الإبانة عن معاني القراءات

مكي بن أبي طالب

مقدمات

مقدمات مقدمة عن مكي بن أبي طالب ... بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة عن مكي بن أبي طالب: "355هـ - 437": هو أبو محمد مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي، القيرواني مولدا، القرطبي مسكنا، الإمام العلامة، المحقق العارف، المتبحر في علوم القرآن والعربية أستاذ القراء والمجودين، والعالم بمعاني القراءات. ولد مكي بالقيروان لسبع بقين من شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة هجرية، وأخذ يتردد منذ صباه الباكر بين مسقط رأسه: القيروان، وبلاد الشرق: مصر والحجاز، حتى رحل إلى الأندلس، واستقر به المقام في قرطبة فسكن فيها منذ سنة 393هـ. وكانت القيروان مولد مكي بن أبي طالب دار العلم بالمغرب، إليها ينسب أكابر علمائه، وإليها كانت

رحلة أهله في طلب العلم، وكانت موطنا للزهاد والصالحين، والفضلاء والمتبتلين1، وكانت -حين ولد مكي- تحت حكم المعز لدين الله الفاطمي2، الذي استخلف عليها حين ارتحل إلى مصر سنة 362هـ بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي3، وسرعان ما أعلن هذا استقلاله، وأسس الدولة الزيرية "362هـ"4. وفي بلاد المشرق التي ارتحل إليها مكي دويلات تتنازع مجد العلم والأدب، كما تتنازع السلطان، فكانت -من أجل ذلك- خيرًا وبركة على العلم والعلماء. وحين قصد مكي بلاد الأندلس كانت الخلافة الأموية تلفظ أنفاسها الأخيرة حتى سقطت سنة 433هـ وتولى بنو جهور حكم قرطبة. وكان بالأندلس حينئذ حضارة نامية مزدهرة، مما جعلها مقصدًا لطلاب العلم، ورواد المعرفة، واجتهد الخلفاء الأمويون وملوك الطوائف من بعدهم في مباراة أهل المشرق فأخذوا

_ 1 المعجب 356. 2 انظر تاريخ الإسلام السياسي 3/ 165. 3 المعجب 104. 4 تاريخ الإسلام السياسي 3/165.

بألوان الحضارة، وضروب التقدم الفكري، واشتهرت قرطبة في ذلك العصر بمسجدها الجامع، ولم يكن هذا المسجد موطن العبادة حسب؛ بل كان مجمعًا للساسة، ومنتدى العلماء أيضًا. حفظت كتب التراجم تنقلات مكي على وجه دقيق: فقد سافر إلى مصر في الثالثة عشرة من عمره "367هـ"، وبها اختلف إلى المؤدبين والعارفين بعلوم الحساب1، وأكمل القرآن2 ثم رجع إلى القيروان، واستكمل بها علومه3، ثم نهض إلى مصر ثانية فقرأ القراءات على ابن غلبون سنة 376هـ4، وقيل سنة 277هـ5 وحج حجة الفريضة عن نفسه6، ثم رجع إلى القيروان سنة تسع وسبعين، وقد حفظ القرآن، واستظهر القراءات وغيرها من الآداب7، ثم عاد إلى مصر ثالثة في سنة اثنتين وثمانين8 ليتلقى ما بقي عليه من القراءات9، وبعدها عاد إلى القيروان سنة ثلاث

_ 1 وفيات الأعيان 4/ 261. 2 طبقات القراء 2/ 308. 3 إنباء الرواة 3/ 313. 4 طبقات القراء 2/ 309. 5 إنباه الرواة 3/ 313-314. 6 المصدر السابق. 7 معجم الأدباء 19/ 168. 8 إنباه الرواة 3/ 314. 9 معجم الأدباء 19/ 168.

وثمانين، وأقام بها يقرئ إلى سنة سبع وثمانين1، وفيها خرج إلى مكة فأقام بها إلى آخر سنة تسعين فحج أربع حجج متوالية2، وجاور ثلاثة أعوام3، ثم رجع إلى مكة فوصل إلى مصر سنة إحدى وتسعين، وفي سنة ثلاث وتسعين رحل إلى الأندلس، فدخل قرطبة، وظل بها إلى أن انتقل إلى جوار ربه. نشأ مكي بالقيروان، ونزل بمصر متلقيًا القراءات، وزار مكة حاجًّا ومجاورًا، وكان له في كل هذه البلاد أساتذة قرأ عليهم، واشتهر منهم ثلاثة تتلمذ عليهم في مصر: قرأ على أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون، وهو أستاذ ماهر كبير، ضابط ثقة خَيِّر صالح ديِّن4، كما قرأ على ابنه طاهر وقد كان شيخًا للداني، وحجة محررًا، وأستاذًا عارفًا5 وكان مقدمًا بعد أبيه، عالما بعلل النحو ومقاييسه6، كما

_ 1 إنباه الرواة 3: 314. 2 معجم الرواة 19: 186. 3 طبقات القراء 1: 470. 4 طبقات القراء: 1: 470. 5 طبقات القراء 1: 339. 6 الحجة 1: 477 مراد ملا.

سمع مكي من أبي بكر محمد بن علي الأذفوي1 الذي قال الداني عنه: إنه انفرد بالإمامة في دهره في قراءة نافع رواية ورش، مع سعة علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وحسن اطلاعه، وتمكنه من علم العربية، وبصره بالمعاني2. دخل مكي الأندلس، وجلس للإقراء، وتخرج على يديه وأخذ عنه أعلام مذكورون بالثقة، والضبط، فيحيى بن ابراهيم بن البيار3 المرسى إمام كبير4، وموسى بن سليمان اللخمي5 نزيل قرطبة مقرئ مسند6، وأبو بكر محمد بن المفرج7 مقرئ متصدر مشهور8، ومحمد بن أحمد بن المطرف الكناني9، القرطبي دين فاضل ثقة لازم مكيًّا، وحمل عنه معظم ما عنده10، وعبد الله بن سهيل11، الأنصاري الأندلسي أستاذ ماهر محقق12، ومحمد بن عيسى

_ 1 طبقات القراء 2: 309. 2 طبقات القراء 1: 199. 3 طبقات القراء 2: 309. 4 المصدر السابق 2: 364. 5 طبقات القراء: 2: 309. 6 طبقات القراء 2: 319. 7 المصدر السابق 2: 309. 8 طبقات القراء 2: 265. 9 طبقات القراء 2: 309. 10 المصدر السابق 2: 79. 11 طبقات القراء 2: 309. 12 طبقات القراء 1: 422.

ابن فرج1 الطليطلي أحد الحذاق بالقراءات مشهور بالتقدم والأمانة في الإقراء، وشدة الالتزام للسمت والهيئة2، وهكذا بارك الله في علم مكي، كما بارك في تلاميذه والذين أخذوا عنه. وقد اشتهر مكي بالتقوى والصلاح، والتواضع والتدين، وإجابة الدعاء، حكى عنه أبو عبد الله الطرفي المقرئ قال: كان عندنا بقرطبة رجل فيه بعض الحدة، وكان له على الشيخ أبي محمد مكي تسلط، كان يدنو منه إذا خطب فيغمزه، ويحصى عليه سقطاته، وكان الشيخ كثيرًا ما يتلعثم ويتوقف، فجاء ذلك الرجل في بعض الجمع، وجعل يحد النظر إلى الشيخ ويغمزه، فلما خرج معنا، ونزل بالموضع الذي كان يقرئ فيه قال لنا: أمنوا على دعائين ثم رفع يديه وقال: اللهم اكفنيه! اكفنيه! فأمنا، قال: فأقعد ذلك الرجل، وما دخل الجامع بعد ذلك اليوم3.

_ 1 طبقات القراء 2: 309. 2 طبقات القراء 2: 225. 3 إنباه الرواة 3: 314.

اتصل مكي بطائفة من الحكام، وتقدم عندهم: اتصل بالمظفر عبد الملك بن أبي عامر "399هـ"1، وهو الذي نقل مكيا من مسجد النخيلة بقرطبة إلى الجامع الزاهر بها، وظل مكي يقرئ فيه حتى انصرمت دولة آل عامر، فنقله محمد بن هشام المهدي إلى المسجد الجامع بقرطبة، وأقرأ فيه مدة الفتنة كلها، إلى أن قلده أبو الحزم بن جهور الصلاة والخطبة بالجامع سنة 429، وبقى خطيبا إلى أن مات في صدر سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وصلى عليه ابنه أبو طالب2. "على الجميع رحمة الله".

_ 1 المعجب/ 40. 2 إنباه الرواة/ 40.

مؤلفات مكي بن أبي طالب

مؤلفات مكي بن أبي طالب: عمر مكي بن أبي طالب اثنين وثمانين عامًا، ترك فيها جملة من التصانيف تدل على مشاركته في مختلف فروع الثقافة الإسلامية، وتفننه في سائر علوم القرآن، فمن تصانيفه: 1- الهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن وتفسيره وأنواع علومه في سبعين جزءا. 2- منتخب حجة أبي على الفارسي. ثلاثون جزءا. 3- التبصرة في القراءات. خمسة أجزاء. وهي بدار الكتب مخطوطة برقم 23936ب ومصورة برقم 20103. 4- الموجز في القراءات. جزءان. 5- الماثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره. عشرة أجزاء. 6- الرعاية لتجويد القراءة. أربعة أجزاء. 7- اختصار أحكام القرآن. أربعة أجزاء. 8- الكشوف عن وجوه القراءات وعللها. عشرون جزءا1. 9- الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه. ثلاثة أجزاء.

_ 1 بدار الكتب المصرية باسم الكشف عن وجوه القراءات وعللها مصورة رقم 19972ب.

10- الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه. جزء. 11- الزاهي في اللمع الدالة على أصول مستعمل الإعراب. أربعة أجزاء. 12- التنبيه على أصول قراءة نافع وذكر الاختلاف عنه. جزءان. 13- الانتصاف فيما رده على أبي بكر الأذفوي وزعم أنه غلط فيه في كتاب الإبانة. ثلاثة أجزاء. 14- الرسالة إلى أصحاب الأنطاكي في تصحيح المد لورش. جزءان. 15- الإبانة عن معاني القراءة. جزء. مصورة بدار الكتب المصرية برقم 19664ب. وهو هذا الكتاب. 16- انتخاب كتاب الجرجاني في نظم القرآن وإصلاح غلطه. أربعة أجزاء. 17- الوقف على "كلا وبلى" في القرآن. جزءان. مخطوطة بالمدينة - "116"2. 18- الاختلاف في عدد الأعشار. جزء واحد. 19- الاختلاف بين قالون وأبي عمرو. جزء.

20- الاختلاف بين قالون وابن كثير. جزء. 21- الاختلاف بين قالون وابن عامر. جزء. 22- الاختلاف بين قالون وعاصم. جزء. 23- الاختلاف بين قالون وحمزة. جزء. 24- الاختلاف بين قالون والكسائي. جزء. 25- التبيان في اختلاف قالون وورش. جزء. 26- شرح رواية الأعشى عن أبي بكر عن عاصم. جزء. 27- شرح الإدغام الكبير في المخارج. جزء. 28- اختصار الألفات. جزء. 29- شرح الفرق لحمزة وهشام. جزء. 30- بيان الصغائر والكبائر. جزءان. 31- شرح اختلاف العلماء في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} 1 جزء. 32- الاستيفاء في قوله "عز وجل": {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّك} 2 جزء. 33- الاختلاف في الذبيح من هو؟ جزء.

_ 1 سورة آل عمرن: 7. 2 سورةهود: 107.

34- الاختلاف في الرسم من "هؤلاء" والحجة لكل فريق. جزء. 35- دخول حروف الجر بعضها مكان بعض. 36- تنزيه الملائكة من الذنوب وفضلهم على بني آدم. جزء. 37- الياءات المشددة في القرآن والكلام. جزء. 38- بيان إعجاز القرآن. 39- بيان اختلاف العلماء في النفس والروح جزء. 40- شرح إيجاب الجزاء على قاتل الصيد في الحرم خطأ على مذهب مالك والحجة في ذلك. جزء. 41- شرح اختلاف العلماء في الوقف على قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} 1. 42- شرح قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} 2. 43- شرح قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ} . الآية. جزءان3. 44- مسائل الإخبار بالذي وبالألف واللام. 45- أصول الظاء في القرآن والكلام وذكر مواضعها في القرآن جزء.

_ 1 سورة الحج: 23. 2 الذاريات: 65. 3 الأعراف: 179.

46- الوصول إلى تذكرة كتاب الأصول لابن السراج في النحو. جزء. 47- التذكرة لأصول العربية ومعرفة العوامل. جزء. 48- الاختلاف بين أبي عمرو وحمزة. جزء. 49- "اختصار الإدغام الكبي على ألف: با - تا - ثا". 50- شرح مشكل غريب القرآن. ثلاثة أجزاء. 51- شرح الراءات على قراءة ورش وغيره. جزء. 52- اتفاق القراء. جزء. 53- المدخل إلى علم الفرائض. جزء. 54- اختلاف القراء في ياءات الإضافة وفي الزوائد. جزء. 55- اختصار الوقف علىكلا، وبلى، ونعم. 56- منع الوقف على قوله: {إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى} 1. 57- شرح الاختلاف في قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَة} 2. 58- شرح معنى الوقف على: {لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُم} 3. 59- الرد على الأئمة فيما يقع في الصلاة من الخطأ واللحن في شهر رمضان وغيره. جزء.

_ 1 التوبة: 107. 2 المائدة: 103. 3 يونس: 65.

60- بيان العمل في الحج من أوله الإحرام إلى الزيارة لقبر النبي "صلى الله عليه وسلم". جزء. 61- فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا. جزء. 62- التذكرة لاختلاف القراء السبعة. جزء. 63- قسمةالأحزاب. جزء. 64- منتخب كتاب الإخوان لابن وكيع. جزءان. 65- التهجد في القرآن. أربعة أجزاء. 66- قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي} 1 جزء. 67- دعاء خاتمة القرآن. 68- شرح حاجة وحوائج وأصلها. جزء. 69- إصلاح ما أغفله ابن مسرة في قراءات شاذة. جزء. 70- شرح العارية والعرية. جزء. 71- الاختلاف في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} 2 جزء. 72- شرح قوله تعالى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُم} 3 الآيات الثلاثة. جزء.

_ 1 سورة النساء: 23. 2 سورة فاطر: 32. 3 سورة المائدة: 106.

73- وجوه كشف اللبس التي لبس بها أصحاب الأنطاكي في المد لورش. 74- شرح قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} 1. جزء. 75- فرش الحروف المدغمة. جزءان. 76- شرح التمام والوقف. أربعة أجزاء. 77- تفسير مشكل المعاني والتفسير خمسة عشر جزء2. 78- علل هجاء المصاحف. جزءان. 79- ما أغفله القاضي منذر ووهم فيه في كتاب الأحكام. جزءان. 80- "الرياض" مجموع. خمسة أجزاء. 81- المنتقى في الأخبار. أربعة أجزاء. 82- الترغيب في النوافل. جزء. 83- الترغيب في الصيام. جزء. 84- منتقى الجوهر في الدعاء. جزء.

_ 1 سورة الشعراء: 61. 2 ورد في فهرس المخطوطات بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية باسم: مشكل إعراب القرآن. انظر ص45 من الفهرست المذكور.

85- الموعظة المنبهة. جزء. 86- معاني السنين القحطية والأيام. جزء. 87- إسلام الصحابة. مختصر جزء. 88- المبالغة في الذكر. 89- تحميد القرآن وتهليله وتسبيحه.

التعريف بكتاب الإبانة

التعريف بكتاب الإبانة: والإبانة كتاب قيم على صغر حجمه؛ فقد بين فيه مكي معاني القراءات، وتحدث عن تفسير الحديث الشريف: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" حديثا طريف مدعوما بالأدلة والأسانيد، وذكر ما يجب أن يعتقد في القراءات مع ما يتصل بذلك من فوائدها، وغرائب معانيها. جعل مكي كتاب الإبانة هذا متصلا بكتابه: "الكشف عن وجوه القراءات" وهو الكتاب الذي ألفه مكي سنة أربع وعشرين وأربعمائة، ونظر فيه إلى كتاب الحجة لأبي على الفارسي، حيث احتج للقراءات السبعة، وكشف عن عللها وحججها1. وإن كان كتاب الإبانة متصلا بالكشف، فقد أفرده مكي -كما قال- لمن يرغب في نسخه على انفراد دون كتاب الكشف2. وكتاب "الإبانة" من الكتب التي ظلت معتمد القراء.

_ 1 انظر رسالتنا في أبي علي الفارسي من ص385-391 الطبعة الولى دار نهضة مصر. 2 انظر صدر الإبانة.

والمشتغلين بالدراسات القرآنية، فالإمام بدر الدين الزركشي "ت794هـ" ينقل منه في كتاب "البرهان في علوم القرآن"1. كما اعتمد عليه ابن الجزري2، "ت833هـ". وعن هذين نقل السيوطي في كتابه الإتقان. وقد اعتمدت في تحقيق الإبانة على نسخة وحيدة، هي النسخة المصورة بدار الكتب المصرية تحت رقم "19164"ب، وبحثت -قبل التحقيق- عن نسخة أخرى للمقابلة بينها وبين نسخة دار الكتب فأعياني البحث3 ثم اطمأننت إلى هذه النسخة الوحيدة؛ إذ هي مخطوطة في حياة المؤلف سنة "435هـ"4 ثم هي تامة كاملة لا نقص فيها ولا خرم أو تشويه. وعدد صفحات المصورة خمس وعشرون صفحة ونصف -في كل منها خمسة وعشرون سطرا، وقد ألحق به مكي فصلا

_ 1 انظر البرهان في علوم القرآن "تحقيق الستاذ محمد ابي الفضل إبراهيم"، "1: 329-331" فما هو منقول عن مكي في هذه الصفحات مذكور في الإبانة. 2 انظر النشر 1: 37، 47. 3 أذكر هنا أن بروكلمان يشير إلى الإبانة بالمكتبة الحميدية بتركيا تحت رقم 18، 243. 4 انظر الكشف 2: 439.

ذكر فيه انفرادات القراء في الإمالة، وليس هو من الكتاب نفسه، والمصورة بخط مغربي كتبه عبد الله بن محمد الفهري وذلك حيث يقول في الصفحة الأخيرة: "كتب الجميع بخط1 يده الفانية العبد الواثق بكرم ربه، الراجي من الله سبحانه مغفرة ذنبه: عبد الله بن محمد بن محمد الفهري بمكة المشرفة". وقد ورد الكتاب في وفيات الأعيان2، ومعجم الأدباء3. وإنباه الرواة4 باسم: "الإبانة عن معاني القراءة" ولكني آثرت أن يكون: "الإبانة عن معاني القراءات" ذلك ما يشير إليه قول مكي: هذاكتاب أبين فيه -إن شاء الله تعالى- معاني القراءات وكيفيتها5.

_ 1 يقصد كتابي الكشف والإبانة، والفصل الذي أضيف خاصا بالإمالة. 2 4: 363. 3 29: 169. 4 3: 316. 5 انظر مقدمة كتاب الإبانة.

وكان من منهجي في تحقيق هذا الكتاب أن: 1- ترجمت للأعلام الواردة في غضونه، وإذا تكرر الاسم أكثر من مرة اكتفيت بترجمته أولا، ثم أحلت في سائر المرات عليه. كما نبهت على الأعلام التي وردت في المتن وقد عراها التصحيف. 2- شرحت الكلمات اللغوية الصعبة. 3- ضبط النص ضبطًا يزيل اللبس والإبهام. 4- وضعت عناوين تدل على الفصول المختلفة، وجعلتها مميز كل عنوان بين قوسين. 5- عدلت عن بعض كلمات لا يقتضيها السياق، وأثبت أخرى يقتضيها المعنى1. 6- شرحت بعض القضايا التي أوردها المؤلف في غضون بحثه، ومثلت لها. 7- أثبت بعض كلمات كانت ساقطة في الأصل والسياق يقتضيها2.

_ 1 انظر مقدمة كتاب الإبانة. 2 كان هذا في قلة نادرة وقد نبهت إلى ذلك.

8- خرجت الآيات القرآنية، والقراءات المختلفة الواردة في نص الكتاب. 9- أشرت إلى بدء الصفحات ونهايتها في متن المصورة، وجعلت أرقامًا تدل على ذلك، ورمزت للوجه الأيمن من الورقة بالرقم مقرونًا بالحرف "ي"، وللوجه الأيسر منها بالرقم مقرونا بالحرف "ش". 10- جعلت فهارس لموضوعات الكتاب والأعلام الواردة فيه ... إلخ. وأرجو أن ينفع الله بهذا الكتاب حين يخرج للناس. وأن يحقق لي ما قصدت إليه من خدمة القرآن الكريم الخالد على الزمان. حدائق القبة: 6 من رمضان المعظم 1379هـ 3 من مارس 1960م

الصفحة الأخيرة من كتاب الكشف عن وجوه القراءات وعللها وفيها تاريخ نسخة ونسخ الكتابين الملحقين به: الإبانة، ثم انفرادات القراء في الإمالة: سنة 435هـ.

الصحفة الأولى من كتاب الإبانة

الصفحة الأخيرة من كتاب الكشف، والكتابين الملحقين به: الإبانة، ثم انفرادات القراء في الإمالة يخط ناسخها" عبد الله بن محمد بن محمد الفهري"

مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف: ش/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا. قال أبو محمد1 نسال الله "جل ذكره" التوفيق. فيما نقوله، ونرغب إليه "تبارك اسمه" -في العصمة فيما نعتقده. ونتولاه ونتضرع إليه -لا إله إلا هو- في الصلاة على نبيه ورسوله محمد "صلى الله عليه وسلم، وعلى أهله وسلم، وشرف وكرم": هذا كتاب أبين فيه -إن شاء الله تعالى- معاني القراءات وكيفيتها، وما يجب أن نعتقد فيها، مع ما يتصل بذلك من فوائدها، وغرائب معانيها. وما علمت أن أحدًا تقدمني إلى مثل كتابي هذا فيما جمعت، [و] 1 بينت فيه2. "أعظم الله عليه الأجر، وأكمل به الذخر، وجعله لوجهه خالصًا، ولا جعله رياء ولا سمعة".

_ 1 هو أبومحمد مكي بن أبي طالب بن حموش القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي مؤلف الكتاب. 2 زيادة يقتضيها المقام.

جعلته متصلا بكتاب: الكشف عن وجوه القراءات1 فيه تتم فائدة كتاب الكشف، وأفردته لمن يرغب في نسخه على انفراده دون كتاب الكشف. فهو كتاب قائم بنفسه في معناه، والله المستعان على ذلك كله، وهو حسبي، ونعم الوكيل.

_ 1 انظر التعريف بكتاب الكشف في المقدمة.

باب: القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة

باب: القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة وصلتها بالحديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف مدخل ... باب: القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة "القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة، وصلتها بالحديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف": فإن سأل سائل، فقال: هل القراءات التي يقرأ بها الناس اليوم، وتنسب إلى الأئمة السبعة، كنافع1، وعاصم2، وأبي عمرو3، وشبههم4 هي السبعة، التي أباح النبي "صلى الله عليه وسلم"

_ 1 هو نافع بن عبد الرحمن، أبي نعيم المدني أحد القراء السبعة والأعلام، ثقة صالح أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة. وأقرأ الناس نيفا عن سبعين سنة، وانتهت إليه رياسة القراءة بالمدينة. مات سنة تسع وستين ومائة. "طبقات القراء: 2: 330". 2 هو عاصم بن بهدلة أبي النجود "بفتح النون وضم الجيم" أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي، شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء السبعة، وأبو النجود اسم أبيه، لا يعرف له اسم غير ذلك. وبهدلة اسم أمه. جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن، توفي سنة سبع وعشرين ومائة "طبقات القراء: 1/ 346". 3 هو أبو عمرو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري، أحد القراء السبعة ولد سنة ثمان وستين، وتوجه مع أبيه لما هرب من الحجاج، فقرأ بمكة والمدينة وقرأ أيضا بالكوفة، والبصرة على جماعة كثيرة، فليس في القراء السبعة أكثر شيوخا منه، ومات سنة أربع وخسمين ومائة. "طبقات القراء: 1-288". 4 من القراء السبعة: حمزة، والكسائي، وابن كثير، وعبد الله بن عامر.

القراءة بها، وقال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرءوا بما شئتم"؟ أو هي بعضها؟ أو هي واحدة؟. فالجواب عن ذلك: إن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة، إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف، مصحف عثمان1 الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه، واطرح ما سواه مما يخالف خطه2، فقرئ بذلك لموافقة الخط لا يخرج شيء3 منها عن خط المصاحب التي نسخها عثمان "رضي الله عنه"، وبعث بها إلى الأمصار4، وجمع المسلمين عليها، ومنع من القراءة بما خالف خطها، وساعده على ذلك زهاء5 اثنى عشر ألفا من الصحابة والتابعين، واتبعه على ذلك جماعة من المسلمين بعده. وصارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة وخطأ، وإن صحت ورويت.

_ 1 هو، عثمان بن عفان رابع الخلفاء الراشدين. 2 يريد خط المصحف. 3 في الهامش: شيئًا. 4 مكة، والمدينة، والبصرة، والكوفة، والشام. 5 زهاء اثنى عشر ألفا. قدر اثنى عشر ألفا.

ما يقرأ به الأئمة حرف واحد من الأحرف السبعة

"ما يقرأ به الأئمة حرف واحد من الأحرف السبعة": وإذا كان المصحف، بلا اختلاف كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، على لغة واحدة، والقراءة التي يقرأ بها لا يخرج شيء منها عن خط المصحف، فليست هي إذا هي السبعة الأحرف، التي نزل بها القرآن كلها. ولو كانت هي السبعة كلها، وهي موافقة للمصحف لكان المصحف قد/2 ي كتب على سبع قراءات، ولكان عثمان "رضي الله عنه"، قد أبقى الالختلاف الذي كرهه، وإنما جمع الناس على المصحف، ليزول الاختلاف. فصح من ذلك أن الذي يقرأ به الأئمة، وكل ما صحت روايته مما يوافق خط المصحف، إنما هو كله حرف من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وافق لفظها، على اختلافه، خط المصحف، وجازت القراءة بذلك، إذ هو غير خارج عن

خط المصاحف التي وجه بها عثمان إلى الأمصار، وجمعهم على ذلك. وسقط العمل بما يخالف خط المصحف من الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن بالإجماع على خط المصحف. فالصحف كتب على حرف واحد، وخطه محتمل لأكثر من حرف. إذ لم يكن منقوطا، ولا مضبوطا. فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من الستة الأحرف الباقية، إذ لا يخلو أن يكون ما اختلف فيه من لفظ الحروف، التي تخالف الخط: إما هي مما أراد عثمان، أو مما لم يرده إذ كتب المصحف. فلا بد أن يكون، إنما أراد لفظا واحدا أو حرفا واحدا، لكنا لا نعلم ذلك بعينه، فجاز لنا أن نقرأ بما صحت روايته، مما يحتمله ذلك الخط لنتحرى مراد عثمان "رضي الله عنه"، ومن تبعه من الصحابة وغيرهم. ولا شك أن ما زاد على لفظ واحد في كل حرف اختلف فيه، ليس مما أراد عثمان. فالزيادة لاد أن تكون من الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن. فإن لم تكن كذلك، وقد صح أن عثمان لم يردها كلها إذ كتب المصحف، إنما أراد حرفا

واحدا، فهي إذا خارجة عن مراد عثمان، وعن السبعة الأحرف. والقراءة بما كان هكذا خطأ عظيم، فمن قرأ القرآن بما ليس من الأحرف السبعة، وبما لم يرد عثمان منها، ولا من تبعه إذ كتب المصحف فقد غير كتاب الله وبدله، ومن قصد إلى ذلك فقد غلط. وقد أجمع المسلمون على قبول هذه القراءات، التي لا تخالف المصحف. ولو تركنا القراءة بما زاد على وجه واحد من الحروف، لكان لقائل أن يقول: لعل الذي تركت هو الذي أراد عثمان، فلا بد أن يكون ذلك من السبعة الأحرف، التي نزل بها القرآن على ما قلنا.

ليست قراءة كل قارئ من القراء السبعة هي أحد الحروف السبعة

"ليست قراءة كل قارئ من القراء السبعة، هي أحد الحروف السبعة": فأما من ظن أن قراءة كل واحد من هؤلاء القراء، كنافع وعاصم وأبى عمرو1، أحد الحروف السبعة التي نص النبي "صلى الله عليه وسلم" عليها، فذلك منه غلط عظيم؛ لأن فيه إبطالا أن يكون ترك العمل بشيء من الأحرف السبعة، وأن يكون عثمان ما أفاد فائدة. بما صنع من حمل الناس على، / 2ش مصحف واحد وحرف واحد. ويجب منه أن يكون ما لم يقرأ به هؤلاء السبعة متروكا، إذ قد استولوا على السبعة الأحرف عنده، فما خرج عن قراءتهم فليس من السبعة عنده. ويجب من هذا القول: أن نترك القراءة بما روى عن أئمة هؤلاء السبعة من التابعين والصحابة مما يوافق خط المصحف، مما لم يقرأ به هؤلاء السبعة. ويجب منه ألا تروى قراءة عن ثامن فما فوقه؛ لأن هؤلاء السبعة عند2 معتقد هذا القول، قد أحاطت قراءتهم بالأحرف السبعة. وقد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين

_ 1 سبقت الترجمة لهم. 2 في الأصل "عن" وما أثبته هو ما يقتضيه السياق.

ممن هو أعلى رتبة، وأجل قدرا من هؤلاء السبعة. على أنه قد ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض هؤلاء السبعة واطرحهم:- قد ترك أبو حاتم1 وغيره ذكر حمزة2، والكسائي3 وابن عامر4، وزاد نحو عشرين رجلا من الأئمة ممن هو فوق هؤلاء السبعة.

_ 1 هو أبو حاتم السجستاني، سهل بن محمد عثمان إمام البصرة في النحو والراءة واللغة والعروض، عرض على يعقوب الحضرمي، وروي عن الأصمعي، وسعيد بن أوس، توفي سنة خمس وخمسين ومائتين "طبقات القراء: 1-320". 2 هو حمزة بن حبيب الكوفي التميمي، مولاهم الزيات أحد القراء السبعة ولد سنة ثمانين، وكان شيخه الأعمش إذا رآه مقبلا يقول: هذا حبر القرآن توفي سنة ست وخمسين ومائة "طبقات القراء: 1-62". 3 هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي، مولاهم وهو من أولاد الفرس من سواد العراق، أبو الحسن الكسائي، الإمام الذي انتهت غليه رياسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات، أخذ القراءة عرضا عن حمزة وعليه اعتماده، وعن محمد بن أبي ليلى، وأبي بكر بن عياش، توفي سنة تسع وثمانين ومائة "طبقات القراء 1-535". 4 هو عبد الله بن عامر اليحصبي، إمام أهل الشام في القراءة، وإليه انتهت مشيخة الإقراء بها، أخذ القراءة عرضا عن أبي الدرداء، وقيل عرض على عثمان نفسه. ولد سنة ثمان من الهجرة، وتوفي بدمشق يوم عاشوراء سنة ثمان وعشرين ومائة. "طبقات القراء: 2-106".

وكذلك زاد الطبري1 في كتاب القراءات له على هؤلاء السبعة نحو خمسة عشر رجلا. وكذلك فعل أبو عبيد2، وإسماعيل القاضي3. فكيف يجوز أن يظن ظان أنهؤلاء السبعة المتأخرين قراءة4 كل واحد منهم أحد الحروف السبعة، التي نص عليها النبي "صلى الله عليه وسلم"؟ هذا خطأ5 عظيم.

_ 1 هو محمد بن جرير بن يزيد الإمام، أبو جعفر الطبري الآملي البغدادي أحد الأعلام وصاحب التفسير والتاريخ والتصانيف، ولد بآمل طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين ورحل لطلب العلم، وله عشرون سنة. توفي سنة عشر وثلاثمائة. طبقات القراء: 2-106". 2 هو أبو عبيد القاسم بن سلام الخراساني الأنصاري، الحافظ العلامة صاحب التصانيف في القراءات والحديث والفقه واللغة والشعر، أخذ القراءة عن الكسائي وغيره توفي بمكة سنة 214 عن ثلاث وسبعين سنة "طبقات القراء 2-17". 3 هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد القاضي، أبو إسحاق الأزدي البغدايد مشهور كبير ولد سنة تسع وتسعين ومائة، وروى القراءة عن قالون، وصنف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماما، وروى القراءة عنه ابن مجاهد وابن الأنباري -توفي فجأة وقت العشاء لثمان بقين من ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين ومائتين ببغداد "طبقات القراء: 1-160". 4 قراءة: بدل من هؤلاء. 5 الأصل: هذا "فخلف"، والسياق يقتضي ما أثبتناه..

أكان ذلك بنص من النبي "صلى الله عليه وسلم"، أم كيف ذلك؟! وكيف يكون ذلك والكسائي، إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون1 وغيره كان السابع -وهو يعقوب الحضرمي2 فأثبت ابن مجاهد3 في سنة ثلاثمائة، أو نحوها الكسائي4 في موضع يعقوب5؟ وكيف يكون ذلك والكسائي، إنما قرأ على حمزة6 وغيره، وإذا كانت قراءة حمزة أحد الحروف السبعة، فكيف يخرج حرف آخر من الحروف السبعة، وكذلك إلى وقتنا هذا.

_ 1 المأمون الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد. 2 هو يعقوب بن إسحق بن زيد أبو محمد الحضرمي، مولاهم البصري أحد القراء العشرة، إمام أهل البصرة ومقرئها، قال أبو حاتم السجستاني: هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذهبه، ومذاهب النحو، كذلك كان والده وجده، مات سنة خمسين ومائتين وله ثمان وثمانون سنة "طبقات القراء 2-286". 3 هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي، الحافظ الأستاذ أبو بكر ابن مجاهد البغدادي شيخ القراء، وأول من سبع السبعة، ولد سنة خمس وأربعين ومائتين بسوق العطش ببغداد، وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة "طبقات القراء 1-139". 4 سبقت ترجمته. 5 سبقت ترجمته. 6 سبقت ترجمته.

وكذلك يلزم أن تكون قراءة كل واحد من أئمة حمزة أحد الحروف السبعة، فتبلغ الحروف السبعة على هذا إلى أكثر من سبعة آلاف. وكذلك أبو عمرو1 إنما قرأ على ابن كثير2 وغيره. وقراءة ابن كثير عند هذا الظان أحد الحروف السبعة، وقراءة أبي عمرو كذلك، فيجب أن تكون قراءة من قرأ على أبي عمرو وغيره، أحد الحروف السبعة. وكذلك من قرأ عليه ابن كثير قراءته أحد الحروف السبعة؛ لأنهم كلهم يختلفون في قراءاتهم وروايتهم. وهذا تناقض /3ي ظاهر. وأيضا فإن هؤلاء السبعة قد روى كل واحد منهم عن جماعة لم يختص واحد بعينه، وروى عنه جماعة، فيجب أن تكون قراءة كل من روى عنه باختلاف أحد الحروف السبعة، فيبلغ عدد الحروف السبعة إلى ما لا يحصى.

_ 1 سبقت ترجمته. 2 هو عبد الله بن كثير بن المطلب القرشي بن عبد الدار، إمام أهل مكة في القراءة، ولد بمكة سنة خمس وأربعين، ولقى بها عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك، وروى عنهم، توفي سنة عشرين ومائة. "انظر طبقات القراء 1-443".

معنى: قرأ فلان بالأحرف السبعة

"معنى: قرأ فلان بالأحرف السبعة" فأما قول الناس: قرأ فلان بالأحرف السبعة، فمعناه أن قراءة كل إمام تسمى حرفا، كما يقال: قرأ بحرف نافع، وبحرف أبي1 وبحرف ابن مسعود2. وكذلك قراءة كل إمام تسمى حرفا، فهي أكثر من سبعمائة حرف لو عددنا الأئمة، الذين نقلت عنهم القراءة من الصحابة فمن بعدهم. فليس المراد بقولك: قرأ فلان بالأحرف السبعة، هي التي نص عليها رسول الله "صلى الله عليه وسلم". هذا شيء لم يتأوله أحد، ولا تعاطاه أحد، ولا يقدر على ذلك.

_ 1 هو، أبي بن كعب بن قيس أبو المنذر الأنصاري المدني سيد القراء، وأقرأ هذه الأمة، قرأ على النبي "صلى الله عليه وسلم"، وقرأ عليه النبي بعض القرآن للإرشاد والتعليم، وقرأ عليه من الصحابة ابن عباس، وأبو هريرة، ومن التابعين عبد الله بن عياش، وأبو عبد الرحمن السلمي، توفي سنة ثلاث وثلاثين. "طبقات القراء 1-21". 2 هو، عبد الله بن مسعود بن الحارث، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي أحد السابقين والبدريين، والعلماء الكبار من الصحابة أسلم قبل عمر، وعرض القرآن على النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو أول من أفضى القرآن من في رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، إليه تنتهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش، وفد من الكوفة إلى المدينة فمات بها آخر سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع وله بضع وستون سنة. "طبقات القراء 1-459".

فحصل من جميع ما ذكرنا وبينا: أن الذي في أيدينا من القرآن، هو ما في مصحف عثمان الذي أجمع المسلمون عليه، وأخذناه بإجماع يقطع على صحة مغيبه وصدقه. والذي في أيدينا من القرآن هو ما وافق خط ذلك المصحف من القراءات، التي نزل بها القرآن، فهو من الإجماع أيضا. وسقط العمل بالقراءات التي تخالف خط المصحف، فكأنها منسوخة بالإجماع على خط المصحف. والنسخ للقرآن بالإجماع فيه اختلاف، فلذلك تمادى بعض الناس على القراءة بما يخالف خط المصحف "مما"1 ثبت نقله، وليس ذلك بجيد، ولا بصواب؛ لأن فيه مخالفة الجماعة، وفيه أخذ القرآن بأخبار الآحاد، وذلك غير جائز عند أحد من الناس. وهذا الباب يتسع الكلام فيه، وفيما أشرنا إليه كفاية لمن فهمه.

_ 1 زيادة يقتضيها المقام.

فصل منه: يرى الطبري ما أختلف القراء فيه هو حرف واحد من الأحرف السبعة

فصل منه: يرى الطبري ما أختلف القراء فيه هو حرف واحد من الأحرف السبعة ... فصل منه: "يرى الطبري أن ما اختلف القراء فيه، هو حرف واحد من الأحرف السبعة" وقد ذهب الطبري في كتاب البيان له، إلى أن الذي اختلف القراء اليوم فيه من القراءات، إنما هو كله حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وهو الحرف الذي كتب عثمان عليه المصحف. قال: واختلاف القراء فيما اختلفوا فيه من الألفاظ كلا اختلاف. قال: وليس هو مراد النبي "صلى الله عليه وسلم"، بقوله: "نزل القرآن على سبعة أحرف". قال: وما اختلف فيه القراء هذا بمعزل؛ لأن ما اختلف فيه القراء لا يخرجون عن خط المصحف على حرف واحد. قلت: يذهب الطبري إلى أن الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن

إنما هي تبديل كلمة في موضع كلمة يختلف الخط بهما، ونقص كلمة، وزيادة أخرى فمنع خط المصحف المجمع عليه ما زاد على حرف واحد؛ لأن الاختلاف لا يقع إلا بتغير الخط في رأي العين، فالقراءات التي في أيدي الناس كلها عنده حرف /3ش. واحد من الأحرف السبعة، التي نص عليها النبي "صلى الله عليه وسلم". قال: والستة الأحرف الباقية قد سقطت، وذهب العمل بها بالإجماع على خط المصحف المكتوب على حرف واحد. قلت: فانظر، ما أبعد هذا القول من قول من ظن أن قراءة كل واحد من هؤلاء السبعة المتأخرين، حرف من السبعة الأحرف التي نص النبي "صلى الله عليه وسلم" عليها، وأن قراءتهم قد استولت على السبعة المنصوص عليها. والذي قدمنا -من أن ما زاد على قراءة لا يخالف المصحف في كل حرف، هو من الأحرف السبعة- أصوب عندنا لما ذكرنا من أن عثمان "رضي الله عنه"، لم يرد -إذ كتب المصحف-

إلا لفظا واحدا بكل حرف مما زاد على لفظ واحد، فهو من السبعة جازت القراءة به لموافقته لخط المصحف المجمع عليه. وقد بينا علة كون ما زاد في الأحرف على لفظ واحد، أنه من الأحرف السبعة؛ لأنه إن لم يكن من السبعة ولا من مراد عثمان -فهو تغيير في القرآن لا أصل له ولا معنى، فلا بد إما أن يكون إما من السبعة الأحرف، وإما من مراد عثمان، والذي ثبت أن عثمان لم يكتب المصحف إلا على حرف واحد، ولفظ واحد، فما زاد على ذلك فهو من السبعة بلا شك جازت لنا القراءة به، لاحتمال أن يكون عثمان أراده، وأنه غير خارج عن خط المصحف. وجاز لنا ذلك -وإن كنا قد علمنا أن عثمان لم يرد إلا وجها واحدا- كما جاز لنا أن نروي عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه قرن في حجته، وأنه أفرد، وأنه تمتع1، ولنا أن نفعل ما شئنا من ذلك، لاحتمال أن يكون هو الذي فعل النبي "صلى الله عليه وسلم"، مع علمنا أنه لم يفعل إلا وجها واحدا منها. ولهذا في الحديث والسنن نظائر كثيرة.

_ 1 قرن في حجته قرن بين الحج والعمرة "الزيارة"، يقرن بالضم والكسرة قرانا أي جمع بينها. وتمتع من المتعة، وهي أن تضم عمرة إلى حجك.

باب: سبب اختلاف القراءة فيما يحتمله خط المصحف

باب: "سبب اختلاف القراءة فيما يحتمله خط المصحف" فإن سأل سائل فقال: ما السبب الذي أوجب أن تختلف القراءة، فيما يحتمله خط المصحف، فقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع والمعنى واحد. نحو: جُذوة وجِذوة، وجَذوة1. وقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع وفي المعنى نحو: يُسَيِّركم، ويَنْشُرُكم2. وكل ذلك لا يخالف الخط في رأي العين؟ فالجواب عن ذلك: أن الصحابة "رضي الله عنهم"، كان قد تعارف بينهم من

_ 1 في قوله تعالى: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: 29] وقرأ عاصم: جذوة بفتح الجيم، وقرأ حمزة وخلف بضمها والباقون بكسرها، وهي لغات ثلاث في الفاء كالرشوة والربوة. "اتحاف فضلا البشر: 432". 2 في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر} "سورة يونس: آية 22". قرأ ابن عامر، وأبو جعفر ينشركم ضد الطي أي يفرقكم، والباقون"، يسيركم أي يحملكم على السير ويمكنكم منه "الإتحاف: 248".

عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، ترك الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر، /4ي لقول النبي "صلى الله عليه وسلم": "أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا بما شئتم". ولقوله: "نزل القرآن على سبعة أحرف، كل شاف كاف". ولإنكاره "صلى الله عليه وسلم" على من تمارى في القرآن. والأحاديث كثيرة، سأذكر منها طرفا في آخر هذا الكتاب إن شاء الله. فكان كل واحد منهم يقرأ كما علم، وإن خالف قراءة صاحبه لقوله "صلى الله عليه وسلم": "اقرءوا كما علمتم". وحديث عمر1 مع هشام بن حكيم2 مشهور، إذ تخاصم معه إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" في قراءة سمعه يقرؤها، فأنكرها عمر عليه، وقاده إلى النبي "صلى الله عليه

_ 1 عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين "رضي الله عنه". 2 هو، هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي. كان مهيبا، وكان يأمر بالمعروف في رجال معه، وكان له فضل، واستشهد بأجنادين "رحمه الله" انظر الإصابة "6-538"، تحقيق الأستاذ علي محمد البجاوي.

وسلم" ملببا بردائه1. فاستقرأ النبي "صلى الله عليه وسلم" كل واحد منها، فقال له: "أصبت"، ثم قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا بما شئتم". فكانوا يقرءون بما تعلموا، ولا ينكر أحد على أحد قراءته، وكان النبي "صلى الله عليه وسلم"، قد وجه بعضهم إلى البلدان ليعلموا الناس القرآن والدين. ولما مات النبي "صلى الله عليه وسلم"، خرج جماعة من الصحابة في أيام أبي بكر2 وعمر إل ما افتتح من الأمصار، ليعلموا الناس القرآن والدين فعلم كل واحد منهم أهل مصره، على ما كان يقرأ على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، فاختلفت قراءة أهل الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علموهم. فلما كتب عثمان المصاحف، وجهها إلى الأمصار3، وحملهم

_ 1 جمع ثيابه عند نحره ثم جره مخاصما له. 2 أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول الخلفاء الراشدين "رضوان الله عليهم أجمعين". 3 البصرة، والكوفة، ومكة، والشام، واليمن، والبحرين وأمسك لنفسه مصحفا الذي يقال له الإمام "النشر: 1-8".

على ما فيها وأمرهم بترك ما خالفها، قرأ أهل كل مصر مصحفهم الذي1 وجه إليهم على ما كانوا يقرءون قبل وصول المصحف إليهم، مما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها، مما يخالف خط المصحف: فاختلفت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط، وسقط من قراءتهم كلهم ما يخالف لخط. ونقل ذلك الآخر عن الأول في كل مصر، فاختلف النقل لذلك، حتى وصل النقل إلى هؤلاء الأئمة السبعة على ذلك، فاختلفوا فيما نقلوا على حسب اختلاف أهل الأمصار، لم يخرج واحد منهم عن خط المصحف فيما نقل، كما لم يخرج واحد من أهل الأمصار عن خط المصحف، الذي وجه إليهم. فلهذه العلة اختلفت رواية القراء فيما نقلوا، واختلفت أيضا قراءة من نقلوا عنه لذلك. واحتاج كل واحد من هؤلاء القراء، أن يأخذ مما قرأ ويترك، فقد قال نافع2: قرأت على سبعين من التابعين، فما اجتمع عليه اثنان أخذته، وما شك فيه 4/ ش واحد تركته، حتى اتبعت هذه القراءة.

_ 1 في الأصل: إلى، والسياق يقتضي ما أثبته. 2سبقت ترجمته.

وقد قرأ الكسائي1 على حمزة2، وهو يخالفه في نحو ثلاثمائة حرف؛ لأنه قرأ على غيره3، فاختار من قراءة حمزة، ومن قراءة غيره قراءة، وترك منها كثيرا. وكذلك أبو عمرو4 قرأ على ابن كثير5، وهو يخالفه في أكثر من ثلاثة آلاف حرف؛ لأنه قرأ على غيره6، واختار من قراءته، ومن قراءة غيره قراءة. فهذا سبب الاختلاف الذي سألت عنه.

_ 1 سبقت ترجمته. 2 سبقت ترجمته. 3 من الذين قرأ عليهم الكسائي غير حمزة -محمد بن أبي ليلى، وعيسى بن عمر الهمذاني، وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش، وإسماعيل ويعقوب بني جعفر عن نافع والمفضل الضبي، وزائدة بن قدامة، ومحمد بن الحسن بن سارة، وقتيبة ابن مهران. "طبقات القراء: 1-535". 4 سبقت ترجمته. 5 سبقت ترجمته. 6 من الذين قرأ عليهم أبوعمرو، غير ابن كثير، الحسن بن أبي الحسن البصري، وحميد بن قيس الأعرج، ورفيع بن مهران الرياحي، وسعيد بن جبير. وشيبة بن نصاح، وعاصم بن أبي النجود، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة بن خالد المخزومي، وعكرمة مولى ابن عباس، ومجاهد بن جبير، ومحمد بن عبد الرحمن بن محيصن، ونصر بن عاصم، والوليد بن اليسار، ويزيد بن اليسار، ويزيد بن القعقاع المدني، ويزيد بن رومان، ويحيى بن يعمر.

باب

4/ ش باب: فإن سأل سائل فقال: فما الذي يقبل من القراءات الآن، فيقرأ به؟ وما الذي لا يقبل، ولا يقرأ به؟ وما الذي يقبل، ولا يقرأ به؟ فالجواب: أن جميع ما روي من القراءات على ثلاثة أقسام: قسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال، وهي: أن ينقل عن الثقات إلى النبي "صلى الله عليه وسلم". ويكون وجهه في العربية، التي نزل بها القرآن شائعا. ويكون موافقا لخط المصحف. فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به، وقطع على مغيبه وصحته وصدقه؛ لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقته لخط المصحف، وكفر من جحده. والقسم الثاني: ما صح نقله في الآحاد، وصح وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف.

فهذا يقبل، ولا يقرأ به لعلتين: إحداهما1: أنه لم يؤخذ بإجماع، إنما أخذ بأخبار الآحاد، ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد. والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه، فلا يقطع على مغيبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا تجوز القراءة به، ولا يكفر من جحده، وبئس ما صنع إذ جحده2. والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية. فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف. ولكل صنف من هذه الأقسام تمثيل تركنا ذكره اختصار، وقد قال الطبري3 في كتاب البيان: لا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره

_ 1 في الأصل: أحدهما. 2 تمثيل لقراءة صح نقلها في الآحاد، وصح وجهها في العربية، وخالف لفظها خط المصحف: كقراءة عمر بن الخطاب غير المغضوب عليهم، وغير الضالين. تمثيل ما نقله غير ثقة: ذلك الكتاب لا زيت فيه "انظر الفهرست لابن النديم ص18". تمثيل ما نقله ولا وجه له في العربية، وإن وافق خط المصحف: كإسكان "بارئكم، ويأمركم" ونحوه "انظر النشر: 1-10". 3 سبقت ترجمته

لهم إمامهم المشفق عليهم، الناصح لهم، دون ما عداه من الأحرف السبعة. وقد ذكرنا هذا من مذهبه. وقد ألف هو كتابه القراءات، فذكر فيه اختلاف نحو عشرين من الأئمة، من الصحابة والتابعين، ومن دونهم فنقض مذهبه بذلك. وقد قال في كتاب القراءات له كلاما نقض أيضا به مذهبه قال: كل ما صح عندنا من القراءات، أنه علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من الأحرف السبعة التي أذن الله له، ولهم أن يقرءوا بها/ 5ي القرآن، فليس لنا أن نخطئ من كان ذلك به موافقا لخط المصحف. فإن كان مخالفا لخط المصحف لم نقرأ به، ووقفنا عنه، وعن الكلام فيه. فهذا إقرار منه، أن ما وافق خط المصحف مما اختلف فيه، فهو من الأحرف السبعة، على مثل ما ذهبنا إليه.

وقد تقدم من قوله1: أن جميع ما اختلف فيه مما يوافق خط المصحف، فهو حرف واحد، وأن الأحرف الستة ترك العمل بها. وهذا مذهب متناقض. "القراءة بما خالف خط المصحف وإن روى": وقد قال إسماعيل القاضي2 في كتاب القراءات له: أن عمر بن الخطاب قرأ: غير المغضوب عليهم وغير، الضالين3. قال: وهذا -والله أعلم- علم ما جاء: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف. ثم قال إسماعيل:4 لأن هذا -وإن كان في الأصل جائزا، فإنه إذا فعل ذلك رغب في اختيار أصحاب النبي "صلى الله عليه وسلم"، حين اختاروا أن يجمعوا الناس على مصحف واحد، مخافة

_ 1 انظر: ص43، وما بعدها. 2 سبقت ترجمته. 3 سورة الفاتحة آية7. 4 هو إسماعيل القاضي المذكور، وقد سبقت ترجمته.

أن يطول بالناس زمان، فيختلفوا في القرآن. ثم قال إسماعيل: فإذا اختار الإنسان أن يقرأ ببعض القراءات، التي رويت مما يخالف خط المصحف صار إلى أن يأخذ القراءة برواية واحد عن واحد، وترك ما تلقته الجماعة عن الجماعة، والذين هم حجة على الناس كلهم -يعني خط المصحف. قال إسماعيل: وكذلك ما روي من قراءة ابن مسعود1 وغيره ليس لأحد أن يقرأ اليوم به - يعني مما يخالف خط المصحف من ذلك2. قال إسماعيل: لأن الناس لا يعلمون أنها قراءة عبد الله، وإنما هي شيء يرويه بعض من يحمل الحديث. يعني أن ما خالف خط المصحف من القراءات، فإنما يؤخذ بأخبار الآحاد، وكذا ما وافق خط

_ 1 سبقت ترجمته. 2 مثل قراء ابن سعود: "إن الله لا يظلم مثقال نملة". "انظر المصاحف للسجستاني: 54".

المصحف الذي هو يقين إلى ما يخالف خطه مما لا يقع على صحته. قال إسماعيل: فإن جرى شيء من ذلك على لسان الإنسان، من غير أن يقصد له كان له في ذلك سعة، إذا لم يكن معناه يخالف معنى خط المصحف المجمع عليه. ويدخل ذلك في معنى ما جاء: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف. قلت: فهذا كله من قول إسماعيل يدل على أن القراءات، التي وافقت خط المصحف هي من السبعة الأحرف كما ذكرنا، وما خالف خط المصحف أيضا هو من السبعة، إذا صحت روايته ووجهه في العربية ، ولم يضاد معنى خط المصحف. لكن لا يقرأ به، إذ لا يأتي إلا بخبر الآحاد، ولا يثبت قرآن يخبر الآحاد، وإذ هومالف للمصحف المجمع عليه. فهذا الذي نقول به ونعتقده، وقد بيناه كله.

باب: جمع القرآن، وكيف جمع؟ وما سبب جمعه؟

باب: "جمع القرآن، وكيف جمع؟ وما سبب جمعه؟ " فإن سأل سائل فقال: هل كان القرآن مجموعا على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"؟. وكيف جمع بعده؟ وما سبب جمعه؟. 5ش/ فالجواب: أن القرآن كان على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، متفرقا في صدور الرجال؛ لأنه نزل في نيف1 وعشرين سنة، شيئا بعد شيء وقيل: في عشرين سنة. وتواترت الرواية أنه مات "صلى الله عليه وسلم"، وهو غير مجموع في صحف. لم يختلف في ذلك. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولى أبو بكر رضي الله عنه، خرج القراء من الصحابة إلى الغزوات، فاستشهد كثير منهم يوم اليمامة.

_ 1 النيف: بوزن هين: الزيادة يخفف ويشدد يقال عشرة ونيف، ومائة ونيف. وكل ما زاد على العقد، فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني.

قال زيد بن ثابت1: فارسل إلي أبو بكر بعد مقتل اليمامة، فجئته، فإذا عمر عنده قال زيد: فقال لي أبو بكر: إن عمر جاءني فقال: إن القتل قد استحر2 يوم اليمامة بقراء القرآن، وإن أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قال أبو بكر: فقلت لعمر: أنفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟ قال عمر: هو والله خير. قال أبو بكر: فلم يزل عمر يراجعني في ذلك، حتى شرح الله صدري بالذي شرح به صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى. قال زيد: ثم قال لي أبو بكر: أنت غلام شاب عاقل

_ 1 زيد بن ثابت بن الضحاك، أبو سعيد الأنصاري الخزرجي المقرئ الفرضي "رضي الله عنه"، كاتب النبي طصلى الله عليه وسلم" وأمينه على الوحي، وأحد الذين جمعوا القرآن على عهده "صلى الله عليه وسلم"، وهو الذي كتبه في المصحف لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم لعثمان حين جهزها إلى الأمصار، توفي سنة 48 عن ستة وخمسين سنة. "طبقات القراء: 1-296". 2 استحر القتل: اشتد.

لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله "صلى الله عليه وسلم"، فتتبع القرآن واجمعه. قال زيد: فوالله لقد كلفوني ثقل جبل من الجبال، ما كان بأثقل علي مما أمروني به من جمع القرآن. قال زيد: فقلت: أتفعلون شيئا لم يفعله رسول الله، "صلى الله عليه وسلم"؟. قال أبو بكر: هو والله خير. قال زيد: فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري بالذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. قال زيد: فتتبعت القرآن، أجمعه من الرقاع والسعف واللخاف1. وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة عند ذي الشهادتين الأنصاري2. كان رسول الله "صلى الله عليه

_ 1 جاء في أصل الكتاب: اللخاف في كتاب أبي عبيد، قال الأصمعي: واحدتها لحفة، وهي حجارة. رقاق بيض، وكذلك وقع في كتاب العين. 2 هو خزيمة بن الفاكه بن ثعلبة الحظمي الأنصاري، من بني خطمة من الأوس، ويكنى أبا عمار، شهد بدرا، وما بعدها من المشاهد "الاستيعاب: 2-448".

وسلم" جعل شهادته كشهادة رجلين، لم نجدها مع غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ، إلى آخر السورة. قال المقري1: ومعنى هذا أن زيدا وغيره كانوا يحفظون الآية لكنهم أنسوها، فوجدوها في حفظ ذلك الرجل، فتذاكروها، واستيقنوها وأثبتوها في المصحف لحفظهم لها، وسماعهم إياها من رسول الله "صلى الله عليه وسلم". ولم يخالفهم أحد في ذلك فصارت إجماعا، لا أنهم2 أثبتوها قرآنا بشهادة ذلك الرجل، وإن كانت شهادته مقام شهادة رجلين؛ لأن القرآن لا يؤخذ إلا بالإجماع، وتواتر يقطع على مغيبه بالصدق، ويجب بذلك العلم والعمل، ولا يؤخذ بشهادة رجل ولا رجلين، ولا بشهادة من لا يقطع على صدق شهادته. قال زيد: فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر3 حتى

_ 1 هو صاحب الكتاب: مكي بن أبي طالب، حموش القيسي. 2 في الأصل؛ لأنهم، والسياق يقتضي ما أثبته. 3 وزوج النبي صلى الله عليه وسلم.

أخذها منها عثمان رضي الله عنه /6ى فنسخها في المصحف، ثم ردها إليها. وذكر إسماعيل القاضي من روايته أن زيد بن ثابت قال: كتبته على عهد أبي [بكر] 1 في قطع الأدم2، وكسر الأكتاف، وفي كذا وكذا. قال: فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبه في صحيفة واحدة، وكانت عنده. فلما هلك عمر كانت الصحيفة عند حفصة زوج النبي "صلى الله عليه وسلم". وروى أن حفصة لما ماتت قبض الصحيفة، عبد الله بن عمر3 فعزم عليه مروان4 فأخذها منه، وشققها، ومزقها، مخافة أن يكون فيها خلاف ما نسخ عثمان فيقع الاختلاف.

_ 1 ناقصة من الأصل. 2 باطن الجلد الذي يلي اللحم. 3 عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 4 هو، مروان بن الحكم أول من أحدث ملك يوم الدين بغير ألف "انظر طبقات القراء: 2-263".

باب: سبب جمع عثمان القرآن في مصحف على لغة واحدة وحرف واحد

6ى/ باب: "سبب جمع عثمان القرآن في مصحف على لغة واحدة وحرف واحد" فإن سأل سائل فقال: ما السبب الذي من أجله جمع عثمان القرآن في مصحف على لغة واحدة وحرف واحد، وجمع الناس على ذلك، وخرق ما عداه من المصاحف؟ فالجواب: أن الروايات قد تكررت عن ابن شهاب1، وغيره أن حذيفة بن اليمان2 كان قد حضر في زمن عثمان "رضي الله عنه"، في فتح أذربيجان وأرمينية، فرأى الناس يختلفون في ألفاظ القرآن اختلافا شديدا، حتى كاد أن يكفر بعضها

_ 1 ابن شهاب، هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، المدني أحد الأئمة الكبار وعالم الحجاز والأنصار تابعي، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، قرأ على أنس بن مالك ولد في سنة خمسين، وروى عن عبد الله بن عبد الله بن عمر مات سنة أربع وعشرين بشغب آخر حد الحجاز، وأول حد فلسطين "طبقات القراء: 2-262-263". 2 حذيفة بن اليمان، هو أبو عبد الله العيسى، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، توفي بعد عثمان بأربعين عاما "طبقات القراء: 1-203".

بعضًا. وكان سبب ذلك ما قدمنا ذكره1 أن أهل كل مصر قرءوا على ما أقرأهم الصحاب، الذي وصل إليهم ليعلمهم القرآن، والدين في زمان أبي بكر وعمر، فاختلفوا في قراءاتهم بألفاظ مختلفة في السمع لا في المعنى2، وفي السمع والمعنى3 مخالفة للخط، وغير مخالفة، بزيادة ونقص4، وتقديم، وتأخير5، واختلاف حركات وأبنية واختلاف حروف، ووضع حروف في موضع أحرف أخر6. وكان ذلك قد تعارف بين الصحابة على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" على ما قدمنا وبينا، فلم يكن ينكر أحد ذلك على أحد لمشاهدتهم من أباح لهم ذلك، وهو النبي "صلى الله عليه وسلم". فلما انتهى ذلك الاختلاف إلى ما لم يعاين صاحب الشرع،

_ 1 انظر ص49. 2 كقراءة: جذوة مثلثة الجيم. 3 كقراءة يسيركم وينشركم. 4 وما خلق الذكر والأنثى، والذكر بنقص لفظ ما خلق. 5 فيقتلون بفتح ياء المضارعة، مع بناء الفعل للفاعل في إحدى الكلمتين، وبضمها مع بناء الفعل للمفعول في الكلمة لأخرى. 6 مثل: طلح منضود. وطلع منضود.

ولا علم بما أباح من ذلك، أنكر كل قوم على آخرين قراءتهم، واشتد الخصام بينهم. وقال كل فريق: قراءتنا أولى من قراءتكم. فراع ذلك حذيفة وأفزعه، فقد على عثمان "رضي الله عنه" فقال: يا أمير المؤمنين: أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتاب الله كاختلاف اليهود والنصارى، فأحضر عثمان الصحيفة التي كانت عند حفصة، ودعا زيد بن ثابت الأنصاري1، وعبد الله بن الزبير2، وسعيد بن العاص3، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام4. وأمرهم بنسخ المصحف.

_ 1 سبقت ترجمته. 2 هو، عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو بكر القرشي الأسدي الصحابي ابن الصحابي "رضي الله عنهما"، وردت الرواية عنه في حروف القرآن هاجرت أمه، وهو حمل في بطنها فكان أول مولود ولد بالمدينة من المهاجرين، ولد في السنة الثانية ونقل في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين "طبقات القراء: 1-419". 3 سعيد بن العاص بن أمية ولد عام الهجرة، وكان أحد أشراف قريش ممن جمع الشجاعة والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان "رضي الله عنه"، استعمله عثمان على الكوفة توفي في خلافة معاوية سنة تسع وخمسين "الاستيعاب القسم الثاني ص624". 4 عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي، المخزومي، كان ابن عشر سنين حين قبض رسول الله "صلى الله عليه وسلم".

وقيل: بل جمع اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار فيهم زيد بن ثابت، وأمرهم بكتابة1 المصحف. وقال عثمان للرهط من قريش: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانها. فلما نسخوا المصحف كتبوه في سبع نسخ. 6ش/ وقيل: في خمس. ورواة الأول أكثر. ووجه عثمان إلى كل مصر مصحفا، وحرق ما عدا ذلك من المصاحف. وقيل: إنه سخن الماء لها وألقاها فيه. فعند ذلك اجتمع الناس في الأمصار على مصحف عثمان. وقرأ أهل [كل] 2 مصر من قراءتهم، التي كانوا عليها بما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم ماخالف خط المصحف، وقد بينا هذا.

_ 1 في الأصل بكتبه. 2 زيادة يقتضيها المقام.

قال أنس بن مالك1: أرسل عثمان إلى كل جند من أجناد المسلمين مصحفا، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف الذي أرسل به إليهم. قال الطبري، عند ذكره للمصحف: فاستوسقت2 له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أنفيما فعل من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركه، طاعة منها له، ونظرا منها لأنفسها، ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست الأمة معرفتها. وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها، وعفو آثارها، وتتابع المسلمين إلى رفض القراءة بها من غير جحود منهم صحتها، وصحة شيء منها. ولكن نظرا منها لأنفسها، ولسائر أهل دينها. فلا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره

_ 1 هو أنس مالك بن النضير الأنصاري، أبو حمزة صاحب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وخادمه، روى القراءة عنه سماعا: وقرأ عليه قتادة ومحمد بن مسلم الزهري توفي سنة 91 "طبقات القراء: 1-172". 2 استوسقت له الأمة: اجتمعت له بالطاعة.

لهم أمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية. وروى خارجة بن زيد1 عن أبيه أنه قال: فقدت يوم نسخت المصحف آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقرؤها {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا} 2 الآية فالتسمتها فأصبتها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، ولم أصبها مع غيره، فألحقتها في سورتها. قال المقري: قلت: وهذا مبني على ما قدمنا من فقده لآخر سورة التوبة3 في عهد أبي بكر، أنهم كانوا يحفظونها لكنهم أنسوها، فلما وجدوها تذكروها، وأيقنوا بها وكتبوها، لا أنهم قبلوها بشهادة من وجدوها معه؛ لأن غير هذا لا يجوز أن يتأول.

_ 1 خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، الخزرجي "انظر الاستيعاب: 2-537". 2 سورة الأحزاب آية 23. 3 الآيتان: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ... } ، إلخ السورة.

والدليل على صحة ما تأولنا: قول زيد في هذا الخبر: كنت أسمع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقرؤها، فهو شيء سمعه من رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأنسيه، فلما وجده تذكر، وأيقن به هو وغيره، فكتبوا ذلك بإجماع منهم، لسماعهم ذلك من رسول الله "صلى الله عليه وسلم". وكذلك كل ما كتبوا وأثبتوا في المصحف. وكان المصحف إذ كتبوه لم ينقطوه، ولم يضبطوا إعرابه فتمكن لأهل كل مصر أن يقرءوا الخط على قراءتهم، التي كانوا عليها مما لا يخالف صورة الخط. فقرأ قوم مصحفهم: "من كل حدب1" بالحاء والباء على ما كانوا عليه وقرأ الآخرون: "من كل جدث"، بالجيم على ما كانوا عليه. وقرأ الآخرون/ 7ى: "من كل جدث" بالجيم والثاء على ما كانوا عليه2.

_ 1 سورة الأنبياء آية 96. 2 قرأ ابن عباس "من كل جدث"، وهو القبر. "البحر المحيط: 6-339".

وقرأ قوم: "يقص الحق1" بالصاد على ما كانوا عليه، وقرأ قوم: "يقض الحق" بالضاد على ما كانوا عليه2. وكذلك ما أشبه هذا. لم يخرج أحد في قراءته عن صورة خط المصحف. فهذا سبب جمع المصحف، وسبب الاختلاف الواقع في خط المصحف. قال زيد بن ثابت: القراءة سنة. قال إسماعيل القاضي: أحسبه يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف. وذكر عن محمد بن سيرين3، أنه قال:

_ 1 سورة الأنعام آية 57. 2 قرأ "يقص الحق"، نافع وابن كثير وعاصم وأبو جعفر، من قص الحديث أو الأثر تتبعه، وقرأ الباقون بقاف ساكنة وضاد معجمة مكسورة من القضاء، ولم ترسم إلا بضاد كأن الياء حذفت كما في "تغن النذر" "اتحاف فضلاء البشر: 209". 3 محمد بن سيرين أبو بكر بن أبي عمرة البصري، مولى أنس بن مالك "رضي الله عنه"، إمام البصر مع الحسن، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وروى عن مولاه، وعن زيد بن ثابت وعمران بن الحصين، وعائشة وأبي هريرة وغيرهم، وكان يكره أن يقرأ الرجل القرآن إلا كما أنزل، فكره أن يقرأ ثم يتكلم ثم يقرأ، مات سنة عشر ومائة "طبقات القراء: 2-151".

كانوا يرون أن قراءتنا هذه إحداهن بالعرضة1 الآخرة2. وروى عن علي بن أبي طالب "رضي الله عنه"، أنه قال: لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان.

_ 1 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "النشر: 1-8". 2 عام قبض رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حيث عرض عليه القرآن مرتين.

باب: معنى أنزل القرآن على سبعة أحرف

باب: "معنى أنزل القرآن على سبعة أحرف" فإن سأل سائل فقال: ما الذي نعتقد في معنى قول النبي "صلى الله عليه وسلم": "أنزل القرآن على سبعة أحرف"؟ وما المراد بذلك؟ فالجواب: أن هذا المعنى قد كثر اختلاف الناس فيه. والذي نعتقده في ذلك، ونقول به، وهو الصواب إن شاء الله: أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن: هي لغات متفرقة في القرآن، ومعان في ألفاظ تسمع في القراءة: مختلفة في السمع متفقة في المعنى. ومختلفة في السمع وفي المعنى. نحو: تبديل كلمة في موضع أخرى وصورة الخط متفقة، أو مختلفة نحو: يسيِّرُكم، وَيَنْشُرُكُمْ1. ونحو: صيحة وزقية2.

_ 1 سورة يونس آية 22، وقد قرأ ابن عامر وأبو جعفر ينشركم، والباقون يسيركم "الإتحاف: 248". 2 سورة يس آية 53.

وزيادة كلمة ونقص أخرى. وزيادة حرف ونقص آخر. وتغيير حركات في موضع حركات أخر. وإسكان حركة. وتشديد، وتخفيف. وتقديم، وتأخير1. وشبه ذلك مما يسمع ويميز بالسمع. وليس هو مما يحتوي على المعاني المستترة، كقول من قال: الأحرف السبعة: حلال وحرام، وناسخ ومنسوخ، وأمر ونهي، وشبه هذا. هذه معان في النفس مستترة، لا تعلم إلا بسؤال من يعتقدها دليل ذلك: أن عمر إنما سمع هشاما2 يقرأ غير قراءته، فأنكر عليه ولم يره يغير حكما، ولا يحرف معنى في القرآن. ويدل على ذلك: أن النبي "صلى الله عليه وسلم" لما

_ 1 ستأتي الأمثلة على ذلك. 2 هو، هشام بن حكيم وقد سبقت ترجمته.

تخاصموا إليه في القراءة أمرهم بالقراءة، فلما سمعهم صوب، قراءتهم، ولم يسالهم عن معان مستورة في أنفسهم، أنما سمع ألفاظهم فصوبها. وأيضا فإنها لو كانت في حلال وحرام، وأمر ونهي، وناسخ ومنسوخ وشبهه لم يقل: اقرءوا بما شئتم، وأي ذلك قرأت أصبت. قال بعض القراء: هي سبع أحرف منطبقة المفهوم، مختلفة المسموع، وهو معنى ما قلناه. وقال مالك وغيره1: هو قراءة القارئ: عزيز حكيم. وفي موضع: غفور رحيم. وهذا الذي يخالف الخط، لا تجوز به اليوم لمخالفة خط المصحف، وهو المنهي عنه.

_ 1 هو، مالك بن أنس بن مالك، أبو عبد الله الأصبحي المدني، إمام دار الهجرة وصاحب المذهب، أخذ القراءة عرضا عن نافع بن أبي نعيم، وروى القراءة عنه أبو عمرو الأوزاعي، ويحيى بن سعيد، ولد سنة ثلاث وسبعين ومات سنة تسع وسبعين ومائة "طبقات القراء: 2-35".

والذي يشتمل عليه معنى القراءات: أنها ترجع إلى سبعة أوجه: الأول: ش7/ أن يختلف في إعراب الكلمة، أو في حركات بنائها بما لا يزيلها عن صورتا في الكتاب، ولا يغير معناها نحو: البُخْل والبَخَلَ1، وميسَرة وميسُرة2. وما هن أمهاتهم، وما هن أمهاتهم3. وهو كثير. يقرأ منه بما صحت روايته، وصح وجهه في العربية؛ لأنه غير مخالف للخط. الثاني: أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة، أو في حركات بنائها بما يغير معناها، على غير التضاد4، ولا يزيلها عن

_ 1 سورة النساء آية38، سورة الحديد آية 24، قرأ حمزة والكسائي وخلف بفتح الباء والخاء، وقرأ الباقون بضم الباء وسكون الخاء. "النشر: 2-236". 2 سورة البقرة آية 280 قرأ نافع بضم السين، وقرأ الباقون بفتحها "النشر: 2/ 236". 3 سورة المجادلة آية: 2. قرأ الجمهور أمهاتهم بالنصف على لغة الحجاز، والمفضل عن عاصم بالرفع على لغة تميم "البحر المحيط: 8-232". 4 في الأصل على غير التضاد.

صورتها في الخط وذلك نحو قوله: "ربُّنا باعد بين أسفارنا"، و"ربِّنا بَعِّدْ بين أسفارنا"1. و"إذ تَلَقَّوْنَه" وتُلْقُونَه"2. و"ادكر بعد إمة"، و"بعد أمه"3. الثالث: أن يكون الاختلاف في تبديل حرف الكلمة، دون إعرابها بما يغير معناها، ولا يغير صورة الخط بها في رأي العين نحو: نُنْشِرها، ونُنْشِزُها4.

_ 1 سورة سبأ آية 19 اختلفوا في "ربنا باعد"، فقرا يعقوب برفع الباء من "ربنا" وفتح العين والدال وألف قبل العين من "باعد"، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وهشام بنصب الباء، وكسر العين مشددة من غير ألف مع إسكان الدال. وقرأ الباقون كذلك إلا أنهم بالألف، وتخفيف العين. "النشر: 2-350". 2 سورة النور آية 15 قرأ الجمهور: تلقونه، وقرأ ابن السميفع تلقونه مضارع ألقى. وقد حكى صاحب البحر المحيط قراءات أخرى "انظر حـ6 ص438". 3 سورة يوسف آية 45، قرأ الأشهب العقيلي بعد أمة بكسر الهمزة، أي بعد نعمة أنعم الله بها على يوسف في تقريب إطلاقه، وقرأ ابن عباس، وزيد بن علي والضحاك وقتادة، وشبيل بن عذرة الضبعي، وربيعة بن عمر بعد أمه بفتح الهمزة والميم مخففة، وهاء والجمهور قرءوا بعد أمة. "البحر المحيط: 5-314". 4 سورة البقر آية 259 قرأ ابن عامر، والكوفيون بالزاي المنقوطة، وقرأ الباقون بالراء المهملة. "النشر 2-231".

وفزع عن قلوبهم. وفزع عن قلوبهم1. ويقص الحق، ويقض الحق2. وهو كثير، يقرأ به إذا صح سنده ووجهه لموافقته لصورة الخط في رأي العين. الرابع: أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها، نحو: إن كانت إلا صيحة واحدة، وإلا زقية واحدة3. وكالصوف المنفوش، والعهن المنفوش4. فهذا يقبل إذا صحت روايته، ولا يقرأ به اليوم لمخالفته لخط المصحف؛ ولأنه إنما ثبت بخبر الآحاد.

_ 1 سورة سبأ آية 23 قرأ ابن عامر، ويعقوب فتح الفاء والزاي، وقرأ الباقونبضم الفاء وكسر الزاي "النشر: 2-351". 2 سورة الأنعام آية 57 قرأ المدنيان: أبو جعفر ونافع، وابن كثير وعاصم "يقص" بالصاد المهملة مشددة، وقرأ الباقون بإسكان الفاء وكسر الضاد "النشر 3-258". 3 سورة يونس آية 29. 4 سورة القارعة آية 5 في مصحف ابن مسعود كالصوف المنفوش، وقرأ الجمهور كالعهن المنفوش "انظر المصاحف للسجستاني".

الخامس: أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها في الخط، ويزيل معناها نحو: ألم تنزيل الكتاب. في موضع: ألم ذلك الكتاب1. فهذا لا يقرأ به أيضا، لمخالفته للخط، ويقبل منه ما لم يكن فيه تضاد2 لما عليه المصحف. وهذه الأقسام كلها كثيرة لو تكلفنا أن نؤلف في كل قسم كتابا مما جاء منه، وروى، لقدرنا على ذلك لكثرته. السادس: أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير. نحون ما روي عن أبي بكر "رحمه الله" أنه قرأ عند الموت: وجاءت سكرة الحق بالموت3. وبذلك قرأ ابن مسعود. وهذا يقبل لصحة معناها إذا صحت روايته. ولا يقرأ به لمخالفته المصحف؛ ولأنه أتى بخبر الأحاد.

_ 1 سورة البقرة الآية2. 2 في الأصل تضاد بفك الإدغام. 3 سورة ق آية 19.

والسابع: أن يكون الاختلاف بالزيادة، أو بالنقص في الحروف والكلم، فهذا يقبل منه ما لم يحدث حكما لم يقبله أحد. ويقرأ منه بما اختلفت المصاحف في إثباته وحذفه، نحو: "تجري تحتها" في براءة عند رأس المائة، و {مِنْ تَحْتِهَا} 1 "فإن الله الغني الحميد" في الحديد، و {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد} 2. ونحو ذلك اختلف فيه المصاحف3 التي وجه بها عثمان إلى الأمصار، فيقرأ به إذا لم يخرج عن خط جميع المصاحف. ولا يقرأ منه بما لم تختلف فيه المصاحف/ 8ى: لا يزاد شيء لم يزد في شيء من المصاحف، ولا شيء لم ينقص في شيء من المصاحف. وأما ما اختلفت فيه القراءة من الإدغام، والإظهار، والمد، والقصر، وتشديد، وتخفيف، وشبه ذلك فهو من القسم الأول؛ لأن القراءة بما يجوز منه في العربية، وروى عن

_ 1 سورة الحديد آية: 12. 2 سورة الحديد آية: 24. 3 انظر اختلاف مصاحف الأمصار، التي نسخت من المصحف الإمام من كتاب المصاحف للسجستاني ص39.

أئمة وثقات: جائزة في القرآن؛ لأنه كله موافق للخط. وإلى هذه الأقسام في معاني السبعة، ذهب جماعة من العلماء. وهو قول ابن قتيبة1 وابن شريح2 وغيرهما. لكننا شرحنا ذلك من قولهم.

_ 1 ابن قتيبة: هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، المروزي ولد سنة 211هـ، وتربى في بغداد، وتولى القضاء بدينور. وهو صاحب عيون الأخبار، وطبقات الشعراء، والإمامة والسياسة، وأدب الكاتب، وكتاب القراءات، وغريب القرآن، ومشكل القرآن "توفي 276هـ"، انظر وفيات الأعيان. 2 ابن شريح هو محمد بن شريح الرعيني الأشبيلي، ولد سنة 388هـ، ورحل إلى مصر ومكة، ثم لقي مكي بن أبي طالب وأجازه. مات في شوال سنة 476هـ.

باب: فائدة تعدد القراءات

باب: "فائدة تعدد القراءات" فإن سأل سائل، فقال: ما الذي تفيد قراءة على أكثر من حرف لمن قرأ على أكثر من حرف؟ فالجواب. أن الله "عز وجل" لم يجعل على عباده حرجا في دينهم، ولا ضيق عليهم فيما افترض عليهم. وكانت لغات من أنزل عليهم القرآن مختلفة، ولسان كل صاحب لغة، لا يقدر على رده إلى لغة أخرى إلا بعد تكلف ومئونة شديدة، فيسر الله عليهم أن أنزل كتابه على سبع لغات متفرقات1 في القرآن بمعان متفقة ومختلفة، ليقرأ كل قوم على لغتهم، على ما يسهل عليهم من لغة غيرهم، وعلى ما جرت به عادتهم. فقوم جرت عادتهم بالهمز. وقوم بالتخفيف.

_ 1 في هامش الأصل هذه العبارة: نسخة في كتاب الشيخ "مفترقات".

وقوم بالفتح. وقوم بالإمالة. وكذلك الأعراب واختلافه في لغاتهم، والحركات واختلافها في لغاتهم. وغير ذلك. فتفصح كل قوم، وقرءوا على طبعهم ولغتهم ولغة من قرب منهم، وكان في ذلك رفق عظيم بهم، وتيسير كثير لهم. ونظير هذا في القرآن، مما رفق الله به عباده، ويسر عليهم نزول الفرائض والأحكام، والأوامر والنواهي لشيء بعد شيء في أكثر من عشرين سنة، فكانوا لذلك أقبل، وهو عليهم أسهل، إذ لو نزل كله مرة واحدة لصعب عليهم واشتد، وللحقهم في ذلك عنت وصعوبة. فمن الله عليهم بنزول شيء من الفرائض. فإذا أنسوا بالفرض، وعملوا به، وطال الأمر، وصار عندهم عادة نزل فرض آخر، حتى أكمل الله دينه في يسر على عباده. فنعمة الله لا تحصى. ونظير ذلك أيضًا في القرآن: أن الله "جل ذكره" علم أن القرآن لا يجمعه كل إنسان في وقت نزوله، ولا يقف على ما نص فيه جميع العباد، فكرر

القصص، والتحذير والتخويف، والتوحيد والإخبار عن البعث والنشر والحجج على جوازه، وغير ذلك في أكثر سور القرآن، ليكون من بلغه بعض السور وقف على ذلك أجمع، ومن بلغه البعض الآخر وقف فيه على نحو ذلك. ومن بلغه سورة واحدة وقف على أكثر ذلك، فلا يفوت أحدا منهم ما به الحاجة إليه، مما أراد الله إعلامه لخلقه، فكان في/ 8ش التكرير رفق عظيم، وهداية ظاهرة للحق، وذلك بلطف الله لخلقه، وهذا كثير من نعم الله على خلقه، ورفقه بهم. ولو تتبعت ذلك أوجدت منه عددًا كبيرًا.

باب: العلة في كثرة اختلاف المروي عن الآئمة القراء

باب: العلة في كثرة اختلاف المروي عن الآئمة القراء ... باب: "العلة في كثر اختلاف المروي عن الأئمة القراء" فإن سأل سائل، فقال: ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هذه الأئمة، وكل واحد منهم قد انفرد بقراءة اختارها مما قرأ به على أئمته؟ فالجواب: أن كل واحد من الأئمة قرأ على جماعة بقراءات مختلفة، فنقل ذلك على ما قرأ، فكانا في برهة من أعمارهم يقرئون الناس بما قرءوا، فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يرده عنه، إذا كان ذلك مما قرءوا به على أئمتهم. ألا ترى أن نافعا قال: قرأت على سبعين من التابعين، فما اتفق عليه اثنان أخذته، وما شذ فيه واحد تركته؟. يريد، والله أعلم، مما خالف المصحف. فكان مما قرأ عليه بما اتفق فيه اثنان من أئمته لم ينكر عليه ذلك.

وقد روى عنه أنه كان يقرئ الناس بكل ما قرأ به حتى يقال له: نريد أن نقرأ عليك باختيارك مما رويت. وهذا قالون1 ربيبه وأخص الناس به. وورش2 أشهر الناس في المتحملين إليه، اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف، من قطع وهمز، وتخفيف، وإدغام وشبيهه. ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه، ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش. وإنما ذلك؛ لأن ورشا قرأ عليه بما تعلم في بلده، فوافق ذلك

_ 1 قالون: هو عيسى بن مينا بن وردان، مولى ابن زهرة أبو موسى الملقب قالون، قارئ المدينة ونحويها، يقال إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيرا، وهو الذي سماه قالون لجودة قراءته، فإن قالون بلغة الرومية "جيد"، وكان أصم يقرئ القرآن، ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة توفي سنة 220هـ. 2 ورش: هو عثمان بن سعيد أبو عمر والقرشي، مولاهم القبطي المصري الملقب بورش شيخ القراء والمحققين، وإمام أهل الأداء المرتلين انتهب إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه ولد سنة 110 بمصر، ورحل إلى نافع بالمدينة فعرض عليه سنة 155هـ، وكان أشقر أزرق أبيض اللون قصيرا هو إلى السمن أقرب منه إلى النحافة، فقيل: إن نافعا لقبه بالورشان؛ لأنه كان على قصه يلبس ثيابا قصارا. وكان إذا مشى بدت رجلاه مع اختلاف ألوانه: فكان نافع يقول: هات يا ورشان، وأقرأ يا ورشان، وأين ورشان، ثم خفف فقيل: ورش. والورشان طائر توفي سنة 198هـ.

رواية قرأها نافع عن بعض أئمته، فتركه على ذلك. وكذلك ما قرأ عليه قالون وغيره. وكذلك الجواب عن اختلاف الرواة عن جميع القراء. وقد روي عن غير نافع أنه كان يرد على أحد ممن يقرأ عليه، إذا وافق ما قرأ به على بعض أئمته. فإن قيل له: أقرءنا بما اخترته من روايتك اقرأ بذلك.

باب: السبب في إشهار السبعة القراء دون من هو فوقهم

باب: السبب في إشهار السبعة القراء دون من هو فوقهم ... باب: "السبب في اشتهار السبعة القراء دون من هو فوقهم" فإن سأل سائل فقال: ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هو فوقهم، فنسبت إليهم السبعة الأحرف مجازا، وصاروا في وقتنا أشهر من غيرهم، ممن هو أعلى درجة منهم، وأجل قدرا؟. فالجواب: أن الرواة عن الأئمة من القراء، كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد، كثيرا في الاختلاف، فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات، التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراء به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة وحسن الدين، وكمال العلم، قد طال عمره، واشتهر أمره، وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرأ، فلم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل/ 9ى مصر وجه إليه عثمان مصحفا، إماما هذه صفته وقراءته على مصحف ذلك المصر.

فكان أبو عمرو من أهل البصرة. وحمزة وعاصم من أهل الكوفة وسوادها. والكسأ من أهل العراق. وابن كثير من أهل مكة. وابن عامر من أهل الشام. ونافع من أهل المدينة. كلهم ممن اشتهرت إمامته، وطال عمره في الإقراء، وارتحال الناس إليه من البلدان. ولم يترك الناس مع هذا نقل، ما كان عليه أئمة هؤلاء من الاختلاف، ولا القراءة بذلك. وأول من اقتصر على هؤلاء: أبو بكر بن مجاهد1 قبل سنة ثلاثمائة أو في نحوها، وتابعه على ذلك من أتى بعده، إلى الآن. ولم تترك القراءة بقراءة غيرهم، واختيار من أتى بعدهم إلى الآن.

_ 1 أبو بكر بن مجاهد سبقت ترجمته.

فهذه قراءة يعقوب الحضرمي1 غير متروكة. وكذلك قراءة عاصم الجحدري2. وقراءة أبي جعفر3 وشيبة4 إمامي نافع. وكذلك اختيار أبي حاتم5، وأبي عبيد6. واختيار المفضل7.

_ 1 يعقوب الحضرمي سبقت ترجمته. 2 هو، عاصم بن أبي الصباح العجاج الجحدري، البصري، أخذ القراءة عن سليمان بن قفة عن ابن عباس، وقرأ على نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر مات سنة 128هـ. 3 أبو جعفر: يزيد بن القعقاع الإمام أبو جعفر المخزومي، المدني أحد العشرة تابعي مشهور كبير القدر، عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة وروى القراءة عنه نافع بن أبي نعيم، مات بالمدينة سنة 130. "طبقات القراء: 2-382". 4 هو شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب، مقرئ المدينة مع أبي جعفر وقاضيها ومولى أم سلمة "رضي الله عنها"، مسحت على رأسه ودعت له بالخير مات سنة 132 "طبقات القراء: 1-329". 5 هو، أبو حاتم السجستاني وقد سبقت ترجمته. 6 هو، أبو عبيد القاسم بن سلام وقد سبقت ترجمته. 7 هو، المفضل بن محمد بن يعلى أبو محمد الضبي الكوفي، إمام مقرئ نحوى إخباري، موثق أخذ القراءة عن عاصم، وروى القراءة عنه الكسائي مات سنة 168هـ "طبقات القراء: 2-307".

واختيارات لغير هؤلاء الناس، على القراء بذلك في كل الأمصار من الشرق. وهؤلاء الذين اختاروا إنما قرءوا لجماعة، وبروايات، فاختار كل واحد مما قرأ وروى قراءة تنسب إليه بلفظ الاختيار، وقد اختار الطبري وغيره. وأكثر اختياراتهم، إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجهه في العربية. وموافقته للمصحف. واجتماع العامة عليه. والعامة عندهم ما اتفق عليه أهل المدينة، وأهل الكوفة. فذلكعندهم حجة قوية، فوجب الاختيار. وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين1. وربما جعلوا الاختيار على ما اتفق عليه نافع، وعاصم، فقراءة هذين الإمامين أوثق القراءات، وأصحها سندا، وأفصحها في العربية، ويتلوهما في الفصاحة خاصة قراءة أبي عمرو، والكسائي "رحمهم الله".

_ 1 مكة والمدينة.

باب: لم جعل القراء الذين اختيروا للقراء سبعة؟

باب: لم جعل القراء الذين اختيروا للقراء سبعة؟ ... باب: "لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة؟ " فإن سأل سائل فقال: لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة؟ ألا كانوا أكثر أو أقل؟ فالجواب: أنهم جعلوا سبعة لعلتين: إحداهما: أن عثمان "رضي الله عنه" كتب سبعة مصاحف، ووجه بها إلى الأمصار، فجعل عدد القراء على عدد المصاحف، والثانية: أنه جعل عددهم على عدد الحروف، التي نزل بها القرآن، وهي سبعة على أنه لو جعل عددها أكثر أو أقل لم يمنع ذلك أن عدد الرواة الموثوق بهم أكثر من أن يحصى. وقد ألف ابن جبير المقرى، كان قبل ابن مجاهد، كتابا في القراءات، وسماه: كتاب الثمانية، وزاد على هؤلاء السبعة يعقوب الحضرمي. وهذا باب واسع. وإنما الأصل الذي يعتمد عليه في هذا: أن ما صح سنده،

واستقام وجهه في العربية، ووافق لفظه خط المصحف، فهو من السبعة المنصوص عليها، ولو رواه سبعون ألفا، متفرقين أو مجتمعين. فهذا هو الأصل، الذي بني عليه من قبول القراءات عن سبعة أو سبعة آلاف، فاعرفه، وابن عليه.

باب: جامع لمعان مما ذكرنا

9ش/ باب: جامع لمعان مما ذكرنا قال: فإن سأل سائل، فقال: هل جمع حفظ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، أحد من الصحابة، فتقوى بذلك الأنفس فيما يقرءونه اليوم؟ فالجواب: أنه قد اختلف الناس فيمن جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم". فقال جماعة: إن النبي "صلى الله عليه وسلم"، توفي ولم يجمع القرآن إلا أربعة: أبي بن كعب1، ومعاذ بن جبل2، وزيد بن ثابت3 [سالم مولى أبي حذيفة] .4.

_ 1 هو أبي بن كعب الأنصاري المدني، قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم، "وقد سبقت ترجمته". 2 معاذ بن جبل بن عمرو، أبو عبد الرحمن الأنصاري "رضي الله عنه" أحد الذين حفظوا القرآن حفظا على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو الذي أشار إليه النبي "صلى الله عليه وسلم" بقوله: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة"، توفي سنة 18هـ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. 3 زيد بن ثابت "سبقت ترجمته". 4 زيادة لم ترد في الأصل.

وقيل: إن معهم عثمان، وتميم الداري. وقيل: عثمان، وأبو الدرداء1. وذكر ابن عيينة2 أن الشعبي3 قال: لم يقرأ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، إلا ستة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وأبو الدرداء. وسعد بن عبيد القاري، وأبو زيد، وزيد، وليس بزيد بن ثابت. قال الشعبي: غلب زيد بن ثابت الناس بالقرآن والفرائض قال أنس: جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" أربعة من الأنصار:

_ 1 هو، عويمر بن زيد أبو الدرداء الأنصاري، الخزرجي أحد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" ولي قضاء دمشق، هو أول قاض ولها توفي سنة 32هـ. 2 مقرئ سمع من محمد بن أبي أيوب الثقفي، الكوفي "انظر طبقات القراء: 2-103". 3 عامر بن شراحيل بن عيد، أبو عمرو الشعبي الكوفي إمام كبير مشهور، وهو القائل: القراءة سنة، فاقرءوا كما قرأ أولوكم. مات سنة خمس ومائة وله سبع وسبعون سنة.

أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد قيل لأنس: من أبو زيد؟. قال: بعض عمومتي. وقيل: إن أول من حفظ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، سعد بن عبيد، وجمعه من الخزرج: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأبو زيد. وقال ابن عباس: جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" أربعة: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، ومجمع بن جارية1، وسالم مولى أبي حذيفة2.

_ 1 في الأصل "حارثة" وهو تصحيف، ومجمع بن جارية بن عامر العطاف الأنصاري الصحابي، وكان غلاما حدثا، حين جمع القرآن، وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع يصلى بهم فيه، ثم أخر به النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كان زمان عمر كلم ليصلي بالناس، فقال: لا! أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار. فقال لعمر: والله الذي لا إله إلا هو، ما علمت بشيء من أمرهم فتركه فصلى بهم. مات بالمدينة في خلافة معاوية "رضي الله عنه" "طبقات القراء جـ2-42". 2 هو، سالم بن عتبة بن ربيعة، أبو عبد الله الصحابي الكبير، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، استشهد يوم اليمامة سنة 12هـ. وهو أحد الذين قال فيهم الرسول: خذوا القرآن من أربعة "انظر طبقات القراء: 1-301".

واختلف في الحرف الذي كتب عليه المصحف: فقيل: حرف زيد بن ثابت. وقيل: حرف أبي بن كعب؛ لأنه على العرضة الآخرة، التي قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى الحرف الأول أكثر الرواة: ومعنى قولنا: حرف زيد، أي قراءته وروايته وطريقته. ولم يختلف في أن ابن مسعود لم يكن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" جمع القرآن كله. بل قال: إني جمعت منه على عهد النبي بضعا وسبعين سورة، وتلقيت من في رسول الله "صلى الله عليه وسلم" سبعين سورة. فإن سأل سائل، فقال: قد روى عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أنه قال: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة". ولم يذكر زيدا، وأنتم تنتمون في القراءة وجمع المصحف إلى أبي، وزيد؟

فالجواب: / 10ى. أن هذا الأمر من النبي "صلى الله عليه وسلم"، عند العلماء إنما هو تنبيه منه على قوم كانوا لم يشتهروا في ذلك الوقت بما نسب إليهم النبي "صلى الله عليه وسلم"، فنبه النبي عليهم ليعلم ذلك منهم، وترك ذكر من اشتهر في القرآن، وعرف فضله، ولم يجهل قدره وعلمه، كزيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب. وقيل: إن معنى ذلك أنه "صلى الله عليه وسلم"، قال ذلك يوم قاله، ولم يكن في القوم أقرأ ممن ذكر، ثم حدث بعد من هو مثلهم، وأقرأ منهم كزيد بن [ثابت] 1 وعلى. فإن قيل: قد روي عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أنه قال: "من أراد أن يقرأ القرآن غضا، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد"، يعني ابن مسعود. وعنه أنه قال: "من أراد أن يسمع كلام الله غضا، كما أنزل

_ 1 زيادة يقتضيها المقام.

فليسمعه من في ابن أم عبد". وقد تركت قراءة ابن مسعود اليوم، ومنع مالك وغيره أن يقرأ بالقراءة، التي تنسب إلى ابن مسعود. فالجواب: أن ما قاله الحسين بن علي الجعفي1 قال: إن معنى ذلك أن ابن مسعود كان يرتل القرآن، فحض النبي الناس على ترتيل القرآن بهذا القول. دليله قوله في الحديث الآخر: فليسمعه من في ابن مسعود، فحض على سماع ترتيل القرآن. وكذلك الجواب عن الحديث الذي روى عنه "صلى الله عليه وسلم"، أنه قال: "من أراد أن يقرا القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه كما يقرأ ابن مسعود". قال الجعفي:

_ 1 الحسين بن علي الجعفي، مولاهم الكوفي الزاهد أحد الأعلام، قرأ على حمزة، وهو أحد الذين خلفوه في القيام بالقراءة، وروى القراءة عن أبي بكر بن عياش، وأبي عمرو بن العلاء، قال عنه الكسائي: إنه أقرأ الناس في عهده مات سنة 203هـ، عن أربع وثمانين سنة "طبقات القراء: 1-247".

معناه أنه ليس يريد به حرفه الذي يخالف المصحف، إنما أراد ترتيله إذا قرأ. حض النبي "صلى الله عليه وسلم" أمته على ترتيل القرآن. وقد أمر الله "تبارك وتعالى" نبيه بذلك فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} 1. قلتك ولا ينكر أن يكون "صلى الله عليه وسلم"، أراد حرفه الذي كان يقرأ به، ونحن نقرأ بذلك من قراءته، ونتولى ذلك، ونرويه، ونرغب اليوم فيه، ما لم تخالف قراءته المصحف. فإن خالف المصحف لم نكذب بها، ولم نقرأ بها؛ لأنها خارجة عن الإجماع، منقولة بخبر الآحاد، والإجماع أولى من خبر الآحاد؛ ولأنا لا نقطع أنها قراءة ابن مسعود على الحقيقة، إذ لم يصحبها إجماع. ولذلك قال مالك وغيره: القراءة التي تنسب إلى ابن مسعود. فقال: تنسب إليه. ولم يقل قراءة ابن مسعود، والشيء قد ينسب إلى الإنسان، وهو غير صحيح عنه. ولذلك قال إسماعيل القاضي:

_ 1 سورة المزمل آية 4.

ما روي من قراءة ابن مسعود وغيره، يعني مما يخالف خط المصحف، ليس ينبغي لأحد أن يقرأ به اليوم؛ لأن الناس لا يعلمون علم يقين أنها قراءة ابن مسعود، وإنما هو شيء يرويه بعض من يحمل الحديث، ولا يجوز أن يعدل عن اليقين/ 10ش إلى ما لا يعلم يقينه. وقد فسرنا هذا القول فيما مضى، وهو مارد مالك وغيره، وإنما عنوا من ذلك ما يخالف خط المصحف لا يقرأ به اليوم. وقد قال عمر "رضي الله عنه": على أقضانا، وأبي، أقرؤنا. ومعناه: أنه وصفهما بأكثر علمهما، وهما يعلمان غير ذلك من العلوم. ويروى أن أبيا، كان أقرب الناس عهدا بآخر قراءة النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهي العرضة الآخرة. وقد ثبت عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أنه قال لأبي: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، في حديث طويل معناه: أنه "صلى الله عليه وسلم"، أمر أن يقرأ على أبي ليتعلم أبي منه

قراءته، ويسمع ألفاظه وترتيله، لا ليتعلم النبي "صلى الله عليه وسلم" منه شيئا. وقد خص أبو بكر زيدا بجمع القرآن في السعف والجريد، ولم يخالفه فيه أحد من الصحابة. ثم خصه عمر بجمعه في الصحيفة، ولم يخالفه أحد من الصحابة. ثم خصه عثمان بجمع المصحف مع غيره، ولم يخالفه فيه أحد من الصحابة. وهذا كله يدل على فضل ظاهر، بارع، وثقة وأمانة في زيد. ويقوي ذلك تخصيص رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بكتابة الوحي. ولذلك خصه أصحابه بجمع القرآن، مع أنه كان قد جمع القرآن على عهد رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وقرأه على النبي كأبي. ولذلك أضاف أكثر القراء القراءة إليهما، عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أعني أبيًّا وزيدًا. فإن قيل:

فإنك قد ذكرت أولا عن زيد أنه قال: فقدنا آية كذا في عهد أبي بكر، وآية كذا في عهد عثمان، فوجدنا ذلك مع فلان، ومع فلان فأثبتنا ذلك. وقد روى أنه قال، إذ أمره أبو بكر بجمع القرآن: فجمعت القرآن من صدور الرجال، ومن كذا، ومن كذا. وهذا كله يدل على أن زيدا، لم يكن يحفظ القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم" وإذا لم يحفظ، فكيف قرأ على النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو لا يحفظه. فالجواب عن ذلك: أن من حفظ القرآن من الأولين والآخرين، لا ينكر أن يشك في آية وفي أكثر، وأن تسقط عنه الآية والحرف والأكثر، ولا يخرجه ذلك من أن ينسب إليه حفظ القرآن، وأن يقرأه على غيره. وإنما جرت الناس، فيمن نسب إليه حفظ القرآن، أن يكون ذلك على الأعم والأكثر، وإلا فليس يسلم أحد من الحفاظ، من وهم أوشك أو غلط فيه. لكن الناس يتفاضلون في ذلك: فمنهم من يقل منه ذلك، وهو الممدوح بقوة الحفظ.

ومنهم من يكثر ذلك منه، ولا يخرجه ذلك من أن ينسب إليه حفظ القرآن؛ لأنه/ 11ى يحفظ الأكثر والأعم بلا شك. وقد صح أن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أسقط في قراءته في صلاته شيئا من القرآن. فهل يقول أحد: إن النبي "صلى الله عليه وسلم"، كان لا يحفظ القرآن؟! وأما قول زيد بن ثابت: "جمعت القرآن من صدور الرجال". فإنما معنى ذلك أنه استوثق فيما نقل بحفظ غيره مع حفظه. ويجوز أن يكون أراد جمع ما وهم فيه، أو نسي من صدور الرجال، فلما ذكره غيره بما نسى من حفظه تذكره وتيقنه؛ لأنه كان يحفظه، فأثبته على يقين منه به، ولم يخالفه أحد فيما أثبت، فصار غجماعا لا أنه1 فيه خبر الواحد. وقد بينا هذا المعنى فيما تقدم2.

_ 1 في الأصل؛ لأنه، والسياق يقتضي "لا أنه". 2 انظر ص: 60، ص: 77.

فإن قيل: فإن بعض القراء السبعة المشهورين، ومن تقدمهم من أنهم يسندون قراءتهم إلى ابن مسعود عن النبي، وإلى علي عن النبي، وإلى عثمان عن النبي. وهلاء لم يكونوا يحفظون القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، فكيف قرءوا على النبي، ونقلوا عنه القراءة، وهم لا يحفظون القرآن؟ فالجواب: أن عثمان "رضي الله عنه"، قد روي أنه كان يحفظ القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم". وأما ابن مسعود فإنه قال: قرأت من لسان رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، سبعين سورة قال: وقد كنت أعلم أنه يعرض عليه القرآن في كل رمضان، حتى كان عام قبض، فعرض عليه القرآن مرتين، فكان إذا فرغ النبي أقرأ عليه فيخبرني أني محسن. فأما ما بقي عليه من القرآن، فيجوز أن يكون قرأه بعد موت النبي "صلى الله عليه وسلم"، على من قرأ على النبي فأسنده إلى النبي.

ويجوز أن يكون قرأه على النبي تلقينا، ولم يكمل له إتقان حفظه، إلا بعد موت النبي "صلى الله عليه وسلم". ويجوز أن يكون سمعه من النبي، فيقوم سماعه منه مقام قراءته عليه. وكذلك تأويلنا في علي وعثمان إن كانا لم يكمل لهما حفظ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم". على أن القراء يسندون قراءتهم في الأكثر إلى أبي، وزيد، والنبي "صلى الله عليه وسلم". وقد صحت قراءتهم على النبي "صلى الله عليه وسلم".

باب: من الأحاديث التي رويت في الأحرف السبعة

باب: من الأحاديث التي رويت في الأحرف السبعة باب: نذكر فيه جملا من الأحاديث التي رويت في الأحرف السبعة تدل على صحة ما قدمنا ذكره ... "من الأحاديث التي رويت في الأحرف السبعة": فصل: نذكر فيه جملا من الأحاديث، التي رويت في الأحرف السبعة تدل على صحة ما قدمنا ذكره الذي نكره في هذا الباب هو ما اشتهرت الرواية به، وذكره اسماعيل القاضي1، وأبو جعفر الطبري2. وغيرهما ممن هو أعلى درجة منهما. نقتصر في ذلك على متون الأحاديث، دون الأسانيد، اختصارا وإيجازا، إن شاء الله. قد ذكرنا ما روى من قصة "عمر رضي الله عنه"، مع هشام بن حيكم بن حزام3، وأن عمر سمعه يقرأ سورة الفرقان على غير قراءته، التي أقرأه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" / 11ش إياها. قال عمر: فكدت أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، فجئت به إلى النبي "صلى الله عليه وسلم"، فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها.

_ 1 سبقت ترجمته. 2 سبقت ترجمته. 3 سبقت ترجمته.

قال عمر: فقال له رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "اقرأ"، فقرأ القراءة التي سمعته يقرؤها. فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "هكذا أنزلت". ثم قال لي: "اقرأ"، فقرأت، فقال: "هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا بما تيسر منه". وروى قيس مولى عمرو بن العاص: أن رجلا قرأ آية على عهد رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، فقال عمر: إنما هي كذا وكذا بغير ما قال الرجل. فقال الرجل: كذا أقرأناها، رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، فقال عمر: وهكذا أقرأناها رسول الله "صلى الله عليه وسلم". فخرجا إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" حتى أتياه. فقال أحدهما: يا رسول الله، آية كذا وكذا، فقرأ عليه، فقال: "صدقت". وقال الآخر: يا رسول الله، قد أقرأتناها على نحو ما أقرؤها. فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "بلى، إن هذا القرآن أنزل على سبعة حرف، فبأي ذلك

قرأتم أصبتم، فلا تماروا فيه 1، فإن مراء فيه كفر". وروى أبو جهم: أن رجلين اختلفا في آية في كتاب الله، فقال أحدهما: تلقيتها من رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وقال الآخر: تلقيتها من رسول الله. فأتيا النبي "عليه السلام"، فذكرا ذلك له فقال: "إن القرآن يقرأ على سبعة أحرف، إياكم والمراء، فإن المراء في القرآن كفر". وعن ابن أبي ليلى2: أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، قرأ أحدهما آية، فأنكرها الآخر فقال له: من أقرأكها؟ فقال: رسول الله. فقال الآخر: النبي أقرأني كذا وكذا. فقال أحدهما: اذهب بنا إلى أبي بن كعب فذهبنا إليه فسألاه، فقرأ أبي خلاف ما قرأ، فقال: من أقرأكما؟. فقالا: النبي "صلى الله عليه وسلم".

_ 1 فلا تماروا فيه: فلا تشكوا فيه. والمراء الشك. 2 هو، عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، الكوفي عرض القرآن على أبيه عن علي. وعرض عليه أخوه محمد بن عبد الرحمن القاضي. وثقه ابن معين "طبقات القراء: 1-609".

قال أبي: فدخلني الشيطان، فقال: اذهبا بنا إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم". فجاءوا إلى النبي "صلى الله عليه وسلم". فقال لأحدهما: "اقرأ"، فقرأ. ثم قال للآخر: "اقرأ"، فقرأ: فقال: "أحسنتما". قال أبي: فدخلني أمر الجاهلية، حتى عرف النبي ذلك في وجهي، فضرب في صدري، وقال: "اخسأ عنك الشيطان". قال أبي ففضت عرقا، ولكأني أنظر إلى ربي فرقا1. قال النبي: "إني أتاني آت من ربي، فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد فقلت: يا ربي خفف عن أمتي. ثم أتاني آت من ربي فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد. فقلت: يا ربي خفف عن أمتي". ثم كذلك في الثالثة والرابعة، فقال:

_ 1 فرقا: خوفا.

"اقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة 1 مسألة". فقلت: "يارب، اغفر لأمتي، يارب اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة شفاعة لأمتي". وفي رواية أخرى: /12 ى أنه قال: "ما من أحد إلا يطمع فيها حتى إبراهيم خليل الرحمن". وعن المقبري2، عن أبي هريرة3، أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمه الله بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة".

_ 1 الردة بالكسر الاسم من الارتداد وهو الرجوع، وبالفتح المرة الواحدة من الارتداد. 2 المقبري: هو، أبو سعيد كيسان. وهذ النسبة إلى المقبرة كان يسكن بالقرب منها فنسب إليها، انظر: "للباب في تهذيب الأنساب 1-368". 3 هو، عبد الرحمن بنصخر أبو هريرة الدوسي الصحابي الكبير "رضي الله عنه" أسلم هو وأمه سنة سبع، وأخذ القرآن عرضا عن أبي بن كعب، وعرض عليه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبو جعفر، وتنتهي إليه قراءة أبي جعفر ونافع، توفي سنة سبع وقبل سنة ثمان وخمسين. وله ثمان وسبعون سنة "طبقات القراء: 1-370".

وعن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيه، أن جبريل "عليه السلام" قال: يا محمد، اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده، فاستزاده، حتى بلغ سبعة أحرف. فقال: اقرأ القرآن على سبعة أحرف، وكل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة، وآية رحمة بعذاب. وعن زر بن حبيش1 عن أبي بن كعب أنه قال: لقى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" جبريل، عليهما السلام عند أحجار المر2، فقال له النبي: "إني أرسلت إلى أمة أميين، فمنهم الشيخ الكبير، والعجوز، والشيخ الفاني"، فقال له جبريل: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف.

_ 1 زر بن حبيش بن حباشة، أبو مريم ويقال: أبو مطرف الأسدي الكوفي، أحد الأعلام، أدل الجاهلية ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار أصحاب ابن مسعود، وكان عالما بالقرآن قارئا فاضلا، توفي سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مائة وعشرين سنة. "انظر طبقات القراء جـ2-294 والاستيعاب جـ2-263". 2 في المخطوطة "المرمى" والصواب ما أثبته، والمرا: موضع بقباء "انظر ص: 18 من فضائل القرآن لابن كثير الملحق بالجزء الثاني من تفسيره".

وعن ابن شهاب1 عن سلمة، عن أبيه أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال لابن مسعود: "إن الكتب كانت تنزل من باب واحد، وعلى حرف واحد، وإن هذا القرآن أنزل من سبعة أبواب، وعلى سبعة أحرف"، الحديث. وعن أبي هريرة، أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء فيه كفر، ثلاث مرات، فما قرأتم منه، فاعملوا به، وما جهلتم فردوه إلى عالمه". وقال علقمة النخعي2:

_ 1 هو، محمد بن مسلم بن شهاب أبو بكر الزهري، المدني أحد الأئمة الكبار، وعالم الحجاز الأنصاري تابعي، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، قرأ على أنس بن مالك، ولد سنة أربع عشرين ومائة بشغب آخر حد الحجاز وأول حد فلسطين "انظر طبقات القراء: جـ2-262". 2 علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك، أبو شبل النخعي الفقيه الكبير، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ القرآن عرضا عن ابن مسعود، وسمع من علي وعمر وأبي الدرداء وعاشة. وأن أشبه الناس بابن مسعود سمتا وهديا وعلما، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن مات سنة اثنتين وستين "طبقات القراء: 1-516".

لما خرج عبد الله بن مسعود من الكوفة، اجتمع إليه أصحابه فودعهم، ثم قال: لا تنازعوا في القرآن، فإنه لا يختلف، ولا يبلى، ولا ينفد لكثرة الرد. وإن شريعة الإسلام، وحدوده وفرائضه واحدة. ولو كان شيء من الحرفين ينهى أحدهما عن شيء، ويأمر به الآخر لكان ذلك اختلافا، ولكنه جامع ذلك كله، لا تختلف فيه الحدود، ولا الفرائض، ولا شي من شرائع الإسلام. ولقد رأيتنا نتنازع فيه عند رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، فيأمرنا فنقرأ عليه فيجيزنا، أن كلنا محسن. ولو أعلم أحدًا أعلم بما انزل الله على رسوله مني، لطلبته حتى أزداد علمه إلى علمي. ولقد قرأت من لسان رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، سبعين سورة، وقد كنت أعلم أنه يعرض عليه القرآن في كل رمضان، حتى كان عام قبض، فعرض عليه القرآن مرتين، فكان إذا فرغ أقرأ عليه فيجيزني أني محسن. فمن قرأ على قراءتي فلا

يدعنها رغبة عنها. ومن قرأ على شيء من هذه الحروف، فلا يدعنه رغبة عنه، فإنه من جحد آية جحد به كله. وعن ابن عباس: أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده، فيزيدني حتى أنتهي إلى سبعة أحرف". -/ 12 ش قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال ولا حرام. وروت أم أيوب1 أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم". قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أصبت".

_ 1 أم أيوب: بنت قيس بن سعد بن قيس بن عمر بن امرئ القيس بن مالك الأغر، ذكر محمد بن عمر أنها أسلمت، وبايعت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" "طبقات ابن سعد 8-362".

باب

باب: قال أبو محمد المقري: وهذا الباب واسع الرواية، كثير الطرق. وهذا كله يدل على أن الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن ألفاظ مختلفة مسموعة، وليست بمعان مستترة في القلوب والاعتقادات على ما قدمنا1.

_ 1 أنظر ص: 72 وما بعدها.

باب: "مثال لاختلاف القراء في سورة الفاتحة مما هو جزء من الأحرف السبعة"

باب: "مثال لاختلاف القراء في سورة الفاتحة مما هو جزء من الأحرف السبعة" مدخل ... باب: "مثال لاختلاف القراء في سورة الفاتحة، مما هو جزء من الأحرف السبعة" قال أبو محمد المقري: وإذ قد ذكرنا ما يمكن ذكره، من معاني القراءات السبع، فلنذكر الآن سورة أذكر ما فيها من الاختلاف في القراءات، مما روي عن السبعة المشهورين مما لا يخالف خط المصحف، مما قرأت به. ثم نعيدها ثانية فنذكر ما فيها من القراءات، عن غير هؤلاء السبعة: ممن هو أعلى درجة منهم، مما لا يخالف خط المصحف أيضًا، وهو أيضًا مقبول، معمول به في الأمصار، مروي عن أئمة مشهورين، غير هؤلاء السبعة. ثم نعيدها ثالثة، فنذكر ما روي فيها من القراءات عن غير الأئمة السبعة، ممن هو أعلى رتبة منهم، وأجل قدرا مما يخالف خط المصحف، وقد تركت القراءة به للإجماع على المصحف، ولكن لا تجحد، ويصدق به. وتترك القراءة به،

لأنه بغير إجماع، إنما نقل بخبر الواحد. فلا يقطع على1 غيبه، وما لا يقطع على غيبه لا يقرأ به، إذ القراءة باليقين أولا، وهو ما عليه خط المصحف. فيعلم من ذلك كله تحقيق ما ذكرنا أن قراءة هؤلاء المشهورين، جزء من الأحرف السبعة التي نص عليها النبي "صلى الله عليه وسلم". إذ لو كانت قراءتهم هي السبعة الأحرف، لكان ما خرج عنها خطأ، وإن وافق خط المصحف. ولوجب على جميع السلف، ألا ينقلوا ما خرج عن قراءة السبعة المشهورين المتأخرين، إذ ليس هو من السبعة على قول هذا الظان لذلك، وهذا لا يقوله أحد. ونعلم أيضًا من ذلك معاني السبعة، التي نص عليها النبي "صلى الله عليه وسلم"، ونعلم قدر ما روى من القراءات الجائزة القراءة بها، لموافقتها خط المصحف غير هؤلاء السبعة. ونعلم أيضًا قدر ما تركت القراءة به تركا واحدا،

_ 1 في الأصل عليه، والسياق يقتضي ما أثبته.

ولا نكذب الرواية به، مما هو مخالف لخط المصحف. ونعلم أن كل سورة فيها منالأنواع الثلاثة من الاختلاف على قدر طولها، وربما كان أكثر. على أني لا أدعي ذكر كل ما روي في هذه السورة، التي جعلتها مثالا. فقد بلغ غيري فيها من الاختلاف، أمثال ما بلغني فقدر في نفسك، /13ى وتوهم قدر ما ذكرت لك في جميع سور القرآن، فإنه يكثر الاختلاف، ويعظم من الأصناف الثلاثة. وأنا أجعل السورة، التي أذكر أم القرآن، الحمد لله، ليكون ذلك أخف، وأخصر، وأسهل، إذ ليست بسورة طويلة، ولو ذكرت سورة من الطوال أو من المئين لطال بذلك الكتاب لكثرة الأنواع الثلاثة فيها من الاختلاف، فتمثيلنا وإظهارنا لما أردناه بسورة الحمد يغني أهل الفهم، وينبههم على قدر ما في سائر القرآن من الاختلاف من الأنواع الثلاثة.

أولا: ذكر اختلاف القراء السبعة المشهورين في سورة الحمد، مما قرأت به، ويوافق الخط

أولًا: ذكر اختلاف القراء السبعة المشهورين في سورة الحمد، مما قرأت به، ويوافق الخط قرأ عاصم والكسائي: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بألف. وقرأ باقي القراء ملك بغير ألف. وقرأ ابن كثير في رواية قنبل1 عنه: السراط وسراط بالسين. وقرأ حمزة في رواية خلف2 عنه: الصراط بين الصاد والزاي.

_ 1 هو، محمد بن عبد الرحمن أبو عمر المخزومي، مولاهم المكي الملقب بقنبل شيخ القراء بالحجاز، ولد سن خمس وتسعين ومائة، وأخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد بن عون النبال، وهو الذي خلفه في القيام بها بمكة، وروى القراءة عن البزي، وممن روى عنه أحمد بن موسى بن مجاهد، واختلف في سبب تلقيبه قنبلا، فقيل: اسمه، وقيل: لأنه من بيت بمكة يقال لهم: القنابلة، وقيل: لاستعماله دواء يقال له قنيبل فلما أكثر منه عرف به، وحذف الياء تخفيفا، وقد انتهت إليه رياسة الإقرار بالحجاز، مات سنة إحدى وتسعين ومائتين عن ست وتسعين سنة "طبقات القراء: 2-166". 2 هو، خلف بن هشام أبو محمد الأسدي أحد القراء العشرة، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة، ولد سنة خمس ومائة، ومات سنة تسع وعشرين ومائة ببغداد "طبقات القراء: 1-272-274".

وقرأ ذلك باقي القراء بالصاد خالصة. قرأ حمزة عليهم بضم الهاء. وكسرها باقي القراء. قرأ ابن كثير والحلواني1 عن قالون2، عن نافع عليهم بضم الميم، ويصلانها بواو في الوصل خاصة، وأسكنها باقي القراء. قرأ أبو عمرو الرحيم ملك بالإدغام. [و] 3 باقي القراء بالإظهار. فهذا ما اختلف فيه القراء السبعة المشهورون في هذه السورة، مما قرأت به.

_ 1 هو، أحمد بن يزيد بن أزداذ الصفار الأستاذ أبو الحسن الحلواني، إمام كبير عارف صدوق متقن ضابط، خصوصا في قالون وهشام توفي سنة نيف وخمسين ومائتين "طبقات القراء 1: 149". 2 قالون هو، عيسى بن مينا بن وردان، وقد سبقت ترجمته. 3 زيادة يقتضيها المقام.

ثانيا: ذكر "×" الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد مما يوافق المصحف، ويقرأ به

ثانيا: ذكر "×" الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد مما يوافق المصحف، ويقرأ به ولما قرأ به إبراهيم بن أبي عبلة1 الحمد كله لله بضم اللام الأولى. وقرأ الحسن البصري2 الحمد لله بكسر الدال. وفي القراءتين بعد في العربية، ومجازها الاتباع. قرأ أبو صالح3 مالك يوم الدين بألف، والنصب على النداء. وكذلك قرأ محمد بن السميفع اليماني4. وهي قراءة حسنة.

_ "×" هكذا ورد هذا العنوان في الأصل، ولعل المراد: ذكر اختلاف الأئمة إلخ. 1 اسمه شمر بن يقظان الشامي الدمشقي، ثقة تابعي أخذ القراءة عن أم الدرداء الصغرى عن مالك بن أنس، وقد توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة "طبقات القراء: 1-19". 2 هو، الحسن بن الحسن يسار أبو سعيد البصري. روى عنه عمرو بن العلاء توفي سنة 110، عن تسعين سنة "طبقات القراء: 1-235". 3 هو، محمد بن عمير بن الربيع أبو صالح الهمذاني، الكوفي مقرئ عارف بحرف حمزة. طال عمره وبقى إلى حدود عشر وثلاثمائة. 4 هو، محمد بن عبد الرحمن كان من أفصح العرب. قرأ على أبي حيوة شريح بن يزيد. وقيل: إنه قرأ على نافع "طبقات القراء: 2-162".

وقرأ شريح بن يزيد الحضرمي، أبو حيوة1: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} ، بالنصب على النداء من غير ألف. وقرأ علي بن أبي طالب ملك يوم الدين بنصب اللام والكاف، ونصب يوم. جعله فعلا ماضيا. وروى عبد الوارث2 عن أبي عمرو أنه قرأ ملك يوم الدين، بإسكان اللام والخفض، ولم أقرأ بذلك له، وهي قراءة منسوبة إلى عمر بن عبد العزيز "رضي الله عنه". قرأ عمر بن فايد الأسواري3: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، بتخفيف الياء فيهما. وقد كره ذلك بعض المتأخرين لموافقة لفظه لفظ إيا الشمس، وهو ضياؤها.

_ 1 الحمصي مقرئ الشام، وهو والد حيوة بن شريح الحافظ، روى القراءة عن الكسائي مات سنة 203 "طبقات القراء: 1-325". 2 هو، عبد الوارث بن سعيد بن العنبري، مولاهم البصري، إمام حافظ مقرئ ثقة ولد سنة 102، وعرض القرآن علي أبي عمرو، ومات 180هـ. 3 هو، عمر بن عيسى بن فايد البغدادي، روى القراءة عرضا عن إدريس الحداد "انظر طبقات القراء 1-195".

وقرأ يحيى بن وثاب1: "نستعين" بكسر النون، وهي لغة2 مشهورة حسنة. وروى الخليل بن أحمد3 عن ابن كثير أنه قرأ: "غير المغضوب" بالنصب، ونصبه حسن على الحال، أو على الاستثناء، أو على الصفة من الذين أنعمت عليهم. قرأ أيوب السختياني4 ولا الضألين بهمزة مفتوحة في موضع الألف، /13ش همز وحرك لالتقاء الساكنين، وهو قليل في كلام العرب.

_ 1 يحيى بن وثات الأسدي مولاهم الكوفي، تابعي ثقة كبيرة من العباد الأعلام، وكان حسن القراءة مات سنة 103 "طبقات القراء: 2-380". 2 وهي، لغة قيس وتميم وأسد وربيعة "انظر البحر المحيط: 23". 3 الخليل بن أحمد أبو عبد الرحمن الفراهيدي، الأزدري البصري النحوي، الإمام المشهور صاحب العروض وكتاب العين. ومات سنة 170 "طبقات القراء 1-275"، وانظر إعراب "غير" بالنصب على ما رواه الخليل في البحر المحيط: 1-29". 4 الأصل السجستاني: ولم يرد في طبقات القراء سجستاني اسمه أيوب، وقد أورد ابن الجزري أيوب السختياني، من القراء "انظر طبقات القراء: 1-322" كما أورده بهذا اللقب في النشر جـ1 ص47 عند نقله كلام مكي في الإبانة.

وهذا كله موافق لخط المصحف، والقراءة به من رواه عن الثقات جائزة، لصحة وجهه في العربية، وموافقته الخط إذا صح نقله1.

_ 1 قال ابن الجزري في كتابه النشر: "كذا اقتصر، مكي على نسبه هذه القراءات لمن نسبها إليه، وقد وافقهم عليها غيرهم، وبقيت قراءات أخرى عن الأئمة المشهورين في الفاتحة توافق خط المصحف، وحكمها حكم ما ذكر. ذكرها الإمام الصالح الولي، أبو الفضل الرازي في كتاب اللومح له. وأورد ابن الجزري ما ذكره الرازي "انظر النشر ج1-47، 48".

ثالثا: ذكر اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد مما يخالف خط المصحف، فلا يقرأ به اليوم

ثالثا: ذكر اختلاف الأئمة المشهورين، غير السبعة في سورة الحمد مما يخالف خط المصحف، فلا يقرأ به اليوم قرأ أبو هريرة1: مليك يوم الدين بياء بين اللام والكاف، وهو معنى حسن؛ لأنه بناء للمبالغة، فهو أبلغ في الوصف والمدح من ملك، ومن مالك. قرأ ابن السوار2 الغنوي: "هياك نعبد وهياك نستعين" بالهاء في موضع الهمزة، وهي لغة قليلة، أكثر ما تقع في الشعر. روى الأصمعي3 عن أبي عمرو4 أنه قرأ: الزراط بزاي خالصة، وهو حسن في العربية.

_ 1 هو، عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الدوسي الصحابي، الكبير أخذ القرآن عرضا عن أبي بن كعب، وإليه تنتهي قراءة أبي جعفر ونافع، توفي سنة سبع وقيل: سنة ثمان وله ثمان وسبعون سنة. "طبقات القراء: 1-470". 2 في الأصل أبو البرار، والتصويب من البحر المحيط ح1 ص23. 3 هو، عبد الملك بن قريب أبو سعيد الأصمعي الباهلي البصري، إمام اللغة وأحد الأعلام فيها وفي العربية والشعر والأدب، روى القراءة عن نافع وأبي عمرو والكسائي مات سنة 215 عن إحدى وتسعين سنة "طبقات القراء 1-470". 4 هو، أبو عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة، وقد تقدمت ترجمته.

/قرأ الحسن البصري1: "اهدنا صراطا مستقيما" منونتين من غير ألف ولام فيهما. وبذلك قرأ الضحاك2. وهو معنى حسن لولا مخالفته للمصحف. قرأ جعفر بن محمد "رضي الله عنه": "اهدنا صراط المستقيم"، بإضافة الصراط إلى المستقيم من غير ألف ولام في الصراط، وهو جائز في العربية كدار الآخرة. قرأ عمر بن الخطاب "رضي الله عنه": صراط من أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم وغير الضالين، فجعل من في موضع الذين وغير في موضع لا. وهو في المعنى حسن كالذي قرأ الجماعة في المعنى. وهو مروي أيضا عن أبي بكر "رضي الله عنهما".

_ 1 هو، الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد البصري، إمام زمانه علما وعملا روى عنه، أبو عمرو بن العلاء وغيره. ولد سنة إحدى وعشرين، وتوفي سنة عشر ومائة. "طبقات القراء: 1-315". 2 وكذلك قرأها عن الحسن زيد بن علي ونصر بن علي. كقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّه} "البحر المحيط: 1-16"، والضحاك هو ابن مزاحم التابعي، سمع سعيد بن جبير. توفي سنة 105هـ "انظر طبقات القراء: 1-337".

قرأ ابن مسعود1: أرشدنا الصراط في موضع "اهدنا"، والمعنى واحد. قرأ ثاب البناني2. "بصرنا الصراط" في موضع اهدنا والمعنى واحد. قرأ ابن الزبير3: صراط من أنعمت عليهم، مثل قراءة عمر في هذا الحرف وحده. قلت: وهذا الاختلاف الذي يخالف خط المصحف، وما جاء منه مما هو زيادة على خط المصحف، أو نقصان من خط المصحف، وتبديل لخط المصحف، وذلك كثير جدا: هو الذي سمع حذيفة في المغازي، وسمع رد الناس بعضهم على بعض، ونكير بعضهم لبعض، فجرأه ذلك على إعلام عثمان "رضي الله عنه"، وهو الذي حدا عثمان على جمع الناس على مصحف واحد، ليزول ذلك الاختلاف فافهمه.

_ 1 هو، عبد الله بن مسعود وقد تقدمت ترجمته. 2 هو، ثابت بن أسلم أبو محمد البناني المصري، وردت عنه الرواية في حرف من القرآن العظيم توفي سنة سبع وعشرين ومائة "طبقات القراء: 1-188". 3 هو، عبد الله بن الزبير بن العوام. وقد تقدمت ترجمته.

قال أبو مجمد: فهذا لا يجوز اليوم لأحد أن يقرأ به؛ لأنه إنما نقل إلينا بخير الواحد عن الواحد، ولا يقطع على صحة ذلك، ولا على غيبه، وهو مخالف لخط المصحف الذي عليه الإجماع، ويقطع على صحته وعلى غيبه، فخط المصحف أولى؛ لأنه يقين والخبر غير يقين، فلا يحسن أن ينتقل عن اليقين إلى غير يقين. وقد بينا هذا من قول إسماعيل القاضي وغيره. فهذا المثال من الاختلاف الثالث، هو الذي سقط العمل به من الأحرف السبعة، التي نص عليها النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو الأكثر في القرآن من الاختلاف. /14ى وإنما قرئ بهذه الحروف، التي تخالف المصحف قبل جمع عثمان "رضي الله عنه" الناس على المصحف، فبقي ذلك محفوظا في النقل غير معمول به عند الأكثر، لمخالفته للخط المجمع عليه. وهذا النوع، هو الذي نهى عن القراءة به من حرف ابن مسعود "رضي الله عنه".

فإنما مثلت لك ذلك لتقف عليه، وتعرف قدر الاختلاف في هذه السورة على قلة حروفها، فكيف يظن الاختلاف فيما طال من السور؟! فتعلم بذلك كله المثالات التي اختلف القراء فيها، وما يجوز أن يقرأ به، وما لا يجوز، وما زاد من الاختلاف على قراءة السبعة المشهورين، وأن قراءتهم لم تحتو على الأحرف السبعة، التي نص النبي "صلى الله عليه وسلم" عليها، وأنها ليست بحرف واحد، كما ذكرنا من قول الطبري، أن ما زاد على قراءة في كل حرف فهو من السبعة الأحرف، قرئ به لموافقته لخط المصحف على ما قدمنا، وبينا. وبالله التوفيق. تم الكتاب والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين، وسلم عليه وعليهم أجمعين.

فهارس الكتاب

فهارس الكتاب: 1- فهرس الموضوعات. 2- فهرس الشواهد القرآنية والقراءات. 3- فهرس الأحاديث الشريفة. 4- فهرس الأعلام. 5- فهرس بأسماء الكتب، التي وردت في النص والتعليق عليه. 6- فهرس اللغات. 7- فهرس الأمصار والبلاد والأماكن. 8- مراجع التحقيق.

1- فهرس الموضوعات: مقدمة "وفيها تعريف بمكي وحياته وتنقلاته" 3 مؤلفات مكي بن أبي طالب 10 التعريف بكتاب الإبانة 18 صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الكشف عن وجوه القراءات 23 صورة الصفحة الأولى من كتاب الإبانة 25 صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الكشف، والكتابين الملحقين به: الإبانة، وانفرادات القراء في الإمالة 27 القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة، وصلتها بالحديث: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" 31 ما يقرأ به الأئمة حرف واحد من الأحرف السبعة 33 ليست قراءة كل قارئ من القراء السبعة، هي أحد الحروف السبعة 36 معنى: قرأ فلان بالأحرف السبعة 41

يرى الطبري أن ما اختلف القراء فيه، هو حرف واحد من الأحرف السبعة 43 سبب اختلاف القراءة فيما يحتمله خط المصحف 46 ما الذي يقبل من القراءات الآن فيقرأ به؟ 51 وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به؟ 51 وما الذي يقبل، ولا يقرأ به؟ 51 القراءة بما خالف خط المصحف وإن روى 54 جمع القرآن، وكيف جمع؟ وما سبب جمعه؟ 57 سبب جمع عثمان القرآن في مصحف على لغة واحدة وحرف واحد 62 معنى أنزل القرآن على سبعة أحرف 71 فائدة تعدد القراءات 80 العلة في كثرة اختلاف المروي عن الأئمة القراء 83 السبب في اشتهار السبع القراء دون من هو فوقهم 86 لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة 90 من جمع حفظ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" 92 من الأحاديث التي رويت في الأحرف السبعة 105

الأحرف السبعة ألفاظ مسموعة، وليست بمعان مستترة 114 مثال لاختلاف القراءة في سورة الفاتحة، مما هو جزء من الأحرف السبعة 115 أولًا: ذكر اختلاف القراء السبعة المشهورين في سورة الحمد 118 ثانيًا: ذكر اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد، مما يوافق المصحف، ويقرأ به 120 ثالثا: ذكر اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد، مما يخالف خط المصحف فلا يقرأ به اليوم 124

2- فهرس الشواهد القرآنية والقراءات: سورة الحمد "الفاتحة" ص: 118 أولا: اختلاف القراء السبعة المشهورين، مما يوافق الخط في سورة الفاتحة. مالك يوم الدين ص: 118. ملك "بغير ألف" ص: 118. السراط، الصراط بين الصاد والزاي، الصراط بالصاد وخالصة. ص118. عليهم بضم الهاء ص: 119 عليهم بكسرها ص: 119. عليهم بضم الميم وتوصل بواو في الوصل خاصة. عليهم بإسكان الميم ص: 119. الرحيم ملك بالإدغام. ص: 119. الرحيم بالإظهار

ثانيا: اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في الفاتحة، مما يوافق الصحف ويقرأ به ص: 121 الحمد لله بضم اللام الأولى. ص: 120 الحمد لله بكسر الدال. مالك يوم الدين بألف وبالنصب على النداء. ص: 120. مَلِك يومِ الدين بغير ألف وبالنصب على النداء. ص: 121. مَلَك يومَ الدين بنصب اللام والكاف ونصب يوم ص: 121. مَلْكِ يوم الدين بإسكان اللام والخفض ص: 121. إياك نعبد وإياك نستعين بتخفيف الياء فيهما ص: 121. نسعين بكسر النون ص: 122. غيرَ المغضُوب بالنصب على الحال ص: 122. ولا الضَّأَلين بهمزة مفتوحة في موضع الألف ص: 122.

ثالثا: اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في الفاتحة ص124 - مليك يوم الدين بياء بين اللام والكاف ص: 124. - هِيَّاك نعبد وهيَّاك نستعين بالهاء في موضع الهمزة ص: 124. - الزراط بزاي خالصة ص: 124. - اهدنا صراطا مستقيما منونتين من غير ألف ولام فيها ص: 125. - اهدنا صراط المستقيم، بإضافة الصراط إلى المستقيم من غير ألف ولام في الصراط. ص: 125. - صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، وغير الضالين. ص52، 54 بجعل "مَنْ" في موضع "الذين"، و"غير" في موضع "لا" وص: 125. - أرشدنا الصراط في موضع اهدنا ص: 126. بصرنا الصراط في موضع اهدنا ص: 126. - صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، ولا الضالين ص: 126.

سورة البقرة: ألم تنزيل الكتاب، ألم ذلك الكتاب آية: 2ص: 77. ننشرها، ننشزها آية: 259 ص75. ميسَرة، ميسُرة آية: 380 ص74. سورة النساء: البُخْل، البَخَل آية: 38 ص74. سورة الأنعام: يقص الحق، يقض الحق آية: 57 ص69، 76. سورة براءة: تجري تحتها آية: 100 ص78. فَيَقْتُلُون ويُقْتَلُون، فيُقْتَلون وَيَقْتُلُون آية: 111 ص63. لقد جاءكم رسول من أنفسكم آية: 128، 129 ص59، 67. سورة يونس: يسيركم، ينشركم من قوله تعالى: هو الذي يسيركم في البر والبحر آية: 22 ص46، 63، 71.

سورة يوسف: ادكر بعد أُمَّة، ادكر بعد أَمَه آية: 45 ص75. سورة الأنبياء: من كل حدب، من كل جدث آية: 96 ص68. سورة النور: إذ تَلَقَّوْنَهُ، إذ تُلْقُونه آية: 15 ص75. سورة القصص: جَذْوة، جِذوة، جُذْوة من قوله تعالى: لعلي آتيكم بجذوة من النار آية: 29 ص46، 63. سورة الأحزاب: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدو الله عليه آية: 23 ص67. سورة سبأ: ربنا باعد بين أسفارنا، بعد بين أسفارنا آية 19 ص75. فُزِّع عن قلوبهم، فَزَّع عن قلوبهم آية 23 ص76. سورة يس: صيحة، زَقْيَةَ آية: 53 ص71.

سورة ق: وجاءت سكرة الحق بالموت آية: 19 ص77. سورة الواقعة: وطلح منضود، وطلع منضود آية: 29 ص63. سورة الحديد: نجري من تحتها الأنهار آية: 12 ص78. البُخْل، البَخَل آية: 24 ص74. فإن الله الغني الحميد، فإن الله هو الغني الحميد آية: 24 ص78. سورة المجادلة: ما هن أمهاتهم، ما هن أمهاتُهم آية: 2 ص74. سورة الليل: وما خلق الذكر والأنثى، والذكر والأنثى آية: 3 ص63.

2- الشواهد القرآنية والقراءات: - اقرءوا كما علمتم ص "47". - "إن القرآن يقرأ على سبعة أحرف، إياكم والمراء، فإن المراء في القرآن كفر" ص107. - إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه ص"106". - "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فبأي ذلك قرأتم أصبتم، لا تماروا فيه فإن مراء فيه كفر ص"107". - "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ولا حرج" ص"109". - أنزل القرآن على سبعة أحرف ص31-32-43-47-48-56-71. - إني أتاني آت من ربي، فقال: "اقرأ القرآن" ص108. وانظر روايات هذا الحديث الأخر "من ص110-113". - خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة ص92، 94.

4- فهرس الأعلام "×": "أ": إبراهيم خليل الرحمن: 109. إبراهيم بن أبي عبلة: 120. أبي كعب: 41-92-93-94-95-99-100-104-107-108-110. أحمد بن موسى "أبو بكر بن مجاهد": 39-60-87-90. أحمد بن يزيد الحلواني: 119. إسماعيل بن إسحاق القاضي: 38-54-55-56-61-69-98-105-127. الأصمعي "عبد الملك بن قريب": 124. أنس بن مالك: 66-69-93. أيوب السختياني: 122. أم أيوب بنت قيس بن سعد: 113.

_ "×" رتبت هذه الأعلام دون اعتذار في الترتيب بالألفاظ الآتية: أل-أب-أم-ابن.

"ب": بدر الدين الزركشي: 19. بروكلمان: 18. أبو بكر الأذفوي: 11. أبو بكر الصديق: 48-57-58-61-63-67-77-100-101-125. أبو بكر بن مجاهد "انظر أحمد بن موسى": "ت": تميم الداري: 93. "ث" ثابت البناني: 126. "ج": جبريل: 110-113. ابن جبير المقرئ: 90. الجرجاني: 11. ابن الجزري: 19.

أبو جعفر "يزيد بن القعقاع": 46-69-71-76-88. جعفر بن محمد: 125. بنو جهور: 4. "ح": أبو حاتم السجستاني "انظر سهل بن محمد عثمان": حذيفة بن اليمان: 62-64-126. أبو الحزم بن جهور: 9. الحسن البصري: 120-125. الحسين بن علي الجعفي: 97. حفصة بنت عمر: 60-64. حمزة: 12-14-37-39-50-74-87-118-119. الحلواني "انظر أحمد بن يزيد". أبو حيوة: "شريح بن يزيد الحضرمي": 121.

"خ": خارجة بن زيد: 67. خزيمة بن ثابت الأنصاري: 67. خزيمة بن الفاكه "ذو الشهادتين الأنصاري": 59. خلف بن هشام: 74-118. الخليل بن أحمد: 122. "د": الداني ص: 6-7. أبو الدرداء "أنظر عويمر بن زيد": "ز": زبان بن العلاء "أنظر أبو عمرو": زر بن حبيش: 110. زيد بن ثابت: 58-60-61-64-65-69-92-93-94-95-96-100-101-102-104. زيد بن علي: 75. "س": سالم "مولى أبي حذيفة": 92-94-95.

سعد بن عبيد القاري: 93. سعيد بن العاص: 64. ابو سعيد كيسان "المقبري": 109. سهل بن محمد عثمان "أبوحاتم السجستاني": 37-88. ابن السوار الغنوي: 124. السيوطي: 19. "ش": شريح بن يزيد الحضرمي "انظر أبو حيوة". ابن شريح "انظر محمد بن شريح". الشعبي "انظر عامر بن شراحبيل". شمر بن يقظان الشامي "انظر إبراهيم بن أبي عبلة". ابن شهاب "انظر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري". شيبة بن نصاح: 88. "ص": أبو صالح "محمد عمير الهمذاني": 120. "ض": الضحاك بن مزاحم: 75-125.

"ط": أبو طالب بن مكي: 9. طاهر بن عبد المنعم بن غلبون: 6. أبو الطيب "انظر عبد المنعم بن غليون". الطبري "انظر محمد بن جرير". "ع": عبد المنعم بن غلبون "أبو الطيب": 60. عاصم بن سعدلة: 12-31-36-69-74-76-87-89-118. عاصم الجحدري: 88. عامر بن شراحيل "الشعبي": 93. عائشة "أم المؤمنين": 69. ابن أم عبد "انظر عبد الله بن مسعود". عبد الله بن الزبير: 64-126. عبد الله بن سهيل: 7. عبد الله بن عامر: 71-75-76-87.

عبد الله بن عباس: 75-113. عبد الله بن عامر: 12-37-46. عبد الله بن عمر: 61. عبد الله بن كثير "انظر ابن كثير". عبد الله بن محمد القهري: 20 -27. عبد الله بن مسعود: 41-55-77-92-95-96-97-98-99-103-111-126-127. عبد الرحمن بن أبي بكر: 110. عبد الرحمن بن الحرث بن هشام: 64. عبد الرحمن بن صخر "انظر أبو هريرة". عبد الملك بن أبي عامر "المظفر": 9. عبد الملك بن قريب "انظر الأصمعي". عبد الوارث بن سعيد: 121. أبو عبيد "انظر القاسم بن سلام". عثمان بن سعيد "انظر ورش". عثمان بن عفان: 32-33-34-35-36-44-45-48-53-62-64-65-66-86-90-93-

100-101-103-104-126-127. علقمة النخعي: 111. علي بن حمزة "انظر الكسائي": علي بن أبي طالب: 70-96-99-103-104-121. ابو علي الفارسي: 10-18. أبو عمرو "زبان بن العلاء" 11-14-31-36-40-50-75-87-89-121-124. عمر بن الخطاب: 47-48-54-58-60-61-63-72-94-100-105-106-125-126. عمرو بن العاص: 106. عمر بن عبد العزيز: 121. عمر بن فايد الأسواري: 121. عويمر بن زيد: 93. عيسى بن عبد الرحمن: 107. عيسى بن مينا "قالون": 11-12-84-119. ابن عيينة: 93.

"غ": ابن غلبون-"5". "ف": أبو الفضل الرازي: 123. "ق": القاسم بن سلام "أبو عبيد": 38-88. قالون "انظر عيسى بن مينا": ابن قتيبة "عبد الله بن مسلم بن قتيبة" ص79 قنبل: 118 قنبل: 118. قيس مولى عمرو بن العاص: 106. "ك": ابن كثير "عبد الله": 12-40-50-69-75-87-118-119-122. الكسائي "علي بن حمزة": 12-37-38-39-50-74-87-89-118. "ل": ابن أبي ليلى "انظر عيسى بن عبد الرحمن":

"م": مالك: 10-13-73-98-99. المأمون: 39. ابن مجاهد "انظر أحمد بن موسى". مجمع بن جارية: 94. محمد بن أحمد بن المطرف الكناني: 7. محمد بن جرير الطبري: 37-66-89-105-128. محمد بن السميفع اليماني: 120. محمد بن سيرين: 69. محمد بن شريح: 79. محمد بن عبد الرحمن المخزومي "انظر قنبل". محمد بن علي الأذفوي: 7. محمد بن عيسى بن فرج الطليطلي: 8. محمد بن مسلم بن شهاب الزهري: 62-111-113. محمد بن المفرج: 7. محمد بن هشام المهدي: 9.

معاذ بن جبل: 92-94-95. معاوية بن أبي سفيان: 94. المفضل بن محمد بن يعلى "الضبي": 88. المقبري "انظر سعيد كيسان". القاضي منذر: 16. موسى بن سليمان اللخمي: 7. ميكائيل: 110. "ن": نافع بن عبد الرحمن: 7-11-31-36-41-49-69-76-84-85-87-88-89-119. "هـ": هشام بن حكيم: 47-72-105. أبو هريرة "عبد الرحمن بن صخر": 109-111-124. "و": ورش: 7-11-12-14-84. ابن وكيع: 15.

"ى": يحيى بن إبراهيم بن البيار: 7. يحيى بن وثاب: 122. يزيد بن القعقاع "انظر أبو جعفر". يعقوب الحضرمي: 39-75-76-88-90.

5- فهرس بأسماء الكتب التي وردت في النص والتعليق عليه: البيان للطبري: 37، 43، 52. الثمانية لابن جبير المقرئ: 90. العين للخليل بن أحمد: 59، 122. القراءات لإسماعيل القاضي: 54. الكشف عن وجوه القراءات لمكي بن أبي طالب: 30. اللوامح لأبي الفضل الرازي: 123. المصاحف للسجستاني: 78. مصحف عثمان: 32، 41، 78. مصحف ابن مسعود: 76.

"6" اللغات "اللهجات": لغة أسد: 122. لغة تميم: 74، 122. لغة الحجاز: 74. لغة ربيعة: 122. لغة قريش: 33. لغة قيس: 122.

"7" الأمصار والبلاد والأماكن: أجنادين: 47. أحجار المرا: 110. أذربيجان: 62. أرمينية: 62. بدر: 59. البصرة: 32. الحجاز: 111. الشام: 32. شغب: 111. فلسطين: 111. الكوفة: 32-64-89-111. المدينة: 32-64-89-94. مسجد الضرار: 94. مصر: 79. مكة: 32-79-89-118. اليمامة: 57-58-94.

"8" الكتب التي رجعت إليها عند الترجمة والتحقيق: 1- إتحاف فضلاء البشر للبناء الدمياطي طبع، ونشر عبد الحميد حنفي. 2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله، تحقيق الأستاذ علي محمد البجاوي. 3- إنباه الرواة تحقيق الأستاذ، محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة دار الكتب 1369هـ-1950م. 4- البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، مطبعة السعادة 1328هـ. 5- البرهان في علوم القرآن للزكشي، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم 1376هـ-1957م. 6- تاريخ الإسلام السياسي ج3 للدكتور حسن إبراهيم حسن 1948. 7- الحجة لأبي علي الفارسي، مصورة بدار الكتب عن مكتبة البلدية بالإسكندرية. 8- طبقات القراء لابن الجزري عني بنشره: ج برجستراسر 1351هـ-1932م.

9- طبقات ابن سعد بيروت 1376هـ-1957م. 10- أبو علي الفارسي وآثاره في القراءات، والنحو للدكتور عبد الفتاح شلبي 1377 هـ-1958م. 11- فهرس المخطوطات بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية. 12- الفهرست لابن النديم المطبعة الرحمانية بمصر 1348هـ. 13- القاموس المحيط للفيروزآبادي. 14- القرآن الكريم. 15- الكشف عن وجوه القراءات، وعللها نسخة مصورة بدار الكتب رقم 19982ب. 16- اللباب في تهذيب الأنساب لعز الدين أبي الحسين بن الأثير، نشر حسام الدين القدسي 1357هـ. 17- المصاحف للحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داود، السجستاني تحقيق الدكتور آثر جفري المطبعة الرحمانية 1355هـ-1936م. 81- المعجب في تلخيص أخبار المغرب، لمحيي الدين المراكشي تحقيق الأستاذ محمد سعيد العريان مطبعة الاستقامة. 19- معجم الأدباء لياقوت مطبوعات دار المأمون.

20- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. 21- النشر في القراءات العشر لابن الجزري، مطبعة مصطفى محمد مصر. 22- وفيات الأعيان تحقيق الأستاذ، محيي الدين عبد الحميد 1948م.

§1/1