍ نَحْوُ: {لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} أَيْ فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} أَيْ فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ {لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} أَيْ لَا إِلَى غَيْرِهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أَيْ لَا غَيْرَكَ وَاخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْمَفَاهِيمِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ وَالْأَصَحُّ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّهَا كلها حجة بشروط: منها ألا يَكُونَ الْمَذْكُورُ "خَرَجَ لِلْغَالِبِ" وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَعْتَبِرِ الْأَكْثَرُونَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ لِغَلَبَةِ حضوره في الذهن وألا يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْوَاقِعِ وَمِنْ ثَمَّ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} وَقَوْلِهِ: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وَقَوْلِهِ: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} وَالِاطِّلَاعُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فَوَائِدَ مَعْرِفَةِ أَسْبَابِ النُّزُولِ.

فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُهُمُ الْأَلْفَاظُ إِمَّا أَنْ تَدُلَّ بِمَنْطُوقِهَا أَوْ بِفَحْوَاهَا أَوْ بِاقْتِضَائِهَا وَضَرُورَتِهَا أَوْ بِمَعْقُولِهَا الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهَا حَكَاهُ ابْنُ الْحَصَّارِ وَقَالَ هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ قُلْتُ فَالْأَوَّلُ دَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ وَالثَّانِي دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ وَالثَّالِثُ دَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ وَالرَّابِعُ دَلَالَةُ الْإِشَارَةِ.

النوع الحادي والخمسون: في وجوه مخاطباته

النوع الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: فِي وُجُوهِ مُخَاطَبَاتِهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ النَّفِيسِ الْخِطَابُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا: وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا أَحَدُهَا خِطَابُ الْعَامِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} وَالثَّانِي: خِطَابُ الْخَاصِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ كَقَوْلِهِ: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} الثَّالِثُ: خِطَابُ الْعَامِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ كَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْأَطْفَالُ وَالْمَجَانِينُ الرَّابِعُ خِطَابُ الْخَاصِّ وَالْمُرَادُ الْعُمُومُ كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} افْتَتَحَ الْخِطَابَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ سَائِرُ مَنْ يملك الطلاق وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: كَانَ ابْتِدَاءُ الْخِطَابِ لَهُ فَلَمَّا قَالَ فِي الْمَوْهُوبَةِ: {خَالِصَةً لَكَ} عُلِمَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ الْخَامِسُ خِطَابُ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}

السادس خطاب النوع نحو: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} السَّابِعُ خِطَابُ الْعَيْنِ نَحْوُ: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ} {يَا نُوحُ اهْبِطْ} {يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ} {يَا مُوسَى لا تَخَفْ} {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ الْخِطَابُ ب "يا مُحَمَّدُ" بَلْ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} تَعْظِيمًا لَهُ وَتَشْرِيفًا وَتَخْصِيصًا بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ وتعليما للمؤمنين ألا يُنَادُوهُ بِاسْمِهِ الثَّامِنُ خِطَابُ الْمَدْحِ نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ولهذا وقع خطابا لأهل المدينة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} أخرج ابن أبي حاتم عن خيثمة مَا تَقْرَءُونَ فِي الْقُرْآنِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنه في التوراة "يأيها المساكين" وأخرج البيهقي وأبو عبيد وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأوعها سمعك فإنه خير يأمر بِهِ أَوْ شَرٌّ يُنْهَى عَنْهُ التَّاسِعُ خِطَابُ الذم نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَلِتَضَمُّنِهِ الْإِهَانَةَ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرُ الْخِطَابِ بِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} عَلَى الْمُوَاجَهَةِ وَفِي جَانِبِ الْكُفَّارِ جِيءَ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ إِعْرَاضًا عَنْهُمْ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا}

الْعَاشِرُ خِطَابُ الْكَرَامَةِ كَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} قَالَ بَعْضُهُمْ: وَنَجِدُ الْخِطَابَ بِالنَّبِيِّ فِي مَحَلٍّ لَا يَلِيقُ بِهِ الرَّسُولُ وكذا عكسه كقوله في الأمر بالتشريع العام: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وفي مقام الخاص: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قَالَ وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالنَّبِيِّ فِي مَقَامِ التَّشْرِيعِ الْعَامِّ لَكِنْ مَعَ قَرِينَةِ إِرَادَةِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} وَلَمْ يَقُلْ: "طَلَّقْتَ" الْحَادِي عَشَرَ: خِطَابُ الْإِهَانَةِ نَحْوُ: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} الثَّانِي عَشَرَ: خِطَابُ التَّهَكُّمِ نَحْوُ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الثَّالِثَ عَشَرَ: خِطَابُ الْجَمْعِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ نَحْوُ: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} الرَّابِعَ عَشَرَ: خِطَابُ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ نَحْوُ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} فَهُوَ خِطَابٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ إِذْ لَا نَبِيَّ مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} الْآيَةَ خِطَابٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} الْآيَةَ وكذا قوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أ} بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:

{قُلْ فَأْتُوا} وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} أَيِ ارْجِعْنِي وَقِيلَ، "رَبِّ" خِطَابٌ لَهُ تَعَالَى و "ارجعون" لِلْمَلَائِكَةِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: هُوَ قَوْلُ مَنْ حَضَرَتْهُ الشَّيَاطِينُ وَزَبَانِيَةُ الْعَذَابِ فَاخْتَلَطَ فَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ مِنَ الشَّطَطِ وَقَدِ اعْتَادَ أَمْرًا يَقُولُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدِّ الْأَمْرِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ الْخَامِسَ عَشَرَ: خِطَابُ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ نَحْوُ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} وَالْخِطَابُ لِمَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ وَقِيلَ لِخَزَنَةِ النَّارِ وَالزَّبَانِيَةِ فَيَكُونُ مِنْ خِطَابِ الْجَمْعِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ وَقِيلَ لِلْمَلَكَيْنِ الْمُوَكَّلَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} فَيَكُونُ عَلَى الْأَصْلِ وَجَعَلَ الْمَهْدَوِيُّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} قَالَ: الْخِطَابُ لِمُوسَى وَحَدَهُ لِأَنَّهُ الدَّاعِي وَقِيلَ لَهُمَا لِأَنَّ هَارُونَ أَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ وَالْمُؤَمِّنُ أَحَدُ الدَّاعِيَيْنِ السَّادِسَ عَشَرَ: خِطَابُ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظٍ الواحد كقوله: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} أي وياهرون وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالنِّدَاءِ لِإِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِالتَّرْبِيَةِ. وَالْآخَرُ: لِأَنَّهُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَالْآيَاتِ وَهَارُونُ تَبَعٌ لَهُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَذُكِرَ فِي الْكَشَّافِ آخَرُ وَهُوَ أَنْ هَارُونَ لَمَّا كَانَ أَفْصَحَ مِنْ مُوسَى نَكَبَ فِرْعَوْنُ عَنْ خِطَابِهِ حَذَرًا مِنْ لِسَانِهِ وَمَثْلُهُ: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَفْرَدَهُ بِالشَّقَاءِ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ أَوَّلًا وَالْمَقْصُودُ فِي الكلام وقيل لأنه اللَّهَ جَعَلَ الشَّقَاءَ

فِي مَعِيشَةِ الدُّنْيَا فِي جَانِبِ الرَّجَالِ وَقِيلَ إِغْضَاءٌ عَنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ كَمَا قِيلَ مِنَ الْكَرَمِ سَتْرُ الْحَرَمِ السَّابِعَ عَشَرَ: خِطَابُ الِاثْنَيْنِ لفظ الجمع كقوله: {أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} الثَّامِنَ عَشَرَ: خِطَابُ الْجَمْعِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي {أَلْقِيَا} التَّاسِعَ عَشَرَ: خِطَابُ الْجَمْعِ بَعْدَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ جَمَعَ فِي الْفِعْلِ الثَّالِثِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ دَاخِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ومثله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الْعِشْرُونَ: عَكْسُهُ نَحْوُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ نَحْوُ: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: عَكْسُهُ نَحْوُ: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَيْرُ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَقِيًّا وَحَاشَاهُ مِنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ وَمِنْهُ: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ} الآية حَاشَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّكِّ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ التَّعْرِيضُ بِالْكُفَّارِ

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: لَمْ يَشُكَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْأَلْ، وَمِثْلُهُ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} الْآيَةَ، {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} وَأَنْحَاءُ ذَلِكَ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ الْغَيْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَيْنُ نَحْوُ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: الْخِطَابُ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُقْصَدُ بِهِ مُخَاطَبٌ مُعَيَّنٌ نَحْوُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ} {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ} لَمْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ خِطَابٌ مُعَيَّنٌ بَلْ كَلُّ أَحَدٍ وَأُخْرِجَ فِي صُورَةِ الْخِطَابِ لِقَصْدِ الْعُمُومِ يُرِيدُ أَنَّ حَالَهُمْ تَنَاهَتْ فِي الظُّهُورِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا رَاءٍ دُونَ رَاءٍ بَلْ كُلُّ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ الْخِطَابِ. السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ الشَّخْصِ ثُمَّ الْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ نحو: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِلْكُفَّارِ: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} بدليل {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ومنه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} إلى قوله {لِتُؤْمِنُوا} فيمن قَرَأَ بِالْفَوْقِيَّةِ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ التَّلْوِينِ وَهُوَ الِالْتِفَاتُ

الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ الْجَمَادَاتِ خِطَابُ مَنْ يَعْقِلُ نَحْوُ: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ التَّهْيِيجِ نَحْوُ: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} الثَّلَاثُونَ: خِطَابُ التَّحَنُّنِ وَالِاسْتِعْطَافِ نَحْوُ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: خِطَابُ التَّحَبُّبِ نَحْوُ: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ} {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ} {يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: خِطَابُ التَّعْجِيزِ نَحْوُ: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: خِطَابُ التَّشْرِيفِ وَهُوَ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مُخَاطَبَةً بِ"قُلْ" فَإِنَّهُ تَشْرِيفٌ مِنْهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنْ يُخَاطِبَهَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ لِتَفُوزَ بِشَرَفِ الْمُخَاطَبَةِ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: خِطَابُ الْمَعْدُومِ وَيَصِحُّ ذَلِكَ تَبَعًا لِمَوْجُودٍ نَحْوُ: {يَا بَنِي آدَمَ} فَإِنَّهُ خِطَابٌ لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلِكُلِّ مَنْ بَعْدَهُمْ فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ خِطَابُ الْقُرْآنِ ثلاثة أقسام: قسم لا يصح إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقِسْمٌ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِغَيْرِهِ وَقِسْمٌ لَهُمَا فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ تَأْمَّلْ خِطَابَ الْقُرْآنِ تَجِدْ مَلِكًا لَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ وَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ أَزِمَّةُ الْأُمُورِ كُلُّهَا بِيَدِهِ وَمَصْدَرُهَا مِنْهُ ومردها إِلَيْهِ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ أَقْطَارِ مَمْلَكَتِهِ عَالِمًا بِمَا فِي نُفُوسِ عَبِيدِهِ مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ مُنْفَرِدًا بِتَدْبِيرِ الْمَمْلَكَةِ يَسْمَعُ وَيَرَى وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ وَيُكْرِمُ وَيُهِينُ وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي وَيُقَدِّرُ وَيَقْضِي وَيُدَبِّرُ الْأُمُورَ نَازِلَةً مِنْ عِنْدِهِ دَقِيقَهَا وَجَلِيلَهَا وَصَاعِدَةً إِلَيْهِ لَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَسْقُطُ وَرَقَةٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ فَتَأَمَّلْ كَيْفَ تَجِدُهُ يُثْنِي عَلَى نَفْسِهِ وَيُمَجِّدُ نَفْسَهُ وَيَحْمَدُ نَفْسَهُ وَيَنْصَحُ عِبَادَهُ وَيَدُلُّهُمْ عَلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهِ وَيُحَذِّرُهُمْ مِمَّا فِيهِ هَلَاكُهُمْ وَيَتَعَرَّفُ إِلَيْهِمْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَيَتَحَبَّبُ إِلَيْهِمْ بِنِعَمِهِ وَآلَائِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِمَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ تَمَامَهَا وَيُحَذِّرُهُمْ مَنْ نِقَمِهِ وَيُذَكِّرُهُمْ بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ إِنْ أَطَاعُوهُ وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ إِنْ عَصَوْهُ وَيُخْبِرُهُمْ بِصُنْعِهِ فِي أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ وَكَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَةُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَيُثْنِي عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ وَأَحْسَنِ أَوْصَافِهِمْ وَيَذُمُّ أَعْدَاءَهُ بسيء أَعْمَالِهِمْ وَقَبِيحِ صِفَاتِهِمْ وَيَضْرِبُ الْأَمْثَالَ وَيُنَوِّعُ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ وَيُجِيبُ عَنْ شُبَهِ أَعْدَائِهِ أَحْسَنَ الْأَجْوِبَةِ وَيُصَدِّقُ الصَّادِقَ وَيَكْذِّبُ الْكَاذِبَ وَيَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي السَّبِيلَ وَيَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَذْكُرُ أَوْصَافَهَا وَحُسْنَهَا وَنَعِيمَهَا وَيُحَذِّرُ مِنْ دَارِ الْبَوَارِ وَيَذْكُرُ عَذَابَهَا وَقُبْحَهَا وَآلَامَهَا وَيُذَكِّرُ عِبَادَهُ فَقْرَهُمْ إِلَيْهِ وَشَدَّةَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَنَّهُمْ لَا غِنَى لَهُمْ

عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَيُذَكِّرُهُمْ غِنَاهُ عَنْهُمْ وَعَنْ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ وَأَنَّهُ الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ وأنه لن يَنَالُ أَحَدٌ ذَرَّةً مِنَ الْخَيْرِ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَلَا ذَرَّةً مِنَ الشَّرِّ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَتَشْهَدُ مِنْ خِطَابِهِ عِتَابَهُ لِأَحْبَابِهِ أَلْطَفَ عِتَابٍ وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُقِيلٌ عثراتهم وغافر زلاتهم وَمُقِيمٌ أَعْذَارَهُمْ وَمُصْلِحٌ فَسَادَهُمْ وَالدَّافِعُ عنهم والحامي عَنْهُمْ وَالنَّاصِرُ لَهُمْ وَالْكَفِيلُ بِمَصَالِحِهِمْ وَالْمُنَجِّي لَهُمْ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ وَالْمُوَفِّي لَهُمْ بِوَعْدِهِ وَأَنَّهُ وَلِيُّهُمُ الَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُمْ سِوَاهُ فَهُوَ مولاهم الحق ونصيرهم عَلَى عَدْوِّهِمْ فَنِعَمَ الْمَوْلَى وَنَعِمَ النَّصِيرُ. وَإِذَا شَهِدَتِ الْقُلُوبُ مِنَ الْقُرْآنِ مَلِكًا عَظِيمًا جَوَادًا رَحِيمًا جَمِيلًا هَذَا شَأْنُهُ فَكَيْفَ لَا تُحِبُّهُ وَتُنَافِسُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ وَتُنْفِقُ أَنْفَاسَهَا فِي التَّوَدُّدِ إِلَيْهِ وَيَكُونُ أَحَبَّ إِلَيْهَا مَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَرِضَاهُ آثَرَ عِنْدَهَا مِنْ رِضَا كُلِّ مَنْ سِوَاهُ وَكَيْفَ لَا تَلْهَجُ بِذِكْرِهِ وَتُصَيِّرُ حُبَّهُ وَالشَّوْقَ إِلَيْهِ وَالْأُنْسَ بِهِ هُوَ غِذَاؤُهَا وَقُوَّتُهَا وَدَوَاؤُهَا بِحَيْثُ إِنْ فَقَدَتْ "ذَلِكَ فَسَدَتْ" وَهَلَكَتْ لم تَنْتَفِعْ بِحَيَاتِهَا فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُ الْأَقْدَمِينَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثِينَ نَحْوًا كُلُّ نَحْوٍ مِنْهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ فَمَنْ عَرَفَ وُجُوهَهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ أَصَابَ وَوُفِّقَ ومن لم يعرفها وَتَكَلَّمَ فِي الدِّينِ كَانَ الْخَطَأُ إِلَيْهِ أَقْرَبَ وَهِيَ: الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَالْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَالْمَقْطُوعُ وَالْمَوْصُولُ وَالسَّبَبُ وَالْإِضْمَارُ وَالْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْحُدُودُ

وَالْأَحْكَامُ وَالْخَبَرُ وَالِاسْتِفْهَامُ وَالْأُبَّهَةُ وَالْحُرُوفُ الْمُصَرَّفَةُ وَالْإِعْذَارُ وَالْإِنْذَارُ وَالْحُجَّةُ وَالِاحْتِجَاجُ وَالْمَوَاعِظُ وَالْأَمْثَالُ وَالْقَسَمُ قَالَ: فَالْمَكِّيُّ مثل: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} وَالْمَدَنِيُّ: مِثْلُ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَاضِحٌ وَالْمُحْكَمُ: مِثْلُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} الْآيَةَ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} وَنَحْوُهُ مِمَّا أَحْكَمَهُ اللَّهُ وَبَيَّنَهُ وَالْمُتَشَابِهُ مِثْلُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} الآية وَلَمْ يَقُلْ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً} كَمَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَقَدْ نَادَاهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِيمَانِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا وَعِيدًا فَاشْتَبَهَ عَلَى أَهْلِهَا مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِهِمْ. وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ: مِثْلُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} التَّقْدِيرُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ وَالْمَقْطُوعُ وَالْمَوْصُولُ: مِثْلُ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فلا مَقْطُوعٌ مِنْ أُقْسِمُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى "أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ" وَلَمْ يُقْسِمْ

وَالسَّبَبُ وَالْإِضْمَارُ: مِثْلُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَالْخَاصُّ وَالْعَامُّ: مِثْلُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} فَهَذَا فِي الْمَسْمُوعِ خَاصٌّ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} فَصَارَ فِي الْمَعْنَى عَامًّا وَالْأَمْرُ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ أَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ وَالْأُبَّهَةُ: مِثْلُ: {إِنَّا أُرْسِلْنَا} {نَحْنُ قَسَمْنَا} عَبَّرَ بِالصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْجَمَاعَةِ لِلْوَاحِدِ تَعَالَى تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا وَأُبَّهَةً وَالْحُرُوفُ الْمُصَرَفَةُ: كَالْفِتْنَةِ تُطْلَقُ عَلَى الشِّرْكِ نَحْوُ: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} وَعَلَى الْمَعْذِرَةِ: نَحْوُ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} أَيْ مَعْذِرَتُهُمْ وَعَلَى الِاخْتِبَارِ: نَحْوُ: {قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} وَالِاعْتِذَارُ: نَحْوُ: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} اعْتَذَرَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِمْ وَالْبَوَاقِي أَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ.

النوع الثاني والخمسون: في حقيقته ومجازه

النَّوْعُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ الْحَقَائِقِ فِي الْقُرْآنِ وَهِيَ كُلُّ لَفْظٍ بَقِيَ عَلَى مَوْضُوعِهِ وَلَا تَقْدِيمَ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرَ وَهَذَا أَكْثَرُ الْكَلَامِ. وَأَمَّا الْمَجَازُ فَالْجُمْهُورُ أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهِ فِيهِ وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ الْقَاصِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَشُبْهَتُهُمْ أَنَّ الْمَجَازَ أَخُو الْكَذِبِ وَالْقُرْآنُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَعْدِلُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا ضَاقَتْ بِهِ الْحَقِيقَةُ فَيَسْتَعِيرُ وَذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذِهِ شُبْهَةٌ بَاطِلَةٌ وَلَوْ سَقَطَ الْمَجَازُ مِنَ الْقُرْآنِ سَقَطَ مِنْهُ شَطْرُ الْحُسَنِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْبُلَغَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَلَوْ وَجَبَ خُلُوُّ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَجَازِ وَجَبَ خُلُوُّهُ مِنَ الْحَذْفِ وَالتَّوْكِيدِ وَتَثَنِيَةِ الْقَصَصِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ الْإِمَامُ عِزُّ الدِّينِ بن عَبْدِ السَّلَامِ وَلَخَّصْتُهُ مَعَ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابٍ سَمَّيْتُهُ مَجَازُ الْفُرْسَانِ إِلَى مَجَازِ الْقُرْآنِ وَهُوَ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: الْمَجَازُ فِي التَّرْكِيبِ وَيُسَمَّى مَجَازُ الْإِسْنَادِ وَالْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ وَعَلَاقَتُهُ الْمُلَابَسَةُ وَذَلِكَ أَنْ يُسْنَدَ الْفِعْلُ أَوْ شَبَهُهُ إِلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ أَصَالَةً لِمُلَابَسَتِهِ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} نُسِبَتِ الزِّيَادَةُ - وَهِيَ فِعْلُ اللَّهِ - إِلَى الْآيَاتِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لَهَا {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} {يَا هَامَانُ

ابْنِ لِي} نُسِبَ الذَّبْحُ وَهُوَ فِعْلُ الْأَعْوَانِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَالْبِنَاءُ وَهُوَ فِعْلُ الْعَمَلَةِ إِلَى هَامَانَ لِكَوْنِهِمَا آمِرِينَ بِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} نُسِبَ الْإِحْلَالُ إِلَيْهِمْ لِتَسَبُّبِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ بِأَمْرِهِمْ إِيَّاهُمْ بِهِ وَمِنْهُ قوله تعالى: {وْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} نُسِبَ الْفِعْلُ إِلَى الظَّرْفِ لِوُقُوعِهِ فِيهِ. {عِيشَةٍ راضية} أَيْ مَرْضِيَّةٍ {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ} أَيْ عُزِمَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ {فَإِذَا عَزَمْتَ} وَهَذَا الْقِسْمُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: مَا طَرَفَاهُ حَقِيقِيَّانِ كَالْآيَةِ الْمُصَدَّرِ بِهَا وَكَقَوْلِهِ: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} ثَانِيهَا: مَجَازِيَّانِ نَحْوُ: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} أَيْ مَا رَبِحُوا فِيهَا وَإِطْلَاقُ الرِّبْحِ وَالتِّجَارَةِ هُنَا مَجَازٌ ثَالِثُهَا وَرَابِعُهَا: مَا أَحَدُ طَرَفَيْهِ حَقِيقِيٌّ دُونَ الْآخَرِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: فَكَقَوْلِهِ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً} أَيْ بُرْهَانًا {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو} فَإِنَّ الدُّعَاءَ مِنَ النَّارِ مَجَازٌ

وَقَوْلُهُ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} وَاسْمُ الْأُمِّ الْهَاوِيَةُ مَجَازٌ أَيْ كَمَا أَنَّ الْأُمَّ كَافِلَةٌ لِوَلَدِهَا وَمَلْجَأٌ لَهُ كَذَلِكَ النَّارُ لِلْكَافِرِينَ كَافِلَةٌ وَمَأْوًى وَمَرْجِعٌ الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمَجَازُ في المفرد ويسمى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَأَنْوَاعُهُ كَثِيرَةٌ: أَحَدُهَا: الْحَذْفُ وَسَيَأْتِي مبسوطا في نوع المجاز فَهُوَ بِهِ أَجْدَرُ خُصُوصًا إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَنْوَاعٍ الْمَجَازِ الثَّانِي: الزِّيَادَةُ وَسَبْقُ تَحْرِيرِ الْقَوْلِ فِيهَا فِي نَوْعِ الْإِعْرَابِ. الثَّالِثُ: إِطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ نَحْوُ: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} أَيْ أَنَامِلُهُمْ وَنُكْتَةُ التَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالْأَصَابِعِ الْإِشَارَةُ إِلَى إِدْخَالِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ مُبَالَغَةً مِنَ الْفِرَارِ فَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَصَابِعَ {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} أَيْ وُجُوهُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ جُمْلَتَهُمْ، {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} أطلق الشهر وهو إسم لثلاثين ليلة وأراد جزء مِنْهُ كَذَا أَجَابَ بِهِ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ عَنِ اسْتِشْكَالِ أَنَّ الْجَزَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَشْهَدَ الشَّهْرَ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ حَقِيقَةً فَكَأَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّوْمِ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ فَسَّرَهُ عَلَيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مَنْ شَهِدَ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ جَمِيعَهُ وَإِنْ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ أَيْضًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْحَذْفِ

الرَّابِعُ: عَكْسُهُ نَحْوُ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} أَيْ ذَاتُهُ {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أَيْ ذَوَاتُكُمْ إِذِ الِاسْتِقْبَالُ يَجِبُ بِالصَّدْرِ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} عَبَّرَ بِالْوُجُوهِ عَنْ جَمِيعِ الْأَجْسَادِ لِأَنَّ التَّنَعُّمَ والنصب حاصل لكلها {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أَيْ قَدَّمْتَ وَكَسَبْتُمْ وَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى الْأَيْدِي لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْمَالِ تُزَاوَلُ بِهَا {قُمِ اللَّيْلَ} {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} أَطْلَقَ كُلًّا مِنَ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ بَعْضُهَا {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أَيِ الْحَرَمِ كُلِّهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُذْبَحُ فِيهَا. تَنْبِيهٌ أُلْحِقَ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: وَصْفُ الْبَعْضِ بِصِفَةِ الْكُلِّ كَقَوْلِهِ: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} فَالْخَطَأُ صِفَةُ الْكُلِّ وُصِفَ بِهِ الناصية عكسه كقوله: {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} وَالْوَجَلُ صِفَةُ الْقَلْبِ {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} وَالرُّعْبُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَلْبِ وَالثَّانِي: إِطْلَاقُ لَفْظِ بَعْضٍ مُرَادًا بِهِ الْكُلُّ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: {وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} أَيْ كُلَّهُ {وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} وَتُعُقِّبُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ

بَيَانُ كُلِّ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ بِدَلِيلِ السَّاعَةِ وَالرُّوحِ وَنَحْوِهِمَا وَبِأَنَّ مُوسَى كَانَ وَعَدَهُمْ بِعَذَابٍ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ فَقَالَ: "يُصِبْكُمْ هَذَا الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ بَعْضُ الْوَعِيدِ مِنْ غَيْرِ نَفْيِ عَذَابِ الْآخِرَةِ ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْوَعِيدَ مِمَّا لَا يُسْتَنْكَرُ تَرْكُ جَمِيعِهِ فَكَيْفَ بَعْضُهُ وَيُؤَيِّدُ ما قاله ثعلب قوله {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} الْخَامِسُ: إِطْلَاقُ اسْمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ نَحْوُ: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ رُسُلُهُ السَّادِسُ: عَكْسُهُ نَحْوُ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} أَيِ الِمُؤْمِنِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} السَّابِعُ: إِطْلَاقُ اسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللازم نحو الثَّامِنُ: عَكْسُهُ نَحْوُ: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} أَيْ هَلْ يَفْعَلُ أَطْلَقَ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى الْفِعْلِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ التَّاسِعُ: إِطْلَاقُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ نَحْوُ: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً} أَيْ مَطَرًا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الرِّزْقُ وَاللِّبَاسُ، {لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً} أَيْ مُؤْنَةً مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَمَا لَا بُدَّ لِلْمُتَزَوِّجِ مِنْهُ.

الْعَاشِرُ: عَكْسُهُ نَحْوُ: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} أَيِ الْقَبُولَ وَالْعَمَلَ بِهِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنِ السَّمْعِ. تَنْبِيهٌ مِنْ ذَلِكَ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى سَبَبِ السَّبَبِ كَقَوْلِهِ: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} فَإِنَّ الْمُخْرِجَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُ ذَلِكَ أَكْلُ الشَّجَرَةِ وَسَبَبُ الْأَكْلِ وَسُوسَةُ الشَّيْطَانِ. الْحَادِي عَشَرَ: تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ نَحْوُ: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} أَيِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَامَى إِذْ لَا يُتْمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} أَيْ الَّذِينَ كَانُوا أَزْوَاجَهُنَّ {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} سَمَّاهُ مُجْرِمًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْإِجْرَامِ. الثَّانِي عَشَرَ: تَسْمِيَتُهُ بِاسْمِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ نَحْوُ: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} أَيْ عِنَبًا يَؤُولُ إِلَى الْخَمْرِيَّةِ، {وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} أَيْ صَائِرًا إِلَى الْكُفْرِ وَالْفُجُورِ، {تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} سَمَّاهُ زَوْجًا لِأَنَّ الْعَقْدَ يَؤُولُ إِلَى زَوْجِيَّةٍ لِأَنَّهَا لَا تُنْكَحُ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ زَوْجًا {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} {نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} وَصَفَهُ فِي حَالِ الْبِشَارَةِ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ: إِطْلَاقُ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ نَحْوُ: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ

فِيهَا خَالِدُونَ} أَيْ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الرَّحْمَةِ، {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} أَيْ فِي اللَّيْلِ، {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ} أي في عينك عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ. الرَّابِعَ عَشَرَ: عَكْسُهُ نَحْوُ: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أَيْ أَهْلَ نَادِيهِ أَيْ مَجْلِسَهُ وَمِنْهُ التَّعْبِيرُ بِالْيَدِ عَنِ الْقُدْرَةِ نحو: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} وَبِالْقَلْبِ عَنِ الْعَقْلِ نَحْوُ: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} أَيْ عُقُولٌ وَبِالْأَفْوَاهِ عَنِ الْأَلْسُنِ نَحْوُ: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ} وَبِالْقَرْيَةِ عَنْ سَاكِنِيهَا نَحْوُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} قد اجْتَمَعَ هَذَا النَّوْعُ وَمَا قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فَإِنَّ أَخْذَ الزِّينَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ فَالْمُرَادُ مَحَلُّهَا فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْحَالِّ وَأَخُذُهَا لِلْمَسْجِدِ نفسه لا يجب فالمراد الصَّلَاةُ فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ. الْخَامِسَ عَشَرَ: تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ آلَتِهِ نَحْوُ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} أَيْ ثَنَاءً حَسَنًا لِأَنَّ اللِّسَانَ آلَتُهُ، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} أَيْ بِلُغَةِ قَوْمِهِ.

السَّادِسَ عَشَرَ: تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمٍ ضِدِّهِ نَحْوُ: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وَالْبِشَارَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَبَرِ السَّارِّ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الدَّاعِي إِلَى الشَّيْءِ بِاسْمِ الصَّارِفُ عَنْهُ ذَكَرَهُ السَّكَّاكِيُّ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} يَعْنِي مَا دَعَاكَ إِلَى أَلَّا تَسْجُدَ وَسَلِمَ بِذَلِكَ مِنْ دَعْوَى زِيَادَةِ "لَا" السَّابِعَ عَشَرَ: إِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَى مَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَشْبِيهًا نَحْوُ: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} وَصَفَهُ بِالْإِرَادَةِ وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْحَيِّ تَشْبِيهًا لِمَيْلِهِ لِلْوُقُوعِ بِإَرَادَتُهُ. الثَّامِنَ عَشَرَ: إِطْلَاقُ الْفِعْلِ وَالْمُرَادُ مُشَارَفَتُهُ وَمُقَارَبَتُهُ وَإِرَادَتُهُ نَحْوُ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ أَيِ انِقِضَاءَ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ لَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَهُوَ فِي قَوْلِهِ: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} حَقِيقَةً {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} ، أَيْ فَإِذَا قَرُبَ مَجِيئُهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ الْمَشْهُورُ فِيهَا أَنَّ عِنْدَ مَجِيءِ الْأَجَلِ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمٌ وَلَا تَأْخِيرٌ، {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ} الْآيَةَ أَيْ لَوْ قَارَبُوا أَنْ يَتْرُكُوا خَافُوا لَأَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَوْصِيَاءِ وَإِنَّمَا يتوجه إليهم قَبْلَ التَّرْكِ لِأَنَّهُمْ بَعْدَهُ أَمْوَاتٌ، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} أَيْ أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} أَيْ أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ، لِتَكُونَ الِاسْتِعَاذَةُ قَبْلَهَا، {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} أَيْ أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ

وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} أَيْ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ هِدَايَتَهُ وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا لِئَلَّا يَتَّحِدَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ. التَّاسِعَ عَشَرَ: الْقَلْبُ إِمَّا قَلْبُ إِسْنَادٍ نَحْوُ: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} أَيْ لَتَنُوءُ الْعُصْبَةُ بِهَا {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} أَيْ لِكُلِّ كِتَابٍ أَجَلٌ، {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} أَيْ حَرَّمْنَاهُ عَلَى الْمَرَاضِعِ {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} أَيْ تُعْرَضُ النَّارُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَعْرُوضَ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي لَهُ الِاخْتِيَارُ {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أَيْ وَإِنَّ حُبَّهُ لِلْخَيْرِ {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} أَيْ يُرِدْ بِكَ الْخَيِّرَ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} لِأَنَّ الْمُتَلَقِّيَ حَقِيقَةً هُوَ آدَمُ كَمَا قُرِئَ بِذَلِكَ أَيْضًا أَوْ قَلْبُ عَطْفٍ نَحْوُ: {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ} ، أَيْ فَانْظُرْ ثُمَّ تَوَلَّ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} أَيْ تَدَلَّى فَدَنَا لِأَنَّهُ بِالتَّدَلِّي مَالَ إِلَى الدُّنُوِّ أَوْ قَلْبُ تَشْبِيهٍ وَسَيَأْتِي فِي نَوْعِهِ. الْعِشْرُونَ: إِقَامَةُ صِيغَةٍ مَقَامَ أُخْرَى وَتَحْتَهُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا إِطْلَاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى الْفَاعِلِ نَحْوُ: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} وَلِهَذَا أَفْرَدَهُ وَعَلَى الْمَفْعُولِ نَحْوُ: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} أَيْ مِنْ مَعْلُومِهِ، {صُنْعَ اللَّهِ} أَيْ مَصْنُوعَهُ، {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ

كَذِبٍ} أَيْ مَكْذُوبٍ فِيهِ لِأَنَّ الْكَذِبَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْوَالِ لَا الْأَجْسَامِ وَمِنْهَا إِطْلَاقُ الْبُشْرَى عَلَى الْمُبَشَّرِ بِهِ وَالْهَوَى عَلَى الْمَهْوِيِّ وَالْقَوْلِ عَلَى الْمَقُولِ. وَمِنْهَا إِطْلَاقُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ عَلَى الْمَصْدَرِ نَحْوُ: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أي تكذيب {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} أَيِ الِفِتْنَةُ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ غَيْرُ زَائِدَةٍ وَمِنْهَا إِطْلَاقُ فَاعِلٍ عَلَى مَفْعُولٍ نَحْوُ: {مَاءٍ دَافِقٍ} أَيْ مَدْفُوقٍ {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ} أَيْ لَا مَعْصُومَ {جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} أَيْ مَأْمُونًا فِيهِ وَعَكْسُهُ نَحْوُ: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} أي آتيا {حِجَاباً مَسْتُوراً} أي ساترا وقيل: على بابه أي مستورا على الْعُيُونِ لَا يُحِسُّ بِهِ أَحَدٌ وَمِنْهَا إِطْلَاقُ "فَعِيلٍ" بِمَعْنَى "مَفْعُولٍ" نَحْوُ: {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً} وَمِنْهَا إِطْلَاقُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ عَلَى آخَرَ مِنْهَا مِثَالُ إِطْلَاقِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُثَنَّى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} أَيْ يُرْضُوهُمَا فَأُفْرِدَ لِتَلَازُمِ الرِّضَاءَيْنِ وَعَلَى الْجَمْعِ نَحْوُ: {إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أَيِ الِأَنَاسِيَّ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} بدليل {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} وَمِثَالُ إِطْلَاقِ الْمُثَنَّى عَلَى الْمُفْرَدِ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} أَيْ أَلْقِ

وَمِنْهُ كُلُّ فِعْلٍ نُسِبَ إِلَى شَيْئَيْنِ وَهُوَ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ نَحْوُ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمِلْحُ دُونَ الْعَذْبِ وَنَظِيرُهُ {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} وَإِنَّمَا تَخْرُجُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمِلْحِ، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} أَيْ فِي إِحْدَاهُنَّ {نَسِيَا حُوتَهُمَا} وَالنَّاسِي يُوشَعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِمُوسَى: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} وَإِنَّمَا أُضِيفَ النِّسْيَانُ إِلَيْهِمَا مَعًا لِسُكُوتِ مُوسَى عَنْهُ {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} وَالتَّعْجِيلُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} قَالَ الْفَارِسِيُّ أَيْ مِنْ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ وَلَيْسَ مِنْهُ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وَأَنَّ الْمَعْنَى جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ وَفِي كِتَابِ"ذَا الْقَدِّ" لِابْنِ جِنِّي أَنَّ مِنْهُ {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} وَإِنَّمَا الْمُتَّخَذُ إِلَهًا عِيسَى دُونَ مَرْيَمَ وَمِثَالُ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْجَمْعِ {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} أَيْ كَرَّاتٍ لِأَنَّ الْبَصَرَ لَا يُحْسَرُ إِلَّا بِهَا وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ قَوْلَهَ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} وَمِثَالُ إِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الْمُفْرَدِ: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} ،أَيْ أَرْجِعْنِي وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ فَارِسٍ: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} وَالرَّسُولُ وَاحِدٌ بِدَلِيلِ {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَاطَبَ رَئِيسَهُمْ لا سيما

وعادة الملوك جارية ألا يُرْسِلُوا وَاحِدًا وَجَعَلَ مِنْهُ {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ} أَيْ جِبْرِيلَ {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} وَالْقَاتِلُ وَاحِدٌ وَمِثَالُ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْمُثَنَّى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} {قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ} ، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} أَيْ أَخَوَانِ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أَيْ قَلْبَاكُمَا {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} إِلَى قَوْلِهِ {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} وَمِنْهَا إِطْلَاقُ الْمَاضِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ نَحْوُ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} أَيِ السَّاعَةُ بِدَلِيلِ {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} الآية {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً} {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ} وَعَكْسُهُ لِإِفَادَةِ الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ وَاسْتَمَرَّ نَحْوُ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ} {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي تلت {وَلَقَدْ نَعْلَمُ} أَيْ عَلِمْنَا {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أَيْ عَلِمَ، {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} أي قتلتم، {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً

تَقْتُلُونَ} {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً} أَيْ قَالُوا وَمِنْ لَوَاحِقَ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ لَا فِي الِاسْتِقْبَالِ نَحْوُ: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} وَمِنْهَا إِطْلَاقُ الْخَبَرِ عَلَى الطَّلَبِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ دُعَاءً مُبَالِغَةً فِي الْحَثِّ عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَقَعَ وَأَخْبَرَ عَنْهُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وُرُودُ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ أَوِ النَّهْيُ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ الْأَمْرِ أَوِ النَّهْيِ كَأَنَّهُ سُورِعَ فِيهِ إِلَى الِامْتِثَالِ وَأُخْبِرَ عَنْهُ نَحْوُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} "فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحج" على قراءة، الرافع {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} أَيْ لَا تُنْفِقُوا إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ {لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} أي لا يمسسه {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ} ، أَيْ لَا تَعْبُدُوا بِدَلِيلِ {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} ، أَيِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَعَكْسُهُ، نَحْوُ: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً} أَيْ يَمُدُّ، {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} أي ونحن حاملون بدليل {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وَالْكَذِبُ إِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْخَبَرِ، {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً}

قَالَ الْكَوَاشِيُّ: فِي الْآيَةِ الْأَوْلَى الْأَمْرُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَبْلَغُ مِنَ الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِهِ اللُّزُومَ نَحْوُ: "إِنْ زُرْتَنَا فَلْنُكْرِمْكَ" يُرِيدُونَ تَأْكِيدَ إِيجَابِ الْإِكْرَامِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِيجَابِ فَشُبِّهَ الخبر به في إيجابه. منها: وَضَعُ النِّدَاءِ مَوْضِعَ التَّعَجُّبِ نَحْوُ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} قال الفراء: معناه فيالها حَسْرَةً وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: هَذِهِ مِنْ أَصْعَبِ مَسْأَلَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْحَسْرَةَ لَا تُنَادَى وَإِنَّمَا يُنَادَى الْأَشْخَاصُ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ التَّنْبِيهُ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى عَلَى التَّعَجُّبِ. وَمِنْهَا وَضْعُ جَمْعِ الْقِلَّةَ مَوْضِعَ الْكَثْرَةِ، نَحْوُ: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} وَغُرَفُ الْجَنَّةِ لَا تُحْصَى، {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وَرُتَبُ النَّاسِ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنَ الْعَشَرَةِ لَا مَحَالَةَ، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ} {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} وَنُكْتَةُ التَّقْلِيلِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ التَّسْهِيلُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ وَعَكْسُهُ نَحْوُ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} وَمِنْهَا تَذْكِيرُ الْمُؤَنَّثِ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِمُذَكَّرٍ، نَحْوُ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} أَيْ وُعِظَ {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} عَلَى تَأْوِيلِ الْبَلْدَةِ بِالْمَكَانِ {فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} أَيِ الشَّمْسُ أَوِ الطَّالِعُ {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذُكِرَتْ عَلَى مَعْنَى الْإِحْسَانِ

وَقَالَ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِي قَوْلِهِ: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} : إِنَّ الْإِشَارَةَ لِلرَّحْمَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ "وَلِتِلْكَ" لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي تَأْوِيلِ "أَنْ يَرْحَمَ" وَمِنْهَا تَأْنِيثُ الْمُذَكَّرِ نَحْوُ: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا} أَنَّثَ الْفِرْدَوْسَ وَهُوَ مُذَكَّرٌ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الْجَنَّةِ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} أنت "عَشْرًا" حَيْثُ حَذَفَ الْهَاءَ مَعَ إِضَافَتِهَا إِلَى "الْأَمْثَالِ" وَوَاحِدُهَا مُذَكِّرٌ فَقِيلَ لِإِضَافَةِ الْأَمْثَالِ إِلَى مُؤَنَّثٍ وَهُوَ ضَمِيرُ الْحَسَنَاتِ فَاكْتَسَبَ مِنْهُ التَّأْنِيثَ وَقِيلَ هُوَ مِنْ بَابِ مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ "الْأَمْثَالَ" فِي الْمَعْنَى مُؤَنَّثَةٌ لِأَنَّ مِثْلَ الْحَسَنَةِ حَسَنَةٌ وَالتَّقْدِيرُ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالُهُا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْقَوَاعِدِ الْمُهِمَّةِ قَاعِدَةً فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ وَمِنْهَا التَّغْلِيبُ وَهُوَ إِعْطَاءُ الشَّيْءِ حُكْمَ غَيْرِهِ: وَقِيلَ تَرْجِيحُ أَحَدِ المعلومين عَلَى الْآخَرِ وَإِطْلَاقُ لَفْظِهِ عَلَيْهِمَا إِجْرَاءً لِلْمُخْتَلِفِينَ مَجْرَى الْمُتَّفِقِينَ، نَحْوُ: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} {إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} وَالْأَصْلُ "مِنَ الْقَانِتَاتِ" وَ "الْغَابِرَاتِ" فَعُدَّتِ الْأُنْثَى مِنَ الْمُذَكِّرِ بِحُكْمِ التَّغْلِيبِ، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أَتَى بِتَاءِ الْخِطَابِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ "أَنْتُمْ" عَلَى جَانِبِ "قَوْمٌ" وَالْقِيَاسُ أَنْ يُؤْتَى بِيَاءِ الْغَيْبَةِ لِأَنَّهُ صفة "لقوم" وَحَسَّنَ الْعُدُولَ عَنْهُ وُقُوعُ الْمَوْصُوفِ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} غَلَبَ فِي الضَّمِيرِ الْمُخَاطَبِ

وَإِنْ كَانَ "مَنْ تَبِعَكَ" يَقْتَضِي الْغَيْبَةَ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَائِبُ تَبَعًا لِلْمُخَاطِبِ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْعُقُوبَةِ جُعِلَ تَبَعًا لَهُ فِي اللَّفْظِ أَيْضًا وَهَوَ مِنْ مَحَاسِنِ ارْتِبَاطِ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} غَلَّبَ غَيْرَ الْعَاقِلِ حَيْثُ أَتَى بِ "مَا" لِكَثْرَتِهِ وَفِي آيَةٍ أُخْرَى بِ "مِنْ" فَغَلَّبَ الْعَاقِلَ لشرفه {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} أَدْخَلَ شُعَيْبٌ فِي "لَتَعُودُنَّ "بِحُكْمِ التَّغْلِيبِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلَّتِهِمْ أَصْلًا حَتَّى يَعُودَ فِيهَا وَكَذَا قَوْلُهُ {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ} عُدَّ مِنْهُمْ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَغْلِيبًا لِكَوْنِهِ كَانَ بَيْنَهُمْ {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} أَيِ الِمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: وَغَلَّبَ الْمَشْرِقَ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ الجهتين {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أَيِ الِمِلْحِ وَالْعَذْبِ وَالْبَحْرُ خَاصٌّ بِالْمِلْحِ فَغُلِّبَ لِكَوْنِهِ أَعْظَمَ {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ} أَيْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ وَالدَّرَجَاتُ لِلْعُلُوِّ وَالدَّرَكَاتُ لِلسُّفْلِ فَاسْتَعْمَلَ الدَّرَجَاتِ فِي الْقِسْمَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْأَشْرَفِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَإِنَّمَا كَانَ التَّغْلِيبُ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ" الْقَانِتِينَ" مَوْضُوعٌ لِلذُّكُورِ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذَا الْوَصْفِ فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إِطْلَاقٌ عَلَى غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَكَذَا بَاقِي الْأَمْثِلَةِ وَمِنْهَا اسْتِعْمَالُ حُرُوفِ الْجَرِّ فِي غَيْرِ مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينَ.

وَمِنْهَا اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ "افْعَلْ" لِغَيْرِ الْوُجُوبِ وَصِيغَةِ "لَا تَفْعَلْ" لِغَيْرِ التَّحْرِيمِ وَأَدَوَاتُ الِاسْتِفْهَامِ لِغَيْرِ طَلَبِ التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ وَأَدَاةُ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي وَالنِّدَاءِ لِغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي كُلُّ ذَلِكَ فِي الْإِنْشَاءِ. وَمِنْهَا التَّضْمِينُ وَهُوَ إِعْطَاءُ الشَّيْءِ مَعْنَى الشَّيْءِ وَيَكُونُ فِي الْحُرُوفِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ أَمَّا الْحُرُوفُ فَتَقَدَّمَ فِي حُرُوفِ الْجَرِّ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَأَنْ يُضَمَّنَ فِعْلٌ مَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ فَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ مَعًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْتِيَ الْفِعْلُ مُتَعَدِّيًا بِحَرْفٍ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ التَّعَدِّي بِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِهِ أَوْ تَأْوِيلِ الْحَرْفِ لِيَصِحَّ التَّعَدِّي بِهِ وَالْأَوَّلُ تَضْمِينُ الْفِعْلِ وَالثَّانِي تَضْمِينُ الْحَرْفِ وَاخْتَلَفُوا أَيُّهُمَا أَوْلَى فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَقَوْمٌ مِنَ النُّحَاةِ التَّوَسُّعُ فِي الْحَرْفِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ التَّوَسُّعُ فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ فِي الْأَفْعَالِ أَكْثَرُ مِثَالُهُ {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} فَيَشْرَبُ إِنَّمَا يَتَعَدَّى بِمِنْ فَتَعْدِيَتُهُ بِالْبَاءِ إِمَّا عَلَى تَضْمِينِهِ مَعْنَى "يروي" و "يَلْتَذُّ" أَوْ تَضْمِينِ الْبَاءِ مَعْنَى "من" نحو {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} فَالرَّفَثُ لَا يَتَعَدَّى بِإِلَى إِلَّا عَلَى تَضَمُّنِ معنى الإفضاء {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} والأصل "في أن" فضمن مَعْنَى "أَدْعُوكَ"، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} عُدِّيَتْ بِعَنْ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَأَمَّا فِي الْأَسْمَاءِ فَأَنْ يُضَمَّنَ اسْمٌ مَعْنَى اسْمٍ لِإِفَادَةِ مَعْنَى الِاسْمَيْنِ مَعًا نَحْوُ {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} ضُمِّنَ "حَقِيقٌ" مَعْنَى "حَرِيصٌ"

لِيُفِيدَ أَنَّهُ مَحْقُوقٌ بِقَوْلِ الْحَقِّ وَحَرِيصٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ التَّضْمِينُ مَجَازًا لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُوضَعْ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جائز. فَصْلٌ فِي أَنْوَاعٍ مُخْتَلَفٍ فِي عَدِّهَا مِنَ الْمَجَازِ وَهِيَ سِتَّةٌ أَحَدُهَا: الْحَذْفُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنَ الْمَجَازِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الْمَجَازَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ وَالْحَذْفُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: حَذْفُ الْمُضَافِ هُوَ عَيْنُ الْمَجَازِ وَمُعْظَمُهُ وَلَيْسَ كُلُّ حَذْفٍ مَجَازًا وَقَالَ الْقَرَافِيُّ الْحَذْفُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادِ نَحْوُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أَيْ أَهْلَهَا إِذْ لَا يَصِحُّ إِسْنَادُ السُّؤَالِ إِلَيْهَا وَقِسْمٌ يَصِحُّ بِدُونِهِ لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ شَرْعًا كَقَوْلِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ وَقِسْمٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَادَةً لَا شَرْعًا نَحْوُ: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} أَيْ فَضَرَبَهُ وَقِسْمٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ غَيْرُ شَرْعِيٍّ وَلَا هُوَ عَادَةً نَحْوُ: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا قَبَضَ مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَجَازٌ إِلَّا الْأَوَّلَ.

وَقَالَ الزَّنْجَانِيُّ فِي الْمِعْيَارِ: إِنَّمَا يَكُونُ مَجَازًا إِذَا تَغَيَّرَ حُكْمٌ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ كَحَذْفِ خبرالمبتدأ الْمَعْطُوفِ عَلَى جُمْلَةٍ فَلَيْسَ مَجَازًا إِذْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ مَا بَقِيَ مِنَ الْكَلَامِ وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ فِي الْإِيضَاحِ: مَتَى تَغَيَّرَ إِعْرَابُ الْكَلِمَةِ بِحَذْفٍ أَوْ زِيَادَةٍ فَهِيَ مَجَازٌ نَحْوُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فَإِنْ كَانَ الْحَذْفُ أَوِ الزِّيَادَةُ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْإِعْرَابِ نَحْوُ: {أَوْ كَصَيِّبٍ} {فَبِمَا رَحْمَةٍ} فَلَا تُوصَفُ الْكَلِمَةُ بِالْمَجَازِ الثَّانِي: التَّأْكِيدُ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا مَا أَفَادَهُ الْأَوَّلُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ قَالَ الطرطرشي فِي الْعُمْدَةِ: وَمَنْ سَمَّاهُ مَجَازًا قُلْنَا لَهُ إِذَا كَانَ التَّأْكِيدُ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ نَحْوُ: "عَجِّلْ عَجِّلْ"وَنَحْوِهِ: فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَجَازًا جَازَ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِذَا بَطَلَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَجَازِ بِطَلَ حَمْلُ الثَّانِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ الثَّالِثُ التَّشْبِيهُ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مَجَازٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ. قَالَ الزَّنْجَانِيُّ فِي الْمِعْيَارِ: لِأَنَّهُ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي وَلَهُ أَلْفَاظٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا فَلَيْسَ في نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ إِنْ كَانَ بِحَرْفٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ بِحَذْفِهِ فَمَجَازٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَذْفَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ

الرَّابِعُ الْكِنَايَةُ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا حَقِيقَةٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ وَأُرِيدَ بِهَا الدِّلَالَةُ عَلَى غَيْرِهِ. الثَّانِي: أَنَّهَا مَجَازٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لِمَنْعِهِ فِي الْمَجَازِ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ مَعَ المجازي وتجويزه ذلك فيه. الرَّابِعُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ أَنَّهَا تَنْقَسِمُ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ فَإِنِ اسْتَعْمَلْتَ اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمَ الْمَعْنَى أَيْضًا فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْمَعْنَى بَلْ عَبَّرَ بِالْمَلْزُومِ عَنِ اللَّازِمِ فَهُوَ مَجَازٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مِنْهَا أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ لِيُفِيدَ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ وَالْمَجَازُ مِنْهَا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ مَوْضُوعِهِ اسْتِعْمَالًا وَإِفَادَةً. الْخَامِسُ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ عَدَّهُ قَوْمٌ مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ مَا رُتْبَتُهُ التَّأْخِيرُ كَالْمَفْعُولِ وَتَأْخِيرَ مَا رُتْبَتُهُ التَّقْدِيمُ كَالْفَاعِلِ نَقْلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مَرْتَبَتِهِ وَحَقِّهِ. قَالَ: فِي الْبُرْهَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَجَازَ نَقْلُ مَا وُضِعَ إِلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ السَّادِسُ: الِالْتِفَاتُ قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ قَالَ وَهُوَ حَقِيقَةٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَجْرِيدٌ.

فَصْلٌ فِيمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ هُوَ الْمَوْضُوعَاتُ الشَّرْعِيَّةُ كالصلاة والزكاة وَالْحَجِّ فَإِنَّهَا حَقَائِقُ بِالنَّظَرِ إِلَى الشَّرْعِ مَجَازَاتٌ بِالنَّظَرِ إِلَى اللُّغَةِ. فَصْلٌ فِي الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قِيلَ بِهَا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءٍ: أَحَدُهَا: اللَّفْظُ قَبْلُ الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا الْقِسْمُ مَفْقُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوَائِلُ السُّورِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْحُرُوفِ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الكلام ثانيها: الْأَعْلَامُ ثَالِثُهَا: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْمُشَاكَلَةِ نَحْوُ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ فَلَيْسَ حَقِيقَةً وَلَا عَلَاقَةً مُعْتَبَرَةً فَلَيْسَ مَجَازًا كَذَا فِي شَرْحِ بَدِيعِيَّةِ ابْنِ جَابِرٍ لِرَفِيقِهِ قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهَا مَجَازٌ وَالْعَلَاقَةُ الْمُصَاحَبَةُ.

خَاتِمَةٌ لَهُمْ مَجَازُ الْمَجَازِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمَجَازَ الْمَأْخُوذَ عَنِ الْحَقِيقَةِ بِمَثَابَةِ الْحَقِيقَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَجَازٍ آخَرَ فَيَتَجَوَّزُ بِالْمَجَازِ الْأَوَّلِ عَنِ الثَّانِي لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ مَجَازٍ فَإِنَّ الْوَطْءَ تُجَوِّزُ عَنْهُ بِالسِّرِّ لِكَوْنِهِ لَا يَقَعُ غَالِبًا إِلَّا فِي السِّرِّ وَتُجَوِّزُ بِهِ عَنِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ فَالْمُصَحِّحُ لِلْمَجَازِ الْأَوَّلِ الْمُلَازِمَةُ وَالثَّانِي السَّبَبِيَّةُ وَالْمَعْنَى "لَا تُوَاعِدُوهُنَّ عَقْدَ نِكَاحٍ" وَكَذَا قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} فَإِنَّ قَوْلَهُ: {لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} مَجَازٌ عَنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِمَدْلُولِ هَذَا اللَّفْظِ وَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ لِأَنَّ تَوْحِيدَ اللِّسَانِ مُسَبَّبٌ عَنْ تَوْحِيدِ الْجَنَانِ وَالتَّعْبِيرُ بِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" عَنِ الْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِالْقَوْلِ عَنِ الْمَقُولِ فِيهِ وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ السَّيِّدِ قوله: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً} فَإِنَّ الْمُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ اللِّبَاسِ بَلِ الْمَاءُ الْمُنْبِتُ لِلزَّرْعِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ الْغَزَلُ الْمَنْسُوجُ مِنْهُ اللِّبَاسُ.

النوع الثالث والخمسون: في تشبيهه واستعاراته

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: فِي تَشْبِيهِهِ وَاسْتِعَارَاتِهِ التَّشْبِيهُ نَوْعٌ مِنْ أَشْرَفِ أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ وَأَعْلَاهَا قَالَ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ لَوْ قَالَ قَائِلٌ هُوَ أَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ لَمْ يَبْعُدْ وَقَدْ أَفْرَدَ تَشْبِيهَاتِ الْقُرْآنِ بِالتَّصْنِيفِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْبُنْدَارِ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ "الْجُمَانَ" وَعَرَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ السَّكَّاكِيُّ: بِأَنَّهُ الدلالة على مشاركة أمر لِأَمْرٍ فِي مَعْنًى وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ هُوَ إِخْرَاجُ الْأَغْمَضِ إِلَى الْأَظْهَرِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ إِلْحَاقُ شَيْءٍ بِذِي وَصْفٍ فِي وَصْفِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ تُثْبِتَ لِلْمُشَبَّهِ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَأْنِيسُ النَّفْسِ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ خَفِيٍّ إِلَى جَلِيٍّ وَإِدْنَائِهِ الْبَعِيدَ مِنَ الْقَرِيبِ لِيُفِيدَ بَيَانًا وَقِيلَ الْكَشْفُ عَنِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مَعَ الِاخْتِصَارِ وَأَدَوَاتُهُ حُرُوفٌ وَأَسْمَاءُ وَأَفْعَالٌ فَالْحُرُوفُ الْكَافُ نحو: {كَرَمَادٍ} وكأن نحو: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} وَالْأَسْمَاءُ مِثْلٌ وَشِبْهٌ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُشْتَقُّ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُشَابَهَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَا تُسْتَعْمَلُ "مَثَلُ" إِلَّا فِي حَالٍ أَوْ صِفَةٍ لَهَا شَأْنٌ وَفِيهَا غَرَابَةٌ نَحْوُ: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} وَالْأَفْعَالُ نَحْوُ: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} قال في التخليص اتِّبَاعًا لِلسَّكَاكِيِّ: وَرُبَّمَا يُذْكَرُ فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنِ التَّشْبِيهِ فَيُؤْتَى فِي التَّشْبِيهِ الْقَرِيبِ بِنَحْوِ: "عَلِمْتُ زَيْدًا أَسَدًا" الدَّالِّ عَلَى التَّحْقِيقِ وَفِي الْبَعِيدِ بِنَحْوِ: "حَسِبْتُ زَيْدًا أَسَدًا" الدَّالِّ عَلَى الظَّنِّ وَعَدَمِ التَّحْقِيقِ وخالفه جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الطِّيبِيُّ فَقَالُوا: فِي كَوْنِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ تُنْبِئُ عَنِ التَّشْبِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْفِعْلَ يُنْبِئُ عَنْ حَالِ التَّشْبِيهِ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَأَنَّ الْأَدَاةَ مَحْذُوفَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى بِدُونِهِ. ذِكْرُ أَقْسَامِهِ يَنْقَسِمُ التَّشْبِيهُ بِاعْتِبَارَاتٍ: الْأَوَّلُ: بِاعْتِبَارِ طَرَفَيْهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُمَا إِمَّا حِسِّيَّانِ أَوْ عَقْلِيَّانِ أَوِ الْمُشَبَّهُ بِهِ حِسِّيٌّ وَالْمُشَبَّهُ عَقْلِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ مِثَالُ الْأَوَّلِ: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} وَمِثَالُ الثَّانِي: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} كَذَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَاقِعٌ فِي الْقَسْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ بَيْنِ الْقُلُوبِ وَالْحِجَارَةِ فَهُوَ مِنَ الْأَوَّلِ.

وَمِثَالُ الثَّالِثِ: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} وَمِثَالُ الرَّابِعُ: لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ بَلْ مَنَعَهُ الْإِمَامُ أَصْلًا لِأَنَّ الْعَقْلَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْحِسِّ فَالْمَحْسُوسُ أَصْلٌ لِلْمَعْقُولِ وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْأَصْلِ فَرْعًا وَالْفَرْعَ أَصْلًا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} الثَّانِي: يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ وَجْهِهِ إِلَى مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ وَالْمُرَكَّبُ أَنْ يُنْتَزَعَ وَجْهُ الشَّبَهِ مِنْ أُمُورٍ مَجْمُوعٍ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ كَقَوْلِهِ: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} فَالتَّشْبِيهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَحْوَالِ الْحِمَارِ وَهُوَ حِرْمَانُ الِانْتِفَاعِ بِأَبْلَغِ نَافِعٍ مَعَ تَحَمُّلِ التَّعَبِ فِي اسْتِصْحَابِهِ وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} إِلَى قَوْلِهِ: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} فَإِنَّ فِيهِ عَشْرَ جُمَلٍ وَقْعَ التَّرْكِيبُ مِنْ مَجْمُوعِهَا بِحَيْثُ لَوْ سَقَطَ مِنْهَا شَيْءٌ اخْتَلَّ التَّشْبِيهُ إِذِ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ حَالِ الدُّنْيَا فِي سُرْعَةِ تَقَضِّيهَا وَانْقِرَاضِ نَعِيمِهَا وَاغْتِرَارِ النَّاسِ بِهَا بِحَالِ مَاءٍ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَأَنْبَتَ أَنْوَاعَ الْعُشْبِ وَزَيَّنَ بِزُخْرُفِهَا وَجْهَ الْأَرْضِ كَالْعَرُوسِ إِذَا أَخَذَتِ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ حَتَّى إِذَا طَمِعَ أَهْلُهَا فِيهَا وَظَنُّوا أَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْجَوَائِحِ أَتَاهَا بِأْسُ اللَّهِ فَجْأَةً فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَمْسِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجْهُ تَشْبِيهِ الدُّنْيَا بِالْمَاءِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَاءَ إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُ فَوْقَ حَاجَتِكَ تَضَرَّرْتَ وَإِنْ أَخَذْتَ قَدَرَ الْحَاجَةِ انْتَفَعْتَ بِهِ فَكَذَلِكَ الدُّنْيَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَاءَ إِذَا طَبَّقْتَ عَلَيْهِ كَفَّكَ لِتَحْفَظَهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ الدُّنْيَا. وَقَوْلُهُ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} الْآيَةَ فَشَبَّهَ نُورَهُ الَّذِي يُلْقِيهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ بِمِصْبَاحٍ اجْتَمَعَتْ فِيهِ أَسْبَابُ الْإِضَاءَةِ إِمَّا بِوَضْعِهِ فِي مِشْكَاةٍ وَهِيَ الطَّاقَةُ الَّتِي لَا تَنْفُذُ وَكَوْنُهَا لَا تَنْفُذُ لِتَكُونَ أَجْمَعَ لِلْبَصَرِ وَقَدْ جُعِلَ فِيهَا مِصْبَاحٌ فِي دَاخِلِ زُجَاجَةٍ تُشْبِهُ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي صَفَائِهَا وَدُهْنُ الْمِصْبَاحِ مِنْ أَصْفَى الْأَدْهَانِ وَأَقْوَاهَا وَقُودًا لِأَنَّهُ مَنْ زَيْتِ شجرة في وسط السراج لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ فَلَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ فِي أَحَدِ طَرَفَيِ النَّهَارِ بَلْ تُصِيبُهَا الشَّمْسُ أَعْدَلَ إصابة وهذا مثل ضربه الله لِلْمُؤْمِنِ ثُمَّ ضَرَبَ لِلْكَافِرِ مَثَلَيْنِ أَحَدُهُمَا كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ وَالْآخَرُ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ إِلَى آخِرِهِ وَهُوَ أَيْضًا تَشْبِيهُ تَرْكِيبٍ. الثَّالِثُ: يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إِلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: تَشْبِيهُ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَاسَّةُ بِمَا لَا تَقَعُ اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَةِ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ فَإِنَّ إِدْرَاكَهُمَا أَبْلَغُ مِنْ إِدْرَاكِ الْحَاسَّةِ كقوله: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} شَبَّهَ بِمَا لَا يُشَكُّ أَنَّهُ قَبِيحٌ لِمَا حَصَلَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنْ بَشَاعَةِ صُورَةِ الشَّيَاطِينِ وَإِنْ لَمْ تَرَهَا عَيَانًا. الثَّانِي: عَكْسُهُ وَهُوَ تَشْبِيهُ مَا لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَاسَّةُ بِمَا تَقَعُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} الآية أَخْرَجَ مَا لَا يُحَسُّ وَهُوَ

الْإِيمَانُ إِلَى مَا يُحَسُّ وَهُوَ السَّرَابُ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بُطْلَانُ التَّوَهُّمِ مَعَ شَدَّةِ الْحَاجَةِ وَعِظَمِ الْفَاقَةِ. الثَّالِثُ: إِخْرَاجُ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ إِلَى مَا جَرَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِارْتِفَاعُ فِي الصُّورَةِ. الرَّابِعُ: إِخْرَاجُ مَا لَا يُعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ إِلَى مَا يُعْلَمُ بِهَا كَقَوْلِهِ: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} وَالْجَامِعُ الْعِظَمُ وَفَائِدَتُهُ التَّشْوِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ بِحُسْنِ الصِّفَةِ وَإِفْرَاطِ السَّعَةِ. الْخَامِسُ: إِخْرَاجُ مَا لَا قُوَّةَ لَهُ فِي الصِّفَةِ إِلَى مَا لَهُ قُوَّةٌ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} وَالْجَامِعُ فِيهِمَا الْعِظَمُ وَالْفَائِدَةُ إِبَانَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْخِيرِ الْأَجْسَامِ الْعِظَامِ فِي أَلْطَفِ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَاءِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ انْتِفَاعِ الْخَلْقِ بِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَقَطْعِهَا الْأَقْطَارَ الْبَعِيدَةَ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ وَمَا يُلَازِمُ ذَلِكَ مِنْ تَسْخِيرِ الرياح للإنسان فتضمن الكلام نبأ عَظِيمًا مِنَ الْفَخْرِ وَتَعْدَادِ النِّعَمِ وعلى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ تَجْرِي تَشْبِيهَاتُ الْقُرْآنِ السَّادِسُ: يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إِلَى: مُؤَكَّدٍ: وَهُوَ مَا حُذِفَتْ فِيهِ الْأَدَاةُ نَحْوُ: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} أَيْ مِثْلَ مَرِّ السَّحَابِ {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} وَمُرْسَلٍ: وَهُوَ مَا لَمْ تُحْذَفْ كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ والمحذوف الْأَدَاةِ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ الثَّانِي مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ تَجَوُّزًا.

قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ دُخُولُ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمُشَبَّهِ إِمَّا لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فيقلب التشبيه ويجعل الْمُشَبَّهَ هُوَ الْأَصْلَ نَحْوُ: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} كَأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقُولُوا إِنَّمَا الرِّبَا مِثْلُ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرِّبَا لَا فِي الْبَيْعِ فَعَدَلُوا عَنْ ذَلِكَ وَجَعَلُوا الرِّبَا أَصْلًا مُلْحَقًا بِهِ الْبَيْعُ فِي الجواز لأنه الْخَلِيقُ بِالْحَلِّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} فَإِنَّ الظَّاهِرَ الْعَكْسُ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ سَمَّوْهَا آلِهَةً تَشْبِيهًا بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَجَعَلُوا غَيْرَ الْخَالِقِ مِثْلَ الْخَالِقِ فَخُولِفَ فِي خِطَابِهِمْ لِأَنَّهُمْ بَالَغُوا فِي عِبَادَتِهِمْ وَغَلَوْا حَتَّى صَارَتْ عِنْدَهُمْ أَصْلًا فِي الْعِبَادَةِ فَجَاءَ الرَّدُّ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ وَإِمَّا لِوُضُوحِ الْحَالِ نَحْوُ: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} فَإِنَّ الْأَصْلَ "وَلَيْسَ الْأُنْثَى كَالذَّكَرِ" وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمَعْنَى "وَلَيْسَ الذَّكَرُ الَّذِي طَلَبْتُ كَالْأُنْثَى الَّتِي وُهِبْتُ" وَقِيلَ: لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ لِأَنَّ قَبْلَهُ: {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِمَا اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِ نَحْوُ: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} الْآيَةَ الْمُرَادُ "كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ خَالِصِينَ فِي الِانْقِيَادِ كَشَأْنِ مُخَاطِبِي عِيسَى إِذْ قَالُوا."

قَاعِدَةٌ الْقَاعِدَةُ فِي الْمَدْحِ تَشْبِيهُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى وَفِي الذَّمِّ تَشْبِيهُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى لِأَنَّ الذَّمَّ مَقَامُ الْأَدْنَى وَالْأَعْلَى طَارِئٌ عَلَيْهِ فَيُقَالُ فِي المدح حصى كَالْيَاقُوتِ وَفِي الذَّمِّ يَاقُوتٌ كَالزُّجَاجِ وَكَذَا فِي السلب ومنه: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} أَيْ فِي النُّزُولِ لَا فِي الْعُلُوِّ {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} أَيْ فِي سُوءِ الْحَالِ أَيْ لَا نَجْعَلُهُمْ كَذَلِكَ نَعَمْ أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} فَإِنَّهُ شَبَّهَ فِيهِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى لَا فِي مَقَامِ السَّلْبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ إِلَى أَذْهَانِ الْمُخَاطَبِينَ إِذْ لَا أَعْلَى مِنْ نُورِهِ فَيُشَبَّهُ بِهِ. فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: لَمْ يَقَعْ فِي القرآن نشبيه شَيْئَيْنِ بِشَيْئَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا وَقَعَ فِيهِ تَشْبِيهُ وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ. فَصْلٌ زُوِّجَ الْمَجَازُ بِالتَّشْبِيهِ فَتَوَلَّدَ بَيْنَهُمَا الِاسْتِعَارَةُ فَهِيَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ أَوْ يُقَالُ فِي تَعْرِيفِهَا: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا شُبِّهَ بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ

وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ لَا لِلْمُشَبَّهِ ولا لأعم مِنْهُمَا فَأَسَدٌ فِي قَوْلِكَ رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي مَوْضُوعٌ لِلسَّبُعِ لَا لِلشُّجَاعِ وَلَا لِمَعْنًى أَعَمَّ مِنْهُمَا كَالْحَيَوَانِ الْجَرِيءِ مَثَلًا لِيَكُونَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةً كَإِطْلَاقِ الْحَيَوَانِ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ: مَجَازٌ عَقْلِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا فِي أَمْرٍ عَقْلِيٍّ لَا لُغَوِيٍّ لِأَنَّهَا لَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُشَبَّهِ إِلَّا بَعْدَ ادِّعَاءِ دُخُولِهِ فِي جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَكَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ نَقْلِ الِاسْمِ وَحْدَهُ وَلَيْسَ نَقْلُ الِاسْمِ الْمُجَرَّدِ اسْتِعَارَةً لِأَنَّهُ لَا بَلَاغَةَ فِيهِ بِدَلِيلِ الْأَعْلَامِ الْمَنْقُولَةِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَقْلِيًّا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَقِيقَةُ الِاسْتِعَارَةِ أَنْ تُسْتَعَارَ الْكَلِمَةُ مِنْ شَيْءٍ مَعْرُوفٍ بِهَا إِلَى شَيْءٍ لَمْ يُعْرَفْ بِهَا وَحِكْمَةُ ذَلِكَ إِظْهَارُ الْخَفِيِّ وَإِيضَاحُ الظَّاهِرِ الَّذِي لَيْسَ بِجَلِيٍّ أَوْ حُصُولُ الْمُبَالَغَةِ أَوِ الْمَجْمُوعِ مِثَالُ إِظْهَارِ الْخَفِيِّ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ: "وَأَنَّهُ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ" فَاسْتُعِيرَ لَفْظُ الْأُمِّ لِلْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ تَنْشَأُ مِنَ الْأُمِّ كما تنشأ الْفُرُوعِ مِنَ الْأُصُولِ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ تَمْثِيلُ مَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ حَتَّى يصيرمرئيا فَيَنْتَقِلُ السَّامِعُ مِنْ حَدِّ السَّمَاعِ إِلَى حَدِّ الْعَيَانِ وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْبَيِانِ وَمِثَالُ إِيضَاحِ مَا لَيْسَ بِجَلِيٍّ لِيَصِيرَ جَلِيًّا: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} فَإِنَّ الْمُرَادَ أَمْرُ الْوَلَدِ بِالذُّلِّ لِوَالِدَيْهِ رَحْمَةً فَاسْتُعِيرَ لِلذُّلِّ أَوَّلًا "جَانِبٌ" ثُمَّ لِلْجَانِبِ جَنَاحٌ وَتَقْدِيرُ الِاسْتِعَارَةِ الْقَرِيبَةِ: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَانِبَ الذُّلِّ" أَيِ اخِفِضْ جَانِبَكَ ذُلًّا وَحِكْمَةُ الِاسْتِعَارَةِ فِي هَذَا جَعْلُ مَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ مَرْئِيًّا لِأَجْلِ حُسْنِ الْبَيَانِ وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ خَفْضَ جَانِبِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يُبْقِي الْوَلَدُ مِنَ الذُّلِّ لَهُمَا وَالِاسْتِكَانَةِ مُمْكِنًا احْتِيجَ فِي الِاسْتِعَارَةِ إِلَى

مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْأُولَى فَاسْتُعِيرَ لَفْظُ الْجَنَاحِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَا تَحْصُلُ مِنْ خَفْضِ الْجَانِبِ لِأَنَّ مَنْ يَمِيلُ جانبه إلى جهة السفلة أَدْنَى مَيْلٍ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَفَضَ جَانِبَهُ وَالْمُرَادُ خَفْضٌ يُلْصِقُ الْجَانِبَ بِالْأَرْضِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِذِكْرِ الْجَنَاحِ كَالطَّائِرِ وَمِثَالُ الْمُبَالَغَةِ: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً} وَحَقِيقَتُهُ: " وَفَجَّرْنَا عُيُونَ الْأَرْضِ " وَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا فِي الْأَوَّلِ الْمُشْعِرِ بِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا صَارَتْ عُيُونًا. فَرْعٌ أَرْكَانُ الِاسْتِعَارَةِ ثَلَاثَةٌ: مُسْتَعَارٌ وَهُوَ لَفْظُ الْمُشَبَّهِ بِهِ ومستعار منه وهو معنى اللفظ الْمُشَبَّهِ وَمُسْتَعَارٌ لَهُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْجَامِعُ وَأَقْسَامُهَا كَثِيرَةٌ بِاعْتِبَارَاتٍ فَتَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: اسْتِعَارَةُ مَحْسُوسٍ لِمَحْسُوسٍ بِوَجْهٍ مَحْسُوسٍ نَحْوُ: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} فالمستعارة مِنْهُ هُوَ النَّارُ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ الشَّيْبُ وَالْوَجْهُ هُوَ الِانْبِسَاطُ وَمُشَابَهَةُ ضَوْءِ النَّارِ لِبَيَاضِ الشَّيْبِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَحْسُوسٌ وَهُوَ أَبْلَغُ مِمَّا لَوْ قِيلَ: "اشْتَعَلَ شَيْبُ الرَّأْسِ" لِإِفَادَةِ عُمُومِ الشَّيْبِ لِجَمِيعِ الرَّأْسِ وَمِثْلُهُ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أَصْلُ الْمَوْجِ حَرَكَةُ الْمَاءِ فَاسْتُعْمِلَ فِي حَرَكَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْجَامِعُ سُرْعَةُ الِاضْطِرَابِ وَتَتَابُعُهُ فِي الكثرة {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} اسْتُعِيرَ خُرُوجُ النَّفَسِ

شَيْئًا فَشَيْئًا لِخُرُوجِ النُّورِ مِنَ الْمَشْرِقِ عِنْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ قَلِيلًا قَلِيلًا بِجَامِعِ التَّتَابُعِ عَلَى طَرِيقِ التَّدْرِيجِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَحْسُوسٌ. الثَّانِي: اسْتِعَارَةُ مَحْسُوسٍ لِمَحْسُوسٍ بِوَجْهٍ عَقْلِيٍّ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَهِيَ أَلْطَفُ مِنَ الْأُولَى نَحْوُ: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} فَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ السَّلْخُ الَّذِي هُوَ كَشْطُ الْجِلْدِ عَنِ الشَّاةِ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ كَشْفُ الضَّوْءِ عَنْ مَكَانِ اللَّيْلِ وَهُمَا حِسِّيَّانِ وَالْجَامِعُ مَا يُعْقَلُ مِنْ تَرَتُّبِ أَمْرٍ عَلَى آخَرَ وَحُصُولِهِ عَقِبَ حُصُولِهِ كَتَرَتُّبِ ظُهُورِ اللَّحْمِ عَلَى الْكَشْطِ وَظُهُورِ الظُّلْمَةِ عَلَى كَشْفِ الضَّوْءِ عَنْ مَكَانِ اللَّيْلِ وَالتَّرَتُّبُ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ ومثله: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً} أَصْلُ الْحَصِيدِ النَّبَاتُ وَالْجَامِعُ الْهَلَاكُ وَهُوَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ. الثَّالِثُ: اسْتِعَارَةُ مَعْقُولٍ لِمَعْقُولٍ بِوَجْهٍ عَقْلِيٍّ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَهِيَ أَلْطَفُ الِاسْتِعَارَاتِ نَحْوُ {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} الْمُسْتَعَارُ مِنْهُ الرُّقَادُ أَيِ النَّوْمُ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ الْمَوْتُ وَالْجَامِعُ عَدَمُ ظُهُورِ الْفِعْلِ وَالْكُلُّ عَقْلِيٌّ وَمِثْلُهُ: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} الْمُسْتَعَارُ السُّكُوتُ وَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ السَّاكِتُ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ الْغَضَبُ. الرَّابِعُ: اسْتِعَارَةُ محسوس لمعقول بِوَجْهٍ عَقْلِيٍّ أَيْضًا نَحْوُ: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} اسْتُعِيرَ الْمَسُّ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ وَهُوَ مَحْسُوسٌ لِمُقَاسَاةِ الشَّدَّةِ وَالْجَامِعُ اللُّحُوقُ وَهُمَا عَقْلِيَّانِ: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} فَالْقَذْفُ وَالدَّمْغُ مُسْتَعَارَانِ وَهُمَا مَحْسُوسَانِ وَالْحَقُّ وَالْبَاطِلُ مُسْتَعَارٌ لَهُمَا وَهُمَا مَعْقُولَانِ: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ

مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} اسْتُعِيرَ الْحَبَلُ الْمَحْسُوسُ لِلْعَهْدِ وَهُوَ مَعْقُولٌ {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} اسْتُعِيرَ الصَّدْعُ وَهُوَ كَسْرُ الزُّجَاجَةِ وَهُوَ مَحْسُوسٌ لِلتَّبْلِيغِ وَهُوَ مَعْقُولٌ وَالْجَامِعُ التَّأْثِيرُ وَهُوَ أَبْلَغُ مَنْ "بَلَغَ" وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الصَّدْعِ أَبْلَغُ مِنْ تَأْثِيرِ التَّبْلِيغِ فَقَدْ لَا يُؤَثِّرُ التَّبْلِيغُ وَالصَّدْعُ يُؤَثِّرُ جَزْمًا {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} قَالَ الرَّاغِبُ لَمَّا كَانَ الذُّلُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَضَعُ الْإِنْسَانَ وَضَرْبٌ يَرْفَعُهُ وَقُصِدَ فِي هَذَا المكان إلى مَا يَرْفَعُ اسْتُعِيرَ لَفْظُ الْجَنَاحِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ اسْتَعْمِلِ الذُّلَّ الَّذِي يَرْفَعُكَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: {يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى} {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} {لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} كُلُّهَا مِنَ اسْتِعَارَةِ الْمَحْسُوسِ لِلْمَعْقُولِ وَالْجَامِعُ عَقْلِيٌّ. الْخَامِسُ: اسْتِعَارَةُ مَعْقُولٍ لمحسوس والجماع عَقْلِيٌّ أَيْضًا نَحْوُ: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ} المستعار منه التكبر وَهُوَ عَقْلِيٌّ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ كَثْرَةُ الْمَاءِ وَهُوَ حِسِّيٌّ وَالْجَامِعُ الِاسْتِعْلَاءُ وهو عقلي أيضا مثله: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}

وَتَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ إِلَى: أَصْلِيَّةٍ: وَهِيَ مَا كَانَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعَارُ فِيهَا اسْمُ جِنْسٍ كَآيَةِ: {بِحَبْلِ اللَّهِ} {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} {فِي كُلِّ وَادٍ} وَتَبَعِيَّةٍ: وَهِيَ مَا كَانَ اللَّفْظُ فِيهَا غَيْرُ اسْمِ جِنْسٍ كَالْفِعْلِ وَالْمُشْتَقَّاتِ كَسَائِرِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَكَالْحُرُوفِ نَحْوُ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} شَبَّهَ تَرَتُّبَ الْعَدَاوَةِ وَالْحُزْنِ عَلَى الِالْتِقَاطِ بِتَرَتُّبِ غَلَبَةِ الْغَائِيَّةِ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ فِي الْمُشَبَّهِ اللَّامُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ. وَتَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ: إِلَى مُرَشَّحَةٍ وَمُجَرَّدَةٍ وَمُطْلَقَةٍ: فَالْأُولَى: وَهِيَ أَبْلَغُهَا أَنْ تَقْتَرِنَ بِمَا يُلَائِمُ الْمُسْتَعَارَ مِنْهُ نَحْوُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} استعير الاشتراء للاستبدال والاختيار ثُمَّ قُرِنَ بِمَا يُلَائِمُهُ مِنَ الرِّبْحِ وَالتِّجَارَةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تُقْرَنَ بِمَا يُلَائِمُ الْمُسْتَعَارَ لَهُ نَحْوُ: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} اسْتُعِيرَ اللِّبَاسُ لِلْجُوعِ ثُمَّ قُرِنَ بِمَا يُلَائِمُ الْمُسْتَعَارَ لَهُ مِنَ الْإِذَاقَةِ وَلَوْ أَرَادَ التَّرْشِيحَ لَقَالَ "فَكَسَاهَا" لَكِنَّ التَّجْرِيدَ هُنَا أَبْلَغُ لِمَا فِي لَفْظِ الْإِذَاقَةِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَلَمِ بَاطِنًا وَالثَّالِثَةُ: أَلَّا تُقْرَنَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَتَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ: إِلَى تَحْقِيقِيَّةٍ وَتَخْيِيلِيَّةٍ وَمَكْنِيَّةٍ وَتَصْرِيحِيَّةٍ:

فَالْأُولَى: مَا تَحَقَّقَ مَعْنَاهَا حِسًّا نَحْوُ: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ} الْآيَةَ أَوْ عَقْلًا نَحْوُ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} أَيْ بَيَانًا وَاضِحًا وَحُجَّةً لَامِعَةً {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أَيِ الدِّينَ الْحَقَّ فَإِنَّ كُلًّا منهما يَتَحَقَّقُ عَقْلًا. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُضْمَرَ التَّشْبِيهُ فِي النَّفْسِ فَلَا يُصَرَّحُ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهِ سِوَى الْمُشَبَّهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّشْبِيهِ الْمُضْمِرِ فِي النَّفْسِ بِأَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشَبَّهِ أَمْرٌ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ التَّشْبِيهُ الْمُضْمَرُ اسْتِعَارَةً بِالْكِنَايَةِ وَمَكْنِيًّا عَنْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ بَلْ دَلَّ عَلَيْهِ بِذِكْرِ خَوَاصِّهِ وَيُقَابِلُهُ التَّصْرِيحِيَّةُ وَيُسَمَّى إِثْبَاتُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ اسْتِعَارَةً تَخْيِيلِيَّةً لِأَنَّهُ قَدِ اسْتُعِيرَ لِلْمُشَبَّهِ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمُخْتَصُّ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ وَبِهِ يَكُونُ كَمَالُ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَقِوَامُهُ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ لِتَخَيُّلِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} شبه العهد بِالْحَبْلِ وَأَضْمَرَ فِي النَّفْسِ فَلَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ التَّشْبِيهِ سِوَى الْعَهْدِ الْمُشَبَّهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِ النَّقْضِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْحَبْلُ وَكَذَا: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} طَوَى ذِكْرَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ النَّارُ وَدَلَّ عَلَيْهِ بِلَازِمِهِ وَهُوَ الاشتعال: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ} الْآيَةَ شَبَّهَ مَا يُدْرَكُ مِنْ أَثَرِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ بِمَا يُدْرَكُ مِنْ طَعْمِ الْمُرِّ فَأَوْقَعَ عَلَيْهِ الْإِذَاقَةَ {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} شبهها في ألا تَقْبَلُ الْحَقَّ بِالشَّيْءِ الْمَوْثُوقِ

الْمَخْتُومِ ثُمَّ أَثْبَتَ لَهَا الْخَتْمَ: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} شَبَّهَ مَيَلَانَهُ لِلسُّقُوطِ بِانْحِرَافِ الْحَيِّ فَأَثْبَتَ لَهُ الْإِرَادَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ خَوَاصِّ الْعُقَلَاءِ وَمِنَ التَّصْرِيحِيَّةِ آية: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ} {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} وَتَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ: إِلَى: وِفَاقِيَّةٍ: بِأَنْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَيْءٍ مُمْكِنًا نَحْوُ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} أَيْ ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ اسْتُعِيرَ الْإِحْيَاءُ مِنْ جَعْلِ الشَّيْءِ حَيًّا لِلْهِدَايَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَى مَا يُوصِّلُ إِلَى الْمَطْلُوبِ وَالْإِحْيَاءُ وَالْهِدَايَةُ مِمَّا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَيْءٍ. وَعِنَادِيَّةٍ: وَهِيَ مَا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَيْءٍ كَاسْتِعَارَةِ اسْمِ الْمَعْدُومِ لِلْمَوْجُودِ لِعَدَمِ نَفْعِهِ وَاجْتِمَاعِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فِي شَيْءٍ مُمْتَنِعٍ. وَمِنَ الْعِنَادِيَّةِ التَّهَكُّمِيَّةُ وَالتَّمْلِيحِيَّةُ وَهُمَا مَا اسْتُعْمِلَ فِي ضِدٍّ أَوْ نَقِيضٍ نَحْوُ: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أَيْ أَنْذِرْهُمْ اسْتُعِيرَتِ الْبِشَارَةُ وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِمَا يَسُرُّ لِلْإِنْذَارِ الَّذِي هو ضده بإدخاله في جِنْسِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِاسْتِهْزَاءِ ونحو: {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} عنى الْغَوِيَّ السَّفِيهَ تَهَكُّمًا، {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وَتَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ: إِلَى تَمْثِيلِيَّةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الشَّبَهِ فِيهَا مُنْتَزَعًا مِنْ مُتَعَدِّدٍ نَحْوُ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} شَبَّهَ اسْتِظْهَارَ الْعَبْدِ

بِاللَّهِ وَوُثُوقَهُ بِحِمَايَتِهِ وَالنَّجَاةَ مِنَ الْمَكَارِهِ بِاسْتِمْسَاكِ الْوَاقِعِ فِي مَهْوَاةٍ بِحَبْلٍ وَثِيقٍ مُدَلًّى مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ يَأْمَنُ انْقِطَاعَهُ. تَنْبِيهٌ قَدْ تَكُونُ الِاسْتِعَارَةُ بِلَفْظَيْنِ نَحْوُ: {قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} يَعْنِي تِلْكَ الْأَوَانِي لَيْسَتْ مِنَ الزُّجَاجِ وَلَا مِنَ الْفِضَّةِ بَلْ فِي صَفَاءِ الْقَارُورَةِ وَبَيَاضِ الْفِضَّةِ {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} فَالصَّبُّ كِنَايَةٌ عَنِ الدَّوَامِ وَالسَّوْطُ عَنِ الْإِيلَامِ فَالْمَعْنَى عَذَّبَهُمْ عَذَابًا دَائِمًا مُؤْلِمًا فَائِدَةٌ أَنْكَرَ قَوْمٌ الِاسْتِعَارَةَ بِنَاءً عَلَى إِنْكَارِهِمُ الْمَجَازَ وَقَوْمٌ إِطْلَاقَهَا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ فِيهَا إِيهَامًا لِلْحَاجَةِ ولأنه لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ إِذْنٌ مِنَ الشَّرْعِ وَعَلَيْهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ وَقَالَ الطَّرْطُوشِيُّ إِنْ أَطْلَقَ الْمُسْلِمُونَ الِاسْتِعَارَةَ فِيهِ أَطْلَقْنَاهَا وإنامتنعوا امْتَنَعْنَا وَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ "إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ" وَالْعِلْمُ هُوَ الْعَقْلُ ثُمَّ لَا نَصِفُهُ بِهِ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ انْتَهَى.

فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّشْبِيهَ مِنْ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ وَأَشْرَفِهَا وَاتَّفَقَ الْبُلَغَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ أَبْلَغُ مِنْهُ لِأَنَّهَا مَجَازٌ وَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْمَجَازُ أَبْلَغُ فَإِذَا الِاسْتِعَارَةُ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْفَصَاحَةِ وَكَذَا الْكِنَايَةُ أَبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ وَالِاسْتِعَارَةُ أَبْلَغُ مِنَ الْكِنَايَةِ كَمَا قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: إِنَّهُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا كَالْجَامِعَةِ بَيْنَ كِنَايَةٍ وَاسْتِعَارَةٍ وَلِأَنَّهَا مَجَازٌ قَطْعًا وَفِي الْكِنَايَةِ خِلَافٌ وَأَبْلَغُ أَنْوَاعِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْكَشَّافِ وَيَلِيهَا الْمَكْنِيَّةُ صَرَّحَ بِهِ الطِّيبِيُّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَالتَّرْشِيحِيَّةُ أَبْلَغُ مِنَ الْمُجَرَّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ وَالتَّخْيِيلِيَّةُ أَبْلَغُ مِنَ التَّحْقِيقِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْأَبْلَغِيَّةِ إِفَادَةُ زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي كَمَالِ التَّشْبِيهِ لَا زِيَادَةٍ فِي الْمَعْنَى لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. خَاتِمَةٌ مِنَ الْمُهِمِّ تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّشْبِيهِ الْمَحْذُوفِ الْأَدَاةِ نَحْوُ: "زِيدٌ أَسَدٌ" قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يُسَمَّى مَا فِي الْآيَةِ استعارة قلت مختلف فِيهِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى تَسْمِيَتِهِ تَشْبِيهًا بَلِيغًا لَا اسْتِعَارَةً لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ لَهُ مَذْكُورٌ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ وَإِنَّمَا تُطْلَقُ الِاسْتِعَارَةُ حَيْثُ يُطْوَى ذِكْرُ الْمُسْتَعَارِ لَهُ وَيُجْعَلُ الْكَلَامُ خُلُوًّا عَنْهُ صَالِحًا لِأَنْ

يُرَادَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ وَالْمَنْقُولُ لَهُ لَوْلَا دَلَالَةُ الْحَالِ أَوْ فَحَوَى الْكَلَامِ وَمِنْ ثَمَّ تَرَى الْمُفْلِقِينَ السَّحَرَةَ يَتَنَاسَوْنَ التَّشْبِيهَ وَيَضْرِبُونَ عَنْهُ صَفْحًا وَعَلَّلَهُ السَّكَّاكِيُّ: بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاسْتِعَارَةِ إِمْكَانُ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الظَّاهِرِ وَتَنَاسِي التَّشْبِيهِ وَزَيْدٌ أَسَدٌ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً وَتَابَعَهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ وَمَا قَالَاهُ مَمْنُوعٌ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الِاسْتِعَارَةِ صَلَاحِيَةُ الْكَلَامِ لِصَرْفِهِ إلى الحقيقة في الظاهرقال بَلْ لَوْ عُكِسَ ذَلِكَ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ لَكَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ مَجَازٌ لا بد له قَرِينَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ امْتَنَعَ صَرْفُهُ إِلَى الِاسْتِعَارَةِ وَصَرَفْنَاهُ إِلَى حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا نَصْرِفُهُ إِلَى الِاسْتِعَارَةِ بِقَرِينَةٍ إِمَّا لَفْظِيَّةٍ أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ نَحْوُ: "زِيدٌ أَسَدٌ" فَالْإِخْبَارُ بِهِ عَنْ زَيْدٍ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ إِرَادَةِ حَقِيقَتِهِ قَالَ وَالَّذِي نَخْتَارُهُ فِي نَحْوِ: "زِيدٌ أَسَدٌ" أنه قِسْمَانِ تَارَةً يُقْصَدُ بِهِ التَّشْبِيهُ فَتَكُونُ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ مُقَدَّرَةً وَتَارَةً يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِعَارَةُ فَلَا تَكُونُ مُقَدَّرَةً وَيَكُونُ الْأَسَدُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَذَكَرَ زَيْدٌ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ حَقِيقَةً قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ إِلَى الِاسْتِعَارَةِ دَالَّةٌ عَلَيْهَا فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى حَذْفِ الْأَدَاةِ صِرْنَا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ فَنَحْنُ بَيْنَ إِضْمَارٍ وَاسْتِعَارَةٍ وَالِاسْتِعَارَةُ أَوْلَى فَيُصَارُ إِلَيْهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْفَرْقِ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ فِي "قواني الْبَلَاغَةِ" وَكَذَا قَالَ: حَازِمٌ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى التَّشْبِيهِ فَتَقْدِيرُ حَرْفِ التَّشْبِيهِ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَالتَّشْبِيهُ بِغَيْرِ حَرْفٍ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ تَقْدِيرَ حَرْفِ التَّشْبِيهِ وَاجِبٌ فِيهِ.

النوع الرابع والخمسون: في كناياته وتعريضه

النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي كِنَايَاتِهِ وَتَعْرِيضِهِ هُمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ وَأَسَالِيبِ الْفَصَاحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكِنَايَةَ أَبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ وَعَرَّفَهَا أَهْلُ الْبَيَانِ بِأَنَّهَا لَفْظٌ أُرِيدَ بِهِ لَازِمُ مَعْنَاهُ وَقَالَ: الطِّيبِيُّ تَرْكُ التَّصْرِيحِ بِالشَّيْءِ إِلَى مَا يُسَاوِيهِ فِي اللُّزُومِ فَيَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى الْمَلْزُومِ وَأَنْكَرَ وُقُوعَهَا فِي الْقُرْآنِ مَنْ أَنْكَرَ الْمَجَازَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَلِلْكِنَايَةِ أسباب: أَحَدُهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ الْقُدْرَةِ نَحْوُ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} كِنَايَةٌ عَنْ آدَمَ ثَانِيهَا: تَرْكُ اللَّفْظِ إِلَى مَا هُوَ أَجْمَلُ نَحْوُ: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} فَكَنَّى بِالنَّعْجَةِ عَنِ الْمَرْأَةِ كَعَادَةِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ النِّسَاءِ أَجْمَلُ مِنْهُ ولهذا لَمْ تُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ امْرَأَةٌ بِاسْمِهَا إِلَّا مَرْيَمَ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ مَرْيَمُ بِاسْمِهَا عَلَى خِلَافِ عَادَةِ الْفُصَحَاءِ لِنُكْتَةٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُلُوكَ وَالْأَشْرَافَ لَا يَذْكُرُونَ حَرَائِرَهُمْ فِي مَلَإٍ وَلَا يَبْتَذِلُونَ أَسْمَاءَهُنَّ بَلْ يُكَنُّونَ عَنِ الزَّوْجَةِ بِالْفَرْشِ وَالْعِيَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا ذَكَرُوا الْإِمَاءَ لَمْ يُكَنُّوا عَنْهُنَّ وَلَمْ يَصُونُوا أَسْمَاءَهُنَّ عَنِ الذِّكْرِ فَلَمَّا قَالَتِ

النَّصَارَى فِي مَرْيَمَ مَا قَالُوا صَرَّحَ اللَّهُ بِاسْمِهَا وَلَمْ يَكُنْ تأكيدا للعبودية إلا الَّتِي هِيَ صِفَةٌ لَهَا وَتَأْكِيدًا لِأَنَّ عِيسَى لَا أَبَ لَهُ وَإِلَّا لَنُسِبَ إِلَيْهِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ التَّصْرِيحُ مِمَّا يُسْتَقْبَحُ ذِكْرُهُ كَكِنَايَةِ اللَّهِ عَنِ الْجِمَاعِ بِالْمُلَامِسَةِ وَالْمُبَاشِرَةِ وَالْإِفْضَاءِ وَالرَّفَثِ وَالدُّخُولِ وَالسِّرِّ في قوله: {لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} وَالْغَشَيَانِ فِي قَوْلِهِ {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْمُبَاشَرَةُ الْجِمَاعُ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي وَأَخْرَجَ عَنْهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي مَا شَاءَ وَإِنَّ الرَّفَثَ هُوَ الْجِمَاعُ وَكَنَّى عَنْ طَلَبِهِ بِالْمُرَاوَدَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} وَعَنْهُ أَوْ عَنِ الْمُعَانَقَةِ بِاللِّبَاسِ فِي قَوْلِهِ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} وَبِالْحَرْثِ فِي قَوْلِهِ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وَكَنَّى عَنِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ بِالْغَائِطِ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} وَأَصْلُهُ الْمَكَانُ الْمُطَمْئِنُ مِنَ الْأَرْضِ وَكَنَّى عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِأَكْلِ الطَّعَامِ فِي قَوْلِهِ فِي مَرْيَمَ وابنها: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} وَكَنَّى عَنِ الْأَسْتَاهِ بِالْأَدْبَارِ فِي قَوْلِهِ: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ يَعْنِي أَسْتَاهَهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ التَّصْرِيحَ بِالْفَرْجِ فِي قوله: {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَرْجُ الْقَمِيصِ وَالتَّعْبِيرُ به من أَلْطَفُ الْكِنَايَاتِ وَأَحْسَنُهَا أَيْ لَمْ يَعْلَقْ ثَوْبُهَا بِرِيبَةٍ فَهِيَ طَاهِرَةُ الثَّوْبِ كَمَا يُقَالُ: نَقِيُّ الثَّوْبِ وَعَفِيفُ الذَّيْلِ كِنَايَةً عَنِ الْعِفَّةِ – وَمِنْهُ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} - وَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ نَفْخَ جِبْرِيلَ وَقْعَ فِي فَرْجِهَا وَإِنَّمَا نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا وَنَظِيرُهُ أَيْضًا: {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ} قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا فَفِي الْآيَةِ كِنَايَةٌ عَنْ كِنَايَةٍ وَنَظِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجَازِ الْمَجَازِ رَابِعُهَا: قَصْدُ الْبَلَاغَةِ وَالْمُبَالَغَةِ نَحْوُ: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} ، كَنَّى عَنِ النِّسَاءِ بِأَنَّهُنَّ يَنْشَأْنَ فِي التَّرَفُّهِ وَالتَّزَيُّنِ الشَّاغِلِ عَنِ النَّظَرِ فِي الْأُمُورِ وَدَقِيقِ الْمَعَانِي وَلَوْ أَتَى بِلَفْظِ "النِّسَاءِ" لَمْ يُشْعِرْ بِذَلِكَ وَالْمُرَادُ نَفْيُ ذَلِكَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ وَقَوْلُهُ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} كِنَايَةٌ عَنْ سَعَةِ جُودِهِ وَكَرَمِهِ جِدًّا خَامِسُهَا: قَصْدُ الِاخْتِصَارِ كَالْكِنَايَةِ عَنْ أَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِلَفْظِ "فَعَلَ" نَحْوُ: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} أَيْ فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ سَادِسُهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى مَصِيرِهِ نَحْوُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} أَيْ جَهَنَّمِيٌّ مَصِيرُهُ إِلَى اللَّهَبِ {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ} أَيْ نَمَّامَةٌ مَصِيرُهَا إِلَى أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِجَهَنَّمَ فِي جِيدِهَا غُلٌّ

قَالَ بِدُرُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ فِي الْمِصْبَاحِ إِنَّمَا يُعْدَلُ عَنِ التصريح إلى الكناية لنكتة كَالْإِيضَاحِ أَوْ بَيَانِ حَالِ الْمَوْصُوفِ أَوْ مِقْدَارِ حَالِهِ أَوِ الْقَصْدِ إِلَى الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ أَوِ الِاخْتِصَارِ أَوِ السَّتْرِ أَوِ الصِّيَانَةِ أَوِ التَّعْمِيَةِ وَالْإِلْغَازِ أَوِ التَّعْبِيرِ عَنِ الصَّعْبِ بِالسَّهْلِ أو عن الْمَعْنَى الْقَبِيحِ بِاللَّفْظِ الْحَسَنِ وَاسْتَنْبَطَ الزَّمَخْشَرِيُّ نَوْعًا مِنَ الْكِنَايَةِ غَرِيبًا وَهُوَ أَنْ تَعْمَدَ إِلَى جُمْلَةٍ مَعْنَاهَا عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَتَأْخُذَ الْخُلَاصَةَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مُفْرَدَاتِهَا بِالَحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَتُعَبِّرُ بِهَا عَنِ الْمَقْصُودِ كَمَا تَقُولُ فِي نَحْوِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} إِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُلْكِ فَإِنَّ الِاسْتِوَاءَ عَلَى السَّرِيرِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ الْمُلْكِ فَجُعِلَ كِنَايَةً عَنْهُ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} كِنَايَةٌ عَنْ عَظْمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ذَهَابٍ بِالْقَبْضِ وَالْيَمِينِ إِلَى جِهَتَيْنِ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ تَذَنِيبٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ الَّتِي تُشْبِهُ الْكِنَايَةَ الْإِرْدَافُ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ مَعْنًى وَلَا يُعَبِّرَ عنه بلفظه الْمَوْضُوعِ لَهُ وَلَا بِدَلَالَةِ الْإِشَارَةِ بَلْ بِلَفْظٍ يُرَادِفُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُضِيَ الأَمْرُ} وَالْأَصْلُ: "وَهَلَكَ مَنْ قَضَى اللَّهُ هَلَاكَهُ وَنَجَا مَنْ قَضَى اللَّهُ نَجَاتَهُ" وَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى لَفْظِ الْإِرْدَافِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيجَازِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ هَلَاكَ الْهَالِكِ وَنَجَاةَ النَّاجِي كَانَ بِأَمْرِ آمِرٍ مُطَاعٍ وَقَضَاءِ مَنْ لَا يُرَدُّ

قَضَاؤُهُ وَالْأَمْرُ يَسْتَلْزِمُ آمِرًا فَقَضَاؤُهُ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ الْآمِرِ بِهِ وَقَهْرِهِ وَإِنَّ الْخَوْفَ مِنْ عِقَابِهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ يَحُضَّانِ عَلَى طَاعَةِ الْأَمْرِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ من اللَّفْظِ الْخَاصِّ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} حَقِيقَةُ ذَلِكَ "جَلَسَتْ" فَعَدَلَ عَنِ اللَّفْظِ الْخَاصِّ بِالْمَعْنَى إِلَى مُرَادِفِهِ لِمَا فِي الِاسْتِوَاءِ مِنَ الْإِشْعَارِ بِجُلُوسٍ مُتَمَكِّنٍ لَا زَيْغَ فِيهِ وَلَا مَيْلَ وَهَذَا لَا يَحْصُلُ مِنْ لَفْظِ "الْجُلُوسِ" وَكَذَا: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} الْأَصْلُ "عَفِيفَاتٌ" وَعَدَلَ عَنْهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُنَّ مَعَ الْعِفَّةِ لَا تَطْمَحُ أَعْيُنُهُنَّ إِلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ وَلَا يَشْتَهِينَ غَيْرَهُمْ وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الْعِفَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالْإِرْدَافِ أَنَّ الْكِنَايَةَ انْتِقَالٌ مِنْ لَازِمٍ إِلَى مَلْزُومٍ وَالْإِرْدَافُ مِنْ مَذْكُورٍ إِلَى مَتْرُوكٍ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} عَدَلَ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى عَنْ قوله "بالسوءى" مَعَ أَنَّ فِيهِ مُطَابَقَةً لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى "بِمَا عَمِلُوا" تَأَدُّبًا أَنْ يُضَافَ السُّوءُ إِلَى اللَّهِ تعالى. فصل لِلنَّاسِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ عِبَارَاتٌ مُتَقَارِبَةٌ فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْكِنَايَةُ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا تَدُلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ تَذْكُرْهُ

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْكِنَايَةُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِوَصْفٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا وَالتَّعْرِيضُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنًى لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ أَوِ الْمَجَازِيِّ كَقَوْلِ مَنْ يَتَوَقَّعُ صِلَةً وَاللَّهِ إِنِّي مُحْتَاجٌ فَإِنَّهُ تَعْرِيضٌ بِالطَّلَبِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَإِنَّمَا فُهِمْ مِنْ عَرْضِ اللَّفْظِ أَيْ جَانِبِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: فِي كتاب الْإِغْرِيضُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ: الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمَ الْمَعْنَى فَهِيَ بِحَسَبِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى حَقِيقَةً وَالتَّجَوُّزُ فِي إِرَادَةِ إِفَادَةِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ وَقَدْ لَا يراد منها الْمَعْنَى بَلْ يُعَبَّرُ بِالْمَلْزُومِ عَنِ اللَّازِمِ وَهِيَ حِينَئِذٍ مَجَازٌ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِفَادَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بَلْ إِفَادَةَ لَازِمِهِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَرِدُونَهَا وَيَجِدُونَ حَرَّهَا إِنْ لَمْ يُجَاهِدُوا وَأَمَّا التَّعْرِيضُ: فَهُوَ لَفْظٌ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِلتَّلْوِيحِ بِغَيْرِهِ نَحْوُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} نَسَبَ الْفِعْلَ إِلَى كَبِيرِ الْأَصْنَامِ الْمُتَّخَذَةِ آلِهَةً كَأَنَّهُ غَضِبَ أَنْ تُعْبَدَ الصِّغَارُ مَعَهُ تَلْوِيحًا لِعَابِدِهَا بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ آلِهَةً لِمَا يَعْلَمُونَ إِذَا نَظَرُوا بِعُقُولِهِمْ مِنْ عَجْزِ كَبِيرِهَا عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَبَدًا. وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: التَّعْرِيضُ مَا سِيقَ لِأَجْلِ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ وَمِنْهُ أَنْ يُخَاطَبَ وَاحِدٌ وَيُرَادَ غَيْرُهُ وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أَمْيَلُ الْكَلَامِ إِلَى جَانِبٍ مُشَارًا بِهِ إِلَى آخَرَ يُقَالُ: نَظَرَ إِلَيْهِ بِعُرْضِ وَجْهِهِ أَيْ جَانِبِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ يُفْعَلُ إِمَّا لِتَنْوِيهِ جَانِبَ الْمَوْصُوفِ وَمِنْهُ:

{وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} أَيْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْلَاءً لِقَدْرِهِ أَيْ أَنَّهُ الْعَلَمُ الَّذِي لَا يَشْتَبِهُ وَإِمَّا لِتَلَطُّفٍ بِهِ وَاحْتِرَازٍ عَنِ الْمُخَاشَنَةِ نَحْوُ: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} أَيْ وَمَالَكُمْ لَا تَعْبُدُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وَكَذَا قَوْلُهُ: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} وَوَجْهُ حُسْنِهِ إِسْمَاعُ مَنْ يَقْصِدُ خِطَابَهُ الْحَقَّ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ غَضَبَهُ إِذْ لَمْ يُصَرِّحُ بنسبته للباطل وَالْإِعَانَةُ عَلَى قَبُولِهِ إِذْ لَمْ يُرِدْ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِاسْتِدْرَاجِ الْخَصْمِ إِلَى الْإِذْعَانِ وَالتَّسْلِيمِ وَمِنْهُ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ، خُوطِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُرِيدَ غَيْرُهُ لِاسْتِحَالَةِ الشِّرْكِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَإِمَّا لِلذَّمِّ نَحْوُ: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} فإنه تعريض بذم الْكُفَّارِ وَإِنَّهُمْ فِي حُكْمِ الْبَهَائِمِ الَّذِينَ لَا يَتَذَكَّرُونَ وَإِمَّا لِلْإِهَانَةِ والتوبيخ نحو: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} وَقَالَ السُّبْكِيُّ التَّعْرِيضُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يُرَادُ بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَيُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ الْمَقْصُودِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِسْمٌ لَا يُرَادُ بَلْ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ التَّعْرِيضِ كَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا.}

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْحَصْرِ وَالِاخْتِصَاصِ أَمَّا الْحَصْرُ- وَيُقَالُ لَهُ الْقَصْرُ فَهُوَ تَخْصِيصُ أَمْرٍ بِآخَرَ بِطَرِيقٍ مَخْصُوصٍ وَيُقَالُ أَيْضًا إِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ وَيَنْقَسِمُ إِلَى قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ وَقَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا مَجَازِيٌ مِثَالُ قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ حَقِيقَيًّا نَحْوُ "مَا زَيْدٌ إِلَّا كَاتِبٌ" أَيْ لَا صِفَةَ لَهُ غَيْرُهَا وَهُوَ عَزِيزٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لِتَعَذُّرِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَاتِ الشَّيْءِ حَتَّى يُمْكِنَ إِثْبَاتُ شَيْءٍ مِنْهَا وَنَفْيُ مَا عَدَاهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَى عَدَمِ تَعَذُّرِهَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ لِلذَّاتِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَ لَهَا غَيْرُهَا وَلِذَا لَمْ يَقَعْ فِي التَّنْزِيلِ وَمِثَالُهُ مَجَازِيًّا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} أَيْ أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الرِّسَالَةِ لَا يَتَعَدَّاهَا إِلَى التَّبَرِّي مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي اسْتَعْظَمُوهُ الَّذِي هُوَ مِنْ شَأْنِ الْإِلَهِ وَمِثَالُ قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ حَقِيقِيًّا: {لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} وَمِثَالُهُ مَجَازِيًّا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الآية كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ نقله عنه في أَسْبَابِ النُّزُولِ إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا كَانُوا يُحِلُّونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخنزير وما أهل لغير اللَّهِ بِهِ وَكَانُوا يُحْرِّمُونَ كَثِيرًا مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَكَانَتْ سَجِيَّتُهُمْ تُخَالِفُ وَضْعَ الشَّرْعِ وَنَزَلَتِ الْآيَةُ مسبوقة بِذِكْرِ شُبَهِهِمْ فِي الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ

وَالْحَامِي وَكَانَ الْغَرَضُ إِبَانَةَ كَذِبِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا حَرَامَ إِلَّا مَا أَحْلَلْتُمُوهُ وَالْغَرَضُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ وَالْمُضَادَّةُ لَا الْحَصْرُ الْحَقِيقِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَيَنْقَسِمُ الْحَصْرُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَصْرُ إِفْرَادٍ وَقَصْرُ قَلْبٍ وَقَصْرُ تَعْيِينٍ فَالْأَوَّل: يُخَاطَبُ بِهِ مَنْ يَعْتَقِدُ الشَّرِكَةَ نَحْوُ: {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} خُوطِبَ بِهِ مَنْ يَعْتَقِدُ اشْتَرَاكَ اللَّهِ وَالْأَصْنَامِ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَالثَّانِي: يُخَاطَبُ بِهِ مَنْ يَعْتَقِدُ إِثْبَاتَ الْحُكْمِ لِغَيْرِ مَنْ أَثْبَتَهُ الْمُتَكَلِّمُ لَهُ نَحْوُ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} خوطب به نمرود الَّذِي اعْتَقَدَ أَنَّهُ هُوَ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ دُونَ اللَّهِ، {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} خُوطِبَ بِهِ مَنِ اعْتَقَدَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سُفَهَاءُ دُونَهُمْ، {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} خُوطِبَ بِهِ مَنْ يَعْتَقِدُ مِنَ الْيَهُودِ اخْتِصَاصَ بِعْثَتِهِ بِالْعَرَبِ. وَالثَّالِثُ: يُخَاطَبُ بِهِ مَنْ تَسَاوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ فَلَمْ يَحْكُمْ بِإِثْبَاتِ الصِّفَةِ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وَلَا لِوَاحِدِ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ بِعَيْنِهَا فَصْلٌ طُرُقُ الْحَصْرِ كَثِيرَةٌ أَحَدُهَا: النَّفْيُ وَالِاسْتِثْنَاءُ سَوَاءً كَانَ النَّفْيُ بِلَا أَوْ مَا أَوْ غَيْرِهِمَا وَالِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَا أَوْ غَيْرِ نَحْوُ: {لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ} {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} ووجه إفادته الحصر أن

لَأَفَادَهُ نَحْوُ"إِنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ" وَأُجِيبُ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَا يَجْتَمِعُ حَرْفَا تَأْكِيدٍ مُتَوَالِيَانِ إِلَّا لِلْحَصْرِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} {قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ} {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} فَإِنَّهُ إِنَّمَا تَحْصُلُ مُطَابَقَةُ الْجَوَابِ إِذَا كَانَتْ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ لِيَكُونَ مَعْنَاهَا لَا آتِيكُمْ بِهِ إِنَّمَا يَأْتِي بِهِ اللَّهُ وَلَا أَعْلَمُهَا "إِنَّمَا يَعْلَمُهَا اللَّهُ" وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ} {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} ولا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَنَحْوِهَا إِلَّا بِالْحَصْرِ وَأَحْسَنُ مَا تستعمل إنما في مَوَاقِعِ التَّعْرِيضِ نَحْوُ: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} الثَّالِثُ: أَنَّمَا بِالْفَتْحِ عَدَّهَا مِنْ طُرُقِ الْحَصْرِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ فَقَالَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} إِنَّمَا لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ لِقَصْرِ الشَّيْءِ عَلَى حُكْمٍ نَحْوُ"إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ" وإنما يَقُومُ زَيْدٌ وَقَدِ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ "إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ" مَعَ فَاعِلِهِ بِمَنْزِلَةِ إِنَّمَا يَقُومُ زَيْدٌ وَ "أَنَّمَا إِلَهُكُمْ" بِمَنْزِلَةِ إِنَّمَا زِيدٌ قَائِمٌ وَفَائِدَةُ

اجْتِمَاعِهِمَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْوَحْيَ إِلَى الرَّسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْصُورٌ عَلَى اسْتِئْثَارِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَصَرَّحَ التَّنُوخِيُّ فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ بِكَوْنِهَا لِلْحَصْرِ فَقَالَ كُلَّمَا أَوْجَبَ أَنَّ "إِنَّمَا" بالكسر للحصر أَوْجَبَ أَنَّ "إِنَّمَا" بِالْفَتْحِ لِلْحَصْرِ لِأَنَّهَا فَرْعٌ عَنْهَا وَمَا ثَبَتَ لِلْأَصْلِ ثَبَتَ لِلْفَرْعِ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَانِعٌ مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَرَدَّ أَبُو حَيَّانَ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ مَا زَعَمَهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ انْحِصَارُ الْوَحْيِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ حَصْرٌ مَجَازِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْمَقَامِ الرَّابِعُ: الْعَطْفُ بِلَا أَوْ بَلْ ذَكَرَهُ أَهْلُ الْبَيَانِ وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خلافا ونازع فِيهِ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ فَقَالَ أَيُّ قَصْرٍ فِي الْعَطْفِ بِلَا إِنَّمَا فِيهِ نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ فَقَوْلُكَ زَيْدٌ شَاعِرٌ لَا كَاتِبٌ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِنَفْيِ صِفَةٍ ثَالِثَةٍ وَالْقَصْرُ إِنَّمَا يَكُونُ بِنَفْيِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ غَيْرِ الْمُثْبَتِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَلَيْسَ هُوَ خَاصًّا بِنَفْيِ الصِّفَةِ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا الْمُخَاطَبُ وَأَمَّا الْعَطْفُ بِبَلْ فَأَبْعَدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمِرُّ فِيهَا النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ. الْخَامِسُ: تَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ نَحْوُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} {لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} وَخَالَفَ فِيهِ قَوْمٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ قَرِيبًا السَّادِسُ: ضَمِيرُ الْفَصْلِ نَحْوُ: {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} أَيْ لَا غَيْرُهُ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} {إِنَّ

شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لِلْحَصْرِ الْبَيَانِيُّونَ فِي بَحْثِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّهُ أُتِيَ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ادُّعِيَ فِيهِ نِسْبَةُ ذَلِكَ الْمَعْنَى إِلَى غَيْرِ اللَّهِ وَلَمْ يُؤْتَ بِهِ حَيْثُ لَمْ يُدَّعَ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ فَلَمْ يُؤْتَ بِهِ فِي {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} ، {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ} {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى} : لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُدَّعَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَأُتِيَ بِهِ فِي الْبَاقِي لِادِّعَائِهِ لِغَيْرِهِ قَالَ فِي عَرُوسُ الْأَفْرَاحِ: وَقَدِ اسْتَنْبَطْتُ دَلَالَتَهُ عَلَى الْحَصْرِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَصْرِ لَمَا حَسُنَ لَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ رَقِيبًا عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا الَّذِي حَصَلَ بِتَوْفِيَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ رَقِيبٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ قَوْلِهِ: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} فَإِنَّهُ ذُكِرَ لِتَبْيِينِ عَدَمِ الِاسْتِوَاءِ وَذَلِكَ لَا يَحْسُنُ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلِاخْتِصَاصِ. السَّابِعُ: تَقْدِيمُ المسند إليه على ما قال الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ قَدْ يُقَدَّمُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ لِيُفِيدَ تَخْصِيصَهُ بِالْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ وَالْحَاصِلُ عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ لَهُ أَحْوَالًا: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ مَعْرِفَةً وَالْمُسْنَدُ مُثْبَتًا فَيَأْتِي لِلتَّخْصِيصِ نَحْوُ أَنَا قُمْتُ وَأَنَا سَعَيْتُ فِي حَاجَتِكَ فَإِنْ قُصِدَ بِهِ قَصْرُ الْإِفْرَادِ أُكِّدَ بِنَحْوِ "وَحْدِي" أَوْ قَصْرُ الْقَلْبِ أُكِّدَ بِنَحْوِ "لَا غَيْرِي" وَمِنْهُ: {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} فَإِنَّ مَا قَبْلُهُ مِنْ قَوْلِهِ: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} وَلَفْظُ "بَلْ" الْمُشْعِرُ بِالْإِضْرَابِ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بَلْ" أَنْتُمْ لَا غيركم" فإن الْمَقْصُودَ نَفْيُ فَرَحِهِ هُوَ بِالْهَدِيَّةِ لَا إِثْبَاتُ الْفَرَحِ لَهُمْ بِهَدِيَّتِهِمْ قَالَهُ فِي عَرُوسِ

الْأَفْرَاحِ قَالَ: وَكَذَا قَوْلُهُ: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} أي لا نعلمهم إِلَّا نَحْنُ وَقَدْ يَأْتِي لِلتَّقْوِيَةِ وَالتَّأْكِيدِ دُونَ التَّخْصِيصِ قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ وَلَا يَتَمَيَّزُ ذَلِكَ إِلَّا بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَسِيَاقُ الْكَلَامِ ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْنَدُ مَنْفِيًّا نَحْوُ أَنْتَ لَا تَكْذِبُ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي نَفْيِ الْكَذِبِ مِنْ "لَا تَكْذِبْ" وَمِنْ لَا تَكْذِبْ أَنْتَ وَقَدْ يُفِيدُ التَّخْصِيصُ وَمِنْهُ {فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ} ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ نكرة مثتبا نَحْوُ "رَجُلٌ جَاءَنِي" فَيُفِيدُ التَّخْصِيصَ إِمَّا بِالْجِنْسِ أَيْ لَا امْرَأَةٌ أو الوحدة أي لا رجلان رَابِعُهَا: أَنْ يَلِيَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ حَرْفَ النَّفْيِ فَيُفِيدُهُ نَحْوُ "مَا أَنَا قُلْتُ هَذَا" أَيْ لَمْ أَقُلْهُ مَعَ أَنَّ غَيْرِي قَالَهُ وَمِنْهُ: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} أَيِ الِعَزِيزُ عَلَيْنَا رَهْطُكَ لَا أَنْتَ وَلِذَا قَالَ: {أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} هَذَا حَاصِلُ رَأَيِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَوَافَقَهُ السَّكَّاكِيُّ وَزَادَ شُرُوطًا وَتَفَاصِيلَ بَسَطْنَاهَا فِي شَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْمَعَانِي. الثَّامِنُ: تَقْدِيمُ الْمَسْنَدِ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَابْنُ النَّفِيسِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْفَلَكِ الدَّائِرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحَ السَّكَّاكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ مَا رُتْبَتُهُ التَّأْخِيرُ يُفِيدُهُ وَمَثَّلُوهُ بِنَحْوِ "تَمِيمِيٌّ أَنَا". التَّاسِعُ: ذِكْرُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ، ذَكَرَ السَّكَّاكِيُّ أَنَّهُ قَدْ ذكر لِيُفِيدَ التَّخْصِيصَ وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَصَرَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِأَنَّهُ أَفَادَ الِاخْتِصَاصَ فِي

قوله: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} في سورة الرَّعْدِ وَفِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} وَفِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ تَقْدِيمَهُ أَفَادَهُ فَيَكُونُ مِنْ أَمْثِلَةِ الطَّرِيقِ السَّابِعِ الْعَاشِرُ: تَعْرِيفُ الْجُزْأَيْنِ ذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي نِهَايَةِ الْإِيجَازِ أَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ حَقِيقَةً أَوْ مُبَالَغَةً نَحْوُ: "الْمُنْطَلِقُ زَيْدٌ" وَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ فِيمَا ذَكَرَ الزَّمْلَكَانِيُّ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} قَالَ إِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ كَمَا فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ،أَيِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} لَا لِغَيْرِهِ الْحَادِي عَشَرَ: نَحْوُ "جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ" نَقَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ التَّلْخِيصِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ الثَّانِي عَشَرَ: نَحْوُ "إِنَّ زَيْدًا لِقَائِمٌ" نَقَلَهُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا الثَّالِثَ عَشَرَ: نَحْوُ "قَائِمٌ" فِي جَوَابِ "زَيْدٌ إِمَّا قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ" ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ التِّبْيَانِ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَلْبُ بَعْضِ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} قَالَ الْقَلْبُ لِلِاخْتِصَاصِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى لَفْظِ "الطَّاغُوتِ" لِأَنَّ وَزْنَهُ عَلَى قَوْلِ "فَعَلُوتٍ" مِنَ الطُّغْيَانِ كَمَلَكُوتٍ وَرَحَمُوتٍ قُلِبَ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الْعَيْنِ فَوَزْنُهُ "فَلَعُوتٌ" فَفِيهِ مُبَالَغَاتُ التَّسْمِيَةِ بِالْمَصْدَرِ وَالْبِنَاءُ بِنَاءُ مُبَالِغَةٍ وَالْقَلْبُ وَهُوَ لِلِاخْتِصَاصِ إِذْ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الشَّيْطَانِ.

تَنْبِيهٌ كَادَ أَهْلُ الْبَيَانِ يُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْحَصْرَ سَوَاءٌ كَانَ مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا أَوْ مَجْرُورًا وَلِهَذَا قِيلَ فِي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} مَعْنَاهُ "نَخُصُّكَ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ"،وَفِي: {لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} مَعْنَاهُ "إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ"،وَفِي: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} أُخِّرَتِ الصِّلَةُ فِي الشَّهَادَةِ الْأُولَى وَقُدِّمَتْ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي الْأَوَّلِ إِثْبَاتُ شَهَادَتِهِمْ وَفِي الثَّانِي إِثْبَاتُ اخْتِصَاصِهِمْ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ وَهْمٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} ثُمَّ قَالَ: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ "مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ" أَغْنَى عَنْ إِفَادَةِ الْحَصْرِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذِكْرِ الْمَحْصُورِ فِي مَحَلٍّ بِغَيْرِ صِيغَةِ الْحَصْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} وَقَالَ: {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} بَلْ قَوْلُهُ: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} مِنْ أَقْوَى أَدِلَّةِ الِاخْتِصَاصِ فَإِنَّ قَبْلَهَا: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلِاخْتِصَاصِ وَكَانَ مَعْنَاهَا "اعْبُدِ اللَّهَ" لَمَا حَصَلَ الْإِضْرَابُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى "بَلْ" وَاعْتَرَضَ أَبُو حَيَّانَ عَلَى مُدَّعِي الِاخْتِصَاصِ بِنَحْوِ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي

أعبد} وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاللَّهِ غَيْرَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْبُدِ اللَّهَ وكان أَمْرُهُمْ بِالشِّرْكِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ بِتَخْصِيصِ غَيْرِ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَرَدَّ صَاحِبُ الْفَلَكِ الدَّائِرِ الِاخْتِصَاصَ بِقَوْلِهِ: {كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ} وَهُوَ مِنْ أَقْوَى مَا رُدَّ بِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يُدَّعَى فِيهِ اللُّزُومُ بَلِ الْغَلَبَةُ وَقَدْ يَخْرُجُ الشَّيْءُ عَنِ الْغَالِبِ. قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ وَقَدِ اجْتَمَعَ الِاخْتِصَاصُ وَعَدَمُهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} فَإِنَّ التَّقْدِيمَ فِي الْأَوَّلِ قَطْعًا لَيْسَ لِلِاخْتِصَاصِ وَفِي "إِيَّاهُ" قَطْعًا لِلِاخْتِصَاصِ وَقَالَ وَالِدُهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي كِتَابِ الِاقْتِنَاصِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَصْرِ وَالِاخْتِصَاصِ اشْتَهَرَ كَلَامُ النَّاسِ فِي أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ إِنَّمَا يُفِيدُ الِاهْتِمَامَ وَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَهُمْ يُقَدِّمُونَ مَا هُمْ بِهِ أَعَنَى. وَالْبَيَانِيُّونَ عَلَى إِفَادَتِهِ الِاخْتِصَاصَ وَيَفْهَمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الِاخْتِصَاصِ الْحَصْرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الِاخْتِصَاصُ شَيْءٌ وَالْحَصْرُ شَيْءٌ آخَرُ وَالْفُضَلَاءُ لَمْ يَذْكُرُوا فِي ذَلِكَ لَفْظَةَ "الْحَصْرِ" وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِالِاخْتِصَاصِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَصْرَ نَفْيُ غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَإِثْبَاتُ الْمَذْكُورِ وَالِاخْتِصَاصُ قَصْدُ الْخَاصِّ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ افْتِعَالٌ مِنَ الْخُصُوصِ وَالْخُصُوصُ مُرَكَّبٌ مِنْ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَامٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ وَالثَّانِي مَعْنًى مُنْضَمٌّ إِلَيْهِ يَفْصِلُهُ عَنْ غَيْرِهِ كَضَرَبَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الضَّرْبِ فَإِذَا قُلْتَ ضَرَبْتُ زَيْدًا أَخْبَرْتَ بِضَرْبٍ عَامٍّ وَقَعَ مِنْكَ عَلَى شَخْصٍ خَاصٍّ فَصَارَ ذَلِكَ الضَّرْبُ الْمُخْبَرُ بِهِ خَاصًّا لِمَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مِنْكَ وَمِنْ زَيْدٍ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ أَعْنِي مُطْلَقَ الضَّرْبِ، وَكَوْنَهُ وَاقِعًا مِنْكَ

وَكَوْنَهُ وَاقِعًا عَلَى زَيْدٍ - قَدْ يَكُونُ قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ لَهَا ثَلَاثَتَهَا عَلَى السَّوَاءِ وَقَدْ يَتَرَجَّحُ قَصْدُهُ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمَا ابْتَدَأَ بِهِ كَلَامَهُ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِالشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَرْجَحُ فِي غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِذَا قُلْتَ: زَيْدًا ضَرَبْتُ عُلِمَ أَنَّ خُصُوصَ الضَّرْبِ عَلَى زَيْدٍ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَا شك أَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ مِنْ خَاصٍّ وَعَامٍّ لَهُ جِهَتَانِ فَقَدْ يُقْصَدُ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِ وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ وَالثَّانِي هُوَ الِاخْتِصَاصُ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ إِفَادَتَهُ السَّامِعَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ وَلَا قَصْدٍ لِغَيْرِهِ بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ فَفِي الْحَصْرِ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَيْهِ وَهُوَ نَفْيُ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ وإنما جاء هذا في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لِلْعِلْمِ بِأَنَّ قَائِلِيهِ لَا يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا لَمْ يَطَّرِدْ فِي بَقِيَّةِ الْآيَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} لَوْ جُعِلَ فِي مَعْنَى "مَا يَبْغُونَ إِلَّا غَيْرَ دِينِ اللَّهِ" وَهَمْزَةُ الْإِنْكَارِ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ الْحَصْرَ لَا مُجَرَّدَ بَغْيِهِمْ غَيْرَ دِينِ اللَّهِ وَلَيْسَ الْمُرَادَ وَكَذَلِكَ {آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} الْمُنْكَرُ إِرَادَتُهُمْ آلِهَةً دُونَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ. وَقَدْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} : فِي تَقْدِيمِ "الْآخِرَةِ" وَبِنَاءِ "يُوقِنُونَ" عَلَى "هُمْ" تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إِثْبَاتِ أَمْرِ الْآخِرَةِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ بِصَادِرٍ عَنْ إِيقَانٍ وَأَنَّ الْيَقِينَ مَا عَلَيْهِ مَنْ آمَنَ بِمَا أُنْزِلُ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ تَقْدِيمُ "الْآخِرَةِ" أَفَادَ أَنَّ إِيقَانَهُمْ مَقْصُورٌ عَلَى أَنَّهُ إِيقَانٌ بِالْآخِرَةِ لَا بِغَيْرِهَا

وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مِنْ قَائِلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الْمُعْتَرِضِ وَتَقْدِيمُ "هُمْ" أَفَادَ أَنَّ هَذَا الْقَصْرَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ فَيَكُونُ إِيقَانُ غَيْرِهِمْ بِالْآخِرَةِ إِيمَانًا بِغَيْرِهَا حَيْثُ قَالُوا: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} وَهَذَا مِنْهُ أَيْضًا اسْتِمْرَارٌ عَلَى مَا فِي ذِهْنِهِ مِنَ الْحَصْرِ أَيْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوقِنُونَ إِلَّا بِالْآخِرَةِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ يُوقِنُونَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا وَهَذَا فَهْمٌ عَجِيبٌ أَلْجَأَهُ إِلَيْهِ فَهَمُهُ الْحَصْرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالْحَصْرُ على ثلاثة أقسام: أحدها: بما وإلا كَقَوْلِكَ مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْقِيَامِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَيَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ قِيلَ بِالْمَنْطُوقِ وَقِيلَ: بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّهُ أَقْوَى الْمَفَاهِيمِ لِأَنَّ "إِلَّا" مَوْضُوعَةٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ فَدَلَالَتُهَا عَلَى الْإِخْرَاجِ بِالْمَنْطُوقِ لَا بِالْمَفْهُومِ وَلَكِنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ عَدَمِ الْقِيَامِ لَيْسَ هُوَ عَيْنُ الْقِيَامِ بَلْ قَدْ يَسْتَلْزِمُهُ فَلِذَلِكَ رجحنا أنه بالمفهوم واللتبس عَلَى بَعْضِ النَّاسِ لِذَلِكَ فَقَالَ: إنه بالمنطوق. وَالثَّانِي: الْحَصْرُ بِ "إِنَّمَا" وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ جَانِبُ الْإِثْبَاتِ فِيهِ أَظْهَرَ فَكَأَنَّهُ يُفِيدُ إِثْبَاتَ قِيَامِ زَيْدٍ إِذَا قُلْتَ: إِنَّمَا قَامَ زَيْدٌ بِالْمَنْطُوقِ وَنَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْمَفْهُومِ. الثَّالِثُ: الْحَصْرُ الَّذِي قَدْ يُفِيدُهُ التَّقْدِيمُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ مِثْلُ الْحَصْرَيْنِ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُوَ فِي قُوَّةِ جُمْلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا مَا صَدَرَ بِهِ الْحُكْمُ نَفْيًا كَانَ أَوْ إِثْبَاتًا وَهُوَ الْمَنْطُوقُ وَالْأُخْرَى مَا فُهِمَ مِنَ التَّقْدِيمِ وَالْحَصْرُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَنْطُوقِ فَقَطْ دُونَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفْهُومِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِذَا قُلْتَ: أَنَا لَا أُكْرِمُ إِلَّا إِيَّاكَ أَفَادَ التَّعْرِيضَ بِأَنَّ غَيْرَكَ يُكْرِمُ غَيْرَهُ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّكَ لَا تُكْرِمُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} أَفَادَ أَنَّ الْعَفِيفَ

قَدْ يَنْكِحُ غَيْرَ الزَّانِيَةِ، وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ نِكَاحِهِ الزَّانِيَةَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْدَهُ: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} بَيَانًا لِمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الأولى فَلَوْ قَالَ: "بِالْآخِرَةِ يُوقِنُونَ" أَفَادَ بِمَنْطُوقِهِ إِيقَانَهُمْ بِهَا وَمَفْهُومُهُ عِنْدَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِغَيْرِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ قُوَّةُ إِيقَانِهِمْ بِالْآخِرَةِ حَتَّى صَارَ غَيْرُهَا عِنْدَهُمْ كَالْمَدْحُوضِ فَهُوَ حَصْرٌ مَجَازِيٌّ وَهُوَ دُونَ قَوْلِنَا "يُوقِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَا بِغَيْرِهَا" فَاضْبِطْ هَذَا وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْعَلَ تقديره "لايوقنون إِلَّا بِالْآخِرَةِ" إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَتَقْدِيمُ "هُمْ" أَفَادَ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ جَعَلْنَا التَّقْدِيرَ لَا يُوقِنُونَ إِلَّا بِالْآخِرَةِ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمُهِمُّ النَّفْيَ فَيَتَسَلَّطُ الْمَفْهُومُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى إِفَادَةَ أَنَّ غَيْرَهُمْ يُوقِنُ بِغَيْرِهَا كَمَا زَعَمَ الْمُعْتَرِضُ وَيُطْرَحُ إِفْهَامُ أَنَّهُ لَا يُوقِنُ بِالْآخِرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ بَلِ الْمُرَادُ إِفْهَامُ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يُوقِنُ بِالْآخِرَةِ فَلِذَلِكَ حَافَظْنَا عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ إِثْبَاتُ الْإِيقَانِ بِالْآخِرَةِ لِيَتَسَلَّطَ الْمَفْهُومُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى الْحَصْرِ لِأَنَّ الْحَصْرَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِجُمْلَةٍ واحدة مثل "ما" و "إلا" وَمِثْلِ "إِنَّمَا" وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ بِمَفْهُومٍ مُسْتَفَادٍ مِنْ مَنْطُوقٍ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُتَقَيِّدًا بِالْآخَرِ حَتَّى نقول إِنَّ الْمَفْهُومَ أَفَادَ نَفْيَ الْإِيقَانِ الْمَحْصُورِ بَلْ أَفَادَ نَفْيَ الْإِيقَانِ مُطْلَقًا عَنْ غَيْرِهِمْ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْحَصْرِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ وَنَقُولُ: إِنَّهُ اخْتِصَاصٌ وَإِنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا انْتَهَى كَلَامُ السبكي.

النوع الخامس والخمسون: في الحصر والاختصاص

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْحَصْرِ والاختصاص ... الاستثناء المفرغ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّفْيُ فِيهِ إِلَى مُقَدَّرٍ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجٌ فَيَحْتَاجُ إِلَى مَخْرَجٍ مِنْهُ وَالْمُرَادُ التَّقْدِيرُ الْمَعْنَوِيُّ لَا الصِّنَاعِيُّ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَامًّا لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ عَامٍّ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلْمُسْتَثْنَى فِي جِنْسِهِ مِثْلُ: مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ أَيْ أَحَدٌ وَمَا أَكَلْتُ إِلَّا تَمْرًا أَيْ مَأْكُولًا وَلَا بُدَّ أَنْ يُوَافِقَهُ فِي صِفَتِهِ أَيْ إِعْرَابِهِ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْقَصْرُ إِذَا أُوجِبَ مِنْهُ شيء بإلاضرورة بِبَقَاءِ مَا عَدَاهُ عَلَى صِفَةِ الِانْتِفَاءِ وَأَصْلُ اسْتِعْمَالِ هَذَا الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ فَيُنَزَّلَ الْمَعْلُومُ مَنْزِلَةَ الْمَجْهُولِ لِاعْتِبَارٍ مُنَاسِبٍ نَحْوُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} فَإِنَّهُ خِطَابٌ لِلصَّحَابَةِ وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَجْهَلُونَ رِسَالَةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه نَزَّلَ اسْتِعْظَامَهُمْ لَهُ عَنِ الْمَوْتِ مَنْزِلَةَ مَنْ يَجْهَلُ رِسَالَتَهُ لِأَنَّ كل رسول فلا بُدَّ مِنْ مَوْتِهِ فَمَنِ اسَتَبْعَدَ مَوْتَهُ فَكَأَنَّهُ اسَتَبْعَدَ رِسَالَتَهُ الثَّانِي إِنَّمَا الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لِلْحَصْرِ فَقِيلَ بِالْمَنْطُوقِ وَقِيلَ بِالْمَفْهُومِ وَأَنْكَرَ قَوْمٌ أفادتها إياه مِنْهُمْ أَبُو حَيَّانَ وَاسْتَدَلَّ مُثْبِتُوهُ بِأُمُورٍ: مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} بِالنَّصْبِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ "مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْمِيتَةَ" لِأَنَّهُ الْمُطَابِقُ فِي الْمَعْنَى لِقِرَاءَةِ الرَّفْعِ فَإِنَّهَا لِلْقَصْرِ فَكَذَا قِرَاءَةُ النَّصْبِ وَالْأَصْلُ اسْتِوَاءُ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَمِنْهَا أَنَّ"إن" للإثبات و "ما" لِلنَّفْيِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ الْقَصْرُ لِلَجَمْعِ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ لَكِنْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ "مَا"زَائِدَةً كَافَّةً لَا نَافِيَةً وَمِنْهَا أَنَّ إِنَّ لِلتَّأْكِيدِ وَمَا كَذَلِكَ فاجتمع تأكيدان فأفادا الْحَصْرَ قَالَهُ السَّكَّاكِي وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اجْتِمَاعُ تَأْكِيدَيْنِ يُفِيدُ الحصر

النوع السادس والخمسون: في الإيجاز والإطناب

النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ اعْلَمْ أَنَّهُمَا مِنْ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ حَتَّى نَقَلَ صَاحِبُ سِرِّ الْفَصَاحَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: البلاغة هِيَ الْإِيجَازُ وَالْإِطْنَابُ. قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَلِيغِ فِي مَظَانِّ الْإِجْمَالِ أَنْ يُجْمِلَ وَيُوجِزَ فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي مَوَارِدِ التَّفْصِيلِ أَنْ يُفَصِّلَ وَيُشْبِعَ أَنْشَدَ الْجَاحِظُ: يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً وَحْيَ الْمُلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ وَاخْتُلِفَ هَلْ بَيْنَ الْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ وَاسِطَةٌ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ أَوْ لَا وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قِسْمِ الْإِيجَازِ فَالسَّكَّاكِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمُسَاوَاةَ غَيْرَ مَحْمُودَةٍ وَلَا مَذْمُومَةٍ لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِالْمُتَعَارَفِ مِنْ كَلَامِ أَوْسَاطِ النَّاسِ الَّذِينَ لَيْسُوا فِي رُتْبَةِ الْبَلَاغَةِ وَفَسَّرُوا الْإِيجَازَ بِأَدَاءِ الْمَقْصُودِ بِأَقَلِّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُتَعَارَفِ وَالْإِطْنَابُ أَدَاؤُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لِكَوْنِ الْمَقَامِ خَلِيقًا بِالْبَسْطِ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَجَمَاعَةٌ عَلَى الثَّانِي فَقَالُوا الْإِيجَازُ التَّعْبِيرُ عَنِ الْمُرَادِ بِلَفْظٍ غَيْرِ زَائِدٍ وَالْإِطْنَابُ بِلَفْظٍ أَزْيَدَ. وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ: الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ المقبول مِنْ طُرُقِ التَّعْبِيرِ عَنِ الْمُرَادِ تَأْدِيَةُ أَصْلِهِ إِمَّا بِلَفْظٍ مُسَاوٍ لِلْأَصْلِ الْمُرَادِ أَوْ نَاقِصٍ عَنْهُ وَافٍ أَوْ زَائِدٍ عَلَيْهِ لِفَائِدَةٍ وَالْأَوَّلُ الْمُسَاوَاةُ وَالثَّانِي الْإِيجَازُ وَالثَّالِثُ الإطناب

واحترز ب "واف" عَنِ الْإِخْلَالِ وَبِقَوْلِنَا لِفَائِدَةٍ عَنِ الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ فَعِنْدَهُ ثُبُوتُ الْمُسَاوَاةِ وَاسِطَةٌ وَأَنَّهَا مِنْ قِسْمِ الْمَقْبُولِ فَإِنْ قُلْتَ عَدَمُ ذِكْرِكَ الْمُسَاوَاةَ فِي التَّرْجَمَةِ لِمَاذَا هَلْ هُوَ لِرُجْحَانِ نَفْيِهَا أَوْ عَدَمِ قَبُولِهَا أَوْ لِأَمْرٍ غَيْرِ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لَهُمَا وَلِأَمْرٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ لَا تَكَادُ تُوجَدُ خُصُوصًا فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ مَثَّلَ لَهَا فِي التَّلْخِيصِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} وَفِي الْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ حَذْفَ مَوْصُوفِ "الَّذِينَ" وَفِي الْأَوْلَى إِطْنَابٌ بِلَفْظِ "السَّيِّئِ" لِأَنَّ الْمَكْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا سَيِّئًا وَإِيجَازٌ بِالْحَذْفِ إِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرَ مُفَرَّغٍ أَيْ بِأَحَدٍ وَبِالْقَصْرِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَبِكَوْنِهَا حَاثَّةً عَلَى كَفِّ الْأَذَى عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ مُحَذِّرَةً عَنْ جَمِيعِ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ وَبِأَنَّ تَقْدِيرَهَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ مَضَرَّةً بَلِيغَةً فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ الواقعة على سبيل التمثيلية لِأَنَّ "يَحِيقُ"بِمَعْنَى "يُحِيطُ" فَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْأَجْسَامِ. تَنْبِيهٌ الْإِيجَازُ وَالِاخْتِصَارُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمِفْتَاحِ وَصَرَّحَ بِهِ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الِاخْتِصَارُ خَاصٌّ بِحَذْفِ الْجُمَلِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْإِيجَازِ

قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْإِطْنَابُ قِيلَ بِمَعْنَى الْإِسْهَابِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ فَإِنَّ الْإِسْهَابَ التَّطْوِيلُ لِفَائِدَةٍ أَوْ لَا لِفَائِدَةٍ كما ذكره التنوخي وغيره. فصل في نوعي الإيجاز الْإِيجَازُ قِسْمِانِ: إِيجَازُ قَصْرٍ وَإِيجَازُ حذف يجاز القصر. فَالْأَوَّلُ: هُوَ الْوَجِيزُ بِلَفْظِهِ قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ: الْكَلَامُ الْقَلِيلُ إِنْ كَانَ بَعْضًا مِنْ كَلَامٍ أَطْوَلَ مِنْهُ فَهُوَ إِيجَازُ حَذْفٍ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا يُعْطِي مَعْنًى أَطْوَلَ مِنْهُ فَهُوَ إِيجَازُ قَصْرٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِيجَازُ الْقَصْرِ هُوَ تَكْثِيرُ الْمَعْنَى بِتَقْلِيلٍ اللَّفْظِ وَقَالَ آخَرُ: هُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى أَقَلَّ مِنَ الْقَدْرِ الْمَعْهُودِ عَادَةً وَسَبَبُ حُسْنِهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّمَكُّنِ فِي الْفَصَاحَةِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُوتِيَتْ جَوَامِعَ الْكَلِمِ." وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِي التِّبْيَانِ الْإِيجَازُ الْخَالِي مِنَ الْحَذْفِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: إِيجَازُ الْقَصْرِ وَهُوَ أَنْ يُقْصَرَ اللَّفْظُ عَلَى مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} جَمَعَ فِي أَحْرُفِ

الْعُنْوَانِ وَالْكِتَابِ وَالْحَاجَةِ وَقِيلَ فِي وَصْفٍ بَلِيغٍ: كَانَتْ أَلْفَاظُهُ قَوَالِبَ مَعْنَاهُ قُلْتُ وَهَذَا رَأْيُ مَنْ يُدْخِلُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْإِيجَازِ. الثَّانِي: إِيجَازُ التَّقْدِيرِ وَهُوَ أَنْ يُقَدَّرَ معنى زائد عَلَى الْمَنْطُوقِ وَيُسَمَّى بِالتَّضْيِيقِ أَيْضًا وَبِهِ سَمَّاهُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ فِي الْمِصْبَاحِ لِأَنَّهُ نَقَصَ مِنَ الْكَلَامِ مَا صَارَ لَفْظُهُ أَضْيَقَ مِنْ قَدْرِ مَعْنَاهُ نَحْوُ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} أَيْ خَطَايَاهُ غُفِرَتْ فَهِيَ لَهُ لَا عَلَيْهِ {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أي للضالين الصَّائِرِينَ بَعْدَ الضَّلَالِ إِلَى التَّقْوَى. الثَّالِثُ: الْإِيجَازُ الْجَامِعُ وَهُوَ أَنْ يَحْتَوِيَ اللَّفْظُ عَلَى مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ نَحْوُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ} الْآيَةَ فَإِنَّ الْعَدْلَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ الْمُومَى بِهِ إِلَى جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالْإِحْسَانُ هُوَ الْإِخْلَاصُ فِي وَاجِبَاتِ الْعُبُودِيَّةِ لِتَفْسِيرِهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ" أَيْ تَعَبُّدَهُ مُخْلِصًا فِي نِيَّتِكَ وَوَاقِفًا فِي الْخُضُوعِ آخِذًا أُهْبَةَ الْحَذَرِ إِلَى مَا لَا يُحْصَى {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاجِبِ مِنَ النَّوَافِلِ هَذَا فِي الْأَوَامِرِ. وَأَمَّا النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية وبالمنكر إِلَى الْإِفْرَاطِ الْحَاصِلِ مِنْ آثَارِ الْغَضَبِيَّةِ أَوْ كُلِّ مُحَرَّمٍ شَرْعًا وبالبغي إِلَى الِاسْتِعْلَاءِ الْفَائِضِ عَنِ الْوَهْمِيَّةِ قُلْتُ: وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَجْمَعُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَهَا يَوْمًا ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمَعَ لَكُمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي آيَةٍ

وَاحِدَةٍ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكَ الْعَدْلَ وَالْإِحْسَانَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا جَمْعَهُ وَلَا تَرْكَ الْفَحْشَاءُ وَالْمُنْكِرُ وَالْبَغِيُّ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا جَمَعَهُ وَرَوَى أَيْضًا عن ابن أبي شِهَابٍ فِي مَعْنَى حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ: " بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ" قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ لَهُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ} الْآيَةَ فَإِنَّهَا جَامِعَةٌ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْعَفْوِ التَّسَاهُلَ وَالتَّسَامُحَ فِي الْحُقُوقِ وَاللِّينَ وَالرِّفْقَ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الدِّينِ وَفِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ كَفُّ الْأَذَى وَغَضُّ الْبَصَرِ وَمَا شَاكَلَهُمَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وفي الإعراض الصبر وَالْحِلْمِ وَالتُّؤَدَةِ وَمِنْ بَدِيعِ الْإِيجَازِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إِلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ نِهَايَةُ التَّنْزِيهِ وَقَدْ تَضَمَّنَتِ الرَّدَّ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ فِرْقَةً كَمَا أَفْرَدَ ذَلِكَ بِالتَّصْنِيفِ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ شَدَّادٍ وَقَوْلُهُ: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} دَلَّ بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ عَلَى جَمِيعِ مَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْأَرْضِ قُوتًا وَمَتَاعًا لِلْأَنَامِ مِنَ الْعُشْبِ وَالشَّجَرِ وَالْحَبِّ وَالثَّمَرِ وَالْعَصْفِ وَالْحَطَبِ وَاللِّبَاسِ وَالنَّارِ وَالْمِلْحِ لِأَنَّ النَّارَ مِنَ الْعِيدَانِ وَالْمِلْحَ مِنَ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} جَمَعَ فِيهِ جَمِيعَ عُيُوبِ الْخَمْرِ مِنَ الصُّدَاعِ وَعَدَمِ الْعَقْلِ وَذَهَابِ المال ونفاد الشَّرَابِ وَقَوْلُهُ: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} الْآيَةَ أَمَرَ فِيهَا وَنَهَى

وَأَخْبَرَ وَنَادَى، وَنَعَتَ وَسَمَّى وَأَهْلَكَ وَأَبْقَى، وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى وَقَصَّ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا لَوْ شُرِحَ مَا انْدَرَجَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ بَدِيعِ اللَّفْظِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ وَالْبَيَانِ لَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ وَقَدْ أَفْرَدْتُ بَلَاغَةَ هَذِهِ الْآيَةِ بِالتَّأْلِيفِ، وَفِي الْعَجَائِبِ لِلْكِرْمَانِيِّ: أَجْمَعَ الْمُعَانِدُونَ عَلَى أَنَّ طَوْقَ الْبَشَرِ قَاصِرٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ أَنْ فَتَّشُوا جَمِيعَ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَلَمْ يَجِدُوا مِثْلَهَا فِي فَخَامَةِ أَلْفَاظِهَا وَحُسْنِ نَظْمِهَا وَجَوْدَةِ مَعَانِيهَا فِي تَصْوِيرِ الْحَالِ مَعَ الْإِيجَازِ مِنْ غَيْرِ إِخْلَالٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} الْآيَةَ جَمَعَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَحَدَ عَشَرَ جِنْسًا مِنَ الْكَلَامِ نَادَتْ وَكَنَّتْ وَنَبَّهَتْ وَسَمَّتْ وَأَمَرَتْ وَقَصَّتْ وَحَذَّرَتْ وَخَصَّتْ وَعَمَّتْ وَأَشَارَتْ وَعَذَرَتْ فَالنِّدَاءُ "يَا"وَالْكِنَايَةُ "أَيْ" وَالتَّنْبِيهُ "هَا" وَالتَّسْمِيَةُ "النَّمْلُ" وَالْأَمْرُ "ادْخُلُوا" وَالْقَصَصُ "مَسَاكِنَكُمْ" وَالتَّحْذِيرُ "لَا يَحْطِمَنَّكُمْ" وَالتَّخْصِيصُ "سُلَيْمَانُ" وَالتَّعْمِيمُ "جُنُودُهُ" وَالْإِشَارَةُ "وَهُمْ " وَالْعُذْرُ "لَا يَشْعُرُونَ" فأدت خمس حُقُوقٍ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ رَسُولِهِ وَحَقَّهَا وَحَقَّ رَعِيَّتِهَا وَحَقَّ جُنُودِ سليمان وقوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الْآيَةَ جُمِعَ فِيهَا أُصُولُ الْكَلَامِ النِّدَاءُ وَالْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالْأَمْرُ وَالْإِبَاحَةُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ جَمَعَ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فِي شَطْرِ آيَةِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الْآيَةَ،

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هِيَ مِنْ أَعْظَمِ آيٍ فِي الْقُرْآنِ فَصَاحَةً إِذْ فِيهَا أَمْرَانِ وَنَهْيَانِ وَخَبَرَانِ وَبِشَارَتَانِ وَقَوْلُهُ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: الْمَعْنَى: صَرِّحَ بِجَمِيعِ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ وَبَلِّغْ كُلَّ مَا أُمِرْتَ بِبَيَانِهِ وَإِنْ شَقَّ بَعْضُ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْقُلُوبِ فَانْصَدَعَتْ وَالْمُشَابَهَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا يُؤْثِرُهُ التَّصْرِيحُ فِي الْقُلُوبِ فَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْوُجُوهِ مِنَ التَّقَبُّضِ وَالِانْبِسَاطِ وَيَلُوحُ عَلَيْهَا مِنْ عَلَامَاتِ الْإِنْكَارِ وَالِاسْتِبْشَارِ كَمَا يَظْهَرُ عَلَى ظَاهِرِ الزُّجَاجَةِ الْمَصْدُوعَةِ فَانْظُرْ إِلَى جَلِيلِ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ وَعِظَمِ إِيجَازِهَا وَمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْأَعْرَابِ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ سَجَدَ وَقَالَ: سَجَدْتُ لِفَصَاحَةِ هَذَا الْكَلَامِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} قال بعضهم جمع بهاتين اللفظين مَا لَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى وَصْفِ مَا فِيهَا عَلَى التَّفْصِيلِ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَثِيرٌ وَلَفْظُهُ قَلِيلٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَتَى قَتَلَ قُتِلَ كان ذلك داعيا إلى ألا يُقْدِمَ عَلَى الْقَتْلِ فَارْتَفَعَ بِالْقَتْلِ الَّذِي هُوَ الْقِصَاصُ كَثِيرٌ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَكَانَ ارْتِفَاعُ الْقَتْلِ حَيَاةً لَهُمْ وَقَدْ فُضِّلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى أَوْجَزِ مَا كَانَ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُهُمْ "الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ" بِعِشْرِينَ وَجْهًا أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ الْأَثِيرِ إِلَى إِنْكَارِ هَذَا التَّفْضِيلِ وَقَالَ: لَا تَشْبِيهَ بَيْنَ كَلَامِ الْخَالِقِ وَكَلَامِ الْمَخْلُوقِ وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ يَقْدَحُونَ أَذْهَانَهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ ذِلَكَ.

الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا يُنَاظِرُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: "الْقِصَاصِ حَيَاةٌ " أَقَلُّ حُرُوفًا فَإِنَّ حُرُوفَهُ عَشْرَةٌ وَحُرُوفُ "الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ" أَرْبَعَةَ عَشَرَ. الثَّانِي: أَنَّ نَفْيَ الْقَتْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَيَاةَ وَالْآيَةُ نَاصَّةٌ على ثبوتها الَّتِي هِيَ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ تَنْكِيرَ "حَيَاةٍ" يُفِيدُ تَعْظِيمًا فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً مُتَطَاوِلَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} وَلَا كَذَلِكَ الْمَثَلُ فَإِنَّ اللَّامَ فيه لِلْجِنْسِ وَلِذَا فَسَّرُوا الْحَيَاةَ فِيهَا بِالْبَقَاءِ. الرَّابِعُ: أن الآية فيه مُطَّرِدَةٌ بِخِلَافِ الْمَثَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قَتْلٍ أَنْفَى لِلْقَتْلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَدْعَى لَهُ وَهُوَ الْقَتْلُ ظُلْمًا وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ قَتْلٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَفِيهِ حَيَاةٌ أَبَدًا. الْخَامِسُ: أَنَّ الْآيَةَ خَالِيَةٌ مِنْ تَكْرَارِ لِفَظِ "الْقَتْلِ" الْوَاقِعِ فِي الْمَثَلِ وَالْخَالِي مِنَ التَّكْرَارِ أَفْضَلُ مِنَ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخِلًّا بِالْفَصَاحَةِ. السَّادِسُ: أَنَّ الْآيَةَ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ فَإِنَّ فِيهِ حَذَفَ "مِنْ" الَّتِي بَعْدَ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ- وَمَا بَعْدَهَا وَحُذِفَ قِصَاصًا مَعَ الْقَتْلِ الْأَوَّلِ وَظُلْمًا مَعَ الْقَتْلِ الثَّانِي وَالتَّقْدِيرُ الْقَتْلُ "قِصَاصًا" أَنْفَى لِلْقَتْلِ ظُلْمًا مِنْ تَرْكِهِ السَّابِعُ: أَنَّ فِي الْآيَةِ طِبَاقًا لِأَنَّ القصاص مشعر بِضِدِّ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْمَثَلِ. الثَّامِنُ: أَنَّ الْآيَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى فَنٍّ بَدِيعٍ وَهُوَ جَعْلُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الْفَنَاءُ وَالْمَوْتُ مَحْلًّا وَمَكَانًا لِضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الْحَيَاةُ وَاسْتِقْرَارُ الْحَيَاةِ

فِي الْمَوْتِ مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ وَعَبَّرَ عَنْهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ بِأَنَّهُ جَعَلَ الْقِصَاصَ كَالْمَنْبَعِ لِلْحَيَاةِ وَالْمَعْدِنِ لَهَا بِإِدْخَالِ "فِي" عَلَيْهِ. التَّاسِعُ: أَنَّ فِي الْمَثَلِ تَوَالِيَ أَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ حفيفة وَهُوَ السُّكُونُ بَعْدَ الْحَرَكَةِ وَذَلِكَ مُسْتَكْرَهٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ الْمَنْطُوقَ بِهِ إِذَا تَوَالَتْ حَرَكَاتُهُ تَمَكَّنَ اللِّسَانُ من النطق به وظهرت فَصَاحَتُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَعَقَّبَ كُلَّ حَرَكَةٍ سُكُونٌ فَالْحَرَكَاتُ تَنْقَطِعُ بِالسَّكَنَاتِ نَظِيرُهُ إِذَا تَحَرَّكَتِ الدَّابَّةُ أَدْنَى حَرَكَةٍ فَحُبِسَتْ ثُمَّ تَحَرَّكَتْ فَحُبِسَتْ لا يتبين إِطْلَاقَهَا وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ حَرَكَتِهَا عَلَى مَا تَخْتَارُهُ فَهِيَ كَالْمُقَيَّدَةِ. الْعَاشِرُ: أَنَّ الْمَثَلَ كَالْمُتَنَاقِضِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَنْفِي نَفْسَهُ، الْحَادِي عَشَرَ: سَلَامَةُ الْآيَةِ مِنْ تَكْرِيرِ قَلْقَلَةِ الْقَافِ الْمُوجِبِ لِلضَّغْطِ وَالشِّدَّةِ وَبُعْدُهَا عَنْ غُنَّةٍ النُّونِ الثَّانِي عَشَرَ: اشْتِمَالُهَا عَلَى حُرُوفٍ مُتَلَائِمَةٍ لِمَا فِيهَا مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقَافِ إِلَى الصَّادِ إِذِ الْقَافُ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالصَّادُ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالْإِطْبَاقِ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ مِنَ الْقَافِ إِلَى التَّاءِ الَّتِي هِيَ حَرْفٌ مُنْخَفِضٌ فَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْقَافِ وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنَ الصَّادِ إِلَى الْحَاءِ أَحْسَنُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ اللَّامِ إِلَى الْهَمْزَةِ لِبُعْدِ مَا دُونَ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأَقْصَى الْحَلْقِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي النُّطْقِ بِالصَّادِ وَالْحَاءِ وَالتَّاءِ حُسْنُ الصَّوْتِ وَلَا كَذَلِكَ تَكْرِيرُ الْقَافِ وَالتَّاءِ الرَّابِعَ عَشَرَ: سَلَامَتُهَا مَنْ لَفْظِ الْقَتْلِ الْمُشْعِرِ بِالْوَحْشَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ "الْحَيَاةِ" فَإِنَّ الطِّبَّاعَ أَقْبَلُ لَهُ مَنْ لَفْظِ الْقَتْلِ.

الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ لَفْظَ الْقِصَاصِ مُشْعِرٌ بِالْمُسَاوَاةِ فَهُوَ مُنْبِئٌ عَنِ الْعَدْلِ بِخِلَافِ مُطْلَقِ الْقَتْلِ. السَّادِسَ عَشَرَ: الْآيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالْمَثَلُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتُ أَشْرَفُ لِأَنَّهُ أَوَّلٌ وَالنَّفْيُ ثَانٍ عَنْهُ. السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ الْمَثَلَ لَا يَكَادُ يُفْهَمُ إِلَّا بَعْدَ فَهْمِ أَنَّ الْقِصَاصَ هُوَ الْحَيَاةُ وَقَوْلُهُ: "فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ"مَفْهُومٌ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ. الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ فِي الْمَثَلِ بِنَاءَ "أَفْعَلَ" التَّفْضِيلِ مِنْ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ وَالْآيَةُ سَالِمَةٌ مِنْهُ. التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنَّ أَفْعَلَ فِي الْغَالِبِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فَيَكُونُ تَرْكُ الْقِصَاصِ نَافِيًا لِلْقَتْلِ وَلَكِنَّ الْقِصَاصَ أَكْثَرُ نَفْيًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَالْآيَةُ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ. الْعِشْرُونَ: أَنَّ الْآيَةَ رَادِعَةٌ عَنِ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ مَعًا لِشُمُولِ الْقِصَاصِ لَهُمَا وَالْحَيَاةُ أَيْضًا فِي قِصَاصِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ يُنْقِصُ مَصْلَحَةَ الْحَيَاةِ وَقَدْ يَسْرِي إِلَى النَّفْسِ فَيُزِيلُهَا وَلَا كَذَلِكَ الْمَثَلُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ "وَلَكُمْ" وَفِيهَا لَطِيفَةٌ وَهِيَ بَيَانُ الْعِنَايَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْخُصُوصِ وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُ حَيَاتُهُمْ لَا غَيْرُهُمْ لِتَخْصِيصِهِمْ بِالْمَعْنَى مَعَ وُجُودِهِ فِيمَنْ سِوَاهُمْ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ذَكَرَ قُدَامَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ الْإِشَارَةَ وَفَسَّرَهَا بِالْإِتْيَانِ بِكَلَامٍ قَلِيلٍ ذِي مَعَانٍ جَمَّةٍ وَهَذَا هُوَ إِيجَازُ الْقَصْرِ بِعَيْنِهِ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ بِأَنَّ الْإِيجَازَ دَلَالَتُهُ مُطَابَقَةٌ وَدَلَالَةُ الْإِشَارَةِ إِمَّا تَضَمُّنٌ أَوِ الْتِزَامٌ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَنْطُوقِ.

الثَّانِي: ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ أَنَّ مِنَ الْإِيجَازِ نَوْعًا يُسَمَّى التَّضْمِينُ وَهُوَ حُصُولُ مَعْنًى فِي لَفْظٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لَهُ بِاسْمٍ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ نَوْعَانِ: أحدهما ما يفهم من البنية كَقَوْلِهِ مَعْلُومٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَالِمٍ وَالثَّانِي من معنى العبارة كبسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُ تَضَمَّنَ تَعْلِيمَ الِاسْتِفْتَاحِ فِي الْأُمُورِ بِاسْمِهِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّبَرُّكِ بِاسْمِهِ الثَّالِثُ: ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَصَاحِبُ عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ إِيجَازِ الْقَصْرِ بَابُ الْحَصْرِ سَوَاءً كَانَ بِإِلَّا أَوْ بِإِنَّمَا أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَدَوَاتِهِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ فِيهَا نَابَتْ مَنَابَ جُمْلَتَيْنِ وَبَابُ الْعَطْفِ لِأَنَّ حَرْفَهُ وُضِعَ لِلْإِغْنَاءِ عَنْ إِعَادَةِ الْعَامِلِ وَبَابُ النَّائِبِ عَنِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى الْفَاعِلِ بِإِعْطَائِهِ حُكْمَهُ وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِوَضْعِهِ وَبَابُ الضَّمِيرِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِهِ عَنِ الظَّاهِرِ اخْتِصَارًا وَلِذَا لَا يُعْدَلُ إِلَى الْمُنْفَصِلِ مَعَ إِمْكَانِ الْمُتَّصِلِ وَبَابُ عَلِمْتُ أَنَّكَ قَائِمٌ لِأَنَّهُ متحمل لِاسْمٍ وَاحِدٍ سَدَّ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ وَمِنْهَا بَابُ التَّنَازُعِ إِذَا لَمْ نُقَدِّرْ عَلَى رأي الفراء ومنها طرح المفعول اقتصارا على جعل المتعدي كاللازم وسيأتي تحريره ومنها جميع أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ فَإِنَّ "كَمْ مَالُكَ" يُغْنِي عَنْ قَوْلِكَ "أَهْوَ عِشْرُونَ أَمْ ثَلَاثُونَ؟ " وَهَكَذَا إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَمِنْهَا الْأَلْفَاظُ اللَّازِمَةُ لِلْعُمُومِ كَأَحَدٍ وَمِنْهَا لَفْظُ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ تَكْرِيرِ الْمُفْرَدِ وَأُقِيمَ الْحَرْفُ فِيهِمَا مَقَامَهُ اخْتِصَارًا وَمِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يُعَدَّ مِنْ أَنْوَاعِهِ الْمُسَمَّى بِالِاتِّسَاعِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ وَهُوَ

أَنْ يُؤْتَى بِكَلَامٍ يَتَّسِعُ فِيهِ التَّأْوِيلُ بِحَسَبَ مَا تَحْتَمِلُهُ أَلْفَاظُهُ مِنَ الْمَعَانِي كَفَوَاتِحِ السُّوَرِ ذَكَرَهُ ابن أبي الإصبع إيجاز الحذف الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيِ الْإِيجَازِ: الْحَذْفِ وَفِيهِ فَوَائِدُ. ذِكْرُ أَسْبَابِهِ: مِنْهَا مُجَرَّدُ الِاخْتِصَارِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْعَبَثِ لِظُهُورِهِ وَمِنْهَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الزَّمَانَ يَتَقَاصَرُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْمَحْذُوفِ وَأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِذِكْرِهِ يُفْضِي إِلَى تَفْوِيتِ الْمُهِمِّ وَهَذِهِ هِيَ فَائِدَةُ بَابِ التَّحْذِيرِ وَالْإِغْرَاءِ وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} فناقة اللَّهِ تَحْذِيرٌ بِتَقْدِيرِ "ذَرُوا" وَ "سُقْيَاهَا" إِغْرَاءٌ بِتَقْدِيرِ "الْزَمُوا" وَمِنْهَا التَّفْخِيمُ وَالْإِعْظَامُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِبْهَامِ قَالَ حَازِمٌ فِي مِنْهَاجِ الْبُلَغَاءِ إِنَّمَا يَحْسُنُ الْحَذْفُ لِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ أَوْ يُقْصَدُ بِهِ تَعْدِيدُ أَشْيَاءَ فَيَكُونُ فِي تَعْدَادِهَا طُولٌ وَسَآمَةٌ فَيُحْذَفُ وَيُكْتَفَى بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَتُتْرَكُ النَّفْسُ تَجُولُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُكْتَفَى بِالْحَالِ عَنْ ذِكْرِهَا قَالَ: وَلِهَذَا الْقَصْدِ يُؤْثَرُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا التَّعَجُّبُ وَالتَّهْوِيلُ عَلَى النُّفُوسِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي وَصْفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ، فَحُذِفَ الْجَوَابُ إِذْ كَانَ وَصْفُ مَا يَجِدُونَهُ وَيَلْقَوْنَهُ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَنَاهَى فَجُعِلَ الْحَذْفُ دَلِيلًا على ضيق الْكَلَامِ عَنْ وَصْفِ مَا يُشَاهِدُونَهُ وَتُرِكَتِ النُّفُوسُ تُقَدِّرُ مَا شَاءَتْهُ وَلَا تَبْلُغُ مَعَ ذَلِكَ كُنْهَ مَا هُنَالِكَ.

وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} أَيْ لَرَأَيْتَ أَمْرًا فَظِيعًا لَا تَكَادُ تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَةُ وَمِنْهَا التَّخْفِيفُ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ كَمَا فِي حَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ نَحْوِ: {يُوسُفُ أَعْرِضْ} ونون "لم يك" وَالْجَمْعُ السَّالِمُ وَمِنْهُ قِرَاءَةُ {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} وياء {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} وَسَأَلَ الْمُؤَرَّجُ السَّدُوسِيُّ الْأَخْفَشَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّهَا إِذَا عَدَلَتْ بِالشَّيْءِ عَنْ مَعْنَاهُ نَقَصَتْ حُرُوفُهُ وَاللَّيْلُ لَمَّا كَانَ لَا يَسْرِي وَإِنَّمَا يُسْرَى فِيهِ نَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} الْأَصْلُ "بَغِيَّةً" فَلَمَّا حُوِّلَ عَنْ فَاعِلٍ نَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ وَمِنْهَا كَوْنُهُ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لَهُ نحو {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وَمِنْهَا شُهْرَتُهُ حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً قال الزمخشري وهو نَوْعٌ مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ الَّتِي لِسَانُهَا أَنْطَقُ مِنْ لِسَانِ الْمَقَالِ وَحُمِلَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} لِأَنَّ هَذَا مَكَانٌ شُهِرَ بِتَكَرُّرِ الْجَارِّ فَقَامَتِ الشُّهْرَةُ مَقَامَ الذِّكْرِ وَمِنْهَا صِيَانَتُهُ عَنْ ذِكْرِهِ تَشْرِيفًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ} الْآيَاتِ حُذِفَ فِيهَا الْمُبْتَدَأُ فِي ثَلَاثَةِ

مَوَاضِعَ: قَبْلَ ذِكْرِ الرَّبِّ أَيْ "هُوَ رَبٌّ"، "اللَّهُ رَبُّكُمْ"، "اللَّهُ رَبُّ الْمَشْرِقِ" لِأَنَّ مُوسَى اسْتَعْظَمَ حَالَ فِرْعَوْنَ وَإِقْدَامَهُ عَلَى السُّؤَالِ فَأَضْمَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا وَمِثْلُهُ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} أَيْ ذَاتِكَ وَمِنْهَا صِيَانَةُ اللِّسَانِ عَنْهُ تَحْقِيرًا لَهُ نَحْوُ: {صُمٌّ بُكْمٌ} أَيْ هُمْ أَوِ الْمُنَافِقُونَ وَمِنْهَا قَصْدُ الْعُمُومِ نَحْوُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أَيْ عَلَى الْعِبَادَةِ وَعَلَى أُمُورِنَا كُلِّهَا، {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} أَيْ كَلَّ وَاحِدٍ وَمِنْهَا رِعَايَةُ الْفَاصِلَةِ نَحْوُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} أَيْ "وَمَا قَلَاكَ " وَمِنْهَا قَصْدُ الْبَيَانِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي فعل المشيئة نحو: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ} أي ولو شَاءَ هِدَايَتَكُمْ فَإِنَّهُ إِذَا سَمِعَ السَّامِعُ "وَلَوْ شَاءَ" تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بم شاء ابنهم عَلَيْهِ لَا يَدْرِي مَا هُوَ فَلَمَّا ذُكِرَ الْجَوَابُ اسْتَبَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ ذَلِكَ بَعْدَ أَدَاةِ شَرْطٍ لِأَنَّ مَفْعُولَ الْمَشِيئَةِ مَذْكُورٌ فِي جَوَابِهَا وَقَدْ يَكُونُ مَعَ غَيْرِهَا اسْتِدْلَالًا بِغَيْرِ الْجَوَابِ نَحْوُ: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْبَيَانِ أَنَّ مَفْعُولَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ لَا يُذْكَرُ إِلَّا إِذَا كَانَ غَرِيبًا أَوْ عَظِيمًا نَحْوُ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً} وَإِنَّمَا اطَّرَدَ أَوْ كَثُرَ حَذْفُ مَفْعُولِ الْمَشِيئَةِ

دُونَ سَائِرِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمَشِيئَةِ وُجُودُ الْمُشَاءِ فَالْمَشِيئَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِمَضْمُونِ الْجَوَابِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا مَشِيئَةَ الْجَوَابِ وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْإِرَادَةُ مِثْلَهَا في اطراد حذف مَفْعُولِهَا ذَكَرَهُ الزَّمْلَكَانِيُّ وَالتَّنُوخِيُّ فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ قَالُوا: وَإِذَا حُذِفَ بَعْدَ "لَوْ" فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي جَوَابِهَا أَبَدًا وَأَوْرَدَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: {قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً} فَإِنَّ الْمَعْنَى "لَوْ شَاءَ رَبُّنَا إِرْسَالَ الرُّسُلِ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً" لَأَنَّ الْمَعْنَى مُعِينٌ عَلَى ذَلِكَ. فَائِدَةٌ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ: مَا مِنِ اسْمٍ حُذِفَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْذَفَ فِيهَا إِلَّا وَحَذْفُهُ أَحْسَنُ مِنْ ذِكْرِهِ وَسَمَّى ابْنُ جِنِّي الْحَذْفَ شَجَاعَةَ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ يُشَجِّعُ عَلَى الْكَلَامِ. قَاعِدَةٌ فِي حَذْفِ الْمَفْعُولِ اخْتِصَارًا وَاقْتِصَارًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ جَرَتْ عَادَةُ النَّحْوِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا بِحَذْفِ المفعولاختصارا وَاقْتِصَارًا وَيُرِيدُونَ بِالِاخْتِصَارِ الْحَذْفَ لِدَلِيلٍ وَيُرِيدُونَ بِالِاقْتِصَارِ الْحَذْفَ لِغَيْرِ دَلِيلٍ وَيُمَثِّلُونَهُ بِنَحْوِ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} أَيْ أَوْقِعُوا هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ يَعْنِي كَمَا قَالَ أَهْلُ الْبَيَانِ تَارَةً يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِالْإِعْلَامِ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ أَوْقَعَهُ وَمَنْ أُوقِعُ عَلَيْهِ فَيُجَاءُ بِمَصْدَرِهِ مُسْنَدًا إِلَى فِعْلِ كَوْنٍ عَامٍّ فَيُقَالُ حَصَلَ حَرِيقٌ أَوْ نَهْبٌ وَتَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِعْلَامِ بِمُجَرَّدِ إِيقَاعِ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِمَا وَلَا يُذَكَرُ الْمَفْعُولُ وَلَا يُنْوَى إِذِ الْمَنْوِيُّ كَالثَّابِتِ وَلَا يُسَمَّى مَحْذُوفًا لِأَنَّ الْفِعْلَ يُنَزَّلُ لِهَذَا الْقَصْدِ مَنْزِلَةَ

مَا لَا مَفْعُولَ لَهُ وَمِنْهُ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} إِذِ الْمَعْنَى رَبِّيَ الَّذِي يَفْعَلُ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ وَهَلْ يَسْتَوِي مَنْ يَتَّصِفُ بِالْعِلْمِ وَمَنْ يَنْتَفِي عَنْهُ الْعِلْمُ وَأَوْقِعُوا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَذَرُوا الْإِسْرَافَ "وَإِذَا حَصَلَتْ مِنْكَ رُؤْيَةٌ" وَمِنْهُ: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} الآية ألا ترى أنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَحِمَهُمَا إِذْ كَانَتَا عَلَى صِفَةِ الذِّيَادِ وَقَوْمُهُمَا عَلَى السَّقْيِ لَا لِكَوْنِ مَذُودِهِمَا غَنَمًا وَسَقْيِهِمْ إِبِلًا وَكَذَلِكَ الْمَقْصُودُ مِنْ "لَا نَسْقِي" السَّقْيُ لَا الْمَسْقِيُّ وَمَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ قَدَّرَ "يَسْقُونَ إِبِلَهُمْ" وَ "تَذُودَانِ غَنَمَهُمَا" وَ "لَا نَسْقِي غَنَمًا" وَتَارَةً يُقْصَدُ إِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَى فَاعِلِهِ وَتَعْلِيقُهُ بِمَفْعُولِهِ فَيُذْكَرَانِ نَحْوُ: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبا} {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} وَهَذَا النَّوْعُ الَّذِي إِذَا لَمْ يُذْكَرْ مَحْذُوفُهُ قِيلَ مَحْذُوفٌ. وَقَدْ يكون في اللَّفْظُ مَا يَسْتَدْعِيهِ فَيَحْصُلُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ تَقْدِيرِهِ نَحْوُ: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} {وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وَقَدْ يَشْتَبِهُ الْحَالُ فِي الْحَذْفِ وَعَدَمِهِ نَحْوُ: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَعْنَاهُ "نَادُوا" فَلَا حَذْفَ أَوْ "سَمُّوا" فَالْحَذْفُ وَاقِعٌ

ذِكْرُ شُرُوطِهِ هِيَ ثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا: وُجُودُ دَلِيلٍ إِمَّا حَالِيٌّ نَحْوُ: {قَالُوا سَلاماً} أَيْ سَلَّمْنَا سَلَامًا أَوْ مَقَالِيٌّ نَحْوُ: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً} "أَيْ أَنْزَلَ خَيْرًا"، {قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} أَيْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ وَمِنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلُ حَيْثُ يَسْتَحِيلُ صِحَّةُ الْكَلَامِ عَقْلًا إِلَّا بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ ثُمَّ تَارَةً يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ الْحَذْفِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى تَعْيِينِهِ بَلْ يُسْتَفَادُ التعيين من دليل آخره نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فَإِنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتِ الْمُحَرَّمَةَ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يضاف إلى الأحرام وَإِنَّمَا هُوَ وَالْحِلُّ يُضَافَانِ إِلَى الْأَفْعَالِ فَعُلِمَ بِالْعَقْلَ حَذْفُ شَيْءٍ وأما تعينه وَهُوَ التَّنَاوُلُ فَمُسْتَفَادٌ مِنَ الشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا" لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُدْرِكُ مَحَلَّ الْحِلِّ وَلَا الْحُرْمَةِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ مِنْ بَابِ دَلَالَةِ العقل أيضا فتابع فيه السَّكَّاكِيَّ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ وَتَارَةً يَدُلُّ الْعَقْلُ أَيْضًا عَلَى التَّعْيِينِ نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أَيْ أَمْرُهُ بِمَعْنَى عَذَابِهِ لِأَنَّ الحق دَلَّ عَلَى اسْتِحَالَةِ مَجِيءِ الْبَارِئِ لِأَنَّهُ مِنْ سِمَاتِ الْحَادِثِ وَعَلَى أن الجائي أمره، {وْفُوا بِالْعُقُودِ} {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} ، أَيْ بِمُقْتَضَى الْعُقُودِ وَبِمُقْتَضَى عَهْدِ اللَّهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَالْعَهْدَ قَوْلَانِ

قَدْ دَخَلَا فِي الْوُجُودِ وَانْقَضَيَا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا وَفَاءٌ وَلَا نَقْضٌ وَإِنَّمَا الْوَفَاءُ وَالنَّقْضُ بِمُقْتَضَاهُمَا وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا مِنْ أَحْكَامِهِمَا وَتَارَةً يَدُلُّ عَلَى التَّعْيِينِ الْعَادَةُ نَحْوُ: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى الْحَذْفِ لِأَنَّ يُوسُفَ لَا يَصِحُّ ظَرْفًا لِلَّوْمِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّرُ "لُمْتُنَّنِي فِي حُبِّهِ" لِقَوْلِهِ: {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} وفي مراودتها لقوله: {تُرَاوِدُ فَتَاهَا} وَالْعَادَةُ دَلَّتْ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْحُبَّ الْمُفْرِطَ لَا يُلَامُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ عَادَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا بِخِلَافِ الْمُرَاوَدَةِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى دَفْعِهَا وَتَارَةً يدل عليه التَّصْرِيحِ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ أَقْوَاهَا نَحْوُ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} أَيْ أَمْرُهُ بِدَلِيلِ: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ} {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أَيْ كَعَرْضِ بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي آيَةِ البينة: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} أَيْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِدَلِيلِ: وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَصْلِ الْحَذْفِ الْعَادَةُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَقْلُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ إِجْرَاءِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ نَحْوُ: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ} أَيْ مَكَانَ قَتَّالٍ وَالْمُرَادُ مَكَانًا صَالِحًا لِلْقِتَالِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَخْبَرَ النَّاسِ بِالْقِتَالِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِأَنْ يَتَفَوَّهُوا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يُرِيدُوا: "لَوْ نَعْلَمُ حَقِيقَةَ" الْقِتَالِ فَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ مُجَاهِدٌ "مَكَانَ قِتَالٍ" وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ أَشَارُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلا يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمِنْهَا الشُّرُوعُ فِي الْفِعْلِ نَحْوُ"بِسْمِ اللَّهِ" فَيُقَدَّرُ مَا جُعِلَتِ التَّسْمِيَةُ

مَبْدَأً لَهُ فَإِنَّ كَانَتْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ قُدِّرَتْ "أَقْرَأُ" أَوِ الْأَكْلِ قُدِّرَتْ "آكُلُ" وَعَلَى هَذَا أَهْلُ الْبَيَانِ قَاطِبَةً خِلَافًا لِقَوْلِ النُّحَاةِ إِنَّهُ يُقَدَّرُ "ابْتَدَأْتُ" أَوِ "ابْتِدَائِي" كَائِنٌ "بِسْمِ اللَّهِ" وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْأَوَّلِ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} وَفِي حَدِيثِ "بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي" وَمِنْهَا الصِّنَاعَةُ النَّحْوِيَّةُ كَقَوْلِهِمْ في {لا أُقْسِمُ} : التَّقْدِيرُ "لَأَنَا أُقْسِمُ" لِأَنَّ فِعْلَ الْحَالِ لَا يُقَسَمُ عَلَيْهِ وَفِي: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} التَّقْدِيرُ "لَا تَفْتَأُ" لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَوَابُ مُثَبَّتًا دَخَلْتِ اللَّامُ وَالنُّونُ كَقَوْلِهِ: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ} وَقَدْ تُوجِبُ الصِّنَاعَةُ التَّقْدِيرَ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِمْ فِي: {لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} : إِنَّ الْخَبَرَ مَحْذُوفٌ أَيْ مَوْجُودٌ وَقَدْ أَنْكَرُهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَقَالَ: هَذَا الْكَلَامُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ وَتَقْدِيرُ النُّحَاةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقَةً أَعَمُّ مِنْ نَفْيِهَا مُقَيَّدَةً فَإِنَّهَا إِذَا انْتَفَتْ مُطْلَقَةً كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى سَلْبِ الْمَاهِيَّةِ مَعَ الْقَيْدِ وَإِذَا انْتَفَتْ مُقَيَّدَةً بِقَيْدٍ مَخْصُوصٍ لَمْ يَلْزَمْ نَفْيُهَا مَعَ قَيْدٍ آخَرَ وَرُدَّ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُمْ: "مَوْجُودٌ" يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ كُلِّ إِلَهٍ غَيْرَ اللَّهِ قَطْعًا فَإِنَّ الْعَدَمَ لَا كَلَامَ فِيهِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْيٌ لِلْحَقِيقَةِ مُطْلَقَةً لَا مُقَيَّدَةً ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ خَبَرٍ لِاسْتِحَالَةِ مُبْتَدَأٍ بِلَا خَبَرٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُقَدَّرٍ وَإِنَّمَا يُقَدِّرُ النَّحْوِيُّ لِيُعْطِيَ الْقَوَاعِدَ حَقَّهَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى مَفْهُوُمًا

تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ الدَّلِيلُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَحْذُوفُ الْجُمْلَةَ بِأَسْرِهَا أَوْ أَحَدَ رُكْنَيْهَا أَوْ يُفِيدُ مَعْنًى فِيهَا هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ نَحْوُ: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} أَمَّا الْفَضْلَةُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِحَذْفِهَا وُجْدَانُ دَلِيلٍ بل يشترط ألا يَكُونَ فِي حَذْفِهَا ضَرَرٌ مَعْنَوِيٌّ أَوْ صِنَاعِيٌّ قَالَ: وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ أَنْ يَكُونَ طِبْقَ الْمَحْذُوفِ وَرُدَّ قَوْلُ الْفَرَّاءِ فِي: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ} : إن التقدير "بلى لَيَحْسَبُنَا قَادِرِينَ" لِأَنَّ الْحُسْبَانَ الْمَذْكُورَ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَالْمُقَدَّرَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْإِعَادَةِ كُفْرٌ فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ قَالَ وَالصَّوَابُ فِيهَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ إِنَّ "قَادِرِينَ" حَالٌ أَيْ بَلْ نَجْمَعُهَا قَادِرِينَ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَمْعِ أَقْرَبُ مِنْ فِعْلِ الْحُسْبَانِ وَلِأَنَّ "بَلَى" لِإِيجَابِ الْمَنْفِيِّ وَهُوَ فِيهَا فِعْلُ الجمع. الشرط الثاني: ألا يَكُونَ الْمَحْذُوفُ كَالْجُزْءِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُحْذَفِ الْفَاعِلُ وَلَا نَائِبُهُ وَلَا اسْمُ كَانَ وَأَخَوَاتُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ فِي {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ} إن التقدير "بِئْسَ الْمَثَلُ مَثَلُ الْقَوْمِ" فَإِنْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ وَأَنَّ الْفَاعِلَ لَفْظُ "الْمَثَلِ" مَحْذُوفًا فَمَرْدُودٌ وَإِنْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْمَعْنَى وَأَنَّ فِي "بِئْسَ " ضَمِيرُ الْمَثَلِ مُسْتَتِرًا فَسَهْلٌ الشرط الثالث: ألا يَكُونَ مُؤَكَّدًا لِأَنَّ الْحَذْفَ مُنَافٍ لِلتَّأْكِيدِ إِذِ الْحَذْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِصَارِ وَالتَّأْكِيدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الطُّولِ وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ الْفَارِسِيُّ عَلَى الزَّجَاجِ فِي قَوْلِهِ فِي {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} : إِنَّ التَّقْدِيرَ "إِنْ هَذَانَ

لَهُمَا سَاحِرَانِ" فَقَالَ الْحَذْفُ وَالتَّوْكِيدُ بِاللَّامِ مُتَنَافِيَانِ وَأَمَّا حَذْفُ الشَّيْءِ لِدَلِيلٍ وَتَوْكِيدُهُ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لِدَلِيلٍ كَالثَّابِتِ. الرَّابِعُ: ألا يُؤَدِّي حَذْفُهُ إِلَى اخْتِصَارِ الْمُخْتَصَرِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُحْذَفُ اسْمُ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ اخْتِصَارٌ لِلْفِعْلِ. الْخَامِسُ: ألا يَكُونَ عَامِلًا ضَعِيفًا فَلَا يُحْذَفُ الْجَارُّ وَالنَّاصِبُ لِلْفِعْلِ وَالْجَازِمُ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ قَوِيَتْ فِيهَا الدَّلَالَةُ وَكَثُرَ فِيهَا اسْتِعْمَالُ تِلْكَ الْعَوَامِلِ. السَّادِسُ: ألا يَكُونَ الْمَحْذُوفُ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إِنَّ حَرْفَ النِّدَاءِ لَيْسَ عِوَضًا من "أَدْعُو" لِإِجَازَةِ الْعَرَبِ حَذْفَهُ وَلِذَا أَيْضًا لَمْ تُحْذَفِ التَّاءُ مِنْ إِقَامَةٍ وَاسْتِقَامَةٍ وَأَمَّا {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلَا خَبَرَ كَانَ لِأَنَّهُ عِوَضٌ أَوْ كَالْعِوَضِ من مصدرها السابع: ألا يُؤَدِّي حَذْفُهُ إِلَى تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ الْقَوِيِّ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُقَسْ عَلَى قِرَاءَةِ: {وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فَائِدَةٌ اعْتَبَرَ الْأَخْفَشُ فِي الْحَذْفِ التَّدْرِيجَ حَيْثُ أَمْكَنَ وَلِهَذَا قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} إِنَّ الْأَصْلَ "لَا تَجْزِي فِيهِ" فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَصَارَ "تَجْزِيهِ" ثُمَّ حُذِفَ الضَّمِيرُ فَصَارَ "تَجْزِي" وَهَذِهِ مُلَاطَفَةٌ فِي الصِّنَاعَةِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُمَا حُذِفَا مَعًا قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَوْفَقُ فِي النَّفْسِ وَآنَسُ مِنْ أَنْ يُحْذَفَ الْحَرْفَانِ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ أَنْ يُقَدَّرَ الشَّيْءُ فِي مَكَانِهِ الْأَصْلِيِّ لِئَلَّا يُخَالِفَ الْأَصْلَ مِنْ وَجْهَيْنِ الْحَذْفُ وَوَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيُقَدِّرُ الْمُفَسِّرُ فِي نَحْوِ "زَيْدًا رَأَيْتُهُ" مُقَدَّمًا عَلَيْهِ وَجَوَّزَ الْبَيَانِيُّونَ تَقْدِيرُهُ مُؤَخَّرًا عَنْهُ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ كَمَا قَالَهُ النُّحَاةُ وَإِذَا مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ نَحْوَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} إِذْ لَا يَلِي "أَمَّا" فِعْلٌ. قَاعِدَةٌ يَنْبَغِي تَقْلِيلُ الْمُقَدَّرِ مَهْمَا أَمْكَنَ لِتَقِلَّ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ وَمِنْ ثَمَّ ضَعُفَ قَوْلُ الْفَارِسِيِّ فِي {وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} إِنَّ التَّقْدِيرَ "فَعِدَتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ" وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ "كَذَلِكَ" قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَلَا يُقَدَّرُ مِنَ الْمَحْذُوفَاتِ إِلَّا أَشَدُّهَا مُوَافَقَةً لِلْغَرَضِ وَأَفْصَحُهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُقَدِّرُونَ إِلَّا مَا لَوْ لَفَظُوا بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَنْسَبَ لِذَلِكَ الكلام كما يفعلون في ذَلِكَ فِي الْمَلْفُوظِ بِهِ نَحْوِ: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ} قَدَّرَ أَبُو عَلِيٍّ "جَعَلَ اللَّهُ نُصُبَ الْكَعْبَةِ" وَقَدَّرَ غَيْرُهُ "حُرْمَةَ الْكَعْبَةِ" وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْحُرْمَةِ فِي الْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ لَا شَكَّ فِي فَصَاحَتِهِ وَتَقْدِيرُ النُّصُبِ فِيهَا بَعِيدٌ مِنَ الْفَصَاحَةِ قَالَ وَمَهْمَا تَرَدَّدَ الْمَحْذُوفُ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ وَجَبَ تَقْدِيرُ الْأَحْسَنِ لِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ كِتَابَهُ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ فَلْيَكُنْ مَحْذُوفُهُ أَحْسَنَ الْمَحْذُوفَاتِ كَمَا أَنَّ مَلْفُوظَهُ أَحْسَنُ الملفوظات قال وَمَتَى: تَرَدَّدَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُجْمَلًا أَوْ مُبَيِّنًا فَتَقْدِيرُ الْمُبَيِّنِ أَحْسَنُ نَحْوُ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ

إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} لَكَ أَنْ تُقَدِّرَ "فِي أَمْرِ الْحَرْثِ" وَ"فِي تَضْمِينِ الْحَرْثِ" وَهُوَ أَوْلَى لِتَعَيُّنِهِ وَالْأَمْرُ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَنْوَاعٍ. قَاعِدَةٌ إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَحْذُوفِ فِعْلًا وَالْبَاقِي فَاعِلًا وَكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَالْبَاقِي خَبَرًا فَالثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ عَيْنُ الْخَبَرِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَحْذُوفُ عَيْنُ الثَّابِتِ فَيَكُونُ حَذْفًا كَلَا حَذْفٍ فَأَمَّا الْفِعْلُ فَإِنَّهُ غَيْرُ الْفَاعِلِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَعْتَضِدَ الْأَوَّلُ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ بِمَوْضِعٍ آخَرَ يُشْبِهُهُ. فَالْأَوَّلُ: كَقِرَاءَةِ {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} بِفَتْحِ الْبَاءِ، {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ} بِفَتْحِ الْحَاءِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: "يُسَبِّحُهُ رِجَالٌ" وَ "يُوحِيهِ اللَّهُ" وَلَا يُقَدَّرَانِ مُبْتَدَأَيْنِ حُذِفَ خَبَرُهُمَا لِثُبُوتِ فَاعِلِيَّةِ الِاسْمَيْنِ فِي رِوَايَةِ مَنْ بَنَى الْفِعْلَ لِلْفَاعِلِ وَالثَّانِي: نَحْوُ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} فَتَقْدِيرُ "خَلَقَهُمُ اللَّهُ" أَوْلَى مِنَ "اللَّهُ خَلَقَهُمْ" لِمَجِيءِ {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.} قَاعِدَةٌ إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَحْذُوفِ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا فَكَوْنُهُ ثَانِيًا أَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ رُجِّحَ أَنَّ الْمَحْذُوفَ فِي نَحْوِ: {أَتُحَاجُّونِّي} نُونُ الْوِقَايَةِ لَا نُونُ الرَّفْعِ وَفِي {نَاراً تَلَظَّى} التَّاءُ الثَّانِيَةُ لَا تَاءُ الْمُضَارَعَةِ وَفِي {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ

يُرْضُوهُ} : أَنَّ الْمَحْذُوفَ خَبَرُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ وَفِي نَحْوِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} أَنَّ الْمَحْذُوفَ مُضَافٌ لِلثَّانِي أَيْ حَجُّ أَشْهُرٍ لَا الْأَوَّلِ أَيْ أَشْهُرُ الْحَجِّ وَقَدْ يَجِبُ كَوْنُهُ مِنَ الْأَوَّلِ نَحْوُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} في قراءة من رفع "ملائكته" لِاخْتِصَاصِ الْخَبَرِ بِالثَّانِي لِوُرُودِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَقَدْ يَجِبُ كَوْنُهُ مِنَ الثَّانِي نَحْوُ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} أَيْ بَرِيءٌ أَيْضًا لِتَقَدُّمِ الْخَبَرِ عَلَى الثَّانِي. فَصْلٌ: فِي أَنْوَاعِ الْحَذْفِ الْحَذْفُ عَلَى أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: مَا يُسَمَّى بِالِاقْتِطَاعِ وَهُوَ حَذْفُ بَعْضِ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ وَأَنْكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ وُرُودَ هَذَا النَّوْعِ فِي الْقُرْآنِ وَرُدَّ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ مِنْهُ فَوَاتِحَ السُّوَرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا مِنِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْبَاءَ فِي {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} أَوَّلُ كَلِمَةِ بَعْضٍ ثُمَّ حُذِفَ الْبَاقِي وَمِنْهُ قراءة بعضهم: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} بِالتَّرْخِيمِ وَلَمَّا سَمِعَهَا بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ: مَا أَغْنَى أَهْلَ النَّارِ عَنِ التَّرْخِيمِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ لشدة ما هم عَجَزُوا عَنْ إِتْمَامِ الْكَلِمَةِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ حَذْفُ هَمْزَةِ "أَنَا" فِي قَوْلِهِ: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} إِذِ الْأَصْلُ "لَكِنَّ أَنَا" حُذِفَتْ هَمْزَةُ "أَنَا" تَخْفِيفًا وَأُدْغِمَتِ النُّونُ فِي النُّونِ وَمِثْلُهُ مَا قُرِئَ "ويمسك السماء

أن تقع علرض" بما أنزليك" {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ.} النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يُسَمَّى بِالِاكْتِفَاءِ وَهُوَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْمَقَامُ ذِكْرَ شَيْئَيْنِ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ وَارْتِبَاطٌ فَيُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ لِنُكْتَةٍ وَيَخْتَصُّ غَالِبًا بِالِارْتِبَاطِ الْعَطْفِيِّ كَقَوْلِهِ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أَيْ وَالْبَرْدَ وَخُصِّصَ الْحَرُّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْعَرَبِ وَبِلَادُهُمْ حَارَةٌ وَالْوِقَايَةُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحَرِّ أَهَمُّ لِأَنَّهُ أَشَدُّ عِنْدَهُمْ مِنَ الْبَرْدِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْبَرْدَ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الِامْتِنَانِ بِوِقَايَتِهِ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} وَفِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} أَيْ وَالشَّرُّ وَإِنَّمَا خَصَّ الْخَيْرَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَطْلُوبُ الْعِبَادِ وَمَرْغُوبُهُمْ أَوْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وُجُودًا فِي الْعَالَمِ أَوْ لِأَنَّ إِضَافَةَ الشَّرِّ إِلَى الله ليس من بابا الْآدَابِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ." وَمِنْهَا {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أَيْ وَمَا تَحَرَّكَ وَخَصَّ السُّكُونَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ الْحَالَيْنِ عَلَى الْمَخْلُوقِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ وَلِأَنَّ كُلَّ مُتَحَرِّكٍ يَصِيرُ إِلَى السُّكُونِ. وَمِنْهَا: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أَيْ وَالشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ وَآثَرَ الْغَيْبَ لِأَنَّهُ أَمْدَحُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ.

ومنها: {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} أَيْ وَالْمَغَارِبِ وَمِنْهَا: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أَيْ وَلِلْكَافِرِينَ قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ويؤيده قوله: {هُدىً لِلنَّاسِ} وَمِنْهَا: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} أَيْ وَلَا وَالِدٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ فَقْدِ الْأَبِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُهَا النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا يُسَمَّى بِالِاحْتِبَاكِ وَهُوَ مِنْ أَلْطَفِ الْأَنْوَاعِ وَأَبْدَعِهَا وَقَلَّ مَنْ تَنَبَّهَ لَهُ أَوْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ فن البلاغة ولم أره فِي شَرْحِ بَدِيعِيَّةِ الْأَعْمَى لِرَفِيقِهِ الْأَنْدَلُسِيِّ وَذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ ولم يسمه هذا لاسم بَلْ سَمَّاهُ الْحَذْفَ الْمُقَابَلِيَّ وَأَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْعَلَّامَةُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْبِقَاعِيُّ قَالَ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي شَرْحِ الْبَدِيعِيَّةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ الِاحْتِبَاكُ وَهُوَ نَوْعٌ عَزِيزٌ وَهُوَ أَنْ يُحْذَفَ مِنَ الْأَوَّلِ مَا أُثْبِتَ نَظِيرُهُ فِي الثَّانِي وَمِنَ الثَّانِي مَا أُثْبِتَ نَظِيرُهُ فِي الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} الْآيَةَ التَّقْدِيرُ وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْكُفَّارِ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ وَالَّذِي يَنْعَقُ بِهِ فَحَذَفَ مِنَ الْأَوَّلِ الْأَنْبِيَاءَ لِدَلَالَةِ "الَّذِي يَنْعِقُ" عَلَيْهِ وَمِنَ الثَّانِي الَّذِي يَنْعِقُ بِهِ لِدَلَالَةِ "الَّذِينَ كَفَرُوا" عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} التَّقْدِيرُ تَدُخُلُ غَيْرَ بَيْضَاءَ وَأَخْرِجْهَا تَخْرُجُ بَيْضَاءَ فَحَذَفَ مِنَ الْأَوَّلِ "غَيْرَ بَيْضَاءَ"

وَمِنَ الثَّانِي "وَأَخْرِجْهَا" وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هو أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْكَلَامِ مُتَقَابِلَانِ فَيُحْذَفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَابِلُهُ لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} التَّقْدِيرُ "إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنْتُمْ بُرَآءُ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ إِجْرَامُكُمْ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ" وَقَوْلُهُ: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} التَّقْدِيرُ: "وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ فَلَا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَوْ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُعَذِّبُهُمِ" وَقَوْلُهُ: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} أَيْ حَتَّى يَطْهُرْنَ مِنَ الدَّمِ وَيَتَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ فَإِذَا طَهُرْنَ وَتَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ وَقَوْلُهُ: {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} أَيْ عَمَلًا صَالِحًا بِسَيِّئٍ وَآخَرَ سيئا صالح قُلْتُ: وَمِنْ لَطِيفِهِ قَوْلُهُ: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} أَيْ فِئَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ تَقَاتُلُ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ وَفِي الْغَرَائِبِ لِلْكِرْمَانِيِّ: فِي الْآيَةِ الْأُولَى التَّقْدِيرُ: "مَثَلُ الذين كفروا معك يَا مُحَمَّدُ كَمَثَلِ النَّاعِقِ مَعَ الْغَنَمِ" فَحُذِفَ مَنْ كُلِّ طَرَفٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الطَّرَفُ الْآخَرُ وَلَهُ فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ وَهُوَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنَ الْكَلَامِ انْتَهَى. وَمَأْخَذُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ مِنَ الْحَبْكِ الَّذِي مَعْنَاهُ الشَّدُّ وَالْإِحْكَامُ وَتَحْسِينُ أَثَرِ الصَّنْعَةِ فِي الثَّوْبِ فَحَبْكُ الثَّوْبِ سَدُّ مَا بَيْنَ خُيُوطِهِ مِنَ الْفُرَجِ وَشَدُّهُ وَإِحْكَامُهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ عَنْهُ الْخَلَلَ مَعَ الْحُسْنِ وَالرَّوْنَقِ وَبَيَانُ أَخْذِهِ مِنْهُ من أَنَّ

مَوَاضِعَ الْحَذْفِ مِنَ الْكَلَامِ شُبِّهَتْ بِالْفُرَجِ بَيْنَ الْخُيُوطِ فَلَمَّا أَدْرَكَهَا النَّاقِدُ الْبَصِيرُ بِصَوْغِهِ الْمَاهِرِ فِي نَظْمِهِ وَحَوْكِهِ فَوَضَعَ الْمَحْذُوفَ مَوَاضِعَهُ كَانَ حَابِكًا لَهُ مَانِعًا مِنْ خَلَلٍ يَطْرُقُهُ فَسَدَّ بِتَقْدِيرِهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْخَلَلُ مَعَ مَا أَكْسَبَهُ مِنَ الْحُسْنِ وَالرَّوْنَقِ. النَّوْعُ الرَّابِعُ: مَا يُسَمَّى بِالِاخْتِزَالِ هُوَ مَا لَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا سَبَقَ وَهُوَ أَقْسَامٌ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ إِمَّا كَلِمَةٌ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ أَوْ أَكْثَرُ. أَمْثِلَةُ حَذْفِ الاسم: حذف المضاف هو كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ جِدًّا حَتَّى قَالَ ابْنُ جِنِّي فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ زُهَاءَ أَلْفِ مَوْضِعٍ وَقَدْ سَرَدَهَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي كِتَابِهِ "الْمَجَازُ" عَلَى تَرْتِيبِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ وَمِنْهُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} أَيْ حَجُّ أَشْهُرٍ أَوْ أَشْهُرُ الْحَجِّ {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} أَيْ ذَا الْبَرِّ أَوْ بِرُّ مَنْ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} أي نكاح أمهاتكم {إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أَيْ ضِعفَ عَذَابِ {وَفِي الرِّقَابِ} أَيْ وَفِي تَحْرِيرِ الرِّقَابِ حَذْفُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ يَكْثُرُ فِي يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ نَحْوُ {رَبِّ اغْفِرْ لِي} وَفِي الْغَايَاتِ نَحْوُ: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أَيْ مِنْ قَبْلِ الْغَلَبِ وَمِنْ بَعْدِهِ وَفِي كُلٍّ وَأَيٍّ وَبَعْضٍ وَجَاءَ فِي غَيْرِهِنَّ كَقِرَاءَةِ {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} بِضَمٍّ بِلَا تَنْوِينٍ أَيْ فَلَا خَوْفَ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ حَذْفُ الْمُبْتَدَإِ يَكْثُرُ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ

نَارٌ} أَيْ هِيَ نَارٌ وَبَعْدَ فَاءِ الجواب {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} أَيْ فَعَمِلَهُ لِنَفْسِهِ {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} أَيْ فَإِسَاءَتُهُ عَلَيْهَا وَبَعْدَ الْقَوْلِ نَحْوُ: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} وَبَعْدَ مَا الْخَبَرُ صِفَةٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى نَحْوُ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} ونحو: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} وَوَقَعَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ نَحْوُ: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ} {لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ} أي هذا {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} أَيْ هَذِهِ وَوَجَبَ فِي النَّعْتِ الْمَقْطُوعِ إِلَى الرَّفْعِ حَذْفُ الْخَبَرِ نَحْوُ: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} أَيْ دَائِمٌ وَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أَيْ أَجْمَلُ أَوْ فَأَمْرِي صَبْرٌ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أَيْ عَلَيْهِ أَوْ فَالْوَاجِبُ حَذْفُ الموصوف: {نْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْف} أَيْ حُورٌ قَاصِرَاتٌ {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} أَيْ دُرُوعًا سَابِغَاتٍ {أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} أَيِ الِقَوْمُ الِمُؤِمِنُونَ حَذْفُ الصِّفَةِ نَحْوُ {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} أَيْ صَالِحَةٍ بِدَلِيلِ

أَنَّهُ قُرِئَ كَذَلِكَ وَأَنَّ تَعْيِيبَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا سَفِينَةً {الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} أَيِ الِوَاضِحِ وَإِلَّا لَكَفَرُوا بِمَفْهُومِ ذَلِكَ {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} أَيْ نَافِعًا حَذْفُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} فَانْفَلَقَ أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ، وَحَيْثُ دَخَلَتْ وَاوُ الْعَطْفِ عَلَى لَامِ التَّعْلِيلِ فَفِي تَخْرِيجِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُعَلَّلُهُ مَحْذُوفٌ كَقَوْلِهِ {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً} فَالْمَعْنَى وَلِلْإِحْسَانِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَعَلَ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى علة أخرى مضمرة ليظهر صِحَّةُ الْعَطْفِ أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُذِيقَ الْكَافِرِينَ بَأْسَهُ وَلِيُبْلِيَ حَذْفُ الْمَعْطُوفِ مَعَ الْعَاطِفِ {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} أَيْ وَمَنْ أَنْفَقَ بَعْدَهُ {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} أَيْ وَالشَّرُ حَذْفُ الْمُبْدَلِ مِنْهُ خَرَّجَ عَلَيْهِ: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} أي لما تصفه والكذب بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ حَذْفُ الْفَاعِلِ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي فَاعِلِ الْمَصْدَرِ نَحْوُ: {لَا يَسْأَمُ الأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} أَيْ دُعَائِهِ الْخَيْرَ وَجَوَّزَهُ الْكِسَائِيُّ مُطْلَقًا لِدَلِيلٍ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} أَيِ الرُّوحُ، {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} أَيْ الشَّمْسُ حَذْفُ الْمَفْعُولِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي مَفْعُولِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَيَرِدُ فِي غَيْرِهِمَا،

نَحْوُ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} أَيْ إِلَهًا {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أَيْ عَاقِبَةَ أَمْرِكُمْ حَذْفُ الْحَالِ يَكْثُرُ إِذَا كَانَ قَوْلًا نَحْوُ: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ} أَيْ قَائِلِينَ حَذْفُ الْمُنَادَى: {أَلَّا يا اسجدوا} أي يا هؤلاء {يَا لَيْتَ} أَيْ يَا قَوْمِ حَذْفُ الْعَائِدِ يقع في أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ: الصِّلَةُ: نَحْوُ: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} أَيْ بَعَثَهُ. وَالصِّفَةُ: نَحْوُ: {وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ} أَيْ فِيهِ وَالْخَبَرُ: نَحْوُ: {وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أَيْ وَعَدَهُ. وَالْحَالُ: حَذْفُ مَخْصُوصِ نِعْمَ، {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ} أَيْ أَيُّوبُ. {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} أَيْ نَحْنُ {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} أي الجنة حذف الموصول، نحو: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}

أَيْ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ لِأَنَّ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا لَيْسَ هُوَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَى مَنْ قَبْلَنَا وَلِهَذَا أُعِيدَتْ "مَا" فِي قَوْلِهِ: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} أَمْثِلَةُ حَذْفِ الْفِعْلِ: يَطَّرِدُ إِذَا كَانَ مُفَسَّرًا نَحْوُ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} وَيَكْثُرُ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوُ: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً} أَيْ أَنْزَلَ وَأَكْثَرُ مِنْهُ حَذْفُ الْقَوْلِ نَحْوُ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا} أي يقولان: ربنا ويأتي في غَيْرِ ذَلِكَ نَحْوُ: {انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ} أي وأتوا {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ} أَيْ وَأَلِفُوا الْإِيمَانَ أَوِ اعْتَقَدُوا {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} أَيْ وَلْيَسْكُنْ زَوْجُكَ {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} أي أذم {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} أَيْ أَمْدَحُ {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} أَيْ كَانَ {وَإِنَّ كُلاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ}

أَمْثِلَةُ حَذْفِ الْحَرْفِ: قَالَ ابْنُ جِنِّي فِي الْمُحْتَسَبِ أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَذْفُ الْحَرْفِ لَيْسَ بِقِيَاسٍ لِأَنَّ الْحُرُوفَ إنما دخلت الكلام الْكَلَامَ لِضَرْبٍ مِنَ الِاخْتِصَارِ فَلَوْ ذَهَبْتَ تَحْذِفُهَا لَكُنْتَ مُخْتَصِرًا لَهَا هِيَ أَيْضًا وَاخْتِصَارُ الْمُخْتَصَرِ إِجْحَافٌ بِهِ. حَذْفُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ قَرَأَ ابْنُ محيصن: "سواء عليهم أنذرتهم" وخرج عليه {هَذَا رَبِّي} فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا} أي أو تلك؟ حذف الموصوف الْحَرْفَيِّ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي "أَنْ" نَحْوُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} وَحَذْفُ الْجَارِ يَطِّرُدُ مَعَ أَنْ وأن نَحْوُ: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ} {أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي} {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ} أَيْ بِأَنَّكُمْ وَجَاءَ مَعَ غَيْرِهِمَا نَحْوُ: {قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} أي قدرنا له {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} أي لها {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أَيْ يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} أَيْ مِنْ قَوْمِهِ {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} أَيْ عَلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ حَذْفُ الْعَاطِفِ خَرَّجَ عَلَيْهِ الْفَارِسِيُّ: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا} أَيْ وَقُلْتَ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} ،

أَيْ وَوُجُوهٌ عَطْفًا عَلَى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ.} حَذْفُ فَاءِ الْجَوَابِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْأَخْفَشُ: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ.} حَذْفُ حَرْفِ النِّدَاءِ كَثِيرٌ: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ ت} {يُوسُفُ أَعْرِضْ} {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وَفِي الْعَجَائِبِ لِلْكَرْمَانِيِّ: كَثُرَ حَذْفُ "يَا" فِي الْقُرْآنِ مِنَ الرَّبِّ تَنْزِيهًا وَتَعْظِيمًا لِأَنَّ فِي النِّدَاءِ طَرَفًا مِنَ الْأَمْرِ. حَذْفُ "قَدْ" فِي الْمَاضِي إِذَا وَقَعَ حَالًا نَحْوُ: {أوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ.} حَذْفُ "لَا" النَّافِيَةِ يَطَّرِدُ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ إِذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ مضارعا نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} وَوَرَدَ فِي غَيْرِهِ نَحْوُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أَيْ لِئَلَّا تَمِيدَ حَذْفُ لَامِ التَّوْطِئَةِ: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} حَذْفُ لَامِ الْأَمْرِ خَرَّجَ عَلَيْهِ {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا}

أَيْ لِيُقِيمُوا حَذْفُ لَامِ "لَقَدْ" يَحْسُنُ مَعَ طُولِ الْكَلَامِ نَحْوُ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} حَذْفُ نُونِ التَّوْكِيدِ خَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} بِالنَّصْبِ حَذْفُ التَّنْوِينِ خَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} بِالنَّصْبِ حَذْفُ نُونِ الْجَمْعِ خَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ "وَمَا هُمْ بِضَارِّي بِهِ مِنْ أَحَدٍ" حَذْفُ حَرَكَةِ الْإِعْرَابِ وَالْبِنَاءِ وخرج عَلَيْهِ قِرَاءَةَ {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} وَ {يَأْمُرُكُمْ} {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ} بِسُكُونِ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} {فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} {مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} أَمْثِلَةُ حَذْفِ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَةٍ: حَذْفُ مُضَافَيْنِ {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} أَيْ فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ أَفْعَالِ ذَوِي تَقْوَى الْقُلُوبِ {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} أَيْ مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أَيْ كَدَوَرَانِ عَيْنِ الَّذِي، {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أَيْ بَدَلَ شُكْرِ رِزْقِكُمْ

حَذْفُ ثَلَاثَةِ مُتَضَايِفَاتٍ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} أَيْ فَكَانَ مِقْدَارُ مَسَافَةِ قُرْبِهِ مِثْلَ قَابِ قَوْسَيْنِ فَحُذِفَ ثَلَاثَةٌ مِنِ اسْمِ كَانَ وَوَاحِدٌ مِنْ خَبَرِهَا حَذْفُ مَفْعُولَيْ بَابِ ظَنَّ، {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أَيْ تَزْعُمُونَهُمْ شُرَكَائِي حَذْفُ الْجَارِ مَعَ الْمَجْرُورِ {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً} أي بسيء {وَآخَرَ سَيِّئاً} أَيْ بِصَالِحٍ حَذْفُ الْعَاطِفِ مَعَ الْمَعْطُوفِ تَقَدَّمَ حَذْفُ حَرْفِ الشَّرْطِ وَفِعْلِهِ يَطَّرِدُ بَعْدَ الطَّلَبِ نَحْوُ: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} أَيْ إِنِ اتَّبَعْتُمُونِي، {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} أَيْ إِنْ قُلْتُ لَهُمْ يُقِيمُوا وَجَعَلَ مِنْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ {فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} أَيْ إِنِ اتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَجَعَلَ مِنْهُ أَبُو حَيَّانَ {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ} أَيْ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِمَا أُنْزِلُ إِلَيْكُمْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ} أَيْ فَافْعَلْ، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أَيْ أَعْرَضُوا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} أي تطيرتم، {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} أي لنفذ، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ} أَيْ لَرَأَيْتَ أَمْرًا فَظِيعًا،

{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} أَيْ لَعَذَّبَكُمْ {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} أَيْ لَأَبْدَتْ بِهِ {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ} أَيْ لَسَلَّطَكُمْ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ حَذْفُ جُمْلَةِ الْقَسَمِ {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} أَيْ وَاللَّهِ حَذْفُ جَوَابِهِ {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} الْآيَاتِ أَيْ لَتُبْعَثُنَّ، {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} أَيْ إِنَّهُ لِمُعْجِزٌ، {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} أَيْ مَا الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا حَذْفُ جُمْلَةٍ مُسَبَّبَةٍ عَنِ الْمَذْكُورِ نَحْوُ: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} أَيْ فَعَلَ مَا فَعَلَ حَذْفُ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ نَحْوُ: {فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} أَيْ فَأَرْسَلُونِي إِلَى يُوسُفَ لِأَسْتَعْبِرَهُ الرُّؤْيَا فَفَعَلُوا فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ يَا يُوسُفُ. خَاتِمَةٌ تَارَةً لَا يُقَامُ شَيْءٌ مُقَامَ الْمَحْذُوفِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَارَةً يُقَامُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَحْوُ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} فَلَيْسَ الْإِبْلَاغُ هُوَ الْجَوَابُ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى تَوَلِّيهِمْ وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ: "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَلَا لَوْمَ عَلَيَّ" أَوْ فَلَا عُذْرَ لَكُمْ لِأَنِّي أَبْلَغْتُكُمْ {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} أَيْ فَلَا تَحْزَنْ وَاصْبِرْ

{وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} أَيْ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ. فصل: في نوعي الإطناب كَمَا انْقَسَمَ الْإِيجَازُ إِلَى إِيجَازِ قَصْرٍ وَإِيجَازِ حَذْفٍ كَذَلِكَ انْقَسَمَ الْإِطْنَابُ إِلَى بَسْطٍ وَزِيَادَةٍ. الإطناب بالبسط فَالْأَوَّلُ: الْإِطْنَابُ بِتَكْثِيرِ الْجُمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الآية فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَطْنَبَ فِيهَا أَبْلَغَ الْإِطْنَابِ لِكَوْنِ الْخِطَابِ مَعَ الثَّقَلَيْنِ وَفِي كُلِّ عَصْرٍ وَحِينٍ لِلْعَالِمِ مِنْهُمْ وَالْجَاهِلِ وَالْمُوَافِقِ مِنْهُمْ وَالْمُنَافِقِ وَقَوْلِهِ {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} فَقَوْلُهُ: "وَيُؤْمِنُونَ بِهِ" إِطْنَابٌ لِأَنَّ إِيمَانَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ مَعْلُومٌ وَحَسَّنَهُ إِظْهَارُ شَرَفِ الْإِيمَانِ تَرْغِيبًا فِيهِ {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} وَلَيْسَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُزَكٍّ، وَالنُّكْتَةُ الْحَثُّ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَدَائِهَا وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْمَنْعِ حَيْثُ جُعِلَ مِنْ أوصاف المشركين

الإطناب الزيادة وَالثَّانِي: يَكُونُ بِأَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: دُخُولُ حَرْفٍ فَأَكْثَرَ مِنْ حُرُوفٍ التَّأْكِيدِ السَّابِقَةِ فِي نَوْعِ الْأَدَوَاتِ وَهِيَ: إِنَّ وَأَنَّ وَلَامُ الِابْتِدَاءِ وَالْقَسَمِ وَأَلَا الاستفتاحية وأما وها التَّنْبِيهِ وَكَأَنَّ فِي تَأْكِيدِ التَّشْبِيهِ وَلَكِنَّ فِي تَأْكِيدِ الِاسْتِدْرَاكِ وَلَيْتَ فِي تَأْكِيدِ التَّمَنِّي وَلَعَلَّ فِي تَأْكِيدِ التَّرَجِّي وَضَمِيرُ الشَّأْنِ وَضَمِيرُ الْفَصْلِ وَأَمَّا فِي تَأْكِيدِ الشَّرْطِ وَقَدْ وَالسِّينُ وَسَوْفَ وَالنُّونَانِ فِي تَأْكِيدِ الْفِعْلِيَّةِ وَلَا التَّبْرِئَةِ وَلَنْ وَلَمَّا فِي تَأْكِيدِ النَّفْيِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ تَأْكِيدُ الْكَلَامِ بِهَا إِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ بِهِ مُنْكِرًا أَوْ مُتَرَدِّدًا وَيَتَفَاوَتُ التَّأْكِيدُ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْإِنْكَارِ وَضَعْفِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ رُسُلِ عِيسَى إِذْ كَذَّبُوا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} فأكد بأن وَاسْمِيَّةِ الْجُمْلَةِ وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} فأكد بالقسم وإن وَاللَّامِ وَاسْمِيَّةِ الْجُمْلَةِ لِمُبَالَغَةِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْإِنْكَارِ حيث قالوا: {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} وَقَدْ يُؤَكَّدُ بِهَا وَالْمُخَاطَبُ بِهِ غَيْرُ مُنْكِرٍ لِعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى مُقْتَضَى إِقْرَارِهِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ وَقَدْ يُتْرَكُ التَّأْكِيدُ وَهُوَ مَعَهُ مُنْكِرٌ لِأَنَّ مَعَهُ أَدِلَّةً ظَاهِرَةً لَوْ تَأَمَّلَهَا لَرَجَعَ عَنْ إِنْكَارِهِ وعلى ذلك يُخَرَّجُ قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} أَكَّدَ الْمَوْتَ تَأْكِيدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ لِتَنْزِيلِ الْمُخَاطِبِينَ لِتَمَادِيهِمْ فِي الْغَفْلَةِ تَنْزِيلَ مَنْ يُنْكِرُ الْمَوْتَ وَأَكَّدَ إِثْبَاتَ الْبَعْثِ تَأْكِيدًا

وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ نَكِيرًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَدِلَّتُهُ ظَاهِرَةً كَانَ جَدِيرًا بِأَنْ لَا يُنْكَرَ فَنُزِّلَ الْمُخَاطَبُونَ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْمُنْكِرِ حَثًّا لَهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِي أَدِلَّتِهِ الْوَاضِحَةِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا رَيْبَ فِيهِ} نَفَى عَنْهُ الرِّيبَةَ بِ "لَا" عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ مَعَ أَنَّهُ ارْتَابَ فِيهِ الْمُرْتَابُونَ لَكِنْ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ تَعْوِيلًا عَلَى مَا يُزِيلُهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ كَمَا نُزِّلَ الْإِنْكَارُ مَنْزِلَةَ عَدَمِهِ لِذَلِكَ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بُولِغَ فِي تَأْكِيدِ الْمَوْتِ تَنْبِيهًا لِلْإِنْسَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَلَا يَغْفُلُ عَنْ تَرَقُّبِهِ فَإِنَّ مَآلَهُ إليه فكأنه أُكِّدَتْ جُمْلَتُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الدُّنْيَا يَسْعَى فِيهَا غَايَةَ السَّعْيِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَخْلُدُ وَلَمْ يُؤَكِّدْ جُمْلَةَ الْبَعْثِ إلا بإذ ن لِأَنَّهُ أُبْرِزَ فِي صُورَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ نِزَاعٌ وَلَا يَقْبَلُ إِنْكَارًا وَقَالَ التَّاجُ بْنُ الْفِرْكَاحِ: أَكَّدَ الْمَوْتَ رَدًّا عَلَى الدَّهْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِبَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَاسْتَغْنَى عَنْ تَأْكِيدِ الْبَعْثِ هُنَا لِتَأْكِيدِهِ وَالرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِهِ فِي مَوَاضِعَ كَقَوْلِهِ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا كَانَ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ اسْتَغْنَى عَنْ إِعَادَةِ اللَّامِ لِذِكْرِهَا فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ يؤكد بها- أي اللام- لِلْمُسْتَشْرِفِ الطَّالِبِ الَّذِي قُدِّمَ لَهُ مَا يُلَوِّحُ بِالْخَبَرِ فَاسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ نَحْوُ: {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ لَا تَدْعُنِي يَا نُوحُ فِي شَأْنِ قَوْمِكَ فَهَذَا الْكَلَامُ يُلَوِّحُ بِالْخَبَرِ تَلْوِيحًا،

وَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ فَصَارَ الْمَقَامُ مَقَامَ أَنْ يَتَرَدَّدَ الْمُخَاطَبُ فِي أَنَّهُمْ: هَلْ صَارُوا مَحْكُومًا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ: إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ بِالتَّأْكِيدِ وكذا قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّقْوَى وَظُهُورُ ثَمَرَتِهَا وَالْعُقَابُ عَلَى تَرْكِهَا مَحَلُّهُ الْآخِرَةُ تَشَوَّقَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَى وَصْفِ حَالِ السَّاعَةِ فَقَالَ: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} بالتأكيد ليقرر عَلَيْهِ الْوُجُوبُ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} فِيهِ تَحْيِيرٌ لِلْمُخَاطَبِ وَتَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ كَيْفَ لا يبريء نفسه وهي برئية زَكِيَّةٌ ثَبَتَتْ عِصْمَتُهَا وَعَدَمُ مُوَاقَعَتِهَا السُّوءَ فَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وَقَدْ يُؤَكَّدُ لِقَصْدِ التَّرْغِيبِ نَحْوُ: {فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} أَكَّدَ بِأَرْبَعِ تَأْكِيدَاتٍ تَرْغِيبًا لِلْعِبَادِ فِي التَّوْبَةِ وقد سبق الكلام عَلَى أَدَوَاتِ التَّأْكِيدِ الْمَذْكُورَةِ وَمَعَانِيهَا وَمَوَاقِعِهَا فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينِ. فَائِدَةٌ إِذَا اجْتَمَعَتْ إِنَّ وَاللَّامُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْجُمْلَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ "إِنَّ" أَفَادَتِ التَّكْرِيرَ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا دَخَلَتِ اللَّامُ صَارَتْ ثَلَاثًا، وَعَنِ الْكِسَائِيِّ، أَنَّ اللَّامَ لِتَوْكِيدِ الْخَبَرِ وَإِنَّ لِتَوْكِيدِ الِاسْمِ وَفِيهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّ التَّوْكِيدَ لِلنِّسْبَةِ لَا لِلِاسْمِ وَلَا لِلْخَبَرِ وَكَذَلِكَ نُونُ التَّوْكِيدِ الشَّدِيدَةُ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْفِعْلِ ثَلَاثًا وَالْخَفِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِهِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي نحو "يأيها":

الْأَلِفُ وَالْهَاءُ لَحِقَتَا أَيًّا تَوْكِيدًا فَكَأَنَّكَ كَرَّرْتَ "يَا" مَرَّتَيْنِ وَصَارَ الِاسْمُ تَنْبِيهًا هَذَا كَلَامُهُ وَتَابَعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ لَيْسَتِ اللَّامُ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ فَإِنَّهُ مُنْكِرٌ فَكَيْفَ يُحَقِّقُ مَا ينكره وَإِنَّمَا قَالَهُ حِكَايَةً لِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّادِرِ منه بأداة التَّأْكِيدِ فَحَكَاهُ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ النَّوْعُ الثَّانِي- دُخُولُ الْأَحْرُفِ الزَّائِدَةِ قَالَ ابْنُ جِنِّي: كُلُّ حَرْفٍ زِيدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي كَشَّافِهِ الْقَدِيمِ: الْبَاءُ فِي خَبَرِ مَا وَلَيْسَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَمَا أَنَّ اللَّامَ لِتَأْكِيدِ الْإِيجَابِ وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنِ التَّأْكِيدِ بِالْحَرْفِ وَمَا مَعْنَاهُ إِذْ إِسْقَاطُهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى فَقَالَ هَذَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الطِّبَاعِ يَجِدُونَ مِنْ زِيَادَةِ الْحَرْفِ مَعْنًى لَا يَجِدُونَهُ بِإِسْقَاطِهِ قَالَ: وَنَظِيرُهُ الْعَارِفُ بِوَزْنِ الشِّعْرِ طَبْعًا إِذَا تَغَيَّرَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ بِنَقْصٍ أَنْكَرَهُ وَقَالَ: أَجِدُ نَفْسِي عَلَى خِلَافِ مَا أَجِدُهَا بِإِقَامَةِ الْوَزْنِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْحُرُوفُ تَتَغَيَّرُ نَفْسُ الْمَطْبُوعِ بِنُقْصَانِهَا وَيَجِدُ نَفْسَهُ بِزِيَادَتِهَا عَلَى مَعْنًى بِخِلَافِ مَا يَجِدُهَا بِنُقْصَانِهِ ثُمَّ بَابُ الزِّيَادَةِ فِي الْحُرُوفِ وَزِيَادَةُ الْأَفْعَالِ قَلِيلٌ وَالْأَسْمَاءُ أقل

أما الحروف فيزداد مِنْهَا إِنْ وَأَنْ وَإِذْ وَإِذَا وَإِلَى وَأَمْ وَالْبَاءُ وَالْفَاءُ وَفِي وَالْكَافُ وَاللَّامُ وَلَا وَمَا وَمِنْ وَالْوَاوُ وَتَقَدَّمَتْ فِي نَوْعِ الْأَدَوَاتِ مَشْرُوحَةً وَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَزِيدَ مِنْهَا كَانَ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} وَأَصْبَحَ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ: {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: الْعَادَةُ أَنَّ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ تُزَادُ بِاللَّيْلِ أَنْ يَرْجُوَ الْفَرَجَ عِنْدَ الصَّبَاحِ فَاسْتَعْمَلَ "أَصْبَحَ" لِأَنَّ الْخُسْرَانَ حَصَلَ لَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَرْجُونَ فِيهِ الْفَرَجَ فَلَيْسَتْ زَائِدَةً وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ فَنَصَّ أَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُزَادُ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ فِي مَوَاضِعَ كَلَفْظِ "مِثْلِ" فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} أَيْ بِمَا النَّوْعُ الثَّالِثُ: التَّأْكِيدُ الصِّنَاعِيُّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: التَّوْكِيدُ الْمَعْنَوِيُّ بِكُلٍّ وَأَجْمَعَ وَكِلَا وَكِلْتَا نَحْوُ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وَفَائِدَتُهُ رَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ وَعَدَمِ الشُّمُولِ وَادَّعَى الْفَرَّاءُ أَنَّ "كُلُّهُمْ" أَفَادَتْ ذَلِكَ وَ "أَجْمَعُونَ" أَفَادَتِ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى السُّجُودِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْجُدُوا مُتَفَرِّقِينَ. ثَانِيهَا: التَّأْكِيدُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ تَكْرَارُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ إِمَّا بمرادفه نحو: {ضَيِّقاً

حَرَجاً} بِكَسْرِ الرَّاءِ وَ: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} وجعل منه الصفار في: {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كِلَيْهِمَا لِلنَّفْيِ وَجَعَلَ مِنْهُ غَيْرُهُ {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} فوراء هنا ليس ظرفا لأن لفظ "ارْجِعُوا" يُنْبِئُ عَنْهُ بَلْ هُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى "ارْجِعُوا" فَكَأَنَّهُ قَالَ ارْجِعُوا ارْجِعُوا وَإِمَّا بِلَفْظِهِ وَيَكُونُ فِي الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ وَالْجُمْلَةِ فالاسم والجملة نحو: {قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ} {دَكّاً دَكّاً} والفعل {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} وَاسْمُ الْفِعْلِ نَحْوُ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} وَالْحَرْفُ نَحْوُ: {فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ} وَالْجُمْلَةُ نَحْوُ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} وَالْأَحْسَنُ اقْتِرَانُ الثَّانِيَةِ بِثُمَّ نَحْوُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَأْكِيدُ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُنْفَصِلِ نَحْوُ: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} ومن تَأْكِيدُ الْمُنْفَصِلِ بِمِثْلِهِ {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ.}

ثَالِثُهَا: تَأْكِيدُ الْفِعْلِ بِمَصْدَرِهِ وَهُوَ عِوَضٌ مِنْ تَكْرَارِ الْفِعْلِ مَرَّتَيْنِ وَفَائِدَتُهُ رَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ فِي الفعل بخلاف التوكيد السابق فإن لِرَفْعِ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ فِي الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ كَذَا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ عُصْفُورٍ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَاهُ نَفْيَ التَّكْلِيمِ حَقِيقَةً بِقَوْلِهِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} لِأَنَّ التَّوْكِيدَ رَفَعَ الْمَجَازَ فِي الْفِعْلِ، وَمِنْ أمثلته {وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً} {جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً} وليس منه: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} بَلْ هُوَ جَمْعُ "ظَنٍّ" لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَأَمَّا: {إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً} فتحتمل أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنْ يُنْعَتَ بِالْوَصْفِ الْمُرَادِ نَحْوُ: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} وَقَدْ يُضَافُ وَصْفُهُ إِلَيْهِ نَحْوُ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} وَقَدْ يُؤَكَّدُ بِمَصْدَرِ فِعْلٍ آخَرَ أَوِ اسْمِ عَيْنٍ نِيَابَةً عَنِ الْمَصْدَرِ نَحْوُ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} "مصدر" والتبتيل المصدر "بتل"، {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} أَيْ إِنْبَاتًا إِذِ النَّبَاتُ اسْمُ عين. وَقَدْ يُضَافُ وَصْفُهُ إِلَيْهِ نَحْوُ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} وَقَدْ يُؤَكَّدُ بِمَصْدَرِ فِعْلٍ آخَرَ أَوِ اسْمِ عَيْنٍ نِيَابَةً عَنِ الْمَصْدَرِ نَحْوُ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} "مصدر" والتبتيل المصدر "بتل"، {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} أَيْ إِنْبَاتًا إِذِ النَّبَاتُ اسْمُ عَيْنٍ.

رَابِعُهَا: الْحَالُ الْمُؤَكِّدَةُ نَحْوُ: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} وليس منه: {وَلَّى مُدْبِراً} لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ قَدْ لَا تَكُونُ إِدْبَارًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ولا: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً} لِأَنَّ التَّبَسُّمَ قَدْ لَا يَكُونُ ضَحِكًا وَلَا {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ إِذْ كَوْنُهُ حَقًّا فِي نَفْسِهِ غَيْرُ كَوْنِهِ مُصَدِّقًا لِمَا قَبْلَهُ النَّوْعُ الرَّابِعُ- التَّكْرِيرُ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ التَّأْكِيدِ وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْفَصَاحَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ مَنْ غَلِطَ وَلَهُ فَوَائِدُ: مِنْهَا التَّقْرِيرُ وَقَدْ قِيلَ: الْكَلَامُ إِذَا تَكَرَّرَ تَقَرَّرَ وَقَدْ نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ كَرَّرَ الْأَقَاصِيصَ وَالْإِنْذَارَ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً.} وَمِنْهَا التَّأْكِيدُ وَمِنْهَا زِيَادَةُ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يَنْفِي التُّهْمَةَ لِيَكْمُلَ تَلَقِّي الْكَلَامِ بِالْقَبُولِ وَمِنْهُ:

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} فَإِنَّهُ كَرَّرَ فِيهِ النِّدَاءَ لِذَلِكَ وَمِنْهَا إِذَا طَالَ الْكَلَامُ وَخُشِيَ تناسى الأول أعيد ثانيا تَطْرِيَةً لَهُ وَتَجْدِيدًا لِعَهْدِهِ وَمِنْهُ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ} وَمِنْهَا التَّعْظِيمُ وَالتَّهْوِيلُ نَحْوُ: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا النَّوْعُ أَحَدُ أَقْسَامِ النَّوْعِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِنَّ مِنْهَا التَّأْكِيدَ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ فَلَا يَحْسُنُ عَدُّهُ نَوْعًا مُسْتَقِلًّا قُلْتُ: هُوَ يُجَامِعُهُ وَيُفَارِقُهُ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ وَيَنْقُصُ عَنْهُ فَصَارَ أَصْلًا بِرَأْسِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ التَّأْكِيدُ تَكْرَارًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَمْثِلَتِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ تَكْرَارًا كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا وَقَدْ يَكُونُ التَّكْرِيرُ غَيْرَ تَأْكِيدٍ صِنَاعَةً وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّأْكِيدِ مَعْنًى

وَمِنْهُ مَا وَقَعَ فِيهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُكَرَّرَيْنِ فَإِنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُؤَكَّدِهِ نَحْوُ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} فَالْآيَتَانِ مِنْ بَابِ التَّكْرِيرِ لَا التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ الصِّنَاعِيِّ وَمِنْهُ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي التَّكْرِيرِ لِلطُّولِ وَمِنْهُ مَا كَانَ لِتَعَدُّدِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُكَرَّرُ ثَانِيًا مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْأَوَّلُ وَهَذَا الْقِسْمُ يُسَمَّى بِالتَّرْدِيدِ كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} وَقَعَ فِيهَا التَّرْدِيدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَجُعِلَ مِنْهُ قَوْلُهُ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فَإِنَّهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً فَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهَا وَلِذَلِكَ زَادَتْ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ عَائِدًا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَزِيدُ عليها. قاله ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا لَيْسَ بِنِعْمَةٍ فَذِكْرُ النِّقْمَةِ لِلتَّحْذِيرِ نِعْمَةٌ وَقَدْ سُئِلَ أَيُّ نِعْمَةٍ فِي قَوْلِهِ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا النَّقْلُ مِنْ دَارِ الْهُمُومِ إِلَى دَارِ السُّرُورِ وَإِرَاحَةُ الْمُؤْمِنِ وَالْبَارِّ مِنَ الْفَاجِرِ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} فِي سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ قَصَصًا مُخْتَلِفَةً وَأَتْبَعَ كُلَّ قِصَّةٍ بِهَذَا الْقَوْلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عقب كل قصة: طويل يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ"

وَكَذَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} كُرِّرَتْ ثَمَانِي مَرَّاتٍ كُلُّ مَرَّةٍ عَقِبَ كُلِّ قِصَّةٍ فَالْإِشَارَةُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ بِذَلِكَ إِلَى قِصَّةِ النَّبِيِّ الْمَذْكُورِ قَبْلَهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ وَبِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْأَقَلَّ مَنْ قَوْمِهِ آمَنُوا أَتَى بِوَصْفِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْعِزَّةَ عَلَى مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ منهم وَالرَّحْمَةَ لِمَنْ آمَنَ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ القمر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَرَّرَ ليجددوا عِنْدَ سَمَاعِ كُلِّ نَبَإٍ مِنْهَا اتِّعَاظًا وَتَنْبِيهًا وَأَنَّ كُلًّا مِنْ تِلْكَ الْأَنْبَاءِ مُسْتَحِقٌّ لِاعْتِبَارٍ يَخْتَصُّ بِهِ وَأَنْ يَتَنَبَّهُوا كَيْلَا يَغْلِبَهُمُ السُّرُورُ وَالْغَفْلَةُ قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِكُلِّ مَا قَبْلَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِطْنَابٍ بَلْ هِيَ أَلْفَاظٌ كُلٌّ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَا أُرِيدَ بِالْآخَرِ قُلْتُ: إِذَا قُلْنَا الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَكُلُّ وَاحِدٍ أُرِيدَ بِهِ مَا أُرِيدَ بِالْآخَرِ وَلَكِنْ كُرِّرَ لِيَكُونَ نَصًّا فِيمَا يَلِيهِ وَظَاهِرًا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ قُلْتَ يَلْزَمُ التَّأْكِيدُ قُلْتُ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يُزَادُ بِهِ عَنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ ذَاكَ فِي التَّأْكِيدِ الَّذِي هو تابع وأما ذِكْرُ الشَّيْءِ فِي مَقَامَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ انْتَهَى. وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} ،

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} قَالَ فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ تَكْرَارِ قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} فِي آيَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي أَثَرِ الْأُخْرَى قُلْنَا لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْخَبَرَيْنِ عَمَّا في السموات والأرض وذلك أن الْخَبَرَ عَنْهُ فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ ذِكْرُ حَاجَتِهِ إِلَى بَارِئِهِ وَغِنَى بَارِئِهِ عَنْهُ وَفِي الْأُخْرَى حِفْظُ بَارِئِهِ إِيَّاهُ وَعِلْمُهُ بِهِ وَبِتَدْبِيرِهِ قَالَ فَإِنْ قِيلَ أَفَلَا قِيلَ: "وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا" قِيلَ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مَا يَصْلُحُ أَنْ تُخْتَتَمَ بِوَصْفِهِ مَعَهُ بِالْحِفْظِ وَالتَّدْبِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} قَالَ الرَّاغِبُ: الْكِتَابُ الْأَوَّلُ مَا كَتَبُوهُ بِأَيْدِيهِمُ المذكور فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} والكتاب الثاني التوراة والثالث الجنس كُتُبِ اللَّهِ كُلِّهَا أَيْ مَا هُوَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا يُظَنُّ تَكْرَارًا وَلَيْسَ مِنْهُ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} إِلَى آخِرِهَا فَإِنَّ "لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ" أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ "وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ" أَيْ فِي الْحَالِ "مَا أَعْبُدُ" فِي الْمُسْتَقْبَلِ "وَلَا أَنَا عَابِدٌ" أَيْ فِي الْحَالِ مَا عَبَدْتُمْ فِي الْمَاضِي "وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ" أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ "مَا أَعْبُدُ" أَيْ فِي الْحَالِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَصْدَ نَفْيُ عِبَادَتِهِ لِآلِهَتِهِمْ فِي الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ وكذاك {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} ثُمَّ قَالَ {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} ثُمَّ قَالَ

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} فَإِنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ غَيْرُ الْمُرَادِ بِالْآخَرِ: فَالْأَوَّلُ: الذِّكْرُ فِي مُزْدَلِفَةٍ عِنْدَ الْوُقُوفِ بِقُزَحَ وَقَوْلُهُ: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} إِشَارَةٌ إِلَى تَكَرُّرِهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ بِدَلِيلِ تَعْقِيبِهِ بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ} وَالذِّكْرُ الثَّالِثُ إِشَارَةٌ إِلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالذِّكْرُ الْأَخِيرُ لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمِنْهُ تَكْرِيرُ حَرْفِ الْإِضْرَابِ فِي قَوْلِهِ: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} وَقَوْلُهُ: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} ثُمَّ قَالَ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} فَكَرَّرَ الثَّانِي لِيَعُمَّ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ فَإِنَّ الْآيَةَ الْأُولَى فِي الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمُسِيسِ خَاصَّةً وَقِيلَ لِأَنَّ الْأُولَى لَا تُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: إِنْ شِئْتُ أَحْسَنْتُ وَإِنْ شِئْتُ فَلَا فَنَزَلَتِ الثَّانِيَةُ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَمِنْ ذَلِكَ تَكْرِيرُ الْأَمْثَالِ كَقَوْلِهِ: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ} وَكَذَلِكَ ضَرَبَ مَثَلَ الْمُنَافِقِينَ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ بِالْمُسْتَوْقِدِ نَارًا ثُمَّ ضَرَبَهُ بِأَصْحَابِ الصَّيِّبِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالثَّانِي أَبْلَغُ مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى فَرْطِ

الْحَيْرَةِ وَشِدَّةِ الْأَمْرِ وَفَظَاعَتِهِ قَالَ ولذلك أخر وهم يَتَدَرَّجُونَ فِي نَحْوِ هَذَا مِنَ الْأَهْوَنِ إِلَى الْأَغْلَظِ وَمِنْ ذَلِكَ تَكْرِيرُ الْقِصَصِ كَقِصَّةِ آدَمَ وَمُوسَى وَنُوحٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ ذَكَرَ اللَّهُ مُوسَى فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَوَاصِمِ: ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّةَ نُوحٍ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ آيَةً وَقِصَّةَ مُوسَى فِي تِسْعِينَ آيَةً وَقَدْ أَلَّفَ الْبَدْرُ بْنُ جَمَاعَةَ كِتَابًا سَمَّاهُ الْمُقْتَنَصُ فِي فَوَائِدِ تَكْرَارِ الْقَصَصِ وَذَكَرَ فِي تَكْرِيرِ الْقَصَصِ فَوَائِدُ: مِنْهَا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ زِيَادَةَ شَيْءٍ لَمْ يُذْكَرْ فِي الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ إِبْدَالَ كَلِمَةٍ بِأُخْرَى لِنُكْتَةٍ وَهَذِهِ عَادَةُ الْبُلَغَاءِ. وَمِنْهَا أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَسْمَعُ الْقِصَّةَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ يُهَاجِرُ بَعْدَهُ آخَرُونَ يَحْكُونَ مَا نَزَلْ بَعْدَ صُدُورِ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ فَلَوْلَا تَكْرَارُ الْقِصَصِ لَوَقَعَتْ قِصَّةُ مُوسَى إِلَى قَوْمٍ وَقِصَّةُ عِيسَى إِلَى قوم آخَرِينَ وَكَذَا سَائِرُ الْقَصَصِ فَأَرَادَ اللَّهُ اشْتِرَاكَ الْجَمِيعِ فِيهَا فَيَكُونُ فِيهِ إِفَادَةٌ لِقَوْمٍ وَزِيَادَةُ تَأْكِيدٍ لِآخَرِينَ. وَمِنْهَا أَنَّ فِي إِبْرَازِ الْكَلَامِ الْوَاحِدِ فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ وَأَسَالِيبَ مُخْتَلِفَةٍ مَا لَا يَخْفَى مِنَ الْفَصَاحَةِ. وَمِنْهَا أَنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تَتَوَفَّرُ عَلَى نَقْلِهَا كَتَوَفُّرِهَا عَلَى نَقْلِ الْأَحْكَامِ فَلِهَذَا كُرِّرَتِ الْقِصَصُ دُونَ الْأَحْكَامِ وَمِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ وَعَجَزَ الْقَوْمُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ بِأَيِّ نَظْمٍ جَاءُوا ثُمَّ أَوْضَحَ الْأَمْرَ فِي عَجْزِهِمْ بِأَنْ كَرَّرَ ذِكْرَ الْقِصَّةِ فِي مَوَاضِعَ إِعْلَامًا بِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنِ الإتيان بمثله أي بِأَيِّ نَظْمٍ جَاءُوا وَبِأَيِّ عِبَارَةٍ عَبَّرُوا.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا تَحَدَّاهُمْ قَالَ: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} فَلَوْ ذُكِرَتِ الْقِصَّةُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَاكْتُفِيَ بِهَا لَقَالَ الْعَرَبِيُّ ائْتُونَا أَنْتُمْ بِسُورَةٍ مَنْ مِثْلِهِ فأنزلها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي تَعْدَادِ السُّورِ دَفْعًا لِحُجَّتِهِمْ مَنْ كَلِّ وَجْهٍ. ومنها أن القصة لَمَّا كُرِّرَتْ كَانَ فِي أَلْفَاظِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعِ زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَأَتَتْ عَلَى أُسْلُوبٍ غَيْرِ أُسْلُوبِ الْأُخْرَى فَأَفَادَ ذَلِكَ ظُهُورَ الْأَمْرِ الْعَجِيبِ فِي إِخْرَاجِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي صُوَرٍ مُتَبَايِنَةٍ في النظم وَجَذْبِ النُّفُوسِ إِلَى سَمَاعِهَا لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ التَّنَقُّلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَاسْتِلْذَاذِهَا بِهَا وَإِظْهَارِ خَاصَّةِ الْقُرْآنِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلُ مَعَ تَكْرِيرِ ذَلِكَ فِيهِ هُجْنَةٌ فِي اللَّفْظِ وَلَا مَلَلٌ عِنْدَ سَمَاعِهِ فَبَايَنَ ذَلِكَ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ. وَقَدْ سُئِلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي عَدَمِ تَكْرِيرِ قِصَّةِ يُوسُفَ وَسَوقِهَا مَسَاقًا وَاحِدًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْقَصَصِ وَأُجِيبُ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِيهَا تَشْبِيبَ النِّسْوَةِ بِهِ وَحَالَ امْرَأَةٍ ونسوة افتتن بِأَبْدَعِ النَّاسِ جَمَالًا فَنَاسَبَ عَدَمَ تَكْرَارِهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِغْضَاءِ وَالسِّتْرِ وَقَدْ صَحَّحَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ سُورَةَ يُوسُفَ. ثَانِيهَا: أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِحُصُولِ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الْقَصَصِ فَإِنَّ مَآلَهَا إِلَى الْوَبَالِ كَقِصَّةِ إِبْلِيسَ وَقَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ فَلَمَّا اخْتُصَّتْ بِذَلِكَ اتَّفَقَتِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْقَصَصِ. ثَالِثُهَا: قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ إِنَّمَا كَرَّرَ اللَّهُ قِصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَسَاقَ قِصَّةَ يُوسُفَ مَسَاقًا وَاحِدًا إِشَارَةً إِلَى عَجْزِ الْعَرَبِ كَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: إِنْ كَانَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي فَافْعَلُوا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ مَا فَعَلْتُ فِي سَائِرِ الْقَصَصِ. قُلْتُ وَظَهَرَ لِي جَوَابٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّ سُورَةَ يُوسُفَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ طَلَبِ الصَّحَابَةِ أَنْ يَقُصَّ عَلَيْهِمْ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ فَنَزَلَتْ مَبْسُوطَةً تَامَّةً لِيَحْصُلَ لَهُمْ مَقْصُودُ الْقَصَصِ مِنَ اسْتِيعَابِ الْقِصَّةِ وَتَرْوِيحِ النَّفْسِ بِهَا وَالْإِحَاطَةِ بِطَرَفَيْهَا. وَجَوَابٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَقْوَى مَا يُجَابُ بِهِ إِنَّ قَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّمَا كُرِّرَتْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا إِفَادَةُ إِهْلَاكِ مَنْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ لِتَكْرِيرِ تَكْذِيبِ الكفار لرسول الله فكلما كذبوا أنزلت قِصَّةٌ مُنْذِرَةٌ بِحُلُولِ الْعَذَابِ كَمَا حَلَّ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَاتٍ: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} وَقِصَّةُ يُوسُفَ لَمْ يُقْصَدْ مِنْهَا ذَلِكَ وَبِهَذَا أَيْضًا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ حِكْمَةِ عَدَمِ تَكْرِيرِ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَقِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ وَقِصَّةِ الذَّبِيحِ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَكَرَّرَتْ قِصَّةُ وِلَادَةِ يَحْيَى وَوِلَادَةِ عِيسَى مرتين وليست مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرْتَ قُلْتُ: الْأُولَى فِي سُورَةِ "كهيعص" وَهِيَ مَكِّيَّةٌ أُنْزِلَتْ خِطَابًا لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالثَّانِيَةُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ أُنْزِلَتْ خِطَابًا لِلْيَهُودِ وَلِنَصَارَى نَجْرَانَ حِينَ قَدِمُوا وَلِهَذَا اتَّصَلَ بِهَا ذِكْرُ الْمُحَاجَّةِ وَالْمُبَاهَلَةِ

النَّوْعُ الْخَامِسُ: الصِّفَةُ وَتَرِدُ لِأَسْبَابٍ: أَحَدُهَا: التَّخْصِيصُ فِي النَّكِرَةِ، نَحْوُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الثَّانِي: التَّوْضِيحُ فِي الْمَعْرِفَةِ أَيْ زِيَادَةُ الْبَيَانِ نَحْوُ: {وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ} الثَّالِثُ: الْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ وَمِنْهُ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى، نَحْوُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} وَمِنْهُ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} فَهَذَا الْوَصْفُ لِلْمَدْحِ وَإِظْهَارِ شَرَفِ الْإِسْلَامِ وَالتَّعْرِيضِ بِالْيَهُودِ وَأَنَّهُمْ بُعَدَاءُ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ وَأَنَّهُمْ بِمَعْزِلٍ عَنْهَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. الرَّابِعُ: الذَّمُّ نَحْوُ: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} الْخَامِسُ: التَّأْكِيدُ لِرَفْعِ الْإِيهَامِ، نَحْوُ: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} فإن "إلهين" للتثنية فاثنين بَعْدَهُ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَاكِ وَلِإِفَادَةِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ "إِلَهَيْنِ" إِنَّمَا هُوَ لِمَحْضِ كَوْنِهِمَا اثْنَيْنِ فَقَطْ لَا لِمَعْنًى آخَرَ مِنْ كَوْنِهِمَا عَاجِزَيْنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْوِحْدَةَ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا النَّوْعِيَّةُ كَقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّمَا نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ" وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا نَفْيُ الْعِدَّةِ فَالتَّثْنِيَةُ بِاعْتِبَارِهَا فَلَوْ قِيلَ "لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ" فَقَطْ

لَتُوِهِّمَ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ اتِّخَاذِ جِنْسَيْنِ آلِهَةً وَإِنْ جَازَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ عَدَدٌ آلهة ولهذا أكد بالوحدة قَوْلُهُ: {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وَمِثْلُهُ: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} عَلَى قِرَاءَةِ تَنْوِينِ "كَلٍّ" وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} فَهُوَ تَأْكِيدٌ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ تَعَدُّدِ النَّفْخَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ قَدْ تَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ بِدَلِيلِ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} فَإِنَّ لَفْظَ "كَانَتَا" تُفِيدُ التَّثْنِيَةَ فَتَفْسِيرُهُ بِاثْنَتَيْنِ لَمْ يُفِدْ زِيَادَةً عَلَيْهِ وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْأَخْفَشُ وَالْفَارِسِيُّ: بِأَنَّهُ أَفَادَ الْعَدَدَ الْمَحْضَ مُجَرَّدًا عَنِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: "فَإِنْ كَانَتَا صَغِيرَتَيْنِ أَوْ كَبِيرَتَيْنِ أَوْ صَالِحَتَيْنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ" فَلَمَّا قَالَ "اثْنَتَيْنِ" أَفْهَمَ أَنَّ فَرْضَ الثِّنْتَيْنِ تَعَلَّقَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِمَا ثِنْتَيْنِ فَقَطْ وَهِيَ فَائِدَةٌ لَا تَحْصُلُ مِنْ ضَمِيرِ الْمُثَنَّى وَقِيلَ أَرَادَ: "فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا" فَعَبَّرَ بِالْأَدْنَى عَنْهُ وَعَمَّا فَوْقَهُ اكْتِفَاءً وَنَظِيرُهُ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} والأحسن أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الشَّهِيدَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ وَمِنَ الصِّفَاتِ الْمُؤَكِّدَةِ قَوْلُهُ: {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} فَقَوْلُهُ: "يَطِيرُ" لِتَأْكِيدِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّائِرِ حَقِيقَتُهُ فَقَدْ يُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ:

"بِجَنَاحَيْهِ" لِتَأْكِيدِ حَقِيقَةِ الطَّيَرَانِ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى شِدَّةِ الْعَدْوِ وَالْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ وَنَظِيرُهُ {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} لِأَنَّ الْقَوْلَ يُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى غير اللسان بدليل: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} وَكَذَا {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} لِأَنَّ الْقَلْبَ قَدْ يُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى الْعَيْنِ كَمَا أُطْلِقَتِ الْعَيْنُ مَجَازًا عَلَى الْقَلْبِ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي.} قَاعِدَةٌ الصِّفَةُ الْعَامَّةُ لَا تَأْتِي بَعْدَ الْخَاصَّةِ لَا يُقَالُ رَجُلٌ فَصِيحٌ مُتَكَلِّمٌ بَلْ مُتَكَلِّمٌ فَصِيحٌ وأشكل على هذه قَوْلُهُ تَعَالَى فِي إِسْمَاعِيلَ: {وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً} وأجيب أنه حَالٌ لَا صِفَةٌ أَيْ مُرْسَلًا فِي حَالِ نُبُوَّتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَوْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَمْثِلَةٌ مِنْ هَذِهِ. قَاعِدَةٌ إِذَا وَقَعَتِ الصِّفَةُ بَعْدَ مُتَضَايِفَيْنِ أَوَّلُهُمَا عَدَدٌ جاز إجراؤها عَلَى الْمُضَافِ وَعَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَمِنَ الْأَوَّلِ: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} وَمِنَ الثَّانِي: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}

فَائِدَةٌ إِذَا تَكَرَّرَتِ النُّعُوتُ لِوَاحِدٍ فَالْأَحْسَنُ إِنْ تَبَاعَدَ مَعْنَى الصِّفَاتِ الْعَطْفُ نَحْوُ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} وَإِلَّا تَرَكَهُ نَحْوُ: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} فَائِدَةٌ قَطْعُ النُّعُوتِ فِي مَقَامِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ أَبْلَغُ مِنْ إِجْرَائِهَا قَالَ الْفَارِسِيُّ إِذَا ذُكِرَتِ صفات فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُخَالَفَ فِي إِعْرَابِهَا لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي الْإِطْنَابَ فَإِذَا خُولِفَ فِي الْإِعْرَابِ كَانَ الْمَقْصُودُ أَكْمَلَ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ تَتَنَوَّعُ وَتَتَفَنَّنُ وَعِنْدَ الِاتِّحَادِ تَكُونُ نَوْعًا وَاحِدًا مِثَالُهُ فِي الْمَدْحِ {وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ} وَقُرِئَ شَاذًّا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} بِرَفْعِ "رَبٍّ" وَنَصْبِهِ وَمِثَالُهُ فِي الذَّمِّ {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ.}

النَّوْعُ السَّادِسُ: الْبَدَلُ وَالْقَصْدُ بِهِ الإيضاح بَعْدَ الْإِبْهَامِ وَفَائِدَتُهُ الْبَيَانُ وَالتَّأْكِيدُ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَوَاضِحٌ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: "رَأَيْتُ زَيْدًا أَخَاكَ" بَيَّنْتَ أَنَّكَ تُرِيدُ بِزَيْدٍ الْأَخَ لَا غَيْرَ أَمَّا التَّأْكِيدُ فَلِأَنَّهُ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ فَكَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتَيْنِ وَلِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى مَا دل عليه لأول إِمَّا بِالْمُطَابَقَةِ فِي بَدَلِ الْكُلِّ أو بالتضمن فِي بَدَلِ الْبَعْضِ أَوْ بِالِالْتِزَامِ فِي بَدَلِ الِاشْتِمَالِ مِثَالُ الْأَوَّلِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} وَمِثَالُ الثَّانِي: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} وَمِثَالُ الثَّالِثِ: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارَ} {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ} وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَدَلَ الْكُلِّ مِنَ الْبَعْضِ وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مِثَالًا فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ} ف "جنات

عَدْنٍ "بَدَلٌ مِنَ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ بَعْضٌ وَفَائِدَتُهُ تَقْرِيرُ أَنَّهَا جنات كَثِيرَةٌ لَا جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ ابْنُ السَّيِّدِ وليس كل بدل يُقْصَدُ بِهِ رَفَعُ الْإِشْكَالِ الَّذِي يَعْرِضُ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ بَلْ مِنَ الْبَدَلِ مَا يُرَادُ بِهِ التَّأْكِيدُ وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ غَنِيًّا عَنْهُ كَقَوْلِهِ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُذْكَرِ الصِّرَاطُ الثَّانِي لَمْ يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ صِرَاطُ اللَّهِ وَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّ مِنَ الْبَدَلِ مَا الْغَرَضُ مِنْهُ التَّأْكِيدُ انْتَهَى. وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} قَالَ: وَلَا بَيَانَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَدِّ فَأُبْدِلَ لِبَيَانِ إِرَادَةِ الْأَبِ حَقِيقَةً. النَّوْعُ السَّابِعُ: عَطْفُ الْبَيَانِ وَهُوَ كَالصِّفَةِ فِي الْإِيضَاحِ لَكِنْ يُفَارِقُهَا فِي أَنَّهُ وُضِعَ لِيَدُلَّ عَلَى الْإِيضَاحِ باسم مختص بِهِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهَا وُضِعَتْ لِتَدُلَّ عَلَى مَعْنًى حَاصِلٍ فِي مَتْبُوعِهَا وَفَرَّقَ ابْنُ كَيْسَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَدَلِ بِأَنَّ الْبَدَلَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَكَأَنَّكَ قَرَّرْتُهُ فِي مَوْضِعِ الْمُبَدَلِ مِنْهُ وَعَطْفُ الْبَيَانِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ عَطْفُ الْبَيَانِ يَجْرِي مَجْرَى النَّعْتِ فِي تَكْمِيلِ مَتْبُوعِهِ وَيُفَارِقُهُ فِي أَنَّ تَكْمِيلَهُ مَتْبُوعَهُ بِشَرْحٍ وَتَبْيِينٍ لَا بِدِلَالَةٍ عَلَى مَعْنًى فِي الْمَتْبُوعِ أَوْ سَبَبِيَّةٍ وَمَجْرَى التَّأْكِيدِ فِي تَقْوِيَةِ دَلَالَتِهِ وَيُفَارِقُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ تَوَهُّمَ مَجَازٍ وَمَجْرَى الْبَدَلِ فِي صَلَاحِيَتِهِ لِلِاسْتِقْلَالِ وَيُفَارِقُهُ فِي

أَنَّهُ غَيْرُ مَنَوِيِّ الِاطِّرَاحِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} وَقَدْ يَأْتِي لِمُجَرَّدِ الْمَدْحِ بِلَا إِيضَاحِ وَمِنْهُ: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} فالبيت الْحَرَامَ عَطْفُ بَيَانٍ لِلْمَدْحِ لَا لِلْإِيضَاحِ. النَّوْعُ الثَّامِنُ: عَطْفُ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ التَّأْكِيدُ أَيْضًا وَجُعِلَ مِنْهُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي} {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا} {فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} {لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} قَالَ الْخَلِيلُ: الْعِوَجُ وَالْأَمْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ {سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} {شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} {إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً} {أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} {لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} فَإِنَّ "نَصَبٌ" كَلَغَبٍ وَزْنًا وَمَعْنًى، {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} عذرا أو نذرا قَالَ ثَعْلَبٌ: هُمَا بِمَعْنًى

وَأَنْكَرَ الْمُبَرِّدُ وُجُودَ هَذَا النَّوْعِ فِي الْقُرْآنِ وَأَوَّلَ مَا سَبَقَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَخْلَصُ فِي هَذَا أَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْمُتَرَادِفَيْنِ يُحَصِّلُ مَعْنًى لَا يُوجَدُ عِنْدَ انْفِرَادِهِمَا فَإِنَّ التَّرْكِيبَ يُحْدِثُ مَعْنًى زَائِدًا وَإِذَا كَانَتْ كَثْرَةُ الْحُرُوفِ تُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الْأَلْفَاظِ النَّوْعُ التَّاسِعُ: عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَفَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى فَضْلِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ جِنْسِ الْعَامِّ تَنْزِيلًا لِلتَّغَايُرِ فِي الْوَصْفِ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ فِي الذَّاتِ. وَحَكَى أَبُو حَيَّانَ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْعَطْفُ يُسَمَّى بِالتَّجْرِيدِ كَأَنَّهُ جُرِّدَ مِنَ الْجُمْلَةِ وَأُفْرِدَ بِالذِّكْرِ تَفْضِيلًا وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} . {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} فَإِنَّ إِقَامَتَهَا مِنْ جُمْلَةِ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَخُصَّتْ بالذكر إظهارا لمرتبتها لِكَوْنِهَا عِمَادَ الدِّينِ وَخُصَّ جِبْرِيلُ ميكائيل بِالذِّكْرِ رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ فِي دَعْوَى عَدَاوَتِهِ وَضُمَّ إِلَيْهِ مِيكَائِيلُ لِأَنَّهُ مَلَكُ الرِّزْقِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ الْأَجْسَادِ كَمَا أَنَّ جِبْرِيلَ مَلَكُ الْوَحْيِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَقِيلَ: إِنَّ جِبْرِيلَ ميكائيل لَمَّا كَانَا أَمِيرَيِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَدْخُلَا فِي لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ

أَوَّلًا كَمَا أَنَّ الْأَمِيرَ لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْجُنْدِ حَكَاهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ وَمِنْ ذَلِكَ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَاوِ كَمَا هُوَ رَأْيُ ابْنُ مَالِكٍ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ وَخُصَّ الْمَعْطُوفُ فِي الثَّانِيَةِ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى زِيَادَةِ قُبْحِهِ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ هُنَا مَا كَانَ فيه الأول شاملا الثاني لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ النَّوْعُ الْعَاشِرُ: عَطْفُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وَجُودَهُ فَأَخْطَأَ وَالْفَائِدَةُ فِيهِ وَاضِحَةٌ وَهُوَ التَّعْمِيمُ وَأُفْرِدَ الْأَوَّلُ بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ ومن أمثلته: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} والنسك العبادة فهو أعم {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} وجعل مِنْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ} بَعْدَ قَوْلِهِ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ}

النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: الْإِيضَاحُ بَعْدَ الْإِبْهَامِ قَالَ أَهْلُ الْبَيَانِ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُبْهِمَ ثُمَّ تُوَضِّحَ فَإِنَّكَ تُطْنِبُ؛ وَفَائِدَتُهُ إِمَّا رُؤْيَةُ الْمَعْنَى فِي صُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ الْإِبْهَامِ وَالْإِيضَاحِ أَوْ لِتَمَكُّنِ الْمَعْنَى فِي النَّفْسِ تَمَكُّنًا زَائِدًا لِوُقُوعِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَإِنَّهُ أَعَزُّ مِنَ الْمُنْسَاقِ بِلَا تَعَبٍ أَوْ لِتَكْمُلَ لَذَّةُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا عُلِمَ مِنْ وَجْهٍ مَا تَشَوَّقَتِ النَّفْسُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ بَاقِي وُجُوهِهِ وَتَأَلَّمَتْ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ مِنْ بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ كَانَتْ لَذَّتُهُ أَشَدَّ مِنْ عِلْمِهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} فَإِنَّ {اشْرَحْ} يُفِيدُ طَلَبَ شَرْحِ شَيْءٍ مَا وَ {صَدْرِي} يُفِيدُ تَفْسِيرَهُ وَبَيَانَهُ وَكَذَلِكَ {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ لِلْإِرْسَالِ الْمُؤْذِنِ بِتَلَقِّي الشَّدَائِدِ وَكَذَلِكَ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} فَإِنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ لِأَنَّهُ مَقَامُ امْتِنَانٍ وَتَفْخِيمٍ وَكَذَا {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} وَمِنْهُ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ نَحْوُ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} أُعِيدَ ذِكْرُ"الْعَشَرَةِ"لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْوَاوَ فِي"وَسَبْعَةٍ"، بِمَعْنَى"أَوْ" فَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ دَاخِلَةً فِيهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ثُمَّ قَالَ: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا

الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوَّلًا وَلَيْسَتْ أَرْبَعَةً غَيْرَهُمَا. وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّمْلَكَانِيُّ فِي"أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ" قَالَ وَنَظِيرُهُ {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعَشَرَةُ مِنْ غَيْرِ مُوَاعَدَةٍ قَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ وَفَائِدَةُ الْوَعْدِ بِثَلَاثِينَ أَوَّلًا ثُمَّ بِعَشْرٍ لِيَتَجَدَّدَ لَهُ قرب إنفضاء الْمُوَاعِدَةِ وَيَكُونُ فِيهِ مُتَأَهِّبًا مُجْتَمِعَ الرَّأْيِ حَاضِرَ الذِّهْنِ لِأَنَّهُ لَوْ وَعَدَ بِالْأَرْبَعِينَ أَوَّلًا كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فَلَمَّا فُصِلَتِ اسْتَشْعَرَتِ النَّفْسُ قُرْبَ التَّمَامِ وَتَجَدَّدَ بِذَلِكَ عَزْمٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ: فِي قَوْلِهِ: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} ثَمَانِيَةُ أَجْوِبَةٍ: جَوَابَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَجَوَابٌ مِنَ الْفِقْهِ وَجَوَابٌ مِنَ النَّحْوِ وَجَوَابٌ مِنَ اللُّغَةِ وَجَوَابٌ مِنَ الْمَعْنَى وَجَوَابَانِ مِنَ الْحِسَابِ وَقَدْ سُقْتُهَا فِي"أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ" النَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ: التَّفْسِيرُ قَالَ أَهْلُ الْبَيَانِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ لَبْسٌ وَخَفَاءٌ فَيُؤْتَى بِمَا يُزِيلُهُ وَيُفَسِّرُهُ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} فَقَوْلُهُ: "إِذَا مَسَّهُ" إِلَخْ تَفْسِيرٌ لِلْهَلُوعِ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُ

{الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى" قَوْلُهُ: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} تَفْسِيرٌ لِلْقَيُّومِ {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ} الآية فَيُذَبِّحُونَ وَمَا بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لِلسَّوْمِ {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} الْآيَةَ فَ "خَلَقَهُ" وَمَا بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لِلْمَثَلِ {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} فَ "تُلْقُونَ" تَفْسِيرٌ لِاتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ {الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} الآية قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ لَمْ يَلِدْ إِلَى آخِرِهِ تَفْسِيرٌ لِلصَّمَدِ وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ قَالَ: ابْنُ جِنِّي وَمَتَى كَانْتِ الْجُمْلَةُ تَفْسِيرًا لَمْ يَحْسُنِ الْوَقْفُ عَلَى مَا قَبْلَهَا دُونَهَا لِأَنَّ تفسير الشيء لا حق بِهِ وَمُتَمِّمٌ لَهُ وَجَارٍ مَجْرَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ. النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَرَأَيْتُ فِيهِ تَأْلِيفًا مُفْرَدًا لِابْنِ الصَّائِغِ وَلَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا زِيَادَةُ التَّقْرِيرِ وَالتَّمْكِينِ نَحْوُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ

أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} {لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وَمِنْهَا: قَصْدُ التَّعْظِيمِ نَحْوُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} وَمِنْهَا: قَصْدُ الْإِهَانَةِ وَالتَّحْقِيرِ نَحْوُ: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} وَمِنْهَا: إِزَالَةُ اللَّبْسِ حَيْثُ يُوهِمُ الضَّمِيرُ أَنَّهُ غير الأول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ} لَوْ قَالَ: "تُؤْتِيهِ" لَأَوْهَمَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ قَالَهُ ابْنُ الْخَشَّابِ {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: "عَلَيْهِمْ دَائِرَتُهُ" لَأَوْهَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} لَمْ يَقُلْ "مِنْهُ" لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى الْأَخِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مُبَاشِرٌ بِطَلَبِ خُرُوجِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْمُبَاشَرَةِ مِنَ الْأَذَى الَّذِي تَأْبَاهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ فَأُعِيدَ لَفْظُ "الظَّاهِرِ" لِنَفْيِ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ: "مِنْ وِعَائِهِ" لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى يُوسُفَ لِأَنَّ الْعَائِدَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ"اسْتَخْرَجَهَا"

وَمِنْهَا قَصْدُ تَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ وَإِدْخَالُ الرَّوْعِ عَلَى ضمير السامع وبذكر الِاسْمِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَمَا تَقُولُ الْخَلِيفَةُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ بِكَذَا وَمِنْهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} ومنها قصد تقوية داعية المأمور وَمِنْهُ: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} وَمِنْهَا تَعْظِيمُ الْأَمْرِ نَحْوُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَمِنْهَا: الِاسْتِلْذَاذُ بِذِكْرِهِ وَمِنْهُ: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ} لَمْ يَقُلْ مِنْهَا وَلِهَذَا عَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ إِلَى الْجَنَّةِ ومنها: قصد التوصل مِنَ الظَّاهِرِ إِلَى الْوَصْفِ وَمِنْهُ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} بَعْدَ قَوْلِهِ: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ} لم يقل فآمنوا بالله وبي لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إِجْرَاءِ الصِّفَاتِ الَّتِي ذكرها وليعلم أَنَّ الَّذِي وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وَالِاتِّبَاعُ لَهُ هُوَ مَنْ وُصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَلَوْ أَتَى بِالضَّمِيرِ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ وَمِنْهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى عِلِّيَةِ الْحُكْمِ نَحْوُ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي

قِيلَ لَهُمْ} {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً} {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} لَمْ يَقُلْ: "لَهُمْ إِعْلَامًا بِأَنَّ مَنْ عَادَى هَؤُلَاءِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَادَاهُ لِكُفْرِهِ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} وَمِنْهَا: قَصْدُ الْعُمُومِ نَحْوُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} لَمْ يَقُلْ: "إِنَّهَا" لِئَلَّا يُفْهَمُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً} وَمِنْهَا: قَصْدُ الْخُصُوصِ، نَحْوُ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} لَمْ يَقُلْ لَكَ تَصْرِيحًا بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ وَمِنْهَا: الْإِشَارَةُ إِلَى عَدَمِ دُخُولِ الْجُمْلَةِ فِي حِكَمِ الْأَوْلَى نَحْوُ: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} فَإِنَّ"وَيَمْحُ اللَّهُ" اسْتِئْنَافٌ لَا دَاخِلٌ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ وَمِنْهَا: مُرَاعَاةُ الْجِنَاسِ وَمِنْهُ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} السُّورَةَ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَمِثْلُهُ ابْنُ الصَّائِغِ بِقَوْلِهِ: {خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} ثُمَّ قَالَ: {عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَلَّا إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى}

فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ الْأَوَّلِ الْجِنْسُ وَبِالثَّانِي آدَمُ أَوْ مَنْ يَعْلَمُ الْكِتَابَةَ أَوْ إِدْرِيسَ وَبِالثَّالِثِ أَبُو جَهْلٍ وَمِنْهَا مُرَاعَاةُ التَّرْصِيعِ وَتَوَازُنِ الْأَلْفَاظِ فِي التَّرْكِيبِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فتذكر إحداهما الأخرى وَمِنْهَا: أَنْ يَتَحَمَّلَ ضَمِيرًا لَا بُدَّ مِنْهُ ومنه: {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} لَوْ قَالَ: "اسْتَطْعَمَاهَا" لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَطْعِمَا الْقَرْيَةَ أَوْ "اسْتَطْعَمَاهُمْ" فَكَذَلِكَ لَأَنَّ جُمْلَةَ "اسْتَطْعَمَا" صفة لقرية النكرة لَا لِ "أَهْلَ" فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عليها وَلَا يُمْكِنُ إِلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِالظَّاهِرِ كَذَا حَرَّرَهُ السُّبْكِيُّ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ سَأَلَهُ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: أَسَيِّدَنَا قَاضِي الْقُضَاةِ وَمَنْ إِذَا بَدَا وَجْهُهُ اسْتَحْيَا لَهُ الْقَمَرَانِ وَمَنْ كَفُّهُ يَوْمَ النَّدَى وَيَرَاعُهُ عَلَى طِرْسِهِ بَحْرَانِ يَلْتَقِيَانِ وَمَنْ إِنْ دَجَتْ فِي الْمُشْكِلَاتِ مَسَائِلٌ جَلَاهَا بِفِكْرٍ دَائِمِ اللَّمَعَانِ رَأَيْتُ كِتَابَ اللَّهِ أَكْبَرُ مُعْجِزٍ لَأَفْضَلُ مَنْ يُهْدَى بِهِ الثَّقَلَانِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِعْجَازِ كَوْنُ اخْتِصَارِهِ بِإِيجَازِ أَلْفَاظٍ وَبَسْطِ مَعَانِ وَلَكِنَّنِي فِي الْكَهْفِ أَبْصَرْتُ آيَةً بِهَا الْفِكْرُ فِي طُولِ الزَّمَانِ عَنَانِي وَمَا هِيَ إِلَّا اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَقَدْ نَرَى اسْتَطْعَمَاهُمْ مِثْلَهُ بِبَيَانِ فَمَا الْحِكْمَةُ الْغَرَّاءُ فِي وَضْعِ ظَاهِرٍ مَكَانَ ضَمِيرٍ إِنَّ ذَاكَ لَشَانِ فَأَرْشِدْ على عادات فضلك حيرتي فمالي بِهَا عِنْدَ الْبَيَانِ يَدَانِ

تَنْبِيهٌ إِعَادَةُ الظَّاهِرِ بِمَعْنَاهُ أَحْسَنُ مِنْ إِعَادَتِهِ بِلَفْظِهِ كَمَا مَرَّ فِي آيَاتِ: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} وَنَحْوِهَا وَمِنْهُ: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} فَإِنَّ إِنْزَالَ الْخَيْرِ مُنَاسِبٌ لِلرُّبُوبِيَّةِ وَأَعَادَهُ بِلَفْظِ "اللَّهِ" لِأَنَّ تَخْصِيصَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ دُونَ غَيْرِهِمْ مُنَاسِبٌ لِلْإِلَهِيَّةِ لِأَنَّ دَائِرَةَ الرُّبُوبِيَّةِ أَوْسَعُ وَمِنْهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} إِلَى قَوِلِهِ: {بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وَإِعَادَتُهُ فِي جُمْلَةٍ أُخْرَى أَحْسَنُ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ لِانْفِصَالِهَا وبعد الطُّولِ أَحْسَنُ مِنَ الْإِضْمَارِ لِئَلَّا يَبْقَى الذِّهْنُ مُتَشَاغِلًا بِسَبَبِ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفُوتُهُ مَا شَرَعَ فِيهِ كَقَوْلِهِ: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الْإِيغَالُ وَهُوَ الْإِمْعَانُ وَهُوَ خَتْمُ الْكَلَامِ بِمَا يُفِيدُ نُكْتَةً يَتِمُّ الْمَعْنَى بِدُونِهَا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالشِّعْرِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ من ذلك {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فَقَوْلُهُ: "وَهُمْ مُهْتَدُونَ"إِيغَالٌ

لِأَنَّهُ يَتِمُّ الْمَعْنَى بِدُونِهِ إِذِ الرَّسُولُ مُهْتَدٍ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ مُبَالَغَةٍ فِي الْحَثِّ عَلَى اتِّبَاعِ الرُّسُلِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ مِنْهُ: {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} فَإِنَّ قَوْلَهُ: "إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ"زَائِدٌ عَلَى الْمَعْنَى مُبَالَغَةً فِي عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} زَائِدٌ عَلَى الْمَعْنَى لِمَدْحِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّعْرِيضِ بِالذَّمِّ لِلْيَهُودِ وَأَنَّهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ الْإِيقَانِ {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} فَقَوْلُهُ "مِثْلَ مَا" إِلَى آخِرِهِ إِيغَالٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَعْنَى لِتَحْقِيقِ هَذَا الْوَعْدِ وَأَنَّهُ وَاقِعٌ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً لَا يَرْتَابُ فِيهِ أَحَدٌ النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ: التَّذْيِيلُ وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى بِجُمْلَةٍ عَقِبَ جُمْلَةٍ وَالثَّانِيَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِتَأْكِيدِ مَنْطُوقِهِ أَوْ مَفْهُومِهِ لِيَظْهَرَ الْمَعْنَى لِمَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَيَتَقَرَّرَ عِنْدَ مَنْ فَهِمَهُ نَحْوُ: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}

النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ: الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى بِكَلَامَيْنِ يُقَرِّرُ الْأَوَّلَ بِمَنْطُوقِهِ مَفْهُومَ الثاني وبالعكس كقوله: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} فَمَنْطُوقُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ خَاصَّةً مُقَرِّرٌ لِمَفْهُومِ رَفْعِ الْجَنَاحِ فِيمَا عَدَاهَا وَبِالْعَكْسِ وَكَذَا قَوْلُهُ: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} قُلْتُ وَهَذَا النَّوْعُ يُقَابِلُهُ فِي الْإِيجَازِ نَوْعُ الِاحْتِبَاكِ. النَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ التَّكْمِيلُ وَيُسَمَّى بِالِاحْتِرَاسِ وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى فِي كَلَامٍ يُوهِمُ خِلَافَ الْمَقْصُودِ بِمَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْوَهْمَ نَحْوُ: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} فَإِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَذِلَّةٍ لَتُوِهِّمَ أَنَّهُ لِضَعْفِهِمْ فَدَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: "أَعِزَّةٍ" وَمِثْلُهُ: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى"أَشِدَّاءَ" لَتُوِهِّمَ أَنَّهُ لِغِلَظِهِمْ {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} احْتِرَاسٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ نِسْبَةُ الظُّلْمِ إِلَى سُلَيْمَانَ، وَمِثْلُهُ: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وَكَذَا {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ

وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} فَالْجُمْلَةُ الْوُسْطَى احْتِرَاسٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ التَّكْذِيبَ مِمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ فَإِنْ قِيلَ كُلٌّ مِنْ ذَلِكَ أَفَادَ مَعْنًى جَدِيدًا فَلَا يَكُونُ إِطْنَابًا قُلْنَا هُوَ إِطْنَابٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ رَفْعِ تَوَهُّمِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى فِي نَفْسِهِ. النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ التَّتْمِيمُ وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى فِي كَلَامٍ لَا يُوهِمُ غَيْرَ الْمُرَادِ بِفَضْلِهِ تُفِيدُ نُكْتَةً كَالْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} أَيْ مَعَ حُبِّ الطَّعَامِ أَيِ اشِتِهَائِهِ فَإِنَّ الْإِطْعَامَ حِينَئِذٍ أَبْلَغُ وَأَكْثَرُ أَجْرًا وَمِثْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ} فَقَوْلُهُ: "وهُوَ مُؤْمِنٌ" تَتْمِيمٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ. النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ- الِاسْتِقْصَاءُ وَهُوَ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمُتَكَلِّمُ معنى فيستقصيه فيأتي بجميع عَوَارِضَهُ وَلَوَازِمَهُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَقْصِيَ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ الذَّاتِيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ لِمَنْ يَتَنَاوَلُهُ بَعْدَهُ فِيهِ مَقَالًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ "جَنَّةٌ" لَكَانَ كَافِيًا فَلَمْ يَقِفْ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ فِي تَفْسِيرِهَا: {مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} فَإِنَّ مُصَابَ صَاحِبِهَا بِهَا أَعْظَمُ ثُمَّ

زاد {جْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} مُتَمِّمًا لِوَصْفِهَا بِذَلِكَ ثُمَّ كَمُلَ وَصْفُهَا بَعْدَ التَّتْمِيمَيْنِ فَقَالَ: {لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} فَأَتَى بِكُلِّ مَا يَكُونُ فِي الْجِنَانِ لِيَشْتَدَّ الْأَسَفُ عَلَى إِفْسَادِهَا ثُمَّ قَالَ فِي وَصْفِ صَاحِبِهَا: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} ثُمَّ اسْتَقْصَى الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ بِمَا يُوجِبُ تَعْظِيمَ الْمُصَابِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ وَصْفِهِ بِالْكِبَرِ {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ} وَلَمْ يَقِفْ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى وَصَفَ الذُّرِّيَّةَ بالضعفاء ثُمَّ ذَكَرَ اسْتِئْصَالَ الْجَنَّةِ الَّتِي لَيْسَ لِهَذَا الْمُصَابِ غَيْرُهَا بِالْهَلَاكِ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ حَيْثُ قَالَ: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ} وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ذِكْرِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ سُرْعَةُ الْهَلَاكِ فَقَالَ: {فِيهِ نَارٌ} ثُمَّ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى أَخْبَرَ بِاحْتِرَاقِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ النَّارُ ضَعِيفَةً لَا تَفِي بِاحْتِرَاقِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْأَنْهَارِ وَرُطُوبَةِ الْأَشْجَارِ فَاحْتَرَسَ عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِقَوْلِهِ: {فَاحْتَرَقَتْ} فَهَذَا أَحْسَنُ اسْتِقْصَاءٍ وَقَعَ فِي كَلَامٍ وَأَتَمَّهُ وَأَكْمَلَهُ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِقْصَاءِ وَالتَّتْمِيمِ وَالتَّكْمِيلِ أَنَّ التَّتْمِيمَ يَرِدُ عَلَى الْمَعْنَى النَّاقِصِ ليتم وَالتَّكْمِيلُ يَرِدُ عَلَى الْمَعْنَى التَّامِّ فَيُكَمِّلُ أَوْصَافَهُ وَالِاسْتِقْصَاءُ يَرِدُ عَلَى الْمَعْنَى التَّامِّ الْكَامِلِ فَيَسْتَقْصِي لَوَازِمَهُ وَعَوَارِضَهُ، وَأَوْصَافَهُ وَأَسْبَابَهُ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ مَا تَقَعُ الْخَوَاطِرُ عَلَيْهِ فَلَا يَبْقَى لِأَحَدٍ فِيهِ مَسَاغٌ. النَّوْعُ الْعِشْرُونَ الِاعْتِرَاضُ وَسَمَّاهُ قُدَامَةُ الْتِفَاتًا وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِجُمْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ أَوْ كَلَامَيْنِ اتَّصَلَا مَعْنًى لِنُكْتَةِ غَيْرِ دَفْعِ الْإِيهَامِ كَقَوْلِهِ: {وَيَجْعَلُونَ

لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} فَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَهُ} اعْتِرَاضٌ لِتَنْزِيهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ الْبَنَاتِ وَالشَّنَاعَةِ عَلَى جَاعِلِيهَا وَقَوْلُهُ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} فَجُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ اعْتِرَاضٌ لِلتَّبَرُّكِ وَمِنْ وُقُوعِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ جُمْلَةٍ {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فَقَوْلُهُ {نِسَاؤُكُمْ} مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ} لِأَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ لِلْحَثِّ عَلَى الطَّهَارَةِ وَتَجَنُّبِ الأدبار وقوله: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَقِيلَ بُعْداً} فِيهِ اعْتِرَاضٌ بِثَلَاثِ جُمَلٍ وَهِيَ: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} قَالَ فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ وَنُكْتَتُهُ إِفَادَةُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَاقِعٌ بَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ أَتَى بِهِ آخِرًا لَكَانَ الظَّاهِرُ تَأَخُّرَهُ فَبِتَوَسُّطِهِ ظَهَرَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُتَأَخِّرٍ ثُمَّ فِيهِ اعتراض في اعْتِرَاضٌ فَإِنَّ"وَقُضِيَ الْأَمْرُ"مُعْتَرِضٌ بَيْنَ"وَغِيضَ"وَ"وَاسْتَوَتْ"لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ يَحْصُلُ عَقِبَ الْغَيْضِ وَقَوْلُهُ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ} فِيهِ اعْتِرَاضٌ بِسَبْعِ جُمَلٍ إِذَا أُعْرِبَ حَالًا مِنْهُ وَمِنْ وُقُوعِ اعْتِرَاضٍ فِي اعْتِرَاضٍ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} اعترض بَيْنَ الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} الْآيَةَ وَبَيْنَ الْقَسَمِ وَصِفَتِهِ بِقَوْلِهِ: {لَوْ تَعْلَمُونَ} تَعْظِيمًا لِلْمُقْسَمِ بِهِ وَتَحْقِيقًا لِإِجْلَالِهِ وَإِعْلَامًا لَهُمْ بِأَنَّ لَهُ عَظَمَةً لَا يَعْلَمُونَهَا قَالَ الطِّيبِيُّ فِي التِّبْيَانِ وَوَجْهُ حُسْنِ الِاعْتِرَاضِ حُسْنُ الْإِفَادَةِ مَعَ أَنَّ مَجِيئَهُ مَجِيءُ مَا لَا يترقب فكون كَالْحَسَنَةِ تَأْتِيكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ.

النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ التَّعْلِيلُ وَفَائِدَتُهُ التَّقْرِيرُ وَالْأَبْلَغِيَّةُ فَإِنَّ النُّفُوسَ أَبْعَثُ عَلَى قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّلَةِ مِنْ غَيْرِهَا وَغَالِبُ التَّعْلِيلِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَابِ سُؤَالٍ اقْتَضَتْهُ الْجُمْلَةُ الْأُولَى وَحُرُوفُهُ اللَّامُ وَإِنَّ وَأَنْ وَإِذْ وَالْبَاءُ وَكَيْ وَمِنْ وَلَعَلَّ وَقَدْ مَضَتْ أَمْثِلَتُهَا فِي نَوْعِ الْأَدَوَاتِ وَمِمَّا يَقْتَضِي التَّعْلِيلَ لَفْظُ"الْحِكْمَةِ"كَقَوْلِهِ: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} وَذِكْرُ الْغَايَةِ مِنَ الْخَلْقِ نَحْوُ قَوْلِهِ: {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أوتادا} .

النوع السابع والخمسون: في الخبر والإنشاء

النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ اعْلَمْ أَنَّ الْحُذَّاقَ مِنَ النُّحَاةِ وَغَيْرِهِمْ وَأَهْلِ الْبَيَانِ قَاطِبَةً عَلَى انْحِصَارِ الْكَلَامِ فِيهِمَا وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ أَقْسَامَ الْكَلَامِ عَشَرَةٌ نِدَاءٌ وَمَسْأَلَةٌ وَأَمْرٌ وَتَشَفُّعٌ وَتَعَجُّبٌ وَقَسَمٌ وَشَرْطٌ وَوَضْعٌ وَشَكٌّ وَاسْتِفْهَامٌ وَقِيلَ: تِسْعَةٌ بِإِسْقَاطِ الِاسْتِفْهَامِ لِدُخُولِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ بِإِسْقَاطِ التَّشَفُّعِ لِدُخُولِهِ فِيهَا وَقِيلَ: سَبْعَةٌ بِإِسْقَاطِ الشَّكِّ لِأَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْخَبَرِ وَقَالَ: الْأَخْفَشُ هِيَ سِتَّةٌ خَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ وَنِدَاءٌ وَتَمَنٍّ وَقَالَ: بَعْضُهُمْ خَمْسَةٌ خَبَرٌ وَأَمْرٌ وَتَصْرِيحٌ وَطَلَبٌ وَنِدَاءٌ وَقَالَ: قَوْمٌ أَرْبَعَةٌ خَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ وَطَلَبٌ وَنِدَاءٌ وَقَالَ: كَثِيرُونَ ثَلَاثَةٌ خَبَرٌ وَطَلَبٌ وَإِنْشَاءٌ قَالُوا لِأَنَّ الْكَلَامَ إِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ أَوْ لَا الْأَوَّلُ الْخَبَرُ وَالثَّانِي إِنِ اقْتَرَنَ مَعْنَاهُ بِلَفْظِهِ فَهُوَ الْإِنْشَاءُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بَلْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فَهُوَ الطَّلَبُ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى دُخُولِ الطَّلَبِ فِي الْإِنْشَاءِ وَأَنَّ مَعْنَى اضْرِبْ مَثَلًا وَهُوَ طَلَبُ الضَّرْبِ مُقْتَرِنٌ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَعَلِّقُ الطَّلَبِ لَا نَفْسُهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَدِّ الْخَبَرِ فَقِيلَ: لَا يُحَدُّ لِعُسْرِهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ

لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ ضَرُورَةً وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى حَدِّهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْمُعْتَزِلَةُ: الْخَبَرُ الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ فَأَوْرِدْ عَلَيْهِ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا صَادِقًا فَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يَصِحُّ دُخُولُهُ لُغَةً وَقِيلَ: الَّذِي يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ والتكذيب وهو سَالِمٌ مِنَ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ كَلَامٌ يُفِيدُ بنفسه نسبة فَأُورِدَ عَلَيْهِ نَحْوُ"قُمْ" فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَنْسُوبٌ وَالطَّلَبَ مَنْسُوبٌ وَقِيلَ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ بِنَفْسِهِ إِضَافَةَ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ إِلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ نَفْيًا أَوْ إِثْبَاتًا وَقِيلَ: الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي بِصَرِيحِهِ نِسْبَةَ مَعْلُومٍ إِلَى معلوم بالنفي والإثبات وقال الْمُتَأَخِّرِينَ: الْإِنْشَاءُ مَا يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ وَالْخَبَرُ خِلَافُهُ وَقَالَ: بَعْضُ مَنْ جَعَلَ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةً: الْكَلَامُ إِنْ أَفَادَ بِالْوَضْعِ طَلَبًا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِطَلَبِ ذِكْرِ الْمَاهِيَّةَ أَوْ تَحْصِيلِهَا أَوِ الْكَفِّ عَنْهَا وَالْأَوَّلُ الِاسْتِفْهَامُ وَالثَّانِي الْأَمْرُ وَالثَّالِثُ النَّهْيُ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ طَلَبًا بِالْوَضْعِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ سُمِّيَ تَنْبِيهًا وَإِنْشَاءً لِأَنَّكَ نَبَّهْتَ بِهِ على مَقْصُودِكَ وَأَنْشَأْتَهُ أَيِ ابِتَكَرْتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ سَوَاءٌ أَفَادَ طَلَبًا بِاللَّازِمِ كالمتمني وَالتَّرَجِّي وَالنِّدَاءِ وَالْقَسَمِ أَمْ لَا كَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنِ احْتَمَلَهُمَا مِنْ حيث هو فهو الخبر.

فَصْلٌ الْقَصْدُ بِالْخَبَرِ إِفَادَةُ الْمُخَاطَبِ وَقَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ نَحْوُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ ب} وَبِمَعْنَى النَّهْيِ نَحْوُ: {لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} وَبِمَعْنَى الدُّعَاءِ نَحْوُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أَيْ أَعِنَّا وَمِنْهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} فَإِنَّهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِ وَكَذَا {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} وَجَعَلَ مِنْهُ قَوْمٌ {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} قَالُوا هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِضِيقِ صُدُورِهِمْ عَنْ قِتَالِ أَحَدٍ وَنَازَعَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْخَبَرَ يَرِدُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَوِ النَّهْيِ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فلا"رفث لَيْسَ نَفْيًا لِوُجُودِ الرَّفَثِ بَلْ نَفْيٌ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ فَإِنَّ الرَّفَثَ يُوجَدُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ وَأَخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ بِخِلَافِ مُخْبَرِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ النَّفْيُ إِلَى وُجُودِهِ مَشْرُوعًا لَا إِلَى وُجُودِهِ مَحْسُوسًا كَقَوْلِهِ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} وَمَعْنَاهُ مَشْرُوعًا لَا مَحْسُوسًا فَإِنَّا نَجِدُ مُطَلَّقَاتٍ لَا يَتَرَبَّصْنَ فَعَادَ النَّفْيُ إِلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا إِلَى الْوُجُودِ الْحِسِّيِّ وَكَذَا {لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} أَيْ لَا يَمَسُّهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَرْعًا فَإِنْ وُجِدَ الْمَسُّ فَعَلَى خِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ قَالَ وَهَذِهِ الدَّفِينَةُ الَّتِي فَاتَتِ الْعُلَمَاءَ فَقَالُوا: إِنَّ

الْخَبَرَ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَمَا وُجِدَ ذَلِكَ قَطُّ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجِدَ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً وَيَتَبَايَنَانِ وَضْعًا انْتَهَى. فَرْعٌ مِنْ أَقْسَامِهِ عَلَى الْأَصَحِّ التَّعَجُّبُ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَهُوَ تفصيل شَيْءٍ عَلَى أَضِرَابِهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّائِغِ: اسْتِعْظَامُ صِفَةٍ خَرَجَ بِهَا الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ عَنْ نَظَائِرِهِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَى التَّعَجُّبِ تَعْظِيمُ الْأَمْرِ فِي قُلُوبِ السَّامِعِينَ لِأَنَّ التَّعَجُّبَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ نَظَائِرِهِ وَأَشْكَالِهِ وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: الْمَطْلُوبُ فِي التَّعَجُّبِ الْإِبْهَامُ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ أَنْ يَتَعَجَّبُوا مِمَّا لَا يُعْرَفُ سَبَبُهُ فَكُلَّمَا اسْتَبْهَمَ السَّبَبُ كَانَ التَّعَجُّبُ أَحْسَنَ قَالَ: وَأَصْلُ التَّعَجُّبِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى الْخَفِيِّ سَبَبُهُ وَالصِّيغَةُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ تُسَمَّى تَعَجُّبًا مَجَازًا قَالَ: وَمِنْ أَجْلِ الْإِبْهَامِ لَمْ تَعْمَلْ"نَعَمْ"إِلَّا فِي الْجِنْسِ مِنْ أَجْلِ التَّفْخِيمِ لِيَقَعَ التَّفْسِيرُ عَلَى نَحْوِ التَّفْخِيمِ بِالْإِضْمَارِ قَبْلَ الذِّكْرِ ثُمَّ قَدْ وَضَعُوا لِلتَّعَجُّبِ صِيَغًا مَنْ لَفْظِهِ وَهِيَ"مَا أَفْعَلَ"وَ"أَفْعِلْ بِهِ"وَصِيَغًا مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ نَحْوَ"كَبُرَ"كَقَوْلِهِ: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ} {كيف تكفرون بالله}

قَاعِدَةٌ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ إِذَا وَرَدَ التَّعَجُّبُ مِنَ اللَّهِ صُرِفَ إِلَى الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} أَيْ هَؤُلَاءِ يَجِبُ أَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا لَا يُوصَفُ تَعَالَى بِالتَّعَجُّبِ لِأَنَّهُ اسْتِعْظَامٌ يَصْحَبُهُ الْجَهْلُ وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا تعبر جماعة بالتعجيب بَدَلَهُ: أَيْ أَنَّهُ تَعْجِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُخَاطِبِينَ وَنَظِيرُ هَذَا مَجِيءُ الدُّعَاءِ وَالتَّرَجِّي مِنْهُ تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ أي هؤلاء مما يَجِبُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: عِنْدَكُمْ هَذَا وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} الْمَعْنَى: اذْهَبَا عَلَى رَجَائِكُمَا وَطَمَعِكُمَا وَفِي قَوْلِهِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} لا: نقول هَذَا دُعَاءٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِذَلِكَ قَبِيحٌ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا تَكَلَّمُوا بِكَلَامِهِمْ وَجَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى لُغَتِهِمْ وَعَلَى مَا يَعْنُونَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} أَيْ هَؤُلَاءِ مما وجب هذا الْقَوْلُ لَهُمْ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إِنَّمَا يُقَالُ لِصَاحِبِ الشُّرُورِ وَالْهَلَكَةِ فَقِيلَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْهَلَكَةِ. فَرْعٌ مِنْ أَقْسَامِ الْخَبَرِ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ نَحْوُ {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ} {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ} وَفِي كَلَامِ ابْنِ قُتَيْبَةَ مَا يُوهِمُ أَنَّهُ إِنْشَاءٌ

فَرْعٌ مِنْ أَقْسَامِ الْخَبَرِ النَّفْيُ بَلْ هُوَ شَطْرُ الْكَلَامِ كُلِّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَحْدِ أَنَّ النَّافِيَ إِنْ كَانَ صَادِقًا سُمِّيَ كَلَامُهُ نَفْيًا وَلَا يُسَمَّى جَحْدًا وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا سُمِّي جَحْدًا وَنَفْيًا أَيْضًا فَكَلُّ جَحْدٍ نَفْيٌ وَلَيْسَ كُلُّ نَفْيٍ جَحْدًا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَابْنُ الشَّجَرِيِّ وَغَيْرُهُما مِثَالُ النَّفْيِ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَمِثَالُ الْجَحْدِ نَفْيُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ آيَاتِ مُوسَى قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} وَأَدَوَاتُ النَّفْيِ لَا وَلَاتَ وَلَيْسَ وَمَا وَإِنْ وَلَمْ وَلَمَّا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَعَانِيهَا وَمَا افْتَرَقَتْ فِيهِ فِي نَوْعِ الْأَدَوَاتِ وَنُورِدُ هُنَا فَائِدَةً زَائِدَةً قَالَ الْخُوَيِّيُّ: أَصْلُ أَدَوَاتِ النَّفْيِ لَا وما لِأَنَّ النَّفْيَ إِمَّا فِي الْمَاضِي وَإِمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالِاسْتِقْبَالُ أَكْثَرُ من الماضي أبدا ولا أَخَفَّ مِنْ مَا فَوَضَعُوا الْأَخَفَّ لِلْأَكْثَرِ ثُمَّ إِنَّ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْيًا وَاحِدًا مُسْتَمِرًّا أَوْ نَفْيًا فِيهِ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَكَذَلِكَ النَّفْيُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَصَارَ النَّفْيُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَاخْتَارُوا لَهُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ مَا وَلَمْ وَلَنْ وَلَا وَأَمَّا إِنْ وَلَمَّا فَلَيْسَا بِأَصْلَيْنِ فَمَا وَلَا فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ مُتَقَابِلَانِ وَلَمْ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ لَا وَمَا لِأَنَّ لَمْ نَفْيٌ لِلِاسْتِقْبَالِ لَفْظًا وَالْمُضِيِّ مَعْنًى فَأَخَذَ اللَّامَ مِنْ"لَا"الَّتِي هِيَ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمِيمِ مِنْ"مَا"الَّتِي هِيَ لِنَفْيِ الْمَاضِي وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ فِي"لَمْ"إِشَارَةً إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي وَقَدَّمَ اللَّامَ عَلَى الْمِيمِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ"لَا"هِيَ أَصْلُ

النَّفْيِ وَلِهَذَا يُنْفَى بِهَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ فيُقَالُ لَمْ يَفْعَلْ زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو وَأَمَّا"لَمَّا"فَتَرْكِيبٌ بَعْدَ تَرْكِيبٍ كَأَنَّهُ قَالَ لَمْ وما لِتَوْكِيدِ مَعْنَى النَّفْيِ فِي الْمَاضِي وَتُفِيدُ الِاسْتِقْبَالَ أَيْضًا وَلِهَذَا تُفِيدُ"لَمَّا"الِاسْتَمْرَارَ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ النَّفْيِ عَنِ الشيء صحة اتصاف الْمَنْفِيِّ عَنْهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} وَنَظَائِرُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ مِنْهُ عَقْلًا وَقَدْ يَكُونُ لِكَوْنِهِ لَا يَقَعُ مِنْهُ مَعَ إِمْكَانِهِ. الثَّانِي: نَفْيُ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ قَدْ يَكُونُ نَفْيًا لِلصِّفَةِ دُونَ الذَّاتِ وَقَدْ يَكُونُ نَفْيًا لِلذَّاتِ أَيْضًا مِنَ الْأَوَّلِ: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} أَيْ بَلْ هُمْ جَسَدٌ يَأْكُلُونَهُ وَمِنَ الثَّانِي {لَا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} أَيْ لَا سُؤَالَ لَهُمْ أَصْلًا فَلَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ إِلْحَافٌ، {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} أَيْ لَا شَفِيعَ لَهُمْ أَصْلًا {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} أَيْ لَا شَافِعِينَ لَهُمْ فَتَنْفَعُهُمْ شَفَاعَتُهُمْ بِدَلِيلِ {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ عِنْدَ أَهْلِ الْبَدِيعِ نَفْيَ الشَّيْءِ بِإِيجَابِهِ وَعِبَارَةُ ابْنِ رَشِيقٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ ظَاهِرُهُ إِيجَابُ الشَّيْءِ وَبَاطِنُهُ نَفْيُهُ بِأَنْ يَنْفِيَ مَا هُوَ

مِنْ سَبَبِهِ كَوَصْفِهِ وَهُوَ الْمَنْفِيُّ فِي الْبَاطِنِ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَنْ يُنْفَى الشَّيْءُ مُقَيَّدًا وَالْمُرَادُ نَفْيُهُ مُطْلَقًا مُبَالَغَةً فِي النَّفْيِ وَتَأْكِيدًا لَهُ وَمِنْهُ: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} فَإِنَّ "الْإِلَهَ مَعَ اللَّهِ"لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} فَإِنَّ قَتْلَهُمْ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَيْرِ حَقٍّ {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} فَإِنَّهَا لَا عَمَدَ لَهَا أَصْلًا الثَّالِثُ: قَدْ يُنْفَى الشَّيْءُ رَأْسًا لِعَدَمِ كَمَالِ وَصْفِهِ أَوِ انْتِفَاءِ ثَمَرَتِهِ كَقَوْلِهِ فِي صِفَةِ أَهْلِ النَّارِ: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} فَنَفَى عَنْهُ الْمَوْتَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْتٍ صَرِيحٍ وَنَفَى عَنْهُ الْحَيَاةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيَاةٍ طَيِّبَةٍ وَلَا نَافِعَةٍ {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ احْتَجُّوا بِهَا عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّ النَّظَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِبْصَارَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ بِإِقْبَالِهَا عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ تُبْصِرُ شَيْئًا {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فَإِنَّهُ وَصَفَهُمْ أَوَّلًا بِالْعِلْمِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ الْقَسَمِي ثُمَّ نَفَاهُ آخِرًا عَنْهُمْ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلَى مُوجَبِ الْعِلْمِ قَالَهُ السَّكَّاكِيُّ. الرَّابِعُ: قَالُوا: الْمَجَازُ يَصِحُّ نَفْيُهُ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ وَأُشْكِلَ عَلَى ذَلِكَ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} فإن المنفي فيه هو الْحَقِيقَةُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّمْيِ هُنَا الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ وَهُوَ وُصُولُهُ إِلَى الْكَفَّارِ فَالْوَارِدُ عَلَيْهِ

النَّفْيُ هُنَا مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ وَالتَّقْدِيرُ وَمَا رَمَيْتَ خَلْقًا إِذْ رَمَيْتَ كَسْبًا أَوْ مَا رَمَيْتَ انْتِهَاءً إِذْ رَمَيْتَ ابْتِدَاءً الْخَامِسُ: نَفْيُ الِاسْتِطَاعَةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْقُدْرَةِ وَالْإِمْكَانِ وَقَدْ يُرَادُ نَفْيُ الِامْتِنَاعِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْوُقُوعُ بِمَشَقَّةٍ وَكُلْفَةٍ مِنَ الْأَوَّلِ: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} {فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} وَمِنَ الثَّانِي: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ أَيْ هَلْ يَفْعَلُ أَوْ هَلْ تُجِيبُنَا إِلَى أَنْ تَسْأَلَ فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْزَالِ وَأَنَّ عِيسَى قَادِرٌ عَلَى السُّؤَالِ وَمِنَ الثَّالِثِ {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} قَاعِدَةٌ نَفْيُ الْعَامِّ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخَاصِّ وَثُبُوتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ وَثُبُوتُ الْخَاصِّ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْعَامِّ وَنَفْيُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ زِيَادَةَ الْمَفْهُومِ مِنَ اللَّفْظِ تُوجِبُ الِالْتِذَاذَ بِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ نَفْيُ الْعَامِّ أَحْسَنَ مِنْ نَفْيِ الْخَاصِّ وَإِثْبَاتُ الْخَاصِّ أَحْسَنَ مِنْ إِثْبَاتِ الْعَامِّ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} لَمْ يَقُلْ: بِضَوْئِهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِ: {أَضَاءَتْ} لِأَنَّ النُّورَ أَعَمُّ مِنَ الضَّوْءِ إِذْ يُقَالُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِنَّمَا يُقَالُ الضَّوْءُ عَلَى النُّورِ الْكَثِيرِ وَلِذَلِكَ قَالَ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً}

فَفِي الضَّوْءِ دَلَالَةٌ عَلَى النُّورِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ فَعَدَمُهُ يُوجِبُ عَدَمَ الضَّوْءِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَالْقَصْدُ إِزَالَةُ النُّورِ عَنْهُمْ أَصْلًا وَلِذَا قَالَ عَقِبَهُ: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ} وَمِنْهُ: {لَيْسَ بِي ضَلالةٌ} وَلَمْ يَقُلْ"ضَلَالٌ"كَمَا قَالُوا: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ} لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهُ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي نَفْيِ الضَّلَالِ وَعُبِّرَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ نَفْيَ الْوَاحِدِ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْجِنْسِ الْبَتَّةَ وَبِأَنَّ نَفْيَ الْأَدْنَى يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْأَعْلَى وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} وَلَمْ يَقُلْ: "طُولُهَا"لِأَنَّ الْعَرْضَ أَخَصُّ إِذْ كَلُّ مَا لَهُ عَرْضٌ فَلَهُ طُولٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ نَفْيَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْفِعْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ أَصْلِ الْفِعْلِ وَقَدْ أُشْكِلَ عَلَى هَذَا آيَتَانِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وَقَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} وَأُجِيبُ عَنِ الْآيَةِ الْأُولَى بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ"ظَلَامًا"وَإِنْ كَانَ لِلْكَثْرَةِ لَكِنَّهُ جِيءَ بِهِ فِي مُقَابَلَةِ"الْعَبِيدِ"الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَيُرَشِّحُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} فَقَابَلَ صِيغَةَ"فَعَّالٍ"بِالْجَمْعِ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ} فَقَابَلَ صِيغَةَ فَاعِلٍ الدَّالَّةَ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِالْوَاحِدِ. الثَّانِي: أَنَّهُ نَفَى الظُّلْمَ الْكَثِيرَ لِيَنْتَفِيَ الْقَلِيلُ ضَرُورَةً لِأَنَّ الَّذِي يَظْلِمُ،

إِنَّمَا يَظْلِمُ لِانْتِفَاعِهِ بِالظُّلْمِ فَإِذَا تَرَكَ الْكَثِيرَ مَعَ زِيَادَةِ نَفْعِهِ فَلِأَنْ يَتْرُكَ الْقَلِيلَ أَوْلَى. الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَى النِّسْبَةِ أَيْ بِذِي ظُلْمٍ حَكَاهُ ابْنُ مَالِكٍ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى"فَاعِلٍ"لَا كَثْرَةَ فِيهِ. الْخَامِسُ: أَنَّ أَقَلَّ الْقَلِيلِ لَوْ وَرَدَ مِنْهُ تَعَالَى لَكَانَ كَثِيرًا كَمَا يُقَالُ زَلَّةُ الْعَالِمِ كَبِيرَةٌ. السَّادِسُ: أَنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ بِظَالِمٍ لَيْسَ بِظَالِمٍ تَأْكِيدًا لِلنَّفْيِ فَعَبَّرَ عَنْ ذلك ب"ليس بِظَلَّامٍ" السَّابِعُ: أَنَّهُ وَرَدَ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ"ظَلَّامٌ"وَالتَّكْرَارُ إِذَا وَرَدَ جَوَابًا لِكَلَامٍ خَاصٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ. الثَّامِنُ: أَنَّ صِيغَةَ المبالغة وغيرها في صِفَاتِ اللَّهِ سَوَاءٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَجَرَى النَّفْيُ عَلَى ذَلِكَ. التَّاسِعُ: أَنَّهُ قَصَدَ التَّعْرِيضَ بِأَنَّ ثُمَّ ظَلَّامًا لِلْعَبِيدِ مِنْ وُلَاةِ الْجَوْرِ وَيُجَابُ عَنِ الثَّانِيَةِ بِهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ وَبِعَاشِرٍ: وَهُوَ مُنَاسِبَةُ رُءُوسِ الْآيِ. فَائِدَةٌ قَالَ صَاحِبُ الْيَاقُوتَةِ قَالَ ثَعْلَبٌ وَالْمُبَرِّدُ الْعَرَبُ إِذَا جَاءَتْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِجَحْدَيْنِ كَانَ الْكَلَامُ إِخْبَارًا نَحْوُ: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} وَالْمَعْنَى إِنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَإِذَا كَانَ الْجَحْدُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامٍ

كَانَ جَحْدًا حَقِيقِيًّا نَحْوُ: "مَا زَيْدٌ بِخَارِجٍ"وَإِذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ جَحْدَانِ كَانَ أَحَدُهُمَا زَائِدًا وَعَلَيْهِ {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ. فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الْإِنْشَاءِ الِاسْتِفْهَامُ وَهُوَ طَلَبُ الْفَهْمِ وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِخْبَارِ وَقِيلَ الِاسْتِخْبَارُ مَا سَبَقَ أَوَّلًا وَلَمْ يُفْهَمْ حَقَّ الْفَهْمِ فَإِذَا سَأَلْتَ عَنْهُ ثَانِيًا كَانَ اسْتِفْهَامًا حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ وَأَدَوَاتُهُ: الْهَمْزَةُ وَهَلْ وَمَا وَمَنْ وَأَيُّ وَكَمْ وَكَيْفَ وَأَيْنَ وَأَنَّى وَمَتَى وَأَيَّانَ وَمَرَّتْ فِي الْأَدَوَاتِ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْمِصْبَاحِ: وَمَا عَدَا الْهَمْزَةَ نَائِبٌ عَنْهَا وَلِكَوْنِهِ طَلَبَ ارْتِسَامِ صُورَةِ مَا فِي الْخَارِجِ فِي الذِّهْنِ لَزِمَ ألا يَكُونَ حَقِيقَةً إِلَّا إِذَا صَدَرَ مِنْ شَاكٍّ مُصَدِّقٍ بِإِمْكَانِ الْإِعْلَامِ فَإِنَّ غَيْرَ الشَّاكِّ إِذَا اسْتَفْهَمَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَإِذَا لَمْ يُصَدِّقْ بِإِمْكَانِ الْإِعْلَامِ انْتَفَتْ عَنْهُ فَائِدَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّمَا يَقَعُ فِي خِطَابِ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ الْإِثْبَاتِ أَوِ النَّفْيُ حَاصِلٌ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ صِيغَةُ الِاسْتِفْهَامِ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ شمس الدين ابن الصَّائِغِ كِتَابًا سَمَّاهُ"رَوْضُ الْأَفْهَامِ فِي أَقْسَامِ الِاسْتِفْهَامِ"

قَالَ فِيهِ: قَدْ تَوَسَّعَتِ الْعَرَبُ فَأَخْرَجَتِ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ حَقِيقَتِهِ لَمَعَانٍ أَوْ أَشْرَبَتْهُ تِلْكَ الْمَعَانِي وَلَا يُخْتَصُّ التَّجَوُّزُ فِي ذَلِكَ بِالْهَمْزَةِ خِلَافًا لِلصَّفَارِ الْأَوَّلُ: الْإِنْكَارُ وَالْمَعْنَى فِيهِ عَلَى النَّفْيِ وَمَا بَعْدَهُ مَنْفِيٌّ وَلِذَلِكَ تَصْحَبُهُ"إِلَّا"كَقَوْلِهِ: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} {وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} وعطف عليه الْمَنْفِيِّ فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أَيْ لَا يَهْدِي وَمِنْهُ: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} أَيْ لَا نُؤْمِنُ {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} أَيْ لَا يَكُونُ هَذَا {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} أَيْ مَا شَهِدُوا ذَلِكَ وَكَثِيرًا مَا يَصْحَبُهُ التَّكْذِيبُ وَهُوَ فِي الْمَاضِي بِمَعْنَى"لَمْ يَكُنْ"وَفِي المستقبل بمعنى"لايكون"نحو: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} الآية أَيْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} أَيْ لَا يَكُونُ هَذَا الْإِلْزَامِ الثَّانِي: التَّوْبِيخُ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبِيلِ الْإِنْكَارِ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ إِنْكَارُ إِبْطَالٍ وَهَذَا إِنْكَارُ تَوْبِيخٍ وَالْمَعْنَى عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ وَاقِعٌ جَدِيرٌ بِأَنْ يُنْفَى فَالنَّفْيُ هُنَا غَيْرُ قَصْدِيٍّ وَالْإِثْبَاتُ قَصْدِيٌّ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ

بالتقريع أيضا نحو: {أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ التَّوْبِيخُ فِي أَمْرٍ ثَابِتٍ وَوُبِّخَ عَلَى فِعْلِهِ كَمَا ذُكِرَ وَيَقَعُ عَلَى تَرْكِ فِعْلٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ كَقَوْلِهِ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} {مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} الثالث: وَهُوَ حَمْلُ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالِاعْتِرَافِ بِأَمْرٍ قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ قَالَ ابْنُ جِنِّي وَلَا يُسْتَعْمَلُ ذلك بهل كَمَا يُسْتَعْمَلُ بِغَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ وَقَالَ الْكِنْدِيُّ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ} إِلَى أَنَّ"هَلْ" تُشَارِكُ الْهَمْزَةَ فِي مَعْنَى التقرير والتوبيخ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ أَبَا عَلِيٍّ أَبَى ذَلِكَ وَهُوَ مَعْذُورٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَنَقَلَ أَبُو حَيَّانَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ اسْتِفْهَامَ التقرير لا يكون بهل إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْهَمْزَةُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَلْ تَأْتِي تَقْرِيرًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} وَالْكَلَامُ مَعَ التَّقْرِيرِ مُوجِبٌ وَلِذَلِكَ يُعْطَفُ عَلَيْهِ صَرِيحُ الْمُوجِبِ وَيُعْطَفُ عَلَى صَرِيحِ الْمُوجِبِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ} {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ} وَالثَّانِي نَحْوُ: {أَكَذَّبْتُمْ

بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً} عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْجُرْجَانِيُّ مِنْ جَعْلِهَا مِثْلَ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} وَحَقِيقَةُ اسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِ أَنَّهُ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَالْإِنْكَارُ نَفْيٌ وَقَدْ دَخَلَ عَلَى النَّفْيِ وَنَفْيُ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} وَجَعَلَ مِنْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الرَّابِعُ: التَّعَجُّبُ أَوِ التَّعْجِيبُ نَحْوُ: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} وَقَدِ اجْتَمَعَ هَذَا الْقِسْمُ وَسَابِقَاهُ فِي قَوْلِهِ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ مَعَ التَّوْبِيخِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ وَيُحْتَمَلُ التَّعَجُّبُ وَالِاسْتِفْهَامُ الْحَقِيقِيُّ {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} الْخَامِسُ: الْعِتَابُ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِهِمْ وَبَيْنَ أَنْ عُوتِبُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَمِنَ أَلْطَفِهِ مَا عَاتَبَ اللَّهُ بِهِ خَيْرَ خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} وَلَمْ يَتَأَدَّبِ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَدَبِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى عَادَتِهِ فِي سُوءِ الْأَدَبِ السَّادِسُ: التَّذْكِيرُ وَفِيهِ نَوْعُ اخْتِصَارٍ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي

آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} السَّابِعُ: الِافْتِخَارُ نَحْوُ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} الثَّامِنُ: التَّفْخِيمُ نَحْوُ: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً} التَّاسِعُ: التَّهْوِيلُ وَالتَّخْوِيفُ نَحْوُ: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّة} {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} الْعَاشِرُ: عَكْسُهُ وَهُوَ التَّسْهِيلُ وَالتَّخْفِيفُ نَحْوُ: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا} الْحَادِي عَشَرَ: التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ نَحْوُ: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ} الثَّانِي عَشَرَ: التَّكْثِيرُ نَحْوُ: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} الثَّالِثَ عَشَرَ: التَّسْوِيَةُ وَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ الدَّاخِلُ عَلَى جُمْلَةٍ يَصِحُّ حُلُولُ الْمَصْدَرِ مَحَلَّهَا نَحْوُ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} الرَّابِعَ عَشَرَ: الْأَمْرُ نَحْوُ: {أَأَسْلَمْتُمْ} أَيْ أَسْلَمُوا {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} أي انتهوا {أَتَصْبِرُونَ} أَيْ اصْبِرُوا الْخَامِسَ عَشَرَ: التَّنْبِيهُ وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْأَمْرِ نَحْوُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ

كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} أَيِ انِظُرْ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ذكره صاحب الكشاف عن سيبوبه وَلِذَلِكَ رَفَعَ الْفِعْلَ فِي جَوَابِهِ وَجَعَلَ مِنْهُ قَوْلُهُ: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الضَّلَالِ وَكَذَا {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} السَّادِسَ عَشَرَ: التَّرْغِيبُ نَحْوُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ السابع عشر: النهي نحو: {تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} بِدَلِيلِ {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} أَيْ لَا تَغْتَرَّ الثَّامِنَ عَشَرَ: الدُّعَاءُ وَهُوَ كَالنَّهْيِ إِلَّا أَنَّهُ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى نَحْوُ: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ} أَيْ لَا تُهْلِكْنَا التَّاسِعَ عَشَرَ: الِاسْتِرْشَادُ نَحْوُ: {تَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} الْعِشْرُونَ: التَّمَنِّي نَحْوُ: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ} الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الِاسْتِبْطَاءُ نَحْوُ: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} الثاني والعشرون: العرض نحو {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}

الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: التَّحْضِيضُ نَحْوُ: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} الرابع والعشرون: التجاهل نحو: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: التَّعْظِيمُ نَحْوُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: التَّحْقِيرُ نَحْوُ: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} وَيَحْتَمِلُهُ وَمَا قَبْلَهُ قِرَاءَةُ {مِنْ فِرْعَوْنَ} السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الِاكْتِفَاءُ نَحْوُ: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: الِاسْتِبْعَادُ نَحْوُ: {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْإِينَاسُ نَحْوُ: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} الثَّلَاثُونَ: التَّهَكُّمُ وَالِاسْتِهْزَاءُ نَحْوُ: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ} {أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: التَّأْكِيدُ لِمَا سَبَقَ مِنْ مَعْنَى أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ قَبْلَهُ كَقَوْلِهِ: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} قَالَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ: أَيْ مَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ فَإِنَّكَ لَا تُنْقِذُهُ فَمَنْ

لِلشَّرْطِ وَالْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْهَمْزَةُ فِي {أَفَأَنْتَ} دَخَلَتْ مُعَادَةً مُؤَكِّدَةً لِطُولِ الْكَلَامِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِهَا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الْأُولَى كُرِّرَتْ لِتَوْكِيدِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ. الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْإِخْبَارُ نَحْوُ: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} {هَلْ أَتَى عَلَى الأِنْسَانِ} تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: هَلْ يُقَالُ إِنَّ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَوْجُودٌ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ مَعْنًى آخَرُ أَوْ تَجَرَّدَ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ بِالْكُلِّيَّةِ؟ قَالَ: فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ مَحَلُّ نَظَرٍ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ الْأَوَّلُ قَالَ وَيُسَاعِدُهُ قَوْلُ التَّنُوخِيِّ فِي"الْأَقْصَى الْقَرِيبِ": إِنَّ"لَعَلَّ"تَكُونُ لِلِاسْتِفْهَامِ مَعَ بَقَاءِ التَّرَجِّي قَالَ: وَمِمَّا يُرَجِّحُهُ أَنَّ الِاسْتِبْطَاءَ فِي قَوْلِكَ كَمْ أَدْعُوكَ مَعْنَاهُ أَنَّ الدُّعَاءَ وَصَلَ إِلَى حَدٍّ لَا أَعْلَمُ عَدَدَهُ فَأَنَا أَطْلُبُ أن أعلم عدده والعادة تقضي بِأَنَّ الشَّخْصَ إِنَّمَا يَسْتَفْهِمُ عَنْ عَدَدِ مَا صَدَرَ مِنْهُ إِذَا كَثُرَ فَلَمْ يَعْلَمْهُ وَفِي طَلَبِ فَهْمِ عَدَدِهِ مَا يُشْعِرُ بِالِاسْتِبْطَاءِ وَأَمَّا التَّعَجُّبُ فَالِاسْتِفْهَامُ مَعَهُ مُسْتَمِرٌّ فَمَنْ تَعَجَّبَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بِلِسَانِ الْحَالِ سَائِلٌ عَنْ سَبَبِهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَيُّ شَيْءٍ عُرِضَ لِي فِي حَالِ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْهُدْهُدِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَشَّافِ بِبَقَاءِ الِاسْتِفْهَامِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمَّا التَّنْبِيهُ عَلَى الضَّلَالِ فَالِاسْتِفْهَامُ فِيهِ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّ مَعْنَى"أَيْنَ تَذْهَبُ"

أَخْبِرْنِي إِلَى أَيِّ مَكَانٍ تَذْهَبُ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ وَغَايَةُ الضَّلَالِ لَا يَشْعُرُ بِهَا إِلَى أَيْنَ تَنْتَهِي وَأَمَّا التَّقْرِيرُ فَإِنْ قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ فَهُوَ خَبَرٌ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ عُقَيْبَ الْأَدَاةِ وَاقِعٌ أَوْ طَلَبُ إِقْرَارِ المخاطب به من كَوْنِ السَّائِلِ يَعْلَمُ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ يُقَرِّرُ الْمُخَاطَبَ أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِهِ وَفِي كلام أهل الْفَنِّ مَا يَقْتَضِي الِاحْتِمَالَيْنِ وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَفِي الْإِيضَاحِ تَصْرِيحٌ بِهِ وَلَا بِدْعَ فِي صُدُورِ الِاسْتِفْهَامِ مِمَّنْ يَعْلَمِ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْفَهْمِ إِمَّا طَلَبُ فَهْمِ الْمُسْتَفْهَمِ أَوْ وُقُوعُ فَهْمٍ لِمَنْ لَمْ يَفْهَمْ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَبِهَذَا تَنْحَلُّ إِشْكَالَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي مواضع الِاسْتِفْهَامِ وَيَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ بَقَاءُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ مَعَ كُلِّ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. الثَّانِي الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُنْكَرَ يَجِبُ أَنْ يَلِيَ الْهَمْزَةَ وَأُشْكِلَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} فإن الذين يَلِيهَا هُنَا الْإِصْفَاءُ بِالْبَنِينَ وَلَيْسَ هُوَ الْمُنْكَرُ إِنَّمَا الْمُنْكَرُ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا وأجيب بأن لفظ الإصفاء مُشْعِرٌ بِزَعْمِ أَنَّ الْبَنَاتِ لِغَيْرِهِمْ أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَجْمُوعُ الْجُمْلَتَيْنِ وَيَنْحَلُّ مِنْهُمَا كَلَامٌ وَاحِدٌ وَالتَّقْدِيرُ: أَجَمَعَ بَيْنَ الْإِصْفَاءِ بِالْبَنِينَ وَاتِّخَاذِ الْبَنَاتِ وَأُشْكِلَ مِنْهُ قَوْلَهُ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ أَمْرَ النَّاسِ بِالْبَرِّ فَقَطْ كَمَا تَقْتَضِيهِ الْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ لِأَنَّ أَمْرَ الْبَرِّ لَيْسَ مِمَّا يُنْكَرُ وَلَا نِسْيَانَ النَّفْسِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذِكْرُ أَمْرِ النَّاسِ بِالْبَرِّ لَا مَدْخَلَ لَهُ وَلَا مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ

تَكُونَ الْعِبَادَةُ جُزْءَ الْمُنْكَرِ وَلَا نِسْيَانَ النَّفْسِ بِشَرْطِ الْأَمْرِ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مُنْكَرٌ مُطْلَقًا وَلَا يَكُونُ نِسْيَانُ النَّفْسِ حَالَ الْأَمْرِ أَشَدَّ مِنْهُ حَالَ عَدَمِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَزْدَادُ بَشَاعَتُهَا بِانْضِمَامِهَا إِلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبِرِّ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ نَاسِيًا لِنَفْسِهِ وَأَمْرُهُ لِغَيْرِهِ بِالْبِرِّ كَيْفَ يُضَاعَفُ بِمَعْصِيَةِ نِسْيَانٍ وَلَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ! قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: وَيُجَابُ بِأَنَّ فِعْلَ الْمَعْصِيَةِ مَعَ النَّهْيِ عَنْهَا أَفْحَشُ لِأَنَّهَا تَجْعَلُ حَالَ الْإِنْسَانِ كَالْمُتَنَاقِضِ وَتَجْعَلُ الْقَوْلَ كَالْمُخَالِفِ لِلْفِعْلِ وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ مَعَ الْعِلْمِ أَفْحَشَ مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ قَالَ: وَلَكِنَّ الْجَوَابَ عَلَى أَنَّ الطَّاعَةَ الصِّرْفَةَ كَيْفَ تُضَاعِفُ الْمَعْصِيَةَ الْمُقَارِنَةَ لَهَا مَنْ جِنْسِهَا فيه دقة. فصل مِنْ أَقْسَامِ الْإِنْشَاءِ الْأَمْرُ وَهُوَ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرُ كَفٍّ وَصِيغَتُهُ"افْعَلْ"وَ"لْيَفْعَلْ"وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِيجَابِ نَحْوُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} وَتَرِدُ مَجَازًا لِمَعَانٍ أُخَرُ: مِنْهَا النَّدْبُ نَحْوُ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} والإباحة نحو: {فَكَاتِبُوهُمْ} نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ وَمِنْهُ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} والدعاء من الغافل لِلْعَالِي نَحْوُ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي}

وَالتَّهْدِيدُ نَحْوُ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ الْأَمْرَ بِكُلِّ عَمَلٍ شَاءُوا وَالْإِهَانَةُ نَحْوُ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وَالتَّسْخِيرُ أَيِ التَّذْلِيلُ نَحْوُ: {كُونُوا قِرَدَةً} عَبَّرَ بِهِ عَنْ نَقْلِهِمْ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ إِذْلَالًا لَهُمْ فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالتَّعْجِيزُ نَحْوُ: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَلْ إِظْهَارُ عَجْزِهِمْ وَالِامْتِنَانُ نَحْوُ: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} وَالْعَجَبُ نَحْوُ: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} وَالتَّسْوِيَةُ نَحْوُ: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} وَالْإِرْشَادُ نَحْوُ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} وَالِاحْتِقَارُ نَحْوُ: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} والإنذار نحو: {قُلْ تَمَتَّعُوا} والإكرام نحو: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} وَالتَّكْوِينُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّسْخِيرِ نَحْوُ: {كُنْ فَيَكُونُ} وَالْإِنْعَامُ أَيْ تَذْكِيرُ النِّعْمَةِ نَحْوُ: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}

وَالتَّكْذِيبُ نَحْوُ: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا} وَالْمَشُورَةُ نَحْوُ: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} وَالِاعْتِبَارُ نَحْوُ: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} وَالتَّعَجُّبُ نَحْوُ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} ذَكَرَهُ السَّكَّاكِيُّ فِي اسْتِعْمَالِ الْإِنْشَاءِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ. فصل وَمِنْ أَقْسَامِهِ النَّهْيُ وَهُوَ طَلَبُ الكف عن فِعْلٍ وَصِيغَتُهُ"لَا تَفْعَلْ"وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَتَرِدُ مَجَازًا لمعان: منها الكراهة ونحو: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} وَالدُّعَاءُ نَحْوُ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} وَالْإِرْشَادُ نَحْوُ: {لَا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} والتسوية نحو: {وْ لا تَصْبِرُوا} وَالِاحْتِقَارُ وَالتَّقْلِيلُ نَحْوُ: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الْآيَةَ أَيْ فَهُوَ قَلِيلٌ حَقِيرٌ

وَبَيَانُ الْعَاقِبَةِ نَحْوُ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ} أَيْ عَاقِبَةُ الْجِهَادِ الْحَيَاةُ"لَا الْمَوْتُ" وَالْيَأْسُ نَحْوُ: {لَا تَعْتَذِرُوا} وَالْإِهَانَةُ نَحْوُ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكلمون. فصل وَمِنْ أَقْسَامِهِ التَّمَنِّي وَهُوَ طَلَبُ حُصُولِ شَيْءٍ عَلَى سَبِيلِ الْمَحَبَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ إِمْكَانُ الْمُتَمَنِّي بِخِلَافِ الْمُتَرَجِّي لَكِنْ نُوزِعُ فِي تَسْمِيَةِ تَمَنِّي المحال طَلَبًا بِأَنَّ مَا لَا يُتَوَقَّعُ كَيْفَ يُطْلَبُ قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: فَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَنَّ التَّمَنِّيَ وَالتَّرَجِّيَ وَالنِّدَاءَ والقسم ليس فيها طلب بل هو تنبيه ولا يدع فِي تَسْمِيَتِهِ إِنْشَاءً انْتَهَى. وَقَدْ بَالَغَ قَوْمٌ فَجَعَلُوا التَّمَنِّيَ مِنْ قِسْمِ الْخَبَرِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ النَّفْيُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ مِمَّنْ جَزَمَ بِخِلَافِهِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ دُخُولُ التَّكْذِيبِ فِي جَوَابِهِ في قوله: {لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وَأَجَابَ بِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْعِدَةِ فَتَعَلَّقَ بِهِ التَّكْذِيبُ وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّمَنِّي لَا يَصِحُّ فِيهِ الْكَذِبُ وَإِنَّمَا الْكَذِبُ فِي الْمُتَمَنَّى الَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدَ صاحبه وقوعه فهو إذن وَارِدٌ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ الَّذِي هُوَ ظَنٌّ وَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ قَالَ: وَلَيْسَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أَنَّ مَا تَمَنَّوْا لَيْسَ بِوَاقِعٍ

لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ لَهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمُتَمَنَّي ذَمٌّ بَلِ التَّكْذِيبُ وَرَدَ عَلَى أَخْبَارِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ وَأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ وَحَرْفُ التَّمَنِّي الْمَوْضُوعُ لَهُ"لَيْتَ"نحو: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} {لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوز} وقد يتمنى بهل حَيْثُ يُعْلَمُ فَقْدُهُ نَحْوُ: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} وبلوا نحو: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ} ولذا نصب الفصل فِي جَوَابِهَا وَقَدْ يُتَمَنَّى بِ"لَعَلَّ"فِي الْبَعِيدِ فَتُعْطَى حُكْمَ"لَيْتَ"فِي نَصْبِ الْجَوَابِ نَحْوُ: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} . فصل: وَمِنْ أَقْسَامِهِ التَّرَجِّي نَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ إِنْشَاءٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمَنِّي بِأَنَّهُ فِي الْمُمْكِنِ وَالتَّمَنِّي فِيهِ وَفِي الْمُسْتَحِيلِ وَبِأَنَّ التَّرَجِّيَ فِي الْقَرِيبِ وَالتَّمَنِّيَ فِي الْبَعِيدِ وَبِأَنَّ التَّرَجِّيَ فِي الْمُتَوَقَّعِ وَالتَّمَنِّيَ فِي غَيْرِهِ وَبِأَنَّ التَّمَنِّيَ فِي الْمَشْقُوقِ لِلنَّفْسِ وَالتَّرَجِّيَ فِي غَيْرِهِ وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ الْكَافَيْجِيَّ يَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّمَنِّي وَبَيْنَ الْعَرْضِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرَجِّي

وَحَرْفُ التَّرَجِّي لَعَلَّ وَعَسَى وَقَدْ تَرِدُ مَجَازًا لِتَوَقُّعٍ مَحْذُورٍ وَيُسَمَّى الْإِشْفَاقُ نَحْوُ: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} فصل وَمِنْ أَقْسَامِهِ النِّدَاءُ وَهُوَ طَلَبُ إِقْبَالِ الْمَدْعُوِّ عَلَى الدَّاعِي بِحَرْفٍ نَائِبٍ مَنَابَ"أَدْعُو"وَيَصْحَبُ فِي الْأَكْثَرِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْغَالِبُ تَقَدُّمُهُ نَحْوُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ} {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا} وقد يتأخر نحو: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} وَقَدْ يَصْحَبُ الْجُمْلَةَ الْخَبَرِيَّةَ فَتَعْقُبُهَا جُمْلَةُ الْأَمْرِ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً َذَرُوهَا} وقد لا تعقبها نحو: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ} وقد تصحبه الاستفهامية {يا أبت يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ}

وَقَدْ تَرِدُ صُورَةُ النِّدَاءِ لِغَيْرِهِ مَجَازًا كَالْإِغْرَاءِ وَالتَّحْذِيرِ وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} والاختصاص كقوله: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} والتنبيه كقوله: {أَلاَّ يَسْجُدُوا} والتعجب كقوله: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} والتحسر كقوله: {لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} قَاعِدَةٌ أَصْلُ النِّدَاءِ بِ"يَا"أَنْ تَكُونَ لِلْبَعِيدِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَقَدْ يُنَادَى بِهَا الْقَرِيبُ لِنُكَتٍ: مِنْهَا إِظْهَارُ الْحِرْصِ فِي وُقُوعِهِ عَلَى إِقْبَالِ الْمَدْعُوِّ نَحْوُ: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ} وَمِنْهَا كَوْنُ الْخِطَابِ الْمَتْلُوِّ مُعْتَنًى بِهِ نَحْوُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وَمِنْهَا قَصْدُ تَعْظِيمِ شَأْنِ الْمَدْعُوِّ نَحْوُ: {يَا رَبِّ} وَقَدْ قَالَ تعالى: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} وَمِنْهَا قَصْدُ انْحِطَاطِهِ كَقَوْلِ فِرْعَوْنُ: {إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً}

فَائِدَةٌ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ النِّدَاءُ بِ"يَا أَيُّهَا"دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِ أَوْجُهًا مِنَ التَّأْكِيدِ وَأَسْبَابًا مِنَ الْمُبَالَغَةِ مِنْهَا مَا فِي"يَا"مِنَ التَّأْكِيدِ وَالتَّنْبِيهِ وَمَا فِي "هَا"مِنَ التَّنْبِيهِ وَمَا فِي التَّدَرُّجِ مِنَ الْإِبْهَامِ فِي"أَيُّ"إِلَى التَّوْضِيحِ وَالْمَقَامُ يُنَاسِبُ الْمُبَالَغَةُ وَالتَّأْكِيدُ لِأَنَّ كُلَّ مَا نَادَى لَهُ عِبَادَهُ مِنْ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَعِظَاتِهِ وَزَوَاجِرِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَمِنَ اقْتِصَاصِ أَخْبَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِمَّا أَنْطَقَ اللَّهُ بِهِ كِتَابَهُ أُمُورٌ عِظَامٌ وَخُطُوبٌ جِسَامٌ وَمَعَانٍ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَيَقَّظُوا لَهَا وَيَمِيلُوا بِقُلُوبِهِمْ وَبَصَائِرِهِمْ إِلَيْهَا وَهُمْ غَافِلُونَ فَاقْتَضَى الْحَالُ أَنْ يُنَادَوْا بالآكد الأبلغ. فصل: وَمِنْ أَقْسَامِهِ الْقَسَمُ نَقَلَ الْقَرَافِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ إِنْشَاءٌ وَفَائِدَتُهُ تَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ وَتَحْقِيقُهَا عِنْدَ السَّامِعِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينِ. فَصْلٌ وَمِنْ أَقْسَامِهِ: الشَّرْطُ.

النوع الثامن والخمسون: في بدائع القرآن

النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: فِي بَدَائِعِ الْقُرْآنِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ فَأَوْرَدَ فِيهِ نَحْوَ مِائَةِ نَوْعٍ وَهِيَ الْمَجَازُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَالتَّشْبِيهُ وَالْكِنَايَةُ وَالْإِرْدَافُ وَالتَّمْثِيلُ وَالْإِيجَازُ وَالِاتِّسَاعُ وَالْإِشَارَةُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالْبَسْطُ وَالْإِيغَالُ وَالتَّتْمِيمُ وَالتَّكْمِيلُ وَالِاحْتِرَاسُ وَالِاسْتِقْصَاءُ وَالتَّذْيِيلُ وَالزِّيَادَةُ وَالتَّرْدِيدُ وَالتَّكْرَارُ وَالتَّفْسِيرُ وَالْإِيضَاحُ وَنَفْيُ الشَّيْءِ بِإِيجَابِهِ وَالْمَذْهَبُ الْكَلَامِيُّ وَالْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَالْمُنَاقَضَةُ وَالِانْتِقَالُ وَالْإِسْجَالُ وَالتَّسْلِيمُ وَالتَّمْكِينُ وَالتَّوْشِيحُ وَالتَّسْهِيمُ وَرَدُّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ وَتَشَابُهُ الْأَطْرَافِ وَلُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ والتخيير والتشجيع والتسريع والإيهام وهو التورية والاستخدام والالتفات وَالِاطِّرَادُ وَالِانْسِجَامُ وَالْإِدْمَاجُ وَالِافْتِنَانُ وَالِاقْتِدَارُ وَائْتِلَافُ اللَّفْظِ مَعَ اللَّفْظِ وَائْتِلَافُ اللَّفْظِ مَعَ الْمَعْنَى وَالِاسْتِدْرَاكُ وَالِاسْتِثْنَاءُ والاقتصاص والإبدال وَتَأْكِيدُ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ والتفويت والتغاير والتقسيم والتدبيج والتنكيت والتجريد والتعديد والترتيب والترقي والتدلي والتضمين والجناس والجمع والتفريق والجمع والتقسيم والجمع مع التفريق والتقسيم وَجَمْعُ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ وَحُسْنُ النَّسَقِ وَعِتَابُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ وَالْعَكْسُ وَالْعُنْوَانُ والفرائد والقسم واللف والنشر والمشاكلة والمزاوجة وَالْمُبَالَغَةُ وَالْمُطَابَقَةُ وَالْمُقَابَلَةُ وَالْمُوَارَبَةُ وَالْمُرَاجَعَةُ وَالنَّزَاهَةُ وَالْإِبْدَاعُ وَالْمُقَارَنَةُ وَحَسَنُ الِابْتِدَاءِ وَحَسَنُ الْخِتَامِ وَحُسْنُ التَّخَلُّصِ وَالِاسْتِطْرَادُ فَأَمَّا الْمَجَازُ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى الْإِيضَاحِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي أَنْوَاعٍ مُفْرَدَةٍ

وَبَعْضُهَا فِي نَوْعِ الْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ مَعَ أَنْوَاعٍ أُخَرَ كَالتَّعْرِيضِ وَالِاحْتِبَاكِ وَالِاكْتِفَاءِ وَالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ وَأَمَّا نَفْيُ الشَّيْءِ بِإِيجَابِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَأَمَّا الْمَذْهَبُ الْكَلَامِيُّ وَالْخَمْسَةُ بَعْدَهُ فَسَتَأْتِي فِي نَوْعِ الْجَدَلِ مَعَ أَنْوَاعٍ أُخَرَ مَزِيدَةٍ وَأَمَّا التَّمْكِينُ وَالثَّمَانِيَةُ بَعْدَهُ فَسَتَأْتِي فِي أَنْوَاعِ الْفَوَاصِلِ وَأَمَّا حُسْنُ التَّخَلُّصِ وَالِاسْتِطْرَادِ فَسَيَأْتِيَانِ فِي نَوْعِ الْمُنَاسَبَاتِ وَأَمَّا حُسْنُ الِابْتِدَاءِ وَبَرَاعَةُ الْخِتَامِ فَسَيَأْتِيَانِ فِي نَوْعَيِ الْفَوَاتِحِ وَالْخَوَاتِمِ وَهَا أَنَا أورد الباقي مع زوائد وَنَفَائِسَ لَا تُوجَدُ مَجْمُوعَةً فِي غَيْرِ هَذَا الكتاب. الْإِيهَامُ وَيُدْعَى التَّوْرِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ لَهُ مَعْنَيَانِ إِمَّا بِالِاشْتِرَاكِ أَوِ التَّوَاطُؤِ أَوِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَحَدُهُمَا قَرِيبٌ وَالْآخَرُ بَعِيدٌ وَيُقْصَدُ الْبَعِيدُ وَيُوَرَّى عَنْهُ بِالْقَرِيبِ فَيَتَوَهَّمُهُ السَّامِعُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا تَرَى بَابًا فِي الْبَيَانِ أَدَقَّ وَلَا أَلْطَفَ مِنَ التَّوْرِيَةِ وَلَا أَنْفَعَ وَلَا أَعْوَنَ عَلَى تَعَاطِي تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فَإِنَّ الِاسْتِوَاءَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ الِاسْتِقْرَارُ فِي الْمَكَانِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْقَرِيبُ الْمُوَرَّى بِهِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِتَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْهُ وَالثَّانِي: الِاسْتِيلَاءُ وَالْمُلْكُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْبَعِيدُ الْمَقْصُودُ الَّذِي وَرَّى عَنْهُ بِالْقَرِيبِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى.

وَهَذِهِ التَّوْرِيَةُ تُسَمَّى مُجَرَّدَةً لِأَنَّهَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ لَوَازِمِ الْمُوَرَّى بِهِ وَلَا الْمُوَرَّى عَنْهُ وَمِنْهَا مَا تُسَمَّى مُرَشَّحَةً وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ لَوَازِمَ هَذَا أَوْ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجَارِحَةَ وَهُوَ الْمُوَرَّى بِهِ وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ لَوَازِمِهِ عَلَى جِهَةِ التَّرْشِيحِ الْبُنْيَانُ وَيَحْتَمِلُ الْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ وَهُوَ الْبَعِيدُ الْمَقْصُودُ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ فِي كِتَابِهِ "الْإِعْجَازُ"وَمِنْهَا: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} فَالضَّلَالُ يَحْتَمِلُ الْحُبَّ وَضِدَّ الْهُدَى فَاسْتَعْمَلَ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ ضِدَّ الْهُدَى تَوْرِيَةً عَنِ الْحُبِّ {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالدِّرْعِ فَإِنَّ الْبَدَنَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْجَسَدِ وَالْمُرَادُ البعيد وهو الجسد فقال: ومن ذلك قوله بعد ذِكْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالَ: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} وَلَمَّا كَانَ الْخِطَابُ لِمُوسَى مِنَ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَتَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ الْيَهُودُ وَتَوَجَّهَتِ النَّصَارَى إِلَى الْمَشْرِقِ كَانَتْ قِبْلَةُ الْإِسْلَامِ وَسَطًا بَيْنَ الْقِبْلَتَيْنِ قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أَيْ خِيَارًا وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يُوهِمُ التَّوَسُّطَ مَعَ مَا يُعَضِّدُهُ مِنْ تَوَسُّطِ قِبْلَةِ الْمُسْلِمِينَ صَدَقَ عَلَى لفظة "وسط" ها هنا أَنْ يُسَمِّي تَعَالَى بِهِ لِاحْتِمَالِهَا الْمَعْنَيَيْنِ وَلَمَّا كان المراد أبعدها وَهُوَ الْخِيَارُ صَلُحَتْ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّوْرِيَةِ

قُلْتُ: وَهِيَ مُرَشَّحَةٌ بِلَازِمِ الْمُوَرَّى عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فَإِنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ كَوْنِهِمْ خِيَارًا أَيْ عُدُولًا وَالْإِتْيَانُ قَبْلَهَا مِنْ قِسْمِ الْمُجَرَّدَةِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} فَإِنَّ النَّجْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْكَوْكَبِ وَيُرَشِّحُهُ لَهُ ذِكْرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَعَلَى مَا لَا سَاقَ لَهُ مِنَ النَّبَاتِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْبَعِيدُ لَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْآيَةِ وَنَقَلْتُ مِنْ خَطِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابن حجر أن التَّوْرِيَةِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} فَإِنَّ"كَافَّةً"بِمَعْنَى"مَانِعٍ"أَيْ تَكُفُّهُمْ عَنِ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْهَاءُ للمبالغة وهذا مَعْنًى بَعِيدٌ وَالْمَعْنَى الْقَرِيبُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمُرَادَ جَامِعَةً بِمَعْنَى "جَمِيعًا" لَكِنْ مَنَعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّأْكِيدَ يَتَرَاخَى عَنِ الْمُؤَكَّدِ فَكَمَا لَا تَقُولُ رَأَيْتُ جَمِيعًا النَّاسَ لَا تَقُولُ رَأَيْتُ كَافَّةً الناسَ الِاسْتِخْدَامُ هُوَ وَالتَّوْرِيَةُ أَشْرَفُ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ وَهُمَا سِيَّانِ بَلْ فَضَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا وَلَهُمْ فِيهِ عِبَارَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ فَأَكْثَرُ مُرَادًا بِهِ أَحَدُ مَعَانِيهِ ثُمَّ يُؤْتَى بِضَمِيرِهِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى الْآخَرُ وهذه طريقة السَّكَّاكِيِّ وَأَتْبَاعِهِ وَالْأُخْرَى أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ مُشْتَرَكٍ ثُمَّ بِلَفْظَيْنِ يُفْهَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ وَمِنَ الْآخَرُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ بَدْرِ الدِّينِ بن جماعة فِي الْمِصْبَاحِ وَمَشَى

عَلَيْهَا ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} الْآيَةَ فَلَفْظُ"كِتَابٍ"يَحْتَمِلُ الْأَمَدَ الْمَحْتُومَ وَالْكِتَابَ الْمَكْتُوبَ فَلَفْظُ"أَجْلٍ"يَخْدِمُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَ"يَمْحُو"يَخْدِمُ الثَّانِي وَمَثَّلَ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية فَالصَّلَاةُ تَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فِعْلُهَا وَمَوْضِعُهَا وَقَوْلُهُ: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} يَخْدِمُ الْأَوَّلَ {إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} يَخْدِمُ الثَّانِي قِيلَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى طَرِيقَةِ السَّكَّاكِيِّ قُلْتُ: وَقَدِ اسْتَخْرَجْتُ بِفِكْرِي آيَاتٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} فَأَمْرُ اللَّهِ يُرَادُ بِهِ قِيَامُ السَّاعَةِ وَالْعَذَابُ وَبِعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُرِيدَ بِلَفْظِهِ الْأَخِيرِ كَمَا أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} قَالَ مُحَمَّدٌ وَأُعِيدَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ فِي" تَسْتَعْجِلُوهُ "مُرَادًا بِهِ قِيَامُ السَّاعَةِ وَالْعَذَابُ وَمِنْهَا وَهِيَ أَظْهَرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ آدَمُ ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ مُرَادًا بِهِ ولده فقال: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ثُمَّ قَالَ: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} أَيْ أَشْيَاءُ أُخَرُ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا الصَّحَابَةُ فَنُهُوا عَنْ سؤالها.

الِالْتِفَاتُ نَقْلُ الْكَلَامِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى آخَرَ أَعْنِي مِنَ الْمُتَكَلِّمِ أَوِ الْخِطَابِ أَوِ الْغَيْبَةِ إِلَى آخَرَ مِنْهَا بَعْدَ التَّعْبِيرِ بِالْأَوَّلِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: إِمَّا ذَلِكَ أَوِ التَّعْبِيرُ بِأَحَدِهِمَا فِيمَا حَقُّهُ التَّعْبِيرُ بِغَيْرِهِ وَلَهُ فَوَائِدُ: مِنْهَا تَطْرِيَةُ الْكَلَامِ وَصِيَانَةُ السَّمْعِ عَنِ الضَّجَرِ وَالْمَلَالِ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ حُبِّ التَّنَقُّلَاتِ وَالسَّآمَةِ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ وَهَذِهِ فَائِدَتُهُ الْعَامَّةُ وَيَخْتَصُّ كُلُّ مَوْضِعٍ بِنُكَتٍ وَلِطَائِفَ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ مِثَالُهُ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْخِطَابِ وَوَجْهُهُ حَثُّ السَّامِعِ وَبَعْثُهُ عَلَى الِاسْتِمَاعِ حَيْثُ أَقْبَلَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ فَضْلَ عِنَايَةِ تَخْصِيصٍ بِالْمُوَاجَهَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وَالْأَصْلُ"وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ"فَالْتَفَتَ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْخِطَابِ وَنُكْتَتُهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ فِي مَعْرِضِ مُنَاصَحَتِهِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يُرِيدُ نُصْحَ قَوْمِهِ تَلَطُّفًا وَإِعْلَامًا أَنَّهُ يُرِيدُ لَهُمْ مَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِ فِي مَقَامِ تَخْوِيفِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذَا جَعَلُوا هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الِالْتِفَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ إِذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ نَفْسِهِ فِي كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "تُرْجَعُونَ" الْمُخَاطَبِينَ لَا نَفْسَهُ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَمَا صَحَّ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ لَأَنَّ رُجُوعَ الْعَبْدِ إِلَى مَوْلَاهُ لَيْسَ بِمُسْتَلْزِمٍ أَنْ يُعِيدَهُ غَيْرُ ذَلِكَ الرَّاجِعِ فَالْمَعْنَى: كَيْفَ لَا أَعْبُدُ مَنْ إِلَيْهِ رُجُوعِي وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ"وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ"إِلَى "وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" لِأَنَّهُ

دَاخِلٌ فِيهِمْ وَمَعَ ذَلِكَ أَفَادَ فَائِدَةً حَسَنَةً وَهِيَ تَنْبِيهُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِثْلَهُمْ فِي وُجُوبِ عِبَادَةِ من إليه الرجوع ومن أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ} وَمِثَالُهُ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَوَجْهُهُ أَنْ يَفْهَمَ السَّامِعُ أَنَّ هَذَا نَمَطُ الْمُتَكَلِّمِ وَقَصْدُهُ مِنَ السَّامِعِ حَضَرَ أَوْ غَابَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مِمَّنْ يَتَلَوَّنُ وَيَتَوَجَّهُ وَيُبْدِي فِي الْغَيْبَةِ خِلَافَ مَا يُبْدِيهِ فِي الْحُضُورِ- قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} وَالْأَصْلُ"لِنَغْفِرَ لَكَ" {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ} وَالْأَصْلُ"لَنَا" {أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} وَالْأَصْلُ"مِنَّا" {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وَالْأَصْلُ"وَبِي"وَعَدَلَ عَنْهُ لِنُكْتَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا دَفْعُ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَصَبِيَّةِ لَهَا وَالْأُخْرَى تَنْبِيهُهُمْ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الِاتِّبَاعَ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَالْخَصَائِصِ الْمَتْلُوَّةِ وَمِثَالُهُ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى التَّكَلُّمِ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} ثُمَّ قَالَ {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا} وَهَذَا الْمِثَالُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ شَرْطَ الِالْتِفَاتِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ وَاحِدًا وَمِثَالُهُ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} وَالْأَصْلُ"بِكُمْ"وَنُكْتَةُ الْعُدُولِ عَنْ خِطَابِهِمْ إِلَى حِكَايَةِ حَالِهِمْ لِغَيْرِهِمْ التَّعَجُّبُ

مِنْ كُفْرِهِمْ وَفِعْلِهِمْ إِذْ لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى خِطَابِهِمْ لَفَاتَتْ تِلْكَ الْفَائِدَةُ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْخِطَابَ أَوَّلًا كَانَ مَعَ النَّاسِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ بِدَلِيلِ {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فَلَوْ كَانَ"وَجَرَيْنَ بِكُمْ"لَلَزِمَ الذَّمُّ لِلْجَمِيعِ فَالْتَفَتَ عَنِ الْأَوَّلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَأْنُهُمْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمْ فِي آخِرِ الْآيَةِ عُدُولًا مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ إِلَى الْخَاصِّ قُلْتُ: وَرَأَيْتُ عن بعض السلف في توجهه عَكْسَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْخِطَابَ أَوَّلُهُ خَاصٌّ وآخره عام فأخرجه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} قَالَ: ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ وَجَرَيْنَ بِكُمْ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْمَعَهُمْ وَغَيْرَهُمْ وَجَرَيْنَ بِهَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْخُلُقِ هَذِهِ عِبَارَتُهُ فَلِلَّهِ دَرُّ السَّلَفِ مَا كَانَ أَوْقَفَهُمْ عَلَى الْمَعَانِي اللَّطِيفَةِ الَّتِي يَدْأَبُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهَا زَمَانًا طَوِيلًا وَيَفْنُونَ فِيهَا أَعْمَارَهُمْ ثُمَّ غَايَتُهُمْ أَنْ يحرموا حَوْلَ الْحِمَى وَمِمَّا ذُكِرَ فِي تَوْجِيهِهِ أَيْضًا أَنَّهُمْ وَقْتَ الرُّكُوبِ حضروا لأنهم خَافُوا الْهَلَاكَ وَغَلَبَةَ الرِّيَاحِ فَخَاطَبَهُمْ خِطَابَ الْحَاضِرِينَ ثُمَّ لَمَّا جَرَتِ الرِّيَاحُ بِمَا تَشْتَهِي السُّفُنُ وَأَمِنُوا الْهَلَاكَ لَمْ يَبْقَ حُضُورُهُمْ كَمَا كَانَ عَلَى عَادَةِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ إذا أمن غالب قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ فَلَمَّا غَابُوا ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِصِيغَةِ الْغَيْبَةِ وَهَذِهِ إِشَارَةٌ صُوفِيَّةٌ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ} وَالْأَصْلُ"عَلَيْكُمْ"ثُمَّ قَالَ: {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فَكَرَّرَ الِالْتِفَاتَ

وَمِثَالُهُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ} {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا} {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} ثُمَّ الْتَفَتَ ثَانِيًا إِلَى الْغَيْبَةِ فَقَالَ: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَعَلَى قِرَاءَةِ الْحَسَنِ"لِيُرِيَهُ"بِالْغِيبَةِ يَكُونُ الْتِفَاتًا ثَانِيًا مَنْ"بَارَكْنَا"وَفِي"آيَاتِنَا"الْتِفَاتٌ ثَالِثٌ وَفِي"إِنَّهُ"الْتِفَاتٌ رَابِعٌ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفَائِدَتُهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَمْثَالِهَا التَّنْبِيهُ عَلَى التَّخْصِيصِ بِالْقُدْرَةِ وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ أَحَدٍ وَمِثَالُهُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} وَمِنْ مَحَاسِنِهِ مَا وَقَعَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا ذكر الله تعالى وحده ثم ذكر صفاته التي كُلَّ صِفَةٍ مِنْهَا تَبْعَثُ عَلَى شِدَّةِ الْإِقْبَالِ وَآخِرُهَا {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الْمُفِيدُ أَنَّهُ مَالِكُ الْأَمْرِ كُلِّهِ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ حَامِلًا لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عَلَى خِطَابِ مَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ بِتَخْصِيصِهِ بِغَايَةِ الْخُضُوعِ وَالِاسْتِعَانَةِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيلَ إِنَّمَا اخْتِيرَ لَفْظُ الْغِيبَةِ لِلْحَمْدِ وَلِلْعِبَادَةِ الْخِطَابُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْحَمْدَ دُونَ الْعِبَادَةِ فِي الرُّتْبَةِ لِأَنَّكَ تَحْمَدُ نظيرك وَلَا تَعْبُدُهُ فَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ "الْحَمْدِ"

مَعَ الْغَيْبَةِ وَلَفْظَ الْعِبَادَةِ مَعَ الْخِطَابِ لِيَنْسِبَ إِلَى الْعَظِيمِ حَالَ الْمُخَاطَبَةِ وَالْمُوَاجِهَةِ مَا هُوَ أَعْلَى رُتْبَةً وَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّأَدُّبِ وَعَلَى نَحْوٍ مَنْ ذَلِكَ جَاءَ آخِرُ السُّورَةِ فَقَالَ: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} مُصَرِّحًا بِذِكْرِ الْمُنْعِمِ وَإِسْنَادِ الْإِنْعَامِ إِلَيْهِ لَفْظًا وَلَمْ يُقَلْ: "صِرَاطَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ" فَلَمَّا صَارَ إلى ذكر الغضب روى عَنْهُ لَفْظَهُ فَلَمْ يَنْسِبْهُ إِلَيْهِ لَفْظًا وَجَاءَ بِاللَّفْظِ مُنْحَرِفًا عَنْ ذِكْرِ الْغَاضِبِ فَلَمْ يَقُلْ: "غَيْرِ الَّذِينَ غَضِبْتَ عَلَيْهِمْ"تَفَادِيًا عَنْ نِسْبَةِ الْغَضَبِ إِلَيْهِ فِي اللَّفْظِ حَالَ الْمُوَاجَهَةِ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْحَقِيقَ بِالْحَمْدِ وَأَجْرَى عَلَيْهِ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةَ مِنْ كَوْنِهِ رَبًّا لِلْعَالِمِينَ وَرَحْمَانًا وَرَحِيمًا وَمَالِكًا لِيَوْمِ الدِّينِ تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِمَعْلُومٍ عَظِيمِ الشَّأْنِ حَقِيقٍ بِأَنْ يَكُونَ مَعْبُودًا دُونَ غَيْرِهِ مُسْتَعَانًا بِهِ فَخُوطِبَ بِذَلِكَ لِتَمَيُّزِهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ: "إِيَّاكَ يَا مَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ نَخُصُّ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ لَا غَيْرَكَ" قِيلَ: ومن لطائفه التنبيه على أَنَّ مُبْتَدَأَ الْخَلْقِ الْغَيْبَةُ مِنْهُمْ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقُصُورُهُمْ عَنْ مُحَاضَرَتِهِ وَمُخَاطَبَتِهِ وَقَيَامُ حِجَابِ الْعَظَمَةِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا عَرَفُوهُ بِمَا هُوَ له وَتَوَسَّلُوا لِلْقُرْبِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَأَقَرُّوا بِالْمَحَامِدِ لَهُ وتعبدوا له بما يليق بهم تأهلوا لمخاطباته وَمُنَاجَاتِهِ فَقَالُوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تَنْبِيهَاتٌ الأول: شرط الالتفات أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي الْمُنْتَقِلِ إِلَيْهِ عَائِدًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلى المنتقل عنه وَإِلَّا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي"أَنْتَ صَدِيقِي"التفات الْتِفَاتٌ الثَّانِي: شَرْطُهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَتَيْنِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَغَيْرُهُ وَإِلَّا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ نَوْعًا غَرِيبًا.

الثَّالِثُ: ذَكَرَ التَّنُوخِيُّ فِي"الْأَقْصَى الْقَرِيبُ"وَابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُمَا نَوْعًا غَرِيبًا مِنَ الِالْتِفَاتِ وَهُوَ بِنَاءُ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ بَعْدَ خِطَابِ فَاعِلِهِ أَوْ تَكَلُّمِهِ كَقَوْلِهِ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} بَعْدَ {أَنْعَمْتَ} فَإِنَّ الْمَعْنَى: "غَيْرِ الَّذِينَ غَضِبْتَ عَلَيْهِمْ" وَتَوَقَّفَ فِيهِ صَاحِبُ عَرُوسُ الْأَفْرَاحِ الرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الِالْتِفَاتِ قِسْمٌ غَرِيبٌ جِدًّا لَمْ أَظْفَرْ فِي الشِّعْرِ بِمِثَالِهِ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُتَكَلِّمُ فِي كَلَامِهِ مذكورين مرتيين ثُمَّ يُخْبِرُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَنْصَرِفُ عَنِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنِ الثَّانِي: ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} انْصَرَفَ عَنِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ مُنْصَرِفًا عَنِ الْإِخْبَارِ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى إِلَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْإِنْسَانِ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} قَالَ وَهَذَا يَحْسُنُ أَنْ يُسَمَّى الْتِفَاتَ الضَّمَائِرِ الْخَامِسُ: يَقْرُبُ مِنَ الِالْتِفَاتِ نَقْلُ الْكَلَامِ مِنْ خِطَابِ الْوَاحِدِ أَوِ الِاثْنَيْنِ أَوِ الْجَمْعِ لِخِطَابِ الْآخَرِ ذَكَرَهُ التَّنُوخِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَهُوَ سِتَّةُ أَقْسَامٍ: أَيْضًا مِثَالُهُ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الِاثْنَيْنِ: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} وإلى الجمع {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} وَمِنَ الِاثْنَيْنِ إِلَى الْوَاحِدِ {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}

وَإِلَى الْجَمْعِ {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} وَمِنَ الْجَمْعِ إِلَى الْوَاحِدِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وإلى الاثنين {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} السَّادِسُ: وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَيْضًا- الِانْتِقَالُ مِنَ الْمَاضِي أَوِ الْمُضَارِعِ أَوِ الْأَمْرِ إِلَى آخَرَ مِثَالُهُ مِنَ الماضي إلى المضارع {رْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ} {خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وَإِلَى الْأَمْرِ {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ} {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا} وَمِنَ الْمُضَارِعِ إِلَى الْمَاضِي {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ} وَإِلَى الْأَمْرِ {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ} وَمِنَ الْأَمْرِ إِلَى الْمَاضِي {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا} وَإِلَى الْمُضَارِعِ {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}

الِاطِّرَادُ هُوَ أَنْ يَذْكُرَ الْمُتَكَلِّمُ أَسْمَاءَ آبَاءِ الْمَمْدُوحِ مُرَتَّبَةً عَلَى حُكْمِ تَرْتِيبِهَا فِي الْوِلَادَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: وَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَأْلُوفِ فَإِنَّ الْعَادَةَ الِابْتِدَاءُ بِالْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْجَدِّ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هُنَا مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْآبَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمْ لِيَذْكُرَ مِلَّتَهُمُ الَّتِي اتَّبَعَهَا فَبَدَأَ بِصَاحِبِ الْمِلَّةِ ثُمَّ بِمَنْ أَخَذَهَا عَنْهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا عَلَى التَّرْتِيبِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} الانسجام هو أن يكون الكلام لخلوه من العقادة منحدرا كَتَحَدُّرِ الْمَاءِ الْمُنْسَجِمِ وَيَكَادُ لِسُهُولَةِ تَرْكِيبِهِ وَعُذُوبَةِ ألفاظه أن يسيل رِقَّةً وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ كَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْبَدِيعِ: وَإِذَا قَوِيَ الِانْسِجَامُ فِي النَّثْرِ جَاءَتْ قِرَاءَتُهُ مَوْزُونَةً بِلَا قَصْدٍ لِقُوَّةِ انْسِجَامِهِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مَوْزُونًا فَمِنْهُ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وَمِنَ الْمَدِيدِ: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} وَمِنَ الْبَسِيطِ: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}

وَمِنَ الْوَافِرِ: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} وَمِنَ الْكَامِلِ: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وَمِنَ الْهَزَجِ: {فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً} وَمِنَ الرَّجَزِ: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} وَمِنَ الرَّمَلِ: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} وَمِنَ السَّرِيعِ: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} وَمِنَ الْمُنْسَرِحِ: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} وَمِنَ الْخَفِيفِ: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} وَمِنَ الْمُضَارِعِ: {يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} وَمِنَ الْمُقْتَضَبِ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وَمِنَ الْمُجْتَثِّ: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وَمِنَ الْمُتَقَارِبِ: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}

الإدماج قال ابن الْإِصْبَعِ هُوَ أَنْ يُدْمِجَ الْمُتَكَلِّمُ غَرَضًا فِي غَرَضٍ أَوْ بَدِيعًا فِي بَدِيعٍ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ فِي الْكَلَامِ إِلَّا أَحَدُ الْغَرَضَيْنِ أَوْ أَحَدُ الْبَدِيعَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ} أُدْمِجَتِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمُطَابَقَةِ لِأَنَّ انفراده بِالْحَمْدِ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يُحْمَدُ فِيهِ سِوَاهُ- مبالغة في الوصف بِالِانْفِرَادِ بِالْحَمْدِ وَهُوَ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ فِي الظَّاهِرِ فَالْأَمْرُ فِيهِ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاطِنِ فَإِنَّهُ رَبُّ الْحَمْدِ وَالْمُنْفَرِدُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ انْتَهَى قُلْتُ: وَالْأَوْلَى أَنَّ يُقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّهَا مِنْ إِدْمَاجِ غَرَضٍ فِي غَرَضٍ فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا تَفْرُّدُهُ تَعَالَى بِوَصْفِ الْحَمْدِ وَأَدْمَجَ فِيهِ الْإِشَارَةَ إلى البعث والجزاء. الافتان هُوَ الْإِتْيَانُ فِي كَلَامٍ بِفَنَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْفَخْرِ وَالتَّعْزِيَةِ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} فَإِنَّهُ تَعَالَى عَزَّى جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ مَا هُوَ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ وَتَمَدَّحَ بِالْبَقَاءِ بَعْدَ فَنَاءٍ الْمَوْجُودَاتِ فِي عَشْرِ لَفْظَاتٍ مَعَ وَصْفِهِ ذَاتَهُ بَعْدَ- انْفِرَادِهِ بِالْبَقَاءِ- بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! وَمِنْهُ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} الْآيَةَ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ هَنَاءٍ وَعَزَاءٍ.

الِاقْتِدَارُ هُوَ أَنْ يُبْرِزَ الْمُتَكَلِّمُ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ فِي عِدَّةِ صُوَرٍ اقْتِدَارًا مِنْهُ عَلَى نَظْمِ الْكَلَامِ وتركيبه وعلى صِيَاغَةِ قَوَالِبِ الْمَعَانِي وَالْأَغْرَاضِ فَتَارَةً يَأْتِي بِهِ فِي لَفْظِ الِاسْتِعَارَةِ وَتَارَةً فِي صُورَةِ الْإِرْدَافِ وَحِينًا فِي مَخْرِجِ الْإِيجَازِ وَمَرَّةً فِي قَالَبِ الْحَقِيقَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَعَلَى هَذَا أَتَتْ جَمِيعُ قَصَصِ الْقُرْآنِ فَإِنَّكَ تَرَى الْقِصَّةَ الْوَاحِدَةَ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ مَعَانِيهَا تَأْتِي فِي صور مُخْتَلِفَةٍ وَقَوَالِبَ مِنَ الْأَلْفَاظِ مُتَعَدِّدَةٍ حَتَّى لَا تَكَادَ تَشْتَبِهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَجِدَ الْفَرْقَ بَيْنَ صُوَرِهَا ظَاهِرًا. ائْتِلَافُ اللَّفْظِ مَعَ اللَّفْظِ وَائْتِلَافُهُ مَعَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ يُلَائِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِأَنْ يقرن الْغَرِيبُ بِمِثْلِهِ وَالْمُتَدَاوَلُ بِمِثْلِهِ رِعَايَةً لِحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْمُنَاسَبَةِ وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ أَلْفَاظُ الْكَلَامِ مُلَائِمَةً لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ فَإِنْ كَانَ فَخْمًا كَانَتْ أَلْفَاظُهُ فَخْمَةً أَوْ جَزْلًا فَجَزْلَةً أَوْ غَرِيبًا فَغَرِيبَةً أَوْ مُتَدَاوَلًا فَمُتَدَاوَلَةً أَوْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْغَرَابَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَكَذَلِكَ فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} أَتَى بِأَغْرَبِ أَلْفَاظِ الْقَسَمِ وَهِيَ التَّاءُ فَإِنَّهَا أَقَلُّ اسْتِعْمَالًا وَأَبْعَدُ مِنْ أَفْهَامِ الْعَامَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الباء والواو وَبِأَغْرَبِ صِيَغِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَرْفَعُ الْأَسْمَاءَ وَتَنْصِبُ الْأَخْبَارَ فَإِنَّ"تَزَالُ"أَقْرَبُ إِلَى الْأَفْهَامِ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنْهَا وَبِأَغْرَبِ أَلْفَاظِ الْهَلَاكِ وَهُوَ الْحَرَضُ فَاقْتَضَى حُسْنُ الْوَضْعِ فِي النظم أن تجاوز كُلُّ لَفْظَةٍ

بِلَفْظَةٍ مِنْ جِنْسِهَا فِي الْغَرَابَةِ تَوَخِّيًا لِحُسْنِ الجوار ورغبة فِي ائْتِلَافِ الْمَعَانِي بِالْأَلْفَاظِ وَلِتَتَعَادَلَ الْأَلْفَاظُ فِي الْوَضْعِ وَتَتَنَاسَبُ فِي النَّظْمِ وَلَمَّا أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} فَأَتَى بِجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ مُتَدَاوَلَةً لَا غَرَابَةَ فِيهَا وَمِنَ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} لَمَّا كَانَ الرُّكُونُ إِلَى الظَّالِمِ وَهُوَ الْمَيْلُ إِلَيْهِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ دُونَ مُشَارَكَتِهِ فِي الظُّلْمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعِقَابُ عَلَيْهِ دُونَ الْعِقَابِ عَلَى الظُّلْمِ فَأَتَى بِلَفْظِ"الْمَسِّ"الَّذِي هُوَ دُونَ الْإِحْرَاقِ وَالِاصْطِلَاءِ وَقَوْلُهُ: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} أَتَى بِلَفْظِ"الِاكْتِسَابِ"الْمُشْعِرِ بِالْكُلْفَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي جَانِبِ السَّيِّئَةِ لِثِقَلِهَا وَكَذَا قَوْلُهُ: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا} فهو أَبْلَغُ مِنْ كُبُّوا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أنهم يكبون كَبًّا عَنِيفًا فَظِيعًا {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ} فإنه أبلغ من"يَصْرُخُونَ"لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ صُرَاخًا مُنْكَرًا خَارِجًا عَنِ الْحَدِّ الْمُعْتَادِ {أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ"قَادِرٍ"لِلْإِشَارَةِ إِلَى زِيَادَةِ التَّمَكُّنِ فِي الْقُدْرَةِ وَأَنَّهُ لَا رَادَّ لَهُ وَلَا معقب ومثل ذلك {وَاصْطَبِرْ} فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ"اصْبِرْ"وَ"الرَّحْمَنِ"

فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنَ"الرَّحِيمِ": فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِاللُّطْفِ وَالرِّفْقِ كَمَا أَنَّ الرحمن مشعر بِالْفَخَامَةِ وَالْعَظَمَةِ وَمِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ سقى وأسقى فَإِنَّ"سَقَى"لِمَا لَا كُلْفَةَ مَعَهُ فِي السُّقْيَا وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ تَعَالَى فِي شَرَابِ الْجَنَّةِ فَقَالَ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} وَ "أَسْقَى" لِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ فِي شَرَابِ الدُّنْيَا فَقَالَ: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً} {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} لِأَنَّ السُّقْيَا فِي الدُّنْيَا لَا تَخْلُو مِنَ الْكُلْفَةِ أَبَدًا الِاسْتِدْرَاكُ وَالِاسْتِثْنَاءُ شَرْطُ كَوْنِهِمَا مِنَ الْبَدِيعِ أَنْ يَتَضَمَّنَا ضَرْبًا مِنَ الْمَحَاسِنِ زَائِدًا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مِثَالُ الِاسْتِدْرَاكِ: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فَإِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ تُؤْمِنُوا لَكَانَ مُنَفِّرًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ إِيمَانًا فَأَوْجَبَتِ الْبَلَاغَةُ ذِكْرَ الِاسْتِدْرَاكِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْإِيمَانَ موافقة القلب اللسان وإن انفرد اللِّسَانِ بِذَلِكَ يُسَمَّى إِسْلَامًا وَلَا يُسَمَّى إِيمَانًا وَزَادَ ذَلِكَ إِيضَاحًا بِقَوْلِهِ: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} فَلَمَّا تَضَمَّنَ الِاسْتِدْرَاكُ إِيضَاحَ مَا عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ مِنَ الْإِشْكَالِ عُدَّ مِنَ الْمَحَاسِنِ وَمِثَالُ الِاسْتِثْنَاءِ: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} فَإِنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ يُمَهِّدُ عُذْرَ نُوحٍ فِي دُعَائِهِ عَلَى قَوْمِهِ بِدَعْوَةٍ

أَهْلَكَتْهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ إِذْ لَوْ قِيلَ: "فَلَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا"لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنَ التَّهْوِيلِ مَا فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ لَفْظَ"الألف"في الْأَوَّلِ أَوَّلُ مَا يَطْرُقُ السَّمْعُ فيشتغل بِهَا عَنْ سَمَاعِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ وَإِذَا جَاءَ الِاسْتِثْنَاءُ لَمْ يَبْقَ له بعدما تَقَدَّمَهُ وَقْعٌ يُزِيلُ مَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ ذِكْرِ الْأَلْفِ الِاقْتِصَاصُ ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كل كَلَامٌ فِي سُورَةٍ مُقْتَصًّا مِنْ كَلَامٍ فِي سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ فِي تِلْكَ السُّورَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} والآخرة دَارُ ثَوَابٍ لَا عَمَلَ فِيهَا فَهَذَا مُقْتَصٌّ من قوله: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} وَمِنْهُ: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} مأخوذ مِنْ قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} وقوله: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} مُقْتَصٌّ مِنْ أَرْبَعِ آيَاتٍ لِأَنَّ الْأَشْهَادَ أَرْبَعَةٌ: الْمَلَائِكَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} وَالْأَنْبِيَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وَالْأَعْضَاءُ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} الآية

وقوله: {يَوْمَ التَّنَادِ} قُرِئَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا فَالْأَوَّلُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} وَالثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} الْإِبْدَالُ هُوَ إِقَامَةُ بَعْضِ الْحُرُوفِ مَقَامَ بَعْضٍ وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ فَارِسٍ {فَانْفَلَقَ} أَيِ انْفَرَقَ وَلِهَذَا قال: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ} فَالرَّاءُ وَاللَّامُ مُتَعَاقِبَتَانِ وَعَنِ الْخَلِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} أَنَّهُ أُرِيدَ"فَحَاسُوا" فَجَاءَتِ الْجِيمُ مَقَامَ الْحَاءِ وَقَدْ قُرِئَ بِالْحَاءِ أَيْضًا وَجَعَلَ مِنْهُ الْفَارِسِيُّ: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} أَيِ الْخَيْلَ وَجَعَلَ مِنْهُ أَبُو عبيدة {لَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} أَيْ تَصْدِدَةً تَأْكِيدُ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: هُوَ فِي غَايَةِ الْعِزَّةِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ مِنْهُ إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً وَهِيَ قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ الْخَارِجِ مَخْرَجَ التَّوْبِيخِ عَلَى مَا عَابُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْإِيمَانِ يُوهِمُ أَنَّ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِمَّا يُوجِبُ أَنْ يُنْقَمَ عَلَى فَاعِلِهِ مِمَّا

يُذَمُّ بِهِ فَلَمَّا أَتَى بَعْدَ الاستثناء ما يُوجِبُ مَدْحَ فَاعِلِهِ كَانَ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا تَأْكِيدَ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ قُلْتُ: وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ: {وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} فَإِنَّ ظَاهِرَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ مَا بَعْدَهُ حَقٌّ يَقْتَضِي الْإِخْرَاجَ فَلَمَّا كَانَ صِفَةَ مَدْحٍ يَقْتَضِي الْإِكْرَامَ لَا الْإِخْرَاجَ كَانَ تَأْكِيدًا لِلْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ وَجَعَلَ مِنْهُ التَّنُوخِيُّ فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً} اسْتَثْنَى"سَلَامًا سَلَامًا"الَّذِي هُوَ ضِدُّ اللَّغْوِ وَالتَّأْثِيمِ فَكَانَ ذَلِكَ مُؤَكِّدًا لِانْتِفَاءِ اللَّغْوِ وَالتَّأْثِيمِ انْتَهَى التَّفْوِيتُ هُوَ إِتْيَانُ الْمُتَكَلِّمِ بِمَعَانٍ شَتَّى مِنَ الْمَدْحِ وَالْوَصْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفُنُونِ كُلُّ فَنٍّ فِي جُمْلَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ أُخْتِهَا مَعَ تَسَاوِي الْجُمَلِ فِي الزِّنَةِ وَتَكُونُ فِي الْجُمَلِ الطَّوِيلَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ وَالْقَصِيرَةِ فَمِنَ الطَّوِيلَةِ {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} وَمِنَ الْمُتَوَسِّطَةِ {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}

قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَلَمْ يَأْتِ الْمُرَكَّبُ مِنَ الْقَصِيرَةِ فِي القرآن التَّقْسِيمُ هُوَ اسْتِيفَاءُ أَقْسَامِ الشَّيْءِ الْمَوْجُودَةِ لَا الْمُمْكِنَةِ عَقْلًا نَحْوُ: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} إِذْ لَيْسَ فِي رُؤْيَةِ الْبَرْقِ إِلَّا الْخَوْفُ مِنَ الصَّوَاعِقِ وَالطَّمَعُ فِي الْأَمْطَارِ وَلَا ثَالِثَ لِهَذَيْنَ الْقِسْمَيْنِ وَقَوْلُهُ: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} فَإِنَّ الْعَالَمَ لَا يَخْلُو مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثلَاثَةِ إِمَّا عَاصٍ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَإِمَّا سَابِقٌ مُبَادِرٌ للخيرات وَإِمَّا مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا مُقْتَصِدٌ فِيهَا وَنَظِيرُهَا {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} اسْتَوْفَى أَقْسَامَ الزَّمَانِ وَلَا رَابِعَ لهما وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} ستوفى أَقْسَامَ الْخَلْقِ فِي الْمَشْيِ وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} استوفى جميع هيآت الذَّاكِرِ

وَقَوْلُهُ: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يشاء عقيما} اسْتَوْفَى جَمِيعَ أَحْوَالِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلَا خَامِسَ لَهَا التَّدْبِيجُ هُوَ أَنْ يَذْكُرَ الْمُتَكَلِّمَ أَلْوَانًا يَقْصِدُ التَّوْرِيَةَ بِهَا وَالْكِنَايَةَ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} قَالَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْكِنَايَةُ عَنِ الْمُشْتَبَهِ وَالْوَاضِحِ مِنَ الطُّرُقِ لِأَنَّ الْجَادَّةَ الْبَيْضَاءَ هِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي كَثُرَ السُّلُوكُ عَلَيْهَا جِدًّا وَهِيَ أَوْضَحُ الطُّرُقِ وَأَبْيَنُهَا وَدُونَهَا الْحَمْرَاءُ وَدُونَ الْحَمْرَاءِ السَّوْدَاءُ كَأَنَّهَا فِي الْخَفَاءِ وَالِالْتِبَاسِ ضِدَّ الْبَيْضَاءِ فِي الظُّهُورِ وَالْوُضُوحِ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْوَانُ الثَّلَاثَةُ فِي الظُّهُورِ لِلْعَيْنِ طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةً فَالطَّرَفُ الْأَعْلَى فِي الظُّهُورِ الْبَيَاضُ وَالطَّرْفُ الْأَدْنَى فِي الْخَفَاءِ السَّوَادُ وَالْأَحْمَرُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَضْعِ الْأَلْوَانِ فِي التَّرْكِيبِ وَكَانَتْ أَلْوَانُ الْجِبَالِ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَلْوَانِ الثَّلَاثَةِ وَالْهِدَايَةُ بِكُلِّ عَلَمٍ نُصِبَ لِلْهِدَايَةِ مُنْقَسِمَةٌ هَذِهِ الْقِسْمَةَ أَتَتِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مُنْقَسِمَةً كَذَلِكَ فَحَصَلَ فِيهَا التَّدْبِيجُ وصحة التقسيم. التَّنْكِيتُ هُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمُ إِلَى شَيْءٍ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَسُدُّ مَسَدَّهُ لِأَجْلِ نُكْتَةٍ فِي الْمَذْكُورِ تُرَجِّحُ مَجِيئَهُ عَلَى سِوَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ

الشِّعْرَى} خَصَّ الشِّعْرَى بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النُّجُومِ وَهُوَ تَعَالَى رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَ ظَهَرَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي كَبْشَةَ عَبَدَ الشِّعْرَى وَدَعَا خَلْقًا إِلَى عِبَادَتِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} الَّتِي ادُّعِيَتْ فِيهَا الرُّبُوبِيَّةُ التَّجْرِيدُ هُوَ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْ أَمْرٍ ذِي صِفَةٍ آخَرُ مِثْلُهُ مُبَالَغَةً فِي كَمَالِهَا فِيهِ نَحْوُ"لِي مِنْ فُلَانٍ صِدِّيقٍ حَمِيمٍ" جَرَّدَ مِنَ الرَّجُلِ الصِّدِّيقِ آخَرَ مِثْلَهُ متصف بصفة الصداقة ونحو مررت بِالرَّجُلِ الْكَرِيمِ وَالنَّسَمَةِ الْمُبَارَكَةِ جَرَّدُوا مِنَ الرَّجُلِ الْكَرِيمِ آخَرَ مِثْلَهُ مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الْبَرَكَةِ وَعَطَفُوهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ غَيْرُهُ وَهُوَ هُوَ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا دَارُ خُلْدٍ وَغَيْرُ دَارِ خُلْدٍ بَلْ هِيَ نَفْسُهَا دَارُ الْخُلْدِ فَكَأَنَّهُ جَرَّدَ مِنَ الدَّارِ دَارًا ذَكَرَهُ في"لمحتسب"جعل مِنْهُ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَيِّتِ النُّطْفَةُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى حَصَلَتْ مِنْهَا وَرْدَةٌ قَالَ وَهُوَ مِنَ التَّجْرِيدِ وَقُرِئَ أيضا {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} قَالَ ابْنُ جِنِّي هَذَا هُوَ التَّجْرِيدُ وَذَلِكَ أَنَّهُ"يُرِيدُ وَهَبْ لِي مِنْ

لدنك وليا يرثني منه وَارِثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ"وَهُوَ الْوَارِثُ نَفْسُهُ فَكَأَنَّهُ جَرَّدَ مِنْهُ وارثا التَّعْدِيدُ هُوَ إِيقَاعُ الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ عَلَى سِيَاقٍ وَاحِدٍ وَأَكْثَرُ مَا يُوجَدُ فِي الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} وَقَوْلُهُ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} الْآيَةَ وقوله: {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ} الآية. التَّرْتِيبُ هُوَ أَنْ يُورِدَ أَوْصَافَ الْمَوْصُوفِ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْخِلْقَةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَلَا يُدْخِلَ فِيهَا وَصْفًا زَائِدًا وَمَثَّلَهُ عَبْدُ الْبَاقِي الْيَمَنِيُّ بِقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً} وبقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} الْآيَةَ

التَّرَقِّي وَالتَّدَلِّي تَقَدَّمَا فِي نَوْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ التضمين يطلق على أشياء: أحدهما: إِيقَاعُ لَفْظٍ مَوْقِعَ غَيْرِهِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَاهُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمَجَازِ تقدم"الكلام" فِيهِ. الثَّانِي: حُصُولُ مَعْنًى فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لَهُ بِاسْمٍ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْإِيجَازِ تَقَدَّمَ أَيْضًا الثَّالِثُ: تَعَلُّقُ مَا بَعْدَ الْفَاصِلَةِ بِهَا وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي نَوْعِ الْفَوَاصِلِ. الرَّابِعُ: إِدْرَاجُ كَلَامِ الْغَيْرِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ الْمَعْنَى، أَوْ تَرْتِيبِ النَّظْمِ وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الْبَدِيعِيُّ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: وَلَمْ أَظْفَرْ فِي الْقُرْآنِ بِشَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ تَضَمَّنَا فَصْلَيْنِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَوْلِهِ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الْآيَةَ وَمَثَّلَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَغَيْرُهُ بِإِيدَاعِ حِكَايَاتِ الْمَخْلُوقِينَ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْمَلَائِكَةِ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} ، وَعَنِ الْمُنَافِقِينَ:

{أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} ، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ} ، {وَقَالَتِ النَّصَارَى} قَالَ وَكَذَلِكَ مَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنَ اللُّغَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ الْجِنَاسُ هُوَ تَشَابُهُ اللَّفْظَيْنِ فِي اللَّفْظِ قَالَ فِي كَنْزِ الْبَرَاعَةِ: وَفَائِدَتُهُ الْمَيْلُ إِلَى الْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ فَإِنَّ مُنَاسَبَةَ الْأَلْفَاظِ تُحْدِثُ مَيْلًا وَإِصْغَاءً إِلَيْهَا وَلِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ إِذَا حُمِلَ عَلَى مَعْنًى ثُمَّ جَاءَ وَالْمُرَادُ بِهِ آخَرُ كَانَ لِلنَّفْسِ تَشَوُّقٌ إِلَيْهِ وَأَنْوَاعُ الْجِنَاسِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا التام: بأن يتفقا في أنواع الحروف وأعدادها وهيآتها كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} وقيل: وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ سِوَاهُ وَاسْتَنْبَطَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ مَوْضِعًا آخَرَ وَهُوَ {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الْآيَةِ الْأُولَى مِنَ الْجِنَاسُ، وَقَالَ السَّاعَةُ: فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَالتَّجْنِيسُ: أَنْ يَتَّفِقَ الْلَّفْظُ وَيَخْتَلِفَ الْمَعْنَى وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا حَقِيقَةً وَالْآخِرُ مَجَازًا، بل يكونان حَقِيقَتَيْنِ، وَزَمَانُ الْقِيَامَةِ وَإِنْ طَالَ لَكِنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي حُكْمِ السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِطْلَاقُ السَّاعَةِ عَلَى القيام مَجَازٌ وَعَلَى الْآخِرَةِ حَقِيقَةٌ وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ الْكَلَامُ عَنِ التَّجْنِيسِ كَمَا لَوْ قُلْتُ: " رَكِبْتُ حِمَارًا وَلَقِيتُ حِمَارًا"تَعْنِي بَلِيدًا.

وَمِنْهَا الْمُصَحَّفُ: وَيُسَمَّى جِنَاسَ الْخَطِّ بِأَنْ تَخْتَلِفَ الْحُرُوفُ فِي النَّقْطِ كَقَوْلِهِ: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} وَمِنْهَا الْمُحَرَّفُ: بِأَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحَرَكَاتِ كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} وَقَدِ اجْتَمَعَ التَّصْحِيفُ وَالتَّحْرِيفُ فِي قَوْلِهِ: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} وَمِنْهَا النَّاقِصُ بِأَنْ يَخْتَلِفَ فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَرْفُ الْمَزِيدُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا أَوْ آخِرًا كَقَوْلِهِ: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمِنْهَا الْمُذَيَّلُ: بِأَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ حَرْفٍ فِي الْآخِرِ أَوِ الْأَوَّلِ وَسَمَّى بَعْضُهُمُ الثَّانِي بِالْمُتَوَّجِ كَقَوْلِهِ: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} {مَنْ آمَنَ بِهِ} ، {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ} {مذبذبين بين ذلك} وَمِنْهَا الْمُضَارِعُ: وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَا بِحَرْفٍ مُقَارِبٍ فِي الْمَخْرَجِ سَوَاءٌ كان في الأول أَوِ الْوَسَطِ أَوِ الْآخِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}

وَمِنْهَا اللَّاحِقُ، بِأَنْ يَخْتَلِفَا بِحَرْفٍ غَيْرِ مُقَارَبٍ فِيهِ كَذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ} ومنها المرفوّ: وَهُوَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ كَلِمَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى كَقَوْلِهِ: {جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ} وَمِنْهَا اللَّفْظِيُّ: بِأَنْ يَخْتَلِفَا بِحَرْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْآخَرِ مُنَاسِبَةً لَفْظِيَّةً كَالضَّادِ وَالظَّاءِ كَقَوْلِهِ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَمِنْهَا تَجْنِيسُ الْقَلْبِ: بِأَنْ يَخْتَلِفَا فِي تَرْتِيبِ الْحُرُوفِ نَحْوُ: {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ} وَمِنْهَا تَجْنِيسُ الِاشْتِقَاقِ: بِأَنْ يَجْتَمِعَا فِي أَصْلِ الِاشْتِقَاقِ وَيُسَمَّى الْمُقْتَضَبَ نَحْوُ: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} وَمِنْهَا تَجْنِيسُ الْإِطْلَاقِ: بِأَنْ يَجْتَمِعَا فِي الْمُشَابَهَةِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي} {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ} {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ

أَرَضِيتُمْ} {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الأِنْسَانِ أَعْرَضَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فذودعاء عريض} تَنْبِيهٌ لِكَوْنِ الْجِنَاسِ مِنَ الْمَحَاسِنِ اللَّفْظِيَّةِ لَا الْمَعْنَوِيَّةِ تُرِكَ عِنْدَ قُوَّةِ الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} ، قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ: "وَمَا أَنْتِ بِمُصَدِّقٍ" فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مَعَ رِعَايَةِ التجنيس وأجيب بأن في" مؤمن لنا" من المعنى ما لَيْسَ فِي"مُصَدِّقٍ"لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِكَ: " فُلَانٌ مُصَدِّقٌ لِي" قَالَ لِي: صَدَقْتَ وَأَمَّا "مُؤْمِنٌ" فَمَعْنَاهُ مع التَّصْدِيقِ إِعْطَاءُ الْأَمْنِ وَمَقْصُودُهُمُ التَّصْدِيقُ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ طَلَبُ الْأَمْنِ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِهِ وَقَدْ زَلَّ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ، فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} لَوْ قَالَ: "وَتَدَعُونَ"لَكَانَ فِيهِ مراعاة للتجنيس وَأَجَابَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: بِأَنَّ فَصَاحَةَ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ لِرِعَايَةِ هَذِهِ التكليفات بَلْ لِأَجْلِ قُوَّةِ الْمَعَانِي وَجَزَالَةِ الْأَلْفَاظِ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَعَانِي أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، ولو قال: " أتدعون" و "تدعون" لوقع الإلتباس على القارئ فيجعلها بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَصْحِيفًا وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ نَاضِجٍ وَأَجَابَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ: بِأَنَّ التَّجْنِيسَ تَحْسِينٌ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَقَامِ الْوَعْدِ وَالْإِحْسَانِ، لَا فِي مَقَامِ التَّهْوِيلِ

وَأَجَابَ الْخُوَيِّيُّ: بِأَنَّ "تَدَعُ" أَخَصُّ مِنْ"تَذَرُ"لِأَنَّهُ بِمَعْنَى تَرْكِ الشَّيْءِ مَعَ اعْتِنَائِهِ بِشَهَادَةِ الِاشْتِقَاقِ نَحْوَ الْإِيدَاعِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْوَدِيعَةِ مَعَ الِاعْتِنَاءِ بِحَالِهَا وَلِهَذَا يُخْتَارُ لَهَا مَنْ هُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا وَمِنْ ذَلِكَ الدَّعَةُ بِمَعْنَى الرَّاحَةِ وَأَمَّا "تَذَرُ" فَمَعْنَاهُ التَّرْكُ مُطْلَقًا أَوِ التُّرْكُ مَعَ الْإِعْرَاضِ وَالرَّفْضِ الْكُلِّيِّ قَالَ الرَّاغِبُ: يُقَالُ فَلَانٌ يَذَرُ الشَّيْءَ، أَيْ يَقْذِفُهُ لِقِلَّةِ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَمِنْهُ الْوَذَرَةُ قِطْعَةٌ مِنَ اللَّحْمِ لِقِلَّةِ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا يُنَاسِبُ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فَأُرِيدَ هُنَا تَبْشِيعُ حَالِهِمْ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ بَلَغُوا الْغَايَةَ فِي الْإِعْرَاضِ انْتَهَى. الْجَمْعُ هُوَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ فِي حُكْمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} جَمَعَ الْمَالَ وَالْبَنُونَ فِي الزِّينَةِ وكذلك قَوْلُهُ: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ.} الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ هُوَ أَنْ تُدْخِلَ شَيْئَيْنِ فِي مَعْنًى، وَتُفَرِّقَ بَيْنَ جِهَتَيِ الْإِدْخَالِ وَجَعَلَ مِنْهُ الطِّيبِيُّ قَوْلَهُ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الْآيَةَ جَمَعَ النَّفْسَيْنِ

في حكم المتوفي ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ جِهَتَيِ التَّوَفِّي بِالْحُكْمِ بِالْإِمْسَاكِ وَالْإِرْسَالِ أَيِ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الَّتِي تُقْبَضُ وَالَّتِي لَمْ تُقْبَضُ فَيُمْسِكُ الْأُولَى وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى. الجمع والتقسيم وهو مع مُتَعَدِّدٍ تَحْتَ حُكْمٍ ثُمَّ تَقْسِيمُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} الْجَمْعُ مَعَ التَّفْرِيقِ وَالتَّقْسِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} الْآيَاتِ فَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ: "لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ" لِأَنَّهَا مُتَعَدِّدَةٌ مَعْنًى إِذِ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَالتَّفْرِيقُ فِي قَوْلِهِ: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} وَالتَّقْسِيمُ فِي قَوْلِهِ: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} جَمْعُ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ هُوَ أَنْ يُرِيدَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَمْدُوحِينَ فَيَأْتِيَ بمعان مؤتلفة في مدحهما وَيَرُومُ بَعْدَ ذَلِكَ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، بِزِيَادَةِ فَضْلٍ لَا يُنْقِصُ الْآخَرَ، فَيَأْتِي لِأَجْلِ

ذَلِكَ بِمَعَانٍ تُخَالِفُ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ} الْآيَةَ سَوَّى فِي الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ وَزَادَ فَضْلُ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ حُسْنُ النَّسَقِ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُتَكَلِّمَ بِكَلِمَاتٍ مُتَتَالِيَاتٍ مَعْطُوفَاتٍ مُتَلَاحِمَاتٍ، تَلَاحُمًا سَلِيمًا مُسْتَحْسَنًا بِحَيْثُ إِذَا أُفْرِدَتْ كُلُّ جُمْلَةٍ مِنْهُ قَامَتْ بِنَفْسِهَا وَاسْتَقَلَّ مَعْنَاهَا بِلَفْظِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} الْآيَةَ، فَإِنَّ جُمَلَهُ مَعْطُوفٌ بَعْضُهَا على بعضها بِوَاوِ النَّسَقِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ مِنَ الِابْتِدَاءِ بِالِاسْمِ الَّذِي هُوَ انْحِسَارُ الْمَاءِ عَنِ الْأَرْضِ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ غَايَةُ مَطْلُوبِ أَهْلِ السَّفِينَةِ مِنَ الْإِطْلَاقِ مَنْ سِجْنِهَا ثُمَّ انْقِطَاعُ مَادَّةِ السَّمَاءِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ تَمَامُ ذَلِكَ مِنْ دَفْعِ أَذَاهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ وَمِنْهُ اخْتِلَافُ مَا كَانَ بِالْأَرْضِ ثُمَّ الْإِخْبَارُ بِذَهَابِ الْمَاءِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمَادَّتَيْنِ الَّذِي هُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ قَطْعًا ثُمَّ بِقَضَاءِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ هَلَاكُ مَنْ قُدِّرَ هَلَاكُهُ وَنَجَاةُ مَنْ سَبَقَ نَجَاتُهُ وَأُخِّرَ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا وَخُرُوجُهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ أَخْبَرَ بِاسْتِوَاءِ السَّفِينَةِ وَاسْتِقْرَارِهَا الْمُفِيدِ ذَهَابَ الْخَوْفِ وَحُصُولَ الْأَمْنِ مِنَ الِاضْطِرَابِ ثُمَّ خَتَمَ بِالدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِينَ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْغَرَقَ وَإِنَّ عَمَّ الْأَرْضَ فَلَمْ يَشْمَلْ إِلَّا مَنِ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ لِظُلْمِهِ.

عِتَابُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ مِنْهُ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي} الْآيَاتِ وَقَوْلُهُ: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} الْآيَاتِ. الْعَكْسُ هُوَ أَنْ يُؤْتَى بِكَلَامٍ يُقَدَّمُ فِيهِ جُزْءٌ وَيُؤَخُّرُ آخَرُ ثُمَّ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرَ وَيُؤَخَّرُ الْمُقَدَّمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي عَكْسِ هَذَا اللَّفْظِ فَأَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ الصاحِبِ: الْحَقُّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرُ مَنْفِيٌّ عن الْحِلُّ أَمَّا فِعْلُ الْمُؤْمِنَةِ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ وَأَمَّا فِعْلُ الْكَافِرِ فَنُفِيَ عَنْهُ الْحِلُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذَا الْوَطْءَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَفْسَدَةِ فَلَيْسَ الْكُفَّارُ مَوْرِدَ الْخِطَابِ بَلِ الْأَئِمَّةُ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ مُخَاطَبُونَ بمنع ذلك لأن الشرح أَمَرَ بِإِخْلَاءِ الْوُجُودِ مِنَ الْمَفَاسِدِ فَاتَّضَحَ أَنَّ الْمُؤْمِنَةَ نُفِيَ عَنْهَا الْحِلُّ بِاعْتِبَارٍ وَالْكَافِرُ نُفِيَ عَنْهُ الْحِلُّ بِاعْتِبَارٍ.

قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: وَمِنْ غَرِيبِ أُسْلُوبِ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} فَإِنَّ نَظْمَ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَكْسُ نَظْمِ الْأُولَى لِتَقْدِيمِ الْعَمَلِ فِي الْأُولَى عَلَى الْإِيمَانِ وَتَأْخِيرِهِ فِي الثَّانِيَةِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى الْقَلْبُ وَالْمَقْلُوبُ الْمُسْتَوِي وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ بِالِانْعِكَاسِ وَهُوَ أَنْ تُقْرَأَ الْكَلِمَةُ مِنْ آخِرِهَا إِلَى أَوَّلِهَا كَمَا تُقْرَأُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} ، {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ. الْعُنْوَانُ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: هُوَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُتَكَلِّمُ فِي غَرَضٍ فَيَأْتِي لِقَصْدِ تَكْمِيلِهِ وَتَأْكِيدِهِ بأسئلة فِي أَلْفَاظٍ تَكُونُ عُنْوَانًا لِأَخْبَارٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَقِصَصٍ سَالِفَةٍ وَمِنْهُ نَوْعٌ عَظِيمٌ جِدًّا وَهُوَ عُنْوَانُ الْعُلُومِ بِأَنْ يُذْكَرَ فِي الْكَلَامِ أَلْفَاظًا تَكُونُ مفاتيح لعلوم وَمَدَاخِلَ لَهَا فَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} الْآيَةَ، فَإِنَّهُ عُنْوَانُ قِصَّةِ بَلْعَامَ وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} الْآيَةَ، فِيهَا عُنْوَانُ عِلْمِ الْهَنْدَسَةِ فَإِنَّ الشَّكْلَ الْمُثَلَّثَ أَوَّلُ الْأَشْكَالِ،

وَإِذَا نُصِبَ فِي الشَّمْسِ عَلَى أَيِّ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ، لَا يَكُونُ لَهُ ظِلٌّ لِتَحْدِيدِ رؤوس زَوَايَاهُ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ جَهَنَّمَ بِالِانْطِلَاقِ إِلَى ظِلِّ هَذَا الشَّكْلِ تَهَكُّمًا بِهِمْ وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الْآيَاتُ، فِيهَا عُنْوَانُ عِلْمِ الْكَلَامِ وَعِلْمِ الْجَدَلِ وَعِلْمِ الْهَيْئَةِ. الْفَرَائِدُ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْفَصَاحَةِ دُونَ الْبَلَاغَةِ لِأَنَّهُ الْإِتْيَانُ بِلَفْظَةٍ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْفَرِيدَةِ مِنَ الْعِقْدِ- وَهِيَ الْجَوْهَرَةُ الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا- تَدُلُّ عَلَى عِظَمِ فَصَاحَةِ هَذَا الْكَلَامِ وَقُوَّةِ عَارِضَتِهِ وَجَزَالَةِ مَنْطِقِهِ وَأَصَالَةِ عَرَبِيَّتِهِ بِحَيْثُ لَوْ أُسْقِطَتْ مِنَ الكلام عزت على الفصحاء " غرابتها " وَمِنْهُ لَفْظُ: " حَصْحَصَ " فِي قَوْلِهِ: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} "والرفث " فِي قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وَلَفْظَةُ " فُزِّعَ " فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} {خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} فِي قَوْلِهِ: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} وَأَلْفَاظُ قَوْلِهِ: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً} وَقَوْلِهِ: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}

الْقَسَمُ هُوَ أَنْ يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ الْحَلِفَ عَلَى شَيْءٍ فَيَحْلِفُ بِمَا يَكُونُ فِيهِ فَخْرٌ لَهُ أَوْ تَعْظِيمٌ لِشَأْنِهِ أَوْ تَنْوِيهٌ لِقَدْرِهِ أَوْ ذَمٌّ لِغَيْرِهِ أَوْ جَارِيًا مجرى الغزل والترقق أَوْ خَارِجًا مَخْرَجَ الْمَوْعِظَةِ وَالزُّهْدِ كَقَوْلِهِ: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} أقسم سبحانه وتعالى بقسم يوجب الْفَخْرُ لِتَضَمُّنِهِ التَّمَدُّحَ بِأَعْظَمِ قُدْرَةٍ وَأَجَلِّ عَظَمَةٍ {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِحَيَاةِ نَبِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَتَنْوِيهًا بَقَدْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي نَوْعِ الْأَقْسَامِ أَشْيَاءُ تَتَعَلَّقُ بذَلِكَ. اللَّفُّ وَالنَّشْرُ هُوَ أَنْ يُذْكَرَ شَيْئَانِ أَوْ أَشْيَاءُ، إِمَّا تَفْصِيلًا بِالنَّصِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ إِجْمَالًا بِأَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مُتَعَدِّدٍ ثُمَّ يُذْكَرَ أَشْيَاءُ عَلَى عَدَدِ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ يَرْجِعُ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِ وَيُفَوِّضُ إِلَى عَقْلِ السَّامِعِ رَدَّ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَالْإِجْمَالِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} أَيْ وَقَالَتِ الْيَهُودُ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا الْيَهُودُ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا النَّصَارَى وَإِنَّمَا سَوَّغَ الْإِجْمَالَ فِي اللَّفِّ ثُبُوتُ الْعِنَادِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِدُخُولِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ الْجَنَّةَ فَوُثِقَ بِالْعَقْلِ فِي أَنَّهُ يَرُدُّ كُلَّ قَوْلٍ إِلَى فَرِيقِهِ لِأَمْنِ اللَّبْسِ وَقَائِلُ ذَلِكَ يَهُودُ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ

قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي النَّشْرِ لَا فِي اللَّفِّ بِأَنْ يُؤْتَى بِمُتَعَدِّدٍ ثُمَّ بِلَفْظٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مُتَعَدِّدٍ يَصْلُحُ لَهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} عَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ الْخَيْطَ الْأَسْوَدَ أُرِيدَ بِهِ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ لَا اللَّيْلُ وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ وَالتَّفْصِيلِيُّ قِسْمِانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} فَالسُّكُونُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّيْلِ وَالِابْتِغَاءُ رَاجِعٌ إِلَى النَّهَارِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} فاللوم راجع إلى البخل ومحسورا رَاجِعٌ إِلَى الْإِسْرَافِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: مُنْقَطِعًا لَا شَيْءَ عِنْدَكَ وَقَوْلِهِ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً} الْآيَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: {وَوَجَدَكَ ضَالاً} فَإِنَّ الْمُرَادَ السَّائِلُ عَنِ الْعِلْمِ كَمَا فَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} رَأَيْتُ هَذَا الْمِثَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ لِلنَّوَوِيِّ المسمى بالتنقيح. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى عَكْسِ تَرْتِيبِهِ كَقَوْلِهِ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} وجَعَلَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ قَوْلَهُ تَعَالَى: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى

نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} ، قَالُوا: " مَتَى نَصْرُ اللَّهِ " قَوْلُ الَّذِينَ آمَنُوا " أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ " قَوْلُ الرَّسُولِ وَذَكَرَ الزمخشري قِسْمًا آخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قَالَ: هَذَا مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَتَقْدِيرُهُ: "وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " إِلَّا أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ " مَنَامِكُمْ " و" ابتغاؤكم " بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّهُمَا زَمَانَانِ وَالزَّمَانُ الواقع فِيهِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ إِقَامَةِ اللَّفِّ عَلَى الإتحاد الْمُشَاكَلَةُ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} فَإِنَّ إِطْلَاقَ النَّفْسِ وَالْمَكْرِ فِي جانب البارئ تعالى إنما هو لِمُشَاكَلَةِ مَا مَعَهُ وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} لِأَنَّ الْجَزَاءَ حَقٌّ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ سَيِّئَةٌ، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ} {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} {نَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ومثال التقديري قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ} ، أَيْ تَطْهِيرُ اللَّهِ لِأَنَّ

الْإِيمَانَ يُطَهِّرُ النُّفُوسَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا يَغْمِسُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي مَاءٍ أَصْفَرَ يُسَمُّونَهُ الْمَعْمُودِيَّةَ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ تَطْهِيرٌ لَهُمْ، فَعَبَّرَ عَنِ الإيمان ب " صبغة اللَّهِ " لِلْمُشَاكَلَةِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ. الْمُزَاوَجَةُ أَنْ يُزَاوَجَ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُمَا كَقَوْلِهِ: إِذَا مَا نَهَى النَّاهِي فَلَجَّ بِيَ الْهَوَى أَصَاخَتْ إِلَى الْوَاشِي فَلَجَّ بِهَا الْهَجْرُ وَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} . الْمُبَالَغَةُ أَنْ يَذْكُرَ الْمُتَكَلِّمُ وَصْفًا فَيَزِيدُ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ وَهِيَ ضَرْبَانِ: مُبَالَغَةٌ بِالْوَصْفِ: بِأَنْ يَخْرُجَ إِلَى حَدِّ الِاسْتِحَالَةِ، وَمِنْهُ: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} وَمُبَالَغَةٌ بِالصِّيغَةِ: وَصِيَغُ الْمُبَالَغَةِ: "فَعْلَانُ: كَالرَّحْمَنِ وَ" فَعِيلٌ" كَالرَّحِيمِ وَ "فَعَّالٌ" كَالتَّوَّابِ وَالْغَفَّارِ وَالْقَهَّارِ وَ" فَعُولٌ" كَغَفُورٍ وَشَكُورٍ وَوَدُودٍ وَ "فَعِلٌ" كَحَذِرٍ وَأَشِرٍ وَفَرِحٍ وَ" فُعَالٌ" بِالتَّخْفِيفِ كَعُجَابٍ وَبِالتَّشْدِيدِ كَكُبَّارٍ وَ" فُعَلٌ" كَلُبَدٍ وَكُبَرٍ وَ "فُعْلَى" كَالْعُلْيَا وَالْحُسْنَى وَشُورَى وَالسُّوءَى.

فَائِدَةٌ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ "فَعْلَانَ" أَبْلَغُ مِنْ "فَعِيلٍ" وَمِنْ ثَمَّ قيل: "الرَّحْمَنُ" أَبْلَغُ مِنَ "الرَّحِيمِ" وَنَصَرَهُ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَالتَّثْنِيَةُ تَضْعِيفٌ فَكَأَنَّ الْبِنَاءَ تَضَاعَفَتْ فِيهِ الصِّفَةُ وَذَهَبَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ إِلَى أَنَّ "الرَّحِيمَ" أَبْلَغُ مِنَ "الرَّحْمَنِ" وَرَجَّحَهُ ابن عسكر بِتَقْدِيمِ "الرَّحْمَنِ" عَلَيْهِ وَبِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ كَعَبِيدٍ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَذَهَبُ قُطْرُبٌ إِلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْبُرْهَانُ الرَّشِيدِيُّ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي عَلَى صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كُلُّهَا مَجَازٌ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَا مُبَالِغَةَ فِيهَا لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ أن تثبت للشيء أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ وَصِفَاتُهُ تَعَالَى مُتَنَاهِيَةٌ فِي الْكَمَالِ لَا يُمْكِنُ الْمُبَالَغَةُ فِيهَا وَأَيْضًا فَالْمُبَالَغَةُ تَكُونُ فِي صِفَاتٍ تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَصِفَاتُ اللَّهِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ التَّحْقِيقُ أن صيغ المبالغة قسمان: أحدهما: مَا تَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْفِعْلِ وَالثَّانِي: بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْمَفْعُولَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعَدُّدَهَا لَا يُوجِبُ لِلْفِعْلِ زِيَادَةً إِذِ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُتَعَدِّدِينَ وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ تَنْزِلُ صِفَاتُهُ تَعَالَى وَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ ولهذا قاله بَعْضُهُمْ فِي "حَكِيمِ" مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ تَكْرَارُ حُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرَائِعِ وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْمُبَالَغَةُ فِي التَّوَّابِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَثْرَةِ مَنْ يَتُوبُ عَلَيْهِ

من عبادة أو لأنه بيلغ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ نُزِّلَ صَاحِبُهَا مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ لِسَعَةِ كَرَمِهِ وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ سُؤَالًا عَلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَهُوَ أَنَّ "قَدِيرًا" مِنْ صِيَغِ الْمُبَالِغَةِ فَيَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَعْنَى "قَادِرٍ" وَالزِّيَادَةُ عَلَى مَعْنَى "قَادِرٍ" مُحَالٌ إِذِ الْإِيجَادُ مِنْ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ وَأُجِيبُ: بِأَنَّ المبالغة لما تعذر حملها على كُلِّ فَرْدٍ وَجَبَ صَرْفُهَا إِلَى مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ الَّتِي دَلَّ السِّيَاقُ عَلَيْهَا فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَةِ المتعلق لا الوصف. الْمُطَابَقَةُ وَتُسَمَّى الطِّبَاقُ: الْجَمْعُ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ قِسْمِانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌ وَالثَّانِي يُسَمَّى التَّكَافُؤُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا لَفْظِيٌّ أَوْ مَعْنَوِيٌّ وَإِمَّا طِبَاقُ إِيجَابٍ أَوْ سَلْبٍ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً} {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَجَازِيِّ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} ، أَيْ ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ وَمِنْ أَمْثِلَةِ طِبَاقِ السَّلْبِ: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَعْنَوِيِّ: {إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} مَعْنَاهُ "رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا لَصَادِقُونَ" {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} قَالَ: أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: لَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ رَفْعًا لِلْمَبْنِي قُوبِلَ بِالْفِرَاشِ الَّذِي هُوَ عَلَى خِلَافِ الْبِنَاءِ وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى الطِّبَاقَ الْخَفِيَّ كَقَوْلِهِ: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً} لِأَنَّ الْغَرَقَ مِنْ صِفَاتِ الْمَاءِ فَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ قَالَ ابْنُ مُنْقِذٍ وَهِيَ أَخْفَى مُطَابَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ: مِنْ أَمْلَحِ الطِّبَاقِ وَأَخْفَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} لِأَنَّ مَعْنَى الْقِصَاصِ الْقَتْلُ فَصَارَ الْقَتْلُ سَبَبُ الحياة وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى تَرْصِيعُ الْكَلَامِ وَهُوَ اقْتِرَانُ الشَّيْءِ بِمَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} أَتَى بِالْجُوعِ مَعَ الْعُرْيِ وَبَابُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الظَّمَأِ وَبِالضُّحَى مَعَ الظَّمَأِ وَبَابُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْعُرْيِ لَكِنَّ الْجُوعَ وَالْعُرْيَ اشْتَرَكَا فِي الْخُلُوِّ فَالْجُوعُ خُلُوُّ الْبَاطِنِ مِنَ الطَّعَامِ وَالْعُرْيُ خُلُوُّ الظَّاهِرِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالظَّمَأُ وَالضُّحَى اشْتَرَكَا فِي الِاحْتِرَاقِ فَالظَّمَأُ احْتِرَاقُ الْبَاطِنِ مِنَ الْعَطَشِ وَالضُّحَى احْتِرَاقُ الظَّاهِرِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ

وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى الْمُقَابَلَةُ وَهِيَ أَنْ يُذْكَرَ لَفْظَانِ فَأَكْثَرُ ثُمَّ أضدادها عَلَى التَّرْتِيبِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطِّبَاقِ وَالْمُقَابَلَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطِّبَاقَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ ضِدَّيْنِ فَقَطْ وَالْمُقَابَلَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَا زَادَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الطِّبَاقَ لَا يكون إلا بالأضداد والمقابلة بالأضداد وبغيرها قَالَ السَّكَّاكِيُّ: وَمِنْ خَوَاصِّ الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ إِذَا شُرِطَ فِي الْأَوَّلِ أَمْرٌ شُرِطَ فِي الثَّانِي ضِدُّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيتين قَابَلَ بَيْنَ الْإِعْطَاءِ وَالْبُخْلِ وَالِاتِّقَاءِ وَالِاسْتِغْنَاءِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْيُسْرَى وَالْعُسْرَى وَلَمَّا جُعِلَ التَّيْسِيرُ فِي الْأَوَّلِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْإِعْطَاءِ وَالِاتِّقَاءِ وَالتَّصْدِيقِ جُعِلَ ضِدُّهُ وَهُوَ التَّعْسِيرُ مُشْتَرِكًا بَيْنَ أَضْدَادِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُقَابَلَةُ إِمَّا لِوَاحِدٍ بِوَاحِدٍ وَذَلِكَ قَلِيلٌ جدا كقوله: {تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} أَوِ اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً} أَوَ ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ كَقَوْلِهِ: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} وأربعة بأربعة كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} الآيتين وَخَمْسَةٍ بِخَمْسَةٍ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا} الْآيَاتِ قَابَلَ بَيْنَ "بَعُوضَةً فَمَا فوقه" وبين "فأما الذين آمنو"،

و "وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا" وَبَيْنَ يُضِلُّ "وَيَهْدِي" وبين "ينقضون" "وميثاقه" " وَبَيْنَ يَقْطَعُونَ " وَ "أَنْ يُوصَلَ" أَوْ سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ كَقَوْلِهِ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} الْآيَةَ، ثُمَّ قال: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} الآية، قَابَلَ "الْجَنَّاتِ" وَالْأَنْهَارَ وَالْخُلْدَ وَالْأَزْوَاجَ وَالتَّطْهِيرَ وَالرِّضْوَانَ بِإِزَاءِ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثَ وَقَسَّمَ آخَرُ الْمُقَابَلَةَ إِلَى ثَلَاثَةِ: أَنْوَاعٍ نَظِيرِيٍّ وَنَقِيضِيٍّ وَخِلَافِيٍّ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: مُقَابَلَةُ السِّنَةِ بِالنَّوْمِ فِي الْآيَةِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ بَابِ الرُّقَادِ الْمُقَابَلِ بِالْيَقَظَةِ فِي آيَةِ: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} وَهَذَا مِثَالُ الثَّانِي: فَإِنَّهُمَا نَقِيضَانِ وَمِثَالُ الثَّالِثِ: مُقَابَلَةُ الشَّرِّ بِالرَّشَدِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} فَإِنَّهُمَا خِلَافَانِ لَا نَقِيضَانِ فَإِنَّ نَقِيضَ الشَّرِّ الْخَيْرُ وَالرُّشْدِ الْغَيُّ الْمُوَارَبَةُ بِرَاءٍ مُهْمِلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ أَنْ يَقُولَ الْمُتَكَلِّمُ قَوْلًا يَتَضَمَّنُ مَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ فَإِذَا حَصَلَ الْإِنْكَارُ اسْتَحْضَرَ بِحَذَقِهِ وَجْهًا مِنَ الْوُجُوهِ يَتَخَلَّصُ بِهِ إِمَّا بِتَحْرِيفِ كَلِمَةٍ أَوْ تَصْحِيفِهَا أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَكْبَرِ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ

سَرَقَ} فَإِنَّهُ قُرِئَ: " إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَلَمْ يَسْرِقْ"، فَأَتَى بِالْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ بِإِبْدَالِ ضَمَّةٍ مِنْ فَتْحَةٍ وتشديد الراء وكسرتها. الْمُرَاجَعَةُ قَالَ: ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: هِيَ أَنْ يَحْكِيَ الْمُتَكَلِّمُ مُرَاجَعَةً فِي الْقَوْلِ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَاوِرٍ لَهُ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَعْدَلِ سَبْكٍ وَأَعْذَبِ أَلْفَاظٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} جَمَعَتْ هَذِهِ الْقِطْعَةُ- وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ ثَلَاثَ مُرَاجَعَاتِ فِيهَا مَعَانِي الْكَلَامِ مِنَ الْخَبَرِ وَالِاسْتِخْبَارِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ بِالْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ قُلْتُ: أَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ جَمَعَتِ الْخَبَرَ وَالطَّلَبَ وَالْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ وَالتَّأْكِيدَ وَالْحَذْفَ وَالْبِشَارَةَ وَالنِّذَارَةَ والوعد والوعيد. النزاهة هي خلوص ألفاظ الهجاء مِنَ الْفُحْشِ حَتَّى يَكُونَ كَمَا قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَحْسَنِ الْهِجَاءِ هُوَ الَّذِي إِذَا أَنْشَدَتْهُ الْعَذْرَاءُ فِي خِدْرِهَا لَا يَقْبُحُ عَلَيْهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} ثُمَّ قَالَ: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} فَإِنَّ أَلْفَاظَ ذَمِّ هَؤُلَاءِ

الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَتَتْ مُنَزَّهَةً عَمَّا يَقْبُحُ فِي الْهِجَاءِ مِنَ الْفُحْشِ وَسَائِرِ هِجَاءِ الْقُرْآنِ كذلك. الْإِبْدَاعُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَنْ يَشْتَمِلَ الْكَلَامُ عَلَى عِدَّةِ ضُرُوبٍ مِنَ الْبَدِيعِ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَلَمْ أَرَ فِي الْكَلَامِ مِثْلَ قَوْلِهِ تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} فَإِنَّ فِيهَا عِشْرِينَ ضَرْبًا مِنَ الْبَدِيعِ وَهِيَ سَبْعَ عَشْرَةَ لَفْظَةً وَذَلِكَ: الْمُنَاسِبَةُ التَّامَّةُ فِي "ابْلَعِي" وَ "أَقْلِعِي"، وَالِاسْتِعَارَةُ فِيهِمَا وَالطِّبَاقُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْمَجَازُ فِي قوله تعالى: {يَا سَمَاءُ} فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ يَا مَطَرَ السَّمَاءِ وَالْإِشَارَةُ فِي "وَغِيضَ الْمَاءُ" فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَغِيضُ حَتَّى يُقْلِعَ مَطَرُ السَّمَاءِ وَتَبْلَعَ الْأَرْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ عُيُونِ الْمَاءِ فَيَنْقُصُ الْحَاصِلُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَ الْمَاءِ وَالْإِرْدَافُ فِي "وَاسْتَوَتْ" وَالتَّمْثِيلُ فِي: "وَقُضِيَ الْأَمْرُ " وَالتَّعْلِيلُ فَإِنَّ "غِيضَ الْمَاءُ" عِلَّةُ الِاسْتِوَاءِ وَصِحَّةُ التَّقْسِيمِ فَإِنَّهُ اسْتَوْعَبَ فِيهِ أَقْسَامَ الْمَاءِ حَالَةَ نَقْصِهِ إِذْ لَيْسَ إِلَّا احْتِبَاسُ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْمَاءِ النَّابِعِ مِنَ الْأَرْضِ وَغِيضَ الْمَاءُ الَّذِي عَلَى ظَهْرِهَا وَالِاحْتِرَاسُ فِي الدُّعَاءِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْغَرَقَ لِعُمُومِهِ شمل مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْهَلَاكَ فَإِنَّ عَدْلَهُ تَعَالَى يَمْنَعُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ وَحُسْنُ النَّسَقِ وَائْتِلَافُ اللَّفْظِ مَعَ الْمَعْنَى وَالْإِيجَازُ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَصَّ الْقِصَّةَ مُسْتَوْعَبَةً بِأَخْصَرِ عِبَارَةٍ وَالتَّسْهِيمُ لأن أَوَّلَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى آخِرِهَا وَالتَّهْذِيبُ لِأَنَّ مُفْرَدَاتِهَا مَوْصُوفَةٌ بِصِفَاتِ الْحُسْنِ كُلُّ لَفْظَةٍ سَهْلَةُ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ عَلَيْهَا رَوْنَقُ

الْفَصَاحَةِ مَعَ الْخُلُوِّ مِنَ الْبَشَاعَةِ وَعَقَادَةِ التَّرْكِيبِ وَحُسْنُ الْبَيَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ السَّامِعَ لَا يَتَوَقَّفُ فِي فَهْمِ مَعْنَى الْكَلَامِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ وَالتَّمْكِينُ لِأَنَّ الْفَاصِلَةَ مُسْتَقِرَّةٌ فِي مَحَلِّهَا مُطَمْئِنَةٌ فِي مَكَانِهَا غَيْرُ قَلِقَةٍ ولا مستدعاة والانسجام "وهو تحدر الكلام بسهوله وعذوبة وسبك مع جزالة لفظ كما ينسجم الماء القليل من الهواء " هذا ما ذكر ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ قُلْتُ فِيهَا أَيْضًا الِاعْتِرَاضُ.

النوع التاسع والخمسون: في فواصل الآي

النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: فِي فَوَاصِلِ الْآيِ الْفَاصِلَةُ كَلِمَةٌ آخِرَ الْآيَةِ كَقَافِيَةِ الشِّعْرِ وَقَرِينَةِ السَّجْعِ وَقَالَ الدَّانِيُّ: كَلِمَةٌ آخِرَ الْجُمْلَةِ قَالَ الْجَعْبَرِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي تَمْثِيلِ سِيبَوَيْهِ ب {يَوْمَ يَأْتِ} ، وَ {مَا كُنَّا نَبْغِ} وَلَيْسَا رَأْسَ آيٍ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْفَوَاصِلُ اللُّغَوِيَّةُ لَا الصِّنَاعِيَّةُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: الْفَوَاصِلُ حُرُوفٌ مُتَشَاكِلَةٌ فِي الْمَقَاطِعِ يَقَعُ بِهَا إِفْهَامُ الْمَعَانِي وَفَرَّقَ الدَّانِيُّ بَيْنَ الفواصل ورؤوس الْآيِ فَقَالَ الْفَاصِلَةُ هِيَ الْكَلَامُ الْمُنْفَصِلُ عَمَّا بَعْدَهُ وَالْكَلَامُ الْمُنْفَصِلُ قَدْ يَكُونُ رَأْسَ آيَةٍ وَغَيْرَ رأس وكذلك الفواصل يكن رؤوس آيٍ وَغَيْرَهَا وَكُلُّ رَأْسِ آيَةٍ فَاصِلَةٌ وَلَيْسَ كُلُّ فَاصِلَةٍ رَأْسَ آيَةٍ قَالَ وَلِأَجْلِ كَوْنِ مَعْنَى الْفَاصِلَةِ هَذَا ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ فِي تَمْثِيلِ الْقَوَافِي {يَوْمَ يَأْتِ} وَ {مَا كُنَّا نَبْغِ} - وَلَيْسَا رَأْسَ آيَتَيْنِ بِإِجْمَاعٍ- مَعَ {إِذَا يَسْرِ} وَهُوَ رَأْسُ آيَةٍ بِاتِّفَاقٍ.

وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: لِمَعْرِفَةِ الْفَوَاصِلِ طَرِيقَانِ: تَوْقِيفِيٌّ وَقِيَاسِيٌّ أَمَّا التَّوْقِيفِيُّ فَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ دَائِمًا تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ فَاصِلَةٌ وَمَا وَصَلَهُ دَائِمًا تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاصِلَةٍ وَمَا وقف عليه مرة ووصله أُخْرَى احْتَمَلَ الْوَقْفُ أَنْ يَكُونَ لِتَعْرِيفِ الْفَاصِلَةِ أَوْ لِتَعْرِيفِ الْوَقْفِ التَّامِّ أَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ فَاصِلَةٍ أَوْ فَاصِلَةً وَصَلَهَا لِتَقَدُّمِ تَعْرِيفِهَا وَأَمَّا الْقِيَاسِيُّ فهو مَا أُلْحِقَ مِنَ الْمُحْتَمَلِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ لِمُنَاسِبٍ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ مَحَلُّ فَصْلٍ أَوْ وَصْلٍ وَالْوَقْفُ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ جَائِزٌ وَوَصْلُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ جَائِزٌ فَاحْتَاجَ الْقِيَاسُ إِلَى طَرِيقٍ تَعْرِفُهُ فَنَقُولُ: فَاصِلَةُ الْآيَةِ كَقَرِينَةِ السَّجْعَةِ فِي النَّثْرِ وَقَافِيَةِ الْبَيْتِ فِي الشِّعْرِ وَمَا يُذْكَرُ مِنْ عُيُوبِ الْقَافِيَةِ مِنَ اخْتِلَافِ الْحَرَكَةِ وَالْإِشْبَاعِ وَالتَّوْجِيهِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْفَاصِلَةِ وَجَازَ الِانْتِقَالُ في الفاصلة والقرنية وَقَافِيَةِ الْأُرْجُوزَةِ مِنْ نَوْعٍ إِلَى آخَرَ بِخِلَافِ قَافِيَةِ الْقَصِيدَةِ وَمِنْ ثَمَّ تَرَى {يَرْجِعُونَ} مَعَ {عَلِيمٌ} {والْمِيعَادَ} مع {الثَّوَابِ} ، {وَالطَّارِقِ} مع {الثَّاقِبُ} وَالْأَصْلُ فِي الْفَاصِلَةِ وَالْقَرِينَةِ الْمُتَجَرِّدَةِ فِي الْآيَةِ وَالسَّجْعَةِ الْمُسَاوَاةُ وَمِنْ ثَمَّ أَجْمَعَ الْعَادُّونَ عَلَى تَرْكِ عد {وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} ، {وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} فِي النِّسَاءِ، {كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} ، بسبحان، وَ {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} ، بِمَرْيَمَ وَ {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} بطه، وَ {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ،

{أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بِالطَّلَاقِ حَيْثُ لَمْ يُشَاكِلْ طَرَفَيْهِ وَعَلَى تَرْكِ عَدِّ {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} بِآلِ عِمْرَانَ، وَ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} بِالْمَائِدَةِ وعدوا نظائر لِلْمُنَاسَبَةِ نَحْوَ: {لأُولِي الأَلْبَابِ} ، بِآلِ عِمْرَانَ وَ {عَلَى اللَّهِ كَذِباً} بالكهف {وَالسَّلْوَى} بطه وَقَالَ غَيْرُهُ: تَقَعُ الْفَاصِلَةُ عِنْدَ الِاسْتِرَاحَةِ بِالْخِطَابِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ بِهَا وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي يُبَايِنُ الْقُرْآنُ بِهَا سَائِرَ الْكَلَامِ وَتُسَمَّى فَوَاصِلَ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ عِنْدَهُ الْكَلَامَانِ وَذَلِكَ أَنَّ آخِرَ الْآيَةِ فُصِلَ بَيْنِهَا وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا وَأَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهَا قَوَافِيَ إِجْمَاعًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَلَبَ عَنْهُ اسْمَ الشِّعْرِ وَجَبَ سَلْبُ الْقَافِيَةِ عَنْهُ أَيْضًا لِأَنَّهَا مِنْهُ وَخَاصَّةً فِي الِاصْطِلَاحِ وَكَمَا يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الْقَافِيَةِ فِيهِ يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الْفَاصِلَةِ فِي الشِّعْرِ لِأَنَّهَا صِفَةٌ الكتاب اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَتَعَدَّاهُ وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ السَّجْعِ فِي الْقُرْآنِ خِلَافٌ الْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ سَجْعِ الطَّيْرِ فَشَرُفَ الْقُرْآنُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِشَيْءٍ مِنْهُ لَفْظٌ أَصْلُهُ مُهْمَلٌ وَلِأَجْلِ تَشْرِيفِهِ عَنْ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْحَادِثِ فِي وَصْفِهِ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يَرِدِ الْإِذْنُ بِهَا قَالَ الرُّمَّانِيُّ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ: ذَهَبَ الْأَشْعَرِيَّةُ إِلَى امْتِنَاعِ أَنْ يُقَالَ: فِي الْقُرْآنِ سَجْعٌ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ السَّجْعَ هُوَ الذي يقصد في نَفْسُهُ ثُمَّ يُحَالُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَالْفَوَاصِلَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمَعَانِيَ وَلَا تَكُونُ مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهَا قَالَ: ولذلك

كانت الفوا صل بَلَاغَةً وَالسَّجْعُ عَيْبًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ قَالَ: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ الْأَشَاعِرَةِ إِلَى إِثْبَاتِ السَّجْعِ فِي الْقُرْآنِ وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَبِينُ بِهِ فَضْلُ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ مِنَ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّفَاضُلُ فِي الْبَيَانِ وَالْفَصَاحَةِ كَالْجِنَاسِ وَالِالْتِفَاتِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَأَقْوَى مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ مُوسَى أَفْضَلُ من هارون ولمكان السَّجْعِ قِيلَ فِي مَوْضِعِ: {هَارُونَ وَمُوسَى} ولما كانت الفواصل مَوْضِعٍ آخَرَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ قِيلَ: {مُوسَى وَهَارُونَ} قَالُوا: وَهَذَا يُفَارِقُ أَمْرَ الشِّعْرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْخِطَابِ إِلَّا مَقْصُودًا إِلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ غَيْرَ مَقْصُودٍ إِلَيْهِ كَانَ دون القدر الذي تسميه شِعْرًا وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِمَّا يَتَّفِقُ وُجُودُهُ مِنَ الْمُفْحِمِ كَمَا يَتَّفِقُ وَجُودُهُ مِنَ الشَّاعِرِ وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ السَّجْعِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَّفِقَ غَيْرَ مَقْصُودٍ إِلَيْهِ وَبَنَوُا الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَحْدِيدِ مَعْنَى السَّجْعِ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مُوَالَاةُ الْكَلَامِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سَجَعَتِ الْحَمَامَةُ مَعْنَاهُ رَدَّدَتْ صَوْتَهَا قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ سَجْعًا لَكَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ أَسَالِيبِ كَلَامِهِمْ وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ إِعْجَازٌ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ هُوَ سَجْعٌ مُعْجِزٌ لَجَازَ أَنْ يَقُولُوا شِعْرٌ مُعْجِزٌ وَكَيْفَ وَالسَّجْعُ مِمَّا كَانَ تَأْلَفُهُ الْكُهَّانُ مِنَ الْعَرَبِ وَنَفْيُهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَجْدَرُ بِأَنْ يَكُونَ حُجَّةً مِنْ نَفْيِ الشِّعْرِ لِأَنَّ الْكَهَانَةَ تُنَافِي النُّبُوَّاتِ بِخِلَافِ الشِّعْرِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَسَجْعٌ كسجع الكهان! " فجعله مذموما

قال: وَمَا تَوَهَّمُوا أَنَّهُ سَجْعٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَجِيئَهُ عَلَى صُورَتِهِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ هُوَ لِأَنَّ السَّجْعَ يَتْبَعُ الْمَعْنَى فِيهِ اللَّفْظَ الَّذِي يُؤَدِّي السَّجْعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا اتَّفَقَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَى السَّجْعِ مِنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَقَعَ فِيهِ تَابِعًا لِلْمَعْنَى وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَنْتَظِمَ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ بِأَلْفَاظِهِ الَّتِي تُؤَدِّي الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مُنْتَظِمًا دُونَ اللَّفْظِ وَمَتَى ارْتَبَطَ الْمَعْنَى بِالسَّجْعِ كَانَ إِفَادَةُ السَّجْعِ كَإِفَادَةِ غَيْرِهِ وَمَتَى انْتَظَمَ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ دُونَ السَّجْعِ كَانَ مُسْتَجْلَبًا لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ دُونَ تَصْحِيحِ الْمَعْنَى قَالَ: وَلِلسَّجْعِ مَنْهَجٌ مَحْفُوظٌ وَطَرِيقٌ مَضْبُوطٌ مَنْ أَخَلَّ بِهِ وَقَعَ الْخَلَلُ فِي كَلَامِهِ وَنُسِبَ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْفَصَاحَةِ كَمَا أَنَّ الشَّاعِرَ إِذَا خَرَجَ عَنِ الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ كَانَ مُخْطِئًا وَأَنْتَ تَرَى فَوَاصِلَ الْقُرْآنِ مُتَفَاوِتَةً بَعْضُهَا مُتَدَانِي الْمَقَاطِعِ وَبَعْضُهَا يَمْتَدُّ حَتَّى يَتَضَاعَفَ طُولُهُ عَلَيْهِ وَتَرِدَ الْفَاصِلَةُ فِي ذَلِكَ الْوَزْنِ الْأَوَّلِ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ وَهَذَا فِي السَّجْعِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَلَا مَحْمُودٍ قَالَ: وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَقْدِيمِ مُوسَى عَلَى هَارُونَ فِي مَوْضِعٍ وَتَأْخِيرِهِ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ لِمَكَانِ السَّجْعِ وَتَسَاوِي مَقَاطِعِ الْكَلَامِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلِ الْفَائِدَةُ فِيهِ إِعَادَةُ الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ تُؤَدِّي مَعْنًى وَاحِدًا وَذَلِكَ مِنَ الْأَمْرِ الصَّعْبِ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ الْفَصَاحَةُ وَتَتَبَيَّنُ فِيهِ الْبَلَاغَةُ وَلِهَذَا أُعِيدَتْ كَثِيرٌ مِنَ الْقِصَصِ عَلَى تَرْتِيبَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى عَجْزِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مُبْتَدَأً بِهِ وَمُتَكَرِّرًا وَلَوْ أَمْكَنَهُمُ الْمُعَارَضَةُ لَقَصَدُوا تِلْكَ الْقِصَّةَ وَعَبَّرُوا عَنْهَا بِأَلْفَاظٍ لَهُمْ تُؤَدِّي إِلَى تِلْكَ الْمَعَانِي وَنَحْوِهَا فَعَلَى هَذَا الْقَصْدِ- بِتَقْدِيمِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ عَلَى بَعْضٍ وَتَأْخِيرِهَا إِظْهَارُ الْإِعْجَازِ دُونَ السَّجْعِ إِلَى أَنْ قَالَ فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحُرُوفَ الْوَاقِعَةَ فِي الْفَوَاصِلِ مُتَنَاسِبَةٌ مَوْقِعَ النَّظَائِرِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْأَسْجَاعِ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ حَدِّهَا وَلَا تُدْخِلُهَا في بابا السَّجْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ يَذُمُّونَ كُلَّ

سَجْعٍ خَرَجَ عَنِ اعْتِدَالِ الْأَجْزَاءِ فَكَانَ بَعْضُ مَصَارِيعِهِ كَلِمَتَيْنِ وَبَعْضُهَا أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ فَصَاحَةً بَلْ يَرَوْنَهُ عَجْزًا فَلَوْ فَهِمُوا اشْتِمَالَ الْقُرْآنِ عَلَى السَّجْعِ لَقَالُوا نَحْنُ نُعَارِضُهُ بِسَجْعٍ مُعْتَدِلٍ يَزِيدُ فِي الْفَصَاحَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْقُرْآنِ انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْإِعْجَازِ. وَنَقَلَ صَاحِبُ عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ عَنْهُ أَنَّهُ ذَهَبَ فِي الِانْتِصَارِ إِلَى جَوَازِ تَسْمِيَةِ الْفَوَاصِلِ سَجْعًا وَقَالَ الْخَفَاجِيُّ فِي سِرِّ الْفَصَاحَةِ: قَوْلُ الرُّمَّانِيِّ إِنَّ السَّجْعَ عَيْبٌ وَالْفَوَاصِلَ بَلَاغَةٌ غَلَطٌ فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالسَّجْعِ مَا يَتْبَعُ الْمَعْنَى- وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مُتَكَلَّفٌ- فَذَلِكَ بَلَاغَةٌ وَالْفَوَاصِلُ مِثْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَا تَقَعُ الْمَعَانِي تَابِعَةً لَهُ وَهُوَ مَقْصُودٌ مُتَكَلَّفٌ فَذَلِكَ عَيْبٌ وَالْفَوَاصِلُ مثله قال وَأَظُنُّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى تَسْمِيَةِ كل مَا فِي الْقُرْآنِ فَوَاصَلَ وَلَمْ يُسَمُّوا مَا تَمَاثَلَتْ حُرُوفُهُ سَجْعًا رَغْبَتَهُمْ فِي تَنْزِيهِ الْقُرْآنِ عَنِ الْوَصْفِ اللَّاحِقِ بِغَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْمَرْوِيِّ عَنِ الْكَهَنَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا غَرَضٌ فِي التَّسْمِيَةِ قَرِيبٌ وَالْحَقِيقَةُ مَا قُلْنَاهُ قَالَ وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْأَسْجَاعَ حُرُوفٌ مُتَمَاثِلَةٌ فِي مَقَاطِعِ الْفَوَاصِلِ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ عِنْدَكُمْ أَنَّ السَّجْعَ مَحْمُودٌ فَهَلَّا وَرَدَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مَسْجُوعًا وَمَا الْوَجْهُ فِي وُرُودِ بَعْضِهِ مَسْجُوعًا وَبَعْضِهِ غَيْرَ مَسْجُوعٍ؟ قُلْنَا: إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وعلى عرفهم وعادتهم وَكَانَ الْفَصِيحُ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ كَلَامُهُ كُلُّهُ مَسْجُوعًا لِمَا فِيهِ مِنْ أَمَارَاتِ التَّكَلُّفِ وَالِاسْتِكْرَاهِ لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ الْكَلَامِ فَلَمْ يَرِدْ كله مسجوعا جريا منهم عَلَى عُرْفِهِمْ فِي اللَّطَافَةِ الْغَالِبَةِ أَوِ الطَّبَقَةِ

الْعَالِيَةِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَخْلُ مِنَ السَّجْعِ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ عَلَى الصِّفَةِ السَّابِقَةِ. وَقَالَ ابْنُ النَّفِيسِ: يَكْفِي فِي حُسْنِ السَّجْعِ وُرُودُ الْقُرْآنِ بِهِ قَالَ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ خُلُوُّهُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ لِأَنَّ الْحَسَنَ قَدْ يَقْتَضِي الْمَقَامُ الِانْتِقَالَ إِلَى أَحْسَنَ منه قال حَازِمٌ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَكْرَهُ تَقْطِيعَ الْكَلَامِ إِلَى مَقَادِيرَ مُتَنَاسِبَةِ الْأَطْرَافِ غَيْرِ مُتَقَارِبَةٍ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ إِلَّا ما يقع الإلمام بِهِ فِي النَّادِرِ مِنَ الْكَلَامِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّنَاسُبَ الْوَاقِعَ بِإِفْرَاغِ الْكَلَامِ فِي قَالَبِ التقفية وَتَحْلِيَتِهَا بِمُنَاسَبَاتِ الْمَقَاطِعِ أَكِيدٌ جِدًّا وَمِنْهُمْ- وَهُوَ الْوَسَطُ- مَنْ يَرَى أَنَّ السَّجْعَ وَإِنْ كَانَ زِينَةً لِلْكَلَامِ فَقَدْ يَدْعُو إِلَى التَّكَلُّفِ فرئي أَلَّا يُسْتَعْمَلَ فِي جُمْلَةِ الْكَلَامِ وألا يخلي الْكَلَامُ مِنْهُ جُمْلَةً وَأَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ مَا اجْتَلَبَهُ الْخَاطِرُ عَفْوًا بِلَا تَكَلُّفٍ قَالَ: وَكَيْفَ يُعَابُ السَّجْعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَسَالِيبِ الْفَصِيحِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَوَرَدَتِ الْفَوَاصِلُ فِيهِ بِإِزَاءِ وُرُودِ الْأَسْجَاعِ فِي كَلَامِهِمْ وإنما لم يجيء عَلَى أُسْلُوبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي الْكَلَامِ جَمِيعًا أَنْ يَكُونَ مُسْتَمِرًّا عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَلِمَا فِي الطَّبْعِ مِنَ الْمَلَلِ وَلِأَنَّ الِافْتِنَانَ فِي ضُرُوبِ الْفَصَاحَةِ أَعْلَى مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى ضَرْبٍ وَاحِدٍ فَلِهَذَا وَرَدَتْ بَعْضُ آيِ الْقُرْآنِ مُتَمَاثِلَةَ الْمَقَاطِعِ وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُتَمَاثِلٍ.

فَصْلٌ أَلَّفَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الصَّائِغِ كِتَابًا سَمَّاهُ إِحْكَامُ الرَّأْيِ فِي أَحْكَامِ الْآيِ قَالَ فِيهِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ يُرْتَكَبُ لَهَا أُمُورٌ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ قَالَ وَقَدْ تَتَبَّعْتُ الْأَحْكَامَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي آخِرِ الْآيِ مُرَاعَاةً لِلْمُنَاسَبَةِ فَعَثَرْتُ مِنْهَا عَلَى نَيِّفٍ عَنِ الْأَرْبَعِينَ حُكْمًا. أَحَدُهَا: تَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ إِمَّا عَلَى الْعَامِلِ نَحْوُ: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا} قيل ومنه: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أَوْ عَلَى مَعْمُولٍ آخَرَ أَصْلُهُ التَّقْدِيمُ نَحْوُ: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} إِذَا أَعْرَبْنَا " الْكُبْرَى " مَفْعُولَ "نُرِيَ" أَوْ عَلَى الْفَاعِلِ نَحْوُ: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} وَمِنْهُ تَقْدِيمُ خَبَرِ كَانَ عَلَى اسْمِهَا نَحْوُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} . الثَّانِي: تَقْدِيمُ مَا هُوَ مُتَأَخِّرٌ فِي الزَّمَانِ نَحْوُ: {فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى} وَلَوْلَا مُرَاعَاةُ الْفَوَاصِلِ "لَقُدِّمَتِ" "الْأُولَى" كَقَوْلِهِ: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ} . الثَّالِثُ: تَقْدِيمُ الْفَاضِلِ عَلَى الْأَفْضَلِ نَحْوُ: {بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ.

الرَّابِعُ: تَقْدِيمُ الضَّمِيرِ عَلَى مَا يُفَسِّرُهُ نَحْوُ: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى.} الخامس: تقديم الصفة الجملة على الصفة المفرد نَحْوُ: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} . السَّادِسُ: حَذْفُ يَاءِ الْمَنْقُوصِ الْمُعَرَّفِ نَحْوُ: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} {يَوْمَ التَّنَادِ} السَّابِعُ: حَذْفُ يَاءِ الْفِعْلِ غَيْرِ الْمَجْزُومِ نَحْوُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} الثَّامِنُ: حَذْفُ يَاءِ الْإِضَافَةِ نَحْوُ: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} التَّاسِعُ: زِيَادَةُ حَرْفِ الْمَدِّ نَحْوُ {الظُّنُونَا} و {الرَّسُولا} و {اءَنَا فَأَضَلُّونَا} وَمِنْهُ إِبْقَاؤُهُ مَعَ الْجَازِمِ نَحْوُ: {لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَهْيٌ الْعَاشِرُ: صرف مالا ينصرف نحو: {قَوَارِيرَا قَوَارِيرَا} الْحَادِي عَشَرَ: إِيثَارُ تَذْكِيرِ اسْمِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} الثَّانِي عَشَرَ: إِيثَارُ تَأْنِيثِهِ نَحْوُ: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وَنَظِيرُ هَذَيْنِ قَوْلُهُ فِي الْقَمَرِ: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} وَفِي الْكَهْفِ {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}

الثَّالِثَ عَشَرَ: الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْجَائِزَيْنِ اللَّذَيْنِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً} ولم يجئ "رشد" فِي السَّبْعِ وَكَذَا {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} لِأَنَّ الْفَوَاصِلَ فِي السُّورَتَيْنِ مُحَرَّكَةُ الْوَسَطِ وَقَدْ جَاءَ فِي {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ} وَبِهَذَا يَبْطُلُ تَرْجِيحُ الْفَارِسِيِّ قِرَاءَةَ التَّحْرِيكِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا وَلَمْ يُقْرَأْ {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} إِلَّا بِالْفَتْحِ لِمُرَاعَاةِ الْفَاصِلَةِ. الرَّابِعَ عَشَرَ: إِيرَادُ الْجُمْلَةِ الَّتِي رَدَّ بِهَا مَا قَبْلَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُطَابَقَةِ فِي الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} لم يُطَابِقْ بَيْنَ قَوْلِهِمْ: "آمَنَّا" وَبَيْنَ ما ورد به فيقول و "لم يُؤْمِنُوا" أَوْ "مَا آمَنُوا" لِذَلِكَ الْخَامِسَ عَشَرَ: إِيرَادُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْآخَرِ كَذَلِكَ نَحْوَ: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وَلَمْ يَقُلِ: "الَّذِينَ كَذَبُوا" السَّادِسَ عَشَرَ: إِيرَادُ أَحَدِ جُزْأَيِ الْجُمْلَتَيْنِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَوْرَدَ نَظِيرَهَا مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى نَحْوَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} السَّابِعَ عَشَرَ: إِيثَارُ أَغْرَبِ اللَّفْظَتَيْنِ نَحْوَ: {قِسْمَةٌ ضِيزَى} وَلَمْ

يَقُلْ "جَائِرَةٌ" {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} وَلَمْ يَقُلْ "جَهَنَّمَ" أَوِ النَّارِ وَقَالَ فِي الْمُدَّثِّرِ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} وَفِي سَأَلَ {إِنَّهَا لَظَى} وَفِي الْقَارِعَةِ {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} لِمُرَاعَاةِ فَوَاصِلِ كُلِّ سُورَةٍ. الثَّامِنَ عَشَرَ: اخْتِصَاصُ كل من المشتركين بِمَوْضِعٍ نَحْوَ: {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} وَفِي سُورَةِ طه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِأُولِي النُّهَى.} التَّاسِعَ عَشَرَ: حَذْفُ الْمَفْعُولِ نَحْوَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} وَمِنْهُ حَذْفُ مُتَعَلِّقِ "أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ" نَحْوَ: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} {خَيْرٌ وَأَبْقَى} الْعِشْرُونَ: الِاسْتِغْنَاءُ بِالْإِفْرَادِ عَنِ التَّثْنِيَةِ نَحْوَ: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى.} الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الِاسْتِغْنَاءُ بِهِ عَنِ الْجَمْعِ نَحْوَ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} وَلَمْ يَقُلْ: "أَئِمَّةً" كَمَا قَالَ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ} {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} أَيْ أَنْهَارٍ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: الِاسْتِغْنَاءُ بِالتَّثْنِيَةِ عَنِ الْإِفْرَادِ نَحْوَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} قَالَ الْفَرَّاءُ أَرَادَ "جَنَّةً" كَقَوْلِهِ: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} فَثَنَّى لِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ: قَالَ وَالْقَوَافِي تَحْتَمِلُ مِنَ الزِّيَادَةِ

والنقصان ما لا يحتمله سَائِرُ الْكَلَامِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الفراء فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} فَإِنَّهُمَا رَجُلَانِ قِدَارٌ وَآخَرُ مَعَهُ وَلَمْ يَقُلْ "أَشْقَيَاهَا" لِلْفَاصِلَةِ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَأَغْلَظَ فِيهِ وَقَالَ إِنَّمَا يَجُوزُ فِي رءوس الآي زيادة هاء السَّكْتِ أَوِ الْأَلِفِ أَوْ حَذْفُ هَمْزٍ أَوْ حَرْفٍ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَعَدَ بِجَنَّتَيْنِ فيجعلهما جنة واحدة لأجل رءوس الْآيِ مَعَاذَ اللَّهِ! وَكَيْفَ هَذَا وَهُوَ يَصِفُهَا بِصِفَاتِ الِاثْنَيْنِ قَالَ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} ثُمَّ قَالَ: {فِيهِمَا} وَأَمَّا ابْنُ الصَّائِغِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ أَرَادَ "جَنَّاتٍ" فَأَطْلَقَ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْجَمْعِ لِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا غَيْرُ بَعِيدٍ قَالَ وَإِنَّمَا عَادَ الضَّمِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ وَهَذَا هُوَ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الِاسْتِغْنَاءُ بِالْجَمْعِ عَنِ الْإِفْرَادِ نَحْوَ: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} أَيْ وَلَا خُلَّةٌ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَجَمَعَ مُرَاعَاةً لِلْفَاصِلَةِ. الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: إِجْرَاءُ غَيْرِ الْعَاقِلِ مَجْرَى الْعَاقِلِ نَحْوَ: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: إِمَالَةُ مَا لَا يُمَالُ كَآيِ طه وَالنَّجْمِ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْإِتْيَانُ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَقَدِيرٍ وَعَلِيمٍ مَعَ تَرْكِ ذَلِكَ فِي نَحْوِ: هو القادر وعالم الغيب وَمِنْهُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: إِيثَارُ بَعْضِ أَوْصَافِ الْمُبَالِغَةِ عَلَى بَعْضٍ نَحْوَ: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} أو ثر عَلَى "عَجِيبٍ" لِذَلِكَ

التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ نَحْوَ: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمّىً} الثلاثون: إيقاع الظاهر موضع المضمر نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} وَكَذَا آيَةُ الْكَهْفِ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: وُقُوعُ "مَفْعُولٍ" مَوْقِعَ" "فَاعِلٍ" كَقَوْلِهِ: {حِجَاباً مَسْتُوراً} {كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} أي ساترا وَآتِيًا الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: وُقُوعُ "فَاعِلٍ" مَوْقِعَ "مَفْعُولٍ" نحو: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ نَحْوَ: {أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} إِنْ أَعْرَبَ "أَحْوَى" صِفَةَ "الْمَرْعَى" أَيْ حَالًا الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: إِيقَاعُ حَرْفٍ مَكَانَ غَيْرِهِ نَحْوَ: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} وَالْأَصْلُ "إِلَيْهَا" الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: تَأْخِيرُ الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ ومنه: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} لِأَنَّ الرَّأْفَةَ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحْمَةِ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: حَذْفُ الْفَاعِلِ وَنِيَابَةُ الْمَفْعُولِ نَحْوَ: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}

السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: إِثْبَاتُ هَاءِ السَّكْتِ نحو: {ما ليه} {سُلْطَانِيَهْ} {ماهية} الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَجْرُورَاتِ نحو: {لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً} فَإِنَّ الْأَحْسَنَ الْفَصْلُ بَيْنَهَا إِلَّا أَنَّ مُرَاعَاةَ الْفَاصِلَةِ اقْتَضَتْ عَدَمَهُ وَتَأْخِيرَ "تَبِيعًا" التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: الْعُدُولُ عَنْ صِيغَةِ الْمُضِيِّ إِلَى صِيغَةِ الِاسْتِقْبَالِ نَحْوَ: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} وَالْأَصْلُ "قَتَلْتُمْ" الْأَرْبَعُونَ: تَغْيِيرُ بِنْيَةِ الْكَلِمَةِ نَحْوَ: {وَطُورِ سِينِينَ} وَالْأَصْلُ "سِينَا". تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ الصَّائِغِ لَا يَمْتَنِعُ فِي تَوْجِيهِ الْخُرُوجِ عَنِ الْأَصْلِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ أُمُورٌ أُخْرَى مَعَ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ. فَصْلٌ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: لَا تَخْرُجُ فَوَاصِلُ الْقُرْآنِ عَنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: التَّمْكِينِ والتصدير والتوشيح والإيغال. التمكين فَالتَّمْكِينُ: وَيُسَمَّى ائْتِلَافُ الْقَافِيَةِ أَنْ يُمَهِّدَ النَّاثِرُ لِلْقَرِينَةِ أَوِ الشَّاعِرُ لِلْقَافِيَةِ تَمْهِيدًا تَأْتِي بِهِ الْقَافِيَةُ أَوِ الْقَرِينَةُ مُتَمَكِّنَةً فِي مَكَانِهَا مُسْتَقِرَّةً فِي قَرَارِهَا

مطمئنة في موضعها غَيْرَ نَافِرَةٍ وَلَا قَلِقَةٍ مُتَعَلِّقًا مَعْنَاهَا بِمَعْنَى الْكَلَامِ كُلِّهِ تَعَلُّقًا تَامًّا بِحَيْثُ لَوْ طُرِحَتْ لَاخْتَلَّ الْمَعْنَى وَاضْطَرَبَ الْفَهْمُ وَبِحَيْثُ لَوْ سُكِتَ عَنْهَا كَمَّلَهُ السَّامِعُ بِطَبْعِهِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: {يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْعِبَادَةِ وَتَلَاهُ ذِكْرُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ اقْتَضَى ذَلِكَ ذِكْرَ الْحِلْمِ وَالرُّشْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْحِلْمَ يُنَاسِبُ الْعِبَادَاتِ وَالرُّشْدَ يُنَاسِبُ الْأَمْوَالَ وَقَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ} {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ} إِلَى قَوْلِهِ: {أَفَلا يُبْصِرُونَ} فَأَتَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِ "يَهْدِ لَهُمْ" وَخَتَمَهَا بِ "يَسْمَعُونَ" لأنه الْمَوْعِظَةَ فِيهَا مَسْمُوعَةٌ وَهِيَ أَخْبَارُ الْقُرُونِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِ "يَرَوْا" وَخَتَمَهَا بِ "يُبْصِرُونَ" لِأَنَّهَا مَرْئِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فَإِنَّ اللَّطِيفَ يُنَاسِبُ مَا لَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ والخبر يُنَاسِبُ مَا يُدْرِكُهُ وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْفَاصِلَةِ التَّمْكِينَ التَّامَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا قَبْلَهَا وَقَدْ بَادَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ حِينَ نَزَلَ أَوَّلُ الْآيَةِ إِلَى خَتْمِهَا بِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ آخِرَهَا فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {خَلْقاً آخَرَ} قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: {فَتَبَارَكَ

اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِهَا خُتِمَتْ! وَحُكِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} " فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " وَلَمْ يَكُنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا كَلَامَ اللَّهِ فلا يقول كذا ومر بهما رجل فقال: كيف تقرأ هذه الآية فقال الرجل {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فقال هكذا ينبغي، الْحَكِيمُ لَا يَذْكُرُ الْغُفْرَانَ عِنْدَ الزَّلَلِ لِأَنَّهُ إِغْرَاءٌ عَلَيْهِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَدْ تَجْتَمِعُ فَوَاصِلُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيُخَالَفُ بَيْنَهَا كَأَوَائِلِ النَّحْلِ فَإِنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِذِكْرِ الأفلاك قال: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} ثُمَّ ذَكَرَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ خَلْقَ الْأَنْعَامِ ثُمَّ عَجَائِبَ النَّبَاتِ فَقَالَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فَجَعَلَ مَقْطَعَ هَذِهِ الْآيَةِ التَّفَكُّرَ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِحُدُوثِ الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ النَّبَاتِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ وَلَمَّا كَانَ هُنَا مَظِنَّةُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ طَبَائِعُ الْفُصُولِ وَحَرَكَاتُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَكَانَ الدَّلِيلُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ كَانَ مَجَالُ التَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ باقيا فأجاب تعالى عنه عن وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَغَيُّرَاتِ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ مَرْبُوطَةٌ بأحوال حركات الْأَفْلَاكِ فَتِلْكَ الْحَرَكَاتُ كَيْفَ حَصَلَتْ فَإِنْ كَانَ حُصُولُهَا بِسَبَبِ أَفْلَاكٍ أُخْرَى لَزِمَ التَّسَلْسُلُ

وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَالِقِ الْحَكِيمِ فَذَاكَ إِقْرَارٌ بوجود الإله تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فَجَعَلَ مَقْطَعَ هَذِهِ الْآيَةِ الْعَقْلَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ إِنْ كُنْتَ عَاقِلًا فَاعْلَمْ أَنَّ التَّسَلْسُلَ بَاطِلٌ فَوَجَبَ انْتِهَاءُ الْحَرَكَاتِ إِلَى حَرَكَةٍ يَكُونُ مُوجِدُهَا غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ وَهُوَ الْإِلَهُ الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ. وَالثَّانِي: أَنَّ نِسْبَةَ الكواكب والطبائع إلى أَجْزَاءِ الْوَرَقَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْحَبَّةِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ إِنَّا نَرَى الْوَرَقَةَ الْوَاحِدَةَ مِنَ الْوَرْدِ أَحَدَ وَجْهَيْهَا فِي غَايَةِ الْحُمْرَةِ وَالْآخَرَ فِي غَايَةِ السَّوَادِ فَلَوْ كَانَ الْمُؤَثِّرُ بالذات موجبا لَامْتَنَعَ حُصُولُ هَذَا التَّفَاوُتِ فِي الْآثَارِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ قَادِرٌ مُخْتَارٌ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} كَأَنَّهُ قِيلَ: اذْكُرْ مَا تَرَسَّخَ فِي عَقْلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالذَّاتِ وَالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ تَأْثِيرُهُ فَإِذَا نَظَرْتَ حُصُولَ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَيْسَ هُوَ الطَّبَائِعَ بَلِ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ فَلِهَذَا جَعَلَ مَقْطَعَ الْآيَةِ التَّذَكُّرَ وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الْآيَاتِ فَإِنَّ الْأُولَى خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وَالثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وَالثَّالِثَةَ بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لِأَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى تَرْكِهَا عَدَمُ الْعَقْلِ الْغَالِبِ عَلَى الْهَوَى لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ لِعَدَمِ اسْتِكْمَالِ الْعَقْلِ الدَّالِّ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكَذَلِكَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ لِسَبْقِ إِحْسَانِهِمَا إِلَى الْوَلَدِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْأَوْلَادِ بِالْوَأْدِ مِنَ الْإِمْلَاقِ مَعَ وُجُودِ الرَّازِقِ الْحَيِّ الْكَرِيمِ وَكَذَلِكَ إِتْيَانُ الْفَوَاحِشِ

لَا يَقْتَضِيهِ عَقْلٌ وَكَذَا قَتْلُ النَّفْسِ لِغَيْظٍ أَوْ غَضَبٍ فِي الْقَاتِلِ فَحَسُنَ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْقِلُونَ وأما الثانية فلتعلقها بِالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ أَيْتَامًا يَخْلُفُهُمْ مِنْ بَعْدِهِ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُعَامِلَ أَيْتَامَ غَيْرِهِ إِلَّا بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ أَيْتَامُهُ وَمَنْ يَكِيلُ أَوْ يَزِنُ أَوْ يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ لَهُ لَمْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَانَةٌ وَلَا بَخْسٌ وَكَذَا مَنْ وَعَدَ لَوْ وُعِدَ لَمْ يُحِبَّ أَنْ يُخْلَفَ وَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ عَامَلَ النَّاسَ به لِيُعَامِلُوهُ بِمِثْلِهِ فَتَرْكُ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لِغَفْلَةٍ عَنْ تَدَبُّرِ ذَلِكَ وتأمله فلذلك نَاسَبَ الْخَتْمَ بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فلأن تَرْكَ اتِّبَاعِ شَرَائِعِ اللَّهِ الدِّينِيَّةِ مُؤَدٍّ إِلَى غَضَبِهِ وَإِلَى عِقَابِهِ فَحَسُنَ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أَيْ عِقَابَ اللَّهِ بِسَبَبِهِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: فِي الْأَنْعَامِ أَيْضًا: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ} الْآيَاتِ فَإِنَّهُ خَتَمَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وَالثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} وَالثَّالِثَةَ بِقَوْلِهِ: {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وَذَلِكَ لِأَنَّ حِسَابَ النُّجُومِ وَالِاهْتِدَاءَ بِهَا يَخْتَصُّ بِالْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ فَنَاسَبَ خَتْمَهُ بِ "يَعْلَمُونَ وَإِنْشَاءَ الْخَلَائِقِ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَنَقْلَهُمْ مِنْ صُلْبٍ إِلَى رَحِمٍ ثُمَّ إِلَى الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَى حَيَاةٍ وَمَوْتٍ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَالْفِكْرُ فِيهِ أَدَقُّ فَنَاسَبَ خَتْمَهُ بِ "يَفْقَهُونَ" لِأَنَّ الْفِقْهَ فَهْمُ الْأَشْيَاءِ الدَّقِيقَةِ وَلَمَّا ذَكَرَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ سَعَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَقْوَاتِ وَالثِّمَارِ وَأَنْوَاعِ ذَلِكَ نَاسَبَ خَتْمَهُ بِالْإِيمَانِ الدَّاعِي إِلَى شُكْرِهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} حيث ختم الأولى ب "تؤمنون" والثانية ب "تذكرون" وَوَجْهُهُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقُرْآنِ لِنَظْمِ الشِّعْرِ ظَاهِرَةٌ وَاضِحَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَقَوْلُ:

مَنْ قَالَ: شِعْرٌ كُفْرٌ وَعِنَادٌ مَحْضٌ فَنَاسَبَ خَتْمَهُ بِقَوْلِهِ: {قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِنَظْمِ الكهان وألفاظ السجع فتحتاج إل تَذَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَثْرٌ فَلَيْسَتْ مُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي وُضُوحِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ كَمُخَالَفَتِهِ الشِّعْرَ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ بِتَدَبُّرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمَعَانِي الْأَنِيقَةِ فَحَسُنَ خَتْمُهُ بِقَوْلِهِ: {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} وَمِنْ بَدِيعِ هَذَا النَّوْعِ اخْتِلَافُ الْفَاصِلَتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَالْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَاحِدٌ لِنُكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ إبراهيم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} ثُمَّ قَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّهُ يَقُولُ إِذَا حَصَلَتِ النِّعَمُ الْكَثِيرَةُ فَأَنْتَ آخِذُهَا وَأَنَا مُعْطِيهَا فَحَصَلَ لَكَ عِنْدَ أَخْذِهَا وَصْفَانِ كَوْنُكَ ظَلُومًا وَكَوْنُكَ كَفَّارًا يَعْنِي لِعَدَمِ وَفَائِكَ بِشُكْرِهَا وَلِي عِنْدَ إِعْطَائِهَا وَصْفَانِ وَهُمَا: أَنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ أُقَابِلُ ظُلْمَكَ بِغُفْرَانِي وَكُفْرَكَ بِرَحْمَتِي فَلَا أُقَابِلُ تَقْصِيرَكَ إِلَّا بِالتَّوْقِيرِ وَلَا أُجَازِي جَفَاكَ إِلَّا بِالْوَفَاءِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا خَصَّ سُورَةَ إِبْرَاهِيمَ بِوَصْفِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَسُورَةَ النَّحْلِ بِوَصْفِ الْمُنْعِمِ لِأَنَّهُ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ فِي مَسَاقِ وَصْفِ الْإِنْسَانِ وَفِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي مَسَاقِ صِفَاتِ اللَّهِ وَإِثْبَاتِ لألوهيته وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} وَفِي فُصِّلَتْ خَتَمَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ قَبْلَ الْآيَةِ الْأُولَى {قُلْ لِلَّذِينَ

آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فَنَاسَبَ الْخِتَامَ بِفَاصِلَةِ الْبَعْثِ لِأَنَّ قَبْلَهُ وَصْفَهُمْ بِإِنْكَارِهِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فالختام فيها مناسب لأنه لَا يُضِيعُ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَنْ عَمِلَ سَيِّئًا وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} ثُمَّ أَعَادَهَا وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَهُمُ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِهِ وَالثَّانِيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ وَضَلَالُهُمْ أَشَدُّ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي الْمَائِدَةِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ثُمَّ أَعَادَهَا فَقَالَ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وَنُكْتَتُهُ أَنَّ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ وَالثَّانِيَةَ فِي الْيَهُودِ وَالثَّالِثَةَ فِي النَّصَارَى وَقِيلَ الْأُولَى فِيمَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَالثَّانِيَةُ فيمن خالفه مَعَ عِلْمِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَالثَّالِثَةُ فِيمَنْ خَالَفَهُ جَاهِلًا وَقِيلَ الْكَافِرُ وَالظَّالِمُ وَالْفَاسِقُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْرُ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ وَاجْتِنَابِ صُورَةِ التَّكْرَارِ. وَعَكْسُ هَذَا اتِّفَاقُ الْفَاصِلَتَيْنِ وَالْمُحَدَّثُ عَنْهُ مُخْتَلِفٌ كَقَوْلِهِ فِي سورة النور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ثُمَّ قَالَ:

{وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التَّنْبِيهُ الثَّانِي: مِنْ مُشْكِلَاتِ الْفَوَاصِلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَإِنَّ قَوْلَهُ: "وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ" يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْفَاصِلَةُ "الْغَفُورَ الرَّحِيمَ" وَكَذَا نُقِلَتْ عَنْ مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ شَنْبُوذَ وَذُكِرَ فِي حِكْمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ حُكْمَهُ فَهُوَ الْعَزِيزُ أَيِ الْغَالِبُ وَالْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي يَضَعُ الشَّيْءَ فِي مَحَلِّهِ وَقَدْ يَخْفَى وَجْهُ الْحِكْمَةِ عَلَى بَعْضِ الضُّعَفَاءِ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ فِي الْوَصْفِ بِالْحَكِيمِ احْتِرَاسٌ حَسَنٌ أَيْ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِمُ الْعَذَابَ فَلَا مُعْتَرَضَ عَلَيْكَ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ وَالْحِكْمَةُ فِيمَا فَعَلْتَهُ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وَفِي سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ: {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وَفِي غَافِرٍ: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وَفِي النُّورِ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} فَإِنَّ بَادِئَ الرَّأْيِ يَقْتَضِي "تَوَّابٌ رَحِيمٌ" لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلتَّوْبَةِ لَكِنْ عَبَّرَ بِهِ إِشَارَةً إِلَى فَائِدَةِ مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ وَحِكْمَتِهِ وَهِيَ السِّتْرُ عَنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْعَظِيمَةِ وَمِنْ خَفِيِّ ذَلِكَ أيضا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي

الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وَفِي آلِ عِمْرَانَ: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ إِلَى الذِّهْنِ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ الْخَتْمُ بِالْقُدْرَةِ وَفِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ الْخَتْمُ بِالْعِلْمِ وَالْجَوَابُ أَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ لَمَّا تَضَمَّنَتِ الْإِخْبَارَ عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا عَلَى حَسَبِ حَاجَاتِ أَهْلِهَا وَمَنَافِعِهِمْ ومصالحهم وخلق السموات خَلْقًا مُسْتَوِيًّا مُحْكَمًا مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَالْخَالِقُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا فَعَلَهُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا نَاسَبَ خَتْمَهَا بِصِفَةِ الْعِلْمِ وَآيَةَ آلِ عِمْرَانَ لَمَّا كَانَتْ فِي سِيَاقِ الْوَعِيدِ عَلَى مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْعِلْمِ فِيهَا كِنَايَةً عَنِ الْمُجَازَاةِ بِالْعِقَابِ وَالثَّوَابِ نَاسَبَ خَتْمَهَا بِصِفَةِ الْقُدْرَةِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} فَالْخَتْمُ بِالْحِلْمِ وَالْمَغْفِرَةِ عَقِبَ تَسَابِيحِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ ظاهر في بادى الرَّأْيِ وَذُكِرَ فِي حِكْمَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا تُسَبِّحُ وَلَا عِصْيَانَ فِي حَقِّهَا وَأَنْتُمْ تَعْصُونَ خَتَمَ بِهِ مُرَاعَاةً لِلْمُقَدَّرِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ الْعِصْيَانُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَوْلَا بَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لصب عليكم العذاب صبا " وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: حَلِيمًا عَنْ تَفْرِيطِ الْمُسَبِّحِينَ غَفُورًا لِذُنُوبِهِمْ وَقِيلَ حَلِيمًا عَنِ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ التَّسْبِيحَ بِإِهْمَالِهِمُ النَّظَرَ فِي الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ لِيَعْرِفُوا حَقَّهُ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا أَوْدَعَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّا يُوجِبُ تَنْزِيهَهُ.

التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: فِي الْفَوَاصِلِ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْغَضِّ فِي سُورَةِ النُّورِ: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} وَقَوْلِهِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِجَابَةِ: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} وَقِيلَ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِبَ ذِكْرِ رَمَضَانَ أَيْ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا. التَّصْدِيرُ وَأَمَّا التَّصْدِيرُ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ اللَّفْظَةُ بِعَيْنِهَا تَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَتُسَمَّى أَيْضًا رَدَّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ هُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُوَافِقَ آخِرَ الفاصلة آخر كَلِمَةٍ فِي الصَّدْرِ نَحْوَ: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} وَالثَّانِي: أَنْ يُوَافِقَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ مِنْهُ نَحْوَ: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} الثَّالِثُ: أَنْ يُوَافِقَ بَعْضَ كَلِمَاتِهِ نَحْوَ: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً} إِلَى قَوْلِهِ: {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} التَّوْشِيحُ وَأَمَّا التَّوْشِيحُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ مَا يَسْتَلْزِمُ الْقَافِيَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصْدِيرِ أَنَّ هَذَا دَلَالَتُهُ مَعْنَوِيَّةٌ وَذَاكَ لَفْظِيَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ} الْآيَةَ فَإِنَّ "اصْطَفَى" لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَاصِلَةَ "الْعَالَمِينَ" بِاللَّفْظِ لِأَنَّ لَفْظَ "الْعَالَمِينَ" غَيْرُ لَفْظِ "اصْطَفَى" وَلَكِنْ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ من لوازم اصطفاء شيء أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا عَلَى جِنْسِهِ وَجِنْسُ هَؤُلَاءِ الْمُصْطَفَيْنَ الْعَالَمُونَ وَكَقَوْلِهِ: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ} الْآيَةَ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: فَإِنَّ مَنْ كَانَ حَافِظًا لِهَذِهِ السُّورَةِ مُتَفَطِّنًا إِلَى أَنَّ مَقَاطِعَ آيِهَا النُّونُ الْمُرْدَفَةُ وَسَمِعَ فِي صَدْرِ الْآيَةِ انْسِلَاخَ النَّهَارِ مِنَ اللَّيْلِ عَلِمَ أَنَّ الْفَاصِلَةَ "مُظْلِمُونَ" لأن من انسلخ النَّهَارَ عَنْ لَيْلِهِ أَظْلَمَ أَيْ دَخَلَ فِي الظُّلْمَةِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ تَوْشِيحًا لِأَنَّ الْكَلَامَ لَمَّا دَلَّ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ نُزِّلَ الْمَعْنَى مَنْزِلَةَ الْوِشَاحِ وَنُزِّلَ أَوَّلُ الْكَلَامِ وَآخِرُهُ مَنْزِلَةَ الْعَاتِقِ وَالْكَشْحِ اللَّذَيْنِ يحول عليها الوشاح. الإيغال وَأَمَّا الْإِيغَالُ فَتَقَدَّمَ فِي نَوْعِ الْإِطْنَابِ.

فصل في أقسام الفواصل قسم البد يعيون السَّجْعَ وَمِثْلَهُ الْفَوَاصِلَ إِلَى أَقْسَامٍ مُطَرَّفٍ وَمُتَوَازٍ وَمُرَصَّعٍ وَمُتَوَازِنٍ وَمُتَمَاثِلٍ فَالْمُطَرَّفُ: أَنْ تَخْتَلِفَ الْفَاصِلَتَانِ فِي الْوَزْنِ وَتَتَّفِقَا فِي حُرُوفِ السَّجْعِ نَحْوَ: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} وَالْمُتَوَازِي: أَنْ يَتَّفِقَا وَزْنًا وَتَقْفِيَةً وَلَمْ يَكُنْ مَا فِي الْأُولَى مُقَابِلًا لِمَا فِي الثَّانِيَةِ فِي الْوَزْنِ وَالتَّقْفِيَةِ نَحْوَ: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} وَالْمُتَوَازِنُ: أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْوَزْنِ دُونَ التَّقْفِيَةِ نَحْوَ: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} وَالْمُرَصَّعُ: أَنْ يَتَّفِقَا وَزْنًا وَتَقْفِيَةً وَيَكُونَ مَا فِي الْأُولَى مُقَابِلًا لِمَا فِي الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ نَحْوَ: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جحيم وَالْمُتَمَاثِلُ: أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْوَزْنِ دُونَ التَّقْفِيَةِ وَتَكُونَ أَفْرَادُ الْأُولَى مُقَابِلَةً لِمَا فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُرَصَّعِ كَالْمُتَوَازِنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَوَازِي نَحْوَ: {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فَالْكِتَابُ وَالصِّرَاطُ يَتَوَازَنَانِ وَكَذَا الْمُسْتَبِينُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَاخْتَلَفَا فِي الْحَرْفِ الْأَخِيرِ.

فصل بقي نوعان بديعيان متعلقان بالفواصل: أحدهما: التشريع سماه ابن أبي الأصبع التوأم وَأَصْلُهُ أَنْ يَبْنِيَ الشَّاعِرُ بَيْتَهُ عَلَى وَزْنَيْنِ مِنْ أَوْزَانِ الْعَرُوضِ فَإِذَا أَسْقَطَ مِنْهَا جُزْءًا أَوْ جزءين صَارَ الْبَاقِي بَيْتًا مِنْ وَزْنٍ آخَرَ ثُمَّ زَعَمَ قَوْمٌ اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ يَكُونُ في النثر بأن يبنى عَلَى سَجْعَتَيْنِ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى مِنْهُمَا كَانَ الْكَلَامُ تَامًّا مُفِيدًا وَإِنْ أُلْحِقَتْ بِهِ السَّجْعَةُ الثَّانِيَةُ كَانَ فِي التَّمَامِ وَالْإِفَادَةِ عَلَى حَالِهِ مَعَ زِيَادَةِ مَعْنَى مَا زَادَ مِنَ اللَّفْظِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: وَقَدْ جَاءَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مُعْظَمُ سُورَةِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّ آيَاتِهَا لَوِ اقْتُصِرَ فيها على أولى الْفَاصِلَتَيْنِ دُونَ {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} لَكَانَ تَامًّا مُفِيدًا وَقَدْ كَمُلَ بِالثَّانِيَةِ فَأَفَادَ مَعْنًى زَائِدًا مِنَ التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ قُلْتُ: التَّمْثِيلُ غَيْرُ مُطَابِقٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُمَثِّلَ بِالْآيَاتِ الَّتِي فِي إِثْبَاتِهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ فَاصِلَةً كَقَوْلِهِ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. الثَّانِي: الِالْتِزَامُ وَيُسَمَّى لُزُومَ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ أَنْ يُلْتَزَمَ فِي الشِّعْرِ أَوِ النَّثْرِ حَرْفٌ أَوْ حَرْفَانِ فَصَاعِدًا قَبْلَ الرَّوِيِّ بِشَرْطِ عَدَمِ الْكُلْفَةِ مِثَالُ الْتِزَامِ حَرْفٍ {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} الْتَزَمَ الْهَاءَ قَبْلَ الرَّاءِ وَمِثْلُهُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} الْآيَاتِ الْتَزَمَ فِيهَا الرَّاءَ قَبْلَ الْكَافِ

{فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} الْتَزَمَ فِيهَا النُّونَ الْمُشَدَّدَةَ قَبْلَ السِّينِ {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} وَمِثَالُ الْتِزَامِ حَرْفَيْنِ {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} وَمِثَالُ الْتِزَامِ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ: {تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَالَ أَهْلُ الْبَدِيعِ: أَحْسَنُ السَّجْعِ وَنَحْوِهِ مَا تَسَاوَتْ قَرَائِنُهُ نَحْوَ: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} وَيَلِيهِ مَا طَالَتْ قَرِينَتُهُ الثَّانِيَةُ نَحْوَ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى أَوِ الثَّالِثَةُ نَحْوَ: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ} الْآيَةَ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْأَحْسَنُ فِي الثَّانِيَةِ الْمُسَاوَاةُ وَإِلَّا فَأَطْوَلُ قَلِيلًا وَفِي الثَّالِثَةِ أَنْ تَكُونَ أَطْوَلَ وَقَالَ الْخَفَاجِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَقْصَرَ مِنَ الْأُولَى الثَّانِي: قَالُوا أَحْسَنُ السَّجْعِ مَا كَانَ قَصِيرًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى قُوَّةِ الْمُنْشِئِ وَأَقَلُّهُ كَلِمَتَانِ نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} الآيات، {وَالْمُرْسَلاتِ

عُرْفاً} الآيات، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} الآيات، {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} الآيات والطويل ما زاد عن العشر كغالب الآيات وما بينهما متوسط كآيات سورة القمر الثَّالِثُ: قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ الْقَدِيمِ: لَا تحسن المحافظ عَلَى الْفَوَاصِلِ لِمُجَرَّدِهَا إِلَّا مَعَ بَقَاءِ الْمَعَانِي عَلَى سَرْدِهَا عَلَى الْمَنْهَجِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ حُسْنُ النَّظْمِ وَالْتِآمُهُ فَأَمَّا أَنْ تُهْمَلَ الْمَعَانِي وَيُهْتَمَّ بِتَحْسِينِ اللَّفْظِ وَحْدَهُ غَيْرَ مَنْظُورٍ فِيهِ إِلَى مُؤَدَّاهُ فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْبَلَاغَةِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الْفَاصِلَةِ بَلْ لِرِعَايَةِ الِاخْتِصَاصِ. الرَّابِعُ: مَبْنَى الْفَوَاصِلِ عَلَى الْوَقْفِ وَلِهَذَا سَاغَ مُقَابَلَةُ الْمَرْفُوعِ بالمجرور وبالعكس كقوله: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} مَعَ قَوْلِهِ: {عَذَابٌ وَاصِبٌ} وَ {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} وَقَوْلُهُ: {بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} مَعَ قَوْلِهِ: {قَدْ قُدِرَ} {وَدُسُرٍ} {مُسْتَمِرٌّ} وَقَوْلُهُ: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} مَعَ قَوْلِهِ: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} الْخَامِسُ: كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ خَتْمُ الْفَوَاصِلِ بِحُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَإِلْحَاقُ النُّونِ وَحِكْمَتُهُ وُجُودُ التَّمَكُّنِ مِنَ التَّطْرِيبِ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَنَّهُمْ إِذَا تَرَنَّمُوا يُلْحِقُونَ الْأَلِفَ وَالْيَاءَ وَالنُّونَ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَدَّ الصَّوْتَ وَيَتْرُكُونَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَرَنَّمُوا وَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَسْهَلِ مَوْقِفٍ وَأَعْذَبِ مَقْطَعٍ. السَّادِسُ: حُرُوفُ الْفَوَاصِلِ إِمَّا مُتَمَاثِلَةٌ وَإِمَّا مُتَقَارِبَةٌ:

فَالْأُولَى مِثْلُ: {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} وَالثَّانِي: مِثْلُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: وَفَوَاصِلُ الْقُرْآنِ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بَلْ تَنْحَصِرُ فِي الْمُتَمَاثِلَةِ وَالْمُتَقَارِبَةِ قَالَ: وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدِّ الْفَاتِحَةِ سَبْعَ آيَاتٍ مَعَ الْبَسْمَلَةِ وَجَعْلِ {صِرَاطَ الَّذِينَ} إِلَى آخِرِهَا آيَةً فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ آخر الْآيَةَ السَّادِسَةَ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يُشَابِهُ فَوَاصِلَ سَائِرِ آيَاتِ السُّورَةِ لَا بِالْمُمَاثَلَةِ وَلَا بِالْمُقَارَبَةِ وَرِعَايَةُ التَّشَابُهِ فِي الْفَوَاصِلِ لَازِمَةٌ السَّابِعُ: كَثُرَ فِي الْفَوَاصِلِ التَّضْمِينُ وَالْإِيطَاءُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَيْبَيْنِ فِي النَّثْرِ وَإِنْ كَانَا عَيْبَيْنِ فِي النَّظْمِ فَالتَّضْمِينُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْفَاصِلَةِ مُتَعَلِّقًا بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} وَالْإِيطَاءُ تَكَرُّرُ الْفَاصِلَةِ بِلَفْظِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْإِسْرَاءِ: {هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً} وَخَتَمَ بِذَلِكَ الْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا

النوع الستون: في فواتح السور

النَّوْعُ السِّتُّونَ: فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ أَفْرَدَهَا بِالتَّأْلِيفِ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ "الْخَوَاطِرَ السَّوَانِحَ فِي أَسْرَارِ الْفَوَاتِحِ" وَأَنَا أُلَخِّصُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ مَعَ زَوَائِدَ مِنْ غَيْرِهِ. اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَتَحَ سُوَرَ الْقُرْآنِ بِعَشَرَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْكَلَامِ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنَ السُّوَرِ عَنْهَا: الْأَوَّلُ: الثَّنَاءُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءُ قِسْمَانِ: إِثْبَاتٌ لِصِفَاتِ الْمَدْحِ وَنَفْيٌ وَتَنْزِيهٌ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ فَالْأَوَّلُ التَّحْمِيدُ فِي خَمْسِ سُوَرٍ وَتَبَارَكَ فِي سُورَتَيْنِ وَالثَّانِي التَّسْبِيحُ فِي سَبْعٍ سُوَرٍ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ: التَّسْبِيحُ كَلِمَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهَا فَبَدَأَ بِالْمَصْدَرِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ثُمَّ بِالْمَاضِي فِي الْحَدِيدِ وَالْحَشْرِ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ الزَّمَانَيْنِ ثُمَّ بِالْمُضَارِعِ فِي الْجُمُعَةِ وَالتَّغَابُنِ ثُمَّ بِالْأَمْرِ فِي الْأَعْلَى اسْتِيعَابًا لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ من جَمِيعِ جِهَاتِهَا. الثَّانِي: حُرُوفُ التَّهَجِّي فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سُورَةً وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُسْتَوْعَبًا فِي نَوْعِ الْمُتَشَابِهِ وَيَأْتِي الْإِلْمَامُ بِمُنَاسَبَاتِهَا فِي نَوْعِ الْمُنَاسَبَاتِ. الثَّالِثُ: النِّدَاءُ فِي عَشْرِ سُوَرٍ: خَمْسٌ بِنِدَاءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَحْزَابُ وَالطَّلَاقُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُدَّثِّرُ وَخَمْسٌ بِنِدَاءِ الْأُمَّةِ: النِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَالْحَجُّ وَالْحُجُرَاتُ وَالْمُمْتَحَنَةُ. -

الرَّابِعُ: الْجُمَلُ الْخَبَرِيَّةُ نَحْوَ: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ"، "براءة من الله"، "أتى أمر الله"، "اقترب للناس حسابهم"، "قد أفلح المؤمنون"، "سورة أنزلناها"، "تنزيل الكتاب"، "الذين كفروا"، "إنا فتحنا"، "اقتربت الساعة"، "الرحمن علم"، "قد سمع الله"، "الحاقة"، "سأل سائل"، "إنا أرسلنا نوحا"، "لا أقسم"، في موضعين "عبس"، "إنا أنزلناه"، "لم يكن"، "القارعة"، "ألهاكم"، "إنا أعطيناك"، فَتِلْكَ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً. الْخَامِسُ: الْقَسَمُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ سُورَةً سُورَةٌ أَقْسَمَ فِيهَا بِالْمَلَائِكَةِ وَهِيَ "وَالصَّافَّاتِ" وَسُورَتَانِ بِالْأَفْلَاكِ الْبُرُوجُ وَالطَّارِقُ وَسِتُّ سُوَرٍ بِلَوَازِمِهَا فَالنَّجْمُ قَسَمٌ بِالثُّرَيَّا وَالْفَجْرُ بِمَبْدَأِ النَّهَارِ وَالشَّمْسُ بِآيَةِ النَّهَارِ وَاللَّيْلُ بِشَطْرِ الزَّمَانِ وَالضُّحَى بِشَطْرِ النَّهَارِ وَالْعَصْرِ بِالشَّطْرِ الْآخَرِ أَوْ بِجُمْلَةِ الزَّمَانِ وَسُورَتَانِ بِالْهَوَاءِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْعَنَاصِرِ وَالذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَسُورَةٌ بِالتُّرْبَةِ الَّتِي هِيَ مِنْهَا أَيْضًا وَهِيَ: الطُّورُ وَسُورَةٌ بِالنَّبَاتِ وَهِيَ: وَالتِّينِ وَسُورَةٌ بِالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَهِيَ: وَالنَّازِعَاتِ وَسُورَةٌ بِالْبَهِيمِ وَهِيَ: وَالْعَادِيَاتِ. السَّادِسُ: الشَّرْطُ فِي سَبْعِ سُوَرٍ: "الْوَاقِعَةُ"، وَالْمُنَافِقُونَ وَالتَّكْوِيرُ وَالِانْفِطَارُ وَالِانْشِقَاقُ وَالزَّلْزَلَةُ وَالنَّصْرُ. السَّابِعُ: الْأَمْرُ فِي سِتٍّ سُوَرٍ: قُلْ أوحي اقرأ قل يا أيها الْكَافِرُونَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قُلْ أَعُوذُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ. الثَّامِنُ: الِاسْتِفْهَامُ فِي سِتِّ سُوَرٍ: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ هَلْ أَتَاكَ أَلَمْ نَشْرَحْ أَلَمْ تَرَ أَرَأَيْتَ.

التَّاسِعُ: الدُّعَاءُ فِي ثَلَاثٍ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ تَبَّتْ. العاشر: التعليل في لإيلاف قريش هَكَذَا جَمَعَ أَبُو شَامَةَ قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الدُّعَاءِ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ الْخَبَرِ وَكَذَا الثَّنَاءُ كُلُّهُ خَبَرٌ إِلَّا "سَبِّحْ" فَإِنَّهُ فِي قِسْمِ الْأَمْرِ وَسُبْحَانَ يَحْتَمِلُ الأمر الدعاء وَالْخَبَرَ ثُمَّ نَظَمَ ذَلِكَ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ: أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ بِثُبُو تِ الْحَمْدِ وَالسَّلْبِ لَمَّا اسْتَفْتَحَ السُّوَرَا وَالْأَمْرِ شَرْطِ النِّدَا والتعليل وَالْقَسَمِ الدُّ عَا حُرُوفِ التَّهَجِّي اسْتَفْهِمِ الْخَبَرَا وَقَالَ أَهْلُ الْبَيَانِ مِنَ الْبَلَاغَةِ حُسْنُ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ أَنْ يَتَأَنَّقَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَقْرَعُ السَّمْعَ فَإِنْ كَانَ مُحَرَّرًا أَقْبَلَ السَّامِعُ عَلَى الْكَلَامِ وَوَعَاهُ وَإِلَّا أَعْرَضَ عنه ولو كَانَ الْبَاقِي فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِأَعْذَبِ اللَّفْظِ وَأَجْزَلِهِ وَأَرَقِّهِ وَأَسْلَسِهِ وَأَحْسَنِهِ نَظْمًا وَسَبْكًا وَأَصَحِّهِ مَعْنًى وَأَوْضَحِهِ وَأَخْلَاهُ مِنَ التَّعْقِيدِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ الْمُلْبِسِ أَوِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ قَالُوا: وَقَدْ أَتَتْ جَمِيعُ فَوَاتِحِ السُّوَرِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَبْلَغِهَا وَأَكْمَلِهَا كَالتَّحْمِيدَاتِ وَحُرُوفِ الْهِجَاءِ وَالنِّدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنَ الِابْتِدَاءِ الْحَسَنِ نَوْعٌ أَخَصُّ مِنْهُ يُسَمَّى بَرَاعَةَ الِاسْتِهْلَالِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا يُنَاسِبُ الْحَالَ الْمُتَكَلَّمَ فِيهِ وَيُشِيرُ إِلَى مَا سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ وَالْعَلَمُ الْأَسْنَى فِي ذَلِكَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ مَطْلَعُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ مَقَاصِدِهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: أَخْبَرَنَا

أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ حَبِيبٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ مِائَةً وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ أَوْدَعَ عُلُومَهَا أَرْبَعَةً مِنْهَا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ الْقُرْآنَ ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْقُرْآنِ الْمُفَصَّلَ ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْمُفَصَّلِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَهَا كَانَ كَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ. وَقَدْ وُجِّهَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعُلُومَ الَّتِي احْتَوَى عَلَيْهَا الْقُرْآنُ وَقَامَتْ بِهَا الْأَدْيَانُ أَرْبَعَةٌ عِلْمُ الْأُصُولِ وَمَدَارُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الله وَصِفَاتِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِ {رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَمَعْرِفَةُ النُّبُوَّاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِ {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَمَعْرِفَةُ الْمَعَادِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَعِلْمُ الْعِبَادَاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وعلم السلوك وهو عمل النَّفْسِ عَلَى الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالِانْقِيَادِ لِرَبِّ الْبَرِيَّةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وَعِلْمُ الْقَصَصِ وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَخْبَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ لِيَعْلَمَ الْمُطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ سَعَادَةَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَشَقَاوَةَ مَنْ عَصَاهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فَنَبَّهَ فِي الْفَاتِحَةِ عَلَى جَمِيعِ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ وَهَذَا هُوَ الْغَايَةُ فِي بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ مَعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْحَسَنَةِ وَالْمَقَاطِعِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَأَنْوَاعِ الْبَلَاغَةِ وَكَذَلِكَ أَوَّلُ سُورَةٍ " اقْرَأْ"، فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نَظِيرِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةُ مِنْ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ لِكَوْنِهَا أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ من القرآن فَإِنَّ فِيهَا الْأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَالْبَدَاءَةَ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إلى عِلْمِ الْأَحْكَامِ وَفِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ

بِتَوْحِيدِ الرَّبِّ وَإِثْبَاتِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ صِفَةِ ذَاتٍ وَصِفَةِ فِعْلٍ وَفِي هَذِهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أُصُولِ الدِّينِ وَفِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَخْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ: {عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وَلِهَذَا قِيلَ إِنَّهَا جَدِيرَةٌ أَنْ تُسَمَّى عُنْوَانَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ عُنْوَانَ الْكِتَابِ يَجْمَعُ مَقَاصِدَهُ بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ فِي أَوَّلِهِ.

النوع الحادي والستون: في خواتم السور

النَّوْعُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: فِي خَوَاتِمِ السُّوَرِ هِيَ أَيْضًا مِثْلُ الْفَوَاتِحِ فِي الْحُسْنِ لِأَنَّهَا آخَرُ مَا يَقْرَعُ الْأَسْمَاعَ فَلِهَذَا جَاءَتْ مُتَضَمِّنَةً لِلْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ مَعَ إِيذَانِ السَّامِعِ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى يبقى معه للنفوس تشوق إِلَى مَا يُذْكَرُ بَعْدُ لِأَنَّهَا بَيْنَ أَدْعِيَةٍ وَوَصَايَا وَفَرَائِضَ وَتَحْمِيدٍ وَتَهْلِيلٍ وَمَوَاعِظَ وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَتَفْصِيلِ جُمْلَةِ الْمَطْلُوبِ فِي خَاتِمَةِ الْفَاتِحَةِ إِذِ الْمَطْلُوبُ الْأَعْلَى الْإِيمَانُ الْمَحْفُوظُ مِنَ الْمَعَاصِي الْمُسَبِّبَةِ لِغَضَبِ اللَّهِ وَالضَّلَالِ فَفَصَّلَ جُمْلَةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَالْمُرَادُ الْمُؤْمِنُونَ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْإِنْعَامَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ إِنْعَامٍ لِأَنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ فَقَدْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِكُلِّ نِعْمَةٍ لِأَنَّهَا مُسْتَتْبِعَةٌ لِجَمِيعِ النِّعَمِ ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} يَعْنِي أَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ النِّعَمِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ نِعْمَةُ الْإِيمَانِ وَبَيْنَ السَّلَامَةِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى وَالضَّلَالِ الْمُسَبَّبَيْنِ عَنْ مَعَاصِيهِ وَتَعَدِّي حُدُودِهِ وَكَالدُّعَاءِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَتَانِ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَكَالْوَصَايَا الَّتِي خُتِمَتْ بِهَا سُورَةُ آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} وَالْفَرَائِضُ الَّتِي خُتِمَتْ بِهَا سُورَةُ النِّسَاءِ وَحَسُنَ الْخَتْمُ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامِ الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ آخِرُ أَمْرِ كُلِّ حَيٍّ وَلِأَنَّهَا آخر ما أنزل مِنَ الْأَحْكَامِ وَكَالتَّبْجِيلِ وَالتَّعْظِيمِ الَّذِي خُتِمَتْ بِهِ الْمَائِدَةُ وَكَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الَّذِي خُتِمَتْ بِهِ الْأَنْعَامُ

وَكَالتَّحْرِيضِ عَلَى الْعِبَادَةِ بِوَصْفِ حَالِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِي خُتِمَتْ بِهِ الْأَعْرَافُ وَكَالْحَضِّ عَلَى الْجِهَادِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ الذي خَتَمَ بِهِ الْأَنْفَالُ وَكَوَصْفِ الرَّسُولِ وَمَدْحِهِ وَالتَّهْلِيلِ الَّذِي خُتِمَتْ بِهِ بَرَاءَةٌ وَتَسْلِيَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِي خُتِمَتْ بِهِ يُونُسُ وَمِثْلُهَا خَاتِمَةُ هُودٍ وَوَصْفُ الْقُرْآنِ وَمَدْحُهُ الَّذِي خَتَمَ بِهِ يُوسُفَ وَالْوَعِيدُ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ الَّذِي خَتَمَ بِهِ الرَّعْدَ وَمِنْ أَوْضَحِ مَا آذَنَ بِالْخِتَامِ خَاتِمَةُ إِبْرَاهِيمَ: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ} الْآيَةَ وَمِثْلُهَا خَاتِمَةُ الْأَحْقَافِ وَكَذَا خَاتِمَةُ الْحِجْرِ بِقَوْلِهِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهَا فِي غَايَةِ الْبَرَاعَةِ وَانْظُرْ إِلَى سُورَةِ الزَّلْزَلَةِ كَيْفَ بُدِئَتْ بِأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَخُتِمَتْ بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} وانظر بَرَاعَةِ آخَرِ آيَةٍ نَزَلَتْ وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ} وَمَا فِيهَا مِنَ الْإِشْعَارِ بِالْآخِرِيَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْوَفَاةِ وَكَذَلِكَ آخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ وَهِيَ سُورَةُ النَّصْرِ فِيهَا الْإِشْعَارُ بِالْوَفَاةِ كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَقَالُوا: فَتْحُ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ قَالَ: مَا تَقُولُ يا بن عَبَّاسٍ قَالَ أَجَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ نُعِيَتْ لَهُ نَفْسُهُ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: لِمَ تدخل هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ! فَقَالَ:

عُمَرُ إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ ذات يوم فقالك مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَقَالَ: بَعْضُهُمْ أَمَرَنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نَصَرَنَا وَفَتَحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي أَكَذَلِكَ تَقُولُ يا بن عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَا قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ بِهِ قَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ.

النوع الثاني والستون: في مناسبة الآيات والسور

النَّوْعُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: فِي مُنَاسَبَةُ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ أَفْرَدَهُ بِالتَّأْلِيفِ الْعَلَّامَةُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ شَيْخُ أَبِي حَيَّانَ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ "الْبُرْهَانَ فِي مُنَاسَبَةِ تَرْتِيبِ سُوَرِ الْقُرْآنِ" وَمِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْبِقَاعِيُّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ "نَظْمُ الدُّرَرِ فِي تَنَاسُبِ الْآيِ وَالسُّوَرِ" وكتابي الذي صنعته فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ كَافِلٌ بِذَلِكَ جَامِعٌ لِمُنَاسَبَاتِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ مَعَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ وَأَسَالِيبِ الْبَلَاغَةِ وَقَدْ لَخَّصْتُ مِنْهُ مناسبات السُّوَرِ خَاصَّةً فِي جُزْءٍ لَطِيفٍ سَمَّيْتُهُ "تَنَاسُقَ الدُّرَرِ فِي تَنَاسُبِ السُّوَرِ" وَعِلْمُ الْمُنَاسَبَةِ عِلْمٌ شَرِيفٌ قَلَّ اعْتِنَاءُ الْمُفَسِّرِينَ بِهِ لِدِقَّتِهِ وَمِمَّنْ أكثر فيه الإمام فخر الدين وقال فِي تَفْسِيرِهِ أَكْثَرُ لَطَائِفِ الْقُرْآنِ مُودَعَةٌ فِي التَّرْتِيبَاتِ وَالرَّوَابِطِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي "سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ": ارْتِبَاطُ آيِ الْقُرْآنِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ حَتَّى تكون كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مُتَّسِقَةَ الْمَعَانِي مُنْتَظِمَةَ الْمَبَانِي عِلْمٌ عَظِيمٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ إِلَّا عَالِمٌ وَاحِدٌ عَمِلَ فِيهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ثُمَّ فَتَحَ اللَّهُ لَنَا فِيهِ فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ لَهُ حَمَلَةً وَرَأَيْنَا الْخَلْقَ بِأَوْصَافِ الْبَطَلَةِ خَتَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ وَرَدَدْنَاهُ إِلَيْهِ وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ عَلِمَ الْمُنَاسَبَةِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَكَانَ غَزِيرَ الْعِلْمِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْأَدَبِ وَكَانَ يَقُولُ عَلَى الْكُرْسِيِّ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ لِمَ جُعِلَتْ

هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى جَنْبِ هَذِهِ؟ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى جَنْبِ هَذِهِ السُّورَةِ وَكَانَ يُزْرِي عَلَى عُلَمَاءِ بَغْدَادَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْمُنَاسَبَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُنَاسِبَةُ عِلْمٌ حَسَنٌ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي حُسْنِ ارْتِبَاطِ الْكَلَامِ أَنْ يَقَعَ فِي أَمْرٍ مُتَّحِدٍ مُرْتَبِطٍ أَوَّلُهُ بِآخِرِهِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ لَمْ يَقَعْ فِيهِ ارْتِبَاطٌ وَمَنْ رَبَطَ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِرَبْطٍ رَكِيكٍ يُصَانُ عَنْ مِثْلِهِ حَسَنُ الْحَدِيثِ فَضْلًا عَنْ أَحْسَنِهِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَحْكَامٍ مُخْتَلِفَةٍ شُرِّعَتْ لِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى رَبْطُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْمَلَّوِيُّ: قَدْ وَهِمَ مَنْ قَالَ لَا يُطْلَبُ لِلْآيِ الْكَرِيمَةِ مُنَاسَبَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى حَسَبِ الْوَقَائِعِ الْمُفَرَّقَةِ وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّهَا عَلَى حَسَبِ الْوَقَائِعِ تَنْزِيلًا وَعَلَى حَسَبِ الْحِكْمَةِ تَرْتِيبًا وَتَأْصِيلًا فَالْمُصْحَفُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مرتبة سوره كلها وآياته بِالتَّوْقِيفِ كَمَا أُنْزِلَ جُمْلَةً إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ وَمِنَ الْمُعْجِزِ الْبَيِّنِ أُسْلُوبُهُ وَنَظْمُهُ الْبَاهِرُ وَالَّذِي يَنْبَغِي فِي كُلِّ آيَةٍ أَنْ يُبْحَثَ أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ عَنْ كَوْنِهَا مُكَمِّلَةً لِمَا قَبْلَهَا أَوْ مُسْتَقِلَّةً ثُمَّ الْمُسْتَقِلَّةُ مَا وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا فَفِي ذَلِكَ عِلْمٌ جَمٌّ وَهَكَذَا فِي السُّوَرِ يُطْلَبُ وَجْهُ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا وَمَا سِيقَتْ لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي لَطَائِفِ نَظْمِ هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي بَدَائِعِ تَرْتِيبِهَا عَلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَمَا أَنَّهُ مُعْجِزٌ بِحَسْبِ فَصَاحَةِ أَلْفَاظِهِ وَشَرَفِ مَعَانِيهِ فَهُوَ أَيْضًا بِسَبَبِ تَرْتِيبِهِ وَنَظْمِ آيَاتِهِ وَلَعَلَّ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ مُعْجِزٌ بِسَبَبِ أُسْلُوبِهِ أَرَادُوا ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ جُمْهُورَ الْمُفَسِّرِينَ معرضين عن هَذِهِ اللَّطَائِفِ غَيْرَ مُنْتَبِهِينَ لِهَذِهِ الْأَسْرَارِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا كَمَا قِيلَ: وَالنَّجْمُ تَسْتَصْغِرُ الْأَبْصَارُ صُورَتَهُ وَالذَّنْبُ لِلطَّرْفِ لَا لِلنَّجْمِ فِي الصِّغَرِ

فصل الْمُنَاسِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْمُشَاكَلَةُ وَالْمُقَارَبَةُ وَمَرْجِعُهَا فِي الْآيَاتِ وَنَحْوِهَا إِلَى مَعْنًى رَابِطٍ بَيْنَهَا عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ عَقْلِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ أَوْ خَيَالِيٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَاتِ أَوِ التَّلَازُمِ الذِّهْنِيِّ كَالسَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ وَالْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ وَالنَّظِيرَيْنِ وَالضِّدَّيْنِ وَنَحْوِهِ وَفَائِدَتُهُ جَعْلُ أَجْزَاءِ الْكَلَامِ بَعْضِهَا آخِذًا بِأَعْنَاقِ بَعْضٍ فَيَقْوَى بِذَلِكَ الِارْتِبَاطُ وَيَصِيرُ التَّأْلِيفُ حَالُهُ حَالُ الْبِنَاءِ الْمُحْكَمِ الْمُتَلَائِمِ الْأَجْزَاءِ فَنَقُولُ ذِكْرُ الْآيَةِ بَعْدَ الْأُخْرَى إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الِارْتِبَاطِ لِتَعَلُّقِ الْكَلِمِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَعَدَمِ تَمَامِهِ بِالْأَوْلَى فَوَاضِحٌ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الثَّانِيَةُ لِلْأُولَى عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ أَوِ التَّفْسِيرِ أَوِ الِاعْتِرَاضِ أَوِ الْبَدَلِ وَهَذَا الْقِسْمُ لَا كلام فيه وإما إلا يَظْهَرَ الِارْتِبَاطُ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَنِ الْأُخْرَى وَأَنَّهَا خِلَافُ النَّوْعِ الْمَبْدُوءِ بِهِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الْأُولَى بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ الْمُشْتَرِكَةِ فِي الْحُكْمِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا جِهَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْسِيمُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} لِلتَّضَادِّ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَالْوُلُوجِ وَالْخُرُوجِ وَالنُّزُولِ وَالْعُرُوجِ وَشِبْهِ التَّضَادِّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ التَّضَادُّ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَذَابِ وَالرَّغْبَةِ بَعْدَ الرَّهْبَةِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْقُرْآنِ إِذَا ذَكَرَ

أَحْكَامًا ذَكَرَ بَعْدَهَا وَعْدًا وَوَعِيدًا لِيَكُونَ بَاعِثًا عَلَى الْعَمَلِ بِمَا سَبَقَ ثُمَّ يَذْكُرُ آيَاتِ تَوْحِيدٍ وَتَنْزِيهٍ لِيُعْلَمَ عِظَمُ الْآمِرِ وَالنَّاهِي وَتَأَمَّلْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ تَجِدْهُ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْطُوفَةً فَلَا بُدَّ مِنْ دِعَامَةٍ تُؤْذِنُ بِاتِّصَالِ الْكَلَامِ وَهِيَ قَرَائِنُ مَعْنَوِيَّةٌ تُؤْذِنُ بِالرَّبْطِ وَلَهُ أَسْبَابٌ: أَحَدُهَا: التَّنْظِيرُ فَإِنَّ إِلْحَاقَ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ مِنْ شَأْنِ الْعُقَلَاءِ كَقَوْلِهِ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} عَقِبَ قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَمْضِيَ لِأَمْرِهِ فِي الْغَنَائِمِ عَلَى كُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهِ كَمَا مَضَى لِأَمْرِهِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ لِطَلَبِ الْعِيرِ أَوْ لِلْقِتَالِ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَالْقَصْدُ أَنَّ كَرَاهَتَهُمْ لِمَا فَعَلَهُ مِنْ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ كَكَرَاهَتِهِمْ لِلْخُرُوجِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فِي الْخُرُوجِ الْخَيْرُ مِنَ الظَّفَرِ وَالنَّصْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَعَزِّ الْإِسْلَامِ فَكَذَا يَكُونُ فِيمَا فَعَلَهُ فِي الْقِسْمَةِ فَلْيُطِيعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَيَتْرُكُوا هَوَى أَنْفُسِهِمْ. الثَّانِي: الْمُضَادَّةُ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ فَإِنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ كَانَ حَدِيثًا عَنِ الْقُرْآنِ وَأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الْهِدَايَةَ لِلْقَوْمِ الْمَوْصُوفِينَ بِالْإِيمَانِ فَلَمَّا أَكْمَلَ وَصْفَ الْمُؤْمِنِينَ عَقَّبَ بِحَدِيثِ الْكَافِرِينَ فَبَيْنَهُمَا جَامِعٌ وَهْمِيٌّ بِالتَّضَادِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَحِكْمَتُهُ التَّشْوِيقُ وَالثُّبُوتُ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا قِيلَ: "وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ" فَإِنْ قِيلَ: هَذَا جَامِعٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَدِيثًا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَرَضِ

لا بالذات والمقصود بالذات هُوَ مَسَاقُ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ الْحَدِيثُ عَنِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مُفْتَتَحُ الْقَوْلِ قِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَامِعِ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي التَّعَلُّقُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَيَكْفِي وجه الربط ما ذكرناه لِأَنَّ الْقَصْدَ تَأْكِيدُ أَمْرِ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالْحَثِّ عَلَى الْإِيمَانِ وَلِهَذَا لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} فَرَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ. الثَّالِثُ: الِاسْتِطْرَادُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ وَارِدَةٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ عَقِبَ ذِكْرِ بُدُوِّ السَّوْءَاتِ وَخَصْفِ الْوَرَقِ عَلَيْهِمَا إظهارا للمنة فيما خَلَقَ مِنَ اللِّبَاسِ وَلِمَا فِي الْعُرْيِ وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ مِنَ الْمَهَانَةِ وَالْفَضِيحَةِ وَإِشْعَارًا بِأَنَّ السَّتْرَ بَابٌ عَظِيمٌ مِنْ أَبْوَابِ التَّقْوَى وَقَدْ خَرَّجْتُ عَلَى الِاسْتِطْرَادِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} فَإِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ ذُكِرَ لِلرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى الزاعمين نبوة الْمَسِيحِ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ لِلرَّدِّ عَلَى الْعَرَبِ الزَّاعِمِينَ بُنُوَّةَ الْمَلَائِكَةِ وَيَقْرُبُ مِنَ الِاسْتِطْرَادِ حَتَّى لَا يَكَادَانِ يَفْتَرِقَانِ حُسْنُ التَّخَلُّصِ وَهُوَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِمَّا ابْتُدِئَ بِهِ الْكَلَامُ إِلَى الْمَقْصُودِ عَلَى وَجْهٍ سَهْلٍ يَخْتَلِسُهُ اخْتِلَاسًا دَقِيقَ الْمَعْنَى بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ السَّامِعُ بِالِانْتِقَالِ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّانِي لِشِدَّةِ الِالْتِئَامِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ غَلِطَ أَبُو الْعَلَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ غَانِمٍ فِي قَوْلِهِ: لَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا وَرَدَ عَلَى الِاقْتِضَابِ الَّذِي هُوَ

طَرِيقَةُ الْعَرَبِ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى غَيْرِ مُلَائِمٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَفِيهِ مِنَ التَّخَلُّصَاتِ الْعَجِيبَةِ مَا يُحَيِّرُ الْعُقُولَ. وَانْظُرْ إِلَى سُورَةِ الْأَعْرَافِ كَيْفَ ذُكِرَ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ وَالْأُمَمُ السَّالِفَةُ ثُمَّ ذُكِرَ مُوسَى إِلَى أَنْ قَصَّ حِكَايَةَ السَّبْعِينَ رَجُلًا وَدُعَائِهِ لَهُمْ وَلِسَائِرِ أُمَّتِهِ بِقَوْلِهِ: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} وَجَوَابُهُ تَعَالَى عَنْهُ ثُمَّ تَخَلَّصَ بِمَنَاقِبِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ بَعْدَ تَخَلُّصِهِ لِأُمَّتِهِ بِقَوْلِهِ: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ} مِنْ صِفَاتِهِمْ كَيْتَ وَكَيْتَ وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وَأَخَذَ فِي صِفَاتِهِ الْكَرِيمَةِ وَفَضَائِلِهِ وَفِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ حَكَى قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} فَتَخَلَّصَ مِنْهُ إِلَى وَصْفِ الْمَعَادِ بِقَوْلِهِ: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} الخ وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ حَكَى قَوْلَ ذِي الْقَرْنَيْنِ فِي السَّدِّ بَعْدَ دَكِّهِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ثُمَّ النَّفْخُ فِي الصُّورِ وَذَكَرَ الحشر ووصف مآل الكفار وَالْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخَلُّصِ وَالِاسْتِطْرَادِ أَنَّكَ فِي التَّخَلُّصِ تَرَكْتَ مَا كُنْتَ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَقْبَلْتَ عَلَى مَا تَخَلَّصْتَ إِلَيْهِ وَفِي الِاسْتِطْرَادِ تَمُرُّ بِذِكْرِ الْأَمْرِ الَّذِي اسْتَطْرَدْتَ إِلَيْهِ مُرُورًا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ ثُمَّ تَتْرُكُهُ وَتَعُودُ إِلَى مَا كُنْتَ فِيهِ كَأَنَّكَ لَمْ تَقْصِدْهُ وَإِنَّمَا عَرَضَ عُرُوضًا قِيلَ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي سُورَتَيِ الْأَعْرَافِ وَالشُّعَرَاءِ مِنْ بَابِ الِاسْتِطْرَادِ

لَا التَّخَلُّصِ لِعَوْدِهِ فِي الْأَعْرَافِ إِلَى قِصَّةِ مُوسَى بِقَوْلِهِ: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ} إلى آخره وَفِي الشُّعَرَاءِ إِلَى ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ وَيَقْرُبُ مِنْ حُسْنِ التَّخَلُّصِ الِانْتِقَالُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى آخَرَ تَنْشِيطًا لِلسَّامِعِ مَفْصُولًا بِهَذَا كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ ص بَعْدَ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَوْعٌ مِنَ الذِّكْرِ لِمَا انْتَهَى ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّنْزِيلِ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ نَوْعًا آخَرَ وَهُوَ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ قَالَ: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} فَذَكَرَ النَّارَ وَأَهْلَهَا. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هَذَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنَ الْفَصْلِ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ مِنَ الْوَصْلِ وَهِيَ عَلَاقَةٌ أَكِيدَةٌ بَيْنَ الْخُرُوجِ مِنْ كَلَامٍ إِلَى آخَرَ وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَيْضًا حُسْنُ الْمَطْلَبِ قَالَ الزَّنْجَانِيُّ وَالطِّيبِيُّ: وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْغَرَضِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْوَسِيلَةِ كَقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ حُسْنُ التَّخَلُّصِ وَالْمَطْلَبِ مَعًا قَوْلُهُ تعالى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} إِلَى قَوْلِهِ: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}

قَاعِدَةٌ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الْمُفِيدُ لِعِرْفَانِ مُنَاسَبَاتِ الْآيَاتِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ هُوَ أَنَّكَ تَنْظُرُ إِلَى الْغَرَضِ الَّذِي سِيقَتْ لَهُ السُّورَةُ وَتَنْظُرُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْغَرَضُ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ وَتَنْظُرُ إِلَى مَرَاتِبِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنَ الْمَطْلُوبِ وَتَنْظُرُ عِنْدَ انْجِرَارِ الْكَلَامِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إِلَى مَا يَسْتَتْبِعُهُ مِنَ اسْتِشْرَافِ نَفْسِ السَّامِعِ إِلَى الْأَحْكَامِ أو اللوازم التَّابِعَةِ لَهُ الَّتِي تَقْتَضِي الْبَلَاغَةُ شِفَاءَ الْغَلِيلِ بِدَفْعِ عَنَاءِ الِاسْتِشْرَافِ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهَا فَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الْمُهَيْمِنُ عَلَى حُكْمِ الرَّبْطِ بَيْنَ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ فإذا فعلته تَبَيَّنَ لَكَ وَجْهُ النَّظْمِ مُفَصَّلًا بَيْنَ كُلِّ آية وآية في كل سُورَةٌ انْتَهَى. تَنْبِيهٌ مِنَ الْآيَاتِ مَا أَشْكَلَتْ مُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} الْآيَاتِ فَإِنَّ وَجْهَ مُنَاسَبَتِهَا لِأَوَّلِ السُّورَةِ وَآخِرِهَا عَسِرٌ جِدًّا فَإِنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا فِي أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّهُ سَقَطَ مِنَ السُّورَةِ شَيْءٌ وَحَتَّى ذَهَبَ الْقَفَّالُ فِيمَا حَكَاهُ الْفَخْرُ الرَّازِّيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ فِي قَوْلِهِ: {يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} ، قَالَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ كِتَابَهُ فَإِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ تَلَجْلَجَ خَوْفًا فَأَسْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَيُقَالُ لَهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَ عَمَلَكَ وَأَنْ نَقْرَأَ عَلَيْكَ "فَإِذَا قرأناه "

فَاتَّبَعْ قُرْآنَهُ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّكَ فَعَلْتَ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَ أَمْرِ الْإِنْسَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِعُقُوبَتِهِ انْتَهَى. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَانَهُ حَالَةَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ لَهَا مُنَاسَبَاتٍ: مِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْقِيَامَةَ وَكَانَ مِنْ شَأْنِ مَنْ يُقَصِّرُ عَنِ الْعَمَلِ لَهَا حُبُّ الْعَاجِلَةِ وَكَانَ مِنْ أَصِلِ الدِّينَ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ إِلَى أَفْعَالِ الْخَيْرِ مَطْلُوبَةٌ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَعْتَرِضُ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ مَا هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ وَهُوَ الْإِصْغَاءُ إِلَى الْوَحْيِ وَتَفَهُّمُ مَا يَرِدُ مِنْهُ وَالتَّشَاغُلُ بِالْحِفْظِ قَدْ يَصُدُّ عَنْ ذلك فأمر بألا يُبَادِرَ إِلَى التَّحَفُّظِ لِأَنَّ تَحْفِيظَهُ مَضْمُونٌ عَلَى رَبِّهِ وَلْيُصْغِ إِلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ فَيَتَّبِعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمَّا انْقَضَتِ الْجُمْلَةُ الْمُعْتَرِضَةُ رَجَعَ الْكَلَامُ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِنْسَانِ الْمُبْتَدَأِ بِذِكْرِهِ وَمَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَقَالَ: {كُلاً} وَهِيَ كَلِمَةُ رَدْعٍ كَأَنَّهُ قَالَ "بَلْ أَنْتُمْ يَا بَنِي آدَمَ لِكَوْنِكُمْ خُلِقْتُمْ مِنْ عَجَلٍ تَعْجَلُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْ ثَمَّ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ" وَمِنْهَا أَنَّ عَادَةَ الْقُرْآنِ إِذَا ذَكَرَ الْكِتَابَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى عَمَلِ الْعَبْدِ حَيْثُ يُعْرَضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَنْشَأُ عَنْهَا الْمُحَاسَبَةُ عَمَلًا وَتَرْكًا كَمَا قَالَ فِي الْكَهْفِ: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} الْآيَةَ وَقَالَ فِي سُبْحَانَ: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَلَقَدْ

صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} الْآيَةَ وَقَالَ فِي طه: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} إِلَى أَنْ قَالَ: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} وَمِنْهَا أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ لَمَّا نَزَلَ إِلَى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} صَادَفَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَادَرَ إِلَى تَحَفُّظِ الَّذِي نَزَلَ وَحَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ مَنْ عَجَلَتِهِ خَشْيَةً مِنْ تَفَلُّتِهِ فَنَزَلَ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثم عاد إلى الْكَلَامُ إِلَى تَكْمِلَةِ مَا ابْتُدِئَ بِهِ قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: وَنَحْوَهُ مالو أَلْقَى الْمُدَرِّسُ عَلَى الطَّالِبِ مَثَلًا مَسْأَلَةً فَتَشَاغَلَ الطَّالِبُ بِشَيْءٍ عَرَضَ لَهُ فَقَالَ لَهُ أَلْقِ إِلَيَّ بَالَكَ وَتَفَهَّمْ مَا أَقُولُ ثُمَّ كَمَّلَ الْمَسْأَلَةَ فَمَنْ لَا يَعْرِفُ السَّبَبَ يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مُنَاسِبًا لِلْمَسْأَلَةِ بِخِلَافِ مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ وَمِنْهَا: أَنَّ "النَّفْسَ" لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ عَدَلَ إِلَى ذِكْرِ، نَفْسِ الْمُصْطَفَى كَأَنَّهُ قِيلَ هَذَا شَأْنُ النُّفُوسِ وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ نَفْسُكَ أَشْرَفُ النُّفُوسِ فَلْتَأْخُذْ بِأَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} الْآيَةَ فَقَدَ يُقَالُ أَيُّ رَابِطٍ بَيْنَ أَحْكَامِ الْأَهِلَّةِ وَبَيْنَ حُكْمِ إِتْيَانِ الْبُيُوتِ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِطْرَادِ لِمَا ذَكَرَ أَنَّهَا مَوَاقِيتُ لِلْحَجِّ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَفْعَالِهِمْ فِي الْحَجِّ كَمَا ثَبَتَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ذَكَرَ مَعَهُ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ كَمَا سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الْآيَةَ فَقَدْ يُقَالُ: مَا وَجْهُ اتِّصَالِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الْآيَةَ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ سَمِعْتُ أَبَا الحسن الدهان بقول: وَجْهُ اتِّصَالِهِ هُوَ أَنَّ ذِكْرَ تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَدْ سَبَقَ أَيْ فَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ذَلِكَ وَاسْتَقْبَلُوهُ فإن لله الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ. فَصْلٌ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مُنَاسِبَةُ فَوَاتِحِ السُّوَرِ وَخَوَاتِمِهَا وَقَدْ أَفْرَدْتُ فِيهِ جُزْءًا لَطِيفًا سَمَّيْتُهُ: "مَرَاصِدَ الْمَطَالِعِ فِي تَنَاسُبُ الْمَقَاطِعِ وَالْمَطَالِعِ" وَانْظُرْ إِلَى سُورَةِ الْقَصَصِ كَيْفَ بُدِئَتْ بِأَمْرِ مُوسَى وَنُصْرَتِهِ وَقَوْلِهِ: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} وَخُرُوجِهِ مِنْ وَطَنِهِ وَخُتِمَتْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بألا يَكُونَ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ وَتَسْلِيَتِهِ عَنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ مَكَّةَ وَوَعْدِهِ بِالْعَوْدِ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ: فِي أَوَّلِ السُّورَةِ {إِنَّا رَادُّوهُ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فَاتِحَةَ سُورَةِ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} وَأَوْرَدَ فِي خَاتِمَتِهَا {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالْخَاتِمَةِ! وَذِكَرَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ مِثْلَهُ:

وَقَالَ فِي سُورَةِ "ص" بَدَأَهَا بِالذِّكْرِ وَخَتَمَهَا بِهِ فِي قَوْلِهِ: {نْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} وَفِي سُورَةِ "ن" بَدَأَهَا بِقَوْلِهِ: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} وَمِنْهُ مُنَاسَبَةُ فَاتِحَةِ السُّورَةِ لِخَاتِمَةِ مَا قَبْلَهَا حَتَّى إِنَّ مِنْهَا مَا يَظْهَرُ تَعَلُّقُهَا بِهِ لَفْظًا كَمَا فِي {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} فَقَدْ قَالَ الْأَخْفَشُ: اتِّصَالُهَا بِهَا مِنْ بَابِ {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} وَقَالَ الْكَوَاشِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ: لَمَّا خَتَمَ سورة النساء أمرا بِالتَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذَا اعْتَبَرْتَ افْتِتَاحَ كُلِّ سُورَةٍ وَجَدْتَهُ فِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا خُتِمَ بِهِ السُّورَةُ قَبْلَهَا ثُمَّ هُوَ يَخْفَى تَارَةً وَيَظْهَرُ أُخْرَى كَافْتِتَاحِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ بِالْحَمْدِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِخِتَامِ الْمَائِدَةِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَكَافْتِتَاحِ سُورَةِ فَاطِرٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِخِتَامِ مَا قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَكَافْتِتَاحِ سُورَةِ الْحَدِيدِ بِالتَّسْبِيحِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِخِتَامِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ بِالْأَمْرِ بِهِ

وَكَافْتِتَاحِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِقَوْلِهِ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّرَاطِ فِي قَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} كَأَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوا الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ الصِّرَاطُ الَّذِي سَأَلْتُمُ الْهِدَايَةَ إِلَيْهِ هُوَ الْكِتَابُ وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ يَظْهَرُ فِيهِ ارْتِبَاطُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِالْفَاتِحَةِ وَمِنْ لَطَائِفِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ أَنَّهَا كَالْمُقَابِلَةِ لِلَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ السَّابِقَةَ وَصَفَ اللَّهُ فِيهَا الْمُنَافِقَ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: الْبُخْلِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالرِّيَاءِ فِيهَا وَمَنْعِ الزَّكَاةِ فَذَكَرَ فِيهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُخْلِ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أَيِ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ وَفِي مُقَابَلَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ: {فَصَلَ} أَيْ دُمْ عَلَيْهَا وَفِي مُقَابَلَةِ الرِّيَاءِ: {لِرَبِّكِ} أَيْ لِرِضَاهُ لَا لِلنَّاسِ وَفِي مُقَابَلَةِ مَنْعِ الْمَاعُونِ: {وَانْحَرْ} وَأَرَادَ بِهِ التَّصَدُّقَ بِلَحْمِ الْأَضَاحِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِتَرْتِيبِ وَضْعِ السُّوَرِ فِي الْمُصْحَفِ أَسْبَابٌ تُطْلِعُ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ صَادِرٌ عَنْ حَكِيمٍ: أَحَدُهَا: بِحَسَبِ الْحُرُوفِ كَمَا في الحواميم الثاني: لموافقة أَوَّلُ السُّورَةِ لِآخَرِ مَا قَبْلَهَا كَآخِرِ الْحَمْدِ فِي الْمَعْنَى وَأَوَّلِ الْبَقَرَةِ الثَّالِثُ: لِلتَّوَازُنِ فِي اللَّفْظِ كَآخِرِ "تَبَّتْ" وَأَوَّلِ "الْإِخْلَاصِ" الرَّابِعُ: لِمُشَابِهَةِ جُمْلَةِ السُّورَةِ لِجُمْلَةِ الْأُخْرَى كالضحى وألم نَشْرَحْ. قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَسُورَةُ الْفَاتِحَةِ تَضَمَّنَتِ الْإِقْرَارَ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالِالْتِجَاءَ إِلَيْهِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَالصِّيَانَةَ عَنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ تَضَمَّنَتْ قَوَاعِدَ الدِّينِ وَآلِ عِمْرَانَ مُكَمِّلَةٌ لِمَقْصُودِهَا فَالْبَقَرَةُ بِمَنْزِلَةِ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْحُكْمِ وَآلُ عِمْرَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ عَنْ شُبُهَاتِ الْخُصُومِ وَلِهَذَا وَرَدَ

فِيهَا ذِكْرُ الْمُتَشَابِهِ لِمَا تَمَسَّكَ بِهِ النَّصَارَى وَأَوْجَبَ الْحَجَّ فِي آلِ عِمْرَانَ وَأَمَّا فِي الْبَقَرَةِ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَأَمَرَ بِإِتْمَامِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَكَانَ خِطَابُ النَّصَارَى فِي آلِ عِمْرَانَ أَكْثَرَ كَمَا أَنَّ خِطَابَ الْيَهُودِ فِي الْبَقَرَةِ أَكْثَرُ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ أَصْلٌ وَالْإِنْجِيلَ فَرْعٌ لَهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ دَعَا الْيَهُودَ وَجَاهَدَهُمْ وَكَانَ جِهَادُهُ لِلنَّصَارَى فِي آخِرِ الْأَمْرِ كَمَا كَانَ دُعَاؤُهُ لِأَهْلِ الشِّرْكِ قَبْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِهَذَا كَانَتِ السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ فِيهَا الدِّينُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ فَخُوطِبَ بِهِ جَمِيعُ النَّاسِ وَالسُّوَرُ الْمَدَنِيَّةُ فِيهَا خِطَابُ مَنْ أَقَرَّ بِالْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُؤْمِنِينَ فَخُوطِبُوا بِيَا أَهْلَ الْكِتَابِ يَا بَنِي إسرائيل يأيها الَّذِينَ آمَنُوا وَأَمَّا سُورَةُ النِّسَاءِ فَتَضَمَّنَتْ أَحْكَامَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَ النَّاسِ وَهِيَ نَوْعَانِ: مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَمَقْدُورَةٌ لَهُمْ كَالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَلِهَذَا افْتَتَحَتْ بِقَوْلِهِ: {اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ثُمَّ قَالَ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} فَانْظُرْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ الْعَجِيبَةِ فِي الِافْتِتَاحِ وَبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ حَيْثُ تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ الْمُفْتَتَحُ بِهَا مَا أَكْثَرُ السُّورَةِ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ وَمُحْرَّمَاتِهِ وَالْمَوَارِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَرْحَامِ وَأَنَّ ابْتِدَاءَ هَذَا الْأَمْرِ كَانَ بِخَلْقِ آدَمَ ثُمَّ خَلْقِ زَوْجِهِ مِنْهُ ثُمَّ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا وَنِسَاءً فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ وَأَمَّا الْمَائِدَةُ فَسُورَةُ الْعُقُودِ تَضَمَّنَتْ بَيَانَ تَمَامِ الشَّرَائِعِ وَمُكَمِّلَاتِ الدِّينِ وَالْوَفَاءِ بِعُهُودِ الرُّسُلِ وَمَا أُخِذَ عَلَى الْأُمَّةِ وبها تمام الدِّينُ فَهِيَ سُورَةُ التَّكْمِيلِ لِأَنَّ فِيهَا تَحْرِيمَ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَمَامِ الْإِحْرَامِ وَتَحْرِيمَ الْخَمْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَمَامِ حِفْظِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَعُقُوبَةَ الْمُعْتَدِينَ مِنَ السُّرَّاقِ وَالْمُحَارِبِينَ الَّذِي هُوَ مِنْ تَمَامِ حِفْظِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَإِحْلَالَ الطَّيِّبَاتِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَمَامِ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا ذُكِرَ فِيهَا مَا يَخْتَصُّ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالْحُكْمِ بِالْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ

دين ولهذا كثر فِيهَا مَنْ لَفْظِ الْإِكْمَالِ وَالْإِتْمَامِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّ مَنِ ارْتَدَّ عوض الله خير مِنْهُ وَلَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ كَامِلًا وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّهَا آخِرُ مَا نَزَلَ لِمَا فِيهَا مِنْ إِشَارَاتِ الْخَتْمِ وَالتَّمَامِ وَهَذَا التَّرْتِيبُ بَيْنَ هَذِهِ السُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْمَدَنِيَّاتِ مِنْ أَحْسَنِ التَّرْتِيبِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ حَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى الْقُرْآنِ وَضَعُوا سُورَةَ الْقَدْرِ عَقِبَ الْعَلَقِ اسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ المراد بهاء الْكِنَايَةُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الْإِشَارَةُ إِلَى قوله: "اقرأ" قال القاضي أبو بكر ابن الْعَرَبِيِّ وَهَذَا بَدِيعٌ جِدًّا. فَصْلٌ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَمِنْ ذَلِكَ افْتِتَاحُ السُّوَرِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ وَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِمَا بُدِئَتْ بِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِتَرِدَ "الم" فِي مَوْضِعِ "الر" وَلَا "حم" فِي مَوْضِعِ "طس" قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ بُدِئَتْ بِحَرْفٍ مِنْهَا فَإِنَّ أَكْثَرَ كَلِمَاتِهَا وَحُرُوفِهَا مُمَاثِلٌ لَهُ فَحَقَّ لِكُلِّ سُورَةٍ منها ألا يُنَاسِبَهَا غَيْرُ الْوَارِدَةِ فِيهَا فَلَوْ وُضِعَ "ق" مَوْضِعَ "ن" لِعُدِمَ التَّنَاسُبُ الْوَاجِبُ مُرَاعَاتُهُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَسُورَةُ "ق" بُدِئَتْ بِهِ لَمَّا تَكَرَّرَ فِيهَا مِنَ الْكَلِمَاتِ بِلَفْظِ الْقَافِ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ وَالْخَلْقِ وَتَكْرِيرِ الْقَوْلِ وَمُرَاجَعَتِهِ مِرَارًا وَالْقُرْبِ مِنَ ابْنِ آدَمَ وَتَلَقِّي الْمَلَكَيْنِ وَقَوْلِ الْعَتِيدِ وَالرَّقِيبِ وَالسَّائِقِ وَالْإِلْقَاءِ فِي جَهَنَّمَ وَالتَّقَدُّمِ بِالْوَعْدِ وَذِكْرِ الْمُتَّقِينَ وَالْقَلْبِ وَالْقُرُونِ وَالتَّنْقِيبِ فِي الْبِلَادِ وَتَشَقِّقِ الْأَرْضِ وَحُقُوقِ الْوَعِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي سُورَةِ يُونُسَ مِنَ الْكَلِمِ الْوَاقِعِ فِيهَا "الرَّاءُ" مِائَتَا كَلِمَةٍ أَوْ أَكْثَرُ فَلِهَذَا افْتُتِحَتْ بِ "الر"

وَاشْتَمَلَتْ سُورَةُ "ص" عَلَى خُصُومَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَأَوَّلُهَا خُصُومَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْكُفَّارِ وَقَوْلُهُمْ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} ثُمَّ اخْتِصَامُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ دَاوُدَ ثُمَّ تُخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ اخْتِصَامُ الْمَلَأِ الْأَعْلَى ثُمَّ تُخَاصُمُ إِبْلِيسَ فِي شَأْنِ آدَمَ ثُمَّ فِي شَأْنِ بَنِيهِ وَإِغْوَائِهِمْ وَ "الم" جَمَعَتِ الْمَخَارِجَ الثَّلَاثَةَ الْحَلْقَ وَاللِّسَانَ وَالشَّفَتَيْنِ عَلَى تَرْتِيبِهَا وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْبِدَايَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ الْخَلْقِ وَالنِّهَايَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ الْمِيعَادِ وَالْوَسَطِ الَّذِي هُوَ الْمَعَاشُ مِنَ التَّشْرِيعِ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَكُلُّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِهَا فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَسُورَةُ الْأَعْرَافِ زِيدَ فِيهَا الصَّادُ عَلَى "الم" لِمَا فِيهَا مِنْ شَرْحِ الْقَصَصِ قِصَّةِ آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى "المص" {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وَزِيدَ فِي الرَّعْدِ رَاءً لِأَجْلِ قَوْلِهِ: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ} وَلِأَجْلِ ذِكْرِ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَغَيْرِهِمَا وَاعْلَمْ أَنَّ عَادَةَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} ، {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} {يس وَالْقُرْآنِ} {ص وَالْقُرْآنِ} {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} {ق وَالْقُرْآنِ} إِلَّا ثَلَاثَ سُوَرٍ: الْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ ون لَيْسَ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرْتُ حِكْمَةَ ذَلِكَ فِي "أسرار التنزيل"

وقال الحزاني فِي مَعْنَى حَدِيثِ "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وَأَمْثَالٍ اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْخَلْقِ وَكَمَالِ كُلِّ الْأَمْرِ بَدَأَ فَكَانَ الْمُتَحَلِّي بِهِ جَامِعًا لِانْتِهَاءِ كُلِّ خَلْقٍ وَكَمَالِ كُلِّ أمر فلذلك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ قَسِيمُ الْكَوْنِ وَهُوَ الْجَامِعُ الْكَامِلُ وَلِذَلِكَ كَانَ خَاتِمًا وَكِتَابُهُ كَذَلِكَ وَبَدَأَ الْمَعَادُ مِنْ حِينِ ظُهُورِهِ فاستوفى صَلَاحِ هَذِهِ الْجَوَامِعِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي الْأَوَّلِينَ بِدَايَاتُهَا وَتَمَّتْ عِنْدَهُ غَايَاتُهَا: "بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" وَهِيَ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ والمعاد التي جمعها قوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادِي" وَفِي كُلِّ صَلَاحٍ إِقْدَامٌ وَإِحْجَامٌ فَتَصِيرُ الثَّلَاثَةُ الْجَوَامِعُ سِتَّةً هِيَ حُرُوفُ الْقُرْآنِ السِّتَّةُ ثُمَّ وَهَبَ حَرْفًا جَامِعًا سَابِعًا فَرْدًا لَا زَوْجَ لَهُ فَتَمَّتْ سَبْعَةً فَأَدْنَى تِلْكَ الْحُرُوفِ هُوَ حَرْفَا صَلَاحِ الدُّنْيَا فَلَهَا حَرْفَانِ حَرْفُ الْحَرَامِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ النَّفْسُ وَالْبَدَنُ إِلَّا بِالتَّطَهُّرِ مِنْهُ لِبُعْدِهِ عَنْ تَقْوِيمِهَا وَالثَّانِي حَرْفُ الْحَلَالِ الَّذِي تَصْلُحُ النَّفْسُ وَالْبَدَنُ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ تَقْوِيمَهَا وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ وَتَمَامُهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَيْلِي ذَلِكَ حَرْفَا صَلَاحِ الْمَعَادِ أَحَدُهُمَا حَرْفُ الزَّجْرِ وَالنَّهْيِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْآخِرَةُ إِلَّا بِالتَّطَهُّرِ مِنْهُ لِبُعْدِهِ عَنْ حَسَنَاتِهَا وَالثَّانِي حَرْفُ الْأَمْرِ الَّذِي تَصْلُحُ الْآخِرَةُ عَلَيْهِ لِتَقَاضِيهِ لِحَسَنَاتِهَا وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي الْإِنْجِيلِ وَتَمَامُهُمَا فِي الْقُرْآنِ

وَيْلِي ذَلِكَ حَرْفَا صَلَاحِ الدِّينِ أَحَدُهُمَا حَرْفُ الْمُحْكَمِ الَّذِي بَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ خِطَابُ رَبِّهِ وَالثَّانِي حَرْفُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ لِلْعَبْدِ فِيهِ خِطَابُ رَبِّهِ مِنْ جِهَةِ قُصُورِ عَقْلِهِ عَنْ إِدْرَاكِهِ. فَالْحُرُوفُ الْخَمْسَةُ لِلِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا الْحَرْفُ السَّادِسُ لِلْوُقُوفِ وَالِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا وَتَمَامُهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَيَخْتَصُّ الْقُرْآنُ بِالْحَرْفِ السَّابِعِ الْجَامِعِ وَهُوَ حَرْفُ الْمَثَلِ الْمُبَيِّنِ لِلْمَثَلِ الْأَعْلَى وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْحَمْدُ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهِ أُمَّ الْقُرْآنِ وَجَمَعَ فِيهَا جَوَامِعَ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي بَثَّهَا فِي الْقُرْآنِ فالأولى تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفِ الْحَمْدِ السَّابِعِ وَالثَّانِيَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفَيِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ اللَّذَيْنِ أَقَامَتِ الرَّحْمَانِيَّةُ بِهِمَا الدُّنْيَا وَالرَّحِيمِيَّةُ الْآخِرَةَ وَالثَّالِثَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرِ الْمَلِكِ الْقَيِّمِ عَلَى حرفي النهي الذين يَبْدَأُ أَمْرُهُمَا فِي الدِّينِ وَالرَّابِعَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفَيِ الْمُحْكَمِ فِي قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وَالْمُتَشَابِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَلَمَّا افْتَتَحَ أُمَّ الْقُرْآنِ بِالسَّابِعِ الْجَامِعِ الْمَوْهُوبِ ابْتُدِئَتِ الْبَقَرَةُ بِالسَّادِسِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَرَّانِيِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُوَ الْأَخِيرُ وَبَقِيَّتُهُ يَنْبُو عَنْهُ السَّمْعُ وَيَنْفِرُ مِنْهُ الْقَلْبُ وَلَا تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ حِكَايَتِهِ عَلَى أَنِّي أَقُولُ: فِي مُنَاسَبَةِ ابْتِدَاءِ الْبَقَرَةِ بِ "الم" أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ابْتُدِئَتِ الْفَاتِحَةُ بِالْحَرْفِ الْمُحْكَمِ الظَّاهِرِ لِكُلِّ أَحَدٍ بحيث لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي فَهْمِهِ ابْتُدِئَتِ الْبَقَرَةُ بِمُقَابِلِهِ وَهُوَ الْحَرْفُ الْمُتَشَابِهُ الْبَعِيدُ التَّأْوِيلِ أَوِ الْمُسْتَحِيلُهُ

فَصْلٌ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مُنَاسَبَةُ أَسْمَاءِ السُّوَرِ لِمَقَاصِدِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ السَّابِعَ عَشَرَ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ وَفِي عَجَائِبِ الْكِرْمَانِيِّ إِنَّمَا سُمِّيَتِ السُّوَرُ السَّبْعُ حم عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنَ التَّشَاكُلِ الَّذِي اخْتُصَّتْ بِهِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا اسْتَفْتَحَتْ بِالْكِتَابِ أَوْ صِفَةِ الْكِتَابِ مَعَ تَقَارُبِ الْمَقَادِيرِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَتُشَاكُلِ الْكَلَامِ فِي النِّظَامِ. فَوَائِدُ مَنْثُورَةٌ فِي الْمُنَاسَبَاتِ فِي تَذْكِرَةِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السبكي ومن خطه نقلت سأل الْإِمَامُ مَا الْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ بِالتَّسْبِيحِ وَالْكَهْفِ بِالتَّحْمِيدِ وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ حَيْثُ جَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّحْمِيدِ نَحْوَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} {سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ} وَأَجَابَ ابْنُ الزَّمَلْكَانِيِّ: بِأَنَّ "سُورَةَ سُبْحَانَ" لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْإِسْرَاءِ الَّذِي كَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبُهُ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَتَى "بِسُبْحَانَ" لِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا نُسِبَ إِلَى نَبِيِّهِ مِنَ الْكَذِبِ وَسُورَةُ الْكَهْفِ لَمَّا أُنْزِلَتْ بَعْدَ سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَتَأَخُّرِ الْوَحْيِ نَزَلَتْ مُبَيِّنَةً أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْطَعْ نِعْمَتَهُ عَنْ نَبِيِّهِ وَلَا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ أَتَمَّ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ بِإِنْزَالِ الْكِتَابِ فَنَاسَبَ افْتِتَاحَهَا بِالْحَمْدِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ فِي تَفْسِيرِ الْخُوَيِّيِّ ابْتُدِئَتِ الْفَاتِحَةُ بِقَوْلِهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَوَصَفَ بِأَنَّهُ مَالِكُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ وَفِي الْأَنْعَامِ وَالْكَهْفِ وَسَبَأٍ وَفَاطِرٍ لَمْ يُوصَفْ بِذَلِكَ بَلْ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ صِفَاتِهِ وَهُوَ خلق السموات وَالْأَرْضِ وَالظُّلُمَاتِ

وَالنُّورِ فِي الْأَنْعَامِ وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ فِي الْكَهْفِ وَمِلْكِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ فِي سَبَأٍ وَخَلْقِهِمَا فِي فَاطِرٍ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَمَطْلَعُهُ فَنَاسَبَ الْإِتْيَانَ فِيهَا بِأَبْلَغِ الصِّفَاتِ وَأَعَمِّهَا وَأَشْمَلِهَا. فِي العجائب الكرماني: إِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَاءَ "يَسْأَلُونَكَ" أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِغَيْرِ وَاوٍ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} ثُمَّ جَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِالْوَاوِ: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} قُلْنَا لِأَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنِ الْحَوَادِثِ الْأُوَلِ وَقَعَ مُتَفَرِّقًا وَعَنْ الْحَوَادِثِ الْأُخَرِ وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فجئ بِحِرَفِ الْجَمْعِ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَاءَ {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ} وعادة القرآن مجئ "قُلْ" فِي الْجَوَابِ بِلَا فَاءٍ؟ أجاب الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ: "لَوْ سُئِلَتْ عَنْهَا فَقُلْ" فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَاءَ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} وعادة السؤال يجئ جَوَابُهُ فِي الْقُرْآنِ "بِقُلْ"؟ قُلْنَا: حُذِفَتْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْعَبْدَ في حالة الدُّعَاءِ فِي أَشْرَفِ الْمَقَامَاتِ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ

وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ سُورَتَانِ: أَوَّلُهُمَا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فِي كُلِّ نصف سورة فالتي في النِّصْفُ الْأَوَّلُ تَشْتَمِلُ عَلَى شَرْحِ الْمَبْدَأِ وَالَّتِي فِي الثَّانِي عَلَى شَرْحِ الْمَعَادِ.

النوع الثالث والستون: في الآيات المشتبهات

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: فِي الْآيَاتِ الْمُشْتَبِهَاتِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلْقٌ أَوَّلُهُمْ فِيمَا أَحْسَبُ الْكِسَائِيُّ وَنَظَّمَهُ السَّخَاوِيُّ وَأَلَّفَ فِي تَوْجِيهِهِ الْكِرْمَانِيُّ كِتَابَهُ "الْبُرْهَانُ فِي مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ" وَأَحْسَنُ مِنْهُ "دُرَّةُ التَّنْزِيلِ وَغُرَّةُ التَّأْوِيلِ" لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا "مَلَاكُ التَّأْوِيلِ" لِأَبِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلِلْقَاضِي بَدْرِ الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ لَطِيفٌ "سَمَّاهُ كَشْفَ الْمَعَانِي عَنْ مُتَشَابِهِ الْمَثَانِي" وَفِي كِتَابِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ الْمُسَمَّى قَطْفُ الْأَزْهَارِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ مِنْ ذَلِكَ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَالْقَصْدُ بِهِ إِيرَادُ الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي صُوَرٍ شَتَّى وَفَوَاصِلَ مُخْتَلِفَةٍ بَلْ تَأْتِي فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مُقْدَّمًا وَفِي آخَرَ مُؤَخَّرًا كَقَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} وَفِي الْأَعْرَافِ: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} وَفِي الْبَقَرَةِ: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} وَسَائِرِ الْقُرْآنِ {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}

أَوْ فِي مَوْضِعٍ بِزِيَادَةٍ وَفِي آخَرَ بِدُونِهَا نَحْوَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} في البقرة وَفِي يس {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} وَفِي الْبَقَرَةِ {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وفي الأنفال {كُلَّهُ لِلَّهِ} أَوْ فِي مَوْضِعٍ مُعَرَّفًا وَفِي آخَرَ مُنَكَّرًا أَوْ مُفْرَدًا وَفِي آخَرَ جَمْعًا أَوْ بِحَرْفٍ وَفِي آخَرَ بِحَرْفٍ آخَرَ أَوْ مُدْغَمًا وَفِي آخَرَ مَفْكُوكًا وَهَذَا النَّوْعُ يَتَدَاخَلُ مَعَ نَوْعِ الْمُنَاسَبَاتِ وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِنْهُ بِتَوْجِيهِهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى في البقرة: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} وَفِي لُقْمَانَ {هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هُنَا مَجْمُوعَ الْإِيمَانِ نَاسَبَ "الْمُتَّقِينَ" وَلَمَّا ذَكَرَ ثَمَّ الرَّحْمَةَ نَاسَبَ "الْمُحْسِنِينَ" قَوْلُهُ تعالى: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا} وفي الأعراف {فَكُلا} بِالْفَاءِ قِيلَ: لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْبَقَرَةِ الْإِقَامَةُ وَفِي الْأَعْرَافِ اتِّخَاذُ الْمَسْكَنِ فَلَمَّا نُسِبَ الْقَوْلُ إِلَيْهِ تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ} نَاسَبَ زِيَادَةَ الْإِكْرَامِ بِالْوَاوِ الدَّالَّةِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ السُّكْنَى وَالْأَكْلِ وَلِذَا قَالَ فِيهِ "رَغَدًا" وَقَالَ: {حَيْثُ شِئْتُمَا} لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَفِي الْأَعْرَافِ "وَيَا آدَمُ" فَأَتَى بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَكْلِ عَلَى السُّكْنَى الْمَأْمُورِ بِاتِّخَاذِهَا لِأَنَّ الْأَكْلَ بعد الاتخاذ و "من حَيْثُ" لَا تُعْطِي عُمُومَ مَعْنَى {حَيْثُ شِئْتُمَا} قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا

شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} فَفِيهِ تَقْدِيمُ الْعَدْلِ وَتَأْخِيرُهُ وَالتَّعْبِيرُ بِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ تَارَةً وَبِالنَّفْعِ أُخْرَى وَذَكَرَ فِي حِكْمَتِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي "مِنْهَا" رَاجِعٌ فِي الْأُولَى إِلَى النَّفْسِ الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ إِلَى النَّفْسِ الثَّانِيَةِ فَبَيَّنَ فِي الْأُولَى أَنَّ النَّفْسَ الشَّافِعَةَ الْجَازِيَةَ عَنْ غَيْرِهَا لَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَقُدِّمَتِ الشَّفَاعَةُ لِأَنَّ الشَّافِعَ يُقَدِّمُ الشفاعة على بذل العدل عنها وَبَيَّنَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ النَّفْسَ الْمَطْلُوبَةَ بِجُرْمِهَا لَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةُ شَافِعٍ مِنْهَا وَقَدَّمَ الْعَدْلَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الشَّفَاعَةِ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ رَدِّهِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْأُولَى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} وَفِي الثَّانِيَةِ: "وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ" لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا تُقْبَلُ مِنَ الشَّافِعِ وَإِنَّمَا تَنْفَعُ الْمَشْفُوعَ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} وفي إبراهيم {وَيُذَبِّحُونَ} بِالْوَاوِ لِأَنَّ الْأُولَى مِنْ كَلَامِهِ تَعَالَى لَهُمْ فَلَمْ يُعَدِّدْ عَلَيْهِمُ الْمِحَنَ تَكَرُّمًا فِي الْخِطَابِ وَالثَّانِيَةَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى فَعَدَّدَهَا وَفِي الْأَعْرَافِ {يَقْتُلُونَ} وَهُوَ مِنْ تَنْوِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُسَمَّى بِالتَّفَنُّنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} الْآيَةَ وَفِي آيَةِ الْأَعْرَافِ اخْتِلَافُ أَلْفَاظٍ وَنُكْتَتُهُ أَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ في معرض ذكر النعم عليهم حيث قال: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} إِلَى آخِرِهِ فَنَاسَبَ نِسْبَةَ الْقَوْلِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَنَاسَبَ قَوْلَهُ: "رَغَدًا" لِأَنَّ الْمُنْعَمَ بِهِ أَتَمُّ وَنَاسَبَ تقديم {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} وَنَاسَبَ "خَطَايَاكُمْ" لِأَنَّهُ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَنَاسَبَ

الْوَاوَ فِي "وَسَنَزِيدُ" لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَنَاسَبَ الْفَاءَ فِي " فَكُلُوا " لِأَنَّ الْأَكْلَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الدُّخُولِ وَآيَةُ الْأَعْرَافِ افْتُتِحَتْ بِمَا فِيهِ تَوْبِيخُهُمْ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ،ثُمَّ اتِّخَاذُهُمُ الْعِجْلَ فَنَاسَبَ ذَلِكَ {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} وَنَاسَبَ تَرْكُ "رَغَدًا"وَالسُّكْنَى تُجَامِعُ الْأَكْلَ فَقَالَ: {وَكُلُوا} وَنَاسَبَ تَقْدِيمُ ذِكْرِ مَغْفِرَةِ الْخَطَايَا وَتَرْكُ الْوَاوِ في "سنزيد" وَلَمَّا كَانَ فِي الْأَعْرَافِ تَبْعِيضُ الْهَادِينَ بِقَوْلِهِ: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} نَاسَبَ تَبْعِيضَ الظَّالِمِينَ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْبَقَرَةِ مِثْلُهُ فَتُرِكَ وَفِي الْبَقَرَةِ إِشَارَةٌ إِلَى سَلَامَةِ غَيْرِ الَّذِينَ ظَلَمُوا لِتَصْرِيحِهِ بِالْإِنْزَالِ عَلَى الْمُتَّصِفِينَ بِالظُّلْمِ وَالْإِرْسَالُ أَشَدُّ وَقْعًا مِنَ الْإِنْزَالِ فَنَاسَبَ سِيَاقَ ذِكْرِ النِّعْمَةِ فِي الْبَقَرَةِ ذَلِكَ وَخَتَمَ آيَةَ الْبَقَرَةِ بِ {يَفْسُقُونَ} وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الظُّلْمُ وَالظُّلْمُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْفِسْقُ فَنَاسَبَ كُلُّ لَفْظَةٍ مِنْهَا سِيَاقَهُ وَكَذَا فِي البقرة: {فَانْفَجَرَتْ} وفي الأعراف {فَانْبَجَسَتْ} لِأَنَّ الِانْفِجَارَ أَبْلَغَ فِي كَثْرَةِ الْمَاءِ فَنَاسَبَ سِيَاقَ ذِكْرِ النِّعَمِ التعبير به قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً} وفي آل عمران {مَعْدُودَاتٍ} قَالَ ابْنُ جُمَاعَةَ: لِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ فِرْقَتَانِ مِنَ الْيَهُودِ إِحْدَاهُمَا قَالَتْ: إِنَّمَا نُعَذَّبُ بِالنَّارِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى قَالَتْ إِنَّمَا نُعَذَّبُ أَرْبَعِينَ عِدَّةَ أَيَّامِ عِبَادَةِ آبَائِهِمُ الْعِجْلَ فَآيَةُ الْبَقَرَةِ تَحْتَمِلُ قَصْدَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ عَبَّرَ بِجَمْعِ الْكَثْرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ بِالْفِرْقَةِ الْأَوْلَى حَيْثُ أَتَى بِجَمْعِ الْقِلَّةِ

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: إِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّفَنُّنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} وَفِي آلِ عِمْرَانَ {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} لِأَنَّ الْهُدَى فِي الْبَقَرَةِ الْمُرَادُ بِهِ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ وَفِي آلِ عِمْرَانَ الْمُرَادُ بِهِ الدِّينُ لِتَقَدُّمِ قوله: {لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} وَمَعْنَاهُ إِنَّ دِينُ اللَّهِ الْإِسْلَامَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً} وَفِي إِبْرَاهِيمَ {هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَعَا بِهِ قَبْلَ مَصِيرِهِ بَلَدًا عِنْدَ تَرْكِ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ بِهِ وَهُوَ وَادٍ فَدَعَا بأن يصير بَلَدًا وَالثَّانِي دَعَا بِهِ بَعْدَ عَوْدِهِ وَسُكْنَى جُرْهُمَ بِهِ وَمَصِيرِهِ بَلَدًا فَدَعَا بِأَمْنِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} وَفِي آلِ عِمْرَانَ {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} لأن الْأُولَى خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالثَّانِيَةَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ "إِلَى" يُنْتَهَى بِهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَ "عَلَى" لَا يُنْتَهَى بِهَا إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْعُلُوُّ وَالْقُرْآنُ يَأْتِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَأْتِي مُبَلِّغُهُ إِيَّاهُمْ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ خَاصَّةً فَنَاسَبَ قَوْلَهُ: "عَلَيْنَا" وَلِهَذَا أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ب "على" وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي جِهَةِ الأمة ب "إلى" قَوْلُهُ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا تَعْتَدُوهَا لِأَنَّ الْأُولَى وَرَدَتْ بَعْدَ نَوَاهٍ فَنَاسَبَ النَّهْيُ عَنْ قُرْبَانِهَا وَالثَّانِيَةَ بَعْدَ أَوَامِرَ فَنَاسَبَ النَّهْيُ عَنْ تَعَدِّيهَا وَتَجَاوُزِهَا بِأَنْ يُوقَفَ عِنْدَهَا

قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} وقال: {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ} لِأَنَّ الْكِتَابَ أُنْزِلَ مُنَجَّمًا فَنَاسَبَ الْإِتْيَانَ بِ "نَزَّلَ" الدَّالُّ عَلَى التَّكْرِيرِ بِخِلَافِهِمَا؛ فَإِنَّهُمَا أُنْزِلَا دَفْعَةً قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} وفي الإسراء {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} لِأَنَّ الْأُولَى خِطَابٌ لِلْفُقَرَاءِ الْمُقِلِّينَ أَيْ لَا تَقْتُلُوهُمْ مِنْ فَقْرٍ بِكُمْ؛ فَحَسُنَ {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ} مَا يَزُولُ بِهِ إِمْلَاقُكُمْ ثُمَّ قَالَ: "وَإِيَّاهُمْ" أَيْ نَرْزُقُكُمْ جَمِيعًا وَالثَّانِيَةَ خِطَابٌ لِلْأَغْنِيَاءِ أَيْ خَشْيَةَ فَقْرٍ يَحْصُلُ لَكُمْ بِسَبَبِهِمْ وَلِذَا حَسُنَ {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ؛ وَفِي فُصِّلَتْ {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قَالَ ابْنُ جُمَاعَةَ: لِأَنَّ آيَةَ الْأَعْرَافِ نَزَلَتْ أَوَّلًا؛ وَآيَةُ فُصِّلَتْ نَزَلَتْ ثَانِيًا؛ فَحَسُنَ التَّعْرِيفُ؛ أَيْ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوَّلًا عِنْدَ نُزُوغِ الشَّيْطَانِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} وَقَالَ فِي الْمُؤْمِنِينَ {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وَفِي الْكُفَّارِ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَيْسُوا مُتَنَاصِرِينَ عَلَى دِينٍ مُعَيَّنٍ وَشَرِيعَةٍ ظَاهِرَةٍ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَهُودًا وَبَعْضُهُمْ مُشْرِكِينَ فَقَالَ: {مِنْ بَعْضٍ} أَيْ فِي الشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَالْمُؤْمِنُونَ مُتَنَاصِرُونَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ

الْمُعْلِنُونَ بِالْكُفْرِ كُلُّهُمْ أَعْوَانُ بَعْضِهِمْ وَمُجْتَمِعُونَ عَلَى التَّنَاصُرِ بِخِلَافِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ يُسْتَضَاءُ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهَا كَثِيرٌ فِي نَوْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَفِي نَوْعِ الْفَوَاصِلِ وفي أنواع أخر تم الجزء الثالث من كتاب الإتقان في علوم القرآن ويليه الجزء الرابع وأوله النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ فِي إِعْجَازِ القرآن.

المجلد الرابع

المجلد الرابع النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ ... بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنْهُمُ الخطابي والرماني الزملكاني وَالْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَابْنُ سُرَاقَةَ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَلَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُ كِتَابِهِ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْجِزَةَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ مقرون بالتحدي سالم عن الْمُعَارَضَةِ وَهِيَ إِمَّا حِسِّيَّةٌ وَإِمَّا عَقْلِيَّةٌ وَأَكْثَرُ مُعْجِزَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ حِسِّيَّةً لِبَلَادَتِهِمْ وَقِلَّةِ بَصِيرَتِهِمْ وَأَكْثَرُ مُعْجِزَاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَقْلِيَّةٌ لِفَرْطِ ذَكَائِهِمْ وَكَمَالِ أَفْهَامِهِمْ وَلِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ لَمَّا كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى صَفَحَاتِ الدَّهْرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ خُصَّتْ بِالْمُعْجِزَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْبَاقِيَةِ لِيَرَاهَا ذَوُو البصائر كما صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيَتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ فَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ مُسْتَمِرَّةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَخَرْقُهُ الْعَادَةَ فِي أُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ فَلَا يَمُرُّ عَصْرٌ مِنَ الْأَعْصَارِ إِلَّا وَيَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُعْجِزَاتِ الْوَاضِحَةَ الْمَاضِيَةَ كَانَتْ حِسِّيَّةً تُشَاهَدُ بِالْأَبْصَارِ كَنَاقَةِ صَالِحٍ وَعَصَا مُوسَى وَمُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ تُشَاهَدُ بِالْبَصِيرَةِ فَيَكُونُ مَنْ يَتْبَعُهُ لِأَجْلِهَا أَكْثَرَ لِأَنَّ الَّذِي يُشَاهَدُ

بِعَيْنِ الرَّأْسِ يَنْقَرِضُ بِانْقِرَاضِ مُشَاهِدِهِ وَالَّذِي يُشَاهَدُ بِعَيْنِ الْعَقْلِ بَاقٍ يُشَاهِدُهُ كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ مُسْتَمِرًّا قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَيُمْكِنُ نَظْمُ الْقَوْلَيْنِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ مُحَصِّلَهُمَا لَا يُنَافِي بَعْضُهُ بَعْضًا؛ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى مُعْجِزٌ لَمْ يَقْدِرْ وَاحِدٌ عَلَى مُعَارَضَتِهِ بَعْدَ تَحَدِّيهِمْ بِذَلِكَ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} فَلَوْلَا أَنَّ سَمَاعَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَمْ يَقِفْ أَمْرُهُ عَلَى سَمَاعِهِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا وَهُوَ مُعْجِزَةٌ؛ وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} فَأَخْبَرَ أَنَّ الْكِتَابَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ قَائِمٌ مَقَامَ مُعْجِزَاتِ غَيْرِهِ وَآيَاتِ مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ وَكَانُوا أَفْصَحَ الْفُصَحَاءِ ومصا قع الْخُطَبَاءِ وَتَحَدَّاهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَأَمْهَلَهُمْ طُولَ السِّنِينَ فَلَمْ يَقْدِرُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ بِسُورَةٍ فِي قَوْلِهِ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} الْآيَةَ ثُمَّ كَرَّرَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} الْآيَةَ فَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ

تشبهه على كثرة الخطباء فيهم وَالْبُلَغَاءِ نَادَى عَلَيْهِمْ بِإِظْهَارِ الْعَجْزِ وَإِعْجَازِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} هَذَا وَهُمُ الْفُصَحَاءُ اللُّدُّ وَقَدْ كَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى إِطْفَاءِ نُورِهِ وَإِخْفَاءِ أَمْرِهِ فَلَوْ كَانَ فِي مَقْدِرَتِهِمْ مُعَارَضَتُهُ لَعَدَلُوا إِلَيْهَا قَطْعًا لِلْحُجَّةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا رَامَهُ بَلْ عَدَلُوا إِلَى الْعِنَادِ تَارَةً وَإِلَى الِاسْتِهْزَاءِ أُخْرَى فَتَارَةً قَالُوا: "سِحْرٌ" وَتَارَةً قَالُوا: "شِعْرٌ" وَتَارَةً قَالُوا: "أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ"؛ كُلُّ ذَلِكَ مِنَ التَّحَيُّرِ وَالِانْقِطَاعِ ثُمَّ رَضُوا بِتَحْكِيمِ السَّيْفِ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَسَبْيِ ذرا ويهم وَحَرَمِهِمْ وَاسْتِبَاحَةِ أَمْوَالِهِمْ وَقَدْ كَانُوا آنَفَ شَيْءٍ وَأَشُدَّهُ حَمِيَّةً فَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهِ فِي قُدْرَتِهِمْ لَبَادَرُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ كَيْفَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا عَمِّ إِنَّ قَوْمَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا لِيُعْطُوكَهُ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتَعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ قَالَ قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا قَالَ فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ قَالَ وَمَاذَا أَقُولُ فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالشِّعْرِ مِنِّي وَلَا بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدِهِ وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّهُ لِمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ قَالَ لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ قَالَ دَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ هَذَا "سِحْرٌ يُؤْثَرُ" يَأْثُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ.

قَالَ الْجَاحِظُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ شَاعِرًا وَخَطِيبًا وَأَحْكَمَ مَا كَانَتْ لُغَةً وَأَشَدَّ مَا كَانَتْ عُدَّةً فَدَعَا أَقْصَاهَا وَأَدْنَاهَا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ رِسَالَتِهِ فَدَعَاهُمْ بِالْحُجَّةِ فَلَمَّا قَطَعَ الْعُذْرَ وَأَزَالَ الشُّبْهَةَ وَصَارَ الَّذِي يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِقْرَارِ الْهَوَى وَالْحَمِيَّةُ دُونَ الْجَهْلِ وَالْحَيْرَةِ حَمَلَهُمْ عَلَى حَظِّهِمْ بِالسَّيْفِ فَنَصَبَ لَهُمُ الْحَرْبَ وَنَصَبُوا لَهُ وَقَتَلَ مِنْ عِلْيَتِهِمْ وَأَعْلَامِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَبَنِي أَعْمَامِهِمْ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ وَيَدْعُوهُمْ صَبَاحًا وَمَسَاءً إِلَى أَنْ يُعَارِضُوهُ إِنْ كَانَ كَاذِبًا بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِآيَاتٍ يَسِيرَةٍ؛ فَكُلَّمَا ازْدَادَ تَحَدِّيًا لَهُمْ بِهَا وَتَقْرِيعًا لِعَجْزِهِمْ عَنْهَا تَكَشَّفَ مِنْ نَقْصِهِمْ مَا كَانَ مَسْتُورًا وَظَهَرَ مِنْهُ مَا كَانَ خَفِيًّا فَحِينَ لَمْ يَجِدُوا حِيلَةً وَلَا حُجَّةً قَالُوا لَهُ: أَنْتَ تَعْرِفُ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ مَا لَا نَعْرِفُ فَلِذَلِكَ يُمْكِنُكَ مَا لَا يُمْكِنُنَا قَالَ: فَهَاتُوهَا مُفْتَرِيَاتٍ فَلَمْ يَرُمْ ذَلِكَ خَطِيبٌ وَلَا طَمَعَ فِيهِ شَاعِرٌ ولا طَمَعَ فِيهِ لَتَكَلَّفَهُ وَلَوْ تَكَلَّفَهُ لَظَهَرَ ذَلِكَ وَلَوْ ظَهَرَ لَوَجَدَ مَنْ يَسْتَجِيدُهُ وَيُحَامِي عَلَيْهِ وَيُكَايِدُ فِيهِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ عَارَضَ وَقَابَلَ وَنَاقَضَ فَدَلَّ ذَلِكَ الْعَاقِلُ عَلَى عَجْزِ الْقَوْمِ مَعَ كَثْرَةِ كَلَامِهِمْ وَاسْتِحَالَةِ لُغَتِهِمْ وَسُهُولَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَكَثْرَةِ شُعَرَائِهِمْ وَكَثْرَةِ مَنْ هَجَاهُ مِنْهُمْ وَعَارَضَ شُعَرَاءَ أَصْحَابِهِ وَخُطَبَاءَ أُمَّتِهِ لِأَنَّ سُورَةً وَاحِدَةً وَآيَاتٍ يَسِيرَةً كَانَتْ أَنْقَضَ لِقَوْلِهِ وَأَفْسَدَ لِأَمْرِهِ وَأَبْلَغَ فِي تَكْذِيبِهِ وَأَسْرَعَ فِي تَفْرِيقِ أَتْبَاعِهِ مِنْ بَذْلِ النُّفُوسِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْأَوْطَانِ وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ وَهَذَا مِنْ جَلِيلِ التَّدْبِيرِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ دُونَ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ فِي الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ بِطَبَقَاتٍ وَلَهُمُ الْقَصِيدُ الْعَجِيبُ وَالرَّجَزُ الْفَاخِرُ وَالْخُطَبُ الطِّوَالُ الْبَلِيغَةُ وَالْقِصَارُ الْمُوجَزَةُ وَلَهُمُ الْأَسْجَاعُ وَالْمُزْدَوَجُ وَاللَّفْظُ الْمَنْثُورُ، ثُمَّ يَتَحَدَّى بِهِ أَقْصَاهُمْ بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ عَجْزَ أَدْنَاهُمْ فَمُحَالٌ- أَكْرَمَكَ اللَّهُ- أَنْ يَجْتَمِعَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى الْغَلَطِ فِي الْأَمْرِ الظَّاهِرِ وَالْخَطَأِ الْمَكْشُوفِ الْبَيِّنِ؛

مَعَ التَّقْرِيعِ بِالنَّقْصِ وَالتَّوْقِيفِ عَلَى الْعَجْزِ وَهُمْ أَشَدُّ الْخَلْقِ أَنَفَةً وَأَكْثَرُهُمْ مُفَاخَرَةً وَالْكَلَامُ سَيِّدُ عَمَلِهِمْ وَقَدِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ وَالْحَاجَةُ تَبْعَثُ عَلَى الْحِيلَةِ فِي الْأَمْرِ الْغَامِضِ فكيف بالظاهر الجليل المنفعة وَكَمَا أَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يُطْبِقُوا ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى الْغَلَطِ فِي الْأَمْرِ الْجَلِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَكَذَلِكَ مُحَالٌ أَنْ يَتْرُكُوهُ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ وَيَجِدُونَ السَّبِيلَ إِلَيْهِ وَهُمْ يَبْذُلُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ انْتَهَى. فَصْلٌ لَمَّا ثَبَتَ كَوْنُ الْقُرْآنِ مُعْجِزَةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ الِاهْتِمَامُ بِمَعْرِفَةِ وَجْهِ الْإِعْجَازِ وَقَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا فَبَيْنَ مُحْسِنٍ وَمُسِيءٍ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ التَّحَدِّيَ وَقَعَ بِالْكَلَامِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الذَّاتِ وَأَنَّ الْعَرَبَ كُلِّفَتْ فِي ذَلِكَ مَا لَا يُطَاقُ وَبِهِ وَقَعَ عَجْزُهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ التَّحَدِّيَ بِهِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ وَقَعَ بِالدَّالِّ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ ثُمَّ زَعَمَ النَّظَّامُ أَنَّ إِعْجَازَهُ بِالصِّرْفَةِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ صَرَفَ الْعَرَبَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَسَلَبَ عُقُولَهُمْ وَكَانَ مَقْدُورًا لَهُمْ لَكِنْ عَاقَهُمْ أَمْرٌ خَارِجِيٌّ فَصَارَ كَسَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ بدليل: {قل قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَجْزِهِمْ مَعَ بَقَاءِ قُدْرَتِهِمْ وَلَوْ سُلِبُوا القدرة لم يبق لهم فَائِدَةٌ لِاجْتِمَاعِهِمْ لِمَنْزِلَتِهِ مَنْزِلَةَ اجْتِمَاعِ الْمَوْتَى وَلَيْسَ عَجْزُ الْمَوْتَى مِمَّا يُحْتَفَلُ

بِذِكْرِهِ هَذَا مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى إِضَافَةِ الْإِعْجَازِ إِلَى الْقُرْآنِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُعْجِزًا وَلَيْسَ فِيهِ صِفَةُ إِعْجَازٍ بَلِ الْمُعْجِزُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ سَلَبَهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَأَيْضًا فَيَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِالصِّرْفَةِ زَوَالُ الْإِعْجَازِ بِزَوَالِ زَمَانِ التَّحَدِّي وَخُلُوُّ الْقُرْآنِ مِنَ الْإِعْجَازِ وَفِي ذَلِكَ خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَنَّ مُعْجِزَةً الرَّسُولِ الْعُظْمَى بَاقِيَةٌ وَلَا مُعْجِزَةَ له بَاقِيَةً سِوَى الْقُرْآنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَمِمَّا يُبْطِلُ الْقَوْلَ بِالصِّرْفَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْمُعَارَضَةُ مُمْكِنَةً وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهَا الصِّرْفَةُ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ مُعْجِزًا وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْمَنْعِ مُعْجِزًا فَلَا يَتَضَمَّنُ الْكَلَامُ فَضِيلَةً عَلَى غَيْرِهِ فِي نفسه قال: ليس هَذَا بِأَعْجَبِ مِنْ قَوْلِ فَرِيقٍ مِنْهُمْ إِنَّ الْكُلَّ قَادِرُونَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرُوا عَنْهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوَجْهِ تَرْتِيبٍ لَوْ تَعَلَّمُوهُ لَوَصَلُوا إِلَيْهِ بِهِ وَلَا بِأَعْجَبِ مِنْ قَوْلِ آخَرِينَ إِنَّ العجز وقع منهم وأما مَنْ بَعْدَهُمْ فَفِي قُدْرَتِهِ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ وَكُلُّ هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: وَجْهُ إِعْجَازِهِ مَا فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ. وَقَالَ آخَرُونَ: ما تضمنه من الإخبار عن قَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَسَائِرِ الْمُتَقَدِّمِينَ حِكَايَةَ مَنْ شَاهَدَهَا وَحَضَرَهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الضَّمَائِرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَقَوْلِهِ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أن تفشلا} {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ.}

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجْهُ إِعْجَازِهِ مَا فِيهِ مِنَ النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّرْصِيفِ وَأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ جَمِيعِ وُجُوهِ النَّظْمِ الْمُعْتَادِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمُبَايِنٌ لِأَسَالِيبِ خِطَابَاتِهِمْ قَالَ: وَلِهَذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مُعَارَضَتُهُ قَالَ وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ مِنْ أَصْنَافِ الْبَدِيعِ الَّتِي أَوْدَعُوهَا فِي الشِّعْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَخْرِقُ الْعَادَةَ بَلْ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ بِالْعِلْمِ وَالتَّدْرِيبِ وَالتَّصَنُّعِ بِهِ كَقَوْلِ الشِّعْرِ وَرَصْفِ الْخُطَبِ وَصِنَاعَةِ الرِّسَالَةِ وَالْحِذْقِ فِي الْبَلَاغَةِ وَلَهُ طَرِيقٌ تُسْلَكُ فَأَمَّا شَأْوُ نَظْمِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ لَهُ مِثَالٌ يُحْتَذَى وَلَا إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يَصِحُّ وُقُوعُ مِثْلِهِ اتِّفَاقًا قَالَ: وَنَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي بَعْضِ الْقُرْآنِ أَظْهَرُ وَفِي بَعْضِهِ أَدَقُّ وَأَغْمَضُ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَجْهُ الْإِعْجَازِ الْفَصَاحَةُ وغرابة الأسلواب وَالسَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ وَقَالَ الزَّمَلْكَانِيُّ: وَجْهُ الْإِعْجَازِ رَاجِعٌ إِلَى التَّأْلِيفِ الْخَاصِّ بِهِ لَا مُطْلَقِ التَّأْلِيفِ بِأَنِ اعْتَدَلَتْ مُفْرَدَاتُهُ تَرْكِيبًا وَزِنَةً وَعَلَتْ مُرَكَّبَاتُهُ مَعْنًى بِأَنْ يوضع كُلُّ فَنٍّ فِي مَرْتَبَتِهِ الْعُلْيَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الصَّحِيحُ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَالْحُذَّاقُ فِي وَجْهِ إِعْجَازِهِ أَنَّهُ بِنَظْمِهِ وَصِحَّةِ مَعَانِيهِ وَتَوَالِي فَصَاحَةِ أَلْفَاظِهِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَأَحَاطَ بِالْكَلَامِ كُلِّهِ عِلْمًا فَإِذَا تَرَتَّبَتِ اللَّفْظَةُ مِنَ الْقُرْآنِ عُلِمَ بِإِحَاطَتِهِ أَيُّ لَفْظَةٍ تَصْلُحُ أَنْ تَلِيَ الْأُولَى وَتُبَيِّنَ الْمَعْنَى بَعْدَ الْمَعْنَى ثُمَّ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ وَالْبَشَرُ يَعُمُّهُمُ الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ وَالذُّهُولُ وَمَعْلُومٌ ضَرُورَةً أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْبَشَرِ لَا يُحِيطُ بِذَلِكَ فَبِهَذَا جَاءَ نَظْمُ الْقُرْآنِ فِي الْغَايَةِ

الْقُصْوَى مِنَ الْفَصَاحَةِ؛ وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْعَرَبَ كَانَ فِي قُدْرَتِهَا الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ فَصُرِفُوا عَنْ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قُدْرَةِ أَحَدٍ قَطُّ وَلِهَذَا تَرَى الْبَلِيغَ يُنَقِّحُ الْقَصِيدَةَ أَوِ الْخُطْبَةَ حَوْلًا ثُمَّ يَنْظُرُ فِيهَا فَيُغَيِّرُ فِيهَا وَهَلُمَّ جَرًّا وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ نُزِعَتْ مِنْهُ لَفْظَةٌ ثُمَّ أُدِيرَ لِسَانُ الْعَرَبِ عَلَى لَفْظَةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا لَمْ يُوجَدْ وَنَحْنُ تَتَبَيَّنُ لَنَا الْبَرَاعَةُ فِي أَكْثَرِهِ وَيَخْفَى عَلَيْنَا وَجْهُهَا فِي مَوَاضِعَ لِقُصُورِنَا عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ فِي سَلَامَةِ الذَّوْقِ وَجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى الْعَالَمِ بِالْعَرَبِ إِذْ كَانُوا أَرْبَابَ الْفَصَاحَةِ وَمَظَنَّةَ الْمُعَارَضَةِ كَمَا قَامَتِ الْحُجَّةُ فِي مُعْجِزَةِ مُوسَى بِالسَّحَرَةِ وَفِي مُعْجِزَةِ عِيسَى بِالْأَطِبَّاءِ فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ بِالْوَجْهِ الشَّهِيرِ أَبْرَعَ مَا تَكُونُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ الَّذِي أَرَادَ إِظْهَارَهُ فَكَانَ السِّحْرُ قَدِ انْتَهَى فِي مُدَّةِ مُوسَى إِلَى غَايَتِهِ وَكَذَلِكَ الطِّبُّ فِي زَمَنِ عِيسَى وَالْفَصَاحَةُ فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ حَازِمٌ فِي مِنْهَاجٍ الْبُلَغَاءِ: وَجْهُ الْإِعْجَازِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ اسْتَمَرَّتِ الْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَنْحَائِهَا فِي جَمِيعِهِ اسْتِمْرَارًا لَا يُوجَدُ لَهُ فَتْرَةٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ وَكَلَامُ الْعَرَبِ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِلُغَتِهِمْ لَا تَسْتَمِرُّ الْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ فِي جَمِيعِ أَنْحَائِهَا فِي الْعَالِي مِنْهُ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الْمَعْدُودِ ثُمَّ تَعْرِضُ الْفَتَرَاتُ الْإِنْسَانِيَّةُ فَيَنْقَطِعُ طَيِّبُ الْكَلَامِ وَرَوْنَقُهُ فَلَا تَسْتَمِرُّ لِذَلِكَ الْفَصَاحَةُ فِي جَمِيعِهِ بَلْ تُوجَدُ فِي تَفَارِيقَ وَأَجْزَاءٍ مِنْهُ. وَقَالَ الْمُرَّاكِشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِصْبَاحِ: الْجِهَةُ الْمُعْجِزَةُ فِي الْقُرْآنِ تُعْرَفُ بِالتَّفَكُّرِ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ وَهُوَ كَمَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ فِي تَعْرِيفِهِ مَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْخَطَأِ فِي تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى وَعَنْ تعقيده وتعرف بِهِ وُجُوهُ تَحْسِينِ الْكَلَامِ بَعْدَ رِعَايَةِ تَطْبِيقِهِ لِمُقْتَضَى

الْحَالِ لِأَنَّ جِهَةَ إِعْجَازِهِ لَيْسَتْ مُفْرَدَاتِ أَلْفَاظِهِ وَإِلَّا لَكَانَتْ قَبْلَ نُزُولِهِ مُعْجِزَةً وَلَا مُجَرَّدَ تَأْلِيفِهَا وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ تَأْلِيفٍ مُعْجِزًا وَلَا إِعْرَابَهَا وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ كَلَامٍ مُعْرَبٍ مُعْجِزًا وَلَا مُجَرَّدَ أُسْلُوبِهِ وَإِلَّا لَكَانَ الِابْتِدَاءُ بِأُسْلُوبِ الشِّعْرِ مُعْجِزًا وَالْأُسْلُوبُ الطَّرِيقُ وَلَكَانَ هَذَيَانُ مُسَيْلِمَةَ مُعْجِزًا وَلِأَنَّ الْإِعْجَازَ يُوجَدُ دُونَهُ أَيِ الْأُسْلُوبَ فِي نَحْوِ: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً} {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} وَلَا بِالصَّرْفِ عَنْ مُعَارَضَتِهِمْ لِأَنَّ تَعَجُّبَهُمْ كَانَ مِنْ فَصَاحَتِهِ وَلِأَنَّ مُسَيْلِمَةَ وَابْنَ الْمُقَفَّعِ وَالْمَعَرِّيَّ وَغَيْرَهُمْ قَدْ تَعَاطَوْهَا فَلَمْ يَأْتُوا إِلَّا بِمَا تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ وَتَنْفِرُ مِنْهُ الطِّبَاعُ وَيُضْحَكُ مِنْهُ فِي أَحْوَالِ تَرْكِيبِهِ وَبِهَا أَيْ بِتِلْكَ الْأَحْوَالِ أَعْجَزَ الْبُلَغَاءَ وَأَخْرَسَ الْفُصَحَاءَ فَعَلَى إِعْجَازِهِ دَلِيلٌ إِجْمَالِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ عَجَزَتْ عَنْهُ وَهُوَ بِلِسَانِهَا فَغَيْرُهَا أَحْرَى وَدَلِيلٌ تَفْصِيلِيٌّ مُقَدِّمَتُهُ التَّفَكُّرُ فِي خَوَاصِّ تَرْكِيبِهِ وَنَتِيجَتُهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنَ الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. وَقَالَ الْأَصْبِهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: اعْلَمْ أَنَّ إِعْجَازَ الْقُرْآنِ ذُكِرَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِعْجَازٌ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي: بِصَرْفِ النَّاسِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ فَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ أَمَّا الْإِعْجَازُ الْمُتَعَلِّقُ بِفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِعُنْصُرِهِ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى فَإِنَّ أَلْفَاظَهُ أَلْفَاظُهُمْ قَالَ تَعَالَى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} وَلَا بِمَعَانِيهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهَا مَوْجُودٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} وَمَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَبَيَانِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ والإخبار بالغيب فإعجازه لَيْسَ بِرَاجِعٍ إِلَى الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْآنٌ بَلْ لِكَوْنِهَا حَاصِلَةٌ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ تَعْلِيمٍ وَتَعَلُّمٍ وَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ إِخْبَارًا بِالْغَيْبِ سَوَاءً كَانَ بِهَذَا النَّظْمِ؛

أَوْ بِغَيْرِهِ مُورَدًا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِلُغَةٍ أُخْرَى بِعِبَارَةٍ أَوْ بِإِشَارَةٍ فإذن النَّظْمُ؛ الْمَخْصُوصُ صُورَةُ الْقُرْآنِ وَاللَّفْظُ وَالْمَعْنَى عُنْصُرُهُ وَبِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ يَخْتَلِفُ حُكْمُ الشَّيْءِ وَاسْمُهُ لَا بِعُنْصُرِهِ كَالْخَاتَمِ وَالْقُرْطِ وَالسُّوَارِ فَإِنَّهُ بِاخْتِلَافِ صُوَرِهَا اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهَا لَا بِعُنْصُرِهَا الَّذِي هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَدِيدُ فَإِنَّ الْخَاتَمَ الْمُتَّخَذَ مِنَ الذَّهَبِ وَمِنَ الْفِضَّةِ وَمِنَ الْحَدِيدِ يُسَمَّى خَاتَمًا وَإِنْ كَانَ الْعُنْصُرُ مُخْتَلِفًا وَإِنِ اتُّخِذَ خَاتَمٌ وَقُرْطٌ وَسُوَارٌ مِنْ ذَهَبٍ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ صُوَرِهَا وَإِنْ كَانَ الْعُنْصُرُ وَاحِدًا قَالَ: فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِعْجَازَ الْمُخْتَصَّ بِالْقُرْآنِ يَتَعَلَّقُ بِالنَّظْمِ الْمَخْصُوصِ وَبَيَانَ كَوْنِ النَّظْمِ مُعْجِزًا يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ نَظْمِ الْكَلَامِ ثُمَّ بَيَانِ أَنَّ هَذَا النَّظْمَ مُخَالِفٌ لِنَظْمِ مَا عَدَاهُ فَنَقُولُ مَرَاتِبُ تَأْلِيفِ الْكَلَامِ خَمْسٌ: الْأُولَى: ضَمُّ الْحُرُوفِ الْمَبْسُوطَةِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ لِتَحْصُلَ الْكَلِمَاتُ الثَّلَاثُ: الِاسْمُ والفعل والحروف. وَالثَّانِيَةُ: تَأْلِيفُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ لِتَحْصُلَ الْجُمَلُ الْمُفِيدَةُ وَهُوَ النَّوْعُ الَّذِي يَتَدَاوَلُهُ. النَّاسُ جَمِيعًا فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَيُقَالُ لَهُ: الْمَنْثُورُ مِنَ الْكَلَامِ. وَالثَّالِثَةُ: ضَمُّ بَعْضِ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ ضَمًّا لَهُ مَبَادٍ وَمَقَاطِعُ وَمَدَاخِلُ وَمَخَارِجُ، وَيُقَالُ لَهُ: الْمَنْظُومُ. وَالرَّابِعَةُ: أَنْ يُعْتَبَرَ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ مَعَ ذَلِكَ تَسْجِيعٌ وَيُقَالُ لَهُ الْمُسَجَّعُ وَالْخَامِسَةُ: أَنْ يُجْعَلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ وَزْنٌ وَيُقَالَ لَهُ الشِّعْرُ وَالْمَنْظُومُ إِمَّا مُحَاوَرَةٌ وَيُقَالُ لَهُ الْخَطَابَةُ وَإِمَّا مُكَاتَبَةٌ وَيُقَالُ لَهُ الرِّسَالَةُ فَأَنْوَاعُ الْكَلَامِ لَا تَخْرُجُ

عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَلِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ نَظْمٌ مَخْصُوصٌ وَالْقُرْآنُ جَامِعٌ لِمَحَاسِنِ الْجَمِيعِ عَلَى نَظْمٍ غَيْرِ نَظْمِ شَيْءٍ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ رِسَالَةٌ أَوْ خَطَابَةٌ أَوْ شِعْرٌ أَوْ سَجْعٌ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَلَامٌ وَالْبَلِيغُ إِذَا قَرَعَ سَمْعَهُ فَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا عَدَاهُ مِنَ النَّظْمِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} ؛ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ تَأْلِيفَهُ لَيْسَ عَلَى هَيْئَةِ نَظْمٍ يَتَعَاطَاهُ الْبَشَرُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُغَيَّرَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كحالة الكتب الأخرى. قَالَ وَأَمَّا الْإِعْجَازُ الْمُتَعَلِّقُ بِصَرْفِ النَّاسِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا إِذَا اعْتُبِرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ صِنَاعَةٍ مَحْمُودَةٍ كَانَتْ أَوْ مَذْمُومَةٍ إِلَّا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْمٍ مُنَاسَبَاتٌ خَفِيَّةٌ وَاتِّفَاقَاتٌ جميلة بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَاحِدَ يُؤْثِرُ حِرْفَةً مِنَ الْحِرَفِ فَيَنْشَرِحُ صَدْرُهُ بِمُلَابَسَتِهَا وَتُطِيعُهُ قُوَاهُ فِي مُبَاشَرَتِهَا فَيَقْبَلُهَا بِانْشِرَاحِ صَدْرٍ وَيُزَاوِلُهَا بِاتِّسَاعِ قَلْبٍ فَلَمَّا دَعَا اللَّهُ أَهْلَ الْبَلَاغَةِ وَالْخَطَابَةِ الَّذِينَ يَهِيمُونَ فِي كُلِّ وَادٍ مِنَ الْمَعَانِي بِسَلَاطَةِ لِسَانِهِمْ إِلَى مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ وَعَجْزِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَتَصَدَّوْا لِمُعَارَضَتِهِ لَمْ يَخْفَ عَلَى أُولِي الْأَلْبَابِ أَنَّ صَارِفًا إِلَهِيًّا صَرَفَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَأَيُّ إِعْجَازٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافَّةُ الْبُلَغَاءِ عَجَزَةً فِي الظَّاهِرِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ مَصْرُوفَةً فِي الْبَاطِنِ عَنْهَا انْتَهَى. وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ فِي الْمِفْتَاحِ: اعْلَمْ أَنَّ إِعْجَازَ الْقُرْآنِ يُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَاسْتِقَامَةِ الْوَزْنِ تُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهَا وَكَالْمَلَاحَةِ وَكَمَا يُدْرَكُ طَيِّبُ النَّغَمِ الْعَارِضِ لِهَذَا الصَّوْتِ وَلَا يُدْرَكُ تَحْصِيلُهُ لِغَيْرِ ذَوِي الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ إِلَّا بِإِتْقَانِ عِلْمَيِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالتَّمْرِينِ فِيهِمَا

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيدِيُّ: سُئِلَ بُنْدَارٌ الْفَارِسِيُّ عَنْ مَوْضِعِ الْإِعْجَازِ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا حَيْفٌ عَلَى الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِكَ مَا مَوْضِعُ الْإِنْسَانِ مِنَ الْإِنْسَانِ؟ فَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مَوْضِعٌ مِنَ الْإِنْسَانِ بَلْ مَتَى أَشَرْتَ إِلَى جُمْلَتِهِ فَقَدْ حَقَّقْتَهُ وَدَلَّلْتَ عَلَى ذَاتِهِ كَذَلِكَ الْقُرْآنُ لِشَرَفِهِ لَا يُشَارُ إِلَى شَيْءٍ فِيهِ إِلَّا وَكَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى آيَةً فِي نَفْسِهِ وَمُعْجِزَةً لِمُحَاوَلِهِ وَهُدًى لِقَائِلِهِ وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ الْبَشَرِ الْإِحَاطَةُ بِأَغْرَاضِ اللَّهِ فِي كَلَامِهِ وَأَسْرَارِهِ فِي كِتَابِهِ فَلِذَلِكَ حَارَتِ الْعُقُولُ وَتَاهَتِ الْبَصَائِرُ عِنْدَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ علماء النظر إلى أن وَجْهِ الْإِعْجَازِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ لَكِنْ صَعُبَ عَلَيْهِمْ تَفْصِيلُهَا وَصَغَوْا فِيهِ إِلَى حُكْمِ الذَّوْقِ. قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَجْنَاسَ الْكَلَامِ مُخْتَلِفَةٌ وَمَرَاتِبَهَا فِي دَرَجَاتِ الْبَيَانِ متفاوتة فمنهما الْبَلِيغُ الرَّصِينُ الْجَزْلُ وَمِنْهَا الْفَصِيحُ الغريب السَّهْلُ وَمِنْهَا الْجَائِزُ الطَّلْقُ الرَّسْلُ وَهَذِهِ أَقْسَامُ الْكَلَامِ الْفَاضِلِ الْمَحْمُودِ فَالْأَوَّلُ أَعْلَاهَا وَالثَّانِي أَوْسَطُهَا وَالثَّالِثُ أَدْنَاهَا وَأَقْرَبُهَا فَحَازَتْ بَلَاغَاتُ الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ حِصَّةً وَأَخَذَتْ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شُعْبَةً فَانْتَظَمَ لَهَا بِانْتِظَامِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ نَمَطٌ مِنَ الْكَلَامِ يَجْمَعُ صِفَتَيِ الْفَخَامَةِ وَالْعُذُوبَةِ وَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي نُعُوتِهِمَا كَالْمُتَضَادَّيْنِ لِأَنَّ الْعُذُوبَةَ نِتَاجُ السُّهُولَةِ وَالْجَزَالَةَ وَالْمَتَانَةَ يُعَالِجَانِ نَوْعًا مِنَ الزُّعُورَةِ فَكَانَ اجْتِمَاعُ الْأَمْرَيْنِ فِي نَظْمِهِ مَعَ نُبُوِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ فَضِيلَةً خُصَّ بِهَا الْقُرْآنُ لِيَكُونَ آيَةً بَيِّنَةً لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ عَلَى الْبَشَرِ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ عِلْمَهُمْ لَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ أَسْمَاءِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَوْضَاعِهَا الَّتِي هِيَ ظُرُوفُ الْمَعَانِي وَلَا تُدْرِكُ أَفْهَامُهُمْ جَمِيعَ

مَعَانِي الْأَشْيَاءِ الْمَحْمُولَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَلَا تَكْمُلُ مَعْرِفَتُهُمْ بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ وُجُوهِ النُّظُومِ الَّتِي بِهَا يَكُونُ ائْتِلَافُهَا وَارْتِبَاطُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فيتوصلوا بِاخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ مِنَ الْأَحْسَنِ مِنْ وُجُوهِهَا إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِكَلَامٍ مِثْلِهِ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْكَلَامُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لَفْظٌ حَاصِلٌ وَمَعْنًى بِهِ قَائِمٌ وَرِبَاطٌ لَهُمَا نَاظِمٌ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الْقُرْآنَ وَجَدْتَ هَذِهِ الأمور مِنْهُ فِي غَايَةِ الشَّرَفِ وَالْفَضِيلَةِ حَتَّى لَا تَرَى شَيْئًا مِنَ الْأَلْفَاظِ أَفْصَحَ وَلَا أَجْزَلَ وَلَا أَعْذَبَ مِنْ أَلْفَاظِهِ وَلَا تَرَى نَظْمًا أَحْسَنَ تَأْلِيفًا وَأَشَدَّ تَلَاؤُمًا وَتَشَاكُلًا مِنْ نَظْمِهِ وَأَمَّا مَعَانِيهِ فَكُلُّ ذِي لُبٍّ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّقَدُّمِ فِي أَبْوَابِهِ وَالتَّرَقِّي إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِهِ وَقَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الْفَضَائِلُ الثَّلَاثُ عَلَى التَّفَرُّقِ فِي أَنْوَاعِ الْكَلَامِ فَأَمَّا أَنْ تُوجَدَ مَجْمُوعَةً فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ فَلَمْ تُوجَدْ إِلَّا فِي كَلَامِ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ فَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا صَارَ مُعْجِزًا لِأَنَّهُ جَاءَ بِأَفْصَحِ الْأَلْفَاظِ فِي أَحْسَنِ نُظُومِ التَّأْلِيفِ مُضَمَّنًا أَصَحَّ المعاني من توحيد لله تَعَالَى وَتَنْزِيهِهِ لَهُ فِي صِفَاتِهِ ودعاء إِلَى طَاعَتِهِ وَبَيَانٍ لِطَرِيقِ عِبَادَتِهِ مِنْ تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَمِنْ وَعْظٍ وَتَقْوِيمٍ وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ وَإِرْشَادٍ إِلَى مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَزَجْرٍ عَنْ مَسَاوِيهَا وَاضِعًا كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا مَوْضِعَهُ الَّذِي لَا يُرَى شَيْءٌ أَوْلَى مِنْهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِي صُورَةِ الْعَقْلِ أَمْرٌ أَلْيَقُ بِهِ مِنْهُ مُودَعًا أَخْبَارَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَمَا نَزَلَ مِنْ مَثُلَاتِ اللَّهِ بِمَنْ مَضَى وَعَانَدَ مِنْهُمْ مُنْبِئًا عَنِ الْكَوَائِنِ الْمُسْتَقْبِلَةِ فِي الْأَعْصَارِ الْآتِيَةِ مِنَ الزَّمَانِ جَامِعًا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَالْمُحْتَجِّ لَهُ وَالدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ آكَدَ لِلُزُومِ مَا دَعَا عَلَيْهِ وَإِنْبَاءٍ عَنْ وُجُوبِ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ أشتاتها حتى تنتظم وتتسق

أَمْرٌ تَعْجِزُ عَنْهُ قُوَى الْبَشَرِ وَلَا تَبْلُغُهُ قُدْرَتُهُمْ فَانْقَطَعَ الْخَلْقُ دُونَهُ وَعَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِمِثْلِهِ أَوْ مُنَاقَضَتِهِ فِي شَكْلِهِ ثُمَّ صَارَ الْمُعَانِدُونَ لَهُ يَقُولُونَ مَرَّةً إِنَّهُ شِعْرٌ لَمَّا رَأَوْهُ مَنْظُومًا وَمَرَّةً أَنَّهُ سِحْرٌ لَمَّا رَأَوْهُ مَعْجُوزًا عَنْهُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانُوا يَجِدُونَ لَهُ وَقْعًا فِي الْقُلُوبِ وَقَرْعًا فِي النُّفُوسِ يُرْهِبُهُمْ وَيُحَيِّرُهُمْ فَلَمْ يَتَمَالَكُوا أَنْ يَعْتَرِفُوا بِهِ نَوْعًا مِنَ الِاعْتِرَافِ وَلِذَلِكَ قَالُوا إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَكَانُوا مَرَّةً بجهلهم يقولون: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ صَاحِبَهُمْ أُمِّيٌّ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُمْلِي أَوْ يَكْتُبُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الْعِنَادُ وَالْجَهْلُ وَالْعَجْزُ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ قُلْتُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَجْهًا ذَهَبَ عَنْهُ النَّاسُ وَهُوَ صَنِيعُهُ فِي الْقُلُوبِ وَتَأْثِيرُهُ فِي النُّفُوسِ فَإِنَّكَ لَا تَسْمَعُ كَلَامًا غَيْرَ الْقُرْآنِ مَنْظُومًا وَلَا مَنْثُورًا إِذَا قَرَعَ السَّمْعَ خَلَصَ لَهُ إِلَى الْقَلْبِ مِنَ اللَّذَّةِ وَالْحَلَاوَةِ فِي حَالِ ومن الرَّوْعَةِ وَالْمَهَابَةِ فِي حَالٍ آخَرَ مَا يَخْلُصُ مِنْهُ إِلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} ؛ وَقَالَ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} انتهى. وَقَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وَجْهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ فَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ وُجُوهًا كَثِيرَةً كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ وَمَا بَلَغُوا فِي وُجُوهِ إِعْجَازِهِ جُزْءًا وَاحِدًا مِنْ عُشْرِ مِعْشَارِهِ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْإِيجَازُ مَعَ الْبَلَاغَةِ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْبَيَانُ وَالْفَصَاحَةُ،

وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الرَّصْفُ وَالنَّظْمُ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كَوْنُهُ خَارِجًا عَنْ جِنْسِ كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ وَالْخُطَبِ وَالشِّعْرِ مَعَ كَوْنِ حُرُوفِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَمَعَانِيهِ فِي خِطَابِهِمْ وَأَلْفَاظِهِ مِنْ جِنْسِ كَلِمَاتِهِمْ وَهُوَ بِذَاتِهِ قَبِيلٌ غَيْرُ قَبِيلِ كَلَامِهِمْ وَجِنْسٌ آخَرُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ أَجْنَاسِ خِطَابِهِمْ حَتَّى إِنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى مَعَانِيهِ وَغَيَّرَ حُرُوفَهُ أَذْهَبَ رَوْنَقَهُ وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى حُرُوفِهِ وَغَيَّرَ مَعَانِيهِ أَبْطَلَ فَائِدَتَهُ فَكَانَ فِي ذَلِكَ أَبْلَغَ دَلَالَةً عَلَى إِعْجَازِهِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ كَوْنُ قَارِئِهِ لَا يَكِلُّ وَسَامِعُهُ لَا يَمَلُّ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ عَلَيْهِ تِلَاوَتُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَا فِيهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ وَالْحُكْمِ عَلَى الْأُمُورِ بِالْقَطْعِ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كَوْنُهُ جَامِعًا لِعُلُومٍ يَطُولُ شَرْحُهَا وَيَشُقُّ حَصْرُهَا انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: أجمع أَهْلُ التَّحْقِيقِ عَلَى أَنَّ الْإِعْجَازَ وَقَعَ بِجَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَقْوَالِ لَا بِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ فَإِنَّهُ جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَا مَعْنًى لِنِسْبَتِهِ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْجَمِيعِ بَلْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَسْبِقُ فَمِنْهَا الرَّوْعَةُ الَّتِي لَهُ فِي قُلُوبِ السَّامِعِينَ وَأَسْمَاعِهِمْ سَوَاءٌ الْمُقِرُّ وَالْجَاحِدُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ غَضًّا طَرِيًّا فِي أَسْمَاعِ السَّامِعِينَ وَعَلَى أَلْسِنَةِ الْقَارِئِينَ وَمِنْهَا جَمْعُهُ بَيْنَ صِفَتَيِ الْجَزَالَةِ وَالْعُذُوبَةِ وَهُمَا كَالْمُتَضَادَّيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ غَالِبًا فِي كَلَامِ الْبَشَرِ وَمِنْهَا جَعْلُهُ آخِرُ الْكُتُبِ غَنِيًّا عَنْ غَيْرِهِ وَجَعْلُ غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ يَرْجِعُ فِيهِ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}

وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: وُجُوهُ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ تَظْهَرُ مِنْ جِهَاتِ تَرْكِ الْمُعَارَضَةِ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ وَالتَّحَدِّي لِلْكَافَّةِ وَالصِّرْفَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَنَقْضِ الْعَادَةِ وَقِيَاسِهِ بِكُلِّ مُعْجِزَةٍ قَالَ وَنَقْضُ الْعَادَةِ هُوَ أَنَّ الْعَادَةَ كَانَتْ جَارِيَةً بِضُرُوبٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ مَعْرُوفَةٍ مِنْهَا الشِّعْرُ وَمِنْهَا السَّجْعُ وَمِنْهَا الْخُطَبُ وَمِنْهَا الرَّسَائِلُ وَمِنْهَا الْمَنْثُورُ الَّذِي يَدُورُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ فَأَتَى الْقُرْآنُ بِطَرِيقَةٍ مُفْرَدَةٍ خَارِجَةٍ عَنِ الْعَادَةِ لَهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْحُسْنِ تَفُوقُ بِهِ كل طريقة وتفوق الْمَوْزُونُ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ الْكَلَامِ قَالَ: وَأَمَّا قِيَاسُهُ بِكُلِّ مُعْجِزَةٍ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ إِعْجَازُهُ مِنْ هَذِهِ الجهة إذ كَانَ سَبِيلُ فَلْقِ الْبَحْرِ وَقَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى فِي ذَلِكَ سَبِيلًا وَاحِدًا فِي الْإِعْجَازِ إِذْ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ وقعد الْخَلْقَ فِيهِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَا: اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنْطَوٍ عَلَى وُجُوهٍ مِنَ الْإِعْجَازِ كَثِيرَةٍ وَتَحْصِيلُهَا مِنْ جِهَةِ ضَبْطِ أَنْوَاعِهَا فِي أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: حُسْنُ تَأْلِيفِهِ وَالْتِئَامُ كَلِمِهِ وَفَصَاحَتُهُ وَوُجُوهُ إِيجَازِهِ وَبَلَاغَتُهُ الْخَارِقَةُ عَادَةُ الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ فُرْسَانُ الْكَلَامِ وَأَرْبَابُ هَذَا الشَّأْنِ. الثاني: صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ وَالْأُسْلُوبُ الْغَرِيبُ الْمُخَالِفُ لِأَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنْهَاجِ نَظْمِهَا وَنَثْرِهَا الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ وَوَقَفَتْ عَلَيْهِ مَقَاطِعُ آيَاتِهِ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ فَوَاصِلُ كَلِمَاتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ نَظِيرٌ لَهُ قَالَ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ بِذَاتِهَا وَالْأُسْلُوبِ الْغَرِيبِ بِذَاتِهِ نَوْعُ إِعْجَازٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لَمْ تَقْدِرِ الْعَرَبُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ

خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهَا مُبَايِنٌ لِفَصَاحَتِهَا وَكَلَامِهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي مَجْمُوعِ الْبَلَاغَةِ وَالْأُسْلُوبِ. الوجه الثَّالِثُ: مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فَوُجِدَ كَمَا وَرَدَ. الرَّابِعُ: مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ والأمم البائدة والشرائع الداثرة مِمَّا كَانَ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ الْقِصَّةَ الْوَاحِدَةَ إِلَّا الْفَذُّ مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي قَطَعَ عُمْرَهُ فِي تَعَلُّمِ ذَلِكَ فَيُورِدُهُ على وجهه صلى الله عليه وسلم وَيَأْتِي بِهِ عَلَى نَصِّهِ وَهُوَ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ. قَالَ: فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نِزَاعَ فِيهَا، وَمِنَ الْوُجُوهِ فِي إِعْجَازِهِ غَيْرُ ذَلِكَ أَيْ وَرَدَتْ بِتَعْجِيزِ قَوْمٍ فِي قَضَايَا وَإِعْلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَهَا، فَمَا فَعَلُوا وَلَا قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِلْيَهُودِ: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً.} فَمَا تَمَنَّاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَهَذَا الْوَجْهُ دَاخِلٌ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ. وَمِنْهَا الرَّوْعَةُ الَّتِي تَلْحَقُ قُلُوبَ سَامِعِيهِ عِنْدَ سَمَاعِهِمْ، وَالْهَيْبَةُ الَّتِي تَعْتَرِيهِمْ عند تلاوتهم، وَقَدْ أَسْلَمَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ سَمَاعِ آيَاتٍ مِنْهُ كَمَا وَقَعَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} إلى قوله: {المسيطرون} كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، قَالَ وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي، وَقَدْ مَاتَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ سَمَاعِ آيَاتٍ مِنْهُ أُفْرِدُوا بِالتَّصْنِيفِ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ كَوْنُهُ آيَةً باقية، لايعدم ما بقيت الدنيا، مع تَكَفَّلَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ،

ومنها أن قارئه لايمله، وسامعه لايمجه، بل الإكباب على تلاوته يزيد حَلَاوَةً وَتَرْدِيدُهُ يُوجِبُ لَهُ مَحَبَّةً وَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ يُعَادَى إِذَا أُعِيدَ وَيُمَلُّ مَعَ التَّرْدِيدِ وَلِهَذَا وَصَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ لَا "يَخْلَقُ عَلَى كثرة الرداد" وَمِنْهَا جَمْعُهُ لِعُلُومٍ وَمَعَارِفَ لَمْ يَجْمَعْهَا كِتَابٌ مِنَ الْكُتُبِ وَلَا أَحَاطَ بِعِلْمِهَا أَحَدٌ فِي كَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ وَأَحْرُفٍ مَعْدُودَةٍ قَالَ: وَهَذَا الْوَجْهُ دَاخِلٌ فِي بَلَاغَتِهِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَدَّ فَنًّا مُفْرَدًا فِي إِعْجَازِهِ قَالَ وَالْأَوْجُهُ الَّتِي قبله تُعَدُّ فِي خَوَاصِّهِ وَفَضَائِلِهِ لَا إِعْجَازِهِ وَحَقِيقَةُ الْإِعْجَازِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ فَلْيُعْتَمَدْ عَلَيْهَا انْتَهَى. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: اخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُعْجِزِ مِنَ الْقُرْآنِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَالْآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ تَرُدُّهُ وَقَالَ الْقَاضِي: يتعلق الإعجاز بسورة طويلة كانت أَوْ قَصِيرَةٍ تَشَبُّثًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {بِسُورَةٍ} وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَتَعَلَّقُ بِسُورَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنَ الْكَلَامِ بِحَيْثُ يَتَبَيَّنُ فِيهِ تُفَاضُلُ قُوَى الْبَلَاغَةِ قَالَ فَإِذَا كَانَتْ آيَةٌ بِقَدْرِ حُرُوفِ سُورَةٍ وَإِنْ كَانَتْ كَسُورَةِ الْكَوْثَرِ فَذَلِكَ مُعْجِزٌ قَالَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى عَجْزِهِمْ عَنِ الْمُعَارَضَةِ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَحْصُلُ الْإِعْجَازُ بِآيَةٍ بَلْ يُشْتَرَطُ الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: يَتَعَلَّقُ بِقَلِيلِ الْقُرْآنِ وَكَثِيرِهِ لِقَوْلِهِ: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} قَالَ الْقَاضِي وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ التَّامَّ لَا تَتَحَصَّلُ حِكَايَتُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ كَلِمَاتِ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ. الثَّانِي: اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْلَمُ إِعْجَازُ الْقُرْآنِ ضَرُورَةً قَالَ الْقَاضِي فَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إِلَى أَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْلَمُ ضَرُورَةً وَكَوْنُهُ مُعْجِزًا يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ: قَالَ: وَالَّذِي نَقُولُهُ إِنَّ الْأَعْجَمِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ إِعْجَازَهُ إِلَّا اسْتِدْلَالًا وَكَذَلِكَ مَنْ لَيْسَ بِبَلِيغٍ فَأَمَّا الْبَلِيغُ الَّذِي قَدْ أَحَاطَ بِمَذَاهِبِ الْعَرَبِ وَغَرَائِبِ الصَّنْعَةِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ ضَرُورَةَ عَجْزِهِ وَعَجْزِ غَيْرِهِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ. الثَّالِثُ: اخْتُلِفَ فِي تَفَاوُتِ الْقُرْآنِ فِي مَرَاتِبِ الْفَصَاحَةِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ على أنه في أَعْلَى مَرَاتِبِ الْبَلَاغَةِ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ فِي التَّرَاكِيبِ مَا هُوَ أَشَدُّ تَنَاسُبًا وَلَا اعْتِدَالًا فِي إِفَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْهُ فَاخْتَارَ الْقَاضِي الْمَنْعَ وَأَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ فِيهِ مَوْصُوفَةٌ بِالذِّرْوَةِ الْعُلْيَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ أَحْسَنَ إِحْسَاسًا لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَاخْتَارَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ التَّفَاوُتَ فَقَالَ لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ مَا في القرآن أَرْفَعِ الدَّرَجَاتِ فِي الْفَصَاحَةِ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ فِي الْقُرْآنِ الْأَفْصَحُ وَالْفَصِيحُ وَإِلَى هَذَا نَحَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا وَهُوَ أَنَّهُ: لِمَ لَمْ يَأْتِ الْقُرْآنُ جَمِيعُهُ بِالْأَفْصَحِ وَأَجَابَ عَنْهُ الصَّدْرُ مَوْهُوبٌ الْجَزَرِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَوْ جَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى غَيْرِ النَّمَطِ الْمُعْتَادِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَفْصَحِ وَالْفَصِيحِ فَلَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ فِي الْإِعْجَازِ فَجَاءَ عَلَى نَمَطِ كَلَامِهِمُ الْمُعْتَادِ لِيَتِمَّ ظُهُورُ الْعَجْزِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَلَا يَقُولُوا مَثَلًا أَتَيْتَ بِمَا لَا قُدْرَةَ لَنَا عَلَى جِنْسِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ مِنَ الْبَصِيرِ أَنْ يَقُولَ لِلْأَعْمَى قَدْ غَلَبْتُكَ بِنَظَرِي؛

لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ إِنَّمَا تَتِمُّ لَكَ الْغَلَبَةُ لَوْ كُنْتُ قَادِرًا عَلَى النَّظَرِ وَكَانَ نَظَرُكَ أَقْوَى من نظري فأما إذ فُقِدَ أَصْلُ النَّظَرِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنِّي الْمُعَارَضَةُ! الرَّابِعُ: قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي تَنْزِيهِ الْقُرْآنِ عَنِ الشِّعْرِ الْمَوْزُونِ مَعَ أَنَّ الْمَوْزُونَ مِنَ الْكَلَامِ رُتْبَتُهُ فَوْقَ رُتْبَةِ غَيْرِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ مَنْبَعُ الْحَقِّ وَمَجْمَعُ الصِّدْقِ وَقُصَارَى أَمْرِ الشَّاعِرِ التَّخْيِيلُ بِتَصَوُّرِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ وَالْإِفْرَاطُ فِي الْإِطْرَاءِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الذَّمِّ وَالْإِيذَاءُ دُونَ إِظْهَارِ الْحَقِّ وَإِثْبَاتِ الصِّدْقِ وَلِهَذَا نَزَّهَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَنْهُ وَلِأَجْلِ شُهْرَةِ الشِّعْرِ بِالْكَذِبِ سَمَّى أَصْحَابُ الْبُرْهَانِ الْقِيَاسَاتِ الْمُؤَدِّيَةَ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ إِلَى الْبُطْلَانِ وَالْكَذِبِ شِعْرِيَّةً. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَمْ يُرَ مُتَدَيِّنٌ صَادِقُ اللهجة مفلق فِي شِعْرِهِ وَأَمَّا مَا وُجِدَ فِي الْقُرْآنِ مِمَّا صُورَتُهُ صُورَةُ الْمَوْزُونِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى شِعْرًا لِأَنَّ شَرْطَ الشِّعْرِ الْقَصْدُ وَلَوْ كَانَ شِعْرًا لَكَانَ كُلُّ مَنِ اتَّفَقَ لَهُ فِي كَلَامِهِ شَيْءٌ مَوْزُونٌ شَاعِرًا فَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ شُعَرَاءَ لِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَخْلُوَ كَلَامُ أَحَدٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ على ألسنة الْفُصَحَاءِ فَلَوِ اعْتَقَدُوهُ شِعْرًا لَبَادَرُوا إِلَى مُعَارَضَتِهِ وَالطَّعْنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ وإنما يقع ذلك لبلوغ الكلام الْغَايَةِ الْقُصْوَى فِي الِانْسِجَامِ وَقِيلَ الْبَيْتُ الْوَاحِدُ وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِهِ لَا يُسَمَّى شِعْرًا وَأَقَلُّ الشَّعْرِ بَيْتَانِ فَصَاعِدًا وَقِيلَ الرَّجَزُ لَا يُسَمَّى شِعْرًا أَصْلًا وَقِيلَ أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجَزِ شِعْرًا أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ بِحَالٍ. الْخَامِسُ: قَالَ بَعْضُهُمُ التَّحَدِّي إِنَّمَا وَقَعَ لِلْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي جَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى أَسَالِيبِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ} تَعْظِيمًا لِإِعْجَازِهِ لِأَنَّ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ

مِنَ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِلْأَفْرَادِ فَإِذَا فُرِضَ اجْتِمَاعُ الثَّقَلَيْنِ فِيهِ وَظَاهَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَعَجَزُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ كَانَ الْفَرِيقُ الْوَاحِدُ أَعْجَزَ وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ وَقَعَ لِلْجِنِّ أَيْضًا وَالْمَلَائِكَةُ مَنْوِيُّونَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَيْضًا عَلَى الإتيان بمثل القرآن. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِ التَّفْسِيرِ إِنَّمَا اقْتَصَرَ فِي الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الثَّقَلَيْنِ دُونَ الْمَلَائِكَةِ. السَّادِسُ: سُئِلَ الْغَزَالِيُّ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} فَأَجَابَ: الِاخْتِلَافُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعَانٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ بَلْ نَفْيُ الِاخْتِلَافِ عن ذات القرآن يقال: هَذَا كَلَامٌ مُخْتَلِفٌ أَيْ لَا يُشْبِهُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ فِي الْفَصَاحَةِ أو هو مختلف الدعوى أَيْ بَعْضُهُ يَدْعُو إِلَى الدِّينِ وَبَعْضُهُ يَدْعُو إِلَى الدُّنْيَا وَهُوَ مُخْتَلِفُ النَّظْمِ فَبَعْضُهُ عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ وَبَعْضُهُ مُنْزَحِفٌ وَبَعْضُهُ عَلَى أُسْلُوبٍ مَخْصُوصٍ فِي الْجَزَالَةِ وَبَعْضُهُ عَلَى أُسْلُوبٍ يُخَالِفُهُ وَكَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ فَإِنَّهُ عَلَى مِنْهَاجٍ وَاحِدٍ فِي النَّظْمِ مُنَاسِبٌ أَوَّلُهُ آخِرَهُ وَعَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فِي غَايَةِ الْفَصَاحَةِ فَلَيْسَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْغَثِّ وَالسَّمِينِ وَمَسُوقٌ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ دَعْوَةُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَرْفِهِمْ عَنِ الدنيا إلى الدين وكلام الآدمين تَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتُ إِذْ كَلَامُ الشُّعَرَاءِ وَالْمُتَرَسِّلِينَ إِذَا قِيسَ عَلَيْهِ وُجِدَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي مِنْهَاجِ النَّظْمِ ثُمَّ اخْتِلَافٌ فِي دَرَجَاتِ الْفَصَاحَةِ بَلْ فِي أَصْلِ الْفَصَاحَةِ حَتَّى يَشْتَمِلَ عَلَى الْغَثِّ وَالسَّمِينِ فَلَا تَتَسَاوَى رِسَالَتَانِ وَلَا قَصِيدَتَانِ بَلْ تَشْتَمِلُ قَصِيدَةٌ عَلَى أَبْيَاتٍ فَصَيْحَةٍ وَأَبْيَاتٍ سَخِيفَةٍ وَكَذَلِكَ تَشْتَمِلُ الْقَصَائِدُ وَالْأَشْعَارُ عَلَى أَغْرَاضٍ

مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ وَالْفُصَحَاءَ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ فَتَارَةً يَمْدَحُونَ الدُّنْيَا وَتَارَةً يَذُمُّونَهَا وَتَارَةً يَمْدَحُونَ الْجُبْنَ وَيُسَمُّونَهُ حَزْمًا وَتَارَةً يَذُمُّونَهُ وَيُسَمُّونَهُ ضَعْفًا وَتَارَةً يَمْدَحُونَ الشَّجَاعَةَ وَيُسَمُّونَهَا صَرَامَةً وَتَارَةً يَذُمُّونَهَا وَيُسَمُّونَهَا تهورا ولا ينفك عن كَلَامٌ آدَمِيٌّ عَنْ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ لِأَنَّ مَنْشَأَهَا اختلاف الأغراض والأحوال وَالْإِنْسَانُ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُ فَتُسَاعِدُهُ الْفَصَاحَةُ عِنْدَ انْبِسَاطِ الطَّبْعِ وَفَرَحِهِ وَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِانْقِبَاضِ وَكَذَلِكَ تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُهُ فَيَمِيلُ إِلَى الشَّيْءِ مَرَّةً وَيَمِيلُ عَنْهُ أُخْرَى فَيُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي كَلَامِهِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُصَادِفُ إِنْسَانٌ يَتَكَلَّمُ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً- وَهِيَ مُدَّةُ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَيَتَكَلَّمُ عَلَى غَرَضٍ وَاحِدٍ وَمِنْهَاجٍ وَاحِدٍ وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرًا تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَلَامَهُ أَوْ كَلَامَ غَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. السَّابِعُ: قَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ قِيلَ هَلْ تَقُولُونَ إِنَّ غَيْرَ الْقُرْآنِ من كلام الله معجز كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمُعْجِزٍ فِي النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ وَإِنْ كَانَ مُعْجِزًا كَالْقُرْآنِ فِيمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ وإنما لَمْ يَكُنْ مُعْجِزًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَصِفْهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ الْقُرْآنَ وَلِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقَعِ التَّحَدِّي إِلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ اللِّسَانَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْفَصَاحَةِ مَا يَقَعُ فيه التَّفَاضُلُ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي الْخَاطِرِيَّاتِ فِي قَوْلِهِ: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} أن العدول عن قوله: "وما أَنْ نُلْقِي "لِغَرَضَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَفْظِيٌّ وَهُوَ الْمُزَاوَجَةُ لرؤوس الْآيِ وَالْآخَرُ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ

يُخْبِرَ عَنْ قُوَّةِ أَنْفُسِ السَّحَرَةِ وَاسْتِطَالَتِهِمْ عَلَى مُوسَى فَجَاءَ عَنْهُمْ بِاللَّفْظِ أَتَمَّ وَأَوْفَى مِنْهُ فِي إِسْنَادِهِمُ الْفِعْلَ إِلَيْهِ ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا وهو إنا نَعْلَمُ أَنَّ السَّحَرَةَ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ لِسَانٍ فَنَذْهَبُ بِهِمْ هَذَا الْمَذْهَبَ مِنْ صَنْعَةِ الْكَلَامِ وَأَجَابَ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِ أَهْلِ اللِّسَانِ مِنَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ إِنَّمَا هُوَ مُعْرِبٌ عَنْ مَعَانِيهِمْ وَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ أَلْفَاظِهِمْ وَلِهَذَا لَا يُشَكُّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} أَنَّ هَذِهِ الْفَصَاحَةَ لَمْ تَجْرِ عَلَى لُغَةِ الْعَجَمِ. الثَّامِنُ: قَالَ الْبَارِزِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ أَنْوَارُ التَّحْصِيلِ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ قَدْ يُخْبَرُ عَنْهُ بِأَلْفَاظٍ بَعْضُهَا أَحْسَنُ مِنْ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ كَلُّ وَاحِدٍ مِنْ جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَفْصَحِ مَا يُلَائِمُ الْجُزْءَ الْآخَرَ وَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِحْضَارِ مَعَانِي الْجُمَلِ أَوِ اسْتِحْضَارِ جَمِيعِ مَا يُلَائِمُهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ اسْتِعْمَالِ أَنْسَبِهَا وَأَفْصَحِهَا وَاسْتِحْضَارُ هَذَا مُتَعَذِّرٌ عَلَى الْبَشَرِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ عَتِيدٌ حَاصِلٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ كَانَ الْقُرْآنُ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَأَفْصَحَهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْفَصِيحِ وَالْأَفْصَحِ وَالْمَلِيحِ وَالْأَمْلَحِ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} لَوْ قَالَ مَكَانَهُ: "وَثَمَرُ الْجَنَّتَيْنِ قَرِيبٌ"؛ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ مِنْ جِهَةِ الْجِنَاسِ بَيْنَ الْجَنَى وَالْجَنَّتَيْنِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الثَّمَرَ لَا يُشْعِرُ بِمَصِيرِهِ إِلَى حَالٍ يُجْنَى فِيهَا وَمِنْ جِهَةِ مُؤَاخَاةِ الْفَوَاصِلِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} أَحْسَنُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِ "تَقْرَأُ" لِثِقْلِهِ بِالْهَمْزَةِ وَمِنْهَا {لَا رَيْبَ فِيهِ} أحسن من "لاشك فِيهِ"

لِثِقَلِ الْإِدْغَامِ وَلِهَذَا كَثُرَ ذِكْرُ الرَّيْبِ؛ وَمِنْهَا: {وَلا تَهِنُوا} أَحْسَنُ مِنْ وَلَا تَضْعُفُوا لِخِفَّتِهِ وَ {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} أَحْسَنُ مِنْ "ضَعُفَ" لِأَنَّ الْفَتْحَةَ أَخَفُّ مِنَ الضَّمَّةِ، وَمِنْهَا {آمَنَ} أَخَفُّ مِنْ "صَدَّقَ" وَلِذَا كَانَ ذِكْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ التَّصْدِيقِ؛ و {آثَرَكَ اللَّهُ} أَخَفُّ مِنْ "فَضَّلَكَ" وَ "آتَى" أَخَفُّ مِنْ "أَعْطَى" وَ {أَنْذِرِ} أَخَفُّ مِنْ "خَوَّفَ" وَ {خَيْرٌ لَكُمْ} أَخَفُّ مِنْ "أَفْضَلُ لَكُمْ" وَالْمَصْدَرُ فِي نَحْوِ: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} ؛ {يؤمنون بالغيب} ، أخف من "مخلوق" و "الغائب" و {تَنْكِحَ} أَخَفُّ مِنْ "تَتَزَوَّجُ" لِأَنَّ "تَفْعِلُ" أَخَفُّ مِنْ "تفعل"؛ وَلِهَذَا كَانَ ذِكْرُ النِّكَاحِ فِيهِ أَكْثَرَ وَلِأَجْلِ التَّخْفِيفِ وَالِاخْتِصَارِ اسْتُعْمِلَ لَفْظُ الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْحُبِّ وَالْمَقْتِ فِي أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهَا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَلْفَاظِ الْحَقِيقَةِ لَطَالَ الْكَلَامُ كَأَنْ يُقَالُ يُعَامِلُهُ مُعَامَلَةَ الْمُحِبِّ وَالْمَاقِتِ فَالْمَجَازُ فِي مِثْلِ هَذَا أَفْضَلُ مِنَ الْحَقِيقَةِ لِخِفَّتِهِ وَاخْتِصَارِهِ وَابْتِنَائِهِ عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا} مِنْهُمْ أَحْسَنُ مِنْ "فَلَمَّا عَامَلُونَا مُعَامَلَةَ المغضب" أَوْ "فَلَمَّا أَتَوْا إِلَيْنَا بِمَا يَأْتِيهِ الْمُغْضَبُ" انْتَهَى. التَّاسِعُ: قَالَ الرُّمَّانِيُّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلَعَلَّ السُّوَرَ الْقِصَارَ يُمْكِنُ فِيهَا الْمُعَارَضَةُ قِيلَ لَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّحَدِّيَ قَدْ وَقَعَ بِهَا فَظَهَرَ

الْعَجْزُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} فَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ الطِّوَالَ دُونَ الْقِصَارِ فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِي الْقِصَارِ أَنْ تُغَيَّرَ الْفَوَاصِلُ فَيُجْعَلُ بَدَلَ كُلِّ كَلِمَةٍ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُعَارَضَةً؟ قِيلَ لَهُ: لَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُفْحَمَ يُمْكِنُهُ أَنْ ينشيء بَيْتًا وَاحِدًا وَلَا يَفْصِلَ بِطَبْعِهِ بَيْنَ مَكْسُورٍ وَمَوْزُونٍ فَلَوْ أَنَّ مُفْحَمًا رَامَ أَنْ يَجْعَلَ بَدَلَ قَوَافِي قَصِيدَةِ رُؤْبَةَ: وَقَاتِمِ الْأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْ مُشْتَبِهِ الْأَعْلَامِ لَمَّاعِ الْخَفَقْ بِكُلِّ وَفْدِ الرِّيحِ مِنْ حَيْثُ انْخَرَقْ فَجَعَلَ بَدَلَ الْمُخْتَرَقْ الْمُمَزَّقْ وَبَدَلَ الْخَفَقْ الشَّفَقْ وَبَدَلَ انْخَرَقْ انْطَلَقْ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِهِ قَوْلُ الشِّعْرِ وَلَا مُعَارَضَةُ رُؤْبَةَ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ عِنْدَ أَحَدٍ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ فَكَذَلِكَ سَبِيلُ مَنْ غَيَّرَ الْفَوَاصِلَ.

النوع الخامس والستون: في العلوم المستنبطة من القرآن

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: فِي الْعُلُومِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وَقَالَ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ" قِيلَ: وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا؟ قَالَ: "كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نبأ ما قبلكم وخبر ما بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "مَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَعَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ فِيهِ خَبَرَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ" قَالَ: الْبَيْهَقِيُّ: يَعْنِي أُصُولَ الْعِلْمِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ مِائَةً وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ أَوْدَعَ عُلُومَهَا أَرْبَعَةً مِنْهَا: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الثَّلَاثَةِ الْفُرْقَانَ. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَمِيعُ مَا تَقُولُهُ الْأُمَّةُ شَرْحٌ لِلسُّنَّةِ وَجَمِيعُ السُّنَّةِ شَرْحٌ لِلْقُرْآنِ وَقَالَ أَيْضًا: جَمِيعُ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَا أُحِلُّ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلَا أُحَرِّمُ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ" أَخْرَجَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لى وَجْهِهِ إِلَّا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِحَدِيثٍ أَنْبَأَتْكُمْ بِتَصْدِيقِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَخْرَجَهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا: لَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ فِي الدِّينِ نَازِلَةٌ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى فِيهَا فَإِنْ قِيلَ: مِنَ الْأَحْكَامِ ما ثبت ابْتِدَاءً بِالسُّنَّةِ قُلْنَا: ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَوْجَبَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَضَ عَلَيْنَا الْأَخْذَ بِقَوْلِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً بِمَكَّةَ: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ أُخْبِرْكُمْ عَنْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الزُّنْبُورَ؟ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بعدي أبو بَكْرٍ وَعُمَرَ" وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ الزَّنْبُورَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَوَشِّمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى" فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ كيت! فَقَالَ: وَمَالِي

لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى! فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ كَمَا تَقُولُ قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيْهِ أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قَالَتْ بَلَى قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ وَحَكَى ابْنُ سُرَاقَةَ فِي كِتَابِ الْإِعْجَازِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: ما شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ إِلَّا وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ فَأَيْنَ ذِكْرُ الْخَانَاتِ فِيهِ؟ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} فَهِيَ الْخَانَاتِ. وَقَالَ ابْنُ بُرْجَانَ: مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ في القرآن به أَوْ فِيهِ أَصْلُهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ فَهِمَهُ مَنْ فَهِمَهُ وَعَمِهَ عَنْهُ مَنْ عَمِهَ وَكَذَا كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ أَوْ قَضَى وَإِنَّمَا يُدْرِكُ الطَّالِبُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ اجْتِهَادِهِ وَبَذْلِ وُسْعِهِ وَمِقْدَارِ فَهْمِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنَ الْقُرْآنِ لِمَنْ فَهَّمَهُ اللَّهُ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَنْبَطَ عُمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً مِنْ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} فَإِنَّهَا رَأْسُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سُورَةً وَعَقَّبَهَا بِالتَّغَابُنِ لِيَظْهَرَ التَّغَابُنُ فِي فقده. وقال ابن الْفَضْلِ الْمُرْسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: جَمَعَ الْقُرْآنُ عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ بِحَيْثُ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا حَقِيقَةً إِلَّا الْمُتَكَلِّمُ بِهَا ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَا مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ سُبْحَانَهُ وتعالى ثم ورث ذلك عنه معظم سَادَاتُ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَامُهُمْ مِثْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى قَالَ: لَوْ ضَاعَ

لِي عِقَالُ بَعِيرٍ لَوَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ وَرِثَ عَنْهُمُ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ ثُمَّ تَقَاصَرَتِ الْهِمَمُ وَفَتَرَتِ الْعَزَائِمُ وَتَضَاءَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَضَعُفُوا عَنْ حَمْلِ مَا حَمَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْ عُلُومِهِ وَسَائِرِ فُنُونِهِ فَنَوَّعُوا عُلُومَهُ وَقَامَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ بِفَنٍّ مِنْ فُنُونِهِ فَاعْتَنَى قَوْمٌ بِضَبْطِ لُغَاتِهِ وَتَحْرِيرِ كَلِمَاتِهِ وَمَعْرِفَةِ مَخَارِجِ حُرُوفِهِ وَعَدَدِهَا وَعَدَدِ كَلِمَاتِهِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَأَحْزَابِهِ وَأَنْصَافِهِ وَأَرْبَاعِهِ وَعَدَدِ سَجَدَاتِهِ وَالتَّعْلِيمِ عِنْدَ كُلِّ عَشْرِ آيَاتٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَصْرِ الْكَلِمَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ وَالْآيَاتِ الْمُتَمَاثِلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعَانِيهِ وَلَا تَدَبُّرٍ لِمَا أُودِعُ فِيهِ فَسُمُّوا الْقُرَّاءَ وَاعْتَنَى النُّحَاةُ بِالْمُعْرَبِ مِنْهُ وَالْمَبْنِيِّ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ الْعَامِلَةِ وَغَيْرِهَا وَأَوْسَعُوا الْكَلَامَ فِي الْأَسْمَاءِ وَتَوَابِعِهَا وَضُرُوبِ الْأَفْعَالِ وَاللَّازِمِ وَالْمُتَعَدِّي وَرُسُومِ خَطَّ الْكَلِمَاتِ وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ أَعْرَبَ مُشْكِلَهُ وَبَعْضُهُمْ أَعْرَبَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَاعْتَنَى الْمُفَسِّرُونَ بِأَلْفَاظِهِ فَوَجَدُوا مِنْهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَلَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ وَلَفْظًا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرِ فَأَجْرَوُا الْأَوَّلَ عَلَى حُكْمِهِ وَأَوْضَحُوا مَعْنَى الْخَفِيِّ مِنْهُ وَخَاضُوا فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِ ذِي الْمَعْنَيَيْنِ وَالْمَعَانِي وَأَعْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِكْرَهُ وَقَالَ بِمَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ وَاعْتَنَى الْأُصُولِيُّونَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّوَاهِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ أَدِلَّةً عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَوُجُودِهِ وَبَقَائِهِ وَقِدَمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ وَسَمَّوْا هَذَا الْعِلْمَ بِأُصُولِ الدِّينِ. وَتَأَمَّلَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَانِيَ خِطَابِهِ فَرَأَتْ مِنْهَا مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَمِنْهَا

مَا يَقْتَضِي الْخُصُوصَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ أَحْكَامَ اللُّغَةِ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَتَكَلَّمُوا فِي التخصيص والإخبار والنص "الاجتهاد" وَالظَّاهِرِ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّسْخِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ وَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَالِاسْتِقْرَاءِ وَسَمَّوْا هَذَا الْفَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ. وَأَحْكَمَتْ طَائِفَةٌ صَحِيحَ النَّظَرِ وصادق الفكر فِيمَا فِيهِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ فَأَسَّسُوا أُصُولَهُ وَفَرَّعُوا فُرُوعَهُ وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بَسْطًا حَسَنًا وَسَمَّوْهُ بِعَلَمِ الْفُرُوعِ وَبِالْفِقْهِ أَيْضًا وَتَلَمَّحَتْ طَائِفَةٌ مَا فِيهِ مِنْ قَصَصِ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ وَنَقَلُوا أَخْبَارَهُمْ وَدَوَّنُوا آثَارَهُمْ وَوَقَائِعَهُمْ حَتَّى ذَكَرُوا بَدْءَ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ الْأَشْيَاءِ وَسَمَّوْا ذَلِكَ بِالتَّارِيخِ وَالْقَصَصِ. وَتَنَبَّهَ آخَرُونَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ وَالْمَوَاعِظِ الَّتِي تُقَلْقِلُ قُلُوبَ الرِّجَالِ وَتَكَادُ تُدَكْدِكُ الْجِبَالَ فَاسْتَنْبَطُوا مِمَّا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّحْذِيرِ وَالتَّبْشِيرِ وَذِكْرِ الْمَوْتِ وَالْمَعَادِ وَالنَّشْرِ وَالْحَشْرِ وَالْحِسَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فُصُولًا مِنَ الْمَوَاعِظِ وَأُصُولًا مِنَ الزَّوَاجِرِ فَسُمُّوا بِذَلِكَ الْخُطَبَاءَ وَالْوُعَّاظَ وَاسْتَنْبَطَ قَوْمٌ مِمَّا فِيهِ مِنْ أُصُولِ التَّعْبِيرِ مِثْلَ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ فِي الْبَقَرَاتِ السِّمَانِ وَفِي مَنَامَيْ صَاحِبَيِ السِّجْنِ وَفِي رُؤْيَاهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ سَاجِدَةً وَسَمَّوْهُ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا وَاسْتَنْبَطُوا تَفْسِيرَ كُلِّ رُؤْيَا مِنَ الْكِتَابِ فَإِنْ عَزَّ عَلَيْهِمْ إِخْرَاجُهَا مِنْهُ فَمِنَ السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ شَارِحَةٌ لِلْكِتَابِ فَإِنْ عَسِرَ فَمِنَ الْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى اصْطِلَاحِ الْعَوَامِ فِي مُخَاطِبَاتِهِمْ وعرف عاداتهم الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ" {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}

وَأَخَذَ قَوْمٌ مِمَّا فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ مِنْ ذِكْرِ السِّهَامِ وَأَرْبَابِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ عِلْمَ الْفَرَائِضِ وَاسْتَنْبَطُوا مِنْهَا مِنْ ذِكْرِ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالسُّدُسِ وَالثُّمُنِ حِسَابَ الْفَرَائِضِ وَمَسَائِلَ الْعَوْلِ وَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ أَحْكَامَ الْوَصَايَا. وَنَظَرَ قَوْمٌ إِلَى مَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّاتِ عَلَى الْحِكَمِ الْبَاهِرَةِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَنَازِلِهِ وَالنُّجُومِ وَالْبُرُوجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ عِلْمَ الْمَوَاقِيتِ. وَنَظَرَ الْكُتَّابُ وَالشُّعَرَاءُ إِلَى مَا فِيهِ مِنْ جَزَالَةِ اللَّفْظِ وَبَدِيعِ النَّظْمِ وَحُسْنِ السِّيَاقِ وَالْمَبَادِئِ وَالْمَقَاطِعِ وَالْمَخَالَصِ وَالتَّلْوِينِ فِي الْخِطَابِ وَالْإِطْنَابِ وَالْإِيجَازِ وغير ذلك فاستنبطوا مِنْهُ الْمَعَانِيَ وَالْبَيَانَ وَالْبَدِيعَ. وَنَظَرَ فِيهِ أَرْبَابُ الْإِشَارَاتِ وَأَصْحَابُ الْحَقِيقَةِ فَلَاحَ لَهُمْ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَعَانٍ وَدَقَائِقُ جَعَلُوا لَهَا أَعْلَامًا اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا مِثْلَ الْفَنَاءِ وَالْبَقَاءِ وَالْحُضُورِ وَالْخَوْفِ وَالْهَيْبَةِ وَالْأُنْسِ وَالْوَحْشَةِ وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ هَذِهِ الْفُنُونُ الَّتِي أَخَذَتْهَا الْمِلَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مِنْهُ وَقَدِ احْتَوَى عَلَى عُلُومٍ أُخْرَى مِنْ عُلُومِ الْأَوَائِلِ مِثْلَ الطِّبِّ وَالْجَدَلِ وَالْهَيْئَةِ وَالْهَنْدَسَةِ وَالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالنِّجَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا الطِّبُّ فَمَدَارُهُ عَلَى حِفْظِ نِظَامِ الصِّحَّةِ وَاسْتِحْكَامِ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ إِنَّمَا بِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بِتَفَاعُلِ الْكَيْفِيَّاتِ الْمُتَضَادَّةِ وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} وعرفنا فيه بما يعيد نِظَامَ الصِّحَّةِ بَعْدَ اخْتِلَالِهِ وَحُدُوثِ الشِّفَاءِ لِلْبَدَنِ بَعْدَ اعْتِلَالِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} ثُمَّ زَادَ عَلَى طِبِّ الْأَجْسَامِ بِطِبِّ الْقُلُوبِ وَشِفَاءِ الصُّدُورِ.

وَأَمَّا الْهَيْئَةُ فَفِي تَضَاعِيفِ سُوَرِهِ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا ملكوت السموات وَالْأَرْضِ وَمَا بُثَّ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. وَأَمَّا الْهَنْدَسَةُ فَفِي قَوْلِهِ: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} الْآيَةَ. وَأَمَّا الْجَدَلُ فَقَدْ حَوَتْ آيَاتُهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّتَائِجِ وَالْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ وَالْمُعَارَضَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ شيئا كثيرا ومناظرة إبراهيم نمرود وَمُحَاجَّتُهُ قَوْمَهُ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ عَظِيمٌ. وَأَمَّا الْجَبْرُ وَالْمُقَابَلَةُ فَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَوَائِلَ السُّوَرِ فِيهَا ذِكْرُ مُدَدٍ وَأَعْوَامٍ وَأَيَّامٍ لِتَوَارِيخِ أُمَمٍ سَالِفَةٍ وَإِنَّ فِيهَا تَارِيخَ بَقَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَارِيخَ مُدَّةِ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ مَضْرُوبٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَأَمَّا النِّجَامَةُ فَفِي قَوْلِهِ: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} فَقَدْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَفِيهِ أُصُولُ الصَّنَائِعِ وَأَسْمَاءُ الْآلَاتِ الَّتِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَيْهَا كَالْخَيَّاطَةِ في قوله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} والحدادة {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} ؛ {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} الْآيَةَ وَالْبِنَاءِ فِي آيَاتٍ وَالنِّجَارَةِ {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا}

والغزل {نَقَضَتْ غَزْلَهَا} وَالنَّسْجِ {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} والفلاحة {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} الْآيَاتِ وَالصَّيْدِ فِي آيَاتٍ وَالْغَوْصِ {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً} وَالصِّيَاغَةِ {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً} وَالزِّجَاجَةِ {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} والفخارة {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} والملاحة {أَمَّا السَّفِينَةُ} الآية والكتابة {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} وَالْخَبْزِ {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً} والطبخ {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} والغسل والقصارة {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال الحواريون: وهم القصار ون والجزارة {لَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}

وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي آيَاتٍ وَالصَّبْغِ {صِبْغَةَ اللَّهِ} ؛ {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} وَالْحِجَارَةِ {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً} وَالْكِيَالَةِ وَالْوَزْنِ فِي آيَاتٍ وَالرَّمْيِ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} ، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْآلَاتِ وَضُرُوبِ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَالْمَنْكُوحَاتِ وَجَمِيعِ مَا وَقَعَ وَيَقَعُ فِي الْكَائِنَاتِ مَا يُحَقِّقُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} انْتَهَى كَلَامُ الْمُرْسِيِّ مُلَخَّصًا. وَقَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: مِنْ بَعْضِ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ أَعْدَادِ الْحِسَابِ وَالْجَمْعِ وَالْقِسْمَةِ وَالضَّرْبِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالتَّأْلِيفِ وَالْمُنَاسَبَةِ وَالتَّنْصِيفِ وَالْمُضَاعَفَةِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحِسَابِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ خَالَطَ الْفَلَاسِفَةَ وَلَا تَلَقَّى الْحُسَّابَ وَأَهْلَ الْهَنْدَسَةِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا جَعَلَ نُبُوَّةَ النَّبِيِّينَ نبينا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَتَمَةً وَشَرَائِعَهُمْ بِشَرِيعَتِهِ مِنْ وَجْهٍ مُنْتَسَخَةً وَمِنْ وَجْهٍ مُكَمِّلَةً مُتَمِّمَةً جَعَلَ كِتَابَهُ الْمُنَزَّلَ عَلَيْهِ مُتَضَمِّنًا لِثَمَرَةِ كتبه التي أولادها أُولَئِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} وَجَعَلَ مِنْ مُعْجِزَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ مَعَ قِلَّةِ الْحَجْمِ مُتَضَمِّنٌ لِلْمَعْنَى الْجَمِّ بِحَيْثُ تَقْصُرُ الْأَلْبَابُ الْبَشَرِيَّةُ عَنْ إِحْصَائِهِ وَالْآلَاتُ الدُّنْيَوِيَّةُ عَنِ اسْتِيفَائِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ

مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو لِلنَّاظِرِ فِيهِ مِنْ نُورِ مَا يُرِيهِ وَنَفْعِ مَا يُولِيهِ: كَالْبَدْرِ مِنْ حَيْثُ الْتَفَتَّ رَأَيْتَهُ يَهْدِي إِلَى عَيْنَيْكَ نُورًا ثَاقِبَا كَالشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وضوءها يَغْشَى الْبِلَادَ مَشَارِقًا وَمَغَارِبَا وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ قَالَ قِيلَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُوسَى إِنَّمَا مَثَلُ كِتَابِ أَحْمَدَ فِي الْكُتُبِ بِمَنْزِلَةِ وِعَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ كُلَّمَا مَخَّضْتَهُ أَخْرَجْتَ زُبْدَتَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَانُونِ التَّأْوِيلِ: عُلُومُ الْقُرْآنِ خَمْسُونَ عِلْمًا وَأَرْبَعُمِائَةِ عِلْمٍ وَسَبْعَةُ آلَافِ عِلْمٍ وَسَبْعُونَ أَلْفِ عِلْمٍ عَلَى عَدَدِ كَلِمِ الْقُرْآنِ مَضْرُوبَةً فِي أَرْبَعَةٍ إِذْ لِكُلِّ كَلِمَةٍ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَحَدٌّ وَمَطْلَعٌ وَهَذَا مُطْلَقٌ دُونَ اعْتِبَارِ تَرْكِيبٍ وَمَا بَيَّنَهَا مِنْ رَوَابِطَ وَهَذَا مَا لَا يُحْصَى وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ قَالَ وَأَمَّا عُلُومُ القرآن فثلاثة تَوْحِيدٌ وَتَذْكِيرٌ وَأَحْكَامٌ فَالتَّوْحِيدُ يَدْخُلُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَعْرِفَةُ الْخَالِقِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَالتَّذْكِيرُ مِنْهُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَتَصْفِيَةُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَالْأَحْكَامُ مِنْهَا التَّكَالِيفُ كُلُّهَا وَتَبْيِينُ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالنَّدْبُ وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْفَاتِحَةُ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ فِيهَا الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ ثُلُثَهُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ التَّوْحِيدُ وَالْأَخْبَارُ وَالدِّيَانَاتُ وَلِهَذَا كَانَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ ثُلُثَهُ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ التَّوْحِيدَ كُلَّهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِينَ شَيْئًا: الْإِعْلَامُ وَالتَّشْبِيهُ

وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَوَصْفُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وتعلم الْإِقْرَاءِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَتَعْلِيمُ الِاعْتِرَافِ بِإِنْعَامِهِ وَالِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ وَالرَّدِّ عَلَى الْمُلْحِدِينَ وَالْبَيَانِ عَنْ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْحَسَنِ والقبيح ونعت الحكمة وفصل الْمَعْرِفَةِ وَمَدْحِ الْأَبْرَارِ وَذَمِّ الْفُجَّارِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّحْسِينِ وَالتَّوْكِيدِ وَالتَّقْرِيعِ وَالْبَيَانِ عَنْ ذَمِّ الْأَخْلَاقِ وَشَرَفِ الْآدَابِ. وَقَالَ شَيْذَلَةُ: وَعَلَى التَّحْقِيقِ أَنَّ تِلْكَ الثلاثة الَّتِي قَالَهَا ابْنُ جَرِيرٍ تَشْمَلُ هَذِهِ كُلَّهَا بَلْ أَضْعَافَهَا فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يُسْتَدْرَكُ وَلَا تُحْصَى عَجَائِبُهُ وَأَنَا أَقُولُ قَدِ اشْتَمَلَ كِتَابُ اللَّهِ الْعَزِيزُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَمَّا أَنْوَاعُ الْعُلُومِ فَلَيْسَ مِنْهَا بَابٌ وَلَا مَسْأَلَةٌ هِيَ أَصْلٌ إِلَّا وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَفِيهِ عَجَائِبُ الْمَخْلُوقَاتِ وملكوت السموات وَالْأَرْضِ وَمَا فِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى وَتَحْتَ الثَّرَى وَبَدْءُ الْخَلْقِ وَأَسْمَاءُ مَشَاهِيرِ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ وَعُيُونُ أَخْبَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ كَقِصَّةِ آدَمَ مَعَ إِبْلِيسَ فِي إِخْرَاجِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَفِي الْوَلَدِ الَّذِي سَمَّاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ وَرَفْعِ إِدْرِيسَ وَغَرَقِ قَوْمِ نُوحٍ وَقِصَّةِ عَادٍ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَثَمُودَ وَالنَّاقَةِ وَقَوْمِ يُونُسَ وَقَوْمِ شعيب الأولين وَالْآخَرِينَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَقَوْمِ تُبَّعٍ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ وَقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ فِي مجادلة قَوْمَهُ وَمُنَاظَرَتِهِ نُمْرُوذَ وَوَضْعِهِ إِسْمَاعِيلَ مَعَ أُمِّهِ بِمَكَّةَ وَبِنَائِهِ الْبَيْتَ وَقِصَّةِ الذَّبِيحِ وَقِصَّةِ يُوسُفَ وَمَا أَبْسَطَهَا وَقِصَّةِ مُوسَى فِي وِلَادَتِهِ وَإِلْقَائِهِ فِي الْيَمِّ وَقَتْلِ الْقِبْطِيِّ وَمَسِيرِهِ إِلَى مَدْيَنَ وَتَزَوُّجِهِ بِنْتَ شُعَيْبٍ وَكَلَامِهِ تَعَالَى بِجَانِبِ الطُّورِ وَمَجِيئِهِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَخُرُوجِهِ وَإِغْرَاقِ عَدُوِّهِ وَقِصَّةِ الْعِجْلِ وَالْقَوْمِ الَّذِينَ خرج بهم وأخذتهم الصَّعْقَةُ وَقِصَّةِ الْقَتِيلِ وَذَبْحِ الْبَقَرَةِ وَقَصَّتِهِ مَعَ الْخَضِرِ وَقِصَّتِهِ فِي قِتَالِ الْجَبَّارِينَ وَقِصَّةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ ساروا في سرب من الْأَرْضِ إِلَى الصِّينِ وَقِصَّةِ طَالُوتَ وَدَاوُدَ مَعَ جَالُوتَ وَفِتْنَتِهِ وَقِصَّةِ سُلَيْمَانَ وَخَبَرِهِ مَعَ مَلِكَةِ سَبَأٍ وَفَتَنْتِهِ

وَقِصَّةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ خَرَجُوا فِرَارًا مِنَ الطَّاعُونِ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ وَقِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَسِيرِهِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَمَطْلَعِهَا وَبِنَائِهِ السَّدَّ وَقِصَّةِ أَيُّوبَ وَذِي الْكِفْلِ وَإِلْيَاسَ وَقِصَّةِ مَرْيَمَ وَوِلَادَتِهَا وَعِيسَى وَإِرْسَالِهِ وَرَفْعِهِ وَقِصَّةِ زَكَرِيَّا وَابْنِهِ يَحْيَى وَقِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقِصَّةِ أَصْحَابِ الرَّقِيمِ وقصة بخت نصر وَقِصَّةِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الْجَنَّةُ وَقِصَّةِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَقِصَّةِ مُؤْمِنِ آلِ يس وَقِصَّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ وَفِيهِ مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ بِهِ وَبِشَارَةُ عِيسَى وَبَعْثُهُ وَهِجْرَتُهُ وَمِنْ غَزَوَاتِهِ سَرِيَّةُ ابْنِ الْحَضْرِمِيِّ فِي الْبَقَرَةِ وَغَزْوَةُ بَدْرٍ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَأُحُدٍ فِي آلِ عِمْرَانَ وَبَدْرٍ الصُّغْرَى فِيهَا وَالْخَنْدَقِ فِي الْأَحْزَابِ وَالْحُدَيْبِيَةِ فِي الْفَتْحِ وَالنَّضِيرِ فِي الْحَشْرِ وَحُنَيْنٍ وَتَبُوكَ فِي بَرَاءَةٌ وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي الْمَائِدَةِ وَنِكَاحُهُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَتَحْرِيمُ سُرِّيَّتِهِ وَتَظَاهُرُ أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ وَقِصَّةُ الْإِفْكِ وَقِصَّةُ الْإِسْرَاءِ وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَسِحْرُ الْيَهُودِ إِيَّاهُ وَفِيهِ بَدْءُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ إِلَى مَوْتِهِ وَكَيْفِيَّةُ الْمَوْتِ وَقَبْضُ الرُّوحِ وَمَا يُفْعَلُ بِهَا بَعْدُ وَصُعُودُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَفَتْحُ الْبَابِ لِلْمُؤْمِنَةِ وَإِلْقَاءُ الْكَافِرَةِ وَعَذَابُ الْقَبْرِ وَالسُّؤَالُ فِيهِ وَمَقَرُّ الْأَرْوَاحِ وَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ نُزُولُ عِيسَى وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالدَّابَّةُ وَالدُّخَانُ وَرَفْعُ الْقُرْآنِ وَالْخَسْفُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَغَلْقُ بَابِ التَّوْبَةِ وَأَحْوَالُ الْبَعْثِ مِنَ النَّفَخَاتِ الثَّلَاثِ نَفْخَةِ الْفَزَعِ وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ وَنَفْخَةِ الْقِيَامِ وَالْحَشْرُ وَالنَّشْرُ وَأَهْوَالُ الْمَوْقِفِ وَشِدَّةُ حَرِّ الشَّمْسِ وَظِلُّ الْعَرْشِ وَالْمِيزَانُ وَالْحَوْضُ وَالصِّرَاطُ وَالْحِسَابُ لِقَوْمٍ وَنَجَاةُ آخَرِينَ منه وشهادة الأعضاء وإتيان الْكُتُبِ بِالْأَيْمَانِ وَالشَّمَائِلِ وَخَلْفَ الظَّهْرِ وَالشَّفَاعَةُ وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؛

وَالْجَنَّةُ وَأَبْوَابُهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي وَالدَّرَجَاتُ وَرُؤْيَتُهُ تَعَالَى وَالنَّارُ وَأَبْوَابُهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَأَنْوَاعِ الْعِقَابِ وَأَلْوَانِ الْعَذَابِ وَالزَّقُّومِ وَالْحَمِيمِ وَفِيهِ جَمِيعُ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْحُسْنَى كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ وَمِنْ أَسْمَائِهِ مُطْلَقًا أَلْفُ اسْمٍ وَمِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جملة وفي شُعَبُ الْإِيمَانِ الْبِضْعُ وَالسَّبْعُونَ وَشَرَائِعُ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَفِيهِ أَنْوَاعُ الْكَبَائِرِ وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّغَائِرِ وَفِيهِ تَصْدِيقُ كُلِّ حَدِيثٍ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ شَرْحُهُ إِلَى مُجَلَّدَاتٍ وَقَدْ أَفْرَدَ النَّاسُ كُتُبًا فِيمَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنَ الْأَحْكَامِ كَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلَ وبكر بْنِ الْعَلَاءِ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَالْكَيَا الْهَرَّاسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَعَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْفَرَسِ وَابْنِ خُوَيْزِ مِنْدَادُ وَأَفْرَدَ آخَرُونَ كُتُبًا فِيمَا تَضْمَنَهُ مِنْ عِلْمِ الْبَاطِنِ وَأَفْرَدَ ابْنُ بُرْجَانَ كِتَابًا فِيمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ مُعَاضَدَةِ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ أَلَّفْتُ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ الْإِكْلِيلَ فِي اسْتِنْبَاطِ التَّنْزِيلِ ذَكَرْتُ فِيهِ كُلَّ مَا اسْتُنْبِطَ مِنْهُ مِنْ مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ أَوْ أَصْلِيَّةٍ أَوْ اعتقا دية وَبَعْضًا مِمَّا سِوَى ذَلِكَ كَثِيرَ الْفَائِدَةِ جَمَّ الْعَائِدَةِ يَجْرِي مَجْرَى الشَّرْحِ لِمَا أَجْمَلْتُهُ فِي هَذَا النَّوْعِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ. فَصْلٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ: آيَاتُ الْأَحْكَامِ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ قِيلَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فَإِنَّ آيَاتِ الْقَصَصِ وَالْأَمْثَالِ وَغَيْرِهَا يُسْتَنْبَطُ مِنْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِ الْإِمَامُ فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ:

معظم آي القرآن لا يخلوا عَنْ أَحْكَامٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى آدَابٍ حَسَنَةٍ وَأَخْلَاقٍ جَمِيلَةٍ ثُمَّ مِنَ الْآيَاتِ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالْأَحْكَامِ فمنها مَا يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ إِمَّا بِلَا ضَمٍّ إِلَى آيَةٍ أُخْرَى كَاسْتِنْبَاطِ صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ مِنْ قوله: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} وَصِحَّةِ صَوْمِ الْجُنُبِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} الْآيَةَ وَإِمَّا بِهِ كَاسْتِنْبَاطِ أَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ قَوْلِهِ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} ، قَالَ: وَيُسْتَدَلُّ عَلَى الْأَحْكَامِ تَارَةً بِالصِّيغَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَارَةً بِالْإِخْبَارِ مثل {أُحِلَّ لَكُمْ} {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وَتَارَةً بِمَا رُتِّبَ عَلَيْهَا فِي الْعَاجِلِ أَوِ الْآجِلِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ نَفْعٍ أَوْ ضر وقد نوع الشارع ذلك أنواعا كثيرة ترغيبا لعباده وَتَرْهِيبًا وَتَقْرِيبًا إِلَى أَفْهَامِهِمْ فَكُلُّ فِعْلٍ عَظَّمَهُ الشرع أو مدحه أَوْ مَدَحَ فَاعِلَهُ لِأَجْلِهِ أَوْ أَحَبَّهُ أَوْ أَحَبَّ فَاعِلَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ أَوْ رَضِيَ عَنْ فَاعِلِهِ أَوْ وَصَفَهُ بِالِاسْتِقَامَةِ أَوِ الْبَرَكَةِ أَوِ الطَّيِّبِ أَوْ أَقْسَمَ بِهِ أَوْ بِفَاعِلِهِ كَالْإِقْسَامِ بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَبِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ وَبِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَوْ نَصَبَهُ سَبَبًا لِذِكْرِهِ لِعَبْدِهِ أَوْ لِمَحَبَّتِهِ أَوْ لِثَوَابٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ أَوْ لِشُكْرِهِ لَهُ أَوْ لِهِدَايَتِهِ إِيَّاهُ أَوْ لِإِرْضَاءِ فَاعِلِهِ أَوْ لِمَغْفِرَةِ ذَنْبِهِ وَتَكْفِيرِ سيآته أَوْ لِقَبُولِهِ أَوْ لِنُصْرَةِ فَاعِلِهِ أَوْ بِشَارَتِهِ أَوْ وَصَفَ فَاعِلَهُ بِالطَّيِّبِ أَوْ وَصَفَ الْفِعْلَ بِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا أَوْ نَفَى الْحُزْنَ وَالْخَوْفَ عَنْ فَاعِلِهِ أَوْ وَعَدَهُ بِالْأَمْنِ أَوْ نَصَبَ سَبَبًا لِوِلَايَتِهِ أَوْ أَخْبَرَ عَنْ دُعَاءِ الرَّسُولِ بِحُصُولِهِ أَوْ وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْ بِصِفَةِ مَدْحٍ كَالْحَيَاةِ وَالنُّورِ وَالشِّفَاءِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَكُلُّ فِعْلٍ طَلَبَ الشَّارِعُ تَرْكَهُ أَوْ ذَمَّهُ أَوْ ذَمَّ فَاعِلَهُ أَوْ عَتَبَ عَلَيْهِ

أَوْ مَقَتَ فَاعِلَهُ أَوْ لَعَنَهُ أَوْ نَفَى مَحَبَّتَهُ أَوْ مَحَبَّةَ فاعله أو الرضا بِهِ أَوْ عَنْ فَاعِلِهِ أَوْ شَبَّهَ فَاعِلَهُ بِالْبَهَائِمِ أَوْ بِالشَّيَاطِينِ أَوْ جَعَلَهُ مَانِعًا مِنَ الْهُدَى أو من المقبول أَوْ وَصَفَهُ بِسُوءٍ أَوْ كَرَاهَةٍ أَوِ اسْتَعَاذَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْهُ أَوْ أَبْغَضُوهُ أَوْ جُعِلَ سَبَبًا لِنَفْيِ الْفَلَاحِ أَوْ لِعَذَابٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ أَوْ لِذَمٍّ أَوْ لَوْمٍ أَوْ ضَلَالَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ أَوْ وُصِفَ بِخُبْثٍ أَوْ رِجْسٍ أَوْ نَجَسٍ أَوْ بِكَوْنِهِ فِسْقًا أَوْ إِثْمًا أَوْ سَبَبًا لِإِثْمٍ أَوْ رِجْسٍ أَوْ لَعْنٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ زَوَالِ نِعْمَةٍ أَوْ حُلُولِ نِقْمَةٍ أَوْ حَدٍّ مِنَ الْحُدُودِ أَوْ قَسْوَةٍ أَوْ خِزْيٍ أَوِ ارْتِهَانِ نَفْسٍ أَوْ لِعَدَاوَةِ اللَّهِ وَمُحَارَبَتِهِ أَوْ لِاسْتِهْزَائِهِ أَوْ سُخْرِيَّتِهِ أَوْ جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِنِسْيَانِهِ فَاعِلَهُ أَوْ وَصَفَهُ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ أَوْ بِالْحِلْمِ أَوْ بِالصَّفْحِ عَنْهُ أَوْ دَعَا إِلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ أَوْ وَصَفَ فَاعِلَهُ بِخُبْثٍ أَوِ احْتِقَارٍ أَوْ نَسَبَهُ إِلَى عَمَلِ الشَّيْطَانِ أَوْ تَزْيِينِهِ أَوْ تَوَلِّي الشَّيْطَانِ لِفَاعِلِهِ أَوْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ ذَمٍّ كَكَوْنِهِ ظُلْمًا أَوْ بَغْيًا أَوْ عُدْوَانًا أَوْ إِثْمًا أَوْ مَرَضًا أَوْ تَبَرَّأَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْهُ أَوْ مِنْ فَاعِلِهِ أَوْ شَكَوْا إِلَى اللَّهِ مِنْ فَاعِلِهِ أَوْ جَاهَرُوا فَاعِلَهُ بِالْعَدَاوَةِ أَوْ نُهُوا عَنِ الْأَسَى وَالْحُزْنِ عَلَيْهِ أَوْ نُصِبَ سَبَبًا لِخَيْبَةِ فَاعِلِهِ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا أَوْ رُتِّبَ عَلَيْهِ حِرْمَانُ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا أَوْ وُصِفَ فَاعِلُهُ بِأَنَّهُ عَدُوُّ لله أَوْ بِأَنَّ اللَّهَ عَدُوُّهُ أَوْ أُعْلِمَ فَاعِلُهُ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ حَمَّلَ فَاعِلَهُ إِثْمَ غَيْرِهِ أَوْ قِيلَ فِيهِ: لَا يَنْبَغِي هَذَا أَوْ لَا يَكُونُ أو أمر بِالتَّقْوَى عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْهُ أَوْ أَمَرَ بِفِعْلِ مُضَادِّهِ أَوْ بِهَجْرِ فَاعِلِهِ أَوْ تَلَاعَنَ فَاعِلُوهُ فِي الْآخِرَةِ أَوْ تَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَوْ دَعَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ وُصِفَ فَاعِلُهُ بِالضَّلَالَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ أَوْ لَيْسَ مِنَ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ أَوْ جُعِلَ اجْتِنَابُهُ سَبَبًا لِلْفَلَاحِ أَوْ جَعَلَهُ سَبَبًا لِإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قِيلَ هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ أَوْ نَهَى الْأَنْبِيَاءَ عَنِ الدُّعَاءِ لِفَاعِلِهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ إِبْعَادًا أَوْ طَرْدًا أَوْ لَفْظَةُ "قُتِلَ مَنْ فَعَلَهُ" أَوْ "قَاتَلَهُ

اللَّهُ"؛ أَوْ أَخْبَرَ أَنَّ فَاعِلَهُ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَا يُزَكِّيهِ وَلَا يُصْلِحُ عَمَلَهُ وَلَا يَهْدِي كَيْدَهُ أَوْ لَا يُفْلِحُ أَوْ قَيَّضَ لَهُ الشَّيْطَانَ أَوْ جُعِلَ سَبَبًا لِإِزَاغَةِ قَلْبِ فَاعِلِهِ أَوْ صَرْفِهُ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَسُؤَالِهِ عَنْ عِلَّةِ الْفِعْلِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْفِعْلِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْكَرَاهَةِ وَتُسْتَفَادُ الْإِبَاحَةُ مِنْ لَفْظِ الْإِحْلَالِ وَنَفْيِ الْجُنَاحِ وَالْحَرَجِ وَالْإِثْمِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَمِنَ الْإِذْنِ فِيهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ وَمِنَ الِامْتِنَانِ بِمَا فِي الْأَعْيَانِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَمِنَ السُّكُوتِ عَنِ التَّحْرِيمِ وَمِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ حَرَّمَ الشَّيْءَ مِنَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ خُلِقَ أَوْ جُعِلَ لَنَا وَالْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِ مَنْ قَبِلَنَا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ لَهُمْ عَلَيْهِ فَإِنِ اقْتَرَنَ بِإِخْبَارِهِ مَدْحٌ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ. وَقَالَ غَيْرُهُ قَدْ يُسْتَنْبَطُ مِنَ السُّكُوتِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْإِنْسَانَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَقَالَ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ وَذَكَرَ الْقُرْآنَ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ مَوْضِعًا وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ وَلَمَّا جَمَعَ بَيْنَهُمَا غَايَرَ فَقَالَ: {الرَّحْمَنِ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الأِنْسَانَ} .

النوع السادس والستون: في أمثال القرآن

النَّوْعُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: فِي أَمْثَالِ الْقُرْآنِ أَفْرَدَهُ بالتصنيف الإمام أبو الْحَسَنُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى خَمْسَةٍ أَوْجُهٍ: حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَمُحْكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ وَأَمْثَالٍ فَاعْمَلُوا بِالْحَلَالِ وَاجْتَنِبُوا الْحَرَامَ وَاتَّبِعُوا الْمُحْكَمَ وَآمِنُوا بِالْمُتَشَابِهِ وَاعْتَبِرُوا بِالْأَمْثَالِ" قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مِنْ أَعْظَمِ عِلْمِ الْقُرْآنِ عِلْمُ أَمْثَالِهِ وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْأَمْثَالِ وَإِغْفَالِهِمُ الْمُمَثَّلَاتِ وَالْمَثَلُ بِلَا مُمَثَّلٍ كَالْفَرَسِ بِلَا لِجَامٍ وَالنَّاقَةِ بِلَا زِمَامٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ عَدَّهُ الشَّافِعِيُّ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مَعْرِفَتُهُ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: ثُمَّ مُعْرِفَةُ مَا ضُرِبَ فِيهِ مِنَ الْأَمْثَالِ الدَّوَالِّ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُبَيِّنَةِ لِاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: إِنَّمَا ضَرَبَ اللَّهُ الْأَمْثَالَ فِي الْقُرْآنِ تَذْكِيرًا وَوَعْظًا فَمَا اشْتَمَلَ منها على تفاوت في ثَوَابٍ أَوْ عَلَى إِحْبَاطِ عَمَلٍ أَوْ عَلَى مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَحْكَامِ

وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْقُرْآنِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ: التَّذْكِيرُ وَالْوَعْظُ وَالْحَثُّ وَالزَّجْرُ وَالِاعْتِبَارُ وَالتَّقْرِيرُ وَتَقْرِيبُ الْمُرَادِ لِلْعَقْلِ وَتَصْوِيرُهُ بِصُورَةِ الْمَحْسُوسِ فَإِنَّ الْأَمْثَالَ تُصَوِّرُ الْمَعَانِيَ بِصُورَةِ الْأَشْخَاصِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ فِي الْأَذْهَانِ لِاسْتِعَانَةِ الذِّهْنِ فِيهَا بِالْحَوَاسِّ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الْمَثَلِ تَشْبِيهُ الْخَفِيِّ بِالْجَلِيِّ والغائب بالشاهد وَتَأْتِي أَمْثَالُ الْقُرْآنِ مُشْتَمِلَةً عَلَى بَيَانِ تَفَاوُتِ الْأَجْرِ وَعَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَعَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَعَلَى تَفْخِيمِ الْأَمْرِ أَوْ تَحْقِيرِهِ وَعَلَى تَحْقِيقِ أَمْرٍ أَوْ إِبْطَالِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} فامتن علينا بذلك لما تضمنته من الفوائد. وقال الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: وَمِنْ حَكَمَتِهِ تَعْلِيمُ الْبَيَانِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هذه الشريعة وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّمْثِيلُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ لِكَشْفِ الْمَعَانِي وَإِدْنَاءِ الْمُتَوَهِّمِ مِنَ الشاهد فإن كان المتمثل لَهُ عَظِيمًا كَانَ الْمُتَمَثَّلُ بِهِ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا كَانَ المتمثل بِهِ كَذَلِكَ وَقَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ: لِضَرْبِ الْعَرَبِ الْأَمْثَالَ وَاسْتِحْضَارِ الْعُلَمَاءِ النَّظَائِرَ شَأْنٌ لَيْسَ بِالْخَفِيِّ فِي إِبْرَازِ خَفِيَّاتِ الدَّقَائِقِ وَرَفْعِ الْأَسْتَارِ عَنِ الْحَقَائِقِ تُرِيكَ الْمُتَخَيَّلَ فِي صُورَةِ الْمُتَحَقَّقِ وَالْمُتَوَهَّمِ فِي مَعْرِضِ الْمُتَيَقَّنِ وَالْغَائِبِ كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ وَفِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ تَبْكِيتٌ لِلْخَصْمِ الشَّدِيدِ الْخُصُومَةِ وَقَمْعٌ لِسَوْرَةِ الْجَامِحِ الْأَبِيِّ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ مَا لَا يؤثر في وَصْفُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ أَكْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وفي سَائِرِ كُتُبِهِ الْأَمْثَالَ وَمِنْ سُوَرِ الْإِنْجِيلِ سُوَرَةٌ تُسَمَّى سُورَةَ الْأَمْثَالِ وَفَشَتْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ.

فَصْلٌ: أَمْثَالُ الْقُرْآنِ قِسْمَانِ: ظَاهِرٌ مُصَرَّحٌ بِهِ وَكَامِنٌ لَا ذِكْرَ لِلْمَثَلِ فِيهِ فَمِنْ أَمْثِلَةِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} الْآيَاتُ ضَرَبَ فِيهَا لِلْمُنَافِقِينَ مَثَلَيْنِ مَثَلًا بِالنَّارِ وَمَثَلًا بِالْمَطَرِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعْتَزُّونَ بِالْإِسْلَامِ فَيُنَاكِحُهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَيُوَارِثُونَهُمْ وَيُقَاسِمُونَهُمُ الْفَيْءَ فَلَمَّا مَاتُوا سَلَبَهُمُ اللَّهُ الْعِزَّ كَمَا سُلِبَ صَاحِبُ النَّارِ ضَوْءَهُ {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ} بقول فِي عَذَابٍ {أَوْ كَصَيِّبٍ} هُوَ الْمَطَرُ ضُرِبَ مَثَلُهُ فِي الْقُرْآنِ {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} يَقُولُ: ابْتِلَاءٌ {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} تَخْوِيفٌ {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} يَقُولُ يَكَادُ مُحَكْمُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُنَافِقِينَ {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} يَقُولُ كُلَّمَا أَصَابَ الْمُنَافِقُونَ فِي الْإِسْلَامِ عِزًّا اطْمَأَنُّوا فَإِنْ أَصَابَ الْإِسْلَامَ نَكْبَةٌ قَامُوا لِيَرْجِعُوا إِلَى الْكُفْرِ كَقَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الْآيَةَ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الْآيَةَ؛ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ احْتَمَلَتْ مِنْهُ الْقُلُوبُ عَلَى قَدْرِ يَقِينِهَا وَشَكِّهَا فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَهُوَ الشَّكُّ {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} وَهُوَ الْيَقِينُ كَمَا يَجْعَلُ الْحُلِيُّ فِي النَّارِ فَيُؤْخَذُ خَالَصُهُ وَيُتْرَكُ خَبَثُهُ فِي النَّارِ كَذَلِكَ يَقْبَلُ اللَّهُ الْيَقِينَ وَيَتْرُكُ الشَّكَّ.

وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالٍ ضَرَبَهَا اللَّهُ فِي مَثَلٍ وَاحِدٍ يَقُولُ: كَمَا اضْمَحَلَّ هَذَا الزَّبَدُ فَصَارَ جُفَاءً لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا تُرْجَى بَرَكَتُهُ كَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ عَنْ أَهْلِهِ وَكَمَا مَكَثَ هَذَا الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ فَأَمْرَعَتْ وَرَبَتْ بَرَكَتُهُ وَأَخْرَجَتْ نَبَاتَهَا وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ حِينَ أُدْخِلَ النَّارَ فَأُذْهِبَ خَبَثُهُ كَذَلِكَ يَبْقَى الْحَقُّ لِأَهْلِهِ، وَكَمَا اضْمَحَلَّ خبث هذا الذهب حِينَ أُدْخِلَ فِي النَّارِ كَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ عَنْ أَهْلِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} الْآيَةَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ يَقُولُ هُوَ طَيِّبٌ وَعَمَلُهُ طَيِّبُ كَمَا أَنَّ الْبَلَدَ الطَّيِّبَ ثَمَرُهَا طَيِّبٌ وَالَّذِي خَبُثَ ضُرِبَ مَثَلًا لِلْكَافِرِ كَالْبَلَدِ السَّبِخَةِ الْمَالِحَةِ وَالْكَافِرُ هُوَ الْخَبِيثُ وَعَمَلُهُ خَبِيثٌ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} ألآية. أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عمر بن الخطاب يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَنْ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ فَغَضِبَ عمر وقال قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ فَقَالَ: يَا بن أخي قل ولا تحقر نفسك قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ضُرِبَتْ مَثَلًا لَعَمَلٍ قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ

وَأَمَّا الْكَامِنَةُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُضَارِبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ تُخْرِجُ أَمْثَالَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مِنَ الْقُرْآنِ فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ" خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا"؟ قَالَ: نَعَمْ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} وقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ قَالَ نَعَمْ فِي مَوْضِعَيْنِ: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ "فِي كِتَابِ اللَّهِ احْذَرْ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ"؟ قَالَ: نَعَمْ {وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعَيَانِ"؟ قَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِي "الْحَرَكَاتِ الْبَرَكَاتُ"؟ قَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}

قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ "كَمَا تَدِينُ تُدَانُ"؟ قَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ قَوْلَهُمْ: "حِينَ تَقْلِي ندري: قَالَ: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ "لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ"؟ قَالَ: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ مَنْ "أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ"؟ قَالَ: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ قَوْلَهُمْ: "لَا تَلِدُ الْحَيَّةُ إِلَّا حَيَّةً"؟ قال: قوله تَعَالَى: {وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ: "لِلْحِيطَانِ آذَانٌ"؟ قَالَ: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ: "الْجَاهِلُ مَرْزُوقٌ وَالْعَالِمُ مَحْرُومٌ" قَالَ: {مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً} قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ "الْحَلَالُ لَا يَأْتِيكَ إِلَّا قُوتًا وَالْحَرَامُ لَا يَأْتِيكَ إِلَّا جُزَافًا"؟ قَالَ: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ.}

فَائِدَةٌ عَقَدَ جَعْفَرُ بْنُ شَمْسٍ الْخِلَافَةِ فِي كِتَابِ الْآدَابِ بَابًا فِي أَلْفَاظٍ مِنَ الْقُرْآنِ جَارِيَةٍ مَجْرَى الْمَثَلِ وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الْبَدِيعِيُّ الْمُسَمَّى بِإِرْسَالِ الْمَثَلِ وَأَوْرَدَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} {لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ} {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ} {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} {هَلْ جَزَاءُ الأِحْسَانِ إِلاَّ الأِحْسَانُ} {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ} {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}

{ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} فِي أَلْفَاظٍ أُخَرَ.

النوع السابع والستون: في أقسام القرآن

النَّوْعُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: فِي أَقْسَامِ الْقُرْآنِ أَفْرَدَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِالتَّصْنِيفِ فِي مُجَلَّدٍ سَمَّاهُ "التِّبْيَانَ"؛وَالْقَصْدُ بالقسم تحقيق الخبر توكيده حَتَّى جَعَلُوا مِثْلَ: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} قَسَمًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِخْبَارٌ بِشَهَادَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاءَ تَوْكِيدًا لِلْخَبَرِ سُمِّيَ قَسَمًا وَقَدْ قِيلَ: مَا مَعْنَى الْقَسَمِ مِنْهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لِأَجْلِ الْمُؤْمِنِ فَالْمُؤْمِنُ مُصَدِّقٌ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ مِنْ غَيْرِ قَسَمٍ وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الْكَافِرِ فَلَا يُفِيدُهُ! وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَمِنْ عادتها القسم إذا أرادات أَنْ تُؤَكِّدَ أَمْرًا وَأَجَابَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْقَسَمَ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ وَتَأْكِيدِهَا: وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ يُفْصَلُ بِاثْنَيْنِ: إِمَّا بِالشَّهَادَةِ وَإِمَّا بِالْقَسَمِ فَذَكَرَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ النَّوْعَيْنِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ حُجَّةٌ فَقَالَ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} ؛ وَقَالَ: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} وَعَنْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} صَرَخَ وَقَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي أَغْضَبَ الْجَلِيلَ حَتَّى أَلْجَأَهُ إِلَى الْيَمِينِ!

وَلَا يَكُونُ الْقَسَمُ إِلَّا بِاسْمٍ مُعَظَّمٍ وَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ إِي وَرَبِّي} {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} وَالْبَاقِي كُلُّهُ قَسَمٌ بِمَخْلُوقَاتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ، {وَالصَّافَّاتِ} {وَالشَّمْسَ} {وَاللَّيْلِ} {وَالضُّحَى} {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَقْسَمَ بِالْخَلْقِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ! قُلْنَا أُجِيبَ عَنْهُ بِأَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَرَبِّ التِّينِ وَرَبِّ الشَّمْسِ وَكَذَا الْبَاقِي. الثَّانِي: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُعَظِّمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَتُقْسِمُ بِهَا فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى ما يعرفون الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَقْسَامَ إِنَّمَا تَكُونُ بِمَا يُعَظِّمُهُ الْمُقْسِمُ أَوْ يُجِلُّهُ وَهُوَ فَوْقُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى

لَيْسَ شَيْءٌ فَوْقَهُ فَأَقْسَمَ تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِمَصْنُوعَاتِهِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بَارِئٍ وَصَانِعٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ فِي أَسْرَارِ الْفَوَاتِحِ الْقَسَمُ بِالْمَصْنُوعَاتِ يَسْتَلْزِمُ الْقَسَمَ بِالصَّانِعِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَفْعُولِ يَسْتَلْزِمُ ذِكْرَ الْفَاعِلِ إِذْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ مَفْعُولٍ بِغَيْرِ فَاعِلٍ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْسِمَ إِلَّا بِاللَّهِ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {لَعَمْرُكَ} لِتَعْرِفَ النَّاسُ عَظَمَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَكَانَتَهُ لَدَيْهِ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا خلق الله ولا ذَرَأَ وَلَا بَرَأَ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِهِ قَالَ: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ: الْقَسَمُ بِالشَّيْءِ لَا يَخْرُجُ عَنْ وَجْهَيْنِ إِمَّا لِفَضِيلَةٍ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ فَالْفَضِيلَةُ كَقَوْلِهِ: {وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} وَالْمَنْفَعَةُ نَحْوَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} وَقَالَ غَيْرُهُ: أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِذَاتِهِ كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَبِفِعْلِهِ نَحْوَ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} وَبِمَفْعُولِهِ نَحْوَ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} وَالْقَسَمُ إِمَّا ظَاهِرٌ كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَإِمَّا مُضْمَرٌ وهو قسمان: قسم دَلَّتْ

عَلَيْهِ اللَّامُ نَحْوَ: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} وَقَسَمٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى نَحْوَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} تقديره "وَاللَّهِ" وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ الْأَلْفَاظُ الْجَارِيَةُ مَجْرَى الْقَسَمِ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا تَكُونُ كَغَيْرِهَا مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَيْسَتْ بِقَسَمٍ فَلَا تُجَابُ بِجَوَابِهِ كَقَوْلِهِ: {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا} {يَحْلِفُونَ لَكُمْ} وهذا وَنَحْوُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا وَأَنْ يَكُونَ حَالًا لِخُلُوِّهِ مِنَ الْجَوَابِ. وَالثَّانِي: مَا يَتَلَقَّى بِجَوَابِ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} وَقَالَ غَيْرُهُ: أَكْثَرُ الْأَقْسَامِ فِي الْقُرْآنِ الْمَحْذُوفَةِ الْفِعْلِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْوَاوِ فَإِذَا ذُكِرَتِ الْبَاءُ أُتِيَ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} وَلَا تَجِدُ الْبَاءَ مَعَ حَذْفِ الْفِعْلِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ خَطَأً مَنْ جَعَلَ قَسَمًا {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ} {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} {بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وقال ابن القيم: اعلم أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقْسِمُ بِأُمُورٍ عَلَى أُمُورٍ وَإِنَّمَا يُقْسِمُ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوْصُوفَةِ، بِصِفَاتِهِ أَوْ بِآيَاتِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ

وَأَقْسَامُهُ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أنها مِنْ عَظِيمِ آيَاتِهِ فَالْقَسَمُ إِمَّا عَلَى جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ وَهُوَ الْغَالِبُ كَقَوْلِهِ: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} وَإِمَّا عَلَى جُمْلَةٍ طَلَبِيَّةٍ كَقَوْلِهِ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَسَمَ قَدْ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْقَسَمِ فَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ يُرَادُ بِالْقَسَمِ تَوْكِيدُهُ وَتَحْقِيقُهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَحْسُنُ فِيهِ وَذَلِكَ كَالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ وَالْخَفِيَّةِ إِذَا أَقْسَمَ عَلَى ثُبُوتِهَا فَأَمَّا الْأُمُورُ المشهودة الظَّاهِرَةُ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَهَذِهِ يُقَسِمُ بِهَا وَلَا يُقْسِمُ عَلَيْهَا وَمَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ الرَّبُّ فَهُوَ مِنْ آيَاتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقْسَمًا بِهِ وَلَا يَنْعَكِسُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَذْكُرُ جَوَابَ الْقَسَمِ تَارَةً وَهُوَ الْغَالِبُ وَيَحْذِفُهُ أُخْرَى كَمَا يُحْذَفُ جَوَابُ "لَوْ" كَثِيرًا لِلْعِلْمِ بِهِ وَالْقَسَمُ لَمَّا كَانَ يَكْثُرُ فِي الْكَلَامِ اخْتُصِرَ فَصَارَ فِعْلُ الْقَسَمِ يُحْذَفُ وَيُكْتَفَى بِالْبَاءِ ثُمَّ عُوِّضَ مِنَ الْبَاءِ الْوَاوَ فِي الْأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ وَالتَّاءِ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} قَالَ: ثُمَّ هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقْسِمُ عَلَى أُصُولِ الْإِيمَانِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ مَعْرِفَتُهَا تَارَةً يُقْسِمُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَتَارَةً يُقْسِمُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ وَتَارَةً عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَتَارَةً عَلَى الْجَزَاءِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَتَارَةً يقسم على حال الإنسان فالأول كَقَوْلِهِ: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ}

وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} وَالثَّالِثُ: كَقَوْلِهِ: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} الْآيَاتِ وَالرَّابِعُ: كَقَوْلِهِ: {وَالذَّارِيَاتِ} : إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} {وَالْمُرْسَلاتِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} وَالْخَامِسُ كَقَوْلِهِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} الآيات {وَالْعَادِيَاتِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ الأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} {وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} {وَالتِّينِ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} الْآيَاتِ {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} قَالَ: وَأَكْثَرُ مَا يُحْذَفُ الْجَوَابُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْمُقْسَمِ بِهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَقْسَمِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذِكْرِهِ فَيَكُونُ حَذْفُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ أَبْلَغَ وَأَوْجَزَ كَقَوْلِهِ: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} فإنه في القسم بِهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ وَوَصْفِهِ بِأَنَّهُ ذُو الذِّكْرِ الْمُتَضَمِّنِ لِتَذْكِيرِ العباد ما يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَالشَّرَفِ وَالْقَدْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُهُ حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ غَيْرَ مُفْتَرًى كَمَا يَقُولُ الْكَافِرُونَ وَلِهَذَا قَالَ كَثِيرُونَ إِنَّ تَقْدِيرَ الْجَوَابِ "إِنَّ

القرآن لحق" وهذا مطرد فِي كُلِّ مَا شَابَهَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وَقَوْلِهِ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ الْمَعَادِ وَقَوْلِهِ: {وَالْفَجْرِ} الْآيَاتِ فَإِنَّهَا أَزْمَانٌ تَتَضَمَّنُ أَفْعَالًا مُعَظَّمَةً مِنَ الْمَنَاسِكِ وَشَعَائِرِ الْحَجِّ الَّتِي هِيَ عُبُودِيَّةٌ مَحْضَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَذَلٌّ وَخُضُوعٌ لِعَظَمَتِهِ وَفِي ذَلِكَ تَعْظِيمُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: وَمِنْ لَطَائِفَ الْقَسَمِ قَوْلُهُ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} الْآيَاتِ أَقْسَمَ تَعَالَى عَلَى إِنْعَامِهِ عَلَى رَسُولِهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُ وَذَلِكَ مُتَضَمِّنٌ لِتَصْدِيقِهِ لَهُ فَهُوَ قَسَمٌ عَلَى النُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَأَقْسَمَ بِآيَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ آيَاتِهِ وَتَأَمَّلْ مُطَابَقَةَ هَذَا الْقَسَمِ وَهُوَ نُورُ الضُّحَى الَّذِي يُوَافِي بَعْدَ ظَلَامِ اللَّيْلِ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ نُورُ الْوَحْيِ الَّذِي وَافَاهُ بَعْدَ احْتِبَاسِهِ عَنْهُ حَتَّى قَالَ أَعْدَاؤُهُ وَدَّعَ مُحَمَّدًا رَبُّهُ فَأَقْسَمَ بِضَوْءِ النَّهَارِ بَعْدَ ظلمة اللَّيْلِ عَلَى ضَوْءِ الْوَحْيِ وَنُورِهِ بَعْدَ ظُلْمَةِ احْتِبَاسِهِ وَاحْتِجَابِهِ.

النوع الثامن والستون: في جدل القرآن

النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: فِي جَدَلِ الْقُرْآنِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ نَجْمُ الدِّينِ الطُّوفِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ: قَدِ اشْتَمَلَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبَرَاهِينِ وَالْأَدِلَّةِ وَمَا مِنْ بُرْهَانٍ وَدَلَالَةٍ وَتَقْسِيمٍ وَتَحْذِيرٍ يُبْنَى مِنْ كُلِّيَّاتِ الْمَعْلُومَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ إِلَّا وَكِتَابُ اللَّهِ قَدْ نَطَقَ بِهِ لَكِنْ أَوْرَدَهُ على عادة الْعَرَبِ دُونَ دَقَائِقِ طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ لأمرين: أحدهما: بِسَبَبِ مَا قَالَهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} والثاني: أن المائل إلى طريق الْمُحَاجَّةِ هُوَ الْعَاجِزُ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِالْجَلِيلِ مِنَ الْكَلَامِ فَإِنَّ مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَفْهَمَ بِالْأَوْضَحِ الَّذِي يَفْهَمَهُ الْأَكْثَرُونَ لَمْ يَنْحَطَّ إِلَى الْأَغْمَضِ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْأَقَلُّونَ وَلَمْ يَكُنْ مُلْغِزًا فَأَخْرَجَ تَعَالَى مُخَاطَبَاتِهِ فِي مُحَاجَّةِ خَلْقِهِ فِي أَجْلَى صُورَةٍ لِيَفْهَمَ الْعَامَّةُ مِنْ جليلها مَا يُقْنِعُهُمْ وَتَلْزَمُهُمُ الْحُجَّةُ وَتَفْهَمَ الْخَوَاصُّ مِنْ أَثْنَائِهَا مَا يُرَبَّى عَلَى مَا أَدْرَكَهُ فَهُمْ الْخُطَبَاءِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ: زَعَمَ الْجَاحِظُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْكَلَامِيَّ لَا يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ مَشْحُونٌ بِهِ وَتَعْرِيفُهُ أَنَّهُ احْتِجَاجُ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى مَا يُرِيدُ إِثْبَاتَهُ بِحُجَّةٍ تَقْطَعُ الْمُعَانِدَ لَهُ فِيهِ عَلَى طَرِيقَةِ أَرْبَابِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ نَوْعٌ مَنْطِقِيٌّ تُسْتَنْتَجُ مِنْهُ النَّتَائِجُ الصَّحِيحَةَ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ الصَّادِقَةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامِيِّينَ مِنْ أَهْلِ هَذَا

الْعِلْمِ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْحَجِّ إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} خَمْسَ نَتَائِجَ تُسْتَنْتَجُ مِنْ عَشْرِ مُقَدِّمَاتٍ قَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ بِزَلْزَلَةِ السَّاعَةِ مُعَظِّمًا لَهَا وَذَلِكَ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ أَخْبَرَ بِهِ مَنْ ثبت صدقه عمن ثبتت قُدْرَتُهُ مَنْقُولٌ إِلَيْنَا بِالتَّوَاتُرِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَا يُخْبِرُ بِالْحَقِّ عَمَّا سَيَكُونُ إِلَّا الْحَقُّ فَاللَّهُ هُوَ الْحَقُّ وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَهْوَالِ السَّاعَةِ بِمَا أَخْبَرَ وَحُصُولُ فَائِدَةِ هَذَا الْخَبَرِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى لِيُشَاهِدُوا تِلْكَ الْأَهْوَالَ الَّتِي يَعْمَلُهَا اللَّهُ مِنْ أَجْلِهِمْ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَمِنَ الْأَشْيَاءِ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى فَهُو يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ يَتَّبِعِ الشَّيَاطِينَ وَمَنْ يُجَادِلُ فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يُذِقْهُ عَذَابَ السَّعِيرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَنْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَخْبَرَ أن السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ تُرَابٍ إِلَى قَوْلِهِ: {لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} وَضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا بِالْأَرْضِ الْهَامِدَةِ الَّتِي يَنْزِلُ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَتَهْتَزُّ وَتَرْبُو وَتُنْبِتُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ وَمَنْ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَى مَا أخبر بِهِ فَأَوْجَدَهُ بِالْخَلْقِ ثُمَّ أَعْدَمَهُ بِالْمَوْتِ ثُمَّ يُعِيدُهُ بِالْبَعْثِ وَأَوْجَدَ الْأَرْضَ بَعْدَ الْعَدَمِ فَأَحْيَاهَا بِالْخَلْقِ ثُمَّ أَمَاتَهَا بِالْمَحْلِ ثُمَّ أَحْيَاهَا بِالْخِصْبِ وَصَدَقَ خَبَرُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِدَلَالَةِ الْوَاقِعِ الْمُشَاهَدِ عَلَى الْمُتَوَقَّعِ الْغَائِبِ حَتَّى انْقَلَبَ الْخَبَرُ عِيَانًا صَدَقَ خَبَرُهُ فِي الْإِتْيَانِ بِالسَّاعَةِ وَلَا يَأْتِي بِالسَّاعَةِ إِلَّا "مَنْ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ" لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ تَقُومُ فِيهَا الْأَمْوَاتُ لِلْمُجَازَاةِ فَهِيَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.

وَقَالَ: غَيْرُهُ اسْتَدَلَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْمَعَادِ الْجُسْمَانِيِّ بِضُرُوبٍ: أَحَدُهَا: قِيَاسُ الْإِعَادَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ} ثَانِيهَا: قِيَاسُ الْإِعَادَةِ عَلَى خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ} الْآيَةَ ثَالِثُهَا: قِيَاسُ الْإِعَادَةِ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِالْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ رَابِعُهَا: قِيَاسُ الْإِعَادَةِ عَلَى إِخْرَاجِ النَّارِ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ جَاءَ بِعَظْمٍ فَفَتَّهُ فَقَالَ أَيُحْيِي اللَّهُ هَذَا بَعْدَ مَا بَلِيَ وَرَمَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} فَاسْتَدَلَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِرَدِّ النَّشْأَةِ الْأُخْرَى إِلَى الْأُولَى وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِعِلَّةِ الْحُدُوثِ ثُمَّ زَادَ فِي الْحِجَاجِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً} وَهَذِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي رَدِّ الشَّيْءِ إِلَى نَظِيرِهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ تَبْدِيلِ الْأَعْرَاضِ عَلَيْهِمَا. خَامِسُهَا: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى} الآيتين وتقريرهما أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقِّ لَا يُوجِبُ انْقِلَابَ الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ الطُّرُقُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَيْهِ وَالْحَقُّ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ فَلَمَّا ثبت أن ها هنا حَقِيقَةً مَوْجُودَةً لَا مَحَالَةَ وَكَانَ لَا سَبِيلَ لَنَا فِي حَيَاتِنَا إِلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهَا وُقُوفًا يُوجِبُ الِائْتِلَافَ وَيَرْفَعُ عَنَّا الِاخْتِلَافَ إِذْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مَرْكُوزًا فِي فِطَرِنَا وَكَانَ لَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهُ وَزَوَالُهُ إِلَّا بِارْتِفَاعِ

هَذِهِ الْجِبِلَّةِ وَنَقْلِهَا إِلَى صُورَةِ غَيْرِهَا صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ لَنَا حَيَاةً أُخْرَى غَيْرَ هَذِهِ الْحَيَاةِ فِيهَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَالْعِنَادُ وَهَذِهِ هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ بِالْمَصِيرِ إِلَيْهَا فَقَالَ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} حِقْدٍ فَقَدْ صَارَ الْخِلَافُ الْمَوْجُودُ كَمَا تَرَى أَوْضَحَ دَلِيلٍ عَلَى كَوْنِ الْبَعْثِ الَّذِي يُنْكِرُهُ الْمُنْكِرُونَ كَذَا قَرَّرَهُ ابْنُ السَّيِّدِ وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ بِدَلَالَةِ التَّمَانُعِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ لَكَانَ لَا يَجْرِي تَدْبِيرُهُمَا عَلَى نِظَامٍ وَلَا يَتَّسِقُ عَلَى أَحْكَامٍ وَلَكَانَ الْعَجْزُ يَلْحَقُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إِحْيَاءَ جِسْمٍ وَأَرَادَ الْآخَرُ إِمَاتَتَهُ فَإِمَّا أَنْ تَنْفُذَ إِرَادَتُهُمَا فَيَتَنَاقَضُ لاستحالة تجزي الْفِعْلِ إِنْ فُرِضَ الِاتِّفَاقُ أَوْ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ إِنْ فُرِضَ الِاخْتِلَافُ وَإِمَّا أَلَّا تَنْفُذَ إِرَادَتُهُمَا فَيُؤَدِّي إِلَى عَجْزِهِمَا أَوْ لَا تَنْفُذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا فَيُؤَدِّي إِلَى عَجْزِهِ وَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا. فَصْلٌ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا فِي عِلْمِ الْجَدَلِ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} الْآيَتَيْنِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا حَرَّمُوا ذُكُورَ الْأَنْعَامِ تَارَةً وَإِنَاثَهَا أُخْرَى رَدَّ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِطَرِيقِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ فَقَالَ: إِنَّ الْخَلْقَ لِلَّهِ خَلَقَ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مِمَّا ذَكَرَ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَمِمَّ جَاءَ تَحْرِيمُ مَا ذَكَرْتُمْ؟ أَيْ مَا عِلَّتُهُ؟ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ

مِنْ جِهَةِ الذُّكُورَةِ أَوِ الْأُنُوثَةِ أَوِ اشْتِمَالِ الرَّحِمِ الشَّامِلِ لَهُمَا أَوْ لَا يَدْرِي لَهُ عِلَّةً وَهُوَ التَّعَبُّدِيُّ بِأَنْ أُخِذَ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَخْذُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا بِوَحْيٍ وَإِرْسَالِ رَسُولٍ أَوْ سَمَاعِ كَلَامِهِ وَمُشَاهَدَةِ تَلَقِّي ذَلِكَ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} فَهَذِهِ وُجُوهُ التَّحْرِيمِ لَا تَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالْأَوَّلُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الذُّكُورِ حَرَامًا وَالثَّانِي يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يكون جَمِيعُ الْإِنَاثِ حَرَامًا وَالثَّالِثُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الصِّنْفَيْنِ مَعًا فَبَطَلَ مَا فَعَلُوهُ مِنْ تَحْرِيمِ بَعْضٍ فِي حَالَةٍ وَبَعْضٍ فِي حَالَةٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عَلَى مَا ذُكِرَ تَقْتَضِي إِطْلَاقَ التَّحْرِيمِ وَالْأَخْذَ عَنِ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةِ بَاطِلٍ وَلَمْ يَدَّعُوهُ وَبِوَاسِطَةِ رَسُولٍ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا بَطَلَ جَمِيعُ ذَلِكَ ثَبَتَ الْمُدَّعَى وَهُوَ أَنَّ مَا قَالُوهُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَضَلَالٌ وَمِنْهَا الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَحَقِيقَتُهُ رَدُّ كَلَامِ الْخَصْمِ مِنْ فَحْوَى كَلَامِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَقَعَ صِفَةٌ فِي كَلَامِ الْغَيْرِ كِنَايَةً عَنْ شَيْءٍ أُثْبِتَ لَهُ حُكْمٌ فَيُثْبِتُهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} الْآيَةَ فَ "الْأَعَزُّ" وَقَعَتْ فِي كَلَامِ الْمُنَافِقِينَ كِنَايَةً عَنْ فَرِيقِهِمْ وَ "الْأَذَلُّ" عَنْ فَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَثْبَتَ الْمُنَافِقُونَ لِفَرِيقِهِمْ إِخْرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَثْبَتَ اللَّهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ صِفَةَ الْعِزَّةِ لِغَيْرِ فَرِيقِهِمْ وَهُوَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ صَحِيحٌ ذَلِكَ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ لَكِنْ هُمُ الْأَذَلُّ الْمُخْرَجُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ الْأَعَزُّ الْمُخْرِجُ.

وَالثَّانِي: حَمْلُ لَفْظٍ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْغَيْرِ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ بِذِكْرِ مُتَعَلِّقِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْرَدَ لَهُ مِثَالًا مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ ظَفِرْتُ بِآيَةٍ مِنْهُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أَذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ وَمِنْهَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ أَنْ يَفْرِضَ الْمُحَالَ إِمَّا مَنْفِيًّا أَوْ مَشْرُوطًا بِحَرْفِ الِامْتِنَاعِ لِكَوْنِ الْمَذْكُورِ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ شَرْطِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وُقُوعُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا جَدَلِيًّا وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَائِدَةِ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الْمَعْنَى لَيْسَ مَعَ اللَّهِ مِنْ إِلَهٍ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَهًا لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ التَّسْلِيمِ ذَهَابُ كُلِّ إِلَهٍ مِنَ الِاثْنَيْنِ بِمَا خَلَقَ وَعُلُوُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يَتِمُّ فِي الْعَالَمِ أَمْرٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمٌ وَلَا تَنْتَظِمُ أَحْوَالُهُ وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ فَفَرْضُ إِلَهَيْنِ فَصَاعِدًا مُحَالٌ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُحَالُ. وَمِنْهَا الْإِسْجَالُ: وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِأَلْفَاظٍ تُسَجِّلُ عَلَى الْمُخَاطَبِ وُقُوعَ مَا خُوطِبَ بِهِ نَحْوَ: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إِسْجَالًا بِالْإِيتَاءِ وَالْإِدْخَالِ حَيْثُ وُصِفَا بِالْوَعْدِ مِنَ اللَّهِ الَّذِي لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ ومنها الانتقال هو أَنْ يَنْتَقِلَ الْمُسْتَدِلُّ إِلَى اسْتِدْلَالٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ آخِذًا فِيهِ لِكَوْنِ الْخَصْمِ لَمْ يَفْهَمْ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْأَوَّلِ كَمَا جَاءَ فِي مُنَاظَرَةِ الْخَلِيلِ الْجَبَّارَ لَمَّا قَالَ لَهُ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} فقال الجبار {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} ثُمَّ دَعَا بِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَأَعْتَقَهُ وَمَنْ لَا يُجِبْ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَعَلِمَ

الْخَلِيلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ وَغَالَطَ بِهَذَا الْفِعْلِ فَانْتَقَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى اسْتِدْلَالٍ لَا يَجِدْ الْجَبَّارُ لَهُ وَجْهًا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْهُ فَقَالَ: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} ، فَانْقَطَعَ الْجَبَّارُ وَبُهِتَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا الْآتِي بِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ لِأَنَّ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ يُكَذِّبُهُ وَمِنْهَا الْمُنَاقَضَةُ: وَهِيَ تَعْلِيقُ أَمْرٍ عَلَى مُسْتَحِيلٍ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} وَمِنْهَا مُجَارَاةُ: الْخَصْمِ لِيَعْثُرَ بِأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضَ مُقَدِّمَاتِهِ حَيْثُ يُرَادُ تَبْكِيتُهُ وَإِلْزَامُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} الْآيَةَ فَقَوْلُهُمْ: {إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} الْآيَةَ فِيهِ اعْتِرَافُ الرُّسُلِ بِكَوْنِهِمْ مَقْصُورِينَ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ فَكَأَنَّهُمْ سَلَّمُوا انْتِفَاءَ الرِّسَالَةِ عَنْهُمْ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ مِنْ مُجَارَاةُ الْخَصْمِ لِيَعْثُرَ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا مَا ادَّعَيْتُمْ مِنْ كَوْنِنَا بَشَرًا حَقٌّ لَا نُنْكِرُهُ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ يَمُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِالرِّسَالَةِ.

النوع التاسع والستون: فيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب

النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ هُمْ مشا هيرهم أسماء الأنبياء والمرسلين في القرآن: 1- آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ، ذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّهُ "أَفْعَلُ" وَصْفٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأُدْمَةِ وَلِذَا مُنِعَ الصَّرْفَ قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: أَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ كُلُّهَا أَعْجَمِيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً آدَمُ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَمُحَمَّدٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ آدَمَ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ وَقَالَ: قَوْمٌ هُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ أَصْلُهُ "آدَامٌ" بِوَزْنِ خَاتَامٍ عُرِّبَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: التُّرَابُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ "آدَامٌ" فَسُمِّيَ آدم به وقال ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: عَاشَ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: اشْتُهِرَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ أَنَّهُ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ. 2- نُوحٌ قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ زَادَ الْكِرْمَانِيُّ وَمَعْنَاهُ بالسريانية "الساكن" وفي نسخة الشَّاكِرُ

وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: إِنَّمَا سُمِّيَ نُوحًا لِكَثْرَةِ بُكَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْغَفَّارِ قَالَ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ إِدْرِيسَ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ نُوحُ بْنُ لَمْكٍ- بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الميم بعدها كاف- بن متوشلح- بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْمَضْمُومَةِ بعدها وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ بَعْدَهَا معجمة بن أَخَنُوخَ- بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ إِدْرِيسُ فِيمَا يُقَالُ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: آدَمُ؛ قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: نُوحٌ وَبَيْنَهُمَا عِشْرُونَ قَرْنًا وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشْرَةُ قُرُونٍ وَفِيهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا "بَعَثَ اللَّهُ نُوحًا لِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَبِثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ وَعَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ سِتِّينَ سَنَةً حَتَّى كَثُرَ النَّاسُ وَفَشَوْا" وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مَوْلِدَ نُوحٍ كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ آدَمَ بِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا. وَفِي التَّهْذِيبِ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّهُ أَطْوَلُ الْأَنْبِيَاءِ عُمُرًا 3- إِدْرِيسُ قِيلَ إِنَّهُ قَبْلَ نُوحٍ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ إِدْرِيسُ أَوَّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطِيَ النُّبُوَّةَ وَهُوَ أَخَنُوخُ بْنُ يَرْدِ بْنِ مَهْلَائِيلَ بْنِ أَنْوَشَ بن قينان بن شيث ابن آدَمَ وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إِدْرِيسُ جَدُّ نُوحٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ خَنُوخُ وَهُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ وَقِيلَ: عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنَ الدِّرَاسَةِ لِكَثْرَةِ دَرْسِهِ الصُّحُفَ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إِدْرِيسُ أَبْيَضَ طَوِيلًا ضَخْمَ الْبَطْنِ عَرِيضَ الصَّدْرِ قَلِيلَ شَعْرِ الْجَسَدِ كَثِيرَ

شَعْرِ الرَّأْسِ وَكَانَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ أَعْظَمَ مِنَ الْأُخْرَى وَفِي صَدْرِهِ نُكْتَةُ بَيَاضٍ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ مَا رَأَى مِنْ جَوْرِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَهُوَ حَيْثُ يقول: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ رُفِعَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا رَسُولًا وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ أَلْفُ سَنَةٍ 4- إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: هُوَ اسْمٌ قَدِيمٌ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَقَدْ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ عَلَى وُجُوهٍ أشهرها إبراهيم وقالوا إبرا هام وقرئ به في السبع وإبراهيم بِحَذْفِ الْيَاءِ وَإِبَرَهْمُ وَهُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ مَعْنَاهُ أب رحيم وقيل: مُشْتَقٌّ مِنَ الْبُرْهُمَةِ وَهِيَ شِدَّةُ النَّظَرِ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ وَهُوَ ابْنُ آزَرَ وَاسْمُهُ تَارَحُ- بِمُثَنَّاةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ- بن ناحور- بنون ومهملة مضمومة- بن شَارُوخَ- بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَآخِرُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ- بن راغو- بغين معجمة- بن فَالَخَ بِفَاءٍ وَلَامٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ- ابْنُ عَابِرٍ- بمهملة وموحدة- بن شالخ- بمعجمتين بن أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى رَأْسِ أَلْفَيْ سَنَةٍ مِنْ خَلْقِ آدَمَ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ عِشْرِينَ ومائة سنة وَمَاتَ ابْنُ مِائِتَيْ سَنَةٍ وَحَكَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا أَنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَسَبْعِينَ

5- إِسْمَاعِيلُ قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: وَيُقَالُ بِالنُّونِ آخِرُهُ قَالَ النووي وغيره هو أَكْبَرُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ. 6- إِسْحَاقُ وُلِدَ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ بِأَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً وَعَاشَ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً وَذَكَرَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مَسْكَوَيْهِ فِي كِتَابِ نَدِيمِ الْفَرِيدِ أَنَّ مَعْنَى إِسْحَاقَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ الضَّحَّاكُ. 7- يَعْقُوبُ عَاشَ مِائَةً وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. 8- يُوسُفُ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "أَنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ" وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ يُوسُفَ أُلْقِيَ فِي الْجُبِّ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَقِيَ أَبَاهُ بَعْدَ الثَّمَانِينَ وَتُوُفِّيَ وَلَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مُرْسَلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بَلْ يوسف بن إبراهيم بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ وَيُشْبِهُ هَذَا مَا فِي الْعَجَائِبِ لِلْكِرْمَانِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ يَعْقُوبُ بْنُ مَاثَانَ وَأَنَّ امْرَأَةَ زَكَرِيَّا كَانَتْ أُخْتَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ بْنِ مَاثَانَ قَالَ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَعْقُوبُ بن إسحاق ابن إِبْرَاهِيمَ غَرِيبٌ انْتَهَى. وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ غَرِيبٌ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْغَرِيبُ الْأَوَّلُ وَنَظِيرُهُ فِي الْغَرَابَةِ قَوْلُ نوف البكاكي: إِنَّ مُوسَى الْمَذْكُورَ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى

بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلْ مُوسَى بْنُ مَنْشَى بْنِ يُوسُفَ وَقِيلَ ابْنُ إِفْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ وَقَدْ كَذَّبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ غَرَابَةً مَا حَكَاهُ النَّقَّاشُ وَالْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ يُوسُفَ الْمَذْكُورَ فِي سُورَةِ غَافِرٍ مِنَ الْجِنِّ بَعَثَهُ اللَّهُ رَسُولًا إِلَيْهِمْ وَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَسْكَرٍ أَنَّ عِمْرَانَ الْمَذْكُورَ فِي آلِ عِمْرَانَ هُوَ وَالِدُ مُوسَى لَا وَالِدُ مَرْيَمَ وَفِي يُوسُفَ سِتُّ لُغَاتٍ بِتَثْلِيثِ السين مع الياء والهمزة وبتركه وَالصَّوَابُ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ. 9- لُوطٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ هُوَ لُوطُ بْنُ هَارَانَ بْنِ آزَرَ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لُوطٌ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. 10- هُودٌ قَالَ كَعْبٌ كَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِآدَمَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَانَ رَجُلًا جَلْدًا أَخْرَجَهُمَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُهُ عَابِرُ بْنُ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَقَالَ غَيْرُهُ الرَّاجِحُ فِي نَسَبِهِ أَنَّهُ هُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحِ بْنِ حَاوِذَ بْنِ عَادِ بْنِ عوص بن إرم بن سام بْنِ نُوحٍ. 11- صَالِحٌ قَالَ وَهْبٌ: هُوَ ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ حاير بْنِ ثَمُودَ بْنِ حَايِرَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ بُعِثَ إِلَى قَوْمِهِ حِينَ رَاهَقَ الْحُلُمَ وَكَانَ رَجُلًا أَحْمَرَ إِلَى الْبَيَاضِ سَبْطَ الشَّعْرِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَرْبَعِينَ عَامًا وقال نَوْفٌ الشَّامِيُّ: صَالِحٌ مِنَ الْعَرَبِ لَمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ عَادًا عَمَّرَتْ ثَمُودُ بَعَدَهَا فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ صَالِحًا غُلَامًا شَابًّا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ حتى شَمِطَ وَكَبِرَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ نَبِيٌّ إِلَّا هُودٌ وَصَالِحٌ أَخْرَجَهُمَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ: الْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمُودًا كَانَ بَعْدَ عَادٍ كَمَا كَانَ عَادٌ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ وَنَقَلَهُ عَنِ النَّوَوِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ ومن خَطِّهِ نَقَلْتُ هُوَ صَالِحُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَسَيْفَ بْنِ مَاشِجِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حَاذِرِ بْنِ ثَمُودَ بْنِ عَادِ بْنِ عُوصَ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ وَهُوَ شَابٌّ وَكَانُوا عَرَبًا مَنَازِلُهُمْ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ فَأَقَامَ فِيهِمْ عِشْرِينَ سَنَةً وَمَاتَ بِمَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. 12- شُعَيْبٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ ابْنُ مِيكَايِيلَ- كَذَا بِخَطِّ الذَّهَبِيِّ فِي اخْتِصَارِ الْمُسْتَدْرَكِ- وَقَالَ غَيْرُهُ: ابْنُ مَلْكَايِنَ وَقِيلَ ابْنُ مِيكِيلَ بْنِ يَشْجُنَ بْنِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ وَرَأَيْتُ بِخَطِّ النَّوَوِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ ابْنُ مِيكِيلَ بْنِ يَشْجُنَ بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ كَانَ يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ وَبُعِثَ رَسُولًا إِلَى أُمَّتَيْنِ مَدْيَنَ وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَعَمِيَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ أَنَّ مَدْيَنَ وَأَصْحَابَ الْأَيْكَةِ أَمَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُعِظَ بِوَفَاءِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا واحد واحتج الأول بما أخرجه عن السد ي وَعِكْرِمَةَ قَالَا مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مَرَّتَيْنِ إِلَّا شُعَيْبًا مَرَّةً إِلَى مَدْيَنَ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالصَّيْحَةِ وَمَرَّةً إِلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا أَنَّ قَوْمَ مَدْيَنَ وَأَصْحَابَ الْأَيْكَةِ أُمَّتَانِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا شُعَيْبًا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ:

وَهُوَ غَرِيبٌ وَفِي رَفْعِهِ نَظَرٌ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى ثَلَاثِ أُمَمٍ وَالثَّالِثَةُ أَصْحَابُ الرَّسِّ. 13- مُوسَى هُوَ ابْنُ عِمْرَانَ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثَ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ عليه السلام لاخلاف فِي نَسَبِهِ وَهُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ مُوسَى لِأَنَّهُ أُلْقِيَ بَيْنَ شَجَرٍ وَمَاءٍ فَالْمَاءُ بِالْقِبْطِيَّةِ "مُو" وَالشَّجَرُ "سَا" وَفِي الصَّحِيحِ وصفه أنه آدَمُ طُوَالٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ قَالَ الثَّعْلَبِيُّ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً. 14- هَارُونُ أَخُوهُ شَقِيقُهُ وَقِيلَ لِأُمِّهِ فَقَطْ وَقِيلَ لِأَبِيهِ فَقَطْ حَكَاهُمَا الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ فَصِيحًا جِدًّا مَاتَ قَبْلَ مُوسَى وَكَانَ وُلِدَ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ وَفِي بَعْضِ أَحَادِيثَ الْإِسْرَاءِ صَعِدَتْ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ وَنِصْفُ لِحْيَتِهِ بَيْضَاءُ وَنِصْفُهَا أَسْوَدُ تَكَادُ لِحْيَتُهُ تَضْرِبُ سُرَّتُهُ مِنْ طُولِهَا فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ وَذَكَرَ ابْنُ مَسْكَوَيْهِ أَنَّ مَعْنَى هَارُونَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ "الْمُحَبَّبُ" 15- دَاوُدُ هُوَ ابْنُ إِيشَى- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ- بن عَوْبَدَ- بِوَزْنِ جَعْفَرٍ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ- بْنِ بَاعَرَ- بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمِلَةٍ مَفْتُوحَةٍ- بْنِ سَلَمُونَ بْنِ يَخْشَوْنَ بْنِ عمى بن يارب- بتحيته وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ- بْنِ رَامِ بْنِ حَضَرُونَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ بْنِ فَارِصَ بِفَاءٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ- بْنِ يَهُوذَ بْنِ يَعْقُوبَ فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ الْبَشَرِ قَالَ كَعْبٌ كَانَ أَحْمَرَ الْوَجْهِ سَبْطَ

الرَّأْسِ أَبْيَضَ الْجِسْمِ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ فِيهَا جُعُودَةٌ حَسَنُ الصَّوْتِ وَالْخَلْقِ وَجُمِعَ لَهُ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ عَاشَ مِائَةً سَنَةٍ مُدَّةَ مُلْكِهِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً وَكَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ابْنًا. 16- سُلَيْمَانُ وَلَدُهُ قَالَ كَعْبٌ: كَانَ أَبْيَضَ جَسِيمًا وَسِيمًا وَضِيئًا جَمِيلًا خَاشِعًا مُتَوَاضِعًا وَكَانَ أَبُوهُ يُشَاوِرُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِ مَعَ صِغَرِ سَنِّهِ لِوُفُورِ عَقْلِهِ وَعِلْمِهِ وَأَخْرَجَ ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَلَكَ الْأَرْضَ مُؤْمِنَانِ: سُلَيْمَانُ وَذُو الْقَرْنَيْنِ وكافران نمروذ وبخت نصر قَالَ أَهْلُ التَّارِيخِ: مَلَكَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَابْتَدَأَ بِنَاءَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ مُلْكِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَمَاتَ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً 17- أَيُّوبُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَصِحَّ فِي نَسَبِهِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ أَبْيَضُ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُوَ أَيُّوبُ بْنُ مُوصِ بْنِ رَوْحِ بْنِ عِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ وَحَكَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتُ لُوطٍ وَأَنَّ أَبَاهُ مِمَّنْ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَ وَعَلَى هَذَا فَكَانَ قَبْلَ مُوسَى وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كَانَ بَعْدَ شُعَيْبٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: كَانَ بَعْدَ سُلَيْمَانَ ابْتُلِيَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ وَكَانَتْ مُدَّةُ بَلَائِهِ سَبْعَ سِنِينَ وَقِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَقِيلَ ثَلَاثَ سِنِينَ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ مُدَّةَ عُمُرِهِ كَانَتْ ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً.

18- ذُو الْكِفْلِ قِيلَ هُوَ ابْنُ أَيُّوبَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ وَهْبٍ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ بَعْدَ أَيُّوبَ ابْنَهُ بِشْرَ بْنَ أَيُّوبَ نَبِيًّا وَسَمَّاهُ ذَا الْكِفْلِ وَأَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَكَانَ مُقِيمًا بِالشَّامِ عُمُرَهُ حَتَّى مَاتَ وَعُمُرُهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَفِي الْعَجَائِبِ لِلْكِرْمَانِيِّ: قِيلَ هُوَ إِلْيَاسُ وَقِيلَ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَقِيلَ هُوَ نَبِيٌّ اسْمُهُ ذُو الْكِفْلِ وَقِيلَ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا تَكَفَّلَ بِأُمُورٍ فَوَفَّى بِهَا وَقِيلَ هُوَ زَكَرِيَّا من قوله: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} انتهى. وقال ابن عسكر: قِيلَ هُوَ نَبِيٌّ تَكَفَّلَ اللَّهُ لَهُ فِي عَمَلِهِ بِضِعْفِ عَمَلِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَأَنَّ الْيَسَعَ اسْتَخْلَفَهُ فَتَكَفَّلَ لَهُ أَنْ يَصُومَ النَّهَارَ وَيَقُومَ اللَّيْلَ وَقِيلَ: أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَقِيلَ: هُوَ الْيَسَعُ وَإِنَّ لَهُ اسْمَيْنِ 19- يُونُسُ: هُوَ ابْنُ مَتَّى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ مَقْصُورٌ ووقع في تفسير عبد الرازق أَنَّهُ اسْمُ أُمِّهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحِ وَنَسَبُهُ إِلَى أَبِيهِ قَالَ فَهَذَا أَصَحُّ قَالَ: وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى اتِّصَالِ نسبه وقد قيل إنه كان فِي زَمَنِ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْفُرْسِ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ لَبِثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَعَنْ قَتَادَةَ ثَلَاثَةً وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْتَقَمَهُ "ضُحًى" وَلَفِظَهُ "عَشِيَّةً" وَفِي يُونُسَ سِتُّ لُغَاتٍ: تَثْلِيثُ النُّونِ مَعَ الْوَاوِ وَالْهَمْزَةِ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِضَمِّ النُّونِ مَعَ الياء قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَقَرَأَ طَلْحَةُ ابن مُصَرِّفٍ بِكَسْرِ يُونُسَ

وَيُوسُفَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا عَرَبِيَّيْنِ مُشْتَقَّيْنِ مِنْ أنس وأسف وَهُوَ شَاذٌّ 20- إِلْيَاسُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأِ هُوَ ابْنُ يَاسِينَ بْنِ فَنْحَاصَ بْنِ الْعَيْزَارِ بْنِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ: حَكَى القتبي أَنَّهُ مِنْ سِبْطِ يُوشَعَ وَقَالَ وَهْبٌ: إِنَّهُ عُمِّرَ كَمَا عُمِّرَ الْخَضِرُ وَإِنَّهُ يَبْقَى إِلَى آخَرِ الدنيا وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَإِلْيَاسُ بهزة قَطْعٍ اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ وَقَدْ زِيدَ فِي آخِرِهِ يَاءٌ وَنُونٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} كَمَا قَالُوا فِي إِدْرِيسَ: "إِدْرَاسِينَ" وَمَنْ قَرَأَ آلِ يس فَقِيلَ: الْمُرَادُ آلُ مُحَمَّدٍ 21- الْيَسَعَ قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ ابْنُ أَخْطُوبِ بْنِ الْعَجُوزِ قَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقْرَؤُهُ بِلَامٍ وَاحِدَةٍ مُخَفَّفَةٍ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ {وَاللَّيْسَعُ} بِلَامَيْنِ وَبِالتَّشْدِيدِ فَعَلَى هَذَا هو عجمي وَكَذَا عَلَى الْأَوْلَى وَقِيلَ عَرَبِيٌّ مَنْقُولٌ مِنَ الْفِعْلِ مِنْ وَسِعَ يَسَعُ 22- زَكَرِيَّا كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَقُتِلَ بَعْدَ قتل وَلَدِهِ وَكَانَ لَهُ يَوْمَ بُشِّرَ بِوَلَدِهِ اثْنَتَانِ وَتِسْعُونَ سَنَةً وَقِيلَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَزَكَرِيَّا اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَفِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ أَشْهَرُهَا الْمَدُّ وَالثَّانِيَةُ الْقَصْرُ وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَزَكَرِيَّا بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَزَكَرَ كَقَلَمٍ

23- يَحْيَى وَلَدُهُ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ يَحْيَى بِنَصِّ الْقُرْآنِ وُلِدَ قَبْلَ عِيسَى بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَنُبِّئَ صَغِيرًا وَقُتِلَ ظُلْمًا وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَى قَاتِلِيهِ بخت نصر وجيوشه ويحيى اسم عجمي وَقِيلَ عَرَبِيٌّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَنْصَرِفُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَعَلَى الثَّانِي إِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حي بِهِ رَحِمُ أُمِّهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ اسْتُشْهِدَ وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ "يَمُوتُ" كَالْمَفَازَةِ لِلْمُهْلِكَةِ وَالسَّلِيمِ لِلَّدِيغِ 24- عيس بن مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ خَلَقَهُ اللَّهُ بِلَا أَبٍ وَكَانَتْ مُدَّةُ حَمْلِهِ سَاعَةً وَقِيلَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ تسعة وَلَهَا عَشْرُ سِنِينَ وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشْرَةَ وَرُفِعَ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَفِي أَحَادِيثَ أَنَّهُ يَنْزِلُ وَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ وَيَحُجُّ وَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ سَبْعَ سِنِينَ وَيُدْفَنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ- يَعْنِي حَمَّامًا وَعِيسَى اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ أَوْ سُرْيَانِيٌّ. فَائِدَةٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَهُ اسْمَانِ إِلَّا عِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 25- مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى بِأَسْمَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ

فَائِدَةٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: خَمْسَةٌ سُمُّوا قَبْلَ أَنْ يَكُونُوا: مُحَمَّدٌ {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} وَيَحْيَى {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى مصدقا} وَعِيسَى {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى} الله وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ.} قَالَ الرَّاغِبُ: وَخَصُّ لَفْظَ "أَحْمَدَ" فِيمَا بَشَّرَ بِهِ عِيسَى، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ أَحْمَدُ مِنْهُ وَمِنَ الذين قبله أسماء الملائكة وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ: 1، 2- جِبْرِيلُ ومكيائيل وَفِيهِمَا لُغَاتٌ: جِبْرِيلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بِلَا هَمْزٍ وَجَبْرِيلُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بِلَا هَمْزٍ وَجِبْرَائِيلُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلْفِ وَجِبْرَايِيلُ بِيَاءَيْنِ بلا همز وجبرئيل بهمزة وَيَاءٍ بِلَا أَلْفٍ وَجِبْرَئِلُّ مُشَدَّدَةُ اللَّامِ وَقُرِئَ بِهَا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَأَصْلُهُ "كُورْيَالُ" فَغُيِّرَ بِالتَّعْرِيبِ وَطُولِ الِاسْتِعْمَالِ إِلَى مَا تَرَى وَقُرِئَ "ميكاييل" بلا همز وميكئل وَمِيكَالَ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جِبْرِيلُ عَبْدُ اللَّهِ وَمِيكَايِيلُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَكُلُّ اسْمٍ فِيهِ "إِيلُ" فَهُوَ مُعَبَّدٌ لِلَّهِ وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: إِيلُ: اللَّهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ اسْمُ جِبْرِيلَ فِي الْمَلَائِكَةِ خَادِمُ اللَّهِ.

فَائِدَةٌ قَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} بِالتَّشْدِيدِ وَفَسَّرَهُ ابْنُ مِهْرَانَ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِجِبْرِيلَ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ 3، 4 -وَهَارُوتُ وَمَارُوتُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ مَلَكَانِ مِنْ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ وَقَدْ أَفْرَدْتُ فِي قِصَّتِهِمَا جزءا. 5- الرعد فَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ فَقَالَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَلٌ بِالسَّحَابِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الرعد ملك يسبح وأخرج عن مُجَاهِدٌ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّعْدِ فَقَالَ هُوَ مَلِكٌ يُسَمَّى الرَّعْدَ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} 6- وَالْبَرْقُ فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْبَرْقَ مَلَكٌ لَهُ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ: وَجْهُ إِنْسَانٍ وَوَجْهُ ثَوْرٍ وَوَجْهُ نَسْرٍ وَوَجْهُ أَسَدٍ فَإِذَا مَصَعَ بِذَنَبِهِ فَذَلِكَ الْبَرْقُ 7- وَمَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ 8- وَالسِّجِلُّ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ السِّجِلُّ مَلَكٌ وَكَانَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ مِنْ أَعْوَانِهِ وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: السِّجِلُّ مَلَكٌ وَأَخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِالصُّحُفِ

9- وَقَعِيدٌ فَقَدْ ذَكَرَ مُجَاهِدٌ أَنَّهُ اسْمُ كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فَهَؤُلَاءِ تِسْعَةٌ 10- وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ مَرْفُوعَةٍ وَمَوْقُوفَةٍ وَمَقْطُوعَةٍ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنْ صَحَّ أَكْمَلَ الْعَشَرَةَ 11- وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} قَالَ مَلَكٌ مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا فَصَارُوا أَحَدَ عَشَرَ 12- ثُمَّ رَأَيْتُ الرَّاغِبَ قَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} قِيلَ: إِنَّهُ مَلَكٌ يُسْكِنُ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ وَيُؤَمِّنُهُ كَمَا رُوِيَ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. أسماء الصحابة وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. وَالسِّجِلُّ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَاتِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أسماء المتقدمين من غير الأنبياء والرسل وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عِمْرَانُ أَبُو مَرْيَمَ وَقِيلَ أَبُو مُوسَى أَيْضًا وَأَخُوهَا هَارُونُ وَلَيْسَ بِأَخِي مُوسَى كَمَا فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَسَيَأْتِي آخر الكتاب.

وعزيز وَتُبَّعٌ- وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا- كَمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَقِيلَ نَبِيٌّ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ وَلُقْمَانُ وَقَدْ قيل إنه كان نبيا والأكثر على خلافه وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا وَيُوسُفُ الَّذِي فِي سُورَةِ غَافِرٍ. وَيَعْقُوبُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ مَرْيَمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَتَقِيٌّ فِي قَوْلِهِ فِيهَا: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً} قِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ كَانَ مِنْ أَمْثَلِ النَّاسِ أَيْ إِنْ كُنْتَ فِي الصَّلَاحِ مِثْلَ تَقِيٍّ حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ وَقِيلَ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ يَتَعَرَّضُ لِلنِّسَاءِ وَقِيلَ إِنَّهُ ابْنُ عَمِّهَا أَتَاهَا جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ حَكَاهُمَا الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ. أسماء النساء وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ النِّسَاءِ مَرْيَمُ لَا غَيْرَ لِنُكْتَةٍ تَقَدَّمَتْ فِي نوع الكناية وَمَعْنَى مَرْيَمَ بِالْعِبْرِيَّةِ الْخَادِمُ وَقِيلَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تُغَازِلُ الْفِتْيَانَ حَكَاهُمَا الْكِرْمَانِيُّ وَقِيلَ: إِنَّ بَعْلًا فِي قوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} اسْمُ امْرَأَةٍ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا حَكَاهُ ابْنُ عَسْكَرٍ.

أسماء الكفار وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْكُفَّارِ قَارُونُ وَهُوَ ابْنُ يَصْهَرَ ابْنِ عَمِّ مُوسَى كَمَّا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَالُوتُ وَهَامَانُ وَبُشْرَى الَّذِي نَادَاهُ الْوَارِدُ الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ يُوسُفَ بِقَوْلِهِ: {يَا بُشْرَى} فِي قَوْلِ السُّدِّيِّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَآزَرُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَقِيلَ اسْمُهُ تَارَحُ وَآزَرُ لَقَبٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنِ اسْمُهُ آزَرَ إِنَّمَا كَانَ اسْمُهُ تَارَحَ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَعْنَى آزَرَ: الصَّنَمُ وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَيْسَ آزَرُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ وَمِنْهَا النَّسِيءُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قال: كان رجل يسمى النسئ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ كَانَ يَجْعَلُ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا يَسْتَحِلُّ بِهِ الْغَنَائِمَ. أسماء الجن وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْجِنِّ: أَبُوهُمْ إِبْلِيسُ وَكَانَ اسْمَهُ أَوَّلًا عَزَازِيلُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ اسْمُهُ عَزَازِيلُ

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ كَانَ اسْمُ إِبْلِيسَ الْحَارِثَ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَعْنَى عَزَازِيلَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ إِبْلِيسُ لِأَنَّ اللَّهَ أَبْلَسَهُ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ: آيَسَهُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ قِيلَ فِي اسْمِهِ قَتْرَةٌ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو كُرْدُوسٍ وَقِيلَ أَبُو قَتْرَةَ وَقِيلَ أَبُو مُرَّةَ وَقِيلَ أَبُو لُبَيْنَى حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ. أسماء القبائل وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَبَائِلِ. يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَمَدَيْنُ وَقُرَيْشٌ والروم أسماء الأقوام بالإضافة وَفِيهِ مِنَ الْأَقْوَامِ بِالْإِضَافَةِ: قَوْمُ نُوحٍ وَقَوْمُ لُوطٍ وَقَوْمُ تُبَّعٍ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ- وقيل: هُمْ مَدَيْنُ- وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَهُمْ بَقِيَّةٌ مِنْ ثَمُودَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ عِكْرِمَةُ هُمْ أَصْحَابُ يَاسِينَ وَقَالَ قَتَادَةُ هُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ وَقِيلَ هُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ

أسماء الأصنام وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَتْ أَسْمَاءً لِأُنَاسٍ. وَدٌّ وَسُوَاعٌ وَيَغُوثُ وَيَعُوقُ وَنَسْرٌ وَهِيَ أَصْنَامُ قَوْمِ نُوحٍ وَاللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَنَاةُ وَهِيَ أَصْنَامُ قُرَيْشٍ وَكَذَا الرُّجْزُ فِيمَنْ قَرَأَهُ بِضَمِّ الراء ذكر الْأَخْفَشُ فِي كِتَابِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ أَنَّهُ اسْمُ صَنَمٍ وَالْجِبْتُ وَالطَّاغُوتُ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُمَا صَنَمَانِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمَا ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ الْجِبْتُ وَالطَّاغُوتُ صَنَمَانِ وَالرَّشَادُ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ غَافِرٍ: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} قِيلَ هُوَ اسْمُ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِ فِرْعَوْنَ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ وَبَعْلٌ: وَهُوَ صَنَمُ قَوْمِ إِلْيَاسَ وَآزَرُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ صَنَمٍ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عباس: وَدٌّ وَسُوَاعٌ وَيَغُوثُ وَيَعُوقُ وَنَسْرٌ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ لِصُلْبِهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ اللَّاتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ وَحَكَاهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ {اللَّاتَ} بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أبي حاتم عن مجاهد.

أسماء البلاد والأمكنة وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْبِلَادِ وَالْبِقَاعِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْجِبَالِ: بَكَّةُ اسْمٌ لِمَكَّةَ فَقِيلَ الْبَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْمِيمِ وَمَأْخَذُهُ مَنْ تَمَكَّكْتَ الْعَظْمَ أَيْ اجْتَذَبْتَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُخِّ وَتَمَكَّكَ الْفَصِيلُ مَا فِي ضَرْعِ النَّاقَةِ فَكَأَنَّهَا تَجْتَذِبُ إِلَى نَفْسِهَا مَا فِي الْبِلَادِ مِنَ الْأَقْوَاتِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الذُّنُوبَ أَيْ تُذْهِبُهَا وَقِيلَ لِقِلَّةِ مَائِهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا فِي بَطْنِ وَادٍ تُمَكِّكُ الْمَاءَ مِنْ جِبَالِهَا عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ وَتَنْجَذِبُ إِلَيْهَا السُّيُولُ وَقِيلَ الْبَاءُ أَصْلٌ وَمَأْخَذُهُ مِنَ الْبَكِّ لِأَنَّهَا تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ أَيْ تَكْسِرُهُمْ فَيَذِلُّونَ لَهَا وَيَخْضَعُونَ وَقِيلَ مِنَ التَّبَاكِّ وَهُوَ الِازْدِحَامُ لِازْدِحَامِ النَّاسِ فِيهَا فِي الطَّوَافِ وَقِيلَ مَكَّةُ الْحَرَمُ وَبَكَّةُ الْمَسْجِدُ خَاصَّةً وَقِيلَ مَكَّةُ الْبَلَدُ وَبَكَّةُ الْبَيْتُ وَمَوْضِعُ الطَّوَافُ وَقِيلَ الْبَيْتُ خَاصَّةً وَالْمَدِينَةُ سُمِّيَتْ فِي الْأَحْزَابِ بِيَثْرِبَ حِكَايَةً عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ اسْمُ أَرْضٍ فِي نَاحِيَتِهَا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِيَثْرِبَ بْنِ وَائِلٍ مِنْ بَنِي إِرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ نَزَلَهَا وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِاسْمَ الْخَبِيثَ وَهُوَ يَشْعُرُ بِالثَّرَبِ وَهُوَ الْفَسَادُ أَوِ التَّثْرِيبُ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَبَدْرٌ: وَهِيَ قَرْيَةٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَتْ بَدْرٌ لِرَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ يُسَمَّى بَدْرًا فَسُمِّيَتْ بِهِ قَالَ الْوَاقِدِيُّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ فَأَنْكَرَاهُ وَقَالَا لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَتِ الصَّفْرَاءَ وَرَابِغَ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ اسْمُ الْمَوْضِعِ وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: بَدْرٌ مَا بَيْنَ مكة والمدينة.

وأحد: قرئ شاذا {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} وَحُنَيْنٌ: وَهِيَ قَرْيَةٌ قُرْبَ الطَّائِفِ وَجَمْعٌ: وَهِيَ مُزْدَلِفَةُ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ: وَهُوَ جَبَلٌ بِهَا وَنَقْعٌ: قِيلَ هُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ عَرَفَاتٍ إِلَى مُزْدَلِفَةَ حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ. وَمِصْرُ وَبَابِلُ: وَهِيَ بَلَدٌ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ وَالْأَيْكَةُ وَلَيْكَةُ بِفَتْحِ اللَّامِ: بَلَدُ قَوْمِ شُعَيْبٍ وَالثَّانِي: اسْمُ الْبَلْدَةِ وَالْأَوَّلُ اسْمُ الْكُورَةِ وَالْحِجْرُ: مَنَازِلُ ثَمُودَ نَاحِيَةَ الشَّامِ عِنْدَ وَادِي الْقُرَى وَالْأَحْقَافُ: وَهِيَ جِبَالُ الرَّمْلِ بَيْنَ عُمَانَ وَحَضْرَمَوْتَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا جَبَلٌ بِالشَّامِ وَطُورُ سَيْنَاءَ: وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي نُودِيَ مِنْهُ مُوسَى وَالْجُودِيُّ: وَهُوَ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ وَطُوًى: اسْمُ الْوَادِي كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهُ سُمِّيَ طُوًى لِأَنَّ مُوسَى طَوَاهُ لَيْلًا وَأَخْرَجَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُوَ وَادٍ بِفِلَسْطِينَ قِيلَ لَهُ طُوًى لِأَنَّهُ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ وَأَخْرَجَ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ هُوَ وَادٍ بِأَيَلَةَ طُوِيَ بِالْبَرَكَةِ مَرَّتَيْنِ وَالْكَهْفُ: وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَنْقُورُ فِي الْجَبَلِ وَالرَّقِيمُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ زَعَمَ كَعْبٌ أَنَّ الرَّقِيمَ

الْقَرْيَةُ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا وَعَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: الرَّقِيمُ وَادٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الرَّقِيمُ وَادٍ بَيْنَ عِقْبَانِ وَأَيْلَةَ دُونَ فِلَسْطِينَ وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ الرَّقِيمُ اسْمُ الْوَادِي الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: الرَّقِيمُ الْكَلْبُ وَالْعَرِمُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْعَرِمُ اسْمُ الْوَادِي وَحَرْدٌ: قَالَ السُّدِّيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ اسْمَ الْقَرْيَةِ حَرْدٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالصَّرِيمُ: أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا أَرْضٌ بِالْيَمَنِ تُسَمَّى بذلك. وق: وَهُوَ جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالْأَرْضِ وَالْجُرُزُ: هم اسْمُ أَرْضٍ وَالطَّاغِيَةُ: قِيلَ اسْمُ الْبُقْعَةِ الَّتِي أُهْلِكَتْ بِهَا ثَمُودُ حكاهما الكرماني. أسماء الأماكن الأخروية وفيها مِنْ أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ الْأُخْرَوِيَّةِ: الْفِرْدَوْسُ: وَهُوَ أَعْلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ وَعِلِّيُّونَ: قِيلَ أَعْلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ اسْمٌ لِمَا دُوِّنَ فِيهِ أَعْمَالُ صُلَحَاءِ الثَّقَلَيْنِ وَالْكَوْثَرُ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَسَلْسَبِيلُ وَتَسْنِيَمٌ: عَيْنَانِ فِي الْجَنَّةِ وَسِجِّينٌ اسْمٌ لِمَكَانِ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ

وَصَعُودٌ: جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا وَغَيٌّ وَأَثَامٌ وَمَوْبِقٌ والسعير وويل وَسَائِلٌ وَسُحْقٌ: أَوْدِيَةٌ فِي جَهَنَّمَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً} قَالَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ مِنْ قَيْحٍ؛ وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {مَوْبِقا} قَالَ: هُوَ نَهْرٌ فِي النَّارِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} قَالَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ مِنْ قَيْحٍ" وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: فِي النَّارِ أَرْبَعَةُ أَوْدِيَةٍ يُعَذِّبُ اللَّهُ بِهَا أَهْلَهَا غَلِيظٌ وَمَوْبِقٌ وَأَثَامٌ وَغَيٌّ. وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: السَّعِيرُ وَادٍ مِنْ قَيْحٍ فِي جَهَنَّمَ وَسُحْقٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ في قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ} هُوَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ: سَائِلٌ وَالْفَلَقُ: جُبٌّ في جهنم في حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَيَحْمُومٌ: دُخَانٌ أَسْوَدُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَفِيهِ مِنَ الْمَنْسُوبِ إِلَى الْأَمَاكِنِ الْأُمِّيُّ قِيلَ نِسْبَةٌ إِلَى أُمِّ الْقُرَى مَكَّةَ وَعَبْقَرِيٌّ قِيلَ إِنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى عَبْقَرَ مَوْضِعٌ لِلْجِنِّ يَنْسُبُ إِلَيْهِ كُلُّ نَادِرٍ وَالسَّامِرِيُّ قِيلَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا سَامِرُونَ وَقِيلَ سَامِرَةَ وَالْعَرَبِيُّ قِيلَ مَنْسُوبٌ إِلَى عَرَبَةَ وَهِيَ بَاحَةُ دَارِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْشَدَ فِيهَا: وَعَرْبَةِ أَرْضٍ مَا يُحِلُّ حَرَامَهَا مِنَ النَّاسِ إِلَّا اللَّوْذَعِيُّ الْحُلَاحِلُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أسماء الكواكب وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْكَوَاكِبِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالطَّارِقُ والشعري. فائدة في أسماء الطير قَالَ بَعْضُهُمْ: سَمَّى اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَشَرَةَ أَجْنَاسٍ مِنَ الطَّيْرِ: السَّلْوَى وَالْبَعُوضَ وَالذُّبَابَ وَالنَّحْلَ وَالْعَنْكَبُوتَ وَالْجَرَادَ وَالْهُدْهُدَ وَالْغُرَابَ وَأَبَابِيلَ وَالنَّمْلَ فَإِنَّهُ مِنَ الطَّيْرِ لِقَوْلِهِ فِي سُلَيْمَانَ: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} وَقَدْ فَهِمَ كَلَامَهَا وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ النَّمْلَةُ الَّتِي فَقِهَ سُلَيْمَانُ كَلَامَهَا كانت ذات جناحين.

فصل: في الكنى والألقاب في القرآن أَمَّا الْكُنَى فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا غَيْرُ أَبِي لَهَبٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ بِاسْمِهِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ شَرْعًا وَقِيلَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ جَهَنَّمِيٌّ وَأَمَّا الْأَلْقَابُ فَمِنْهَا إِسْرَائِيلُ لَقَبُ يَعْقُوبَ وَمَعْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ صَفْوَةُ اللَّهِ وَقِيلَ سَرِيُّ اللَّهِ لِأَنَّهُ أَسْرَى لَمَّا هاجر أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِسْرَائِيلَ كَقَوْلِكَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: كَانَ يَعْقُوبُ رَجُلًا بَطِيشًا فَلَقِيَ مَلِكًا فَعَالَجَهُ فَصَرَعَهُ الْمَلِكُ فَضَرَبَ عَلَى فَخِذَيْهِ فَلَمَّا رَأَى يَعْقُوبُ مَا صَنَعَ بِهِ بَطَشَ بِهِ فَقَالَ مَا أَنَا بِتَارِكِكَ حَتَّى تُسَمِّيَنِي اسْمًا فَسَمَّاهُ إِسْرَائِيلَ قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ! وَفِيهِ لُغَاتٌ أَشْهَرُهَا بِيَاءٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَلَامٌ وَقُرِئَ إسراييل بِلَا هَمْزٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ يُخَاطَبِ الْيَهُودُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِ "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ" دُونَ "يا بني يعقوب" لنكتة وهو أَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَذُكِّرُوا بِدِينِ أَسْلَافِهِمْ مَوْعِظَةً لَهُمْ وَتَنْبِيهًا مِنْ غَفْلَتِهِمْ فَسُمُّوا بِالِاسْمِ الَّذِي فِيهِ تَذْكِرَةٌ بِاللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ إِسْرَائِيلَ اسْمٌ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ فِي التَّأْوِيلِ وَلَمَّا ذَكَرَ مَوْهِبَتَهُ لِإِبْرَاهِيمَ وَتَبْشِيرَهُ بِهِ قَالَ يَعْقُوبَ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهَا مَوْهِبَةٌ بِمُعَقِّبٍ آخَرَ فَنَاسَبَ ذِكْرَ اسْمٍ يُشْعِرُ بِالتَّعْقِيبِ. وَمِنْهَا الْمَسِيحُ لقب لعيسى ومعناه قيل الصديق وقيلك الَّذِي لَيْسَ لِرِجْلِهِ أَخْمُصُ وَقِيلَ: الَّذِي لَا يَمْسَحُ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ وَقِيلَ: الْجَمِيلُ وَقِيلَ: الَّذِي يَمْسَحُ الْأَرْضَ أَيْ يَقْطَعُهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا إِلْيَاسُ قِيلَ إِنَّهُ لَقَبُ إِدْرِيسَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ وَإِسْرَائِيلُ هُوَ يَعْقُوبُ وَفِي قِرَاءَتِهِ؛ {وَإِنْ وَإِنَّ إِدْرَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} {سَلامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ} وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ {وَأَنَّ إِيلِيسِينَ} {سَلامٌ عَلَى إِيلِيسِينَ.} وَمِنْهَا ذُو الْكِفْلِ قِيلَ إِنَّهُ لَقَبُ إِلْيَاسَ وَقِيلَ لَقَبُ الْيَسَعَ وَقِيلَ لَقَبُ يُوشَعَ وَقِيلَ لَقَبُ زَكَرِيَّا وَمِنْهَا نُوحٌ اسْمُهُ عَبْدُ الغفار ولقبه نوح لكثرة نوح عَلَى نَفْسِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ. وَمِنْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ وَاسْمُهُ إِسْكَنْدَرُ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ سَعْدٍ وَقِيلَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ وَقِيلَ الصَّعْبُ بْنُ قَرِينِ بْنِ الْهَمَّالِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَسْكَرٍ وَلُقِّبَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ بَلَغَ قَرْنَيِ الْأَرْضِ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَلَكَ فَارِسَ وَالرُّومَ وَقِيلَ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَرْنَانِ أَيْ ذُؤَابَتَانِ وَقِيلَ كَانَ لَهُ قَرْنَانِ مِنْ ذَهْبٍ وَقِيلَ كَانَتْ صَفْحَتَا رَأْسِهِ مِنْ نُحَاسٍ وَقِيلَ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَرْنَانِ صَغِيرَانِ تُوَارِيهِمَا الْعِمَامَةُ وَقِيلَ إِنَّهُ ضُرِبَ عَلَى قَرْنِهِ فَمَاتَ ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْآخِرِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ كَرِيمَ الطَّرَفَيْنِ وقيل أنه انْقَرَضَ فِي وَقْتِهِ قَرْنَانِ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أُعْطِيَ عِلْمَ الظَّاهِرِ وَعِلْمَ الْبَاطِنَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ دَخَلَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ وَمِنْهَا فِرْعَوْنُ وَاسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبٍ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَقِيلَ أَبُو الْوَلِيدِ وَقِيلَ أَبُو مُرَّةَ

وَقِيلَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ مِصْرَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ فِرْعَوْنُ فَارِسَيًّا مِنْ أَهْلِ إِصْطَخْرَ. وَمِنْهَا تُبَّعَ قِيلَ كَانَ اسْمُهُ أَسْعَدُ بْنُ مَلْكِي كَرِبَ وَسُمِّيَ تُبَّعًا لِكَثْرَةِ مَنْ تَبِعَهُ وَقِيلَ إِنَّهُ لَقَبُ مُلُوكِ الْيَمَنِ سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تُبَّعًا أَيْ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ كَالْخَلِيفَةِ يَخْلُفُ غَيْرَهُ.

النوع السبعون: في المبهمات

النَّوْعُ السَّبْعُونَ: فِي الْمُبْهَمَاتِ أَفْرَدَهُ بِالتَّأْلِيفِ السُّهَيْلِيُّ ثم ابن عساكر ثُمَّ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ وَلِيَ فِيهِ تَأْلِيفٌ لَطِيفٌ جمع فَوَائِدِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ زَوَائِدَ أُخْرَى عَلَى صِغَرِ حَجْمِهِ جِدًّا وَكَانَ مِنَ السَّلَفِ مَنْ يَعْتَنِي بِهِ كَثِيرًا قَالَ عِكْرِمَةُ طَلَبْتُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الموت أربع عشرة سنة. أسباب الإبهام في القرآن وللإبهام في القرآن أسباب: أحدهما: الاستغناء ببيانه مع مَوْضِعٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فَإِنَّهُ مُبَيَّنٌ فِي قَوْلِهِ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} الثَّانِي: أَنْ يَتَعَيَّنَ لِاشْتِهَارِهِ كَقَوْلِهِ: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وَلَمْ يَقُلْ: "حَوَّاءُ" لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} وَالْمُرَادُ نُمْرُوذُ لِشُهْرَةِ ذَلِكَ

لِأَنَّهُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ قِيلَ: وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ فِي الْقُرْآنِ بِاسْمِهِ وَلَمْ يُسَمِّ نُمْرُوذَ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ أَذْكَى مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَجْوِبَتِهِ لِمُوسَى وَنُمْرُوذُ كَانَ بَلِيدًا وَلِهَذَا قَالَ: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} وَفَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ قَتْلِ شَخْصٍ وَالْعَفْوِ عَنْ آخَرَ وَذَلِكَ غَايَةُ الْبَلَادَةِ الثَّالِثُ: قَصْدُ السَّتْرِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ في اسْتِعْطَافِهِ نَحْوَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الْآيَةَ هُوَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ وَقَدْ أَسْلَمَ بَعْدُ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ الرابع: ألا يَكُونَ فِي تَعْيِينِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ نَحْوَ: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ.} الْخَامِسُ: التَّنْبِيهُ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّهُ غَيْرُ خَاصٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ عُيِّنَ نَحْوَ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً} السَّادِسُ: تَعْظِيمُهُ بِالْوَصْفِ الْكَامِلِ دُونَ الِاسْمِ نَحْوَ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} وَالْمُرَادُ الصِّدِّيقُ فِي الْكُلِّ. السَّابِعُ: تَحْقِيرُهُ بِالْوَصْفِ النَّاقِصِ نَحْوَ: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}

تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ لَا يُبْحَثُ عَنْ مُبْهَمٍ أَخْبَرَ اللَّهُ بِاسْتِئْثَارِهِ بِعِلْمِهِ كَقَوْلِهِ: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} قَالَ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ تَجَرَّأَ وَقَالَ: إِنَّهُمْ قُرَيْظَةُ أَوْ مِنَ الْجِنِّ قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِنْسَهُمْ لَا يُعْلَمُ وإنما الْمَنْفَى عِلْمُ أَعْيَانِهِمْ وَلَا يُنَافِيهِ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِمْ مِنْ قُرَيْظَةَ أَوْ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ عِلْمُ أَعْيَانِهِمْ ثُمَّ الْقَوْلُ فِي أولئك بأنهم بنو قُرَيْظَةُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَرِيبٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فلا جرأة. فصل: في ذكر آيات المبهمات اعْلَمْ أَنَّ عِلْمَ الْمُبْهَمَاتِ مَرْجِعُهُ النَّقْلُ الْمَحْضُ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ وَلَمَّا كَانَتِ الْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ فِيهِ وَسَائِرُ التَّفَاسِيرِ يُذْكَرُ فِيهَا أَسْمَاءُ الْمُبْهَمَاتِ وَالْخِلَافُ فِيهَا دُونَ بَيَانِ مُسْتَنَدٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِ أَوْ عزو يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَلَّفْتُ الْكِتَابَ الَّذِي أَلَّفْتُهُ مَذْكُورًا فِيهِ عَزْوُ كُلِّ قَوْلٍ إِلَى قَائِلِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مَعْزُوًّا إِلَى أَصْحَابِ الْكُتُبِ الَّذِينَ خَرَّجُوا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِمْ مُبَيِّنًا فِيهِ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَمَا ضَعُفَ فَجَاءَ لِذَلِكَ كِتَابًا حَافِلًا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي نَوْعِهِ وَقَدْ رَتَّبْتُهُ عَلَى تَرْتِيبِ

القرآن وأنا ألخص هنا مبهماته بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ تَارِكًا الْعَزْوَ وَالتَّخْرِيجَ غَالِبًا اخْتِصَارًا وإحالة عَلَى الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَأُرَتِّبُهُ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِيمَا أُبْهِمَ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ مَلِكٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ مُثَنَّى أَوْ مَجْمُوعٍ عُرِفَ أَسْمَاءُ كُلِّهِمْ أَوْ مَنْ أَوِ الَّذِي إِذَا لَمْ يَرِدُ بِهِ الْعُمُومَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} هو آدم وزوجه حَوَّاءُ بِالْمَدِّ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} اسْمُهُ عَامِيلُ {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} هم إسماعيل وإسحاق ومدين وَزِمْرَانُ وَسَرَحٌ وَنَفْشٌ وَنَفْشَانُ وَأَمِيمٌ وَكَيْسَانُ وَسَوْرَحُ ولوطان ونافش {وَالأَسْبَاطِ} : أَوْلَادُ يَعْقُوبَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا يُوسُفُ وَرُوبِيلُ وَشَمْعُونَ وَلَاوَى وَيَهُوذَا وَدَانُ وَنَفْتَالِى بِفَاءٍ وَمُثَنَّاةٍ وَكَادُ وَيَاشِيرُ وَإِيشَاجِرُ وَرِيَالُونَ وَبِنْيَامِينُ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} هُوَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} هُوَ صُهَيْبٌ {إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} هُوَ شَمْوِيلُ وَقِيلَ شَمْعُونَ وَقِيلَ يُوشَعُ

{مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} قَالَ مُجَاهِدٌ: مُوسَى {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} قَالَ: مُحَمَّدٌ {الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ} فِي رَبِّهِ نُمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} عُزَيْرٌ وَقِيلَ أَرْمِيَاءُ وَقِيلَ حِزْقِيلُ {امْرَأَتُ عِمْرَانَ} حَنَّةُ بِنْتُ فَاقُوذَ {وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} هِيَ أَشْيَاعُ أَوْ أَشْيَعُ بِنْتُ فَاقُودَ {مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ} هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِلَى الطَّاغُوتِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} هُوَ عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ وَقِيلَ مِرْدَاسٌ وَالْقَائِلُ ذَلِكَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ وملحم بْنُ جَثَّامَةَ وَقِيلَ إِنَّ الَّذِي بَاشَرَ الْقَوْلَ مُحَلَّمٌ وَقِيلَ إِنَّهُ الَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ أَيْضًا وَقِيلَ: قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَقِيلَ: أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} هُوَ ضَمْرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ وَقِيلَ ابْنُ الْعِيصِ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ وَقِيلَ:

أَبُو ضَمْرَةَ بْنِ الْعِيصِ وَقِيلَ اسْمُهُ سَبْرَةُ وَقِيلَ: هُوَ خَالِدُ بْنُ حِزَامٍ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} هُمْ شَمُّوعُ بْنُ زَكُّورَ مِنْ سِبْطِ رُوبِيلَ وَشَوْقَطُ بْنُ حُورَى مِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ وَكَالِبُ بْنُ يُوفَنَّا مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا وَبَعُورَكُ بْنُ يوسف من سبط إيشاجر وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ مِنْ سِبْطِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ وبلطى بْنُ روفوا مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ وَكَرَابِيلُ بْنُ سُودِي مِنْ سِبْطِ زَبَالُونَ وَكُدَّيُ بْنُ شَاسَ مِنْ سِبْطِ مِنَشَّا بْنِ يُوسُفَ وَعَمَايِيلُ بْنُ كَسَلٍ مِنْ سِبْطِ دَانَ وَسَتُّورُ بْنُ مِيخَائِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ وَيُوحَنَّا بْنْ وَقُّوسَى مِنْ سِبْطِ نَفْتَالَى وَإِلُّ بْنُ مُوخَا مِنْ سِبْطِ كاذلوا {قَالَ رَجُلانِ} هُمَا يُوشَعُ وَكَالِبُ {نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} هُمَا قَابِيلُ وَهَابِيلُ وَهُوَ الْمَقْتُولُ {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} بَلْعَمُ وَيُقَالُ بَلْعَامُ بْنُ آيَرَ وَيُقَالُ بَاعِرَ وَيُقَالُ بَاعُورَ وَقِيلَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ وَقِيلَ صَيْفِيُّ بْنُ رَاهِبٍ وَقِيلَ: فِرْعَوْنُ وَهُوَ أَغْرَبُهَا {وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} عَنَى سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} قَالَ قَتَادَةُ: هُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْلٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَعُتْبَةُ بْنُ ربيعة

{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بن سَلُولَ وَرِفَاعَةُ بْنُ التَّابُوتِ وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} هُوَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} هُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} هُوَ مَخْشِيُّ بْنُ حِمْيَرَ {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} هُوَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ سَبْعَةٌ: أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ قَتَادَةُ: سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَبُو لُبَابَةَ وجد بن قيس وخذام وأوس وكردم ومرداس {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ} هُمْ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وكعب ابن مَالِكٍ وَهُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً} قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: اثْنَا عَشَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ وَأَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ وَابْنَاهُ مُجَمِّعٌ وَزَيْدٌ وَنَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ وَبَحْزَجُ وَبِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ

{لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} هُوَ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} هو جبريل وقيل هو الْقُرْآنُ وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ وَقِيلَ عَلِيٌّ {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} اسْمُهُ كَنْعَانُ وَقِيلَ يَامُ {وَامْرَأَتُهُ قائمة} اسْمُهَا سَارَّةُ " بَنَاتُ لُوطٍ "رَيْتَا وَرَغُوثَا {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} بِنْيَامِينُ شَقِيقُهُ {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} هُوَ رُوبِيلُ وَقِيلَ يَهُوذَا وَقِيلَ شَمْعُونَ {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} هُوَ مَالِكُ بْنُ دَعْرٍ {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ} - هُوَ قُطَيْفِيرُ أَوْ أُطَيْفِيرُ- {لامْرَأَتِهِ} هِيَ رَاعِيلُ وَقِيلَ زُلَيْخَا {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} هو مِجْلَثٌ وَبَنْوَهْ وَهُوَ السَّاقِي وَقِيلَ رَاشَانُ وَمِرْطَشُ وَقِيلَ شُرْهُمْ وَسُرْهُمْ {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ} هو الساقي {عِنْدَ رَبِّكَ} هُوَ الْمَلِكُ رَيَّانُ بْنُ الْوَلِيدِ

{بِأَخٍ لَكُمْ} هُوَ بِنْيَامِينُ وَهُوَ الْمُتَكَرِّرُ فِي السُّورَةِ {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ} عنوا يوسف {قَالَ كَبِيرُهُمْ} هُوَ شَمْعُونُ وَقِيلَ رُوبِيلُ {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} هُمَا أَبُوهُ وَخَالَتُهُ لِيَّا وَقِيلَ أُمُّهُ وَاسْمُهَا رَاحِيلُ {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَقِيلَ جِبْرِيلُ {أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي} هو إسماعيل {وَلِوَالِدَيَّ} اسْمُ أَبِيهِ تَارَحُ وَقِيلَ آزَرُ وَقِيلَ يَازَرُ وَاسْمُ أُمِّهِ مَثَانِي وَقِيلَ نَوْفَا وَقِيلَ لُيُوثَا {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هُمْ خَمْسَةٌ الْوَلِيدُ بن المغيرة والعاصي بْنُ وَائِلٍ وَأَبُو زَمْعَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ {رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} هُوَ أَسِيدُ بْنُ أَبِي الْعِيصِ {وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} هِيَ رَيْطَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} عنوا عبد بن الْحَضْرَمِيِّ وَاسْمُهُ مَقِيسٌ

وَقِيلَ عَبْدَيْنِ لَهُ: يَسَارٌ وَجَبْرٌ وَقِيلَ عَنَوْا قَيْنًا بِمَكَّةَ اسْمُهُ بَلْعَامُ وَقِيلَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ {أَصْحَابَ الْكَهْفِ} تَمْلِيخَا وَهُوَ رَئِيسُهُمْ وَالْقَائِلُ {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} وَالْقَائِلُ: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} وَتَكَسْلَمِينَا وَهُوَ الْقَائِلُ: {كَمْ لَبِثْتُمْ} وَمَرْطُوشُ وَبَرَاشِقُ وَأَيُّونُسُ وَأَرْيَسْطَانُسُ وَشَلْطَطْيُوسُ {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} هُوَ تَمْلِيخَا {مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} هُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ} هُمَا تَمْلِيخَا وَهُوَ الْخَيِّرُ وَفَطْرُوسُ وَهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ {قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَقِيلَ أَخُوهُ يَثْرِبِي {فَوَجَدَا عَبْداً} هُوَ الْخَضِرُ وَاسْمُهُ بَلْيَا {لَقِيَا غُلاماً} اسْمُهُ جَيْسُورُ بِالْجِيمِ وَقِيلَ بِالْحَاءِ {وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} هُوَ هُدَدُ بْنُ بُدَدَ {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ} اسْمُ الْأَبِ كَازِيرَا وَالْأُمُّ سَهْوَى {لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ} هُمَا أَصْرَمُ وَصَرِيمٌ

{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} قِيلَ عِيسَى وَقِيلَ جِبْرِيلُ {وَيَقُولُ الأِنْسَانُ} هُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَقِيلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَقِيلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ ب} هو العاصي بن وائل {وَقَتَلْتَ نَفْساً} هُوَ الْقِبْطِيُّ وَاسْمُهُ فَاقُونُ {السَّامِرِيُّ} اسْمُهُ مُوسَى بْنُ ظُفَرَ {مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} هُوَ جِبْرِيلُ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ} هُوَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ {هَذَانِ خَصْمَانِ} أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي حَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بن أنيس {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ} هم حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيٍّ وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ} هُوَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ

{لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً} هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَقِيلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ {وَكَانَ الْكَافِرُ} قَالَ الشَّعْبِيُّ هُوَ أَبُو جَهْلٍ {امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} هِيَ بِلْقِيسُ بِنْتُ شَرَاحِيلَ {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ} اسْمُ الْجَائِي مُنْذِرٌ {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} اسْمُهُ كَوْزَنُ {الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ} هُوَ آصَفُ بْنُ بَرَخْيَا كَاتِبُهُ وَقِيلَ: رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو النُّورِ وَقِيلَ أَسْطُومُ وَقِيلَ مَلِيخَا وَقِيلَ بَلَّخَ وَقِيلَ هُوَ ضَبَّةُ أَبُو الْقَبِيلَةِ وَقِيلَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ مَلِكٌ آخَرُ وَقِيلَ الْخَضِرُ {تِسْعَةُ رَهْطٍ} هُمْ رُعْمَى وَرُعَيْمٌ وَهَرْمَى وَهُرَيْمٌ وَدَابُ وَصَوَابُ وَرَآبُ وَمِسْطَعٌ وَقِدَارُ بْنُ سَالِفٍ عَاقِرُ النَّاقَةِ {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} اسم الملتقط طابوث {امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ {أُمِّ مُوسَى} يُحَانِذُ بِنْتُ يَصْهَرَ بْنِ لَاوِي وقيل ياء وخا وقيل أباذخت {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ} اسْمُهَا مَرْيَمُ وَقِيلَ كُلْثُومُ {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} هُوَ السَّامِرِيُّ {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} اسْمُهُ فَاتُونُ

{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} يسعى هُوَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَاسْمُهُ شَمْعَانُ وَقِيلَ شَمْعُونَ وَقِيلَ جَبْرٌ وَقِيلَ حَبِيبٌ وَقِيلَ حِزْقِيلُ {امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} هُمَا لِيَّا وَصَفُورِيَّا وَهِيَ الَّتِي نَكَحَهَا وَأَبَوْهُمَا شُعَيْبٌ وَقِيلَ: يِثْرُونَ ابْنُ أَخِي شُعَيْبٍ {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ} لابنه اسْمُهُ بَارَانُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ دَارَانِ وَقِيلَ أَنْعَمَ وقيل مشكم {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً} نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْوَلِيدِ بن عقبة {مَلَكُ الْمَوْتِ} اشتهر على الألسنة أَنَّ اسْمَهُ عِزْرَائِيلُ وَرَوَاهُ أَبُو الشيخ بن حبان عن وهب {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} قَالَ السُّدِّيُّ: هُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَبُو عَرَابَةَ بْنُ أَوْسٍ وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ {قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} قال عكرمة: كانت تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَسَوْدَةُ وَأُمُّ سَلَمَةُ وَصَفِيَّةُ وَمَيْمُونَةُ وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَجُوَيْرِيَةُ وَبَنَاتُهُ فَاطِمَةُ وَزَيْنَبُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ {أَهْلَ الْبَيْتِ} قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ

{لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} هو زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ {وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ آدَمُ {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} هُمَا شَمْعُونُ وَيُوحَنَّا وَالثَّالِثُ بُولَسُ وَقِيلَ هُمْ صَادِقٌ وَصَدُوقٌ وَشَلُومُ {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ} هُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ {أَوَلَمْ يَرَ الأِنْسَانُ} هُوَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ وَقِيلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَقِيلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ} هُوَ إِسْمَاعِيلُ أَوْ إِسْحَاقُ قَوْلَانِ شَهِيرَانِ {نَبَأُ الْخَصْمِ} هُمَا مَلِكَانِ قِيلَ إِنَّهُمَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ {جَسَداً} هُوَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ أُسَيْدٌ وَقِيلَ صَخْرٌ وَقِيلَ حَبْقِيقُ {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} قَالَ نَوْفٌ: الشَّيْطَانُ الَّذِي مَسَّهُ يُقَالُ لَهُ مِسْعَطٌ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} مُحَمَّدٌ وَقِيلَ جِبْرِيلُ {وَصَدَّقَ بِهِ} مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ أَبُو بكر {لَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا} إِبْلِيسُ وَقَابِيلُ

{رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} عَنَوُا الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ مِنْ مَكَّةَ وَمَسْعُودَ بن عمرو الثَّقَفِيَّ وَقِيلَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الطَّائِفِ {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً} الضَّارِبُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى {طَعَامُ الأَثِيمِ} قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ أَبُو جَهْلٍ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ {أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} أَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهُمْ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم {يُنَادِ الْمُنَادِ} هُوَ إِسْرَافِيلُ {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} قَالَ عُثْمَانُ بْنُ مِحْصَنٍ كَانُوا أَرْبَعَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَرَفَائِيلُ {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} قَالَ الْكِرْمَانِيُّ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ إِسْحَاقُ إِلَّا مُجَاهِدًا فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ إِسْمَاعِيلُ {شَدِيدُ الْقُوَى} جبريل {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} هو العاصي بْنُ وَائِلٍ وَقِيلَ الْوَلِيدُ بْنُ المغيرة {يَدْعُ الدَّاعِ} هُوَ إِسْرَافِيلُ

{قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ {فِي زَوْجِهَا} هُوَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} هي سريته مارية {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} هي حفصة {نَبَّأَتْ بِهِ} أخبرت عائشة {إِنْ تَتُوبَا} {وَإِنْ تَظَاهَرَا} هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} هُمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأوسط {امْرَأَتَ نُوحٍ} والعة {وَامْرَأَتَ لُوطٍ} وَالِهَةُ وَقِيلَ وَاعِلَةُ {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ} نَزَلَتْ فِي الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَقِيلَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ وَقِيلَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ {سَأَلَ سَائِلٌ} هُوَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} اسْمُ أَبِيهِ لَمَّكُ بْنُ مَتُّوشَلْخَ وَاسْمُ أُمِّهِ شَمْخَا بِنْتُ أَنْوَشَ {سَفِيهُنَا} هُوَ إِبْلِيسُ {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} الْآيَاتُ نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ {هَلْ أَتَى عَلَى الأِنْسَانِ} هُوَ آدَمُ

{وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} قِيلَ هُوَ إِبْلِيسُ {أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَقِيلَ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} قِيلَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَأَمَّا الأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ} الْآيَاتُ نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ {وَوَالِدٍ} هُوَ آدَمُ {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ} هو صالح {الأَشْقَى} هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ {الأَتْقَى} هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ {الَّذِي يَنْهَى عَبْداً} هُوَ أَبُو جَهْلٍ وَالْعَبْدُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم {إِنَّ شَانِئَكَ} هو العاصي بْنُ وَائِلٍ وَقِيلَ أَبُو جَهْلٍ وَقِيلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَقِيلَ أَبُو لَهَبٍ وَقِيلَ كَعْبُ بن الأشرف {امْرَأَتَهُ} امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ أُمُّ جَمِيلٍ الْعَوْرَاءُ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: فِي مُبْهَمَاتِ الْجُمُوعِ الَّذِينَ عُرِفَتْ أَسْمَاءُ بَعْضِهِمْ: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} سُمِّيَ مِنْهُمْ رَافِعُ بْنُ حَرْمَلَةَ {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} سُمِّيَ مِنْهُمْ رَفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ وَقَرْدَمُ بْنُ عمر وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَرَافِعُ بْنُ حَرْمَلَةَ وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو وَالرَّبِيعُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا} الْآيَةَ سُمِّيَ مِنْهُمْ رَافِعٌ وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} سُمِّيَ مِنْهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنْمٍ {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} سُمِّيَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجُمُوحِ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} سُمِّيَ مِنْهُمْ عُمَرُ وَمُعَاذٌ وَحَمْزَةُ {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} سُمِّيَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} سُمِّيَ مِنْهُمْ ثَابِتُ بْنُ الدَّحْدَاحِ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مُصَغَّرٌ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} سُمِّيَ مِنْهُمُ النُّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَارِثُ بْنُ زيد

{الْحَوَارِيُّونَ} سُمِّيَ مِنْهُمْ فَطَرْسُ وَيَعْقُوبَسُ وَيُحَنَّسُ وَأَنْدِرَايِسَ وَفِيلَسُ وَدَرْنَايُوطَا وَسَرْجِسُ وَهُوَ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} هُمُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الْيَهُودِ سُمِّيَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصيف وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} قَالَ عِكْرِمَةُ نَزَلَتْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ وَالْحَارِثُ بْنُ سُوِيدِ بْنِ الصامت ووحوح ابن الأسلت زاد ابْنُ عَسْكَرٍ وَطُعَيْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} سُمِّيَ مِنَ الْقَائِلِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} سُمِّيَ مِنَ الْقَائِلِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَمُعَتَّبُ بْنُ قُشَيْرٍ {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا} الْقَائِلُ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ وَالْمَقُولُ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ} هُمْ سَبْعُونَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَطَلْحَةُ وَابْنُ عَوْفٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} سُمِّيَ مِنَ الْقَائِلِينَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ

{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} قَالَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ وَقِيلَ حُيَيُّ بْنُ أَخَطَبَ وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَقِيلَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَوْلَادُ آدَمَ لِصُلْبِهِ أَرْبَعُونَ فِي عِشْرِينَ بَطْنًا كُلُّ بَطْنٍ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَسُمِّيَ مِنْ بَنِيهِ قَابِيلُ وَهَابِيلُ وَإِيَادٌ وَشَبُونَةُ وَهِنْدٌ وَصَرَابِيسُ وَمُخَوَّرُ وَسَنَدٌ وَبَارِقٌ وَشِيثٌ وَعَبْدُ الْمُغِيثِ وَعَبْدُ الْحَارِثِ وَوَدٌّ وَسُوَاعٌ وَيَغُوثُ وَيَعُوقُ وَنَسْرٌ وَمِنْ بَنَاتِهِ أَقْلِيمَةُ وَأَشُوفُ وَجَزُوزَةُ وَعَزُورَا وَأَمَةُ الْمُغِيثِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ} قَالَ عِكْرَمَةُ نَزَلَتْ فِي رَفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ وَكَرْدَمِ بن زيد وَأُسَامَةَ بْنِ حَبِيبٍ وَرَافِعِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ وَبَحْرِيِّ بْنِ عَمْرٍو وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} أَنَّهُمْ آمَنُوا نَزَلَتْ فِي الْجُلَّاسِ بْنِ الصَّامِتِ وَمُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَرَافِعِ بْنِ زَيْدٍ وَبِشْرٍ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} سُمِّيَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي هِلَالِ

بْنِ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيِّ وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيِّ وفي بني خزيمة بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ {سَتَجِدُونَ} آخَرِينَ قَالَ السُّدِّيُّ نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} سَمَّى عِكْرِمَةُ مِنْهُمْ عَلِيَّ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَالْحَارِثَ بْنَ زَمْعَةَ وَأَبَا قَيْسِ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبَا الْعَاصِي بْنَ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَأَبَا قَيْسِ بْنَ الْفَاكِهِ {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} سُمِّيَ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُمُّهُ أُمُّ الْفَضْلِ لبانة بِنْتُ الْحَارِثِ وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ {الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} بَنُو أُبَيْرِقٍ بِشْرٌ وَبَشِيرٌ وَمُبَشِّرٌ {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} وهُمْ أُسَيْدُ بْنُ عُرْوَةَ وَأَصْحَابُهُ {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} سُمِّيَ مِنَ الْمُسْتَفْتِينَ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ} سَمَّى مِنْهُمْ ابْنُ عَسْكَرٍ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَفِنْحَاصًا {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ

{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} سُمِّيَ مِنْهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} سُمِّيَ مِنْهُمْ الْحَطْمُ بْنُ هِنْدٍ الْبَكْرِيُّ {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} سُمِّيَ مِنْهُمْ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَزَيْدُ بْنُ الْمُهَلْهَلِ الطَّائِيَّانِ وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ وَعُوَيْمِرُ بْنُ سَاعِدَةَ {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا} سُمِّيَ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً} الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ وَقِيلَ ثَلَاثُونَ وَقِيلَ سَبْعُونَ وَسُمِّيَ مِنْهُمْ إِدْرِيسُ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْأَشْرَفُ وَتَمِيمٌ وَتَمَّامٌ وَدُرَيْدٌ {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} سُمِّيَ مِنْهُمْ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ والنضر ابن الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ وَأُبَيُّ بْنُ خلف والعاصي بْنُ وَائِلٍ {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} سُمِّيَ مِنْهُمْ صُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَعَمَّارٌ وَخَبَّابٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} سُمِّيَ مِنْهُمْ فِنْحَاصٌ وَمَالِكُ بْنُ الضيف {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} سُمِّيَ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَالْوَلِيدُ بن المغير

{يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} سمي منهم حمل بْنُ قُشَيْرٍ وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} سُمِّيَ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍّ {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} سُمِّيَ مِنْهُمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَمِنَ الَّذِينَ لَمْ يَكْرَهُوا الْمِقْدَادُ {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} سُمِّيَ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} هُمْ أَهْلَ دَارِ النَّدْوَةِ سُمِّيَ مِنْهُمْ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَأَبُو سُفْيَانُ وَأَبُو جَهْلٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مَطْعِمٍ وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} الْآيَةَ سُمِّيَ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} سُمِّيَ مِنْهُمْ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ والعاصي ابن مُنَبِّهٍ {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى} كَانُوا سَبْعِينَ مِنْهُمْ الْعَبَّاسُ وَعَقِيلٌ وَنَوْفَلُ بْنُ الحارث وسهيل بْنُ بَيْضَاءَ

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} سُمِّيَ مِنْهُمْ سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى وَمُحَمَّدُ بْنُ دَحْيَةَ وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} سمي مِنْ الْمُطَّوِّعِينَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} أَبُو عَقِيلٍ وَرِفَاعَةُ بْنُ سَعْدٍ {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ} سُمِّيَ مِنْهُمُ الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ وعمرو الْمُزَنِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَزْرَقِ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} سُمِّيَ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ} نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا} هُمْ طَالُوتُ وَأَصْحَابُهُ {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا} سَمَّى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ قَائِلِي ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أمية {وَذُرِّيَّتَهُ} سمي من أولاد إبليس شبر والأعور وزلنبور ومسوط واسم {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} سُمِّيَ مِنْهُمُ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} هم الْمُؤْذَوْنَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ مِنْهُمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} سُمِّيَ مِنْهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} سُمِّيَ مِنْهُمُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} سُمِّيَ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ {قَالُوا الْحَقَّ} أَوَّلُ مَنْ يَقُولُ جِبْرِيلُ فَيَتْبَعُونَهُ {وَانْطَلَقَ الْمَلأُ} سُمِّيَ مِنْهُمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَبُو جهل والعاصي بْنُ وَائِلٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَغُوثَ {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً} سُمِّيَ مِنَ الْقَائِلِينَ أَبُو جَهْلٍ وَمِنَ الرِّجَالِ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ {نَفَراً مِنَ الْجِنِّ} سُمِّيَ مِنْهُمْ زَوْبَعَةُ وَحَسَّى وَمَسَّى وَشَاصِرُ وَمَاصِرُ والأرد وَإِنْيَانُ وَالْأَحْقَمُ وَسُرَّقُ {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} سُمِّيَ مِنْهُمُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً} قَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُفَيْلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} نَزَلَتْ فِي قُتَيْلَةَ أُمِّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} سُمِّيَ مِنْهُمْ: أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمَيْمَةُ بِنْتُ بِشْرٍ {يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا} {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا} سمي منهم عبد الله بْنُ أُبَيٍّ {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} الْآيَةَ سُمِّيَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِسْرَافِيلُ وَلُبْنَانُ وَرُوفِيلُ {أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} ذُو نُوَاسٍ وَزُرْعَةُ بْنُ أَسَدٍ الْحِمْيَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ بأصحاب الْفِيلِ هُمُ الْحَبَشَةُ قَائِدُهُمْ أَبَرْهَةُ الْأَشْرَمُ وَدَلِيلُهُمْ أَبُو رِغَالٍ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ المغيرة والعاصي بن وائل والأسود ابن الْمُطَّلِبِ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ {النَّفَّاثَاتِ} بَنَاتُ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ وَأَمَّا مُبْهَمَاتُ الْأَقْوَامِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي تَأْلِيفِنَا الْمُشَارِ إِلَيْهِ.

النوع الحادي والسبعون: في أسماء من نزل فيهم القرآن

النَّوْعُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: فِي أَسْمَاءِ مَنْ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ رَأَيْتُ فِيهِمْ تَأْلِيفًا مُفْرَدًا لِبَعْضِ الْقُدَمَاءِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ وَكِتَابُ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالْمُبْهَمَاتِ يُغْنِيَانِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ الطَّحَّانِ أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنْبَأَنَا قَيْسٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ مَا فِي قريش أحد إلا ونزلت فيه آية قيل له ما نزلت فِيكَ؟ قَالَ: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} ؛ {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} وَآيَةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَآيَةُ الْمِيرَاثِ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ نَزَلَتْ {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} فِي عَشْرَةٍ أَنَا أَحَدُهُمْ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي جُمْعَةَ جُنَيْدِ بن سبع- وقيل: حبيب بْنِ سِبَاعٍ- قَالَ فِينَا نَزَلَتْ {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} وَكُنَّا تِسْعَةَ نَفَرٍ سَبْعَةَ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ.

النوع الثاني والسبعون: في فضائل القرآن

النَّوْعُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَابْنُ الضُّرَيْسِ وَآخَرُونَ وَقَدْ صَحَّ فِيهِ أَحَادِيثُ بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ وَفِي بَعْضِ السُّوَرِ عَلَى التَّعْيِينِ وَوُضِعَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَلِذَلِكَ صَنَّفْتُ كِتَابًا سَمَّيْتُهُ "خَمَائِلُ الزُّهَرِ فِي فَضَائِلِ السُّوَرِ" حَرَّرْتُ فِيهِ مَا لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ وَأَنَا أُورِدُ فِي هَذَا النَّوْعِ فَصْلَيْنِ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِيمَا وَرَدَ فِي فَضْلِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ" قُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قبلكم وخبر ما بعدكم هو الحبل المتين وهو الذكر الحكيم وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: "الْقُرْآنُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ من السموات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ"

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ فَيَقْرَأُ سُورَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلِكًا يَحْفَظُهُ فَلَا يَقْرَبُهُ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ حَتَّى يهب متى يهب". وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَقَدِ اسْتَدْرَجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوحَى إِلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ القرآن أن يجد مع من يجد وَلَا يَجْهَلَ مَعَ مَنْ يَجْهَلُ وَفِي جَوْفِهِ كَلَامُ اللَّهِ" وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يَكْثُرُ خَيْرُهُ وَالْبَيْتُ الَّذِي لَا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يَقِلُّ خَيْرُهُ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يَهُولُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَلَا يَنَالُهُمُ الْحِسَابُ هُمْ عَلَى كَثِيبٍ مِنْ مِسْكٍ حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ حِسَابِ الْخَلَائِقِ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَأَمَّ بِهِ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رضوان" الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "الْقُرْآنُ غِنًى لَا فَقْرَ بَعْدَهُ وَلَا غِنًى دُونَهُ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: "لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ ما أكلته النار" قال أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَادَ بِالْإِهَابِ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ وَجَوْفَهُ الَّذِي قَدْ وَعَى الْقُرْآنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْخِنْزِيرِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّارَ لَا تُبْطِلُهُ وَلَا تَقْلَعُهُ مِنَ الْأَسْمَاعِ الَّتِي وَعَتْهُ وَالْأَفْهَامِ الَّتِي حَصَّلَتْهُ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ "أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ" أَيْ لَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَقْلَعُهُ مِنْ أَوْعِيَتِهِ الطَّيِّبَةِ وَمَوَاضِعِهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ غَسَلَهُ الْمَاءُ فِي الظَّاهِرِ لَا يَغْسِلُهُ بِالْقَلْعِ مِنَ الْقُلُوبِ.

وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ: "لَوْ جُمِعَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ مَا أَحْرَقَتْهُ النَّارُ" وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: "لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يُحِلُّ حَلَالُهُ وَيُحَرِّمُ حَرَامَهُ حَرَّمَ اللَّهُ لَحْمَهُ وَدَمَهُ عَلَى النَّارِ وَجَعَلَهُ رفيق السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَانَ الْقُرْآنُ حُجَّةً لَهُ" وَأَخْرَجَ أَبُو عبيد عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "الْقُرْآنُ شَافِعٌ مشفع وماجد مُصَدَّقٌ مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ "حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ". وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: "أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ" وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يجد فيه ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ"؟ قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ: "فثلاث آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صلاته خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عظام سِمَانٍ" وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "خَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ: "مَنْ قُرَأَ الْقُرْآنَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَ مَعَ الصِّدِّيقَيْنِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا"

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يُعَلِّمُ وَلَدَهُ الْقُرْآنَ إِلَّا تُوِّجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِتَاجٍ فِي الْجَنَّةِ" وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَكْمَلَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ وَالِدُهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا! وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَاسْتَظْهَرَهُ فَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدْ وَجَبَتْ لَهُمُ النَّارُ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: "مَنْ تَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ اسْتَقْبَلَتْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ." وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام والبررة وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: "مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ إِنْ شَاءَ عَجَّلَهَا فِي الدنيا وإن شاء ادخرها فِي الْآخِرَةِ". وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا". وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ: "خَيْرُكُمْ- وَفِي لَفْظٍ: إِنَّ أَفْضَلَكُمْ-

مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَمَّهُ"- زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ: "وَفَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ". وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ". وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: "لِأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "مَنْ تَعَلَّمَ كِتَابَ اللَّهِ ثُمَّ اتَّبَعَ مَا فِيهِ هَدَاهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَوَقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سُوءَ الْحِسَابِ". وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا". وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: "حَمَلَةُ الْقُرْآنِ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ" وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "يَجِيءُ صَاحِبُ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ الْقُرْآنُ يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيَلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَيَرْضَى عَنْهُ ويقال له اقره وَارْقَهْ وَيُزَادُ لَهُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةٌ". وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ" وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: "إِنَّكُمْ لَا تَرْجِعُونَ إِلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ"- يَعْنِي الْقُرْآنَ.

الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ سُوَرٍ بِعَيْنِهَا مَا وَرَدَ فِي الْفَاتِحَةِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ: "أَخْيَرُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "أَفْضَلُ الْقُرْآنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بْنِ الْمُعَلَّى: "أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "فَاتِحَةُ الْكِتَابِ تَعْدِلُ ثُلْثَيِ الْقُرْآنِ". مَا وَرَدَ فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَخْرُجْ مِنَ الْبَيْتِ إِذَا سَمِعَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ فِيهِ". وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقَدَّمُهُمْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ" وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَابَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عَنْ صَاحِبِهِمَا" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: "تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلَ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ تُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَابَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ". وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا وَسَنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ نَهَارًا لَمْ يَدْخُلْهُ الشَّيْطَانُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلًا لَمْ يَدْخُلْهُ الشَّيْطَانُ ثَلَاثَ لَيَالٍ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ الصَّلْصَالِ: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُوِّجَ بِتَاجٍ فِي الْجَنَّةِ". وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَوْقُوفًا: "مَنْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ مُرْسَلِ مَكْحُولٍ: "مَنْ قَرَأَ سورة البقرة وسورة آلِ عِمْرَانَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى اللَّيْلِ".

فَصْلٌ: مَا وَرَدَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "أَعْظَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ". وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ". وَأَخْرَجَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: "أَفْضَلُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَأَعْظَمُ آيَةٍ فِيهَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ". وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ". وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "آيَةُ الْكُرْسِيِّ رُبْعُ الْقُرْآنِ" مَا وَرَدَ فِي خَوَاتِيمَ الْبَقَرَةِ. أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ: "مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قبل أن يخلق السموات وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَأَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ ولا يقرءان فِي دَارٍ فَيَقْرَبَهَا شَيْطَانٌ ثَلَاثَ لَيَالٍ". مَا وَرَدَ فِي آخِرِ آلِ عِمْرَانَ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَنْ "قَرَأَ آخَرَ آلِ عِمْرَانَ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ".

مَا وَرَدَ فِي الْأَنْعَامِ أَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَوْقُوفًا: "الْأَنْعَامُ مِنْ نَوَاجِبِ الْقُرْآنِ". مَا وَرَدَ فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: "مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الطوال فهو خير". مَا وَرَدَ فِي هُودٍ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ وَاهٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: "لَا يَحْفَظُ مُنَافِقٌ سُوَرًا بَرَاءَةُ وَهُودٌ وَيَسِ وَالدُّخَانِ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ". مَا وَرَدَ فِي آخِرِ الْإِسْرَاءِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ: "آيَةُ الْعِزِّ" {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} إِلَى آخَرِ السُّورَةِ. مَا وَرَدَ فِي الْكَهْفِ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيَّنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ". وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ: "مَنْ قَرَأَ أَوَّلَ سُورَةِ الْكَهْفِ وَآخِرَهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ قَدَمِهِ إِلَى رَأْسِهِ وَمَنْ قَرَأَهَا كُلَّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ"

وأخرج البزار من حديث عمر: "مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} الْآيَةَ كَانَ لَهُ نُورٌ مِنْ عَدَنَ أبين إِلَى مَكَّةَ حَشْوُهُ الْمَلَائِكَةُ". مَا وَرَدَ فِي الم السَّجْدَةِ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ مُرْسَلِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ " تَجِيءُ الم السَّجْدَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا جَنَاحَانِ تُظِلُّ صاحبها فتقول لَا سَبِيلَ عَلَيْكَ لَا سَبِيلَ عَلَيْكَ". وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا: قَالَ "فِي تَنْزِيلِ السَّجْدَةِ وَتَبَارَكَ الْمُلْكِ فَضْلُ سِتِّينَ دَرَجَةً عَلَى غيرهما من سورة الْقُرْآنِ". مَا وَرَدَ فِي يس أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: "يس قَلْبُ الْقُرْآنِ لَا يَقْرَؤُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ اقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ". وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس وَمَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ". وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وجه الله غُفِرَ لَهُ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "مَنْ دَامَ عَلَى قِرَاءَةِ يس كُلَّ لَيْلَةٍ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ شَهِيدًا". مَا وَرَدَ فِي الْحَوَامِيمِ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ لُبَابًا وَلُبَابُ الْقُرْآنِ الْحَوَامِيمُ".

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: "الْحَوَامِيمُ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ". مَا وَرَدَ فِي الدُّخَانِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَانِ فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ". مَا وَرَدَ فِي الْمُفَصَّلِ أَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ لُبَابًا وَلُبَابُ الْقُرْآنِ الْمُفَصَّلُ" الرَّحْمَنِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: "لِكُلِّ شَيْءٍ عَرُوسٌ وَعَرُوسُ الْقُرْآنِ الرَّحْمَنُ". الْمُسَبِّحَاتُ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَيَقُولُ: "فِيهِنَّ آيَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ" قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا قَوْلُهُ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.} وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى رَجُلًا إذ أَتَى مَضْجَعَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةَ الْحَشْرِ وَقَالَ: "إِنْ مُتَّ مُتَّ شَهِيدًا". وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: "مَنْ قَرَأَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْحَشْرِ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ

حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: "مَنْ قَرَأَ خَوَاتِيمَ الْحَشْرِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَمَاتَ فِي يَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ". تَبَارَكَ أَخْرَجَ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "فِي الْقُرْآنِ سُورَةٌ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِي مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِهِ "وَدِدْتُ أَنَّهَا فِي قَلْبِ كَلِّ مُؤْمِنٍ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ.} وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "مَنْ قَرَأَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ كُلَّ لَيْلَةٍ مَنَعَهُ اللَّهُ بِهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ." الْأَعْلَى أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي تَمِيمٍ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي نَسِيتُ أَفْضَلَ الْمُسَبِّحَاتِ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: لَعَلَّهَا {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قَالَ نَعَمْ الْقَيِّمَةِ. أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ الْمُزَنِيِّ الصَّحَابِيُّ مَرْفُوعًا: "إِنَّ اللَّهَ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَيَقُولُ: أَبْشِرْ عَبْدِي فَوَعِزَّتِي لَأُمْكِنَنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى تَرْضَى:

الزَّلْزَلَةُ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "مَنْ قَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتِ عَدَلَتْ لَهُ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ". الْعَادِيَاتِ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ: "إِذَا زُلْزِلَتِ تُعْدَلُ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ وَالْعَادِيَاتِ تُعْدَلُ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ". أَلْهَاكُمْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "أَلَا يَسْتَطِيعَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ أَلْفَ آيَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ؟ "قَالُوا: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْرَأَ أَلْفَ آيَةٍ! قَالَ: "أَمَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ! ". الْكَافِرُونَ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ رُبْعُ الْقُرْآنِ". وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ تَعْدِلُ بِرُبْعِ الْقُرْآنِ". وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: "اقْرَأْ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ". وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ؟ تَقْرَءُونَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ عِنْدَ مَنَامِكُمْ". النَّصْرِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ رُبْعُ الْقُرْآنِ.

الْإِخْلَاصِ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصِّحَابَةِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَمَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ لَمْ يُفْتَنْ فِي قَبْرِهِ وَأَمِنَ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَحَمْلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَكُفِّهَا حَتَّى تُجِيزَهُ الصِّرَاطَ إِلَى الْجَنَّةِ". وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ مَرَّةٍ مُحِيَ عَنْهُ ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَامَ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَهُ الرَّبُّ يَا عَبْدِي ادخل عن يَمِينِكَ الْجَنَّةَ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الدَّيْلِمِيِّ: "مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَةَ مرة فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ". وَأَخْرَجَ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْ قَرَأَهَا عِشْرِينَ مَرَّةً بُنِيَ لَهُ قَصْرَانِ وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثِينَ مَرَّةً بُنِيَ لَهُ ثَلَاثَةٌ". وَأَخْرَجَ فِي الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِهِ: "مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ إِذَا اتَّقَى". الْمُعَوِّذَتَانِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "أَلَا أُعَلِّمُكَ سُوَرًا مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ

مِثْلُهَا؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ". وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلَ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟ قَالَ بَلَى قَالَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق وقل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ". وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن خبيب قال: قال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ". وَأَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: "مَنْ قَرَأَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنَ السُّوءِ إِلَى الْجُمْعَةِ الْأُخْرَى". وَبَقِيَتْ أَحَادِيثُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ أَخَّرْتُهَا إِلَى نَوْعِ الْخَوَاصِّ. تنبيه أَمَّا الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كَمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمَدْخَلِ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي عِصْمَةَ الْجَامِعِ: مِنْ أَيْنَ لَكَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً وَلَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِ عِكْرِمَةَ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ وَاشْتَغَلُوا بِفِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ فَوَضَعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ حِسْبَةً وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي مُقَدِّمَةِ تَارِيخِ الضُّعَفَاءِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: قُلْتُ لِمَيْسَرَةَ

ابن عَبْدِ رَبِّهِ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ قَرَأَ كَذَا؟ فَلَهُ كَذَا قَالَ: وَضَعْتُهَا أُرَغِّبُ النَّاسَ فِيهَا وَرُوِّينَا عَنِ الْمُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً فَقَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِالْمَدَائِنِ وَهُوَ حَيٌّ فَصِرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِوَاسِطَ وَهُوَ حَيٌّ فَصِرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِالْبَصْرَةِ فَصِرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِعَبَادَانِ فَصِرْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا فَإِذَا فيه قوم مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَمَعَهُمْ شَيْخٌ فَقَالَ هَذَا الشَّيْخُ حَدَّثَنِي فَقُلْتُ: يَا شَيْخُ مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: لَمْ يُحَدِّثْنِي أَحَدٌ وَلَكِنَّنَا رَأَيْنَا النَّاسَ قَدْ رَغِبُوا عَنِ الْقُرْآنِ فَوَضَعْنَا لَهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ لِيَصْرِفُوا قُلُوبَهُمْ إِلَى الْقُرْآنِ قَالَ ابْنُ: الصَّلَاحِ وَلَقَدْ أَخْطَأَ الْوَاحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ وَمَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي إِيدَاعِهِ تَفَاسِيرَهُمْ.

النوع الثالث والسبعون: في أفضل القرآن وفاضله

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: فِي أَفْضَلِ القرآن وفاضله اخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ شَيْءٍ؟ فَذَهَبَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ إِلَى الْمَنْعِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقَصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ وَرَوَى هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى تَفْضِيلُ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ خَطَأٌ وَلِذَلِكَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تُعَادَ سُورَةٌ أَوْ تُرَدَّدَ دُونَ غَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْطِي لِقَارِئِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الثَّوَابِ مثل ما يعطي القارئ أُمِّ الْقُرْآنِ إِذِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفَضْلِهِ فَضَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ وَأَعْطَاهَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى غَيْرَهَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِهِ قَالَ: وَقَوْلُهُ: "أَعْظَمُ سُورَةٍ" أَرَادَ بِهِ الْأَجْرِ لَا أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى التَّفْضِيلِ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ مِنْهُمْ: إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْغَزَالِيُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنه الحق وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي جَوَاهِرِ الْقُرْآنِ لَعَلَّكَ أَنْ تَقُولَ: قَدْ أَشَرْتَ إِلَى تَفْضِيلِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ وَالْكَلَامُ كَلَامُ اللَّهِ فَكَيْفَ يُفَارِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا؟ وَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُهَا أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ فَاعْلَمْ أَنَّ نُورَ الْبَصِيرَةِ إِنْ كَانَ لَا يُرْشِدُكَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَاتِ وَبَيْنَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَسُورَةِ تَبَّتْ،

وَتَرْتَاعُ عَلَى اعْتِقَادِ الْفَرْقِ نَفْسُكَ الْخَوَّارَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ بِالتَّقْلِيدِ فَقَلِّدْ صَاحِبَ الرِّسَالَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَقَالَ: يس قلب القرآن وفاتحة الكتاب أفضل سور القرآن وآية الكرسي سيده آي القرآن وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَتَخْصِيصِ بَعْضِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ بِالْفَضْلِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ فِي تِلَاوَتِهَا لَا تُحْصَى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: الْعَجَبُ مِمَّنْ يَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ مَعَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِالتَّفْضِيلِ! وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: كَلَامُ اللَّهِ فِي اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ كَلَامِهِ في غيره فقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: كَلَامُ اللَّهِ أَبْلَغُ مِنْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بَعْضُ كَلَامِهِ أَبْلَغُ مِنْ بَعْضِ الْكَلَامِ جَوَّزَهُ قَوْمٌ لِقُصُورِ نَظَرِهِمْ وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ هَذَا الْكَلَامُ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ لَهُ حُسْنٌ وَلُطْفٌ وَذَاكَ فِي مَوْضِعِهِ لَهُ حُسْنٌ وَلُطْفٌ وَهَذَا الْحُسْنُ فِي مَوْضِعِهِ أَكْمَلُ مِنْ ذَاكَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَبْلَغُ مِنْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} يجعل الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ أَبِي لَهَبٍ وَبَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالدُّعَاءِ عَلَى الْكَافِرِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْخُسْرَانِ فَهَلْ تُوجَدُ عِبَارَةٌ لِلدُّعَاءِ بِالْخُسْرَانِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ وَكَذَلِكَ فِي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لَا تُوجَدُ عِبَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ أَبْلَغُ مِنْهَا فَالْعَالِمُ إِذَا نَظَرَ إِلَى تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ فِي بَابِ الدُّعَاءِ بِالْخُسْرَانِ وَنَظَرَ إِلَى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: أَحَدُهُمَا أَبْلَغُ مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى.

وَقَالَ غَيْرُهُ: اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْضِيلِ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَضْلُ رَاجِعٌ إِلَى عِظَمِ الْأَجْرِ وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ بِحَسْبِ انْفِعَالَاتِ النَّفْسِ وَخَشْيَتِهَا وَتَدَبُّرِهَا وَتَفَكُّرِهَا عِنْدَ وُرُودِ أَوْصَافِ الْعُلَا وَقِيلَ: بَلْ يُرْجَعُ لِذَاتِ اللَّفْظِ وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} الْآيَةَ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَآخَرُ سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ مِنَ الدَّلَالَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ لَيْسَ مَوْجُودًا مَثَلًا فِي تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ وَكَثْرَتِهَا وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَى التَّفْضِيلِ يَرْجِعُ إِلَى أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِآيَةٍ أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِأُخْرَى وَأَعْوَدُ عَلَى النَّاسِ وَعَلَى هَذَا يقال آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خبر مِنْ آيَاتِ الْقَصَصِ لِأَنَّهَا إِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا تَأْكِيدُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِنْذَارِ وَالتَّبْشِيرِ وَلَا غِنَى بِالنَّاسِ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَقَدْ يَسْتَغْنُونَ عَنِ الْقَصَصِ فَكَانَ مَا هُوَ أَعْوَدُ عَلَيْهِمْ وَأَنْفَعُ لَهُمْ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْأُصُولِ خَيْرًا لَهُمْ مما يجعل تَبَعًا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ الْآيَاتُ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى تَعْدِيدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَانِ صِفَاتِهِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى عَظَمَتِهِ أَفْضَلُ بِمَعْنَى أَنَّ مُخْبِرَاتِهَا أَسْنَى وَأَجَلُّ قَدْرًا. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ سُورَةٌ خَيْرٌ مِنْ سُورَةٍ أَوْ آيَةٌ خَيْرٌ مِنْ آيَةٍ بِمَعْنَى أَنَّ الْقَارِئَ يَتَعَجَّلُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا فَائِدَةً سِوَى الثَّوَابِ الْآجِلِ وَيَتَأَدَّى مِنْهُ بِتِلَاوَتِهَا عِبَادَةٌ كَقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَإِنَّ قَارِئَهَا يَتَعَجَّلُ بِقِرَاءَتِهَا الِاحْتِرَازَ مِمَّا يَخْشَى وَالِاعْتِصَامَ بِاللَّهِ وَيَتَأَدَّى بِتِلَاوَتِهَا عِبَادَةُ اللَّهِ لِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالصِّفَاتِ الْعُلَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِقَادِ لَهَا وَسُكُونِ النفس إلى فضل ذلك بالذكر وَبَرَكَتِهِ فَأَمَّا آيَاتُ الْحُكْمِ فَلَا يَقَعُ بِنَفْسِ تِلَاوَتِهَا إِقَامَةُ حُكْمٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهَا عِلْمٌ

ثُمَّ لَوْ قِيلَ فِي الْجُمْلَةِ إِنَّ الْقُرْآنَ خَيْرٌ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ بِمَعْنَى أَنَّ التَّعَبُّدَ بالتلاوة والعمل وَاقِعٌ بِهِ دُونَهَا وَالثَّوَابَ بِحَسَبِ قِرَاءَتِهِ لَا بِقِرَاءَتِهَا أَوْ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْإِعْجَازُ حُجَّةُ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ وَتِلْكَ الْكُتُبُ لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَةً وَلَا كَانَتْ حُجَجُ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ بَلْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمْ وَالْحُجَجُ غيرها لكان ذَلِكَ أَيْضًا نَظِيرَ مَا مَضَى وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ سُورَةً أَفْضَلُ مِنْ سُورَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ قِرَاءَتَهَا كَقِرَاءَةِ أَضْعَافِهَا مِمَّا سِوَاهَا وَأَوْجَبَ بِهَا مِنَ الثَّوَابِ مَا لَمْ يُوجِبْ بِغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ بَلَغَ بِهَا هَذَا الْمِقْدَارَ لَا يَظْهَرُ لَنَا كَمَا يُقَالُ: إِنَّ يَوْمًا أَفْضَلُ مِنْ يَوْمٍ وَشَهْرًا أَفْضَلُ مِنْ شَهْرٍ بِمَعْنَى الْعِبَادَةُ فِيهِ تَفْضُلُ عَلَى الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِهِ وَالذَّنْبُ فِيهِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَكَمَا يُقَالُ إِنَّ الْحَرَمَ أَفْضَلُ مِنَ الْحِلِّ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى فِيهِ مِنَ الْمَنَاسِكِ مَا لَا يَتَأَدَّى فِي غَيْرِهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ تَكُونُ كَصَلَاةٍ مُضَاعَفَةٍ مِمَّا تُقَامُ فِي غيره: انْتَهَى كَلَامُ الْحَلِيمِيِّ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: "لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ" مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَهَا أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا كَانَتْ أَعْظَمَ السُّوَرِ لِأَنَّهَا جَمَعَتْ جَمِيعَ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ اللَّهَ أَوْدَعَ عُلُومَ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْقُرْآنِ الْفَاتِحَةَ فَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَهَا كَانَ كَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَبَيَانُ اشْتِمَالِهَا عَلَى عُلُومِ الْقُرْآنِ قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِاشْتِمَالِهَا: عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَعَلَى التَّعَبُّدِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَعَلَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ لَا تَخْلُو عَنْ أَحَدٍ هَذِهِ الْأُمُورِ

وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ تَقْرِيرُ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ الْإِلَهِيَّاتِ وَالْمَعَادِ وَالنُّبُوَّاتِ وَإِثْبَاتِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَوْلُهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يَدُلُّ عَلَى الْإِلَهِيَّاتِ وَقَوْلُهُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يَدُلُّ عَلَى الْمَعَادِ وَقَوْلُهُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يدل على نفي الجبر وَعَلَى إِثْبَاتِ أَنَّ الْكُلَّ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَقَوْلُهُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ قَضَاءِ اللَّهِ وَعَلَى النُّبُوَّاتِ فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصِدُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْمَطَالِبَ الْأَرْبَعَةَ وَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْحِكَمِ النَّظَرِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي هِيَ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَالِاطِّلَاعُ عَلَى مَرَاتِبِ السُّعَدَاءِ وَمَنَازِلِ الْأَشْقِيَاءِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الدِّينِ: أحدها: علم الأصول ومعاقده معرفة اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَمَعْرِفَةُ النُّبُوَّةِ وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَمَعْرِفَةُ الْمَعَادِ وهو المومي إليه قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَثَانِيهَا: عِلْمُ الْفُرُوعِ وَأُسُّهُ الْعِبَادَاتُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وَثَالِثُهَا: عِلْمٌ ما يَحْصُلُ بِهِ الْكَمَالُ وَهُوَ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ وَأَجَلُّهُ الْوُصُولُ إِلَى الْحَضْرَةِ الصَّمَدَانِيَّةِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى جَنَابِ الْفَرْدَانِيَّةِ وَالسُّلُوكُ لِطَرِيقِهِ وَالِاسْتِقَامَةُ فِيهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وَرَابِعُهَا: عِلْمُ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ السُّعَدَاءِ

مِنْهُمْ وَالْأَشْقِيَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ وَعْدِ مُحْسِنِهِمْ وَوَعِيدِ مُسِيئِهِمْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: مَقَاصِدُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ ثَلَاثَةٌ مُهِمَّةٌ؛ وَثَلَاثَةٌ مُتِمَّةٌ الْأُولَى تَعْرِيفُ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ كَمَا أُشِيرُ إِلَيْهِ بِصَدْرِهَا وَتَعْرِيفُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا وَتَعْرِيفُ الْحَالِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ الْآخِرَةُ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَالْأُخْرَى تَعْرِيفُ أَحْوَالِ الْمُطِيعِينَ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَحِكَايَةُ أَقْوَالِ الْجَاحِدِينَ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَيْهَا بِ {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وَتَعْرِيفُ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} انْتَهَى وَلَا يُنَافِي هَذَا وَصْفُهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِكَوْنِهَا "ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ" لِأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَّهَهُ بأن دلالات القرآن الكريم إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْمُطَابَقَةِ أَوْ بِالتَّضَمُّنِ أَوْ بِالِالْتِزَامِ وَهَذِهِ السُّورَةُ تدل على جَمِيعَ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ بِالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ دُونَ الْمُطَابَقَةِ وَالِاثْنَانِ مِنَ الثَّلَاثَةِ ثُلُثَانِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهُ وَنَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْمَيْلَقِ قَالَ: وَأَيْضًا الْحُقُوقُ ثَلَاثَةٌ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ وَحَقُّ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ وَقَدِ اشْتَمَلَتِ الْفَاتِحَةُ صَرِيحًا عَلَى الْحَقَّيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَنَاسَبَ كَوْنَهَا بِصَرِيحِهَا ثُلُثَيْنِ "وَحَدِيثُ "قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ " شَاهِدٌ لِذَلِكَ قُلْتُ: وَلَا تَنَافِيَ أَيْضًا بَيْنَ كَوْنِ الْفَاتِحَةِ أَعْظَمَ السُّوَرِ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ الْبَقَرَةَ أَعْظَمُ السُّوَرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي فُصِّلَتْ فِيهَا الْأَحْكَامُ وَضُرِبَتِ الْأَمْثَالُ وَأُقِيمَتِ الْحُجَجُ إِذْ لَمْ تَشْتَمِلْ سُورَةٌ عَلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ فُسْطَاطَ الْقُرْآنِ

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَشْيَاخِي يَقُولُ فِيهَا أَلْفُ أَمْرٍ وَأَلْفُ نَهْيٍ وَأَلْفُ حُكْمٍ وَأَلْفُ خَبَرٍ وَلِعَظِيمِ فِقْهِهَا أَقَامَ ابْنُ عُمَرَ ثَمَانِيَ سِنِينَ عَلَى تَعْلِيمِهَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا إِنَّمَا صَارَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمَ الْآيَاتِ لِعَظَمِ مُقْتَضَاهَا فَإِنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ ذَاتِهِ وَمُقْتَضَاهُ وَتَعَلُّقَاتِهِ وَهِيَ فِي آيِ الْقُرْآنِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي سُوَرِهِ إِلَّا أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ تَفْضُلُهَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا سُورَةٌ وَهَذِهِ آيَةٌ وَالسُّورَةُ أَعْظَمُ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّحَدِّي بِهَا فَهِيَ أَفْضَلُ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي لَمْ يُتَحَدَّ بِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ اقْتَضَتِ التَّوْحِيدَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَآيَةُ الكرسي اقتضت فِي خَمْسِينَ حَرْفًا، فَظَهَرَتِ الْقُدْرَةُ فِي الْإِعْجَازِ بِوَضْعِ مَعْنًى مُعَبَّرٍ عَنْهُ بِخَمْسِينَ حَرْفًا، ثُمَّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَذَلِكَ بَيَانٌ لِعَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالِانْفِرَادِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: اشْتَمَلَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا فِي بَعْضِهَا وَمُسْتَكِنًّا فِي بَعْضٍ وَهِيَ: اللَّهُ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ضَمِيرُ {تَأْخُذُهُ} "وله" و"عنده" و"بإذنه" و"يعلم" و"علمه" و"شاء" و"كرسيه" و"يؤده" ضَمِيرُ "حِفْظُهُمَا" الْمُسْتَتِرُ الَّذِي هُوَ فَاعِلُ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ وإن عددت الضمائر المحتملة فِي الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ وَالضَّمِيرُ الْمُقَدَّرُ قَبْلَ الْحَيُّ عَلَى أَحَدِ الْأَعَارِيبِ صَارَتِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إِنَّمَا كَانَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةَ الْآيَاتِ، لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى

ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَقَطْ، لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَمَعْرِفَةُ ذلك هي المقصد الْأَقْصَى فِي الْعُلُومِ. وَمَا عَدَاهُ تَابِعٌ لَهُ وَالسَّيِّدُ اسْمٌ لِلْمَتْبُوعِ الْمُقَدَّمِ فَقَوْلُهُ: "اللَّهُ" إِشَارَةٌ إِلَى الذَّاتِ "لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ" إِشَارَةٌ إِلَى تَوْحِيدِ الذَّاتِ "الْحَيُّ الْقَيُّومُ" إِشَارَةٌ إِلَى صِفَةِ الذَّاتِ وَجَلَالِهِ فَإِنَّ مَعْنَى "الْقَيُّومِ" الَّذِي يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} تَنْزِيهٌ وَتَقْدِيسٌ لَهُ عَمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْ أَوْصَافِ الْحَوَادِثِ، وَالتَّقْدِيسُ عَمَّا يَسْتَحِيلُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْمَعْرِفَةِ {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} إِشَارَةٌ إِلَى الْأَفْعَالِ كُلِّهَا وَأَنْ جَمِيعَهَا مِنْهُ وَإِلَيْهِ {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} إِشَارَةٌ إِلَى انْفِرَادِهِ بِالْمُلْكِ وَالْحُكْمِ والأمر، وَأَنَّ مَنْ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا يَمْلِكُهَا بِتَشْرِيفِهِ إِيَّاهُ وَالْإِذْنِ فِيهَا، وَهَذَا نَفْيُ الشَّرِكَةِ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ وَالْأَمْرِ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {شَاءَ} إِشَارَةٌ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِ الْمَعْلُومَاتِ وَالِانْفِرَادِ بِالْعِلْمِ، حَتَّى لَا عِلْمَ لِغَيْرِهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ وَوَهَبَهُ، عَلَى قَدْرِ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} إِشَارَةٌ إِلَى عَظَمَةِ مُلْكِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} إِشَارَةٌ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ وَكَمَالِهَا وَتَنْزِيهِهَا عَنِ الضَّعْفِ وَالنُّقْصَانِ {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} إِشَارَةٌ إِلَى أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ فِي الصِّفَاتِ. فَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ ثُمَّ تَلَوْتَ جَمِيعَ آيِ الْقُرْآنِ لَمْ تَجِدْ جُمْلَتَهَا مَجْمُوعَةً فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ فإن شهد الله لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّوْحِيدُ وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّوْحِيدُ وَالتَّقْدِيسُ وَ {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْأَفْعَالُ وَالْفَاتِحَةُ فِيهَا الثَّلَاثَةُ لَكِنْ غَيْرُ مَشْرُوحَةٍ بَلْ مَرْمُوزَةٌ وَالثَّلَاثَةُ مَجْمُوعَةٌ مَشْرُوحَةٌ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالَّذِي يَقْرُبُ مِنْهَا فِي جَمْعِهَا آخِرُ

الْحَشْرِ وَأَوَّلُ الْحَدِيدِ وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ لَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا قَابَلْتَ آية الكرسي بأحد تِلْكَ الْآيَاتِ وَجَدْتَهَا أَجْمَعَ لِلْمَقَاصِدِ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّتِ السِّيَادَةَ عَلَى الْآيِ كَيْفَ وَفِيهَا الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ انْتَهَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَاتِحَةِ "أَفْضَلُ" وَفِي أَيَّةِ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةٌ لِسِرٍّ وَهُوَ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ فُنُونِ الْفَضْلِ وَأَنْوَاعِهَا الْكَثِيرَةِ يُسَمَّى أَفْضَلَ فَإِنَّ الْفَضْلَ هُوَ الزِّيَادَةُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَزْيَدُ وَأَمَّا السُّؤْدُدُ فَهُوَ رُسُوخُ مَعْنَى الشَّرَفِ الَّذِي يَقْتَضِي الِاسْتِتْبَاعَ وَيَأْبَى التَّبَعِيَّةَ وَالْفَاتِحَةُ تَتَضَمَّنُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ وَمَعَارِفَ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانَتْ أَفْضَلَ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْعُظْمَى الَّتِي هي المقصودة المتبوعة التي يتبعها سَائِرُ الْمَعَارِفِ فَكَانَ اسْمُ السَّيِّدِ بِهَا أَلْيَقَ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِ: "قَلْبُ الْقُرْآنِ يس": إِنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ صِحَّتُهُ بِالِاعْتِرَافِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَهُوَ مُقَرَّرٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ فَجُعِلَتْ قَلْبَ الْقُرْآنِ لِذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ. وَقَالَ النَّسَفِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا تَقْرِيرُ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الْوَحْدَانِيَّةُ وَالرِّسَالَةُ وَالْحَشْرُ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ وَالْجَنَانِ وَأَمَّا الَّذِي باللسان وبالأركان فَفِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ فَلَمَّا كَانَ فِيهَا أَعْمَالُ الْقَلْبِ لَا غَيْرَ سَمَّاهَا قَلْبًا وَلِهَذَا أَمَرَ بِقِرَاءَتِهَا عِنْدَ الْمُحْتَضِرِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ اللِّسَانُ ضَعِيفَ الْقُوَّةِ وَالْأَعْضَاءُ سَاقِطَةً لَكِنَّ الْقَلْبَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَعَ عَمَّا سِوَاهُ فَيُقْرَأُ عِنْدَهُ مَا يَزْدَادُ بِهِ قُوَّةً فِي قَلْبِهِ وَيَشْتَدُّ تَصْدِيقُهُ بِالْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ انتهى.

واختلف النَّاسُ فِي مَعْنَى كَوْنِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَقِيلَ: كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ شَخْصًا يُكَرِّرُهَا تَكْرَارَ مَنْ يَقْرَأُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا وَفِيهِ بُعْدٌ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَسَائِرُ طُرُقِ الْحَدِيثِ تَرُدُّهُ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى قَصَصٍ وَشَرَائِعَ وَصِفَاتٍ وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ كُلُّهَا صِفَاتٌ فَكَانَتْ ثُلُثًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ: مَعَارِفُ الْقُرْآنِ الْمُهِمَّةُ ثَلَاثَةٌ: مَعْرِفَةُ التَّوْحِيدِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالْآخِرَةِ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَتْ ثُلُثًا وَقَالَ أَيْضًا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّازِيُّ: القرآن مشتمل عَلَى الْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ إِمَّا صِفَاتُ الْحَقِيقَةِ وَإِمَّا صِفَاتُ الْفِعْلِ وإما صفات الحكم فهذه ثلاثة أمور وَهَذِهِ السُّورَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى صِفَاتِ الْحَقِيقَةِ فَهِيَ ثلث. وقال الخوييك الْمَطَالِبُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ مُعْظَمُهَا الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بِهَا يَصِحُّ الْإِسْلَامُ وَيَحْصُلُ الْإِيمَانُ وَهِيَ مَعْرِفَةُ الله والاعتراف بصدق رسوله واعتقاد الْقِيَامَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَادِقٌ وَأَنَّ الدِّينَ وَاقِعٌ صَارَ مُؤْمِنًا حَقًّا وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا كَفَرَ قَطْعًا وَهَذِهِ السُّورَةُ تُفِيدُ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ فَهِيَ ثُلُثُ الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقُرْآنُ قِسْمَانِ: خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ وَالْخَبَرُ قِسْمَانِ خَبَرٌ عَنِ الْخَالِقِ وَخَبَرٌ عَنِ الْمَخْلُوقِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ أَخْلَصَتِ الْخَبَرَ عَنِ الْخَالِقِ فَهِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ثُلُثٌ وَقِيلَ: تَعْدِلُ فِي الثَّوَابِ وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سُورَةِ الزَّلْزَلَةِ وَالنَّصْرِ والكافرين؛

لَكِنْ ضَعَّفَ ابْنُ عَقِيلٍ ذَلِكَ وَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَلَهُ أَجْرُ ثُلُثِ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حرف عشر حسنات" قال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: السُّكُوتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْكَلَامِ فِيهَا وَأَسْلَمُ ثُمَّ أَسْنَدَ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" مَا وجهه؟ فلم يقل لِي فِيهَا عَلَى أَمْرٍ وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا فَضَّلَ كَلَامَهُ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ جَعَلَ لِبَعْضِهِ أَيْضًا فَضْلًا فِي الثَّوَابِ لِمَنْ قَرَأَهُ تَحْرِيضًا عَلَى تَعْلِيمِهِ لَا أَنْ مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَحَدٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ وَلَوْ قَرَأَهَا مِائَتَيْ مَرَّةٍ قال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَهَذَانِ إِمَامَانِ بِالسُّنَّةِ مَا قَامَا وَلَا قَعَدَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَيْلَقِ فِي حَدِيثِ: "إِنَّ الزَّلْزَلَةَ نِصْفُ الْقُرْآنِ" لِأَنَّ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ تَنْقَسِمُ إِلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَهَذِهِ السُّورَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كُلِّهَا إِجْمَالًا وَزَادَتْ عَلَى الْقَارِعَةِ بِإِخْرَاجِ الْأَثْقَالِ وَتَحْدِيثِ الْأَخْبَارِ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ رُبُعًا فَلِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْبَعْثِ رُبُعُ الْإِيمَانِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: "لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَيُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ" فَاقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْبَعْثِ الَّذِي قَرَّرَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ رُبُعُ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ الْقُرْآنُ وَقَالَ أَيْضًا فِي سِرِّ كَوْنِ "أَلْهَاكُمْ" تَعْدِلُ أَلْفَ آيَةٍ: إِنَّ الْقُرْآنَ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَمِائَتَا آيَةٍ وَكَسْرٌ فَإِذَا تَرَكْنَا الْكَسْرَ كَانَ الْأَلْفُ سُدُسَ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ السُّورَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى سُدُسِ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ سِتَّةٌ ثَلَاثٌ

مُهِمَّةٌ وَثَلَاثٌ مُتِمَّةٌ وَتَقَدَّمَتْ وَأَحَدُهَا مَعْرِفَةُ الْآخِرَةِ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ السُّورَةُ وَالتَّعْبِيرُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفِ آيَةٍ أَفْخَمُ وَأَجَلُّ وَأَضْخَمُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالسُّدُسِ وَقَالَ: أَيْضًا فِي سِرِّ كَوْنِ سُورَةِ الكافرين رُبُعًا وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ ثُلُثًا مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى الْإِخْلَاصَ أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ اشْتَمَلَتْ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ "الْكَافِرُونَ" وَأَيْضًا فَالتَّوْحِيدُ إِثْبَاتُ إِلَهِيَّةِ الْمَعْبُودِ وَتَقْدِيسُهُ وَنَفْيُ إِلَهِيَّةِ مَا سِوَاهُ وَقَدْ صَرَّحَتِ الْإِخْلَاصُ بِالْإِثْبَاتِ وَالتَّقْدِيسِ وَلَوَّحَتْ إِلَى نَفْيِ عِبَادَةِ غَيْرِهِ وَالْكَافِرُونَ صَرَّحَتْ بِالنَّفْيِ وَلَوَّحَتْ بِالْإِثْبَاتِ وَالتَّقْدِيسِ فَكَانَ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ مِنَ التَّصْرِيحَيْنِ وَالتَّلْوِيحَيْنِ مَا بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ انْتَهَى. تَذْنِيبٌ ذَكَرَ كَثِيرُونَ فِي أَثَرِ: أَنَّ اللَّهَ جَمَعَ عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ وَعُلُومِهَا فِي الْقُرْآنِ وَعُلُومِهِ فِي الْفَاتِحَةِ فزادوا علوم الْفَاتِحَةِ فِي الْبَسْمَلَةِ وَعُلُومَ الْبَسْمَلَةِ فِي بَائِهَا وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ الْعُلُومِ وُصُولُ الْعَبْدِ إِلَى الرَّبِّ وَهَذِهِ الْبَاءُ بَاءُ الْإِلْصَاقِ فَهِيَ تُلْصِقُ الْعَبْدَ بِجَنَابِ الرَّبِّ وَذَلِكَ كَمَالُ الْمَقْصُودِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَابْنُ النَّقِيبِ فِي تَفْسِيرِهِمَا.

النوع الرابع والسبعون: في مفردات القرآن

النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ أَخْرَجَ السِّلَفِيُّ فِي الْمُخْتَارِ مِنَ الطُّيُورِيَّاتِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْبًا فِي سَفَرٍ فِيهِمُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَأَمَرَ رَجُلًا يُنَادِيهِمْ: مِنْ أَيْنَ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: أَقْبَلْنَا مِنَ الْفَجِّ الْعَمِيقِ نُرِيدُ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ فِيهِمْ لَعَالِمًا وَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُنَادِيهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ؟ فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قَالَ نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَحْكَمُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} قَالَ نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَجْمَعُ؟ فَقَالَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} فَقَالَ نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَحْزَنُ؟ فَقَالَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} فَقَالَ نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَرْجَى؟ فَقَالَ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ فَقَالَ: أَفِيكُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ بِنَحْوِهِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَعْدَلُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ} وَأَحْكَمُ آيَةٍ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} إِلَى آخِرِهَا وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ}

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ مَا فِي الْقُرْآنِ آية أعظم فرجا مِنْ آيَةٍ فِي سُورَةِ الْغُرَفِ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ وَمَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَكْثَرُ تَفْوِيضًا مِنْ آيَةٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الْآيَةِ وَأَخْرَجَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ يحيى بن يعمر عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وَأَعْدَلُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ} إِلَى آخِرِهَا وَأَخْوَفُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} وَأَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} إِلَى آخِرِهَا؛" وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا أَحَدُهَا آيَةُ الزُّمَرِ وَالثَّانِي: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَا الْتَقَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَرْجَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَكِنَّ قَوْلَ اللَّهِ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} قَالَ فرضى منه قوله: {بَلَى} قَالَ: فَهَذَا لِمَا يَعْتَرِضُ فِي الصَّدْرِ مِمَّا يُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ

الثَّالِثُ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَقُولُونَ: أَرْجَى آية في القرآن: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} الآية لَكِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَقُولُ: إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} وَهِيَ الشَّفَاعَةُ الرَّابِعُ: مَا أَخْرَجَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: "أَشَدُّ آيَةٍ عَلَى أَهْلِ النَّارِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} وَأَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الْآيَةَ " وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَحَبُّ آيَةٍ إِلَيَّ فِي الْقُرْآنِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الْآيَةَ الْخَامِسُ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} السَّادِسُ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّوْبَةِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي قَوْلِهِ: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدِي أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ: قَالَ أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ مَكِّيٌّ وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى "إِحْسَانِهِمْ"

التَّاسِعُ: رَوَى الْهَرَوِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ: أَيُّ آيَةٍ أَرْجَى قَالَ: قَوْلُهُ: {يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} قَالَ: وَسَأَلَتْهُ عَنْ أَرْجَى حَدِيثٍ لِلْمُؤْمِنِ قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُدْفَعُ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ رَجُلٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِدَاؤُهُ" الْعَاشِرُ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} الْحَادِيَ عَشَرَ: {وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} الثَّانِيَ عَشَرَ: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ الثَّالِثَ عَشَرَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ النَّوَوِيُّ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَالْأَخِيرُ ثَابِتٌ عَنْ عَلِيٍّ فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَدَّثَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وَسَأُفَسِّرُهَا لَكَ يَا عَلِيُّ: مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا فَبِمَا كَسَبْتَ أَيْدِيكُمْ وَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ الْعُقُوبَةَ وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أحلم مِنْ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ الرَّابِعَ عَشَرَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} قَالَ الشِّبْلِيُّ: إِذَا كَانَ اللَّهُ أَذِنَ لِلْكَافِرِ بِدُخُولِ الْبَابِ إِذَا أَتَى بِالتَّوْحِيدِ وَالشَّهَادَةِ أَفَتَرَاهُ يُخْرِجُ الدَّاخِلَ فِيهَا وَالْمُقِيمَ عَلَيْهَا؟!

الْخَامِسَ عَشَرَ: آيَةُ الدَّيْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْشَدَ عِبَادَهُ إِلَى مَصَالِحِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ حَتَّى انْتَهَتِ الْعِنَايَةُ بِمَصَالِحِهِمْ إِلَى أَمْرِهِمْ بِكِتَابَةِ الدَّيْنِ الْكَثِيرِ والحقير فمقتضى ذلك ترجى عَفْوُهُ عَنْهُمْ لِظُهُورِ الْعِنَايَةِ الْعَظِيمَةِ بِهِمْ قُلْتُ: وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَمَا فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ ذَنْبًا أَصْبَحَ وَقَدْ كُتِبَتْ كَفَّارَتُهُ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهِ وَجُعِلَتْ كَفَّارَةُ ذُنُوبِكُمْ قَوْلًا تَقُولُونَهُ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَكُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ آيَةً لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} الْآيَةَ وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كتاب التوبة عن ابن عباس قال: ثماني آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هن خَيْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرُبَتْ: أَوَّلُهُنَّ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وَالثَّانِيَةُ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} وَالثَّالِثَةُ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} الْآيَةَ وَالرَّابِعَةُ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الْآيَةَ وَالْخَامِسَةُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الْآيَةَ وَالسَّادِسَةُ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ} الْآيَةَ وَالسَّابِعَةُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الْآيَةَ وَالثَّامِنَةُ {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} الآية

وما أخرجه ابن حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سُئِلَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَيُّ آيَةٍ أَرْجَى فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} ما أَخْرَجَهُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الْعَقَدِيُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ محمد بن المنتشر قال: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنِّي لِأَعْرِفُ أَشَدَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَهْوَى عُمَرُ فضربه بالدرة وقال: مالك نقبت عنها حتى علمتها ما هِيَ؟ قَالَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} فَمَا مَنَّا أَحَدٌ يَعْمَلُ سُوءًا إِلَّا جُزِيَ بِهِ فَقَالَ عُمَرُ لَبِثْنَا حِينَ نَزَلَتْ مَا يَنْفَعُنَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَخَّصَ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ عَنْ أَشَدِّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشُدُّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا فِي الْقُرْآنِ أَشَدُّ تَوْبِيخًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} الْآيَةَ وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مزاحم قرأ في قَوْلَ اللَّهِ {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ}

قَالَ: وَاللَّهِ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْهَا وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قال: ما أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ كَانَتْ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} الْآيَةَ وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ أَخْوَفَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةَ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَخْوَفُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} وَقَالَ غَيْرُهُ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ سَمِعْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ خَفِيرِ الْحَارَةِ لَمْ أَنَمْ وَفِي النَّوَادِرِ لأبي زَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ أَشَدُّ آيَةٍ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلُهُ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} الْآيَةَ فَتَأَوَّلَهَا عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ انْتَهَى وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا أَشَدَّهُمَا عَلَى مَنْ يُجَادِلُ فِيهِ {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} وَقَالَ السَّعِيدِيُّ: سُورَةُ الْحَجِّ مِنْ أَعَاجِيبِ الْقُرْآنِ فِيهَا مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ وَحَضَرِيٌّ وَسَفَرِيٌّ وَلَيْلِيٌّ وَنَهَارِيٌّ وَحَرْبِيٌّ وَسِلْمِيٌّ وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَالْمَكِّيُّ مَنْ رَأَسِ الثَّلَاثِينَ إِلَى آخِرِهَا وَالْمَدَنِيُّ مِنْ رَأَسِ خَمْسَ عَشْرَةَ إِلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ وَاللَّيْلِيُّ

خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا وَالنَّهَارِيُّ مِنْ رَأْسِ تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى رَأْسِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَالْحَضَرِيُّ إِلَى رَأْسِ الْعِشْرِينِ قُلْتُ: وَالسَّفَرِيُّ أَوَّلُهَا وَالنَّاسِخُ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الْآيَةَ وَالْمَنْسُوخُ {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} الْآيَةَ نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} الْآيَةَ نَسَخَتْهَا {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الْآيَةَ مِنْ أَشْكَلِ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ حُكْمًا وَمَعْنًى وَإِعْرَابًا وَقَالَ غَيْرُهُ: قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} الْآيَةَ جَمَعَتْ أُصُولَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا: الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْخَبَرِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} قِيلَ هُوَ قِصَّةُ يُوسُفَ وَسَمَّاهَا "أَحْسَنَ الْقَصَصِ" لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ذِكْرِ حَاسِدٍ وَمَحْسُودٍ وَمَالِكٍ وَمَمْلُوكٍ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ وَعَاشِقٍ وَمَعْشُوقٍ وَحَبْسٍ وَإِطْلَاقٍ وَسَجْنٍ وَخَلَاصٍ وَخِصْبٍ وَجَدْبٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَعْجِزُ عَنْ بَيَانِهَا طَوْقُ الْخَلْقِ وَقَالَ: ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ رُؤْبَةَ: مَا فِي الْقُرْآنِ أَعْرَبُ مِنْ قَوْلِهِ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ لَيْسَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَفْظٌ جَمَعَ لُغَاتِ مَا النَّافِيَةِ إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ فِي الْقُرْآنِ جَمْعَ اللغات الثلاث وَهُوَ قَوْلُهُ: {مَا هُنَّ

أُمَّهَاتِهِمْ} قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ بِالرَّفْعِ وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} بِالْبَاءِ قَالَ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لَفْظٌ عَلَى "افْعَوْعَلَ" إِلَّا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَطْوَلُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ وَأَقْصَرُهَا الْكَوْثَرُ وَأَطْوَلُ آيَةٍ فِيهِ آيَةُ الدَّيْنِ وَأَقْصَرُ آيَةٍ فِيهِ {وَالضُّحَى} {وَالْفَجْرِ} وَأَطْوَلُ كَلِمَةٍ فيه رسما {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} وَفِي الْقُرْآنِ آيَتَانِ جَمَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرُوفَ الْمُعْجَمِ: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً} الآية {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الآية وَلَيْسَ فِيهِ حَاءٌ بَعْدَ حَاءٍ بِلَا حَاجِزٍ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: {عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى} {لا أَبْرَحُ حَتَّى} وَلَا كَافَانِ كَذَلِكَ إِلَّا {مَنَاسِكَكُمْ} {مَا سَلَكَكُمْ} وَلَا غَيْنَانِ كَذَلِكَ إِلَّا {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ} وَلَا آيَةٌ فِيهَا ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ كَافًا إِلَّا آيَةَ الدَّيْنِ وَلَا آيتان فيهما ثلاثة عشر وَقْفًا إِلَّا آيَتَا الْمَوَارِيثِ وَلَا سُورَةٌ ثَلَاثُ آيَاتٍ فِيهَا عَشْرُ وَاوَاتٍ إِلَّا وَالْعَصْرِ إِلَى آخِرِهَا وَلَا سُورَةٌ إِحْدَى وَخَمْسُونَ آيَةً فِيهَا اثْنَانِ وَخَمْسُونَ وَقْفًا إِلَّا سُورَةِ الرَّحْمَنِ ذَكَرَ أَكْثَرَ ذَلِكَ ابْنُ خَالَوَيْهِ

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَبَّازِيُّ الْمُقْرِئُ: أَوَّلُ مَا وَرَدْتُ عَلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ مَلَكْشَاهْ سَأَلَنِي عَنْ آيَةٍ أَوَّلُهَا غَيْنٌ فَقُلْتُ ثَلَاثَةٌ: {غَافِرِ الذَّنْبِ} وآيتان بخلف: {غُلِبَتِ الرُّومُ} {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وَنَقَلْتُ مِنْ خَطِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ شَدَّاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فِي قَوْلِهِ: {نَسِيَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ} {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} {قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ.}

النوع الخامس والسبعون: في خواص القرآن

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: فِي خَوَاصِّ الْقُرْآنِ أَفْرَدَهُ بالتصنيف جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ التَّمِيمِيُّ وَحُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْيَافِعِيُّ وَغَالِبُ مَا يُذْكَرُ فِي ذَلِكَ كَانَ مُسْتَنَدُهُ تَجَارِبَ الصَّالِحِينَ وَهَا أَنَا أَبْدَأُ بِمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ أَلْتَقِطُ عُيُونًا مما ذكره السَّلَفُ وَالصَّالِحُونَ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "عليكم بالشفائين الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ" وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: "خَيْرُ الدَّوَاءِ الْقُرْآنُ" وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ طَلْحَةَ بن مصرف قَالَ: "كَانَ يُقَالَ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ عِنْدَ الْمَرِيضِ وَجَدَ لِذَلِكَ خِفَّةً" وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَ حَلْقِهِ قَالَ: "عَلَيْكَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ" وَأَخْرَجَ ابن مردويه عن أبي سعيد الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنِّي أَشْتَكِي صَدْرِي" قَالَ: "اقْرَأِ الْقُرْآنَ" لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ: "فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ" وَأَخْرَجَ الْخُلَعِيُّ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: {فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا السَّامَ" وَالسَّامُ الْمَوْتُ.

وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: "فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ". وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا قَالَ: "كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا فَنَزَلْنَا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ فَهَلْ مَعَكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ فَرَقَاهُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَبَرِئَ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ عَوَّذَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فاتحة الْكِتَابِ تَفْلًا وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إِذَا وَضَعْتَ جَنْبَكَ عَلَى الْفِرَاشِ وَقَرَأْتَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَدْ أَمِنْتَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْمَوْتَ" وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ" وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ لِي أَخًا وَبِهِ وَجَعٌ قَالَ: وَمَا وَجَعُهُ؟ قَالَ: بِهِ لَمَمٌ قَالَ فَأْتِنِي بِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَوَّذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهَاتَيْنِ الآيتين وإلهكم إله واحد وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآيَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} وَآيَةٍ مِنَ الْأَعْرَافِ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ} وآخر سورة المؤمنين"

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} وَآيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْجِنِّ {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} وَعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّافَّاتِ وَثَلَاثِ آيَاتٍ من آخر سورة الحشر وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَامَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْكُ قَطُّ وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: "مَنْ قَرَأَ أَرْبَعَ آيَاتٍ مَنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ بَعْدَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثًا مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمْ يَقْرَبْهُ وَلَا أَهْلَهُ يَوْمَئِذٍ شَيْطَانٌ وَلَا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَلَا يُقْرَأْنَ عَلَى مَجْنُونٍ إِلَّا أَفَاقَ" وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الصَّدَقَةِ: "أَنَّ الْجِنِّيَّ قَالَ لَهُ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" "أَمَا إِنَّهُ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ". وَأَخْرَجَ الْمَحَامِلِيُّ فِي فَوَائِدِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ قَالَ: "اقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهُ يحفظك وذريتك وحفظ دَارَكَ حَتَّى الدُّوَيْرَاتِ حَوْلَ دَارِكَ" وَأَخْرَجَ الدَّيْنَوَرِيُّ فِي الْمُجَالَسَةِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنْ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ يَكِيدُكَ فَإِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرِسِيِّ" وَفِي الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: "مَنْ قَرَأَ آية الكرسي عِنْدَ الْكَرْبِ أَغَاثَهُ اللَّهُ" وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ- قَالَ:

"مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْبَقَرَةِ عِنْدَ مَنَامِهِ لَمْ يَنْسَ الْقُرْآنَ: أَرْبَعٌ مِنْ أَوَّلِهَا وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَانِ بَعْدَهَا وَثَلَاثٌ مِنْ آخِرِهَا" وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "آيَتَانِ هُمَا قُرْآنٌ وَهُمَا يَشْفِيَانِ وَهُمَا مِمَّا يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْآيَتَانِ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "أَلَا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً تَدْعُو بِهِ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ مِثْلَ صَبْرٍ أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} إِلَى قَوْلِهِ: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُمَا وَتَمْنَعُ مَنْ تَشَاءُ ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ عَنِ ابْنِ عباس: "إذ استصعبت دابة أحدكم أو كانت شُمُوسًا فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ فِي أُذُنَيْهَا: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} وأخرج البيهقي في الدعوات وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا: "سُورَةُ الْأَنْعَامِ مَا قُرِئَتْ عَلَى عَلِيلٍ إِلَّا شَفَاهُ اللَّهُ". وَأَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَنَا وِلَادُهَا أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَنْ يَأْتِيَا فَيَقْرَأُ عِنْدَهَا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ} الْآيَةَ وَيُعَوِّذَاهَا بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ "أَمَانٌ لِأُمَّتِي مِنَ

الغرق إذا ركبوا أن يقولوا: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ لَيْثٍ قَالَ: "بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ شِفَاءٌ مِنَ السِّحْرِ يُقْرَأْنَ في إِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَى رَأْسِ الْمَسْحُورِ: الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ يُونُسَ: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} إلى قوله: {الْمُجْرِمُونَ} وَقَوْلُهُ: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} إِلَى آخِرِ أَرْبَعِ آيَاتٍ وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ حديث أبو هُرَيْرَةَ: "مَا كَرَبَنِي أَمْرٌ إِلَّا تَمَثَّلَ لِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ "تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ"؛ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} وَأَخْرَجَ الصَّابُونِيُّ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "هَذِهِ الْآيَةُ أَمَانٌ مِنَ السَّرَقِ: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: "مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فِي أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا وَلَدٍ فَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَيَرَى فِيهِ آفَةً دُونَ الْمَوْتِ" وأخرج الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: "مَنْ قَرَأَ آخِرَ سُورَةِ الْكَهْفِ لِسَاعَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَهَا مِنَ اللَّيْلِ قَامَهَا" قَالَ عَبْدَةُ: فَجَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ.

وأخرج الترمذي والحاكم عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: {لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ إلا استجاب الله له" وعن ابْنِ السُّنِّيُّ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلَّا فُرِّجَ عَنْهُ كَلِمَةُ أَخِي يُونُسَ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} . وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ فِي أُذُنِ مُبْتَلًى فَأَفَاقَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَرَأْتَ فِي أُذُنِهِ؟ قَالَ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا مؤمنا قَرَأَ بِهَا عَلَى جَبَلٍ لَزَالَ". وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ بْنُ حيان فِي فَضَائِلِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: "مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيُقْرَأُ عِنْدَهُ يس إِلَّا هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ". وَأَخْرَجَ الْمَحَامِلِيُّ فِي أَمَالَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: "مَنْ جَعَلَ يس أَمَامَ حَاجَةٍ قُضِيَتْ لَهُ" وَلَهُ شاهد مرسل عن الدَّارِمِيِّ وَفِي الْمُسْتَدْرِكِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: "مَنْ وَجَدَ فِي قَلْبِهِ قَسْوَةً فليكتب يس في جام بِمَاءِ وَرْدٍ وَزَعْفَرَانٍ ثُمَّ يَشْرَبُهُ". وَأَخْرَجَ ابْنُ الضريس عن أبي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَجُلٍ مَجْنُونٍ سُورَةَ يس فبرئ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ مَنْ قَرَأَ يس إِذَا أَصْبَحَ لَمْ

يَزَلْ فِي فَرَحٍ حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَرَأَهَا إِذَا أَمْسَى لَمْ يَزَلْ فِي فَرَحٍ حَتَّى يُصْبِحَ أَخْبَرَنَا مَنْ جَرَّبَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ قَرَأَ الدُّخَانَ كُلَّهَا وَأَوَّلَ غافر إلى {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهَا حَتَّى يُمْسِيَ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ بِلَفْظِ لَمْ يَرَ شَيْئًا يَكْرَهُهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَرَأَ كُلَّ لَيْلَةٍ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا" وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا فِي الْمَرْأَةِ يَعْسُرُ عَلَيْهَا وِلَادُهَا قَالَ: يُكْتَبُ فِي قِرْطَاسٍ ثُمَّ تُسْقَى: "بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} ، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا- يَعْنِي الْوَسْوَسَةَ، فَقُلْ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَدَغَتِ: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَبٌ، فَدَعَا بِمَاءٍ وَمِلْحٍ وَجَعَلَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا، وَيَقْرَأُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ الرُّقَى إِلَّا بِالْمُعَوِّذَاتِ.

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ؛ حَتَّى نَزَلَتِ المعوذتان، فأخذها وَتَرَكَ مَا سِوَاهَا فَهَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي الْخَوَاصِّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ تَصِلْ إِلَى حد الوضع ومن الموقوفات عن الصحابة والتابعين: وأما مالم يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا جَدًّا اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ وَمِنْ لَطِيفِ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنِ ابْنِ نَاصِرٍ عَنْ شُيُوخِهِ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ شَاقُولَ الْبَغْدَادِيَّةَ قَالَتْ: آذَانَا جَارٌ، لَنَا فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَقَرَأْتُ مِنْ فَاتِحَةِ كُلِّ سُورَةٍ آيَةً حَتَّى خَتَمْتُ الْقُرْآنَ، وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اكْفِنَا أَمْرَهُ ثُمَّ نِمْتُ وَفَتَحْتُ عَيْنِي وَإِذَا بِهِ قَدْ نَزَلَ وَقْتَ السَّحَرِ فَزَلَّتْ قَدَمُهُ فَسَقَطَ وَمَاتَ. تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ التِّينِ: الرُّقَى بِالْمُعَوِّذَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الطِّبُّ الرُّوحَانِيُّ إِذَا كَانَ عَلَى لِسَانِ الْأَبْرَارِ مِنَ الْخَلْقِ حَصَلَ الشِّفَاءُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَمَّا عَزَّ هَذَا النَّوْعُ فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الطِّبِّ الْجُثْمَانِيِّ قُلْتُ: وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا مُوقِنًا قَرَأَ بِهَا عَلَى جَبَلٍ لَزَالَ". وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِكَلَامِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ فَإِنْ كَانَ مَأْثُورًا اسْتُحِبَّ وَقَالَ الرَّبِيعُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ الرُّقْيَةِ فَقَالَ: لَا بأس أَنْ يُرْقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَمَا يُعْرَفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقَالَ ابن بطال: في الْمُعَوِّذَاتِ سِرٌّ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ لِمَا اشْتَمَلَتْ

عَلَيْهِ مِنْ جَوَامِعِ الدُّعَاءِ الَّتِي تَعُمُّ أَكْثَرَ الْمَكْرُوهَاتِ؛ مِنَ السِّحْرِ وَالْحَسَدِ وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَتِهِ وَغَيْرِ ذلك فلهذا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتَفِي بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي حَدِيثِ الرُّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِبَعْضِ الْكَلَامِ خَوَاصَّ وَمَنَافِعَ، فَمَا الظَّنُّ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ بِالْفَاتِحَةِ الَّتِي لَمْ يَنْزِلُ فِي الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ مِثْلُهَا لِتَضَمُّنِهَا جَمِيعَ مَا فِي الْكِتَابِ فَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى ذِكْرِ أُصُولِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَمَجَامِعَهَا وَإِثْبَاتِ الْمَعَادِ وَذِكْرِ التَّوْحِيدِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى الرَّبِّ فِي طَلَبِ الْإِعَانَةِ بِهِ وَالْهِدَايَةِ مِنْهُ وَذِكْرِ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ وَهُوَ طَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ وَلِتَضَمُّنِهَا ذِكْرَ أَصْنَافِ الْخَلَائِقِ وَقِسْمَتِهِمْ إِلَى مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِ لِعُدُولِهِ عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ وَضَالٍّ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهُ مَعَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْمَعَادِ وَالتَّوْبَةِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَإِصْلَاحِ الْقَلْبِ وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَحَقِيقٌ بِسُورَةٍ هَذَا بَعْضُ شَأْنِهَا أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ! انْتَهَى. مَسْأَلَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ غسله وَسَقَاهُ الْمَرِيضَ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ قَالَ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: لَوْ كتب عَلَى حَلْوَى وَطَعَامٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ انْتَهَى. قال الزركشي: ممن صَرَّحَ بِالْجَوَازِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ الْعِمَادُ النَّيْهِيُّ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِلَاعُ وَرَقَةٍ فِيهَا آيَةٌ، لَكِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْمَنْعِ مِنَ الشُّرْبِ أَيْضًا، لأنه تلاقيه نَجَاسَةَ الْبَاطِنِ وَفِيهِ نَظَرٌ.

النوع السادس والسبعون: في مرسوم الخط وآداب كتابته

النَّوْعُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مَرْسُومِ الْخَطِّ وَآدَابِ كِتَابَتِهِ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَلَّفَ فِي تَوْجِيهِ مَا خَالَفَ قَوَاعِدَ الْخَطِّ مِنْهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرَاكِشِيُّ كِتَابًا "سَمَّاهُ عُنْوَانُ الدَّلِيلِ فِي مَرْسُومِ خَطِّ التَّنْزِيلِ" بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُفَ إِنَّمَا اخْتُلِفَ حَالُهَا فِي الْخَطِّ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ مَعَانِي كَلِمَاتِهَا وَسَأُشِيرُ هُنَا إِلَى مَقَاصِدِ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ بِسَنَدِهِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَالسُّرْيَانِيَّ وَالْكُتُبَ كُلَّهَا آدم صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثمائة سنة كَتَبَهَا فِي الطِّينِ ثُمَّ طَبَخَهُ فَلَمَّا أَصَابَ الْأَرْضَ الْغَرَقُ أَصَابَ كُلُّ قَوْمٍ كِتَابَهُمْ فَكَتَبُوهُ فَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَصَابَ كِتَابَ الْعَرَبِ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ إسماعيل وضع الكتاب كله عَلَى لَفْظِهِ وَمَنْطِقِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ كِتَابًا وَاحِدًا مِثْلَ الْمَوْصُولِ، حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُ وَلَدُهُ يَعْنِي أَنَّهُ وَصَلَ فِيهِ جَمِيعَ الْكَلِمَاتِ، لَيْسَ بَيْنَ الحروف فرق هكذا "بسمللهر حمنر حيم" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ فرقه من بنيه هميسع وَقَيْذَرُ

ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ أَبُو جَادٍ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الَّذِي نَقُولُهُ: إِنَّ الْخَطَّ تَوْقِيفِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} وَإِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي أَمْرِ أَبِي جَادٍ وَمُبْتَدَأِ الْكِتَابَةِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهَا وَقَدْ بَسَطْتُهَا فِي تَأْلِيفٍ مُفْرَدٍ. فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ يُكْتَبُ بِحُرُوفٍ هجائية مع مراعاة الابتداء والوقوف عليه وقد مهد النحاة له أُصُولًا وَقَوَاعِدَ وَقَدْ خَالَفَهَا فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ خَطُّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَقَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يُكْتَبُ الْمُصْحَفُ عَلَى مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنَ الْهِجَاءِ؟ فَقَالَ: لَا إِلَّا عَلَى الْكَتْبَةِ الْأُولَى رَوَاهُ الدَّانِيُّ فِي الْمُقْنِعِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْحُرُوفِ فِي القرآن الْوَاوِ وَالْأَلِفِ، أَتُرَى أَنْ يُغَيَّرَ من الْمُصْحَفِ إِذَا وُجِدَ فِيهِ كَذَلِكَ؟ قَالَ: لَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو: يعني الواو والألف والمزيدتين فِي الرَّسْمِ الْمَعْدُومَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ

نحو الواو في "أُولُوا"،وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَحْرُمُ مُخَالِفَةُ مُصْحَفِ الإمام فِي وَاوٍ أَوْ يَاءٍ أَوْ أَلْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: مَنْ كتب مُصْحَفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْهِجَاءِ الَّذِي كتبوا به هذه الْمَصَاحِفَ، وَلَا يُخَالِفُهُمْ فِيهِ وَلَا يُغَيِّرُ مِمَّا كَتَبُوهُ شَيْئًا فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ عِلْمًا وَأَصْدَقَ قَلْبًا وَلِسَانًا وَأَعْظَمَ أَمَانَةً مِنَّا فَلَا يَنْبَغِي أن يظن بِأَنْفُسِنَا اسْتِدْرَاكًا عَلَيْهِمْ قُلْتُ، وَسَنَحْصُرُ أَمْرَ الرَّسْمِ فِي الْحَذْفِ وَالزِّيَادَةِ والهمز والبدل وَالْفَصْلِ، وَمَا فِيهِ قِرَاءَتَانِ فَكُتِبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا. الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: فِي الْحَذْفِ تُحْذَفُ الْأَلِفُ مِنْ يَاءِ النداء، نحو: "يأيها الناس"، "يا آدم"، "يارب"، "ياعبادي"، وَهَاءُ التَّنْبِيهِ نَحْوَ: "هَؤُلَاءِ"، "هَا أَنْتُمْ"، وَنَا مع ضمير "أنجيناكم"، "آتيناه". ومن ذلك: "أولئك"، و"لكن"، "وتبارك"، وفروع الأربعة: و"الله"، "وإله"، كيف وقع، "والرحمن"، "وسبحان"، كَيْفَ وَقَعَ، إِلَّا: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} . وبعد لام نحو: "خلائف"، "خلاف رسول الله"، "سلام،" "غلام"،"إيلاف" "يلقوا."

وبين لامين، نحو: "الكلالة"، "الضلالة"، "وخلال"، "للدار" {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} وَمِنْ كُلِّ عَلَمٍ زَائِدٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَإِبْرَاهِيمَ وصلاح، ومكيائيل، إِلَّا جَالُوتَ وَطَالُوتَ وَهَامَانَ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَدَاوُدَ لِحَذْفِ وَاوِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِحَذْفِ يَائِهِ وَاخْتُلِفَ فِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَقَارُونَ. وَمِنْ كُلِّ مُثَنَّى، اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ إِنْ لَمْ يَتَطَرَّفْ، نَحْوَ: "رَجُلَانِ"، "يعلمان"، "أضلانا"، "إن هذان"، "إلا بما قدمت يداك"، وَمِنْ كُلِّ جَمْعِ تَصْحِيحٍ لِمُذَكَّرٍ أمؤنث، نحو: "أللآ عنون"، "ملاقوا ربهم"، "إِلَّا طَاغُونَ"، فِي الذَّارِيَاتِ وَالطُّورِ، "وكراما كاتبين" وإلا "روضات" في شورى، و"آيات للسائلين،" "ومكر فِي آيَاتِنَا"، وَ"آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ" فِي يُونُسَ، وَإِلَّا إِنْ تَلَاهَا همزة، نحو: "الصائمين والصائمات"، أو تشديد نحو: "الضالين"، و"الصَّافَّاتِ"، فَإِنْ كَانَ فِي الْكَلِمَةِ أَلِفٌ ثَانِيَةٌ حُذِفَتْ أَيْضًا، إِلَّا "سبع سموات" في فُصِّلَتْ. وَمِنْ كُلِّ جَمْعٍ عَلَى "مَفَاعِلَ" أَوْ شبهه، نحو: المسجد مسكن واليتمى والنصرى والمسكين والخبئث والملائكة، والثانية: من "خطينا" كَيْفَ وَقَعَ وَمِنْ كُلِّ عَدَدٍ كثلت وثلت، "سحر" كَيْفَ وَقَعَ إِلَّا فِي آخِرِ الذَّارِيَاتِ- فَإِنْ ثني فألفاه- والقيامة والشيطان وسلطن وتعلى واللتى، واللئي وخلق وبقدر والأصحب والأنهر والكتب، وَمُنْكَرَ الثَّلَاثَةِ، إِلَّا أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ: "لِكُلِّ أَجَلٍ كتاب" "كتاب معلوم"، "كتاب ربك"، "كِتَابٍ

مُبِينٍ" فِي النَّمْلِ، وَمِنَ الْبَسْمَلَةِ وبسم الله مجراها وَمِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ مِنْ "سَأَلَ" وَمِنْ كُلِّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، نَحْوَ ءادم، ءاخر، ءأشفقتم، ءأنذرتم، وَمَنْ رَأَى، كَيْفَ وَقَعَ، إِلَّا "ما رأى"، "ولقد رأى" في النجم، وإلا نأى وءالئن؛ إلا {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ} والألفان من "ليئكة"، إلا في الحجر، وق وَتُحْذَفُ الْيَاءُ مِنْ كُلِّ مَنْقُوصٍ مُنَوَّنٍ، رَفْعًا، وَجَرًّا نَحْوَ "بَاغٍ ولا عاد" وَالْمُضَافُ لَهَا إِذَا نُودِيَ، إِلَّا {يَعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} {يَعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} فِي الْعَنْكَبُوتِ أَوْ لَمْ يُنَادِ، إِلَّا {وَقُلْ لِعِبَادِي} {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} في طه وحم {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} ومع مثلها نحو "ولى"، "والحوارين"، و "متكئين"، إلا "عليين"، و "يهيئ"، و "هيئ"، و "مكر السيئ"، و"سيئة"، و"السيئة"، و"أفعيينا"، و"يحيى" مَعَ ضَمِيرٍ لَا مُفْرَدًا وَحَيْثُ وقع: "أطيعون"، "اتقون"، "خافون"، "ارهبون"، "فأرسلون" و"اعبدون"؛ إلا في يس، و "اخشون" إلا في البقرة و "كيدون" إلا "فكيدوني جميعا" و "اتبعون" إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ وَطه و "لا

تنظرون"، و "تستعجلون" و "لا تكفرون" و "لا تقربون"، و "لا تخزون"، "ولا تفضحون" و "يهدين"، "وسيهدين"، و"كذبون يقتلون"، "أن يكذبون"، "ووعيد" و"الجوار" و"بالواد"، و"المهتد" إِلَّا فِي الْأَعْرَافِ وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مَعَ أُخْرَى نحو: "لا يستون"، "فأوا"، وإذا الموءدة" "يئوسا" وَتُحْذَفُ اللَّامُ مُدْغَمَةً فِي مِثْلِهَا، نحو اليل، وَالَّذِي، إِلَّا اللَّهَ، وَاللَّهُمَّ، وَاللَّعْنَةَ وَفُرُوعَهُ، وَاللَّهْوَ وَاللَّغْوَ وَاللُّؤْلُؤَ وَاللَّاتِ وَاللَّمَمَ وَاللَّهَبَ وَاللَّطِيفَ وَاللَّوَّامَةَ فَرْعٌ فِي الْحَذْفِ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ حَذْفُ الْأَلِفِ مِنْ "ملك الملك"، "ذرية ضعفا"، "مرغما"، "خداعهم" "أكلون للسحت" "بلغ"، "ليجدلوكم" "وبطل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" فِي الْأَعْرَافِ وهود، "الميعد" في الأنفال، "تربا" في الرعد والنمل وعم، "جذذا"، "يسرعون"، "أية المؤمنون" "أية الساحر"، "أية الثقلان" "أم موسى فرغا"، "وهل يجزي"، "من هو كذب"، "للقسية"، في الزمر "أثرة"، "عهد عليه الله"، "ولا كذبا" وحذفت الياء من "إبرهم" فِي الْبَقَرَةِ، وَ "الدَّاعِ إِذَا دعان"، و "من اتبعن"، و"سوف يأت الله"، "وقد هدان"، "ننج المؤمنين" "فلا تسألن ما ليس"، "يوم يأت لا تكلم" "حتى تؤتون موثقا"، "تفندون" "المتعال "،"متاب"، "مآب" "عِقَابِ"، فِي الرَّعْدِ وَغَافِرٍ وَص، "فِيهَا عَذَابٌ"، "أشركتمون من قبل"، "وتقبل دعاء "، "لئن أخرتن"، "أَنْ

يَهْدِينِ"، "إِنْ تَرَنِ"، "أَنْ يُؤْتِينِ" "أَنْ تُعَلِّمَنِ" "نَبْغِ"، الْخَمْسَةُ فِي الْكَهْفِ: "أَلَّا تَتَّبِعَنِ" فِي طَهَ "والباد"، و"إن الله لهاد"، "أن يحضرون" "رب ارجعون"، و"لا تكلمون" "يسقين" "يشفين"، "يحيين" "واد النمل"، "أتمدونن"، "فما أتان"، "تشهدون" "بهاد العمى" "كالجواب" "إن يردن الرحمن" "لا ينقذون" "واسمعون" "لتردين" "صال الجحيم"، "التلاق" "التناد"، "ترجمون" "فاعتزلون" "يناد المناد" "ليعبدون" "تطعمون"، "يَدْعُ الدَّاعِ"، مَرَّتَيْنِ فِي الْقَمَرِ، "يسر"، "أكرمن"، "أهانن "ولى دين". وَحُذِفَتِ الْوَاوُ مِنْ "وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ" و"يمح الله" في شورى، "يوم يدع الداع"، "سندع الزبانية" قال المراكشي: السر فِي حَذْفِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى سُرْعَةِ وُقُوعِ الْفِعْلِ وَسُهُولَتِهِ عَلَى الْفَاعِلِ وَشِدَّةِ وقوع الْمُنْفَعِلِ الْمُتَأَثِّرِ بِهِ فِي الْوُجُودِ، أما "وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ" فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ، وَيُسَارِعُ فِيهِ كَمَا يُسَارِعُ فِي الْخَيْرِ، بَلْ إِثْبَاتُ الشَّرِّ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَأَمَّا "وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ"، فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ ذَهَابِهِ وَاضْمِحْلَالِهِ، وَأَمَّا "يَدْعُ الداع" فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ الدُّعَاءِ، وَسُرْعَةِ إجابة المدعوين وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ الْفِعْلِ وَإِجَابَةِ الزَّبَانِيَةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ.

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الزِّيَادَةِ زِيدَتْ أَلِفٌ بَعْدَ الْوَاوِ آخِرَ اسْمٍ مجموع "نحو بنوا إسرائيل"، "ملاقوا ربهم"، "أولوا الألباب"، بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ، نَحْوَ "لَذُو عِلْمٍ" إلا "الربوا" و "إن امرؤوا هلك"، وَآخِرُ فِعْلٍ مُفْرَدٍ أَوْ جَمْعٍ، مَرْفُوعٍ أَوْ منصوب "إلا جاءو" و"باءو" حيث وقعا، و "عتو عتوا"، "فإن فاؤ"، "والذين تبوؤ الدار"، "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ" فِي النِّسَاءِ، "سعو فِي آيَاتِنَا" فِي سَبَأٍ وَبَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمَرْسُومَةِ واوا، نحو: "تفتؤا"، وفي مائة ومائتين والظنونا والرسولا والسبيلا، "ولا تقولن لشائ"، و"لا أذبحنه" "ولا أوضعوا" و"لا إلى الله"، و"لا إلى الجحيم"، و"لا تايئسوا إنه لا"، "يايئس" "أفلم يايئس" وبين الياء والجيم، في "جاي" فِي الزُّمَرِ وَالْفَجْرِ، وَكُتِبَتِ "ابْنُ" بِالْهَمْزَةِ مُطْلَقًا وَزِيدَتْ يَاءٌ فِي "نبائ المرسلين" و"ملإيه" "ملإيهم"، و"من آنائي اليل في" طه "من تلقائي نفسي"، "من ورائي حجاب" في شورى، و"إيتائي ذِي الْقُرْبَى" فِي النَّحْلِ، وَ"لقائي الآخرة" في الروم "بأييكم المفتون" بنيناها بأييد" "أفإين مات"، "أفإين مت" وزيدت واو في "أولوا" "وفروعه، و"سأوريكم". قَالَ الْمَرَاكِشِيُّ: وَإِنَّمَا زِيدَتْ هَذِهِ الْأَحْرُفُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ نَحْوَ "جايء"، و"نبائ"، وَنَحْوِهِمَا لِلتَّهْوِيلِ وَالتَّفْخِيمِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، كَمَا زِيدَتْ في "بأييد" تَعْظِيمًا لِقُوَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي بَنَى بِهَا السَّمَاءَ الَّتِي لَا تُشَابِهُهَا قُوَّةٌ

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ: كَانَتْ صُورَةُ الْفَتْحَةِ فِي الْخُطُوطِ قَبْلَ الْخَطِّ الْعَرَبِيِّ أَلِفًا، وَصُورَةُ الضَّمَّةِ وَاوًا، وَصُورَةُ الْكَسْرَةِ يَاءً، فَكُتِبَتْ "لا أوضعوا" وَنَحْوُهُ بِالْأَلْفِ، مَكَانَ الْفُتْحَةِ، وَ"إيتائي ذِي الْقُرْبَى" بِالْيَاءِ مَكَانَ الْكَسْرَةِ و"أولئك" وَنَحْوُهُ بِالْوَاوِ مَكَانَ الضَّمَّةِ، لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْخَطِّ الْأَوَّلِ. الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْهَمْزِ يُكْتَبُ السَّاكِنُ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلُهُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا أَوْ آخِرًا نَحْوَ: ائْذَنْ، وأؤتمن، والبأساء واقرأ وجئناك وهيئ والمؤتون وتسؤهم إلا فادارءتم ورءيا والرءيا وشطئه فَحَذَفَ فِيهَا وَكَذَا أَوَّلُ الْأَمْرِ بَعْدَ فَاءٍ نحو "فأتوا"، أو واو نحو: و"أتمروا" وَالْمُتَحَرِّكُ، إِنْ كَانَ أَوَّلًا أَوِ اتَّصَلَ بِهِ حَرْفٌ زَائِدٌ بِالْأَلْفِ مطلقا، نحو: "أيوب" "إذ" "أولوا"، "سأصرف"، "فبأي"، "سأنزل" إلا مواضع: "أئنكم لتشهدون"، "أئنكم لتأتون" في النمل والعنكبوت "أئنا لتاركوا" "أَئِنَّ لَنَا" فِي الشُّعَرَاءِ "أَئِذَا متنا" "أئن ذكرتم" "أئفكا" "أئمة" "لِئَلَّا لَئِنْ"، "يَوْمَئِذٍ"، "حِينَئِذٍ" فَتُكْتَبُ فِيهَا بِالْيَاءِ، إلا "قل أؤنبئكم" وَ "هَؤُلَاءِ" فَتُكْتَبُ بِالْوَاوِ وَإِنْ كَانَ وَسَطًا فَبِحَرْفٍ حَرَّكْتَهُ، نَحْوَ سَأَلَ، سُئِلَ نَقْرَؤُهُ، إِلَّا جَزَاؤُهُ الثلاثة في يوسف، و"لأملئن"، "وامتلئت"، و"اشمئزت"، و"اطمئنوا" فَحُذِفَ فِيهَا وَإِلَّا إِنْ فُتِحَ وَكُسِرَ أَوْ ضُمَّ مَا قَبْلُهُ، أو ختم ما قبله، أو ختم وَكُسِرَ مَا قَبْلُهُ فَبِحَرْفِهِ، نَحْوَ "الخاطئة" "فؤادك"، "سنقرئك"

وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلُهُ سَاكِنًا حُذِفَ هُوَ، نحو "يسئل"، "لا تجئروا" "إلا النشأة" "وموئلا" فِي الْكَهْفِ فَإِنْ كَانَ أَلِفًا وَهُوَ مَفْتُوحٌ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تُحْذَفُ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ أَلِفٍ مِثْلِهَا، إِذِ الْهَمْزَةُ حِينَئِذٍ بِصُورَتِهَا، نَحْوَ "أَبْنَاءَنَا"، وحذف منها أيضا في "قراءنا" فِي يُوسُفَ وَالزُّخْرُفِ فَإِنْ ضُمَّ أَوْ كُسِرَ فلا نحو: "آباؤكم"، "آبائهم"، "إلا" وقال أوليؤهم، "إلى أوليئهم"، في الأنعام، "إن أوليؤه" في الأنفال، "نحن أوليؤكم" في فصلت وإن كان بعد حَرْفٌ يُجَانِسُهُ فَقَدْ سَبَقَ أَيْضًا أَنَّهُ يُحْذَفُ نحو "شنئان" "خاسئينط "مستهزءون" وَإِنْ كَانَ آخِرًا فَبِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلُهُ، نحو سبأ، شاطئ، لؤلؤ، إلا في مواضع: تفتؤا، يتفيؤا، أتوكؤا، لا تظمؤا، ما يعبؤا، يبدؤا، ينشؤا، يذرؤا، نبؤا، قال الملؤا الْأَوَّلُ فِي قَدْ أَفْلَحَ وَالثَّلَاثَةُ فِي النَّمْلِ "جزاؤ" وفي خَمْسَةٍ مَوَاضَعَ، اثْنَانِ فِي الْمَائِدَةِ وَفِي الزُّمَرِ والشورى والحشر، "شركؤا" في الأنعام وشورى، "يأتهم نبؤا" في الأنعام والشعراء "علمؤا بني" "من عباده العلمؤا"، "الضعفؤا"، فِي إِبْرَاهِيمَ وَغَافِرٍ "فِي أَمْوَالِنَا ما نشؤا" و "ما دعؤا" في غافر "شفعؤا" فِي الرُّومِ "إِنَّ هَذَا لَهُوَ البلؤا"، "بلؤا مبين" في الدخان، "برءؤا منكم" فكتب فِي الْكُلِّ بِالْوَاوِ فَإِنْ سَكَّنَ مَا قَبْلَهُ حَذَفَ هُوَ، نَحْوَ "ملء الأرض" دفء، شيء، الخبء، ماء، إلا "لتنوأ" "وأن تبؤأ"، و"السوآى"، كَذَا اسْتَثْنَاهُ الْفَرَّاءُ

قُلْتُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا تُسْتَثْنَى، لِأَنَّ الْأَلِفَ الَّتِي بَعْدَ الْوَاوِ لَيْسَتْ صُورَةَ الْهَمْزَةِ، بَلْ هِيَ الْمَزِيدَةُ بَعْدَ وَاوِ الْفِعْلِ. الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْبَدَلِ ويكتب بالواو للتفخيم ألف الصلوة، والزكوة، والحيوة، والربوا، غير مضافات والغدوة، و "مشكوة"، و"النجوة"،و "منوة" وَبِالْيَاءِ كُلُّ أَلِفٍ مُنْقَلِبَةٍ عَنْهَا نحو: "يتوفيكم" فِي اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرٌ أو لَا لَقِيَ سَاكِنًا أَمْ لَا ومنه يا حسرتي ياأسفي إلا تترا وكلتا وهداني ومن عصاني والأقصا وأقصا المدينة ومن تولاه وطغا الماء وسيماهم وَإِلَّا مَا قَبِلَهَا يَاءٌ كَالدُّنْيَا والحوايا إلا يحيى اسما أو فعلا وَيُكْتَبُ بِهَا إِلَى، وَعَلَى، وَأَنَّى بِمَعْنَى كَيْفَ، وَمَتَى، وَبَلَى، وَحَتَّى، إلا "لدا الباب" وَيَكْتُبُ بِالْأَلِفِ الثُّلَاثِيُّ الْوَاوِيُّ، اسْمًا أَوْ فِعْلًا، نحو الصفا، وشفا، وعفا، إلا ضحى كيف وقع، و "ما زكى منكم" ودحيها وتليها وطحها وسجى وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ نُونُ التَّوْكِيدَ الْخَفِيفَةِ لنسفعا ويكونا، وإذا، وبالنون كاين وَبِالْهَاءِ هَاءُ التَّأْنِيثِ إِلَّا "رَحْمَتَ" فِي الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ وَهُودٍ وَمَرْيَمَ وَالرُّومِ وَالزُّخْرُفِ وَ"نِعْمَتَ" فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالنَّحْلِ وَلُقْمَانَ وَفَاطِرٍ وَالطُّورِ، وَ"سُنَّتُ" فِي الْأَنْفَالِ وَفَاطِرٍ، وَثَانِي غَافِرٍ، وَ "امْرَأَتَ" مَعَ زَوْجِهَا، و "تمت كلمت ربك الحسنى"، "فنجعل لعنت الله" "والخامسة أن

لعنت الله"،و "معصيت"، في قد سمع "إن شجرت الزقوم"، "قرت عين"و "جنت نعيم"، "بقيت الله"،و "يا أبت"،و "اللات"و "مرضات"،و" هيهات"،وذات"و "ابنت"، وفطرت" الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ تُوصَلُ "أَلَّا" بِالْفَتْحِ، إِلَّا عَشَرَةً: أَنْ لَا أَقُولَ أَنْ لَا تقولوا، فِي الْأَعْرَافِ أَنْ لَا مَلْجَأَ فِي هُودٍ أَنْ لَا إِلَهَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ فِي الْأَحْقَافِ، أَنْ لَا تُشْرِكْ فِي الْحَجِّ أَنْ لا تعبدوا في يس، أن لَا تَعْلُوا فِي الدُّخَانِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ، فِي الْمُمْتَحَنَةِ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا، فِي ن وَ "مما" إلا "من مَا مَلَكَتْ" فِي النِّسَاءِ وَالرُّومِ، "مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ" فِي الْمُنَافِقِينَ وَ "مِمَّنْ" مُطْلَقًا وَ "عَمَّا" إلا "عن ما نهوا" و"إما" بالكسر، إلا و"إن ما نُرِيَنَّكَ" فِي الرَّعْدِ وَ "أَمَّا" بِالْفَتْحِ مُطْلَقًا وَ "عَمَّنْ" إِلَّا "يصرفه عن من" فِي النُّورِ، "عَنْ مَنْ تَوَلَّى" فِي النَّجْمِ وَ "أَمَّنْ" إِلَّا "أَمْ مَنْ يَكُونُ" فِي النِّسَاءِ "أم من أسس"، "أَمْ مَنْ خَلَقْنَا"،فِي الصَّافَّاتِ، "أَمْ مَنْ يأتي آمنا" وَ "إِلَّمْ" بِالْكَسْرِ؛ إِلَّا "فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا" فِي الْقَصَصِ

وَ "فِيمَا" إِلَّا أَحَدَ عَشَرَ "في ما فَعَلْنَ" الثَّانِي فِي الْبَقَرَةِ، "لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا" فِي الْمَائِدَةِ وَالْأَنْعَامُ، "قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا"، "فِي مَا اشْتَهَتْ" فِي الْأَنْبِيَاءِ، "فِي مَا أفضتم"، "في ما ههنا" فِي الشُّعَرَاءِ، "فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ"، فِي الرُّومِ "فِي مَا هُمْ فِيهِ"، "فِي مَا كَانُوا فِيهِ"، كِلَاهُمَا فِي الزُّمَرِ، "وَنُنْشِئَكُمْ فِي مالا تَعْلَمُونَ" فِي الْوَاقِعَةِ وَ "إِنَّمَا" إِلَّا: "إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ" فِي الْأَنْعَامِ وَ "أَنَّمَا" بِالْفَتْحِ إلا "أن مَا يَدْعُونَ" فِي الْحَجِّ وَلُقْمَانَ وَ "كُلَّمَا" إلا "كل ما ردوا إلى الفتنة"، "من كل ما سألتموه " وَ "بِئْسَمَا" إِلَّا مَعَ اللَّامِ وَ "نِعِمَّا"وَ "مَهْمَا"وَ "رُبَّمَا"وَ "كَأَنَّمَا"،وَ"يكأن" وَتَقْطَعُ "حَيْثُ مَا"،وَ "أَنْ لَمْ"، بِالْفَتْحِ، وَ "أَنْ لَنْ" إِلَّا فِي الْكَهْفِ وَالْقِيَامَةِ وَ "أَيْنَ مَا" إِلَّا "فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا"، "أينما يوجهه" واختلف "في أين ما تكونوا يدرككم"، "أينما كنتم تعبدون "في الشعراء "أينما ثُقِفُوا" فِي الْأَحْزَابِ، وَ"لِكَيْ لَا" إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ وَالْحَجِّ وَالْحَدِيدِ وَالثَّانِي فِي الْأَحْزَابِ و"يوم هم"،و "لات حين" و "ابن أم" إِلَّا فِي طه، فَكُتِبَتِ الْهَمْزَةُ حِينَئِذٍ وَاوًا وَحُذِفَتْ هَمْزَةُ "ابْنِ" فَصَارَتْ هَكَذَا "يَبْنَؤُمِّ"

الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ فِيمَا فِيهِ قِرَاءَتَانِ فَكَتَبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا وَمُرَادُنَا غَيْرُ الشاذ من ذلك: "ملك يوم الدين"، "يخدعون"،و" واعدنا"،و "الصعقة" و"الريح،"و "تفدوهم"،و "تظهرون": و"لا تقتلوهم"،ونحوها و"لولا دفع"، "فرهن"، "طئرا" في آل عمران والمائدة "مضعفة ونحوه "عقدت إيمانكم"، "الأولين"، "لمستم"، "قسية"، "قيما"،و" للناس" "خطيئتكم"، في الأعراف "طئف"، "حش الله" "وسيعلم الكفر"، "تزور"، "زكية"، "فلا تصحبني" "لتخذت"، "مهدا"و "حرم على قرية" "إن الله يدفع"، "سكرى وما هم بسكرى" "المضغة عظما فكسونا العظم"، "سراجا"، "بل إدراك"،و "لا تصعر" "ربنا بعد"، "أسورة" بِلَا أَلِفٍ فِي الْكُلِّ وَقَدْ قُرِئَتْ بِهَا وبحذفها "غيبت الجب"، "وأنزل عليه ءايت" في العنكبوت و "ثمرت مِنْ أَكْمَامِهَا" فِي فُصِّلَتْ، وَ "جملت"، "فهم على بينت": "وهم في الغرفت آمنون" بِالتَّاءِ وَقَدْ قُرِئَتْ بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَادِ و"تقية" بالياء، و "لأهب بِالْأَلِفِ،" وَ "يُقَضَ الْحَقُّ" بِلَا يَاءٍ وَ "ءاتوني زبر الحديد" بألف فقط "ننج المؤمنين"، بنون واحدة والصراط كيف وقع، و "بصطة" في الأعراف و "المصيطرون"،و "مصيطر" بِالصَّادِ لَا غَيْرَ

وقد تكتب الكلمة صالحة للقراءتين، نحو "فكهون" وَعَلَى قِرَاءَتِهَا هِيَ مَحْذُوفَةٌ رَسْمًا، لِأَنَّهُ جَمْعُ تَصْحِيحٍ. فَرْعٌ فِيمَا كُتِبَ مُوَافِقًا لِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ وَمِنْ ذلك: إن البقر تشبه علينا "أو كلما عهدوا" وأما "ما بقي من الربو" فَقُرِئَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ "فلقتلوكم"، "إنما طئرهم" "طئره في عنقه"، "تسقط" "سمرا" "وفصله في عامين"، "عليهم ثياب سندس" "ختمه مسك" "فادخلي في عبدي". فَرْعٌ وَأَمَّا الْقِرَاءَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ الْمَشْهُورَةُ بِزِيَادَةٍ لَا يَحْتَمِلُهَا الرَّسْمُ وَنَحْوَهَا، نحو أوصى ووصى وتجري تحتها ومن تحتها وسيقولون الله ولله وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهُمْ وَمَا عَمِلَتْهُ فَكِتَابَتُهُ عَلَى نَحْوِ قِرَاءَتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي مَصَاحِفِ الْإِمَامِ. فَائِدَةٌ كُتِبَتْ فَوَاتِحُ السُّوَرِ عَلَى صُورَةِ الْحُرُوفِ أَنْفُسِهَا، لَا عَلَى صُورَةِ النُّطْقِ بِهَا، اكْتِفَاءً بِشُهْرَتِهَا وَقُطِعَتْ "حم عسق" دُونَ "المص" وَ "كهيعص" طَرْدًا لِلْأُولَى بِأَخَوَاتِهَا السِّتَّةِ.

فَصْلٌ: فِي آدَابِ كِتَابَتِهِ يُسْتَحَبُّ كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ وَتَحْسِينُ كِتَابَتِهِ وَتَبْيِينِهَا وَإِيضَاحِهَا وَتَحْقِيقِ الْخَطِّ دُونَ مَشَقَّةٍ وَتَعْلِيقِهِ فَيُكْرَهُ وَكَذَا كِتَابَتُهُ فِي الشَّيْءِ الصَّغِيرِ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ رَجُلٍ مُصْحَفًا قَدْ كَتَبَهُ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَضَرَبَهُ وَقَالَ: عَظِّمُوا كِتَابَ اللهِ وَكَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مُصْحَفًا عَظِيمًا سُرَّ بِهِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُتَّخَذَ الْمَصَاحِفُ صِغَارًا وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ فِي الشَّيْءِ الصَّغِيرِ وَأَخْرَجَ هُوَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي حكيم الْعَبْدِيِّ قَالَ: مَرَّ بِي عَلِيٌّ وَأَنَا أَكْتُبُ مُصْحَفًا، فَقَالَ أَجِلَّ قَلَمَكَ فَقَضَمْتُ مِنْ قَلَمِي قَضْمَةً ثُمَّ جَعَلْتُ أَكْتُبُ فَقَالَ: نَعَمْ هَكَذَا نَوَّرَهُ كَمَا نَوَّرَهُ اللهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا قَالَ: تَنَوَّقَ رَجُلٌ فِي "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فَغُفِرَ لَهُ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ وَابْنِ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ، مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُجَوَّدَةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ" وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلْيَمُدَّ "الرَّحْمَنَ" وَأَخْرَجَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُكْتَبَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، لَيْسَ لَهَا سِينٌ

وَأَخْرَجَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ كَاتِبَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ "بِسْمِ اللَّهِ" وَلَمْ يَكْتُبْ لَهَا سنا فَضَرَبَهُ عُمَرُ، فَقِيلَ لَهُ: فِيمَ ضَرَبَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: ضَرَبَنِي فِي سِينٍ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُمَدَّ الْبَاءُ إِلَى الْمِيمِ حَتَّى تكتب السِّينَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكْتَبَ الْمُصْحَفُ مَشَّقًا، قِيلَ: لِمَ؟ قَالَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا، وَتُحْرَمُ كِتَابَتُهُ بِشَيْءٍ، نَجِسٍ، وَأَمَّا بِالذَّهَبِ فَهُوَ حَسَنٌ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ مُصْحَفٌ زُيِّنَ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا زَيَّنَ بِهِ الْمُصْحَفَ تِلَاوَتُهُ بِالْحَقِّ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَتُكْرَهُ كِتَابَتُهُ عَلَى الْحِيطَانِ وَالْجُدْرَانِ وَعَلَى السُّقُوفِ أَشَدَّ كَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ يُوطَأُ. "وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: لَا تَكْتُبُوا الْقُرْآنَ حَيْثُ يُوطَأُ". وَهَلْ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِقَلَمِ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ؟ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: "وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ قَدْ يحسنه من يقرأ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ كَمَا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ بِغَيْرِ"، لِسَانِ الْعَرَبِ، وَلِقَوْلِهِمْ: الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ قَلَمًا غَيْرَ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ قَالَ تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} انْتَهَى.

فَائِدَةٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ إِلَّا مُضَرِيُّ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ هَذَا مِنْ أَجِلِّ اللُّغَاتِ. مَسْأَلَةٌ اخْتُلِفَ فِي نُقَطِ الْمُصْحَفِ وشكله، وقال: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو الْأُسُودِ الدُّؤَلِيُّ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقِيلَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَقِيلَ: نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ اللَّيْثِيُّ وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْهَمْزَ وَالتَّشْدِيدَ وَالرَّوْمَ وَالْإِشْمَامَ الْخَلِيلُ وَقَالَ قَتَادَةُ: بَدَءُوا فَنَقَّطُوا ثُمَّ خَمَّسُوا، ثُمَّ عَشَّرُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوَّلُ مَا أَحْدَثُوا النُّقَطَ عِنْدَ آخَرِ الْآيِ، ثُمَّ الْفَوَاتِحِ وَالْخَوَاتِمِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُحْدِثُ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا النُّقَطَ الثَّلَاثَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدِ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَخْلِطُوهُ بِشَيْءٍ وَأَخْرَجَ عَنِ النَّخْعِيُّ أَنَّهُ كَرِهَ نَقْطَ الْمَصَاحِفِ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ النَّقْطَ وَالْفَوَاتِحَ وَالْخَوَاتِمَ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا التَّعْشِيرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْعَوَاشِرَ وَالْفَوَاتِحَ وَتَصْغِيرَ الْمُصْحَفِ وَأَنْ يُكْتَبَ فِيهِ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا.

وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِمُصْحَفٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا آيَةٍ، فَقَالَ امْحُ هَذَا فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَكْرَهُهُ وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْجُمَلَ فِي الْمُصْحَفِ، وَفَاتِحَةَ سُورَةِ كَذَا وَخَاتِمَةَ سُورَةِ كَذَا وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّقْطِ فِي الْمَصَاحِفِ التي تتعلم فيها الغلماء، أَمَّا الْأُمَّهَاتُ فَلَا وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْأَعْشَارِ، وَالْأَخْمَاسِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ وَعَدَدِ الْآيَاتِ فِيهِ لِقَوْلِهِ: "جَرِّدُوا الْقُرْآنَ"، وَأَمَّا النَّقْطُ فَيَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ فَيُتَوَهَّمُ لأجلها مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرَآنًا، وَإِنَّمَا هِيَ دَلَالَاتٌ عَلَى هَيْئَةِ الْمَقْرُوءِ فَلَا يَضُرُّ إِثْبَاتُهَا لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ آدَابِ الْقُرْآنِ أَنْ يُفَخَّمَ، فَيَكْتُبُ مُفَرَّجًا بِأَحْسَنِ خَطٍّ فَلَا يَصَغَّرُ وَلَا تقرمط حُرُوفَهُ، وَلَا يُخْلَطُ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ كَعَدَدِ الْآيَاتِ وَالسَّجَدَاتِ وَالْعَشَرَاتِ وَالْوُقُوفِ وَاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ وَمَعَانِي الْآيَاتِ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا بَأْسَ بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ. وَأَخْرَجَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِشَكْلِهِ وَقَالَ: النَّوَوِيُّ نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَشَكْلُهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ صِيَانَةٌ لَهُ مِنَ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ وَقَالَ ابن مجاهد: ينبغي ألا يُشْكَلَ إِلَّا مَا يُشْكِلُ وَقَالَ الدَّانِيُّ: لَا أَسْتَجِيزُ النَّقْطَ بِالسَّوَادِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّغْيِيرِ لِصُورَةِ الرَّسْمِ، وَلَا أَسْتَجِيزُ جَمْعَ قِرَاءَاتٍ شَتَّى فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، لِأَنَّهُ مِنْ

أَعْظَمِ التَّخْلِيطِ وَالتَّغْيِيرِ لِلْمَرْسُومِ، وَأَرَى أَنْ تَكُونَ الْحَرَكَاتُ وَالتَّنْوِينُ وَالتَّشْدِيدُ وَالسُّكُونُ وَالْمَدُّ بِالْحُمْرَةِ، وَالْهَمَزَاتِ بِالصُّفْرَةِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الشَّافِي: مِنَ الْمَذْمُومِ كِتَابَةُ تَفْسِيرِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ بَيْنَ أَسْطُرِهِ. فَائِدَةٌ كَانَ الشَّكْلُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ نُقَطًا فَالْفُتْحَةُ نُقْطَةٌ عَلَى أَوَّلِ الْحَرْفِ، وَالضَّمَّةُ عَلَى آخِرِهِ، وَالْكَسْرَةُ تَحْتَ أَوَّلِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الدَّانِيُّ وَالَّذِي اشْتُهِرَ الْآنَ الضَّبْطُ بِالْحَرَكَاتِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْحُرُوفِ، وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْخَلِيلُ، وَهُوَ أَكْثَرُ وَأَوْضَحُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فَالْفَتْحُ شَكْلُهُ مُسْتَطِيلَةٌ فَوْقَ الْحَرْفِ، وَالْكَسْرُ كَذَلِكَ تَحْتَهُ وَالضَّمُّ وَاوٌ صُغْرَى فَوْقَهُ وَالتَّنْوِينُ زِيَادَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مُظْهَرًا- وَذَلِكَ قَبْلَ حَرْفِ حَلْقٍ- رُكِّبَتْ فَوْقَهَا، وإلا تابعت بَيْنَهُمَا، وَتَكْتُبُ الْأَلِفُ الْمَحْذُوفَةُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهَا فِي مَحَلِّهَا حَمْرَاءَ، وَالْهَمْزَةُ الْمَحْذُوفَةُ تُكْتَبُ هَمْزَةً بِلَا حِرَفٍ حَمْرَاءَ أَيْضًا، وَعَلَى النُّونِ وَالتَّنْوِينِ قَبْلَ الْبَاءِ عَلَامَةُ الْإِقْلَابِ "م" حَمْرَاءُ، وَقَبْلَ الْحَلْقِ سكون وتقرأ عِنْدَ الْإِدْغَامِ وَالْإِخْفَاءِ، وَيُسَّكَنُ كُلُّ مُسَكَّنٍ وَيُعَرَّى الْمُدْغَمُ، وَيُشَدَّدُ مَا بَعْدَهُ إِلَّا الطَّاءِ قَبْلَ التَّاءِ، فيكتب عليها السكون، نحو "فرطت"، وَمَطَّةُ الْمَمْدُودِ لَا تُجَاوِزُهُ. فَائِدَةٌ قَالَ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ، يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: جَرِّدُوهُ فِي التِّلَاوَةِ وَلَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ وَالثَّانِي: جَرِّدُوهُ فِي الْخَطِّ مِنَ النُّقَطِ وَالتَّعْشِيرِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَبْيَنُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ، لِأَنَّ مَا خَلَا الْقُرْآنَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ عَلَيْهَا. فَرْعٌ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَأَخْرِجَ مِثْلَهُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَاخْرَجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَشِرَاءِهَا وَأَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى كِتَابَتِهَا "وَأَخْرَجَ عن محمد بن سرين: انه كره بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَشِرَاءِهَا وَأَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى كِتَابَتِهَا". وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِالثَّلَاثَةِ وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَقَالَ لَا بَأْسَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ أُجُورَ أَيْدِيهُمْ وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمُصْحَفِ، قَالَ: لَا بَأْسَ إِنَّمَا تَبِيعُ الْوَرَقَ

وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَدِّدُونَ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ وَأَخْرَجَ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُصْحَفُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوَرَّثُ وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ: أَعِنْ أَخَاكَ بِالْكِتَابِ أوهب لَهُ وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ وَلَا تَبِعْهَا وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَرَخَصَّ فِي شِرَائِهَا وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلسَّلَفِ، ثَالِثُهَا كَرَاهَةُ الْبَيْعِ دُونَ الشِّرَاءِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ عِنْدَنَا، كَمَا صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَنَقَلَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الثَّمَنَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُبَاعُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أُجْرَةِ النَّسْخِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ إِسْنَادُ الْقَوْلَيْنِ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُمَا مَعًا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَصَاحِفِ، إِنَّمَا يَبِيعُ الْوَرَقَ وَعَمَلَ يَدَيْهِ. فَرْعٌ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ: الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ بِدْعَةٌ لَمْ تُعْهَدْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ مِنَ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ وَعَدَمِ التَّهَاوُنِ بِهِ.

فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَشَرَعَ تَقْبِيلَهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رُوَايَاتٍ: الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْبَابُ، وَالتَّوَقُفُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْعَةٌ وَإِكْرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ قِيَاسٌ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ فِي الْحَجَرِ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ. فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ الْمُصْحَفِ، وَجَعْلُهُ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَيَحْرُمُ تَوَسُّدُهُ، لِأَنَّ فِيهِ إِذْلَالًا وَامْتِهَانًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا مَدَّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْهِ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنْ سُفْيَانَ، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعَلَّقَ الْمَصَاحِفُ وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا لِلْحَدِيثِ كَرَاسِيَّ كَكَرَاسِيِّ الْمَصَاحِفِ. فَرْعٌ يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالْفِضَّةِ إِكْرَامًا لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ تَفْضِيضِ الْمَصَاحِفِ فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مُصْحَفًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُمْ فَضَّضُوا الْمَصَاحِفَ، عَلَى هَذَا أَوْ نَحْوِهِ وَأَمَّا بِالذَّهَبِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمِ الْجَوَازَ بِنَفْسِ الْمُصْحَفِ، دون غلافه المنفضل عَنْهُ وَالْأَظْهَرُ التَّسْوِيَةُ.

فَرْعٌ إِذَا احْتِيجَ إِلَى تَعْطِيلِ بَعْضِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ لِبِلًى وَنَحْوِهِ، فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا فِي شَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ وَيُوطَأُ، وَلَا يَجُوزُ تَمْزِيقُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِقَةِ الْكَلِمِ، وَفِي ذَلِكَ إِزْرَاءٌ بِالْمَكْتُوبِ كذا قال الْحَلِيمِيُّ قَالَ: وَلَهُ: غَسْلُهَا بِالْمَاءِ، وَإِنْ أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ فَلَا بَأْسَ؛ أَحْرَقَ عُثْمَانُ مَصَاحِفَ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ وَقِرَاءَاتٌ مَنْسُوخَةٌ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِحْرَاقَ أَوْلَى مِنَ الْغَسْلِ، لِأَنَّ الْغُسَالَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِامْتِنَاعِ الْإِحْرَاقِ، لِأَنَّهُ خِلَافَ الِاحْتِرَامِ، وَالنَّوَوِيُّ بِالْكَرَاهَةِ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفَيَّةِ أَنَّ الْمُصْحَفَ إِذَا بَلِيَ لَا يُحْرَقُ، بَلْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَيُدْفَنُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ لِتَعَرُّضِهِ لِلْوَطْءِ بِالْأَقْدَامِ. فَرْعٌ رَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ: مُصَيْحِفٌ وَلَا مُسَيْجِدٌ، مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ عَظِيمٌ. فَرْعٌ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ تَحْرِيمِ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْمُحْدِثِ، سَوَاءٌ كَانَ

أَصْغَرَ أَمْ أَكَبْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} وَحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ. خَاتِمَةٌ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرَهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَرَسَ نَخْلًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ من بعد موته، أوورث مُصْحَفًا".

النوع السابع والسبعون: في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه

النَّوْعُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِهِ وَتَأْوِيلِهِ وَبَيَانِ شَرَفِهِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ التَّفْسِيرُ "تَفْعِيلٌ" مِنَ الْفَسْرِ، وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ، وَيُقَالَ: هُوَ مَقْلُوبٌ السَّفَرِ، تَقُولُ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ إِذَا أَضَاءَ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّفْسِرَةِ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يَعْرِفُ بِهِ الطَّبِيبُ الْمَرَضِ وَالتَّأْوِيلُ أَصْلُهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، فَكَأَنَّهُ صَرَفَ الْآيَةَ إِلَى مَا تَحْتَمِلُهُ مِنَ الْمَعَانِي وَقِيلَ مِنَ الْإِيَالَةِ وَهِيَ السِّيَاسَةُ، كَأَنَّ الْمُؤَوِّلَ لِلْكَلَامِ سَاسَ الْكَلَامَ وَوَضَعَ الْمَعْنَى فِيهِ موضعه واختلف في التفسير أو التأويل، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٍ: هُمَا بِمَعْنًى: وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ قَوْمٌ حَتَّى بَالَغَ ابْنُ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ، فَقَالَ: قَدْ نَبَغَ فِي زَمَانِنَا مُفَسِّرُونَ لَوْ سُئِلُوا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ وَقَالَ الرَّاغِبُ: التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ التَّأْوِيلِ؛ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَلْفَاظِ وَمُفْرَدَاتِهَا وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعَانِي وَالْجُمَلِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالتَّفْسِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّفْسِيرُ بَيَانُ لَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، وَالتَّأْوِيلُ تَوْجِيهُ لَفْظٍ مُتَوَجِّهٍ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: التَّفْسِيرُ الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ اللَّفْظِ هَذَا، وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ عَنَى بِاللَّفْظِ هَذَا، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَتَفْسِيرٌ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَالتَّأْوِيلُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُحْتَمِلَاتِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ

وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ التَّغْلِبِيُّ: التَّفْسِيرُ بَيَانُ وَضْعِ اللَّفْظِ إِمَّا حَقِيقَةً، أَوْ مَجَازًا، كَتَفْسِيرِ الصِّرَاطِ: بِالطَّرِيقِ وَالصَّيِّبِ: بِالْمَطَرِ وَالتَّأْوِيلُ تَفْسِيرُ بَاطِنِ اللَّفْظِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَالتَّأْوِيلُ إِخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ وَالتَّفْسِيرُ إِخْبَارٌ عَنْ دَلِيلِ الْمُرَادِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَكْشِفُ عَنِ الْمُرَادِ وَالْكَاشِفُ دَلِيلٌ، مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} ، تَفْسِيرُهُ أَنَّهُ مِنَ الرَّصْدِ، يُقَالَ رَصَدْتُهُ رَقَبْتُهُ، وَالْمِرْصَادُ "مِفْعَالٌ" مِنْهُ وَتَأْوِيلُهُ التَّحْذِيرُ مِنَ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَالْغَفْلَةِ عَنِ الْأُهْبَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْعَرْضِ عَلَيْهِ، وَقَوَاطِعُ الْأَدِلَّةِ تَقْتَضِي بَيَانَ الْمُرَادِ مِنْهُ، عَلَى خِلَافِ وَضْعِ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَقَالَ الْأَصْبِهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: اعْلَمْ أَنَّ التَّفْسِيرَ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ كَشْفُ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَبَيَانُ الْمُرَادِ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْمُشْكَلِ وَغَيْرِهِ، وَبِحَسَبِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ، وَالتَّأْوِيلُ أَكْثَرُهُ فِي الْجُمَلِ، وَالتَّفْسِيرُ إِمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَرِيبِ الْأَلْفَاظِ نَحْوَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَالْوَصِيلَةِ، أَوْ فِي وَجِيزٍ يَتَبَيَّنُ بِشَرْحٍ، نَحْوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَإِمَّا فِي كَلَامٍ مُتَضَمِّنٍ لِقِصَّةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهَا، كَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وَقَوْلُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} ؛ وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً عَامًا وَمَرَّةً خَاصًّا، نَحْوَ الْكُفْرُ الْمُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي الْجُحُودِ الْمُطْلَقِ، وَتَارَةً فِي جُحُودِ الْبَارِئِ عَزَّ وَجَلَّ خَاصَّةً، وَالْإِيمَانُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ الْمُطْلَقِ تَارَةً وَفِي تَصْدِيقِ الْحَقِّ أُخْرَى، وَإِمَّا فِي لَفْظٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، نَحْوَ لَفْظِ "وَجَدَ" الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْجِدَّةِ وَالْوَجْدِ وَالْوُجُودِ وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّفْسِيرُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّوَايَةِ، وَالتَّأْوِيلِ يَتَعَلَّقُ بِالدِّرَايَةِ

وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ: التَّفْسِيرُ مَقْصُورٌ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَالسَّمَاعِ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّأْوِيلِ وَقَالَ قَوْمٌ: مَا وَقَعَ مُبِينًا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمُعَيَّنًا فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ سُمِّيَ تَفْسِيرًا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَدْ ظَهَرَ وَوَضَحَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ وَلَا غَيْرِهِ، بَلْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ لَا يَتَعَدَّاهُ، وَالتَّأْوِيلُ مَا استنبطه العلماء العاملون لِمَعَانِي الْخِطَابِ الْمَاهِرُونَ فِي آلَاتِ الْعُلُومِ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْبَغْوَيُّ وَالْكَوَاشِيُّ: التَّأْوِيلُ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنَى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، غَيْرَ مُخَالِفٍ للكتاب والسنة من طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّفْسِيرُ فِي الِاصْطِلَاحِ علم نزول الآيات وشئونها وَأَقَاصِيصِهَا، وَالْأَسْبَابِ النَّازِلَةِ فِيهَا ثُمَّ تَرْتِيبِ مَكِّيِّهَا وَمَدَنِيِّهَا، وَمُحَكِّمِهَا وَمُتَشَابِهِهَا، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا، وَخَاصِّهَا وَعَامِّهَا، وَمُطْلِقِهَا وَمُقَيَّدِهَا، وَمُجَمِّلِهَا وَمُفَسَّرِهَا، وَحَلَالِهَا وَحَرَامِهَا وَوَعْدِهَا وَوَعِيدِهَا، وَأَمْرِهَا وَنَهْيِهَا، وَعِبَرِهَا وَأَمْثَالِهَا وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: التَّفْسِيرُ عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ، وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ، قَالَ: فَقَوْلُنَا "عِلْمٌ" جِنْسٌ، وَقَوْلُنَا: "يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ" هُوَ عِلْمُ الْقِرَاءَةِ، وَقَوْلُنَا: وَمَدْلُولَاتِهَا أَيْ مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا مَتْنُ عِلْمِ اللُّغَةِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ، وَقَوْلُنَا: "وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ"، هَذَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّصْرِيفِ وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ وَقَوْلُنَا وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ يَشْمَلُ مَا دَلَالَتُهُ بِالْحَقِيقَةِ، وَمَا دَلَالَتُهُ بِالْمَجَازِ، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ قَدْ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ شَيْئًا وَيَصُدُّ

عَنِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ صَادٌّ، فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَجَازُ وَقَوْلُنَا: "وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ"، هُوَ مِثْلَ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ وَسَبَبِ النُّزُولِ وَقِصَّةٍ تُوَضِّحُ بَعْضَ مَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: التَّفْسِيرُ عِلْمٌ يُفْهَمُ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانَ مَعَانِيهِ، وَاسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِهِ وَحِكَمِهِ، وَاسْتِمْدَادِ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَعِلْمِ الْبَيَانِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَاتِ، وَيَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ والمنسوخ". فصل: في وجه الحاجه إلى التفسير أما وَجْهُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَاطَبَ خَلْقَهُ بِمَا يَفْهَمُونَهُ، وَلِذَلِكَ أَرْسَلَ كُلَّ رَسُولٍ بِلِسَانِ قومه، أنزل كِتَابَهُ عَلَى لُغَتِهِمْ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى التَّفْسِيرِ لِمَا سَيَذْكُرُ بَعْدَ تَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَضَعَ مِنَ الْبَشَرِ كِتَابًا فَإِنَّمَا وَضَعَهُ لِيُفْهَمَ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْحٍ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى الشُّرُوحِ لِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: كَمَالُ فَضِيلَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ لِقُوَّتِهِ الْعِلْمِيَّةِ يَجْمَعُ الْمَعَانِيَ الدَّقِيقَةَ فِي اللَّفْظِ الْوَجِيزِ فَرُبَّمَا عُسِرَ فَهْمُ مُرَادِهِ فَقَصَدَ بِالشَّرْحِ ظُهُورَ تِلْكَ الْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ وَمِنْ هُنَا كَانَ شَرْحُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ تَصْنِيفَهُ أَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ شَرْحِ غَيْرِهِ لَهُ. وَثَانِيهَا: إِغْفَالُهُ بَعْضَ تَتِمَّاتِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ شُرُوطٍ لَهَا اعْتِمَادًا عَلَى وُضُوحِهَا أَوْ لِأَنَّهَا مِنْ عِلْمٍ آخر فيحتاج الشارع لِبَيَانِ الْمَحْذُوفِ وَمَرَاتِبِهِ.

وَثَالِثُهَا: احْتِمَالُ اللَّفْظِ لِمَعَانٍ كَمَا فِي الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ وَدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فَيَحْتَاجُ الشَّارِحُ إِلَى بَيَانِ غَرَضِ الْمُصَنِّفِ وَتَرْجِيحِهِ وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّصَانِيفِ مالا يَخْلُو عَنْهُ بَشَرٌ مِنَ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ أَوْ تَكْرَارِ الشَّيْءِ أَوْ حَذْفِ الْمُبْهَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ الشَّارِحُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فِي زَمَنِ أَفْصَحِ الْعَرَبِ وَكَانُوا يَعْلَمُونَ ظَوَاهِرَهُ وَأَحْكَامَهُ أَمَّا دَقَائِقُ بَاطِنِهِ فَإِنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ لَهُمْ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ مَعَ سُؤَالِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَكْثَرِ كَسُؤَالِهِمْ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} فَقَالُوا: وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وَكَسُؤَالِ عَائِشَةَ عَنِ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ فَقَالَ: "ذَلِكَ الْعَرُضُ" وَكَقِصَّةِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَأَلُوا عَنْ آحَادٍ مِنْهُ وَنَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى مَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الظَّوَاهِرِ لِقُصُورِنَا عَنْ مَدَارِكِ أَحْكَامِ اللُّغَةِ بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ فَنَحْنُ أَشَدُّ النَّاسِ احْتِيَاجًا إِلَى التَّفْسِيرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ تفسيره بعضه يكون من قبل بسط الْأَلْفَاظِ الْوَجِيزَةِ وَكَشْفِ مَعَانِيهَا وَبَعْضُهُ مِنْ قِبَلِ تَرْجِيحِ بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى بَعْضٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: عِلْمُ التَّفْسِيرِ عَسِيرٌ يَسِيرٌ أَمَّا عُسْرُهُ فَظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ كَلَامُ مُتَكَلِّمٍ لم يصل النَّاسُ إِلَى مُرَادِهِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَلَا إِمْكَانِ الوصول إليه بخلاف الْأَمْثَالِ وَالْأَشْعَارِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُمَكِّنُ عِلْمَهُ مِنْهُ إِذَا تَكَلَّمَ بِأَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَتَفْسِيرُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ لَا يُعْلَمُ

إِلَّا بِأَنْ يَسْمَعَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ إِلَّا فِي آيَاتٍ قَلَائِلَ فَالْعِلْمُ بِالْمُرَادِ يُسْتَنْبَطُ بِأَمَارَاتٍ وَدَلَائِلَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَتَفَكَّرَ عِبَادَهُ فِي كِتَابِهِ فَلَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْمُرَادِ فِي جَمِيعِ آيَاتِهِ. فصل: في شرف التَّفْسِيرِ وَأَمَّا شَرَفُهُ فَلَا يَخْفَى قَالَ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قَالَ الْمَعْرِفَةُ بِالْقُرْآنِ نَاسِخُهُ وَمَنْسُوخُهُ وَمُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ وَمُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَأَمْثَالُهُ وَأَخْرَجَ ابن مردويه من طريق جويبر عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قَالَ الْقُرْآنَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي تَفْسِيرَهُ فَإِنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قَالَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْفِكْرَةُ فِيهِ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةَ وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: مَا مَرَرْتُ بِآيَةٍ فِي كِتَابِ

اللَّهِ لَا أَعْرِفُهَا إِلَّا أَحْزَنَتْنِي لِأَنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ تُعْلَمَ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَمَا أَرَادَ بِهَا وَأَخْرَجَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يُحْسِنُ تَفْسِيرَهُ كَالْأَعْرَابِيِّ يَهُذُّ الشِّعْرَ هَذًّا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ وَالْتَمِسُوا غَرَائِبَهُ" وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لِأَنْ أُعْرِبَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْفَظَ آيَةً وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ إِذَا سَافَرْتُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَعْرَبْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَفَعَلْتُ" وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرُ شَهِيدٍ" قُلْتُ: مَعْنَى هَذِهِ الْآثَارِ عِنْدِي إِرَادَةُ الْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِعْرَابِ عَلَى الْحُكْمِ النَّحْوِيِّ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي سَلِيقَتِهِمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَعَلُّمِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ النَّقِيبِ جَنَحَ إِلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِعْرَابَ الصِّنَاعِيَّ، وَفِيهِ بُعْدٌ

وَقَدْ يَسْتَدِلُّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ السِّلَفِيُّ فِي الطُّيُورِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ يَدُلَّكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ" وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَأَجَلُّ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ: أَشْرَفُ صِنَاعَةٍ يَتَعَاطَاهَا الْإِنْسَانُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ شَرَفَ الصِّنَاعَةِ إِمَّا بِشَرَفِ مَوْضُوعِهَا مِثْلَ الصِّيَاغَةِ فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنَ الدِّبَاغَةِ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الصِّيَاغَةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْ مَوْضُوعِ الدِّبَاغَةِ الَّذِي هُوَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ وَإِمَّا بِشَرَفِ غَرَضِهَا مِثْلَ صِنَاعَةِ الطِّبِّ فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ صِنَاعَةِ الْكُنَاسَةِ لِأَنَّ غَرَضَ الطِّبِّ إِفَادَةُ الصِّحَّةِ وَغَرَضَ الْكُنَاسَةِ تَنْظِيفُ الْمُسْتَرَاحِ وَإِمَّا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَالْفِقْهِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الطِّبِّ إِذْ ما من واقعة من الْكَوْنِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ بِهِ انْتِظَامُ صَلَاحِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ بِخِلَافِ الطِّبِّ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَصِنَاعَةُ التَّفْسِيرِ قَدْ حَازَتِ الشَّرَفَ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعِ فَلِأَنَّ مَوْضُوعَهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ يَنْبُوعُ كُلِّ حِكْمَةٍ وَمَعْدِنُ كُلِّ فَضِيلَةٍ فِيهِ نبأ ما قبلكم وخبر مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ لَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْغَرَضِ فَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ هُوَ الِاعْتِصَامُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَالْوُصُولُ إِلَى السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا تَفْنَى وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ فَلِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلِيٍّ أَوْ آجِلِيٍّ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

النوع الثامن والسبعون: في معرفة شروط المفسر وآدابه

النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ الْمُفَسِّرِ وآدابه قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، طَلَبَهُ أَوَّلًا مِنَ الْقُرْآنِ فَمَا أُجْمِلَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ فَقَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَا اخْتُصِرَ فِي مَكَانٍ فَقَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ وَقَدْ أَلَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ كِتَابًا فِيمَا أُجْمِلَ فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعٍ وَفُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ وَأَشَرْتُ إِلَى أَمْثِلَةٍ مِنْهُ فِي نَوْعِ الْمُجْمَلِ فَإِنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ طَلَبَهُ مِنَ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُوَضَّحَةٌ لَهُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} فِي آيَاتٍ أُخَرَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَّا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ"، يَعْنِي السنة، فإن لم يجده في السُّنَّةِ رَجَعَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ عِنْدَ نُزُولِهِ وَلِمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: إِنَّ تَفْسِيرَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي شَهِدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الطَّبَرِيُّ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ: الْقَوْلُ فِي أدوات الْمُفَسِّرِ: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ صِحَّةُ الِاعْتِقَادِ أَوَّلًا وَلُزُومُ سُنَّةِ الدِّينِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الدُّنْيَا فَكَيْفَ عَلَى الدِّينِ ثُمَّ لَا يُؤْتَمَنُ مِنَ الدِّينِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ عَالِمٍ فَكَيْفَ يُؤْتَمَنُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْإِلْحَادِ أَنْ يَبْغِيَ الْفِتْنَةَ وَيُغِرِّ النَّاسَ بِلَيِّهِ وَخِدَاعِهِ كَدَأْبِ

الْبَاطِنِيَّةِ وَغُلَاةِ الرَّافِضَةِ وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِهَوًى لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَحْمِلَهُ هَوَاهُ عَلَى مَا يُوَافِقُ بِدَعَتِهِ كَدَأْبِ الْقَدَرِيَّةِ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يُصَنِّفُ الْكِتَابَ فِي التَّفْسِيرِ وَمَقْصُودُهُ منه الإيضاح الساكن لِيَصُدَّهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ السَّلَفِ وَلُزُومِ طَرِيقِ الْهُدَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتِمَادُهُ عَلَى النَّقْلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَمَنْ عَاصَرَهُمْ وَيَتَجَنَّبُ الْمُحْدَثَاتِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بينهما فَعَلَ نَحْوَ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَقْوَالُهُمْ فِيهِ تَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُ مِنْهَا مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْجَمِيعِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَطَرِيقِ الْأَنْبِيَاءِ فَطَرِيقُ السُّنَّةِ وَطَرِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرِيقُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَيُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَفْرَدَهُ كَانَ مُحْسِنًا وَإِنْ تَعَارَضَتْ رَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَا ثَبَتَ فِيهِ السَّمْعُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَمْعًا وَكَانَ لِلِاسْتِدْلَالِ طَرِيقٌ إِلَى تَقْوِيَةِ أَحَدِهَا رَجَّحَ مَا قَوِيَ الِاسْتِدْلَالُ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ يُرَجِّحُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا قَسَمٌ وَإِنْ تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ فِي الْمُرَادِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَيُؤْمِنُ بِمُرَادِ اللَّهِ مِنْهَا وَلَا يَتَهَجَّمُ عَلَى تَعْيِينِهِ وَيُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ الْمُجْمَلِ قَبْلَ تَفْصِيلِهِ وَالْمُتَشَابِهِ قَبْلَ تَبْيِينِهِ: وَمِنْ شرطه صِحَّةِ الْمَقْصِدِ فِيمَا يَقُولُ لِيَلْقَى التَّسْدِيدَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وَإِنَّمَا يَخْلُصُ لَهُ الْقَصْدُ إِذَا زَهِدَ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ إِذَا رَغِبَ فِيهَا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يتوسل به إلى عرض يَصُدُّهُ عَنْ صَوَابِ قَصْدِهِ وَيُفْسِدُ عَلَيْهِ صِحَّةَ عَمَلِهِ وَتَمَامُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ أَنْ يَكُونَ مُمْتَلِئًا مِنْ عِدَّةِ الْإِعْرَابِ لَا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ وُجُوهِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ بِالْبَيَانِ عَنْ وَضْعِ اللِّسَانِ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَتَأْوِيلُهُ تَعْطِيلُهُ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضُهُمْ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ} ، إِنَّهُ مُلَازِمَةُ

قَوْلِ اللَّهِ وَلَمْ يَدْرِ الْغَبِيُّ أَنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ حُذِفَ مِنْهَا الْخَبَرُ وَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَنْزَلَهُ انْتَهَى. كَلَامُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي كِتَابٍ أَلَّفَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ: يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِي الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: حَدَّثَنَا الذين كانوا يقرؤون الْقُرْآنَ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَتَجَاوَزُوهَا حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا وَلِهَذَا كَانُوا يَبْقَوْنَ مُدَّةً فِي حِفْظِ السُّورَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ الرَّجُلَ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِي أَعْيُنِنَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حِفْظِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِ سِنِينَ أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ بِدُونِ فَهْمِ مَعَانِيهِ لَا يُمْكِنُ وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ كِتَابًا فِي فَنٍّ مِنَ الْعِلْمِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَلَا يَسْتَشْرِحُونَهُ فَكَيْفَ بِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِصْمَتُهُمْ وَبِهِ نَجَاتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَلِهَذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ قليل جِدًّا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعدهم

وَمِنَ التَّابِعِينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ التَّفْسِيرِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَرُبَّمَا تَكَلَّمُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْخِلَافُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي التَّفْسِيرِ قَلِيلٌ وَغَالِبُ مَا يَصِحُّ عَنْهُمْ مِنَ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافِ تَنَوُّعٍ لَا اخْتِلَافِ تَضَادٍّ وَذَلِكَ صنفان أحدهما أن يعبر وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ الْمُرَادِ بِعِبَارَةٍ غَيْرَ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى غَيْرَ الْمَعْنَى الْآخَرِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى كَتَفْسِيرِهِمْ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ بَعْضٌ بِالْقُرْآنِ أَيِ اتِّبَاعُهُ وَبَعْضٌ بِالْإِسْلَامِ فَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا نَبَّهَ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْآخَرِ كما أن لفظ "صراط" يُشْعِرُ بِوَصْفٍ ثَالِثٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَشَارُوا إِلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ وَصَفَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنَ الِاسْمِ الْعَامِّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَتَنْبِيهَ الْمُسْتَمِعِ عَلَى النَّوْعِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَدِّ الْمُطَابِقِ لِلْمَحْدُودِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ مِثَالُهُ مَا نُقِلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} الآية فَمَعْلُومٌ أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُضَيِّعَ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمُنْتَهِكَ لِلْحُرُمَاتِ وَالْمُقْتَصِدُ يَتَنَاوَلُ فَاعِلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَارِكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالسَّابِقُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ سَبَقَ فَتَقَرَّبَ بِالْحَسَنَاتِ مَعَ الْوَاجِبَاتِ فَالْمُقْتَصِدُونَ أَصْحَابُ الْيَمِينِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ثُمَّ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَذْكُرُ هَذَا فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: السَّابِقُ الذي يصلي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَثْنَائِهِ وَالظَّالِمُ

لِنَفَسِهِ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ إِلَى الِاصْفِرَارِ، أَوْ يَقُولُ السَّابِقُ الْمُحْسِنُ بِالصَّدَقَةِ مَعَ الزَّكَاةِ وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فَقَطْ وَالظَّالِمُ مَانِعُ الزَّكَاةِ قَالَ: وَهَذَانِ الصِّنْفَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي تَنَوُّعِ التَّفْسِيرِ تَارَةً لِتَنَوُّعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَتَارَةً لِذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمُسَمَّى هُوَ الْغَالِبُ فِي تَفْسِيرِ سَلَفِ الْأُمَّةِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ وَمِنَ التَّنَازُعِ الْمَوْجُودِ عَنْهُمْ مَا يَكُونُ اللَّفْظُ فِيهِ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ إِمَّا لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي اللُّغَةِ كَلَفْظِ "قسورة" الَّذِي يُرَادُ بِهِ الرَّامِي وَيُرَادُ بِهِ الْأَسَدُ ولفظ "عسعس" الَّذِي يُرَادُ بِهِ إِقْبَالُ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُتَوَاطِئًا فِي الْأَصْلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ كَالضَّمَائِرِ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} الآية وَكَلَفْظِ الْفَجْرِ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَأَشْبَاهِ ذلك فمثل هذا قد يجوز أن يراد كُلَّ الْمَعَانِي الَّتِي قَالَهَا السَّلَفُ وَقَدْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ إِمَّا لِكَوْنِ الْآيَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَأُرِيدَ بِهَا هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرِكِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ به معنياه وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُتَوَاطِئًا فَيَكُونُ عَامًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِمُخَصِّصِهِ مُوجَبٌ فَهَذَا النَّوْعُ إِذَا صَحَّ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَانَ مِنَ الصِّنْفِ الثَّانِي وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْمَوْجُودَةِ عَنْهُمْ- وَيَجْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ اخْتِلَافًا- أَنْ يُعَبِّرُوا عَنِ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ كَمَا إِذَا فَسَّرَ بَعْضُهُمْ "تُبْسَلَ" بِ "تُحْبَسَ"، وَبَعْضُهُمْ بِ "تُرْتَهَنَ" لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَرِيبٌ مِنَ الْآخَرِ ثُمَّ قَالَ: فَصْلٌ وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّفْسِيرِ عَلَى نَوْعَيْنِ: مِنْهُ مَا مُسْتَنَدُهُ

النَّقْلُ فَقَطْ وَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَنْقُولُ إِمَّا عَنِ الْمَعْصُومِ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْهُ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ ومنه مالا يُمْكِنُ ذَلِكَ وَهَذَا الْقِسْمُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ صَحِيحِهِ مِنْ ضَعِيفِهِ عَامَّتُهُ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي لَوْنِ كَلْبِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَاسْمِهِ وَفِي الْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيلُ مِنَ الْبَقَرَةِ وَفِي قَدْرِ سَفِينَةِ نوح وخشيها وَفِي اسْمِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأُمُورُ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهَا النَّقْلُ فَمَا كَانَ مِنْهُ مَنْقُولًا نَقْلًا صَحِيحًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلُ وَمَا لَا بِأَنْ نقل عن أهل الكتاب كَكَعْبٍ وَوَهْبٍ- وَقَفَ عَنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إذ حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ" وَكَذَا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَمَتَى اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ لَمْ يكن يعض أَقْوَالِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إِلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا يُنْقَلُ عَنِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مَنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ وَمَعَ جَزْمِ الصَّحَابِيِّ بِمَا يَقُولُهُ كَيْفَ يُقَالَ: إِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ! وَأَمَّا الْقَسَمُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ فَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: "ثَلَاثَةٌ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ: التَّفْسِيرُ وَالْمَلَاحِمُ وَالْمَغَازِي" وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ وَأَمَّا مَا يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ لَا بِالنَّقْلِ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا فِيهِ الْخَطَأُ مِنْ جِهَتَيْنِ حَدَثَتَا بَعْدَ تَفْسِيرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعَيْهِمْ بِإِحْسَانٍ فَإِنَّ التَّفَاسِيرَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا

كَلَامُ هَؤُلَاءِ صِرْفًا لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ مِثْلَ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرازق والفريابي ووكيع وعبد وَإِسْحَاقَ وَأَمْثَالِهِمْ أَحَدِهِمَا قَوْمٌ اعْتَقَدُوا مَعَانِي ثُمَّ أَرَادُوا حَمْلَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: قَوْمٌ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ بِمُجَرَّدِ مَا يُسَوِّغُ أَنْ يُرِيدَهُ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاطِقِينَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْمُتَكَلَّمِ بِالْقُرْآنِ وَالْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ وَالْمُخَاطَبِ بِهِ فَالْأَوَّلُونَ رَاعَوُا الْمَعْنَى الَّذِي رَأَوْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ مِنَ الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ وَالْآخَرُونَ رَاعَوْا مُجَرَّدَ اللَّفْظِ وَمَا يَجُوزُ أَنْ يريد بِهِ الْعَرَبِيُّ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا يَصْلُحُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَسِيَاقِ الْكَلَامِ ثُمَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلِينَ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ الْقُرْآنَ كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الْآخِرُونَ وَإِنْ كَانَ نَظَرُ الْأَوَّلِينَ إِلَى الْمَعْنَى أَسْبَقَ وَنَظَرُ الْآخَرِينَ إِلَى اللَّفْظِ أَسْبَقَ وَالْأَوَّلُونَ صِنْفَانِ تَارَةً يَسْلُبُونَ لَفْظَ الْقُرْآنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ وَتَارَةً يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ وَفِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ يكون مَا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ مِنَ الْمَعْنَى باطلا فيكون خطرهم فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ وَقَدْ يَكُونُ حَقًّا فَيَكُونُ خَطَؤُهُمْ فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُولِ فَالَّذِينَ أَخْطَئُوا فِيهِمَا مِثْلَ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ اعْتَقَدُوا مَذَاهِبَ بَاطِلَةً وَعَمَدُوا إِلَى الْقُرْآنِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى رَأْيِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ سَلَفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا فِي رَأْيِهِمْ وَلَا فِي تَفْسِيرِهِمْ وَقَدْ صَنَّفُوا تَفَاسِيرَ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ مِثْلَ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ وَالْجِبَائِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَالرُّمَّانِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْعِبَارَةِ يَدُسُّ الْبِدَعَ فِي كَلَامِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَنَحْوِهِ حَتَّى إِنَّهُ يَرُوجُ عَلَى خَلْقِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ كَثِيرٌ مِنْ تَفَاسِيرِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ، وَأَسْلَمُ

مِنَ الْبِدْعَةِ وَلَوْ ذَكَرَ كَلَامَ السَّلَفِ الْمَأْثُورِ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ التَّفَاسِيرِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا ثُمَّ إِنَّهُ يَدَعُ مَا يَنْقُلُهُ عَنِ السَّلَفِ وَيَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِمْ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُمْ بِطُرُقٍ مَنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولَهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى السُّنَّةِ مَنِ الْمُعْتَزِلَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةَ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ تَفْسِيرٌ وَجَاءَ قَوْمٌ فَسَّرُوا الْآيَةَ بِقَوْلٍ آخَرَ لِأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوهُ وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ صَارَ مُشَارِكًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي مِثْلِ هَذَا وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ كَمَا أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَأَمَّا الَّذِينَ أَخْطَئُوا فِي الدَّلِيلِ لا الْمَدْلُولِ فَمِثْلُ كَثِيرٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ وَالْوُعَّاظِ وَالْفُقَهَاءِ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِمَعَانٍ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِهَا لَكِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِثْلَ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ السُّلَمِيُّ فِي الْحَقَائِقِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مَعَانٍ بَاطِلَةٌ دَخَلَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَةَ مُلَخَّصًا وَهُوَ نَفِيسٌ جدا. فصل في أمهات مآخذ التفسير وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي البُّرْهَانِ لِلنَّاظِرِ فِي الْقُرْآنِ لِطَلَبِ التَّفْسِيرِ مَآخِذُ كَثِيرَةٌ أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: النَّقْلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا هُوَ الطِّرَازُ الْمُعَلِّمُ لَكِنْ يَجِبُ الْحَذِرُ مِنَ الضَّعِيفِ مِنْهُ وَالْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: ثَلَاثُ

كُتُبٍ لَا أَصْلَ لَهَا: الْمَغَازِي وَالْمَلَاحِمُ وَالتَّفْسِيرُ، وقال الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: مُرَادُهُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَسَانِيدُ صِحَاحٌ مُتَّصِلَةٌ وَإِلَّا فَقَدَ صَحَّ من ذَلِكَ كَثِيرٌ كَتَفْسِيرِ الظُّلْمِ بِالشِّرْكِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ وَالْحِسَابِ الْيَسِيرِ بِالْعَرْضِ وَالْقُوَّةِ بِالرَّمْيِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} قلت: الذي صح من ذَلِكَ قَلِيلٌ جِدًّا بَلْ أَصْلُ الْمَرْفُوعِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ وَسَأَسْرُدُهَا كُلَّهَا آخِرَ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّانِي: الْأَخْذُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّ تَفْسِيرَهُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النبي كَمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ يحتمل ألا يَرْجِعَ إِلَيْهِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لَا الرَّأْيِ قُلْتُ: مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ نَازَعَهُ فِيهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا فِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَاكِمَ نَفْسَهُ صَرَّحَ بِهِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فَقَالَ: وَمِنَ الْمَوْقُوفَاتِ تَفْسِيرُ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ إِنَّ تَفْسِيرَ الصَّحَابَةِ مُسْنَدٌ فَإِنَّمَا يَقُولُ فِيمَا فِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ فَقَدْ خَصَّصَ هُنَا وَعَمَّمَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَاعْتَمَدَ الْأَوَّلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَ ابْنُ عُقَيْلٍ الْمَنْعَ وَحَكَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ لَكِنَّ عَمَلَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ حَكَوْا

فِي كُتُبِهِمْ أَقْوَالَهُمْ لِأَنَّ غَالِبَهَا تَلَقَّوْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَرُبَّمَا يُحْكَى عَنْهُمْ عِبَارَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْفَاظِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا فَهْمَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مُحَقَّقٌ فَيَحْكِيهِ أَقْوَالًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَكَرَ مَعْنًى مِنَ الْآيَةِ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَلْيَقَ بِحَالِ السَّائِلِ وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ يُخْبِرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ وَنَظِيرِهِ وَالْآخَرُ بِمَقْصُودِهِ وَثَمَرَتِهِ وَالْكُلُّ يؤول إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ غَالِبًا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ فَالْمُتَأَخِّرُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ إِنِ اسْتَوَيَا فِي الصِّحَّةِ عَنْهُ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ الْمُقَدَّمُ. الثَّالِثُ: الْأَخْذُ بِمُطْلَقِ اللُّغَةِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، لَكِنْ نَقَلَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ يُمَثِّلُ لَهُ الرَّجُلُ بِبَيْتٍ مِنَ الشعر فقال: ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ وَلِهَذَا قَالَ: بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ تفسيره الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: الْكَرَاهَةُ تُحْمَلُ عَلَى صَرْفِ الْآيَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَى مَعَانٍ خَارِجَةٍ مُحْتَمَلَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْقَلِيلُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا يُوجَدُ غَالِبًا إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَنَحْوِهِ، وَيَكُونُ الْمُتَبَادِرُ خِلَافَهَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: لَا أَوُتَى بِرَجُلٍ غَيْرِ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ يُفَسِّرُ كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا. الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ بِالْمُقْتَضَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَبِ مِنْ قُوَّةِ الشَّرْعِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، حَيْثُ قَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ"، وَالَّذِي عَنَاهُ عَلِيٌّ بِقَوْلِهِ: "إِلَّا فَهْمًا يُؤْتَاهُ الرَّجُلُ فِي الْقُرْآنِ" وَمِنْ هُنَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَأَخَذَ

كُلٌّ بِرَأْيِهِ عَلَى مُنْتَهَى نَظَرِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ، وَقَالَ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ،وَقَالَ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فَأَضَافَ الْبَيَانَ إِلَيْهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، فَأَصَابَ فَقَدْ أخطأ"، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وَقَالَ: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: هَذَا إِنْ صح، فإن ما أَرَادَ –وَاللَّهُ أَعْلَمُ – الرَّأْيَ الَّذِي يَغْلِبُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِي يَسْنِدُهُ بُرْهَانٌ، فَالْقَوْلُ بِهِ جَائِزٌ. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ: فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فسبيله أن يرجع في تفسيره أَلْفَاظِهِ إِلَى أَهْلِ اللُّغَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَسَبَبِ نُزُولِهِ وَمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى بَيَانِهِ إِلَى أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا تَنْزِيلَهُ وَأَدَّوْا إِلَيْنَا مِنَ السُّنَنِ مَا يَكُونُ بَيَانًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فما ورد بيانه عن صَاحِبِ الشَّرْعِ فَفِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ فِكْرَةٍ مِنْ بَعْدِهِ وَمَا لَمْ يَرِدْ عَنْهُ بَيَانُهُ فَفِيهِ حِينَئِذٍ فِكْرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُ لِيَسْتَدِلُّوا بِمَا وَرَدَ بَيَانُهُ عَلَى مَا لَمْ يَرِدْ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ: مَنْ قَالَ فِيهِ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِأُصُولِ الْعِلْمِ وَفُرُوعِهِ فَيَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ إِنْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرَ مَحْمُودَةٍ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ حَمَلَ بَعْضُ الْمُتَوَرِّعَةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ،

وامتنع من أَنْ يَسْتَنْبِطَ مَعَانِي الْقُرْآنِ بِاجْتِهَادِهِ ولو صحبتها الشَّوَاهِدُ وَلَمْ يُعَارِضْ شَوَاهِدَهَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَهَذَا عُدُولٌ عَمَّا تُعُبِّدْنَا بِمَعْرِفَتِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وَلَوْ صَحَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَمْ يَعْلَمْ شيء إلا بِالِاسْتِنْبَاطِ وَلَمَا فَهِمَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى سِوَى لَفْظِهِ وَأَصَابَ الْحَقَّ فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ وَإِصَابَتُهُ إتفاق إذا الْغَرَضُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ لَا شَاهِدَ لَهُ وَفِي الْحَدِيثِ "الْقُرْآنُ ذَلُولٌ ذُو وُجُوهٍ فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ" أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَوْلُهُ: "ذَلُولٌ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُطِيعٌ لِحَامِلِيهِ تَنْطِقُ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَعَانِيهِ حَتَّى لَا تُقَصِّرَ عَنْهُ أَفْهَامُ الْمُجْتَهِدِينَ وَقَوْلُهُ: "ذُو وُجُوهٍ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَا يحتمل وجوها من التَّأْوِيلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ وُجُوهًا مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ: "فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْحَمْلُ عَلَى أَحْسَنِ مَعَانِيهِ وَالثَّانِي أَحْسَنُ مَا فِيهِ مِنَ الْعَزَائِمِ دُونَ الرُّخَصِ وَالْعَفْوِ دُونَ الِانْتِقَامِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ فِي كِتَابِ الله تعالى وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: النَّهْيُ إِنَّمَا انْصَرَفَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ لَا إِلَى جَمِيعِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ فلو لم يجز التَّفْسِيرُ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ بَالِغَةً فَإِذَا كَانَ كذلك جاز لِمَنْ عَرَفَ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَأَسْبَابِ النُّزُولِ أَنْ يُفَسِّرَهُ وَأَمَّا

مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا سَمِعَ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ التَّفْسِيرَ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنَ الْآيَةَ حُكْمًا أَوْ دَلِيلُ الْحُكْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ فِيهِ شَيْئًا فَلَا يَحِلُّ وَهُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ مَعْنِيٌّ بِهِ الْهَوَى فَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يُوَافِقُ هَوَاهُ فَلَمْ يَأْخُذْهُ عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَأَصَابَ فَقَدَ أَخْطَأَ لِحُكْمِهِ عَلَى الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ وَلَا يَقِفُ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَالنَّقْلِ فِيهِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا مَنْ قَالَ فِي مُشْكَلِ الْقُرْآنِ بِمَا لا يعرف من مذهب الْأَوَائِلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِسُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ- وَهُوَ الْأَصَحُّ- مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ وَالْكَوَاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا: التَّأْوِيلُ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنًى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ غَيْرُ مَحْظُورٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالتَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} قِيلَ: شَبَابًا وَشُيُوخًا وَقِيلَ: أَغْنِيَاءُ وَفُقَرَاءُ وَقِيلَ: عُزَّابًا وَمُتَأَهِّلِينَ وَقِيلَ: نُشَّاطًا وَغَيْرَ نُشَّاطٍ وَقِيلَ: أَصِحَّاءَ وَمَرْضَى وَكُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُهُ وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْمُخَالِفُ لِلْآيَةِ وَالشَّرْعِ فَمَحْظُورٌ لِأَنَّهُ تَأْوِيلُ الْجَاهِلِينَ، مِثْلَ تَأْوِيلِ الرَّوَافِضِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} أَنَّهُمَا عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} يَعْنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ هَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ الْخَوْضُ فِيهِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَاطَى تَفْسِيرَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدِيبًا متسما فِي مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ لِمَنْ كَانَ جَامِعًا لِلْعُلُومِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إِلَيْهَا وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ عِلْمًا: أَحَدُهَا: اللُّغَةُ لِأَنَّ بِهَا يُعْرَفُ شَرْحُ مُفْرَدَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ قَالَ: مْجَاهِدٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِلُغَاتِ الْعَرَبِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَلَا يَكْفِي فِي حَقِّهِ مَعْرِفَةُ الْيَسِيرِ مِنْهَا فَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْمُرَادُ الْآخَرُ الثَّانِي: النَّحْوُ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِعْرَابِ فَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِهِ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ يَلْتَمِسُ بِهَا حَسَنَ الْمَنْطِقِ وَيُقِيمُ بِهَا قِرَاءَتَهُ فَقَالَ حَسَنٌ فَتَعَلَّمْهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْرَأُ الآية فيعيى بِوَجْهِهَا فَيَهْلِكُ فِيهَا الثَّالِثُ: التَّصْرِيفُ لِأَنَّ بِهِ تُعْرَفُ الْأَبْنِيَةُ وَالصِّيَغُ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَمَنْ فَاتَهُ عِلْمُهُ فَاتَهُ الْمُعْظَمُ لِأَنَّ "وَجَدَ" مَثَلًا كَلِمَةٌ مُبْهَمَةٌ فَإِذَا صَرَّفْنَاهَا اتَّضَحَتْ بِمَصَادِرِهَا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِمَامَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} ، جَمْعُ "أُمٍّ"، وَأَنَّ النَّاسَ

يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأُمَّهَاتِهِمْ دون آبائهم، قال: وهذا غلط أوجبه جهل بِالتَّصْرِيفِ فَإِنَّ "أُمًّا" لَا تُجْمَعُ عَلَى "إِمَامٍ" الرَّابِعُ: الِاشْتِقَاقُ لِأَنَّ الِاسْمَ إِذَا كَانَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ مَادَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِمَا كَالْمَسِيحِ هَلْ هُوَ مِنَ السِّيَاحَةِ أَوِ الْمَسْحِ! الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ: الْمَعَانِي وَالْبَيَانُ وَالْبَدِيعُ، لِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِالْأَوَّلِ خَوَاصَّ تَرَاكِيبِ الْكَلَامِ، مِنْ جِهَةِ إِفَادَتِهَا الْمَعْنَى وَبِالثَّانِي خَوَاصَّهَا مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ وُضُوحِ الدَّلَالَةِ وَخَفَائِهَا، وَبِالثَّالِثِ وُجُوهَ تَحْسِينِ الْكَلَامِ وَهَذِهِ الْعُلُومُ الثَّلَاثَةُ هِيَ عُلُومُ الْبَلَاغَةِ وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْمُفَسِّرِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْإِعْجَازُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُ بِهَذِهِ الْعُلُومِ قال السَّكَّاكِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ شَأْنَ الْإِعْجَازِ عَجِيبٌ يُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَاسْتِقَامَةِ الْوَزْنِ تُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهَا وَكَالْمِلَاحَةِ وَلَا طَرِيقَ إِلَى تَحْصِيلِهِ لِغَيْرِ ذَوِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ إِلَّا التَّمَرُّنُ عَلَى عِلْمَيِ الْمَعَانِي والبيان وقال ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ: اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْفَصِيحِ وَالْأَفْصَحِ وَالرَّشِيقِ وَالْأَرْشَقِ مِنَ الْكَلَامِ أَمْرٌ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالذَّوْقِ وَلَا يُمْكِنُ إِقَامَةُ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بَيْضَاءُ مُشْرَبَةٌ بِحُمْرَةٍ دَقِيقَةُ الشَّفَتَيْنِ نَقِيَّةُ الثَّغْرِ كَحْلَاءُ الْعَيْنَيْنِ أَسِيلَةُ الْخَدِّ دَقِيقَةُ الْأَنْفِ مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ وَالْأُخْرَى دُونَهَا فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْمَحَاسِنِ لَكِنَّهَا أَحْلَى فِي الْعُيُونِ وَالْقُلُوبِ مِنْهَا وَلَا يُدْرَى سَبَبُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ وَهَكَذَا الْكَلَامُ نَعَمْ يَبْقَى الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ أَنَّ حُسْنَ الْوُجُوهِ وَمَلَاحَتَهَا وَتَفْضِيلَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ يُدْرِكُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ وَأَمَّا الْكَلَامُ فَلَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالذَّوْقِ وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ اشْتَغَلَ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالْفِقْهِ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الذَّوْقِ وَمِمَّنْ يَصْلُحُ لِانْتِقَادِ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا أَهْلُ الذَّوْقِ هُمُ

الَّذِينَ اشْتَغَلُوا بِعِلْمِ الْبَيَانِ وَرَاضَوْا أَنْفُسَهُمْ بِالرَّسَائِلِ وَالْخُطَبِ وَالْكِتَابَةِ وَالشِّعْرِ وصارت لهم بذلك دربة وَمَلَكَةٌ تَامَّةٌ فَإِلَى أُولَئِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ فِي مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ وَفَضْلِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ حَقِّ مُفَسِّرِ كِتَابِ اللَّهِ الْبَاهِرِ وَكَلَامِهِ الْمُعْجِزِ أَنْ يَتَعَاهَدَ بَقَاءَ النَّظْمِ عَلَى حُسْنِهِ وَالْبَلَاغَةِ عَلَى كَمَالِهَا وَمَا وَقَعَ بِهِ التَّحَدِّي سَلِيمًا مِنَ الْقَادِحِ وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْرِفَةُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بِأَوْضَاعِهَا هِيَ عُمْدَةُ التَّفْسِيرِ الْمُطَّلِعِ عَلَى عَجَائِبِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ قَاعِدَةُ الْفَصَاحَةِ وَوَاسِطَةُ عِقْدِ الْبَلَاغَةِ الثَّامِنُ: عِلْمُ القراءات لأن بِهِ يُعْرَفُ كَيْفِيَّةُ النُّطْقِ بِالْقُرْآنِ وَبِالْقِرَاءَاتِ يَتَرَجَّحُ بَعْضُ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ عَلَى بَعْضٍ. التَّاسِعُ: أُصُولُ الدِّينِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ بِظَاهِرِهَا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَالْأُصُولِيُّ يؤول ذَلِكَ وَيَسْتَدِلُّ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ وَمَا يَجِبُ وَمَا يَجُوزُ الْعَاشِرُ: أُصُولُ الْفِقْهِ إِذْ بِهِ يُعْرَفُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالِاسْتِنْبَاطِ الْحَادِي عَشَرَ: أَسْبَابُ النُّزُولِ وَالْقَصَصِ إِذْ بِسَبَبِ النُّزُولِ يُعْرَفُ مَعْنَى الْآيَةِ الْمُنَزَّلَةِ فِيهِ بِحَسَبِ مَا أُنْزِلَتْ فِيهِ الثَّانِي عَشَرَ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لِيُعْلَمَ الْمُحْكَمُ مِنْ غَيْرِهِ الثَّالِثَ عَشَرَ: الْفِقْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الْأَحَادِيثُ الْمُبَيِّنَةُ لِتَفْسِيرِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبْهَمِ الْخَامِسَ عَشَرَ: عِلْمُ الْمَوْهِبَةِ وَهُوَ عِلْمٌ يُوَرِّثُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِحَدِيثِ: "مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"

قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: وَعُلُومُ الْقُرْآنِ وَمَا يستنبط مِنْهُ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ قَالَ: فَهَذِهِ الْعُلُومُ- الَّتِي هِيَ كالآية لِلْمُفَسِّرِ لَا يَكُونُ مُفَسِّرًا إِلَّا بِتَحْصِيلِهَا فَمَنْ فَسَّرَ بِدُونِهَا كَانَ مُفَسِّرًا بِالرَّأْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِذَا فَسَّرَ مَعَ حُصُولِهَا لَمْ يَكُنْ مُفَسِّرًا بِالرَّأْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَ: وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ كَانَ عِنْدَهُمْ عُلُومُ الْعَرَبِيَّةِ بِالطَّبْعِ لَا بِالِاكْتِسَابِ وَاسْتَفَادُوا الْعُلُومَ الْأُخْرَى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: وَلَعَلَّكَ تَسْتَشْكِلُ عِلْمَ الْمَوْهِبَةِ وَتَقُولُ هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُ مِنَ الْإِشْكَالِ وَالطَّرِيقُ فِي تَحْصِيلِهِ ارْتِكَابُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ وَالزُّهْدِ قَالَ فِي البُّرْهَانِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلنَّاظِرِ فَهْمُ مَعَانِي الْوَحْيِ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَسْرَارُهُ وَفِي قَلْبِهِ بِدْعَةٌ أَوْ كِبْرٌ أَوْ هَوًى أَوْ حُبُّ الدُّنْيَا أَوْ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَنْبٍ أَوْ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بِالْإِيمَانِ أَوْ ضَعِيفُ التَّحْقِيقِ أَوْ يَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِ مُفَسِّرٍ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ أَوْ رَاجَعٌ إِلَى مَعْقُولِهِ وَهَذِهِ كُلُّهَا حُجُبٌ وَمَوَانِعُ بَعْضُهَا آكَدُ مِنْ بَعْضٍ قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: يَقُولُ أَنْزِعُ عَنْهُمْ فَهْمَ الْقُرْآنِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ التَّفْسِيرُ: أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَجْهٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ وَتَفْسِيرٌ تَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى

ثُمَّ رَوَاهُ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بِلَفْظِ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَاذِبٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي البُّرْهَانِ: فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا تَقْسِيمٌ صَحِيحٌ فَأَمَّا الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ فَهُوَ الَّذِي يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى لِسَانِهِمْ وَذَلِكَ اللُّغَةُ وَالْإِعْرَابُ فَأَمَّا اللُّغَةُ فَعَلَى الْمُفَسِّرِ مَعْرِفَةُ مَعَانِيهَا وَمُسَمَّيَاتِ أَسْمَائِهَا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَارِئَ ثُمَّ إِنْ كَانَ مَا تتضمنه أَلْفَاظُهَا يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ كَفَى فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْبَيْتِ وَالْبَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الْعِلْمَ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَفِيضَ ذَلِكَ اللَّفْظُ وَتَكْثُرَ شَوَاهِدُهُ مِنَ الشِّعْرِ وَأَمَّا الْإِعْرَابُ فَمَا كَانَ اخْتِلَافُهُ مُحِيلًا لِلْمَعْنَى وَجَبَ عَلَى الْمُفَسِّرِ وَالْقَارِئِ تَعَلُّمُهُ لِيَتَوَصَّلَ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَيَسْلَمَ الْقَارِئُ مِنَ اللَّحْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيلًا لِلْمَعْنَى وَجَبَ تَعَلُّمُهُ عَلَى الْقَارِئِ لِيَسْلَمَ مِنَ اللَّحْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُفَسِّرِ لِوُصُولِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ وَأَمَّا مَا لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهْلِهِ فَهُوَ مَا تَتَبَادَرُ الْأَفْهَامُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ مِنَ النُّصُوصِ الْمُتَضَمِّنَةِ شَرَائِعَ الْأَحْكَامِ وَدَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَكُلُّ لَفْظٍ أَفَادَ مَعْنًى وَاحِدًا جَلِيًّا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَلْتَبِسُ تَأْوِيلُهُ إِذْ كَلُّ أَحَدٍ يُدْرِكُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ "لَا" مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِلنَّفْيِ "وإلا" لِلْإِثْبَاتِ

وَأَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْحَصْرُ، وَيَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ونحوها من "الأوامر" طلب إيجاب المأمور به في الوجود وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صِيغَةَ "افْعَلْ" لِلْوُجُوبِ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ يَدَّعِي الْجَهْلَ بِمَعَانِي أَلْفَاظِهِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ وَأَمَّا مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْغُيُوبِ نَحْوَ الْآيِ الْمُتَضَمِّنَةِ قِيَامَ السَّاعَةِ وَتَفْسِيرَ الرُّوحِ وَالْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ وَكُلَّ مُتَشَابِهٍ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ فَلَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا طَرِيقَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ بِنَصٍّ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ أَوْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى تَأْوِيلِهِ وَأَمَّا مَا يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ وَيَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ فَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ التَّأْوِيلِ وَذَلِكَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ وَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَعَلَيْهِمُ اعْتِمَادَ الشَّوَاهِدِ وَالدَّلَائِلِ دُونَ مُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ أَظْهَرَ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْخَفِيُّ وَإِنِ اسْتَوَيَا- وَالِاسْتِعْمَالُ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ لَكِنْ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ وَفِي الْآخَرِ شَرْعِيَّةٌ- فَالْحَمْلُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا فِي {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا عُرْفِيَّةً وَالْآخَرِ لُغَوِيَّةً فَالْحَمْلُ عَلَى الْعُرْفِيَّةِ أولى لأن الشرع ألزم، فَإِنْ تَنَافَى اجْتِمَاعُهُمَا، وَلَمْ يُمْكِنْ إِرَادَتُهُمَا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ، كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ،

اجْتَهَدَ فِي الْمُرَادِ مِنْهُمَا بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَمَا ظَنَّهُ فَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ فِي الْحَمْلِ عَلَى أيهما شاء أو يأخذ بِالْأَغْلَظِ حُكْمًا أَوْ بِالْأَخَفِّ؟ أَقْوَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَافَيَا وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْإِعْجَازِ وَالْفَصَاحَةِ إِلَّا إِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَيُنَزَّلُ حَدِيثُ "مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النار" عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: أحدها: تَفْسِيرُ اللَّفْظِ لِاحْتِيَاجِ الْمُفَسِّرِ لَهُ إِلَى التَّبَحُّرِ فِي مَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَالثَّانِي: حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ لِاحْتِيَاجِ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ وَالتَّبَحُّرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَمِنَ علم الْأُصُولِ مَا يُدْرَكُ بِهِ حُدُودُ الْأَشْيَاءِ وَصِيَغُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ وَالْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالْمُطْلَقُ والمقيد والمحكم والمتشابه والظاهر والمؤول وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَالصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ وَمِنَ الْفُرُوعِ مَا يُدْرَكُ بِهِ الِاسْتِنْبَاطُ، والاستدلال على هذا أَقَلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ يَحْتَمِلُ كَذَا وَلَا يَجْزِمُ إِلَّا فِي حُكْمٍ اضْطُرَّ إِلَى الْفَتْوَى بِهِ فَأَدَّى "اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ" فَيَجْزِمُ مَعَ تَجْوِيزِ خِلَافِهِ عند الله انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ جُمْلَةُ مَا تَحَصَّلَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أحدها: التَّفْسِيرُ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْعُلُومِ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا التَّفْسِيرُ الثَّانِي: تفسير المتشابه لا يعلمه إلا الله.

الثالث: التَّفْسِيرُ الْمُقَرِّرُ لِلْمَذْهَبِ الْفَاسِدِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَذْهَبُ أَصْلًا وَالتَّفْسِيرُ تَابِعًا، فَيَرُدُّ إِلَيْهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا. الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ بِأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ كَذَا عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ الْخَامِسُ: التَّفْسِيرُ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالْهَوَى ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ عُلُومَ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: عِلْمٌ لَمْ يُطْلِعِ اللَّهُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ وَهُوَ مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ مِنْ عُلُومِ أَسْرَارِ كِتَابِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَاتِهِ وَغُيُوبِهِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْكَلَامُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِجْمَاعًا. الثَّانِي: مَا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ مِنْ أَسْرَارِ الْكِتَابِ وَاخْتَصَّهُ بِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهِ إِلَّا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ، قَالَ: وَأَوَائِلُ السُّوَرِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَقِيلَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. الثَّالِثُ: عُلُومٌ عَلَّمَهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ مِمَّا أَوْدَعَ كِتَابَهُ مِنَ الْمَعَانِي الْجَلِيَّةِ وَالْخَفِيَّةِ وَأَمَرَهُ بِتَعْلِيمِهَا وَهَذَا يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُ مَا لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهِ إِلَّا بِطَرِيقِ السَّمْعِ وَهُوَ أَسْبَابُ النُّزُولِ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَالْقِرَاءَاتُ وَاللُّغَاتُ وَقِصَصُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَأَخْبَارُ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْحَوَادِثِ وَأُمُورُ الْحَشْرِ وَالْمَعَادِ وَمِنْهُ مَا يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِخْرَاجِ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ وَهُوَ تَأْوِيلُ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الصِّفَاتِ وَقِسْمٌ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ وَالْإِعْرَابِيَّةِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْأَقْيِسَةِ وَكَذَلِكَ فُنُونُ الْبَلَاغَةِ وَضُرُوبُ الْمَوَاعِظِ والحكم والإشارات لَا يَمْتَنِعُ اسْتِنْبَاطُهَا مِنْهُ وَاسْتِخْرَاجُهَا لِمَنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ عَاصَرْنَاهُ إِلَى أَنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ مُضْطَرٌّ

إِلَى النَّقْلِ فِي فَهْمِ مَعَانِي تَرْكِيبِهِ بِالْإِسْنَادِ إِلَى مُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَضْرَابِهِمْ وَأَنَّ فَهْمَ الْآيَاتِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ ذَلِكَ: الْحَقُّ أَنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّقْلِ كَسَبَبِ النُّزُولِ وَالنَّسْخِ وَتَعْيِينِ الْمُبْهَمِ وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلِ ومنه مالا يَتَوَقَّفُ وَيَكْفِي فِي تَحْصِيلِهِ الثِّقَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ قَالَ وَكَأَنَّ السَّبَبَ فِي اصْطِلَاحِ كَثِيرٍ عَلَى التفرقة بين التفسير والتأويل والتمييز بين المنقول والمستنبط ليحمل عَلَى الِاعْتِمَادِ فِي الْمَنْقُولِ وَعَلَى النَّظَرِ فِي الْمُسْتَنْبَطِ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قِسْمَانِ قَسَمٌ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ بِالنَّقْلِ وَقِسْمٌ لَمْ يَرِدْ وَالْأَوَّلُ: إِمَّا أَنْ يَرِدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أو الصحابة أو رؤوس التَّابِعِينَ فَالْأَوَّلُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ صِحَّةِ السَّنَدِ وَالثَّانِي يُنْظَرُ فِي تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ فَإِنْ فَسَّرَهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ فَهِمَ أَهْلُ اللِّسَانِ- فَلَا شَكَّ فِي اعْتِمَادِهِمْ- أَوْ بِمَا شَاهَدَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْقَرَائِنِ فَلَا شَكَّ فِيهِ وَحِينَئِذٍ إِنْ تَعَارَضَتْ أَقْوَالُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَذَاكَ وَإِنَّ تَعَذَّرَ قُدِّمَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ" وَقَدْ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ لِحَدِيثِ "أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ" وَأَمَّا مَا وَرَّدَ عَنِ التَّابِعِينَ فَحَيْثُ جَازَ الِاعْتِمَادُ فِيمَا سَبَقَ فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِلَّا وَجَبَ الِاجْتِهَادُ وَأَمَّا مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ فَهُوَ قَلِيلٌ وَطَرِيقُ التَّوَصُّلِ إِلَى فَهْمِهِ النَّظَرُ إِلَى مُفْرَدَاتِ الْأَلْفَاظِ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا بِحَسَبِ السِّيَاقِ وَهَذَا

يَعْتَنِي بِهِ الرَّاغِبُ كَثِيرًا فِي كِتَابِ "الْمُفْرَدَاتِ" فَيَذْكُرُ قَيْدًا زَائِدًا عَلَى أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ اقْتَضَاهُ السِّيَاقُ انْتَهَى. قُلْتُ: وَقَدْ جَمَعْتُ كِتَابًا مُسْنَدًا فِيهِ تَفَاسِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ فِيهِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ مَا بَيْنَ مَرْفُوعٍ وَمَوْقُوفٍ وَقَدْ تَمَّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ وَسَمَّيْتُهُ: "تَرْجُمَانَ الْقُرْآنِ" وَرَأَيْتُ وَأَنَا فِي أَثْنَاءِ تَصْنِيفِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ تَحْتَوِي عَلَى بِشَارَةٍ حَسَنَةٍ. تَنْبِيهٌ مِنَ الْمُهِمِّ مَعْرِفَةُ التَّفَاسِيرِ الْوَارِدَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ بِحَسَبِ قِرَاءَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَرِدُ عَنْهُمْ تَفْسِيرَانِ فِي الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ مُخْتَلِفَانِ فَيُظَنُّ اخْتِلَافًا وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ وَإِنَّمَا كُلُّ تَفْسِيرٍ عَلَى قِرَاءَةٍ وَقَدْ تَعَرَّضَ السَّلَفُ لِذَلِكَ فَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} مِنْ طَرِيقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ "سُكِّرَتْ" بِمَعْنَى "سُدَّتْ" وَمِنْ طُرُقٍ أَنَّهَا بِمَعْنَى "أُخِذَتْ" ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَنْ قَرَأَ "سُكِّرَتْ" مُشَدِّدَةً فَإِنَّمَا يَعْنِي "سُدَّتْ" وَمَنْ قَرَأَ "سُكِرَتْ" مُخَفَّفَةً فَإِنَّهُ يَعْنِي "سُحِرَتْ" وَهَذَا الْجَمْعُ مِنْ قَتَادَةَ نَفِيسٌ بَدِيعٌ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ الَّذِي تَهْنَأُ بِهِ الْإِبِلُ وَأَخْرَجَ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ النُّحَاسُ الْمُذَابُ، وَلَيْسَا بِقَوْلَيْنِ،

وَإِنَّمَا الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِقِرَاءَةِ مَنْ "قطرآن"، بِتَنْوِينٍ قَطْرٍ وَهُوَ النُّحَاسُ وَ "آنٍ" شَدِيدِ الْحَرِّ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَكَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَمْثِلَةُ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرَةٌ وَالْكَافِلُ بِبَيَانِهَا كِتَابُنَا "أَسْرَارُ التَّنْزِيلِ" وَقَدْ خَرَّجْتُ عَلَى هَذَا قَدِيمًا الِاخْتِلَافَ الْوَارِدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ: {أَوْ لامَسْتُمُ} هَلْ هُوَ الْجِمَاعُ أَوِ الْجَسُّ بِالْيَدِ فَالْأَوَّلُ تَفْسِيرٌ لِقِرَاءَةِ لَامَسْتُمُ وَالثَّانِي لِقِرَاءَةِ {لمَسْتُمُ} وَلَا اخْتِلَافَ. فَائِدَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ لَا يَحِلُّ تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ إِلَّا بِسُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ خَبَرٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ "هَذَا نَصُّهُ" فَصْلٌ في تفسير الصوفية وأما كَلَامِ الصُّوفِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ فَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ قَالَ: ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَجَدْتُ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْوَاحِدِيِّ الْمُفَسِّرِ أَنَّهُ قَالَ: صَنَّفَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ "حَقَائِقَ التَّفْسِيرِ" فَإِنْ كَانَ قَدِ اعتقد أن ذلك تفسيرا فَقَدْ كَفَرَ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَأَنَا أَقُولُ الظَّنُّ بِمَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْهُمْ إِذَا قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ تَفْسِيرًا وَلَا ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ الشَّرْحِ لِلْكَلِمَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانُوا قَدْ سَلَكُوا مَسْلَكَ الْبَاطِنِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُمْ لِنَظِيرِ مَا وَرَدَ بِهِ

الْقُرْآنُ، فَإِنَّ النَّظِيرَ يُذْكَرُ بِالنَّظِيرِ وَمَعَ ذَلِكَ فياليتهم لَمْ يَتَسَاهَلُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيهَامِ وَالْإِلْبَاسِ! وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي عَقَائِدِهِ: النُّصُوصُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْعُدُولُ عَنْهَا إِلَى مَعَانٍ يَدَّعِيهَا أَهْلُ الْبَاطِنِ إِلْحَادٌ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِهِ: سُمِّيَتِ الْمَلَاحِدَةُ بَاطِنِيَّةً لِادِّعَائِهِمْ أَنَّ النُّصُوصَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ لَهَا مَعَانٍ بَاطِنِيَّةٌ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْمُعَلِّمُ وَقَصْدُهُمْ بِذَلِكَ نَفْيُ الشَّرِيعَةِ بِالْكُلِيَّةِ قَالَ: وَأَمَّا مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ النُّصُوصَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَمَعَ ذَلِكَ فِيهَا إِشَارَاتٌ خَفِيَّةٌ إِلَى دَقَائِقَ تَنْكَشِفُ عَلَى أَرْبَابِ السُّلُوكِ يُمْكِنُ التَّطْبِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظَّوَاهِرِ الْمُرَادَّةِ فَهُوَ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَمَحْضِ الْعِرْفَانِ وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سِرَاجُ الدِّينِ البلقيني عَنْ رَجُلٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} : إِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ ذَلَّ: أَيْ مِنَ الذُّلِّ ذِي: إِشَارَةٌ إِلَى النفس يشف: من الشفا جَوَابُ "مَنْ" عِ: أَمُرُّ مِنَ الْوَعْيِ فَأَفْتَى بِأَنَّهُ مُلْحِدٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يوضع الْكَلَامَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ قَالَ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ

الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِكُلِّ آيَةٍ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ" وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا: "الْقُرْآنُ تَحْتَ الْعَرْشِ لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ يُحَاجُّ الْعِبَادَ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمْ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ مِنْهُ حَرْفٌ إِلَّا لَهُ حَدٌّ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ" قُلْتُ: أَمَّا الظَّهْرُ وَالْبَطْنُ فَفِي مَعْنَاهُ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّكَ إِذَا بَحَثْتَ عَنْ بَاطِنِهَا وَقِسْتَهُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَقَفْتَ عَلَى مَعْنَاهَا وَالثَّانِي: أَنَّ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ وَلَهَا قَوْمٌ سَيَعْمَلُونَ بِهَا كَمَا قال ابْنُ مَسْعُودٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الثَّالِثُ: أَنَّ ظَاهِرَهَا لَفْظُهَا وَبَاطِنَهَا تَأْوِيلُهَا الرَّابِعُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ- وَهُوَ أَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ: إِنَّ الْقِصَصَ الَّتِي قَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَمَا عَاقَبَهُمْ بِهِ ظَاهِرُهَا الْإِخْبَارُ بِهَلَاكِ الْأَوَّلِينَ إِنَّمَا هُوَ حَدِيثٌ حَدَّثَ بِهِ، عَنْ قَوْمِ، وَبَاطِنُهَا وَعْظُ الْآخَرِينَ وَتَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا كَفِعْلِهِمْ فَيَحِلُّ بِهِمْ مِثْلَ مَا حَلَّ بِهِمْ وَحَكَى ابْنُ النَّقِيبِ قَوْلًا خَامِسًا: أَنَّ ظَهْرَهَا مَا ظَهَرَ مِنْ مَعَانِيهَا لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالظَّاهِرِ وَبَطْنَهَا مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَسْرَارِ الَّتِي أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا أَرْبَابَ الْحَقَائِقِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ" أَيْ مُنْتَهًى، فِيمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ مَعْنَاهُ وَقِيلَ: لِكُلِّ حُكْمٍ مِقْدَارٌ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ" لِكُلِّ غَامِضٍ مِنَ الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ مَطْلَعٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَيُوقَفُ عَلَى الْمُرَادِ

بِهِ وَقِيلَ: كُلُّ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ الْمُجَازَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الظَّاهِرُ التِّلَاوَةُ وَالْبَاطِنُ الْفَهْمُ، وَالْحَدُّ أَحْكَامُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْمَطْلَعُ الْإِشْرَافُ عَلَى الْوَعْدِ والوعيد قُلْتُ: يُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ ذُو شُجُونٍ وَفُنُونٍ وَظُهُورٍ وَبُطُونٍ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلَا تُبْلَغُ غَايَتُهُ فَمَنْ أَوْغَلَ فِيهِ بِرِفْقٍ نَجَا وَمَنْ أَوْغَلَ فِيهِ بِعُنْفٍ هَوَى أَخْبَارٌ وَأَمْثَالٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَظَهْرٌ وَبَطْنٌ فَظَهْرُهُ التِّلَاوَةُ وَبَطْنُهُ التَّأْوِيلُ فَجَالِسُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَجَانِبُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَقَالَ ابْنُ سَبُعٍ فِي شِفَاءِ الصُّدُورِ: وَرَدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَفْقُهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فَلْيُثَوِّرَ الْقُرْآنَ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تَفْسِيرِ الظَّاهِرِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لِكُلِّ آيَةٍ سِتُّونَ أَلْفَ فَهْمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ في فَهْمَ مَعَانِي الْقُرْآنِ مَجَالًا رُحْبًا وَمُتَّسَعًا بَالِغًا وَأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ ظاهر التفسير وليس يَنْتَهِي الْإِدْرَاكُ فِيهِ بِالنَّقْلِ وَالسَّمَاعَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ التَّفْسِيرِ لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ الْفَهْمُ وَالِاسْتِنْبَاطُ وَلَا يَجُوزُ التَّهَاوُنُ فِي حِفْظِ التَّفْسِيرِ الظَّاهِرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوَّلًا إِذْ لَا يَطْمَعُ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْبَاطِنِ قَبْلَ إِحْكَامِ الظَّاهِرِ وَمَنِ ادَّعَى فَهْمَ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَحْكُمِ التَّفْسِيرَ الظَّاهِرَ فَهُوَ كَمَنِ ادَّعَى الْبُلُوغَ إِلَى صَدْرِ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْبَابَ انْتَهَى.

وقال الشيخ تاج الدين بن عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ لَطَائِفِ الْمِنِنِ: اعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ لِكَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ بِالْمَعَانِي الْعَرَبِيَّةِ لَيْسَ إِحَالَةً لِلظَّاهِرِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةَ مَفْهُومٌ مِنْهُ مَا جَلَبَتِ الْآيَةَ لَهُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ وَثَمَّ أَفْهَامٌ بَاطِنَةٌ تُفْهَمُ عِنْدَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ لِمَنْ فَتَحَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لِكُلِّ آيَةٍ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْ تَلَقِّي هَذِهِ المعاني منهم أن يَقُولَ لَكَ ذُو جَدَلٍ وَمُعَارِضَةٍ هَذَا إِحَالَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِحَالَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ إِحَالَةً لَوْ قَالُوا: لَا مَعْنَى لِلْآيَةِ إِلَّا هَذَا وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ بل يقرؤون الظَّوَاهِرَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا مُرَادًا بِهَا مَوْضُوعَاتُهَا وَيَفْهَمُونَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ما أفهمهم. فصل: فيما يجب على المفسر قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَجِبُ عَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يَتَحَرَّى فِي التَّفْسِيرِ مُطَابَقَةَ الْمُفَسَّرِ وَأَنْ يَتَحَرَّزَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْصٍ عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي إِيضَاحِ الْمَعْنَى أَوْ زِيَادَةٍ لَا تَلِيقُ بِالْغَرَضِ وَمِنْ كَوْنِ الْمُفَسِّرِ فِيهِ زَيْغٌ عَنِ الْمَعْنَى وَعُدُولٌ عَنْ طَرِيقِهِ وَعَلَيْهِ بِمُرَاعَاةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَمُرَاعَاةِ التَّأْلِيفِ وَالْغَرَضِ الَّذِي سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ وَأَنْ يُؤَاخِيَ بَيْنَ الْمُفْرَدَاتِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَاءَةُ بِالْعُلُومِ اللَّفْظِيَّةِ وَأَوَّلُ مَا يَجِبُ الْبَدَاءَةُ بِهِ مِنْهَا تَحْقِيقُ الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ فَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ ثُمَّ التَّصْرِيفِ ثُمَّ الِاشْتِقَاقِ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ التَّرْكِيبِ،

فَيَبْدَأُ بِالْإِعْرَابِ، ثُمَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي ثُمَّ الْبَيَانِ ثُمَّ الْبَدِيعِ ثُمَّ يُبَيِّنُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ ثُمَّ الاستنباط ثم الإشارات وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي أَوَائِلِ الْبُرْهَانِ: قَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يَبْدَءُوا بِذِكْرِ سَبَبِ النُّزُولِ وَوَقَعَ الْبَحْثُ فِي أَنَّهُ أَيُّمَا أَوْلَى البداءة بِهِ بِتَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ أَوْ بِالْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّهَا الْمُصَحِّحَةُ لِنَظْمِ الْكَلَامِ وَهِيَ سَابِقَةٌ عَلَى النُّزُولِ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْمُنَاسِبَةِ مُتَوَقِّفًا عَلَى سَبَبِ النُّزُولِ كَآيَةِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فَهَذَا يَنْبَغِي فِيهِ تَقْدِيمُ ذِكْرِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ وجه الْمُنَاسَبَةِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ جَرَتْ عَادَةُ الْمُفَسِّرِينَ مِمَّنْ ذَكَرَ فَضَائِلَ الْقُرْآنِ أَنْ يَذْكُرَهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّرْغِيبِ وَالْحَثِّ عَلَى حِفْظِهَا إِلَّا الزَّمَخْشَرِيَّ فَإِنَّهُ يَذْكُرُهَا فِي أَوَاخِرِهَا قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عُمَرَ الْكِرْمَانِيُّ: سَأَلْتُ الزَّمَخْشَرِيَّ عَنِ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ لَهَا وَالصِّفَةُ تَسْتَدْعِي تَقْدِيمَ الْمَوْصُوفِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ "حَكَى اللَّهُ" كَذَا فَيَنْبَغِي تَجَنُّبُهُ قَالَ الإمام أبو نصر الْقُشَيْرِيُّ فِي الْمُرْشِدِ: قَالَ مُعْظَمُ أَئِمَّتُنَا: لَا يُقَالُ: "كَلَامُ اللَّهِ محكي" وَلَا يُقَالَ: "حَكَى اللَّهُ" لِأَنَّ الْحِكَايَةَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ الشَّيْءِ وَلَيْسَ لِكَلَامِهِ مِثْلٌ وَتَسَاهَلَ قَوْمٌ فَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْحِكَايَةِ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ

وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ إِطْلَاقُ الزَّائِدِ عَلَى بَعْضِ الْحُرُوفِ وَقَدْ مَرَّ فِي نَوْعِ الْإِعْرَابِ وَعَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يَتَجَنَّبَ ادِّعَاءَ التَّكْرَارِ مَا أَمْكَنَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ مِمَّا يَدْفَعُ تَوَهُّمَ التَّكْرَارِ فِي عَطْفِ الْمُتَرَادِفَيْنِ نَحْوَ: {لَا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْمُتَرَادِفَيْنِ يُحَصِّلُ مَعْنًى لَا يُوجَدُ عِنْدَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ التَّرْكِيبَ يُحْدِثُ مَعْنًى زَائِدًا وَإِذَا كَانَتْ كَثْرَةُ الْحُرُوفِ تُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الْأَلْفَاظِ انْتَهَى. وقال الزركشي في البرهانك: لِيَكُنْ مَحَطَّ نَظَرِ الْمُفَسِّرِ مُرَاعَاةُ نَظْمِ الْكَلَامِ الَّذِي سِيقَ لَهُ وَإِنْ خَالَفَ أَصْلَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لِثُبُوتِ التَّجَوُّزِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَلَى الْمُفَسِّرِ مُرَاعَاةَ مَجَازِيَّ الِاسْتِعْمَالَاتِ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَظُنُّ بِهَا التَّرَادُفُ وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّرَادُفِ مَا أَمْكَنَ فَإِنَّ لِلتَّرْكِيبِ مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى الْإِفْرَادِ وَلِهَذَا مَنَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وُقُوعَ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَوْقِعَ الْآخَرِ فِي التَّرْكِيبِ وَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ فِي الْإِفْرَادِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: كَثِيرًا مَا يَشْحَنُ الْمُفَسِّرُونَ تَفَاسِيرَهُمْ عِنْدَ ذِكْرِ الْإِعْرَابِ بِعِلَلِ النَّحْوِ وَدَلَائِلِ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَدَلَائِلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَدَلَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي تَآلِيفِ هَذِهِ الْعُلُومِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مُسَلَّمًا فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ دُونَ اسْتِدْلَالٍ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا ذَكَرُوا ما لا يصح من أسباب نزول وَأَحَادِيثَ فِي الْفَضَائِلِ وَحِكَايَاتٍ لَا تُنَاسِبُ وَتَوَارِيخَ إِسْرَائِيلِيَّةٍ، وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ.

فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شِئْتُ أُوَقِّرَ سَبْعِينَ بَعِيرًا مِنْ تَفْسِيرِ أُمِّ الْقُرْآنِ لَفَعَلْتُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يَحْتَاجُ تَبْيِينُ مَعْنَى الْحَمْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْمُ الْجَلِيلُ الَّذِي هُوَ اللَّهُ وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ التَّنْزِيهِ ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الْعَالَمِ وَكَيْفِيَّتِهِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَأَعْدَادِهِ وَهِيَ أَلْفُ عَالَمٍ أَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ وَسِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ فَيَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الِاسْمَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ وَمَا يَلِيقُ بِهِمَا مِنَ الْجَلَالِ وَمَا مَعْنَاهُمَا ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَوَاطِنِ وَالْأَهْوَالِ وَكَيْفِيَّةِ مُسْتَقَّرِهِ، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الْمَعْبُودِ مِنْ جَلَالَتِهِ وَالْعِبَادَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَصِفَتِهَا وَأَدَائِهَا عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَالْعَابِدِ فِي صِفَتِهِ وَالِاسْتِعَانِةِ وَأَدَائِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إِلَى آخَرِ السُّورَةِ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الهداية مَا هِيَ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمُ وَأَضْدَادِهِ وَتَبْيِينِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ وَصِفَاتِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا النَّوْعِ وَتَبْيِينِ الْمَرْضِيِّ عَنْهُمْ وَصِفَاتِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ فَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ يَكُونُ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

النوع التاسع والسبعون: في غرائب التفسير

النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي غَرَائِبِ التَّفْسِيرِ أَلَّفَ فِيهِ مَحْمُودُ بْنُ حَمْزَةَ الْكِرْمَانِيُّ كِتَابًا فِي مُجَلَّدَيْنِ سَمَّاهُ "الْعَجَائِبَ وَالْغَرَائِبَ" ضَمَّنَهُ أَقْوَالًا ذُكِرَتْ في معاني آيات مُنْكَرَةً لَا يَحِلُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا وَلَا ذِكْرُهَا إِلَّا لِلتَّحْذِيرِ مِنْهَا، من ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي "حمعسق": إِنَّ الْحَاءَ حَرْبُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَالْمِيمَ وِلَايَةُ الْمَرْوَانِيَّةِ وَالْعَيْنَ وِلَايَةُ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَالسِّينَ وِلَايَةُ السُّفْيَانِيَّةِ، وَالْقَافَ قُدْوَةُ مَهْدِيٍّ، حَكَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ، ثُمَّ قَالَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِيمَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ حَمْقَى، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي الم: مَعْنَى "أَلِفٍ" أَلِفَ اللَّهُ مُحَمَّدًا فَبَعَثَهُ نَبِيًّا، وَمَعْنَى "لَامٍ" لَامَهُ الْجَاحِدُونَ وَأَنْكَرُوهُ، وَمَعْنَى "مِيمٍ" مِيمُ الْجَاحِدُونَ الْمُنْكِرُونَ مِنَ الْمُومِ وَهُوَ الْبِرْسَامُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} : إِنَّهُ قَصَصُ الْقُرْآنِ وَاسْتَدَلَّ بِقِرَاءَةِ أَبِي الْجَوْزَاءِ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَصِ} ، وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَفَادَتْ مَعْنًى غَيْرَ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ

وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فُورَكٍ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ لَهُ صَدِيقٌ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ "قَلْبُهُ"، أَيْ لِيَسْكُنَ هَذَا الصَّدِيقُ إِلَى هَذِهِ الْمُشَاهَدَةِ إِذَا رَآهَا عِيَانًا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَهَذَا بِعِيدٌ جِدًّا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} إِنَّهُ الْحُبُّ وَالْعِشْقُ وَقَدْ حَكَاهُ الْكَوَاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} إِنَّهُ الذَّكَرُ إِذَا انْتَصَبَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي مُعَاذٍ النَّحْوِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ} يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ، {نَاراً} أَيْ نُورًا وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، {فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} تَقْتَبِسُونَ الدِّينَ.

النوع الثمانون: في طبقات المفسرين

النَّوْعُ الثَّمَانُونَ: فِي طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ تفسير الصحابة اشْتُهِرَ بِالتَّفْسِيرِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَشَرَةُ: الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وابن مسعود وابن عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَمَّا الْخُلَفَاءُ فَأَكْثَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالرِّوَايَةُ عَنِ الثَّلَاثَةِ نَزِرَةٌ جَدًّا وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ تَقَدُّمَ وَفَاتِهِمْ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ فِي قِلَّةِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْحَدِيثِ وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّفْسِيرِ إِلَّا آثَارًا قَلِيلَةً جِدًّا لَا تَكَادُ تُجَاوِزُ الْعَشَرَةَ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَرُوِيَ عَنْهُ الْكَثِيرُ وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: "سلوني فوالله لا تسألوني عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ وَسَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ أَبِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ أَمْ فِي سَهْلٍ أَمْ فِي جَبَلٍ" وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مَا مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَلَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَهُ مِنْهُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْمَسِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبًا عَقُولًا ولسانا سؤلا

وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرُوِيَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِمَّا رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ وَأَيْنَ؟ نَزَلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَنَالُهُ الْمَطَايَا لَأَتَيْتُهُ" وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أبي البختري، قَالَ: قَالُوا لِعَلِيٍّ: أَخْبِرْنَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: عَلِمَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ ثُمَّ انْتَهَى، وَكَفَى بِذَلِكَ عِلْمًا وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَهُوَ تَرْجُمَانُ الْقُرْآنِ الَّذِي دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ": وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: "اللَّهُمَّ آتِهِ الْحِكْمَةَ" وَفِي رِوَايَةٍ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ" وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَانْشُرْ مِنْهُ" وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّهُ كَائِنُ حَبْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ تَرْجُمَانُ الْقُرْآنِ أَنْتَ" وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "نِعْمَ تَرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ"

وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسَمَّى الْبَحْرَ لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَبْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَخْرَجَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَنْزِلٍ كان عمر يقول: "ذا كم فَتَى الْكُهُولِ، إِنَّ لَهُ لِسَانًا سؤلا وَقَلْبًا عَقُولًا" وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ يسأله عن {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فسله ثم تعال أخبرني فذهب فسأله فقال: كانت السموات رَتْقًا لَا تُمْطِرُ وَكَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ فَفَتَقَ هَذِهِ بِالْمَطَرِ وَهَذِهِ بِالنَّبَاتِ فَرَجَعَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَقُولُ: مَا يُعْجِبُنِي جَرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ فَالْآنَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ أُوتِيَ عِلْمًا وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: لِمَ يدخل هذا معنا إن لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ فَقَالَ: عُمَرُ إِنَّهُ مِمَّنْ عَلِمْتُمْ وَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ فَمَا رئيت أَنَّهُ دَعَانِي فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نَصَرَنَا وَفَتَحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لي: أكذلك تقول يا بن عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ لَا، فَقَالَ: مَا تَقُولُ؟ فَقُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ بِهِ، قَالَ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ! "

وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخطاب يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} ؟ قَالُوا اللَّهُ أَعْلَمُ فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ فَقَالَ عُمَرُ أَيُّ عَمَلٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لرجل يعمل لطاعة اللَّهِ ثُمَّ بَعَثَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَسَ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَذَكَرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَتَكَلَّمَ كُلٌّ بِمَا عِنْدَهُ فَقَالَ عمر: مالك يا بن عَبَّاسٍ صَامِتٌ لَا تَتَكَلَّمُ! تَكَلَّمْ وَلَا تَمْنَعُكَ الْحَدَاثَةُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَجَعَلَ أَيَّامَ الدُّنْيَا تَدُورُ عَلَى سَبْعٍ وَخَلَقَ أَرْزَاقَنَا مِنْ سَبْعٍ وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ سَبْعٍ وَخَلَقَ فوقنا سموات سبعا وَخَلَقَ تَحْتَنَا أَرْضِينَ سَبْعًا وَأَعْطَى مِنَ الْمَثَانِي سَبْعًا وَنَهَى فِي كِتَابِهِ عَنْ نِكَاحِ الْأَقْرَبِينَ عَنْ سَبْعٍ وَقَسَمَ الْمِيرَاثَ فِي كِتَابِهِ عَلَى سَبْعٍ وَنَقَعُ فِي السُّجُودِ مِنْ أَجْسَادِنَا عَلَى سَبْعٍ وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَعْبَةِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ سَبْعًا وَرَمَى الْجِمَارَ بِسَبْعٍ فَأَرَاهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شهر رمضان فتعجب عمر، وقال: وما وَافَقَنِي فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي لَمْ تَسْتَوِ شُؤُونُ، رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤَدِّينِي فِي هَذَا كَأَدَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ!

وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّفْسِيرِ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً وَفِيهِ رِوَايَاتٌ وَطُرُقٌ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْ جَيِّدِهَا طَرِيقُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْهَاشِمِيِّ عَنْهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ "بِمِصْرَ صَحِيفَةٌ فِي التَّفْسِيرِ رَوَاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَوْ رَحَلَ رَجُلٌ فِيهَا إِلَى مِصْرَ قَاصِدًا مَا كَانَ كَثِيرًا" أَسْنَدَهُ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذِهِ النُّسْخَةُ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ رَوَاهَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهِيَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَقَدِ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فِي صَحِيحِهِ كَثِيرًا فِيمَا يُعَلِّقُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ مِنْهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حاتم وابن المنذر كثير بِوَسَائِطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي صَالِحٍ وَقَالَ قَوْمٌ لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّفْسِيرَ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَعْدَ أَنْ عَرَفْتَ الْوَاسِطَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ فَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ فِي الْإِرْشَادِ: تَفْسِيرُ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ قَاضِي الْأَنْدَلُسِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْكِبَارُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَأَجْمَعَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَهَذِهِ التَّفَاسِيرُ الطِّوَالُ الَّتِي أَسْنَدُوهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ وَرُوَاتُهَا مَجَاهِيلُ كَتَفْسِيرِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي التَّفْسِيرِ جَمَاعَةٌ رَوَوْا عَنْهُ وَأَطْوَلُهَا مَا يَرْوِيهِ بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَفِيهِ نَظَرٌ

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ كِبَارٍ وَذَلِكَ صَحَّحُوهُ وَرَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوَ جُزْءٍ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مُتَّفِقٌ عَلْيِهِ وَتَفْسِيرُ شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ المكي عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَرِيبٌ إِلَى الصِّحَّةِ وَتَفْسِيرُ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ يُكْتَبُ وَيُحْتَجُّ بِهِ وَتَفْسِيرُ أَبِي رَوْقٍ نَحْوَ جُزْءٍ صَحَّحُوهُ وَتَفْسِيرُ إِسْمَاعِيلِ السُّدِّيِّ يُورِدُهُ بِأَسَانِيدَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَى عَنْ السُّدِّيِّ الْأَئِمَّةُ مِثْلُ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ لَكِنَّ التَّفْسِيرَ الَّذِي جَمَعَهُ رَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ وَأَسْبَاطٌ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ أَمْثَلَ التَّفَاسِيرِ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ فأما ابن جريج فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الصِّحَّةَ، وَإِنَّمَا رَوَى مَا ذَكَرَ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ وَتَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، فَمُقَاتِلٌ فِي نَفْسِهِ ضَعَّفُوهُ وَقَدْ أَدْرَكَ الْكِبَارَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَالشَّافِعِيُّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ تَفْسِيرَهُ صَالِحٌ انْتَهَى كَلَامُ الْإِرْشَادِ وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ يُورِدُ مِنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ كَثِيرًا مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ هَكَذَا، وَلَمْ يُورِدْ مِنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ شَيْئًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يُخَرِّجَ أَصَحَّ مَا وَرَدَ وَالْحَاكِمُ يُخَرِّجُ مِنْهُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ أَشْيَاءَ وَيُصَحِّحُهُ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ فَقَطْ دُونَ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّ هذا لإسناد يَرْوِي بِهِ السُّدِّيُّ أَشْيَاءَ فِيهَا غَرَابَةٌ

وَمِنْ جَيِّدِ الطُّرُقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ طَرِيقُ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ صَحِيحَةٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَكَثِيرًا مَا يُخَّرِجُ مِنْهَا الْفِرْيَابِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَمِنْ ذَلِكَ طَرِيقُ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ- عَنْهُ، هَكَذَا بِالتَّرْدِيدِ وَهِيَ طرق جَيِّدَةٌ وَإِسْنَادُهَا حَسَنٌ وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كَثِيرًا وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ مِنْهَا أَشْيَاءُ وَأَوْهَى طُرُقِهِ طَرِيقُ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنِ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ فَهِيَ سِلْسِلَةُ الْكَذِبِ وَكَثِيرًا مَا يُخَرِّجُ مِنْهَا الثَّعْلَبِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ لِلْكَلْبِيِّ أَحَادِيثُ صَالِحَةٌ وَخَاصَّةً عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالتَّفْسِيرِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَفْسِيرٌ أَطْوَلُ مِنْهُ وَلَا أَشْبَعُ وَبَعْدَهُ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِلَّا أَنَّ الْكَلْبِيَّ يُفَضَّلُ عَلَيْهِ لِمَا فِي مُقَاتِلٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الرَّدِيئَةِ وَطَرِيقُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّ الضَّحَّاكَ لَمْ يَلْقَهُ فَإِنِ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ بِشْرِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْهُ فَضَعِيفَةٌ لِضَعْفِ بِشْرٍ وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ كَثِيرًا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فَأَشَدُّ ضَعْفًا لِأَنَّ جُوَيْبِرًا شَدِيدُ الضَّعْفِ مَتْرُوكٌ وَلَمْ يُخَرِّجِ ابْنُ جَرِيرٍ وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ شَيْئًا إِنَّمَا أخرجها ابن مردويه وأبو الشيخ بن حِبَّانَ وَطَرِيقُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَ مِنْهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كَثِيرًا وَالْعَوْفِيُّ ضعيف لبس بِوَاهٍ وَرُبَّمَا حَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَأَيْتُ عَنْ فَضَائِلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ لأبي عبد الله مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاكِرٍ الْقَطَّانِ أَنَّهُ أَخْرَجَ بِسَنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّفْسِيرِ إِلَّا شَبِيهٌ بِمِائَةِ حَدِيثٍ

وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَعَنْهُ نُسْخَةٌ كَبِيرَةٌ يَرْوِيهَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْهَا كَثِيرًا وَكَذَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الْيَسِيرُ مِنَ التَّفْسِيرِ كَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَوَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَشْيَاءُ تَتَعَلَّقُ بِالْقَصَصِ وَأَخْبَارِ الْفِتَنِ وَالْآخِرَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا بِأَنْ يكون مما تَحْمِلُهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَالَّذِي وَرَدَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} وَكِتَابُنَا الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ جَامِعٌ لِجَمِيعِ مَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ ذَلِكَ طَبَقَةُ التَّابِعِينَ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِالتَّفْسِيرِ أَهْلُ مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ فِي الْكُوفَةِ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُلَمَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي التَّفْسِيرِ مِثْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الَّذِي أَخَذَ عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ انْتَهَى. فَمِنَ الْمُبَرَّزِينَ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ مَيْمُونٍ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثِينَ مَرَّةً عنه أَيْضًا قَالَ عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَرْضَاتٍ أَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا فِيمَ نَزَلَتْ؟ وَكَيْفَ كَانَتْ؟ وَقَالَ خُصَيْفٌ: كَانَ أَعْلَمُهُمْ بِالتَّفْسِيرِ مجاهد

وقال الثوري: إِذَا جَاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: وَلِهَذَا يَعْتَمِدُ عَلَى تَفْسِيرِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قُلْتُ: وَغَالِبُ مَا أَوْرَدَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْهُ وَمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ غَيْرِهِ قَلِيلٌ جِدًّا وَمِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ خُذُوا التَّفْسِيرَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أَعْلَمَ التَّابِعِينَ أَرْبَعَةٌ كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَعْلَمَهُمْ بِالْمَنَاسِكِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِالتَّفْسِيرِ وَكَانَ عِكْرِمَةُ أَعْلَمَهُمْ بِالسِّيَرِ وَكَانَ الْحَسَنُ أَعْلَمَهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمِنْهُمْ عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ عِكْرِمَةَ وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ فَسَّرْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَجْعَلُ فِي رِجْلِي الْكَبْلَ وَيُعَلِّمُنِي الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ كُلُّ شَيْءٍ أُحَدِّثُكُمْ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ

الْخُرَاسَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَقَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ وَأَبُو مَالِكٍ وَيَلِيهِمُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي آخَرِينَ فَهَؤُلَاءِ قُدَمَاءُ الْمُفَسِّرِينَ وَغَالِبُ أَقْوَالِهِمْ تَلَقَّوْهَا عَنِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الطَّبَقَةِ أُلِّفَتْ تَفَاسِيرُ تَجْمَعُ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَتَفْسِيرِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَآدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدِ بْنِ حميد وسعيد وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَآخَرِينَ وَبَعْدَهُمِ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَكِتَابُهُ أَجَلُّ التَّفَاسِيرِ وَأَعْظَمُهَا ثُمَّ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو الشَّيْخِ بن حبان وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي آخَرِينَ وَكُلُّهَا مُسْنَدَةٌ إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا ابْنُ جَرِيرٍ فَإِنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِتَوْجِيهِ الْأَقْوَالِ وَتَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَالْإِعْرَابِ وَالِاسْتِنْبَاطِ فَهُوَ يَفُوقُهَا بِذَلِكَ ثُمَّ أَلَّفَ فِي التَّفْسِيرِ خَلَائِقُ فَاخْتَصَرُوا الْأَسَانِيدَ وَنَقَلُوا الْأَقْوَالَ بَتْرًا فَدَخَلَ مِنْ هُنَا الدَّخِيلُ وَالْتَبَسَ الصَّحِيحُ بِالْعَلِيلِ ثُمَّ صَارَ كُلُّ مَنْ يَسْنَحُ لَهُ قَوْلٌ يُورِدُهُ وَمَنْ يَخْطُرُ بِبَالِهِ شَيْءٌ يَعْتَمِدُهُ ثُمَّ يَنْقُلُ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ ظَانًّا أَنَّ لَهُ أَصْلًا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى تَحْرِيرِ مَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَمَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي التَّفْسِيرِ حَتَّى رَأَيْتُ مَنْ حَكَى فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} نَحْوَ عَشَرَةِ أَقْوَالِ وَتَفْسِيرُهَا

بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى هُوَ الْوَارِدُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ حَتَّى قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ ثُمَّ صَنَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْمٌ بَرَعُوا فِي عُلُومٍ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَقْتَصِرُ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى الْفَنِّ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَالنَّحْوِيُّ تَرَاهُ لَيْسَ لَهُ هَمٌّ إِلَّا الْإِعْرَابَ وَتَكْثِيرَ الْأَوْجُهِ الْمُحْتَمَلَةِ فِيهِ وَنَقْلَ قَوَاعِدَ النَّحْوِ وَمَسَائِلِهِ وَفُرُوعِهِ وَخِلَافِيَّاتِهِ كَالزَّجَّاجِ وَالْوَاحِدِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَأَبِي حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْإِخْبَارِيُّ لَيْسَ لَهُ شُغُلٌ إِلَّا الْقِصَصَ وَاسْتِيفَاءَهَا وَالْإِخْبَارَ عَمَّنْ سَلَفَ سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ بَاطِلَةً كَالثَّعْلَبِيِّ وَالْفَقِيهُ يَكَادُ يَسْرُدُ فِيهِ الْفِقْهَ مِنْ بَابِ الطَّهَارَةِ إِلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَرُبَّمَا اسْتَطْرَدَ إِلَى إِقَامَةِ أَدِلَّةِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْآيَةِ وَالْجَوَابِ عَنْ أَدِلَّةِ الْمُخَالِفِينَ كَالْقُرْطُبِيِّ وَصَاحِبُ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ- خُصُوصًا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ- قَدْ مَلَأَ تَفْسِيرَهُ بِأَقْوَالِ الْحُكَمَاءِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَشِبْهِهَا وَخَرَجَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى يَقْضِيَ النَّاظِرُ الْعَجَبَ مِنْ عَدَمِ مُطَابَقَةِ الْمَوْرِدِ لِلْآيَةِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ: جَمَعَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً طَوِيلَةً لَا حَاجَةَ بِهَا فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا التَّفْسِيرَ وَالْمُبْتَدِعُ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ إِلَّا تَحْرِيفُ الْآيَاتِ وَتَسْوِيَتُهَا عَلَى مَذْهَبِهِ الْفَاسِدِ بِحَيْثُ إِنَّهُ مَتَى لَاحَ لَهُ شَارِدَةٌ مِنْ بَعِيدٍ اقْتَنَصَهَا أَوْ وَجَدَ مَوْضِعًا لَهُ فِيهِ أَدْنَى مَجَالٍ سَارَعَ إِلَيْهِ. قَالَ الْبَلْقِينِيُّ: اسْتَخْرَجْتُ مِنَ الْكَشَّافِ اعتزالا بالمناقيش من قول تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} وَأَيُّ فَوْزٍ أَعْظَمُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَشَارَ بِهِ إِلَى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ

وَالْمُلْحِدُ فَلَا تَسْأَلُ عَنْ كُفْرِهِ وَإِلْحَادِهِ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَافْتِرَائِهِ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ} : مَا عَلَى الْعِبَادِ أَضَرُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَكَقَوْلِهِ فِي سَحَرَةِ مُوسَى مَا قَالَ وَقَوْلُ الرَّافِضَةِ فِي {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} مَا قَالُوا وَعَلَى هَذَا وَأَمْثَالِهِ يُحْمَلُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ فِي أُمَّتِي قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَنْثُرُونَهُ نَثْرَ الدَّقَلِ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ" فِإِنْ قُلْتَ: فَأَيُّ التَّفَاسِيرِ تُرْشِدُ إِلَيْهِ وَتَأْمُرُ النَّاظِرَ أَنْ يُعَوِّلَ عَلَيْهِ! قُلْتُ تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ الَّذِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤَلَّفْ فِي التَّفْسِيرِ مِثْلُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: كِتَابُ ابْنِ جَرِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ مِثْلَهُ وَقَدْ شَرَعْتُ فِي تَفْسِيرٍ جَامِعٍ لِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ التَّفَاسِيرِ الْمَنْقُولَةِ وَالْأَقْوَالِ الْمَقُولَةِ وَالِاسْتِنْبَاطَاتِ وَالْإِشَارَاتِ وَالْأَعَارِيبِ وَاللُّغَاتِ وَنُكَتِ الْبَلَاغَةِ وَمَحَاسِنِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ أَصْلًا وَسَمَّيْتُهُ بِ "مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَمَطْلَعِ الْبَدْرَيْنِ" وَهُوَ الَّذِي جَعَلْتُ هَذَا الْكِتَابَ مُقَدِّمَةً لَهُ وَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُعِينَ عَلَى إِكْمَالِهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَإِذْ قَدِ انْتَهَى بِنَا الْقَوْلُ فِيمَا أَرَدْنَاهُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَلْنَخْتِمْهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّفَاسِيرِ الْمُصَرَّحِ بِرَفْعِهَا إِلَيْهِ غَيْرِ مَا وَرَدَ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ لِتُسْتَفَادَ فَإِنَّهَا مِنَ الْمُهِمَّاتِ.

الْفَاتِحَةُ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- وَابْنُ حِبَّانَ في صححيه عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى" وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ قَالَ: الْيَهُودُ قُلْتُ الضَّالِّينَ؟ قَالَ: النَّصَارَى الْبَقَرَةُ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ والحاكم فِي مُسْتَدْرَكِهِ- وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قَالَ: "مِنَ الْحَيْضِ وَالْغَائِطِ وَالنُّخَامَةِ وَالْبُزَاقِ" قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تفسيره في إسناده الربعي قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ قَالَ: فَفِي تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ لَهُ نَظَرٌ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي تَارِيخِهِ قَالَ إِنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا الْعَدْلُ؟ قَالَ: "الْعَدْلُ الْفِدْيَةُ" مُرْسَلٌ جَيِّدٌ عَضَّدَهُ إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} ، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ

عَلَى إِسْتَاهُهُمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرِهِ، فِيهِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: {قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِهَذَا السَّنَدِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ حَرْفٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهِ الْقُنُوتُ فَهُوَ الطَّاعَةُ، وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ في الرواية بِسَنَدٍ فِيهِ مَجَاهِيلُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} ، قال: "يتبعونه حق ابتاعه" وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ، قَالَ: لَا طَاعَةَ إِلَّا فِي الْمَعْرُوفِ لَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ: "لَيْسَ لِظَالِمٍ عَلَيْكَ عَهْدٌ أَنْ تُطِيعَهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ- وَصَحَّحَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} قَالَ: عَدْلًا وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالَ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ،

فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالَ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} ، قَالَ وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ فَتُدْعَونَ فَتَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلَاغِ وَأَشْهَدُ عَلَيْكُمْ قَوْلُهُ وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُدْرَجٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} يَقُولُ: اذْكُرُونِي يَا مَعْشَرَ الْعِبَادِ بِطَاعَتِي أَذْكُرُكُمْ بِمُغْفِرَتِي. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: انْقَطَعَ قِبَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَرْجَعَ فَقَالُوا: مُصِيبَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: "مَا أَصَابَ المؤمن مما يكره فَهُوَ مُصِيبَةٌ" لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ الْكَافِرَ يُضْرَبُ ضَرْبَةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَيَسْمَعُهَا كُلُّ دَابَّةٍ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ، فَتَلْعَنُهُ كُلُّ دَابَّةٍ سَمِعَتْ صَوْتَهُ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} يَعْنِي دَوَابَّ الْأَرْضِ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِي {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} : قَالَ شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} قَالَ

الرَّفَثُ: التَّعَرُّضُ لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ، وَالْفُسُوقِ: الْمَعَاصِي وَالْجِدَالُ: جِدَالُ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ. أخرج أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ اللَّغْوِ فِي الْيَمِينِ فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلَّا، وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ قَالَ: التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ الثالثة. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ مَرَّتَيْنِ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ قَالَ: إمساك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، من طريق ابن لَهِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: "الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ". وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ" وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ "الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ"

وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ" وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى وَشَوَاهِدُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّكِينَةُ ريح خجوج وأخرج ابن مردويه من طريق جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي قَوْلِهِ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} ، قَالَ: الْقُرْآنَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي تَفْسِيرَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. آلِ عِمْرَانَ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} قَالَ: هُمُ الْخَوَارِجُ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} ، قَالَ: هُمُ الْخَوَارِجُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ فقال: مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ وَصَدَقَ لِسَانُهُ وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ وَعَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ فَذَلِكَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ الله: {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} قَالَ: الْقِنْطَارُ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ".

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} قال: أما من في السموات فَالْمَلَائِكَةُ، وَأَمَّا مَنْ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا كَرْهًا فَمَنْ أُتِيَ بِهِ مِنْ سَبَايَا الْأُمَمِ فِي السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ وَهُمْ كَارِهُونَ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ- وَصَحَّحَهُ- عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَسَّنَهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ نُفَيْعٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ كَفَرَ؟ قَالَ: مَنْ تَرَكَهُ لَا يَخَافُ عُقُوبَتَهُ وَلَا يَرْجُو ثَوَابَهُ نُفَيْعٌ تَابِعِيٌّ وَالْإِسْنَادُ مُرْسَلٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ- وَصَحَّحَهُ- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} قَالَ: "الْخَيْرُ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَسُنَّتِي". مُعْضَلٌ

وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} ، قَالَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {مُسَوِّمِينَ} قَالَ مُعَلِّمِينَ، وَكَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عمائم سود، ويوم أحد عمائم حمر أخرج الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ شُجَاعٌ أَقْرَعُ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يعني شدقيه فَيَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ"، ثم تلى هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الْآيَةَ. النِّسَاءِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} ، قال: ألا تَجُورُوا وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُرِئَ عِنْدَ عُمَرَ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} فَقَالَ مُعَاذٌ: عِنْدِي تَفْسِيرُهَا تُبَدَّلُ فِي سَاعَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قَالَ: إِنْ جَازَاهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} الشَّفَاعَةُ فِيمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ مِمَّنْ صَنَعَ إِلَيْهِمُ الْمَعْرُوفَ فِي الدُّنْيَا وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَسَأَلَهُ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ: أَمَا سَمِعْتَ الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} فَمَنْ لَا يَتْرُكُ وَلَدًا وَلَا والد فَوِرْثَتُهُ "كَلَالَةٌ" مُرْسَلٌ وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، عَنِ الْبَرَاءِ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ "الْكَلَالَةِ فَقَالَ: مَا عَدَا الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ الْمَائِدَةِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ خَادِمٌ وَدَابَّةٌ وَامْرَأَةٌ كُتِبَ مَلِكًا" لَهُ شَاهَدٌ مِنْ مُرْسَلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وصححه عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ، قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مُوسَى هُمْ قَوْمُ هَذَا.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} قَالَ عَبَاءَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ السُّفْيَانِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى} ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ" وأخرج أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: "لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ" الْأَنْعَامِ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ نَهْشَلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكٌ إِذَا نَامَ يَأْخُذُ نَفْسَهُ فَإِنْ أَذَنَ اللَّهُ فِي قَبْضِ رُوحِهِ وقبضه وَإِلَّا رَدَّهُ إِلَيْهِ" فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} نَهْشَلٌ كَذَّابٌ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ

الْآيَةُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ! نَفْسَهُ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي تَعْنُونَ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} قَالَ: لَوْ أَنَّ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ وَالْمَلَائِكَةَ مُنْذُ خُلِقُوا إِلَى أَنْ فَنُوا صُفُّوا صَفًّا وَاحِدًا مَا أَحَاطُوا بِاللَّهِ أَبَدًا. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} ، قَالُوا: كَيْفَ يَشْرَحُ صَدْرَهُ؟ قَالَ: نُورٌ يُقْذَفُ بِهِ فَيَنْشَرِحُ لَهُ وينفسخ، قَالُوا: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَةٍ يُعْرَفُ بِهَا قَالَ: الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ لِقَاءِ الْمَوْتِ مُرْسَلٌ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَمُرْسَلَةٌ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ أَوِ الْحُسْنِ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالنَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: مَا سَقَطَ مِنَ السُّنْبُلِ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ

نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} ، فَقَالَ: مَنْ أَرْبَى عَلَى يَدِهِ فِي الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ صِحَّةَ نِيَّتِهِ بِالْوَفَاءِ فِيهِمَا لَمْ يُؤَاخَذْ وَذَلِكَ تَأْوِيلُ "وُسْعَهَا" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا} ، قَالَ يَوْمَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً} هُمْ أَصْحَابُ الْبِدَعِ وَأَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً} هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. الْأَعْرَافِ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قَالَ: "صَلُّوا فِي نِعَالِكُمْ" لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا قُبِضَتْ رُوحُهُ قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ حَتَّى يَنْتَهِيَ

بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} فَيَقُولُ اللَّهُ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَقَالَ: "أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ" لَهُ شَوَاهِدُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيِّ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ فَقَالَ: هُمْ أُنَاسٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ فَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعْصِيَةُ آبَائِهِمْ وَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِ النَّارِ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" لَهُ شَاهَدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا إِنَّهُمْ مُؤْمِنُو الْجِنِّ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الطُّوفَانُ الْمَوْتُ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ- وَصَحَّحَاهُ- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} ، قَالَ: هَكَذَا وَأَشَارَ بِطَرَفِ إِبْهَامِهِ عَلَى أُنْمُلَةِ أُصْبُعِهِ الْيُمْنَى فَسَاخَ الْجَبَلُ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا.

وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ بِلَفْظٍ: "وَأَشَارَ بِالْخِنْصَرِ فَمِنْ نورها جَعَلَهُ دَكًّا" وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأَلْوَاحُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى كَانَتْ مِنْ سِدْرِ الْجَنَّةِ كَانَ طُولَ اللَّوْحِ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ- وَصَحَّحَهُ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: طإن اللَّهَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنُعْمَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَشَرَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ فَقَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى" وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "أُخِذَ مِنْ ظَهْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالْمُشْطِ مِنَ الرَّأْسِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: شَهِدْنَا" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ- وَصَحَّحَهُ- عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا وُلِدَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ- وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ- فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ فَإِنَّهُ يَعِيشُ فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ فَعَاشَ فَكَانَ ذَلِكَ وَحْيُ الشَّيْطَانِ وَأَمْرُهُ" وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ {خُذِ الْعَفْوَ} ، الْآيَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ" مُرْسَلٌ.

الْأَنْفَالِ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنِ النَّاسُ؟ قَالَ: أَهْلُ فَارِسَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَضَعَّفَهُ- عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فَإِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمُ الِاسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أَلَا وَإِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ فَمَعْنَاهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ مُعْظَمَ الْقُوَّةِ وَأَنْكَاهَا لِلْعَدُوِّ الرَّمْيُ" وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمَهْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ} قَالَ هُمُ الْجِنُّ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَرِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا.

بَرَاءَةٌ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: "يَوْمُ النَّحْرِ" وَلَهُ شَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَوْمُ عَرَفَةَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} ، قال: "قصر من لؤلؤة فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زُمُرُدَةٍ خَضْرَاءَ فِي كُلِّ بَيْتٍ سَرِيرٌ عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ عَلَى كُلِّ فراش زوجة من الحور فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفًا وَوَصِيفَةً وَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ غَدَاةٍ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْمَعَ" وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ، فَأَتَيَا رسول الله فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ مَسْجِدِي وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطَّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ فَمَا هَذَا الطَّهُورُ؟ قَالُوا: مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، قَالَ: هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ" وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السَّائِحُونَ هُمُ الصَّائِمُونَ" يُونُسَ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قولهك {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} : الْحُسْنَى الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى رَبِّهِمْ وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} ، قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، الْحُسْنَى: الْجَنَّةُ وَزِيَادَةٌ النَّظَرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} قَالَ: الْقُرْآنِ، {وَبِرَحْمَتِهِ} أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَكِي صَدْرِي، قَالَ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} له شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ نَاسًا يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ، قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَوْمٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَمْوَالٍ وَلَا أَنْسَابٍ لَا يَفْزَعُونَ إِذَا فَزِعَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنُوا ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ: اللَّهِ {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} قَالَ: الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَوَرَدَ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ والترمذي وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، قَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ

مُنْذُ أُنْزِلَتْ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ فَهِيَ بُشْرَاهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبُشْرَاهُ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ" لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا} قالوا دَعَوْا هُودٍ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} فَقُلْتُ: مَا مَعْنَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَقْلًا، وَأَحْسَنُكُمْ عَقْلًا أَوْرَعُكُمْ عَنْ محارم الله تعالى وأعلمكم بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَرَ شَيْئًا أَحْسَنَ طَلَبًا، وَلَا أَسْرَعَ إِدْرَاكًا مِنْ حَسَنَةٍ حَدِيثَةٍ لِسَيِّئَةٍ قَدِيمَةٍ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: "إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْحَسَنَاتِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"؟ قَالَ: هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَهْلُهَا يُنْصِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا"

يُوسُفَ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ- وَصَحَّحَهُ- وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ النُّجُومِ الَّتِي رَآهَا يُوسُفُ سَاجِدَةً لَهُ مَا أَسْمَاؤُهَا؟ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَهُ فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيِّ فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُؤْمِنٌ إِنْ أَخْبَرْتُكَ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: خَرَثَانُ وَطَارِقٌ وَالذَّيَّالُ وَذُو الْكِيعَانِ وَذُو الْفَرْعِ وَوَثَّابٌ وَعَمُودَانُ وَقَابِسٌ وَالصَّرُوحُ والمصبح والفيلق والضياء والنور- فقال: اليهودي أي والله أنها لأسمائها وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَعْنِي أَبَاهُ وَأُمَّهُ- رَآهَا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ سَاجِدَةً لَهُ فَلَمَّا قَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى أَبِيهِ قَالَ: أَرَى أَمْرًا مُتَشَتِّتًا يَجْمَعُهُ اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا قَالَ يُوسُفُ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا يُوسُفُ اذْكُرْ هَمَّكَ، قَالَ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} الرَّعْدِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- وَالْحَاكِمُ- وَصَحَّحَهُ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} قَالَ الدَّقَلُ وَالْفَارِسِيُّ وَالْحُلْوُ وَالْحَامِضُ

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ- وَصَحَّحَهُ- وَالنَّسَائِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟ قَالَ: "مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، بِيَدِهِ مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ، يَسُوقُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ" قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ: "صَوْتُهُ" وَأَخْرَجَ ابن مردويه، عن عمرو بْنِ بِجَادٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَّعْدُ مَلَكٌ يَزْجُرُ السَّحَابَ وَالْبَرْقُ طَرَفُ مَلَكٍ يُقَالَ لَهُ رُوفِيلُ" وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "إن ملكا موكل بِالسَّحَابِ يَلُمُّ الْقَاصِيَةَ وَيَلْحُمُ الرَّابِيَةَ فِي يَدِهِ مِخْرَاقٌ فَإِذَا رَفَعَ بَرَقَتْ وَإِذَا زَجَرَ رَعَدَتْ وَإِذَا ضَرَبَ صَعَقَتْ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} إِلَّا الشَّقَاوَةَ وَالسَّعَادَةَ وَالْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {ي يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قَالَ: "يَمْحُو مِنَ الرِّزْقِ وَيَزِيدُ فِيهِ وَيَمْحُو مِنَ الْأَجَلِ وَيَزِيدُ فِيهِ" وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ

عَنْ قَوْلِهِ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قال: "ذلك لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَرْفَعُ وَيَجْبُرُ وَيَرْزُقُ غَيْرَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبَدَّلُ" وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: "لَأُقِرَّنَّ عَيْنَكَ بِتَفْسِيرِهَا وَلَأُقِرَّنَّ عَيْنَ أُمَّتِي مِنْ بِعْدِي بِتَفْسِيرِهَا الصَّدَقَةُ عَلَى وَجْهِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَاصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ تُحَوِّلُ الشَّقَاءَ سَعَادَةً وَتَزِيدُ فِي الْعُمْرِ" إِبْرَاهِيمَ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ- وَصَحَّحَهُ- وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ} قَالَ: يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَ فَرْوَةُ رَأْسِهِ فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَحْسَبُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا

أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} قَالَ: يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ: هَلُمُّوا فَلْنَصْبِرْ فَيَصْبِرُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ قال هَلُمُّوا فَلْنَجْزَعْ فَيَبْكُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ قَالُوا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} قَالَ هِيَ الْحَنْظَلُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قَالَ هِيَ الَّتِي لَا يَنْقُصُ وَرَقُهَا هِيَ النَّخْلَةُ وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: أين يكون النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ" وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} قُلْتُ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} قَالَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ حَرَامٌ وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ. الْحِجْرِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ يُخْرِجُ اللَّهُ نَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النار بعدما يَأْخُذُ نِقْمَتَهُ مِنْهُمْ، لَمَّا أَدْخَلَهُمُ النَّارَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ تَدَّعُونَ بِأَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا فَمَا بَالُكُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ فَإِذَا سَمِعَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ لَهُمْ فَتَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ حَتَّى يَخْرُجُوا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ قَالُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مِثْلَهُمْ فَتُدْرِكُنَا الشَّفَاعَةُ فَنَخْرُجُ مَعَهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ كفروا لو كانون مُسْلِمِينَ} وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَلِيٍّ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} قَالَ جُزْءٌ أَشْرَكُوا وَجُزْءٌ شَكُّوا فِي اللَّهِ تَعَالَى: وَجُزْءٌ غَفَلُوا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ قَالَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَالَ: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} مَا عِضِينَ؟ قَالَ آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قَالَ عَنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. النَّحْلِ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ} قال عقارب أمثال النخل الطِّوَالِ يَنْهَشُونَهُمْ فِي جَهَنَّمَ. الْإِسْرَاءِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ، فَقَالَ كَانَا شَمْسَيْنِ

فَقَالَ اللَّهُ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} فَالسَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتَ هُوَ الْمَحْوُ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} قال الْكَرَامَةُ الْأَكْلُ بِالْأَصَابِعِ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} قَالَ يُدْعَى كُلُّ قَوْمٍ بِإِمَامٍ لَهُمْ وَكِتَابِ رَبِّهِمْ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ لِزَوَالِ الشَّمْسِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دُلُوكُ الشَّمْسِ زَوَالُهَا" وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَصَحَّحَهُ- وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} ، قال: تشهد مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} ، قَالَ: هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي

أَشْفَعُ فِيهِ لِأُمَّتِي، وَفِي لَفْظٍ: "هِيَ الشَّفَاعَةُ" وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُطَوَّلَةٌ وَمُخْتَصَرَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كيف يحشر النَّاسُ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: "الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ" الْكَهْفِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "السرادق النَّارِ أَرْبَعَةُ أَجْدُرٍ كَثَافَةُ كُلِّ جِدَارٍ مِثْلُ مَسَافَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً" وَأَخْرَجَا عَنْهُ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} قَالَ: "كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} ، التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا: "سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، "هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أكبر من الْبَاقِيَاتُ الصَّالَحَاتُ"

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُنْصَبُ الْكَافِرُ مِقْدَارَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ كَمَا لَمْ يَعْمَلْ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّ الْكَافِرَ لَيَرَى جَهَنَّمَ وَيَظُنُّ أَنَّهَا مُوَاقِعَتُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً" وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ قَالَ: "إِنَّ الْكَنْزَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مُصْمَتٍ عَجِبْتُ لمن أيقن بالقدر لما نَصِبَ؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ ذَكَرَ النَّارَ كَيْفَ ضَحِكَ؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ ذَكَرَ الْمَوْتَ ثُمَّ غَفَلَ عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ! وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الجنة ومنه تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ". مَرْيَمَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ السَّرِيَّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ لِمَرْيَمَ: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} نَهْرٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لِتَشْرَبَ مِنْهُ" وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَجْرَانَ فَقَالُوا: أَرَأَيْتَ مَا تَقْرَءُونَ: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا! فَرَجَعْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ"

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، يُجَاءُ بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ" ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ في غفلة} -وَأَشَارَ بِيَدِهِ، وَقَالَ؛ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي غَفْلَةٍ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "غَيٌّ وَأَثَامٌ بِئْرَانِ فِي أَسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِمَا صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ" قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُمَيَّةَ قَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَقَالَ بَعْضُنَا: لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَيَذْرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا". وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُنَادِي

فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} طه أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَجَدْتُمُ السَّاحِرَ فَاقْتُلُوهُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ، قَالَ: "لَا يُؤَمَّنُ حَيْثُ وُجِدَ" وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} قَالَ عَذَابَ الْقَبْرِ. الْأَنْبِيَاءِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ" الْحَجِّ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إِلْحَادٌ"

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا سمي الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بالله، ثم تلى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.} الْمُؤْمِنُونَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مُرَّةَ الْبَهْزِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: "إِنَّكَ تَمُوتُ بِالرَّبْوَةِ فمات بالرملة" قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: غَرِيبٌ جِدًّا وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} ، هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ؟ قَالَ، لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ اللَّهَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} قَالَ تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقْلِصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ.

النُّورِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سَوْرَةَ ابْنِ أَخِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا السَّلَامُ فَمَا الِاسْتِئْنَاسُ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِتَسْبِيحَةٍ، وَتَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ، وَيَتَنَحْنَحُ فَيُؤْذِنُ أَهْلَ الْبَيْتِ. الْفُرْقَانِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بن أبي أُسَيْدٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، سئل عن قوله: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ} قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَيُسْتَكْرَهُونَ فِي النَّارِ كَمَا يُسْتَكْرَهُ الْوَتِدُ فِي الْحَائِطِ الْقَصَصِ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: "أَوْفَاهُمَا وَأَبَرَّهُمَا"، قَالَ: وَإِنْ سُئِلْتُ: أَيُّ الْمَرْأَتَيْنِ تَزَوَّجَ؟ فَقُلِ الصُّغْرَى مِنْهُمَا" إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ مَوْصُولَةٌ وَمُرْسَلَةٌ.

الْعَنْكَبُوتِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- وَغَيْرُهُمَا عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} قَالَ كَانُوا يَحْذِفُونَ أَهْلَ الطَّرِيقِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ فَهُوَ الْمُنْكَرُ الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَ. لُقْمَانَ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ"، فِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. السَّجْدَةِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {أَحْسَنَ كُلَّ شيء خلقه} قَالَ: "أَمَا إِنَّ اسْتَ الْقِرَدَةِ لَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ وَلَكِنَّهُ أَحْكَمَ خَلْقَهَا" وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} قَالَ: قِيَامُ الْعَبْدِ مِنَ اللَّيْلِ

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ} ، قَالَ: جَعَلَ مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِي قَوْلِهِ: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} قَالَ: مِنْ لِقَاءِ مُوسَى رَبَّهُ. الأحزاب وأخرج التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ" وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} سَبَأٍ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَأٍ؛ أَرَجُلٌ هُوَ أَمِ امْرَأَةٌ، أَمْ أَرْضٌ؟ فَقَالَ: بَلْ هُوَ رَجُلٌ، وُلِدَ لَهُ عَشَرَةٌ، فَسَكَنَ الْيَمَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَبِالشَّامِ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: "إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ

ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كأنها سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. فَاطِرٍ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} قَالَ: هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} فأما الذي سَبَقُوا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا فَأُولَئِكَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحْبَسُونَ فِي طُولِ الْمَحْشَرِ، ثُمَّ هُمُ الَّذِينَ تَلَافَاهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} الآية وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ: أَيْنَ أَبْنَاءُ السِّتِّينَ؟ وَهُوَ الْعُمْرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}

يس أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ، قَالَ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ" وَأَخْرَجَا عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} الصَّافَّاتِ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: {وَحُورٌ عِينٌ} ، قَالَ: "الْعِينُ الضِّخَامُ الْعُيُونِ شُفْرُ الْحَوْرَاءِ مِثْلَ جَنَاحِ النَّسْرِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} ، قَالَ: "رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدَةِ الَّتِي فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ الَّتِي تَلِي القشر" قَوْلُهُ: "شُفْرُ" هُوَ بِالْفَاءُ مُضَافٌ إِلَى الْحَوْرَاءِ، وَهُوَ هُدْبُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا ضَبَطْتُهُ وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا لِأَنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُهْمِلِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا صَحَّفَهُ بِالْقَافِ وَقَالَ: الْحَوْرَاءُ مِثْلُ جَنَاحِ النَّسْرِ مُبْتَدَأٌ وخبر يعني في السرعة والخفة وَهَذَا كَذِبٌ وَجَهْلٌ مَحْضٌ وَإِلْحَادٌ فِي الدِّينِ وَجُرْأَةٌ عَلَى اللَّهِ ورسوله

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} قَالَ: حَامٌ وَسَامٌ وَيَافِثُ وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ وَأَخْرَجَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} قَالَ يَزِيدُونَ عِشْرِينَ أَلْفًا وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ سعدان: أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا لِجُلَسَائِهِ: "أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ لَيْسَ مِنْهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ" ثُمَّ قَرَأَ: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} . الزُّمَرِ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَفْسِيرِ: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فقال: تَفْسِيرُهَا: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانُ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ والظاهر الباطن بِيَدِهِ الْخَيْرُ يُحْيِي وَيُمِيتُ" الْحَدِيثُ غَرِيبٌ وَفِيهِ نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه

وسلم أنه سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} مَنِ الَّذِينَ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ يُصْعَقَ قَالَ هُمُ الشُّهَدَاءُ. غَافِرٍ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ، ثُمَّ قَرَأَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} فُصِّلَتْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قَدْ قَالَهَا نَاسٌ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ فَمَنْ قَالَهَا حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ مِمَّنِ اسْتَقَامَ عَلَيْهَا. الشُّورَى أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَحَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} ، وَسَأُفَسِّرُهَا لَكَ يَا عَلِيُّ

مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ. الزُّخْرُفِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجدل" ثم تلى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ حَسْرَةً فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ المتقين، وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} فَيَكُونُ لَهُ شُكْرٌ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ فَالْكَافِرُ يَرِثُ الْمُؤْمِنَ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ وَالْمُؤْمِنُ يَرِثُ الْكَافِرَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ" فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الدُّخَانِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رَبَّكُمْ أَنْذَرَكُمْ ثَلَاثًا: الدُّخَانُ

يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَالزَّكْمَةِ وَيَأْخُذُ الْكَافِرَ فَيَنْتَفِخُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ مِنْهُ وَالثَّانِيةُ الدَّابَّةُ وَالثَّالِثَةُ الدَّجَّالُ" لَهُ شَوَاهِدُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ فِي السَّمَاءِ بَابَانِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِزْقُهُ وَبَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَكَلَامُهُ فَإِذَا مَاتَ فَقَدَاهُ وَبَكَيَا عَلَيْهِ وتلى: هَذِهِ الْآيَةَ: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَمَلًا صَالِحًا تَبْكِي عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَصْعَدُ لَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا مِنْ عَمَلِهِمْ كَلَامٌ طَيِّبٌ وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ فَتَفْقِدُهُمْ فَتَبْكِي عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ مُرْسَلًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مَاتَ مُؤْمِنٌ فِي غُرْبَةٍ غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بَوَاكِيهِ إِلَّا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ" ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} ثُمَّ قَالَ إِنَّهُمَا لَا يَبْكِيَانِ عَلَى كَافِرٍ الْأَحْقَافِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قَالَ الْخَطُّ الْفَتْحِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. الْحُجُرَاتِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ"، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ؟ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" ق أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُلْقَى فِي النَّارِ وَتَقُولُ: هل من مزيد، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ" الذَّارِيَاتِ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} هِيَ الرِّيَاحُ {فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} هِيَ السُّفُنُ، {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} هِيَ الْمَلَائِكَةُ وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ. الطُّورِ أَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ" ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الْآيَةَ. النَّجْمِ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: تلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ؟: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} ثُمَّ قَالَ أَتَدْرِي مَا وَفَّى؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: "وَفَّى عَمَلَ يَوْمِهِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ" وَأَخْرَجَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ {الَّذِي وَفَّى} ؟ إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} قَالَ: لَا فِكْرَةَ فِي الرَّبِّ قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ: "تَفَكَّرُوا فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ"

الرَّحْمَنِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ، قَالَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفَرِّجَ كَرْبًا، وَيَرْفَعَ قَوْمًا وَيَضَعَ آخَرِينَ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيبٍ، وَالْبَزَّارُ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهُمَا" وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هَلْ جَزَاءُ الأِحْسَانِ إِلاَّ الأِحْسَانُ} وَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ يَقُولُ هَلْ جَزَاءُ مَنْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجَنَّةُ. الْوَاقِعَةِ أَخْرَجَ أَبُو بَكْرٍ النِّجَادُ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً تُؤْذِي صَاحِبَهَا قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: السِّدْرُ فَإِنَّ لَهُ شَوْكًا مُؤْذِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ:؟ {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} خَضَدَ اللَّهُ شَوْكَهُ، فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ

شَوْكَةِ ثَمَرَةً، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْبَعْثِ. وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} ، قَالَ ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ، قال: قال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} عَجَائِزَ كُنَّ فِي الدُّنْيَا عُمْشًا رُمْصًا وَأَخْرَجَ فِي الشَّمَائِلِ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَتَتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ، فَوَلَّتْ تَبْكِي قَالَ: أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً} وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عُرُبًا كَلَامُهُنَّ عَرَبِيٌّ" وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قول الله تعالى: {حُورٌ عِينٌ} ، قَالَ: حُورٌ بِيضٌ عِينٌ، ضِخَامُ الْعُيُونِ شُفْرُ الْحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ

قلت: أخبرني عن قول تعالى: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} ، قَالَ: صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ الدُّرِّ الَّذِي فِي الْأَصْدَافِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قَالَ: خَيْرَاتُ الْأَخْلَاقِ حِسَانُ الْوُجُوهِ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عن قوله: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} ، قَالَ: رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي رَأَيْتَ فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا يَلِي الْقِشْرَ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قوله: {عُرُباً أَتْرَاباً} قَالَ: هُنَّ اللَّوَاتِي قَبَضَهُنَّ فِي دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ رُمْصًا شُمْطًا، خَلَقَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ، فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى عُرُبًا: مُتَعَشَّقَاتٍ مُحَبَّبَاتٍ أَتْرَابًا: عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} ، قال: قال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمَا جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} يَقُولُ شُكْرَكُمْ: {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا الْمُمْتَحَنَةِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولِ الله صلى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قَالَ النَّوْحِ الطَّلَاقِ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ، طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَغَيَّظَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضُ فَتَطْهُرُ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ن أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ وَالْحُوتَ، قَالَ اكْتُبْ قَالَ مَا أكتب؟ قال: كل شيء كائن إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَرَأَ {نْ وَالْقَلَمِ} وَالنُّونُ: الْحُوتُ، وَالْقَلَمُ: الْقَلَمُ" وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، لَوْحٌ مِنْ نُورٍ وَقَلَمٌ مِنْ نُورٍ يَجْرِي بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ مُرْسَلٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَبْكِي السَّمَاءُ مِنْ عَبْدٍ أَصَحَّ اللَّهُ جِسْمَهُ، وَأَرْحَبَ جَوْفَهُ، وَأَعْطَاهُ

مِنَ الدُّنْيَا مُقْضِمًا، فَكَانَ لِلنَّاسِ ظلوما، فَذَلِكَ الْعُتُلُّ الزَّنِيمُ" مُرْسَلٌ لَهُ شَوَاهِدُ وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ فِيهِ مُبْهَمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: عَنْ نُورٍ عَظِيمٍ يَخِرُّونَ له سُجَّدًا سَأَلَ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} ، مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ! فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَنِ الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا" الْمُزَّمِّلِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ، قَالَ: مِائَةُ آيَةٍ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: غَرِيبٌ جِدًّا الْمُدَّثِّرِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ يَهْوِي بِهِ كَذَلِكَ"

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} ، فَقَالَ "قَالَ رَبُّكُمْ: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فَلَا يُجْعَلُ مَعِي إِلَهٌ فَمَنِ اتَّقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلَهًا كَانَ أَهْلًا أَنْ أَغْفِرَ لَهُ" عَمَّ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وَاللَّهِ لَا يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَحَدٌ حَتَّى يَمْكُثَ فِيهَا أَحْقَابًا، وَالْحُقْبُ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، كُلُّ سَنَةٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا مِمَّا تَعُدُّونَ" التَّكْوِيرِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حاتم عن أبي يزيد بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} قَالَ: كَوَّرَتْ فِي جَهَنَّمَ: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} ، قَالَ: فِي جَهَنَّمَ وَأَخْرَجَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} قَالَ الْقُرَنَاءُ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ كُلِّ قَوْمٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَلَهُ

انفطرت. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: مَا وُلِدَ لَكَ؟ قَالَ: مَا عَسَى أَنْ يُولَدَ لِي! إِمَّا غُلَامٌ أَوْ جَارِيَةٌ! قَالَ: فَمَنْ يُشْبِهُ؟ قَالَ: مَنْ عَسَى أَنْ يُشْبِهَ! إِمَّا أَبَاهُ وَإِمَّا أُمَّهُ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَهْ لَا تَقُولَنَّ هَذَا، إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أَحْضَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ نَسَبٍ بَيْنِهَا وَبَيْنَ آدَمَ، أَمَا قَرَأْتَ، {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} قَالَ سَلَكَكَ" وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "إنما سماهم الْأَبْرَارَ لِأَنَّهُمْ بَرُّوا الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ" الْمُطَفِّفِينَ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ- وَصَحَّحَهُ- وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا، كَانَتْ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ مِنْهَا صَقُلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زَادْتَ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}

الِانْشِقَاقِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ" وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ: "لَيْسَ يُحَاسَبُ أَحَدٌ إِلَّا عُذِّبَ" قُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِالْحِسَابِ وَلَكِنْ ذَاكَ الْعَرْضُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ؟ قَالَ: "أَنْ يَنْظُرَ فِي كِتَابِهِ فَيَتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهُ إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ هَلَكَ" الْبُرُوجِ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَشَاهِدٍ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَمَشْهُودٍ يَوْمُ عَرَفَةَ" لَهُ شَوَاهِدُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عباس أن رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، صَفَحَاتُهَا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، قَلَمُهُ نُورٌ، وَكِتَابُهُ نُورٌ لِلَّهِ تعالى فيه في كُلَّ يَوْمٍ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ لَحْظَةٍ، يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُمِيتُ وَيُحْيِي وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ"

سَبَّحَ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} ، قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ، وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} ، قَالَ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَالِاهْتِمَامُ بِهَا" وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ هَذَا- أَوْ كُلُّ هَذَا- فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى" الْفَجْرِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ" قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: رِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ وَفِي رَفْعِهِ نَكَارَةٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "الشَّفْعُ الْيَوْمَانِ وَالْوَتْرُ الْيَوْمُ الثَّالِثُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ فَقَالَ: "الصَّلَاةُ بَعْضُهَا شَفْعٌ وَبَعْضُهَا وَتْرٌ"

الْبَلَدِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: عتق النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ، قَالَ: أَوْ لَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ قال لا إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تُفْرَدَ بِعِتْقِهَا وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ في عتقها. الشمس أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} أَفْلَحَتْ نَفْسٌ زَكَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى أَلَمْ نَشْرَحْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَتَدْرِي كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ قُلْتُ اللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي الزَّلْزَلَةِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، قَالَ: أَتُدْرُونَ، مَا "أَخْبَارُهَا"؟

قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَنْ تَشَهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا. الْعَادِيَاتِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قال: قال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ الأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} قَالَ: "الْكَنُودُ الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ، وَيَمْنَعُ رَفْدَهُ" أَلْهَاكُمُ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن زيد بن أسلم مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرِ عَنِ الطَّاعَةِ حَتَّى زُرْتُمُ المقابر حَتَّى يَأْتِيَكُمُ الْمَوْتُ" وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رُطَبًا وَشَرِبُوا مَاءً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ" وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قَالَ: "الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ"

الْهُمَزَةِ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله وسلم: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} قال مطبقة. أرأيت {الماعون} أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قَالَ هُمُ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا الْكَوْثَرِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر أعطانيه رَبِّي فِي الْجَنَّةِ" لَهُ طُرُقٌ لَا تُحْصَى النَّصْرِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ"،قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي"

الصمد أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بُرَيْدَةَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَهُ، قَالَ: "الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ" الْفَلَقِ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْفَلَقُ جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطًّى"، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: غَرِيبٌ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ النسائي عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَأَرَانِي الْقَمَرَ حِينَ طَلَعَ، وَقَالَ: "تَعَوُّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، الْغَاسِقِ إِذَا وَقَبَ" وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} ، قَالَ: النَّجْمُ الْغَاسِقُ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ. النَّاسِ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خُرْطُومَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ أَيْ سَكَنَ، وَإِنْ نَسِيَ الْتَقَمَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنَ التَّفَاسِيرِ الْمَرْفُوعَةِ المصرح برفعها صحيحها وَحَسَنِهَا، ضَعِيفِهَا وَمُرْسَلِهَا وَمُعْضَلِهَا، وَلَمْ أُعَوِّلْ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ وَالْأَبَاطِيلِ

وَقَدْ وَرَدَ مِنَ الْمَرْفُوعِ فِي التَّفْسِيرِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ طِوَالٌ تَرَكْتُهَا: أَحَدُهَا: الْحَدِيثُ فِي قِصَّةِ مُوسَى مع الخضر وفيه تفسير آيات الْكَهْفِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وغيره. والثاني: حَدِيثُ الْفُتُونِ طَوِيلٌ جِدًّا فِي نِصْفِ كَرَّاسٍ يَتَضَمَّنُ شَرْحَ قِصَّةِ مُوسَى وَتَفْسِيرَ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ نَبَّهَ الْحُفَّاظُ مِنْهُمُ الْمِزِّيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ قَلِيلٌ صَرَّحَ بِعَزْوِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَلَقَّاهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ. الثَّالِثُ: حَدِيثُ الصُّورِ وَهُوَ أَطْوَلُ مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ يَتَضَمَّنُ شَرْحَ حَالِ الْقِيَامَةِ وَتَفْسِيرَ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ سُوَرٍ شَتَّى فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَأَبُو يَعْلَى وَمَدَارُهُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِسَبَبِهِ وَفِي بَعْضِ سِيَاقِهِ نَكَارَةٌ وَقِيلَ إنه جمعه من طرق أو أماكن مُتَفَرِّقَةٍ وَسَاقَهُ سِيَاقًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ تَفْسِيرَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ أَوْ غَالِبِهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ ماجة عن عمر أنه قَالَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا دَلَّ فَحْوَى الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُفَسِّرُ لَهُمْ كُلَّ مَا نَزَلَ وَأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُفَسِّرْ هَذِهِ الْآيَةَ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ بَعْدَ نُزُولِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ بِهَا وَجْهٌ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا كَانَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يُفَسِّرُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا آيًا بَعْدَ عِلْمِهِ إِيَّاهُنَّ مِنْ جِبْرِيلَ"، فَهُوَ

حَدِيثٌ مُنْكَرٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَوَّلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهَا إِشَارَاتٌ إِلَى آيَاتٍ مُشْكِلَاتٍ أُشْكِلْنَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ اللَّهُ عِلْمَهُنَّ فأنزله إِلَيْهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِإِتْمَامِ هَذَا الْكِتَابِ الْبَدِيعِ الْمِثَالِ الْمَنِيعِ الْمَنَالِ الْفَائِقِ بِحُسْنِ نِظَامِهِ عَلَى عُقُودِ اللآل الْجَامِعِ لِفَوَائِدَ وَمَحَاسِنَ لَمْ تَجْتَمِعْ فِي كِتَابٍ قبله في العصور الْخَوَالِ أَسَّسْتُ فِيهِ قَوَاعِدَ مُعِينَةً عَلَى فَهْمِ الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ وَبَيَّنْتُ فِيهِ مَصَاعِدَ يُرْتَقَى فِيهَا لِلْإِشْرَافِ عَلَى مَقَاصِدِهِ وَيُتَوَصَّلُ وَأَرْكَزْتُ فِيهِ مَرَاصِدَ تَفْتَحُ مِنْ كُنُوزِهِ كُلَّ بَابٍ مُقْفَلٍ فِيهِ لُبَابُ الْعُقُولِ وَعُبَابُ الْمَنْقُولِ وَصَوَابُ كُلِّ قَوْلٍ مَقْبُولِ مَحَّضْتُ فِيهِ كُتُبَ الْعِلْمِ عَلَى تَنَوُّعِهَا وَأَخَذْتُ زُبْدَهَا وَدُرَّهَا وَمَرَرْتُ عَلَى رِيَاضِ التَّفَاسِيرِ عَلَى كَثْرَةِ عَدَدِهَا وَاقْتَطَفْتُ ثَمَرَهَا وَزَهْرَهَا وَغُصْتُ بِحَارَ فُنُونِ الْقُرْآنِ فَاسْتَخْرَجْتُ جَوَاهِرَهَا وَدُرَرَهَا وَبَقَرْتُ عَنْ مَعَادِنِ كُنُوزٍ فَخَلَّصْتُ سَبَائِكُهَا وَسَبَكْتُ فِقَرَهَا فَلِهَذَا تَحَصَّلَ فِيهِ مِنَ الْبَدَائِعِ مَا تُبَتُّ عِنْدَهُ الْأَعْنَاقُ بَتًّا وَتَجَمَّعَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ مَا تَفَرَّقَ فِي مُؤَلِّفَاتٍ شَتَّى عَلَى أَنِّي لَا أَبِيعُهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَا أَدَّعِي أَنَّهُ جَمَعَ سَلَامَةً كَيْفَ وَالْبَشَرُ مَحَلُّ النَّقْصِ بِلَا رَيْبٍ هَذَا وَإِنِّي فِي زَمَانٍ مَلَأَ اللَّهُ قُلُوبَ أَهْلِيهِ مِنْ الْحَسَدِ وَغَلَبَ عَلَيْهِمُ اللُّؤْمُ حَتَّى جَرَى مِنْهُمْ مَجْرَى الدَّمِ مِنَ الْجَسَدِ. وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ قَوْمٌ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْجَهْلُ وطمعهم وَأَعْمَاهُمْ حُبُّ الرِّيَاسَةِ وَأَصَمَّهُمْ قَدْ نَكَبُوا

عَنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَنَسَوْهُ وَأَكَبُّوا عَلَى عِلْمِ الْفَلَاسِفَةِ وَتَدَارَسُوهُ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ مِنْهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَزِيدَهُ تَأْخِيرًا وَيَبْغِي الْعِزَّ وَلَا عِلْمَ عِنْدِهِ فلا يَجِدْ لَهُ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا: أتمسى الْقَوَافِي تَحْتَ غَيْرِ لِوَائِنَا وَنَحْنُ عَلَى أَقْوَالِهَا أُمَرَاءُ! وَمَعَ ذَلِكَ فلا ترى إلا أنوفا مشمخرة وَقُلُوبًا عَنِ الْحَقِّ مُسْتَكْبِرَةً وَأَقْوَالًا تَصْدُرُ عَنْهُمْ مفتراة مُزَوَّرَةً كُلَّمَا هَدَيْتَهُمْ إِلَى الْحَقِّ كَانَ أَصَمَّ وَأَعْمَى لَهُمْ كَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوَكِّلْ بِهِمْ حَافِظِينَ يَضْبِطُونَ أَقْوَالَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ فَالْعَالِمُ بَيْنَهُمْ مَرْجُومٌ يَتَلَاعَبُ بِهِ الْجُهَّالُ وَالصِّبْيَانُ وَالْكَامِلُ عِنْدَهُمْ مَذْمُومٌ دَاخِلٌ فِي كِفَّةِ النُّقْصَانِ وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الزَّمَانُ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ السُّكُوتُ وَالْمَصِيرُ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ الْبُيُوتِ وَرَدُّ الْعِلْمِ إِلَى العمل لولا مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْأَخْبَارِ "مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ" وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: ادْأَبْ عَلَى جَمْعِ الْفَضَائِلِ جَاهِدًا وَأَدِمْ لَهَا تَعَبُ الْقَرِيحَةِ وَالْجَسَدْ وَاقْصِدْ بِهَا وَجْهَ الْإِلَهِ وَنَفْعَ مَنْ بَلَّغْتَهُ مِمَّنْ جَدَّ فِيهَا وَاجْتَهَدْ وَاتْرُكْ كَلَامَ الْحَاسِدِينَ وَبَغْيَهُمْ هَمَلًا فَبَعْدَ الْمَوْتِ يَنْقَطِعُ الْحَسَدْ وَأَنَا أَضْرَعُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَعَزَّ سُلْطَانُهُ كَمَا مَنَّ بِإِتْمَامِ هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يُتِمَّ النِّعْمَةَ بِقَبُولِهِ وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أتباع رسوله وألا يُخَيِّبَ أَمَلَنَا فَهُوَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يُخَيِّبُ مَنْ أَمَّلَهُ وَلَا يَخْذِلُ مَنِ انْقَطَعَ عَمَّنْ سِوَاهُ وأم له وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وغفل عن ذكره الغافلون. تم الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وصلواته على أشرف خلقه وتاج رسله محمد وعلى آله وصحبه وسلامه والحمد لله وحده.

§1/1