الإبطال والرفض لعدوان من تجرأ على كشف الشبهات بالنقض

عبد الكريم الحميد

المقدمة.

المقدمة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. ... أما بعد .. فقد اطلعت على ما كتبه المدعو حسن بن فرحان المالكي في رسالة له سماها ظلماً وعدواناً: (نقض كشف الشبهات) والعنوان دال على المضمون والإناء ينضح بما فيه، ولقد نضح إناء هذا الضال فظهر مكنونه، وبئس المكنون والظاهر، فهو صفقة مغبون خاسر. لقد تطاول المسكين على جبال شامخة العلو ثابتة الأصل يُزاولها بيد شَلاّ يروم قلعها فتقطعت أوْصاله، وظهر ضلاله وخباله. وما هي أول قارورة كُسِرَتْ وإنما جاء في الساقة، ومن أدركه الشقاء جَدّ في لحاقه. إن من سَبَر حقيقة دعوة هذا الإمام الجليل والشيخ التقي النبيل محمد بن عبد الوهاب قدّس الله روحه وتابع مسيرها رأى

منظومة متشابهة من خصومها وأنهم وإنْ تفارقوا في الأوطان وتعاقبوا في الأزمان إلا أن الجامع لمفترق طُرُقهم هو الضلال عن الهدى، وعمى البصائر الموجب للردى فهم كما قال تعالى: {تشابهت قلوبهم} ولقد رأيت أعظم شبهة يُشَبِّهون بها على الشيخ هي تكفير المسلمين وقتالهم وغير ذلك من التشنيع واختيار أقبح الألفاظ التي يشينون بها هذه الدعوة ويشنجونها، ولقد زاد عليهم هذا الباغي المفتري بأن وَصَف هذه الدعوة بأنها حركة سياسية، ولقد أضحك العقلاء بسخافاته وهذيانه، وأعظم ما يرمي به الشيخ كإخوانه وسلفه تكفير المسلمين وقتالهم. والذي يطّلع على كتابه (قراءة في كتب العقائد) وغيره من ثمار شجرته الحنظلية ويرى كلامه في الصحابة رضوان الله عليهم وجرأته وخوضه فيما شجر بينهم وجرأته على العلماء يعرف مدى ضلاله وانحرافه. ولقد تناول كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (كشف الشبهات) لينقضه بزعمه وما زاد أن فضح نفسه بنشر خِزْيه وإعلان ضلاله وجهله ولم يدرك مراده. والذي أنبِّه عليه قبل البدء هو حيلة تحيّلها هذا المزوّر الملبّس بأنه يقتطع جملاً يبترها من كلام الشيخ بتراً بحيث تكون مفصولة عما قبلها وما بعدها لظنه أنه بهذا يُرَوِّج زيْفِه ويعمي على الأعين

ضوء الشمس. ولذلك أرفقت كتاب الشيخ رحمه الله (كشف الشبهات) موضحاً ما أسقطه لتتجلى معاني كلام الشيخ دون لبْس، فالكلام الذي تركه هو الذي تحته الخطوط في (كشف الشبهات). كذلك أرفقت رداً عليه مختصراً عنوانه (ملامح جهمية) كنت كتبته عام 1420هـ ليزداد القارئ تبصراً به. والحمد لله. كتبه عبد الكريم بن صالح الحميد بريدة ـ 1422هـ

جرأة المالكي الشيطانية.

جرأة المالكي الشيطانية قال المالكي في ص2 من كتابه: (أولاً: أخطاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه "كشف الشبهات"). الجواب: قوله: أولاً. يُفهم منه أنه سيتتبّع كتب الشيخ رحمه الله ويبين أخطاءه المزعومه فيها، لأن كتاب المالكي هذا ليس فيه ثانياً، فهو مخصص لأخطاء كشف الشبهات فقط. وسيأتي بعد ذلك: ثانياً وثالثاً، وهكذا بقية الكتب. سيأتي من هذا الوغْد المتعالم ما يرفع الله به درجات الشيخ محمد حيث قالت عائشة رضي الله عنها: (ما أطلق الله ألسنة الخلق بسب أصحاب نبيه إلا ليجري لهم أعمالاً صالحة بعد موتهم وانقطاع أعمالهم) فليعرف المحب للشيخ محمد هذا ولا يحزن، وهكذا أئمة الدين بعدهم لهم نصيب من هذا. وبعض السلف يقول في شأن الوقيعة في الشخص بغير حق: (وهل أحسن من أن تجد في صحيفتك يوم القيامة حسنات لم

تعملها). كذلك فإن مما يصنع الله لأوليائه أن يُقَيّض لهم من يَعيبهم ويتنقصهم من الأوباش الذين لا ينظرون في مواضع أقدامهم ليجدد الله لأوليائه الذكر الجميل والثناء الحسن ويُظهر لعباده منهم ما يزيدهم معرفة بفضلهم وكمالهم وهذا من باب: وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني فاضلُ ومن باب: الضّدُّ يظهر حسنه الضّدّ وبضدها تتبين الأشياءُ فيقال لهذا الجاهل المتعالم: من أنت ومن تكون حتى تزعم بنفخة كِبْر وغرور خُيَلاء أنك تبين أخطاء من جحدتَ فضله ومِنّته عليك بعد الله ورسوله، فتنكّرت للنعمة ودفعتها دفع الصائل، وصنعت للبرءَاء العيْب، لكنك أخرق لا تجيد الصنعة، وسوف أبيّن بمعونة الله وتوفيقه بطلان اعتراضك على الشيخ وأن الذي دعاك أن تتقحّم ما تقحّمت وتهذي بما تكلمت هو شَرَقُكَ بالتوحيد وضيق عطنك به لظلمة في قلبك وكدر في فهمك. ولست أول من ضاد هذه الدعوة المباركة ورمى أهلها بالعظائم وإنما أنت حلقة من سلسلة صدئة متآكلة مُتفصّمة. ونبشرك بنصيب إخوانك ممن سلف ومَن هو باق منهم ممن يُضيّقون الديار ويُغلون الأسعار أنه ميراث كبير وحظ كثير من قوله تعالى فيما ضَمِنه وحَقّقه سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله تعالى:

{إن شانئك هو الأبتر} وهذا الضمان مستمر لِوَرَثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن من شنأهم وعابهم لأجل الحق الذي يأتون به أنه هو الأبتر. فهذا ميراث لأعدائهم يُقرُّ به عيونهم ويَشْف به غيظ قلوبهم. كما أن لهم ميراث آخر لهم منه حظ وافر وهو مما أعطاه الله رسوله وحبيبه - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}. ومن استقرأ التأريخ في القرآن والسِّيَر رأى ذلك حاصلاً بظهور بيّن سواء الرسل عليهم السلام مع أممهم أوْ وَرثتهم مع من ينصرهم ومع من يضادهم {ولن تجد لسنة الله تبديلا} {ولن تجد لسنة الله تحويلا}.

إتهام المالكي للشيخ أنه يكفر بالغلو في الصالحين

إتهام المالكي للشيخ أنه يُكَفِّر بالغلو في الصالحين وإليك أيها القارئ كلام المالكي. قال: أولاً: أخطاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه كشف الشبهات: 1 - يقول في ص5: (فأولهم نوح عليه السلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً ... ). أقول: هذا الكلام فيه نظر فإن الله أرسل نوحاً إلى قومه ليدعوهم لعبادة الله وترك الشرك فقد كانوا يعبدون الأصنام وليس فعلهم مجرد (غلو في الصالحين) فٍإن هذه اللفظة تحتمل الخطأ والبدعة عند إطلاقها فتقبيل اليد قد يعتبر من الغلو والتبرك بالصالحين قد يعتبر غلواً ... وهذا أخف من الشرك الأكبر المخرج من الملة. ص2 (نقض المالكي). والجواب: قد ظهر فيما تقدم معنى قوله: (أولاً) ولم يأت لها (ثانياً) في نسخته المشئومة فعُلم أن تطاوله على كتاب (كشف الشبهات) ابتداء وأن عنده من مفترياته أُخيّات، ولا يُنتظر من مثل هذا الأرعن إلا عقارب وحيّات لكنه يجني على نفسه باسْتزادته من السيئات.

وكلام الشيخ رحمه الله واضح وليس فيه مطعن لأحد إلا مطعناً واحداً هو من باب: حسدوا الفتى إذْ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصومُ كضرائر الحسناء قُلْن لِوَجهها حسداً وبغياً: إنه لَدَميم فيقال لهذا الضال: الشيخ رحمه الله بدأ كتابه بقوله: (إعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة. وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى عباده) ثم ذكر رحمه الله العبارة التي اقْتطع المالكي. فالشيخ في بَدْء كلامه ذكر التوحيد وفَسَّره بأنه إفراد الله سبحانه بالعبادة ثم ذكر أن هذا الإفراد لله بالعبادة هو دين الرسل، ثم بدأ بنوح عليه السلام لأنه أول الرسل بعد طُروء الشرك في بني آدم. ثم قال: (لما غَلَوْا في الصالحين) وذكرهم، أراد رحمه الله أن الذي أوْصلهم إلى الشرك الأكبر هو الغلو في الصالحين ولم يُرد الشيخ أن دينهم فقط هو الغلو. ولذلك قال رحمه الله بعد الكلام السابق: (وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي كسّر صور هؤلاء الصالحين) والنبي - صلى الله عليه وسلم - كسرها لأنها تُعبد من دون الله فانتظم الكلام أوله وآخره وأنه في الشرك الذي سببه الغلو في الصالحين كما حصل لقوم نوح الذين يعرف كل أحد أنهم مشركون وأن شركهم

ليس بمجرد الغلو وإنما الغلو أوْصلهم إلى الشرك. يوضح مراد الشيخ وأنه الشرك قوله في كتابه (التوحيد): (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين) فانظر كيف أن الشيخ أراد شرك قوم نوح الذي كان طريقه الغلو في الصالحين. ولذلك جعله سبب الكفر ولم يجعله لوحده كفراً. وهذا واضح. ولذلك ذكر الشيخ في هذا الباب قصة قوم نوح التي في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا} قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففصلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عُبدت. إنتهى. فهذه القصة لقوم نوح ساقها رحمه الله مبيّناً أن سبب كفرهم هو الغلو في الصالحين. ويزيد الأمر وضوحاً قول الشيخ في مسائل هذا الباب: (الثانية: معرفة أول شرك حدث على وجه الأرض أنه بشبهة الصالحين) فانظر تصريحه بشركهم وأن شبهة الصالحين هي أوصلتهم إليه. ويوضحه قوله في مسائل الباب نفسه:

(العاشرة: معرفة القاعدة الكلية وهي النهي عن الغلو ومعرفة ما يؤول إليه) فانظر قوله: النهي عن الغلو ومعرفة ما يؤول إليه. فهو يفرق بين الغلو وبين ما يؤول إليه وهو الشرك. ويوضحه الباب الذي بعد الذي بعده قال رحمه الله: (باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تعبد من دون الله) فانظر قوله: الغلو ثم قوله: يصيّرها وأن المراد أن الغلو طريق الشرك. فالغلو الذي أراده الشيخ في (كشف الشبهات) هو الشرك لأنه قرنه بقوم نوح ومعبوديهم.

إتهام المالكي الشيخ بالتلبيس.

إتهام المالكي الشيخ بالتلبيس ثم قال المالكي بعد الكلام السابق: ص2: والشيخ محمد رحمه الله قال الكلام السابق ليدلل أن دعوته هي امتداد لدعوة الرسل الذين بعثوا إلى قوم ليس لهم من أخطاء إلا الغلو في الصالحين ‍‍!! لأن الشيخ محمد كان خصومه يردون عليه بأن هؤلاء الذين تقاتلهم وتكفرهم أناس مسلمون وقد يوجد عند عوامهم أو علمائهم غلو في الصالحين لكن هذا لا يبرر لك تكفيرهم ولا قتالهم. فكان الرد على هذه الشبهة ـ وهي شبهة قوية ـ حاضرة في مخيلة الشيخ عند تأليفه الكتب أو كتابته الرسائل فتنبه لهذا. إنتهى (نقض المالكي). الجواب: كذب الضال وكذب خصوم الشيخ الذين يرمونه بأنه يُكَفِّر بالغلو بالصالحين لأنه ليس كذلك. وأما أن الشيخ ذكر الكلام السابق لِيُدلّل أن دعوته هي امتداد لدعوة الرسل الذين ليس لقومهم من أخطاء إلا الغلو في الصالحين فهذا صريح أن الشيخ مُلّبِّس وكاذب ومُشبِّه أيضاً. فتلبيسه أنْ جعل بعثة الرسل إلى قومهم وتكفيرهم لهم لأجل الغلو في الصالحين لِيُمَشِّي دعوته التي قامت على هذا الأصل وهو التكفير

بالغلو. وكذِبه أنه ليس لأقوام الرسل خطأ إلا الغلو في الصالحين. وتشبيهه أن هذا الكذب على الرسل وعلى أقوامهم حاضر في مخيّلة الشيخ عند تأليفه الكتب أو كتابته الرسائل، وعلى هذا التقعيد والتأصيل المالكي فليُحذر الشيخ وكتبه ورسائله فهي مبنية على هذه القواعد المالكية وهي أن الشيخ يُكَفِّر بالغلو. فهذا ما يرمي به هذا الضال الشيخ وبرأه الله من هذا الافتراء المحض، ولقد قال فيه أعداؤه أعظم من ذلك وماضر القمر نباح الكلاب، والحمد لله أن كتب الشيخ ورسائله محفوظة ومنتشرة في الأقطار وفيها ما يدحض باطل كل مبطل لاسيما هذا الأحمق الأخرق فقد تقدم بيان الأمر وتوجيهه على وجهه الصحيح والحمد الله. وقد قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله في مثل هذا الجاهل الأحمق: يارافِلاً في ثياب الجهل مفتخراً ... وشارباً من كؤوس الغَيِّ نَشْوانا نصرت والله أعداء الرسول وقدْ ... عاديت من أسَّسوا للدين أركانا وقال: ... والله مال كفّروا يامن قضى شططا ... إلا الذي بصريح الشرك قدْ دانا إنْ كان قدْ عرف التوحيد ثم أتى ... بضِدِّه لَوْ يُصَلي الخمس إدْمانا

وقال: ... لابد من عصبة بالحق ظاهرة ... ينفون عن سنة المعصوم ماشانا غضبت من حجة لله قدْ ظهرتْ ... من عصبة ثابتي الأقدام إيمانا هَلاّ غضبت لِشرع الله إذْ طُمِسَتْ ... أعلامه في بلاد الله أزمانا

إتهام المالكي الشيخ بالتزوير ليبرر التكفير

إتهام المالكي الشيخ بالتزوير ليُبَرِّر التكفير ثم قال المالكي: وقوله [يعني الشيخ محمد] ص 5 - 6: (وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -) [هكذا الصلاة على النبي مرموزة، وهذا منكر والشيخ محمد لا يفعل هذا ولا أهل دعوته] وهو الذي كسّر صور هؤلاء الصالحين أرسله الله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله. ثم علق المالكي بقوله: أقول: هكذا يرسم صورة جميلة عن كفار قريش ليبرر له تكفير المسلمين كالكفار (يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله ... !!). الجواب: كذب الضال فإن الشيخ محمد رحمه الله أراد بهذا الكلام أن يبين أن الشرك لا تنفع معه هذه الأمور التي يفعلها كفار قريش. أما كون الشيخ ذكر ذلك ليبّرر له تكفير المسلمين فهذا مما يحمي الله الشيخ منه حيث إنه لم يكفر المسلمين وإنما كفَّر من كفّرهم الله ورسوله كما سيتبين من كلام الشيخ الذي أتى بطرفه المالكي ليُشبّه به.

ثم قال المالكي: ثم ذكر الصفة التي من أجلها قاتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكفار وقاتل محمد بن عبدالوهاب المسلمين فقال: (لكنهم ـ يعني كفار قريش ـ يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله!!) يعني فجاز قتالهم ويجوز لنا نحن قتالهم للسبب نفسه!!. الجواب: الحق ما شهدت به الأعداء، فهذا المالكي يقول على لسان الشيخ: ويجوز لنا نحن قتالهم للسبب نفسه، فالمالكي يعيب الشيخ باتباعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك بتكفيره ومقاتلته من يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله. هل يحلم المالكي أن تقوم له حجة بمعارضة الحق؟ {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}. الأمر جليّ واضح أن الشيخ متبع ليس بمبتدع فلم يبق إلا التشبيه والتلاعب بكلام الشيخ لعلها تنجح نيابة المالكي عن شيطانه الذي أغواه وأضلّه.

دفاع المالكي عن المشركين بالتلبيس ووساوس إبليس.

دفاع المالكي عن المشركين بالتلبيس وَوَساوس إبليس ثم قال المالكي الضال: سبحان الله، كفار قريش الذين لا يقولون (لا إله إلا الله) ولا يؤمنون بيوم القيامة ولا البعث ولا جنة ولا نار ولا يؤمنون بنبي ويعبدون الأصنام ويقتلون ويظلمون ويشربون الخمور ويرتكبون المحرمات مثلهم مثل المسلمين المصلين الصائمين الحاجين المزكين المتصدقين المجتنبين للمحرمات ويفعلون مكارم الأخلاق ... لا، ليسوا سواء، حتى وإن تأول علماؤهم وجهل عوامهم فالتأويل والجهل باب واسع لكن لا يساوي فيه من يقوم بأركان الإسلام ممن لا ينكرها. إنتهى ص3 (نقض المالكي). الجواب: المالكي لم ينقل كلام الشيخ الذي في كشف الشبهات وهو بعد الكلام السابق، وهو: (يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين فبعث الله إليهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - يجدّد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام. ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لا لملك مقرّب ولا نبي مرسل فضلاً عن غيرهما).

هذا الكلام تركه المالكي لئلا يفتضح ببيان الشيخ مراده من الغلو بالصالحين وأنه الموصل إلى هذا كما حصل لقوم نوح فهو ملبّس مزوّر. وكلام المالكي هذا اعتراض على من يُكفرّ ويقاتل من كفّر الله ورسوله وقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. كذلك هو اعتراض على أهل السنة في حكم المرتد الذي يتكلم بالكفر أو يفعله ولو أنه يصلي ويصوم ويحج ويزكي ويتصدق ويجتنب المحارم ويفعل مكارم الأخلاق كما زعم المالكي. فهذا انتقض إسلامه فلا تنفعه هذه الأعمال. وقول المالكي: لا يساوي فيه من يقوم بأركان الإسلام ممن لا ينكرها. يقصد أنه لا يساوي في التكفير والقتال من يقوم بأركان الإسلام ممن ينكرها يعني كفار قريش و (لا) زائدة فهي خطأ لأنها لا تصح العبارة إلا هكذا حيث أن مراده بيّن من سياق كلامه. فيقال للضال: نعم لا يساوى بين هؤلاء، وبرأ الله الشيخ محمد عن أن يساوي بينهم لكن مصيبتك أنك ما عرفت قدر نفسك فلذلك اصابك من الغرور ما تقحمت به عظائم الأمور. الشيخ محمد وأتباعه لا يساوون بين هؤلاء لكن أنت فضحت نفسك وأعلنت جهلك حيث نقلت كلام الشيخ في أنه يُقاتل الذين

قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم الذين يجعلون بينهم وبين الله وسائط ثم ذكرت أنه لا يساوى بين من يقوم بأركان الإسلام ممن ينكرها فمعنى كلامك واضح وهو أن الذين يجعلون بينهم وبين الله وسائط قائمون بأركان الإسلام. إن الذي يقول: إن المصلي إذا توضأ ثم بال وصلى صحّت صلاته كلامه هذا أحسن من كلامك لأنه غلط في شأن الطهارة للصلاة وأنت غلطت في شأن الكفر والإسلام. إن الذي يجعل بينه وبين الله وسائط دينه دين قريش وإن صلى وصام وحج وزكى، وقد أخبر الله عن كفار قريش أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعاً. نقله عنه صاحب الفروع وصاحب الإنصاف وصاحب الإقناع وغيرهم، وقال أيضاً: فمن أثبت وسائط بين الله وبين خلقه كالحجّاب الذين يكونون بين الملك وبين رعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه وأن الله إنما يهدي عباده ويرزقهم وينصرهم بتوسطهم. بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم

من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قُتل. وهؤلاء شبّهوا الخالق بالمخلوق وجعلوا لله أنداداً، وفي القرآن من الرد على هؤلاء مالا تتسع له هذ الفتوى، فإن هذا دين المشركين عُبّاد الأوثان، كانوا يقولون: إنها تماثيل الأنبياء والصالحين وأنهم وسائل يتقربون بها إلى الله، وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى. إنتهى. (¬1) ¬

_ (¬1) الدرر السنية 9/ 273.

كلام مهم في معنى التوحيد.

كلام مهم في معنى التوحيد من تأمل كلام شيخ الإسلام هذا عرف حقيقة دين الإسلام، وأن اتخاذ الوسائط شرك، ولا فرق بين الصنم والقبر والشجر والحجر لأن الشأن كل الشأن في اعتقاد القلب الموجب لحركته بالحب والخوف والرجاء لمخلوق مهما يكن فهذا مُفسد لحركته الفطرية الطبيعية الخلْقية التي تطلب وتريد الإله الحق سبحانه بلا مزاحم في القلب ولا مساكن بل بالتفريد والتجريد، وهذه هي حقيقة التوحيد، والقلب المتصف بذلك هو القلب السليم. والمراد أن هذا الشرك مستمر في بني آدم وإن اختلفت صوره فالمعنى واحد وهو تشبيه من ليس له شبيهاً بملوك الدنيا والوسائط التي تكون بينهم وبين الناس، ولذلك يسمون الوسيط المزعوم في زمن الشيخ محمد: صاحب السِّر، ويسمون ذلك الاعتقاد، والسيّد. والشيخ رحمه الله دعاهم إلى إلههم الحق الذي ليس كملوك الدنيا تتخذ الوسائط بينهم وبين الناس في حصول رغبة أو دفع رهبة فهذا من نقصهم المنفي عن الإله الحق، فإنهم لا يحيطون علماً بالناس فيحتاجون إلى من يُعْلمهم، أما الإله الحق سبحانه فهو بكل شيء عليم. {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

كذلك فإنه الواسطة يسْتدرّ الرحمة ويسْتدعي اللطف من الملك والإله الحق سبحانه هو أرحم الراحمين وهو اللطيف بعباده. كذلك فإن الواسطة يُحرّك كرم الملك وجوده أما الإله الحق فهو أكرم الأكرمين وأجود الأجود. وأيضاً فإن الواسطة مُعين على الحقيقة للملك وظهير لعجز الملك عن تدبير ملكه، أما الإله الحق سبحانه فليس له مُعيناً ولا ظهيراً وهو على كل شيء قدير. كذلك فإن الملك الذي تتخذ من دونه الوسائط مُنفعل مُؤثَّر فيه لأنه مخلوق، ولذلك تعمل معه الوسائط عملها، أما الإله الحق سبحانه فإنه فاعل غير منفعل لا يؤثِّر فيه المخلوق بل هو الذي يُحَرّك المخلوقات ويُسكنها. والمراد من نفي الوسائط انجذاب القلب والروح بالكلية إلى الإله الحق محبة وخوفاً ورجاءً الموجب لإفراده بالدعاء والذبح وجميع أنواع العبادة التي يُتقرب بها لحصول نفع أو دفع ضر. إن متخذ الوسيط قد شرّك في عبوديته مخلوق مثله لا يخرج عن طَوْر مماثلته في عجزه وفقره وحاجته، وكوْنه مملوك لمالكه فتَشَعّبتْ محبة قلبه وخوفه ورجاؤه وانْقسمت بين مخلوق وخالق ومرزوق ورازق وفقير وغني وعاجز وقادر. لأن المشرك متخذ الوسيط وإن كان في قلبه محبة لله وخوف ورجاء إلا أن هذا لا يقبله الله لأجل المشاركة الدخيلة على الفطرة

والخِلْقة، فملكية العبد خالصة لخالقه كذلك عمل قلبه وجوارحه الذي أهمّه المحبة والخوف والرجاء. فما بال العبد شرّك مخلوق الله في حقه الخالص، لقد تصرف العبد في نفسه تصرف الحر لا العبد المملوك المدبَّر وشبّه مملوك الله به ورفعه باعتقاده إلى مقامه. فمن هنا حَرّم الله الشرك وصار عنده أعظم الذنوب وجعل جزاء من لقيه غير تائب منه الخلود في دار البوار جهنم وبئس القرار. وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) من قالها بعلم وصدق طهّرت قلبه من الاعتقاد الفاسد وذلك بنفي الواسطات المزعومة حيث بانتفائها علماً ينتفي حبها وخوفها ورجاؤها حالاً من القلب فيبقى على الفطرة والخلقة الأولى لكن لابد من الشرعة لتكميل هذه الفطرة {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء}. إذا تبين هذا فاعلم أنه هو مجال دعوة هذا الإمام العظيم محمد بن عبدالوهاب قدّس الله روحه، إنه محارب للشيطان الغارّ لبني آدم المزيِّن لهم مادة هلاكهم. ومن هنا كانت معاداة شياطين الإنس له لأنه يدعو إلى رفض عبودية الشيطان الموقَعَةِ على القبور والأصنام والأشجار والأحجار التي لا تخلو منها الشياطين يفتنون الناس بها لتكون العبادة خالصة للمعبود الحق. والشيطان قلّ أن يغرّ الناس بالخالقية والرازقية والتدبير وإنما

احتال بحيلة الوساطة لصرف القلوب عن المعبود المحبوب، وكم من مشرك يحسب أنه محسن الصّنْع بشركه بل إن المشرك متخذ شِرْكه قربة إلى ربه ويكفيك ما قاله الخبير سبحانه عن المشركين في وصْفِه حالهم مع آلهتهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} تأمل الحصر في (إلاّ) وما فيها من المعنى الكبير المبيِّن أنهم يُريدون التقرب إلى الله بسبب هو أعظم الأسباب المبعدة لهم عنه، تأمل هذا الكلام يظهر لك الفرقان بين التوحيد والشرك، ويأتي زيادة بيان إن شاء الله، وتأمل ما يُجازى به وما يتهم به من قام بهذا الأمر العظيم طاعة للخالق ورحمة بالخلق فرحم الله الشيخ محمد ورضي عنه فلقد كابد ما كابد مما يعلمه الله، وإنها سنة لم ينفرد بها بل هي سنة من قبله من الهداة المهديين.

اعتراض المالكي على الشيخ.

اعتراض المالكي على الشيخ ثم قال المالكي ص4: ولا يتساوى من يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً ومن يكذبه ويظنه ساحراً أو كاهناً، ولا يتساوى من يتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويتبرك بالصالحين ـ وإن أخطأ ـ مع من يرجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقتل الصالحين. لا يتساوى من يؤمن باليوم الأخر والجنة والنار مع من يقول {إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا .. }. لا يتساوى من قال: (لا إله إلا الله) مع من قال: {أجعل الآلهة إلها واحداً} لا، لا يتساوى من آمن ومن كفر من صدق الرسل ومن كذبهم، من آمن بالبعث ومن كفر به .. لا يتساوى من طلب شفاعة الحي ممن يطلب شفاعة الجماد، لا يتساوى من يطلب شفاعة الأنبياء وهو يعرف أنهم عبيد الله ممن يطلب شفاعة الأصنام ويجعلهم مشاركين لله في الألوهية. لا يا شيخنا ـ سامحك الله ـ هناك فرق كبير بين هؤلاء وهؤلاء. إنتهى ص4. الجواب: كل هذا الكلام نقضٌ لمعتقد أهل السنة في حكم تكفير المرتدين وقتالهم، وهذا الضال يُسَوّغ الكفر، وقد تقدم أن

أركان الإسلام الأربعة لا تقبل إلا بالتوحيد وهو الأصل. والذي يقول: (لا إله إلا الله) ويجعل بينه وبين الله وسائط هو مثل من لا يقولها لأنه يقولها ويأتي بالشرك الذي يبطلها، كما نقول: الذي يصلي بلا طهارة مثل من لا يصلي. فقول المالكي: لا يتساوى كذا وكذا هو من تلبيسه، وهذه شبهة إخوانه من قبله الذين ضادوا دعوة الشيخ. وكانت أعظم شبهة عندهم قولهم: تُكَفّرون المسلمين الذين يصلون ويصومون ويحجون ويقولون: لا إله إلا الله. فيقال: إن من يقول: (لا إله إلا الله) ويصلي ويصوم ويحج ويزكي كافر إذا جعل بينه وبين الله وسائط لأنه لم يَنْف ما نَفَتْه كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) حيث إنها تنفي الشرك ولا تثبت مطلق العبادة لله وإنما تثبت إفراده سبحانه بها، فالذين يجعلون بينهم وبين الله وسائط قد نقضوا أصل الدين وأساسه وهو كلمة الإسلام وكلمة التوحيد وكلمة الإخلاص وهي (لا إله إلا الله حيث شرّكوا مخلوقات الله بحقه الخالص وهو عبادته سبحانه). وليعلم هذا الجاهل أن قريشاً ما اسْتنكفت عن عبادة الله بل كانوا كما ذكر الشيخ لهم عبادات هي من بقية دين الخليل عليه السلام وإنما استنكفوا وقامت قيامتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علموا أن أصل دعوته هي ليست عبادة الله لأن هذا مقبول عند جميع أهل

الإشراك وإنما أصل دعوته إفراد الله عز وجل بالعبادة، وهذا لا يحصل إلا بالكفر بما يشرك معه في حقه الخالص وهو العبادة، ومن هنا كان الاختلاف وقامت الخصومة. أما شبهة أن معاصري الشيخ ومن بعدهم يقولون: (لا إله إلا الله) فكبيرة عند من حصيلته من علم التوحيد صغيرة ومازال الجدل في هذه الشبهة حتى اليوم. حيث يظن هؤلاء الجهلة أن العلّة الجامعة لكفار العصور المتأخرة للأمة مع كفار قريش تزول بمجرد قول لا إله إلا الله مع بقية الأركان لأن قريشاً ممتنعة كل الامتناع من قولها وتحارب على ذلك، والشيخ محمد رحمه الله يبيِّن أن قريشاً أهل علم بهذه الكلمة بخلاف المتأخرين إذْ إنهم يعلمون أن معناها ألا يُعبد إلا الله، ليس معناها فقط أن يُعبد الله أو أنه المعبود لأن هذا المعنى الأخير لا يمنع الشريك بالعبادة ولا ينفيه، أما الأول فمانعٌ نافٍ للتشريك ولذلك امْتنعوا من قول: (لا إله إلا الله). ومعلوم أن اتخاذ الوسائط لا يحصل إلا بانجذاب القلب لهذا الذي يُعتقد أنه واسطة بالحب والخوف والرجاء، هذا لابد منه، وهذا الانجذاب الموجب لعبودية القلب بهذه الثلاث هو حق الله الخالص فصار هذا الواسطة شريكاً لله من حيث اعتقاد العبد ولو لم يتكلم بذلك، وهذا هو الشرك، ثم إنه لابد أن يعمل بموجبه من دعاء أو ذبح أو نذر وغير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا

لله، وهذا كله وأعظم منه يحصل من مشركي العصور المتأخرة مع ترديدهم بالليل والنهار كلمة (لا إله إلا الله) وقدّس الله روح الشيخ محمد حيث قال في مسائل باب قول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} في كتاب (التوحيد) قال في المسائل الرابعة: أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قال للرجل: (قل لا إله إلا الله) فقبّح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام. وانظر قول المالكي: لا يتساوى من طلب شفاعة الحي ممن يطلب شفاعة الجماد، وقوله: لا يتساوى من يطلب شفاعة الأنبياء وهو يعرف أنهم عبيد الله ممن يطلب شفاعة الأصنام ويجعلهم مشاركين لله في الألوهية. إن معنى كلامه هذا إباحة الشرك بالشفاعة وإنما غاية حجته التفريق بين الأحياء والأموات والأنبياء والأصنام. وقوله: ويجعلهم مشاركين لله في الألوهية دليل ظاهر أنه جاهل بتوحيد الإلهية لأن من طلب شفاعة الحي والنبي فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك في الإلهية شاء أم أبى. أما قول المالكي: يا شيخنا سامحك الله هناك فرق كبير بين هؤلاء وهؤلاء. فيقال لهذا الفرخ: كذبت الشيخ محمد ليس هو شيخك فاعتراضك عليه في أصل دعوته يبيّن خَبْأكَ وطَوّيتك.

أما قولك: (فرق كبير بين هؤلاء وهؤلاء) فلأن فرْقك شيطاني ليس رحماني حيث فرّقت بين متساوِيَيْن، فالرب كفّر كفار قريش ورسوله كفّرهم وقاتلهم بأمر ربه له، كذلك هؤلاء تنطبق عليهم هذه القاعدة. إذا عُلم هذا تبيّن أن هذا التفريق الجاهلي بدعوى النطق بالشهادتين وأداء بقية الفرائض يُلغيه الاشتراك في معنى قوله تعالى عنهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. وحتى يتبين الأمر أكثر فإن المشركين المتأخرين يكون أحدهم عند القبر يذكر الله وقد يقول: (لا إله إلا الله) مراراً وهو يدعو المقبور أو يذبح له.

تلبيس المالكي على أهل الدعوة.

تلبيس المالكي على أهل الدعوة قال المالكي في نقضه ص4: معظم علماء المسلمين في عهد الشيخ محمد وفي أيامنا هذه يقولون بجواز التبرك بالصالحين والتوسل بهم فهل نحن اليوم نكفر جميع هؤلاء!! أم نخطئهم فقط!! إن قلتم: نحن نكفرهم رد عليكم علماء هذه البلاد واتهموكم بالغلو في الدين وتكفير المسلمين وإن قلتم: لا، نحن لا نكفرهم رددتم على محمد بن عبد الوهاب تكفيره لهم لأنه كان يكفر علماء وعوام مثل علماء زماننا وعوامهم تماما، ولن يخرج مقلدوا الشيخ من هذه الإلزامات وأن تكلفوا التفريق بين العلماء والعوام في عهد الشيخ محمد وبينهم اليوم كان التفريق بين كفار قريش وبين هؤلاء العلماء والعوام أكثر وضوحاً وظهوراً. نعم، لأن كل ما أنكره الشيخ محمد على علماء عصره من التوسل بالصالحين أو التبرك بهم أو الاستشفاع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أو زيارة قبر ... الخ. لازال إلى اليوم في علماء مصر والشام والحجاز واليمن والعراق والمغرب .. الخ. فأنتم إذا كفرتم هؤلاء لزمكم الرد على علمائنا الذين لا يكفرونهم فإذا بلغ علماءنا ردكم ولم يكفروهم لزمكم تكفير علمائنا

لأن من قواعد الدعوة السلفية أن من شك في كفر الكافر فهو كافر. انتهى. الجواب: النصيحة أن يُحترس من هذا الضال الملبّس لأنه لا يجد هو وأمثاله مطْعناً في هذه الدعوة المباركة التي لم يقم بعدها دعوة مثلها على المنهج السلفي الخالص. ولما لم يجد المالكي مطعناً ينفث فيه سمومه جاء عن طريق اللبس والإيهام. فيقال له: هذا الكلام المجمل يحتاج إلى تفصيل يزول به الإشكال، فالتوسل أنواع منها: الأول: التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، وهذا مشروع. الثاني: التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة وهو جائز. الثالث: التوسل إلى الله تعالى بطلب دعاء الصالحين الأحياء. وقد أنكر الشيخ على من زعم أنه يُكفّر من توسل بالصالحين. وقال: ولا أكفّر أحداً بذنب. (¬1) وقال رحمه الله: وأما التوسل وهو أن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بجاه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - أو بحق نبيك أو بجاه عبادك الصالحين أو بحق عبدك فلان، ¬

_ (¬1) الدرر السنية 1/ 30.

فهذا من أقسام البدع المذمومة ولم يَرِدْ بذلك نص. انتهى. (¬1) فالتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بدعة. أما التبرك فقد بَوّب له الشيخ محمد باباً في كتاب (التوحيد) قال رحمه الله: (باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما) ذكر في ترجمة الباب حديث أبي واقد الليثي الذي فيه قصة الشجرة ذات الأنواط. وذكر الشيخ رحمه الله المسائل ولم يذكر أن هذا من الشرك الأكبر بل قال في المسائل. الحادية عشرة: أن الشرك فيه أكبر وأصغر لأنهم لم يرتدّوا بهذا. الرابعة عشرة: سد الذرائع. فالشيخ جعل هذا من الشرك الأصغر ومن الغلو. فيقال لهذا الضال: أهل هذه الدعوة لا يُكفِّرون بمجرد ذلك ولا يردّون على الشيخ محمد تكفيره من أجل ذلك كما زعمت لأن الشيخ لم يُكَفّر بذلك، وأين برهانك أيها الملبّس؟ أما نحن فقد بيّنا ولله الحمد. أما إذا بلغ التبرّك لاعتقاد التأثير فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو شرك أكبر بلا ريب. ¬

_ (¬1) الدرر السنية 1/ 129.

اتهام المالكي الشيخ بأنه يرسم صورة زاهية للمشركين

اتهام المالكي الشيخ بأنه يرسم صورة زاهية للمشركين قال المالكي في نقضه ص 4،5: 3 - يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص7: (وإلا فهؤلاء المشركون يعني كفار قريش ـ يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له وأنه لا يرزق إلا هو ولا يحي إلا هو ولا يميت إلا هو ولا يدبر الأمر إلا هو وأن جميع السماوات ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره .. ) ثم سرد الآيات في ذلك. أقول: هنا رسم صورة زاهية للمشركين ولم يذكر تكذيبهم بالبعث ولا اعتقادهم أن الذي يهلكهم هو الدهر ولا اعتقادهم أنهم يمطرون بنوء كذا وكذا ولا أكلهم الربا وقتلهم النفس ودفنهم البنات ولا غير ذلك من المظالم والجرائم .. ومن الطبيعي أن من لم يؤمن بيوم البعث لن يتورع عن ارتكاب المحرمات. انتهى. الجواب: إذا كانت هذه صورة زاهية كما زعمت للمشركين فلماذا نسَبْتها طعْناً إلى الشيخ محمد ولم تنسبها إلى الله لأن الشيخ اسْتدل بالآيات التي قلت عنها: ثم سرد الآيات في ذلك، فمنها أخذ الشيخ وصْفَهم.

فإذا كان سرد الآيات في ذلك فما ذنبه على تقدير أن ذلك صورة زاهية للمشركين كما زَعَمْت؟ قال الشيخ في (كشف الشبهات) بعد الكلام الذي بتره هذا الأبتر: فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فيقولون الله فقل أفلا تتقون} وقوله: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون} وغير ذلك من الآيات. إذا كانت هذه صورة زاهية للمشركين كما زعمت فانظرها في الآيات لم يبتدعها الشيخ محمد، ولأن فهمك فاسد صارت هذه عندك صورة زاهية، أما عند أهل التوحيد الذين إمامهم الشيخ محمد فليست صورة زاهية بل صورة بشعة قبيحة أن يعرفوا ربهم هذه المعرفة ومع هذا يشركون به في عبادته، وهذا مراده رحمه الله.

ثم قال المالكي المتمعلم ص5 من نقضه: والحاصل: أنه لا يجوز لأحد أن يذكر فضائل الكفار ويهمل أخطاءهم ولا يجوز أن نختار أخطاء المسلمين وننسى فضائلهم ولا يجوز أن نختار الآيات التي نوهم العوام بأن فيها ثناء على الكفار ونترك الآيات التي تذمهم وتبين كفرهم وظلمهم وتكذيبهم بالبعث و ... الخ. انتهى. الجواب: الشيخ في واد الهدى وأنت في واد الضلالة فهو رحمه الله ليس يذكر فضائل الكفار وإنما أراد بيان التوحيد للمشركين في زمانه وأن ما يُقرون به من توحيد الربوبية وهي أفعال الرب سبحانه لا يدخلهم في الإسلام مع وجود الشرك فيهم كأولئك الذين يُقرون بما يقرون به لله ومع هذا يُشركون به. ولذلك قال الشيخ بعد سياقة الآيات المتقدمة: فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا وأنه لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يُسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، وذكر بعد ذلك كلاماً يقرر فيه هذا المعنى، ثم قال: فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدّعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة [يعني لا إله إلا الله] ما عرفه جهلة الكفار بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من

المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله. انتهى. فالشيخ هنا يبين التوحيد والشرك أحسن بيان. فقل للعيون الرمد للشمس أعينٌ تراها سواكِ في مغيب ومطلع أما تكذيب قريش بالبعث فكفر مستقل حتى لو لم يشركوا لكن ليس هذا موضوع الشيخ وبحثه فهو يتكلم عن بيان الشرك والتوحيد ويحتج على قومه بسيرة نبيه - صلى الله عليه وسلم - مع أهل الشرك وأن أهل زمانه مشابهون لقريش في الشرك، وإن خالفوهم بالنطق بلا إله إلا الله والإيمان بالبعث وغير ذلك، فهذا كله يهدمه الشرك ويجمعهم مع مشركي الأمم قبلهم ومع قريش. قال المالكي الجاهل في نقضه ص5: فالشيخ محمد أخذ الآيات التي تدل على إيمانهم على وجه الجملة بأن الله هو الخالق الرازق، مع أن هذه الاعترافات التي اعترف بها المشركون ذكر بعض العلماء أنهم اعترفوا بها من باب (الإفحام والانقطاع) وليس من باب الاقتناع ولو كانوا صادقين في اعترافهم لأنهم بلوازم هذا الاعتراف فلذلك يأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يذكرهم بلوازم هذا الاعتراف كما في قوله تعالى: {فقل أفلا تتقون} {قل أفلا تذكرون} ... الخ. فكأن الله عز وجل يوبخهم بأنهم كذبة وأنهم لا يؤمنون بالله عز

وجل كما لا يستطيعون أن يقولوا أن الأصنام هي التي خلقت السماوات والأرض فبقوا بين الاعتراف بالقول (انقطاعاً) وممارسة ما يخالفه. الجواب: المالكي يفضح نفسه حيث إنه ما عرف التوحيد الذي دعا إليه الشيخ محمد وهو دعوة الرسل، فهو يقول عن الآيات السابقة التي أوْردها الشيخ محمد تدل على إيمانهم على وجه الجملة بأن الله هو الخالق الرازق. إن الإقرار بأفعال الرب كلها بل وأسمائه وصفاته لا يُدخل في الإسلام فضلاً عن الإيمان حتى يُفْرَد سبحانه بالعبادة التي هي فعل العبد. أما ما ذكر من كوْن قريش اعترفوا بذلك من غير اقتناع فهذا يُكذبه القرآن إذْ الرب سبحانه ذكر اعتقادهم بالربوبية احتجاجاً عليهم بما أقروا به من فعله ليوحّدوه في أفعالهم، وإنما قال المالكي ما قال من عدم فهمه للتوحيد المراد من العباد وهو ألا يُعبد مع الله سواه بالحب والخوف والرجاء الموجبة للدعاء والذبح والنذر وسائر أنواع العبادة. وقول المالكي: فكأن الله عز وجل يوبّخهم بأنهم كذبه إلى آخره كذب وباطل فالرب سبحانه لم يُكذّبهم في ذلك وإنما يدعوهم إلى توحيد عبادته بالبراءة من آلهتهم محتجاً عليهم بما أقروا به من الربوبية، وهذا في مواضع من القرآن.

اتهام المالكي الشيخ بقتال المسلمين

اتهام المالكي الشيخ بقتال المسلمين ثم قال المالكي في نقضه ص6: لا يجوز أن نقوم بكل هذا حتى نبرر به قتالنا للمسلمين الركع السجود بزعمنا أنهم كالكفار تماماً الذين (يصلون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله .. )؟!. وعلى هذا يمكن على هذا المنهج العجيب أن نقول: كيف نقاتل الإسرائليين وهم يصدقون في القول ويحترمون العدالة ويوزعون الأموال بالسوية ويؤمنون بالله ويحترمون المقدسات و .. الخ ونترك قتال المسلمين الذين يظلمون ويتعاملون بالربا ويكذبون ويخلفون المواعيد ويخونون في الأمانات ... الخ. وهكذا فإن ذكرت محاسن موجودة عند بعض أو كل الإسرائليين وتناسيت مساوئهم وعكست القضية ملتبسة وأصبح قتال المسلمين أولى من قتال اليهود. أما إن أخذت جميع صفات هؤلاء وهؤلاء فستعرف أين تضع سيفك وكذلك في كفار قريش أو كفار العرب عموما الذي بُعث فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اقتصرت على بعض مكارم الأخلاق وبعض الانقطاعات التي انقطعوا واعترفوا بها خرجت بالصورة الزاهية

عنهم التي أخرجها محمد بن عبدالوهاب. أما إن استعرضت جميع الآيات التي تتحدث عن الكفار فستعرف أنهم يختلفون عن فساق المسلمين فضلاً عن صالحيهم وعلمائهم. الجواب: المالكي الضال يُحاسب الشيخ محمد وأهل دعوته ليُبرروا قتالهم المسلمين، فهو مُتّهم للشيخ بل ويرميه بما لازمه أقبح الكفر وهو قتال المسلمين. أما قوله: (يصلون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله) فكم وكم رَدّد هذه إخوانه ممن شَرِقوا بدعوة الشيخ لعدم معرفتهم بالتوحيد ولبغيهم وعدوانهم. فيقال لهذا الخبيث: أنت مطالب أن تثبت أن الشيخ وأتباعه في دعوته التي لم يأت بها من عنده وإنما دَلّ أتباعه بها على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهداهم إليه ليتبعوه فهو ما دعا لنفسه ولا إلى أمر ابتدعه، فأنت مُطالب أن تثبت أنهم يُقاتلون المسلمين. لكن سرائر نفسك الخبيثة أوْردتك الموارد المهلكة وافتضحت بجهلك بالتوحيد ومعارضتك لمن يقوم به، ولو كنت تعرف التوحيد الذي جاءت به الرسل عليهم السلام وكان من ورثتهم الشيخ محمد وأهل دعوته، لو كنت تعرف ذلك ما قلت (يصلون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله) لأن من جعل بينه وبين الله وسائط فهو هادم للأساس

الذي يقوم عليه بنيان الصلاة والحج والزكاة والصيام وغير ذلك من مباني الإسلام. فالشيخ محمد رحمه الله وأهل دعوته يُكَفِّرون ويقاتلون من جعل بينه وبين الله وسائط لأنهم مشركون بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم، وهذا هو موضوع كلام الشيخ في كتابه العظيم (كشف الشبهات) وهذه هي سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهل الإشراك. لكن الذي غرّك وأضرابك ممن عارضوا هذه الدعوة الصلاة والحج والصوم والزكاة والذكر، وهذا كله يعرفه، أهل هذه الدعوة المباركة قبل أن تولد، لكن يقولون للجهلة الحمقى أمثالك. الرسل لم تدع إلى هذا أولاً، ويخبرون أن ربهم الذي أرسلهم لا يقبله ممن لم يأت بالتوحيد العملي الذي هو توحيد أفعال العبد بألاّ يُتخذ وسائط يُتقرب إليها بالعبادة التي هي محض حق الله الذي لا يقبل الشركة فيها، فاتخاذ الوسائط مبطل للصلاة وغيرها لأن مُتخذ الوسائط لم يأت بالإسلام فهو أخبث ممن يصلي بلا طهارة لأن نجاسة الشرك لا يقبل معها عمل، وطهارتها ليست بالماء وإنما بالإستسلام للمعبود الحق الذي لا يحصل إلا بالكفر بالوسائط والبراءة من دينها وأهله، وهذا هو الكفر بالطاغوت المقدم في كلمة التوحيد قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}

وهذا هو معنى (لا إله إلا الله) مطابقة حيث بدأ بالنفي أولاً ثم الإثبات ثانياً. وعلى هذا الفهم الخبيث من المالكي وأضرابه لابد من الاعتراض على الصديق رضي الله عنه وإخوانه من الصحابة رضي الله عنهم لما قاتلوا مانعي الزكاة وجعلوهم مرتدين عن الإسلام، فهؤلاء أعظم شبهة من مشركي زماننا بكثير حيث لم يذكر الصديق ولا غيره من الصحابة أن هؤلاء رجعوا إلى الأصنام وإنما امتنعوا عنم أداء الزكاة فقط حتى إن هذه المسألة عظمت على بعض الصحابة مثل عمر رضي الله عنه حتى بيّن لهم أبو بكر رضي الله عنه فانشرحت صدورهم للحق، فإذا كان جاحدُ فريضة الزكاة كافراً يُقاتل كيف بجاحد الإسلام؟. فالشيخ محمد قدّس الله روحه في ذلك الكلام يفسّر التوحيد ويبين معناه وأن من لم يأت به من أهل زمانه لا تنفعه عباداته مهما كانت لأنه يجتمع مع كفار قريش في معنى قولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} فإذا قالوا: نحن ننفرد عن قريش بالنطق بالشهادتين والصلاة والصوم والحج والزكاة وذكر الله قيل لهم: أنتم مثل من يصلي وهو يبول، فإذا قيل له: صلاتك باطلة قال: أنا أركع وأسجد وأقرأ وأذكر الله كيف تجعلونني مثل من لا يصلي؟.

وهذا تمثيل وإلا فالمشرك أقبح وأخبث من هذا، لأن المشركين نجَس وهذا نجِس، فهذا يطهره الماء والمشرك لا يطهره إلا التوحيد. وإنه لمن آيات الله وبليغ حكمته أن جعل الشيطان يُهَوّن على المشركين أمر الشرك بل ويفتنهم فيه حتى يُعادُون ويقاتلون عليه وهو العظيم عنده سبحانه فلا ذنب أعظم منه. أما كلام المالكي بعد ذلك عن الإسرائليين وتمثيله بهم فعلى حسب فهمه الساقط التافه أن الشيخ محمد رحمه الله قد رسم صورة زاهية للمشركين، وقد تبيّن مراد الشيخ وتبين أيضاً أن حال المشركين بصلاتهم وصومهم وعبادتهم ليست زاهية إلا عند هذا المتعالم بل هي قبيحة بنجاسة شركهم أعظم من قبح من يصلي وهو يبول. أما قوله: أما إن اسْتعرضت جميع الآيات التي تتحدث عن الكفار فستعرف أنهم يختلفون عن فساق المسلمين فضلاً عن صالحيهم وعلمائهم. يقال له: أهل التوحيد ليسوا مثلك لا يعقلون، فنظرهم إلى الأصل والأساس وهو التوحيد ولا يقيمون وزناً لأعمال الكفار لأن الله محبطها بالشرك.

اتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين

اتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين ثم قال المالكي في نقضه ص6،7: 4 - ويقول الشيخ ص9: (فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا يقصد بأن الله هو الخالق والرازق، ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو (توحيد العبادة) الذي يسميه المشركون في زماننا "الاعتقاد"!!). أقول: سامح الله الشيخ محمد ففي هذا النص تكفير صريح لعلماء المسلمين في زمانه. ثم إن المسلمين لا يعبدون إلا الله بخلاف هؤلاء المشركين الذين يسجدون للأصنام وإذا لم يكن هذا واضحاً فلن نستطيع التفريق بين أمور أخرى أشد التباساً. الجواب: كان الأولى بهذا الدابة أن يتعلم التوحيد قبل التصدّر، وقيل خالف لِتُذْكر، وقيل الخوض باللجج والماء العَكِر. يقال للضال: أنت تنقم على الشيخ اتبّاعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه يسير على نهجه، فهو يُقارن بين كفار زمانه وكفار قريش من جهة أن الكل واقعون في الشرك الأكبر باتخاذهم الوسائط، ولا فرق بين القبر والصنم والشجر لأن الشأن في تألّه القلوب لغير الإله الحق. أما أن الشيخ يُكفِّر علماء المسلمين فكذبت، وكيف قلت عما

قاله الشيخ في كتابه الذي حُرمت خيره، (ففي هذا النص تكفير صريح لعلماء المسلمين في زمانه)؟ مع وضوح النص وجلائه وحُسْنِه وكماله إذْ هو كلام عالم بربه وبدينه حيث إن الله ورسوله لا يُفرّق بين متماثلين ولا يُساوي بين مختلفيْن. فالذين يتخذون الوسائط في زمان الشيخ مثل الذين يعبدون اللات والعزى ومناة وهُبل، فالكل جعلوا بينهم وبين الله وسائط تقربهم بزعمهم إلى ربهم، ولذلك قال الشيخ قدّس الله روحه: عرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد). يُريد الشيخ أنهم مثلهم في الشرك الذي لا يُقبل معه عمل أما قول الضال: ثم إن المسلمين لا يعبدون إلا الله بخلاف هؤلاء المشركين الذين يسجدون للأصنام. يُقال له: تسميتك أهل الإشراك مسلمين لأنك ضال، ولذلك اتهمت الشيخ أنه يُكفِّر ويقاتل المسلمين، ومعلوم أن أهل دعوته كذلك فانظر تحيّزك إلى أي الفئتين؟ فئة الشيخ وأهل دعوته الموحدين أو المشركين؟ ولقد تبين أمرك ولن تعدو قدْرك ولستَ أول قارورة كُسِرَتْ فكم ممن ضادّ هذه الدعوة وانْبتر كما قال تعالى: {إن شانئك هو الأبتر} فما شنأ الحق شانئ وأفلح.

تهوين المالكي تسمية أهل هذه الدعوة بالخوارج

تهوين المالكي تسمية أهل هذه الدعوة بالخوارج ثم قال المالكي في نقضه ص7: ومن ذلك اتهام الشيخ محمد وأصحابه بأنهم خوارج لأنهم يكفرون المسلمين ويخرجون من قبل المشرق وسيماهم التحليق وو ... الخ. فإذا كانت التسوية بين الخوارج والوهابية ظلما فالتسوية بين كفار قريش والمسلمين أكثر ظلماً وأبعد عن الحق. الجواب: تقدم قوله قبل هذا الكلام: وإذا لم يكن هذا واضحاً فلن نستطيع التفريق بين أمور أخرى أشد التباساً، ثم ذكر هذا الكلام، فتأمل كيف أن الخبيث يؤيّد ما يقوله أعداء الشيخ وأهل دعوته من وصْفهم لهم بأنهم خوارج، وأحسن أحواله أنه يُشَكك في ذلك. تأمل كيف التبس عليه الأمر ثم نفث سمه فجعل التسوية بين الكفار في زمان الشيخ الذين سمّاهم مسلمين وبين كفار قريش أكثر ظلماً وأبْعد عن الحق. يعني أنه إذا كان أهل زمان الشيخ صاروا كفاراً باتخاذهم الوسائط مساوين لكفار قريش بحكم الشيخ وأهل دعوته وهذا عنده باطل فهذا الحكم أعظم من تسمية الوهابية بالخوارج.

أنظر كيف فرّق بين المشركين وشارك بالافتراء على الموحدين. أما التحليق فأنقل فيه ردّ الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود رحمهم الله، قال رداً على مثل هذا المبطل: وأما إنكارك علينا تحليق الرؤوس وتقول: إنا نحرّم إسبال الشعر ولم تَلْقَ علينا غير ذلك فنقول: إنك كاذب علينا ولا نقول: إنه حرام إسبال الشعر، ونعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم يسبلون الشعر، ثم قال: والشعر إمّا يُحسّن أو يُحلّق، ومن شاء حلَق ومن شاء الإسبال أسبل ولم نمنع أحداً من ذلك، وأما الذي يُسبل الشعر ويجعله وسيلة إلى الكفر والردّة فنحلق رأسه غمّاً له وإخلافاً لعقيدته الفاسدة إذا ظننا به الشر. انتهى. (¬1) والشيخ محمد وأهل دعوته كما قال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف في ردّه على مثل هذا الضال المضل: فما يُكفِّر كل الناس قاطبة ... ولا يُجهّلهم يا شَرَّ من كانا ولا يُكفّر أهل القبلة الفُضَلا ... لا بل يُكفِّر مَنْ بالشرك قدْ دَانا مَن كان يصرف للمخلوق دعوته ... وكان يندب للأموات أحيانا يدعوهمو باعتقاد منه أنهمو ... يُفَرّجون عن المكروب أحزانا ¬

_ (¬1) الدرر السنية 3/ 369.

اتهام المالكي الشيخ بالتحيل والتلبيس.

اتهام المالكي الشيخ بالتحيّل والتلبيس ثم قال المالكي في نقضه ص7،8: 5 - قوله ص9: (في الثناء على كفار قريش وغيرهم (كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم إلى الله ليستغفروا له أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات!! أو نبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة .. فقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون الدعاء كله والنذر كله والذبح لله والاستغاثة كلها بالله وجميع العبادات لله ... ). أقول: النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم لأمور كثيرة أهمها الشرك بالله وإخراج المسلمين وإنكارهم النبوة وارتكابهم المظالم ... الخ. فتعليل محمد بن عبدالوهاب ناقص ليبرر له هذا التعليل الناقص قتال المسلمين وكأنه يقول أنا أقاتل المسلمين على ما قاتل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفار!!. وهذا فيه ظلم {أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟ مالكم كيف تحكمون}. الجواب: كَذَبَ الضال وافترى فحاشا وكلا أن الشيخ محمداً يثني

على الكفار كما ذكر هنا أو أنه يرسم لهم صورة زاهية كما تقدم في فرية هذا المبطل. والذي ذكره من أعمالهم العبادية الظاهرة أراد بذكرها عيْبهم وبيان ضلالهم حيث أنهم مصرّون على الشرك كأهل زمانه فأراد بيان أنه كما أن كفار قريش لم تنفعهم تلك العبادات لأجل الشرك فكذلك المشركين من أهل زمانه. والمالكي يسقط الآيات التي يستدل بها الشيخ ويُغير بعض الألفاظ فهنا قال: (ليستغفروا له) وهي في الكشف: (ليشفعوا له). وسوف إن شاء الله أرفق كتاب (كشف الشبهات) مع هذا الرد مبيّنا المواضع التي يتصرف فيها هذا الملبّس، لأن عبارات الشيخ مرتبط بعضها ببعض فإذا بُترت التبس الأمر وتشوّش، وسوف نجعل خطوطاً تحت الكلام الذي أسقطه. أما قول الضال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل كفار قريش لأمور كثيرة أهمها الشرك. فيقال له: هذا الكلام المجمل لا يفيدك شيئاً ويكفي إقرارك أن أهم ما يُقاتِل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرك فلماذا تنقم على الشيخ محمد قتاله المشركين وهو متبع غير مبتدع؟ لكنك لضلالك وخيْبتك تسميهم مسلمين لأنهم يصلون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله وما عرفت

الشرك المحبط لأعمالهم الموجب لتكفيرهم وقتالهم بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم وهذا مسلك أهل هذه الدعوة والحمد لله. وأما قتال الكفار فنعم يُقاتَلون لأجل عدوانهم لكن يكفي أن الشرك هو أهم ما يُكفَّرون ويُقاتَلون عليه. قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، والفتنة هي الشرك. أما زعم الضال أن تعليل الشيخ محمد ناقص وأن مراده أن يُبَرّر قتاله للمسلمين، فالناقص الضال الكاذب هو المالكي، وأمر الشيخ محمد ولله الحمد لا يحتاج إلى التبرير بالباطل والتعليل بالخطأ فهو ولله الحمد واضح بيّن، وقد أقرّ المالكي نفسه أن أهم ما يقاتل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرك، وإنما عِلّة المالكي عدم إقراره أن أهل زمان الشيخ محمد ممن يعبدون والقبور والأشجار والغيران وغير ذلك مشركون، ولما كان هذا هو الأصل الذي بنى عليه ضلاله صار يعيب الشيخ من كل وجه. ولذلك رمى الشيخ محمد بأنه يُقاتل المسلمين ويقول: وهذا فيه ظلم ويستدل بقوله تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} يعني أن الشيخ محمد جعل المسلمين كالكفار حيث استحل تكفيرهم وقتالهم، فهم مسلمون عند هذا الرّويْبضة الجاهل الخامل لأنهم يصلون ويزكون ويحجون ويذكرون الله، وهو لم يُنكر

كوْنهم يجعلون بينهم وبين الله وسائط لكن لا يرى ذلك شركاً، وهذه الشبهة من أعظم ما ادّعى خصوم الشيخ لعدم معرفتهم التوحيد، وقد جاء هذا الضال في ساقة ركب الضلالة {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً}.

تجهيل المالكي للشيخ.

تجهيل المالكي للشيخ ثم قال المالكي في نقضه ص8: ولم يرد في القرآن الكريم أن علة قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - للكفار حتى يكون من الذبح لله والنذر لله والاستغاثة بالله .. الخ!!. وإنما الأسباب الكبرى هي السبب من الشرك وإنكار النبوة وإخراج المسلمين من ديارهم .. الخ. فالشيخ يذكر أسباباً ليست متحققة ولا يدري أهي سبب في القتال أم لا ويترك الأسباب المتفق عليها بأنها هي سبب قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - للكفار. الجواب: صحيح أنه: لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه فقد تكشفت سوأة هذا الجاهل. فيقال له: ما تقول في الذبح لغير الله والنذر لغير الله والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله؟. فإن قال: ليس ذلك بشرك، ظهر جهله الفاضح وبغْيه الواضح، وإن قال: هذا شرك، قيل له: قد أقررت أنت أن أهم ما يُقاتل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرك فما ذنب الشيخ محمد لوْلا البغي والعدوان {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}.

أما ما ورد في القرآن فمثل قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} والفتنة هي الشرك وآيات أخرى فيها بيان ذلك. مثل قوله تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} الآية. أما زعمه أن الشيخ يذكر أسباباً ليست متحققه فكذِب عليه، ومراد هذا الضال أن لا يُكَفَّر على الشرك ولا يُقاتل عليه فهو يدور على هذا المدار الإبليسي الذي قرَنَه به إبليس فصار كحمار المدار.

كلام مهم في التوحيد.

كلام مهم في التوحيد وكُتب الشيخ محمد فيها الأدلة على الذبح والنذر والدعاء والاستغاثة وغير ذلك من أنواع العبادة وذلك أشهر من أن يذكر، وأن من صرف شيئاً من ذلك لغير الله فهو مشرك كافر وإن رغمت أنوف وسِيّان في ذلك الشجر والحجر والملك والنبي والقبر، لأن العلة تدور حول ما يقوم بقلب المشرك وما يحققه فعله تجاه ما تألّهه من دون الله، وهو لولا ما قام بقلبه من اعتقاد جلب النفع ودفع الضر استقلالاً أو بالوساطة لما مال إلى ما سوى ربه قلبه وشُغِفَ به وقاتل دونه. ثم إن هذه المذكورات وغيرها ليس فيها ما يوجب التألّه إذْ هي مملوكة مُصَرّفة مدبَّرة، والرب وحده هو الذي يحرّكها ويُسكّنها، ولذلك يحتج سبحانه على المشركين بأن ليس عندهم علم يحتجون به على صلاحية شركهم وبأبلغ قول يقول سبحانه: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} يعني أن المشرك ليس عنده إلا أسماء باطلة شرعاً وعقلاً لأن تسميته مخلوقات الله وعبيده ومماليكه آلهة، هذا جاء به من عنده وليس له فيه حجة ولا سلطاناً ولا أثارة من علم. ويوضح الآية السابقة قوله تعالى: {قل سموهم} يعني سموهم بأسمائهم الحقيقية فهذا حجر منحوت بصورة

وهذه شجرة وهذا قبر وهذا نبي وهذا ملَك، وهكذا حتى لو قدرتم وشئتم أن تعدوا كل ما سوى الله من المخلوقات فلن تجدوا فيها من يُسمى (إله) وإنما أنتم بفريتكم سميتموها آلهة، لأن (الإله) هو مألوه القلب الذي يعتقد فيه مالا يصلح إلا الله. قد يقول المشرك لاسيما في الأزمنة المتأخرة: أنا لا أسمي شيئاً من المخلوقات: إلهاً وإنما الإله هو اله وحده، فيقال له: لو كنتَ تعرف معنى الإله ما قلت الذي قلت ولا فعلت الذي فعلت. فالإله الباطل إنا سُمي إلهاً لتألّه القلوب، له، لا لشيء قام بذاته يستحق به التألّه، فالشأن كل الشأن في مَيْل قلبك إليه بالتألّه الذي يجمع المحبة والخوف والرجاء، الذي يوجب أن تتقرب إليه بالقربان الذي هو حق الله الخالص، من أشرك معه فيه غيره حبط عمله وصار مشركاً مخلّداً في جهنم، كذلك الدعاء والنذر وسائر أنواع العبادة. والعبد إنا يميل بقلبه إلى ما سوى الله من المخلوقات سواء الملائكة والأنبياء والصالحين أو غير ذلك من الأشجار والأحجار وإنما يميل إليها بقلبه معتقداً نفعها خائفاً ضرها استقلالاً أو توسطاً بينه وبين الله، ومن هنا يأْلهها قلبه. ولذلك من ظن أن حاجته تُقضى له بواسطة مُقرَّب من مقرَّبي الملِك سواء جلب منفعة أو دفع مضرة فإنه منصرف القلب عن الملك متعلق بالمقرَّب لأنه أنزل حاجته به فسِيَّان التفت بعض

الالتفات الفارغ إلى الملِك أو نسيه فحاجته مقضيّة من دونه، وقطْعاً فإن لهذا الوسيط المقرَّب في قلب العبد منزلة تملؤه حَشْوها الحب والخوف والرجاء، وهذه الثلاث هي أركان العبادة فهو يحبه لظنه واعتقاده أنه يقضي حاجته ويخافه أن لا يحصل منه ذلك، ويرجوه لذلك. والرب سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه لإبطال هذا الاعتقاد، لأنه مخالف لحكمة الخلق من كل وجه وتنقص للإله الحق من كل وجه، وظلم من العبد لنفسه ولمن تألّهه من دون الله من كل وجه. فهل يليق أن يُرفع المخلوق إلى درجة الخالق، والمملوك إلى درجة المالك، والفاعل المنفعل إلى درجة الفاعل بالاختيار غير المنفعل؟ المشرك يقول: أعوذ بالله من هذا الوصف ومَن الذي يُقرّه ويرضى به، ولقد اتّهمْتونا بالعظائم. فنحن لا نجعل مع الله شريكاً وهو ربنا ومليكنا الذي يحيينا ويمتنا ويرزقنا ويدبر أمورنا ونحن نعبده نصلي له ونصوم ونحج ونذكره ونقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله فما ذنبنا الذي جعلتم كل عمل حابطاً معه؟. فيقال: إن ذنب المشرك عظيم وإن ظنه سهل يسير وإن غرّته عبادته، لكن بمعرفته لحقيقة الإسلام الذي كلمته لا إله إلا الله وهي كلمة التوحيد، بمعرفته لذلك تنجلي عن قلبه ظلمات الجهالة

والضلالة إن وفقه الله. فأولاً: لابد من التفريق بين ما يعنيه اسم الرب وما يعنيه اسم الإله، فالأول يعني ما يتصف به الرب سبحانه من الفاعلية القائمة به من خلق السموات والأرض وما فيهن وما يتبع ذلك من ملكيتهن وإقامتهن بقيوميته، وهذا لو أن العبد فني فيه وأحكمه غاية الإحكام لم يُدْخله في إسلام الرسل الذي دعت إليه لأن غاية هذا علم نظري إقراري يشترك فيه معه غالبيّة الكفار، فهذا الاسم تعلّقه بالرب من جهة فعله سبحانه اللازم والمتعدي في مخلوقاته. وهذا كما تقدم لا ينتفع به العبد إلا بإحكام المعرفة لاسم الإله والعمل على مقتضى ذلك، لكن الأول تقوم به عليه الحجة. أما الثاني وهو اسم (الإله) فيعني ما يتصف به الإله الحق سبحانه من موجبات تألّه القلوب له ويتعلّق بعمل العبد. فمتعلقه بعلمه يشمل العلم بالأول الذي أخص باسم الرب وزيادة وهي العلم الذي هو أخص باسم الإله وثالث وهو المطلوب وهو العمل على مقتضى تلك العلوم. فبعلم العبد بأن الرب سبحانه هو الذي له ملكية الوجود وملكية التصرف فيه يتوجه قلبه إليه بالتجرد عن الالتفات إلى ما سواه في شأن الضر والنفع والعطاء والمنع، وهذا تألّه للقلب من هذا الوجه، يعني وجه المالكية والفاعلية.

وأما علم العبد باسم الإله فيشمل الأول ويزيد عليه، فشموله للأول تبيّن أنه من جهة انفراد الرب سبحانه بالضر والنفع والعطاء والمنع. وأما الزيادة فهذه أخص باسم الإله وذلك هو العلم بما يتصف به الإله الحق سبحانه مما يوجب تألهه بالحب كله والخوف كله والرجاء كله وانجذاب القلب والروح إليه وهو صفات الإله الذاتية من الجمال والجلال والكمال وهذا فطرة للعبد، تُكمل نقصه وتُفصل مجمله الشريعة. وكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) بيانها للأول الذي هو ملكية الرب وفاعليته أظهر إذْ معناها: لا تحوّل من حال إلى حال سواء من سكون إلى حركة أومن حركة إلى سكون في الوجود كله إلا بقوّة، وبما أن الوجود كله هكذا لا يخرج عن محيط السكون والحركة ويتقلب بينهما وهذا هو الحوْل، وحتى يقع الحوْل فلابد من قوة مؤثرة وهذه القوة هي فاعلية الإله في الوجود، فهذا كله في شأن الربوبية. أما كلمة (لا إله إلا الله) فبيانها للثاني الذي هو صفات ذات الإله من الجمال والجلال والكمال أظهر إذ معناها انجذاب الروح بكليتها نتيجة هذا العلم إضافة إلى العلم الأول، وإنما يكون انجذابها بحسب التفريد والتجريد.

أما الثالث وهو المطلوب من العبد فهو العمل بموجب ذلك العلم، فإنه إذا اسْتيْقن قلبه بالعلم بلا حول ولا قوة إلا بالله الشاملة بلا استثناء للتحكّم بحركات الوجود كله وسكناته مع ملكيته، وأن القوة على ذلك قائمة بالرب سبحانه، واستيقن أيضاً أن جمال معبوده أعظم مما يحيط به علمه وتصوّره، وأن هذه الصور الجمالية المخلوقة ماهي إلا إشارات وتعريفات فقط بالجمال الإلهي، وليس معنى هذا التفلّت من آداب الشرع وإنما معناه أن كل أحد يعرف الجمال وكل قلب يهفو ويصْبوا إليه، ومن هنا جاء الابتلاء بالصور الجميلة المخلوقة الفانية. والكلام هنا على المعرفة، فإن العبد إذا علم أن صورة معبوده لا تماثل الصور المخلوقة وكيف يُماثل من تُشرق الأرض بنوره تجرّد تألّهه له من جميع الوجوه.

جهل المالكي بدعوة الرسل.

جهل المالكي بدعوة الرسل ثم قال المالكي في نقضه ص8: 6 - يقول ص11: (عرفت حينئذ أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون وهذا التوحيد هو معنى قولك: لا إله إلا الله فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور). أقول: الذي دعت إليه الرسل عبادة الله الشاملة لتوحيد الربوبية والألوهية والواجبات والمحرمات. الجواب: المالكي يأخذ مقاطعاً من كلام الشيخ ويترك آيات يستدل بها الشيخ ويترك بعض الكلام لتبدو عبارات الشيخ غير ظاهرة المعنى ولا متماسكة المبنى فَلْيُنْظر الكشف المرفق بكماله. وهنا أسقط آيات وأسقط قول الشيخ: (وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام وأن قصدهم الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحَلّ دماءهم وأموالهم). المالكي ظن أن بضاعته الزائفة الكاسدة تروج بهذا التلاعب، والشيخ بيّن أن قصد غير الله في طلب الشفاعة والقرب شرك يُحل

الدماء والأموال وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَفّر قريشاً وقاتلها على هذا، كذلك غيرهم من المشركين. أما قول الضال (إن الذي دعت إليه الرسل عبادة الله الشاملة لتوحيد الربوبية والألوهية والواجبات والمحرمات) فليس في هذا معارضة، ولم يقل الشيخ إن الرسل لم تدع إلا لتوحيد الألوهية فقط، وإنما هذا مفتاح دعوتهم لأن الغالب على أهل الأرض هو الشرك في الألوهية، والرسل تدعو إلى عبادة الله الشاملة، من عارض هذا؟. لكن الشيخ يعالج قضية زمانه وهي الشرك بالألوهية، وهو يعلم أن الشرك بالربوبية أعظم، ولو كانت هذه قضية أهل زمانه لصارت جُلّ همه. إن الذي ألجأ المالكي إلى هذا التعنّت على أهل هذه الدعوة هو أنه لم يجد فيها مطْعناً فلجأ إلى هذه الحِيَل المكشوفة.

إتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين

إتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين ثم قال المالكي في نقضه ص8،9: 7 - ثم يواصل ص11: (لم يريدوا أن الله هو الخالق الرازق المدبر فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنا يعنون بالله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد!!). أقول: هذا أيضاً فيه تكفير صريح للمسلمين في زمانه ثم ليس صحيحاً ما ذكره من أن المشركين يعلمون أن الله هو الخالق والرازق، فهذا متحقق في بعض الكفار لا كلهم فالدهريون لا يؤمنون بهذا وكذلك فرعون ادعى الربوبية والنمروذ ادعى أنه يحيي ويميت. الجواب: المالكي الضال يترك الكلام الذي يبيّن مراد الشيخ فيسقطه فإن الشيخ قال قبل ذلك: (عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك: (لا إله إلا الله) فإن الإله عندهم هو الذي يُقصد لأجل هذه الأمور، سواء كان ملكاً أو نبياً أو ولياً أو شجرة أو قبراً أو جنياً، ثم قال: لم يريدوا أن الإله هو الخالق، إلى لفظ السيد.

والشيخ قال: لم يريدوا أن الإله والمالكي أبدلها كما ترى باسم (الله) وهذا يُفسد كلام الشيخ ويُشوّشه، وهذا مراد هذا الماكر لأن اسم الإله في هذه العبارة مرتبط بقوله: فإن الإله عندهم هو الذي يُقصد لأجل هذه الأمور، كذلك أبدل قول الشيخ: وإنا يعنون بالإله، أبدل اسم الإله باسم الله. والشيخ هنا يبين أن الكفر ملة واحدة وإن اختلف الأسماء والعبارات، فالذي تسميه كفار قريش الإله هو الذي يُطلق عليه هؤلاء لفظ السيد، لأن الكلام ليس على المسمَّيات وإنما على المعاني. والشيخ علم أن طلْبة هؤلاء من السيد وصاحب السّر هي طلبة قريش من آلهتها، وهو التقرب إلى الله بالوسائط مع الفارق أن قريشاً تجعل هذه الآلهة الباطلة بينها وبين الله في طلب الرزق والنصر في الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالبعث لكن هذا كفر مستقل لا يَرِد على كلام الشيخ، لأن كلامه في تقرير مسألة واحدة وهي اتخاذ الوسائط بين العباد وربهم وأنها وإن اختلفت صفاتها وأسماؤها فالجامع لذلك هو التشريك بالتألّه الذي هو محض حق الإله الحق، وسواء عمل العبد معه أي عمل أولم يعمل فهو وحده هادم لكل بناء يقوم عليه من مباني العبادة. وسِرّ هذا التشريك في توجّه القلب الموجب انقسام خالص الحب والخوف والرجاء الذي هو لله وحده لا يقبل فيه التقسيم

والشركة، لأنه تنقّص له سبحانه وكأن لا يعلم أمور عباده حتى يُعَلّم، وكأنه لا يرحم حتى تَسْتدعي الوسائط رحمته وكأنه بخيل حتى يُسْتدعى كرمه وجوده، وكأنه عاجز غير قادر حتى يُعان، هذا كله وغيره من مفاسد الشرك، ولذلك أحبط عمل من تدنّس به وأوجب له الخلود في النار لشدة غضبه على فاعله. والشرك تَعَدٍّ بالمخلوق عن طوره ورفع له فوق مقامه وتخيّل أمور فيه ويقدر عليها وليست على الحقيقة فيه ولا يقدر عليها. إن ارتفاع المخلوق وعزّه وشرفه بقدر إخلاص عبوديته لربه بمتابعة رسله، ومهما بلغ من الرفعة في هذا المقام فإنه لا يتغيّر شيء في ذاته من جهة التأثير في غيره ولا في نفسه، فيستوي هو وأدنى الخلق ولو قلت: وأكفرهم فهو أيضاً صحيح ـ في مقام العجز عن القدرة المؤثرة في الوجود بخلاف الوسيط عند المخلوق كالملوك ونحوهم فتتخذ الوسائط بينهم وبين الناس لِتَخلُّف الأربع المتقدمة وغيرها عنهم وهي العلم الشامل، والرحمة التامة، والكرم والجود، والقدرة وغير ذلك من نقص المخلوق. فالمشرك مُشَبِّه لربه بخلقه وعبيده باتخاذ الوسائط، مما يوجب له رفع عبيده الذين أشركهم به إلى مقامه في قلبه، ويظهر أثر ذلك في عبادته لهذه الوسائط وتأليهها، ومهما عَبَدَ الله فلا يقبل منه لأنه ما قدره حق قدره بصرفه خالص حقه إلى مملوكه نتيجة اعتقاد فاسد في

هذا المملوك أوجب هذا التشريك. وهنا يجعل المالكي الشيخ محمداً مكفِّراً للمسلمين وتقدم زعمه أن الشيخ محمد يقاتل المسلمين. وتقدم أيضاً مثل عبارته هذه أن تكفير الشيخ صريح لعلماء المسلمين، وفي مواضع يرمي الشيخ بهذه الدّواهي قطع الله دابره. {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}. أما كوْنه ليس كل المشركين يعلمون أن الله هو الخالق الرازق فهذا لا يَرِدُ على الشيخ لأنه لم يقل كلهم يعلمون ذلك وإنا كلامه في كفار قريش الذين يعلمونه كما أن غالب أهل الشرك يعلمونه. وأيضاً مراد الشيخ عدم الاغترار ربما يُقرُّ به أهل الشرك من الربوبية فليس يدخلهم في الإسلام. وليس مجال كلام الشيخ عن طوائف المشركين واختلافهم وإنا يُعالج مسألة واحدة هنا وهي مقارنة أهل وقته بمن كفّرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقاتلهم. فالدهرية وفرعون والنمروذ يعلم الشيخ أن هؤلاء أكفر من المشركين لكن لا صلة لهم ببحثه هنا، فهؤلاء معطلة، وكلام الشيخ في المشركين، وإنا المالكي الضال يتطلّب العيْب للبرءَاء {وقد خاب من افترى}.

والشيخ محمد يُكفّر من يتخذ الوسائط بينه وبين الله ولم يأتِ بذلك من عنده فهو إجماع أهل العلم. قال رحمه الله في نواقض الإسلام: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعاً. (¬1) فهو رحمه الله لم ينفرد بهذا بل يحكي إجماع أهل العلم. ¬

_ (¬1) الدرر السنية 2/ 176.

افتراء المالكي العظيم على الشيخ بدعوى أن الإسلام لا يعصم المسلمين من سيفه.

افتراء المالكي العظيم على الشيخ بدعوى أن الإسلام لا يعصم المسلمين من سيفه ثم قال المالكي في نقضه ص9: 8 - قوله ص11: (فأتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها ... أقول: لكن مجرد التلفظ بها ينجيهم من التكفير والقتل بينما من يقولها من معاصري الشيخ لا تعصمهم من سيفه فالمنافقون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون الشهادتين بألسنتهم وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف ذلك ومع ذلك عصمت دماءهم وأموالهم أما المعاصرون للشيخ من المسلمين فلم تعصمهم منه لا الشهادتين ولا أركان الإسلام. الجواب: يقال لهذا الضال المضل: هذا حكمك الشيطاني ليس حكم الله ورسوله، ومتى كان مجرد التلفظ بهذه الكلمة إذا خولف معناها بالقول أو العمل ينجي من التكفير والقتل إلا عند إخوان المشركين؟. وكلام هذا الخبيث إبطال لحكم الردة جملة واحدة وافتراء على الشيخ عظيم بأنه يقتل المسلمين، وحاشاه من ذلك، لكن المسلمين

عند هذا الضال عبّاد القبور والأشجار والأحجار، وهذا واضح من كلامه ودفاعه عن إخوان الشياطين. ماضرّ (بدر) السما نَبح الكلاب كذا ... ماضرّ أهل الهدى من سَبَّ أوْ شانا أما المنافقون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر وإذا أعلنوا بمنكر أُقيم عليهم أمر الله، أما أن يقرّهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنكر فلا، كذلك الشيخ محمد. وقد افترى هذا الخبيث على الشيخ وأهل دعوته افتراءاً عظيماً، كيف يقول قطع الله دابره: أما المعاصرون للشيخ من المسلمين فلم تعصمهم منه لا الشهادتان ولا أركان الإسلام؟ وهل هذا إلا البهت البين والظلم العظيم، وهو الدفاع عن المشركين ومُناصرتهم والطعن على الموحدين ويقصد الضال بالمسلمين عباد القبور فهو يدافع عنهم ويُناضل ويجادل (فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة). أما الشهادتان وأركان الإسلام فلم تعصم مانعي الزكاة من سيوف الصحابة لما أخلّوا بذلك فما يقول الضال؟ وأيهما أعظم منع الزكاة مع القيام بباقي الفروض أو الشرك لو كان هذا يعقل؟. لكن من المعلوم أن من تجرأ على الصحابة مثل معاوية وعمرو بن العاص وخالد وغيرهم رضي الله عنهم وسَبّهم وذكر ما جرى بينهم على سبيل إثارة الفتنة فكيف لا يتجرأ على الشيخ محمد ودعوته وأهلها، أنظر كتابه (قراءة في كتب العقائد).

ولقد تكشّف من طواياه السيئة ونياته الخبيثة ما بعضه يكفي من عنده بعض بقية من غيْرة على دينه. والمالكي له سلف عريق في الضلالة غريق في بحر الجهالة ورُدود أهل هذه الدعوة على سلف هذا الضال متوافرة ولله الحمد وإن أعظم شبهة قامت بقلوبهم المظلمة اتهام الشيخ محمد بالتكفير والقتال للمسلمين بزعمهم لعدم معرفتهم بالتوحيد أو لحقدهم وعنادهم. قال سليمان بن سحمان رحمه الله في هؤلاء الخصوم: وقد زعموا أن الإمام محمداً ... يُكفّر أهل الأرض طُرّاً على عَمْدِ ويقتلهم من غير جُرْم تجبّراً ... ويأخذ أموال العباد بلا حَدِّ ومن لم يُطعه كان بالله كافراً ... إلى غير هذا من خرافات ذي اللَّدِّ وقد أجلبوا من كل أرْب ووجهة ... وصالوا بأهل الشرك من كل ذي حقد فبادوا وما فادوا وما أدركوا المنى ... وآبوا وقدْ خابوا وحادوا عن الرشد وأظهره المولى على كل من بغى ... عليه وعاداه بلا موجب يُجدي وأظهر دين الله بعد انطماسه ... وأعلى له الأعلام عالية المجد

خوض المالكي في كلام الشيخ دون فهم مراده.

خوض المالكي في كلام الشيخ دون فهم مراده قال المالكي في نقضه ص9،10: 4 - ويقول ص12: فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة، بل يظن "يعني المدعي للإسلام" أن ذلك "يعني تفسيرها" هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني؟!. أقول: هذا غير صحيح فليس هناك مسلم واحد يقول إن معنى (لا إله إلا اله) هو التلفظ بها دون اعتقاد القلب لذلك. والمسلمون جميعهم علماؤهم وعوامهم يعرفون أن النفاق أن تقول مالا تعتقد وهم يذمون من يخالف قوله فعله بل حتى الكفار يذمون من يخالف قوله فعله .. فكيف يقول الشيخ هذا الكلام سامحه الله ويزعم أن المسلمين في عصره يقولون يجوز أن نشهد الشهادتين بلا اعتقاد لمعانيها، فنقول (لا إله إلا الله) ونعبد غيره (ونقول محمد رسول الله) ونعتقد كذبه .. ؟! سبحانك يا رب هذا بهتان عظيم. فالمسلمون في عهد الشيخ مثل المسلمين اليوم في البلاد الإسلامية فهل يجوز لنا أن نقول إنهم يقولون (نقول الشهادتين باللفظ فقط وسننجو حتى وإن اعتقدنا خلافها؟!).

ثم كيف (يجعلهم ممن (يدعي الإسلام)؟! يعني وليسوا مسلمين!! وهذا تكفير آخر فتنبه!!. الجواب: المالكي المزوِّر يُسْقط من كلام الشيخ ما يبين مراده، وينقل عبارات مقطوعة يوهم بها الجهال، وهذه خيانة ظاهرة مع الافتراء على الشيخ وأهل دعوته ورميهم بالباطل ظلماً وعدواناً. أسقط الضال من كلام الشيخ قبل الكلام السابق قوله رحمه الله: والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلّق، والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه، فإنه لما قال لهم: قولوا: (لا إله إلا الله) قالوا: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب}. فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب .. ثم ذكر الكلام السابق، وهذه الخيانات والبهت لا تصدر ممن يخاف الله، والمالكي لن يقدر على حجب الشمس بكفه. فقوله: فليس هناك مسلم واحد يقول: إن معنى (لا إله إلا الله) هو التلفظ بها دون اعتقاد القلب لذلك. المالكي قال هذا الكلام لعدم تفريقه بين الكفر والإسلام، ولو كان يفرّق بينهما ما قاله. فالذي قصده الشيخ من معناها هو الكفر بالوسائط من القبور وغيرها وإفراد الله وحده بالعبادة. فقول الشيخ: بل يظن أن ذلك

هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني. مراده رحمه الله بهذا أن المشرك يقول: (لا إله إلا الله) ولا يحققها بنفي ما نفته وإثبات ما أثبتته فإنه يقولها ويدعو غير الله ويذبح له وينذر وغير ذلك من العبادات الناقضة لتوحيده وإسلامه الهادمة لقوله (لا إله إلا الله).

جهل المالكي بالتوحيد.

جهل المالكي بالتوحيد والمالكي قال كلامه السابق لأنه يرى الإسلام التلفظ بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، ولم يعرف معنى (لا إله إلا الله) وأن مراد الشيخ الكفر بما يتخذه المشركون في زمانه من الوسائط التي يزعمون أنها تقربهم إلى الله كإخوانهم كفار قريش. ويقال للضال: ما تقول في مسلم يتلفظ بالشهادتين ويصلي ويزكي ويصوم ويحج لكنه سَبّ الله أو سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أو استهان بالمصحف ونحو ذلك مما يرتدّ به المسلم؟. إن قلت: إنه يكفر بذلك قال لك الشيخ محمد وأهل دعوته: الذي يجعل بينه وبين الله وسائط يكفر بنقضه كلمة التوحيد، حيث اشرك مع الله غيره في حقه، كما أن ذاك كفَرَ ولوْ كان يؤدي تلك العبادات. وقول المالكي: هذا بهتان عظيم عائد عليه حيث بهت الشيخ بما هو برئ منه وجادل عن المشركين، وسوّغ شركهم وجعلهم مسلمين ومظلومين. أما قول الشيخ: ممن يدّعى الإسلام فليس هذا تكفير آخر للمسلمين كما يبهت الشيخ بذلك ولكنه بيان أن هؤلاء لجهلهم

وضلالهم يدّعون الإسلام وهم يأتون بما ينقضه. وكان الأولى بالمالكي أن يتعلم التوحيد ليعلم أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) لا تنفع مع الشرك. قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين رحمه الله: من قال: (لا إله إلا الله) ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر كدعاء الموتى والغائبين وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالنذور والذبائح فهذا مشرك شاء أم أبى. انتهى. (¬1) ¬

_ (¬1) الدرر السنية 2/ 150.

معرفة الإسلام قبل الصلاة والزكاة والصوم والحج.

معرفة الإسلام قبل الصلاة والزكاة والصوم والحج إن مما يثسَهِّل على الجاهل معرفة الإسلام هو أن ينظر في بَدْئِه كيف كان، لقد كان قبل الصلاة والزكاة والصوم والحج، كان الإسلام مطلوب من الناس قبل هذه الفروض فمن أتى به فهو المسلم المؤدي ما عليه. إن الإسلام بكامله في بدء أمره هو شهادة لا إله إلا الله والشهادة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، تراه في ذلك الوقت مسلم تام الإسلام في وقته مع أنه لا يصلي الصلوات الخمس ولا يزكي ولو كان أغنى الناس ولا يصوم ولا يحج. إنه يعمل بالإسلام كله وذلك بتركه ما كان يعتقد فيه أنه يقربه إلى ربه وبغضه له والبراءة منه، فهنا يتوحّد عمل قلبه لمعبود واحد أخلص له محبته وخوفه ورجاءه وتوكله وكل عباداته، فهذا هو المسلم وهو الموحّد قبل أن تفرض الفرائض الأخرى، فهذه الفريضة التي قام بها هي الأصل الذي لا يقوم بناء العبادات الباقية القادمة إلا عليه. فالتّخْلية قبل التّحْلية ليخلص التألّه لمن هو له حقيقة ولا يقبل الشركة فيه. وهنا كان الإسلام، وهنا كان الكفر والخصومة قبل صلاة

وزكاة وصوم وحج، وهذا المعنى العظيم كامن في شهادة أن لا إله إلا الله، إنها كلمة لكنها محركة للقلب واللسان والبدن، ينتقل بها الإنسان من حال إلى حال من الظلمة إلى النور ومن الظلم إلى العدل ومن الجهل إلى العلم، ومن الذل إلى العز ومن الوحشة إلى الأنس. إن أعظم ما أوقع المشركين بالشرك هو الجهل بكلمة التوحيد خاصة في المتأخرين لأنهم نشأوا عليها قوْلاً لا عملاً واغتروا بقيامهم بالفرائض الأخرى.

دعوى المالكي أن الشيخ أظلم من خصومه.

دعوى المالكي أن الشيخ أظلم من خصومه قال المالكي في نقضه ص10: 5 - ثم يقول ص13: (والحاذق منهم ـ يعني ممن يدعي الإسلام ـ يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله)!! ثم يتبع هذا بقاصمة وهي (فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله)؟!. أقول: هذا ظلم أعظم من ظلم خصوم الشيخ له. الجواب: قد تقدم بيان معنى هذا الكلام مراراً. أما قول الشيخ: فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى (لا إله إلا الله) فصدق رحمه الله لأن أولئك امتنعوا من قولها لعلمهم بمعناها وهذا يهذي بها كمن يقول: لا تصح الصلاة إلا بالطهارة، يُرَدِّد هذه العبارة ويصلي وهو يبول. إن قريشاً يعلمون معنى كلمة (لا إله إلا الله) ولذلك من قالها منهم غيّرت أحواله كلها وبدّلت حياته وسلوكه إذْ إنهم يعلمون أن شطرها الأول كفر والثاني إيمان، ولا يتم أحدهما إلا بالآخر ولا يُقبل إلا بالآخر.

فالرجل من قريش يعلم أن شطر هذه الكلمة الأول يُحتّم عليه مفارقة ما كان يألفه وعيْب ما كان يمدحه وسب ما كان يثني عليه وبغض ما كان يحبه ومعاداة من كان يُوَالِيه. يقوم بما يوجبه شطرها الثاني من إخلاص العبادة لله. إنها بالنسبة إليهم ولمن يعرف معناها نُقْلة من حال إلى حال تظهر آثارها في سلوك العبد كله، لأن هذا النفي إذا كان باللسان والقلب أوجب هذا التغير {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}. فهنا خروج من ظلمات إلى نور حصل بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله واستمساك بالعروة الوثقى. إنها مفارقة ومباينة باطنة وظاهرة توجبها هذه الكلمة، حيث يسْتشعر العبد بهَوْل ما وقع فيه من الْتفات قلبه إلى غير ربه في الرغبة والرهبة، وأن هذا لأظلم الظلم على الإطلاق لمنافاته للحكمة التي لها خُلِق الخلق وأنزلت الكتب وأرسلت من أجلها الرسل، فتتقلب حياته وموازينه للأشياء وحكمه عليها. والسِّرّ أن الرب سبحانه أعطاه نوراً في قلبه يرى فيه الأمور على

حقيقتها فحيي بعد موته، وعَلِمَ بعد جهله، وأفاق بعد غفلته، وأنس بعد وحشته، ولقد كان هكذا عمل هذه الكلمة في الصحابة رضي الله عنهم فجاءت منهم العجائب.

دعوى المالكي تناقض كلام الشيخ

دعوى المالكي تناقُضُ كلام الشيخ ثم قال المالكي الضال في نقضه ص10: 6 - ذكر ص15،16: أن أعداء التوحيد قد يكون عندهم علم وحجج وفصاحة وهذا إقرار منه بأنه يتحدث عن معارضيه من علماء عصره في نجد والحجاز والشام، معهم علم وفصاحة وقبل هذا ينفي أنهم لا يعرفون معنى لا إله إلا الله. الجواب: الشيخ رحمه الله يذكر أهل الشرك عموماً وأن لهم علوماً وجدَلاً وفصاحة، وأن هذا غير نافع لهم بل ضار حيث يضادّون به الحق كما كان من فصاحة كفار قريش وجدالهم وغيرهم. أما أن الشيخ يتحدث عن معارضيه من علماء عصره فنعم وإن رَغِم أنفك، وكل عالم لم ينتفع بعلمه فلا عرف معنى كلمة التوحيد ولا رفع بها رأساً بل عارضها وضادها فالشيخ محمد يعْنيه وأهل دعوته يعْنونه ويحذرون من علمه الذي لم ينفعه، ومن فصاحته التي صاغها لثلْب الحق ونصر الباطل، ومن حججه التي جادل بها ليدحض الحق. والإنسان قد يكون عنده علم وفصاحة وحجج ولا ينتفع بذلك بل يتضرر إذا لم يهده علمه إلى ما فيه نجاته، وعلماء الضلالة في كل زمان كثير منهم لهم هذا الوصف.

زعم المالكي أن الشيخ يكفر من ليس على معتقد أهل نجد.

زعم المالكي أن الشيخ يُكفِّر من ليس على معتقد أهل نجد ثم قال المالكي الضال في نقضه ص10: 7 - يقول ص17: (والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين)!!. أقول: هذا تكفير واضح لمن ليس على معتقد أهل نجد الذين يسميهم (الموحدين)!! فاعرف هذا فإنه مهم. الجواب: لقد قدِم الشيخ على ربه وحَتْماً ستحلق به أيها الأفّاك الباهت المفتري، فعبارة الشيخ هنا بيضاء نقية كسائر كلامه، وإنا أنت بخبْثك وفساد مزاج روحك، وظلمة قلبك تجد الحلو مراً، والمسْتنير مظلماً، والطيب خبيثاً، فقطْعاً لا يناسبك الطيب ولا تعيش في النور لأن بصرك خفّاشي وعقلك فِراشي. والشيخ هنا لم يُبالغ بعبارته فنرغم أنفك بأن الذي ندين الله به أن العامي الموحد يغلب أهل الأرض من علماء المشركين وجهلتهم وطغامهم. والأمر ولله الحمد واضح فالعامي الذي يقصده الشيخ محمد بوصْفه هو من ليس عنده علوم كثيرة فيتصدر ويفتي

ولكنه عالم بمعنى كلمة التوحيد التي يجهلها أو يجحدها أهل الشرك، فهو بلا شك غالب لهم والله معه {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}. إن علماء المشركين أضل من الأنعام وهم وقود جهنم، أما أن هذا تكفير واضح من الشيخ لمن ليس على معتقد أهل نجد الموحدين، فقد عرفنا منك الكذب والبهت والتزوير، وما قصد الشيخ ما قلت قطع الله دابرك وإنا هو يتكلم عن العلم بالتوحيد وأنه مع الإيمان والعمل سلاح لا يُفَلّ ولا يُغلب، ولو كان مع أقلّ الناس وأضعفهم لأجل نصرة الله ومعيته، ومن كان الله معه فهو لا يُغلب. والشيخ وأهل دعوته نعوذ بالله أنهم يُكَفّرون المسلمين أو يكفّرون بالجملة أو قبل قيام الحجة، وهذا ولله الحمد معروف ومدوّن ولكنك شارق بهذه الدعوة المباركة باهت لأهلها، وهذا ظاهر، ولسنا نعجب أن يصدر منك هذا وأعظم منه وقد تكلمت في الصحابة بالزور والباطل، وتعرّضت لما شجر بينهم بخبثك وجهلك مع أنهم دائرون بين الأجر والأجرين والحسنات الماحية، وقد قحّمت نفسك المهالك. وهذه مؤلفات الشيخ وأهل دعوته متوافرة فهات إثبات بهتانك أنهم يُكفِّرون من ليس على معتقد أهل نجد.

إنهم لا يدْعون إلى طائفة ولا نِحلة ولا يجعلون ميزان الدين قوماً معيّنين، وإنا يدعون إلى الكتاب والسنة كما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. نعم لما يكون معتقد أهل نجد التوحيد فيخالفهم غيرهم بالشرك فإنهم يُكفرونه لكن ليس لنجد اختصاص في هذا. إذا كان أهل نجد ليس عندهم قبور ولا شِرْكيات أخرى وقد أقاموا الدين فنعم يكفرون من خالفهم على هذا المعتقد كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وكذلك الصحابة رضي الله عنهم وهذا هو دين الإسلام. كذلك لما يكون معتقد أهل الشام أو العراق أو الهند التوحيد فيخالفهم غيرهم بالشرك فإنهم يُكَفِّرونه. فالأوطان لا اختصاص لها في هذا وإنا المدار على دين أهلها. وما أغاظك على أهل نجد إلا ما مَنّ الله عليهم به من آثار هذه الدعوة المباركة {قل موتوا بغيظكم}، وقد أبقى الله لك ما يسوؤك. إن ذمّك لأهل نجد شهادة لهم بُحسْن الحال، وإنهم ليفرحون بذمّك، والمصيبة الكبرى والداء الذي لا دواء له أن تمدحهم وتثني عليهم فأمرك واضح، وجهلك فاضح، وحقدك على أهل التوحيد طافح، لم تقدر على كتمانه، ولذلك صار من إنائك القذِر سافح. وإن أعظم ما اتّهم به الشيخ هذا الظالم التكفير والقتال

وأن الشيخ يُكفِّر بالعموم ويقتل المسلمين وقد قال الشيخ رحمه الله: وأما التكفير فأنا أُكفّر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سَبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفّر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة. وهم الذين أتوْنا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة وجزاء سيئة سيئة مثلها، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرف. (¬1) فهذا يبين مسألة التكفير والقتال التي يكيل منها المالكي بلا حساب ولا خوف عقاب ليشنع على الشيخ وأهل دعوته، والموعد الله. والشيخ رحمه الله يقول رداً على المفترين أمثال هذا: وأما القول إنا نُكفِّر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء. إنتهى. نعم إن لكل حق جاحد ولكل نعمة حاسد. ¬

_ (¬1) الدرر السنية 1/ 51.

دفاع المالكي عن خصوم الدعوة.

دفاع المالكي عن خصوم الدعوة ثم قال المالكي الضال في نقضه ص10،11: 8 - ويقول ص19: (وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا ... ). أقول: هذا تكفير صريح للمخالفين له ممن يسمونهم (خصوم الدعوة) أو (أعداء التوحيد) أو (أعداء الإسلام) وهذا ظلم لأن الشيخ كان يرد على مسلمين ولم يكن يرد على كفار ولا مشركين وهذه رسائله وكتبه ليس فيها تسمية لمشرك ولا كافر وإنا فيها تسمية لعلماء المسلمين في عصره كابن فيروز وسليمان بن عبد الوهاب وابن عفالق وغيرهم من العلماء الذين يطلق عليهم (المشركون في زماننا)!!. فهذه هي بذور التكفير المعاصر التي لا زالت تنبت وتؤتي أكلها الدامية في أرجاء العالم الإسلامي. الجواب: نعم المخالفون للشيخ محمد رحمه الله في عقيدة التوحيد الذي هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله كفار، والمخالف في ذلك مخالف للأنبياء والمرسلين وليس للشيخ محمد اختصاص في هذا، إنا تُطالب يا أفّاك بأن تُثبت على الشيخ محمد مخالفة دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه،

وهذا الذي لا تقدر عليه، ولذلك تأتي بمجملات وشبهات وجمل تبْترها بتراً لتحسِّن القبيح وتقبح الحسن. وليس الأمر بيدك بل بيد القائم بالقسط سبحانه وبحمده أما إذا قيل: خصوم الدعوة وأعداء التوحيد وأعداء الإسلام لمن خاصم عن المشركين وجادل عنهم ودافع عن شركهم وعادى الموحدين وعابهم بلا حق {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} فإذا كان هذا ظلم عندك فمن تكون أصلاً حتى يعتمد قولك؟ أنت لا في العِير ولافي النفير. وقد ظهر زيْفُك وحيْفك. أما أن الشيخ يسمي علماء المسلمين كفاراً فكَذِب عليه، ولست أول من كذب عليه وما جئتَ إلا في الساّقة من رَكْب الضلالة، وما أرى إلا أن إبليس صَدّق عليك ظنه وطمع فيك لتحقيق مآربه فهنيئاً لك الوكالة. وقد كتب الشيخ إسحق بن عبد الرحمن بن حسن رسالة في بيان عقيدة الشيخ محمد قال فيها: أما بعد فإنه ابتلي بعض من استحوذ عليه الشيطان بعداوة شيخ الإسلام (محمد بن عبدالوهاب) رحمه الله تعالى ومسبته وتحذير الناس عنه وعن مصنفاته لأجل ما قام بقلوبهم من الغلو في أهل القبور وما نشؤا عليه من البدع التي امتلأت بها الصدور

فأردت أن أذكر طرفاً من أخباره وأحواله ليعلم الناظر فيه حقيقة أمره فلا يروج عليه الباطل، ولا يغتر بحائد عن الحق مائل. مُسْتنده ما ينقله أعدؤه الذين اشتهرت عداوتهم له في وقته وبالغوا في مسبّته والتأليب عليه وتهمته. وكثيراً ما يضعون من مقداره، ويغيضون ما رفع الله من مناره، منابذة للحق الأبلح، وزيغاً عن سواء المنهج، والذي يقضي به العجب قلّة إنصافهم، وفرط جورهم واعتافهم ثم ذكر معتقد الشيخ وأنه معتقد السلف الصالح، والرسالة طويلة. (¬1) أما ابن فيروز الذي يُدافع عنه هذا الضال فهو شديد المعاداة للشيخ محمد محارباً لدعوته برسائله وقصائده وأجْوبته. إنتهى. (¬2) والموضع لا يتسع للإطالة في شأنه. أما ابن عفالق فإنه أدرك أول دعوة الشيخ محمد رحمه الله فعاداها. إنتهى. (¬3) قال تعالى: {تشابهت قلوبهم} فهؤلاء، أسلاف المالكي الضال. ¬

_ (¬1) الدرر السنية 1/ 256. (¬2) من علماء نجد 3/ 885. (¬3) علما نجد 3/ 820.

أما سليمان بن عبدالوهاب فقد اشتهر ضلاله ومخالفته لأخيه مع جهله وعدم إدراكه لشيء من فنون العلم، ثم إن الله مَنّ عليه حيث اسْتبان له التوحيد والإيمان وندم على ما فرط من الضلال والطغيان. أما قول الضال: فهذه هي بذور التكفير المعاصر التي لا زالت تنبت وتؤتي أكلها الدامية في أرجاء العالم الإسلامي. فيقال له: قد تقدم ما يبين ما يُكَفِّر عليه الشيخ محمد رحمه الله، وأما أن يُحمّل ذنوب غيره فقد قال تعالى: {ولا تزر وازرة وزرَ أخرى} والمالكي حاقد على الشيخ وأهل دعوته ويُريد أن يغصب الأمور لعيْبهم واتهامهم. وهو جاء في مؤخرة قافلة الضلال خصوم هذه الدعوة مثل ابن منصور يقول عن الشيخ محمد، إنه ضال مضل وأنه أجهل من أبي جهل بمعنى لا إله إلا الله وأنه أتى الأمة من الباب الضيّق وهو تكفيرها ولم يأتها من الباب الواسع وأنهم خوارج حتى ألّف كتاباً سماه (كشف الغمّة في الرد على من كَفّر الأمة) وقد رَدّ عليه الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في كتاب (مصباح الظلام في الرد على من كذّب على الشيخ الإمام). (¬1) ¬

_ (¬1) ويُذكر أن ابن منصور قبل وفاته ندم وتاب وتُوفي على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي هي عقيدة التوحيد .. من كتاب "علماء نجد" 5/ 98.

كذلك أحمد زيني دحلان قاضي مكة ألّف كتاباً في الرد على الشيخ محمد وأهل الدعوة سماه (الدرر السنية في الرد على الوهابية) وقد سَبّ فيه وشتم وماضرّ إلا نفسه. كذلك أحمد الحداد الحضرمي وجميل صدقي الزهاوي، وكل هؤلاء الخصوم مردود عليهم.

نبذة يسيرة من سيرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

نبذة يسيرة من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهذه نبذة يسيرة من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله ذكرها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن. (¬1) قال الشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن عبد الوهاب، ونذكر طرفا من أخباره وأحواله ليعلم الناظر في حقيقة أمره، فلا يروج عليه تشنيع من استحوذ عليه الشيطان، وأغراه وبالغ في كفره واستهواه فنقول: قد عرف واشتهر واسْتفاض من تقارير الشيخ ومراسلاته ومصنفاته المسموعة المقروءة عليه، وما ثبت بخطه وعرف واشتهر من أمره، ودعوته، وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته أنه على ما كان عليه السلف الصالح، وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى، في باب معرفة الله وإثبات صفاته وكماله ونعوت جلاله التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت بها الأخبار النبوية، وتلقاها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقبول والتسليم، يثبتونها ويؤمنون بها ويمرونها كما جاءت في غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وقد درج على هذا من بعدهم من التابعين وتابعيهم من أهل العلم والإيمان وسلف الأمة وأئمتها كسعيد بن المسيب ¬

_ (¬1) الدرر السنية 9/ 439.

وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد وسالم بن عبدالله وطلحة بن عبيد الله، وسليمان بن يسار وأمثالهم. ومن الطبقة الأولى كمجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح والحسن وابن سيرين، وعامر الشعبي وجنادة بن أبي أمية وحسان بن عطية وأمثالهم، ومن الطبقة الثانية على بن الحسين وعمر بن عبدالعزيز، ومحمد بن مسلم الزهري ومالك بن أنس، وابن أبي ذئب وابن الماجشون، وكحماد بن سلمة وحماد بن زيد والفضيل بن عياض، وعبدالله بن المبارك وأبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومحمد بن إدريس وإسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخارى ومسلم ابن الحجاج القشيرى واخوانهم وأمثالهم، ونظرائهم من أهل الفقه والأثر في كل مصر وعصر. وأما توحيد العبادة والإلهية فلا خلاف بين أهل الإسلام فيما قاله الشيخ وثبت عنه من المعتقد الذي دعا إليه يوضح ذلك أن أصل الإسلام وقاعدته شهادة أن لا إله إلا الله، وهي أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شعب الإيمان، وهذا الأصل لابد فيه من العلم والعمل والاقرار بإجماع المسلمين، ومدلوله وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من عبادة ما سواه كائنا من كان وهذا هو الحكمة التي خلقت لها الإنس والجن، وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب، وهي تتضمن كمال الذل والحب، وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم هذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين

الإسلام، وهو يتضمن الاستسلام لله وحده {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا إن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال تعالى عن الخليل: {إذ قال لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} وقال تعالى عنه: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} وقال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءَؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}. وذكر عن رسله نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم: {اعبدوا الله مالكم من إله غيره} وقال عن أهل الكهف: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططاً. هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا}. وقال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به

ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} في موضعين. قال رحمه الله: والشرك المراد بهذه الآيات ونحوها يدخل فيه شرك عباد القبور، وعباد الأنبياء والملائكة والصالحين، فإن هذا هو شرك جاهلية العرب الذين بعث فيهم عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا يدعونها ويلتجئون اليها، ويسألونها على وجه التوسل بجاهها وشفاعتها لتقربهم إلى الله، كما حكى الله ذلك عنهم في مواضع من كتابه كقوله تعالى: {ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} الآية. وقال تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. وقال تعالى: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون}. قال رحمه الله: ومعلوم أن المشركين لم يزعموا أن الأنبياء والأولياء والصالحين والملائكة شاركوا الله في خلق السموات والأرض، أو استقلوا بشيء من التدبير والتأثير والايجاد، ولو في خلق ذرة من الذرات قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله أن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرداني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} فهم معترفون

بهذا مقرون به لا ينازعون فيه، ولذلك حسن موقع الاستفهام، وقامت الحجة بما أقروا به من هذه الجمل، وبطلت عبادة من لا يكشف الضر ولا يمسك الرحمة، ولا يخفى ما في التنكير من العموم والشمول المتناول لأقل شيء، وأدناه من ضر أو رحمة، وقال تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون} إلى قوله {فأنى تسحرون} وقال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} ذكر فيه السلف كابن عباس وغيره إيمانهم هنا بما أقروا به من ربوبيته وملكه وفسر شركهم بعبادة غيره. قال رحمه الله تعالى: وقد بين القرآن في غير موضع أن من المشركين من أشرك بالملائكة، ومنهم من أشرك بالأنبياء والصالحين، ومنهم من أشرك بالأصنام وقد رد عليهم جميعهم، وكفر كل أصنافهم، كما قال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} وقال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم} الآية وقال: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر} الآية ونحو ذلك في القرآن كثير، وبه يعلم المؤمن أن عبادة الأنبياء والصالحين كعبادة الكواكب والأصنام من حيث الشرك والكفر بعبادة غير الله.

قال رحمه الله تعالى وهذه العبادات التي صرفها المشركون لآلهتهم هي أفعال العبد الصادرة منه، كالحب والخضوع والإنابة والتوكل، والدعاء والاستعانة والاستغاثة، والخوف والرجاء والنسك والتقوى، والطواف ببيته رغبة ورجاء وتعلق القلوب والآمال بفيضه ومدده، وإحسانه وكرمه فهذه الأنواع أشرف أنواع العبادة وأجلها؛ بل هي لب سائر الأعمال الإسلامية وخلاصتها وكل عمل يخلو منها فهو خداج مردود على صاحبه، وإنا أشرك وكفر من كفر من المشركين بقصْد غير الله بهذا وتأْليهه لذلك قال تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} وقال تعالى: {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولاهم منا يصبحون} وقال تعالى: {واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون} الآية، وحكى عن أهل النار أنهم يقولون لآلهتهم التي عبدوها مع الله: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين. إذ نسويكم برب العالمين} ومعلوم أنهم ما سووهم به في الخلق والتدبير والتأثير، وإنا كانت التسوية في الحب والخضوع والتعظيم والدعاء ونحو ذلك من العبادات. قال رحمه الله: فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين نحكم بأنهم مشركون، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم

الحجة الرسالية، وماعدا هذا من الذنوب التي دونه في الرتبة والمفسدة لا نُكَفِّر بها، ولا نحكم على أحد من أهل القبلة الذين باينوا عباد الأوثان والأصنام والقبور بمجرد ذنب ارتكبوه وعظيم جرم اجترحوه، وغلاة الجهمية والقدرية والرافضة ونحوهم ممن كفرهم السلف، لا نخرج فيهم عن أقوال أئمة الهدى والفتوى من سلف هذه الأمة، ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج، وقالته في أهل الذنوب من المسلمين. قال رحمه الله ومجرد الاتيان بلفظ الشهادة من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها لا يكون به المكلف مسلما؛ بل هو حجة على ابن آدم خلافا لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار كالكرامية، ومجرد التصديق كالجهمية، وقد أكذب الله المنافقين فيما أتوا به وزعموه من الشهادة، وسجل على كذبهم مع أنهم أتو بألفاظ، مؤكدة بأنواع من التأكيدات، قال تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون} فأكَّدَوا بلفظ الشهادة و (إن) المؤكدة، واللام والجملة الاسمية فأكذبهم، وأكد تكذيبهم بمثل ما أكدوا به شهادتهم سواء بسواء، وزاد التصريح باللقب الشنيع، والعلم البشيع الفظيع، وبهذا تعلم أن مسمى الإيمان لابد فيه من الصدق والعمل. ومن شهد أن لا إله إلا الله وعبد غيره فلا شهادة له، وإن صلى

وزكى وصام وأتى بشيء من أعمال الإسلام، قال تعالى لمن آمن ببعض الكتاب ورد بعضاً: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} الآية وقال تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} الآية وقال تعالى: {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنا حسابه عند ربه} الآية والكفر نوعان مطلق ومقيد فالمطلق أن يكفر بجميع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمقيد أن يكفر ببعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى أن بعض العلماء كفَّر من أنكر فرعا مجمعا عليه، كتوريث الجد أو الأخت وإن صلى وصام، فكيف بمن يدعوا الصالحين ويصرف لهم خالص العبادة ولبها، وهذا مذكور في المختصرات من كتب المذاهب الأربعة؛ بل كفَّروا ببعض الألفاظ التي تجري على الألسن بعض الجهال وإن صلى وصام من جرت على لسانه. قال رحمه الله: والصحابة كفَّروا من منع الزكاة، وقاتلوهم مع اقرارهم بالشهادتين والاتيان بالصلاة والصوم والحج. قال رحمه الله: واجتمعت الأمة على كفر بني عبيد القداح مع أنهم يتكلمون بالشهادتين، ويبنون المساجد في قاهرة مصر وغيرها، وذكر أن ابن الجوزي صنف كتاباً في وجوب غزوهم وقتالهم سماه (النصر على مصر) قال: وهذا يعرفه من له أدنى إلمام بشيء من

العلم والدين، فتسمية عباد القبور مسلمين لأنهم يصلون ويصومون، ويؤمنون بالبعث مجرد تعمية على العوام، وتلبيس لينفق شركهم، ويقال بإسلامهم وإيمانهم، ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون. إلى آخرها.

سخرية المالكي بالشيخ.

سخرية المالكي بالشيخ قال المالكي في نقضه ص11: 9 - قوله ص12: (وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أعرف معناه ... ). أقول: يا ترى من هذا المشرك الذي يستدل على الشيخ بالقرآن والسنة؟! أي مشرك لطيف هذا؟!. الجواب: المالكي يأخذ مقاطع من كلام الشيخ ويدع ما قبلها وما بعدها مما يبين مراده رحمه الله لأنه ير يد أن يعيب ويتّهم بصرف النظر عن الخيانة وسوء التصرف وحتى عن مخالفة العُرْف فضلاً عن الدين وسيعلم الظالم عاقبة افترائه وظلمه. هنا يسخر بكلام الشيخ ومعلوم أن هذا ميراث من قاله الله عنهم: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون} الآيات. فالشيخ هنا ذكر كلاماً قبل هذه العبارة وهو عبارة عن جواب أهل الباطل مجملاً ومفصلاً، فذكر المجمل وفيه: (إذا قال لك بعض المشركين)، وبعد كلام له رحمه الله قال العبارة التي أوْرد المالكي.

فهو رحمه الله ذكر هنا مجاوبة المشرك الذي يأتي بعمومات ومتشابهات من آيات وأحاديث يبطل بها التوحيد وهي لا تدل على مقصوده وهو يُوهم أنها تدل على مراده فيُرشد الشيخ العامي أن يقول الكلام السابق. ثم قال الشيخ رحمه الله بعد قوله: لا أعرف معناه قال: (ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض)، إلى آخره، وانظر في آخر هذا الكتاب كتاب الشيخ (كشف الشبهات) وكيف تلاعب به هذا الأفاك. ثم لماذا يستغرب هذا الضال من مشرك يجادل بالقرآن والسنة؟ السبب أنه لا يرى أن الذين يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويزكون ويحجون ويصومون لا يراهم مشركين ولو اتخذوا الوسائط من دون الله كما تبين من كلامه، ولذلك يسخر الجاهل وإنا يسخر بنفسه.

اعتراض المالكي على تكفير الكفار.

اعتراض المالكي على تكفير الكفار ثم قال المالكي الضال في نقضه ص11: 10 - يقول ص23: (فإن أعداء الله "هكذا! " لهم اعترافات كثيرة يصدون بها الناس منها قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عليه السلام (لم يذكر الصلاة!!) لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن عبدالقادر أو غيره ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله لهم فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقرون بما ذكرت ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنا أرادوا الجاه والشفاعة .. ). أقول: هذا يدل على أن الشيخ يرى تكفير هؤلاء الذين يقولون القول السابق وأنه يعتبرهم مشركين شركاً أكبر كشرك كفار قريش وهذا عين التكفير. الجواب: يلاحظ أنه هنا أسقط كلاماً وبتر العبارة وغيّر بعض اللفظ فلْيراجَع الكشف المرفق. أما قوله: هذا يدل على أن الشيخ يرى تكفير هؤلاء،

فيقال لهذا الجاهل الضال: ليس هذا رأي للشيخ وإنا هو دين الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهذا هو الشرك الأكبر الذي بعث الله رسله بتكفير من فعله، والشيخ رحمه الله لم يأت بجديد، وإنا هو متبع ومجدّد لدين الله، فاتخاذ الوسائط شرك سواء من الصالحين وغيرهم، وقد قال تعالى عن إخوان هؤلاء: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، ويلاحظ تغييره لفظة (وأطلب من الله بهم) جعلها لهم (لهم) ولفظة (اعتراضات) كتبها الضال (اعترافات) وأسقط كلاماً أنظر بيانه في الكشف المرفق. ولما قال الضال ناقلاً كلام الشيخ: وأن محمداً عليه السلام قال: لم يذكر الصلاة، يعني أن الشيخ لم يقل: عليه الصلاة والسلام وانظر نسخته من أولها إلى آخرها إذا جاء على موضع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب (ص) وهذا على الحقيقة قِلّة أدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أما أن يقال: عليه السلام أو لا تذكر الصلاة على النبي ولا السلام في الكتابة فهذا فيه سعة ولله الحمد، والذي يظهر لنا مما نراه في كتب السلف أنهم لا يجعلون ذلك لازماً، ففي مواضع يكتبون الصلاة والسلام ومواضع يذكرون فيها السلام فقط ومواضع لا يذكرون فيها الصلاة ولا السلام، وقد يُصلي ويسلم على النبي بلسانه وهو يكتب ولا يكتبها.

والمراد أن المالكي حريص على أن يصنع للبرءاء العيب، وقد ثبت في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه لما خرج رجل حين أذن مؤذن العصر قال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم عليه السلام، ولم يذكر الصلاة. ولا نطيل في هذا وإنا المراد بيان أن هذا المبطل لا يجد شيئاً يتعلّق به، فيختلق العيوب، والمراد أن هذا الباهت يُنكر تكفير الكفار ويجادل عنهم ويعادي أهل التوحيد قطع الله دابره. فتأمل من يقول: أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم، يقول المالكي في ذلك: هذا يدل على أن الشيخ يرى تكفير هؤلاء. فيقال للضال: وهل الكفر إلا هذا؟ وهو اتخاذ الوسائط، وقد تقدم بيان ذلك، والمالكي يدافع عن المشركين ويجادل عنهم. قال سليمان بن سحمان رحمه الله فيمن لا يرى من صرف خالص حق الله للأنبياء والأولياء والصالحين والأحجار والأشجار وغير ذلك أنه شرك ولا كفر مخرج من الملة: فهذا ما عرف دين الإسلام العاصم للدم والمال، ولا عرف الكفر المبيح لذلك وإن كان يرى أنه كفر يخرج من الملة وإن كانوا مع ذلك يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويزكون فما الموجب لهذا الشنآن والاعتراض بما لا حقيقة له؟. إنتهى (¬1). ¬

_ (¬1) تنبيه ذوي الألباب السليمة ص120.

وقال: فإن رُمت النجاة غداً وترجو ... نعيماً لا يصير إلى زوَأل نعيماً لا يبيد وليس يفنى ... بدار الخلد في غرف عوالي وحوراً في الجنان مُنعمات ... مليحات التبعّل والدلال فلا تشرك بربك قطّ شيئاً ... وأخلص في العبادة والفِعال ولا تذهب إلى الأموات جهلاً ... لنفع أو لضرّ أو نوال ولا تجعل وسائط ترْتجيهم ... فإن الله ربك ذو الكمال عليهم قادر بَرٌّ كريم ... بصير سامع لذوي السؤال وليس بعاجز فيُعان حاشا ... وليس بغائب أوذي اشتغال فلا يدري بأحول البرايا ... فتدعو من يُخَبِّر بالسؤال فتجعله الوساطة إن هذا ... لَعَمْرى من مزلات الضلال وهذا يقتضي أنْ ليس ربي ... مريد النفع أو بذل النوال ولا الإحسان إلا من شفيع ... يُحَرّكه فيعطف ذو الجلال لحاجته ورغبته إليه ... وهذا لا يكون لذي الكمال أليس الله خالق كل شيء ... ومالكه وربك ذو التعالي ومن ذا شأنه وله البرايا ... بأجمعها الأسافل والأعالي أكان يكون عوْناً أو شفيعاً ... يُخبّر بالغوامض والفعالٌ ويُكرهه على ما ليس يرضى ... تعالى ذو المعارج والمعالي أكان يكون ما يخشاه ربي ... ويرجوه لتبليغ المقال ويشفع عنده كُرهاً عليه ... كما عند الملوك من الموالي لحاجتهم ورغبتهم إليهم ... لخوف أوْ رجاء أوْ نوال

تعالى الله خالقنا تعالى ... تقدّس بل تعاظم ذو الجلال أليس الله يسمع من يُناجي ... كمن يدعو بصوت بالسؤال وأصوات الجميع كصوْت فرد ... لدى الرحمن وهو على العَوَالي فلا يشغله سمعاً عن سماع ... لمن يدعو ويهتف بابتهال ولا يتبرّم الرحمن ربي ... بإلحاح الملحين الموالي ولا يُغلطْه كثرة سائليه ... جيمعاً بالتضرع والسؤال بكل تفنّن الحاجات منهم ... وأصناف اللغات بلا اخْتلال قال المالكي في نقضه ص12: 11 - قوله ص24: (فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله!! وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره (من صلاتهم وصلاحهم بخلاف الكفار) فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الصالحين ومنهم من يدعو الأولياء ... ). أقول: الكفار لا يؤمنون بالربوبية كلها وهم يعبدون الأصنام لذاتهم ولم يقتصروا على الطلب (طلب الشفاعة فقط) بل قولهم قالوه انقطاعاً لا اعتقاداً. أما المسلمون فإنهم لا يسجدون لأحد غير الله ولا يعبدون إلا الله وقد يجهل بعضهم أو يتأول بأن الصالحين من الأحياء والأموات إن دعوا لهم فإنهم ينفعونهم بإذن الله وهذا يختلف كثيراً عن هؤلاء الكفار.

تقريب شبه أهل هذه الدعوة من الخوارج.

تقريب شَبَه أهل هذه الدعوة من الخوارج والخلاصة أن التشابه بين الكفار والمسلمين المعاصرين ـ إن سلمنا به ـ أبعد بكثير من التشابه بين الخوارج والوهابية، فالتشابه بينهم من التكفير والتحليق واستحلال الدماء .. أكبر. وحجة الخوارج على علي هي حجة الوهابية على مخالفيهم، فالخوارج قالوا بصرف الحكم كله لله (لا حكم إلا لله) وهي كلمة حق أريد بها باطل مثلما أراد الوهابية من قولهم (لا ذبح إلا لله ولا توسل إلا بالله ولا استغاثة إلا بالله ... الخ)، فهذا حق من حيث الأصل لكن قد تكون هناك صور في التطبيق تخرج عن هذه القاعدة إما بتأويل أو جهل فهذا لا يكفر إلا بعد ارتفاع موانع التكفير وقيام الحجة. الجواب: المالكي الضال يُعارض القرآن حيث ذكر الله سبحانه أن المشركين مُقِرُّون أن الله خالق السموات والأرض وخالقهم ورازقهم ومدبّرهم وغير ذلك من إقرارهم بربوبية الله عز وجل، وقد ذكر الشيخ رحمه الله الآيات الدّالة على ذلك في كشف الشبهات وغيره من كتبه ليبين في ذلك التوحيد المطلوب من العبد بعد ذلك التوحيد الذي لا يدخله في الإسلام.

أما قول الضال عن المشركين أنهم يعبدون الأصنام لذاتها فمعارضة أيضاً للقرآن حيث ذكر الله ذلك عنهم بأبلغ عبارة وأبينها وأوضحها فتأمل قولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} ففي هذا نفي أي غرض لهم غير ذلك، وحصر لمطلوبهم وهو التقرب إلى الله، مع ملاحظة أن من المشركين من يؤمن بالبعث فهو يتخذ الواسطة بينه وبين الله كشفيع لشئون دنياه وآخرته، ومنهم من لا يؤمن بالبعث ككفار قريش فيتخذون الوسائط من الأصنام التي هي بزعمهم على صور الملائكة والصالحين كشفعاء لرزقهم ونصرهم وما ينوبهم في دنياهم. وكيف يقول: قالوه انقطاعاً لا اعتقاداً؟ والله سبحانه يخبر عنهم أنهم يقولون: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} ويقولون: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وآيات كثيرة بيّن الله فيها اعتقادهم ومطلوبهم من آلهتهم الباطلة، وهذا الجاهل من النوع الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري وهو شرّ الأنواع. وقوله: أما المسلمون فإنهم لا يسجدون لأحد غير الله إلى آخر كلامه، فيقال: ليس الكفر السجود لغير الله فقط، فالذي يتخذ الوسائط بينه وبين الله كافر ولو كان لا يسجد لها. والمالكي الضال يدافع عن الشرك والمشركين فقد جعل من

يرجو نفع الأموات بأن يدعوا له أنه يختلف كثيراً عن الكفار، وهذا شرك بلا ريب، وقد لبس الحق بالباطل حيث ذكر الأحياء والأموات، وطلب الدعاء من الصالحين الأحياء جائز، وأما الأموات فشرك، وقد خلط هذا بهذا مع ظهور الفرق، فهو يصحح الشرك ويدافع عن المشركين ويعادي الموحدين. أما أن حجة الوهابية على مخالفيهم كحجة الخوارج على علي فبهتان عظيم وسيعلم هذا الخبيث عاقبة جرأته على الحق وأهله، وهو إنا سَوّل له الشيطان وأغواه وأضله. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: وأما أهل هذه الدعوة الإسلامية التي أظهرها الله في نجد فهم بحمد الله أبْعد الناس عن مشابهة الخوارج وغيرهم من أهل البدع. إنتهى. (¬1) وله سلف في هذا الاتهام ماتوا بغيظهم وما بلغوا مرادهم. ¬

_ (¬1) الدرر السنية 9/ 194.

اتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين

اتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين قال المالكي ص12: قال ص26: (فإن قال ـ يعني المخالف للشيخ ـ الكفار يريدون منهم [من الأصنام] وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصد هم أرجو من الله شفاعتهم، فالجواب: أن هذا قول الكفار سواء بسواء!!). أقول: من قال الكلام السابق لا يكفر لأنه متأول أو جاهل وكونه يتفق مع الكفار في جزئية يسيرة لا يعني الحكم عليه بالكفر بهذه الجزئية. بمعنى لو أقسم أحد بغير الله فقد شارك الكفار في جزئية يسيرة لا يكفر بسببها، فالشيخ غفل عن مثل هذه الدقائق فوقع في تكفير المسلمين فتركيز الشيخ على آية {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وإغفاله لبقية الآيات في وصف الكفار فيه نقص في استيفاء مواطن اختلاف الكفار عن المسلمين. إنتهى. الجواب: تقدم أن الشيخ لا يُكفّر إلا بعد قيام الحجة وليس يُكفّر بالعموم.

أما أن يكون طلب الشفاعة من الأموات جزئية يسيرة لا يحكم على فاعلها بالكفر، فنعم هي جزئية يسيرة أو حسنة كبيرة عند المشركين وعند أخيهم المالكي. أما أهل التوحيد فيقولون: إن لم يكن طلب الشفاعة ورجاءها من الموت كفر فليس هناك كفراً. والشيخ رحمه الله لم يغفل بقية الآيات بل لو قيل إنه لم يترك من القرآن في شأن الشرك والتوحيد آية إلا ذكرها في مؤلفاته ورسائله لما كان ذلك مبالغة. وقد بَوّب الشيخ للشفاعة باباً في كتاب التوحيد وذكر فيه آيات الشفاعة وأن طلبها من دون الله شرك. قال ابن القيم في قوله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيها من شرك وماله منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}. قال رحمه الله تعالى: وقد قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعها. فالمشرك إنا يتخذ معبوده لما يحصل له من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريده عابده منه، فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك فإن لم يكن شريكاً له كان معيناً له وظهيراً،

فإن لم يكن معيناً ولا ظهيراً كان شفيعاً عنده، فنفى الله سبحانه المراتب الأربع نفياً مرتباً متنقلاً من الأعلى إلى الأدنى. فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة بإذنه، فكفى بهذه الآية نوراً وبرهاناً وتجريداً للتوحيد وقطعاً لأصول الشرك ومواده لمن عقلها. إلى آخره.

زعم المالكي أن معنى كلام الشيخ أنه لا يدخل الجنة في زمنه إلا أهل العيينة والدرعية.

زعم المالكي أن معنى كلام الشيخ أنه لا يدخل الجنة في زمنه إلا أهل العيينة والدرعية قال المالكي أيضاً في نقضه ص13،14: قوله ص33: (ولا يشفع ـ النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}!! ولا يأذن الله إلا لأهل التوحيد). أقول: على هذا لن يدخل الجنة في زمن اشيخ إلا أهل العيينة والدرعية!! ففي الكلام السابق تكفير ضمني لكل من يرى التوسل بالصالحين وهم جمهرة علماء المسلمين وعامتهم.

تأييد المالكي لإفك خصوم الدعوة

تأييد المالكي لإفك خصوم الدعوة وهنا أتذكر صدق كلمة قالها أحد معارضي الشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما قال ما معناه (النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيأتي مفاخراً بقومه يوم القيامة وعلى كلام هذا ـ يقصد الشيخ محمد ـ سيأتي نبينا - صلى الله عليه وسلم - وليس معه إلا نفر من أهل العيينة)!! ونحن رددنا على هذه الكلمة ونحن نضحك ولم ننتبه للوازم كلام الشيخ هنا عندما حرم الشفاعة على غير أتباعه الذين سماهم الموحدين!! بحجة أن غير هؤلاء ليسوا مسلمين {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} فالمسلمون في العالم الإسلامي ـ سوى نجد ـ يكونون عند الشيخ قد ابتغوا غير دين الإسلام!!. وهذا أمر في غاية التكفير والخطورة لأن العالم الإسلامي فيه هذه البدع من زمن طويل وفيه العلماء المتأولون والعوام الجهلة ولكن لا يجوز لنا أن نقول بكفرهم فالذين أدركهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب هم المسلمون أنفسهم الذين تباكينا عليهم من هجمات الصليبيين والمغول والفرنجة في الأندلس ... أما على كلام الشيخ فلا داعي للبكاء لأن هؤلاء مشركون متبعون غير دين الإسلام فلماذا البكاء؟! وهذا التكفير لم يكن يوجد عند الشيخ ابن تيمية ـ مع إيغاله في التكفير ـ فقد وجد في زمن يشبه زمن

الشيخ محمد من انتشار الجهل عند العوام وضعف العلماء في دعوة الناس إلى التوحيد الصافي لكن ضعف هؤلاء وجهل هؤلاء يبيح لنا وصفهم بالتقصير والإثم ويكفي أما أن نطلق عليهم الكفر فهذه عقيدة فيها غلو ظاهر.

زعم المالكي أن أتباع الشيخ أضل من الخوراج في التكفير لأجل فتاوى الشيخ

زعم المالكي أن أتباع الشيخ أضل من الخوراج في التكفير لأجل فتاوى الشيخ بل إن الخوارج أنفسهم في الأزمنة المتأخرة لا أظن أنهم كفروا العوام أو استحلوا دماءهم كما فعل أتباع الشيخ ـ بفتاوى منه ـ في العلماء والعوام. فسامحه الله وغفر له فقد زرع خيرا كثيرا وشرا مستطيرا، فأما الخير فقضاؤه على كثير من البدع والخرافات لكنه بالغ حتى وصل للغلو المذموم فخلط عملاً صالحا وآخر سيئاً ونرجو له المغفرة. الجواب: الضال يترك شرح الشيخ واستدلاله وبيانه للشرك والتوحيد ويبتر العبارات ويأتي بهذيانه. والشيخ هنا ذكر الشفاعة وأنها لا تكون إلا بعد إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له، وهذا المبطل يقول: هذا تكفير ضمني لكل من يرى التوسل بالصالحين وهم جمهرة علماء المسلمين وعامتهم، أنظر كيف يفتري، فالكلام هنا على الشفاعة صرفه الخبيث إلى التوسل بالصالحين، وقد تقدم ذكر التوسل. ثم إن هذا التهكم لا يصدر إلا من عدو لهذه الدعوة وأهلها، وعباراته تشبه عبارات إخوانه الذين سبقوه لإرضاء إبليس من أعداء الشيخ.

أما ما نقله هذا الدابة الخبيثة عن أخيه الذي قال: سيأتي نبينا - صلى الله عليه وسلم - وليس معه إلا نفر من أهل العيينه، فلْيعلم المالكي الضال أن أهل هذه الدعوة وشيخهم يزدادون ولله الحمد إيماناً وبصيرة بما هم عليه إذا سمعوا أو علموا سخرية أعداء التوحيد وقد قال تعالى: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وإذا مروا بهم يتغامزون} ومعلوم أن لكل قوم وارث. أما زعمه أن الشيخ حرّم الشفاعة على غير أتباعه، الذين سماهم الموحدين. فأولاً الشيخ ليس له التحريم والتحليل فهذا لصاحب الشرع، وقد حرّم الله ورسوله الشرك ومنه اتخاذ الشفعاء من دون الله، وقد قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وهو سبحانه لا يرضى باتخاذ الوسائط لطلب الشفاعة. والشيخ وأهل دعوته يدعون إلى دين الإسلام الذي دعا إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ذُكر لهم في مشرق الأرض أو مغربها من هو على دين الإسلام لم يُغيّر ولم يُبدل لأحبوه وَوَالَوْه وعلموا أنه على الحق والصراط المستقيم. أما حَصْرهم بالعييْنة والدرعية فهذا ممن هان عليه الافتراء. أما إنك يا باهت لم تنتبه لِلَوازم كلام الشيخ فلو انتبهت

حقيقة لرأيت الحق الأبلج بكلامه وبلوازم كلامه لأن الحق لازمه الحق ولله الحمد وهو قائم به. ويكفيك شراً خيانتك في بتر كلامه المبيّن لمراده وإنما الذي سوف يُمَحّص إن شاء الله ويظهر انحرافك ولَوَازمه حيث ظهرت موالاتك للمشركين ودفاعك عنهم وتصحيح الشرك وعداوة أهل التوحيد وهذا لا يصدر إلا ممن هو منهم. قال سليمان بن سحمان رحمه الله في مثل هذا الضال: فصار من هؤلاء المشركين من يُكفّر أهل التوحيد بمحض الإخلاص والتجريد وإنكارهم على أهل الشرك والتنديد، فلهذا قالوا: أنتم خوارج، أنتم مبتدعة. كما أشار العلامة ابن القيم إلى مثل الحال بقوله: مَن لي بِشِبْهِ خوارج قد كفّروا ... بالذنب تأويلاً بلا إحسان ولهم نصوص قصّروا في فهمها ... فأُتوا من التقصير في العرفان وخصومنا قد كفّرونا بالذي ... هو غاية التوحيد والإيمان ثم قال ابن سحمان رحمه الله: وهذا الرجل قد أخذ طريقة من يُكَفِّر بتجريد التوحيد، فإذا قلنا: لا يُعبد إلا الله ولا يُدعى إلا هو ولا يُرجى سواه ولا يتوكل إلا عليه، ونحو ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله وأن من توجّه بها لغير الله فهو كافر مشرك قال: ابتدعتم وكفّر تم أمة محمد، أنتم خوارج، أنتم مبتدعة. ثم ذكر قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن أشرك بالله، قال:

من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً. إنتهى. (¬1) إما قوله عن ابن تيمية: (مع إيغاله في التكفير)، فهذا أيضاً انتقاد منه لابن تيمية مع أنه دائماً يذكر إقامة الحجة ويستثني في التكفير الأمور الخفية حتى تقوم الحجة وكأن هذا الضال لا يريد أن يُكَفَّر أحداً ولا من كفَّرهم الله ورسوله، ويقول: (فهذه عقيدة فيها غلو ظاهر). مع أن المعلوم من الشيخ محمد رحمه الله الدعوة والبيان وإقامة الحجة وهذه مؤلفاته ورسائله شاهدة بذلك، أما أن يُخطئ غيره فيُحمَّل هو الخطأ فمعلوم أن هذا ظلم. ¬

_ (¬1) الدرر السنية 3/ 276.

اتهام المالكي الشيخ بأنه زرع شرا كثيرا

اتهام المالكي الشيخ بأنه زرع شراً كثيراً أما أن الشيخ زرع شراً مستطيراً فكذبت ونقول: {سبحانك هذا بهتان عظيم} وأنت مَنْ تكون حتى تُقَيِّم الشيخ ولوْ عرفت قدْرك لما تعدّيت طوْرك، والشيخ محمد نعمة من الله ورحمة لأهل هذه الجزيرة وغيرهم ممن نفعهم الله بدعوته وقد زرع خيراً كثيراً وأزال شراً كثيراً فقدّس الله روحه من إمام ورضي الله عنه وقطع الله دابر من شنأه لأنه شانؤٌ للحق، وله نصيب من قوله تعالى: {إن شانئك هو الأبتر}. ولا عجب من جرأة المالكي هذه ووقاحته فهو وارث أسلافه وإخوانه ممن شَرقوا بهذه الدعوة من خفافيش الأبصار الذين بهرهم نورها، وقد دَمْدَمهم عن آخرهم علماؤها وحماتها الأبطال، ومن أواخرهم سليمان بن سحمان رحمه اله سوف أنقل هنا أبياتاً من قصيدة طويلة في ردّه على مسمى شرف نزيل البحرين، وقد وصفه الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله بأنه: أخذَتْه الحمية لأخدانه، واحتملته العصبيّة الوَبيّة لإخوانه، يعني مثل المالكي الضال الذي يعيب هذه الدعوة لينصرف الناس عن

كتبها قال في ردّه عليه: يُحذّر الناس كي لا يسمعوا كُتباً ... تدعو إلى الله مَن قدْ نَدَّ وانصرفا تدعو إلى الحق والتوحيد ليس إلى ... أوضاع جهم وتأويلات مَنْ صدفا ولا إلى الكفر والإشراك حيث غلا ... في الصالحين أناسٌ فيهموا شَغَفا فيهنّ نور الهدى كالشمس شارقة ... ما شابها الزور يوماً أو أتت جنفا تحمي حمى معشر بالحق قد صدعوا ... عن إفك قوم طغام قدْ أتوا سرفا كما تعيب أناساً قدْ بَغَوْا وطَغَوْا ... لم يعرفوا الحق لما أن بدا وضفا وقال فيها يردّ على هذا الوغد المشبه للمالكي: لو كان يعلم هذا الوغد حيث غوى ... ما قدْ جناهُ لأبدى اللهْفَ والأسفا وسوف يلقى غداً إن لم يتب ندماً ... وغِبّ ما قد جنى من شؤم ما اقترفا يذم أهل التقى والدين من سَفَهٍ ... ومن شقاوته لما ارتضى السرفا يذم من أظهر التوحيد وانتشرت ... أنواره وعلَت من بعد ما انخسفا والناس في ظلمة من قبل دعوته ... لا يعرفون من الإسلام ما انكشفا وبان بل ظهرت أعلامُه وعَلَتْ ... لله دَرّ إمام أظهر الشرفا والناس في غمْرةٍ في الجهل قدْ غرقوا ... وفي الضلالة قد هاموا فوا لهفا على أناس وأقوام قد انهمكوا ... لم يعرفوا الحق لَمّا أن بدا وضفا والله لو كان يدري عن جهالته ... ما فاه بالزور يوماً أوْبِهِ هَتَفا والله لو كان يدري عن غباوته ... ما اعتاض عن ساطع التوحيد ما انْكسفا والله لو كان يدري عن حماقته ... لم ينتصب جهرة بين الورى هدفا بل سوّلت نفسه أمراً ففاه به ... وقام منتصراً للكفر مُنْتصفا

كقول هذا الغوِيّ المفتري كذباً ... إنا خوارج هل يدري وهل عرفا ما قالت الفئة البُعْدى التي مَرَقَتْ ... لما غلت وتعدّت طورها سرفا أم كان فَدْماً جهولاً كاذباً أشراً ... ما نال علماً ولا حلماً ولا شرفا إن الخوراج قوم كفَّروا سَفَهاً ... من قد أتى بذنوب هفوة وجفا فكَفّرتْ أمة التوحيد عن عَمَهٍ ... عن رؤية الحق إذ لم تعرف النّصَفا وخَلّدتْ في لظى بل أنكرت سَفهاً ... شفاعة المصطفى ويل لمن صدفا والحق كالشمس لا تخفى دلائله ... إلا على جاهل بالعلم ما اتصفا لكننا نحن كفّرنا الذين غَلَوْا ... في الدين وانتحلوا الإشراك والسرفا وأشركوا الأنبيا والصالحين ومن ... يدعونه غير ربي جهرة وخفا فيما به الله مختصّ من يدعو وليجته ... في ذاكَ شرك فهل كنا وهم أُلَفا إنْ كان تكفير من يدعو وليجته ... مع المهيمن من يدعونه الحُنفا رأي الخوراج كالقوم الذين غلَوْا ... في الدين وانتحلوا الإشراك والجنفا فقد كفانا العنا من رَدّ شبهته ... إذْ كان ليس بذي عِلم ولا عرفا ولا اعتنى بعلوم الناس حيث غدوا ... في دينهم شيعا قد خالفوا السلفا وأن أمتنا حقاً قد افْترقتْ ... سبعين زادتْ ثلاثاً ليس فيه خفا وأنها كلها في النار داخلة ... إلا من اسْتَنّ بالمعصوم والخُلفا والآل والصحب حقاً وهي واحدة ... قد صَحّ هذا عن المعصوم مَنْ شرُفا

ثم قال الضال: وبعض الأخوة يقول: كيف ننقد منهج الشيخ وبفضله ـ بعد فضل الله ـ كان هذا الوطن المسلم الكبير. نقول: هذا لا شك مما يشكر عليه الشيخ عند الله ـ إن شاء الله ـ والناس فربما لولا دعوته وقتاله للمسلمين لما توحدوا في الخليج إلى البحر الأحمر ومن جنوب الشام إلى اليمن لكن جمال النتيجة لا يعني صحة المقدمات فالنتائج قد تكون صحيحة مع بنائها على مقدمات ناقصه ـ وهذا يعرفه أهل المنطق ـ. الجواب: أما المنطق الذي حكّمته فهذا يليق بك وبأمثالك، وليس المنطق من علوم أهل الإسلام حتى يُحكّم في قضاياهم، {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}. أما قولك: جمال النتيجة لا يعني صحة المقدمات فإذا اتنزلنا معك لمنطقك وهو أن النتائج قد تكون صحيحة مع بنائها على مقدمات ناقصة. فيقال: أولاً لا نسلّم لك أن المقدمات ناقصة لأن الدعوة إلى التوحيد الذي هو أصل دين الإسلام كيف يقال عنها يا ناقص إنها ناقصة؟ والدعوة إلى التوحيد وإبطال الشرك والتنديد هو المقدمة والأصل الذي قامت عليه هذه الدعوة، وهو غاية

الكمال. ثانياً: لا نسلّم لك أن النتائج تكون صحيحة وهي مبنية على مقدمات ناقصة إذا كانت في أمور الشرع فقد قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: من عبدَ الله بجهل كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح. ومعلوم أن أفضل العبادة الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وهو ما قام به الشيخ محمد رحمه الله. وكيف تكون مقدماته ناقصه أيها الناقص مَنْ أصل دعوته ومدارها على كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)؟ ورحم الله سليمان بن سحمان حيث قال في رده على مثل هذا الفَدْم: فهذا مقال الفَدْم لا دَرّ درّهُ ... كما هو معلوم من الشرح مُسْتَبْدِ وكان لَعَمْري سامجاً متناقضاً ... فتباً لمن يُبدي من الغيِّ ما يُرْدي فلست على نهج من الدين واضحاً ... ولست بذي علم ولست بذي رُشْد ويا للعجب من بهتان وافتراء هذا الضال المضل كيف يقول عن الشيخ محمد: (وقتاله للمسلمين)؟ لقد هان عليه البهت والكذب وقحّم نفسه المهالك {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}. ثم إن الضال ذكر كلاماً طويلاً يُشَبِّه به ويغرّ أمثاله من الطغام، وساق أمثلة منها قوله: وكذلك لو قام أحد الخوارج وكوّن دولة فإن حُسْن النتيجة لا يعني حسن المنطلقات. وهذا مثلما لو قام أحد

الحكام بقتل السارق بدلا من قطع يده فلابد أن تقل السرقة وعندئذ يأتي المثني على هذا الحاكم يصف النتيجة الجميلة من قلّة السرقة أو انعدامها .. ولكن فعل الحاكم هنا خلاف النصوص الشرعية ولا بد يوما ما أن يكون لفعله هذا آثار سلبية لأن شريعة الله كاملة وليس فيها حكم شرعي إلا وهو وسط بين تطرفين. وكذلك قتال المسلمين لا يجوز لمجرد وجود بدع وخرافات لأن القتال لا يجوز إلا بنص شرعي أما بلا نص فارتكابه أسوأ من تلك البدع والخرافات. والشيخ محمد رحمه الله ربما لو لم يقاتل المسلمين واكتفى بمراسلة العلماء يحثهم على الدعوة إلى الله ربما لو فعل هذا لتجنبنا مآسي التكفير المعاصر الذي يعتمد على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة في تكفير المسلمين!!. وإن كان سيد قطب قد وجد في متشابه كلامه ما يوحي بالتكفير فإن الشيخ محمد وجد التكفير صريح كلامه لا متشابهة!! إنتهى. الجواب: ذكر الضال في نقضه الخوارج في مواضع يشبّه أهل هذه الدعوة بهم، وانظر هنا تمثيله بالخوارج تعرف مراده. فيقال له: مخالفة الشرع مقدماتها ونتائجها باطلة، والشر لا يأتي بالخير، ومنطقك ليس هو مَرجع أهل الإسلام ولله الحمد وإنما

هو مرجع اليونان وأفراخهم. وكلامك مبني على بُهْتك وافترائك من جهة مقدمات ونتائج هذه الدعوة المباركة، وأنت تعيب المقدمات والنتائج وتُمثل بأمثلة يُمليها عليك الذي أغواك. وأردتَ أيها الخبيث بتمثيلك بقتل السارق وقلّة السرقة أو انْعدامها أن ذلك يشابه هذه الدعوة في أصلها حيث التكفير والقتل كما تزعم. ستدري إذا انجلى الغبارُ أفرسٌ تحتك أم حمارُ أما ما سمّيته: مآسي التكفير المعاصر فما وقع منه صواباً فهو حكم الله فيمن كفر، وما كان منه خطأ فما الذي جعلك تُحَمِّل الشيخ وزره أيها الظالم؟ والشيخ يُكفِّر ما كفّر الله ورسوله. ولما أخطأت الخوارج والقدرية والجبرية والجهمية والرافضة وغيرهم من طوائف الضلال أيُحَمّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوزارهم؟ أم أنك تخترع للبرءَاء العيب؟. وأهل هذه الدعوة وحاشا لله أنهم يقاتلون لمجرد وجود بدع وخرافات كما زعمت ولكن يكفِّرون ويقاتلون من أشرك بعد دعوته لكن أنت ترى الشرك بدعاً هَيِّنة، وأنت بارد القلب منها لا تهمك.

براءة الشيخ من تكفير المسلمين وقتالهم.

براءة الشيخ من تكفير المسلمين وقتالهم ورحم الله سليمان بن سحمان حيث قال في رَدّه على سلف هذا الضال: فما قتل الشيخ الإمام محمد ... لملتزم الإسلام ممن على العهد ولكنما تكفيره وقتاله ... لِعبّاد أوثان طغاة ذوي جحد فقاتل من قدْ دان بالكفر واعتدى ... وكفّ أكفّ المسلمين ذوي الرشد عن المسلمين الطائعين لربهم ... ولم يشركوا بالواحد الصمد الفرد وهَبْ أن هذا قول كل منافق ... يصدّ عن التوحيد بالجدّ والجهد فما كل قولٍ بالقبول مُقابَلٌ ... فحقق إذا رُمْتَ النجاة لما تبدي فلا تُلْق للفسّاق سمعك واتّئدْ ... ففيه وعيدٌ ليس يخفى لذي النقد وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالته إلى أحمد التويجري بعد كلام سبق: بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نُكَفِّر من أشرك بالله في إلهيته بعدما تبين له الحجة على بطلان الشرك، وكذلك نُكفّر من حَسَّنه للناس أو أقام الشّبَه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يُشرَك بالله

عندها وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها. وقال رحمه الله في رسالته إلى السّويدي البغدادي: وما ذكرتَ أني أُكَفِّر جميع الناس إلا من اتبعني وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة فيا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل، وهل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟ إلى أن قال: وأما التكفير فأنا أكفّر من عرف دين الرسل ثم بعد ما عرفه سَبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفّره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، إنتهى. (¬1) وقد افترى هذا الضال على الشيخ محمد في تكفير المسلمين كما زعم وقتالهم ولأنه لا يعرف التوحيد فلذلك لم يعرف الشرك الموجب للقتال، والشيخ لم يأت بجديد. قال ابن تيمية رحمه الله: كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين. انتهى. (¬2) فهذا اتفاق الأئمة. والتوحيد الذي يقاتل على تركه الشيخ محمد أعظم شرائع الإسلام الظاهرة. وذكر ابن تيمية التتار وقتالهم والخوراج وقتال علي رضي الله عنه لهم وذكر مانعي الزكاة وقتال الصحابة لهم، وأبلغ من هذا ¬

_ (¬1) تنبيه ذوي الألباب السليمة ص121. (¬2) الفتاوى 28/ 510.

أهل الطائف ذكر رحمه الله أن قوله تعالى نزلت فيهم: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} قال: وهذه الآية نزلت في أهل الطائف لما دخلوا في الإسلام والتزموا الصلاة والصيام لكن امتنعوا من ترك الربا فبيّن الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا من الربا، ثم قال: فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف بمن يترك كثيراً من شرائع الإسلام، انتهى. (¬1) وإذا كان هذا في الربا فكيف بالشرك الذي يقاتل عليه الشيخ محمد؟ لا شك أنه أعظم. ¬

_ (¬1) الفتاوى 28/ 541.

تخطئة المالكي للشيخ وإلزامه ذلك.

تخطئة المالكي للشيخ وإلزامه ذلك ثم قال المالكي الضال ص16: وهذا يدعونا لنقد عبارات الشيخ مع الاعتراف بفضله علينا لكن الضرر من دعوته موجود أيضاً والمشكلة الكبرى عندنا أن فتاوانا اليوم في التكفير تخالف الشيخ تماماً لكننا بخبر الناس على الإيمان بفتاوى الشيخ التكفيرية والإيمان بفتاوانا!! وهذا جمع بين المتناقضات. ولو أننا قلنا: الشيخ اجتهد فأخطأ لزال كل هذا التناقض. والمجتمع السعودي علماؤه وطلاب العلم فيه تربى على فتاوى الشيخ كانوا يميلون لتكفير المسلمين. ومن قرأ (الدرر السنية) عرف هذا تماما بل في هذا المؤلف مجلدان كبيران بعنوان (الجهاد) وكله في جهاد المسلمين ليس فيه حرف في جهاد الكفار الأصليين من اليهود والنصارى مع أن بلاد المسلمين المجاورة كان فيها كفار أصليون. الجواب: الحقيقة أنا في زمن نُطْق الرّويْبضة وإلاّ لما تصدّرت أنت وأمثالك، ونقدك لعبارات الشيخ يزيدها حسناً إذْ إنها إذا قُورنَتْ بنقدك تميز الدرّ من البعر.

أما قولك: ولو أننا قلنا: الشيخ اجتهد فأخطأ لزال كل هذا التناقض. فنقول: هذا الذي تريد أنت وهذا مطلبك وهذه أمنيتك ونقول لك: إخْسأ ولن تعْدو قدْرَك، والذي يقول: إن الشيخ اخطأ فيما ذكرت بنقدك فهو زائغ مثلك. أما ما في الدرر السنية فهو الشمس تُغطيها بكفِّك لئلا يراها الناس فاسْتمر رافعاً يدك تغطي نور الشمس واستمر في خيالك الشيطاني، وإنك لتُضحك عليك العقلاء. كيف تقول أيها الأفّاك إن كتب الجهاد في الدرر السنية كلها في جهاد المسلمين وليس فيها حرف في جهاد الكفار الأصليين في اليهود والنصارى نقول: {سبحانك هذا بهتان عظيم} والحمد لله أن الدرر منتشرة بين الناس يعلمون منها يقيناً عظيم بهتك وافترائك، ولقد ساء حظ من اقتدى بك، ولو إن الموضع يحتمل الإطالة لنقلت هنا كلام الشيخ محمد وعلماء هذه الدعوة في الجهاد مما به يظهر كذبك وافترائك، والحمد لله فالدرر السنية ظاهرة غير خفيّة وفيها ما يُدمْدمك وأمثالك ويجعلك عبرة لمن يعتبر. وقد اتضح وافتضح جعلك المشركين مسلمين. الحق أبلج ما تخون سبيله والصدق يعرفه ذووا الألباب

اتهام المالكي الشيخ وافتراؤه عليه

اتهام المالكي الشيخ وافتراؤه عليه قال المالكي الضال: قوله ص 36: (فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل وما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها فهذا يكذبه القرآن .. ). أقول: عبادة الأصنام هي السجود لها والصلاة لها وطلب الحوائج منها مع الكفر بالنبوات .. وأما المسلم فلا يصلي لولي ولا نبي ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان. ثم في كلام الشيخ تعميم عجيب عندما قال ص37: (الشرك هو فعلكم عند الحجارة والبنايات التي على القبور وغيرها .. ) وذكر أنهم (يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته .. ) فوجود مثل هذا نادر وهو إلى اليوم فلا زال بعض العوام في مناطق مختلفة وهذا لا يعني كفر الناس بل لا تخلو منطقة من وجود أفراد يعتقدون في السحرة والكهان لكن هذا لا يعني تكفير الناس الذين لا يفعلون هذا وهم الكثرة. ويظهر من كلام الشيخ محمد أنه إن علم بحادثة في الحجاز أو عسير أو سدير فرح بها ليتخذ هذا حجة في تكفير وقتال تلك

الجهة كلها. وهذه حجة من يرى أن الحركة سياسة بالدرجة الأولى؛ لأنه لا يعقل أن يكون أهل الحجاز على إجازة الذبح عند القبور والاستشفاع بأصحابها .. فهذا لن يكون إلا في أفراد. انتهى. الجواب: لابد من ملاحظة أن المالكي الضال المضل يقتطع جُملاً من كلام الشيخ في الكشف مقطوعة عما قبلها وما بعدها لأنه لو ساق كلام الشيخ بدون هذا التلاعب لخاف من الفضيحة، وهذا التصرف دال على خيانته وأن زيْغه لا يروج إلا بالبهرجة. وحَصْره عبادة الأصنام بما ذكر يدل على جهله فليس لازم عبادة الأصنام السجود والصلاة ولا الكفر بالنبوات. فالشرك يحصل بما ذكر وبغيره من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله المنفيّة بشق كلمة التوحيد الأول (لا إله). إن من طلب الشفاعة من الميت أومن الصنم فهو مشرك كافر ولو لم يسجد ولا يصلي للقبر والصنم وهو مؤمن بالنبوات، ومن دعا أو نذر أو ذبح للصنم أو للقبر ولو كان لا يصلي إلا لله ويؤمن بالنبوات فهو مشرك كافر. أما قوله: وأما المسلم فلا يصلي لولي ولا نبي ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان. يقال: إذا فعل مُكفّراً أو قاله خرج من الإسلام ولو اقرّ

بأركان الإسلام والإيمان. ويقال لهذا الضال: إعلم أن مخاصمتك لأهل السنة قاطبة لأن الشيخ محمد وأهل دعوته ما أتوا بجديد. ثم إن الضال يُلزم الشيخ أنه يُكفّر بالعموم وقد تقدم ما يبين فِرْيته. أما أن هذه الدعوة سياسة يعني ليست دينية فو الله إن من عرفك مما كتبت من مذكراتك خاصة تعرّضك للصحابة في كتابك (قراءة في كتب العقائد) لا يسْتنكر ولا يتعجب أن تقول هذا الكلام العظيم وأعظم منه، فخبثك ظاهر، وخذلانك لك قاهر، وسوف تعلم {يوم تبلى السرائر}. ولا عجب منك أن ترى أن لمن زعم أن هذه الدعوة سياسية حجة لأنك تحوم مع الغِربان كما قال الشيخ عبد اللطيف رحمه الله في ردّه على البولاقي. يحوم مع الغِربان يطلب رشده وقد ضَلَّ من كان الغراب له يهدي وإذا كانت هذه الدعوة سياسية فأي دعوة دينية نؤمن بها؟ لقد وَرِثْتَ إخوانك خصوم هذه الدعوة فما زلت تتهم وتبهت وتفتري وتُشكك {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}. ولينظر القارئ إحالة خصومات ومنازعات أهل السنة مع مخالفيهم في العقيدة إلى أمور سياسية في كلامه الذي في نسخة (ملامح جهمية) المرفق.

وهذا الضال لا يعرف الشرك الذي يتكلم عنه الشيخ محمد قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: والشرك جعل شريك لله تعالى فيما يستحقه ويختص به من العبادة الباطنة والظاهرة كالحب والخضوع والتعظيم والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والنسك والطاعة ونحو ذلك من العبادات، فمن أشرك مع الله غيره في شيء من ذلك فهو مشرك بربه، قدْ عدل به سواه وجعل له نداً من خلقه، ولا يشترط في ذلك أن يعتقد له شركة في الربوبية أو استقلالاً بشيء منها. انتهى. (¬1) ثم قال الضال: قوله ص39: (ويصحيون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب}. أقول: هذا يتضمن تكفير المخالفين له في الرأي الذين لا يقولون هذا القول أبدا. الجواب: مازال يُردد هذيانه ويُلزم الشيخ ما هو بريء منه، وانظره هنا بقول: (المخالفين له في الرأي الذين لا يقولون هذا القول أبداً)، فهو يجادل عن المشركين ويجعل كلام الشيخ رأياً يراه وليس هو حقيقة دين الإسلام. ¬

_ (¬1) تحفة الطالب والجليس، ص64.

ولقد ترك الخبيث كلاماً كثيراً قبل هذه العبارة يُوضح كلام الشيخ لكن هو قد تعوّد الخيانة والغش فيترك قبل كلام الشيخ وبعده ما يبين مراده ويوضح الحق وما أراده. قال المالكي الضال ص18: ويقول ص39: (فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد) هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن وقاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس عليه فاعلم أن شرك زماننا بأمرين). أقول: وهذا تكفير صريح للمسلمين في زمانه من كان على منهجه. ويقول ص43: (الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصح عقولا وأخف شركا من هؤلاء). أقول: تكفير صريح. يقول ص43: (اعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم فأصغ بسمعك لجوابها وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحرا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك)؟!. فيجاوب الشيخ قائلاً (فالجواب أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء وكذبه في

شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه كمن أقر التوحيد وجحد وجوب ال صلاة .. (ثم ذكر صورا من هذا) .. فإن كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقا وأنه يستحق ما ذكر زالت هذه الشبهة). أقول: كلام الشيخ عجيب فهو لا يفرق بين المنكر لشيء مما جاء به الرسول متعمداً ممن ترك بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - متأولاً هذا أمر. انتهى. الجواب: مازال يكرر مسألة التكفير ليروِّج اللبس والتزوير، وهنا يتهم الشيخ بأنه لا يُفرق بين المتعمد والمتأول وكلام الشيخ لا يدل على هذا وإنما افتراه هذا الضال من عنده. وكثير من كلامه افتراء على الشيخ ظاهر لا يحتاج إلى بيان، وأيضاً فإنه يكرر الاتهامات ويختلق التزويرات. وقد تقدم مراراً رَدّ مثل هذا. ثم قال الضال في ص19: الأمر الثاني: لم ينكر هؤلاء شيئاً معلوما من الدين بالضرورة كالأمثلة التي ضربها الشيخ من ترك الصلاة أو ترك الزكاة أو الحج أو الإيمان ببعض القرآن والكفر ببعض .. الخ. الأمر الثالث: لو رجع الشيخ لكتاب (رفع الملام) لابن تيمية لعرف عذر المخالفين فقد لا يثبت عندهم أمر يجوز له والحالة هذه

أن يقول: هم ينكرون ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ لأنهم متأولون. وقد يكون الحق معهم في عدم ثبوت ذلك الشيء. وكذلك لم يراع الشيخ الجهل فالجهل بالشيء يمنع من إطلاق الكفر على الجاهل. الجواب: بما أن هذا الضال الملبّس يبتر كلام الشيخ ليتحكم فيه بهواه وزيْغه فلذلك لا يظهر مراد الشيخ بكلامه، وهذه الحرْفة التي احترفها هذا المبطل تدعو للعجب من فعل الهوى بأهله. كيف يقول إن هؤلاء لم ينكروا شيئاً معلوماً من الدين وهم ينكرون التوحيد؟ وانظر كلام الشيخ يظهر لك المعنى جليّا. قال رحمه الله: ويقال أيضاً: إذا كنت تُقرّ أن من صدّق الرسول في كل شيء وجحد وجوب الصلاة فهو كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقرّ بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وكذّب بذلك كله ولا يجحد هذا ولا تختلف المذاهب فيه، وقد نطق به القرآن كما قدمنا. فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج. فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذه الأمور كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله ما أعجب هذا الجهل. انتهى.

هنا يتبين مراد الشيخ رحمه الله وأن دَنْدنته كلها على التوحيد حيث هو الأصل، وهذا لا يعرف التوحيد. أما كلام ابن تيمية في (رفع الملام) فهو حوْل ما يخفى على بعض الأئمة مما لم يبلغهم فيه علم في أمور الأحكام ونحوها، وهذا شيء غير ما يتكلم فيه الشيخ محمد إذ إن كلامه من أوله إلى آخره في كتابه العظيم (كشف الشبهات) على التوحيد وما ينقضه ويفسده من الشرك. أما قوله: لم يراع الشيخ الجهل فكَذِب محض ومؤلفات الشيخ ورسائله فيها بيان ذلك. قال الضال ص20،21: قوله ص4: ـ وكرر نحو هذا ص57 ـ (هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا ببني حنيفة وقد أسلموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويصلون ويؤذنون فإن قال: إنهم يقولون إن مسيلمة نبي، قلنا: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلا إلى رتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابيا أو نبيا في مرتبة جبار السموات والأرض .. ). أقول: هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة: الأول: بنو حنيفة عندما ارتدوا ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركو أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأوامره عامدين وقد لقوا

النبي - صلى الله عليه وسلم - وقامت عليهم الحجة (جاء وفدهم عام 9هـ). وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو هكذا يظنون ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يوصلونه لهذا فضلا عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل فهذا لم يحدث على مر التاريخ. والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان أو حلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أو حلف بالكعبة أو غلا في أحد من الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك. بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده بحجة أنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثا صحيحاً أو آية كريمة .. وعلى هذا تأتي وتقول: هؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون ... الخ. فهذا منهج خاطئ والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين. الجواب: كذب الضال فبنو حنيفة لم يرتدوا مطلقاً عن كل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولذلك يقولون في أذانهم: (أشهد أن محمد ومسيلمة رسولا الله)، وقصتهم مدوّنه في كتب أهل السنة ومشهورة. والمالكي مازال يتكشف جهله وعدم معرفته بالتوحيد وأنه يخوض بكل واد وهو أضل من الحمار، وانظره هنا يعلّل الشرك

بأنه محبة الصالحين ويهوّن أمر المشركين وشركهم. ويقول إنه لم يحدث على مَرّ التاريخ يعني رفع رتبة المخلوق في مرتبة الخالق. لقد كان في السكوت ستر للجاهل لكن يأبى الله إلا أن يفضح مثل هذا المفتري، فهو يحسب أن الشرك لا يكون إلا ممن رفع رتبة المخلوق إلى مرتبة الخالق بأن يقول: هو خالق أو رازق ونحو ذلك، وليس مراد الشيخ هذا وإنما هو يبين الشرك وأن من قصد المخلوق بأي نوع من أنواع العبادة التي هي محض حق الله فإنه معتقد فيه الاعتقاد الذي لا يصلح إلا لله وهذا هو الشرك وهو يتأتّى ممن يعظم الله ويصلي ويصوم ويزكي ويحج ويشهد الشهادتين لأن الشأن فيما قام بقلبه لهذا المخلوق. ولأن العبادة بأنواعها إنما تصدر عن تألّه القلب محبة وخوفاً ورجاء، وهذا إنما يتحرك بالقلب نتيجة الاعتقاد. أما أن الشيخ يُلزم بأشياء لا تلزم فكذبت ومن بحث عن رزقه عند أحد بالطرق المباحة فما ظلم. أما إن بحث عن رزقه باتخاذ الوسائط يدعوهم ويرجوهم فهذا مشرك. أما من حلف بالنبي أو بالكعبة فهذا شرك أصغر ولم يُكفّر الشيخ أحداً بهذا. أما من غلا بأحد من الصالحين فهذا فيه تفصيل فإن كان غلوه فيه أن يعتقد فيه مالا يليق إلا بالله أولا يقدر عليه إلا الله

فهذا شرك أكبر سواء دعاه أولم يدعه. أما الغلو بزيادة محبة وإطراء من غير اعتقاد فهذا ليس بكفر ولكن صاحبه على خطر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغلو. والشيخ محمد رحمه الله حَذّر من الغلو في كتاب التوحيد، أما من يغلو بالشيخ محمد أو غيره فأهل هذه الدعوة ولله الحمد ينكرون ذلك عليه لكن أنت تقصد أن من لم يوافقك على تخطئة الشيخ في أمر الشرك والمشركين غالٍ بالشيخ فَمُتْ بغيظك، وإلا فالمعلوم ولله الحمد الذي لا يختلف فيه اثنان من أهل هذه الدعوة أن من رفع أبا بكر رضي الله عنه إلى مقام الرسول فهو كافر ومن رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مقام الرب سبحانه أنه كافر، كيف بالشيخ محمد؟. قال الضال في نقضه ص21،22: يقول ص49 وكرر نحو هذا ص58: (ويقال أيضاً الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار كلهم يدعون الإسلام وهم من أصحاب علي وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما؟ فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟.

أقول: الذين حرقهم علي ـ إن صح التحريق ابتداء (¬1) ـ هم مرتدون لا يدعون الإسلام كما ذكر الشيخ ولم يصح ما اشتهر في كتب العقائد من أنهم كانوا يؤلهون عليا إنما صح في البخاري أنهم مرتدون أو زنادقة (اللفظان وردا في البخاري) وإن صحت الرواية التي فيها أنهم اعتقدوا في علي الأولوهية فالحجة على الشيخ أعظم لأنهم بهذا لا يدعون الإسلام وإنما جعلوا عليا إلها وهذا كفر بإجماع المسلمين وبالنصوص الشرعية. ثم نرى الشيخ اختار أنهم (اعتقدوا في علي مثل اعتقاد الناس في شمسان ... ) وهذا لم يرد مطلقا بمعنى لم يرد في روايات الذين حرقهم علي أنهم يغلون فيه فقط ذلك الغلو المقترن بالإقرار بأركان الإسلام وإنما تركوا الإسلام يبدو أنه يريد أن يوهمنا أن هؤلاء الذين قتلهم علي كهؤلاء الصوفية الذين يخلطون عباداتهم بنوع من الغلو والتوسل بالصالحين وما إلى ذلك وهذا غير صحيح. انتهى. الجواب: مراد الشيخ هنا من القصة الاعتقاد وأن من اعتقد بمخلوق مالا يصلح إلا للخالق مما يوجب التشريك في العبادة أنه مشرك. ¬

_ (¬1) تحريق علي للغالية ثابت وهو في صحيح البخاري. فكيف يقول: إن صحّ التحريق ابتداء.؟

ولذلك قال الشيخ بعد الكلام السابق مما يوضح مراده قال: أتظنون أن الصحابة يُكفّرون المسلمين؟ أتظنون أن الاعتقاد في (تاج) وأمثاله لا يضر والإعتقاد في علي بن أبي طالب كفر؟. والشيخ رحمه الله يبين مراده أحسن بيان وأوضحه لكن هذا الحاقد يبتر كلامه بتراً لا يتأتى منه معرفة المراد فيتوهّم الجاهل أن الشيخ يُجْمل الكلام ويختلقه ليُصحح نِحْلة قد أحدثها وابتدعها. والشيخ ليس يُوهمنا كما زعمت بل كلامه صريح واضح، وإنما أتت صاحب التوهم واللبس والتزوير فمن توهيمك وتزويرك أنك هنا وصفت المشركين الذين يتخذون الوسائط بأنهم صوفية يخلطون عباداتهم بنوع من الغلو والتوسل بالصالحين فأنت تُكذّب الشيخ جملة وتفصيلاً أنه كان يدعوا قوماً مشركين وأن خصومه الذين ضادّوه وعاندوه مشركون، مع أن هذا الأمر أكبر وأعظم من أن يُجحد ولكنك مكابر باهت. قال الضال في نقضه ص22: أيضاً قوله ص50 عن الفاطميين (بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس .. فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين).

إحالة المالكي لعقائد المسلمين إلى أمور سياسية

إحالة المالكي لعقائد المسلمين إلى أمور سياسية أقول: وهذا أيضاً غير صحيح فالحرب بين الأيوبيين والفاطميين حرب سياسية بحتة لا دخل للدين بها. وكانت البدع يومها في كل مكان في دولة بني العباس في العراق وفي مصر والشام و .. الخ كان الوضع كالوضع في عهد الشيخ محمد تماماً. وجاء صلاح الدين مددا للفاطميين من الأيوبيين ثم استولى. الجواب: المالكي يحيل اختلافات الأمة المتقدمة إلى أمور سياسية، وقصة بني عبيد القداح مشهورة في كتب أهل السنة وكفْرهم أشهر من أن يُذكر وفتاوى علماء المسلمين في تكفيرهم مثبتة في دواوين أهل السنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بني عبيد القداح: وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها أنهم كانوا منافقين زنادقة يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر. (¬1) وليس المراد في هذا الكتاب تتبّع كل ما يهذي به هذا الأرعن وإنما المراد كلامه على الشيخ محمد ودعوته. ¬

_ (¬1) الفتاوى 35/ 128.

وانظر بتره كلام الشيخ هنا ليحصل له اللبس فقد قال الشيخ بعد لفظة (بني العباس): (كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويَدَّعون الإسلام ويصلون الجمعة والجماعة)، وقد تقدم تشكيكه بدعوة الشيخ محمد أنها سياسية، فالمالكي وأضرابه يحيلون ما يُميّز عقيدة أهل السنة عن غيرهم من الفِرق إلى خلافات وصِراعات سياسية. كما زعم النقيدان صاحب المالكي أن فرق الخوارج والمعتزلة والمرجئة والأشاعرة والجهمية يقول: كانت تمثّل لي لغزاً مُحَيّراً فإذا هي نتاج صراع سياسي، فكل فريق سياسي يحتاج إلى سند فكري يحشد الأنصار ويُبرّر المواقف وينتصر فريق ويُهزم آخر فتتطور الآراء لتبرير ذلك وتنشأ آراء أخرى لتعزيز مواقف أخرى. وهكذا. وهنا سوف أنقل ما كتبته في (إلجام الأقلام عن التعرض للأئمة الأعلام) ردّاً على النقيدان وهو من طائفة المالكي والأرواح كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) والكلام هو: تأمل كيف أتى النقيدان بما لم تستطعه الأوائل، فعقائد الخوارج والمعتزلة والمرجئة والأشاعرة كلها نتاج صراع سياسي، وكذلك الجهمية كما سيأتي. إذاً على من يُقلّد النقيدان أن يُعرض عن كتب السلف التي فيها بيان عقائد هذه الفِرق وموقف أهل السنة منها ويتلقى ذلك من

مشكاة النقيدان الذي اعترض على السلف وازدراهم وعَزَى هذه العقائد إلى الصراع السياسي لا إلى الدين. وقد كان في عافية لولا أن الله لا يُخلي الكاذب من إظهار كذبه والصادق من إظهار صدقه. ترى من هو مبخوس الحظ سيء الإختيار الذي يُهْدر اعتقاد الأئمة وعلماء الأمة الذين كتبهم مملوءة من بيان شأن هذه الفِرق الضالة وعقائدها الفاسدة ويأخذ بجهالات وضلالات هذا المتمعلم؟. قال سليمان بن سحمان رحمه الله: فمن كان في حزب الضلال ونصْرهِ ... ستنجاب بالتحقيق عنا قساطله ومن نصر الإسلام كان مؤيَّدًا ... ومَن خذل الإسلام فالله خاذله (¬1) ¬

_ (¬1) القسطل: الغبار.

اتهام المالكي الشيخ

اتهام المالكي الشيخ قال الضال في نقضه ص22،24: قوله ص51: عن (باب حكم المرتد) في كتب العلماء بأنهم ذكروا في ذلك أنواعاً كثيرة (كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة ذكرها بلسانه دون قلبه أو يذكرها على وجه المزاج .. ). أقول: ليس كل ما ذكره هؤلاء صحيحاً هذا أمر. الأمر الثاني: أن العلماء في عهد الشيخ يعرفون الأبواب الفقهية التي فيها حكم المرتد ولم يقولوا باستباحة الدماء والأموال الجماعي الذي يفعله الشيخ وأتباعه وإنما يحكم على الشخص بمفرده بعد قيام الحجة عليه. أقول: أولاً: هم زعموا أنهم قالوها على سبيل المزح بينما الواقع أنهم يستهزؤون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والاستهزاء به - صلى الله عليه وسلم - استهزاء بالشريعة نفسها فهذا كفر وردة. ثانياً: لماذا يصدقهم الشيخ عندما زعموا أنهم إنما فعلوا ذلك للمزح؟ سبحان الله يكذبهم الله عز وجل في كتابه الحكيم ويسميهم مستهزئين بالله وبآياته وبرسوله، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكذبهم في ذلك في عذرهم لأنه ليس صدقاً ثم يأتي الشيخ رحمه الله فيقبل عذرهم الذي كذبهم الله فيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فأصبح عذرهم

صادقا عند الشيخ وأصبح كلام الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - غير مقبول في تكذيبهم. فيا لله كيف أصبح كذب المنافقين مصدرا أثر من مصادر العقيدة السلفية، فإنه لا يقتل أبدا وإنما يوبخ وينكر عليه فعله وهذا فيه نظر لأن هذا المستهزئ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أظهر التوبة والاعتذار والرجوع فهذا ظاهرهُ الإسلام والنبي - صلى الله عليه وسلم - مأمور بأخذ الناس بظاهرهم حتى وإن أبطنوا الكفر كالمنافقين. الجواب: يلاحظ هنا أنها سقطت من نقضه الصفحة رقم 23 والذي ظهر لي أنها كلها في قصة المستهزئين لأن صفحة 24 بدأت بهم فكأن الكلام ما يزال فيهم. والمراد اتهامه الشيخ رحمه الله باستباحة الدماء والأموال الجماعي يكرر هذا ويُلزمه الشيخ ضرورة وقهراً ولأن هذه الشبهة من أقوى الشبه في خيال خصوم التوحيد فإنهم لما سالموا الشيطان أرادوا من كل أحد أن يسالمه، وإنهم لما والَوْه فإن عدوهم من يعاديه. وقد تبين ولله الحمد أن الشيخ ليس كما يصف هذا المفتري، أما اعتراضه على الشيخ فلينشر جهله ويُعلنه، والذي ذكره الشيخ لا اعتراض عليه إلا من أحمق مثل هذا لا يدري ما يخرج من رأسه وإنما قُيِّض له أوْباشاً يصفقون له فطار بلا أجنحة. وإذا أراد الله حَتْفاً بنملةٍ أتاح لها جناحان فطارا بها

قال تعالى: {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} وإنه لمن المعلوم المسَلّم أن لكل حق جاحد ولكل نعمة حاسد. والمقصود أن هذا الحاقد آثار شبهة على الشيخ بأنه صَدّق المستهزئين والله قد كذّبهم وكأن هذا أغير على دين الله من الشيخ وأفقه منه، ولو كان فيه غيرة على الدين لما دافع عن الشرك والمشركين. فالشيخ رحمه الله لم يقبل عذرهم ولم يُهوّن أمرهم وقد قال في الكلام الذي لم يذكره المالكي قال رحمه الله: (قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح) فهو يقول: (ذكروا أنهم قالوها)، ولم يقل قالوها على وجه المزح، فهذه دعْواهم لا إقرار الشيخ لهم. أما الكلام الذي ذكر المالكي عن الشيخ أنه ذكر أن العلماء ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو يذكرها على وجه المزاح. فهذا شيء آخر لم يذكر الشيخ أنه أراد الذي حصل في غزوة تبوك وإنما نقل كلام العلماء في هذا الموضوع. كذلك يقال فإن الاستهزاء يجيء بصورة المزاح، فيصير من بابه، يعني أنه يكون مزاحاً بلا استهزاء ويكون استهزاءاً بمزاح. والعجب من هذا الضال يتهم الشيخ بالشدة على المشركين

والشرك وهنا يتهمه بالتهاون في شأن المستهزئين وهو في عماية في هذا وهذا. وانظر تعظيمه وتهويله يقول: فيا لله كيف أصبح كذب المنافقين مصدراً وأثراً من مصادر العقيدة السلفية؟. فالرجل يُريد العيب والطعن والسلب ولا يخشى العواقب كما أنه لا يُحسن التصرف.

جرأة المالكي على الصحابة رضي الله عنهم.

جرأة المالكي على الصحابة رضي الله عنهم ثم قال الضال في نقضه ص24: قوله ص53: (وقول ناس من الصحابة "اجعل لنا ذات أنواط" .. ). أقول: هؤلاء الذين قالوها ليسوا من أصحاب الصحبة الخاصة (الشرعية) وإنما هم الطلقاء قالوها يوم حنين وكانوا حديثي عهد بكفر. ثم في القصة دلالة على أن المجتمع لا يخلو من أناس يعتقدون الاعتقادات الباطلة فهذا مجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه من يعتقد مثل هذا كالطلقاء فهذا يدعو للرحمة بالناس وإرشادهم ولم يكفرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لجهلهم. الجواب: المالكي يريد أن يُسَمِّي من أسلم عام الفتح بالطلقاء ولا يقال الصحابة وله كتاب في هذا الموضوع سماه (الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية) أخرج فيه الطلقاء وهم الذين أسلموا عام الفتح من الصحبة الشرعية، وله تخبيط وخوْض في هذا الموضوع كغيره مثل زعمه أن (حكومة الطلقاء)، وهكذا يقول ويقصد معاوية رضي الله

عنه يقول: هم الذين لجأوا إلى تعميم الصحبة على كل من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -. ص25،27. ومن خوضه وجرأته وطعنه على الصحابة قوله في ص31: (وعلى هذا فلا حجة للذين يستدلون بهذه الآيات على وجوب السكوت عن دراسة التاريخ [يقصد بالآيات] مثل قوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}. وذِكر الظالمين بظلمهم والعادلين بعدلهم حتى يعرف الناس موْطن القدوة والتأسّي من السلف)، ص31. وقد أخرج خالد بن الوليد رضي الله عنه من الصحبة الشرعية ص44 وأخرج عمر وابن العاص رضي الله عنه من الصحبة الشرعية ص45. كما أنه يخرج معاوية رضي الله عنه من الصحبة الشرعية بل وقد ذكر من يلعنه ثم قال: وقد ذهب إلى جواز لعنه من العلماء المتأخرين محمد بن عقيل وهو عالم سُني في كتابه النصائح الكافية، ص51،55. وحتى ابن عباس رضي الله عنهما جاء بآثار فهمها على مراده ثم قال عن طاووس يبدو والله أعلم أنه لا يرى ابن عباس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع جلالته وقدْره. وقال بفهمه التالف في أثر لابن عباس قال: هذا دليل على أن

ابن عباس أخرج نفسه من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو دليل على خروج من أسلم بعده كالطلقاء وأمثالهم، ص53،54. وهو يُنكر تقييد العلماء الصحبة أن الصحابي كل من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على الإسلام، ويُنكر الإجماع على ذلك، ص59. أما تقسيمه الصحبة إلى شرعية ولغوية فلم يُسبق إليها وإنما أحدثها لمقاصد سوء منها الطعن بمعاوية رضي الله عنه وغيره من الصحابة كعمر وابن العاص رضي الله عنه وغيره. ثم إن الخبيث أطال الكلام وأكثر الخوض حتى بلغ به خبثه أن يقول: وأقول في الخلاصة: إذا لم نفصِّل في الموضوع فالقائلون بجرح الصحابة مطلقاً ستكون أدلتهم أقوى للأسف. انتهى. فتأمل نتائج بحث هذا الخبيث واحمد الله على العافية، ومن جرح الصحابة مطلقاً فهو مكذب للقرآن وللرسول. واتهم ابن تيمية بأنه فيه انحراف في الجملة عن علي وميْل لمعاوية. قال: ابن تيمية مع فضله وعلمه إلا أنه يجب أن نعرف أنه شامي، وأهل الشام فيهم انحراف في الجملة عن علي بن أبي طالب وميْل لمعاوية وبقي هذا فيهم إلى الأزمان المتأخرة اليوم ص74. ويقول الخبيث: والغريب أن بعضهم كابن تيمية سامحه الله يُورد مثل هذه النصوص العامة ويعتبرون القادح في الصحابة قادح في الكتاب والسنة، ويقصدون بالصحابة غالباً المتأخرين منهم كمعاوية وعمرو وأمثالهم بينما يسكتون عن طعن النواصب

في علي ولعنهم له والدليل على ذلك أنهم يذمون الرافضة ولا يذمون النواصب عند إيراد هذه الأحاديث ص79،80. وأنا ذكرت أقواله هكذا لأن هذا ليس موضع الرد عليه في ذلك ولعلمي أن كل مؤمن يعلم فساد كلام المالكي وضلاله، وهو قال في ابن تيمية ما قال لأجل كتابه رحمه الله العظيم (منهاج السنة) الذي لم يُكتب في موضوعه مثله، ومن شاء فلينظره ليعرف كلام ابن تيمية في علي رضي الله عنه ويعرف بُهت هذا الباهت. والذي ذكرته إشارات من كتابه ليس هو رداً عليه وإنما ليعلم من نظر فيه أن مَنْ هذه جرأته على الصحابة كيف لا يجرأ على الشيخ محمد والرجل خطير وليس الذي ظهر كل ما عنده بل قد يظهر منه في المستقبل ما يُفصح عن حقيقته بجلاء، وهو يحتمل ما يجول في الخواطر من أنه كذا أو كذا، وإنما وضع النقط على الحروف قد يكون سابقاً لأوانه، والحمد لله فما رأينا من أهل الخير إلا من يبغضه ويذمّه. وعلى كل حال فإن الله لا يُخلي الصادق من إظهار صدقه، والكاذب من إظهار كذبه، هكذا قال العلماء. والآن نعود إلى كلام الشيخ محمد رحمه الله الذي بتره هذا المبتور، (اجعل لنا ذات أنواط) فالشيخ ذكر القصة ليحذر من الشرك وأخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكفّرهم لأنهم لم يفعلوا ولو فعلوا بعد نهيه لكفروا.

جدال المالكي بالباطل وإلزامه مالا يلزم.

جدال المالكي بالباطل وإلزامه مالا يلزم ثم قال الضال في نقضه ص25،26. قول الشيخ ص63: (الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها كما قال تعالى في قصة موسى {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه .. } وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون مهم أن يدعوا الله .. وهذا جائز في الدنيا والآخرة وذلك أن تأتي عند رجل صالح حتى يجالسك ويسمع كلامك تقول له: أدع الله لي كما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه ذلك في حياته وأما بعد موته فحاشا وكلا ... ). أقول: فما رأيك فيمن تأول بأن الاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جائزة عند قبره لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حي في قبره؟!. لا ريب أن من يرى هذا الرأي له جانب من تأويل بل لهم في ذلك حديث عثمان بن حنيف ثم قد يأتي آخر ويقول لك: لماذا تذهب إلى رجل صالح وتطلب منه أن يدعو الله لك؟ لماذا لا تدعو الله مباشرة؟ أليس في هذا مشابهة لعمل الكفار في اتخاذ هؤلاء

واسطة بينك وبين الله؟ ألم يقل الله {فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان .. }. وهكذا يمكن لآخر يضيق عليك حتى يكفرك مثلما ضيقت على الآخرين حتى كفرتهم. نعم يستطيع آخر أن يلزمك بما ألزمت به الآخرين فيقول لك: النبي - صلى الله عليه وسلم - له خصوصية وقد أمر الله المنافقين أن يأتوا إليه ليستغفر لهم لأن إتيانهم إليه دليل ظاهري على التوبة لكن بأي دليل تدخل أنت (الرجل الصالح) وتُجَوِّز أن يأتيه الرجل ويسأله أن يدعو له؟! هل شرع هذا في كتابه أو جاء عن أحد من أصحابه؟ ولو كان هذا مشروعا لنقل لنا لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله ... الخ. ثم لماذا تقيد طلب الدعاء من الرجل الصالح (أن تأتي الرجل حتى تجالسه ويسمع كلامك)؟!. فما الفرق بين هذا وبين من يوصي إلى فلان أن يدعو الله له؟!. والحاصل هنا أنه بمنهج الشيخ يستطيع المخالف له أن يلزمه الكفر فإن اعتذر بأعذار جاز للآخر أن يعتذر بأعذار مماثلة، ونحن في هذا كله ندعو لإخلاص العبادة لله وترك التكفير. الجواب: النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان حياً في قبره حياة برزخية لا تشبه حياته قبل موته فالاستغاثة بالأموات شرك، الأنبياء وغيرهم سواء في ذلك لأن الاستغاثة عبادة وهي حق الله عز وجل. وهي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - شرك في حياته وبعد موته وإن كان بعد موته

أكمل من حال الشهداء. قال سليمان بن سحمان رحمه الله: ومن يَسْتغثْ يوماً بغير إلههِ ... ويدعوه أو يرجو سوى الله من بَشَرْ يحب كحبِّ الله من هو مشركٌ ... به مستعين واجلُ القلب مُقْشَعِر فذلك بالرحمن جلّ جلاله ... تعالى عن الأمثال والنّدّ قدْ كفَر ولا شك في تكفير من ذاك شأنه ... وناهِيك من كفر تجهّم واعْتكر فللهِ حق لا يكون لِعَبْدهِ ... بإخلاص توحيد وإفراد مُقتدر وللمصطفى تصديقه واتّباعه ... وتعزيره بل نقتفي ما به مر ونجتنب المنهيِّ سمعاً وطاعة ... ولا نقتفي ما قد نهى عنه أو زجر أما حديث عثمان بن حنيف فهو توسل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وشفاعته في حياته، وفيه (وشفّعه فيّ) وهذا سؤال الله أن يقبل شفاعة رسوله فيه وهو دعاؤه حيث دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حي. فهذا ليس بوارِد هنا وإن كان أهل الشرك يحتجون به. أما دعاء الرجل الصالح لغيره فهو جائز لأن هذا مقدور عليه من حي غايته أن يُطلب منه الدعاء فيدعو. أما تشبيه ذلك باتخاذ الوسائط وعمل الكفار فباطل لأن الكفار يطلبون من الميت مالا يقدر عليه بخلاف الحي، كذلك فإنهم يتقربون إلى الميت بما لا يصلح إلا لله من دعائه أو غير ذلك من أنواع العبادة. أما قوله: (لماذا لا تدعو الله مباشرة) فهذا يَرِد لو أن الشيخ

محمد أو غيره من علماء المسلمين يقول: يجب عليك أن تسأل رجلاً صالحاً أن يدعو لك، لم يقولوا ذلك، وإنما يبيّنون أن هذا جائز مع الحي بخلاف الميت، كما كان الصحابة يفعلون مع النبي في حياته. أما من يضيّق ويُكفّر في هذا فقد كفَّر في غير مُكفِّر، وهذه الافتراضات ليست بشيء لكن الذي ينبغي لا تفطن له كوْن المالكي يجادل عن الشرك وأهله ويُشَبّه. أما استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين ففي وقت حياته. والمراد أن طلب الدعاء من الرجل الصالح الحي جائز، أما هل هو مشروع أم لا؟ فيقال: إنه جائز بهذه الآية {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك} الآية. لكن لا يقال: إنه واجب مأمور به، وقد كان الصحابة يسألون النبي الدعاء لهم. أما تقييد طلب الدعاء بالرجل الصالح بالمجالسة والكلام فليس بلازم وإنما مراد الشيخ التأكيد بأن يكون حياً، وإلا فلوْ أن إنساناً وصّى آخراً بأن يطلب من رجل صالح أن يدعو له فلا بأس في هذا لم يمنعه الشيخ سواء وصّى شخصاً إليه أو كتب له كتاباً ولو لم يجالسه ولم يسمع كلامه.

إعانة المالكي من يكفر الشيخ من خصوم الدعوة

إعانة المالكي من يُكفِّر الشيخ من خصوم الدعوة أما قول الضال: أنه بمنهج الشيخ يستطيع المخالف له أن يلزمه الكفر وأن أعذار المخالف مماثلة فلا يقول هذا إلا من يهوّن الشرك ويُجادل عن أهله، وإلا فالفرق ظاهر بين المشروع والممنوع لأنه شرك. وانظر كيف فتح الباب لتكفير الشيخ بأن مخالفة يُلْزمه الكفر. أما قوله: ونحن في هذا كله ندعو لإخلاص العبادة وترك التكفير فتمويه وتلبيس، ولو كنت تدعو لإخلاص العبادة ما اعترضت على الشيخ محمد وجادلت عن المشركين وشركهم واتهمته بتكفير المسلمين وقتالهم، كذبت وقد انكشف وتبين خبثك وسوء طويّتك. وها أنت تعين المشركين وتُغْريهم بأنهم يستطيعون إلزام الشيخ بالكفر. أما أنك تدعو لِترك التكفير، فيقال لك: ومن الذي دعا إلى التكفير؟ هل دعا إليه الشيخ محمد وأهل دعوته أم أنك باهت؟، أم من كفَّر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ممن يتخذون الوسائط من دون الله يدعونهم ويذبحون لهم وينذرون لهم فمن كفّرهم فهو متبع غير مبتدع، والشيخ محمد هذه سيرته مع أنه يدعوهم ويبين لهم، فما

نقمتك منه إلا كما قال تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}. وأراك بذلت جهداً جهيداً أن تجد على الشيخ مدخلاً تدخل منه والحمد لله الذي رَدّكَ خاسئاً حقيراً ذليلاً. قال سليمان بن سحمان رحمه الله: فقل للذي أبدى خزاية جهله ... وأبْرز [تخبيطاً] خلياً من الرشدِ أعِدْ نظراً فيما توَهّمتَ حُسْنه ... فإنك لم تنطق بحق ولا رُشد ودَعْنا من القول المزوَّر والْهَذَا ... ومن إفْكك الواهي ومن جهلك المُرْدي

زعم المالكي أن الشيخ وضع قواعد تمكن للتكفير بالمعاصي.

زعم المالكي أن الشيخ وضع قواعد تمكِّن للتكفير بالمعاصي قال الضال في نقضه ص26: ثم ختم الشيخ ص66 بمسألة (عظيمة) وهي (أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما .. ). أقول: وهذا فيه تقعيد لتكفير سائر المسلمين ممن لا يعرف الحقائق والالزامات التي ذكرها الشيخ وبهذا يستطيع أتباع الشيخ أن يختبروا الناس في عقائدهم عند كل بلدة يدخلونها أو يكاتبونها فإن وجدوا عندهم تحفظا أو أخطاء استحلوا قتالهم لأنهم (غير مسلمين)!! ثم ذكر العمل وعلى هذا يمكن التكفير بالمعاصي والرسول - صلى الله عليه وسلم - حكم بإسلام المنافقين في الظاهر لكن عند الله لابد من اللسان والقلب ثم ما هو اختلال العمل؟ ثم قد يختل القلب أو اللسان من شيء مثلما يختل العمل. الجواب: الشيخ رحمه الله لم يأت بقواعد وإلزامات من عنده، فهذا الذي قاله هو الذي أتى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنما الشيخ يبيّنه ويوضحه، ولأن التوحيد باللسان دون القلب صفة المنافقين {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم}

كذلك العمل فلابد منه في التوحيد وذلك هو الذي قام به الشيخ محمد وأنكرته أنت عليه أشد الإنكار، فإن من قال (لا إله إلا الله) وجعل بينه وبين الله وسائط فقد ترك العمل بالتوحيد لأن العمل به إخلاص العبادة لله بنفيها عمن سواه، وأنت جاهل متمعلم مُتَعدٍّ لطوْرك ولن تعْدو قدْرك، والمغرور من اغترّ بك. أما أنه على هذا المنهج يمكن التكفير بالمعاصي فما قصّرت فإنك ما زلت تتهم الشيخ وأهل هذه الدعوة بمذهب الخوراج وإلا فمن أين وجدت أنه بهذا يمكن التكفير بالمعاصي؟. والشيخ ذكر العمل ليبين معنى التوحيد حقيقة، أما انتقادك له بذكر العمل بالتوحيد فهو يوضح قولك السابق أنك تدعو إلى ترك التكفير، وقد ذكرت هذا اللفظ مطلقاً فأنت ضال مضل فلابد من تكفير من كفّره الله ورسوله أما المنافقون فإنهم يظهرون الإسلام ولم يظهروا الشرك الذي تجادل عنه ولو أظهروه لصار لهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حال أخرى. ولذلك فإن الشيخ محمد عاصَر من لا يعمل بالتوحيد وإن كان ينطق بكلمته ويصلي ويزكي ويصوم ويحج، وقد تبين هذا مراراً، وليس هذا الزائغ أول من يتهم الشيخ فمثله كثير ادّعوْا أنه كفّر المسلمين وأباح الدماء والأموال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأيّما طائفة انتسبتْ إلى الإسلام

وامْتنعتْ من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله كما قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكة، وذكر حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) فإن الزكاة من حقها. (¬1) فقتال الشيخ محمد على التوحيد أعظم من الزكاة، قال سليمان بن سحمان في ردّه على مثل هذا الزائغ. أقول لَعمري ما أصبت ولم تكن ... على منهج ينجيكَ من زورك المُرْدي فقد كان شيخ المسلمين محمداً ... على المنهج الأسْنى وكان على الرشد فسار على منهاج سنة أحمد ... ومنهج أصحاب النبي ذَوِي المجد وما قاتل الشيخ الإمام محمد ... سوى أمة حادوا عن الحق والقصد يُنادون زيداً والحسين وخالداً ... ومَن كان في الأجداث من ساكن اللحد وقد جعلوا لله جل جلاله ... نَديداً تعالى الله عن ذلك النّدّ وقاتلهم لما أبَوْا وتمردوا ... وقدْ شردوا عن دعوة الحق للضِّدّ وقال رحمه الله: فالشيخ رحمه الله لم يقاتل من قاتل من أهل نجد وغيرهم إلا من أقام على كفره وجَدَّ في إطفاء نور الله وإنكار توحيده، ومن جحد البعث من بَوَاديهم وأعرابهم ولم يُكفّر إلا بعد ¬

_ (¬1) الفتاوى 28/ 356.

قيام الحجة وظهور الدليل على الإيمان بالله ورسله ووجوب الكفر بما عُبد من دونه، فالخصومة في الأصل الأصيل. وقد ظهر واشتهر عند الخاص والعام براءة الشيخ من تكفير المسلمين وقتلهم ونهب أموالهم، وإنما قتاله وتكفيره لمن كفر بالله وأشرك به، وأن دعوته إلى طاعة الله ورسوله، ويُصرّح بأن من عرف الإسلام ودان به فهو المسلم في أي زمان ومكان. انتهى. لقد سُلِّط على الشيخ محمد ودعوته في حياته وبعد موته من افترى عليه وشَوَّهَ دعوته ونَفّر عنها ووصفه وأتباعه بأقبح وصْف، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} فقد قيّض الله لهذه الدعوة أنصاراً وأعواناً دفعوا عنها صيال الصائل، وبيّنوا حقيقتها كبْتاً وغمًّا لذَوي الحقد والدغائل، لا حَمّية ولا عصبية، فلم يُرْهبهم عداوة المعادي ولا طمعوا من المُوَالي بنائل، وهذه النّصرة جعلها الله مقابل كيْد العدو الخاذل، فجاء الأمر على معنى: وإذا أراد الله نشر فضيلة طُوِيَتْ أتاح لها لسان حسودِ وما شبّهتُ أعداء هذه الدعوة وإمامها بشدة حنقهم وغيْظهم إلا بجاهل يُدْني جمر النار من عود الطيب الأصيل، فالجمر مُراد منه الإفساد فيعمل عمله بخلاف قصد الفاعل حيث يُظهر الروائح الزكيّة فيَعْبق بها المكان وتصْفو بها الأزمان والمُحْرِق المُوبق يموت بغيْظه لم ينل خيراً بل اكتسب شرا، والحمد لله على السرّاء والضرّاء.

ثم إن الله بفضله ومَنِّه جعل البركة والخير الكثير في هذه الدعوة، وليس بالخفي أنها أخذت مساراً واسعاً في الأقطار، لكن الذي قد يخفى على كثير من الناس أن الأماكن التي لم يصل إليها نورها في ظلمة فما شِئتَ من شرك وكهانة وسحر وضلالة، وبلدان كثيرة حشْوها الجهالة، وما شئت من علوم صادّة عن الهدى، موجبة للرّدى، تعوضوا بها عن العلم النافع، وهي الداء الدّوي والسم الناقع. ولا ريب أنه لم تقم دعوة بعد دعوة الشيخ محمد في مثل استقامة نهْجها وحسن أثرها. ولقد قامت دعوات ولكنها مشوبة بالشوائب، محفوفة بالمعايب، تمخضت آثارها معلنة أن أصولها غير سليمة، ولذلك جاءت الفروع غير مسْتقيمة، فما شئت من تخليط بالعلوم قبيح، وما شئت من إيثار للدنيا جعل العلم كالمتَّجَر الربيح، وما شئت من قياسات فاسدة وآراء كاسدة وأهواء جمّه، وفتن مدلهمّة. وما شئت من دعوات يتزعّمها الجهال، يُشابُ فيها الهدى بالضلال، بين يديها الدعوة القريبة التي هي في أصولها وفروعها للحق مصيبة وهي دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب المباركة التي هي على منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكن بها لا تكتفي، وإلى غير أهلها تنتمي. والمراد من هذا كله أن دعوة هذا الإمام العظيم، والشيخ

الكريم، هي التي على صادق المنهاج، بلا انحراف ولا اعْوجاج، سواء في الاعتقاد والعمل، لا تعمّد ميْل، ولا خطأ وزلل. وإن من بيننا الآن من يطعن بهذه الدعوة لا كثّر الله هذه الأمثال فمن طاعن بها بوصْف الشدة لأنه مائع، ومن مُتنقّص لها لأنها لم تُلَقّح بعلومه التجريبية وعلى كل حال فهؤلاء وأمثالهم تَعَدّدت مشاربهم فنتج من هذا التخليط التخبيط. ولما كانت دعوة الشيخ محمد صافية من الشّوْب والكدر، لم تناسب من مشربه مشوب عكر. فهَلاّ عرفنا فأنصفنا؟ وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل. ثم قال الضال في نقضه ص 26،27: وقال الشيخ ص 70: لم يستثن من الكفر (إلا المكره) وهذا فيه نظر فإن المضطر والخائف والمتأول والجاهل لا يكفرون. أما احتجاجه بأن الله لم يستثن إلا المكره في قوله تعالى: {إلا من أكره}. فهذا نعم في هذه الآية أما في غيرها من الآيات والأحاديث الصحيحة فهناك معذورون غير المكره. وهذه من عيوب الشيخ أنه يعتمد على آية واحدة أو حديث واحد يترك ما سواه فهذا خلل علمي.

الجواب: قوله: وهذا فيه نظر رَدّ على الله لأنه سبحانه قال: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}. أما المضطر والخائف والمتأول والجاهل فليس هذا موضع الكلام فيهم هنا لأن الشيخ يريد أن يبين عقيدة القلب، ولذلك قال: ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على العمل أو الكلام، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها، فالشيخ هنا لم يتعرض إلا لاعتقاد القلب الذي يفعل الإنسان فيه الكفر مع أنه لا يمكن الإكراه فيه بخلاف القول والعمل. أما ما ذكر الضال من المعذورين فلا يرد هنا على الشيخ لأن المراد هنا اعتقاد القلب وهذا ليس فيه إكراه ولا عذر لأحد فيه، واختلاق التّهم والمعايب صفات شرار الناس كيف إذا وُجّهت إلى خيار الناس؟. وأخيراً نحمد الله القائل: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} فقد رَدّ الله هذا الباغي الظالم خائباً ما ظفر من الغنيمة ولا بالإياب، فأبْعَد الله كل غويٍّ حائر مرتاب. وقد قال سليمان بن سحمان في مثل هذا المتمعلم: فتَعْساً له من قائل لقد ارْتدى ... ولاشَك جلباباً من الخزي واتّزرْ وبُعداً له من سالكِ لمهالكٍ ... لقد هام في وادٍ من العِيِّ وانحسر وتبًّا له من جاهل مُتمعلم ... لقد خاض في بحر من الجهل واغْتمر

فيا ربّ يا منّان يامن له الثنا ... ويا ملك الأملاك يا خير مقتدر ويا فالق الإصباح والحب والنوى ... ومن هو للسبع السموات قد فَطَر ويا سامع النجوى وعالم ما انْطوى ... عليه ضمير العبد كالجهر ما أسر أعِذنا من الأهواء والبدع التي ... بسالكها تهوي ولابد في سَقر وصَلّ إلهي كلما آض بارِقٌ ... وما انْهَطلتْ جَوْن الغمايم بالمطر على المصطفى والآل والصحب كلما ... تلألأ نور الحق في الخلق وانتشر كتبه عبد الكريم بن صالح الحميد 1422هـ

نص كتاب (كشف الشبهات)

نص كتاب (كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ مع تعليقات حسنة عليه لبعضهم ولاحظ أن كل الكلام الذي تحته الخطوط (*) لم يذكره المالكي الخائن في نقضه. [اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهو دين الرُّسُل الذي أرسلهم الله به إلى عباده]، فأولهم نوح (¬1) عليه السلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين وداً وسُواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي كسر صُور هؤلاء الصالحين، أرسله إلى قومٍ يتعبَّدون ويحجون ويتصدَّقون ويذكرون الله كثيراً، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، [يقولون: نريد منهم التقرُّب إلى الله (¬2)، ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة، وعيسى، ومريم، وأُناسٍ غيرهم من الصالحين،] ¬

_ (¬1) أي أول الرسل الذين بعثهم الله لدعاء قومهم إلى توحيد الله ونهيهم عن الإشراك به، وأما أول الأنبياء مطلقاً فهو آدم عليه السلام. (¬2) أجمع العلماء على أن من جعل بينه وبين الله واسطة يدعوه زاعماً أنه يقربه إلى الله ـ أنه كافر خارج عن ملة الإسلام كما ذكره في كشاف القناع على متن الإقناع في باب حكم المرتد، وهدا هو الذي عليه عباد القبور في هذه الأزمان سواء بسواء. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: استبدلنا الخطوط بمعكوفين [هكذا]، فما بين المعكوفين لم يذكره المالكي

[فبعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - يُجدِّد لهم دين أبيهم إبراهيم ويخبرهم أن هذا التقرُّب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لغير الله لا لملك مُقَرَّب، ولا لنبي مُرسل فضلاً عن غيرهما،] وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له وأنه لا يرزق إلا هُوَ، ولا يُحيي إلا هو، ولا يُميت إلا هو، ولا يُدبِّر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات ومن فيهنَّ والأرضين السبع، ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره. [فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض؟ أمن يملك السمع والأبصار، ومن يُخرج الحي من الميت، ويُخرج الميت من الحي؟ ومن يدبِّر الأمر، فسيقولون الله! فقل أفلا تتقون؟}. وقوله: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله، قل أفلا تذكرون؟، قُل من ربُّ السموات السبع ورب العرش العظيم؟ سيقولون لله، قل أفلا تتقون؟، قُل من بيده ملكوت كل شيء، وهو يُجير ولا يُجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله! قل فأنَّى تُسحرون} وغير ذلك من الآيات.] فإذا تحققت أنهم مقرُّون بهذا (¬1) ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو ¬

_ (¬1) أي توحيد الربوبية.

توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد) كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات: أو نبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قاتلهم على هذا الشرك (¬1) ودعاهم إلى إخلاص العبادة [كما قال تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحداً} وقال: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء} وتحققت] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والإستغاثة كلها بالله، وجميع العبادات كلها لله، [وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء، والأولياء، يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحلَّ دماءهم وأموالهم،] عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك: لا إله إلا الله، فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور (¬2)، [سواء كان ملكاً، أو نبياً، أو ولياً، أو شجرة، أو قبراً، أو جنيا] ً لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت ¬

_ (¬1) الذي هو دعوة غير الله مع الله، قال تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحداً} فدلت الآية الكريمة على أن دعاء الأموات ونداءهم والاستغاثة بهم من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه. (¬2) أي طلب الشفاعة منهم والتوجه إلى الله بدعائهم من دون الله ومع الله.

لك، وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد (¬1). فأتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها، [الكفار الجُهَّال يعلمون أن مُراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق به (¬2) والكفر بما يعبدُ من دون الله والبراءة منه، فإنه لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ إن هذا لشيء عُجاب؟}.] [فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك،] فالعجب ممن يدَّعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك (¬3) هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله (¬4)، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا ¬

_ (¬1) مراده بالسيد ما يعتقده الجهال في بعض الأشخاص الدجالين والمشعوذين الذي يلبسون على العوام بأنهم أهل كرامات وتصرف في الأمور وأنه ينبغي الالتجاء إليهم ودعاؤهم والتوسل بهم إلى الله، فالعامة يسمون هذا الدجال سيداً وهذا معروف معلوم وهذا مراد الشيخ رحمه الله. (¬2) أي تعلق القلب به سبحانه فلا يرجى أحد سواه ولا يدعى غيره ولا تطلب الحوائج إلا منه ولا يستعان إلا به. (¬3) أي يظن تفسيرها والمراد منها هو مجرد النطق بها وهذا ظن فاسد، بل المراد منها إفراد الله بالتعلق آخر ما بينه المصنف رحمه الله من مراد النبي بهذه الكلمة. (¬4) وأقول ما أكثر هذا الصنف ـ لا كثرهم الله ـ ظنوا أن معنى هذه الكلمة والمراد منها، هو توحيد الربوبية فلهذا جهلوا توحيد العبادة وصرفوه لغير الله فطلبوه من الأموات والغائبين وسألوهم مالا يقدر عليه إلا الله وهذا هو الشرك الأكبر وإن سموه توسلاً تدليساً وتلبيساً.

إله إلا الله. [إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلبٍ، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحدٍ سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا أفادك فائدتين:] [الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته، كما قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون} وأفادك أيضاً الخوف العظيم (¬1)، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهلٌ، فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تُقَرِّبه إلى الله تعالى كما ظن المشركون، خصوصاً إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم، أنهم أتوه قائلين: {إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}، فحينئذٍ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا (¬2) وأمثاله.] [واعلم أنه سبحانه من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا] ¬

_ (¬1) وهو الفائدة الثانية. (¬2) أي من الكفر وأسبابه فإن هؤلاء العلماء الصلحاء طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً يدعونه مع الله ومن دون الله، وهذه حال عباد القبور في هذه العصور تقربوا إلى الله بدعوة الأموات والذبح لهم والاستغاثة بهم، وهذا كفر يطردهم من رحمة الله.

[جعل له أعداء كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غروراً} وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحججٌ كما قال تعالى: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات، فرحوا بما عندهم من العلم}.] [إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لابد له] من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج، [فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقاتل به هؤلاء الشياطين، الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجلَّ: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} ولكن إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حججه وبيناته، فلا تخف {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً}،] والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين، [كما قال تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون} فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان (¬1)، كما هم الغالبون] ¬

_ (¬1) والمراد بجند الله هنا الذين أدوا ما أوجب الله عليهم وعملوا بما وهبهم من العلم النافع والعمل الصالح وأصغوا إلى حجج الله وبيناته وأقبلوا على تعلم ذلك بصدق عزيمة وإخلاص نية ودعو الناس إلى ذلك، فإن نشر العلم النافع والدعوة إليه من الواجبات ولو لم يطلب ذلك من الإنسان كما ذكره المصنف في أول الثلاثة الأصول.

[بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، وقد منَّ الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله {تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً} قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.] وأنا أذكر لك أشياء (¬1) مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا [فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مُجمل، ومفصل، أم المجمل فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى: {وهو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات مُحكمات هُنَّ أم الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}] [وقد صح (¬2) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)، مثال] ¬

_ (¬1) أراد رحمه الله أن يبين أشياء من حال أعداء الله ورسله القاعدين بالطريق الموصلة إلى معرفة دين الله ليصدوا الناس عنه. (¬2) أي الصحيحين من حديث عائشة.

[ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاهٌ عند الله أو ذكر كلاماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله ذكر أن الذين في قلوبهم زيغٌ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله ذكر أن المشركين يقرُّون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلُّقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله) هذا أمرٌ محكم بيِّنٌ لا يقدر أحدٌ أن يغير معناه،] وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أعرف معناه، [ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخالف كلام الله، وهذا جواب سديدٌ، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله، فلا تستهون به، فإنه كما قال تعالى: {وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.] [وأما الجواب المفصل]، فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضرُّ إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فضلا عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله،

وأطلب من الله بهم (¬1)، فَجَاوِبْهُ بما تقدم، وهو أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، [واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه (¬2) ووضحه،] [فإن قال: هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين أصناماً؟ فجاوبه بما تقدَّم] فإنه إذا أقرَّ أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الصالحين [والأصنام] ومنهم من يدعو الأولياء [الذين قال الله فيهم: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب}] [ويدعون عيسى بن مريم وأمه، وقد قال الله تعالى: {ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه صديقةٌ كانا يأكلان الطعام، انظر كيف نُبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} واذكر قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للملائكة أهؤلاء] ¬

_ (¬1) أي بواسطتهم بأن يجعلهم وسائط بينه وبين الله القريب المجيب وهذا هو الذي عليه عباد الأموات وهو كفر بإجماع العلماء. (¬2) أي من الآيات الدالة على كفر من دعا غير الله من الأموات والأحجار والأشجار وتقربهم بالذبائح والنذر.

[إياكم كانوا يعبدون، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}، وقوله تعالى: {يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق}، الآية] [فقل له: عرفت أن الله كفّر من قصد الأصنام، وكفَّر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،] فإن قال: الكفار يريدون منهم: وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيءٌ ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم، فالجواب أن هذا قول الكفار سواء بسواء [فاقرأ عليه قوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى}] [وقوله تعالى: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله}.] [واعلم أن هذه الشبه الثلاث (¬1) هي أكبر ما عندهم، فإذا عرفت أن الله وضعها في كتابه، وفهمتها فهماً جيداً فما بعدها أيسر منها، فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله وهذا الالتجاء إلى الصالحين، ودعاؤهم ليس بعبادة، فقل له: أنت تقرُّ أن الله فرض عليك إخلاص العبادة وهو حقه عليك؟ فإذا قال: نعم، فقل له: بَيِّنْ لي] ¬

_ (¬1) الأولى قولهم لا نشرك بالله والثانية قولهم الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام والثالثة قولهم الكفار يريدون منهم الخ.

[هذا الذي فرض عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده وهو حقه عليك فإنه لا يعرف العبادة ولا أنواعها (¬1) فبينها له بقولك: قال الله تعالى: {ادعو ربكم تضرعاً وخيفة}] [فإذا أعلمته بهذا فقل له: هل علمت هذا عبادة لله؟ فلابد أن يقول: نعم، والدعاء مُخُّ العبادة، فقل له: إذا أقررت أنه عبادة لله ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول نعم، فقل له: إذا عملت بقول الله إذْ قال الله: {فصل لربك وانحر}] [وأطعت الله ونحرت له هل هذا عباده، فلابد أن يقول: نعم، فقل له: إذا نحرت لمخلوقٍ نبي أوجني أو غيرهما، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟ فلا بُدَّ أن يقر، ويقول: نعم، وقل له أيضاً: المشركون الذين نزل فيهم القرآن، هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلا بدَّ أن يقول: نعم، فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك، وإلا فهم مُقِرُّون أنهم عبيد الله وتحت قهره، وأن الله هو الذي يُدبِّر الأمر ولكن دعوهم، والتجئوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جداً.] ¬

_ (¬1) لأنه يزعم أن الالتجاء إلى الصالحين ودعاءهم ليس بعبادة وهذا عين الجهل بالعبادة وهو الذي عليه عباد الأموات سموا هذه العبادة توسلاً وصرفوها لغير الله.

[(فإن قال) أتنكر شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبرأ منها فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو - صلى الله عليه وسلم - الشافع والمشفع وأرجو شفاعته، لكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعاً} ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عزَّ وجل: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}] ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عزَّ وجلّ!: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} [فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا بعد إذنه ولا يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره في أحدٍ حتى يأذن الله فيه،] ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، [تبين لك أن الشفاعة كلها لله وأطلبها منه وأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، الله شفِّعْهُ فيَّ، وأمثال هذا.] [فإن قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال: {فلا تدعوا مع الله أحداً} وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصحَّ أن الملائكة يشفعون والأفراط يشفعون والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم، فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت لا، بطل قولك أعطاه الله الشفاة وأنا أطلبه مما أعطاه الله.]

[فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئاً حاش وكلاَّ ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرَّم الشرك أعظم من تحريم الزنا وتقر أن الله لا يغفره، فما هذا الأمر الذي حرمه الله وذكر أنه لا يغفره، فإنه لا يدري، فقل له: كيف تُبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه، أم كيف يحرِّم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟؟.] فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل: وما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها، فهذا يكذبه القرآن، [كما في قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض} الآية،] [وإن قال هو من قصد خشبة أو حجراً أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون، إنه يقر بنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته، فقل صدقت، وهذا هو فِعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها، فهذا أقرَّ أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، ويقال له أيضاً قولك، (الشرك عبادة الأصنام)، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلَّق على الملائكة وعيسى والصالحين فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب.]

[وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله، فقل: وما الشرك بالله فسره لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي (¬1)؟] [فإن قال أنا لا أعبد إلا الله (وحده) فقل: ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي؟] [فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب (¬2) وإن لم يعرفه فكيف يدَّعي شيئاً وهو لا يعرفه، وإن فسر ذلك بغير معناه بيَّنت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعباده الأوثان، وأنه الذي يفعلون في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا] ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً، إن هذا لشيء عُجاب}. فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه (¬3) المشركون في زماننا هذا ¬

_ (¬1) معنى عبادة الأصنام اتخذها وسائط بأن يتقرب إليها عابدها بما يزعم أن يقربه إلى الله كالذبح لها والنذر ودعائها كما يفعله المشركون عباد الأموات. (¬2) وقد بين الله سبحانه وتعالى العبادة التي أمر بها عباده في كتابه فقال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} الآية، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك. (¬3) قد سبق قول الشيخ رحمه الله وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد ومراده رحمه الله أن المشركين تقربوا إلى الله بدعاء الأصنام والأوثان والملائكة والصالحين، وصرفوا لهم أنواع العبادة من الذبح والنذر والاستغاثة وغير ذلك من أنواع العبادة معتقدين أن ذلك قربة إلى الله ينالون به الزلفى لديه ولكنهم بهذا العمل صرفوا توحيد العبادة لغير الله فبذلك صاروا مشركين وسموا شركهم اعتقاداً بالأولياء والصالحين وما هو إلا الشرك الأكبر المنابذ لدين الله تعالى.

(الاعتقاد)، هو الشرك الذي أنزل في القرآن وقاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس عليه، فاعلم أن شرك [الأولين أخف من شرك أهل] زماننا بأمرين: [(أحدهما) أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم، وكان الإنسان كفوراً}،] [وقوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة، أغير الله تدعون إن كنتم صادقين، بل إياه تدعون، فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}،] [وقوله: {وإذا مسَّ الإنسان ضر دعا ربه منيباً ـ إلى قوله ـ قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار}، وقوله: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين}،] [فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعون الله ويدعون غيره في الرخاء، وأما في الضر والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون ساداتهم، تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهما راسخاً؟ والله المستعان.]

[والأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة ويدعون أشجاراً وأحجاراً مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا، والسرقة، وترك الصلاة، وغير ذلك (¬1) والذي يعتقد في الصالح، والذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به.] [إذا تحققت] أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصح عقولاً وأخفُّ شركاً من هؤلاء فاعلم أن لهؤلاء شبهة يُوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم فأصغ سمعك لجوابها وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول، وينكرون البعث، ويكذِّبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصدِّق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي، ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟ فالجواب أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدَّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه، ¬

_ (¬1) بل آل الأمر إلى أنهم يحكون هذه القبائح ويعدونها من الكرامات كما يفعله الشعراني في كتبه.

كمن أقرَّ بالتوحيد، وجحد وجوب الصلاة، أو أقرَّ بالتوحيد والصلاة، وجحد الزكاة، أو أقرَّ بهذا كله وجحد الصوم، أو أقرَّ بهذا كله وجحد الحج، ولما لم ينقد أناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - للحج، أنزل الله في حقهم [{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}] [ومن أقرَّ بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع وحل دمه وماله، كما قال جلَّ جلاله: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرِّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض، ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهينا}،] فإذا كان الله قد صرَّح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقاً زالت هذه الشبهة، [وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الأحساء في كتابه الذي أرسل إلينا. (¬1)] [ويقال: إذا كنت تقر أن من صدق الرسول في كل شيء وجحد وجوب الصلاة، أنه كافر حلال الدم بالإجماع، وكذلك إذا أقرَّ بكل شيء إلا البعث (¬2)، وكذلك إذا جحد وجوب صوم رمضان لا يجحد هذا، ولا تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا،] ¬

_ (¬1) كانت الأحساء في زمن الشيخ آهِلَة بالعلماء من سائر المذاهب فعاند بعضهم وهدى الله بعضاً فاتبع الحق والهدى بتوفيق الله. (¬2) أي فهو كافر حلال الدم والمال.

[فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، هو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذه الأمور كفر؟ ولو عمل بكل ما جاء به الرسول، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر، سبحان الله! ما أعجب هذا الجهل. (¬1)] [ويقال أيضا:] هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون ويؤذنون، فإن قال: إنهم يقولون: إن مسيلمة نبي، قلنا: هذا هو المطلوب، إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كفر وحلَّ ماله ودمه، ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة، فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف، أو صحابياً، أو نبياً، في مرتبة جبَّار السموات والأرض؟ [سبحان الله ما أعظم شأنه، {كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون}.] ويقال أيضاً: الذين حرَّقهم علي بن أبي طالب بالنار، كلهم يدعون ¬

_ (¬1) أقول إذا ظهر السب بطل العجب فالمشركون عباد الأموات اعتقدوا أن صرف مخ العبادة لغير الله ليس بشرك وإنما الشرك هو السجود للأصنام وأما الدعاء والذبح والنذر والاستغاثة بغير الله فهو مما يقربهم إلى الله وقد صرحوا بذلك في كتبهم، ومع ذلك فقد سجدوا لغير الله، يعرف ذلك من درس أحوالهم وشاهد كفرهم عند ضرائح أوثانهم.

الإسلام، وهم من أصحاب علي وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي، مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ [أتظنون أن الصحابة يكفِّرون المسلمين؟ أم تظنون الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر، والاعتقاد في علي ابن أبي طالب يُكَفِّر؟] [ويقال أيضا:] بنو عبيد القدَّاح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس [كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويدَّعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة] فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون مانحن فيه أجمع العلماء عل كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين. [ويقال أيضاً: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول والقرآن، وإنكار البعث، وغير ذلك، فما معنى الباب] الذي ذكر العلماء في كل مذهب (باب حكم المرتد) [وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعاً كثيرة] كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله، حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب. [ويقال أيضاً: الذين قال الله فيهم: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}]

[أما سمعت أن الله كَفَّرَهُمْ بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاهدون معه ويصلون معه ويزكون ويحجون ويوحدون، وكذلك الذين قال الله فيهم: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}] [فهؤلاء الذين صرح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح، فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم: تُكَفِّرون المسلمين أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون، (ثم تأمل) جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق. (¬1)] [ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى: {إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}،] [وقول ناس من الصحابة: {إجعل لنا ذات أنواط} فحلف - صلى الله عليه وسلم - أن هذا نظير قول بني إسرائيل اجعل لنا إلهاً. ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: فإن بني إسرائيل لم يكفروا، وكذلك الذين قالوا: {إجعل] ¬

_ (¬1) وذلك أن شبهتم من أقوى الشبه تلبيساً وأشد تدليسا فإن من شهد أن لا إله إلا الله وصلى وصام عظم إطلاق الكفر عليه عند الجاهل ولم يعلم أنه هدم هذه الأعمال بشركه ودعوته غير الله فلم تنفعه عبادته لأن من لم يأت بالتوحيد الخالص لم يعبد الله فلهذا صار هذا الجواب من أنفع الأجوبة.

[لنا ذات أنواط} لم يكفروا. فالجواب أن تقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك وكذلك الذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلوا، ولا خلاف في أن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، ولو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواطٍ بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب، ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل (التوحيد فهمناه) إن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان (وتفيد) أيضاً أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - (وتفيد) أيضاً أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظاً شديداً كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.] [وللمشركين شبهة أخرى يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على أسامة قتل من قال: لا إله إلا الله، وقال له: (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟)] [وكذلك قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)،] [وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها، ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يُكَفَّر ولا يقتل ولو فعل ما فعل، فيقال لهؤلاء الجهلة: معلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل اليهود]

[وسباهم وهم يقولون: لا إله إلا الله، وأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويدّعون الإسلام، وكذلك الذين حرَّقهم علي ابن أبي طالب بالنار، وهؤلاء الجهلة يقولون: إن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال: لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئاً من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذ جحد فرعاً من الفروع؟ وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل ورأسه، ولكنّ أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث.] [فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلاً ادَّعَى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعى الإسلام إلا خوفاً على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك وأنزل الله تعالى في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}] [أي تثبتوا، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى: {فتبينوا} ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى، وكذلك الحديث الآخر وأمثاله، معناه ما ذكرناه وأن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلا أن يتبين منه ما يناقض ذلك، والدليل على هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قال: (أقتلته بعد ما]

[قال: لا إله إلا الله؟) وقال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) هو الذي قال في الخوارج: {أينما لقيتموهم فاقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلَّنهم قتل عاد}] [مع كونهم من أكثر الناس عبادة، وتهليلاً وتسبيحاً، حتى أن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وتعلموا العلم من الصحابة فلم تنفعهم (لا إله إلا الله) ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة.] [وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة، وكذلك أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل منهم أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}] [وكان الرجل كاذباً عليهم، وكل هذا يدل على أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه. ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله قالوا فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركاً.] [والجواب أن نقول: سبحان من طبع على قلوب أعدائه،] فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال تعالى في قصة

موسى {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه} وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أوفي غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله، إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله [أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف،] وهذا جائز في الدنيا والآخرة، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حتي يجالسك ويسمع كلامك تقول له: ادع الله لي كما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه ذلك حياته، وأما بعد موته، فحاشا وكلا [أنهم سألوا ذلك عند قبره، بل أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه نفسه؟. ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال له: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم أما إليك فلا، فقالوا: فلوْ كانت الاستغاثة شركاً لم يعرضها على إبراهيم. فالجواب أن هذا من جنس الشبهة الأولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه، فإنه كما قال الله تعالى: فيه {شديد القوى}] [فلو أذن له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها ويلقيها في المشرق والمغرب لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل، وهذا كرجل غني له مال كثيرٌ يرى رجلاً محتاجاً فيعرض عليه أن يقرضه ويهبه]

[شيئاً يقضي به حاجته فيأبى ذلك المحتاج أن يأخذ ويصبر إلى أن يأتيه الله برزق لا منة فيه لأحدٍ، فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفهقون؟. (¬1)] ولنختم الكلام بمسألة عظيمة [مهمة تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول. (¬2)] [ولا خلاف] أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختلَّ شيءٌ من هذا لم يكن الرجل مسلماً، [فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافرٌ معاندٌ ككفر فرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثيرٌ من الناس يقولون: إن هذا حقٌ ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق، ولكن لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، أو غير ذلك من الأعذار، ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق، ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار، كما قال تعالى: {اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً}] [وغير ذلك من الآيات، كقوله: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}،] ¬

_ (¬1) الأموات لا يسمعون دعاء من دعاهم ولا استغاثة من استغاث بهم وذلك بنص القرآن، قال تعالى {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} فعباد الأموات لا يزالون وهم في ضلال ما داموا يدعونهم لمخالفتهم نص القرآن. (¬2) هذه المسألة يترجم لها في كتب التوحيد بمسألة الإيمان وأنه قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.

[فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه، فهو منافق، وهو شرٌ من الكافر الخالص {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}.] [وهذه المسألة مسألة طويلة تبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به، لخوف نقص دنيا أوجاهٍ أو مداراةٍ لأحدٍ، وترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً، ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله:] [أولاهما، قوله تعالى: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح، تبيَّن لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفاً من نقص مالٍ أو جاهٍ أو مداراة لأحدٍ، أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها،] [والآية الثانية قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم، ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} الآية،] [فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعل خوفاً أو مداراةً، أو مشحَّة بوطنه وأهله أو عشيرته أو ماله، أو فعل على وجه المزح أولغير ذلك من الأغراض إلا المكره.]

[فالآية تدل على هذا من وجهين: الأول قوله تعالى {إلا من أكره}]، فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، [ومعلوم] أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحدٌ عليها، والثاني قوله تعالى: {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة}، فصرَّح أن الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين ومحبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ملامح جهمية

ملامح جهمية (¬1) حسن بن فرحان المالكي اسم جديد ظهر للناس هذه الآونة الأخيرة يترأس على طائفة تأثرت بأفكاره، وكنت قد اطلعتُ على كلام له ألقاه في محاضرة في 6/ 8/1420هـ تهجّم فيها على بعض كتب السلف ككتاب السنة لعبد الله بن أحمد وكتاب السنة للبربهاري وغيرها، وذكر لها مساوٍ وسَوْءات وأخطاء عَدّ منها ثلاثة عشر الذي يهمّنا هنا منها هو الثالث وهو: التجسيم. الذي لا يخفى على طالب العلم أن هذا اللقب يُشنِّع به الجهمية على أهل السنة والجماعة لأجل إثباتهم صفات الله عز وجل، وهذا أشهر من أن يذكر فلا تكاد تطلع على كلام لهم عن الجهمية إلا ويذكرون نبزهم لأهل السنة بهذا اللقب، وليس الكلام هنا على الجهمية ولا على مسألة التجسيم فقد فُرِغ من هذا قبل وجودنا، فكُتب أهل السنة مليئة بما يبيِّن كفر الجهمية وضلالهم، وإنما المراد هنا الإشارة والتحذير من هذا الانبعاث الأخير لاسيما وهو بين أظهرنا كما أنه للغاية خطير لأن المساس بالعقيدة ليس كسائر المعاصي والذنوب. إنه توَجّه في غاية الخطورة إن لم يُتدارك، وهو توجّه المكبوب على وجهه الناكب عن الصراط المستقيم، قال تعالى: {أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم}. ¬

_ (¬1) كتبتها في عام 1420هـ.

إن التشكيك في عقيدة أهل السنة واتهامهم بأبشع التهم والدفاع عن رؤوس الجهمية لا يشك في زَيْغ وضلال من تزعّمه وتبناه إلا من هو بعيد عن الدين، مغمور في الضلال المبين. يزعم المالكي أن النزاعات التي حدثت في الأمة فحدثت منها الفرق أنها نزاعات سياسية وخلافات سياسية ليست في العقيدة بل العقيدة يقول إنها لفظ مُسْتحدث، وله مراد بذلك سوف يظهر إن شاء الله من جملة موضوع مُهاترته التي تسمى محاضرة. جعل هذا الضال ذبح خالد القسري الجعد بن درهم مُؤَصِّل مذهب الجهمية جعله جريمة من جرائم أهل السنة يقول بتهكم: خالد القسري هذا نحن نمدحه لأنه ذبح الجعد بن درهم. المالكي يأسف على ذبح الجعد ويتهم من ذبحه فعلينا أن نَدَع ما تكلم به أئمة المسلمين وعلماؤهم طوال القرون الماضية عن الجهمية مُتَّهمين لهم بالظلم كما زعم المالكي وكثرة الأكاذيب والموضوعات، والإسرائيليات في مؤلفاتهم، والتناقض، والافتراء على الخصوم، والإرهاب للمتوقفين، والتجسيم، والسكوت عن الإنكار على بعضهم، والاشتغال بذم الآخرين، والغلو في شيوخهم، وردود الأفعال، وعدم إدراك معنى الكلام، والدعاوي بلا أدلة، ونلغي ما قالوه متجهين بقلوبنا وقوالبنا لمنقذ الأمة من الضلالة المالكي ليخبرنا بالقول الفصل في شأن فرق الأمة عامة والجهمية خاصة، وذلك لأن له ولأتباعه عناية خاصة بهذه الفرقة، ولأنهم أرباب عقول متفتحة مستنيرة بخلاف السلف. يزعم المالكي أن أصل مخالفة غيلان الدمشقي والجهم بن صفوان سياسية وينكر على أهل السنة قتلهم معلّلاً ذلك بأن بعض علماء السلطة

في عهد بني أمية أظهروا بأن هؤلاء إنما قتلوا للدين. المالكي يدافع عن الجعد والجهم وغيلان القدري ويتهم أهل السنة بالظلم وبما تقدم من الطعن الذين وجّهه إليهم. المالكي وراءه ما وراءه وإنما أظهر طرفاً من هذه الروائح الجهمية المنتنة، وهذا مشرب النقيدان ويُذكر لنا أن هذا شيخه ومُقلَّده فالكل يحيلون أمر فرق الأمة المختلفة إلى خلافات ونزاعات سياسية ويدافعون عن رؤوس الجهمية وينالون من علماء السنة ويتكلمون بالصفات من جنس كلام الجهمية. (¬1) ثم إن المالكي طعن على الحنابلة لأجل تسميتهم أهل السنة والجماعة في عهد المتوكل، غاظ فلم يعجبه نصر الله لحزبه وخذلانه لأعدائهم من الجهمية فصار يطعن بهذه التسمية ويطعن بكتب أهلها يقول: ومادة هذه الكتب المؤلفة في العقائد هي ذاكرة هذا الفساد كله، فلكل فرقة من المسلمين كتبها التي يوصي بها أتباعها ويوزعونها ويدعون إليها لا إلى الحق، هكذا جعل كتب أهل السنة لا تدعو إلى الحق لأنها من جملة كتب العقائد الضالة، أما الحق فهو ما أتى به هذا الفرخ. وانظر الآن ما ذكره عن الأثر ((أن الله كتب التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة)) (¬2) يقول: هذا تجسيم، إنه يقاتل بسلاح الجهمية. وطعن في جلوس الرب سبحانه على الكرسي وأن له مكان وأنه إذا ¬

_ (¬1) النقيدان يزعم في كلام نشره في جريدته أن حديث الصورة يناقض قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وهذا مشرب الجهمية. (¬2) فهو يرى أن اثبات اليد تجسيم [موسى هو الذي مسند ظهره على الصخرة].

تكلم سُمع له صوت كالسلسلة على الصفوان، ووضع يديه بين كتفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزول الرب وأنه خلق آدم على صورته هو. إنه يختار هذه الآثار التي فيها إثبات الصفات فيتكلم فيها بالطعن والتجريح من أجل خاطر الجعد والجهم. ومن طعنه على أهل السنة وتهكمه وسخريته بهم أوْرد ما ذكره ابن الجوزي عن بعض الحنابلة يقول: صَنّف بعض الحنابلة كتباً شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس فسمّوا لله صورة ووجهاً زائداً على الذات وعينين وفماً ولَهَوَات وأضراساً ويدين وأصابع وكفّاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين، وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس، ثم يتحرّجون من التشبيه ويقولون: نحن أهل السنة والجماعة وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلق من العوام، إلى آخره. هذا الذي ذكره ابن الجوزي ليس كله صحيحاً مما يثبته أهل السنة ولا كله باطل، وهو تشنيع منه لمثبتة الصفات حيث تعرّض هو لنفيها، وقد بينت ذلك في الرد على السقاف لكن ابن الجوزي مرة يثبت الصفات ومرة ينفيها ولا يُعتمد عليه في هذا ويكفي تشنيعه هنا، والمراد المالكي أوْرد كلام ابن الجوزي ليشنع على أهل السنة. وإثباتهم للصفات الواردة في الكتاب والسنة أشهر من أن يذكر ولا يلزم من هذا التشبيه، ولا يلزم ألا يغلط بعضهم إنما الشأن فيما اشتهر وانتشر وضبُط من مذهبهم فهو ولله الحمد مدوّن مبيّن وليس فيه مطعن لمبطل. ومِنْ طعن المالكي على أهل السنة الذي لابد أن يقارنه الدفاع عن الجهمية قوله: (كذلك يذمون السلطان إذا آذى أحد أتباعهم ويقولون: هذا سلطان

سوء وينسون كل فضائله كما فعلوا بالمأمون، لكن إذا جاء سلطان آخر معهم يمدحونه ولو كان مبتدعاً أو ظالماً كالمتوكل)، وقد تقدم كلام النقيدان عن المأمون فالمشرب واحد، ويقول في مسبته لأهل السنة ودفاعه عن الجهمية: (من الأشياء افتراؤهم على الخصوم: مثل زعمهم أن جهم بن صفوان يريد أن يمحو آية {الرحمن على العرش استوى} هذه صعبة. رجل مسلم ما أظن مهما بلغ من البدعة أن يصل إلى أنه يتمنى أن يحك آية من المصحف الشريف، كل هذه أقوال الخصوم. ويقول: إذا جاء الجهمية على افتراض صحة ما يُنقل عنهم ونفوا الصفات نأتي نحن ونثبت إلى أن نصل إلى التجسيم. أنظر قوله: على افتراض صحة ما يُنقل عنهم يعني الجهمية يُشكك فيما ينقل عنهم ثم يزعم أن أهل السنة يصلون إلى التجسيم، وسبق كلامه على حديث الصورة وعلى كلام الرب سبحانه وصوته وغير ذلك مما فيه إثبات الصفات فهذه أنفاس الجهمية، وكيف يقول عن أهل السنة الذين يثبتون صفات الباري سبحانه كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله بلا تشبيه ولا تعطيل يقول: يصلون إلى التجسيم؟ وما هو التجسيم إنها شناعة أحدثها الجهمية للتنفير من السنة وأهلها. ثم قال: لنترك الانتسابات التي تفرقنا شيعاً فلا شرعية لكلمة شيعة ولا سنة ولا جهمية ولا سلفية ولا معتزلة كشرعية الإسلام، ولم يأت نص باستحباب أي تسمية أخرى، ومن زعم ذلك فعليه الدليل .. تأمل كيف طمّ الوادي فهذه الفرق عنده مجرد انتسابات وتسميات وليس هناك فرق ولا نص باستحباب أي تسمية أخرى، ومعنى كلامه الطعن على أهل السنة وكأن المسألة مجرد تسمية، أما تقريرهم السنة الحقه وردهم ما سواها وتمييزهم لفرق الضلال فهذا يطعن فيه المالكي ويرده.

ويقول في مسألة خلق القرآن: ليست من الأصول بل هي مسألة فرعية. أقول: هذه ملامح جهمية تبدو في الأفق كفى الله المسلمين شرها. إن الدين النصيحة فلعل هؤلاء يعودون إلى رشدهم ويَدَعون التمادي في الضلالة فيسعهم ما وسع أئمة المسلمين وعلمائهم ولا يُسيئون بهم الظن كل هذه الإساءة ولا يدافعون عن الجهمية الذين اتفق على تكفيرهم خمسمائة عالم من علماء أهل السنة ويعرفوا قدر نفوسهم وإلا فضررهم عائد عليهم ويحملون من سيئات من أضلوه. وأنا هنا لم أكلف نفسي الرد على ما قال المالكي لأنه ولله الحمد لا يخفى على المسلمين وتفنيده حافلة به كتب أهل السنة سواء الكلام في التجسيم وأنه أعظم ما يُشنع به الجهمية على أهل السنة وأن إثباته ونفيه بدعة حيث لم يرد الشرع بذلك، ولا بيان أن ما يثبته أهل السنة من الصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة لا يقتضي التشبيه، وأنه هو المعتقد الذي عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بل وعليه جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة عليهم الصلاة والسلام أجمعين فما نقمة الجهمية وأفراخهم على أهل السنة إلا كنقمة من قال الله عنهم: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}. كل هذا في غاية البيان والوضوح في كتب أهل السنة ولله الحمد، وإنما المراد هنا الإشارة والتحذير ولعل القوم يتداركون ما فرط منهم قبل أن يتولجوا في اللجج فإن العَوْد إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

وما أبخس حظ من دافع عن الجهمية وحَمِدَ مسْلكهم إنه يشعل نار الذنوب لتأكل روحه فيظل بجسد خواء تكتنفه الوحشة وتعلوه الظلمة وتتناوب عليه الهموم والغموم، ووالله إن الأمر أعظم من ذلك وهذا في الدنيا أما الآخرة فإن عذاب الله شديد، {ويحذركم الله نفسه}. إن أردت معرفة ذلك مجملاً فاعلم أن تنزيه الجهمية المدَّعى إنما هو نفي صفات الجليل وهو أسرع وأوسع طريق موصل للتعطيل، إنه طمْس المعرفة بالمعبود سبحانه، لقد فرغ أئمة أهل السنة من هذه التركة الإبليسية وبيّنوا أمرها وشأنها {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} قالوا: إن نهاية الجهمية أن ليس فوق العرش إله يُعبد، وهذه والله هي الحقيقة يعرف ذلك من جادلهم أو اطلع على كلامهم أو كلام أهل السنة فيهم. لقد أوْحشهم الشيطان غاية الوحشة أن يثبتوا لله سبحانه صفاته خشية التجسيم بزعمهم حتى قادهم بسهولة إلى التعطيل حيث أنهم يثبتون ذاتاً مجردة عن الصفات. وقد ذكر أهل السنة وصدقوا أن هذه الذات المزعومة لا يمكن وجودها إطلاقاً لأن كل موجود لابد له من صفة، أما الذات المجردة من الصفات ففي الأذهان وليست في الأعيان فتأمل هذا فإنه يجمع لك ما تشعب وتشتت من مذهبهم إنهم يعبدون العدم (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه) نعوذ بالله من الحَوْر بعد الكَوْر ومن الضلال بعد الهدى.

قصيدة في إنكار نقض المالكي لكشف الشبهات.

قصيدة في إنكار نقض المالكي لكشف الشبهات وهذه أبيات كتبتها في الرد عليه لما كتب (نقض كشف الشبهات): المالكيّ تكشفتْ أسرْارُهُ ... هَتَكَ الضلالُ عَنِ الغَويِّ ستارهُ ما زال يُوقِد للشرور وظنّهُ ... أنَّ النهارَ قَدِ اختفَتْ أنوارُهُ نَال الصحابة واستمرَّ بغَيِّهِ ... تبّاً له بادٍ عليه بَوَارُه بُعْداً له مُتلبس بتَديُّنٍ ... هذا التديّنُ بان منه عَوَارُه ما بالُ شيخٍ لسْتَ منه قلامةً ... للِظفرِ أو حتى تنال غبارَه قدْ جئتَ تثلبُ عرْضَهُ وتسبَّهُ ... وتعيبَ بدراً قدْ زهى إبدارُه أَيَضُرّ نَبْحُ الكلبِ بَدْراً طالعاً ... فلَيَنْبحَنَّ ولا يَقِرَّ قرارُه قل ما تشاء ومَنْ تغُرّ فإنما ... خُذلانَه جاءتْ به أقدارُه أما التقيُّ فإنه لك قائلٌ ... المالكيُّ خبيثةٌ أخبارُه أحَدّيِةٌ (¬1) وَكْرٌ لَهُ مشْؤومةٌ ... والطيرُ مشْبِهةٌ له أطْياره بُعْداً وسحقاً ما وجدتَ سوى الذي ... مثل النهار تَبَلّجتْ أنوارهُ شيخٌ تقيٌ علمُه يهدي الورى ... حبْرٌ جليلٌ لا يُشقُّ غُبارَه هذي الجزيرة طبّقتْ ظلماتُها ... والشركُ فيها ليس تخبو نارُه فهداه ربي واستقام على الهدى ... وأقام دِيناً قد عفَتْ آثاره وله المآثر والفضائل جمةٌ ... هو نعمةٌ نَعِمَتْ بها أعصارُه ¬

_ (¬1) (الأحدية) موضع يجتمع فيه المالكي وأضرابه. جعل الله كيد الكائدين في نحورهم.

من أنت حتى تنتهك حُرماته ... لوْلا زمانٌ قد طغتْ أشرارُه مَنَّتكَ نفسُك تنقض الكشف الذي ... للشرك يكشف هاتكاً أستارَه ما أنت إلا بالضلالة سادرٌ ... مَكْرُ الظلومِ يكون فيه دمارُه أبشرْ فإنك مُوقظٌ غفلاتنا ... عن شيخنا حتى نحوطَ ذمارَه وإذا تجيء مذمّةٌ من ناقص ... فهي التي أحْرى تُبين عَوَاره والضدّ يُبدي من محاسن ضدّه ... ما لا يشاء إذا طغَت أوزارُه يا عنز سوءٍ حتْفَها في ظِلْفها ... يا من يُدَمِّر في يديه دياره شبهاتُ شركٍ جِئْتَ تَفْتل غَزْلها ... ورماد نارٍ تسْتعيدُ شراره لن تعْدُوَ القدْرَ الذي هو لائقٌ ... بالهادمين من الطريق منارَه والشيخ يعرف قدره أهل التّقى ... هم أهل دعوته وهم أنصاره أدْرج بِعشّك مَنْ تكون حيالَهُ ... حتى تطاولُ أو تطول غبارَه والكشفُ سَوْءَةَ مشركٍ هُوَ كاشفٌ ... مَنْ غَار فهو على الضلالِ مَدارُه والكشفُ قرّة عينِ كلّ موحدٍ ... مَن كان أعمى لا يرى أنوارَه مثْل ابن فرحانِ الذي هو حائرٌ ... كالليل صار مِنَ الظلامِ نهاره يا رب جازِ الشيخَ عنا بالرضى ... وبجنةِ الفردوس إجعل داره وصلاةُ ربي والسلام على الذي ... قد شادَ للدينِ القويمِ منارَه عبد الكريم بن صالح الحميد القصيم ـ بريدة يوم / الثلاثاء. الموافق 17/ 5/1422هـ

§1/1