الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان

بكر أبو زيد

مقدمة الطبعة الأولى

مقدمة الطبعة الأولى الحمد لله رب العالمين، الذي هدانا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، فأكمله- سبحانه- لنا وأتمه، وأتمَّ به علينا النعمة، ورضيه لنا دينا، وجعلنا من أهله وجعله خاتما لكل دين وشرعة، ناسخا لجميع الشرائع قبله، وبعث به خاتم أنبيائه ورسله محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام / 153] ، وجعل نهايته: رضوان الله والجنة {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة /: 15، 16] ، {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة / 72] ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}

[آل عمران / 83] . ونعوذ بالله من طريق: "المغضوب عليهم": "اليهود": "الأمة الغضبية، أهل الكذب، والبُهت، والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السُّحْت- وهو الرِّبا والرِّشا- أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السِّحر، والكذب، والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حُرْمة، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشّهم، وسليم الناصية- وحاشاه أن يوجد بينهم- ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم بيوتا، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجية، تحيتهم: لعنة، ولقاؤهم: طيرة، شعارهم الغضب، ودثارهم المقت" (¬1) . ¬

(¬1) ما جاء بين القوسين من: «هداية الحيارى» لابن القيم. وهكذا في المواضع بعده من هذه المقدمة.

ونعوذ بالله من طريق "الضالين": "النصارى": "المُثلَّثة، أمة الضلالة، وعُبَّاد الصليب، الذين سبُّوا الله الخالق مسبَّة ما سبه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ولم يجعلوه أكبر من كل شيء، بل قالوا فيه ما: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها: أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزَلَ عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات، ودُفِنَ، فدِينُها: عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا! فدينهم: شرب الخمور، وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله "القس" والحرام ما حرَّمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير". ونعوذ بالله من كل: "عابد أوثان، وعابد نيران، وعابد شيطان، وصابئ حيران؛ يجمعهم الشرك، وتكذيب الرسل، وتعطيل الشرائع،

وإنكار المعاد، وحشر الأجساد، لا يدينون للخالق بدين، ولا يعبدونه مع العابدين، ولا يوحدونه مع الموحدين. وأُمَّة "المجوس" منهم تستفرش الأمهات، والبنات، والأخوات، دع العمات، والخالات، دينهم: الزَّمر، وطعامهم: الميتة، وشرابهم: الخمر، ومعبودهم: النار، ووليهم: الشيطان، فهم أخبث بني آدم نحلة، وأرداهم مذهبا، وأسوأهم اعتقادا. وأما زنادقة الصابئة، وملاحدة الفلاسفة، فلا يؤمنون بالله، ولا ملائكته، ولا كتبه، ولا رسله، ولقائه، ولا يؤمنون بمبدأ، ولا معاد، وليس للعالم عندهم رب فعال بالاختيار لما يريد، قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، آمر ناهٍ، مرسل الرسل، ومنزِّل الكتب، ومثيب المحسن، ومعاقب المسيء، وليس عند نُظَّارهم إلا تسعة أفلاك، وعشرة عقول، وأربعة أركان، وسلسلة ترتب فيها الموجودات هي بسلسلة المجانين أشبه منها بمجوَّزات العقول". فالحمد لله الذي أعاذنا من سبل الضلالة، التي تجمعها هذه الطرق الخمسة الشيطانية: طريق المغضوب عليهم: اليهود، وطريق الضالين: النصارى، وطريق الصابئة: الزنادقة الملاحدة الحيارى، وأخلافهم أخلاف

السوء من الشيوعيين، ومن شاكلهم، وطريق المجوس: مجمع الخبائث قولا، وفعلا، واعتقادا، وطريق المشركين: عبدة الأوثان، مكذبة الرسل والأنبياء. الحمد لله الذي أعاذنا منها، "وأغنانا بشريعته- شريعة الإسلام- التي تدعو إلى الحكمة، والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل، والإحسان، والنهي عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، فلة المنة والفضل على ما أنعم به علينا، وآثرنا به على سائر الأمم، وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة، وأن يفتح لنا أبواب التوبة، والمغفرة، والرحمة". وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعالى وتقدس عن كل مبطل كذاب، ومشرك يعدل به غيره من الآلهة المخلوقين، والأرباب المكذوبين: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون / 91، 92] . " وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وخيرته من بريته، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، ابتعثه بخير

ملة، وأحسن شرعة، وأظهر دلالة، وأوضح حجة، وأبين برهان، إلى جميع العالمين، إنسهم، وجنهم، عربهم، وعجمهم، حاضرهم، وباديهم؛ الذي بشرت به الكتب السالفة، وأخبرت به الرسل الماضية، وجرى ذكره في الأعصار، في القرى والأمصار، والأمم الخالية. ضُربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر إلى عهد المسيح ابن البشر". * أما بعد: ففي الوقت الذي يجري فيه صريف الأقلام الجهادية من علماء المسلمين في شتى فجاج أرض الله، بالدعوة إلى الله، والتبصر في الدين، ومواجهة موجات الإلحاد والزندقة، وردِّ دعاوى الجاهلية القديمة والمعاصرة: القومية. البعثية. . . الماركسية. العلمنة. الحداثة. . . وصد عاديات التغريب، والانحراف، والغزو المعنوي بجميع أنواعه وضروبه، وأشكاله، بدت محنة أخرى في ظاهرة هي أبشع الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين؛ إذ نزعت في المواجهة نزعا عنيفا بوقاحة، وفراهة؛ كيدا للمسلمين، وطعنا في الدين، وليًّا بألسنتهم، لإفساد نزعة التدين بالإسلام، والدخول فيه، وتذويب شخصيته في معترك الديانات، ومطاردة التيار الإسلامي، وكبت

طلائعه المؤمنة، وسحب أهله عنه إلى ردة شاملة. وكل ذلك يجري على سنن الصراع والتقابل والتدافع، كما قال أبو العلاء المعري: يُجْنَى تزايد هذا من تناقص ذا ... كالليل إن طال غال اليوم بالقِصَر وأعلى من ذلك وأجلُّ قول الله تعالى-: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة / 217] . وقوله- سبحانه: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء / 89] . وذلك فيما جَهَرَتْ به اليهود والنصارى، من الدعوة الجادة إلى: " نظرية الخلط بين الإسلام وبين ماهم عليه من دين محرَّف منسوخ " وزرع خلاياهم في أعماق أمة الإسلام في كل صقع ودار، وصهر المسلمين معهم في قالب واحد، فلا ولاء، ولا براء، ولا تقسيم للملا إلى مسلم وكافر أبدا، ولا لتعبدات الخلائق إلى حق وباطل. ونصبوا لذلك مجموعة من الشعارات، وصاغوا له

كوكبة من الدعايات، وعقدوا له المؤتمرات، والندوات، والجمعيات، والجماعات، إلى آخر ما هنالك من مخططات وضغُوط، ومباحثات ظاهرة، أو خفية، معلنة، أو سرية، وما يتبع ذلك من خطوات نشطة، ظهر أمرها وانتشر، وشاع واشتهر. وهم في الوقت نفسه في حالة استنفار، وجد ودأب في نشر التنصير، وتوسيع دائرته، والدعوة إليه، واستغلال مناطق الفقر، والحاجة، والجهل، وبعث النشرات عبر صناديق البريد. * من هنا اشتد السؤال، ووقع كثيرا من أهل الإسلام عن هذه: "النظرية" التي حلَّت بهم، ونزلت بساحتهم: ما الباعث لها؟ وما الغاية التي ترمي إليها؟ وما مدى مصداقية شعاراتها؟ وعن حكم الإسلام فيها، وحكم الاستجابة لها من المسلمين، وحكم من أجاب فيها، وحكم من دعا إليها، ومهد السبيل لتسليكها بين المسلمين، ونشرها في ديارهم، ونثر من أجلها وسائل التغريب، وأسباب التهويد، والتنصير، في صفوف المسلمين. حتى بلغت الحال ببعضهم إلى فكرة: "طبع القرآن الكريم، والتوراة والإنجيل" في غلاف واحد؟

وحتى بلغ الخلط والدمج مبلغه ببناء "مسجد، وكنيسة، ومعبد" في محل واحد، في: "رحاب الجامعات" و"المطارات" و"الساحات العامة"؟ فما جوابكم يا علماء الإسلام؟؟

* * * * بين يدي الجواب: ولا شك أن الوضع قائم مشهور، والسؤال وارد مطلوب، والجواب واجب محتوم، على كل من آتاه الله علما وبصيرة في دين الله، وهذا من بعض حق الله على كل عبد مسلم؛ لتبصير المسلمين في أمر دينهم، وكشف الحقيقة عما يحل بهم، حتى يصيروا على بصيرة من أمرهم، وحراسة الشريعة برد كل مكيدة توجه إليهم، وإلى دينهم: "دين الإسلام" وتطعن في الله، وفي كتابه، وفي رسوله، وسنته، وهو باب عظيم من أبواب مجاهدة الكافرين ودفع مكايدهم وشرورهم عن المسلمين، وهي تكون بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان. قال الله تعالى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران / 79] . وقد رأيت أن أكتب الجواب عن هذا السؤال، مبينا له بالحجة، والبيان، والدليل، والبرهان، مرتبا له في مقامات ثلاثة: * المقام الأول: المسرد التاريخي لهذه النظرية، وتشخيص وقائعها، وخطواتها في الحاضر والعابر؛ ليحصل تمام التصور لمحل السؤال.

* المقام الثاني: في الجواب على سبيل الإجمال. * المقام الثالث: في الجواب على طريقة النشر والتفصيل، بتشخيص الأصول العقدية الإسلامية التي ترفض هذه النظرية وتنابذها.

المقام الأول المسرد التاريخي لهذه النظرية وتشخيص وقائعها

المقام الأول المسرد التاريخي لهذه النظرية وتشخيص وقائعها إنها نظرية اليهود والنصارى، وهي حديثة بصنع شعاراتها، والعمل من أجلها على كافة المستويات - كما سيأتي - لسَحب المسلمين عن إسلامهم، لكنها قديمة عند اليهود، والنصارى، في كوكبة تدابيرهم الكيدية ومواقفهم العدائية للإسلام، والمسلمين. وبتتبع مراحلها التاريخية، وجدتها قد مرت في حقب زمانية أربع هي: 1 - مرحلتها في عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد بين الله - سبحانه - في محكم كتابه، أن اليهود، والنصارى في محاولة دائبة؛ لإضلال المسلمين عن إسلامهم، وردهم إلى الكفر، ودعوتهم المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية فقال - تعالى -: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة / 109] .

مرحلة الدعوة إليها بعد انقراض القرون المفضلة

وقال - تعالى -: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة / 111، 112] . وقال - تعالى -: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة / 135] . وهكذا في عدد من آيات الله، يتلوها المسلمون في كتاب الله؛ ليحذروا الكافرين من اليهود، والنصارى، وغيرهم، كما قال تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة / 42] . ففي تفسير ابن جرير - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية " عن مجاهد - رحمه اله تعالى - أنه قال: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} اليهودية والنصرانية بالإسلام ". وفي تفسير ابن كثير - رحمه الله تعالى - عن قتادة - رحمه الله تعالى - أنه قال عند هذه الآية: " ولا تلبسوا اليهودة والنصرانية بالإسلام، إن دين الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله ". وهذا التفسير من أعظم الفقه بكتاب الله تعالى. ثم خمدت محاولتهم حينا من الدهر حتى انقراض القرون المفضلة. 2 - مرحلة الدعوة إليها بعد انقراض القرون المفضلة: ثم بدت محاولاتهم مرة أخرى تحت شعار صنعوه، وموهوا به على الجهال، وهو: أن الملل: اليهودية، والنصرانية، والإسلام. هي بمنزلة المذاهب الفقهية الأربعة عند المسلمين كل طريق منها يوصل إلى الله - تعالى - (¬1) . وهكذا فيما يثيرونه من الشبه، ومتشابه القول، وبتر ¬

(¬1) الفتاوى: 4 / 203.

النصوص، مما يموهون به، ويستدرجون به أقواما، ويتصيدون به آخرين، من ذوي الألقاب الضخمة هنا وهناك؟ ثم تلقاها عنهم دعاة: " وحدة الوجود " و" الاتحاد " و" الحلول " وغيرهم من المنتسبين إلى الإسلام من ملاحدة المتصوفة في مصر، والشام، وأرض فارس، وأقاليم العجم، ومن غلاة الرافضة وهي من مواريثهم عن التتر، وغيرهم حتى بلغ الحال أن بعض هؤلاء الملاحدة يجيزون التهود، والتنصر، بل فيهم من يرجح دين اليهود والنصارى على دين الإسلام، وهذا فاشٍ فيمن غلبت عليهم الفلسفة منهم، ثم انتقلوا إلى أن أفضل الخلق عندهم هو: " المحقق " وهو: الداعي إلى الحلول، والاتحاد. وقد كشفهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مواضع من كتبه (¬1) . وقد قُمِعَت هذه الدعوة الكفرية بمواجهة علماء الإسلام لها، والمناداة عليها، وعلى منتحليها، بأنها كفر وردة عن الإسلام. ¬

(¬1) الفتاوى 4 / 203 - 208، 14 / 164 - 167، 28 / 523. الصفدية: 1 / 98 - 100، 268. الرد على المنطقيين: ص / 282 - 283.

مرحلة الدعوة إليها في النصف الأول من القرن الرابع عشر

وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - مواقف إسلامية مشهورة خالدة، ولغيره من علماء المسلمين الذين ردوا على هؤلاء الغلاة، مثل الحلاج: الحسين بن منصور الفارسي، المقتول على الردة سنة 309 (¬1) ، وابن عربي محمد بن علي الطائي، قدوة السوء للقائلين بوحدة الوجود، في كتابه: الفصوص، المتوفى سنة 638، وابن سبعين. ت سنة 669، والتلمساني. ت سنة 690، وابن هود. ت سنة 699، وغيرهم كثير (¬2) . 3 - مرحلة الدعوة إليها في النصف الأول من القرن الرابع عشر: وقد خمدت حينا من الدهر محتجرة في صدر قائليها، ¬

(¬1) لا أستعمل الرمز «هـ» إشارة إلى التاريخ الهجري؛ لأنه ليس لدينا في الإسلام سواه، والتاريخ الميلادي ليس قسيما له، وعند وروده منقولا أرمز له بحرف «م» . (¬2) تنبيه: عظمت الفتنة في عصرنا بمدح الملاحدة المنتسبين إلى الإسلام والافتخار بهم، وإظهار مقالاتهم، وساعد على ذلك طبع المستعربين - المستشرقين - لكتبهم ونشرها، وكل هذه مخاطر يجب الحذر منها، وعلى من بسط الله يده أن يكف أقلام أصحابها وألسنتهم، طاعة لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نصرة هذا الدين وحماية لأهله من شرورهم.

المظهرين للإسلام، المبطنين للكفر والإلحاد، حتى تبنتها حركة " صن مون التوحيدية " ويقال " المونية " (¬1) .، وقبلها " الماسونية " (¬2) وهي: " منظمة يهودية للسيطرة على العالم، ونشر الإلحاد والإباحية "، تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة، ونبذ التعصب بجامع الإيمان بالله، فكلهم مؤمنون. وقد وقع في حبال دعوتهم: جمال الدين بن صَفدَر الأفغاني، ت سنة 1314 بتركيا (¬3) وتلميذه الشيخ محمد عبده بن حسن التركماني. ت سنة 1323 بالإسكندرية (¬4) . وكان من جهود محمد عبده، في ذلك، أن ألف هو، وزعيم الطائفة ميرزا باقر الإيراني، الذي تنصر، ثم عاد إلى الإسلام، ومعهم ممثل جمال الأفغاني، وعدد من رجال الفكر في: " بيروت " ألفوا فيه جمعية باسم: " جمعية التأليف والتقريب " موضوعها التقريب بين الأديان الثلاثة. وقد دخل في هذه الجمعية بعض الإيرانيين، وبعض الإنجليز، واليهود، كما تراه ¬

(¬1) الموسوعة الميسرة: 2 / 669 - 674. ط 3. (¬2) الموسوعة الميسرة: ص / 449 - 454. ط1. (¬3) انظر: كتاب: «صحوة الرجل المريض» لموفق بني المرجه: ص / 345، وكتاب: «جمال الدين الأفغاني في الميزان» . (¬4) المراجع السابقة.

مفصلا في كتاب: " تاريخ الأستاذ الإمام: 1 / 817 - 829 " تأليف محمد رشيد رضا. المتوفى سنة 1354. ومن جهود محمد عبده في ذلك، مراسلات بينه، وبين بعض القساوسة، كما في كتاب: " الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده: 2 / 363 - 367 " جمع محمد عمارة. وقد جالت مطارحات في هذه النظرية، بين عدد من المؤيدين، والمعارضين، بين محمد عبده، ومحمد حسين هيكل، والطبيب حسن الهراوي، وعبد الجواد الشرقاوي، وذلك في مجلة: " السياسة الأسبوعية بمصر " في الأعداد / 2821 لشهر صفر عام 1351، وما بعده. وفي: " صحيفة الهلال " في الأعداد / 484، 485 لعام 1357، 1358، مقالات بعنوان: " هل يمكن توحيد الإسلام والمسيحية؟ " بين كل من / محمد فريد وجدي، ومحمد عرفة، وعبد الله الفيشاوي الغزي، وبين القساوسة، وكان الحوار، وكانت المراسلات جارية في هذه المقالات في الجواب على هذا السؤال: هل يمكن التوحيد بين الإسلام والمسيحية من جهة

مرحلة الدعوة إليها في العصر الحاضر

الأسلوب الروحي فقط، أو من جهة الأمور المادية؟ وكان النصراني إبراهيم لوقا يستصعب توحيد الإسلام والمسيحية في كلا الأمرين جميعا، ولكنه استسهل الجمع بين المسلمين والنصارى في مصالح الوطن، ثم قال: " لا سبيل إلى الوحدة الكاملة إلا بأن تعتنق إحداهما مبادئ الأخرى، فإما إيمان بلاهوت المسيح، وتجسده، وموته، وقيامه، فيكون الجميع مسيحيين، وإما إيمان بالمسيح كواحد من الرسل النبيين، فيصبح به الجميع مسلمين ". 4 - مرحلة الدعوة إليها في العصر الحاضر: في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري، وحتى عامنا هذا 1416. وفي ظل " النظام العالمي الجديد ": جهرت اليهود، والنصارى، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم، وبين المسلمين، وبعبارة أخرى: " التوحيد بين الموسوية، والعيسوية، والمحمدية " باسم: " الدعوة إلى التقريب بين الأديان ". " التقارب بين الأديان ". ثم باسم: " نبذ التعصب الديني ".

ثم باسم: " الإخاء الديني " وله: فتح مركز بمصر بهذا الاسم (¬1) . وباسم: " مجمع الأديان " وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا الاسم (¬2) . وباسم: " الصداقة الإسلامية المسيحية ". وباسم: " التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية ". ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات: * " وحدة الأديان ". " توحيد الأديان ". " توحيد الأديان الثلاثة ". " الإبراهيمية ". " الملة الإبراهيمية ". " الوحدة الإبراهيمية ". " وحدة الدين الإلهي ". " المؤمنون ". " المؤمنون متحدون ". " الناس متحدون ". الديانة العالمية ". " التعايش بين ¬

(¬1) في كتاب محمد البهي: «الإخاء الديني، ومجمع الأديان / سياسة غير إسلامية» . ص / 3 قال ما نصه: «الإخاء الديني جماعة تمارس نشاطها المشترك بين المسلمين والمسيحيين في المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين بالقاهرة. . . . . .» . (¬2) في المرجع السابق: «مجمع الأديان: مبنى يقام في وادي الراحة بسيناء للعبادات الثلاث» .

الأديان ". " المِلّيُون ". " العالمية وتوحيد الأديان " (¬1) . ثم لحقها شعار آخر، هو " وحدة الكتب السماوية ". ثم امتد أثر هذا الشعار إلى فكرة طبع: " القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل " في غلاف واحد. ثم دخلت هذه الدعوة في: " الحياة التعبدية العملية " (¬2) ؛ إذ دعا " البابا " إلى إقامة صلاة مشتركة من ممثلي الأديان الثلاثة: الإسلاميين والكتابيين، وذلك بقرية: " أسِيس " في: " إيطاليا ". فأقيمت فيها بتاريخ: 27 / 10 / 1986 م. ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم: " صلاة روح القدس (¬3) . ¬

(¬1) العالمية: مذهب معاصر، يدعو إلى البحث عن حقيقة واحدة يستخلصها من ديانات ومذاهب العالم المتعددة، وحقيقته نسف للإسلام، انظر: معجم المناهي اللفظية ص / 370 - 371. (¬2) من هنا الفقرة العاشرة، مستخلص من: سلسلة تقارير المعلومات بوزارة الأوقاف الكويتية، تحت الوثيقة رقم / 61334 بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض. (¬3) لم يفصح لنا الخبر إلى أي القبلتين صلى بهم البابا؟ . . . . وهل كانت الصلاة في بيت رحمة - المسجد - أم في بيت عذاب: الكنيسة، والمعبد؟ وهذه أول صلاة يؤم فيها كافر مسلما. . . . . .؟؟!!.

آثار هذه النظرية على الإسلام والمسلمين

ففي: " اليابان " على قمة جبل: " كيتو " أقيمت هذه الصلاة المشتركة، وكان - واحسرتاه - من الحضور ممثل لبعض المؤسسات الإسلامية المرموقة. وما يتبع ذلك، من أساليب بارعة للاستدراج، ولفت الأنظار إليها والالتفاف حولها، كالتلويح بالسلام العالمي، ونشدان الطمأنينة والسعادة للإنسانية، والإخاء، والحرية، والمساواة، والبر والإحسان. وهذه نظيرة وسائل الترغيب الثلاثة التي تنتحلها الماسونية: " الحرية، والإخاء، والمساواة " أو: " السلام، والرحمة، والإنسانية " وذلك بالدعوة إلى " الروحية الحديثة " القائمة على تحضير الأرواح، روح المسلم، وروح اليهودي، وروح النصراني، وروح البوذي، وغيرهم، وهي من دعوات الصهيونية العالمية الهدامة، كما بين خطرها الأستاذ محمد محمد حسين - رحمه الله تعالى - في كتابه: " الروحية الحديثة دعوة هدامة / تحضير الأرواح وصلته بالصهيونية العالمية ". آثار هذه النظرية على الإسلام والمسلمين: وعلى إثر هذا الدور العملي الجريء حصل مجموعة من الآثار: * فمن آثارها: اقتحام العقبة، وكسر حاجز الهيبة من المسلمين

من وجه، وكسر حاجز النفرة من الكافرين من وجه آخر. * ومن آثارها: أن قدم: " البابا " نفسه إلى العالم، بأنه القائد الروحي للأديان جميعا، وأنه حامل رسالة: " السلام العالمي " للبشرية. * ومن آثارها: أن " البابا " اعتبر: يوم: 27 / 10 أكتوبر عام 1986 م عيدا لكل الأديان، وأول يوم من شهر يناير، هو: " يوم التآخي ". * ومن آثارها: اتخاذ نشيد، يردده الجميع، أسموه: " نشيد الإله الواحد رب، وأب ". * ومن آثارها: أنه انتشر في العالم، عقد المؤتمرات لهذه النظرية، وانعقاد الجمعيات، وتأليف الجماعات الداعية لوحدة الأديان، وإقامة الأندية، والندوات فكان منها: 1 - أنه في تاريخ 12 - 15 / 2 فبراير 1987 م: عقد " المؤتمر الإبراهيمي " في قرطبة، بمشاركة أعداد من اليهود والنصارى، ومن المنتسبين للإسلام من القاديانيين والإسماعيليين. وكان انعقاده باسم: " مؤتمر الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية ". وافتتح لهذا الغرض معهد باسم: " معهد

قرطبة لوحدة الأديان في أوربا ". أو: " المركز الثقافي الإسلامي ". أو: " مركز قرطبة للأبحاث الإسلامية ". وكان متولي ذلك: النصراني: روجيه جارودي. وكانت أهم نقطة في انعقاده، هي: إثبات الاشتراك واللقاء بين عدد من المنتسبين إلى الأديان (¬1) . 2 - وفي تاريخ: 21 / 3 مارس / 1987 م تأسست الجماعة العالمية للمؤمنين بالله، باسم: " المؤمنون متحدون ". 3 - وفي صيف هذا العام - أيضا - تأسس " نادي الشباب المتدين ". 4 - وفي شهر إبريل، منه - أيضا - تأسست جمعية باسم: " الناس متحدون ". 5 - عمل لهذه المؤسسات، لوائح، وأنظمة داخلية ركزت على إذابة الفوارق بين الإسلام، واليهودية، والنصرانية، وتجريد الشخصية الإسلامية من هويتها: " الإسلام ناسخ لما قبله " و" القرآن ناسخ لجميع الكتب قبله ومهيمن عليها " وذلك باسم: " وحدة الأديان ". ¬

(¬1) انظر: كتاب «لا لجارودي ووثيقة إشبيلية» لسعد ظلام، وكتاب: «الإسلام والأديان» لمحمد عبد الرحمن عوض.

6 - رأس مال جماعة: " المؤمنون متحدون " وهو: " 000، 800 دولار ". 7 - في حال حلها تعود أموالها إلى: " الصليب الأحمر " ومؤسسات الصدقات الكنسية. 8 - من اعتبارات هذه الجمعية الرموز الآتية: * " رمز الإحسان " هو: مؤسس الصليب الحمر. * " رمز التطور " هو: داروين. * " رمز المساواة " هو: كارل ماركس. * " رمز السلام العالمي للبشرية و" الإخاء الديني " هو: البابا. 9 - اتخذت هذه الجمعية " راية " عليها الشعارات الآتية: " شعار الأمم المتحدة " و" قوس قزح " (¬1) ورقم " 7 " - رمز النصر عندهم - وهو أيضا اسم أول سفينة اكتشفت القارة ¬

(¬1) جاء في: «الإصحاح التاسع من سفر التكوين» ما يفيد - قبحهم الله ما أكذبهم - أن الله جعل «قوس قزح» علامة تذكره أن لا يعود إلى إهلاك أهل الأرض مرة أخرى كما كان قوم نوح، فهو علامة ميثاق بين الله وبين أهل الأرض: «أنه إذا رأى الله» قوس قزح «تذكر حتى لا يتورط مرة أخرى في طوفان آخر، قاتل الله اليهود ما أكذبهم، وعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة» ، وانظر: «قذائف الحق» للغزالي (ص / 24 - 25) .

الأمريكية، وحملت رسالة النصرانية إلى هذه القارة. 10 - تتابع عقد المؤتمرات لوحدة الأديان في: " نيويورك " و" البرتغال "، وغيرهما. * ومن آثار هذه النظرية: أنه فضلا عن مشاركة بعض من المنتسبين إلى الإسلام في هذه اللقاءات - على أراضي الدول الكافرة - في المؤتمرات، والندوات، والجمعيات وإقامة الصلوات المشتركة، مدفوعين كانوا أو مختارين - وأمرهم إلى الله تعالى - فإنه ما كادت شعارات هذه النظرية تلوح في الأفق، وتصل إلى الأسماع، وإلا وقد تسربت إلى ديار الإسلام ومنازله واجدة صداها في بعض المنتسبين إلى الإسلام، فطاشت بها أحلام، وعملت من أجلها أقلام، وفاهت بتأييدها أفمام، وانطلقت بالدعوة إليها ألسن من بعد أخرى، وعلت الدعوة بها سدة المؤتمرات الدولية، وردهات النوادي الرسمية، والأهلية. وكان منها في: " مؤتمر شرم الشيخ بمصر " في شهر شوال عام 1416، تركيز كلمات بعض أصحاب الفخامة!!!! من المسلمين!!!! على الصفة الجامعة بين المؤتمرين، وهي: " الإبراهيمية " وهو مؤتمر يجمع لفيفا من المسلمين، واليهود،

والنصارى، والشيوعيين. ومنها أنه بتاريخ: 10 / 10 / 1416. أعلن بعضهم عن إصدار كتاب يجمع بين دفتيه: القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل " (¬1) . وفي بعض الآفاق صدر قرار رسمي بجواز تسمية مواليد المسلمين، بأسماء اليهود المختصة بهم؛ وذلك إثر تسمية أحد مواليد المسلمين باسم: " رابين " (¬2) . وهكذا ينتشر عقد التهويد، والتنصير، بنثر شعاراتهم بين المسلمين، ومشاركة المسلمين لهم في أفراحهم، وأعيادهم، وإعلان صداقتهم، والحفاوة بهم، وتتبع خطواتهم وتقليدهم، وكسر حاجز النفرة منهم بذلك، وبتطبيع العلاقات معهم (¬3) . ¬

(¬1) نشر في وسائل الإعلام المختلفة، ومنها في جريدة الرأي، في العدد رقم / 9316، ص / 1 بتاريخ 13 / 10 / 1416. (¬2) نشر الخبر في وسائل الإعلام، وفي الصحافة العالمية، منذ شهر رمضان عام 1416. (¬3) تطبيع العلاقات مصطلح دولي معاصر، وهو اتفاق أو معاهدة ثنائية بين بلدين، تهدف إلى جعل العلاقات بينهما طبيعية ومتكيفة مع الوضع الجديد للبلدين، ويشمل التطبيع عدة نواح، وليس مقصورا على الناحية السياسية فقط؛ إذ يشمل العلاقات الاقتصادية والتمثيل الدبلوماسي والتبادل التجاري والتعاون الإعلامي، وفتح المجال للسياح من البلدين «كتاب كلمات غريبة 148» .

وهكذا في سلسلة يجر بعضها بعضا في الحياة المعاصرة. هذه خلاصة ما جهرت به اليهود، والنصارى، في مجال نظرية توحيد ديانتهم مع دين الإسلام، وهي بهذا الوصف، من مستجدات عصرنا، باختراع شعاراتها، وتبني اليهود، والنصارى لها على مستوى الكنائس، والمعابد، وإدخالها ساحة السياسة على ألسنة الحكام، والتتابع الحثيث بعقد المؤتمرات، والجمعيات، والجماعات، والندوات؛ لبلورتها، وإدخالها الحياة العملية فعلا. وتلصصهم ديار المسلمين لها، من منظور: " النظام الدولي الجديد " (¬1) مستهدفين قبل هيمنة ديانتهم، إيجاد ردة ¬

(¬1) ويقال: «النظام العالمي الجديد» و «النظام العالمي المعاصر» وهو كلمة أعلنها الرئيس الأمريكي «بوش» بعد أزمة الخليج عام 1411، وليس له لائحة معلنة ذات مواد، وإنما حقيقته من خلال القوى العاملة في: «المؤسسات الدولية» مثل: «مؤتمر وحدة الأديان» و «مؤتمر المرأة والإسكان» و «مؤتمر التعليم الدولي» فهو: نظام استعماري غربي من وجه جديد ضد أمم وحضارات وديانة الجنوب وفي مقدمتها «الأمة الإسلامية» يهدف إلى سلب الدين والأخلاق، وفرض التقليد والتبعية لهم في خصوصيات حضارتهم في الدين والأخلاق، ونشر الإلحاد والإباحية.

شاملة عند المسلمين عن الإسلام. وكان منشور الجهر بها، وإعلانها، على لسان النصراني المتلصص إلى الإسلام: روجيه جارودي (¬1) ، فعقد لهذه الدعوة: " المؤتمر الإبراهيمي " ثم توالت الأحداث كما أسلفت في صدر هذه المقدمة. ولا يعزب عن البال، وجود مبادرات نشطة جدا من اليهود والنصارى، في الدعوة إلى: " الحوار بين أهل الأديان " (¬2) وباسم " ¬

(¬1) انتشر إعلاميا حال هذا التقييد، إعلان روجيه جارودي أنه لم يتخل عن النصرانية، وأخذ يرمي بآراء له جديدة في الإسلام، منها: أن الصلوات المفروضات ثلاث وليست خمسا، وأنه يدعو إلى عقيدة دينية جديدة تخلط بين الإسلام والنصرانية والشيوعية، إلى آخر كفرياته، كما نشر في مجلة «المجلة» هذا العام 1416، وقد رد عليه شيخ الأزهر جاد الحق - رحمه الله تعالى - قبيل وفاته، ورد عليه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. ت 1420 - رحمه الله تعالى - المفتي العام للمملكة العربية السعودية في: «مجلة البعث الإسلامي العدد / 6 ربيع الأول عام 1417 ص / 24 - 31» ومثل هذا الرجل وانكشاف حقيقته بعد سنين، يعطي المسلمين درسا بالتثبت والتبين قبل الاندفاع، فإن المسلمين قد أكبروه، وشهروه، ثم صار حقيقة حاله ما ذكر، فإلى الله المشتكى وهو المستعان. (¬2) وكان آخرها: «مؤتمر الإسلام والحوار الحضاري بين الأديان» المنعقد في القاهرة في شهر ربيع الأول عام 1417، وفي: «مجلة الإصلاح» الإماراتية في العدد / 351 في 1 / 4 / 1417 تقرير عنه، وكشف حقائق مزعجة على لسان بعض المشاركين من المسلمين؟ !.

تبادل الحضارات والثقافات " و" بناء حضارة إنسانية موحدة " و" وبناء مسجد، وكنيسة، ومعبد " في محل واحد، وبخاصة في رحاب الجامعات وفي المطارات. وكان من مداخل السوء المبطنة لتمهيد السبيل إلى هذه النظرية، وإفساد الديانة، إجراء الدراسات المقارنة في الشرعيات بين الأديان الثلاثة، ومن هنا يتبارى كل في محاولة إظهار دينه على الدين كله، فتذوب وحدة الدين الإسلامي، وتميزه، وتسمن الشبه، وتستسلم لها القلوب الضعيفة. . . وكنت أشرت إلى خطر ذلك في بعض ما كتبت، ثم رأيت كلاما حسنا في مقدمة ترجمة الأستاذ / محمد خليفة التونسي، لكتاب: " بروتوكولات حكماء صهيون ": ص / 78 فقال ما نصه: "

وقل مثل ذلك في علم مقارنة الأديان، التي يحاول اليهود بدراسة تطورها، ومقارنة بعض أطوارها ببعض، ومقارنتها بمثلها في غيرها، أن يمحوا قداستها، ويظهروا الأنبياء، مظهر الدجالين " انتهى. هذا عرض موجز عن تاريخ هذه النظرية: " وحدة الأديان " وتدرجها في فتراتها الزمنية الثلاث المذكورة وبيان بعض آثارها التآمرية على الإسلام والمسلمين، ويأتي في آخر الجواب الإجمالي تفصيل ما تستهدفه هذه النظرية في الإسلام والمسلمين.

المقام الثاني في الجواب على سبيل الإجمال

المقام الثاني في الجواب على سبيل الإجمال إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية: تحت أي من هذه الشعارات: إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف، هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة: " بغض الإسلام والمسلمين ". وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة، وهي كاذبة خادعة، ذات مصير مروع مخوف. فهي في حكم الإسلام: دعوة بدعية، ضالة كفرية، خطة مأثم لهم، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات، وتبطل صدق القرآن، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وتبطل ختم النبوة والرسالة بمحمد - عليه الصلاة والسلام - فهي نظرية مرفوضة شرعا، محرمة قطعا

بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسنة، وإجماع، وما ينطوي تحت ذلك من دليل، وبرهان. لهذا: فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولا، الاستجابة لها، ولا الدخول في مؤتمراتها، وندواتها، واجتماعاتها، وجمعياتها، ولا الانتماء إلى محافلها، بل يجب نبذها، ومنابذتها، والحذر منها، والتحذير من عواقبها، واحتساب الطعن فيها، والتنفير منها، وإظهار الرفض لها، وطردها عن ديار المسلمين، وعزلها عن شعورهم، ومشاعرهم والقضاء عليها، ونفيها، وتغريبها إلى غربها، وحجرها في صدر قائلها، ويجب على الوالي المسلم إقامة حد الردة على أصحابها، بعد وجود أسبابها، وانتفاء موانعها، حماية للدين، وردعا للعابثين، وطاعة لله، ولرسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإقامة للشرع المطهر. وأن هذه الفكرة إن حظيت بقبول من يهود، ونصارى، فهم جديرون بذلك؛ لأنهم لا يستندون إلى شرع منزل مؤبد، بل دينهم إما باطل محرف، وإما حق منسوخ بالإسلام، أما المسلمون فلا والله، لا يجوز لهم بحال الانتماء إلى هذه الفكرة؛ لانتمائهم إلى شرع منزل مؤبد كله حق، وصدق، وعدل، ورحمة.

وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة: أنها فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية (¬1) ، تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين: عقيدة، وأرضا، وملكا، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في: 1 - إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام، والبلبلة في المسلمين، وشحنهم بسيل من الشبهات، والشهوات؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة، ونفس حاضرة. 2 - قصر المد الإسلامي، واحتواؤه. 3 - تأتي على الإسلام من القواعد، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه، ووهن المسلمين، ونزع الإيمان من قلوبهم، وَوَأدِه. 4 - حل الرابطة الإسلامية بين العالم الإسلامي في شتى بقاعه؛ لإحلال الأخوة البديلة اللعينة: " أخوة اليهود والنصارى ". 5 - كف أقلام المسلمين، وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم، ممن كفرهم الله، وكفرهم رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) انظر كتاب: «الإيمان» لعثمان عبد القادر الصافي: ص / 117.

إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام، ويتركوا ما سواه من الأديان. 6 - وتستهدف إبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام، ويترك ما سواه من الأديان. 7 - وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام: الجهاد في سبيل الله، ومنه: جهاد الكتابيين، ومقاتلتهم على الإسلام، وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا. والله - سبحانه وتعالى - يقول: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة / 29] . وكم في مجاهدة الكافرين، أعداء الله، ورسوله، والمؤمنين، من " إرهاب " لهم، وإدخال للرعب في قلوبهم، فينتصر به الإسلام، ويذل به أعداؤه، ويشفي الله به صدور قوم مؤمنين. والله - تعالى - يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال / 60] .

فواعجبا من تفريط المسلمين، بهذه القوة الشرعية؛ لظهور تفريطهم في مواقفهم المتهالكة: موقف: اغتيال الجهاد، ووأده. وموقف: تأويل الجهاد للدفاع، لا للاستسلام على كلمة الإسلام أو الجزية إن لم يسلموا. وموقف: تلقيب الجهاد باسم: " الإرهاب " للتنفير منه؛ حتى بلغت الحال بالمسلمين إلى تآكل موقفهم في فرض الجزية على الكافرين في تاريخهم اللاحق؟ وإن فرض الجزية على اليهود، والنصارى، إن لم يسلموا: عزة للمسلمين، وصغار على الكافرين؛ لهذا كانت لهم محاولات منذ القرن الرابع الهجري لإبطال الجزية، وإسقاطها عنهم، وكان أول كتاب زوره اليهود في أوائل القرن الرابع الهجري، فعرضه الوالي على العلماء، فحكم الإمام المفسر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 - رحمه الله تعالى - بأنه مزور موضوع؛ لأن فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وهو إنما أسلم عام الفتح بعد عام خيبر سنة 7، وهم يزعمون أن هذا الكتاب، وضع عنهم الجزية عام خيبر، وفيه شهادة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وقد توفي عام الخندق قبل خيبر. فثبت تزويره.

وما زال اليهود يخرجونه من وقت إلى آخر، وفي كل مرة يحكم العلماء بتزويره، فكان في عصر الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 فأبطله. وأخرجوه في القرن السابع في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728 - رحمه الله تعالى - فأبطله، وهكذا، وشرح ذلك مبسوط في كتاب: " أحكام أهل الذمة: 1 / 5 - 8 " لابن القيم المتوفى سنة 751 - رحمه الله تعالى -. وزور النصارى " وثيقة سانت كاترين " المعلقة في: " دير طور سيناء ": " سانت كاترين " و" كاترين " اسم زوجة أحد الرهبان، وقد سميت كنيسة دير الطور باسمها؛ لأنها دفنت فيها في القرن التاسع. وهي وثيقة مكذوبة وضعها النصارى. وفي: " مجلة الدارة " العدد / 3 لعام 1400. ص / 124 - 130. بحث مهم في بيان بعض الوثائق التي زورها اليهود، والنصارى، ومنها هذه الوثيقة. والكاتب هو عبد الباقي فصه. الجزائر. جامعة قسنطينة. ويزاد عليه: أن من أدلة تزويرها، ذكر شهادة أبي هريرة -

رضي الله عنه - عليها، وهو إنما أسلم عام خيبر سنة 7، وهي مؤرخة في العام الثاني من الهجرة. وانظر عن: " دير طور سيناء "، والذي سمي في القرن التاسع باسم: " دير سانت كاترين ": " الموسوعة العربية الميسرة: 1 / 830 " و: " المنجد " (¬1) مادة: " سيناء. دير طور ". و" معجم البلدان " مادة: " دير طور سيناء ". و" المنجد في الأعلام. ص / 295 ". 8 - وتستهدف هدم قاعدة الإسلام، وأصله: " الولاء والبراء " و" الحب والبغض في الله "، فترمي هذه النظرية الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين، ومفاصلتهم، والتدين بإعلان بغضهم وعداوتهم، والبعد عن موالاتهم، وتوليهم، وموادتهم، وصداقتهم. 9 - وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الأديان، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته، وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر، والأخلاقيات الهدامة، مفرغا من كل مقوماته، فلا يترشح لقيادة أو سيادة، وجعل المسلم في محطة التلقي لِمَا ¬

(¬1) «المنجد» و «المنجد في الأعلام» من مؤلفات النصارى، وإنما ذكرتهما من باب الحجة عليهما بما فيهما، وإلا فقد أغنانا الله بما ألفه أهل الإسلام قديما وحديثا، فالحمد لله، وانظر: «عثرات المنجد» للشيخ إبراهيم القطان - رحمه الله تعالى -.

يملى عليه من أعدائه، وأعداء دينه، وحينئذٍ يصلون إلى خسة الغاية: القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاوم. 10 - وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام، واستعلائه، وظهوره وتميزه، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل، في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى. 11 - وترمي إلى تمهيد السبيل: " للتبشير بالتنصير " والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء، والتبلد. 12 - ثم غاية الغايات: بسط جناح الكفرة من اليهود، والنصارى، والشيوعيين، وغيرهم على العالم بأسره، والتهامه، وعلى العالم الإسلامي بخاصة، وعلى العالم العربي بوجه خاص، وعلى قلب العالم الإسلامي، وعاصمته: " الجزيرة العربية " (¬1) بوجه أخص، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله؛ لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ: الفكري، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي، ¬

(¬1) أفردت كتابا باسم: «خصائص جزيرة العرب» ووجوه تحصينها والضمانات لحمايتها «.

وإقامة سوق مشترك، لا تحكمه شريعة الإسلام، ولا سمع فيه، ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة، ولا كسب حلال، فيفشو الربا، وتنتشر المفسدات، وتدجن الضمائر، والعقول، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة، وشريعة مستقيمة. وما " مؤتمر السكان والتنمية " المعقود بالقاهرة في: 29 / 3 / 1415 و" المؤتمر العالمي للمرأة " المعقود في بكين عام 1416. إلا طروحات لإنفاذ هذه الغايات البهيمية. هذا بعض ما تستهدفه هذه النظيرة الآثمة، وإن من شدة الابتلاء، أن يستقبل نزر من المسلمين، ولفيف من المنتسبين إلى الإسلام هذه " النظرية " ويركضوا وراءها إلى ما يُعقد لها من مؤتمرات، ونحوها، وتعلو أصواتهم بها، مسابقين هؤلاء الكفرة إلى دعوتهم الفاجرة، وخطتهم الماكرة، حتى فاه بعض المنتسبين إلى الإسلام بفكرته الآثمة: " إصدار كتاب يجمع بين دفتيه: " القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل ". وإنا لنتلو قول الله - تعالى -: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف / 155] .

ومن المعلوم أن " باب التأويل والاجتهاد " باب واسع قد يؤول بصاحبه إلى اعتقاد الحلال حراما، والحرام حلالا (¬1) ، هذا إذا كان في أصله سائغا فكيف إذا كان غير سائغ؟ بل هو اجتهاد آثم؛ لمصادمته أصول الدين المعلومة منه بالضرورة، وعلى كلا الحالين: فلا يجوز ترك بيان السنة والهدى، ويجب رد الاجتهادات والتأويلات الخاطئة، فضلا عن الفاسدة أصلا، بل يجب البيان لحفظ هذا الدين، وكف العدوان عليه. وهذا من إعطاء الإسلام حقه، والوفاء بموجب العلم والإيمان. إن هذه الدعوة بجذورها، وشعاراتها، ومفرداتها، هي من أشد ما ابتلي به المسلمون في عصرنا هذا، وهي أكفر آحاد: " نظرية الخلط بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والهدى والضلالة، والمعروف والمنكر، والسنة والبدعة، والطاعة والمعصية ". وهذه الدعوة الآثمة، والمكيدة المهولة، قد اجتمعت فيها بلايا التحريف، والانتحال، وفاسد التأويل، وإن هذه الأمة ¬

(¬1) الفتاوى: 21 / 62 - 65.

المرحومة، أمة الإسلام، لن تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها - بحمد الله - طائفة ظاهرة على الحق، حتى تقوم الساعة، من أهل العلم والقرآن، والهدى والبيان، تنفي عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فكان حقا علينا وعلى جميع المسلمين: التعليم، والبيان، والنصح، والإرشاد، وصد العاديات عن دين الإسلام. ومن حذر فقد بشر. هذا جواب على سبيل الإجمال يطوّق هذه النظرية الخطرة ويكشف مخططاتها القريبة، والبعيدة في الهدم، والتدمير، وقفزهم إلى السلطة بلا مقاوم. وخلاصته: " أن دعوة المسلم إلى توحيد دين الإسلام مع غيره من الشرائع والأديان الدائرة بين التحريف والنسخ بشريعة الإسلام: ردة ظاهرة، وكفر صريح؛ لما تعلنه من نقض جريء للإسلام أصلا، وفرعا، واعتقادا، وعملا، وهذا إجماع لا يجوز أن يكون محل خلاف بين أهل الإسلام ". وإنها دخول معركة جديدة مع عُبَّاد الصليب، ومع أشد الناس عداوة للذين آمنوا. فالأمر جد وما هو بالهزل.

والآن أقيم الأدلة مفصلة على هذه الخلاصة الحكمية، لأن النفوس تطمع بإقامة الدليل، وإظهار البراهين، وتوضيح الحجة للسالكين، فإلى البيان مفصلا حتى لا تخفى الحال على مسلم يقرأ القرآن، ولتنقذه من التيه في ضباب الشعارات الكاذبة ونقول لكل مسلم: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية / 6] .

المقام الثالث في الجواب مفصلا

المقام الثالث في الجواب مفصلا وهو يتجلى بإقامة الأصول، والمسلمات العقدية الآتية: الأصل العام: دين الأنبياء واحد، وشرائعهم متعددة، والكل من عند الله -تعالى - (¬1) . من أصول الاعتقاد في الإسلام: اعتقاد توحد الملة والدين في: التوحيد، والنبوات، والمعاد، والإيمان الجامع بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما تقتضيه النبوة والرسالة من واجب الدعوة، والبلاغ، والتبشير، والإنذار، وإقامة الحجة، وإيضاح المحجة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، بإصلاح النفوس، وتزكيتها، وعمارتها بالتوحيد، والطاعة، وتطهيرها من الانحراف، والحكم بين الناس بما أنزل الله. واعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها في الأحكام، والأوامر والنواهي. ¬

(¬1) ومما شاع خطأ: قولهم: «الأديان السماوية» وإنما هو: «الدين السماوي» : الإسلام: انظر «أباطيل وأسمار» : (2 / 551) للعلامة محمود شاكر.

وهذا الأصل هو: " جوهر الرسالات كلها ". وتفصيل هذا الأصل العقدي بشقيه كالآتي: أما توحد الملة والدين في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين: فنعتقد أن أصل الدين واحد، بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين، واتفقت دعوتهم إليه، وتوحدت سبيلهم عليه، وإنما التعدد في شرائعهم المتفرعة عنه، وجعلهم الله - سبحانه - وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم بذلك، ودلالتهم عليه؛ لمعرفة ما ينفعهم، وما يضرهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم، ومعادهم: بُعثوا جميعا بالدين الجامع الذي هو عبادة لله وحده لا شريك له، بالدعوة إلى توحيد الله، والاستمساك بحبله المتين. وبعثوا بالتعريف في الطريق الموصل إليه. وبعثوا ببيان حالهم بعد الوصول إليه. فاتحدت دعوتهم إلى هذه الأصول الثلاثة: * الدعوة إلى الله - تعالى - في إثبات التوحيد، وتقريره، وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، فالتوحيد هو

دين العالم بأسره من آدم إلى آخر نفس منفوسة من هذه الأمة. * والتعريف بالطريق الموصل إليه - سبحانه - في إثبات النبوات وما يتفرع عنها من الشرائع، من صلاة، وزكاة، وصيام، وجهاد، وغيرها: أمرا، ونهيا في دائرة أحكام التكليف الخمسة: الأمر وجوبا، أو استحبابا، والنهي: تحريما، أو كراهة، والإباحة، وإقامة العدل، والفضائل، والترغيب، والترهيب. * والتعريف بحال الخليقة بعد الوصول إلى الله: في إثبات المعاد، والإيمان باليوم الآخر، والموت، وما بعده من القبر، ونعيمه، وعذابه، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والثواب والعقاب. وعلى هذه الأصول الثلاثة، مدار الخلق والأمر، وإن السعادة والفلاح لموقوفة عليها لا غير. وهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب المنزلة، وبعث به جميع الأنبياء والرسل، وتلك هي الوحدة الكبرى بين الرسل، والرسالات، والأمم. وهذا هو المقصود من قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنا معشر الأنبياء

أخوة لِعَلاّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد» متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وهو المقصود في قول الله - تعالى -: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى / 13] . وهذه الأصول الكلية هي ما تضمنته عامة السور المكية من القرآن الكريم. وإذا تأملت سر إيجاد الله لخلقه؛ وهو عبادته، كما في قول الله - تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات / 56] . عرفت ضرورة توحد الملة، والدين، ووحدة الصراط ولهذا جاء في أم القرآن، فاتحة كتاب الله - عز وجل -: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ثم أتبع ذلك بأن اليهود والنصارى، خارجون عن هذا الصراط، فقال - سبحانه - {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} . وبهذا تدرك الحِكَمَ العظيمة مما قصه الله - تعالى - علينا في القرآن العظيم من قصص الأنبياء وأخبارهم مع أممهم؛ لأخذ

العبرة، والتفكر، وتثبيت أفئدة الأنبياء وإثبات النبوة والرسالة، وجعلها موعظة وذكرى للمؤمنين، وأخبار الأمم المكذبة لرسلهم وما صارت إليه عاقبتهم، وأنها سننه - سبحانه - فيمن أعرض عن سبيله. والدين بهذا الاعتبار: هو: " دين الإسلام " بمعناه العام، وهو: إسلام الوجه لله، وطاعته، وعبادته وحده، والبراءة من الشرك، والإيمان بالنبوات، والمبدأ، والمعاد. ولوحدة الدين بهذا الاعتبار في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين، وحد - سبحانه -: " الصراط " و" السبيل " في جميع آيات القرآن الكريم. وهذا الدين " دين الإسلام " بهذا أي باعتبار: وحدته العامة، وتوحد صراطه، وسبيله، هو الذي ذكره الله في آيات من كتابه عن أنبيائه: نوح، وإبراهيم، وبنيه، ويوسف الصدّيق، وموسى، ودعوة نبي الله سليمان، وجواب ملكة سبأ، وعن الحواريين، وعن سحرة فرعون، وعن فرعون حين أدركه الغرق. ودين الإسلام بهذا الاعتبار: هو دين جميع الأنبياء والمرسلين

وملتهم بل إن إسلام كل نبي ورسول يكون سابقا لأمته، وهو محل بعثته إلى أمته، وما يتبع ذلك من شريعته. كما قال الله - تعالى -: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل / 36] . وقال - سبحانه -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء / 25] .

وإنما خَصَّ الله- سبحانه- نبيه إبراهيم - عليه السلام- بأن: " دين الإسلام" بهذا الاعتبار العام هو ملته، في مثل قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران / 95] ، لوجوه: أولها: أنه- عليه السلام- واجه في تحقيق التوحيد، وتحطيم الشرك، ونصر الله له بذلك ما قص الله خبره، أمرًا عظيمًا. ثانيها: أن الله - سبحانه وتعالى - جعل في ذريته النبوة والكتاب؛ ولذا قيل له: " أبو الأنبياء "؛ ولذا قال الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج / 78] وهو - عليه السلام - تمام ثمانية عشر نبيا سماهم الله في كتابه من ذريته، وهم: ابنه إسماعيل، ومن ذريته من محمد عليهما الصلاة والسلام، وابنه إسحاق ومن ذريته: يعقوب بن إسحاق،

ويوسف، وأيوب، وذو الكفل، وموسى، وهارون، وإلياس، واليسع، ويونس، وداود وسليمان، وزكريا، ويحيى، وعيسى - عليهم السلام -. ثالثها: لإبطال مزاعم اليهود، والنصارى في دعواهم أنهم على ملة إبراهيم - عليه السلام - فقد كذبهم الله - تعالى - في قوله: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} . [البقرة / 140] . ورد الله عليهم محاجتهم في ذلك بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران / 65 - 67] . ثم بين - سبحانه - أن أولى الناس بإبراهيم هم الذين على ملته وسنته، فقال - تعالى -:

{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران / 68] . وبين - سبحانه - مدى الضلال البعيد في جنوح أهل الكتاب إلى هذه الدعوى، وما هم فيه من الغلو والضلال، فقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة / 77] . وبين - سبحانه - أن هذه المحاولة الكاذبة البائسة من أهل الكتاب جارية في محاولاتهم مع المسلمين؛ لإضلالهم عن دينهم، ولبس الحق بالباطل، فقال تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة / 135 - 137] . وهكذا يجد المتأمل في كتاب الله - تعالى - التنبيه في كثير من

الآيات إلى أن هذا القرآن ما أنزل إلا ليجدد دين إبراهيم؛ حتى دعاهم بالتسمية التي يكرهها اليهود والنصارى: " ملة إبراهيم " فاقرأ قول الله - تعالى -: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج / 78] . والخلاصة: أن لفظ: " الإسلام " له معنيان، معنى عام: يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من أنبياء الله الذي بعث فيهم، فيكونون مسلمين، حنفاء على ملة إبراهيم بعبادتهم لله وحده واتباعهم لشريعة من بعثه الله فيهم، فأهل التوراة قبل النسخ والتبديل، مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم، فهم على " دين الإسلام "، ثم لما بعث الله نبيه عيسى - عليه السلام - فإن من آمن من أهل التوراة بعيسى، واتبعه فيما جاء به فهو مسلم حنيف على ملة إبراهيم، ومن كذب منهم بعيسى - عليه السلام - فهو كافر لا يوصف بالإسلام؛ ثم لما بعث الله محمدا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو خاتمهم، وشريعته خاتمة الشرائع، ورسالته خاتمة الرسالات، وهي عامة لأهل الأرض وجب على

أهل الكتابين، وغيرهم، اتباع شريعته، وما بعثه الله به لا غير، فمن لم يتبعه فهو كافر لا يوصف بالإسلام ولا أنه حنيف، ولا أنه على ملة إبراهيم، ولا ينفعه ما يتمسك به من يهودية، أو نصرانية، ولا يقبله الله منه، فبقي اسم: " الإسلام " عند الإطلاق منذ بعثة محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يرث الله الأرض ومن عليها، مختصا بمن يتبعه لا غير. وهذا هو معناه الخاص الذي لا يجوز إطلاقه على دين سواه، فكيف وما سواه دائر بين التبديل والنسخ؟ فإذا قال أهل الكتاب للمسلمين: " كونوا هودا، أو نصارى " فقد أمر الله المسلمين أن يقولوا لهم: " بل ملة إبراهيم حنيفا، ولا يوصف أحد اليوم بأنه مسلم، ولا أنه على ملة إبراهيم، ولا أنه من عباد الله الحنفاء إلا إذا كان متبعا لما بعث الله به خاتم أنبيائه ورسله محمدا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما تنوع الشرائع وتعددها: فيقول الله - تعالى -: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة / 48] . شرعة: أي شريعة وسنة. قال بعض العلماء: سميت الشريعة شريعة، تشبيها بشريعة الماء، من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة، رَوَى وتطهر.

ومنهاجا: أي طريقا، وسبيلا واضحا إلى الحق؛ ليعمل به في الأحكام، والأوامر، والنواهي؛ ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه. ويقول - سبحانه -: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} [الحج / 67] . منسكا: متعبدا. هم ناسكوه: متعبدون به. وقال - تعالى - في حق نبيه ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجاثية / 18] . وقد علمنا الأصول التي تساوت فيها الملل، وتواطأت دعوة أنبياء الله ورسله إليها: إلى دين واحد، وملة واحدة في تقرير العبودية لله - سبحانه - لا شريك له وتوحيده، وتقرير النبوة، والمعاد، ووحدة التشريع من عند الله - تعالى - فهذه لا تتغير ولا تتبدل، ولا يدخلها نسخ فهي محكمة غير منسوخة، ولا تقبل الاجتهاد، ولا التخصيص.

أما الشرائع، فهي، مختلفة، متنوعة، ومتنوعة، ويعترضها النسخ، فكل شريعة رسول تخالف الأخرى في كل أو بعض أمور التشريع: فهناك حكم تعبدي في شريعة رسول ينتهي بانتهاء شريعته ببعثة رسول آخر، فينسخه. وهناك حكم يغير في بعض جزئياته في وقته، أو كيفيته، أو مقداره، أو حكمه من التشديد إلى التخفيف، وبعكسه. وهناك حكم يكون في شريعة لاحقة دون السابقة، أو عكسه. وهكذا، من تنوع التشريع في الأحكام العملية والقولية، من الأوامر والنواهي، حسب سابق علم الله - تعالى - وحكمته في تشريعه وأمره، بأوضاع كل أمة، وأزمانها، وأحوالها وطبائعها من قوتها، وضعفها، وحسب أبدية التشريع، أو تغييره ونسخه. وهذا يكاد ينتظم أبواب التشريع في العبادات، والمعاملات، والنكاح، والفرق، والجنايات والحدود، والأيمان والنذور، والقضاء، وغير ذلك من الفروع التي ترجع إلى وحدة الدين والملة. ولذا فإن شريعة الإسلام، وهي آخر الشرائع، باينت جميع

الإيمان بالله تعالى

الشرائع في عامة الأحكام العملية، والقولية، والأوامر والنواهي؛ لما لها من صفة الدوام، والبقاء، وأنها آخر شريعة نزلت من عند الله، ناسخة لما قبلها من شرائع الأنبياء. والآن إلى بيان تحقيق الإيمان الجامع بالله، وكتبه، ورسله، وبيان نقض الكتابيين لهذا الأصل العقدي العام، وكفرهم به، وما هم عليه من نواقض لهذه الأركان الثلاثة: الإيمان بالله تعالى: الأصل في بني آدم هو: " التوحيد " وهو المقصود الذي خلقوا له فيما أمرهم الله به على ألسنة أنبيائه ورسله: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف / 59] . وقد كان الناس على هذا الأصل: كلهم على الإسلام والتوحيد، والإخلاص، والفطرة، والسداد، والاستقامة: الأمة واحدة، والدين واحد، والمعبود واحد. وذلك من أبينا أبي البشر نبي الله آدم - عليه السلام - إلى قُبيل عهد رسول الله نوح - عليه السلام - كلهم على الهدى، وعلى شريعة من الحق؛ لاتباعهم النبوة.

أول وقوع الشرك في قوم نوح من الغلو في القبور: ثم كان من مكايد الشيطان أن اختلفوا بعد ذلك بتركهم اتباع الأنبياء فيما أمروا به من التوحيد والدين، ووقعوا في الشرك بسبب تعظيم الموتى، عندئذٍ انقسموا: موحدين، ومشركين. هكذا نفذ الشيطان إلى قلوبهم بإدباب الخلاف بينهم بترك اتباع الأنبياء، وكادهم بتعظيم موتاهم حتى عكفوا على قبورهم، ثم كادهم بتصوير تماثيلهم، ثم كادهم بعبادتهم، فكان هؤلاء المشركون في قوم نوح هم أول صنف من المشركين وشركهم هذا: " تعظيم الموتى " هو الشرك الأرضي، وهو أول شرك بالله، طرق العَالَم، وكان نوح - عليه السلام - هو أول رسول بُعِث إلى المشركين. قال غير واحد من السلف في قول الله - تعالى -: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح / 23] : " إن هذه أسماء قوم صالحين كانوا فيهم، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم بعد ذلك عبدوهم، وذلك أول ما عبدت الأصنام، وأن هذه الأصنام صارت إلى العرب. . . " ابتدعوا الشرك، وابتدعوا عبادة الأوثان، بدعة من تلقاء أنفسهم بشبهات

زينها الشيطان لهم بالمقاييس الفاسدة، والفلسفة الحائدة. قال البخاري في: " صحيحه " عن ابن عباس - رضي الله عنهما - " هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يدعون أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تُعبَد حتى إذا هلك أولئك، ونُسخ العلم: عُبدت ". عندئذٍ لما عبدت الأصنام، والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، بعث الله - رحمة بعباده - أول رسول إلى أهل الأرض وهو: رسول الله نوح - عليه السلام - وهو: نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ - وهو نبي الله إدريس عليه السلام - بن يرد بن مهلايبل بن قينن بن أنوش بن نبي الله شيث - عليه السلام - بن آدم أبي البشر - عليه السلام -. وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام كما في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. ومكث نوح - عليه السلام - في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما. يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وينهاهم عن عبادة ما سواه فلما أعلمه الله أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن

أهلكهم الله بالغرق بدعوته. وجاءت الرسل من بعده تترى. سَمّى الله منهم في القرآن العظيم: هودا - عليه السلام - وهو: هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح - عليه السلام - وهو أول نبي من نسل العرب، بعثه الله في الأحقاف بحضرموت وهم قومه: عاد الأولى، وهم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، كما فصل الله ذلك في سورة الأعراف: [65 - 72] . وفي سورة هود: [50 - 60] . وفي سورة المؤمنون: [31 - 41] . وفي سورة الشعراء: [123 - 140] وفي سورة: (حم السجدة) : [15 - 16] . وفي سورة الأحقاف: [21 - 25] . وغيرها من سور القرآن الكريم. ونبي الله صالحا - عليه السلام - وهو: صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح. وهو ثاني نبي من نسل العرب بعثه الله في قومه ثمود، بعد نبي الله هود في عاد. وقد ذكر الله في القرآن العظيم من خبرهم مع نبيهم، وخبر الناقة وإصرارهم على عبادة الأصنام، في عدة سور من القرآن، في السور المذكورة، وفي سورة الحجر، وغيرها.

أول وقوع الشرك في الأرض في قوم إبراهيم من عبادة الكواكب: حتى إذا عم الأرض الشرك من طراز جديد من دين الصابئة في حران، والمشركين من عبدة الكواكب والشمس والقمر في كابل، وعبدة الأصنام في بابل، لما كانت النماردة، والفراعنة ملوك الأرض شرقا وغربا، وهذا هو الصنف الثاني " عبادة الكواكب " وهو " الشرك السماوي " من المشركين بعد مشركي قوم نوح، عبدة القبور، وكان كل من على وجه الأرض كفارا سوى إبراهيم الخليل - عليه السلام - وامرأته سارة، وابن أخيه لوط - عليه السلام - بعث الله رسوله: إمام الحنفاء، وأبا الأنبياء، وأساس الملة الخالصة، والكلمة الباقية: إبراهيم خليل الرحمن من أرض بابل وهو: إبراهيم بن آزر - وهو تارخ - بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالغ بن عاير بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح - عليه السلام -. وكان الخليل - عليه السلام - هو الذي أزال الله به تلك الشرور، وأبطل به ذلك الضلال، فإن الله - سبحانه - آتاه رشده في صغره، وابتعثه رسولا، واتخذه خليلا في كبره. وقد قص الله - تعالى - خبره مع أبيه وقومه، في عدد من سور القرآن، وفي سورة إبراهيم، في إنكاره عليهم عبادة الأوثان،

وحقّرها عندهم، وتنقصها، وتكسيره لها، ومناظرته - عليه السلام - لملك بابل النمرود بن كنعان، ومحاجته له، حتى أهلك الله النمرود ببعوضة فهاجر إبراهيم - عليه السلام - إلى أرض الشام، ثم إلى الديار المصرية، ودخل بهاجر، وكان الولدان المباركان والنبيان الكريمان: إسماعيل من هاجر القبطية المصرية، وإسحاق من سارة ابنة عمه. ولما وقع بين سارة وهاجر من غيرة النساء ما وقع، هاجر إبراهيم بهاجر، وابنها إسماعيل إلى مكة - حرسها الله تعالى - فكان ما كان من أمرهم في البلد الحرام من نبوع زمزم، وبناء البيت الحرام، وغيرها من الأمور العظام. وكان لوط بن هارون بن تارخ قد بعثه الله نبيا، فاتفقت بعثته مع بعثة عمه الخليل إبراهيم - عليه السلام - بن تارخ - آزر - في زمن واحد وكان من خبره مع قومه في أرض سدوم بالشام قرب الأردن ما قصه الله في كتابه من دعوته لهم إلى عبادة الله، وترك عبادة الأوثان، وما ابتدعوه من فعل الفاحشة، فأهلكهم الله، وأنجاه هو وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين. ثم بعث الله نبيه شعيبا خطيب الأنبياء - عليه السلام - إلى

مدين أصحاب الأيكة - وهي شجرة كانوا يعبدونها - وهو قوم من العرب، يسكنون مدين في أطراف الشام، وهو: نبي الله: شعيب بن مكيل بن بشجن بن مدين بن إبراهيم، وقيل غير ذلك في نسبه. وقصته في القرآن العظيم متكررة في عدد من سوره. وهكذا تتابع الأنبياء من ذرية إبراهيم - عليه السلام - في ذرية ابنيه النبيين الكريمين: الذبيح إسماعيل أبو العرب، ثم إسحاق - عليهما السلام -. * وكان إسماعيل - عليه السلام - قد بعثه الله في جُرهُم والعماليق، واليمن، وغيرهم من أهل تلك الناحية في الحجاز واليمن من جزيرة العرب، وكان من ذريته خاتم الأنبياء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * وكان إسحاق عليه السلام - قد بعثه الله نبيا في الشام وحران وما والاها. وكان من ذريته العيص، ومن سلالته: نبي الله أيوب - عليه السلام - بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام -.

ومن سلالة إسحاق: ذو الكفل، قال ابن كثير: وزعم قوم أنه ابن أيوب. ثم استظهر ابن كثير أنه نبي. وأيوب، وذو الكفل أرسلا إلى أهل دمشق في الشام. وكان من ذريته نبي الله يعقوب - وهو إسرائيل -، وإليه تنسب بنو إسرائيل وتتابعت من بني إسرائيل: يوسف، وموسى، وهارون، وإلياس، واليسع، ويونس، وداود، وسليمان، ويحيى، وزكريا، وعيسى - عليهم السلام -. أول وقوع الشرك من النوعين في العرب وغيرهم، وبعثة خاتم الأنبياء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هكذا تتابع أنبياء بني إسرائيل، وكان آخرهم المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - وعلى حين فترة من الأنبياء والرسل، وكان الشرك من الصنفين: عبادة القبور والكواكب قد انتشر في الأرض، وكانت العرب على إرث من ملة أبيهم إبراهيم في جزيرة العرب، ولكن كان عمرو بن لحي الخزاعي في رحلته المشئومة إلى الشام، رآهم بالبلقاء لهم أصنام يستجلبون بها المنافع ويستدفعون بها المضار، فجلب مثل ذلك إلى مكة في وقت

كانت ولاية البيت لخزاعة قبل قريش وكان هو سيد خزاعة، فكان برحلته المشئومة هذه، هو أول من غير دين إسماعيل، وانحرف عن ملة إبراهيم، فَنَصَبَ الأوثان في البيت الحرام، وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي. من هنا اتخذت العرب الأصنام، وكان أقدمها: " مناة " وكان على ساحل البحر بقُديد بين مكة والمدينة، ثم " اللات " بالطائف وهي صخرة مربعة يُلت عندها السويق، ثم " العُزّى " وهي بوادي نخلة بعد: " الشرائع " للخارج من مكة شرقا. ثم تعددت الأصنام في جزيرة العرب، وكان لكل قبيلة صنم من شجر أو حجر، أو تمر، وهكذا، حتى كان منها حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، بل اتخذ أهل كل دار صنما لهم في دارهم. ولا تسأل عن انتشار الأصنام، وعبادة النار والكواكب في فارس، والمجوس، والصابئة، وأمم سواهم منهم من يعبد الماء، ومنهم من يعبد الحيوان، ومنهم من يعبد الملائكة. ومنهم من قال: الصانع اثنان، هم الثنوية من المجوس،

وهم شر من مشركي العرب، وعظموا النور، والنار، والماء، والتراب، وهكذا في أمم سواهم من: الصابئة، والدهرية والفلاسفة، والملاحدة، فصل ابن القيم - رحمه الله تعالى - فيهم وفي مذاهبهم، ومعبوداتهم: القول في: " إغاثة اللهفان: 2 / 203 - 320 ". بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما كانت أمم الأرض كذلك من الشرك، والوثنية، بعث الله النبي الرسول الخاتم لجميع الأنبياء والمرسلين، المبشر به من المسيح، ومن قبله من الأنبياء والمرسلين، داعيا إلى ملة إبراهيم، ودين المرسلين قبل إبراهيم وبعده داعيا إلى: " التوحيد الخالص " ونبذ الشرك أرضيه، وسماويه، وسد ذريعة هذا وهذا، فَنَهى عن اتخاذ القبور مساجد، ونهى عن الصلاة عليها، وإليها، وعن تشريفها؛ وهذا لسد ذرائع الشرك الأرضي الآتي من: " تعظيم الموتى " في قوم نوح - عليه السلام - ونهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها؛ لسد ذرائع " الشرك السماوي " الآتي من: " عبادة الكواكب " في قوم إبراهيم - عليه السلام - (¬1) . ¬

(¬1) انظر: مجموع الفتاوى: 28 / 12- 613.

والخلاصة: أن الإيمان بالله - تعالى -، الذي هو المطلوب من جميع الثقلين، لا يتم تحقيقه إلا بالاعتقاد الجازم بأن الله - تعالى - رب كل شيء، ومليكه، وأنه متصف بصفات الكمال والجلال، وأنه - سبحانه - هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، والقيام بذلك، علما، وعملا، ولا يتحقق ذلك إلا باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا كما يظن المتجاهلون، أن الإيمان بالله يتحقق بالإيمان بوجوده، وربوبيته، دون الإيمان بأسمائه وصفاته، وتوحيده في عبادته، ودون المتابعة لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مما جعلهم ينادون بالاتحاد بين الإسلام الحق، القائم على التوحيد الكامل وبين كل دين محرف مبدل، فيه من نواقض هذا الإيمان ما تقشعر منه جلود الذين آمنوا. ومن هذه النواقض ما يأتي: نواقض الإيمان بالله لدى اليهود: إن " اليهود " قبحهم الله، هم بيت للإلحاد، والتطاول الخطير - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وهذا بعض ما في القرآن الكريم من عقائدهم الإلحادية،

وكفرهم بالله - عز وجل -: قال الله - تعالى -: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة / 30] . وقال الله - تعالى - عن اليهود: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران / 181] . وقال - سبحانه -: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة / 64] . وقال - سبحانه -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء / 150 - 151] . نواقض الإيمان بالله لدى النصارى: إن النصارى هم: المثلثة، عباد الصليب، الذين سبوا الله مسبة ما

سبه إياها أحد من البشر. وقد فضحهم الله في القرآن العظيم. قال الله - تعالى -: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة / 30، 31] . وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} . . . [المائدة / 72] . وقال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة / 73] . وقال جل وعز: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء / 171] .

الإيمان بالكتب المنزلة

الإيمان بالكتب المنزلة: من أركان الإيمان، وأصول الاعتقاد: الإيمان بجميع كتب الله المنزلة على أنبيائه ورسله. وأن كتاب الله: " القرآن الكريم " هو آخر كتب الله نزولا، وآخرها عهدا برب العالمين، نزل به جبريل الأمين، من عند رب العالمين، على نبيه ورسوله الأمين محمد. وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل: الزبور، والتوراة، والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليه، فلم يبق كتاب منزل يُتَعَبَّدُ الله به، ويُتَّبَعُ سوى " القرآن العظيم ". ومن يكفر به فقد قال الله تعالى في حقه: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود / 17] . ومن الحقائق العقدية، المتعين بيانها هنا: أن من الكتب المنسوخة بشريعة الإسلام: " التوراة والإنجيل " وقد لحقهما، التحريف، والتبديل، بالزيادة والنقصان والنسيان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله - تعالى - منها عن: "التوراة " قول الله - تعالى -:

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة / 13] . وقال - سبحانه - عن " الإنجيل ": {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة / 14] . وأن ما في أيدي اليهود، والنصارى اليوم من التوراة والأناجيل المتعددة، والأسفار، والإصحاحات، التي بلغت العشرات، ليست هي عين التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، ولا عين الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام؛ لانقطاع أسانيدها، واحتوائها على كثير من التحريف، والتبديل، والأغاليط، والاختلاف فيها، واختلاف أهلها عليها، واضطرابهم فيها، وأن ما كان منها صحيحا فهو منسوخ بالإسلام، وما عداه فهو محرف مبدل، فهي دائرة بين النسخ والتحريف. ولهذا فليست بكليتها وحيا، وإنما هي كتب

مؤلفة من متأخريهم بمثابة التواريخ، والمواعظ لهم، وحاشا لله، أن يكون ما بأيدي اليهود من التوراة هو عين التوراة المنزلة على نبي الله موسى - عليه السلام - وأن يكون ما بأيدي النصارى من الأناجيل هو عين الإنجيل المنزل على نبي الله عيسى - عليه السلام -. وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه غَضِبَ حينما رأى مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صحيفة فيها شيء من التوراة وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي» رواه أحمد والدارمي، وغيرهما. نواقض الإيمان بهذا الأصل لدى اليهود والنصارى: لم يسلم الإيمان بهذا الأصل العقدي، والركن الإيماني إلا لأهل الإسلام، وأما أمة الغضب: اليهود، وأمة الضلال: النصارى، فقد كفروا به؛ إذ لا يؤمنون بالقرآن، ولا بنسخه لما قبله، وينسبون ما في أيديهم من بقايا التوراة والإنجيل مع ما أضيف إليهما من التحريف، والتبديل، والتغيير، إلى الله - تعالى - بل فيهما من الافتراء نسبة أشياء من القبائح إلى عدد من الأنبياء -

حاشاهم عن فرى الأفاكين - وانظر الآن الإشارة إلى طرف من هذه النصوص المفتراة في نواقض إيمانهم بجميع الأنبياء والرسل وما جاءوا به: * فقد نسبت اليهود الردة إلى نبي الله سليمان - عليه السلام - وأنه عبد الأصنام كما في سفر الملوك الأول. الإصحاح / 11 / عدد / 5. * ونسبت اليهود إلى نبي الله هارون - عليه السلام - صناعة العجل، وعبادته له كما في الإصحاح / 32 عدد / 1 من سفر الخروج. وإنما هو عمل السامري، وقد أنكره عليه هارون - عليه السلام - إنكارا شديدا، كما في القرآن الكريم. * وقد نسبت اليهود إلى خليل الله إبراهيم - عليه السلام - أنه قدم امرأته سارة إلى فرعون لينال الخير بسببها. كما في الإصحاح / 12 العدد / 14 من سفر التكوين. * وقد نسبت اليهود إلى لوط - عليه السلام - شرب الخمر حتى سكر، ثم زنى بابنته.

كما في سفر التكوين. الإصحاح / 19 العدد / 30. * ونسبت اليهود: الزنى إلى نبي الله داود - عليه السلام - فولدت له سليمان - عليه السلام -. كما في سفر صموئيل الثاني. الإصحاح / 11 العدد / 11. * ونسبت النصارى - قبحهم الله - إلى جميع أنبياء بني إسرائيل أنهم سراق ولصوص، كما في شهادة يسوع عليهم. إنجيل يوحنا. الإصحاح / 10 / العدد / 8. * ونسبت النصارى - قبحهم الله - جد سليمان، وداود: فارض، من نسل يهوذا بن يعقوب، من نسل الزنى. كما في: إنجيل متى. الإصحاح / 1 العدد / 10. فهذه أمة الغضب، وهذه أمة التثليث والضلال يرمون جمعا من أنبياء الله ورسله بقبائح الأمور التي تقشعر منها الجلود، وينسبون هذا إلى كتب الله المنزلة: التوراة والإنجيل - وحاشا لله -. إن هذا كفر بالله من جهتين: جهة نسبته إلى الوحي، ومن

جهة الكذب على الأنبياء والرسل بذلك. فكيف يدعى إلى وحدة المسلمين الموحدين، والمعظمين لرسل الله وأنبيائه مع هذه الأمم الكافرة الناقضة للإيمان بالكتب المنزلة والأنبياء والرسل؟ ومن هنا: كيف لا يستحيي من المنتسبين إلى الإسلام من يدعو إلى طبع هذه الأسفار والإصحاحات المحرفة المفترى فيها مع كتاب الله المعصوم: " القرآن الكريم ". إن هذا من أعظم المحرمات، وأنكى الجنايات، ومن اعتقده صحيحا فهو مرتد عن الإسلام.

الإيمان بالرسل

الإيمان بالرسل: من أركان الإيمان، وأصول الاعتقاد، " الإيمان بالرسل " إيمانا جامعا، عاما، مُؤتَلِفا، لا تفريق فيه ولا تبعيض، ولا اختلاف، وهو يتضمن تصديقهم، وإجلالهم، وتعظيمهم كما شرع الله في حقهم، وطاعتهم فيمن بعثوا به في الأمر، والنهي، والترغيب، والترهيب، وما جاءوا به عن الله كافة. وهذا أصل معلوم من الدين بالضرورة، فيجب الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، جملةً وتفصيلا، من قص الله - سبحانه - علينا خبره ومن لم يقصص خبره. وأن عِدّة الأنبياء، كما جاءت به الرواية من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - وغيره: «مائة ألف وعشرون ألفا» وعدة الرسل منهم: «ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا» . وسمى الله منهم في القرآن الكريم، خمسة وعشرين، فأول نبي هو: آدم - عليه السلام - وقيل: بل هو نبي رسول. وأول نبي رسول نوح - عليه السلام - وآخر نبي رسول هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان عيسى ابن مريم

قبله، ولم يكن بينهما نبي ولا رسول. وقد ذكر الله منهم في مواضع متفرقة من القرآن: سبعة، هم: آدم، وهود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، وإدريس، وذو الكفل، ومحمد - صلى الله عليهم أجمعين -. وذكر ثمانية عشر منهم في موضع واحد، في أربع آيات متواليات من سورة الأنعام: (83 - 86) وهم: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط. ومن هذا العدد: خمسة هو أولو العزم من الرسل، وهم الذين ذكرهم الله - سبحانه - بقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب / 7] . ومن هذا العدد المبارك: أربعة من العرب، وهم: هود، وصالح، وشعيب، ومحمد - صلى الله عليهم وسلم أجمعين - (¬1) ¬

(¬1) جمعهم بعضهم بقوله «شهصم» .

وذكر الله - سبحانه - ولد يعقوب باسم: " الأسباط " ولم يذكر اسم أحد منهم سوى: يوسف - عليه السلام - وهم اثنا عشر ابنا ليعقوب - عليه السلام - ليس فيهم نبي سوى يوسف - عليه السلام - وهو الذي قواه ابن كثير - رحمه الله تعالى - في " تاريخه ". وقيل: بل كانوا جميعهم أنبياء. والآيات التي يرد فيها ذكر: " الأسباط " المراد بهم شعوب بني إسرائيل، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء، وقد ثبت في السنة تسمية نبيين هما: شيث بن آدم، ويوشع بن نون - عليهم السلام -. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوحا، وشعيبا، وهودا، وصالحا، ولوطا، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، ومحمدا صلى الله وسلم عليهم أجمعين ". وكل الأنبياء والرسل: رجال، أحرار، من البشر، من أهل القرى والأمصار، ليس فيهم امرأة، ولا ملك، ولا أعرابي، ولا جني. وكلهم على غاية الكمال في الخِلقة البشرية، والأخلاق

العلية، مصطفون من خيار قومهم، الذين بعثهم الله فيهم، وبلسانهم، من خيارهم خِلقة، وخُلُقا، ونسبا ومواهب، وقدرات، معصومون في تحمل الرسالة، وتبلغيها، ومن كبائر الذنوب، واقترافها، وإن وقعت صغيرة فلا يقرون عليها، بل يسارع النبي إلى التوبة منها، والتوبة تغفر الحَوبَة. وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة إلا محمدا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبعثته عامة إلى الثقلين. وكل نبي يبعث بلسان قومه. وقد يبعث الله -سبحانه - نبيا وحده، أو رسولا وحده، وقد يجمع الله بعثة نبيين اثنين، أو نبي ورسول، أو أكثر من ذلك في زمن واحد، ومن ذلك: أن الله - سبحانه - بعث نبيه ورسوله إبراهيم - عليه السلام - وبعث في زمنه: لوطا - عليه السلام - وهو ابن أخيه. وبعث الله - سبحانه - إسماعيل، وإسحاق - عليهما السلام -، في زمن واحد. وبعث الله - سبحانه - يعقوب، وابنه يوسف - عليهما السلام - في زمن واحد.

وبعث الله - سبحانه موسى، وأخاه هارون - عليهما السلام - في زمن واحد، قيل: وشعيب - عليه السلام - الذي أدركه موسى، وتزوج ابنته. وهو غلط، كما قرره المفسرون منهم ابن جرير شيخ المفسرين - رحمه الله تعالى - وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في: " الجواب الصحيح: 2 / 249 - 250 ". وبعث الله - سبحانه - داود وابنه سليمان - عليهما السلام - في زمن واحد. وبعث الله - سبحانه - زكريا، ويحيى - عليهما السلام - في زمن واحد. وقال - تعالى - في سورة " يس ": {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [إلى آخر الآيات / 13 - 17 من سورة يس] . وقد اختار ابن كثير - رحمه الله - أنهم ثلاثة رسل من رسل الله - تعالى -. وكلهم بعثهم الله مبشرين، ومنذرين، ولتحقيق العبودية لله - سبحانه - وتوحيده، وأدى كل واحد منهم - عليهم السلام -

الأمانة، وبلغ، وبشر، وأنذر، وقد أيدهم الله بالمعجزات الباهرات، والآيات الظاهرات. والرسل أفضل من الأنبياء، وقد فضل الله - سبحانه - بعضهم على بعض، ورفع بعضهم درجات، وأفضلهم جميعا: خمسة هم أولو العزم من الرسل. وأفضل الجميع على الإطلاق، بل أفضل جميع الخلائق: هو خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه لا نبي بعده، وأن كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الثقلين عامة. وكلهم متفقون على وحدة الملة والدين: في التوحيد، والنبوة والبعث، وما يشمله ذلك من الإيمان الجامع بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشَره، وما في ذلك من وحدة العبادة لله - تعالى - لا شريك له، فالصلاة والزكاة، والصدقات، كلها عبادات لا تُصرف إلا لله - تعالى -. وشرائعهم في العبادات في صورها، ومقاديرها، وأوقاتها، وأنوعها، وكيفيتها، متعددة. حتى جاءت الرسالة الخاتمة، والنبوة الخالدة، فنسخ الله بها جميع الشرائع فلا يجوز لبشر، كتابي ولا غير كتابي، أن يتعبد الله

بشريعة غير شريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن تعبد الله بغير هذه الشريعة الخاتمة، فهو كافر، وعمله هباء: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان / 23] . فواجب على كل مكلف الإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كان أحد من أنبياء ورسله الله حيا لما وسعه إلا اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لا يسع الكتابيين إلا ذلك، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف / 157] . وأن بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامة لجميع الثقلين، والناس أجمعين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ / 28] . وقال - تعالى -: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف / 158] . وقال - تعالى -: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام / 19] .

وقال - سبحانه -: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} [آل عمران / 20] . من نواقض هذا الأصل: من كفر بنبي واحد، أو رسول واحد، أو آمن ببعض وكفر ببعض، فهو كمن كفر بالله وجحده، وقد فرق بين الله ورسله، ولا ينفعه إيمانه ببقية الرسل؛ ذلك أن الرسل حملة رسالة واحدة، ودعاة دين واحد، وإن اختلفت شرائعهم، ومرسلهم واحد، فهم وحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر، ويصدق المتأخر المتقدم. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء / 150 - 151] . ولهذا: فمن لم يؤمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيا ورسولا، وأنه خاتم الأنبياء والرسل، وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها، وأنه لا يسع أحدا من أهل الأرض اتباع غير شرعه: فهو كافر مخلد في النار كمن كفر بالله وجحده ربا معبودا. وقد بين الله - سبحانه - كفر اليهود والنصارى؛ لإيمانهم ببعض الرسل، وكفرهم ببعض، كما قال - تعالى -:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة / 91] . فاليهود لا يؤمنون بعيسى ابن مريم، ولا يؤمنون بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة / 90] غضب بكفرهم بالمسيح عيسى ابن مريم، وغضب بكفرهم بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنصارى: لا يؤمنون بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأتوا من كفرهم به. لهذا: فهم بكفرهم هذا كفار مخلدون في النار، فكيف ينادون بوحدتهم مع دين الإسلام؟ وانظر إلى حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق: أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» متفق عليه. فقوله: " وأن عيسى عبد الله ورسوله " تعريض باليهود في التفريق بين رسله في إنكارهم رسالته، ثم رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعريض بالنصارى - أنفسهم - في قولهم بالإيمان به مع التثليث وهو شرك

محض؛ وبه تعرف السر في تخصيص ذكر عيسى - عليه السلام - في هذا الحديث العظيم الجامع. ألا: لا وحدة بين مسلم يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله ويهودي أو نصراني: لا يؤمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال الله - سبحانه -: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة / 137] . ومن نواقض هذا الأصل لدى اليهود والنصارى: نسبة القبائح، والكبائر إلى الأنبياء والرسل، كصناعة الأصنام، والردة، والزنا، والخمر، والسرقة، و. . . فمن نسب أي قبيحة من تلك القبائح، ونحوها إلى أي نبي أو رسول فهو كافر مخلد في النار، مثل كفره بالله، وجحده له. وقد كان لليهود، والنصارى - قبحهم الله وأخزاهم - أوفر نصيب من نسبة القبائح إلى أنبياء الله ورسله - عليهم السلام - كما تقدم ذكر بعض منها.

ومن نواقض هذا الأصل: نفي بشرية أحد من الأنبياء، أو تأليه أحد منهم. وقد نقض اليهود، والنصارى هذا الأصل العظيم بافترائهم، وكذبهم، وتحريفهم، كما فضحهم الله في آيات من: " القرآن العظيم " وحكم بكفرهم، وضلالهم. فقال - سبحانه - عن اليهود والنصارى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة / 30] . وقال - سبحانه - عن النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة / 72] . وقال - سبحانه - عن النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة / 73] . ومن نواقض هذا الأصل: عدم الإيمان بعموم رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جميع أهل الأرض عربهم، وعجمهم، إنسهم، وجنهم.

ومنه أن العيسوية من اليهود وفريقا من النصارى آمنوا بنبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعرب خاصة، وأنكروا عموم رسالته. وإنكار عموم رسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كفر، يناقض صريح القرآن: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ / 28] . والآيات بهذا المعنى كثيرة، وفي صحيح مسلم: «أرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون» .

النتيجة

النتيجة: * يجب على المسلمين: الكفر بهذه النظرية: " وحدة كل دين محرف منسوخ مع دين الإسلام الحق المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل الناسخ لما قبله ". وهذا من بدهيات الاعتقاد والمسلمات في الإسلام. وأن الدعوة إلى هذه النظرية: كفر، ونفاق، ومشاقة، وشقاق، وعمل على إخراج المسلمين من الإسلام. وأن حال الدعاة إليها من اليهود، والنصارى مع المسلمين هم كما قال الله - تعالى -: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران / 119] . ويجب على أهل الأرض اعتقاد توحد الملة والدين في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين: في التوحيد، والنبوات، والمعاد، كما مضى التقرير مفصلا، وأن هذا الأصل العقدي لم يسلم إلا لأهل الإسلام، وأن اليهود والنصارى ناقضون له، متناقضون فيه، لا سيما في الإيمان بالله، وكتبه، ورسله. * ويجب على أهل الأرض اعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها

وأن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع، ناسخة لكل شريعة قبلها، فلا يجوز لبشر من أفراد الخلائق أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام. وإن هذا الأصل لم يسلم لأحد إلا لأهل الإسلام، فأمة الغضب: اليهود، كافرون بهذا الأصل؛ لعدم إيمانهم بشريعة عيسى - عليه السلام - ولعدم إيمانهم بشريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمة الضلال: النصارى، كافرون بهذا الأصل؛ لعدم إيمانهم بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبشريعته، وبعموم رسالته. والأمتان كافرتان بذلك، وبعدم إيمانهم بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومتابعته في شريعته، وترك ما سواها، وبعدم إيمانهم بنسخ شريعة الإسلام لما قبلها من الشرائع، وبعدم إيمانهم بما جاء به من القرآن العظيم، وأنه ناسخ لما قبله من الكتب والصحف. {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران / 85] . * ويجب على جميع أهل الأرض من الكتابيين وغيرهم: الدخول في الإسلام بالشهادتين، والإيمان بما جاء في الإسلام جملة وتفصيلا، والعمل به، واتباعه، وترك ما سواه من الشرائع

المحرفة والكتب المنسوبة إليها، وأن من لم يدخل في الإسلام فهو كافر مشرك، كما قال الله - تعالى -: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران / 70] . * يجب على أمة الإسلام: " أمة الاستجابة "، " أهل القبلة ": اعتقاد أنهم على الحق وحدهم في: " الإسلام الحق " وأنه آخر الأديان، وكتابه القرآن آخر الكتب، ومهيمن عليها، ورسوله آخر الرسل وخاتمهم، وشريعته ناسخة لشرائعهم، ولا يقبل الله من عبد دينا سواه. فالمسلمون حملة شريعة إلهية خاتمة، خالدة، سالمة من الانحراف الذي أصاب أتباع الشرائع السابقة، ومن التحريف الذي داخل التوراة والإنجيل مما ترتب عليه تحريف الشريعتين المنسوختين: اليهودية والنصرانية. * ويجب على: " أمة الاستجابة " لهذا الدين إبلاغه إلى " أمة الدعوة " من كل كافر من يهود ونصارى، وغيرهم، وأن يدعوهم إليه، حتى يسلموا، ومن لم يسلم فالجزية أو القتال. قال الله - تعالى - {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة / 29] .

* ويجب على كل مسلم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيا رسولا: أن يدين الله - تعالى - بِبُغضِ الكفار من اليهود والنصارى، وغيرهم، ومعاداتهم في الله - تعالى - وعدم محبتهم، ومودتهم، وموالاتهم، وتوليهم، حتى يؤمنوا بالله وحده ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيا رسولا. قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة / 51] . والآيات في هذا المعنى كثيرة. ولهذا صار من آثار قطع الموالاة بيننا وبينهم، أنه لا توارث بين مسلم وكافر أبدا. * يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافرا، وأنه عدو لنا، وأنه من أهل النار.

قال الله - تعالى -: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف / 158] . وفي صحيح مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «" والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» . ولهذا: فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر، طردا لقاعدة الشريعة: " من لم يكفر الكافر فهو كافر ". ونقول لأهل الكتاب كما قال الله - تعالى -: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء / 171] . * ولا يجوز لأحد من أهل الأرض اليوم أن يبقى على أي من الشريعتين: " اليهودية والنصرانية " فضلا عن الدخول في إحداهما، ولا يجوز لمتبع أي دين غير الإسلام وصفُهُ بأنه مسلم، أو أنه على ملة إبراهيم، لما يأتي:

1 - لأن ما كان فيهما - أي اليهودية والنصرانية - من شرع صحيح فهو منسوخ بشريعة الإسلام فلا يقبل الله من عبد أن يتعبده بشرع منسوخ. 2 - ولأن ما كان منسوبا إليهما من شرع محرف مبدل، فتحرم نسبته إليهما، فضلا عن أن يجوز لأحد اتباعه، أو أن يكون دين أحد من الأنبياء لا موسى ولا عيسى، ولا غيرهما. 3 - ولأن كل عبد مأمور بأن يتبع الدين الناسخ لما قبله، وهو بعد مبعث محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دين الإسلام الذي جاء به، بعبادة الله وحده لا شريك له، وتوحيده بالعبادة، فمن كان كذلك كان عبدا حنيفا، مسلما، على ملة إبراهيم، ومن لم يؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين، ويخص نبيه ورسوله محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاتباع دون سواه فلا يجوز وصفه بأنه حنيف، ولا مسلم، ولا على ملة إبراهيم، بل هو كافر في مشاقة وشقاق.

قال الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة / 135 - 137] . فبطلت بهذه نظرية الخلط بين دين الإسلام الحق، وبين غيره من الشرائع الدائرة بين التحريف والنسخ، وأنه لم يبق إلا الإسلام وحده، والقرآن وحده، وأن محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نبي بعده، وأن شريعته ناسخة لما قبله، ولا يجوز اتباع أحد سواه. * وأنه لا يجوز لمسلم طباعة التوراة، والإنجيل، وتوزيعهما، ونشرهما، وأن نظرية طبعهما مع القرآن الكريم في غلاف واحد، من الضلال البعيد، والكفر العظيم، لما فيها من الجمع بين الحق: " القرآن الكريم " والباطل: في التوراة والإنجيل من التحريف والتبديل، وأن ما فيهما من حق فهو منسوخ. * وأنه لا تجوز الاستجابة لدعوتهم ببناء " مسجد، وكنيسة،

ومعبد " (¬1) في مجمع واحد لما فيها من الدينونة والاعتراف بدين يعبد الله به سوى الإسلام، وإخفاء ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة على أهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قَدَم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله، وهذه المردودات السالبة، فيها من الكفر والضلال، ما لا يخفى، فعلى المسلمين بعامة، ومن بسط الله يده عليهم بخاصة، الحذر الشديد، من مقاصد الكفرة من اليهود والنصارى في إضلال المسلمين، والكيد لهم فإن بيوت الله في أرض الله هي: " ¬

(¬1) انظر حاشية / 2 ص / 23، وهذه صورة مشروع لهذه الفكرة المراد تنفيذها لمسجد وكنائس في بعض دول شرق آسيا: المسجد ممر معبد النصارى «كاثوليك» ممر ممر معبد النصارى «بروتستانت» ممر معبد النصارى «انجليزياني كريستو» نسأل الله الكريم أن يبطل كيدهم.

المساجد " وحدها: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف / 29] . وهذه المساجد من شعائر الإسلام، فواجب تعظيمها، ورعاية حرمتها، وعمارتها، ومن تعظيمها ورعايتها عدم الرضا بحلول كنائس الكفرة، ومعابدهم في حرمها، وفي جوارها، وعدم إقرار إنشائها في بلاد الإسلام، ورفض مساجد المضارة بالإسلام، والضّرار بالمسلمين في بلاد الكافرين. فإن " المسجد " والحال هذه، مسجد مُضَارّة للإسلام، ولا يجوز إقراره، ولا التبرع بمال أو جهد لبنائه، ولا الصلاة فيه، ويجب على من بسط الله يده من ولاة المسلمين هدم هذا المجمع، فضلا عن السكوت عنه، أو المشاركة فيه، أو السماح به، وإن كان - والحال ما ذكر - في بلاد كفر، وجب إعلان عدم الرضا به، والمطالبة بهدمه، والدعوة إلى هجره. وانظر: كيف تشابهت أعمال المنافقين، ومقاصدهم، في قديم الدهر وحديثه؛ إذ بنى المنافقون مسجدا ضرارا بالمؤمنين، أما عملهم اليوم، فهو: أشد ضرارا بالإيمان، والمؤمنين، والإسلام والمسلمين، وقد أنزل الله - سبحانه - قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة، فقال الحكيم الخبير سبحانه وتعالى -:

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة / 107 - 110] . ثم رأيت أن الفرق الباطنية، التي أسست من قِبَلِ الاستعمار الروسي، والإنجليزي، واليهودية العالمية، منسوبة إلى الإسلام ظلما؛ لهدمه، والعدوان عليه، ومنها: " البابية " نسبة إلى: المرزا علي محمد الشيرازي، الملقب: " باب المهدي " المولود سنة 1235 والهالك سنة 1265. و" البهائية " نسبة إلى البهاء حسين ابن الميرزا المولود بإيران سنة 1233، والهالك سنة 1309. و" القاديانية " نسبة إلى: مرزا غلام أحمد القادياني الهالك سنة 1325. المحكوم بكفرها - أي هذه الفرق - بإجماع المسلمين، وقد صدرت بكفرها قرارات شرعية دَولية. هذه الفِرق تدعو إلى هذه النظرية: " نظرية الخلط ". ومنها قول بهاء المذكور (¬1) : " يجب على الجميع ترك التعصبات، وأن يتبادلوا زيارة الجوامع والكنائس مع بعضهم البعض؛ لأن اسم الله في جميع هذه المعابد مادام الكل يجتمعون لعبادة الله، فلا خلاف بين الجميع، فليس منهم أحد يعبد الشيطان، فيحق للمسلمين أن يذهبوا إلى كنائس النصارى، وصوامع اليهود، وبالعكس يذهب هؤلاء إلى المساجد الإسلامية " انتهى. ما أشبه الليلة بالبارحة، فإن عمل منافقي اليوم ضِرار بالإيمان والمؤمنين بوجه أشد نكاية وأذى للإسلام والمسلمين. ¬

(¬1) كتاب: أهمية الجهاد في الإسلام للشيخ علي العلياني: ص / 508-509.

* ألا إِنَّه واجب على المسلمين، الحذر والتيقظ من مكايد أعدائهم. * وواجب على المسلمين، الحذر من ارتداء الكفرة مُسُوحَ الحوار، وجَلب الشخصيات المتميعة ونحو ذلك من أساليبهم، التي هي بحق: " رجس من عمل الشيطان ". * وليعلم كل مسلم، أنه لا لقاء ولا وفاق بين أهل الإسلام والكتابيين وغيرهم من أمم الكفر إلا وفق الأصول التي نصت عليها الآية الكريمة: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران / 64] . وهي: توحيد الله تعالى ونبذ الإشراك به وطاعته في الحكم والتشريع واتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي بشرت به التوراة والإنجيل. * فيجب أن تكون هذه الآية هي شعار كل مجادلة بين أهل الإسلام وبين أهل الكتاب وغيرهم وكل جهد يُبذل لتحقيق غير هذه الأصول فهو باطل. . باطل. . باطل.

* وإن إفشال تلك المؤتمرات التي هي في حقيقتها: " مؤامرات " على المسلمين، مؤكد بوعد الله - تعالى - للمسلمين في قوله جل وعز: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران / 111] . وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة» . وثبت - أيضا - عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «" سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها ".» الحديث. * ولكن هذا - وايم الله - لا بد له من موقفين: موقف رفع راية الجهاد، وتوظيف القدرات بصد العاديات، وموقف للبناء وتحصين المسلمين بإسلامهم على وجهه الصحيح. * ولا تلتفت أيها المسلم إلى غلط الغالطين، ولا إلى من خدعتهم دعوة إخوان الشياطين، ولا إلى المأجورين، ولا إلى أفراد من الفرق الضالة من المنتسبين إلى الإسلام، للمناصرة، والترويج لهذه النظرية، فيتسنمون الفتيا وما هم بفقهاء، ولا بصيرة لهم في الدين، وإنما حالهم كما قال الله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران / 78] .

اللهم إني قد بينت ونصحت في هذا كل مسلم قدر نفسه حق قدرها مؤمنا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيا ورسولا، فأذعن للحق، اللهم فاشهد. نسأل الله - سبحانه - أن يهدي ضال المسلمين، وأن يذهب عنهم البأس، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين، وأن يثبتنا جميعا على الإسلام حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. تحريرا في 8 / جمادى الأولى / 1417 بقلم بكر بن عبد الله أبو زيد

§1/1