الأنوار ومحاسن الأشعار

الشمشاطي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرَّحِيم وبِهِ نَستَعِين باب في السُّيوف والرِّماح وجميعِ السِّلاح نَذكر في ابتدائهِ يَسيراً من الأَخبار، في فَضل السِّلاح وصِفَته، ثمّ نُتبِع ذلِك بما قيل في السيوف، ثمّ في الرِّماح، ثمّ في القِسِيّ والسِّهام، ثمّ في الدُّروع والبَيْض، ثمّ في جميع السِّلاح مُجملاً، إِن شاءَ الله. يُرْوَى أَنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آلِه، لبِسَ يومَ أُحُدٍ دِرْعَيْن ظَاهَرَ بينهما. واشترَى يزيدُ بن حاتم أَدراعاً فقال: إِنّي لستُ أَشترِي أَدْرَاعاً إِنّما أَشترِي أَعماراً. وقال حَبيب بن المُهَلَّب: ما رأَيت رَجُلاً في الحَرْب مُسْتَلْئِّماً إِلاّ كان عندي رَجُلَيْن، ولا رأَيْت حاسِرَيْنِ إِلاّ كانَا وَاحداً. فسمع الحديثَ بعض أَهلِ المعرفة فقال: صَدَقَ، إِنّ للسِّلاح فَضِيلةً، أَمَا تَراهم يُنادُون: السِّلاَحَ السِّلاحَ، ولا يُنَادون: الرّجالَ الرِّجالَ. وقال عُمَر بن الخَطّاب لعَمْرِو بن مَعْدِ يكَرِبَ: أَخْبرْني عن السِّلاح، قال: سَلْ عما شِئْتَ منه، قال: الرُّمْح، قال: أَخوك وربّما خَانَك، قال: النَّبْل، قال: مَنَايَا تُخطِئُ وتصِيب، قال: التُّرْسُ، قال: ذاك المِجَنُّ، وعليه تَدُورُ الدَّوائر، قال: الدِّرْع، قال: مُشْغِلَةٌ للراجِل، مُتعِبَةٌ للفارِس، وإِنَّهَا لَحِصْنٌ حَصِينٌ، قال: السَّيْف، قال: ثَمَّ قَارَعَتْك أُمُّك عن الثُّكْل، يا أَميرَ المؤمنين، قال عُمرُ: بل أُمُّك، قال: الحُمَّى أَضْرَعَتْنِي لك. وقال أَمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام: السَّيْف أَنْمَى عَدَداً، وأَكْرم وَلداً. وذَكَرَ أَعرابيٌّ قَوْماً تَحَارَبُوا فقال: أَقْبَلَت الفُحُول، تَمْشي مَشْىَ الوُعول، فلمّا تَصَافَحُوا بالسُّيُوف فغَرَت المَنَايَا أَفواهَها. وذكَر آخَرُ قَوماً أَغارُوا على قومٍ فقال: جَعَلوا المُرَّان أَرْشِيَةً فاسْتَقَوا بها أَرْوَاحَهم. وحَذَّرَ أَعْرَابِيٌّ من اليَمَامَة قَوْمَه من جُنْدٍ أَنفَذَهم السلطانُ إِليهم فقال: لا أَغرُّكم من نُشَّابٍ، معهم في جعَاب، كأَنَّهَا أُيُورُ الفِيَلَةِ، يَنْزِعُون في قِسِيٍّ كأَنَّهَا العَتَلُ تَئطُّ إِحداهنّ أَطِيطَ الزُّرْنوق، يَمْغَطُ أَحدُهم فيها حتَّى يَتَفَرَّقَ شَعرُ إِبْطِه، ثمّ يُرْسِل نُشَّابةً كأَنّهَا رشَاءٌ مُنْقَطِعٌ، فما بَيْنَ أَحَدِكم وبين أََن تَنْفَضِخَ عَيْنُه، أَو يَنْصَدِعَ قَلْبُه، مَنزِلَةٌ. فخَلع قلوبَهم فطاروا رُعْباً. ووصَّى أَبو الأَغَرِّ ابنَهُ وقد وَقَعَ بينَ بني عمِّه وحُلفائهم شرٌّ فقال: يا بُنَيَّ كنْ يداً لأَصحابك على مَن قاتَلَهم، وإِيّاك والسَّيْفَ فإِنّه ظِلُّ الموت، واتَّقِ الرُّمْحَ فإِنّه رِشَاءُ المَنيَّة، ولا تَقرَبِ السِّهامَ فإِنّها رُسُلٌ ولا تُؤَامِرُ مُرسِلَهَا، قال: فبِمَ أُقاتِلُ؟ قال: بما قال الشاعر: جَلاَمِيدُ يَمْلأْنَ الأَكُفَّ كأَنّهَا ... رُؤوسُ رِجال حُلِّقَتْ في المَوَاسمِ ؟ في السُّيوف قال أَبو زيد: الصَّمْصَام: الماضي، وقال الأَصْمَعِيُّ: الصارِم هو الصَّمْصَامَة الذي لا يَنْثَنِي. الصَفيحة: السّيف العَريض، والقَضِيب: الدّقيق. والمُشَطَّب: الذي فيه طَرَائقُ. والْمِخْذًَم: الذي يَنْتَسِفُ القطْعَةَ أَو يَشُقُّ المَوْضِعَ حتَّى يَفْصِلَه. والرَّسُوبُ: الّذي إِذا وَقَعَ غَمُضَ مَكَانُه فدَخَلَ والمَأْثور: الّذي في مَتْنه أُثُرٌ. الأَفَلّ: الذي بشَفْرَتَيه تَكسُّرٌ وفُلولٌ من كَثْرة ما ضُرِبَ به. والكَهَام والدَّدان: الكَلِيلانِ. والطَّبِعُ: الذي اشتَدَّ صَدَؤُه حتى يَدْخلَه مِثْلُ الجَرَبِ لا يُخْرِجُه الصَّقْلُ. والأَنيث الذِي من حَدِيدٍِ غيرِ ذَكَرٍ.

والمِعْضَدً: الذِي يُمْتَهَن في قَطْعِ الشَّجرِ وغيرِه. والخَشِيبُ: الصَّقِيل: المُهنَّد، مَنْسُوبٌ إِلى الهِنْد. اليَمَانِي: منسوبٌ إِلى اليَمن. المَشْرَفِيّ: مَنسوب إِلى المَشَارِف، وهي قُرىً للعَرب تَدْنو من الرِّيف، القُسَاسِيّ: نُسِبَ إلى جَبَلِ قُسَاسٍ فيه مَعْدِنُ حَدِيدٍ، العَضْب: القاطع المُطَبِّق، الذي إِذا أَصابَ المَفْصل قَطَعه، لا يَمِيل يَميناً ولا شِمالاً، المُذَكّرَة: سُيوفٌ شِفَارُها ذُكورٌ ومُتُونها من أَنيثِ الحَديد. سَيْفٌ سَقّاط: الذي يَقْطَع الضَّرِيبة ثمّ يَسْقط إِلى الأَرْضِ. والسُّرَاط: الذي يَقْطع كل شْيءٍ، كأَنّه من الاسْتِراطِ. نَصْلٌ أَزْرَقُ، إِذا كان أَبيضَ. ولمُزَرِّدٍ: وأَملَسَ هِنْدِيّ متَى يَعْلُ حَدُّه ... ذُرا البَيْضِ لم تَسْلَم عليه الكَوَاهِلُ سُلاف حَدِيدٍ ما يَزَالُ حُسَامُهُ ... ذَلِيقاً وقَدَّتْهُ القُرُون الأَوَائلُ ولأَوْس بن حَجَر: وأَبْيَضَ هِنْدِيَّاً كأَنّ غِرَارَه ... تَلأْلؤُ بَرْقٍ في حَبِيٍّ تَكَلَّلاَ إِذَا سُلَّ مِنْ غِمْدٍ تَأَكَّلَ أَثْرُهُعلَى مِثْلِ مِصْحَاةِ اللُّجَيْنِ تَأَكُّلاَ كأَنّ مَدَبّ النَّمْلِ يَتَّبِع الرُّبَا ... ومَدْرجَ ذَرٍّ خَافَ بَرْداً فأَسْهَلاَ علَى صَفْحتَيه بعْدَ حِينِ جِلاَئه ... كَفَى بالَّذي أُبْلي وأَنْعَتُ مُنْصُلاَ ولأَعرابِيّ: يَكْفِيكَ من قَلَعِ السَّماءِ مُهنَّدٌ ... فوقَ الذِّرَاعِ ودُونَ باعِ البائعِ صافي الحَديدَة قد أَضَرَّ بنَصْلِهِ ... طُولُ الدِّيَاس وبَطْنُ طَيْرٍ جائِعِ أُمِرَ البَوَارقُ والرِّيَاحُ بحَمْلِهِ ... فحَمَلْنَه لمَضايرٍ ومَنَافِعِ وتَرَى مَضارِبَ شَفْرَتَيْه كأَنَّهَا ... مِلْحٌ تَناثَرَ من وَراءِ الدَّارعِ ولرجلٍ من أَشجع: صافِي الحديدة لا تُشْوِي ضَريبتُه ... يَبِيت وَهْوَ ضَجِيعي دُون أَطْمَارِي لم يَنْبُ بي قطُّ في أَمرٍ أَهُمّ به ... ولا تَحدَّثَ بينَ الناسِ أَسْراري كأَنّ مَتْنيْهِ من عَهْدِ الصِّقَال به ... مَتْنَا خَلِيجِ رَبِيعٍ ماؤُهُ جارِي وأَنشدَنا أَبو الحسن الأَخفش في السيوف: ومُسْترْدَفَاتٍ هُن عَوْنٌ على السُّرَى ... حِسَانٌ وما آثارُهَا بحِسَانِ وكالطّائرِ المُنْقَضِّ في لَمعانِهِ ... لدَى الرَّوْعِ سَامٍ دائمُ الخَفَقانِ وأيضاً: ومُهَنَّدٍ كالمِلْحِ ليس بحَدِّهِ ... عَهْدٌ بتَمْوِيهٍ ولا بِصقالِ تُرْضِيكَ هزَّتُهُ إِذا خَفّقْتَهُ ... وتَقول حين تَراه هذا بَالِي وهذا مأْخوذ من قول امرئ القيس بن حُجْر: مُتَوَسِّداً عَضْباً مَضارِبُه ... في مَتنِه كمَدَبَّةِ النَّمْلِ يُدْعَى صَقِيلاً وهو ليس له ... عَهْدٌ بتَمْوِيهٍ ولا صَقْل وللأُخَيطِل: وبكَفِّه عَضْبُ الذُّبَابِ مُهَنَّدٌ ... يَرْتَجُّ فيه ماؤُهُ المَوّارُ نجْمٌ إِذا أَطْلَعْتَه في مُهْجةٍ ... خَمَدَتْ ولكِنْ كُلُّه أَنْوَارُ وكَأَنهُ الأَقْدارُ إِلاّ أَنّه ... سَبَّاقُ ما تَأْتِي به الأَقْدارُ ولصالح بن جَنَاحٍ: أنعَمْ صَبَاحاً بالسُّيوفِ وبالقنَا ... إِنّ السُّيوُفَ تَحيَّة الفُرْسَانِ وجَرّدَ مُوسَى الهادي سيفَ عَمْرو بن مَعِْدِ يكَرِبَ الصَّمصامَة، ووَضعه بين يدَيه، وأَذِنَ للشُّعراء فدخَلوا، ودَعَا بمِكْيَل فيه بَدْرَة دَنانِير وقال: قولوا في هذا السَّيف، فمن أَصاب صِفَتَه فهذا له، فبدَرَهم ابنُ يَامِينَ البصرِيُّ فقالَ: حاز صَمْصامةَ الزُّبَيْدِيّ من بَي ... نِ جميعِ الأَنام مُوسَى الأَمِينُ سَيْفَ عَمْرو وكان فيما سَمِعْنَا ... خَيْر ما أُغْمِدَتْ عليه الجُفونُ أَخضَرَ اللَّوْن بَيْنَ حَدَّيْه بُرْدٌ ... مِنْ ذُبَاحٍ تَمِيسُ فيه المُتُونُ

أَوْقَدَتْ فَوْقَه الصَّوَاعِقُ ناراً ... ثمّ شابَتْ به الذُّعَافَ القُيُونُ فإِذا ما سَلَلْتَه بَهَرَ الشَّمْ ... سَ ضِياءً فلم تَكَدْ تَستَبِينُ ما يُبَالِي إِذا انْتَضَاهُ لِضَرْبٍ ... أَشِمالٌ سَطَتْ به أَمْ يَمِينُ وكأَن المَنُونُ نِيَطتْ إِليه ... وهُوَ مِن كلِّ جانِبَيْه مَنُونُ يَسْتطِيرُ الأَبْصَارَ كالقَبَسِ المُشْ ... عَلِ ما تَسْتَقِرُّ فيه العُيُونُ فكأَنّ الفِرِنْدَ والجَوْهَرَ الجا ... رِيّ في صَفْحَتَيهِ ماءٌ مَعِينُ نِعْمَ مِخْراقُ ذِي الحَفيظةِ في الهَيْ ... جَاءِ يَعْصَى به ونِعْمَ القَرينُ فدفع إِليه الدنانيرَ، فقَسَمَها ابن يَامِينَ بينَه وبين مَن حضَرَ من الشعراء: ولإسْحَاق بن خَلَفٍ: أَلْقَى بجَانِبِ خَصْرِه ... أَمْضَى مِنْ الأَجَلِ المُتَاحِ وكَأَنّمَا ذَرَّ الهَبا ... ءُ عليه أَنْفاسَ الرِّيَاحِ ولغيره: وصارمٍ باتكِ الحَدَّيْن ذي ِشُطَبٍ ... ظامٍ وفي مَتْنِه مِن مائِه غُدُرُ كالفَجْرِ في رَوْنَق الإِفرِند مُنْصَلِتاً ... تَكادُ فيه عُيونُ المَوْتِ تَنْفجِرُ ولابن أَبي زُرْعَةَ الكِنَانيّ: مُسْتبْطِنٌ صارِماً كالمَوْتِ سَلَّتُه ... ما يَلْقَ مِن كلِّ شَيءٍ فهو قاطِعُهُ تَرَى المَنَايَا القَوَاضِي في مَضَارِبِهِ ... ودِيفَ فيه من الذِّيفَان ناقِعُهُ إِنّي إِذا ما نَبَا سَيفٌ بُمعْتَرَكٍ ... سيَّانِ حاسِرُه عنْدي ودَارِعُهُ ما كان يُحْصِنُ منه خالِداً بيَدِي ... وَرْقاءُ نَسْجٍ أَجَادَ السَّرْدَ صانِعُهُ لَو الفَرزْدَق يَومَ العِلْجِ صالَ به ... لمْ يَنْبُ عنه ولمْ تُذْمَم مُجَاشِعُهُ وله أيضاً: ومُهنَّدٍ يُعْشِي العُيو ... نَ سَنَاه من قَبْلِ الصِّقَال صافِ كأَنّك تَنْتضِي ... من جَفْنه رَقْرَاقَ آلِ متَردِّدٌ فيه الفِرِنْ ... دُ تَرَدُّدَ الماءِ الزُّلاَلِ للعِتْقِ في مَتْنَيهِ سِيمَ ... الا تُغَيِّرهَا الَّليالِي وجَوَاهِرٌ يَنْسُبْنهُ ... لِلْعَين من قَبْل السُّؤال ولأَبي الهَول: حسُامٌ رَقيقُ الشَّفْرتَينِ كأَنّه ... منَ الله في قَبْضِ النُّفوسِ رَسُولُ كأَنَّ جُنودَ الذَّرِّ كَسَّرْنَ فَوقَه ... قُرونَ جَرَادٍ بَيْنَهنّ ذُحُولُ كأَنّ على إِفْرِنْدِه مَوْجَ لُجّة ... تَقَاصَرُ في ضَحْضَاحِهِ وتَطولُ إِذا ما تَمَطَّى المَوتُ في يَقَظَاتِه ... فلا بُدَّ من نَفْسٍ هناك تَسِيلُ ولِشرشير الجَدَليّ: ومهَنَّدٍ عَضْبٍ إِذا ماسُلَّ في ... ظُلَمِ الخُطوبِ أَبَانَ عن قَصْدِ الهُدَى يُنْضَى فيَخْتَلِس الطُّلَى مِنْ قَبلِ أَنْ ... تُدْنَى ذُبَابَاه إِلى خَلسِ الطُّلَى مُتَمَلْمِلٌ بفِرنْدِه فكَأَنَّمَا ... حُمْرُ الفَرَاشِ بُعِثْنَ فيه والدَّبَى يَخْضَرّ منْتَصِباً ويَقْنُؤ حَانِياً ... ويَمورُ مُهتزّاً ويَجْرِي مُنْتَضى وله أَيضاً: حازَ الأَميرُ عن البَرِيَّة مُنْصُلاً ... ما حازَه أَحَدٌ مِن الأُمَرَاءِ جاري الفِرِنْدِ كأَنّه في لَمْعِهِ ... آلٌ زَهَتْه وْقَدَهُ المَعْزَاءِ وكأَنَّ رَونَقَه حِدَاقُ جَنَادِبٍ ... يَلْمَعْنَ في مَسْجُورةِ الرَّمْضاءِ يُنْضَى فيتَّقِدُ اتِّقادَ النّارِ تُذْ ... كيهَا ويُطَّرِدُ اطِّرَادَ المَاءِ مُتَلوِّماً كالحَينِ يَطْلُبُ باغياً ... ومُصمِّماً كالحَيَّةِ الصَّمَّاءِ وما أحسنَ ما قال الوَليدُ بن عُبَيد:

يَتَنَاوَل الروحَ البَعِيدَ مَنَالُه ... عَفْواً ويَفْتَح في القَضَاءِ المُقْفَلِ ماضٍ وإِن لم تُمْضِه يَدُ فَارسٍ ... بَطَلٍ ومَصقولٌ وإِن لم يُصْقَلِ يَغْشَى الوَغَى فالتُّرْسُ لَيسَ بجُنَّةٍ ... من حَدِّه والدِّرْعُ ليسَ بمَعقِلِ مُصْغٍ إِلى حُكْمِ الرَّدَى فإِذَا مَضَى ... لم يَلْتَفِتْ وإِذا قَضَى لم يَعْدِلِ مًتَوَقِّدٍ يَفْرِى بأَوَّلِ ضَرْبةٍ ... ما أَدرَكَتْ ولَوَ أنَّها في يَذْبُلِ وإِذا أَصَاب فكلُّ شَيْءٍ مَقْتَلٌ ... وإِذَا أُصِيب فما لَه منْ مَقْتَلِ ولعبَيد الله بن مَسعود: وحُسَامٍ صَافِي الحَدِيدةِ ماضِي الْ ... حَدِّ ذي رَوْنقٍ كمثْلِ الشِّهابِ أَخضرِ اللَّونِ ذي فِرِنْدٍ كأَنّ النّ ... مْل دبَّتْ في مَتْنه والذُّبِابِ حُكْمُه في النُّفوس أَمْضَى من المَو ... تِ إِذَا يُنْتضَى ليَومِ ضِرَابِ وليَعقوبَ التَّمّارِ: بكُلّ حُسامٍ كالعَقيقةِ صَارِم ... إِذا قَدَّ لم يَعْلَق بصَفْحَتِه الدَّمُ ولعليّ بن العباس: خَيرُ ما استَعْصَمتْ به الكَفُّ عَضْبٌ ... ذَكَرٌ حَدُّه أَنِيثُ المَهَزِّ ما تَأَمَّلتَه بعَينَيك إِلاّ ... أُرْعِدتْ شَفْرَتاهُ من غير هَزِّ مِثْلُه أَفزَعَ الشُّجاعَ إِلى الدِّرْ ... ع فغَالَى بها على كُلِّ بَزِّ ما يُبالِي أَصَمَّمَتْ شَفْرَتاهُ ... في مَحَزٍّ أَمْ جارَتَا عن مَحَزِّ وله أيضاً: حُسامٌ لا يَلِيق عليه جَفْنٌ ... سَرِيعٌ في ضَرِيبتِه ذَرِيعُ يَقولُ النّاظِرون إِذا رَأَوهُ ... لأَمْرٍ ما تُغُولِيَتِ الدُّرُوعُ وله أيضاً: يُشَيِّعه قَلبٌ رُواعٌ وصارمٌ ... جُرَازٌ قديمٌ عَهدُه بالصَّياقلِ تَشيمُ بُروقَ المَوت من صَفَحاته ... وفي حَدِّه مِصْداقُ تِلك المَخَايلِ ولعبد الله بن المعتزّ: وَسْطَ الخَمِيس بكَفّه ذَكَرٌ ... عَضْبٌ كأَنَّ بمَتْنِه نَمَشَا صافِي الحَدِيدِ كأَن صَيْقَلَه ... كَتَبَ الفِرِنْدَ عليه أَو نَقَشَا وله أَيضاً: ولي صارِمٌ فيه المَنايَا كَوَامِنٌ ... فما يُنْتَضَى إِلاّ لِسَفْكِ دمَاءِ تَرَى فوقَ مَتْنَيْه الفِرنْدَ كأَنّه ... بَقِيَّةُ غَيْمٍ رَقَّ دونَ سَماءِ ولغيره: في كَفِّهِ ماضِي الغرَارِ كأَنّه ... في العَينِ لُجٌّ قائمٌ مُتحَيِّرُ صَافٍ تصَوِّبُه فتُقْسمُ إِنه ... لَيَسيلُ إِلاّ أَنَه لا يَقْطُرُ قال الفرّاءُ: يقال أُثُر السَّيف وأَثْرُه يعني شُعاعَه وفِرِنْده وما يُرَى فيه كأَرجُلِ النَّمْلِ، قال: وأَنشدَني أَبو ثروان: كأَن بَقَايا الأَثْرِ فوقَ مُتُونِه ... مَدَبُّ الدَّبَا فَوقَ النَّقَا وهو سارِحُ قال: وأَنشدَني بعض بني عَقِيلٍ: كأَنّهمْ أَسْيُفٌ بِيضٌ يَمَانِيَةٌ ... عَضْبٌ مَضَارِبُها باقٍ بها الأُثُرُ وقال: يُقَال: سُقْت الرّجُل بالسَّيْف، وعَصِيت به أَعْصى به، إِذَا عَملْتَ به ما تَعْمَلُ بالعَصَا، قال جريرٌ: تَصِفُ السُّيُوفُ وغَيرُكم يَعْصَى بها ... يا بْنَ القُيُونِ وذَاك فِعْلُ الصَّيْقَلِ ولمحمّد بن الحسن: وصاحِبَايَ صارِمٌ في مَتْنِه ... مِثْلُ مَدَبّ النَّمْلِ يَعْلو في الرُّبَا كأَنَّ بَيْنَ عَيْرِه وغَرْبِه ... مُفْتَأَداً تَأَكَّلَتْ فيه الجُذَى يُرِى المَنُونَ حينَ تَقْفُو إِثْرَهُ ... في ظُلَمِ الأَكْبَادِ سُبْلاً لا تُرَى إِذا هَوَى في جُثَّةٍ غَادَرَهَا ... مِن بَعدِ ما كَانَتْ خَسَاُ وَهْيَ زَكَا ولأَحْمَد بن محمّد المَصِّيصيّ: أَجْرَى الزَّبَرْجَدُ فيهِ جَدْوَلاً لَعِبَتْ ... عَقَائقٌ فَوْقَه باللُّؤْلُؤِ البَدَدِ

في الرماح

يكْتَنُّ تَحْتَ شَمَالِ البَدْرِ بارقُه ... وتَارَةً يَتَرَاءَى في يَدِ الأَسَدِ وله أَيضاً ممّا جوَّد فيه: ذُو مَدْمَعٍ من غيرِه مُسْتَعْبِرٍ ... وتَبَسُّمٍ من نَفْسِهِ مُتَوَالِ وكَأَنّمَا نَشَرَ الفِرِنْدُ بمَتْنِهِ ... دِيبَاجَةً خَضْرَاءَ إِثْرَ صِقَالِ ويُرِيكَ في لأْلائِهِ مُتَوقِّداً ... حَنَق المَنُونِ به على الآجالِ وللعَبْدِيّ: تَغْلَبِيّ في كَفِّهِ مَشْرَفيّ ... لنُفوسِ العِدَا شَرُوبٌ أَكولُ صارِمٌ لو رَمَى به الطَّودَ فَلَّ ال ... طَّوْدَ وارْتَدَّ لَيْسَ فيه فُلولُ كادَ ماءُ الفِرِنْدِ فيه ونَارُ ال ... طَّبْعِ تَعْلو هذِي وذَاك يَسٍيلُ وكان على سَيف بِسْطَام بن قَيْسٍ الشَّيْبَانيّ، واسمُ سَيْفِه المُحَوَّل مكتوباً: نَصْلٌ يَقُدٌ الكَبْشَ وهو مُدَجَّجٌ ... عَضْبُ المَضَارِبِ كالشِّهابِ السَّاطعِ وكان على سَيف عُتَيْبَةَ بنِ الحارثِ بن شِهَاب مكتوباً: ففِي أَيِّ حالاتي شَهِدْتِ فإِنّني ... إِذَا الحَرْبُ شُبَّت عَن حَرِيمِكِ دَافِعُ بذِي شُطَبٍ صافِي الحَدِيدِ كأَنّه ... إِذَا هُزَّ بَرْقٌ في دُجَى اللَّيْلِ لاَمِعُ وعلى سَيْفِ عامِرِ بن الطُّفَيلِ مَكْتوبٌ: وذِي حُبُكٍ في المَتْنِ صافٍ كأَنَّه ... لَوَامِعُ بَرْقٍ في الدُّجَى يَتَوَقَّدُ وكان على سَيْف عَمْرِو بن مَعْد يكَرِبَ القُلْزُمِ مكتوباً: ذَكَرٌ على ذَكَرٍ يَصولُ بصارمٍ ... عَضْبٍ يَمَانٍ في يَمِينِ يَمَانِ ؟ في الرِّمَاح الخَطِّية: مَنْسُوبَةٌ إِلى الخَطّ، وهي جزيرة بالبَحْرَيْن، والرُّدَيْنِيّة: مَنْسُوبةٌ إِلى رُدَيْنَةَ، امرأَة تَبيع القَنَا بالخَطّ، الأَزَنِيّة واليَزَنِيّة: منسوبةٌ إِلى ذِي يَزَن الحِمْيريّ، وكان مَلِكاً يَجمع السِّلاحَ. المِتَلّ: الغَليظُ الشديدُ اللَّدْنُ اللَّيِّنُ. الخَطِل: الشديدُ الاضطرابِ الذي يَفْرُط. الزّاعِبيّ: الذي إذا اهتَزَّ تَدافَعَ كُلّه كأَنّه يَجْرِي، ومنه: مرَّ يَزْعَب بحِمْلِه، إِذا مَرَّ يَتدافَع به. ومن أَحسن ما قيل في الرِّماح قَول سَلاَمةَ بنِ جَنْدَلٍ: بالمَشْرَفِيّ ومَصْقولٍ عَوَارِضُها ... صُمِّ العَوامِل صَدْقَاتِ الأَنابِيبِ سَوَّى الثِّقافُ قَناهَا فهْي مُحكَمةٌ ... قلِيلَةٌ الزَّيْغِ من سَنٍّ وتَرْكيبِ زُرْقاً أَسِنّتَها حُمْراً مُثقَّفَةً ... أَطْرَافُهنّ مَقِيلٌ لِليَعَاسِيبِ كأَنَّها بأَكُفِّ القَوْمِ إِذْ لَحِقوا ... مَوَاتِحُ البِئرِ أَو أَشْطَانُ مَطْلوبِ وقولُ مُزَرِّد: ومُطَّرِدٌ لَدْنِ الكعُوبِ كأَنَّمَا ... تَغَشّاهُ مُنْبَاعٌ منَ الزَّيْت سائلُ أَصَمّ إِذا ما هُزَّ مَارَتْ سَرَاتُه ... كَمَا مَارَ ثُعْبانُ الرِّمَالِ المُوَائِلُ له لَهْذَمٌ مَاضِي الغِرَارِ كأَنَّه ... هِلاَلٌ بَدَا في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ناحِلُ وقولُ أَوس بن حَجَر: وإِنّي امْرُؤٌ أَعدَدْتُ للحَرْب بعدَ مَا ... رَأَيْتُ لها ناباً من الشَّرِّ أَعْصلاَ أَصَمَّ رُدَيْنيَّا كأَنَّ كعُوبَهُ ... نَوَى القَسْبِ عَرَّاصاً مُزَجّاً مُنَصَّلاَ عليه كمِصْبَاحِ العَزِيزِ يَشُبُّهُ ... لِفِصْحٍ ويَحْشوهُ الذُّبَالَ المُفَتَّلاَ وقال الأَصمَعِيّ: أَحِسن ما قالت العربُ في طول الرِّمَاح قَول القُطَاميّ: قَوَارِشُ بالرِّماحِ كأَنَّ فيها ... شَوَاطِنَ يُنْتَزَعْنَ بها انْتِزَاعَا تقارشوا: تطاعَنوا ولعنترة: يَدْعُون عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنّها ... أَشْطانُ بِئرٍ في لَبَانِ الأَدْهمِ وقال الأَصْمعيّ: أَحسنُ ما قِيلَ في صِفة رُمْحٍ قول أَبي زُبَيْد الطّائيّ: وأَسْمرَ يَرْبُوعٍ يَرَى ما أَرَيْتَه ... بَصِيراً إِذَا صَوَّبْتَه للمُقَاتِلِ

في القسي والسهام

وقال ابن الأَعْرَابِيّ: أحسنُ ما وُصِفتْ به الرِّمَاحُ قول الشاعر: وبكلّ عَرَّاصِ المَهَزَّةِ مارِنٍ ... فيه سِنَانٌ مِثْلُ ضَوْءِ الفَرْقَدِ سُمْرٌ مَوَارِنُ مِن رِمَاحِ رُدَيْنَةٍ ... زُرْقُ الظُّبَاةِ سُقِينَ سُمَّ الأَسْوَدِ وكان يُنْشِد أَيضاً قَولَ مِسْكِينٍ الدَّارِميّ ويُعْجبُه: بكلّ رُدَينيٍّ كأَنَّ كعُوبَه ... قَطاً نَسَقٌ مُسْتَورَدُ الماءِ صائِفُ كأَنّ هِلاَلاً لاحَ فوْقَ قَناتِه ... جَلاَ الغَيْمَ عنه والقَتَامَ الحَرَاجِفُ ولأَعرابيّ: أَصمَّ رُدَينيّاً كأَنّ سِنَانَه ... سَنَا لَهَبٍ لم يَسْتَعِرْ بِدُخانِ ولآخر: مَعِي مارِنٌ لَدْنٌ يزِينُ قَنَاتَه ... سِنَانٌ كنِبْرَاسِ النِّهامِيّ مِنْجَلُ تَقَاكَ بكَعْبٍ وَاحد وتَلَذُّهُ ... يَدَاكَ إِذا ما هُزَّ بالكَفّ يَعْسِلُ يقول كأَنّ كِعَابَه كَعْبٌ وَاحدٌ، لصَلاَبته واسْتِوَائهِ يَعْسِلُ: يضطرب. وما أحسنَ ما قَالَ حَبِيبُ بنُ أَوْسٍ الطّائِيّ: أَنْهَبْتَ أَرْوَاحَها الأَرْمَاحَ إِذْ شُرِعَتْفما تُرَدُّ لِرَيْبِ الدَّهْرِ عنْه يَدُ كأَنَّها وهْيَ في الأَرْوَاحِ وَالِغَةٌ ... وفي الكُلَى تَجِدُ الغَيْظَ الذِي نَجِدُ مِن كُلِّ أَزْرقَ نَظّارٍ بلا نَظَرٍ ... إِلى المَقَاتِلِ ما في مَتْنِه أَوَدُ كأَنَّه كان تِرْبَ الحُبّ مُذْ زَمَنٌ ... فلَيْسَ يُعجِزُه قَلْبٌ ولا كَبِدً وله أيضاً: وأَخضرَ مُحْمَرِّ الأَعالِي يَزِينُهُ ... سِنَانٌ بحَبّاتِ القُلُوبِ ممتَّعُ مِن الَّلاءِ يَشْرَبْنَ النَّجِيعَ من الكُلَى ... غَرِيضاً ويَرْوَى عَرُّهنّ فيَنْقَعُ ولعُبَيدِ الله بن مَسْعود: وأَصمِّ الكُعُوبِ أَسْمَرَ لَدْنٍ ... يَتَثَنَّى كالحَيَّة المُنْسابِ زَاعِبيّ سِنَانُه يَنْهَبُ الأَنْ ... فُسَ من أَهْلِها غَدَاةَ النِّهَابِ ولغيره: ولَدْنٍ تَغَارُ عليه العَروسُ ... إِذَا مَا تَثَنَّى بحُسْنِ القَوَامِ له مُقْلَةٌ كُحِلَتْ بالسَّعِيرِ ... فأَعْجِبْ به ناظِراً عن ضِرَامِ ولابن المعتزّ: وَفِتْيان صِدْقٍ يَحُشُّونَها ... بزُرْقِ الأَسِنَّةِ فَوْقَ القَنَا كغَابٍ تَحَرَّقُ أَطْرافُهُ ... عَلى لُجّةٍ من حَدِيدٍ جَرَى وقلْتُ: ومُقَوَّمٌ تَهْتَزُّ أَعْطَافُ الرَّدَى ... في هَزِّهِ بيَدِ الحِمَامِ مُثَقَّفُ خَرِسٌ مَتى شَهِدَ الوَغَى بلِسَانِهِ ... نَطَقَتْ بحُجَّتِهِ المَنَايَا العُكَّفُ يَرْنو إِلى حَبِّ القُلُوبِ بمُقْلَةٍ ... زَرْقَاءَ أَرْمدَها الرَّدَى ما تَطرِفُ صَادٍ مَتى يَرِدِ النُّفوسَ يَجِدْ بها ... رِيّاً وتُصْدِرُهُ المَنايَا يَرْعُفُ ولدِعْبِلِ بن عليّ الخُزَاعيّ: وأَسْمَرٍ في رَأْسِه أَزْرَقٌ ... مِثْلُ لِسَانِ الحَيَّةِ الصَّادِي ولغيرِه: ومُثَقَّفٍ كالأُفْعُوانِ تَخَالُهُ ... يُبْدِي التَّثَاؤُبَ عن لَهِيبِ ضِرَامِ وهذا منقول من قَوْلِ أَحمَدَ بن محمّدٍ المَصّيصيّ: كأَنَّمَا حَيَّةٌ فَزْعَانُ في يَدِهِ ... أَبْدَى التَّثاؤُبُ مِنْه عَن سَنَا لَهَب في القِسِيِّ والسِّهام ممّا يُستجاد ويُقَدَّم في ذلك قَوْل أَوس بن حَجر: ومَبْضُوعَةً مِنْ رأْسِ فَرْعٍ شَظِيَّةً ... بِصَوْدٍ تَرَاه بالسَّحابِ مُكَلَّلاَ فجَرَّدها صَفْرَاءَ لا الطُّولُ عابَها ... ولا قِصَرٌ أَزْرَى بها فتُعَطَّلاَ كَتُومٌ طِلاَعُ الكفِّ لا دون مَلْئِهِا ... ولا عَجْسُها عن مَوْضعِ الكَفّ أَفْضَلاَ إِذَا ما تَعاطَوْها سَمِعْت لصَوْتها ... إِذَا أَنْبَضوا عنها نَئِيماً وأَزْمَلاَ

وإِن شُدَّ فِيها النَّزْعُ أَدْبَرَ سهْمُنا ... إلى مُنتَهىً من عَجْسِها ثُمَّ أَقبَلاَ ويصف السِّهام فيقول: وحَشْوَ جَفِيرٍ من فُرُوعٍ غَرَائبٍ ... تَنطَّع فيها صَانعٌ وتَأَمَّلا تُخُيِّرْنَ أَنْضاءَ ورُكِّبْنَ أَنصُلاً ... كجَمْرِ الغَضَا في يَوْمِ رِيحٍ تَزَيَّلاَ فلمَّا قَضَى مِنْهُنَّ في الصُّنْعِ نَهْمَةًفلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تُسَلَّ وتُصْقَلاَ كَسَاهُنَّ مِن رِيشٍ يَمَانٍ ظَوَاهِرٍ ... سُخَاماً لُؤاماً لَيِّن المَسِّ أَطْحَلاَ يَخُرْنَ إِذَا أُنْفِزْنَ في ساقِط النَّدَى ... وإِن كانَ يَوْماً ذَا أَهاضيبَ مُخضِلاَ خُوار المَطافِيلِ المُلَمَّعَةِ الشَّوَى ... وأَطلائِها صادَفْنَ غَرْثَانَ مُثْقَلاَ وقولُ الشَّنْفَري: وإِنِّي كَفاني فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِياً ... بِنُعْمَى ولاَ فِي قُرْبِه مُتَعلَّلُ ثَلاثَةُ أَصحاب فُؤَادٌ مُشَيَّعٌ ... وأَبْيَضُ إِصْلِيتٌ وصَفْرَاءُ عَيْطَلُ هَتُوفٌ من المُلْسِ المُتُونِ يَزِيُهَا ... رَصَائعُ قد نِيطَتْ إِليها ومِحْمَلُ إِذَا زَلَّ عَنْهَا السَّهْمُ حَنَّت كأَنّهَا ... مُرَزَّأَةٌ ثكْلَى ترِنُّ وتُعْوِلُ ويُسْتَجاد قول الشَّمّاخ: مُطِلٌّ بزُرْقٍ مَا يُدَاوَى رَمِيُّهَا ... وصَفْرَاءَ من نَبْعٍ عَليْهَا الجَلاَئزُ تَخَيَّرَهَا القَرَّاسُ من فرْعِ ضالةٍ ... لَها شَذَبٌ من دُونها وحَوَاجِزُ فما زال يَنْحُو كلَّ رَطْبٍ ويابِسٍ ... ويَنْغَلُّ حتّى نالَهَا وهو بَارِزُ وفيها: أَقَامَ الثِّقافُ والطَّرِيدةُ دَرْأَهَا ... كما أَخْرَجَتْ ضِغْنَ الشَّمُوسِ المَهَامِزُ إِذا أَنبَضَ الرَّامونَ عنها تَرنَّمتْ ... تَرَنُّمَ ثَكْلَى أَوجَعتْهَا الجَنَائزُ هَتُوفٌ إِذا ما خَالَطَ الظَّبْيَ سَهْمُها ... وإِنْ رِيعَ منها أَسْلَمتْهُ النَّوافِزُ كأَنّ عَلَيْهَا زَعْفَرَاناً تُمِيرُه ... خَوازِنُ عَطّارٍ يَمانٍ كَوَانِزُ إِذا سَقَطَ الأَنْدَاءُ صِينَتْ وأُشْعِرَتْ ... حَبِيراً ولم تُدْرَجْ عليهَا المَعَاوِزُ وأَنْشَدَ الرّيَاشيّ لأَعْرَابيّ في القَوْس: قد قَبضَتْ شِمالُه عليهَا وجَذَبَتْ يَمِينُه إِلَيْهَا تَحِنُّ في مَرْبُوعِ مَثْنوَيْهَا حَنِينَ ثَكْلَى فقَدَتْ اِبْنَيْها ولأَبي تمام: وإِذَا القِسِيُّ العُوجُ طَارَتْ نَبْلُهَا ... سَوْمَ الجَرَادِ تَسِيحُ حينَ تُطَارُ ضَمِنَتْ له أَعجَاسُها وتكَفَّلَتْ ... أَوْتَارُهَا أَن تُنْقَضَ الأَوْتَارُ وأَنْشَدَ الأَصمعي لسَيْف بن ذي يزَن في صفة النُّشّاب: هَزُّوا بَنَاتِ الرِّماحِ نَحْوَهُمُ ... أَعْوَجُهَا طائحٌ وأَقْومُهَا كأَنَّهَا بالفَضَاءِ أَرْشِيَةٌ ... يَخِفُّ مَنْقُوضُها ومُبْرَمُها ولأعْرَابيّ: وفي عُنُقي سيفُ حُسامٌ مهنَّد ... ومُرْهَفةٌ زْرْقٌ سِدَادٌ عُيورُها سَماحجُ أَشباهٌ على قَدِّ وَاحِدٍ ... تهرُّ أَعاديها وتَغْلِي قُدُورُها ولأَبِي كبير الهُذَليّ: مُسْتَشْعِراً تَحْتَ الرِّداءِ إِشَاحةً ... عَضْباً غَموضَ الحَدِّ غَيْرَ مُفَلَّلٍ ومَعَابِلاً صُلْعَ الظُّبَاتِ كأَنَّهَا ... جَمْرٌ بمَسْهَكَةٍ يُشَبُّ لمُصْطَلِي نُجُفاً بَذَلْتُ لهَا خَوَافيَ نَاهضٍ ... حَشْرِ القَوَادِمِ كاللِّفاعِ الأَطْحَلِ فإذا تُسَلُّ تَخَشْخَشتْ أَرْياشُها ... خَشْفَ الجَنُوبِ بيَابِسٍ من إِسْحلِ ولعتّاب بن وَرْقَاءَ: فحَطَّ عن مَنْكِبِهِ شِرْيَانةً ... مِمَّا اصْطفَى باري القِسِيِّ وانْتَقَى

في الدروع

أُم بَنَاتٍ عَدَّها صانِعُها ... سِتّينَ في كِنَانَةٍ ممَّا بَرَى ذاتَ رُؤُوسٍ كالمَصابِيح لهَا ... أَسَافِلٌ مِثْلُ عَرَاقِيبِ القَطَا ولابن طَبَاطَبَا: مَضى علىٌّ نحْوَ ميْدَانِه ... فِي فِتْيَةٍ رَاحَ بِهِمْ للنِّضالْ يا حُسْنَه والقَوْسُ في كَفِّه ... كالمُشْتَرِي أَشْرَقَ عنْد الهِلاَلْ وللحَلَبيّ في رامٍ: وقالُوا ذاك أَرْمى مَنْ رَأَيْنا ... فقُلْتُ رَأَيْتُم الغَرَضَ القَرِيبَا وهل يُخْطِي بأَسْهُمِه الرَّمَايَا ... ومَا يُخْطِي بمَا ظَنَّ الغُيُوبّا يُصِيب ببَعْضِها أَفْوَاق بعْضٍ ... فلَوْلاَ الكَسْرُ لاتَّصَلتْ قَضِيبَا بكُلِّ مُقوَّمٍ لمْ يَعْصِ أَمْراً ... له حتَّى ظَنَنّاهُ لَبِيبَا يُرْيِكَ النَّزْعُ بَيْنَ الفُوقِ منه ... وبَيْن رَمِيَّةِ الهَدَفِ اللَّهِيبَا في الدُّروع لمزَرِّدٍ: ومَسْفُوحةٍ فَضْفَاضةٍ تُبَّعِيَّةٍ ... وَآهَا القَتِيرُ تَجْتَوِيها المَعَابِلُ دِلاَص كظهْرِ النُّونِ لا يَستطيعُها ... سِنَانٌ ولا تِلْكَ الحِظَاءُ الدَّوَاخِلُ مُوَشَّحَة بَيْضاء دَانٍ حَبِيكُهَا ... لهَا حَلَقٌ بين الأَنَامِلِ فاضِلُ مُشهَّرَة تُحْنَى الأَصَابعُ نَحْوَها ... إِذَا جُمِعَتْ يَوْمَ الحِفاظِ القَبَائِلُ وَصَفَها أَنّها سابغةٌ، كما قال عَمْرُو بن مَعْدِ يكَرِبَ: وأَعْدَدْتُ للحَرْب فضْفاضَةً ... دِلاَصاً تَثَنَّى على الرَّاهِشِ وقال الأَصمعيّ: لئن أَجادَ في صِفَةِ الدِّرْع لقَد عابَ مَن يَلْبَسها، وذلك أَنّ الفُرْسانَ المَذْكورين لا يَحْفِلُونَ بسُبُوغِ الدِّرْع، وأَنْشَد: والدِّرْعُ لا أَبْغِي بها نَثْرةً ... كُلُّ امْرئٍ مُسْتَوْدَعٌ ما لَهُ أَي مَن قُدِّرَ عَلَيْه شْيءٌ أَصابَه. ورَوَى غيرُ الأَصمعي هذا البيت لابن الَّزيَّابة التَّيميّ: والدِّرْعُ لا أَبْغِي بها ثَرْوَةً ... كلُّ امْرِئٍ مُسْتَوْدَعٌ ماله أَي الدِّرْع لا أَبِيعها بمالٍ، يقول المالُ مُسْتوْدَعٌ عند النّاس، ودِرْعي عندي لا أَبيعها ولا أُضيعها، ولكنّي أُؤَدِّي فيها الأمانَة. وهذا مثَلٌ. وأَنشد الأَصمعيِّ للأَعشى: وإِذا تكون كِتيبةٌ ملْمومةٌ ... خَرْساءُ يَخْشَى الذَّائدُون نِهَالَهَا كُنْتَ المقدَّم غيْرَ لابِس جُنَّةٍ ... بالسَّيْف تَضرِبُ مُعْلِماً أَبْطالَهَا وعَلِمتَ أَنّ النَّفْس تَلْقَى حَتْفَها ... ما كان خالِقُها المَلِيكُ قَضَى لهَا وقال: لمّا أَنشد كثير بن عبد الرحمن عبدَ الملك بن مروان: على ابنِ أَبِي العاصِي دِلاصٌ حَصِينةٌ ... أجاد المُسَدِّي سَرْدها وأَذَالَها يَؤودُ ضَعيفَ القوْم حَمْلُ قَتِيرِها ... ويسْتَضْلِعُ الطِّرْفُ الأَشمُّ احْتِمالها قَال له عبد الملك: هلاّ قُلت كما قال الأعشى وإِذا تكون كتيبة ... الأبيات. فقال: يا أَمير المؤمنين، وصَفْتُك بالحَزْم، ووَصفَ الأَعشى صاحبه بالخُرْق، فقال عبدُ الملك: بل وَصَفَ صاحِبَه بالشجاعة والإِقدام، ووَصفْتَني بالجُبْن والإحجام. وما أَحسنَ ما قال أَوس بن حَجر: وأَمْلَس صُولِيّاً كنِهْيِ قرَارَةٍ ... أَحَسَّ بقاعٍ نفحَ رِيحٍ فأَجْفَلاَ كأَنّ قُرُونَ الشَّمْسِ بعْد ارتِفَاعِها ... وقد صَادَفَتْ طلْقاً من النَّجْم أَعزَلاَ تَردَّدَ فيه ضَوْءُها وشُعَاعُهَا ... فأَحْصِنْ وأَزْيِنْ لامْرِئٍ أَن تَسَرْبَلاَ وقال أَبو عبيدة: أَحسُ ما قِيل في صِفةِ الدُّروع: وبِيضٍ من النَّسْج القدِيم كأَنَّهَا ... نِهاءُ نقِيعٍ مَاؤُه مُتَرَافِعُ تُصَفِّقُها هُوجُ الرِّياحِ إِذا جَرَتْ ... وتعْقُبُهَا الأَمْطارُ فالماءُ راجِعُ وللجُميْح الأَسديّ واسمه مُنْقِذ:

في السلاح مجملا

مُدَّرِعاً رَيْطةً مضاعفةً ... كالنهِي وفَّى سَرَارَهُ الرِّهَمْ ولمُعقِّر بن قَيْس: وخَيْلٍ قدْ دَلَفتُ لهَا بِخَيْلٍ ... عليها الشُمْطُ من أَولادِ عَبْسِ علَيْهمْ كُلُّ سابِغةٍ دِلاَصٍ ... كأَنّ قتِيرَها حَدَقُ ابنِ عِرْسِ ولعبد الله بن سلام: ولم تَر يحيى فوقَه تُبَّعِيّةٌ ... تَرُدُّ غِرار السَّيْفِ والسَّيفُ قاضِبُ تقارَبَ منها السَّرْدُ حتّى كأَنّما ... تَخازَرُ فيهَا بالعُيُون الجَنادبُ هذا البيتُ حَسنُ المعنى، لأَنّ أَكثر من وَصَفَ الدُّروعَ شَبَّهَها بحَدَق الجَرادِ، والجَنَادِبُ ضَرْبٌ منها، ولم يَرْضَ هذا حتّى قال تخازَرُ أَلف والتخازُرُ تصْغِير العَيْن، فجعلَها مِثل عُيُونِ الجَرَادِ المصغَّرة، وهذا إِغراقٌ في الوَصْف. في السِّلاح مُجمَلاً قال امرؤ القَيس: ومُطَّرِداً كرِشَاءِ الجَرو ... رِ من خُلُبِ النَّخْلةِ الأَجْرَدِ وذا شُطَبٍ غامِضاً كَلْمُه ... إِذَا صَابَ بالعَظْم لم يَنْأَدِ ومشْدودةَ السَّكِّ مَوْضُونةً ... تَضاءَلُ في الطَّيِّ كالمِبْرَدِ تَفِيضُ على المَرْءِ أَرْدَانُها ... كفَيْضِ الأَتِيِّ على الجَدْجَدِ ولعَوْف بن الخَرِع: أَعْدَدْتُ للأَعداءِ مَوْضونَةً ... فَضْفاضةً كالنِّهْي بالقَاعِ أَحفِزُها عنّي بذِي رَوْنقٍ ... مُهنَّدٍ كالمِلْحِ قَطّاعِ صَدْقٍ حُسَامٍ وَادِقٍ حَدُّه ... ومُجْنَإٍ أَسْمَر قرَّاعِ ولزهير: ومُفَاضةٍ كالنِّهْي يَنُسِجُه الصَّبَا ... بَيْضاءَ كَفَّتَ فَضْلَهَا بمُهنَّدِ صَدْقٍ إِذا ما هُزّ أُرْعِشَ مَتْنُهُ ... عَسَلاَن ذِئبِ الرَّدْهةِ المستَورِدِ ولغيره: ولا تُوعِدَني إِنّني إِن تُلاقِني ... مَعِي مَشْرَفيٌّ في مَضارِبِه قَصَمْ ونَبْلٌ قِرَانٌ كالسُّيُوفِ سَلاَجِمٌ ... وفَرْعٌ هَتُوفٌ لا سَقِيٌّ ولا نَشَمْ ومُطّرِدُ الكعْبَينِ أَحْمرُ عاتِرٌ ... وذَاتٌ قتِيرٍ في مَوَاصِلِهَا دَرَمٌ مُضاعفَةٌ جَدْلاءُ أَو حُطَمِيَّةٌ ... تُغشِّي بَنَانَ المرْءِ والكَفَّ والقَدَمْ ولعبد قَيس: وأَصْبَحْتُ أَعْددْتُ للنّائبا ... تِ عِرْضاً نَقِيّاً وعَضْباً صقيلاَ ووَقْعَ لِسَانٍ كحَدِّ الحُسامِ ... ورُمْحاً طويلَ القّناةِ عَسُولاَ وسَابِغةً من جِيَادِ الدُّرو ... عِ تَسمعُ للسَّيف فيها صَليلاَ كماءِ الغَديرِ زَفَتْهُ الدَّبُورُ ... يَجُرُّ المُدَجَّجُ فيها فُضُولاَ وأَنشدنا الأَخفش الأعرابيّ، ورَواها أَبو تمّام في الحماسة لحَنِيفَة بن حُنَيٍّ: أَعْددْتُ أَخْرسَ للطِّعان ونَثْرةً ... زَغْفاً ومُطَّرِداً من الخِرْصَانِ وفُرُوعَ شَوْحَطةٍ كأَنّ نَذِيرَها ... في الكَفِّ عَوْلَةُ فَاقِدٍ مِرْنَانِ وسَلاجِماً صُلْعَ الرُّؤُوسِ كأَنَّهَا ... أَفْواهُ أَفْرِخةٍ من النِّغْرانِ والخَيْلُ تَعلمُ حين شَمَّصَها القَنَا ... وعَلاَ رَوَادِفَها النَّجِيعُ مَكانِي أَنْ لا أَفِرّ عنِ القِتالِ فأُزْدَهَى ... حتَّى أُرَوِّيَ صَعْدَتي وسِنَانِي ولآخرَ: أَعْدَدتُ بَيْضَاءَ للحُرُوب ومَصْ ... قولَ الغِرارَينِ يَفْصِم الحَلَقا وفَارِجاً نَبْعةً ومِلءَ جفِ ... يرٍ من نِصَالٍ تَخالُهَا وَرَقا وأَرْيحيّاً عَضْباً وذا خُصَلٍ ... مُخلَوْلِقَ المَتْنِ سابِحاً تَئِقَا يَمْلأُ عَيْنَيْك في الفِنَاءِ ويُرْ ... ضِيك عَفَافاً إِن شئْتَ أَو فَرَقا ولآخر: وبَيْضاءَ مِثْلِ النِّهْيِ رِيحَ ومَدَّهُ ... شَآبِيبُ غَيْثٍ يَحْفِشُ الأُكْمَ صائفُ

ومُطَّرِدٍ يُرْضِيكَ قبلَ ذَوَاقِهِ ... ويَمْضِي ولا ينْآدُ فيما يُصادِفُ ولعَمرو بن مَعد يكربَ: أَعْدَدْتُ للحَدَثانِ سابِغةً وَعَدّاءً عَلنْدَى نَهْداً وذَا شُطَبِ يَقُدُّ البَيْضَ والأَبْدانَ قَدّ؟ اً وعَلِمْتُ أَنّي يوم ذاك مُنَازِلٌ كَعْباً وسَعْدَا قَوْماً إِذا لَبِسوا الحَدِيدَ تنمَّروا حَلَقاً وقِدَّا كلُّ امْرِئٍ يَجْرِي إلى يَوْمِ الهِيَاجِ بما اسْتَعَدَّا ولبعض العرب: سِرْنا إِليهِمْ بكُلِّ سَلْهبةٍ ... وكَلِّ صافِي الأَدِيمِ كالذَّهَبِ وكُلِّ عَرَّاصةٍ مُثقَّفَةٍ ... فيها سِنَانٌ كشُعْلةِ اللَّهَبِ وكلِّ عَضبٍ في مَتْنِهِ أُثُرٌ ... ومشْرفيّ كالمِلْحِ ذِي شُطَبِ وكلِّ فَضْفاضةٍ مُضَاعَفةٍ ... من نَسْجِ داوودَ غيْرِ مُؤْتشَبِ ولحسان بن ثابت: وقد أَروحُ أَمامَ الحَيِّ مُنْطَلقاً ... بصارمٍ مثْلِ لَوْنِ المِلْحِ قَطّاعِ يَدْفَعُ عني ذُبابَ السَّيْفِ سابِغةٌ ... مَوّارةٌ مثْلَ جَرْيِ النِّهْيِ بالقَاعِ في فِتْيةٍ كسُيُوفِ الْهِنْدِ أَوْجُهُهُمْ ... لا يَنْكُلُون إِذا ما ثَوَّبَ الدَّاعِي وأَنشدَ حسّان هذه الأَبْياتَ رسُولَ الله صلَّى الله عليه وعلى آله، فتبسَّم، فظنّ أَنّ تَبسُّمَه مِن وَصْفه معَ ما هُو عليه من جُبْنِه فذَكر الزُّبيرُ أَنّ قَوْمه يدْفعُون أَنْ يكون جَباناً، قالُوا: ولكِن أَقعده عن الحرْبِ أَنّ قَوْمه يدْفَعُون أَنْ يكون جَباناً، قالوا: ولكِن أَقعده عن الحرْبِ أَنّ أَكْحلَه قُطِع، فذَهب منه العَملُ في الحرب، وأَنشدوا قَوْل حسّان: وقدْ كنتُ أَشْهدُ وَقْعَ الحُرو ... ب يَحْمَرُّ في كَفِّيَ المُنْصُلُ وَرِثْنَا من المجْدِ أُكْرومةً ... يُوَرِّثُهَا الآخِر الأَوَّلُ أَضَرَّ بجسْمِيَ مَرُّ الدُّهورِ ... وخَانَ قِرَاعَ يَدِي الأَكْحَلُ وقال محمد بن يزيد: وقيل: الدّلِيلُ على أن حسّاناً لم يكن جباناً من الأصل أَنّه كان يُهَاجِي خَلْقاً، فلم يُعَيِّرْه أَحدٌ منهم بالجُبْن. ولعبد الله بن المُعْتزّ: د وسُيوفٌ كأَنَّها حينَ هُزَّتْ ... وَرَقٌ هَزَّهُ سُقُوطُ القِطَارِ ودُروعٌ كأَنَّها شَمطٌ جَعْ ... دٌ دَهِينٌ تَضِل فيه المَدَارِي وسِهامٌ ترْدِي الرَّدَى من بعِيدٍ ... وَاقِعاتٌ مواقِعَ الأَبْصارِ وله أيضاً: بحيْثُ لا غَوْثَ إِلاّ صارِمٌ ذَكَرٌ ... وجُنَّةٌ كحَبَابِ الماءِ تَغْشانِي وصَعْدَةٌ كرِشَاءِ البِئْر ناهِضةٌ ... بأَزْرقٍ كاتِّقادِ النَّجْمِ يقْظَانِ وله أَيضاً: وقدْ أْلاقِي بَأْسَ العُداةِ بصَمْ ... صامٍ رَسُوبٍ كالنَّار تَتَّقِدُ وعاسِلٍ كالشُّعَاع ماضِ إِلى ال ... نَّفْسِ ودِرْعٍ كأَنّه الزَّبَدُ ونَبْعةٍ لا يفُوتُ هارِبُها ... وقَارِحٍ بَعْدَ شدِّهِ يَعِدُ ولأَبي دُلَفَ: وفَضْفَاضَةٍ يُعْشى العُيُونَ قَتِيرُها ... تَرُدُّ شَبا سُمْرٍ القَنَا والقَوَاطِعا وسمْراءَ تَغْتالُ الثِّقَافَ جَلاَلةً ... وتُهْدِي لأَبْناءِ الحُروبِ القوَارِعَا قدِ اعْتَدَلَتْ أَطْرَافُهَا فكَسوْتُهَا ... سِناً كمِقْبَاسِ الشَّرَارةِ لاَمِعَا والمقدَّمُ المُسْتجادُ المشهورُ قولُ عمرو بن كُلْثُوم: عليْنَا البَيْضُ واليَلَبُ اليَمانِي ... وأَسْيَافٌ يَقُمْنَ ويَنْحَنينَا عليْنَا كُلُّ سَابِغةٍ دِلاَصِ ... تَرىَ فَوْقَ النِّجَادِ لها غُضُونا إِذَا وُضِعَتْ عن الأَبْطَالِ يَوْماً ... رأَيْت لها جُلُودَ القوْمِ جُونَا كأَنَّ مُتُونَهنّ مُتُونُ غُدْرٍ ... تُصَفِّقُها الرِّياحُ إِذا جَرينا وللحَلَبِيّ:

باب

فمتَى أَراكَ وفَوْقَ سَرْجِكَ أَجْدَلٌ ... يَسْعَى به نَحْوَ الكَرِيهةِ أَجْدَلُ وعليْك من نَسْجِ الحَديدِ مُفَاضَةٌ ... كالنِّهْيِ يَنْفَحُهُ الصَّبَا والشَّمْأَلُ مُتَوَشِّحاً لَدْنَ المَهَزِّ كأَنّما ... في جفْنِهِ منه شِهَابٌ يُشْعَلُ ويَداكَ تعْتَوِرَانِ مَتْنَ مُثَقَّفٍ ... لَهْفانَ مِن عَلَقٍ يُعَلُّ ويُنْهَلُ وللمتنبي في صِفةِ التَّجَافِيف بعد ذِكْرِه الجَيْشَ، وقد ذكرناه في مَوْضِعه: حوَاليْهِ بحْرٌ للتَّجافِيفِ مَائِحٌ ... يَسِيرُ به طَوْدٌ من الخَيْل أَيْهَمُ على كُلّ طاوٍ تحْتَ طاوٍ كأَنَّه ... من الدَّمِ يُسْقى أَوْ من اللَّحْم يُطْعَمُ لها في الوَغَى زِيُّ الفَوَارِس فَوْقَها ... فكُلُّ حِصَانٍ دارِعٌ مُتَلَثِّمُ بابٌ في اختيار قطعةٍ من أَيّام العَرَب وما في وَقائِعهَا من العَجَب أَيّامُ العرب كثيرة، ولها وقَائعُ مشهورةٌ طويلةٌ، تَركناها لِطُولها وشهرتها، واقتنَعْنا بذكر ثلاثين يوماً من أَيّامها. فأَمّا المشهورةُ الطَّوِيلةُ منها فَوقائعُ بَكْرٍ وتَغْلب ابْنَى وائلٍ في حرْب البَسُوس، وتُسمِّيها العربُ البَتْراءَ، لأَنّها أَقلعَتْ عن غير تَكافُؤٍ في الدِّماءِ، ولا عَقْلٍ، ودامتْ أَربعين سنةً، في قول جميع الرُّواة. ووَقائعُ عَبْسٍ وذُبْيَان في حَرْب دَاحِسٍ والغَبْراءِ، وتُسمِّيها العربُ الكرِيمة، لأَنّها أَقْلعتْ عنْ عَقْلٍ وتَكافُؤٍ في الدِّماءِ، ودامَت الحربُ بينَهم أَربعين سنةً، في قول المُكثِرين من الرُّواة، وبِضْعةً وعشرِين سنة، في ... ول المقلِّلين منهُم. ووَقائعُ الأَوس والخزْرَج، ودامتْ سِتّين سنةً، ولم تكن كحروب هؤلاءِ في الشِّدّة ولَفِّ الخَيْلِ بالخيْل، وإِنما كانت تَخرُجُ الجَماعةُ إِلى الجماعةِ، فيَتَرَامُون بالحِجارة، ويتضَاربُون بالعِصِيّ، لِقُرب دارِ بعضِهم من بعضِ، وربما تَزاحفُوا بالسِّلاح. ولحروب هؤلاءِ أحاديثُ يَدْخلُ كلُّ وَاحدٍ منها في أَكْثَرَ من جُزْءٍ من أَجزَائنا، فتركناها لهذِه العِلّة. يَومُ جَدُودَ وهو يَوْمٌ لبني سعدٍ على بني شَيبانَ، وفيه مَقتلُ شِهَاب بن قَلَع بن جَحْدرٍ، جدّ المَسَامِعَة، قتَلَه مالكُ بن مَسْروق بن غَيلانَ الرُّبَيْعِيّ

خرجَ الحارِثُ بن شَرِيكٍ، وهو الحَوْفَزَانُ، في بني شَيْبان وأَفنَاءِ بكْرِ بن وَائِلٍ مُتَسانِدِين، على كلّ حَيٍّ منهم رئيسٌ؛ على بني قَيس بن ثعْلَبة حُمْرَان بن عَبْدِ عمْرِو بن بِشْرِ بن عمْرِو بن مَرْثَدٍ. وعلى بني تشيبان الحارِثُ شرِيك، وعلى بني عِجْلٍ أَبْجرُ بن جابِرٍ فساورا يُرِيدُون الغارَة على بني يرْبُوعٍ، فنذِرتْ بهم بنو يَرْبُوع، فحالُوا بينهم وبين الماءِ، وكان بيْن الحوْفزَانِ وبين عُتَيبة بنِ الحارِث بن شِهَاب اليرْبُوعِيّ مُوَادَعةٌ، فقال الحَوْفزَانُ: يا بني يَرْبُوعِ، واللهِ ما لَكم سَمَوْتُ فهل لكم في خَيْرٍ؟ نُصالِحُكُم على ما مَعَنا من الثِّيَاب والتَّمْر، وتُخلُّون سبِيلَنَا، ونَعْقِدُ على أَن لا نُروعَ حَنظَلِياً فصالَحوهم، وأَخذُوا منهم الثيابَ والتَّمْرَ وسارتْ بكرُ بن وائلٍ فأَغَارُوا على بني رُبَيعِ بن الحارث بن عَمْرٍو بن كَعْب بن سَعْدٍ، وهم خُلُوفُ فأَصابوا نَعَماً وسَبْياً، فأَتَى الصَّريخُ بني مِنْقَرٍ، فركبوا في طلَب القَوْم، فلحقوهم وهم قائلون، قد أَمِنوا من الطَّلَب، فكان أَوّلَ من لحَقَ بهم الأَهتمُ بن سُمىٍّ، فرفَع الحَوْفَزانُ رأسه، فإذا الأَهتَمُ قريبٌ منه، قال الحوفزانُ: من الرجلُ؟ فقال الأهتمُ: لا بلْ من أنت قال: أَنا الحارث بن شَرِيكٍ، وهذه بنو رُبَيْعٍ قد حَوَيْتُهَا، قال الأَهتمُ: وأَنا الأَهتمُ بن سُمَيٍّ وهذا الجيْشُ. ونادَى الأَهتمُ: يالَ سعد، ونادَى الحَوفزانُ يالَ وائلٍ، ولحقتْ خَيلُ بني سعدٍ، فقاتَلوا القومَ قتالاً شديداً، وقتل من الفريقين، ثم إن بكر بن وائل انهزمتْ، واستنقذَتْ بنو سَعْدٍ أَمْوَالَهم، ولحقَ مالكُ بن مسروقٍ الرُّبيْعِيّ شِهَابَ بن قَلَع بن جَحْدَرٍ وابنَ عمٍّ له معه، فقال مالكٌ لشهاب: من أنت؟ فقال: أَنا شِهابُ بن جَحْدَرْ ... أَطعنُهم عِنْد الكرّ تحت العجاج الأَكْدرْ ومعه العِدْلُ رجلٌّ من قومه فقال مالكُ مجِيباً له: وأَنا مالك بن غَيلانْ ... معِيْ سِنانٌ حرّانْ وإِنما جِئتُ الآنْ ... أقسَمْتُ لا تَؤُوبانْ حتّى يَؤوبَ العِدْلانْ فحمَلَ على شهابٍ، فقَتله ثَم حملَ على ابن عم له آخر فقتله وأَسرَ الأَهْتَمُ بن سُمَيٍّ حُمْرانَ بن عَمرو، وأَسَر المنذر بن مُشَمِّتٍ المِنْقَرِيُّ أَحدُ بني جَرْوَلٍ عَوْفَ بن النُّعمان الشَّيبانيَّ. وأَسرَ فَدَكيٌّ بنُ أَعْبَد، أَبْجَرَ بنَ جابِرٍ. وأَدْرَكَ قيسُ بن عاصِمٍ الحارثَ بنَ شَرِيكٍ، والحَارثُ على فرسٍ لَه يُدعى الزَّبِدَ وقَيْسٌ على فَرسٍ صغير السِّن فكان فَرسُ الحوفَزَانِ إذا استَوَت بهما الأَرضُ لَحِقَه قَيْسٌ فيقول: اسْتَأْسِرْ حارِ خَيرَ أَسِيرٍ، فيقول الحارِث: ما شاءَ الزّبِدُ، وإِذا عَلَوْا ظَهْراً من الأَرض فاتَهُ الحارِثُ، لسِنّ فرسهِ وقُوَّتِه، فلمّا تَخوَّفَ قَيْسٌ أَن يَفوتَه، زَرَقه برمحه زَرْقَةً هَجَمتْ على جَوْفِه وأَفلَت بها فسُمِّي الحارثُ الحَوفزانَ، فقال في ذلك سَوّارُ بن حَيّانُ المنقَرِيّ: ونَحْنُ حَفَزْنَا الحَرْفَزَانَ بطَعْنةٍ ... سَقَتْه نَجِيعاً من دَمِ الجَوْفِ أَشْكَلاً وحُمْرَانُ أَدَّتْه إِلَيْنَا رِمَاحُنَا ... يُعَالِجُ غُلاًّ في ذِرَاعَيْه مُقْفَلاَ وقالَ صَعْصَعَةُ بن مالِكٍ في ذلك: وإِنْ تَسْأَلِ الحَيَّ مِنْ مالكٍ ... تُخَبِّرْكَ ذُهْلٌ وشَيْبَانُهَا بوَادِي جَدُودَ وقد بُوكِرتْ ... بضَيْق السَّنَابكِ أَعْطَانُهَا بأَرْعَنَ كالطَّوْدِ من وَائلٍ ... يَرُومُ الثُّغورُ ويَعْتانُها تكادُ له الأَرْضُ من رِزِّهِ ... إِذَا سَارَ تَرْجُفُ أَركانُهَا قَدَامِيسُ يَقْدُمُها الحوَفَزانُ ... وأَبْجَرُ تَخْفِقُ عِقْبَانُهَا أَقَمْنَا لهمْ سُوقَ مَلْمُومَةٍ ... يُدِيرُ رَحَا الحَرْبِ فتْيانُهَا بمَشْهُورَةٍ جُرِّبَتْ قَبْلَهُمْ ... تَوَقَّدُ في الحَرْب شُهْبَانُهَا فأَلْفَوْا لنَا كلَّ مَجْدُولةٍ ... تُصَانُ لِدَاوُودَ أَبْدَانُهَا

يوم أبايض

وكلَّ شَدِيدِ مَجَالِ الذَّنُوبِ ... شَدِيدِ قَرَى المَتْنِ عُرْيَانُها وقال الأَهْتَمُ بن سُمَيٍّ في ذلك: تَمَطَّتْ بحُمْرَانُ المَنِيّةُ بَعْدَمَا ... حَشَاهُ سِنَانٌ مِن شُرَاعَةَ أَزْرَقُ دَعَا يالَ قَيس وادَّعَيْتُ لمِنقَرٍ ... وكُنْتُ إِذَا لاقَيْتُ في الحَرْبِ أَصْدُقُ ثمّ إِنّ الأَهْتَمَ جَزَّ ناصيةَ حُمْرَانَ، ومَنَّ عليه. ففي ذلك يقُولُ الفَرَزدقُ: أَينْسَى بَنُو سَعْدٍ جَدُودَ التّي بها ... خَذَلْتم بني سَعْدٍ على شَرِّ مَخْذَلِ عَشِيَّةَ وَلَّيْتمْ كأَنَّ سُيوفَكمْ ... ذَآنِينُ في أَعْنَاقِكُم لم تُسَلَّلِ وشَيْبَانُ حَوْلَ الْحَوْفَزانِ مُوائِلٌ ... مُنِيفٌ بزَحْفٍ ذي زَوَائدَ جَحْفَلِ دَعَوْا يالَ سَعْدٍ وادَّعَوا يالَ وَائِلٍ ... وقدْ سُلَّ مِن أَغمادِها كلُّ مُنْصُلِ قَبِيلَيْنِ عنْدَ المُحصَنَاتِ تَصاوَلُوا ... تَصاوُلَ أَعْنَاقِ المَصَاعِبِ مِنْ عَل وفي ذلِك يقولُ قَيْسُ بن عاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ: جَزَى اللهُ يَرْبُوعاً بأَسْوَإِ سَعْيِهَا ... إِذَا ذُكِرَتْ في النّائباتِ أُمُورُهَا ويَوْمَ جَدُودٍ قدْ فَضَحْتُمْ أَباكُمُ ... وسَالَمْتُمُ والخَيْلُ تَدْمَى نُحُورُهَا فأَصْبَحْتُمُ واللهُ يَعْلَم ذاكُمُ ... كمَهْنُوءةٍ جَرْبَاءَ أُبْرِزَ كُورُهَا ستَخْزِمُ سَعْدٌ والرِّبَابُ أُنوفَكم ... كما غَاطَ في أَنْفِ الظَّؤُورِ جَرِيرُهَا أَفَخْراً علَى المَولَى إِذَا ما بَطِنْتُمُولُؤْماً إِذَا ما الحَرْبُ شُبَّ سَعِيرُهَا أَتانِي وَعِيدُ الحَوْفَزَانِ ودُونَه ... مِن الأَرْضِ صَحْراوَاتُ فَلْجِ وقُورُهَا أَقِمْ بسَبِيلِ الحيِّ إِن كُنْتَ صادِقاً ... إِذَا حَشَدَتْ سَعْدٌ وثَابَ نَفِيرُهَا عَصَمْنَا تَمِيماً في الحُرُوبِ فأَصْبَحَتْ ... يَلوذُ بِنا ذُو مالِهَا وفَقِيرُهَا وقال مالكُ بن نُوَيْرَةَ اليَرْبوعيُّ يَرُدُّ على قَيْس بن عاصمٍ: سأَسْأًلُ من لاقَى فَوارِسَ مِنْقَرٍ ... رِقَابَ إِمَاءٍ كَيْفَ كانَ نَكِيرُهَا وكُنْتُمْ بَغَاثاً إِذْ لَقِيتُمْ نِدَادَكمْمِنَ القَوْم ضَأْناً لا بنِ كُوز عُشُورُهَا فَهذا أَوَانُ القَدْعِ بَيْنِي وبَيْنَكمْ ... كَوَادِنَ جُنْدٍ نَفَّلتْها أَيورُهَا مَجُوسِيّةٌ كَعْبُ بن سَعْدٍ ويَنْتهِي ... إِلى بَيْتِ قَيْسٍ غَدْرُهَا وفُجُورُها ؟ يَومُ أَبَايِضَ وهو يومٌ لبَكْرِ بن وائلٍ على بني تَمِيم، قَتلَتْ فيه طَرِيفاً بشَرَاحِيلَ، حين قَتَلَه ابنُه حُمَيْصِيصَة بن شَرَاحيل. وقُتِل أَبو الجَدْعاءِ الطُّهَويُّ، قَتَلَه سَعْدُ بن عُبَادِ بن مَسْعُودٍ. كانتِ العَرَبُ في الشَّهْر الحَرَام تأْتِي عُكَاظَ، وقد أَمِنَ بعضُهُم بَعْضَاً، وهم مُتَقَنِّعون، كيلا يُعرفوا، وكان طَريفُ بن عمرِو بن تميم العنبرِيُّ لا يَتَقَنَّعُ، فوَافَى عُكاظَ سنةً، وقد حَشَدَتْ بكرُ بن وائلٍ، وكان طَرِيفٌ قد قَتلَ قَبْلَ ذلك شَرَاحِيلَ الشَّيبانيَّ، من بني أَبي رَبِيعةَ بنِ ذُهْلِ بن شَيْبانَ، فقال حُمَيْصِيصَة بن شَرَاحِيل: أَرُوني طَرِيفاً، فأَرَوْهُ إِيّاه، فجعل كُلَّما مَرَّ به طَرِيفٌ تَأَمَّلَه ونَظَر إِليه، حتَّى فَطَنَ له طَرِيفٌ، فقال: مالَك تَنْظُرُ إِليَّ؟ قال: أَتوَسًّمُك لأَعْرِفَكَ، فإِن لَقِيتُك في حَرب فلِلّهِ عليَّ أَنْ أَتتُلك أَو تَقْتلَني، فقال في ذلِك: أَوَ كُلَّما وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلةٌ ... بَعَثُوا إِليَّ عَرٍفَهُم يَتَوَسَّمُ فتَوَسَّموني إِنّنِي أَنا ذَاكُمُ ... شَاكٍ سِلاَحِي في الحَوادِث مُعْلَمُ تَحْتِي الأَغرُّ وفَوْق جِلْدي نَثْرَةٌ ... زَغْفٌ تَرُدّ السَّيْفَ وَهْوَ مُثَلَّمُ ولكُلّ بَكْرِيٍّ لَدَيَّ عَدَاوَةٌ ... وأَبو رَبِيعَةَ شانِئٌ ومُحَلِّمُ

حَوْلي أُسَيِّدُ والهُجَيْمُ ومَازِنٌ ... وإِذَا حَللْتُ فحَوْلَ بَيْتِي خَضَّمُ وجَرى بينَ بَني أَبي رَبيعةَ بن ذُهْلٍ وبين بني مُرَّة بن ذُهْلٍ خُلْفٌ، بِسببِ حُلَفاءَ لهم يقال لهُم بنو عائِذةَ بنِ لُؤَيٍّ، فإنْمَا زَت بنو أَبي ربيعة مع سيدها هانئ بن مسعودٍ، وسارُوا عنهُم حتى نَزَلُوا على ماءٍ لهُمْ يقال له مُبَايض، فهرَبَ عَبدٌ لهُم، فأَتَى بِلادَ تَمِيم، فأَخْبَرَهم فقال: إِنّ حَيّاً حَرِيداً من بَكْر بن وَائِلٍ، وهم بنو أَبي رَبِيعَةَ، قد نَزَلوا على مُبايِض. فلمّا تحقَّقوا ذلك قال طَرِيفٌ: هؤلاءِ ثَأْرِي، ومَن كنتُ أَبْغِي، يالَ تَمِيمٍ إنما هم أَكلَةُ رأْسٍ. وأَقبلَ في بني عمرِو بن تَمِيمٍ واستَغْوَى قبائلَ من تميمٍ، فأَتَاه أَبو الجَدْعاءِ الطُهَوِيّ في بني طُهَيَّة وفيمن تبعَه من بَنِي حَنْظَلَة، وفَدَكِيُّ بن أَعْبَدَ فيمن تَبِعَه من بَني سَعْد بن زَيْدِ مَناةَ، فأَقْبَلُوا مُتَسانِدين، حتّى إذا كانوا قريباً منهم باتُوا ليُصَبِّحوهُم بالغَارَة، فبَصُرت بهم أَمَةٌ كانَت تَرْعَى لرجلٍ من بني عائذةَ يقال له سُميرُ بن أَحْمَرَ، فقالت لمَولاهَا: لقد رأَيتُ بالدَّوِّ نَعَماً كثيراً، فقال: يا بنِي أَبي رَبيعة، من أَي الوَجْهِ سَرَحَ نَعَمُ عُبَادِ بن مسعُود؟ فَقَالُوا من هذا الوَجْه خِلافَ الوَجْهِ الذي جاءَتْ منه الجَارِيةُ فقال: يا هؤلاء، قد واللهِ جَاءَتْكم تميمٌ، فارْتَئُوا رأْيَكُم، وانْظُروا في أَمركم. فاجْتَمَعُوا إِلى سَيّدهم هانئٍ فقال لهم: أَطِيعُوني اليومَ وإِلاّ انْتَحَيْتُ على ظُبّةِ سَيفي. فقالوا له: قُلْ نُطِعْكَ. قال: احْتَمِلُوا. فاحتَمَلوا. ثمّ قال: لا يَتَخَلَّفَنّ عنّي أَحدٌ يُطيقُ حَمْلَ السِّلاح، فأَتَوهُ، فانْتَهَى بهم إِلى عَلَم مُبَايِض، فأَقَام عليه بهِم، وأَمرَهُم فشرَّقُوا بالأَمْوَال والسَّرْح، وصَبّحتْهُم بنو تَمِيم وقد حَذِروا فقال طَرِيفٌ لبني تميم: أَطِيعُوني وافرُغُوا من هؤلاءِ الأَكْلُبِ يَصفُ لكم ما وراءَكم. فقال أبو الجدعاءِ وفَدَكِيُّ بن أَعْبَدَ: نُقَاتِلُ أَكْلُباً أَحْرَزوا أَنْفسَهم ونَدَعُ أَموالَهُم؟ ما هذا برَأْيٍ. وخالَفُوه، وقال هانِئٌ لأَصحابه: لا يُقاتِلَنّ رَجُلٌ منكم. ومَضَتْ بنو تميمٍ حتى لَحقَتْ بالنَّعَم والعِيَال، فقل رجلٌ من بني تميم لغلامَيْن لَحِقَهما من بَكْر بن وائل على جَمَلٍ: مَن أَنتُما؟ فقالا: ابنَا هانئ بن مسعودٍ، قَبِيصَةٌ وعامِرٌ، فقال: ناوِلاني أَيْدِيَكما، فأَمّا قَبِيصةُ فأَبَى. وناوَلَه عامِرٌ يَدَه، فضَبَطَها وغَمزَ فرسَه فاقتلَعَهُ عن الجمَل وقال: يَكْفِينِي هذا من الغنيمَة، ومضَى به قَبْلَ القِتَال، وصارَتْ بنو تميمٍ في النَّعَمِ والعِيَالِ، وهانئٌ يكفُّ أَصحَابَه عن القِتال، فكان أَوّلَ من مَرَّ به حَمُولَةُ عُبَادِ بن مسعودٍ ونَعَمُه، وفيها بَناتُه وحُرَمُه، فقال عُبادٌ لهانئٍ: واللهِ لتأْذَنَنَّ لي في القتال أَو لأَفْجُرَنَّ. قال: قد أَذنْتُ لك ولبَنِيكَ، ولستُ آذَنُ لغيرِكم. فنزَلَ عُبَادٌ من العَلَم في ثمانيةٍ من وَلَدهِ، فاعترَضوا القومَ، وقال عُبَادٌ لبَنِيه: لا تَنظُروا حيث يقَعُ السِلاحُ منكم، ولكن انْظُرُوا حَيُث تَضَعون سِلاحَكم من الرَّجُلِ، فأَوَّلُ من لَقُوا أَبو الجَدعاءِ الطُهَويّ وهو يَسُوقُ حَمُولَة عُبَادٍ وأَهْلَهُ، قال سعْد بن عُبَادٍ: فاعترضتُ أَبا الجَدْعَاءِ، وأَقْبَلَ نَحْوِي بسِنَانٍ كأَنَّه شُعْلَةُ نارٍ، فمارَ السِّنانُ بين عَضُدي ودَفّى، فذَكرْتُ وَصِيّةَ أَبي ورأَيتُ فَتْقَ الدِّرْع من تحْتِ لَبَّتهِ، فأَطْعُنُهُ في المَوْضِع طَعْنةً خَرَجَتْ من بين كَتفيه وخَرَّ ميتاً، وهربَ فَدَكيُّ بن أَعْبَدَ. وأَذِنَ هانئٌ للناس في القتال، فانْحَدَروا واعترضوا بني تميمٍ وقد تَشاغَلوا بالغَنائم، وأقبَلَ حُمَيْصِيصةُ بن شَرَاحِيلَ بنِ جَنْدَلِ بن قَتادَةَ بن مَرْثَد بن عامرٍ بن أَبي رَبِيعَة، وليس له هَمٌّ غير طَرِيف، فلما رَآهُ طَريفٌ قال: اذْكُرْ يمِينَك. واختلَفَا طَعْنَتَيْن، فطَعنَه حُمَيْصِيصة فقتَلَه، وانهزَمَتْ بنو تَميمٍ وقُتِلَ مِنْهم خَلْقٌ كَثِيرٌ، فقال أَبو مارِدٍ أَخو بني أَبي ربيعة:

يوم خوي

خاضَ العُدَاةَ إِلى طَرِيفٍ في الوغَى ... حُمَصِيصَةُ المِغْوَارُ في الهَيْجَاءِ وقال حُمَيْصِيصةُ يرُدُّ على طَرِيفٍ قوله: أَو كلَّمَا وردَتْ عكاظَ قبيلَةٌ ولقد دَعَوتَ طَرِيفُ دَعْوَةَ جَاهِلٍ ... سَفَهاً وأَنتَ بمنْظَرٍ قَد تَعْلَمُ وأَتَيْتَ حَيّاً في الحُروبِ مَحَلُّهم ... والجَيْشُ باسمِ أَبيهِم يُسْتَهْزَمُ فوَجَدْتَ قَوْماً يَمْنَعُون ذِمَارَهمْ ... بُسْلاً إِذَا هَابَ الفَوَارِسُ أَقْدَمُوا وإِذَا دعَوْا بأَبِي رَبِيعَةَ أَقْبَلوا ... بِكَتَائِبٍ دُونَ النّسَاءِ تَلَمْلَمُ سَلَبُوكَ دِرْعَك والأَغَرَّ كِلَيهِمَا ... وبَنُو أُسَيِّدَ أَسْلَمُوك وخَضّمُ وقالت ابنَةُ أَبي الجَدْعَاءِ تَرْثي أَباها، وتَذُمّ قومه ومن كان معه: ليَبْكِ أَبا الجَدْعاءِ ضَيْفٌ مُعَيَّلُ ... وأَرْمَلَةٌ تَغْشَى النَّدِيَّ فتَرْمُلُ ولوْ شَاءَ نَجَّاهُ من الخَيْل سابِحٌ ... جَمُومٌ على السَّاقَينٍ والسَّوْطُ مُفْضَلُ ولكنْ فَتىً يَحْمِي ذِمارَ أَبِيكُمُ ... فأَدْرَكَه مِن رَهْبَةِ العَارِ مَحْفِلُ دَعَا دَعْوَةً إِذْ جَاءَه ثَمّ مالِكاً ... ولم يَكُ عبدُ اللهِ ثَمَّ ونَهْشَلُ وغَابَتْ بنُو مَيْثَاءَ عنْه ولم يَكنْ ... نُعَيْمُ بنُ شَيْطَانٍ هُنَاك وجَرْوَلُ ولكِنْ دَعَا أَشْبَاهَ نَبْتٍ كأَنَّهُمْ ... قُرُودٌ على خَيْلٍ تَخُبُّ وتَرْكُلُ لقدْ فَجَعتْ شَيْبَانُ قَومِي بفَارِسٍ ... مُحَامٍ على عَوْرَاتِهِمْ لَيْسَ يَنْكُلُ وَجَدْتُم بني شَيْبَانَ مُرّاً لِقَاؤُهُمْ ... وكانَتْ بَنُو شَيْبَانَ ذلِكَ تَفْعَلُ وأَرْسَل هانئٌ بمائَةٍ من الإِبل، فافْتَكَّ بها ابنَهُ عامراً. يَومُ خُوَيٍّ وهو لقَيْسِ بن ثَعْلَبَةَ على بني يَرْبوعٍ وأَسَدٍ وفيه قُتِلَ يَزيدُ بن سَلمَةَ بن الحُمَّرةِ بن جَعْفَرِ بن يَرْبوع بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَةَ، قتلَهُ عَمْرُو بن حَسَّانَ وبِشْرُ بن عبدِ عَمرِو بن بِشْرِ بن مَرْثَدٍ.

سارَ عبدُ عَمْرِو بن بِشْر بن مَرْثَدٍ، حتى إذا كان بخُوَيٍّ عَرضَ له المُنْبَطِحُ الأَسَديُّ، في بني أَسَدٍ، وزَيْدُ الفَوَارِسِ بن حُصَيْن بن ضِرارٍ، في بني ضَبَّةَ، ويَزيدُ بن القُحارِيَةِ اليَرْبُوعيُّ، في بني يَرْبُوعٍ. وكانَت اجتمعَتْ هذهِ القبائلُ يوم النِّسارِ، واصطَلَحَتْ، فقالَت بنو قَيٍس. نحن مُجْتَازُون، ولَسْنَا نُرِيدُ الغَارَةَ، فخَلُّوا لنَا سَبِيلَنَا، وكان ضُبَيْعَةُ بن شُرَحْبِيلَ بنِ عَمْرِو بن مَرْثَدٍ أَسَرَ قبْلَ ذلِك اليومِ بِيَسيرٍ هَرْثَمَةَ بن الحُصَيْنِ، أَخا زَيْد الفَوَارسِ، فمن عليه واطلقه بلا فداء فلما عرف زيد الفوارس، بني قَيْسٍ اعتزَلَ بقَوْمه تَشَكُّراً لما كان منهم إلى أَخِيه، وشَدَّ يَزِيدُ بن سَلَمَةَ اليَرْبُوعِيُّ في بني يرْبُوع وبني أَسَد، على بني قَيْس بن ثَعْلَبَة، وكانت يَرْبُوعٌ وأَسدٌ تُضْعِفُ على بني قَيْسٍ في العَدَدِ، فاقتَتلوا قِتالاً شَدِيداً، ونادَى عبْدُ عَمْرِو بن بِشْرٍ ابنه بِشْراً وابنَ أخيه عَمْرَو بن حَسّانَ بن بِشْرٍ، وكانا يعرفان بالجَعْدَين، فقال لهما: والذي يُحْلَفُ به، لئن فاتَكما اليَوْمَ يَزِيدُ بن سَلَمَةَ، لم تأْسِرَاهُ، ولم تَقْتُلاهُ، إِنْ أَنا رُزِقتُ عليه الظَّفَرَ، لا تَرجِعَان معي جَمِيعاً أَبداً حتى أَقتُلَ أحدَكما. فاقتتَلوا - وزَيدُ الفَوارسِ واقفٌ ببني ضَبَّةَ سَحَابَةَ يَومهم - أَشدَّ قِتَالٍ يكونُ، فلما وَلَّى النَّهارُ وطالَ الشرُّ بينهم انهزمَتْ بنو أَسد، واتبعَتْهم يَربوعٌ، وولَّى يزيدُ بن سَلمةَ، فاتَّبعَهُ بِشْرُ وعَمْرٌو، ويَزِيدُ تَمَطَّرُ بهِ فَرَسُهُ، فخامَ عَمْروٌ أَن يَفُوتَه، فزَرَقَه بالرُّمح بين وَرِكَيْه زَرْقةً خالطَتْ بَطْنَهُ، فوقَع عن فَرَسَه، فأَسَرَهُ عَمْرٌو، وأَتى به عَبْدَ عَمروٍ، فقالَ زيد الفوارِسِ: يا عبد عَمْروٍ، إنه قد حَجَزَني عن نَصْرِ إخوَتي منذُ اليومِ يَدُكم عندي في أَسْرِ أَخي، وفي يَدِك سيّدُ قَوْمِه، يَعْنِي يَزِيدَ، فلَكَ به مائة من الإِبل ودَعْهُ، فقال يزيدُ: يا زيدُ لا تَفْدِني، فإِنّي ميّتٌ، وبالَ دماً. فعرفوا أَنَّه مَيِّتٌ وباتَتْ ضَبّةُ ناحِيةً وبنو قَيس بن ثعلبة ناحِيَةً، وكان قد أَصابَتْ وائلَ بنَ شُرَحْبيل بن عَمْرِو بن مَرْثَدٍ ثِنْتَا عشرةَ جِرَاحةً، فسَأَل ضُبَيْعَةُ بن شُرَحْبِيل زَيْدَ الفَوَارِسِ أَن يَتْرُكَه عندَه إِلى أَن يُعافَى من جِرَاحاته، ففَعلَ، وانطلقَتْ بنو قَيْس بن ثَعْلَبَةَ في اللَّيْل، وماتَ يَزيدُ بن سَلمةَ ببطن خُوَيٍّ، فدفَنوه ومَضَوا. وقال ضُبيعَة بن شُرَحْبِيل: وغَادَرْنَا يَزِيدَ لَدَى خُوَيٍّ ... فلَيْسَ بآيِبٍ أُخْرَى اللَّيَالِي وقال أَيضاً: لَقُونَا بالمُنِيفَةِ منْ خُوَيٍّ ... وليسَ لنَا ولا لهُمُ عَرِيبُ ولاَ قَوْنَا بمِثْلَيْنَا رِجَالاً ... وخَيْلاً كُلَّمَا ثَابَتْ تَثُوبُ فقَاتَلْنَاهُمُ يَوْماً كَرِيثاً ... إِلى أَن حَانَ مِنْ شَمْسٍ غُرُوبُ ولما بلغَ بني يَربوعٍ مَوتُ يَزِيدَ بن سَلمَةَ أَتَوا زيدَ الفَوارِس فقالوا: أَعْطِنا وائلاً نَقْتُلْه بيزيدَ، فخافَه وائلٌ لأَنَّه لم يرَ منه جِدّاً في مَنْعِه، فهَرَبَ من عنْدِه، وأَتَى قِرْوَاشَ بن حَوْطٍ، أَحد بني صِرْمةَ، فاستجارَهُ فأَجَارَهُ ومَنعَهُ، فأَتَاهُ زَيْدُ الفَوَارسِ، فقال: مالَك ولِجَارِي؟ قال: ليس بجارٍ. فتَنازَعا فيه حتى عَظُم الشَّرُّ بينهما، فحكَّما رجلاً من بني السِّيدْ بن مالك بن بَكْرِ بن سَعْدِ بن ضَبَّة، قال: فإِنّي أَخَيِّرُ وائلاً، فمن اخْتَارَ فهو جارُهُ، فاختارَ قِرْوَاشاً، فدُفِعَ إِليه، وهَدَأَ الحَيَّانِ ثَعلبةُ وبَكْرٌ، فقال قِرواشٌ: سيَعْلَمُ مَسْرُوقٌ وفَائِي ورَهْطُهُ ... إِذَا وائلٌ حَلَّ القِطَاطَ ولَعْلَعَا بأَنّي له جَارٌ وَفِيٌّ ولمْ أَكُنْ ... له مِثْلَ مَنْ رَاءَى بغَدْرٍ وسَمَّعَا وقال وائلٌ يمدحُ قِرْوَاشاً: أَبْلِغْ سَرَاةَ بني قَيْسٍ مُغَلَغَلَةً ... مَنَ سَارَ غَوْراً به منهمْ وأَنْجَادَا

يوم ذي الأثل

أَنّى وفَى بِيَ قِرْوَاشٌ وأُسْرَتُهُ ... أَيّامَ يُتَّخَذُ الجِيرَانُ أَزْوَادَا أنّى وَفَتْ بِيَ قَبْلَ اليَومِ ذِمَّتُه ... إنّ الكَرِيمَ إِذا اسْتَرْفَدْتَهُ زَادَا مِن كُلِّ ذِرْوَةِ مَجْدٍ نَالَهَا أَحدٌ ... أَوْرَثَهَا صِرْمَةُ الضَّبِّيُّ أَوْلاَدَا يَومُ ذِي الأَثْلِ وفيه مَقْتَلُ صَخْر بن عَمْرو بن الشَّرِيدِ، قَتَلَه رَبِيعَةُ بن ثَوْرٍ الأَسدِيُّ. قال أَبو عُبَيْدة: غَزَا صَخْرُ بن عَمروٍ، وأَنَسُ بن عَبّاسٍ الرِّعْليُّ، من بني سُلَيم، بَني أَسَد بن خُزَيمة، في بني عَوفٍ وبني خُفَافٍ، وكانا مُتَسانِدَينِ، صَخرٌ على بني خُفَافٍ، وأَنسٌ على بني عَوْفٍ، فاكتسَحَا أَمْوَالَ بني أَسدٍ، وسَبَيَا ومَضَيَا، فأَتَى بني أَسَدٍ الصَّريخُ، فتَبِعُوهُم حتى لحقوهُم بذاتِ الأثل، فاقتتَلوا قِتَالاً شديداً، وطَعَنَ ربيعَةُ بنُ ثَوْرٍ الأَسَدِيُّ صَخْراً في جَنْبه، فأَدْخَلَ جَوْفَهُ حَلَقاً من الدِّرْع، فانْدَمَل عليه، ونَتَأَتْ من الطَّعْنَة قِطْعَةٌ تَدَلَّتْ واستَرخَتْ، فمَرَضَ لذلك، وبقي شُهُوراً، فسَمِعَ ذاتَ يومٍ امرأَةً تُسائلُ امرأَته سَلْمَى: كيْف تَرَيْنَ صَخْراً؟ قَالت: لاحَيٌّ فيُرْجَى، ولا ميِّتٌ فيُنْعَى لَقِينَا منه الأَمَرَّيْنِ، فقال صَخرٌ حين سَمِعَ مقالتَهَا: أَرَى أُمَّ صَخْرٍ ما تَمَلُّ عِيَادَتِي ... ومَلَّتْ سُلَيْمَى مَضجَعِي ومَكَانِي فأَيُّ امْرِئٍ ساوَى بأُمٍّ حَلِيلةً ... فلا عَاشَ إِلاَّ في شَقاً وهَوَانِ وما كُنتُ أَخشَى أَن أَكون جِنَازَةً ... عَلَيْكِ ومَنْ يَغْتَرُّ بالحَدَثانِ لعَمْرِي لقَد نَبَّهْتِ مَن كانَ نائماً ... وأَسْمَعتِ منْ كانَتْ لهُ أذُنانِ أَهُمُّ بهَمِّ الحزْمِ لَو أَستَطيعُه ... وقد حِيلَ بينَ العَيْر والنَزَوانِ فلما طال عليه البَلاءُ قالَ: الموتُ أَهْوَنُ ممّا أَنا فيه، وأَمَر بقَطْعِها، فأَحْمَوْا له شَفْرةً فقطَعوها، فيئسَ من نفَسِه، وسَمِعَ أُختَه الخَنْسَاءَ تَسْأَلُ عنه: كيف كان صبرُهُ؟ فقال: فإنْ تَسْأَلِي بي هل صَبْرتُ فإِنّني ... صَبورٌ على رَيْبِ الزمانِ أَرِيبُ كأَنّي وقد أَدْنَوْا إِلَيَّ شِفَارَهُمْ ... من الصَّبْرِ دامِي الصَّفْحَتَيْنِ نَكِيبُ ومات فدُفِنَ قريباً من عَسِيبٍ، وهو جَبَلٌ بأَرْضِ بني سُلَيْمٍ إِلى جَنْبِ المدينَة، ورَثَتْهُ الخَنْسَاءُ بمَرَاثٍ كثيرَةٍ، قد أَثْبَتْنَا بعضَهَا في باب المرَاثي. ؟ يَومُ الكَدِيدِ وهو يَوْمٌ لبَنِي سُلَيم على بني كِنَانَةَ، وفيه مَقتَل ربيعة بن مُكَدَّم. قال أَبو عمْرو بن العَلاءِ: وَقَعَ تَدَارُؤٌ بين نَفَرٍ من بني سُلَيم، ونَفَرٍ من بَنِي فِرَاس بن مالك بن كِنَانَة، فقَتَلَتْ بنو فِرَاسٍ رَجُلَيْن من بني سُلَيْم، ثمّ إِنّهُم وَدَوْهُمَا، وضَرَب الدَّهْرُ من ضَرْبه، فخَرَجَ نُبَيْشَةُ بنُ حَبِيبٍ السُّلَميُّ غازياً، فلَقِي ظُعُناً من بني كِنَانَة بالكَدِيد، في رَكْبٍ من قَوْمِه، فبَصُرَ بهم نَفرٌ من بني فِرَاسِ بن مالِكٍ، فيهم عبدُ الله بن جِذْلِ الطِّعَان، والحارث بن مُكدَّم، أَبو الفرعَة وأَخوه رَبِيعَةُ بن مُكدَّم مَجْدُورٌ يومئذٍ، يُحمَلُ في مِحَفَّة، فلمّا رأَوهم قال الحارثُ بن مُكدَّم: هؤلاءِ بنو سُلَيم يَطلبون دِماءَهم. فقالَتْ أُمُّ عَمْروٍ بنْتُ مُكدَّمٍ: واسُوءَ صَبَاحَاه: فنزَلَ رَبِيعَةُ بن مُكدَّم ورَكِبَ فرَسَهُ، وأخَذَ قَناتهُ، وتوجهَ نحو القوم وهو يقول: لقَدْ عَلِمنَ أَنّني غَيْرُ فَرِقْ لأَطعُنَنَّ فيهِمُ وأَعْتَنِقْ وأَصْبَحَنْهُمْ حِينَ تَحْمرُّ الحَدَقْ عَضْباً حُسَاماً وسِنَاناً يَأْتَلِقْ

فحَمَلَ عليه بعضُ بني سُلَيْمٍ، فاستَطردَ لهم في طريق الظُّعْنِ، ثم عَطَفَ عليهم فقتلَ منهم جماعةً، فانجفَلوا بينَ يَدَيْه، ويَرْمِيه نُبَيْشَة بسهمٍ، فأَصابَ مأْبِضَ عَضُده، فلحقَ بالظُّعنِ يَسْتَدْمِي حتى انتهَى إِلى أُمّه أُمِّ سيَّارٍ، فقال: شُدِّي على يَدِي عِصَابةً. وهو يَرْتَجزُ ويقولُ: شُدِّي عليَّ العُصْبَ أُمَّ سَيَّارْ فقَدْ رُزِيتِ فارِساً كالدِّينارْ يَطْعنُ بالرٌّمحِ أَمَامَ الأَدْبارْ فأَجَابتْهُ أُمُّه: إِنَّا بنُو ثَعْلَبَةَ بنِ مالكِ مُرَزُّؤُو خِيَارِنَا كذلِكِ مِنْ بَيْنِ مَقْتُولٍ وبَيْنِ هالِكِ ولن يكونَ الرُّزْءُ إِلاّ ذلِكِ وشَدَّتْ عليْه أُمُّه عِصَاباً، فاسْتَسْقاهَا ماءً، فقالت: أُفَّك، إِن شَرِبْت الماءَ مُتَّ، فقال ربيعةَ للظُعْن: أَوْضِعْنَ رِكَابَكُنّ حَتَّى تَنْتَهِينَ أَدْنَى بُيُوتِ الحيِّ، فإِنّي لِمَا بِي، وسوف أَقِفُ دونكنّ على العَقَبَة، وأَعتمدُ على رُمْحي، ولن يُقدِموا عليكنّ، لمكاني، ففَعلْن، ونَحَوْنَ إِلى مأْمَنِهنّ، وشَدَّ على القوم راجعاً، فقَتَلَ فيهم، ومازال يَذُبُّهم إِلى أَن نَزَفَه الدَّمُ، فاعتمدَ على رُمْحه. قال أَبو عمرٍو: ولا نعلم قتيلاً ولا مَيِّتاً حَمَى ظَعَائنَ غيرَهُ وإِنّه يومئذ غُلامٌ له ذُؤابةٌ، فما زالَ واقفاً على مَتْنِ فَرَسهِ مُعتمِداً على رمحه إلى أن مات، وما تَقْدُمُ القومُ عَلَيْه، فقال نُبَيْشةُ: إِنّه لَمَائلُ العُنُقَِ على رُمْحِه وما أَظُنُّه إِلا قد ماتَ، فرمَى فَرَسَه، فقَمَصَتْ وزَالَتْ، فسَقَطَ عنها ميِّتاً، وفَاتَهُم الظُعْنُ، ولَحِقُوا أَبا الفَرْعَةِ الحارِثَ بنَ مُكدَّمٍ فقتَلوه، وأَمَالوا على رَبِيعَةَ أَحْجَاراً، فمَرَّ به رجلٌ من بني الحارث بن فِهْرٍ، فنفرَت ناقتُه من تلكَ الأحجار، فقال يَرْثِيه ويَعْتَذِرُ ألا يكونَ عَقَر على قَبرِه، ويُعَيِّرُ مَن فَرَّ وأَسْلَمَه من قَوْمه، وتُروَى لحسَّانِ بن ثابتٍ: نَفَرَتْ قَلُوصِي من حِجَارَةِ حَرَّةٍ ... بُنِيَتْ على طَلْقِ اليَدَيْنِ وَهُوبِ لا تَنْفِري يا نَاقَ منه فإِنَّه ... سَبّاءُ خَمْرٍ مِسْعَرٌ لحُروبِ لولا السِّفَارُ وبُعْدُ خَرْقٍ مَهْمَهٍ ... لتَرَكْتُهَا تَحْبُو على العُرْقُوبِ فَرّ الفَوارِسُ عن رَبيعةَ بعدَمَا ... نَجّاهُمُ من غُمَّةِ المكروبِ نِعمَ الفَتَى أَدَّى نُبَيْشَةُ بَزَّهُ ... يَومَ الكَديدِ نُبَيْشَةُ بنُ حَبيبِ وجزع عليه عبد الله بن جِذْلِ الطِّعَانِ جَزَعاً شدِيداً ورَثاهُ بِعِدَّةِ مَرَاثٍ، منها: خَلَّى عليَّ رَبِيعَةُ بنُ مُكَدَّمٍ ... حُزْناً يَكَادُ له الفُؤادُ يَزُولُ فإِذا ذَكرْتُ رَبِيعَةَ بنَ مُكدَّم ... ظَلَّتْ لِذِكْراهُ الدُّموعُ تَسِيلُ نِعْمَ الفَتَى حَسَباً وفَارِس بُهْمَةٍ ... يَرْدِي بشِكَّتِه أَقَبُّ دَؤُولُ سَبَقَتْ به يَوْمَ الكَدِيد مَنِيَّةٌ ... والنَّاسُ إِمّا مَيِّتٌ وقَتِيلُ كَيْفَ العَزَاءُ ولا تَزَالُ خَرِيدَةٌ ... تَبْكِي رَبِيعَةَ غادَةٌ عُطْبولُ وقال أيضاً: لأَطْلُبَن برَبِيعَةَ بنِ مُكدَّمٍ ... حتَّى أَنالَ عُصَيَّةَ بنَ مَعِيصِ بِقِيَادِ كُلِّ طِمِرّةٍ مَمْحوصَةٍ ... ومُقلِّصٍ عَبْلِ الشَوَى مَمْحوصِ وقال أيضاً: أَلاَ للهِ دَرُّ بَني فِرَاسٍ ... لقَدْ أُوْرِثْتُمُ حُزْناً وَجِيعَا غَدَاةَ ثَوَى رَبِيعَةُ في مَكَرٍّ ... تَمُجُّ عُرُوقُه عَلَقاً نَجِيعاً فلَنْ أَنْسَى رَبِيعَةَ إِذْ تَعَالَى ... بُكاءُ الظُّعْنِ تَدْعُو يا رَبيعَا وقالَ حسانُ بن ثابتٍ يَرْثِيه ويَحضُّ على قتَلَتِهِ: سَقَّى الغَوَادِي رَمْسَكَ ابنَ مُكَدَّمٍ ... من صَوْبِ كُلِّ مُجَلجلٍ وَكّافِ أَبْلِغْ بَنِي بَكْرٍ وخُصَّ فَوَارِساً ... لُحِفُوا المَلاَمَةَ دُونَ كلِّ لِحَافِ

يوم برزة

أَسْلَمْتُمُ حَذَرَ الطِّعانِ أَخاكُمُ ... بَيْنَ الكَدِيدِ وقُلَّةِ الأَعْرافِ حتَّى هَوَى مُتَزايلاً أَوْصَالُه ... للخَدِّ بينَ جَنادِلٍ وقِفَافِ للهِ دَرُّ بني عَليٍّ إِنْ هُمُ ... لمْ يَثْأَرُوا عَوْفاً وحَيَّ خُفَافِ ؟ يومُ بُرْزَةَ وهو يومٌ لبني كِنَانَةَ على بني سُلَيمٍ، وقُتِلَ فيه ذو التاج مالكُ بن خالدِ بن صَخْر بن الشَّرِيد، وأَخوه كُرْزٌ، قَتَلَهُمَا عبدُ الله بن جِذْل الطِّعانِ، وكانتْ تَوَّجَتْ مالكاً وملَّكَتْهُ عليهم: خرجَ مالكُ بن خالدٍ ذو التاج في بني سُلَيْم، فَغَزَا بني كِنَانَة، ومعَه دَليلانِ من أَسْلَم، ولم يَتْبَعْهُ نُبَيْشَة ابن حَبِيب، فأَغَارَ على بني فِرَاس بنِ مالكِ بن كِنَانَة، بِبُررْزَةَ، فخرجت إليه بنو فِرَاسٍ، ورئيسُهَا عبد الله بن جِذْلِ الطِّعَانِ، فاقتتَلُوا، ثم دَعَا عبدُ الله بنُ جِذْل الطّعان للبِرَاز، فبرزَ له هِنْدُ بن خالدٍ، قال: أَخُوكَ أَسَنُّ منك، فرَجَع إِلى مالكٍ أَخيه فأَخْبَرَهُ بقول عبد الله فبرَزَ له مالك، فارتجَزَ عبد الله وقال: ادْنُوا بني قِرْفِ القِمَعْ ... إِنّي إِذَا الْمَوْتُ كَنَعْ لا أَستغيثُ بالجَزَعْ ثم شدَّ على مالِكٍ فقتلَه فبرزَ له أَخوه كُرْزٌ، فشدَّ عليه عبدُ الله فقتله وهو يقول: قدْ علمَ النَّدْمانُ إِذْ أُساقِيهْ ... وعَلِمَ القِرْنُ إِذَا أُلاقِيهْ أَنّي لكُلِّ رَاهِنٌ أُكَافِيهْ فشدَّ عَمْرو بنُ خالدٍ على عبد الله وهو يقول: هذا مقَامِي وأَمَرْتُ أَمْرِي فبَشِّرُوا بالثُّكْلِ أُمَّ عَمْروِ فتَخَالَسَا طَعْنَتَيْن، فجَرَحَ كُلُّ واحدٍ منهُمَا صاحبَه وتَحَاجَزَا، ثمّ اشتَدَّ القِتَالُ، وقُتِلَ من بني سُلَيْم جَماعةٌ وانهزَمَتْ، وقال عبد الله بن جِذْل الطِّعَانِ في ذلِك: تَجنَّبْتُ هِنْداً رَغبةً عن قِتَالِه ... إِلى مَالكٍ أَعشُو إِلَى ذِكْرِ مالِكِ وأَيْقَنْتُ أَنّي ثائِرُ ابنِ مُكَدَّمٍ ... غَدَاتَئذٍ أَو هَالِكٌ في الهَوَالِكِ فأَنْفَذْتُه بالرُّمْح حين طَعَنْتُه ... مُغَالَبَةً ليسَتْ بطَعْنةِ فَاتِكِ وأَثْنِ لكُرْزٍ في الغُبَار بطَعْنةٍ ... عَلَتْ جِلْدَهُ منها بأَحْمَرَ عَاتِكِ قتَلْنَا سُلَيْماً غَثَّها وسَمِيْنَها ... فصَبْراً عُصَىّ قد صَبَرْنا كذلكِ دَهِمْنَا هُمُ بالخَيْل تَشْتدُّ بالضُّحَى ... بغَابَاتِ أَثلٍ مُشْرِفَاتِ الحَوَارِكِ فِدًى لهُمُ نَفْسِي وأُمِّي فِدًى لهُمْ ... بِبُرْزَةَ إِذْ يَخْبِطْنَهُم بالسَّنَابِكِ فإِن تَكُ نِسْوَانِي بَكَيْنَ فقدْ بَكَتْ ... كما قَدْ بَكَيْنَ أُمُّ كُرْزٍ ومالِكِ وقال أَيضاً: قَتَلْنَا مَالِكاً فابْكُوا علَيْهِ ... وما يُغْنِي من الجَزَعِ البُكَاءُ وكُرْزاً قد تَركْنَاهُ صَرِيعاً ... تَسِيلُ على تَرَائِبِهِ الدِّماءُ فإِنْ تَجْزَعْ لذَاكَ بنُو سُلَيمٍ ... فقد وَأَبِيهِم غُلِبَ العَزَاءُ فصَبْراً يا عُصَيُّ كما صَبَرْنَا ... وما فِيكُمْ لوَاحِدِنا كِفَاءُ فلا يبْعَدْ رَبيعةُ مِنْ نَديمٍ ... إِذَا لم تَنْدَ بالنَّوْءِ السَّمَاءُ فكَمْ مِنْ غارةٍ ورَعِيلٍ خَيْلٍ ... تَدَارَكَهَا وقدْ حَمِسَ اللِّقَاءُ ولمّا اتَّصل بيزيدَ بنِ عَمرِو بن خُوَيْلدِ بن الصَّعِق، أَخى بني نُفَيل بن عَمْرِو بن كِلاَبٍ، مَقْتَلُ مالكٍ وكُرْزٍ ومَن قُتِل من بني سُلَيم مِنْ رَكْبٍ لَقُوهُ، قالَ يَرْثِي مالِكاً، ويَحُضُّ عبّاساً الأَصَمَّ أَبا أَنَسٍ الرِّعْلِيّ، على بني فِرَاسٍ والطَّلَبِ بدمائهِم: لعَمْري وما عَمْرِي عَلَى بهَيّنٍ ... لقدْ خبَّر الرَّكْبُ اليَمانِي فأَوجَعَا نَعَوْا مَالِكاً فقُلْتُ ليس بمالكٍ ... ولم أَسْتَطعْ عن مَالِكٍ ثَمَّ مَدْفَعَا

يوم الفيفاء

فأَبْلِغْ سُلَيماً أَنَّ مَقتلَ مَالِك ... أَذَلَّ سُهُولَ الأَرْضِ والحَزْنَ أَجمَعَا فلِلّه عَيْنَا منْ رَأَى مِثْلَ مالكٍ ... قَتِيلاً بحَزْنٍ أَو قَتِيلاً بأَجْرَعَا فلاَ تَشْربَنْ خَمْرَا ولا تَأْتِ حاصِناً ... أًَبا أَنَسٍ حتَّى يَرَوْكَ مُقنَّعَا فلَوْ مَالِكٌ يَبْغِي التِّرَاتِ لَقد رَأَوْانَواصَِيَ خَيْلٍ تَنفُضُ السُّمَّ مُنْقَعَا أَنَازِلةٌ غَدْواً فِرَاسٌ بفَخْرِها ... عُكَاظَ ولم نَجْزِئْ لها الصَّاعَ مُتْرَعَا فأَجابَه عبدُ الله بن جِذْلِ الطِّعانِ: لعَمْري لقد سَحَّتْ دُموعُك ضِلّةً ... تُبَكِّي على قَتْلَى سُلَيْمٍ وأَشْجَعَا فهَلاَ شُتَيْراً أَو مَصَادَ بنَ خالدٍ ... بَكيتَ ولم تَتْرُكْ لها الدَّهْرَ مَجْزَعَا تُبَكِّي على قَتْلَى سُلَيْمٍ سَفَاهَةً ... وتَتْرُكُ مَن أَمْسَى مُقيماً بضَلْفَعَا كمُرْضِعةٍ أَوْلاَدَ أُخْرَى وضَيَّعَتْ ... بَنِيهَا فلم تَرْقَعْ لذلِك مَرْقَعَا لقَدْ تَركَتْ أَفناءُ خِنْدِفَ كُلَّها ... لعَيْنَيْك مَبكًى إِنْ بَكيْتَ ومَدْمَعَا تُحَرِّضُ عَبَّاساً علَيْنَا وعِنْدَهُ ... بَلاَءُ طِعَانٍ صَادقٍ يَوْمَ نصْرَعَا فإِنَّا بهذا الجِزْع قد تَعْلَمونَه ... وإِنَّ على الجفْرَيْن دهْماً مُمَنَّعَا يومُ الفَيْفَاءِ وهو يومٌ لبني سُلَيمٍ على بني كِنانة قال أَبو عُبَيْدَةَ: لما بلَغَ بني سُلَيْم قولُ يزيدَ بن عَمْروٍ، قالتْ بنو الشَّرِيد، وما لرجُل من بني رِعْلٍ يَطلُبُ ثأْرنا، فأَحْرَمُوا النِّساءَ والدُّهْنَ وشُرْب الخَمْرِ أَو يُدْرِكوا ثَأْرهُم من بني كنانة. فَغَزَا عمرو بن خالدٍِ بن صَخْر ابن الشّريد بقومِهِ في أَلفِ فارِسٍ وأَلفِ رامٍ بني فِراسِ بن مالكٍ، فاقتتَلُوا قِتَالاً شديداً، تَنَاصَفُوا فِيه، وعلى بني فِراسٍ عبد الله بن جِذْل الطِّعان، ثم إِن بَني سُلَيمٍ قَتلَتْ منهم نَفراً غير مذكورِين، وسَبَوْا سَبْياً فيهم أُمُّ عَمْروٍ بنْتُ مُكَدَّمٍ، فقال عبَّاسُ بن مِرْداسٍ يردُّ عَلى عبد الله بن جِذْلِ الطِّعانِ قولهُ: تَجَنَّبْتُ هِنْداً رَغبةً عن قِتَالِه: أَلاَ أَبْلِغَا عنّي ابنَ جِذْلٍ ورَهْطَهُ ... فكَيْفَ طَلَبْنَاكُمْ بكُرْزٍ ومَالِكِ غَدَاةَ فَجَعْناكمْ بسَعْرٍ وبابْنِهِ ... وبابْنِ المُعَلَّى عاصمٍ والمُعَارِكِ ثَمانِيةُ منكمْ ثأَرْنَاكُمُ بِهَا ... جَمِيعاً وما كانُوا بَوَاءً بمَالِكِ قَتَلْنَاكُمُ ما بَينَ مثْنَى وموْحَدٍ ... تَكُبّكُمُ أَرْماحُنا في المَعَارِكِ نُذِيقُكُمُ والمَوْتُ يبْنِي سُرادِقاً ... عليكُم بنا حَدَّ السُّيُوفِ البَواتِكِ تَلوحُ بأَيْدينا كما لاحَ بَارِقٌ ... تَلأْلأَ في داجٍ من اللَّيْلِ حَالِكِ فطَوْراً نُلاقِيكُمْ وطَوْراً نَعُلُّكُمْ ... بخَطّيَّةٍ فيها سِمَامُ النَّيَازِكِ صَبْحَناكُمُ العُوجَ العَناجِيجَ بالضُّحى ... تَمُرُّ بِنَا مَرَّ الرِّياح السَّوَاهِكِ إِذا خَرجَتْ من هَبْوة بَعْدَ هبْوَةٍ ... سمَتْ نَحْوَ مُلْتَفٍّ مِن المَوْتِ شَابِكِ مُوَكَّلَة بالسَّيْرِ نَحْوَ عَدُوِّنا ... وبالرَّكْضِ منّا المُلحَقِ المُتَدَارِكِ وقال هند بن خالدِ بن صخرِ بن الشَّرِيد: قَتَلْتُ بمالِكٍ عَمْراً وحِصْناً ... وجَلَّيْتُ القَتَامَ عن الخُدُودِ وكُرْزاً قَدْ أَبأْتُ به شُرَيْحاً ... علَى إِثْرِ الفَوَارِسِ بالكَدِيدِ جزَيْنَاهُمْ بما انتَهَكُوا وزِدْنَا ... علَيْهمْ مثلْ ذَاكَ مِن المَزِيدِ جَلَبْنَا من جُنُوبِ الفَرْدِ جُرْداً ... كطَيْرِ الماءِ غَلَّسَ المْوُرُودِ

يوم بطاح

عليها كلُّ أَرْوَعَ أَرْيحِيٍّ ... كضَوْءِ البَدْرِ منْ آلِ الشَّرِيدِ صَبَحْنَا الحَيَّ حَيَّ بَني فِرَاسٍ ... مُلَمْلَمَةً تَوَقَّدُ في الحَدِيدِ ولمّا سَمِع نُبيْشَةُ هذا الشِّعرَ غَضِبَ من ذِكْرِهِ يومَ الكَدِيد وافتخاره به، لأَنّه لم يَشهده هِند بن خالد، ولا أَحدٌ من بني الشَّرِيد، وإِنّما كان لنُبَيْشة دون بني الشَّرِيد فقال: تَنَحَّلُ صُنْعَنَا في كُلّ يَوْمٍ ... كمَخْضُوبِ البَنَانِ ولا تَصِيدُ وتَأْكُلُ ما يَعافُ الكَلبُ منه ... وتَزْعُمُ أَنَّ والدَِكَ الشَّرِيدُ أَبى لي أَنْ أُقِرُّ الضَّيْمَ قَيْسٌ ... وصَاحِبُهُ المُوَارِيهِ الكَدِيدُ قال أَبو عبيدة: وإنما فخَرَ هنْدُ بن خالِدٍ بيَوم الكَديدِ لأَنّ بني الشَّرِيد لم يَقْتَلوا يَوْمَ الفَيْفَاءِ أَحداً، فأَراد أَن يُبِيئِهما بأَخَوَيْه مالكٍ وكُرْزٍ، فلمَا آبَ غَزِيُّ بني سُلَيمٍ إلى أَهْلِهم من الفَيفَاءِ، ومعهم من التَقَطُوا من السَبْي، وفيهِم أُمُّ عَمْروٍ بنت مُكدّم، قامَ نساءُ بني سُليم يَبْكِينَ مالكاً وكُرْزاً، فذَكَرَتْ أُمُّ عَمروٍ أَخاها رَبِيعةَ، فقالت تَبكيه: هَلاَّ على الفَيَّاضِِ عَمْروِ بن مالكٍ ... تُبَكِّينَ إِذْ تَبْكِينَ وابْنِ مُكَدَّمِ فَتًى هوَ خَيْرٌ من أَخيكُنَّ مَالكٍ ... إِذَا احْمَرًّ أَطْرَافُ الرِّمَاحِ من الدَّمِ وشُبَّتْ حُرُوبٌ بينَكُمْ وتقَصَّفَتْ ... عَوَالٍ بأَيِدِي شَجْعةٍ غَيْرِ لُوَّمِ وهي أَبياتٌ. ولم تَزل الحروبُ والمغاوراتُ بين بَنِي فِرَاسٍ وبني سُلَيْم، وقُتِل في حُروبهم نُبَيْشَة ولم تُدْرِكْ بَنُو سُلَيم البَوَاءَ بمَن قَتَلَتْ بنو فِرَاس، حتى جاءَ الإسلامُ، وكان يوم فتْح مَكَّةَ، فوَجَّهَ رسول الله صلى الله عليه وآله، خالِدَ بن الوليدِ بن المُغِيرةِ إلى أَهلِ الغُمَيْصاءِ من بني كِنانَة، ونَدَب معه بني سُلَيم، وكانت بنو كِنانَة قَتلَتْ غَمَّ خالدِ بن الوليدِ الفَاكِهَ بن المُغِيرةِ في الجاهِليّة، وكانًَت بنو سُلَيْم تَطْلُبهم بما أَصابُوا منهُم من القَتْلَى، فأَذْرَعُوا القَتْلَ في بَنِي كِنَانَة، للِّثأَْرِ القديم، والتِّرَةِ التي كان خالدٌ يَطْلبهم بها بدَمِ عَمِّه، فوَدَاهُم رسول الله صلى الله عليه وآله بعدما قتَلهم خالدٌ. وتبرّأَ عليه السلامُ مما صَنَع بهم خالدٌ. فقالت سَلْمَى بنْتُ خالدٍ امرأَةٌ من بني كِنَانَةَ: واللهِ لوْلاَ رَهْطُ آلِ مُحمّدٍ ... لَلاقَتْ سُلَيْمٌ يَوْمَ ذلك ناطِحَا لبَالَطَهمْ زَيْدٌ وأَصحابُ جَعْفرٍ ... ومُرَّةُ حتَّى يُصْبِحَ البَرْكُ سَارِحَا وكَمْ فيهمُ يومَ الغُميْصَاءِ مِنْ فَتًى ... أُصِيبَ ولم يَشْملْ له الرَّأْسُ وَاضِحَا ومِنْ سيّدٍ كَهْلٍ علَيْهِ مَهَابَةٌ ... أُصِيبَ ولم يَجْرَحْ وقد كان جارِحَا أَطافَتْ بخُطّابِ الأَيَامَي فطُلِّقَتْ ... غَداتَئِذٍ منْ كانَ منهُنّ ناكِحَا فأَجابَتْهَا الخَنْساءُ ابنةُ عمْرو، ويقال بل عَبّاسُ بن مِرْدَاسٍ والثَّبتُ أَنّهَا للخَنْساء: دَعِي عنك تَقْوَالَ الضَّلالِ كَفَى بنَا ... لِكَبْشِ الوَغَى بالأَمْسِ يا سَلْمُ ناطِحَا فخَالِدُ أَوْلَى بالتَّعَذُّرِ منْكُمُ ... غَداةَ عَلاَ نَهْجاً مِن الحقِّ وَاضِحَا إِلَيْكم بإِذْنِ الله يَبْغِي مُصَمِّماً ... سَوَانِحَ لا تَكْبُو لَهَا وبَوَارِحَا نَعَوْا مَالِكاً بالقَاعِ لمّا هَبَطْنَه ... عَوَابِسَ مِنْ كابِي الغُبَارِ كَوَالِحَا فإِن نَكُ أَبْكَيْنَاكِ سَلْمَى فرُبَّما ... تَركْنَا علَيْكُم نائِحاتٍ ونائِحا فأَقَّرَّتِ الخنساءُ أَنّهم طلَبوهم بمالكٍ في قولهم نَعوْا مالِكاً بالقَاعِ وأَنّهُم لم يُدْرِكُوا به من قَتَلوا منهم قبْلَ ذلك. ؟ يَومُ بُطَاحٍ

وفيه مَقْتَلُ مالكِ بن نُوَيرةَ اليَرْبُوعِيّ، قَتَله ضِرَارُ بن الأَزْورِ الأَسدِيّ، أَمرَه بذلك خالدُ بن الوليد. كان مالكُ بن نُويرة يُسمى الجَفُولَ وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله بَعَثَهُ مُصدِّقاً لَقوْمه، وبعثَ أَيضاً وُجُوهاً من العَرب سُعَاةً على الصَّدَقة، منهُم الزِّبْرِقانُ بن بَدر، قال فقُبِضَ النَّبيُّ صلى الله عليه وآله، وفي أَيديهم الصَّدقةُ، فأَكلوها غيرَ الزِّبرْقان وَحْدَهُ، فإِنّه سارَ بها حتَّى أَتَّى بها إلى أَبي بكر، ثم أَنْشأَ يقولُ: وفَيْتُ بأَذْواد النَّبِيّ وقدْ أَبى ... سُعَاةٌ فَلَم يَرْدُدْ بَعِيراً مُجِيرُهَا أَرَدْتُ بها التَّقْوَى ومَجْدَ حَدِيثِها ... إِذَا عُصْبَةٌ سامى قَبيلى فَخُورُهَا وإِنِّيَ من قَوْمٍ إِذا عُدَّ سَعْيُهُم ... أَبَى المُخْزِيَاتِ حَيُّها وقبُورُهَا صِغَارُهُمُ لم يَطْبَعُوا وكِبَارُهمْ ... أُصِيبَتْ منَايَاها عِفَافاً صُدُورُها وأَشْوَسَ سامٍ قد عَلوْتُ وعُصْبَةٍ ... حَنَاقَى غِضَابٍ صَدَّ عنِّي فَجُورُها أَبَى رَهْبَة الأَعداءِ مِنّي جَراءَتِي ... وفَتْكِي إِذَا ما النَّفْسُ نَاجَى ضَمِيرُهَا ولَيْلَةِ نَحْسٍ في الأُمورِ شَهِدْتُهَا ... بخُطَّةِ عَزْمٍ قَدْ أُمِرَّ مَرِيرُها وأَبْوَابِ مَلْكٍ قد دَخَلْتُ وفَارِس ... طعَنْتُ إِذَا ما الخَيْلُ شَدَّ مُغِيرُهَا وفَرَّجْتُ أُولاَهَا بنَجْلاءَ ثَرَّةٍ ... يَخَافُ على رَاجِي الحَياةٍ بَصِيرُهَا فلما بلغَ مالكَ بنَ نُوَيْرَة وَفاةُ النبي صلى الله عليه وآله، أَمسَك الصَّدَقةَ، وفرَّقَهَا في قَومه، وجَمعهم وقال: إِنّ هذا الرجلُ قد هَلَكَ، يعنِ محمَّداً عليه السلامُ، فإِن قامَ قائمٌ من قريشٍ تجتمعُ عليه العرَبُ جميعاً رَضِيَ منكم أن تدخُلوا في أمرِه، ولم يَطْلُب ما مَضَى من هذِه أَبداً ولم تكونوا أَعطَيْتم النّاسَ أَموالَكم فأَنْتُم أَولى بها وأحقّ، وقال في ذلك: وقال رجالٌ سُدِّدَ اليَوْمَ مَالِكٌ ... وقال رِجَالٌ مالِكٌ لم يُسَدَّد فقُلْتُ دَعُوني لا أَبَا لأَبِيكم ... فلمْ أُخْطِ رَأْياً في المَعَادِ ولا البَدِي وقُلْتُ خُذُوا أَموالَكُم غير خائِفٍ ... ولا نَاظرٍ فيما يَجِئُ به غَدِي فدُونَكُمُوها إِنَّهَا صَدَقَاتُكمْ ... مُصَرَّرَةُ أَخْلافُهَا لم تُجَدَّدِ سأَجْعَلُ نَفْسي دُون ما تَحذَرُونَه ... وأَرهَنُكُم يَوْماً بما مَلَكَتْ يَدِي فإِن قامَ بالأَمْر المُخلَّفِ قائمٌ ... أَطَعْنا وقلنا الدِّنُ دِينُ محمَّدٍ عليه السلام، فبلغ أبا بكر قوله فعاهَدَ الله خالدُ بن الوليد لَئنْ أَخَذَه لَيقْتُلَنَّه ولَيجعلَنَّ هامتَهُ أُثْفِيّةً للقِدْرِ، ففعل ذلك خالدٌ حين ظَفِرَ به، ولما سارَ خالدٌ لِلقاءِ بني يَرْبوع، خَرَج ضِرَارُ بن الأزْوَرِ طَلِيعَةُ، وخَرجَ مالكٌ طَلِيعَةً لأَصحابه يومَ بُطَاحٍ، فالتَقَيَا فسأَل كلُّ وِاحِدٍ منها صاحبَه عن اسمِه، فقال ضِرَارٌ: أَنا ضِرارٌ، وقال مالِكٌ: أَنا مالك، قال ضِرارٌ فأَنْتَ آمِنٌ. ثم شَدَّ عليه فقتلَهُ. وقال محمدُ بن الحسن: ليس هذا الحديثُ مأْخوذاً به، قُتِلَ مالكٌ صَبْراً بين يدَيْ خالد، قتَلَهُ ضِرارٌ فلذلك قال: مُتمِّمٌ: أَدْعَوْتَهُ باللهِ ثمّ قَتَلْتَهُ ... لَو قد دَعَاكَ بذِمَّةٍ لم يَغْدِرِ وخَبَرُ هذا البَيْت يأْتِي في باب المَراثي إن شاءَ الله. وقال مُتمِّمُ بن نُوَيْرَة يَرْثي أَخاه مالكاً ويهجو ضِراراً: ألا مَنْ مُبْلغٌ عنّي ضِرَاراً ... ولم أَخَفِ الغَوَائِلَ من ضِرَارِ فكَيْفَ تَرَكْتَ رَهْطَكَ والمَوَالِي ... كذلك رَائشٌ مِنهْم وبَارِي وأَصبحَ مَنْ شَمِتَّ به تَأَرَّى ... كشَعْبِ الصَّاع مِن قَدَحِ النُّضَارِ فإِنّك سَوْفَ تُدِركُكَ المَنَايَا ... ذَمِيماً ثمَّ تُتْرَكُ في الدِّيَارِ

يوم النسار

وإنّك قد عَمِرْتَ بعَيْش سَوْءٍ ... كعَيْشِ الكَلْب في ظِلِّ الحِمَارِ وإِنِّ لا لَعَمْرُ أَبِيكَ أَنْسَا ... لِشيءٍ بعد فارِسِ ذِي الخِمَارِ غَدَاةَ نَعَاهُ ناعِيهِ فكادَتْ ... عَليَّ الأَرْضُ تُظْلمُ بالنَّهَارِ شَدِيدُ الرُّكْنِ زَيْنٌ للمَوَالِي ... عَلى الأَعْدَاءِ أَخْشَنُ ذو ضِرَارِ يَومُ النِّسار وهو يومٌ لبني أَسَدٍ وغَطَفانَ وطَيِّئٍ، وهم الأَحاليفُ، على بني عامرٍ، وفيه مقْتَلُ شُرَيحِ بنِ مالكٍ القُشَيْريِّ - قتلَه قَدُّ بن مالكٍ الوَالِبيُّ - وعُبَيْدِ بن مُعَاوِيةَ بن عبد الله بن كِلابٍ، والهَصَّان - وهو عامِرُ بن كَعْب - قتَلهما بنو أَسدٍ وبعدَه يومُ الجِفارِ. كان سببُ يوم النِّسار أَنّ بني تميم كانوا يأْكُلُون عُمُومَتَهم بني ضَبَّةَ وبني عبدِ مَناةَ، فأَصَابُوا رَهْطاً من بني تميم، فطَلبَتْهُم تميمٌ، فلحقتِ الرِّبَابُ ببني أَسَد بن خُزَيْمَة، وهم يَوْمئذ حُلفاءُ لبني ذُبْيَانَ بن بَغِيضِ بن غَطَفَانَ وحُلَفاؤُهم أيضاً بنو طَيٍّ. ورئيسُ ذبيانَ حصنُ بن حذيفة بن بدرٍ، ورئيسُ بني أَسد عَوْفُ بنُ عبدُ الله بن عامِر بن جَذيِمة بن نَصر بن قُعَيْن، ويقال خالدُ بن نَضْلة الأَسَدِيُّ ورئيس الرِّبَاب يومَ النِّسار الأَسودُ بن المُنذِر، أَخو النُّعمان، وحَدَّث قٍيْسُ بنُ غالب أَنّ رئيسَ الرِّباب وجَمَاعةِ الأَحاليفِ يَومَ النِّسَار حِصْنُ بن حُذيفة. وأَنشد في تَصْداقِ ذلك قول زُهَير: ومن مِثْلُ حِصْنٍ في الحُرُوب ومثْله ... لإِنْكارِ ضَيْمٍ أَو لأَمْرٍ يُحَاوِلُهْ إِذا حَلَّ أَحياءُ الأَحالِيفِ حَوْلَه ... بذِي لَجَبٍ هَدَّاتُهُ وصَوَاهِلُهْ وبلغ بني تميمٍ أَنّ الرِّبَابَ قد لَحِقتْ ببني أَسدٍ وأَحلافِها، فاستمدّ بنو تميمٍ بني عامرِ بن صَعصَعَة، فأَمدُّوهم، وعلى بني تميمٍ حاجِبُ بن زُرَارَة، وعلى بني عامِرٍ شُرَيْح بن مالكٍ القُشَيريُّ، أَو مالكُ بن كعبٍ أَحدُ بني أَبي بكرِ بن كِلابٍ، فسار هؤلاءِ وهؤلاءِ، حتى التقَوْا بالنِّسَار، فاقتتَلوا قِتَالاً شديداً، فصبَرَتْ بنو عامر يومَئذٍ، فاستْحَرَّ فيهم القتلُ، وانفَضَّتْ بنو تميمٍ ووَاءَلَتْ لا تُلْوِي على أَحَدٍ، ولم يُصَبْ منهم كثيرٌ فهُزِموا وقُتِلُوا وسُبُوا، فغَضِبَتْ تميمٌ لبني عامِرٍ فسارُوا إِلى بني أَسَدٍ فالْتقَوا بالجِفَار، فلَقُوا أَشدَّ ممّا لَقيَتْ عامِرٌ. ونحن نَذكُرُه بعد فَراغِنَا من ذكر يوم النِّسَار. وقَتَلَ قَدُّ بن مالكٍ الوَالبيُّ - ثمّ الأَسَدُّى - شُرَيحَ بنَ مالكٍ القُشَيريَّ رأْسَ بني عامرٍ، فقال سَهْمٌ الأَسديُّ في الإسلام مفتخِراً بذلك: وهُم تَرَكُوا رَئِيسَ بَني قُشَيرٍ ... شُرَيحاً للضِّباع وللنُسورِ وقَتَلُوا عُبَيْد بن مُعَاوية بن كِلابٍ، وقتَلوا الهِصَّانَ وهو عَامِرُ بن كَعْب، من بني أَبي بَكْر بن كِلابٍ، وأَسرَ خَالدُ بنُ نَضْلَة الأَسَدِيُّ دُودَانَ بنَ خالدٍ أَحَدَ بني نُفَيْل بنِ عَمْرِو بن كِلابٍ، وأَسَرَ أَيضاً حَنْثَرَ بن الأَضْبَط الكِلابيّ. فقال خالدُ بن نَضْلَة الأسَديُّ في أَسْره إيّاهما: تَدَارَكَ إِرخاءُ النَّعامة حَنْثَراً ... ودُودَانَ أَدَّت في الصِّفادِ مُكَبَّلاَ وسَبَوْا نِسْوَةً منهم، فصارَتْ سَلْمَى بنتُ المُحلّقِ لعُرْوة بن خالِدِ بن نَضْلَة الأَسَديّ، وصارَت العَنْقَاءُ ابْنَةُ هَمّامٍ، منم بني أَبي بكر بن كِلابٍ، لزِيَاد بن زُبَيْر بن وَهْب بن أَعْيَا بن طَرِيفٍ الأَسَدِيّ، وصارَتْ أُمُّ خازِمٍ بنتُ كِلاَبٍ لأَرْطَاةَ بن مُنْقِذٍ الأَسَدِيّ، وصَارَتْ رَمْلَةُ بنتُ صُبَيْحٍ للحارثِ بن جَزْءِ بن جَحْوَانَ الأَسَدِيّ. وصارَت هِنْد بنتُ وَقَّاصٍ لقَيْس بن عبدِ الله الفَقْعَسيّ، وصارَت أُمامةُ بنتُ العَدَّاءِ لأُسامة بن نُمَيْرٍ الوالبيّ. فقالتْ سَلْمَى بنتُ المُحلّقِ تُعَيِّرُ جَوَّاباً بفَرَّتِهِ والطُفيلَ: لَحَى الإِلهُ أَبَا لَيْلَى بفَرَّتِهِ ... يَوم النِّسَارِ وقُنْبَ العَيرِ جَوّابَا

يوم الجفار

كيْفَ الفخَارُ وقد كانتْ بمعْتَرَكٍ ... يَوْم النِّسارِ بنو ذُبْيانَ أَرْبابَا لم تَمْنعُوا القوْمَ إِذ شَلُّوا سَوَامَكمُ ... ولا النِّسَاءَ وكانَ القَومُ أَحْزابَا وحمَى بعد ذلك بني عامرٍ وبني تميمٍ بنو خُوَيْلِدِ بن نُفيْل بن عَمْرو بن كِلابِ، وهم بنو بِنْت الحَرِيش فقالت الفارِعَةُ بنتُ مُعَاوية القُشيْريًّة في كلمةٍ لها: لَوْلاَ بنُو بِنتِ الحَرِيش تُقُسِّمَت ... بيْنَ القبَائِلِ مازِنٌ والعَنْبَرُ وقال بِشْرُ بن أَبي خازِمٍ في تَصْداقِ حَدِيثِ غَطَفانَ وبني أَسدٍ وأَنّ بني ضَبَّة استغاثُوهم ودَعَوْهم فأَغاثوهم قَصيدةً أَوّلُها: عفتْ من سُليْمَى رَامَةٌ فكَثِيبُهَا وفيها: أَجَبْنَا بني سَعْدِ بن ضَبّةَ إِذْ دَعَوْا ... وللهِ مَوْلَى دَعْوَةٍ لا يُجِبيبُهَا وكُنّا إِذا قُلْنا هَوَازِنُ أَقبِلِي ... إِلى الرُّشْدِ لمْ يأْتِ السَّدادَ خَطِيبُهَا عَطفْنا لهُمْ عَطْفَ الضَّرُوسِ من المَلاَ ... بشهْبَاءَ لا يَمْشِي الضَّرَاءَ رَقيبُهَا فلمَّا رَأَوْنَا بالنِّسارِ كأَنَّنا ... نَشَاصُ الثُّريّا هَيَّجَتْها جَنُوبُهَا جعَلْنَ قُشيْراً غايَةً يُهْتدَى بها ... كمَا مَدَّ أَشْطانَ الدِّلاءِ قَليِبُهَا لَحَوْنَاهُمُ لَحْوَ العِصىّ فَأَقبَلوا ... على آلةٍ يَشْكو الهَوَانَ حَرِيبُهَا لَدُنْ غُدْوةً حتَّى أَتَى اللَّيْلُ دُونَهمْوَأَدْرَكَ جَرْيَ المُبْقِياتِ لُغُوبُهَا بني عامِرٍ إِنّا تَرَكْنَا نِسَاءَكمْ ... مِن الشَلِّ والإيجافِ تَدْمَى عُجُوبُها وقال عبيدُ بنُ الأَبْرص في ذلك، ويَذكُرُ غَضَبَ بني تميمٍ لبني عامِرٍ: ولَقَد تَطَاوَل بالنِّسارِ لَعامرٍ ... يَوْمٌ تَشِيبُ له الرُّؤُوسُ عَصَبْصَبُ ولَقَد أَتَاني عن تميمٍ أَنَّهم ... ذَرِبوا لِقَتْلَي عامِرٍ وتَغَضَّبوا رَغْمٌ لَعَمْرُ أَبِيك عنْدي هَيِّنٌ ... إِنِّي يَهُونُ عَليَّ أَلاَّ يُعْتَبْوا يَومُ الجِفار وقال أَبو عُبَيْدَة فلما كانَ على قَرْنِ الحَوْلِ، بعد يوم النِّسَارِ التقَوا بالجِفَار، وعلى الناس جميعاً رُؤساؤُهم الذين كانوا عليهم يوم النِّسار، إلا بني عامر، فإِنّ عبدَ الله بنَ جَعْدةَ بن كَعْبٍ كان رئيسَهم، فاقتتَلُوا قِتَالاً شديداً، فصبرَتْ تميمٌ، فاستَحَرّ بهم الشَّرُّ وببني عَمْرو بن تميم خاصَّةً، وكان يَوْمُ الجِفَار يُسَمَّى يومَ الصَّيْلَم، وهَرَبَ يومئذٍ حاجبُ بن زُرَارَة، فقال بِشر بن أَبي خازِم في فِرَارِهِ وفي غضب تميم لبني عامرٍ يومئذ في قصيدةٍ أَوَّلُها: لِمَنِ الدِّيارُ غَشِيتُهَا بالأَنْعُمِ وفيها: ساِئلْ تَمِيماً في الحُرُوب وعامِراً ... وهَلِ المُجرِبُ مثْلُ مَنْ لم يَعْلَمِ غَضِبَتْ تَمِيمٌ أَن تُقَتَّلَ عامِرٌ ... يَوْمَ النِّسَارِ فأُعْتِبوا بالصَّيْلَمِ ففَضَضْنَ جَمْعَهُم وأَفْلَتَ حاجِبٌ ... تَحْتَ العَجاجَةِ في الغُبَارِ الأَقْتَمِ وهي طويلةٌ. وقال أيضاً في ذلك: ويَومُ النِّسارِ ويَوْمُ الجِفَا ... رِكانَا عَنَاءً وكانَا غَرَامَا فأَمَّا تَمِيمٌ تَمِيمُ بنُ مُرٍّ ... فأَلْفَاهُمُ القَوْمُ رَوْبَى نِيَامَا وأَمَّا بنُو عَامِرٍ بالنِّسارِ ... ويَوْمَ الجِفَارِ فكَانُوا نَعَامَا وقال عَبِيدُ بن الأَبرص في ذلك: وغَدَاةَ صَبَّحْنَ الجِفَارَ عَوَابِساً ... يَهْدِي أَوَائلَهُنّ شُعْثٌ قُطَّبُ لَمّا رأَوْنا بالعَجَاجَة فَوْقَنَا ... والخَيْلُ تَبْدُوا تَارَةً وتغَيَّبُ جَمْعٌ كأَنَّ سَنَا القَوَانِس فَوْقَنَا ... نارٌ على شَرَفِ اليَفَاعِ تَلَهَّبُ تَمْشِي بنا أُدْمٌ تَئطُّ نُسُوعُهَا ... خُوصُ العُيُونِ كأَنهنّ الرَّبْرَبُ

يوم ذات الحناظل

ودُرُوعُنَا قَدْ أُخْفِيَتْ مِن خَلْفِنَا ... وجنَابُنَا وُرْقُ المَرَاكِلِ تُجنَبُ من كُلّ مَمْسُودِ السَّرَاةِ مُقَلِّصٍ ... قدْ شَفَّهُ طُولُ القِيَادِ المُتْعِبُ وطِمِرَّةٍ كالسِّيد خاظٍ لَحْمُها ... مَجْدُولَةٍ جَدْلَ العِنَانِ تقَرَّبُ وَلَّوْا وقَدْ شَرِبُوا بكأَْسٍ مُرَّةٍ ... فِيها المُثَمَّلُ ناقِعاً فلْيَشْرَبُوا وقال سَهْمٌ الأَسَدِيُّ وحُمِلَ على بِشر بن أَبي خازِمٍ: فَسائِلْ عَامِراً وبنِي تَميمٍ ... إِذَا العِقْبَانُ طَارَتْ للْقِرَاعِ بكُلِّ مُجَرِّبٍ كاللَّيْثِ يَسْمُو ... إلى أَقْرَانِه عَبْلَ الذِّراعِ فصَبَّحْنَ الجِفَار يُثِرْنَ نَقْعاً ... بكلِّ قَرَارَةٍ وبكلِّ قاعِ كأَنَّ سَنَا قَوَانِسهمْ ضِرَامٌ ... مَرَتْهُ الرِّيحُ في أَعْلَى يَفَاعِ وكمْ غادَرْنَ مِنْ كابٍ صَريعٍ ... تُطِيفُ بشِلْوِه عُرْجُ الضَّبَاعِ وكمْ مِنْ مُرْضِعٍ قد غادَرُوهَا ... لَهِيفَ القَلْبِ كاشِفةَ القِنَاعِ ومِنْ أُخْرَى مُثَبَّرةٍ تُنادِي ... لَقَدْ خَلَّيتُمونَا للضَّيَاعِ وقال نابغةُ بني ذُبْيَانَ يَمُنُّ على عُيَينَةَ بنِ حِصْنٍ ببَلاءِ بني أَسَدٍ يومَ النِّسَار ويوْم الجِفَار فقال: أَلِكْنِي يا عُيَيْنُ إِليك قَوْلاً ... ستَحْمِلُه الرُّوَاةُ إِليْك عَنّي إِذا حَاوَلْتَ في أَسَدٍ فُجوراً ... فإِنّي لَسْتُ منكَ ولَسْتَ منّي هُمُ دِرْعِي التِي اسْتَلأَمْتُ فيها ... إِلى يَوْمِ النِّسَارِ وهُمْ مجَنِّي وهُمْ وَرَدُوا الجِفَارَ على تَمِيمٍ ... وهُمْ أَصحابُ يَوْمِ عُكاظَ إنّي شَهِدْتُ لَهُمْ مَوَاطِنَ صادِقَاتٍ ... أَتيْتُهُمُ بنُصْحِ الصَّدْرِ منّي يَومُ ذَاتِ الحَنَاظِل وهو يومٌ لبني تميمٍ على بني أَسَدٍ وفيه مقتَلُ مَعْقِل بن عامرٍ الأَسديّ أَخي حَضْرمِيّ بن عامرٍ. وبَعْدَ يَوْمِ الجِفَار أَغار عَمْرُو بنُ أُبَيْرٍ، في بني كَعْب بن سَعْدِ بن زَيْد مَناةَ بن تميمٍ على بني أَسدٍ، فصَادَفَهم بذاتِِ الحَناظِل، فاقتتَلوا قِتَالاً شَدِيداً، فقَتَلَ عَمْرُو بن أُبَير مَعْقِلَ بنَ عامرٍ، وانهزمَتْ بنو أَسدٍ وقُتِلَ منهم نَفرٌ، وأَصابتْ تميمُ سَبْياً ونَعَماً، فقالَت أُختُ مَعْقِل تَرْثيه: أَلا إِنَّ خِرَ الناس أَصبح ثاوِياً ... قَتِيلُ بَنِي سَعْدٍ بذَاتِ الحَناظِلِ صَبَرْتَ على حَدِّ الرِّمَاحِ كأَنّهَا ... غَدَاةَ تَوَالَى فيك وَسْمِيُّ وَابِلِ فإِنْ تَكُن الغاراتُ أَرْدَيْنَ مَعْقِلاً ... وأَصبَح رَهْنَ القَاعِ بَيْنَ الأَعَاوِلَ فمَا كانَ وَقّافاً إِذَا الخًيْلُ أَحْجَمَتْ ... ولا طائشاً نِكْساً غَدَاةَ المَنَاضِلِ وقد كَانَ مِغْيَاراً على كُلِّ حُرّةٍ ... وفارِسَ أَفْرَاسٍ وكَهْفَ أَرَامِلِ وقال عَمْرو بنِ أُبِيرٍ في ذلِك: بنِي أَسَدٍ إِنَّا تَركْنَا سَرَاتَكمْ ... غَدَاةَ التقَيْنا حَوْلَها الطَّيْرُ تَحْجِلُ ونحنُ طَعنّا مَعْقِلاً فكأَنّما ... هَوى مِن طَمَارٍ يَوْم ذلكَ مَعْقِلُ فظَلَّ مُكِبّاً والكَتِيبةُ حَولَه ... يَمُجُّ دَماً مِنْهُ نِيَاطٌ وأَبْجَلُ يومُ خَوٍّ لبني تَغلِبَ على بني فَزَارة، وفيه أُسِرَ حُذَيفةُ.

يوم وادي الأخرمين

أَغَارَ عمرُو بن كُلْثُومٍ، في جَمْعٍ من بني تَغْلِبَ، على بني ذُبْيَانَ، بموضِع يقال له خَوٌّ، والذَّنائِب، فقاتَلوه قِتالاً شديداً، ثم إِنّ بني ذُبيان انهَزَمتْ، وحَمَل عَمْرٌو على حُذَيفةَ بنِ بَدْرٍ فأَسَرهُ، وأَصابوا أَسْرى، ونَعَماً كثيراً، وسَبَايَا، فلمّا وَافَى بِهِ بني تَغلِبَ نَاشدوه في قَتْل حُذيفة، وأَشارُوا عليه بذلِك، فأَبَى عَمْرٌو، وقال حُذيفة أَنا أَشتَرِي نَفْسي منك بأَلْفِ ناقَةٍ حمراءَ، سَوْدَاءِ، المُقْلةِ، فقال عَمْرٌو: أَنتَ سَيّدٌ من ساداتِ مُضَر، وأَنا أُحِبُّ الاصطناعَ، إِلى مِثلِك، فأَطْلَقَه، وجَزَّ نَاصِيَتَهُ، ورَدَّهُ إِلى قَوْمه، وقال في ذلك عمرٌو: أَلَمْ تَرَ أَنّني رَجُلٌ صبورٌ ... إِذا ما المَرْءُ لم يَهْمُمْ بصَبْرِ وأَنِّي بالذَّنائِبِ يَوْمَ خَوٍّ ... مَننْتُ على حُذَيفَةَ بَعْدَ أَسْرِ ولَوْ غَيْرِي يَجِيءُ به أَسيراً ... لَنَالَ بهِ رَغيبةَ ذُخْرِ دَهْرِ ولكنّي مَنَنْتُ وكان أَهْلاً ... لِما أَوْلَيْتُ في حَمَل بن بَدْرِ وقال حُذَيفةُ يشكُر عَمرَو بن كُلْثومٍ: إِنّي لمُثْنٍ وإِنْ كانَتْ عَشِيرتُهُ ... خُزْرَ العُيُونِ عَلى عَمْرِو بنِ كُلْثُومِ المُطْلِقِ الغُلَّ عَنِّي بَعْدَ ما شَنَجَتْ ... كَفِّي وما ذَاكَ مِنْ عَمْرٍو بمَكْتُومِ إِذْ قَامَ من جُشَمٍ عُزْلٌ تُناشِدُهُ ... قَتْلِي وتَأْمُرُهُ بالذّمِّ واللُّومِ فاخْتَارَ مِنَّتَه عِنْدِي وقال لَهُمْ ... كُفُّوا فَمَا مَنْ رَجَا عَفْوِي بمَحْرُومِ أَمْسَى حُذيفةُ مَوْسُوماً وأُسْرَتُه ... بالشُّكْرِ ما اسْتنَّ آلٌ في الدَّيَامِيمِ إِنْ يَشْكُرُوكَ فإِنَّ الشُّكْرَ مَكْرُمَةٌ ... أَوْ يَكْفُرُوك فما شُكرِي بمَذْمُومِ يَومُ وَادِي الأَخْرَمَينِ لبني تَغلِبَ على صُدَاء وهي جُمْجُمةُ مَذْحِج خَرجَ عَمْرُو بن كُلثوم في ليلةٍ مَطِيرة، فسمعَ رَجُلاً يَتغنَّى ويقول: أَلا قُلْ لعَمْرٍو ضلَّل اللهُ سَعْيَهُ ... وعَمْرٌو مَتى مَا يُمْنحِ النُّصْحَ يَلْجَجِ أَتُنْحِي على أَحْيَاءِ قيْس وخِنْدِفٍ ... وتَعْدِلُ عَنْ شُمِّ العَرَانِينِ مَذْحِجِ وتَخْشَى ابنَ لَيْلَى أَنْ تَنَالَ رِمَاحُهمْفَوَارِسَكَ الأَدْنَيْنَ يا عَمْرُو فاهْتَجِ فتَبيَّنهُ عَمْروٌ، فإِذا هو شَيخٌ من بني جُشَم، وأَخْوالُه صُدَاء من مَذْحِج. فحَلَف عَمْرٌو لا يَغْسِلُ رأَْسَه حتَّى يَغْزوَ صُدَاء، وهم يومَئذٍ هَامَةُ مَذْحِج، قد اتَّقاهَا النّاسُ، فخرج في عِدَّةٍ من بني تَغلِبَ، وكان الطريقُ بَعِيداً فكَلَّتْ خيْلُه، وصَبَحهم بوَادِي الأخْرَمَيْنِ، وخَرَجتْ إِليه صُدَاء، ورَأْسُها جَحْشٌ الصُّدَائيُّ، وهو شيخٌ كبيرٌ قد انحنَى وكان يُفضَّلُ على سائرِ فُرْسَانِ مَذْحِجِ، فنادَى جَحْشٌ: أَيْن عَمْرُو بن كُلثوم؟ فقال عَمْرٌو: إِلي يا جَحْشُ، فقال جَحْشٌ: يا عَمْرُو يا عَمْرُو أَقِمْ لي صَدْرَكَا يا عَمْرُو يا عَمْرُو أَبِنْ لي أَمَركا لعَلَّ ما أَبْصَرْت مِنّي سَرَّكَا يا طالَ ما غَرَّك ما قدْ غَرَّكَا فحمَل عليه عَمرو بن كُلثوم وهو يقول: يا جحْشُ يا جَحْشُ مَنَتْكَ الأَسْبابْ إِنْ تَكُ وَثَّاباً فإِنِّي وَثّابْ والنّاسُ أَذْنابٌ ونحن أَرْبابْ أَنا ابْنُ كُلْثومٍ وجَدِّي عَتّابْ واختلفَا طَعْنَتْين، فَطَعَنْه جَحشٌ فصرعَهُ، وحَمَاه الأِودُ بن عمرٍو في فَوارِسَ من بني جُشَمَ فلما استوَى عَمْرٌو على ظهْرِ فرشِه عَاوَدَ القِتال، فدَامَتِ الحَربُ، واشتدَّت بَقيَّةَ يَومهم، ثمّ إِنّ عَمْراً حَمَل على جَحْشٍ فطعَنه فقتلهُ وقُتِل على دَمِهِ سَبعون رجُلاً. وأَصَابَتْ بنو تغلِبَ الأَسْرى والنّساءَ والنَّعَم، فقال عَمرو بنُ كُلثوم في ذلك: ليْجزِ اللهُ من جُشَمَ بنِ بَكْرٍ ... فَوَارِسَ نَجْدةٍ خَيرَ الجَزَاءِ

يوم سفح متالع

بمَا حَامَوْا عَليَّ غَدَاة دَارَتْ ... بوَادِي الأَخْرَمَيْنِ رَحَى صُدَاءِ بضرْبٍ تَشْخَصُ الأَبْصَارُ منه ... وطَعْنٍ مِثْل إفْرَاغِ الدِّلاءِ صبَاحَ الخيْلِ دامِيَة كُلاَهَا ... تَرَقَّصُ بالفَوارِس كالظِّبَاءِ وأَعْرَض فارِسُ الهَيْجاءِ جَحْشٌ ... وجَحْشٌ نِعْمَ حامِيَةُ النِّسَاءِ فنَادَى في العَجَاجة أَيْن عَمْرٌو ... كأَنّي فَقْعَةٌ أَو طَيْرُ مَاءِ فأَطعُنُهُ وقلْتُ له خُذَنْهَا ... مُشَوّهةً تَبَجَّسُ بالدِّماءِ فما افْترَقَتْ لذَاك بَنَاتُ نَعْشٍ ... ولا كسَفَتْ له شَمْسُ السماءِ قَتلْنا منهُمُ سبعين جَحْشاً ... ووَلَّوْنَا بأَقْفِيَةِ الإِماءِ وأُبْنَا بالهِجَانِ مُرَدَّفاتٍ ... خَطبْناهنّ بالأَسَلِ الظِّمَاءِ وقُدْنَا مِنْهُمُ سَرَوَاتِ قوْمٍ ... كجُرْبِ الإِبْلِ تُطْلَى بالهِنَاءِ وقال المُشسمْرِخ الصُّدَائيّ: يالَ الرِّجَالِ لحَادِثِ الأَسْبابِ ... ولِمَا لَقِينَا من بَنِي عَتَّابِ كُنّا أُنَاساً لا يُرَوَّعُ سِرْبُنَا ... في مَنْزِلٍ من مَنْزِلِ الأَرْبَابِ حتَّى رَمَى عَمْرٌو قرِيعَةَ أَرْضِنَا ... خَيْلاً تَقدَّمُها ذَوُو الأَحْسَابِ مِن تَغلِبَ الغلْباءِ طَعْنُ رِماحِهمْ ... أَوْدَى لعَمْرُ أَبِيك بالأَحْزابِ لمَّا رَأَيْناه يُحَضِّضُ خَيْلَه ... والنَّقْعُ مُعْتلِجُ العَجَاجَةِ كَابِي والحَيُّ من جُشَمَ بنِ بَكْرٍ حَوْلَه ... يَتبَادَرون دَعَوْتُ في أَصْحَابي فحمَى الذِّمارَ ذَوُو الحِفَاظ فقُتِّلوا ... وجَثَا بَقيّتُهُمْ على الأَعْقَابِ وكان في الأَسْرَى عبدُ الله بنُ سُوَيْدٍ الصُّدَائِيّ، وكان قد قَتلَ يومئذٍ في بني تغْلِبَ، فأَخذه عَمْرٌو ليَقْتُله فقال: ما في رَبِيعَة مَرْجُوٌّ ولا مُضَرٍ ... أَوْلَى بها مِنْك يا عَمْرو بن كُلْثومِ إِنّ الأَرَاقِمَ لنْ تَنْفكَّ صَالحةً ... مُبَرَّئينَ من الفحْشاءِ واللُّومِ ما دَافع اللهُ عن عُمَرٍو مَنِيَّتَه ... فاخْتَرْ فِدًى لك بَيْن المَنِّ والكُومِ فقال عَمروٌ: اشْترِ نفْسَك. فأَعْطاهُ حتَّى رَضِيَ، فقال عَمْرٌو: لك مِن مالي ما عَرَضْت، ولك نَفْسُك. فمَنَّ عليه، وحَمَله وكَسَاهُ. يَومُ سَفْحِ مُتَالِعٍ وهو يومُ لبني تَغلِبَ على بني تميمٍ أَغارَ عَلْقمَةُ بن سَيْفِ بن شَرَاحِيل بن مَعْشرِ بنِ مالِك بن جُشم بنِ بَكْرٍ، على أَخْلاطِ تميمٍ فلَقِيَهم بسَفْحِ مُتالِعٍ: جَبَلٍ ممّا يَلِي الحِجاز، وكان مَقادُهُ إِليهم قريباً من شهْرٍ، فلمّا الْتَقوْا نادَتْ تميمٌ: ياَل خِنْدِف. ونادَتْ تَغلِبُ: يالَ تَغْلِبَ، وتَعَاظمَ الشَّرُّ بينهم، وَثبَتتْ أَخْلاطُ تميم وبنو سَعْدٍ، حتى أَسرَعَ القتْلُ فيهِم وحَمَل ابنُ قَوْزَعٍ الكِسْرِيُّ كِسْر بن كعْبِ بنِ زُهَيْر بن جُشَم بنِ بكر على خَيْثَمةَ السَّعْدِيّ، وكان فارِسَ بني سَعْد، فصَرَعَهُ، وأَفْلتَ الحارثُ بن الأضْبَطِ بطَعْنةٍ مات منها بَعْدُ، وأُجْلِيَت تميمٌ عن الدار بعدَ قَتْلٍ كثِيرٍ، وأَصابَتْ بنو تَغلبَ النّسَاءَ والأَمْوَالَ والأَسْرَى، ولم يبق أَهلُ بيْتٍ في تميم إِلاّ وقد أُصيبوا بمُصِيبةٍ، وقال ابن قَوْزَعٍ الكِسْريّ في ذلك: لَعَمْرُك ما قَاد الجِيَادَ على الوَغَى ... مَقَادَ ابنِ سَيْفٍ فارِسِ الخَيْلِ عَلْقمَهْ أَبَاحَ تمِيماً يَوْم سَفْحِ مُتَالِعٍ ... بخَيْلٍ كأَمْثالِ القِدَاحِ مُسَوَّمَهْ أَصَابَ بها شَهْراً على كُلِّ علَّةٍ ... لهَا مِنْ تَشَكِّيها أَنِينٌ وحَمْحَمَهْ فأَوْرَدَها قبْلَ الصَّباحِ مُتَالِعاً ... صِحَاحاً فجَالَتْ في العَجَاجِ مُكلَّمَهْ

يوم الشربة

يَخُوضُ لَظَاهَا عُصْبَةٌ جُشَمِيَّةٌ ... لها تَحْت نَقْعِ الخِنْدِفِيِّينَ غَمْغمَهْ وكُنَّا أُنَاساً لا نَرَى القَتْلَ سُبَّةًومنْ تَغْلِبَ الغَلْبَاءِ في النَّاس جُمْجُمَهْ ثمّ إِنَّ عَلْقَمَةَ بنَ سَيْفٍ أَعتَق النَساءَ وحَملَهنّ إِلى قوْمِهنّ قبْل أَن يَصِل إِلى بِلاده، فقالت امرأَةٌ من بني مُجَاشِعٍ: جَزَى الرَّحمنُ عَلْقمَةَ بنَ سَيْفٍ ... على النَّعْمَاءِ خَيْرَ جَزَا مُثَابِ عَنَ آلِ مُجَاشِعٍ وبَنِي فُقيْمٍ ... وأَحْيَاءِ البَرَاجِمِ والرَّبَابِ وحَيَّيْ نَهْشَلٍ وسَرَاةِ سَعْدٍ ... بسَفْحِ مُتَالِعٍ ولِوَى إِرَابِ جَزَزْتَ نَوَاصِياً مِنَّا فرَاحَتْ ... نِسَاءُ الحَيِّ طاهِرَةَ الثِّيَابِ وأَطْلقْتَ العُنَاةَ وكان يَوْماً ... يَغَصُّ الشَّيْخُ منه بالشَّرَابِ فأَنْت المَرْءُ تُشْكَرُ نِعْمَتَاهُ ... عَليْنَا ما بَدَا وَضَحُ السَّرَابِ يَومُ الشَّربَّة وهو يَوْمٌ لبني تَغلِبَ على بني فَزارَة كان الأَخنسُ بنُ شِهابِ بن شَرِيقِ بن ثُمَامَة بن أَرْقمَ بن عَدِيّ بن مالكِ بن رِزَاحِ بن مُعاوِيَةَ بن عَمْرِو يُغْير على كَلْبٍ وغيرهم، فقال يوماً حَمَلُ بنُ بَدْرٍ الفزَارِيُّ، وعندَه أُناسٌ من النَّمِر: أَبْلِغُوا عَنّي الأَخنسَ بنَ شِهَابٍ أَنّ فزَارَة ليستْ كمَن يُغِيرُ عليه من كَلْبٍ وغيرِهَا، وقد عَجِبْتُ له إِذْ هو مِنْ بني مُعَاوِيةَ بن عَمْرٍو كيفَ بَلغَ ما بَلغَ، فقبَح اللهُ بني تَغلِبَ، كيف يُعطُون مِثْلَهُ مَقَادَهم. وتكَّلَم فيه بكلِّ قبِيحٍ. فلمّا رجَع النَّمَرِيّون من عندِ حَمَل بَلَّغوا الأَخنسَ مَقالةَ حَمَلِ بن بَدْرٍ. فقال أَمَا كان ثَمَّ مَنْ نَهاهُ؟ فقالوا: بلى، قد نَهَاهُ أَخوهُ يَزِيدُ بن بَدْرٍ فلم يَنْتهِ. فعَزمَ الأَخنسُ على غَزْوِ بني فَزَارَة، فجمع خَيْلاً من أَخلاطِ بني تَغلِبَ، فغزَاهم، فقاتلوهُ بالشَّرِيّةِ قتالاً شديداً، وانفَرَدَ يَزِيدُ بن بَدْرٍ، وكان فارسَ الجميع يومئذٍ، فحمَلَ عليه الأَخْنَسُ، فطعنَه فصرعَهُ وأَسرَهُ، واستَحَرّ القتلُ في بني فَزَارَةَ وولَّى حَمَلُ بنُ بَدْرٍ، فَنَادَاه الأَخْنَسُ: إِلى أَيْن يا حَملُ؟ وقال: عُودِي فَزَارَ ولا تَجْزَعِي ... فإِنّا أُنَاسٌ لنَا مَرْجِعُ وأَصابَ الأَخْنَسُ الأَسَارَى والنِّسَاءَ، وبَذَلَتْ بنو فَزَارَةَ في يَزِيدَ من الدِّيَةِ أَلْفَ بَعِيرٍ، وبَعَثُوا بذلك وُفُوداً. فقالَ الأَخنسُ: ما الّذِي بذَلْتم في صاحِبك بأَغْنَى من ذُبَابِ خَيْلِكم، فواللهِ لا يَكُون أَمْرِي فيكم أَمَماً. فبَكَى الوَفْدُ وقالوا: كَبَا بِك جَدُّ قَوْمِك يا يَزيدُ! ولم يَشُكّ في قَتْله بنو تَغلِب وبنو فَزارَة، ثُمَّ دعَا به الأَخْنَسُ فأَطْلقَه مَنّاً عليه، وحمَلَه، وكان قَبْلَ ذلِك مُكْرِماً له، فقالَ الأَخْنَسُ في ذلِك: أَلَمْ تَرَنٍ مَنَنْتُ على يَزِيدٍ ... ولمْ أُشْمِتْ به حَمَلَ بْنَ بَدْرِ رَفَعْتُ بهِ ذِمَامًَ أَبي شِهَابٍ ... ولمْ يَكُ أَسْرُهُ عِنْدِي بأَسْرِ ولَوْ أَنِّي أَشاءُ لَبَاتَ نُصْباً ... يُقَلِّبُ أَمْرَهُ بَطْناً لِظَهْرِ ولَوْ أَنّي أَشاءُ لَسَاقَ أَلْفاً ... كهَضْبِ الطَّوْدِ مِن سُودٍ وحُمْرِ ولكِنّي حَفِظْتُ بَنِي أَبِيه ... بنعمة فكه لبقاء دهر وكان يزيد خير بني أبيه ... سِوَى حَمَلٍ وفيه كُلُّ نَذْرِ فَرَاكَضَنى وطَاعَنَني يَزِيدٌ ... فرَدَّ الخَيْلَ كاللَّيْثِ الهِزَبْرِ ولو غَيْرِي يُنَازِلُه يَزِيَدٌ ... لأَقْعَصَهُ بنَابٍ أَوْ بظُفْرِ وقال يزيدُ بن بَدْرٍ يشَكُر الأَخْنَسَ بن شِهَابٍ: جَزَى اللهُ عَنّي والجَزَاءُ بكَفِّه ... أَبا الغَمْر أَعْنِ الأَخْنَسَ بنَ شِهَاب تَدَارَكَنى مِنْ بَعْدِ بُؤْسِ بنعْمَةٍ ... وكُنْتُ أَسِيراً في جَنَاحِ عُقَاب

يوم فلج

وقد عَرَضَتْ ذُبْيَانُ أَلفاً كأَنّها ... هِضَابُ أَجَا تَرْعَى بأَرْضِ رِبَابِ فقالَ لهم رُدُّوا القِلاَصَ فما الَّذِي ... بَذَلْتُم بأَغْنَى مِن جَنَاحِ ذُبَابِ ولمَّا رَأَتْ ذُبْيانُ ما قالَ أَخْنَسٌ ... تَعَزَّوْا وقالوا جَدُّ قَوْمِكَ كَابِ فأَطْلَقَني من بَعْدِ ما ظَنَّ قَوْمُه ... وقَوْمِيَ ظَنَّاً لم يَكُنْ بصَوَابِ ولمْ يَبْلُغ احَمْدَ الطَّوِيلَ بَقاؤُهُ ... ببَكْر قَعُودٍ في القِرَى وبِنَابِ وقال الأخنسُ أَيضاً: ونحْنُ أُناسٌ لا حُصُونَ بأَرْضِنا ... نلُوذُ بها إِلاَّ السُّيُوفُ القوَاطِعُ وجَاْوَاءُ تُعْشِي النَّاظِرِين كأَنَّها ... إذا ما بَدَتْ قَرْنٌ من الشَّمْس طالِعً وحامِي لِوَاءٍ قد قَتَلْنا وحَامِلٍ ... لِوَاءً مَنعْنَا والرِّمَاحُ شَوارِعُ وإِنّا لصَيَّادُو الفَوَارِسِ بالقَنَا ... وإِنّا لحَلاَّلُون حَيْثُ نُقَارِعُ ؟ يَومُ فَلْجٍ وهو يومٌ لبني تَغْلِبَ على بني تميم أَغارَ النُّعمانُ بن زُرْعَةَ بن هَرْمِيّ بن السَّفَّاح بن خالِدِ بن كَعْب بن زُهَيرِ بنِ تَيْم بن أُسامَةَ، في خَيْل من بني تَغلِبَ، على بني تميم بفَلْجٍ، فلَمّا التقَى النّاسُ، وكان على تَميم هُرَيمُ بن مالكٍ، فنَادى: يالَ مُضَرَ: يا آلَ خِنْدَفَ: ونادى النُّعْمَانُ: يا آلَ تَغلِبَ: يا آلَ مالِكِ بنِ بَكْرٍ: فحَشَدَتْ تَغلِبُ، وحَشَدَتْ تَمِيمٌ، واشتَدَّ القِتَالُ، وعَظُمَ الشَّرُّ بين الفريقَيْن، وكَثُرَ القِيلُ، ثم إِنَّ حَسّانَ بنَ زُرْعَة، أَخَا النُّعْمَانِ، حَمَلَ على هُرَيمِ بن مالك الحَنْظَلِيّ، فطَعَنَه فصَرعَهُ، وتَنادَى القَوْمُ على دَمِهِ، فقُتِل من بني تميمٍ يومَئذٍ مالكُ بن قُرَّةَ، وعَوْفُ بن حابِسٍ وابنُ حُرْثَانَ، وعِقَالُ بن أَوْسٍ وعُطَارِدُ بنُ حارِثة، وخَلْقٌ. وأُسِرَ من سَرَواتِهم نَفَرٌ، وأَصابَتْ تَغْلِبُ سَبَايَا وأَمْوالاً عِظَاماً، وقد كانت تَغلِبُ جالَتْ جَوْلَةً، فثبتَتْ بنو تَيْم بن أسامةَ خاصَّةً، حتى أَزالُوهم عن أَفارِيقهِم، وكانت كُمَاةَ النَّاسِ يومئذٍ بنو زُهَير بن تَيْمٍ، وأَوّلُ مَن قُتِلَ في هذِه الوَقْعَةِ غُلامٌ من بني عِمْرانَ بن تَغْلِبَ يُكْنَى أَبا أُثَالٍ، كان حليفاً في بني حَنْظَلَة، فقال في ذلك اليَوْم النُّعْمَانُ بن زُرْعَةَ: لَعَمْرُ أَبِيكَ والأَنْبَاءُ تَنْمِي ... وقَدْ تُجْلَى العَمَايَةُ بالسُّؤَالِ لِنعْمَ فَوَارِسُ الهَيْجَاءِ تَيْمٌ ... عَلى فَلْجٍ صَبَاحَ أَبِي أُثَالِ غَدَاةَ رَأَتْ نَوَاصِيَهَا تَمِيمٌ ... عِجَالَ الشَّدِّ سَاقِطَةَ النِّعَالِ عَليْهَا كُلُّ أَصيَدَ مَالِكيٍّ ... مِن الشُّمِّ الشَّرَامِحَةِ الطِّوَالِ فَدَارَت بَيْنَنَا رَحَيَا مُدِيرٍ ... يُسَاقَوْنَ المَنِيَّةَ بالسِّجَالِ طِعَانٌ تَخْرُجُ النَّسَماتُ منهُ ... وضَرْبٌ يَخْتَلِي هَامَ الرِّجَالِ فغُودِرَ مَالِكٌ وأَبو يَزِيدٍ ... وقَعْقَاعٌ وأَجْلَوْا عن عِقَالِ وَأُبْنَا بالنِّهَابِ وبالسَّبَايَا ... وبالأَسْرَى تُقَوَّدُ في الغِلالِ فقُولاَ لِلأَرَاقِمِ غَيْرَ بَغْيٍ ... وبَغْيُ المَرْءِ أَقْرَبُ للسَّفَالَ أَلاَ إِنِّي رَأَيْتُ بني زُهَيرِ ... فَوَارِسَ مَالِكٍ يَوْمَ النِّزَالِ كمَا أَنِّي وَجَدْتُ سَرَاةَ غَنْمٍ ... بَنِي تَيْمٍ إِذَا اخْتَلَفَ العَوَالِي وقال حسّان بن زُرْعةَ في قَتْلِه هُرَيْمَ بنَ مالِك الحَنْظَلىّ: سَائِلِي عَنِّي زُهَيْراً تُخْبَرِي ... يَوْمَ فَلْجٍ والمَنَايَا تَخْتَطِفْ يَوْمَ غَادَرْتُ هُزَيماً ثَاوِياً ... وسِنَانُ الرُّمْحِ فيه مُنْقَصِفْ

يوم وادي الكنهل

تَعْصِبُ الطَّيْرُ عليه كُلَّمَا ... حَاوَلَ النَهْضَ تَأَبَّاهُ النَّزَفْ فنَأَى مِنِّي وفي حَيزومِه ... مِثْلُ جَيْبِ الدِّرْعِ تَمْكُو وتَكِفْ ولقَدْ تَعْلَم تَيْمٌ أَنّني ... نِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ في اليَوْمِ الكَسِفْ إِذْ لَقِينَا مِن تَمِيمٍ عُصْبَةً ... كقُرُومِ الشَّوْلِ تَمْشِي في الزَّغَفْ يَوْمَ نادَتْ في وَغَاهَا خِنْدِفاً ... وتَنَادَيْنَا بآبَاءٍ شُرُفْ من زُهَيْر دُونَ حَيَّيْ مالِكٍ ... وزُهَيْرٌ نِعْمَ مِرْدَاةُ الهَدَفْ وأَبِي السَّفَّاجُ أَلْفَى خَالِداً ... تَالِدَ المجْدِ وكَعْبٌ قد عُرِفْ عِصْمَةُ النَّاسِ إِذَا مَا أَمْحَلُوا ... وشِهَابٌ حِينَ تَصْطَكُّ الحَجَفْ وقالت الحَنْظليَّةُ ترْثِي مَنْ أُصِيبَ منهُم من قصيدَة: إِنَّ ابْنَ زُرْعَةَ حَسَّاناً وأُسْرَتَه ... جَرُّوا عَلَيْنَا شُؤُوناً ذَاتَ أَشْجَانِ أَبْقَى ابنُ زُرْعَةَ أَنْوَاحاً مَفَجَّعَةً ... تَفْرِي الجُيُوبَ عَلى عَوْفٍ وحُرْثَانِ فانْعَيْ عِقَالاً وقَعْقاعاً ومِن عُدُسٍ ... زَيْدَ بنَ عَمْروٍ وأَوْساً وابنَ زَبَّانِ ؟ يَومُ وَادِي الكنْهَلِ وهو يَومٌ لبني تَغْلِبَ على قَيْسِ بن ثَعْلَبةَ أَغَارَ النُّعْمَانُ بن زُرْعةَ على بكر بن وائلٍ، فأَوْقَع ببني قيس بن ثَعلبةَ، بوادِي الكَنْهَلِ، فاقتتلوا أَشدَّ قِتَالٍ يكونُ، وبَرزَ شَيبانُ بن شِهَابٍ، وهو جَدُّ بني مِسْمَعٍ، فنادَى: هَلْ من مُبَارِزْ؟ فحمَلَ عليه النُّعْمَانُ وطَعَنَهُ فصرَعَهُ، ونادَى ابنُه مِسْمَعٌ: يالَ قيْسِ بنِ ثَعْلبةَ، سيِّدُكم قَحَمَتْهُ الخَيْلُ. ومات من جِرَاحتِه بعد ذلِك، وخرجَ من بعدِهِ هُبَيرةُ بن مالك، فبرَز إِليه رَجلٌ من بني وَائِل بن غَنْمِ بن تَغلِبَ، فطعَنهُ فصَرعَهُ عن الفَرَس: وقُتِلَ الصُّدَيُّ بن ثَعْلَبَةَ ومالكُ بنُ تَيْم، وحَسّانُ بن عَمْرو، في فَوارِسَ من بني قيْس، وصَبَرتْ بنو ضُبَيْعة، حتى أَسْرَعَ القَتْلُ فيهم، وثَبتَتْ بنو سَعْدِ بن مالِك، وبنو مُرّةَ بن عُبادٍ، ثُمَّ انكشفَ القوْمُ، وأَصابَتْ بنو تَغْلِب أُسَارَى كثيرةً وكَفّوا عن النِّساءِ، فقال النُّعمانُ بن زُرعَةَ في ذلك من قَصِيدةٍ: ولوَ أنَّ سَلَمَى أَبْصَرتْنِيَ في الوَغَى ... وجُمُوعَ قَيْسِ يَوْمَ وَادِي الكَنْهَلِ وبِرايَتِي هَامَ الكُمَاةِ كَأَنما ... تُذْرِي السُّيُوفُ بها نَقِيف الحَنْظَلِ يَمْشُون في الزَّغَفِ المُضَاعَفِ نَسْجُه ... مَشْيَ الجِمَالِ إلى الجِمَالِ البُزَّل في مَأْزِقِ تَدْعُو الأَرَاقِمُ وَسْطَه ... بالمَشْرَفِيّ وبالوَشِيجِ الذُّبَّلِ أَيْقَنْتِ أَنّ أَباكِ غَيْرُ خِدَبَّةٍ ... رَثِّ السِّلاَحِ ولا اليَرَاعِ الأَعْزَلِ ودعَوْا ضُبَيْعَةَ ثُمَّ تَيْماً بَعْدَهَا ... وثَنَوْا بثَعْلَبَةَ الأَغَرِّ الأَوَّلِ فدَعَوْتُ في حَيِّ الأَراقِمِ دَعْوَةً ... خَطِفَتْهُمُ خَطْفَ الخُشَامِ الأَجْدَلِ وَاعْتَمْتُ شَيْباناً بأَوَّلِ طَعْنَةٍ ... فهَوَى لحُرِّ جَبِينِه في القَسْطَلِ في فِتيَةٍ بِيضِ الوُجُوهِ كأَنَّهُمْ ... شُهُبٌ تُضِئُ ظَلاَمَ لَيْلٍ مُقْبِلِ للهِ دَرُّهُمُ فَوَارِسَ بُهْمَةٍ ... لوْ غَيرٍُ تَغْلبَ رَامَها لم يُغْلَلِ وقالت الجَحْدَرِيَّة: ألاَ لاَ تَلُومُوا عَلى تَغْلِبٍ ... فإِنّ بني تَغْلبٍ أَوْجَعُونَا أَشَابُوا الذَّوَائبَ قَبْلَ المَشيبِ ... ونَالُوا عُمَومَتَنَا والْبَنِينَا وأَوْطَوْا ضُبَيْعةَ يَومَ اللّقَاءِ ... وتَيماً وثَعْلَبَةَ الأَكْرَمِينَا

يوم الجفار

وأرْدَوْا هُبيْرةَ في فِتْيَةٍ ... قَمَاقِمَ كانُوا المَصَابِيحَ فِينَا وشَيْبَانُ كانَ لنَا عِصْمَةً ... ومَأْوَى الأَرَامِلِ والمُوتَمِينَا وكانَ الصُدَىُّ على قَوْمِه ... كغَيْثِ الرَّبِيعِ عَلى المُسْنِتِينَا فإمَّا تَقُودُوا إِلى تَغْلِبٍ ... شَوَازِبَ قُبَّاً ثُبِيناً ثُبِينَا عَلَيْها رِجَالٌ عُكَابِيَّةٌ ... كأُسْدِ الشَّرَى لا تُرِيدُ العَرِينَا فتَجْزِي الأَرَاقِمَ ما أَسْلَفَتْ ... إِليْنَا وكانُوا لَنَا وَاتِرِينَا وإلاَّ فبُوءُوا بِتِلْك الَّتي ... تُذِلُّ الرِّقَابَ وتُبْكِي العُيُونَا ؟ يومُ الجِفَارِ وهو يَومٌ لبنِي تَغْلِبَ على بني تَمِيمٍ بلغَ النُّعْمَانَ بن زُرعَة أَنّ بني حَنْظَلَةَ تَتَمَنَّى لِقَاءَ بني تَغْلِبَ. وأَنّ سائرَ بني تميم عازِمُون على قَصْدهم، فحَلفَ النُّعْمَانُ أَنَّهُ لا يَغْسِل رَأْسَهُ حتَّى يَغْزُوَ الجِفَارَ، فجَمعَ بني تَغِلبَ، وأَغَارَ على بني تَمِيم بالجِفَار، فالْتَقَوْا واقتتَلوا يوَمهم أَشَدَّ قِتَال، فثبتَتْ بنو تميم لبني تَغِلبَ، حتَّى أَسْرَع القَتْلُ في الفَرِيقَيْن، وجعلَ أَبو شُتَيْر الحَنْظَليُّ يَحْمِلُ على بني تغلِبَ فيُسرع فيهم، فحمَلَ عليه النُّعْمَانُ بن زُرْعَةَ فقتلهُ، وقُتِلَ من بني نَهْشَل ومُجَاشِعٍ، وأَبَانَ فَوَارِسُ يُعْرَفون بأَسْمَائهم، وحَملَ النُّعْمَانُ بن عُقْفَانَ بنِ عَمْرِو بن عَنْ. ِ بن الخُنَابِسِ بن سَعْدِ بن كِنَانَةَ بن تَيْم بن أُسامَة، على ثَعْلبَة بن قُرَّةَ، أَخى بني يَرْبوع، فقتلَهُ وقُتِلَ عَمْرُو بن رَبِيعَة الحَنْظليُّ، وكان فارِسَ بني حَنْظَلَة، وانهزَمَتْ تميمٌ، وأَصابَت تَغْلِبُ نَعَماً ونِسَاءً. فلما انصرفَتْ تَغْلِبُ عن غَزْوِ تَميم وَجَّه النُّعْمَانُ الخَيْلَ إِلى نَجْرَانَ، فَأصَابَ أَحْيَاءً من مَذْحِج، وقَتَلَ منهم خَلْقاً، وأُصيبَ من بني تَغلِبَ في ذلِك اليَوم سَبْعَةُ فَوَارِسَ، وأَصابَتْ بنو تَغلِبَ نَعَماً وسَبْياً ثمّ انصَرفوا وقال النّعْمَانُ بن زُرْعة في ذلك: تَمَنَّتْنَا بنو عُدُسِ بن زَيْدٍ ... فلَمْ تَصْدُقُ بني عُدُسٍ مُنَاهَا تَمَنَّوْنَا غَدَاةَ رَحَى خُشَافٍ ... ومُنْيَتُنَا فَوَارِسُنَا شجَاهَا رَأَوْا جَمْعاً فَوَارِسُهُ زُهَيْرٌ ... يُسَاقُونَ المَنيَّةَ مَنْ سَقَاهَا عَلى لُحُقِ الأَياطِلِ مُضْمَرَاتٍ ... كأَسْرَابِ القطَا شَنِحٍ نَسَاهَا بأَيْدِيهمْ قَوَاضِبُ مُرْهَفَاتٌ ... يَرُدُّ المُصْطَلِين بها لَظَاهَا فدُرْنَا في عَجَاجَتِهَا جَمِيعاً ... كمَا دَارَتْ على قُطُبٍ رَحَاهَا فظِلْنَا نَخْطَفُ النَّسَمَاتِ خَلْساً ... كخَطْفِ الطَّيْرِ بَازٍ قَدْ عَلاَهَا وضَرْبٍ ما يُبِلُّ به كَلِيمٌ ... ببِيضِ الْهِنْدِ مَصْقُولاً ظُبَاهَا فغُودِرَ مِن سَرَةِ بني تَمِيمٍ ... ذَوُو نَجَدَاتِهَا وذَوُو نُهَاهَا فَوَارِسُ في مُلِمّةِ كُلِّ يَوْمٍ ... علَى الأَذْقَانِ مائلَةٌ طُلاَهَا ولمّا أَنْ رَأَيْتُ أَبا شُتَيْرٍ ... يَرُدُّ الخَيْلَ دَامِيةً كُلاَهَا رَمَيْتُ سَوَادَهُ بأَقَبَّ نَهْدٍ ... وخَيْلاَنَا تَكَدَّسُ في وَغَاهَا فبَاءَ بطَعْنةٍ منْ مَالِكيٍّ ... تَأزَّرَ بالمَكَارِمِ وارْتَداهَا بأَسْمَرَ ما يزَالُ له قَنِيصٌ ... على قَبَّاءَ تَخْفِقُ أَيْطلاَها وكان الكَبْشَ قد علِمَتْ مَعَدٌّ ... ومَنْ هُوَ عنْدَ نِسْبَتِهَا فَتَاهَا وقال النُعمان بن عُقفَان: سائِلْ فُقَيماً بالجِفَار ونَهْشلاً ... ومُجَاشِعاً وبني أَبَانٍ تُخْبَرِ عنَّا غَدَاةَ رَأَوْا فَوَارِسَ تَغْلبٍ ... دُونَ القَصِيمَةِ في العَجَاجِ الأَكْدَرِ

يوم الأثلب

مُتَسَرِّعِينَ إِلى الهِيَاجِ كأَنَّهم ... أُسْدُ الغَرِيفِ على سَوَاهِمَ ضُمَّرِ واسْأَلْ بثَعْلَبةَ بنِ قُرَّةَ إِذْ ثَوَى ... تَبْكِي عليه مَآتِمٌ من جَعْفَرِ نَوْحَي مُفَجَّعةً كأَنّ حَنِينَهَا ... بَعْدَ العِشَاءِ حَنِينُ نِيبٍ حُسَّرِ غادَرْتُه جَزَراً يَنُوءُ بصَدْرِه ... بَيْنَ الفَوَارِسِ ثَاوِياً لم يُقْبَرِ يَوم الأَثْلَب وهو يوم لبني تَغلِبَ على هَوَازِن، وفيه نُكِسَ مُلاعِبُ الأَسِنَّةِ أَغارَ فُرْطُ بنُ السُّفَيْح بن السَّفّاحِ، في بني تَغلِبَ، على عُليَا هَوازِنَ، بعد ما كَلَّتْ خيْلُهُ وحَفِيَتْ، فأصابَهم جامعينَ بالأَثْلَب، قد حَذِرُوهُ، فقاتلوه قِتالاً شديداً، حتَّى كَثُرَتِ القَتْلَى بين الفَريقَيْن، وانهزَمتْ بنو تَغلِبَ، ثمَّ إِنّ قُرطاً كَشَفَ رأْسَه وصاحَ: يالَ مالِك: يالَ أُسامةَ: إِلى أَينَ؟ وذَمَرَهُم فتَراجَعُوا، وحمَل على أَبي بَرَاءٍ مُلاَعِبِ الأَسِنَّةِ، واسمُهُ عامِرُ بن مالِك بن جَعْفَر بن كِلاَب، وهو يومَئذٍ فارسُ هَوَازِن، فطعَنُه فصَرَعَهُ عن الفَرش، وحامَتْ عليه هَوَازِنُ حتى استَنْقَذَتْهُ، وانهزَمَتْ هَوَازِنُ، وأَتْبَعَهم قُرْطُ بنُ سُفَيْحٍ، لا يَلْحَقُ فارساً إِلاَّ صَرَعَهُ، وغَنِمَ وسَبَى. وقالَ قُرْطٌ في ذلِكَ: يا مَيَّ لو أَبْصَرْتِنِ وفَوَارِسي ... حَوْلِي وقدْ هُزِمَتْ فَوَارِسُ تَغْلِبِ إِذْ قاَلَ فارِسُ عامِرٍ لهَوازنٍ ... لله دَرُّكِ قَدْ قَدَحْتِ فأَثْقبِي فكَشَفْتُ رَأسِي ثمّ قُلْتُ لِمَالِكٍ ... كُرُّوا عَلَيْهِمْ يا فِدَاؤكُمُ أَبِيِ فحَمَوْا فَوَارِسَ مالِكٍ من خَلْفِهِمْ ... شَرَقُ الأَسِنَّةِ من دَمٍ مُتصَبِّبِ لعَرَفْتِ مِنّي أَيّ فارِسِ بُهْمَةٍ ... قُرْطٌ وقَوْمُكِ في العَجَاجِ الأَصْهَبِ لَوْلاَ فَوَارِسُ مَالِكٍ وكِفَاحُهمْ ... لَهَوَتْ فَوَارِسُنا غَدَاةَ الأَثْلَبِ ولقدٍْ طَعَنْتُ أَبا بَرَاءٍ طَعْنَةً ... شَرِقَ السِّنَانُ بها وصَدْرُ الثَّعْلَبِ نَجْلاَءَ تَقْذِفُ بالسيَارِ كَأَنّها ... دَلْوٌ مَتَى ما يَسْبُرُوها تشْعَبِ وخَرَائِدٍ بِيضِ الوُجُوهِ عَقَائِلٍ ... سَبْيِ الأَرَاقِم أُنَّسٍ كالرَّبْرَبِ وعيَرَّتْ هَوَازِنُ أَبَا بَرَاءِ بانهِزامه من قُرْطِ بن سُفَيْحٍ فقالَ أَبو بَرَاءٍ عامِرُ بنُ مالكٍ في ذلِكِ: لعَمْرُك ما طَعْنُ الرَّئيس ببِدْعَةٍ ... خِلاَلَ الوَغَى ذَا نَجْدَةٍ مِن هَوَازِنِ سَمَوْتُ إِلى الخَيْلِ المُغِيرةِ صبْحَةً ... فعَارَضَنٍ قُرْطٌ بأَسْمَرَ مَارِنِ فجَاشَتْ به نَفْسِي وللمَرْءِ نَبْوَةٌ ... فكُنْتُ كضِرْغامٍ خَضِيبِ البَرَاثِنِ نَبَا عِطْفُهُ عن قِرْنِه حَيْثُ لم يَجِدْ ... مَصِيداً بجَأْشٍ في العَجَاجَةِ سَاكِنِ فإِن أَلْقَ قُرْطاً أَجْزِه حَذْو نَعْلِه ... بَوَاءً وما قُرْطٌ لِتِلْك بآمِنِ يَومُ جَوِّعَتِيكٍ وهو يوم لبني تَغْلِبَ على بني قيس بن ثَعْلَبة

أَغارَ سَلَمَةُ بن قُرْطِ بن سُفَيْح، في خَيْلٍ من مالكٍ بن بَكْرٍ، ومعهُ بِشْرُ بن سَوَّارِ بن شِلْوَةَ بن عَبْد الحَارث بِن جُنْدُبِ بن الحَارِثِ بن مالِكٍ بن بَكرٍ، على بني قَيْس بن ثَعْلَبَة، فخَرَجَ إِليه أَحْياءُ بني قَيْس: بنو تميم بن قَيْس وضُبَيْعَة بن قَيْس، وبنو سَعْد بن قَيْس، وفَوارِسُ بني جَحْدَرٍ، وهم حُمَاةُ القَوْم وأَنجادُهُم، وجاءَ الحُطَمُ في خيلٍ كثيرةٍ، فالتَقَوْا بعَتِيكٍ صَبَاحاً، فاقتتَلُوا قِتَالاً شديداً، وخَرَجَ الحُطَمُ ونادَى إِلى البِرَازِ فخَرَجَ إِليه بِشْرُ بن سَوّارٍ، فحمَلَ عليه فطَعَنَهُ فصَرَعَهُ وأَسرَهُ، وتَعَاوَرَ القَوْمُ الطِّعَانَ، فصبَرَتْ بنو جَحْدَرٍ، وأُصِيبَ من بني تميمٍ ابن قَيْسٍ ابْنَا عُمَيْر، وطَعَنَ سَلَمَةُ بن قُرْطٍ حُمْرَانَ ابنَ عبدِ عَمْرو بن عَمْرو بن مَرْثَدٍ، فأَفْلَتَ بها، وانهزمَتْ بنو قَيْسٍ، وأَصابَت تَغْلبُ سَبَايَا ونَعَماً كثيرةً في تلك الوَقعةِ. وقال سَلَمة: لله دَرُّ فَوَارِسٍ من تَغْلبٍ ... خَضَبُوا الأَسِنَّةَ مِن فَوَارِسِ جَحْدَرِ لا يَنْثَنون إِذَا الصِّفَاحُ تَخَالَفَتْ ... يَوْمَ الهِيَاجِ وكُلُّ لَدْنٍ أَسْمَرِ وَطِئُوا ضُبَيْعَةَ يَوْمَ خَوٍّ وطْأَةً ... شَابَ الوَلِيدُ لَهَا مَشِيبَ الأَكْبَرِ ولَقَدْ عَطَفْنَ على عُبَادٍ عَطْفةً ... أَعْجَلنَ نِسْوتهنَّ شَدَّ المِئْزَرِ ولَقدْ شَفَى نَفْسِي وأَذْهبَ وَغْمَهَا ... قتْلَى بمُعْتَلجِ العَجَاجِ الأَكْدَرِ مِن حَيِّ قيْسٍ والضُّبَيْعِ وجَحْدَرٍ ... كانوا الشِّفاءَ لكُلِّ ثَارٍ مُوغرِ ولقدْ دعَا حُطَمُ النِّزَالَ فبَزَّه ... بِشْرُ بن شِلْوَةَ نَفْسَهُ في العِثْيَرِ فثَوَى يُقَوَّدُ في الغِلاَلِ جَنِيبَةً ... يَمْشِي العِرضْنَةَ كالْخِدبِّ الأَزْورِ واسْتيِقَ من تَيْمٍ خَرَائدُ أُنَّسٌ ... من ثَيِّبٍ أَو كَاعِبٍ كالجُؤذَرِ وقال بِشْرُ بن سَوَّارِ بن شِلْوةَ، وكان من أَعْلام تَغْلِبَ وساداتِهَا: حَلَفتُ يَمِيناً غيرَ ذي مَثْنَوِيَّةٍ ... بأَنّ ابنَ قُرْطٍ مَاجدٌ وابنُ مَاجِدِ سَمَا بالعَناجِيجِ الجِيَادِ على الوَجَى ... يُنَكِّبُها بالجَرْيِ صُمَّ الجَلاَمِدِ إلى سلَفَي حَيَّيْ عُكَابَةَ هَمُّهُ ... لِقاءُ بنِي قَيْسٍ بأَقْصَى المَوَارِدِ فصَبَّحَهَا قُباً تَضِبُّ لِثَاتُهَا ... علَيْهَا رِجَالُ المَوْتِ مِنْ آلِ خَالدِ فلمَّا الْتَقَيْنَا جَالتِ الخَيْلُ جَوْلَةً ... بكُلِّ فَتىً حَامِي الحَقِيقَةِ ذَائدِ ولمّا تَنادَوْا يالَ قَيْسٍ وأَقْبَلتْ ... فَوَارِسُ مِنَّا كالأُسُودِ الحَوَارِدِ بكُلِّ رُدَينيٍّ أَصَمَّ كُعُوبُهُ ... وأَبيضَ مَصْقُولِ الغِرَارَيْن فَارِدِ ووَلَّتْ عُبَادٌ عَنْ فَوَارِسَ منهُمُ ... مِنَ المَعْشَرِ البِيضِ الطِّوالِ السَّوَاعِدِ عَنِ ابْنَيْ نُمَيْرٍ مَالكٍ ومُرَقّشٍ ... وحَسّانَ في أَكفائهِ والمجَالد فَوَارِسُ أَبْقَوا كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلةٍ ... مَآتِمَ نَوْحَى شَجُوُها غَيرُ بَاردِ وعَنْ حُطَمٍ وَلَّتْ فَوَارِسُ قَوْمِه ... ولمْ أَكُ عنه في البِرَازِ برَاقِدِ فَرَاحَ يُغَنّيه الحَدِيدُ كأَنَّه ... قَرِيعُ هِجَانٍ في عِشَارٍ طَرَائِدِ شَفَيْنَا مِن الحَيِّ العُكَابِيّ غُلَّةً ... وأُبْنَا بأَنْعامٍ لهمْ وخَرَائِدِ ورَاحتْ بحُمْرَانَ بنِ عَمْرو مَنِيّةٌ ... فلَيْسَ إِلى الحرْبِ العَوَانِ بعَائدِ وقالت أُختُ الحُطَم: أَشابَ الذَّوائبَ قَبْلَ المَشيبِ ... نَوَائحُ تَبْكِي لأَسْرِ الحُطَمْ وقَدْ كَانَ في الحَرْب ذَاتُدْرَإِ ... بَصِيرَ السِّنَانِ بطَعْنِ البُهَمْ

يوم الكلاب الأول

فأَصْبَحَ في الحَيّ مِن تَغْلِبٍ ... إِذَا نَامَ ذُو سَهَرٍ لم يَنَمْ وللهِ تَغْلِبُ من مَعْشَرٍ ... إِذَا أَبْدَت الخَوْدُ عَنْهَا الخَدَمْ هُمُ صَبَّحونَا بمشْبُوبةٍ ... عَلَيْهَا ابنُ قُرْطٍ كلَيْثِ الأَجَمْ فَوارِسُهَا الشُّمُّ مِن مالكٍ ... وتَيْمٌ هي الأَنْفُ مِنْهَا الأَشَمْ فأَرْدَوْا فَوَارِسَها المُعَلَمِين ... ولَيْسَ المُصَابُ به كالأَمَمْ فلاَ تَبْعَثوا الحَرْبَ بَعْد الحِيَادِ ... وأُوبُوا صِغَاراً بقَرْنٍ أَجَمْ وبَكُّوا عَلى المَعْشَرِ الأَكْرَمِينَ ... غَدَاةَ اللِّقَاءِ بدَمْعٍ سَجِمْ ثم إِن بِشْرَ بن سَوَّارٍ مَنَّ على الحُطَم وجَزَّ ناصيتَه وأَطْلَقَه. ؟ يَومُ الكُلاَبِ الأولِ وهو يوم لبني تَغلِبَ على غَسّان ولَخْم وبُطُونٍ من اليمَن، وفيه مَقْتَلُ عَمْرو بن نائِل مَلِكِ لَخْمٍ: كان ابنُ عُنُق الحَيّةِ واسمُه أَوْفَى بن يَعْفُرَ الَغسّانيّ وعُنُقُ الحَيَّةِ بلُغة حِمْيَر: مَلِكُ الملوك بَعُ مَلِكاً من مُلوكِ غسّانَ يقال له لَبِيدُ بن النمِس ليُملِّكَه على بني تَغلِب، فلمّا قَدِمَ عَلَيْهِم تزوَّجَ امرأةً من بني عِمرَانَ ابنِ تغلبَ يقال لهَا: عمرةُ بنتُ الخُنَابِس ثم إن بني تَغْلبَ كَرِهوا أَنْ يملكوه عليهم، ومَنعوه الإِتَاوةَ، فأَقَامَ على غيرِ ذِمّة فنازعتْه امْرَأَتُهُ الكَلاَمَ، فلَطَمَ وَجْهَها وقال: كأَنَّكِ تُرَيْن أَنّكِ حُرَّةٌ، قالت: وما يَمنَعُني وأَبِي عِمرانُ، وجَدِّي.... الوُجِيهَةُ ابْنَةُ عَمْرو بن عامر ملك الاَزدِ، قال: تلك القَرابَةُ منَعَتك، لولا ذلكِ لشَدَدْتُ شَعرَكِ إِلى ذَنَبِ قَلُوصٍ جَرْباءَ صَعْبَةٍ حتَّى تُقَطّعك. فخَرجَتِ المرأَةُ حتى أَتتْ كُلَيْباً وهي تَبكي وتقول: ما كُنْتُ أَخْشَى والحَوَادِثُ جَمّةٌ ... أَنَّأ عَبِيدُ الحَيِّ مِن غَسَّانِ حتَّى عَلَتْنِي مِنْ لَبِيدٍ لَطْمَةٌ ... سَدِرَتْ لِحَامِي حَرِّهَا العَيْنانِ لا تَبْرَحوا الدَّهْرَ الجَدِيدَ أَذِلّةً ... شُنْجَ الأَعِنَّةِ يوم كلِّ رِهَانِ لَوْلاَ الوَجِيهَةُ قَطَّعَتْنِي بَكْرَةٌ ... جَرْبَاءُ مُشْعَلَةٌ مِنَ القَطِرَانِ وأَعْلَمَتْ كُلَيْباً الخَبَرَ، فقال لها: إِنّي قاتِلُه، وخَرجَ كُليبٌ يَدُورُ في الحَيِّ لَيْلَتَه، فسَمِعَ لَبِيداً وقد أَخَذَ فيه الشَّرَابُ وهو يَتَغَنَّى: طَالَ لَيْلِي فمَا أَحُسُّ هُجُودَا ... أَرْقُبُ النَّجْمَ للمُغَارِ عَميدَا مِنْ حَدِيثٍ نَمَى إِليَّ عَنِ المَرْ ... ءِ كُلَيْبٍ فَزَادَ حِقْدِي وَقُودَا يا بَنِي تَغْلِبٍ عَلاَمَ تَقُولُوا ... نَ كُلَيْبٌ يُهْدِي إِليَّ الوَعِيدَا نَحْن كُنّا المُلوكَ في عُصُر الدَّهْ ... رِ وكُنْتُمْ فِيم الأَنَاةُ عَبيدَا إِنّ في مَنْعِك الإِتَاوَةَ حَرْباً ... ونَكَالاً يُشَيِّبانِ الوَلِيدَا فاقْبَلِي ما أَتَاكِ مِن قِبَل المَل ... ك ولا تَهْلِكِي هَلاَكَ ثَمُودَا فلمّا سَمِعَ كُليبٌ الغِنَاءَ دخلَ مُغْضَباً على لَبِيد فقتله، وقال: نحن عَبِيدٌ كما قلتَ إِن لم نُغَيِّر. ثم خَرَجَ وهو يقول: إِن يكنْ قَتلُنا الملوكَ خَطَاءُ ... أَو صَوَاباً فقد قَتَلْنا لَبِيدَا وخَلَعْنَا المُلوُكَ إِنَّ لنا اليَوْ ... مَ جِيَاداً مَنْسوبَةً وعَديدَا وحُلوماً لنَا يَعِيشُ بها النّا ... سُ ورُكْناً مِنَ الحِفَاظِ شَدِيدَا إٍِنْ يُرِدْنَا بكَيْده عُنُقُ الحَيَّ ... ةِ لا أُلْفَ عِنْدَهَا رِعْدِيدَا نُوقِدُ الحَرْبَ بالذِي عَرَفَ النَّا ... سُ بها تَغلِباً ونُذْكِي الوَقُودَا ونَرُدُّ الأَنَاةَ ردَّ ذَوِي العِ ... زِّ ولا نَجْعَلُ الحُرُوبَ وَعِيدا

فلما سمِع ابنُ عُ، ُقِ الحَيَّة بمقْتَل لَبِيد ساءهُ ذلك، ودَخَلَ عليه أَخو لبيد، فحَيّاه بتَحيَّة المُلك ثم قال: اجْبُرَنْ ذَا مُصِيبَةٍ بأَخِيهِ ... هَلْ لِمَا كَان من كُلَيْبٍ نَكيرُ إِنْ تَقْدْ نَحْوَه المُسَوَّمةَ الجُرْ ... دَ لَهَا بالمُدَجَّجِين زَفِيرُ فَوْقَها الشُّمُّ مِنْ ذَوَائبِ غَسَّا ... نَ ولَخْمٌ وبَارِقٌ وبَكِيرُ مُحْقِبِي كُلِّ نَثْرةٍ كَبَّهَا السِّيُّ ... يَرُدُّ النِّجَادَ عَنْهَا القَتِيرُ تُدْرِكِ الثَّارَ أَو يُقَلِّدْكَ ذَا العَا ... رَ كُلَيْبٌ فاخْتَرْ وأَنتَ بَصِيرُ فقال له الملك: اجْلِي فلن يُطَلّ دَمُ أَخيك ثمّ دعا بالخَمْر والقِيَان، فلمّا أَخَذَ فيه الشَّرَابُ قال: قدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ تَغْلِبَ وَائِلٍ ... سَتَجُرُّ حَرْباً قَبْلَ قَتْلِ لَبِيدِ فَالْيَوْمَ إِذْ قَتَلُوا لَبِيداً فالشَّجَا ... مِن دُونِ ذلِكَ دُونَ حَبْلِ وَرِيدٍ ويَدِي لهمْ رَهْنٌ بكُلِّ مُضَمَّرٍ ... مَرِطِ الجِرَاءِ وشَطْبَةٍ قَيْدُودِ يَخْرُجْنَ مِن خَلَلِ الغُبَارِ عَوابِساً ... لُحُقَ الأَيَاطِلِ كالرَّشَا المَجْرُودِ حَتَّى تُصَبِّح تَغْلِب ابْنَةَ وَائِلٍ ... حَرْباً يُشَبُّ سَعِيرُها بوَقُودِ ثم إِنّ ابنَ عُنُق الحَيَّة جَمعَ لبني تَغلِبَ جَمعاً عظيماً، وسارَ إِليهِم، وسارُوا، فالتَقوا بالكُلاَب، فاقتتَلوا قِتَالاً شَديداً، فكان أَوَّل النّهَارِ لغَسّان، ثم إِنّ كُلَيباً صمَدَ لِعَمْرِو بنِ نائِل مَلِكِ لَخْم، فطعنَه فقتَلَه، وكانَ على المَيْمَنَة، فانْهَزَمَ القوْمُ، ونادَى ابنُ ذي الحيلانِ: يالَ صَدِف، فأَجابَهُ بَنُو نَوَاس وحَامَوْا على لِوَائِهِم وقاتَلوا، حتى أَسرَعَ القَتْلُ فيهم، ونَزَلتْ غَسّانُ يَمشون في الحَديد، فاقتتَلوا أَشَدّ قِتَال يكون، حتّى جَنَّهم اللَّيْلُ، وقُتِل منهُم خَلْقٌ كثيرٌ، ووَلَّتْ غَسّانُ مُنْهزِمةً، وكفَّ بنو تَغلِبَ عَنِ اتِّبَاعِهِم، فلمّا قَدِمَ ابنُ عُنُق الحَيَّة على قَومه عَذَلوه، فقال: لا تَلُومُوني، فلَكم دِيَةُ القَتِيلِ، وفَكُّ الأَسِير، واللهِ لقد جئتُكُم من عنْد قَومٍ رأَيتُ المَنَاياَ تَلَظَّى في أَطْرافِ أَسِنّتِهِم. وقال عَمرو بن مُعاوِيةَ التَّغلبيّ: أَتَانَا ابنُ عُنْق الحَيَّة المَلْكُ قادِماً ... على أَمْرِه في تَغْلِبَ ابنَةِ وَائِلِ بجَيْشٍ نَضِلُّ البُلْقُ في حَجَرَاتِه ... تَخَالُ دَوِيّ الرَّعْدِ صَوْتَ الصَّواهِلِ فلَمّا الْتَقَيْنَا بالكُلاَب كأَنَّنَا ... أُسُودُ الشَّرَى لاَقَيْنَ أُسْدَ الغَيَاطِلِ رَميْنَاهُمُ بالفَيْلَقِ الضَّخْمِ وانْتَمتْ ... فَوَارِسُ مِنَّا بالقَنَا والمَنَاصِلِ وقُلْنَا ونَحْنُ القوْمُ نَمْنَعُ سِرْبَنَا ... عَلى ذَاك كُنَّا في الخُطُوبِ الأَوائلِ بَنِي تَغْلبٍ إِنّ الفِرَارَ خَزَايَةٌ ... ولَيْس امْرؤٌ هَابَ الحِمَامَ بآئلِ فحَامُوا عَلى أَحسابِكم بِسُيُوفِكمْ ... فلَلمَوْتُ خَيرٌ من سِبَاءِ العقائلِ فشَدّ كُلَيبٌ شَدَّةً ورِمَاحُهمْ ... شَوَارِعُ فينَا بيْنَ صَادٍ ونَاهِلٍ فأَفْرَجَتِ الخَيْلاَنِ عَنْه ورُمْحُه ... خَضِيبٌ مِن اللّخْمِيّ عَمْرِو بنِ نائِلِ ودَارَتْ رَحَانَا واسْتَدَارَتْ رَحَاهُمُ ... وكُلٌّ بَصِيرٌ في الوَغَى بالمَقاتِلِ فمَا زَالَ ذَاكَ الدَّأْبُ حَتَّى تَوَاكَلَتْ ... فَوَارِسُ مِنْ غَسَّانَ غَيرُ تَنَابِلِ وطَارَتْ بعُنْقِ الحَيَّةِ المَلْكِ سَهْوَة ... تَدِفُّ دَفِيفَ الأَخْدَرِيّ المُوَائلِ ووَلَّوْا شَعَاعاً والقَنَا مُتْلَئِبّةٌ ... تُكَسَّر في أَكْتَافِهِمْ والكَوَاهِلِ وقال أخو عَمْرِو بن نائل اللَّخميّ من أَبْيَاتٍ:

يوم الكلاب الثاني

إِنّي غَزَوْتُ إِلى قَوْمٍ جَحَاجِحَةٍ ... كانُوا لأَوَّلِنا في الدَّهْرِ أَنْصارَا شُمْس العَداوةٍ مَخِشيّ أَسِنَّتُهمْ ... لمْ يُدْرِكِ النَّاسُ منْهم قَطُّ أَوتَارَا يكْسُون هَامَ مُلُوكِ النّاسِ ضَاحِيةً ... بِيضَ الصَّفِيحِ إِذا ما مَلْكُهُمْ جَارَا إِنَّ الكُلاَبَ به قَتْلَى مُصْرَّعةٌ ... كَانُوا لَنَا سُنَّةً نَقْضاً وإِمْرَارَا لَوْلاَ الظَّلامُ وأَنّ اللَّيْلَ خالَطَهمْ ... لم تُبْقِ تَغِلبُ مِن حَيَّيْك دَيَّارَا غَسَّانُ صُبْرٌ وأَحْيَا تَغْلِب بُهَمٌ ... كُلٌّ يُحَدِّدُ أَنْيَاباً وأَظْفَارَا وقال ابن عُنُق الحَيّة: ظَنَنْتُ ظُنُوناً فأَخْلَفْنَنِي ... كَمَا أَخْلَفَ السَّفْرَ رَيْعُ السَّرَابِ وقالُوا الغَنِيمَةُ في تغْلِبٍ ... فسِرْنَا إِليهِمْ بجَيْشٍ سِغَابٍ ذوَائبَ مِن كُلِّ صُيّابَةٍ ... ولَيْسَ القَوَادِمُ مثْلُ الذُّنَابِ علَى كُلّ جَرْدَاءَ خَيْفَانَةٍ ... ولاَحِقَةِ الإِطْلِ مِثْلِ العُقَابِ فَوَارِسُهَا الشُّمُّ مِن مالِكٍ ... وعَمْرو ولَخْمٍ وحَيَّيْ شِهَابِ أَقُودُ خَمِيْساً له أَزْمَلٌ ... وقَدْ قَادَني الحَيْنُ نُحْوَ الكُلاَبِ إِلى أُسْرَةٍ غَيْر مَذْمومةٍ ... إِذَا أَبْدَتِ الحَرْبُ حَجْلَ الكِعَابِ وقَامَتْ رَحَانَا على قُطْبِها ... وفَرَّتْ هُنَالِك عنْ حَدِّ نَابِ وجَاءَ الأَرَاقِمُ لا يَنْثَنُونَ ... كأُسْدٍ خَوَارِجَ مِنْ بَطْنِ غابِ سَوَاكِنَة الخَيْلِ في نَقْعِها ... بطَعْنِ النُّحورِ وضَرْبِ الرِّقابِ ووَقْعِ الصِّفَاحِ على الدَّارِعِينَ ... وأَسْرِ الكُمَاةِ وحَوْيِ النِّهابِ فأَمْعَنْتُ رَكْضاً على قَارِحٍ ... يَمُجُّ نَجِيعاً من المَوْتِ جَابِ وقَدْ زَايلَ القَلْبَ أَنْيَاطُه ... ولَمْ يَبْقَ إِلاّ نِيَاطُ الحِجَابِ وقال مُهلْهِلٌ في هذا اليومِ قَصِيدةً طَوِيلةً أَوَّلُهَا: لَوْ كَان شَيءٌ لابْنِ لِحْيَةَ ناهِياً ... لَنَهَتْه عَنّا وَقْعَةُ السُّلا؟ َّنِ ويقول فيها: لَمّا رَأَوْنَا بالكُلاَبِ كأَنَّنا ... يَوْمَ اللِّقَا أُسْدٌ عَلى خَفَّانِ نَهَضَ الكُمَاةُ بكُلِّ أَبْيَضَ صارِمٍ ... وبكُلِّ أَسْمَرَ مَارِنٍ حَرَّانِ يَمْشونَ في حَلَقِ الحَدِيدِ كَأَنّهمْ ... جُرْبُ الجِمَالِ طُلِينَ بالقَطِرانِ فنَجَا بمُهْجَتِهِ وأَسْلَمَ قَوْمَهُ ... مُتَسَرْبِلِينَ زَوَاغِفَ الأَبْدَانِ وبنُو نُوَاسٍ تَحْتَ ظِلِّ لِوَائِهمْ ... مُتَعَطِّفِينَ علَى ابْنِ ذِي الحيلاَنِ وهَوَى ابْن نَائلَ في المَكَرِّ كأَنَّه ... والرُّمْحُ شاجِرُهُ قَرِيعُ هِجَانِ ؟ يَومُ الكُلاَبِ الثاني كان بَدءُ هذا اليومِ أَن الغَلْفاءَ سَلَمَةَ بنَ عَمرو بن الحارِث الكِندِيَّ كان في بني تَغلِبَ مَلِكاً، وكان أَخوهُ شُرَحْبِيلُ مَلِكاً على بني تميم وقيسٍ وبطونٍ من بَكْرِ بن وائل، فعَلاَ الشَرُّ بين المَلِكَيْن، حتى جعلَ كلُّ واحد منهما لمن جاءَ برأْسِ أَخِيه مائةً من الإِبل، فبعثَ شُرَحْبِيلُ مُجاشِعَ بن العَقِيلَةِ التَّميميَّ في خَيْلٍ من بني تَمِيم، فأَغَارُوا على ناحِية لبني تَغْلِبَ، فأَصَابُوا أفراساً سائمةً، فقال رجلٌ من بني ذُهْل بن شَيبَانَ كان معهم: لا تَاْخُذَنْ أَفراسَ تَغلِبَ إِنّهَا ... يا بْنَ العَقِيلَةِ شَوْبُ سمٍّ ناقِعِ والشَّرُّ يَبْدؤهُ الصَّغيرُ وهذِه ... فيها مَهَالِكُ نَهْشَلٍ ومُجَاشِعِ فأَخذَها التميميُّ وقال:

أَتُرَى تميمٌ لا أَبَا لأَبِيكُمُ ... تَخْشَى الّذِي تَخْشَوْنَه من تَغْلِبِ أَمْ هَلْ سَمِعْتَ بضَيْغمٍ ذِي لِبْدَةٍ ... أَلقَى فَرِيسَتَه مَخَافَةَ ثَعْلَبِ فلأَخْطَفَنْهَا يا بْنَ ذُهلٍ خَطْفَةً ... خَلْساً كخَطْفِ الصَّقْرِِ شِلْوَ الأَرْنبِ فلمّا دخَلَ بالأَفْراس على شُرَحْبِيلَ المَلِكِ ونَظَرَ إِليها أَعجبَتْه فقال: لا أَعْدِمَنَّ فارِساً مُجَاشِعَا قدْ نَالَ مِنْ تَغْلِبَ أَمْرَا فَاجِعَا أَفْرَاسَ صِدْقٍ لم تَكنْ نَزَائعَا قُبّاً كأَمْثَالِ القَنَا رَوَائعَا ثمّ أَقبلَ يُزْرِي على بني تغلِبَ ويضَعُ منها وكانَ حَنَشُ بنُ مالك التَّغْلبيّ زَوّاراً للمُلوك، عظيمَ القدْرِ فيهم، وكان عنه يومئذ، وابنُه مَعْبَدُ بن حَنش قائمٌ على رأْسِه، بيَده قَوْسٌ له عرَبيَّة، فرَفَعَ مَعْبَدٌ قَوْسَه فضَرَبَ بها هامَةَ المَلِك فطَيَّرَها عن رأْسِه، وسقَط المَلك مَغْشيّاً عليه، وتَصَايحَ النَّاسُ: قُتِلَ المَلِكُ، فدَخَلَ ابنُه عَمْرٌو، فرأَى ما بأَبِيه، فاستوثَقَ من مَعْبَد، فلمّا أَفاقَ قدَّم مَعْبَداً فضَرَبَ عُنُقَه، وجعلَ رأْسَهُ بين يدَيْه، فدَخَلَ حَنَشٌ فقال: لا خَيْرَ لك في صُحْبَتي بَعْدَ هذا الرَّأْسِ، فسَرِّحْنِي سَرَاحاً جَميلاً، فوالله لا أَغْسِلُ رأْسِي حتّى أَلقَاكَ في الخَيْلِ التي أَزْرَيتَ عليها، فسَرَّحَه وأَجَّله ثلاثاً، فلحِقَ ببني تَغْلب. وقال حَنَش بن مالك: لعَمْرُك ما لي في جِوَارِك حَاجَةٌ ... ولا خَيْرُ عَيْشٍ بعد قَتْلِك مَعْبَدَا أَمِن ضَرْبةٍ بالقَوْس لم يَدْمَ كَلْمُهَا ... ضَرَبْتَ بمَصْقُولِ الذُّبَابِ مُقَلَّدَا فتًى مالَ رَيْعانُ الشَّبابِ بحِلْمِه ... ولمْ يُصْدِرِ الأَمْرَ الذِي كانَ أَوْرَدَا ولو كُنْتُمُ إِذْ زَلَّتِ النَّعْلُ زَلّةً ... ذَخَرْتُمْ بها عنْدِي لقَوْمِكمْ يَدَا فإِن تُبْقِني الأَيَّامُ أَجْزِك مِثْلَها ... شُرَحْبِيلُ في شِبْلَيْك عَمْرْو وأَسْوَدَا وإِلاَّ أَنَلْ ثَأْرِي مِن اليَومِ أَجْزِهِ ... بما قَدَّمَتْ كَفَّاهُ في مَعْبَدٍ غَدَا ولَنْ يَسْبِقوا آلَ الْمُرَارِ بثَأْرِه ... مَدَى الدَّهْرِ ما نَاحَ الحَمَامُ وغَرَّدَا فإِنْ أَنا لمْ أَغْشَ الكُلاَبَ بفِتْيَةٍ ... على كُلِّ مَحْبُول الرِّحَالِة أَحْرَدَا وكُلِّ سبُوحٍ في العِنَانِ مُقَلِّص ... كسِرْبِ القَطَا يَحْمِلْن مَجْداً وسُؤْدَدَا فَوَارِسُهَا مِنْ تَغْلِبَ ابْنَةِ وائلٍ ... بنو كُلِّ أَبّاءِ الدَّنِيَّةِ أَصْيَدَا فلا يَدْعُنِي القَوْمُ الحَدِيدُ لمالكٍ ... ولا زِلْتُ وَغْلاً في النَدَامَى مُزَنّدَا وأَخْبرَ حنشٌ بني تَغلِبَ بالخبَر، ووضَعَ ظُبَةَ سَيْفِه على سُرَّته وحلفَ لَيعمدنّ عليه حتى يخرجَ من ظَهْرِه أَو يُدْرِكُوا له ثأْرَهُ. فسَارَتْ بنو تَغلِبَ مُتَسانِدِين بسادَتهم، والتَّعْبِئَةُ إِلى سلمةَ بنِ خالدٍ، وكانت بنو دَارِم مع أَخوالها بني تَغْلِب، ورئيسُهم سُفيانُ بن مُجَاشِع، فقال سَلَمَةُ بن خالِدٍ لبني تَغْلِب: إِنْ حالوا بَينَكم وبين ماءِ الكُلابِ ظَفِروا بكم، فشقَّقَ مَزَادَ أَصحابِه حتى سفَحَ الماءَ، فسُمِّيَ السَّفّاح، وأَغَذُّوا السَّيْرَ حتّى نَزَلُوا على الكُلاَبِ، ونَزَل شُرَحْبِيلُ ومعَه بنو تميم وبُطون من اليَمن بأَسْفَلِه، وكانَ أَوّلَ مَن ورَدَ ماءَ الكُلاَبِ سَفيانُ بن مُجَاشِعِ بن دَارِمٍ، وابناه مُرّةُ وعامرٌ، وكانَت بنو شَيْبانَ قَتَلَت ابناً لمرَّة قبْلَ ذلك فقال: أَنا مُرَّةُ بنُ سُفْيَانْ ... والوِرْدُ وِرْدُ عَجْلانْ والشيخُ شَيْخٌ ثَكْلانُ وفي ذلك يقول الفرزدق: شُيوخٌ منْهُمُ عُدُسُ بنُ زَيْد ... وسُفْيَانُ الذِي وَرَدَ الكُلاَبَا وأَوُّلُ من وَرَدَ من بني تَغلِبَ رَجلٌ من بني عبْد بن جُشَمَ فارِس الخَرُّوب وورَدَ السَّفاحُ بالنّاس وهو يقول:

إِنّ الكُلاَبَ ماؤُنَا فخَلُّوهْ ... وسَاجِراً واللهِ لَنْ تَحُلُّوهُ فاقتتَلَ القوْمُ قِتَالاً شَدِيداً، وكان على مَيْمَنَةِ تميم واليَمَنِ وبَكرٍ عمْرُو بن شُرَحبِيلَ وعلى الميسرةِ الأَسوَدُ بن شُرَحبيلَ، وفي القلب أَبو عُمَيْرٍ المُجَاشِعيُّ، فقَصدَ حنَشُ بنُ مالكٍ المَيْمَنَةَ، وحَمَل على عَمْرِو بن شُرحبيل، فطعنه فصرعه، وقال يا بْنَ المُرَار، لهذا دَعَتْكَ تميم، وهذا بما كَسَبته يَدَاكَ ويَدَا أَبيك، وحمَلَ السّفَّاحُ على أًَبي عُمَير المُجاشِعيّ فطعَنَه فقتلهُ، وكثُرَتِ القَتلى بينهم، ثم وَلَّتْ تميمٌ، وأَسْرَفتْ تَغلبُ في قَتلِهم، ونَادى شُرَحْبِيلُ: يالَ تميم، فلم يُجِبه أحدٌ، وحملَ عليه أَبو حَنَش عُصْمُ بنَ النُّعْمَان التَّغْلبِيُّ فطَعَنَه فقتلَه، واحْتَزَّ رأْسَهُ، وجَاءَ به إِلى أَخيه وقلا: أَيّهَا المَلِك، مُر لي بهُنَيْدَةَ، فغضِبَ حين رَأَى رأْسَ أَخيه وقال. تَسْأَلُنِي إِبلاً وقَدْ قَتلْتَ أَخِي؟ قال: أَنتَ جَعلْتَهَا لمنْ أَتاكَ برأْسِه، وخَرجَ عُصْمٌ مغْضَباً وقال: قَتَلْتُ شُرَحْبِيلَ بنَ عَمْرِو بنِ حَارِيث ... هُمَاماً عليه التَّاجُ وابْنَ هُمَامِ فلاَ تَرْجُونْ يا بْنَ المُرَارِ نَصِيحَتِي ... ولا وُدَّ قَوْمٍ مُغْضَبِين رِغَامِ قَتَلْتُ لك السَّاعِي عليك وحَوْلَه ... تَمِيم ورَامَيْتُ الذين تُرَامِي ثم إن عُصْماً خَافَ سَلمَة المَلِكَ عَلَى، نفسه واسْتخْفَى، وقال سَلَمَةُ بن عَمْرو بن الحَارِث: أَلاَ أَبْلِغْ أَبا حَنَشٍ رَسولاً ... فمَا لَكَ لا تَجِيءُ إِلى الثَّوابِ وما لَكَ لا تَجِيءُ إِلى هِجَانٍ ... منَصَّبَةِ الغَوَارِبِ بالهِضَابِ تَعلَّمْ أَنّ خَيْرَ النّاسِ طُرّاً ... قَتِيلٌ بين أَحجارِ الكُلاَبِ تَداعَتْ حَولَه عَمرُو بن غنْمٍ ... وأَسْلَمَة جَعَاسِيسُ الرِّبَابِ وهي طويلة يُهدِِّدُ فيها أَبا حنَش. قال مُجِيباً له: قُلْ لذا الآكِل المُرَارِ خُذِ المُلْ ... كَ ولا تَبْكِيَنْ قَتِيلَ الكُلاَبِ قد تَرَكْنَا أَخَاكَ في حَمسِ النَقْ ... ع صَرِيعاً مُضَرَّجَ الأَثْوَابِ أَسلمَتْهُ على الكُلاَب تميمٌ ... بعد طَعْنِ الكُلى وضَرْبِ الرِّقابِ وأَجَبْنَاكَ إِذْ دعَوتَ وذُو التا ... جِ شُرَحبِيلُ ثَمَّ غَيرُ مُجابِ تَنْتَمِي حَوْلَكَ الأَرَاقِمُ في النَّقْ ... عِ كأُسْدٍ طَرِيرةٍ الأَنْيَابِ فانْثَنَتْ عنْه دَارِمٌ وبَنُو الفِزْ ... رِ ويَرْبُوعُهَا وحَيُّ الرِّبَابِ بينَ كابِي الجَبِين مُنْعَفِرِ الخَ ... دِّ وعانٍ مُشذَّبِ الأَصْحابِ فقتلْنَا لكَ ابنَ أُمِّك والمُلْ ... كُ عَقِيمٌ مُقَطِّعُ الأَنْسابِ أَصْبَحوا بالكُلاَبِ تَعْتَفِر الضّبْ ... عُ علَيْهِمْ وعَاوِيَاتُ الذِّئابِ فاعْتَدِلْ يا بْنَ ذِي المُرًَارِ على القَصْ ... دِ ولا يَغْرُرَنْكَ تِيهُ الشَّبابِ واختَرَنْ بينَ ما يَقول لك النَّا ... سُ وحربٍ تَحُرُّ بَرْدَ الشَّرَابِ ودخل مَعد يكرِبُ بنُ عِكَبّ من فَورِهِ وجماعةٌ من رُؤًَساءِ تَغلِبَ، إِلى الملِك وقالوا: إِنّ الغَدْرَ وقِلَّةَ الوفاء لا يَحْسُنُ بالملوك، فإِن أَنَصفْتنا من نَفْسِك وإِلاّ أَنصَفْنا أَنْفسَنا منك، ولا نَقنَع إِلاّ بأَن تُعْطِيَ أَبا حَنَش ما وَعَدتَه. قال: فإِنّي أَفعَلُ، وأَمَر له بمائة ناقة، وقال لأَبي حَنَش: تَرِبَتْ يداك: كَرِيمٌ قَتَلَ مَلكاً. وقد قال السَّفاحُ بن خالدٍ وعَمْرُو بن كُلثُومٍ وأُفنون بنُ مَعْشَرٍ، وجماعةُ شُعراءِ بني تَغْلِبَ في ذلك اليَوْمِ أَشعاراً كثيرَةً، ترَكْنَاهَا لطولهَا. ولجابر بن حُنَىٍّ التَّغْلبيّ من قصيدة:

يوم أوارة

ويوْمَ الكُلاَبِ قَد أَزَالَتْ رِمَاحُنا ... شُرَحْبيلَ إِذْ آلَى أَلِيّةَ مُقْسِمِ لَيَنْتَزِعَنْ أَرْماحَنَا فأَزَالَهُ ... أَبُو حَنَشٍ عن سَرْجِ شَقاءَ صِلْدِمِ تَناولَه بالرُّمْح ثمّ انْثَنَى له ... فخَرَّ صَرِيعاً لليَدَيْن وللْفَمِ وقال مَعدِ يكَرِبُ بن عَمْرِو بن الحارث لَمَّا بلغَهُ قَتْلُ أَخِيه شُرَحْبيل يَرثيه: إِنّ جَنبِي على الفِرَاش لنابِ ... كتَجَافِي الأَسَرِّ فوقَ الظِّرَابِ مِن حَدِيثٍ نَمَى إِليَّ فمَا تَرْ ... قَا دُمُوعِي وما أُسِيغُ شَرَابي مُرَّةً كالذُّعافِ أَكتُمُهَا النّ ... اسَ على إِثْرِ مَلَّةٍ كالشِّهابِ من شُرَحْبٍلَ إِذْ تَعاوَرُه الأَرْ ... مَاحُ مِن بَعدِ لَذَّةٍ وشَرَابِ أَينَ مُعْطِيكم الجَزِيلَ وحابٍي ... كمْ على الفَقْرِ بالعَطَايَا الرِّغَابِ أَحْسَنَتْ تَغْلبٌ وعَادَتُها الإحْ ... سَانُ بالحِنْوِ يَوْمَ ضَرْبِ الرِّقَابِ يَوْمَ وَلَّتْ بنو تَمِيمٍ وقَيسٌ ... خَيْلُهم يَتَّقِينَ بالأَذْنَابِ يا بْنَ أُمّي ولو شَهِدْتُكَ إِذْ تَدْ ... عُو تَميماً وأَنتَ غَيْرُ مُجَابِ لنَشَدَّدْتُ مِن وَرائك حَتَّى ... تَبلُغَ الرُّحبَ أَوْ تُبَزَّ ثِيَابي فارِسٌ يَضْرِبُ الكَتِيبَةَ بالسَّيْ ... فِ على جَيْبِهِ دمٌ كالمَلاَبِ يَومُ أُوَارَةَ وهو يومٌ لبني تَغْلِبَ على بكْر بن وائل وبني تميم، وفيه مقْتَل سَلمَةَ بنِ عَمْرٍو المَلِك، قَتله عَمْرُو بن دَوْسٍ التَّغْلِبيّ، ومَقْتلُ حارثةَ بن عَمْرِو بن أَبي ربِيعَة، قَتَلَه الجَوْنُ التَّغْلبيّ. وكان من حَدِيث هذا اليوم أَنّ بني تَغلبَ طَرَدَتْ سَلَمَةَ بن عَمرٍو الملكَ، وكان يُلقَّب بالغَلْفَاء، كَمَا قَتلَتْ أَخاه شُرَحبيل بنَ عَمرٍو، لتنَكُّره لأَبي حَنْشٍ، ورَأَوه بصُورةِ مَوتورٍ يَطلُب ثأْراً، فسار حتى أَتَى بكرَ بن وائلٍ، فقال له حارثةُ بن عَمْرِو بن أَبي رَبِيعة بن ذُهْل بن شَيْبَانَ: أَيّهَا المَلِك، لك عَليَّ نَصْرُ بكرِ بن وائلٍ بأَسْرِها. فأَقامَ فيهم ثلاثَ سنين، يجمع بكرْاً وتميماً واليمَنْ، وقلَّدَتْ بنو تَغِلبَ والنَّمِرُ أَمْرها عَمْرَو بنَ المُنْذِر، وهو ابنُ هِنْد، فسارَ سَلَمَة الملكُ في جُموعِ بكرٍ وتميم واليَمن، وسارَت بنو تغلب ورَئِيسُهَا عَمْرُو بن كُلْثُومٍ التغلبيُّ، والنَّمِرُ، ورئيسُها قَيْسُ بن زُهيْرٍ النَّمرِيُّ، ومعهم عَمْرُو بنُ هِنْد، فقالَ ثَعْلبةُ بن شَيبانَ العِجْليُّ: يالَ بَكْرٍ هل تَدْرُون إِلى من تَسِيروُن؟ إِلى أَصْحَابِ السُّلاَّنِ والكُلاَبَين وخَزَازَي، مع امرِئَ قَتَلَ أَخاه، وخُلِعَ من مُلْكه، إِنّه لمَسِيرٌ ما أُحِبُّه لكم، فخالَفُوهُ، فأَجمعَ على التَّنحِّي بمَن أَطاعَه مِن عِجْلٍ، فقال له ابنُهُ حَنْظلةً: يا أَبتِ أَتَخْذُلُ بَكراً في مِثْلِ هذا اليومِ؟ قال: يا بُنيِّ " اللَّحْيُ خَير من الوَهْي " فذهبت مثَلاً، ثم إِنَّهُم الْتَقَوْا بأُوَارةَ فاقتتَلوا أَشَدَّ قِتَالٍ يكونُ ودامت أَيّاماً وحَلَفَ عَمْرٌو إِنْ ظَهَرَ لَيَذْبَحَنَّ مَن قَدَرَ عَليه من بكْر على جَبلِ أُوارَةَ، حتَّى يَبْلُغَ الدَّمُ قَرَارَ الأَرضِ، فظَهَرت تَغلبُ وانهَزَمتْ بَكْرٌ، وحازَتْ تَغْلبُ بُيوتَهُم، وأَسَرَ عُبَيْدُ بن قَرْعَصٍ التَّغْلبيُّ سَلَمةَ الملِكَ، فبينَا هو يَقودُه إِذْ مَرَّ به عَمْرُو بنُ دَوْسٍ التَّغْلبيُّ، فضَرَبَه فقتلَه ففي ذلك يقول امرؤُ القَيْس: أَلا إِنّما أَبكَي العيونَ وشَفَّها ... قَتِيلُ ابنِ دَوْسٍ في حِبَالِ ابن قَرْعَصِ

وبَصُرَ الجَوْنُ التَّغلبيُّ بحارثة بن عَمْرٍو وقد انحازَ من أَصحابه هارباً، فأَتْبَعَه، فَتَرامَيَا بالنَّبْل حتى فَنِيَ، ثم تَطاعَنَا حتى تَقَصَّفَ رُمْحاهما، ثمّ اجْتَلَدَا بسَيفَيْهما ووَقَعَا إِلى الأَرْض. وصَرَعَهُ الجَوْنُ فشَّدّهُ وَثَاقاً، أَقبلَ به أَسيراً وقال: من مُبْلِغٌ شَيْبَانَ أَنِّي لم يكُنْ أَمْرِي خَفِيَّا رَامَيْتُهُ حتَّى إِذَا ... ما كانَ نَبْلاَنا نَفِيَّا طَاعَنْتُه حتّى إِذا ... ما كَان رُمْحانَا شَظِيَّا ضَارَبْتُه حتّى إِذا ... ما كانَ سَيْفانَا حَنِيَّا أَثخَنْتُه غَلَباً وكا ... ن مُمَنَّعاً صَعْباً أَبِيَّا ثم إِنّ عَمْرَو بنَ هند أَمَر بالأَسارَى فذُبِحوا على رأْسِ أُوَارةَ، فجعلَ الدّمُ يَجْمُدُ، فقال رَبِيعَةُ بن حبيبٍ التَّغْلبِي: أَنا أَبَرُّ يمِينَ الملكِ، قال بماذا؟ قَال، إذا التَّغْلبِي: أَنا أَبَرُّ يمِينَ الملكِ، التَّغْلبِي: أَنا أَبَرُّ يمِينَ الملكِ، قال بماذا؟ قال، إِذا قَتَلْتَ رَجلاً فصُبَّ على دَمِه رَوَايَا الماء، فإِنَّه يَبْلغُ قَرَارَ الأَرْض، فَفعَلَ ذلك، بعد أَن ذُبِحَ مِنهم مائةُ رجُلٍ، وسُمِّيَ رَبيعةَ يَوْمَئذٍ الوَصَّافَ وأَمرَ عَمْرُو بنُ هند بالنّساء أَن يُحَرَّقْنَ، فاستَوْهَبهنّ عَمْرو بنُ كُلْثُوم التَّغْلبيُّ وقَيْسُ بن زُهَيرْ النَّمَريًُّ. وقال بعضُ شعراءِ بني شَيْبان: سأُثْنِي على عَمْرٍو وقَيْسٍ كِلَيْهما ... ثَنَاءَ امْرِئٍ أَوْفَي بنَعْمَاءَ شَاكِرِ هُمَا أَعْتَقَا يَوْم الأُوَارَة سَبْيَنَا ... وقد كانتِ الأَنفاسُ عنْدَ الحَنَاجِرِ وقال عُبَيدُ بن قَرْعَصٍ التَّغْلبيّ: قد عَدَتْني حُرُوبُ تَغْلِبَ في القَيْ ... نِ وحَرْبٌ في سَلْهَمٍ وصُدَاءِ عَنْ مَزَارِ الحَبِيبِ إِذْ شَحَطَ البَيْ ... نُ وحَرْبٌ تُشَبُّ للغَلْفَاءِ إِذْ رَمانَا ببَغْيِهِ وبَنُو الحا ... رثِ قَوْمٌ يُزْهَونَ بالغُلَوَاءِ فتَلاَقَيْتٌه وقد سَطَعَ النَّقْ ... عُ ودَارَتْ دَوَائرُ البُرَحَاءِ بسَلِيم الكُعُوبِ مُعتَدِلِ النَّصْ ... ل طَرِيرِ الشَبَا علَى الأَعداءِ قُلْتُ والجُبْنُ مُمْسِكٌ بشَجَاهُ ... إِنَّهَا حَرْبُ تَغْلِبَ الغَلْبَاءِ فتَنَاهَوْا ياَل المُرَارِ عن البَغْ ... يِ فلَسْنَا مِنْ تِلْكُمِ الأَحْيَاءِ وقَدّم عمرُو بنُ هِنْد حارِثةَ ليقتُلَه، فقال للكَيِّس النَّمرِيّ: اقْتُل حارِثةَ، قال: ما أَنا كما سمَّتنْي أَمّي إِذنْ، ولكن أَدُلُّك على الأَبْلَهِ الشُّجاعِ قَيْسِ بن زُهَيْرٍ. فدعاه فقَتَلَه قَيسٌ، وقال الكَيِّس في ذلك: دَعَا لِحِبائِهِ عَمْرُو بنُ هِنْدٍ ... لأَضْرِبَ رَأْسَ حارِثَةَ بنِ عَمْرِو فقُلْتُ له علَيْك بمُرْتَقِنِّ ... وَلُوغٍ في دِماءِ سَرَاةِ بَكْرِ فَيكْفِينِيهِ قَيْسُ بني زُهَيرٍ ... فُرحْتُ ولمْ أَبُؤْ مِنْه بوِتْرِ وإِنّ بني أَبِي رَبيعَةَ طَلَبوا بدَمِ حَارِثَة، فلَم يزَالُوا يطْلُبون مِن قَيسِ بن زُهَيْرٍ غِرّةً، حتّى خَرَجَ في صَيْدِ له، فدُلّوا عليه، فقتلَهُ سَيْفُ بن حارِثةَ بأَبِيه وقال: شَفَى نَفْسِي وقَدْ سَقِمَتْ زَمَاناً ... نِساءُ النّمْرِ تَصْرُخُ كُلَّ فَجْرِ عَلى أَصداءِ قَيْس بَني زُهَيْرٍ ... كما هَتَكُوا بحارِثَةَ بن عَمْرِو بُيُوتَ الحَيِّ من ذُهْلٍ وخَصّوا ... بجَدْعِ الأَنْف مِن أَولادِ بَكْرِ وقال أُفْنُونُ التغلبيُّ في ذلك اليوم: هَزَمْنَا جَمْعَ حارِثَةَ بنِ عَمْرٍو ... مع الغَلْفاءِ في العُصَبِ العِجَالِ رَمَيْنَا همْ بأَرْعَنَ مُشْمَخِرٍّ ... يُهَدُّ لِصَوتِه صُمَّ الجِبَالِ فظَلُّوا بَيْن مُعْتَبَطٍ قَتِيلٍ ... وكابِي الجَدِّ يَرْسُفُ في الغِلاَلِ

يوم الكثيب

وللغَلْفَاءِ سَلْمَةَ بعْدَ هَدْءِ ... نَوَائحُ يَلْتَدِ مْنَ بسُوءِ حالِ ونَالَ السَّيْفُ حارِثَةَ بنَ عَمْروٍ ... وخَامَتْ عَنْ حِمَايَتِهِ المَوَالِي بهَضْبٍ مِن أَوَارَةَ والمَنَايَا ... مُوَكَّلَةٌ بأَعْنَاقِ الرِّجالِ ؟ يَومُ الكَثِيبِ وهو يومٌ لعَدِيّ بن أُسَامَة على مُرادِ. وفيه مَقتَلُ عَمرو بن بِشْرٍ. غزا ثَعْلبةُ بن حَبيب العَدَويّ في بني عَدِِيٍّ وأَخلاطِ مالك بن بَكْرٍ أَحياءَ مُرَادٍ وهُم يومئذٍ نزولٌ بماءٍ يُقال له الكَثِيبُ، فصبّحَهم، والتقَى الجَمْعانِ، وصَبَر بعضٌ لبعضٍ، ونادَى عَمْرو بنُ بِشْرٍ رِئيسُ مُرَادٍ: مَن يُبارِزُ؟ فبرَزَ إِليه ثَعْلبَةُ، فاخَتلفَا فَطَعَنَه ثَعْلَبَةُ فقَتَله، وولَّتْ مُرادٌ، وأَسْرفَتْ عَدِيٌّ في قَتْلِها، وأَصابَ ثَعْلَبةُ السَّبايَا والأَموالَ وقال في ذلك: نَمانِي حَبِيبٌ أَبِي لِلْعَلاءِ ... وكَانَ حَبِيبٌ لِقَوْمِي عِمَادَا سَوَادٌ مُوَرِّثُهُ المَكْرُمَاتِ ... وأَوْرَثَ ذاكَ عَدِيٌّ سَوَادَا وكَانَ أُسَامَةُ في مَالكٍ ... إِذَا أَصْلَدَ الزَّنْدُ أَوْرَى زِنَادَا فمِنْهُمْ جَمِيعاً وَرٍثْتُ العُلاَ ... فأَحْيَيْتُ مَجْداً وقُدْتُ الجِيَادَا فأَمَّمْتُهَا نَحْوَ أَهْلِ الكَثِيبِ ... بفِتْيَانِ حَرْبٍ فأَفْنَتْ مُرَادَا فصَبَّحْتُهم قَبْلَ ضَوْءِ الصَّبَاحِ ... مُسَوَّمَةً ما تَهَابُ البِعادَا ونَادَى رَئِيسُهُمُ بالنِّزَالِ ... وعَبَّى لِكُلِّ سَوَادٍ سَوَادَا فأَسْمُو لَهُ بطَرِيرِ السِّنَانِ ... وقَدْ كَانَ هذَا لِقَوْمِي عَتَادَا وأَطْعُنُهُ فَهوَى لِلْجَبِينِ ... كأَنَّ عَلَى مَنْكِبَيْهِ جِسَادَا وصَوْلُ الأَرَاقِمِ صَوْلُ الأُسُودِ ... يَجُوبُونَ بَعْدَ بِلادٍ بِلاَدَا وأَخْلَتْ مُرَادٌ لَنَا دارَهَا ... ووَلَّوْا شَعاعاً وهَرُّوا الجِلاَدَا وكان في مُرَاد جارٌ لهُمْ من كِنْدَةَ، ومَعَهُ أَهلُه ومالُه، فأُسِر وسُبِيَ أَهلُه وأُخِذَ مالُه، فبينَا ثَعْلَبة يعْتَرِضُ السَّبْيَ إِذْ هو بامرأَةِ الكِنْدِيِّ تقول: يا صَاحِبَ الخَيْلِ الذِي تَوَرّدَا علَى مُرَادٍ قَدْ حَوَيْتَ الخُرَّدَا وقَدْ تَرَكْتَ الكَبْشَ مِنْهم مُقْصَدَا أمنن علينا واتخذ فينا يدا بيْضَاءَ في كِنْدَةَ أُفْشِيها غَدَا إِنِّي أَراكَ سَيِّداً مُسَوَّدَا تُورِي إِذَا وَأرِى الزِّنَادِ أَصْلَدَا تَرَكْتَ بالبِيضِ مُرَاداً هُمَّدَا فقَالَ لهَا ثَعْلَبَةُ: مَنْ أَنتِ؟ فعَرَّفَتْه، فدَعَا بِالكِنديِّ، فأَتاه وقال: ثَعْلَبَةُ الخَيْرِ أَخو عَدِيّ لاَقَى مُرَاداً بالأَضَا المَاذِيِّ صَبَّحَهُمْ بالبيضِ والخَطّيّ علَى الكَثِيب صَبْحَةَ الطَّسْمِيِّ فهُمْ بِهَا كالخَشَبِ العَادِيّ وقَدْ حَوَيْتَ العِزَّ بالهِنْدِيِّ هَلْ لكَ في عَفْوٍ عَنِ الكِنْدِيِّ ومِنَّةٍ منْك علَى السَّبِيِّ فقال ثَعلَبة: يا بنِي عَدِيّ، هذا رجلٌ من كِنْدَةَ، وبَينَنا وبين أَوَّلِيهِ خُلَّةٌ، وقد وَهبْتُ له جميعَ ما أُخذَ منه، وما أُخِذَ منه، وما يَخُصُّني من سْبِي مُرادٍ، فهل لكم أَن تَسمحوا له بذلك، فإِنّ في الأَموالِ والسَّوَام مَقْنَعاً، فأَجابَه بنو عديٍّ إِلى ذلك، ووَهَبَ الكِنْدِيَّ السَّبْيَ عامّةً، ورَدَّ عليه إِبلَه وما أُخِذَ منه وقال: افخَرْ بهذَا السَّبْيِ على مُرادٍ. وقال الكِنْدِيُّ يَتشكَّرُ لبني عَدِيٍّ: سأشكُرُ ما حَيِيْتُ بنِي عَدِيٍّ ... وشُكْرِي منْهُم لبَنِي حَبِيبِ لثَعْلَبةَ الأَغَرِّ عليَّ مَنٌّ ... بإِطْلاقِي وفَكِّي مِن كُرُوبِي وقد غُلَّتْ يَدَايَ فصِرْتُ رَهْناً ... أَسِيراً رَافِقاً بُرْدَيْ شَعُوبِ

يوم حاجر

فأَنْعَمَ نِعْمَةً سَبَقَتْ وسَارتْ ... بإِطْلاَقِ الكُبُولِ عَن الغَرِيبِ وأَعطانِي الخَرَائدَ مِن مُرَادٍ ... وعِرْسِي مُنْتَهَى نَفْسِي وطِيْبِي وأَعْطَاني مُؤَبّلةً هِجَاناً ... وقَدْ حُوِيَتْ علَى ماءِ الكَثِيبِ فلَنْ أَكْفُرْ بَلاءَ بني عَدِيٍّ ... وعَفْوَهُمُ عَلَى حَدَثِ الخُطُوبِ وقالت أُختُ عَمْرو بن بِشْرٍ تَرثِيه: أَلاَ يا لَهْفَ نَفْسِي بعْد عَمْرٍو ... ومَصْرَعِهِ بمُعْتَرَكِ الصِّعَادِ مُناخِ الضَّيفِ قَدْ عَلِمَتْ مُرَادٌ ... وغَيْثِ النَّاسِ في اللِّزَبِ الشِّدَادِ لقَدْ لَقِيَتْ مُرَادٌ مِنْ عَديٍّ ... كَمَا لَقِيتْ قَبَائِلُ آلِ عَاد وقالت امرأَةٌ من مُرادٍ أَيضاً: يا عَيْنُ جُودِي ولا تَجْمُدِي ... لِقَوْمٍ أُتِيحَ لَهُمْ ثَعْلَبَه هُمُ صَبَّحونَا قُبَيلَ الصَّبَاحِ ... على كُلّ سُرْحُوبةٍ سَلْهبَهْ فأْوجِرَ عَمرٌو طَرِيرَ السِّنَانِ ... يُشَبَّهُ بالشُّعْلَةِ المُثْقَبَهْ فخَرّ صَرِيعاً ووَلَّتْ مُرَادُ ... وجَالَتْ خُيُولُهُم المُقْرَبَهْ يومُ حاجِرٍ وهو يَوْمٌ لبني مالِكِ بن حُبَيْبٍ، على هَوازن، وفيه مقتلُ عَبِيدَة بن مالِكِ بن جَعْفَرٍ، قتَلهُ أُفْنُون. خَرَجَ صُرَيْمُ بنُ مَعْشَرِ بن ذُهْلِ بن تَيم بنِ بَكْر بن مالك بن حُبَيْب وهو أُفْنُونُ، في جَمْعٍ من بني تَغلِبَ يُرِيدُ بني عامِرٍ، فأَغارَ عليهم بمَوضعٍ يُقال له حاجِزٌ، وكان سيِّدَ هَوَازِنَ ذلك اليَّوْمَ طُفَيْلُ بن مالِكٍ، فقاتلَتْه هَوَازِنُ عن حَرِيمها أَشَدَّ قِتَالٍ، ثمّ وَلَّتْ مُنْهَزِمةً، وأَخْلَتِ البُيُوتَ في أَيدِيهم، وعَطفَ عَبِيدَةُ بن مالِكِ بن جَعْفَرٍ على بني تَغلِبَ، في حُماةِ أَصحابِه، فقاتَلوهم حتَّى أَزالوهم عن البُيُوتِ، وحَملَ أُفنُونُ عَلى عَبِيدَةَ فطَعنَهُ فقتلَهُ، وولَّوْا، وأُسِرَ أَبو أَسماءَ حَبِيبُ بن الضَّرِيبَة، وهو فارسُ بني نَصْرٍ وشاعرُهم، وأُسِر أًَبنَاءُ مُسَافِرٍ، وعَبدُ الله بنُ نَصر، وهَرَبَ طُفَيْلُ بن مالكٍ رَكْضاً، وأَصابَتْ تَغْلِبُ النِّسَاءَ والنِّعَم. وقال أُفْنُونُ في ذلِك: سَمَوْنَا إِلى عُلْيَا هَوَازِنَ بالقَنَا ... وجُرْدٍ كأَمْثَالِ القِدَاحِ ضَوَامِرِ تَئِنُّ أَنِينَ الحَامِلاَتِ وتَشْتَكِي ... عُجَايَاتِهَا مِن طُولِ نكْبِ الدَّوابِرِ فمَا زَالَ ذاَك الدّأْبَ حَتَّى صَبَحْتُهَا ... عَلى ما بِهَا من جَهْدِهَا أَهْلَ حاجِرِ فغُودِرَ في وَقْعِ العِجَاجَةِ مِنهُمُ ... عَبِيدَةُ يَدْعُو شَاغِراً يالَ عَامِرِ صَرِيعَ قَناً في عُصْبَةٍ عامِرِيَّةٍ ... صَرِيحيَّةِ الأَحْسَابِ غَيْرِ عَوَاوِرِ وقُدْنَا أَبَا أَسْمَاءَ فارِسَ قَوْمِه ... حَبِيباً وعبْدَ الله وابْنَىْ مُسَافِرِ وأَفْلَتَنا رَكْضاً طُفَيْلُ بن مَالِكٍ ... وقدْ وَطِئَتْهُ خَيْلُنَا بالحَوَافِرِ وحُورٍ كأَمْثَالِ المَهَا عامِرِيّةٍ ... عَذَارَى اجْتَليْنَا بالرِّمَاحِ الخَواطِرِ ونَحْنُ مَتَى ما نَرْمِ قَوْماً ببِعْضَةٍ ... شَجًى ناشِبٌ بَيْنَ اللَّهَا فالحَنَاجِرِ وقال أَبو دُوادٍ الرُّؤَاسيُّ: إِنَّ الفَوَارِسَ مِن حُبَيبٍ جَدّعَتْ ... بعَبِيدَةَ الوهَّابِ حَيَّ هَوَازِنِ أَوْدَى صُرَيْمٌ بالَّذِين هُمُ هُمُ ... أَهلُ الحفَائظِ والفَعالِ الزَّائِنِ صَبَرُوا لكُلِّ مُهَنَّدٍ ذِي رَوْنَقٍ ... صَافِي الحَدِيدِ وكُلِّ أَسْمَرَ مَارِنِ حتَّى تَكَشَّفَتِ العَجَاجَةُ عنْهُمُ ... صَرْعَى بأََبْطَحِ حَاجِرَ المُتَبَاطِنِ وابنُ الضَّرِيبَةِ فِي فَوَارِسِ قَوْمِه ... طَوْعَ الجَنِيبَةِ كالقَرِيعِ السَّاخِنِ يَومُ عَاقِلٍ

يوم غبغب

وهو يومٌ لبني زَيْدِ بن عَمرٍو، على بني أَسَد، وفيه مَقْتَلُ قَيْس بن جَابرٍ الأَسَدِيِّ، قَتلَه عُبَادُ بن عامِرِ التّغْلبيُّ. أَغَار الهُذَيلُ بن هُبَيْرَةَ التَّغلبيُّ على بني أَسَدِ بن خُزَيمةَ، يومَ عاقِلٍ، ومع بني أَسَدٍ يومئذ طَوَائفُ من بَنِي كِنَانَةَ بنِ خُزَيمةَ فلَمَّا الْتَقى القوْمُ حملَ عُبادُ بن عامرٍ أَخو بني الدِّيلِ بن زيد بن عمْروٍ على قَيْس بن جابِر، وكان فارِسَ بني كاهِلٍ، فصَرعَهُ، ونادى الحارِثُ بنُ وَرْقاءَ الأَسدِيُّ: يالَ أَسَدٍ، ونادى الهُذَيلُ: يالَ تَغْلِبَ، واشتدَّ الأَمْرُ بين الحَيَّينِ، وقُتِلَ من بني الصَّيْداءِ وَائلُ بنُ الحارِثِ، وفَقْعَسُ بن عرِينةَ، ومن بني كاهِلٍ عَمْرُو بن زَيْدٍ، وسُفْيانُ بن الأَزْرقِ، في جماعَةٍ كثيرَةٍ، وأُصِيبَ نِسَاءٌ من بني غَاضِرَةَ وبني الصَّيْداءِ، وحَمَى القَوْمُ بَني كاهِلٍ حتى حجَزَ اللَّيْلُ بينهم، وعُبَادٌ يَكُرُّ عليهم في سَوَادِ الليلِ ويقول: نحنُ بني زَيْدِ بنِ عمْرٍو في الذُّرَا لا نَطْعُنُ الطَّعْنةَ إِلاَّ في الكُلَى طَعْناً دِرَاكاً بعْدَهُ ضَرْبُ الطُّلَى نِعْمَ حُماةُ القَوْمِ نَحْنُ في الوَغَى وانصرفتْ تَغْلبُ، وقال الهُذَيلُ: أَلمْ يَأْتِ أَحْيَاءَ الأَرَاقِمِ أَنَّنَاوَطِئْنَا قُعَيْناً وَطْأَةَ المُتَشَاقِلِ وحيّ بَنِي الصَّيْداءِ نِلْنَا حَرِيمَهم ... غَدَاةَ التَقَيْنَا يومَ بُقْعَةِ عاقِل ولَمَّا تَنَادَوْا دَعْوةً أَسَديّةً ... وعَمُّوا بها مِنْ دُونِ تلْك القَبَائلِ ونَادَيْتُ في حيِّ الأَرَاقمِ دَعْوَة ... أَجَابتْ عَلَيْهمْ كُلّ جِنِّ وخَابِل فأَجْلَوْا لَنَا عنْ مَالِكٍ وابْنِ فَقْعَسٍوقَيْسٍ وعَمْرٍو والفَتَى النَّجْدِ وَائلِ ومِن أُسْرةِ المَهْزُولِ قَتْلَى كَثِيرَةٌ ... تَخَألُهُمُ في الهيْج أُسْدَ الغَيَاطِلِ وأَسْرَى تَهَادَى في القِيَادِ ونِسْوَةٌ ... قُعَيْنِيَّةٌ مثْلُ الظِّباءِ الخَوَاذِلِ وقالت ابنةُ قَيْس بن جابرٍ تَرثيِ أَباهَا وقَومَها: تَطَاوَلَ لَيْلِي للهُمومِ الحَوَاضِرِ ... وشَيَّبَ رأْسِي يَوْمُ قَيْسِ بنِ جَابرِ فإِنْ تَكُنِ الأَحْدَاثُ أَوْدَتْ بِفَارِسٍعَظِيمِ المِسَاعِي في السِّنِينَ الغَوَابِرِ فقد عَلمَتْ أَحْيَاءُ زَيْدٍ وكَأهِلٍ ... وعَمْرٍو ووَدَّانٍ قَبِيلَ الغَوَاضِرِ بأَنَّ أَبِي قَدْ كانَ فَارِسَ قَوْمِه ... به تَتّقِي حَدَّ الرِّمَاحِ الشَّوَاجِرِ فلا يَهْنِئنْ حَيَّ الأَرَاقمِ فَقْدُهُ ... فكلُّ امْرِئٍ رَهْنٌ لِرَيْبِ المَقَادِرِ ؟ يَومُ غَبْغَب وهو يومٌ لبني مُعاوية بن عمرٍو، على بني فَزارة خرجَ الأَخنَسُ بن شِهَابٍ فِي خَيلٍ من بني تَغلِبَ، فأَغار علَى بني فَزَارَة يومَ غَبْغَب، فاقتتَلُوا قِتَالاً شديداً وحمَلَ الأَخْنَسُ على حُذَيفةَ بنِ بَدْرٍ فطَعنَه فأَرْداهُ عن فَرَسه وتَنادَتْ فَزَارةُ فخَلَّصَتْه من المعرَكة، وصَبَروا حتى كثُر القتلُ بين الفريقَيْن، ثمّ انْهَزمت فَزَارةُ، وقُتِل منهم سَمْحُ بن عَمْروٍ الفَزَاريُّ، ومُرّةُ بن لَوْذانَ، والأَشهَبُ بن وَبْرةَ، وعمْرُو بن مُسْهِرٍ، وقُرّةُ بن عبد الله ومازِنُ بن نِيَارٍ، ومُرَّة بن ظالم، في قَتلَى كثيرةٍ، وأَصابوا سَبْياً ونَعماً. فقالَ الأَخْنَسُ بن شِهَابٍ: صَبحْنَا فَزَارةَ قَبْلَ الشُرُوقِ ... بشُمِّ العَرَانينِ مِن تَغْلِبِ بكُلِّ فتًى غَيْر رِعْدِيدةٍ ... يُرَوِّي السِّنانَ إلى الثَّعْلَب علَى كُلِّ جَرْدَاءَ سُرْحُوبةٍ ... وأَجْرَدَ ذي ميْعةٍ سَلْهَبِ فلَمَّا رَأَوْها تُثِيرُ العَجَاجَ ... خَوَارِجَ مِنْ جانِبَيْ غَبْغَبِ تَنَادى حُذَيْفَةُ في قَوْمهِ ... ونَوَّهَ بالأَقْرَبِ الأَقْرَبِ فأَطْعُنُه فهَوَى لِلْجَبِينِ ... وحَصَّنَه آجِلٌ مُرْبَب

يوم أقطان ساجر

وأَقْشَعَتِ الحَرْبُ عنْ مازِنٍ ... وسَمْحٍ ومُرَّةَ والأَشْهَب وعمْرٍو وقُرَّةَ في عُصْبةٍ ... مَقَاحِيمَ في حَرْبِهِمْ شُغَّبِ وأُبْنَا بكُلّ فَزَارِِيَّةٍ ... مُهَفْهَفَةِ الكَشْحِ كالرَّبْرَبِ وأُبْنَا بقَرْنٍ لَنا نَاطِحٍ ... وآبُوا بقرْنٍ لَهُمْ أَعْضَبِ يومُ أَقْطانِ سَاجرٍ وهو يومٌ لبني ثَعْلَبة بن بَكر على بني تَغلِب كان من أَمْر هذا اليوم أَنّ كَثِيفَ بن حّيي بن الحارث بن زُهيْر بن جُشَم بن بكْرٍ، أَغارَ على بكْر بن وَائل، في خَيْلٍ من بني تغلِبَ فقتَل وأَسَرو ... سَبْياً ونَعَماً، ولحِقَهُ مالكُ بن الصّامتِ، واسمُهُ زيدُ بن عَوْفِ بن عامرِ بن ذُهْل بن ثَعلبةَ، وأُمُّه كُومَةُ بنتُ ضَلِيعٍ، وبها كَأن يُنْسَبُ، وعَمْرو بن الزّبَّانِ في خيلٍ من بَكر، فاقتتَلَوا قِتَالاً شَدِيداً، وأُسِر كَثِيفُ بن حييّ، أَسرَهُ مالك وعمرٌو فقال مالكٌ: أَسِيرِي وقال عَمرُو أَسِيرِي، وتَلاحَيَا، وكانَ مالكٌ حليماً، وعَمرو بن الزّبان سفيهاً، فحَكَّما كَثِيفاً في ذلك، فقال كَثِيفٌ: لولا مالِكٌ لأُلْفِيتُ في أَهلي، ولولا عَمرٌو لم أُوسَر. فغضبَ عمرٌو فرفعَ يدَهُ فلطَمَ وَجْهَ كَثِيفٍ، فغَضِبَ مالك وقال: أَتلطِمُ وَجْهَ أَسيرِي؟ فاشترَى مالكٌ نَصِيبَ عَمْرٍو بمائةٍ من الإِبلِ وأَعتَقَهُ للَطْمَةِ عَمروٍ إِيّاه. فقال كَثِيفٌ: يا مالكُ، أَما ودِينِ آبائك لا أُحِلُّ حَلاَلاً ولا أُحرِّم حَارماً، ولا يَمسُّ رأْسي غِسْلٌ، حتى أُدرِكَ ما صنَعَ بي عمرٌو، وأَمّا أَنتَ فقد استَوجَبْتَ المِنّةَ عليَّ. وقال كَثِيفٌ: حَلَفْتُ بما لَبَّي له كُلُّ مُحْرٍمٍ ... له لِمّةٌ حُفَّتْ من الشَعرِ الجَثْلِ يَمِيناً أَرَى مِنْ آلِ زَبَّانِ وَاتِراً ... ليَطْلُبَ منّي دُونَ قَاطِعةِ الحَبْلِ جَزَاءً بما أَسْدَى إِليَّ أَخوهمُ ... ليعْلَمَ أَنّ الحِلْمَ أَدْنَى من الجَهْلِ وأَجْزِي بمَا أَسْدَى من الخَيْرِ مالِكاًأُكَافِي ذَوِي الأَحْسابِ والفَضْلِ بالفَضْلِ فمكثَ كَثيفٌ بعد ذلك قليلاً، وخَرَجَ بنو زَبّانَ، وهم سِتَّةُ نفَرٍ، وفيهم عَمْرو بن الزَّبّان، في طَلَب إِبل لهُمْ نَدَّتْ، فوجدوها ونُتجوا ناقَةً ونَحروا وَلدَهَا، فبَيْنا هُم يَأْكُلُون إِذ بَصُرَ بهم رجلٌ من غُفَيْلَة ابنِ قاسِطٍ يقال له خَوْتَعةُ، فانطلَقَ حتَّى عرَّفَ كَثِيفاً موضعَهم، فركِبَ لوَقتِه في أَربعين فارساً، حتى أتاهم فأخذهم أخذاً، فعلم عمرُو بن الزَّبّان أَن كَثيفاً إِيّاه يُرِيدُ، قال كَثِيفٌ: يا عَمْرُو أَتذكُرُ لَطْمَتِي؟ قالَ: نعمْ، ولا خَدّ بَكْرِيٍّ هو أَفْضَلُ من خَدِّي، فدُونك فاقْتَدْ مِن عمّك، وإِن شِئتَ من أَخَوَيَّ. فقال كثيفٌ: بل أَنا قاتِلُك، فقال: لا تَبْدُ بالبَغْي، وخُذِ الحقَّ ولك فِدَاؤُنَا، قال: بل أَقتلُهم معك، قال: إِذَنْ يطْلبُك مَن هو أَشدُّ عليك منّي وأَطلَبُ بثأَرِه، وأَطْوَعُ في قَومه، قال كَثِيفٌ: " ذاك ما ذاك " فذهبت مثَلاً، ثم إنه قتلَهم، وجعل رؤوسهم في غِرَارةٍ علَّقَها في عُنُق الدُّهَيْم ناقَة لعَمْرِو بن الزّبَّان، وفيها يقول العربُ " أَشْاَمُ من الدُّهَيْم " مثلاً و " أَثْقَلُ من حَمْلِ الدُهَيْم ". وقال الأَعرجُ الطائيّ يتَمَثَّلُ بالدُّهَيم: يقُودهُمُ سَعْدٌ إِلى بَيْتِ أُمِّه ... ألاَ إِنّما يُزْجي الدُّهَيْمَ ومَا يَدْرِي

وإِنّ راعِياً للزَّبّان نَظَرَ في آخرِ اللَّيْل وهو يُوقِدُ ناراً إلى الدُّهيْم بارِكةً في عُرْضِ الإِبلِ، فقال: هذه واللهِ ناقةُ عَمْروٍ، قال له الزّبّانُ: انْظُرْ ما علَيْهَا، قال: أُرَاهُ بَيْضَ النّعام أَصَابَهُ بَنُوكَ فبعَثوا به، قال: انْظُرْ وَيلكَ عمّا يُفْرِخُ البيْضُ، فنَظَرَ فإذا الرُؤوسُ، فنادى بالوَيْل، وثَار الزَّبّانُ مذْعوراً، فلمّا نَظَر إلى الرُؤوس قال: " آخِرُ البزّ على القَلُوص " فذهبت مثلاً، ثم وضع الرؤوس بين يديه، وصرخَ: يالَ ثَعلبَةَ، يالَ بَكرِ بن وائِلٍ، فهاجَ النّاسُ إِليه من كُلِّ جانبِ، ومَكَثُوا حيناً لا يَعْرفُون من قتَلَهم، وإِنّ عَمْرو بن لأْي بن الحارث ابن موْأَلَة بن عَمْرو بن مالك بن تَيمِ اللهِ بن ثعلبةَ أَنشَدهم الناسَ، وذكَر أَمرَهم، فعُرِّفَ أَنّ خَوْتعةَ الغُفَلِيّ دَلّ علَيْهم كَثِيفاً فقَتلَهم، فعَرَّفَ الزّبّانَ فحلَفَ أَلاَ تَخْبُوَ لَهُ نارٌ، ولا يقْرُبَ النِّساءَ، ولا يُحَرِّم دَمَ غُفَلِيٍّ أَبداً حتّى يَدلُّوه على عَدوّه كما دلُّوا على بَنِيه ويُدرِك ثأْرَه من بني تغلِبَ، فنادَى في بكرٍ فأَجَابَتْه بنو ثَعْلَبة، وخذَلتْه لُجَيْمٌ وَيْشكُرُ وحُلفَاءُ كانُوا له من عَنَزَةَ ويَشْكُرَ. 250 - فقال الزّبّانُ في ذلك: أَبَنِي لُجَيمٍ منْ يُرَجَّى بعْدَكمْ ... والحيُّ قد حُرِبُوا وقد سُفِك الدَّمُ ولَعَمْرُ وُدّي لَوْ جَمَحْنَ عَلَيْكم ... جَمْحَ اللُّيُوثِ لما قَعَدْنَا عَنْكُمْ دَعْ عَنْك يَشْكُرَ إِذْ نَأَتْك بوُدّهَا ... فلَقَدْ بدا لي أَنَّهُم لمْ يأْلَمُوا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي الأَفاكِلَ مالِكاً ... وبنِي قُدَارٍ أَنَّ حِلْفِي الأَعْظَمُ وقال في مالك بن كُومَةَ: بَلِّغَا مالكَِ بنَ كُومةَ أَلاّ ... يَأْتِي الَّليْلُ دُونَه والنَّهَارُ كُلَّ شيءٍ سِوَى دِمَاءِ بني ذُهْ ... لٍ عَلَيْنَا يَوْمَ اللِّقَاءِ جُبَارُ أَنَسِيتمْ قَتْلَي كَثِيفٍ وأَنْتُمْ ... ببِلادٍ بِهَا يَكُونُ العشَارُ إِنّنِي قدْ أَتَتْ إِليَّ قَلُوصِي ... بأُمورٍ يَطِيحُ فيها الكِبارُ عُضْلَة تَحْمِلُ الدَهِيَّ مِنَ الأَمْ ... رِ وفيها تَشَدُّدٌ ونِفَارُ قَتَلُوا سِتَّةً بغَيْر قَتِيلٍ ... مُّلِكَ الذُّلُّ بعْدهُمْ والصَّغارُ إِن نَجتْ نَجْوَةً بتَغلِبَ أَو نَجَّ ... تْ علَى نَأْيِها غُفَيلةَ دارُ قبْلَ أَن نَثْأَرَ القتِيلَ بقَتْلَي ... بعْدَ قَتْلَى وتُنْقَضَ الأَوْتَارُ فلَقدْ نَالَنَا بِذلك عارٌ ... وكَفَانَا بِذِي الرَّزِيَّةِ عارُ ولما رجع كَثِيفٌ إلى بني تَغلِب وقد قتَلَ بني الزّبان، قال السُّفاحُ بن خالد بن كعب بن زُهَير: أَلاَ يا للظَّعَائنِ لوْ سَريْنَا ... لَعلّ الخَيْلَ يقْضِيهنّ دَيْنَا فلَمّا أَنْ أَتَيْنَ على ثَمِيلٍ ... تَأَزَّرْنَ المَجَاسِدَ وارْتدَيْنَا أَلاَ من مُبْلِغٌ عَمْرو بنَ لأْيٍ ... بأَنّ بَنَانَ وِلدتِهِ لَديْنَا فلَم نَقْتُلْهُمُ بدَمٍ ولكِنْ ... هَوانُهُمُ ولُومُهمُ علَيْنَا ومَكَث الزبّانُ عَشْر سِنين ما أَدَركَ ببَنِيْه، ثم إِنْ رجُلاً من غُفَيْلَة، يقال له: وَقْشٌ، أَتى الزبّانَ ليْلاً، فعرّفه أَن قوماً من أَعدائِه بالأَقَاطن فقال الزَّبان: قدْ أَنَى لك، ونادَى يالَ بَكر، فاجْتمعت إِلَيْه بن ثَعلَبة، فالمُقَلِّلُ يقول إِنهم كانوا ثلاثمائة وستين فارِساً، وسَارُوا وأَوَثقَ الزَّبانُ وَقْشاً، وحَبَسه عند أَهلِه، فلما دَنَوٍْا الأَبْيَاتِ وَجَّهَ الزَبّانُ مَن حَزَرها ليلاً، فعَرَّفَه أَنّها نَحْو الثمانين بيتاً، فكبَسهم، فقتَل منهم ثَلاَثة عشر رَجلاً، وقُتِل أَبو مُحيَّاةَ بن زهير بنُ تَيم بن أُسامة، واسمُهُ ضِرارٌ وهو عَمُّ السّفاح. وقال عَمْرو بن لأْيٍ: ألا مَن مُبلِغُ السفّاحِ أَنّا ... قَتَلْنَا من زُهيرٍ ما ابْتَغَيْنَا

يوم بطن حنين

قَتَلْنَا مالكاً وأَخاه عَمْراً ... وحَيَّ بني أُسَامَة واشْتَفَيْنَا وأَنا لَن يُقَوِّمَنا ثِقَافٌ ... ولا ضَرْبٌ إِذا نحْنُ الْتقَيْنَا قَتَلْنَاكُمْ بقَتْلاَنا وزِدْنَا ... ورأْس أَبِي مُحَيّاةَ اخْتَلَيْنَا فقالت بنو تَغلِب للسّفاح أَجِبْ عَمْراً فقال: لا، أَو تَفْعلوا كما فعَلَ القومُ. يَومُ بَطْنِ حُنَين وهو يومٌ لبني تغلِب على بني ثَعْلَبة ثم إِنّ السّفاحَ بن خالدٍ رَحَل ببني مالكٍ بن بَكْرٍ خاصّةً، فأَتْبعتْهم بنو جُشَم، مَخافةَ الانفرادِ، فصارَتْ منازِلُهم ممّا يلِي الجزِيرة ونَواحِي الخابور، وهي اليومَ مَنَازلُ جُشَم، فظنَّتْ بكرُ بن وائل أَنّ بني تغلب رحلت هاربةً منهُم، فأَمِنُوا وقالَوا: لا تَرْجع تَغلِبُ إِلى عِزِّهَا أو يَرجِعَ إلِيها كُلَيبٌ، ولما رجعَ الزَّبّانُ وقد أَدرَكَ ثأَ ْرَه أَطْلق وَقْشاً الغُفَلِيّ، وكَساهُ وسَرَّحَه، وانْضافَ إليه جَماعةٌ من الغُفَلِيّين، فساروا يُرِيدون أَهالِيَهم، وتَهَيَّأ مَسِيرُ السَّفَّاح يُريد بكر بن وائل، فهَجَم ليلاً على الزَوْرَاءِ، وهي عَيْنٌ بوَادِي السَّماوَةِ، فوَجَد وَقْشاً والرًَّكْبَ، فَأَخَذَهم وقال: هذا أَوّلُ الظَّفَرِ، هؤلاء أَحبُّ إِلَيّ من ظَفَرِي ببني ثَعْلَبَة بن عُكَابَةَ، فقتلَهُم، وسارَ حتَّى إِذا كان من بكرٍ على منزلٍ قال: مَن يَعْرِف لَنا خَبَر القَوْمِ؟ ولا يَخْرُجُ إِلاَّ مُجِيدٌ نَجُدٌ. فقال عَنْزُ بن الخُنَابِس بن سَعد بن كِنانَةَ بن تَيْم: أَنا قالَ عنْزٌ: فانطَلَقْتُ، فلمّا فَقَدْتُ أَصْواتَ الخَيْلِ والنّاسِ والإِبلِ نِمْتُ على فَرَسي، فما استَيْقَظْتُ إلاّ والفَرَسُ قائمٌ يَشرَبُ من بَعض مَقَارِي القَوم، فاستَيقَظتُ، وجَعلْتُ أَرُدُّ فَرَسي إِلى وَرائِه، فسمِعتُ جارِيَةً من الحيّ تقول لأَبِيهَا: يا أَبتِ، تَمْشِي الخَيْلُ على أَعقابِهَا؟ فقال لها: سَيْرَ فتاةٍ قدْ كَلَّتِ اللَّيْل فاستَحْيَت وأَدخَلت رأْسَها في لِحَافها، قال وَحزَرْتُ البُيُوتَ، فإِذَا هي نَيِّفٌ وسِتّون بيتاً. ورَجَعَ إلى السَّفّاح فأَخبرَه ولَمّا قَرُبَ السَّفَّاحُ ومن معه من فُرْسَان بني تَغْلِبَ من البُيوت، عند طُلوع الفَجر، سَمِعَ غلاماً يَمْتَحُ دَلْواً ليَسْقِيَ نَعَمهُ، وهو يُنادِي برَفيقٍ له: أَوْرِدْهُنّ يا عَوْفُ. فقال السَّفاحُ: لَبَّيْك لبَّيْك، وصَبَّ عليهم الخَيْلَ، فلم يَنْهَضِ القَوْمُ حتى واسَطَهم البُيُوتَ، فقتلَ منهم ثمانيةً وخمسين رجلاً، وأَفلَتَ نَفرٌ في سَوادِ اللَّيْل، وأَخذَ رُؤْوسَهم على الإِبل، وقالت بنو تَغلِبَ للسفّاح: أَجِب الآنَ عَمْرَو بن لأْيٍ، فقال: أَمَّا اليوْمَ فنَعمْ، وقال جَلبنَا الخيلَ من قَنَوَيْنِ قُبّاً ... فأَوْرَدْنَا نَوَاحِيَهَا حُنَيْنَا ولَمّا صَاحَ صَائحُهمْ جِهَاراً ... أَلاَ يا عَوْفُ أَوْرِدْها عَلَيْنَا فلَبَّيْتُ الصَّرِيخَ ولمْ يَرَوْنَا ... ولا حَسُّوا بنا حَتَّى اعْتَلَيْنَا فنِلْتُ الثَّأْرَ واسْتَضْعَفْتُ منهمْ ... مِنَ القَتْلَى بما أَسْدَوْا إِلَيْنَا ومِنْ حَيَّيْ غُفَيْلَةَ قَدْ شَفَيْنَا ... نُفُوسَ بَني أَبِينَا واشْتَفَيْنا أَلاَ يَا آلَ ثَعْلَبَة بنِ ذُهْلٍ ... أَجُرْنَا في العِقاب أَم اهْتَدَيْنَا وقال عَمْرُو بن لأْيِ بن الحارث بن مَوْأَلَةَ بنِ عامرِ بن مالكِ بن تَيمِ الله بن ثَعْلَبَةَ بن عُكَابةَ بن صَعْبِ بن عليّ بن بكر بن وائلٍ: لعَمرِي لئِنْ سَفّاحُ تَغلِبَ نَالَنَا ... ببَطْنِ حُنَيْنٍ دُونَ تِلْكَ القَبَائلِ وصَبَّحَ ذُهْلاً دُونَ بَكْرِ بنِ وَائلٍ ... من المَوْتِ كَأْساً بالرِّماحِ العَوَاسِلِ لقَدْ رُعْتُه يَوماً بأَقْطَانِ سَاجِرٍ ... علَى كُلِّ وَرْهَاءٍ من الخَيْلِ خَابِلِ عَلَيْهَا حُمَاةُ الخَيْلِ كُلُّ مرَزَّإِ ... طَوِيل نِجَادِ السَّيْفِ مِن آلِ وَائِلِ

يوم لتغلب على هوازن

وظَلَّ لهُم يَومٌ بمُخْتلِفِ القَنَا ... عَصِيبٌ على ذِي النَّجْدَةِ المُتَبَاسِلِ وقال السفّاحُ بن خالدٍ لمّا رَجعَ إلى قومه: وكَتِيبة لَفَّفْتُهَا بكَتِيبةٍ ... شَهْبَاءَ باسِلةٍ يُخَافُ رَدَاهَا خَرْسَاءَ ظاهِرَةِ الأَدَاةِ كأَنّها ... نَارٌ يُشَبُّ سَعِيرُهَا بلَظَاهَا فيها الكُمَاةُ بَنُو الكُمَاةِ كأَنهُمْ ... والخَيْلُ تَعْثُرُ في الوَغَى بقَنَاهَا شُهُبٌ بأَيْدِي القَابسِينَ إِذَا بَدتْ ... بأَكُفِّهِمْ بَهَرَ الظَّلامَ سَنَاهَا مِنْ كُلِّ أَرْوَعَ مَاجِدٍ ذي مِرَّةٍ ... أَنَّى إِذَا لَحِقَتْ خُصىً بكُلاَهَا وعِصَابَةٍ شُمِّ الأُنُوفِ بَعَثْتُهُمْ ... لَيْلاً وقَدْ مَالَ الكَرَى بطُلاَهَا فسَرَيْتُ في وَعْثِ الظَّلاَمِ أَقُودُهمْ ... حتَّى رَأَيْتُ الشَّمْسَ زَالَ ضُحَاهَا وغَشِيتُ قَيْساً في القَلِيبِ غُدَيّةً ... وطَعَنْتُ أَوَّل فارِسٍ أُولاَهَا وضرَبْتُ في أَبْطَالهِمْ فتَجَدَّلُوا ... وحَمَلْتُ مُهْرى وَسْطَهَا فحَمَاهَا حَتَّى رَأَيتُ الخَيلَ بَعْدَ سَوَادِهَا ... كُمْتَ الجُلُودِ خُضِبْنَ مِنْ جَرْحَاهَا يَعْثُرْنَ في عَلَقِ النَّجِيع وتَارَةً ... وَسْطَ العَجَاجِ يَطَأْن مِنْ صَرْعَاهَا قُلْ لابْنِ لأْيٍ هَلْ ثَأَرْتُ بمَعْشَرِي ... أَمْ هَل مُغَاوَرَةٌ ولا أَغْشَاهَا للهِ درُّ بني زُهَيْرٍ في الوَغَى ... يَوْمَ الطِّعَانِ إِذَا انْتَمَى قِرْنَاهَا يومٌ لتَغْلِبَ على هَوَازِنَ خَرجَ السَّفَّاحُ بن خالِدٍ في خَيْلٍ كَثٍرةٍ من بني تَغلبَ، يُريد الغارةَ على بني تَمِيمٍ، فلما جاوَزَ بُيوتَ الحَيِّ عارَضَهُ راكِبٌ في سَوادِ اللَّيْل، يَتغَنَّى ويقولُ: هلْ من رَسُولٍ إلى السَّفّاحِ يُخْبِرُه ... أَنَّ القَبِيلَيْنِ مِنْ نَصْرٍ ومن جُشَمِ سَارُوا إِلى الخَيْفِ أَنْصَاراً لإِخْوَتِهمْ ... فالدّارُ تنْعشُ بالنِّسْوانِ والنَّعَمِ إِمّا تَنَلْهُمْ بأَمْرٍ كُنْتَ تَأْمُلُهأَو يَسْبِقُوا تَنْهَسِ الكَفَّيْنِ مِنْ نَدَمِ إِنّي إِذَا ذَكَرَتْ نَفْسِي غَنِيمَتَهمْ ... جَاشتْ إِليَّ ولَيْس الأَمْرُ بالأَمَمِ لَسْنَا ِإلى جُشَم نَهْدِي رِيَاسَتَها ... يَا بْنَ الكِرَامِ ولاَ عَمْرٍو ولا عُصَم فقال السفّاحُ: من أَنت؟ قال: رجلٌ من خَثْعَم، كنتُ جاراً لبني جُشَمَ وإِنَّهُم ساروا ليَنْصروا هَوَازنَ على قَوْمِي، فعاهَدْتُ الله أَن أَقُود إِليهم فُرْسانَ تَغلبَ، فكُنْتَ رَئِيسَها وزِمامها، فقال: ما أَرَدْنَا غَيْرَ تميم، وإِنَّ عَهْدَنَا بهَوازِنَ لقَرِيبٌ، ولكنّا مُشَفِّعُوك بحَاجتِك، فسِرْ أَمَامَنَا. فقال عِكَبُّ بن عِكَبِّ بنِ كِنَانةَ بنِ تَيْمٍ: تَثَبَّتْ يا بنَ خالدٍ، لعلَّهَا خَدْعَةٌ، فقال له: عَنَّا يا عمّ، فلعَمْرِي لقَدْ لاقَيتُ جِمَارَ هَوازِنَ في اَقلَّ منِ عَدَدِنَا، فما كانُوا عنْدي إلاّ شَحْمَةَ شَاوٍ، فكيف وأَنتم فُرْسانُ تغْلِبَ وجمْرَتُهَا؟ سِرْ يا خَثعميًّ أَمامَنا، فسارُوا حتّى صبّحوهم على ماءٍ لهم، وقد اجتمَعتْ كَعْبٌ وكِلابٌ ونَصْرٌ وجُشَمُ وغُدَانَةُ مَخَافَةَ الغَارةِ عليهم، ورَئيسُ القَوْم عُمَارَةُ بن مالِكٍ، فاقتتَلوا قتالاً شديداً، وحَمَل عُمَارَةُ على السَّفّاح فطعَنَهُ فصرَعَهُ، ومالَتْ خَيْلُ القوْمِ عليْه، وحامَتْ بنو زُهَير على السَّفَاحِ حتى اسْتنقَذوه، فرَكِبَ فَرسه مُغْضباً، فشَدّ على عُمَارَةَ فاختلَفَا طَعْنَتَيْنِ، فَطعنَه السَّفّاحُ فدقَّ القَنَاةَ فيه، وثَنَّى بالسَّيْف فقَتَله، وتَنَادَى القَوْمُ على دَمِه، فقُتِل منهم خَلْقٌ كثيرٌ، وحمَلَ غَنْمُ بن مالكٍ المُعاوِيّ عبدِ الله بن كَعْبِ بن ضبَابِ بن كِلاَبٍ حتى قًتِل، فانكشَفوا انكشافاً قَبيحاً، وحازَ السفّاحُ ما في الدَّارِ من نَعَمْ، وسَبَى سَبْياً كثيراً.

وقال الخَثعميُّ واسمُه الحارِثُ بن حُبَيْشٍ: أَلاَ للهِ درُّ بَنِي زُهَيرٍ ... إذَا السَّفَّاحُ يَهْتَبِلُ المُغارَا عَلى عُلْيَا هَوازِنَ مِن كِلاَبٍ ... ومِنْ كَعْبٍ ومَنْ حَلَّ الإِزَارَا سمَا بالخيْلِ يَقْدُمُها عَتُوداً ... كتَيْسِ الرَّبْلِ يدَّرِعُ الغُبَارَا إلى أَنْ صَبَّحتْ لِقُرَابِ شَهْرٍ ... وقدْ صارَ الهِلاَلً لَها سِرَارا قبَائلَ مِن هَوَازنَ ناظِرَاتٍ ... مَتى السَّفّاحُ يصْبحُها دَمَارَا بأَبنَاءِ الحَوَاصِنِ من زُهَيرٍ ... فَوَارسَ لا يَرَوْنَ القَتْلَ عارَا فَلمَّا جالَتِ الفُرْسَانُ تَدْعُو ... رَمَى السَّفّاحُ كَبْشَهُمُ عُمَارَا بأَسْمَرَ لا يَزَالُ له قتِيلٌ ... فغَادرَهُ يَمُجُّ دَماً ونَارَا ودَارَتْ بَيْنَهُمْ رَحَيَا مُدِيرٍ ... تُرَوِّي مِنْهُمُ الأَسَلَ الحِرَارَا وقال السّفَاحُ في قَتْلِهِ عُمارَةَ بنِ مالِكٍ ومُحاماةِ بني زُهَير علَيْه. لقد حامَتْ عليَّ بَنُو زُهيْرٍ ... ببِيضِ الهِنْدِ والأَسَلِ الحِرَارِ غَدَاةَ عُمَارَةُ الجُشَميُّ يَسْمُو ... سُمُوَّ الفَحْلِ في ضَبَعِ البكَارِ علَى قبَّاءَ تَخْفِقُ أَيْطَلاَهَا ... سنُون المَتْنِ كالمَسَدِ المُغَارِ فيَطْعُنُنِي وأَطْعُنُه خِلاَساً ... كخَطْفِ الصَّقْرِ أَعْشَاشَ القِفَارِ مَلِيّاً ثُمَّ أَضْربُهُ بعَضْبٍ ... تُطِيرُ ظُبَاتُهُ لَهَبَ الشَّرارِ فخَرَّ لِوَجْهِهِ يَكبُو صَرِيعاً ... كأَنَّ شؤُونَها فِلَقُ النُّجارِ ولما رَجعَ أَقبلَ عليه بعضُ نسائه تلُومُه على كَثْرَة غزَواتِهِ ومُبَاشَرة الحَرْب بنَفْسه، فقال: تَقُولُ ابنَةُ العَمْرٍيِّ مَالَكَ لا نَرَىلك الدَّهْرَ إِلاَّ هَمَّ حَرْبٍ تَسَعَّرُ عَتَادُك منها لأْمَةٌ تُبَّعِيَّةٌ ... وأَبْيَضُ من مَاءِ الحَدِيدِ ومِغْفَرُ وأَسمَرُ خَطِّيٌّ كأَنّ كُعُوبَه ... نَوَى القَسْبِ فيه كالذُّبَالةِ يَزْهَرُ وأَجْرَدُ مِثْلُ القِدْحِ جَأْبٌ كأَنَّه ... ظَلِيمٌ بأَعْلَى الرَّقْمتَينِ مُنَفَّرُ فقُلْتُ لها لا الغَزْوُ يُدْنِي مَنِيّةً ... ولَنْ يَدْفعَ الإِشْفَاقُ ما كُنْتُ أَحْذَرُ وإِنَّكِ لو أَبْصَرْتِني يوْمَ صَبَّحْتْ ... هَوَازِنَ أَمْثَالُ السَّرَاحِينِ ضُمَّرُ أُعَرِّضُهَا للطَّعْنِ في كُلّ غَمْرةٍ ... فتَسلَمُ أَحْيَاناً وحِيناً تُعَفَّرُ عَلَيْهَا الأُلَى مِنْ تَغْلبَ ابْنةِ وَائِلٍلهُمْ في قَدِيمِ المَجْدِ مَبْدًى ومَحْضَرُ لأَيقَنْتِ أَنّي فَارِسُ الخَيْلِ والَّذِي ... إِليه العَوَالِي والصَّفِيحُ المُذَكَّرُ كيَوْمَيَّ في حيَّيْ فُقَيْمٍ ونَهْشَل ... ولا مِثْلَ ما لاَقى الضِّبَابُ وجَعْفَرُ فصَبَّحْتُهم قَبْلَ الشُّرُوقِ بِغارَةٍ ... مُذَرَّبةٍ فيها القَنَا والسَّنَوَّرُ وغُودِرَ عبْدُ الله في النَّقْع ثَاوِياً ... عليه ذِئَابٌ ضَارِيَاتٌ وأَنْسُرُ علَى وَجْهه يَدْعُو فَوَارِسَ قَوْمِهِ ... فلَمْ يَأْوِ إلاّ فارسُ القوْمِ مَعْمَرُ فطَاعَنَنا صَدْرَ النَّهَارِ كأَنَّه ... ضُبَارمَةٌ يَحْمِي العَرِينَ غَضَنْفَرُ فَمَا رامَ حَتّى بُلّ جَيْبُ قَمِيصهِ ... بمَلاّسةٍ تَنْفِي السِّدَادَ وتَفْغُرُ وقال غَنْمُ بن مالكٍ في قَتْله عبْدَ الله: ولمَّا رَأَوْني في الكَتيبة مُعْلِماً ... تَنَادَوْا وقالُوا ذَاكَ غَنْمُ بنُ مَالِكِ وأَسْمُو لعَبْد الله والنَّقْعُ سَاطعٌ ... علَى ظَهْرِ مَوَّارِ العِنَانِ مُوَاشِكِ فلاَقَيْتُه والخَيْلُ بَيني وبينَه ... بأَزْرَقَ مَخْشِيِّ الوَقِيعةِ بَاتِكِ

باب

فَغَادَرْتُه يَكْبُو على حُرِّ وَجْهِهِ ... تُثِير عَلَيه نَقْعَها بالسَّنَابِكِ يُنَادِي بأَعْلَى الصَّوْت يا آلَ عَامرٍوقَدْ أَدْبَرَتْ فِعْلَ الإِمَاءِ الفَوَارِكِ بابٌ في الخيل وصِفاتها وأَنسابها وشِيَاتِها أنسَابُهَا كانَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُودَ عليهمَا السّلامُ مُعْجَباً بالخَيْل وكانَ له أَلْفُ فَرَسٍ وَرِثَهَا عن أَبيهِ، فعُرِضَ يَوْماً عليه منها تِسْعُمِائَة فَرسٍ، ليس فيها إِلاَّ سابِقٌ رائعٌ، فشَغَلَتْهُ عن الصَّلاة، وقد فاتَتْهُ، فدعا رَبَّه، فرَدَّ عليه وَقْتَهُ، فصَلَّى ثمّ فكَّرَ فقال: بئْس المالُ مالٌ شَغَلَنٍ عن ذِكْر رَبِّي، رُدّوهَا علَيَّ فضُرِبتْ سُوقُهَا ورِقَابُهَا بالسُّيُوف، كما قال الله عزّ وجلّ سُوقُهَا ورِقَابُها بالسُّيُوف، كما قال الله عزّ وجلّ: " فطَفقَ مَسْحاً بالسُّوقِ والأَعْنَاقِ " وبَقِي في خَزائنه مائَةُ فَرَسٍ لم تَكُن عُرضَتْ عليْه، فقال: هذِه المائةُ أَحَبُّ إِليَّ من تلْكَ التِّسْعمائَةِ التي فَتَنَتْني عن ذِكْر رَبِّي، ولي في هذِهِ المِائَةِ ما أَقْضِي به لَذّتي ومآربي، فأَمْسَكَها، ثم إِنّ وَفْداً من أَهْلِ مصرَ قَدموا عليه فلمّا قَضَوا حاجاتِهم وَدَّعوه وقالوا: يا نَبيَّ الله، بلادُنا شاسِعَةٌ، ونحن سَفْرٌ مُمْلِقون، فزَوِّدْنا زَاداً يُبَلَّغنا. فدَعَا بفَرسٍ من تِلْك المِائَة، فأَعْطَاهم إِيّاه، وقال: هذا زادُكم، إِذا نَزَلْتم مَنزِلاً أَو حَلَلْتم بَلَداً فاحْمِلوا عليه بَعضَكُم، فإِنّه مُصِيبٌ لكُمْ من الوَحْش ما يكُفِيكُم ويُبَلِّغكم. فجَعَلوا لا يَنزلون أَرْضاً إلاّ حَملَوا بعْضَهم عليه، فلا يُخْطِئُهم حِمارُ وَحْشٍ، ولا هِقلُ نَعامٍ أَو ظَبيٌ، كأَنَّه في أَيدِيهم، فقالوا: واللهِ ما لِفَرسنا هذا اسْمٌ إِلاّ زَادُ الرَّكْب، ما لَنَا زَادٌ غَيْرُهُ فسَمَّوه زَادَ الرَّكْبِ، ومنه أَصْلُ هذِه الخَيْل فلمّا قَدِمُوا بَلَدهم سَمِعتِ العَربُ، فأَتَوْهم بخَيْلهم، فسأَلوهم عَسْبَةُ، لنَجَابَتِهِ، ويُقال إِنْ هؤلاءِ القومَ الذين أَتَوا سليمان عليه السلام من الأَزْدِ، فذَكَروا أن أَولَ فَرَسٍ انْتَشَر في العَرب بَعْدً من نِتَاجِ هذا الفَرَسِ لبنِي تَغْلبَ، يُقال له الدِّينَاريّ بن الهُجَيْسي، وكانَ أَجْودَ فَرسٍ كان للعرب، وكان أَعْوَجُ من نِتَاجِه، وكان لبني عامِرٍ، فأَغارت علَيهم بَهْرَاءُ، فأَصابوهم خُلُوفاً، قد غَزَوْا أَوفِى رعْيٍ، فأَصَابوا الفَرَسَ وهو مهْزولٌ أَعجَفُ ضَئِيلُ الجِسْم، إِذا مَشَى تَلَوَّى هُزَالاً فقال بهْرَاءُ: بئْس الفَرَسُ هذا، فخَرجَ أَجْوَدَ ما سُخِّرَ، وكان من نِتَاجِه بَعْدُ لبني تَغْلبَ النُبَاك والحلاّبُ، قال الأَخطل: نَكُرُّ بناتِ حَلاّبٍ عَلَيْهمْ ... ونَزْجُرُهنّ بَيْنَ هَلاَ وهَابِ وكان من نِتَاجه لبني يَرْبوعٍ ذو العُقَّال، وكان لبني أَسدٍ العَسْجَدِيّ ولاَحِقٌ وراعِقٌ والوَجِيهُ من نِتَاجه، قال النابِغَة: فيهم بناتُ العَسْجَدِيّ ولاَحِقٍ ... وُرْقاً مَراكِلُها من المِضْمارِ وكان لبني ثَعلَبَة بن سَعْد بن ذُبْيانَ التَّدْمُرِيُّ، فانتشرَ في العرب نَسْلُ زاد الرَّكْبِ. هذِه رِوايةُ أَبيس عُبيْدة وقال الأَصمعيّ: الوَجِيهُ ولاحِق والغُرَاب ومُذْهَبٌ ومَكتومٌ وسَبَلُ وهي أُمُّ اَعْوَجَ، كانت لغَنِيٍّ، قال: وأَعَوْجُ لبني آكِلِ المُرَارِ، ثمّ صار لبني هِلاَل بنِ عَمْروٍ، قال طُفَيل الغَنَوِيُّ: دِقَاقاً كأَمْثَالِ السَّرَاحِينِ ضُمَّراً ... ذَخَائرَ مَا أَبْقَى الغُرَابُ وَمُذْهَبُ أَبُوها ومَكْتُومٌ وأَعْوَجُ سُلِّلَتْ ... وِراداً وحُوّاً ليسَ فيهِنّ مُغْرَبُ وجِرْوَةُ الأصفَرُ لشدّاد بن عمروٍ أَبي عَنْترة، ومَيّاسٌ وهدّاجٌ لبَاهِلَة لبَنِي أَعْيَا، قالت ابنَةُ الدَّيَّانِ الحَارثيّةُ: شَقِيقٌ وحَرِّيٌّ هَرَاقَا دِمَاءَنَا ... وفارِسُ هَدّاجٍ أَصابَ النَّوَاصِيَا وقال آخر: مَنَى لكَ أَنْ تَلْقى ابْنَ هِنْد مَنِيَّةٌ ... وفَارِسَ ميّاسٍ إِذَا مَا تَلَبَّبَا

فضل الخيل

والكَلْبُ لرجُل من بني عامرٍ أَو غَطَفان، وقُرْزُلٌ لطُفيلٍ أَبي عامرٍ قال، أَوْس. واللهِ لولا قُرْزُلٌ إِذْ نَجا ... لَكَان مثْوَى خَدِّك الأَحْزَمَا وذو الخِمَار لمالك بن نُوَيرة والجَوْنُ لأَرقمَ بن نُويرة. وذاتُ النُّسوع لبِسْطام بن قَيس والنَّعامَةُ للحارث ابن عُبادٍ، ولها يقول: قَرِّبَا مَرْبَطَ النَّعامَةِ مِنّي ... لَقِحَتْ حَرْبُ وَائلٍ عنْ حِيَالِ وابنُهَا لبني سَدُوس واسْمُهَا الشَّيِّطُ، وكان للخُزَز بنِ لَوْذَانَ السَّدُوسيِّ وله يقول: لا تَذكُرى فرَسي وما أَطْعَمْتُهُ ... فيكونُ جِلدُكِ مثْلَ لَوْنِ الأَجْرَبِ والمُتَمَطِّرُ فرَسُ حيّان بن مُرَّةَ، من نسلِه، وكامِلٌ والزَّبِدُ للحَوفَزَانِ، وحَلاّبٌ وقيْدٌ لبني تغلب ومُخَالِسٌ لبني عُقَيْل، واليَحْموم والدَّفوف للنُّعمان بن المنذِر، والعَصَا لجَذيمة الأَبْرَش، والحَرونُ لمسلم بن عَمرو الباهليّ في الإِسلام والنَّحَّامُ لسُلَيْك بن السُّلَكةِ السَّعْدِيِّ، وفيه يقول السُّلَيْك: كأَنَّ مَناخِرَ النَّحَّامِ لَمّا ... دَنَا الإِصْبَاحُ كِيرٌ مُسْتَعارُ وفي بني تَغْلب فَرَسٌ يُقال لهَا العَصَا وفارسُهَا الأَخنسُ بن شِهاب، وكانت له زِيَمٌ، والحَرُونُ هو ابنُ الأَثاثيّ بن الخُزَز بن ذي الصُوفة بن أَعوجَ اشتراهُ مُسلمٌ من أَعرابيِّ بالبصرة بأَلف دينارٍ وكانَ له ابنٌ يُقال له البِطَانُ أَهْداهُ إلى الحَجّاج ووَلَدَ البِطَانُ البطِينَ ووَلَد البَطِينُ الذَّائدَ، وولدَ الذَّائدُ أَشقرَ مَرْوان، فأَصلُ هذه الخُيولِ زادُ الرَّكْب كما ذُكِر. فَضْلُ الخَيْل وما كان رسولُ الله صلى اللهُ عليه يسْتحِبُّ منها وأَسماءُ أََفراسِه عليه السلام كان أَسماءُ أَفراسِ النبي صلَّى اللهُ عليه اللُحَيفَ واللِّزَازَ والظَّرِبَ وذَا اللِّمَّة والمُرتَجِزَ وأُمَّه الحِمَالَة التي أَفْلتَ عليها عامرُ بن الطُّفَيْل يومَ الرَّقَم، وفيه يقول أَبو شُريح: نَجوتَ بنَصْلِ السَّيف لا غِمْدَ فَوقهَ ... وسَرْجٍ على ظَهْرِ الحِمالةٍ قاتِرِ واشتراهُ رسولُ الله صلى اللهُ علَيْه، بشهادة من خُزَيمة، من سواءٍ بمائَتَيْ ناقةٍ ليس فيها حَدَّاءُ ولا زَبّاءُ ولا ذاتُ عَوَر، وكان له صلى اللهُ عليه فرسٌ يقال له السَّكْبُ، وكان لَهُ السِّرحانُ، واسمُ بغلتِه الدُلْدُلُ، وحِمارُه يَعْفورٌ، وسيفه ذو الفَقار، ودِرْعُه ذات الفُضُول، وعِمامتُه السَّحَابُ، ومِخْصَرتُه اليُسْرً، ورَايْتُهُ العُقَابُ، صلى الله عليه وعلى آلِه وسلَّم. وقال رسُولُ الله صلَّى اللهُ عليه: " الخَيلُ مَعْقُودٌ في نَواصِيها الخَيْرُ إلى يوم القِيامَة، وأَهْلُها مُعَانُونَ علَيها، لهم الأَجْرُ والغَنِيمة ". وقال عليه السلامُ: " عليكم بإِناثِ الخيلِ فإِنّ ظُهورَهَا حِرْزٌ، وبُطونَها كَنزٌ " وقال عليه السلام: " من كان له فَرَسٌ عربيّ فأَكْرَمَهُ أَكرمَهُ اللهُ، وإِنْ أَهانَه أَهانَهُ اللهُ " ورَوَى ابن عبّاس أَن النبي صلى الله عليه كان يَستحِبُّ الشُّقْرَ من الخَيل وقال النبي عليه السلام: " إِنْ أَعْدَدْتَ فَرَساً فأَعِدَّهُ أَدْهَمَ أَقْرَحَ مُحْجَّلَ الثَّلاثِ مُطْلَقَ اليُمْنَى، فإِنّهَا مَيَامينُ الخَيْلِ، فإِن لم يكن أَدْهمَ فكُمَيتاً، ثُمّ أَغَرّ، تَغْنَم وتَسْلَم إِنْ شاءَ الله ". وقال صلَّى الله عليه: " لو أَنّ خَيْلَ العرب جَمِعَت في صِعيدٍ وَاحدٍ ما سَبقَها إِلاّ الأَشْقَرُ " وكانَ عليه السلام يَكرَهُ الشِّكالَ - وهو إِذَا كان التَّحْجِيلُ من خِلاف - والأَرْجَلَ، وعنه عليه السلام " خَيرُ الخَيْلِ الشُّقْرُ، وإلاّ فأَغَرُّ أَدْهَمُ مُحجَّلُ الرِّجْلِ اليُمنَى مُطلَقُ اليُسْرَى ". أَسنانُ الخَيل

ومن ألوان الخيل وشياتها

يُقال لولَد الفرس ساعَة تَضَعُهُ أُمُّه: مُهْرٌ، والأُنْثَى مُهْرةٌ، ويقال له خَرُوفٌ، أَيضاً، فإِذَا فُصِل عن أُمَّه فهو فَصِيلٌ، وإِذا اسْتَتَمَّ نَبَاتُ رَوَاضِعِه فهو فَلُوُّ، يُقال فَلْوْتُه وافْتلَيْتُهُ، فإِذا أَتَى عليه حَوْلٌ فهو حَوْلِيّ، فإِذا استَتمَّ حَوْلَيْنِ فهو جَذَعٌ، فإِذا سَقطَتْ ثَنِيّتَاه وخَرَج مَكَانهما وذلك في العالم الثالث فهو ثَنِيٌّ، وفي العَام الرابِع فهو رَبَاعٌ، وذلِكَ إِذا سَقَطَتْ رَبَاعِيَتاهُ وخَرجَ مكانهما، فإِذا سَقَطَ قارِحاهُ وخَرَج مَكانهما فهو قارِحٌ، وليس بعد القارح سِنٌ، ولكن يقال: قارحُ عامٍ، وقارِحُ عامَين، إلى ثمانية أَعوامٍ، ثمّ يقال له: مُذَكٍّ، والجميع مَذَاكِي ومُذَكِّياتْ وفي المثل " جَرْيُ المُذَكِّيات غلابٌ " أَي مُغالَبة، ويقال غِلاءٌ أَي كما يُتغالَى بالسِّهام أَي يُترامَى. ومن أَلوان الخيل وشِيَاتِها أَدْهَمُ، وأَخضَرُ، وأَحْوَى، وكُمَيْت، وأَشقَرُ والفرقُ بين الأَشقر والكُمَيت أَن يَسودّ عُرفُه وذَنَبُهُ، فيكون كُمَيْتاً، وإِلاّ فهو أَشقرُ وأَصْفَرُ، وأَشْهَبُ، وأَبْلَقُ، وأَبْرَشُ، ومُلَمَّعٌ، وهي أَيضاً بُلْقَةٌ وكذلك المُدَنَّر، والأشيَمُ، والمُوَلَّع. كلُّ هذه صفاتُ اللَّوْنِ تُخالِفُ لَوْنَ الفَرَس وتتشكَّلُ فيه. فيُسمى مدَنَّراً إِذا كانت فيه دَارَاتٌ مُخَالِفةٌ. فإِن لم تَكُن داراتٌ، وكان لَوْنَيْن مُتساوِيَين فهو أَبلَق، فقِسْ على هذا. وفَرسٌ لَطِيمٌ، إِذا أَصابَت غُرَّتُه عَيْنَيهِ أَو إِحداهما، أو خَدَّيه أَو أَحدهُما. فإِن ابْيَضَّتْ أَشْفارُه فهو مُغْرَبٌ. فإِنّ لم تُصِبِ العَيْنَين والخَدَّين وامتَنَعت في جَبْهَتِه فهي شادِخَةٌ. وإذا رَقَّت في جَبْهَته وقَصَبَةِ أَنْفهِ فهي شِمْرَاخٌ. وإذا عَرُضَتْ في الجَبْهَة فهي سائلَة. والفُرْجةُ كُلُّ بَياضٍ كان في جَبهته ثمّ انقطَعَ قِبَلَ الأَنفِ. الرَّثَمُ كلّ بياضٍ أَصابَ الْجَحْفَلَةَ العُلْيَا، قلَّ أَو كَثُرَ فهي رُثْمة. واللُّمْظَة كلُّ بَياض في الجَحْفَلَةِ السُّفْلَى، والفَرسُ أَلْمَظُ. وإذا شاب الناصية بياض فهو أسعف وإِذا خَلَصتْ بَيضاءَ فهو أَصْبَغ. فإِذا انحَدرَ البَيَاضُ إِلى مَنْبِت النّاصِيَة فهو المُعَمًّم. وإِذا كان علي الأُذُنَين أَو إِحداهما بَياضٌ فهو أَذْرَأُ. والتّحجيلُ بياضٌ يكون في قوائمه أَو في ثلاثٍ أَو في اثنَتَين، قَلَّ أَو كَثُر، يُقال مُحَجَّلُ أَربَعٍ. فإِذا كان البَيَاضُ في ثَلاثٍ قيل: مُحجَّلُ ثَلاثٍ مُطلَقُ يَدٍ أَو رِجْلٍ. والتَّحْجِيل مَآْخُوذ من الحِجْل، وهو الخَلْخَال، كأَنَّه صار البياضُ مَوضِعَه. وإِذا كان البياضُ برِجلَيه قيلَ: مُحجَّلُ الرِّجْلَين. فإذا كان البَيَاض برِجْلٍ وَاحدة قيل: أَرْجَلُ، ويُتشاءَمُ به، وقيل: إِنّ الحسين صلوات الله عليه قُتِل وهو على أَرجَلَ. وإذا كان البَيَاضُ في اليَد اليُمنَى والرِّجْل اليُسْرَى مُخَالِفاً فهو مَشكولٌ. وإِذا كَان في اليد اليُمنَى والرِّجل اليُمنَى فهو مُطلَق الأَيَامِن مُمْسَك الأَياسِرِ. والعُصْمَةُ بياضُ يكون باليَدَين دون الرِّجلَيْن. والتَخدِيمُ بيَاضٌ مُسْتَدِيرٌ بأَرساغ الرِّجلَين دون اليَدَيْن يُطِيف بها دون سائرِ ما كان يُقال فَرَسٌ أَخْدَم ومُخَدَّم. فإِذا كان برِجلٍ واحدة فهو أَرْجَلُ. وإِذا ابيضَّ بعضُ البَطْن ولم يتَّصِل ببَياضٍ فهو أَصبَغ. فإذا كان في عُرْضِ الذَّنَب بياضٌ فهو أَشْعل. وإِذا كان في أَصْل ذَنَبه فهو أَصبَغُ أَيضاً. فإِذا بلغَ البَطنَ فهو أَنْبطُ. فإِذا ظَهَر من البَطْن صار أَبْلَق. وممّا قيل في تفضيل الخيل وإِيثارها ووصفها من الشّعر لأَعرابيّ: الخَيرُ ما طَلَعَتْ شَمسٌ وما غَرَبَتْ ... مُوَكَّلُّ بنَوَاصِي الخَيْلِ مَعْصُوبُ وقال الأَسْعَر بن مالك الجُعْفِيّ في إِيثاره فَرسَه على أَهِلهِ ونفسه: تُقْفِي بِعِيشةِ أَهْلِهَا وَثّابَةً ... أَو جُرْشُعاً عَبْلَ المَحَازِمِ والشَّوَى ولقَدْ عَلِمْتُ علَى تَوَقِّيَّ الرَّدَى ... أَنّ الحُصُونَ الخَيْلُ لا مَدَرُ القُرى

إِنّي وَجَدْتُ الخَيْل عِزّاً ظاهِراً ... تُنْجِي من الغُمَّي ويَكْشِفْنَ الدُّجَى ويَبِتْنَ بالثَّغْرِ المُخْوفِ طَلائعاً ... ويُثِبْنَ للصُّعْلوكِ جَمَّةَ ذِي الغِنَىَ وقال أَبو دُوَاد الإِياديّ في حُبِّه الخَيْلَ: عَلِقَ الخَيْلَ حُبُّ نَفْسِي مُقِلاً ... وإِذَا ثابَ عِنْدِيَ الإِكْثارُ عَلِقَتْ هِمَّتي بهنّ فَمَا يَمْ ... نَع مِنّي الأَعِنَّة الإِقْتَارُ جُنَّةٌ لي وكُلّ يَوْمِ رِهَانٍ ... اجمعتى في رهانها الأجسار وانجرادي بهن نحو عدوي ... وارتِحالى الْبِلاَدَ والتَّسْيَارُ ولرجل من بني عامر بن صَعْصَعَة: بَنِي عامِرٍ ما لي أَرَى الخَيْلَ أَصْبَحَتْبِطَاناً وبَعْضُ الضُّمْرِ للخَيْلِ أَفْضَلُ بني عامرٍ إِنّ الخُيولَ وقَايةٌ ... لأَنْفُسِكمْ والمَوتُ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ أَهِينًوا لَهَا ما تُكرِمونَ ويَاسِرُوا ... صِيَانتَها والصَّوْنُ للخَيْلِ أَجْمَلُ مَتى تُكْرِمُوها يُكرِمِ المَرْءُ نَفْسَه ... وكلُّ امْرِئٍ مِنْ قَوْمِه حَيْثُ يَنْزِلُ وقال شَمْعَلَةُ بن الأَخضَر الضَّبِّيُّ: بأَسْرَعَ رَجْعَةً منها وكَرّاً ... إِذَا أَبْدَتْ مِنَ العَرَقِ العِذَارَا إلى أَمْثالِ تِلْكَ إِذَا فَزِعْنَا ... نَطِيرُ ونَمْنَعُ السَّرْحَ المُثَارَا نُوَالِّيهَا الصَّرِيحَ إِذا شَتَوْنَا ... على عِلاَّتِنا ونَلِي السَّمَارا رَجَاءَ أَن تُؤَدِّيَهُ إِلَيْنَا ... مِن الأَعْداء غَصْباً واقْتِسَاراً وعلى ذِكر إِيثارِه فرسَه باللَّبن فمن حَسَنِه وجَيّدِهِ قول عَمْرو بن بَرَّاقة الهَمْدانِيّ: غَبَرتْ خَيْلُنا نُقَاسِمُها القُو ... تَ ولم يُبْقِ حاصِدُ المَحْلِ عُودَا شَتْوَةً تُوسِعُ الجِمَالُ لهَا الرِّسْ ... لَ ونَسْقِي عِيالَنا تَصْدِيدَا ذَاكَ حتَّى إِذَا الرَّبِيعُ نَفَى الأَزْ ... مَةَ قُدْنَا مِنْهَا شيَاطِينَ قُودَا ورَمَيْنَا بِهَا دِيَارَ الأَعَادِي ... فأَثَابَتْ لِكُلِّ قَعبٍ قَعُودَا حَبَّذَا هُنَّ مَتْجَراً رَابِحَ الصَّف ... قَةِ تَحْوِي الغِنَى وتَشْفِي الحقُودَا وقريبٌ منه لفضَالَةَ بنِ شِرِيكٍ الوالبِيّ في فرسه واسمه ناصِح: أَناصِحُ إِنّ الخَيْلَ مَجْلوبةٌ غَداً ... ومَالَك إِنْ لم يَجْلُبِ اللهُ جالِبُ أَتذكُرُ إِلْبَاسِيكَ في كُلِّ شَتْوَة ... رِدَائي وإِطْعَامِيك والبَطْنُ سَاغِبُ أَناصحُ كَمِّشْ للرِّهانِ فإِنّها ... غَدَاةُ رِهَانٍ جَمَّعتْها الحَلائبُ أَنَاصِحُ هَدْىٌ كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ ... علَيَّ ونَذْرٌ لا أَبِيعُك وَاجِبُ ولعمْرو بن مالكِ: وسَابِحٍ كعُقَابِ الدَّجْن أَجْعَلُه ... دُونَ العِيَالِ له الإِيثارُ واللَّطَفُ قولُه عُقَاب الدَّجْنِ العُقابُ إِذا رأَتِ الدَّجْنَ كان أَسْرَعَ لطَيرَانِهَا طَلَباً لوَكْرِهَا قبلَ أَن تَلحقَها السَّحابُ. ومثلهُ لجُندبٍ: أَتَتك كأَنّها عِقْبانُ دَجْنٍ ... تَجَاوَبُ في حَنَاجِرِها اليَرَاعُ وقال مُعَقِّرُ بن حِمَارٍ البارِقِيُّ: ويمنَعُنا منْ كلّ ثَغْرٍ نَخافُه ... أَقَبُّ كسِرْحَانِ الأَبَاءةِ ضَامِرُ وكُلّ سَبُوحٍ في العِنَانِ كَأَنَّهَا ... إِذَا اغْتَسَلتْ بالماءِ فَتْخَاءُ كاسِرُ وقال طُفَيل الغَنَويّ: إِنّي وإِنْ قَلَّ ما لي لا يُفارِقُني ... مِثْلُ النَّعَامَةِ في أَوْصَالِهَا طُولُ تَقْرِيبُهَا المَرَطَي والجَوْزُ مُعْتَدِلٌ ... كأَنّهَا سُبَدٌ بالمَاءِ مَغْسُولُ أَو ساهِمُ الوَجْهِ لم تُقطَعْ أَبَاجِلُه ... يُصَانُ وهْوَ لِيَوْمِ الرَّوْعِ مَبْذولُ وقال أَبو دُوَاد الإِياديّ:

وقَد أَغْتَدِي في بَياضِ الصَّبَاحِ ... وأَعْجَازُ لَيْلٍ مُوَلَّى الذّنَبْ بطِرْفٍ يُنَازِعُني مَرْسِناً ... سَلُوبِ المَقَادةِ مَحْضِ النَّسَبْ كهَزِّ الرُّدَينيّ بَيْنَ الأَكُفّ ... جَرَى في الأَنَابِيب ثُمَّ انْتصَب ولعَوْف بن عَطِيّة بن الخَرِع الرِّبابِيّ: وأَعدَدْتُ للحَرْبِ مَلْبُونةً ... تَرْدُّ على سَائِسيهَا الحِمَارَا رَوَاعَ الفُؤادِ يَكَاد العَنِيفُ ... إِذَا وَنَت الخَيْلُ أَن تُستَطارَا كُميْتاً كحَاشِيَةِ الأَتْحَمِ ... ىّ لم يَدَعِ الصُّنْعُ فيه عُوَارَا لَها رُسُغٌ مُكْرَبٌ أَيِّدٌ ... فلاَ العَظْمُ وَاهٍ ولاَ العِرْقُ فَارَا لهَا حَافِرٌ مِثْلُ قَعْبِ الوَلي ... دِ يَتَّخِذُ الفأْرُ في مَغَارَا لَهَا كَفَلٌ مثْلُ مَتْنِ الطِّرَا ... فِ مَدَّدَ فيه البُنَاةُ الحِتَارَا والمشهور المستجاد في صفات الخيل قولُ امرِئ القَيْس: وقد أَغْتَدِي والطَّيْرُ في وُكُنَاتِها ... بمُنْجَرِدٍ قَيْدٍ الأَوابِد هَيْكَلِ مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً ... كجُلْمودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عن حالِ متْنِهِ ... كما زَلَّت الصفْوَاءُ بالمُتَنَزِّلِ على الذَّيْلِ جَيّاشٍ كأَنَّ اهْتزامَهُ ... إِذَا جَاشَ فيه حَمْيُه غَلْيُ مِرْجَل له أَيْطَلاَ ظَبْيٍ وسَاقَا نَعَامَةٍ ... وإِرْخَاءُ سِرْحَانٍ وتَقْرِيبُ تَنْفُلِ درِيرٍ كخُذْرُوفِ الوَلِيدِ أَمَرَّهُ ... تَتَابُعُ كفَّيْهِ بخَيْطٍ مُوَصَّلِ ولبِشْر بن أَبي خازمِ: بكُلِّ قِيَادِ مُسْنَفَةٍ عَنُودٍ ... أَضَرَّ بها المَسَالِحُ والغِوَارُ مُهارِشَةِ العِنَانِ كَأَنّ فيها ... جَرَادَة هَبْوَةٍ فيها اصْفِرارُ نَسُوفٍ للحِزَام بمِرْفَقَيْهَا ... يَسُدُّ خَوَاءَ طُبْيَيْها الغُبارُ تَرَاها مِن يَبِيسِ الماءِ شُهْباً ... مُخَالِطَ دِرَّةٍ منْهَا غِرَارُ بكُلِّ قرَارَةٍ من حَيْثُ جالَتْ ... رَكِيَّةُ سُنْبُكٍ فيها انْهِيَارُ وخِنْذِيذٍ تَرَى الغُرْمُولَ منه ... كطَيِّ الزِّقِّ عَلَّقهُ التِّجَارُ كأَنّ خَفيفَ مِنْخَرهِ إِذا ما ... كتَمْنَ الرَّبْوَ كِيرٌ مُستَعارُ يُضَمَّرُ بالأَصَائل فَهْوَ نَهْدٌ ... أقَبُّ مُقلِّصٌ فيه اقْوِرَارُ كأَنَّ سَراتَهُ والخَيْلُ شُعْثٌ ... غَدَاةَ وَجِيفِها مَسَدٌ مُغَارُ يَظَلُّ يُعارِضُ الرُّكْبَانَ يُهْفُو ... كأَنَّ بَيَاضَ غُرَّتِه خِمَارُ ولعبد الرحمن بن حَسّانَ بن ثابت: أَوْغَلْتُ فِيه مَعَ الصَّبَا ... حِ بمِنْهَبٍ صَافٍ سَراتُهْ وَرْدٍ كلَوْنِ صَلاَيَةٍ ... طُلِيَتْ بجَادِيٍّ مَرَاتُهُ عَبْلِ الشَّوَى يَأْوِي إِلى ... حضْرٍ إِذَا جَدَّ انْصِلاتُهُ كحَفِيفِ ذِي البَرْدِ لمُجَلْ ... جِلِ رَاحَ مُسْتَدّاً خَوَاتُهْ نهْد مَرَاكِلُه شَدي ... د الأَسْرِ مُشرِفةٍ قَطَاتُهْ يَعْدُو كعَدْوِ التَّيْسِ بال ... مَعْزَاءِ أَنْفَرَهُ رُمَاتُهْ وله أَيضاً: فجَرَّدَ أَيْهَمَ ذَا قُرْحَةٍ ... أَمِينَ الشَّظَا غَامِضَ الأَبْجَلِ أُشَبِّهُ قُرْحَتَه دِرْهماً ... مِنَ الوَرِقِ البِيضِ لم يُغَسلِ قلِيلَ الفُتُورِ سَليمَ النُّسُو ... رِ عَبْلَ القَوَائمِ والمُنْعَلِ له حافِرٌ لم تَخُنْه الحَوا ... مِ وَأْبٌ سَليمٌ ولمْ يُنْعَلِ كمِثْلِ أَوَاقِي ذُكُورِ الحَدِي ... دِ رُكِّبْنَ فيه ولم يُسْحَلِ

صَحِيحَ الأَشَاعِرِ في جَوْفِه ... دَخِيسٌ له مُثْبتُ المدْخَلِ وأَوْظِفةٌ أَيِّدٌ جَدْلُها ... طِوَالٌ وفي ذاكَ لم تَنْحُلِ وسَاقانِ كَعْبَاهُما أَصْمعَا ... نِ سَدّا لهُ خَلَلَ المَفْصِلِ كأَنّ حَمَاتَيْهِمَا أَرْنَبَانِ ... تَقَبَّضَتَا خِيفَةَ الأَجْدَلِ وفيها: طَوِيلُ الضُّلُوعِ شَدِيدُ الصِّفاقِ ... خَفُوقُ الحَشَا جُرْ شُعُ المَرْكَلِ وعَيْنٌ طَحُورٌ بإِنْسانِها ... تُخَالُ كَحِيلاً ولمْ تُكْحَلِ وخَدٌّ يَغُولُ عِذَارَ اللِّجَا ... مِ عَارِي النَّوَاهِقِ والمصْهَلِ مُطَارُ الفُؤَادِ إِذَا مَا يُرَا ... عُ ظَلَّ إِلى اللَّيْلِ في أَفْكَل ولأُبَيّ بن سُلَيْمَانَ بن رَبِيعَة بن ذُيان: سَبُوحٌ إِذَا اغْتَمَرتْ في الغُبَارِ ... مَرُوحٌ مُلَمْلَمَةٌ كالحَجَرْ فلَوْ طَار ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطارَتْ ولكنَّه لم يَطِرْ ومن أَحسن ما قيل في الجَرْيِ قولُ أعرابي: ومَرَّتْ تفُوتُ الطَّرْفَ لَمَّا تَطَافَرتْ ... وقد بَرزَتْ مثْل الظِّباءِ من الحبلِ فطَارَتْ بأَيْدِيها وعَامَتْ صُدُورُها ... وأَخْرَجهَا فَرْطُ النَّشاطِ إِلىَ الجَهْلِ وأَجْرَى الرَّشيدُ الخَيْلَ، فسبقَ فَرَسٌ له يُقال له المُشَمِّرُ، فقال للشُّعَرَاءِ: قُولُوا في ذلِك. فابتَدَأَ أَبو العتَاهِيَة فقال: جاءَ المُشَمِّرُ والأَفْرَاسُ يَقْدُمُهَا ... هَوْناً على رِسْلِه مِنْهَا ومَا انْبَهَرَا وخَلَّفَ الرِّيحَ حَسْرَى وهْي تَتْبَعُهُ ... ومَرَّ يَخْتَطِفُ الأَبْصارَ والنَّظَرَا وكان للرَّشِيد فَرسٌ يَقْرُبُ منه مِعْلَفُهُ، لفَرَاهَتِه، ويُطْعِمُهُ من يَده، ويَدْعوه فيُجِيبُهُ، فرَآهُ الفرسُ يَوْماً وقد أَطعَمَ فَرَساً آخَرَ من يده، فكان بعد ذلك إِذا دَعَاهُ لم يُجِبْهُ، وإِذا أَطْعَمهُ مِن يَدِه لم يَأْكُل، فسَمّاه الغَضْبانَ، فسَبقَ الحَلْبَة يوماً، فقالَ الرّشيد للْعُمَانِيّ الرّاجز: قَلِّدْهُ بشيءٍ فوَضَعَ عِمامتَه في عُنُقه، فضَحِكَ الرَّشيدُ وقال: قبحَك اللهُ ما لِهذا أَردتُ؟ أَنتَ أَكُثرُ قَلائدَ منّي؟ إِنّمَا أَرَادْتُ أَن تَصِفَه بشِعْر. فوقَفَ وقال: قَد غَضِبَ الغَضبانُ إِذْ جَدَّ الغَضَبْ وجَاءَ يحْمِي حَسباً فَوْقَ الحَسَبْ مِنْ إِرْثِ عَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبْ النَّسَبِ الخَالِصِ غيرِ المُؤْتَشِبْ وجَاءَتِ الخَيْلُ بهِ تَشْكو التَّعَبْ له عَلَيْها ما لَكُمْ على العَرَبْ فأَحْسَنَ جائزته. وللعبّاسيّ: وخَيْلٍ طَوَاهَا القَوْدُ حتَّى كَأنَّها ... أَنابِيبُ سُمْرٌ مِن قَنَا الخَطِّ ذُبَّلُ صَبَبْنَا علَيْهَا ظَالِمِينَ سِيَاطَنَا ... فطَارَتْ بها أَيْدٍ سِرَاعٌ وأَرجُلُ ووَصفتْ أَعرابيّةٌ سُرْعةَ فَرسٍ فقالت: لمّا أُخرِجَت الخَيْلُ جاءُوا بشَيْطانٍ في أَشْطان، فلمّا أُرِسِلتْ لَمَعَ لَمْعَةَ سَحابٍ، فكان أَقْرَبها ِإليه الذي تَقَعُ عَينُه علَيْه. وللمُخَيَّس بن أَرْطَاةَ الأَعْرَجيّ: جاءَ أَمامَ دُهْمِهَا والبُلْقِ ... مُسْتَشْرِفاً كالعَارِضِ الأَشَقِّ سَلِيلَ رِيحٍ لَقحَتْ مِنْ بَرْقِ ولآخر: جَرَى فأَوْدَعَ جَرْيُ البَرْقِ نُهْزَتَه ... وجاءَت الرِّيحُ تَقٍٍْفو إِثْرَ ما رسَمَا وجاءَتِ السُّبَّقُ اللاّئي انْبَريْنَ له ... يَسْأَلْن عَنْ أَثَرٍ من عَهْدِهِ قَدُمَا وأَنشد الأصمعيُّ لابْن أقَيصِر الأَسَدي وقالَ: لولا أَنّ مَن أَثِقُ به أَنشدَنيها له ثمّ قيل إِنّهَا لأَبي دُوَادٍ ما رَدَدْتُهَا: ؟ خَيْرُ ما يَرْكَب الشُّجَاعُ إِذا مَا ... قيلَ يَوماً أَلاَ ارْكَبوا للْغِوَارِ كلُّ نَهْدٍ أَقبَّ مُعْتَدِلِ الخَلْ ... قِ أَمِينِ الشَّظَا عَتِيقِ النِّجَارِ

سَلْعَمِ اللَّحْيِ وَاسِعِ الشَّجْرِ حُرِّ الْ ... أُذْنِ وَافِي الدِّمَاغِ والوَجْه عارِ ماجَ منه الجِرَانُ واشتدَّ عِلْبَا ... وَاهُ واحْدَوْدَبَا دُوَيْنَ العِذَارِ مَحِصِ الفَصِّ مُكْرَبِ الرُّسْغِ سَهْلِ الْ ... خَدِّ سامِي الجُفُونِ والأَشْفارِ مُشرِفٍ مُقْبِلاً مُجَبٍّ إِذَا أَدْ ... برَ مُسْتَعْرضَاً ككَرٍّ مُغَارِ فَهْو في خَلْقِهِ طُوَالٌ ورَحْبٌ ... وعُرَاضٌ ِإلى شِدَادٍ قِصارِ طالَ هَادِيهِ والذِّرَاعَانِ والأَضْ ... لاعُ منْه فتَمَّ في إِجْفَارِ ثُمَّ طالَتْ وأُيِّدَتْ فَخِذاهُ ... فهو كَفْتُ الوُثُوبِ ثَبْتُ الخَبارِ ورَحِيبُ الفُرُوج والخَدِّ والشَّدْ ... قَيْنِ قُدّامَ منْخرٍ كالوِجَارِ وعَرِيضُ الوَظِيفِ والجَنْبِ والأَوْ ... راكِ والجَبْهَةِ العَرِيضُ الفَقَارِ والقَصِيرُ الكُرَاعِ والظَّهْر والسّا ... قِ لم يُسْلِمْهُ تَرْكيبها اسْتبحار والحَدِيدُ الفُؤادِ والسَمْعِ والعُرْ ... قُوبِ والطَّرْفِ حِدّةً في وَقَارِ وَهْوَ صَافِي الأَدِيمِ والعَيْنِ والحا ... فِرِ غَمْرٌ بَدِيهَةَ الإِحْضارِ كالعُقَاب الطَّلوبِ يَضْربُهَا الطَّ ... لُّ وقدْ صَوَّبَتْ على عِسْبارِ لاَنَ فاهْتَزَّ مُقْبِلاً فإِذا أَد ... بَرَ أَهْوَى تَتابُعَ الأَدْبَارِ ولأَنَيف بن جَبَلةَ الضَّبّيّ، وكان أًوْصفَ الناسِ لفَرسٍ: ولقدْ شَهِدْتُ الخَيْلَ يَحْمِلُ شِكَّتي ... عَتَدٌ كسِرْحانِ القصِيمةَ مِنْهَبُ أَلْوَى إِذَا اسْتَعْرَضْتَه فكأَنَّهُ ... في العَيْن جِذْعٌ مِن أُوَالَ مُشَذَّبُ وإِذا اعْتَرضْتَ له اسْتَوَتْ أَقْتارُه ... وكأَنّه مُسْتدْبراً مُتَصوِّبُ هذا أَوّلُ من قال في هذا المعنى في إِقْباله وإِدبارِه واعتراضِه، وأَخذَه الناسُ، فقال سَلْمٌ الخاسِرُ وأَحسنَ في قوله ما شاءَ: وأَغْتدِي والشَّمسُ مَحجوبةُّ ... لم تَنسفِرْ عنها الجَلابِيبُ بسَابِغَِ الأضْلاعِ ذي مَيْعَة ... تمَّتْ له ساقٌ وعُرْقُوبُ هَادِيهِ مثْلُ الشَّطْرِ من خَلْقِه ... إِذا عدَا والبَطْنُ مَقْبوبٌ تَخالُه مُسْتقبْلاً مُقْعِياً ... وهْوَ إِذا اسْتَدبَرْتَ مَكْبوبُ يُشْرِفُ أَو يَنْحَطُّ كلٌّ مَعاً ... فالخَلْقُ تَصْعِيدٌ وتَصْوِيبُ كأَنّما الشِّعْرَى على وَجْههِ ... وفي مجاري المَتْن تَذْهيبُ يَحْمِلُ منه بَعْضُهُ بَعْضَه ... فرَاكِبٌ منه ومَرْكوبُ كالرِّيح إِلاّ أَنّها صُورةٌ ... يَسْمو بها شَدٌّ وتَقْرِيبُ هذا من أَحسن تَشْبيهِ استُعِيرَ وأَجْوَدِهِ، وقولهُ هادِيه مثلُ الشَّطْرِ من خلقه، مَأْخوذ من كلام أَعرابيّة رواه الأَصمعيّ فيما حدَّثنا به محمَّد بن الحسن، عن أَبي حاتمٍ عنه قال: خَرجَ ثلاثُ نِسوةٍ من العرَب يَسأَلْن عن آبائهنّ، وكانوا خَرَجوا في بعض الغارات، فتلقّاهنّ رَجلٌ قال: فقال لإِحْدَاهنّ: صِفِي لي فَرس أَبِيك. فقالت: كان أَبي على قَصِيرٍ ظَهْرُهَا، رَحِيبٍ بَطْنُها، هَادِيها شطْرُها. فقال: نجَا أَبوكِ، وقالت الثانية: كان أَبي على شَقَّاءَ مقّاءَ، طويلةِ الأَنْقَاءِ يتمطَّقُ أُنْثياها بالعَرَق، تمطُّقَ الشَّيْخِ بالمَرَق. فقال: نجا أَبوك، وقالت الثالثة: كان أَبي على كَزّةٍ أَنُوحٍ يُرْوِيها لَبَنُ اللَّقُوح. فقال: قُتِل أَبوكِ: فلمّا رجَع الناسُ من الغارَة كان الأمرُ على ما قاله.

ونحْوُ هذا ما حدَّثَنا به الأَزْديُّ، عن عمّه، عن أَبيه، عن ابن الكلبيّ عن أَبيه قال: اجتمَعَ خمسُ جوَارٍ من العرب فقلْن هَلْمُمْنَ نَنْعَت خَيْلَ آبائنا. فقالت الأُولى: فَرسُ أَبي وَرْدة، وما وَرْدة، ذاتُ كَفَلٍ مُزَحْلَق. ومَتْنٍ أَخُلَق، وجَوفٍ أَخْوَق، ونَفْسٍ مَرُوح، وعَينٍ طَموح، ورِجْلٍ ضَروحً، ويَدٍ سَبوُحٍ بُداهَتُها إِهْدابٌ، وعقْبها غِلابٌ. قالت الثانية: فرس أَبي اللَّعَّاب، وما اللَّعّابُ، غَبْيَةُ سحاب، واضطرامُ غاب، مُتَرَّصُ الأَوصال، أَشَمُّ القَذَال، مُلاَحَكُ المَحَال، فارسُه مُجِيد، وصَيْدُهُ عَتيد، إِنْ أَقبلَ فظَبيٌ مَعَّاجٌ، وإِنْ أَدبرَ فظَليمٌ هَدّاج، وإِذا أَحْضَر فعِلْجٌ هَرّاج، قالت الثالثة: فَرسُ أَبي حُذَمة وما حُذَمَةَ، إِنْ أَقبلَت فقَنَاةٌ مُقَوَّمة، وإِنْ أَدبرتْ فأُثفيَّة مُلَمْلَمة، وإِنْ أَعْرَضت فذِئْبَة مُعَجْرَمة، أَرْساغُها مُتَرَّصة، وفُصُوصُها مُمحَّصة، قالت الرابعة: فرسُ أَبي خَيْفقٌ، وما خَيْفَق، ذاتُ ناهِقٍ مُعرَّق، وشِدْقٍ أَشْدَق، وأَدِيم مُملَّق، لَها خَلْقٌ أَشْدَف، ودَسِيعٌ مُنَفْنَف، وتَلِيلٌ مُسَيَّف، وَثَابَةٌ زَلُوج، خَيْفَانَةٌ رَهْوج، تقرِيبُهَا إِهْماج، وحُضْرُها ارْتِعاج. قالت الخامِسةُ: فَرَسُ أَبي هُذْلُول، وما هُذْلُول، طَرِيدُه مَحْبولٌ وطالبه مَشكُول، رَقيقُ المَلاغِم، أَمينُ المَعاقِم، عبْلُ المحْزِم، مِخَدُّ مِرْجَم، مُنِيفُ الحارِك، أَشمُّ السَّنابِك، مَجْدُول الخَصائل، سَبْطُ الفَلائل، غَوْجُ التَّلِيل، صلْصَالُ الصَّهيل، أَديمُهُ صافٍ، وسبِيبُه ضافٍ، وعَفوُه كافٍ. ولعليّ بن جَبلة: وأُذْعِرُ الرَّبْربَ عن أَطْفَالِه ... بأَعْوَجيٍّ دُلَفيِّ المُنْتسبْ تخالُه من مرَحِ العِزِّ به ... مُسْتَعِراً برَوْعَةٍ أَو مُلْتَهِبْ مُطَّرِدٌ يَرْتَجُّ مِنْ أَقْطَاره ... كالماءِ جالتْ فيه رِيحٌ فاضطرَبْ تَحْسبُهُ أَقْعَدَ في اسْتِقْبالِهِ ... حتَّى إِذا استْتَدْبَرْتَه قُلْتَ أَكَبْ وَهْوَ على إِرْهَافِه وطَيِّه ... يَقْصُر عنْه المَحْزِمَانِ واللَّبَبْ يَخطو على عَوجٍ يُنَاهِبْنَ الثَّرى ... لم تَتوَاكَلْ عن شَظىً ولا عَصَبْ تَحْسبُها نَابِيَةَ إِذا خَطَتْ ... كأَنَّهَا وَاطِئةٌ على نَكَبْ مُحتدِمُ الجَرْيِ يُبَارِي ظِلَّه ... ويَعْرَقُ الأَحْقبُ في شَوْطِ الخَبَبْ لا يَبْلُغ الجهْدَ به رَاكبُه ... ويَبْلُغ الرُّمْحُ به حيْثُ طلَبْ قوله مُطَّرِدٌ يَرْتَجًّ من أَقطاره البيت مُسْتعارُ المعنَى من كلام امرأَةٍ من العرب ابتاعَ ابنُهَا أُمِّهِ، فلمّا رأَتهُ نَهْتْهُ عن ابْتِياعهِ، فقال صاحبُه: لِم كَرِهْتِ فَرِسي، فواللهِ إِنّه لصحيح العَصَب، تامُّ القَصَب. فقالت: واللهِ ما اهْتَزَّ حين أَقْبَل، ولا تَتابَعَ حينَ أَدْبرَ، قال: صَدَقْتِ، واللهِ، كان في فَرَسي كَزَازَةً. وقال المُحْدَثون في وَزْنِ قَصِيدةِ عليِّ بن جبَلة، منهم أَحمدُ بن محمد الحضرميُّ: أَغرُّ يَعْبُوبٌ إِلى غُرَّته ... حُجُولُهُ تَضْحكُ مِن تَحْتِ الرُّكَبْ ُبعُنُقٍ أَتْلَعَ كالجِذْعِ سَمَا ... في جُؤْجُؤٍ حَشْرٍ إِلى صَدْرٍ رَحُبْ وكَتِفَيْنِ طَالَتَا مَعْ صَهْوةٍ ... إِلى هَوَاءٍ مِثْلِ زُحْلُوقِ اللَّعِبْ إلى قَطَاةٍ أَشْرَفَتْ وكَفَلٍ ... تَمَّ فتَمَّتْ فَخِذَاهُ والقَصَبْ كأَنَّ أُذْنَيْه إِذَا مَا اسْتَكَّتَا ... أَطْرَافُ أَقْلاَمٍ أُجِيلَتْ في كُتُبْ فَراحَ بي وهْو يُبَارِي ظِلَّه ... أَرْعَل لو وَثَّبْتَهُ البَحْرَ وَثَبْ ولمحمد بن سعيد في هذا الوزن: وهَيْكلٍ أَخْلَقَ مَجْدولِ القَرَا ... مُندمِجِ المَتْنِ طِرِمَّاحِ القَصَبْ تُرِيعُه في كُلِّ فَوْتٍ أَرْبَعٌ ... تُثِيرُ مَكْنونَ الثَّرى وتَنْتَهِبْ

نَاصِعَةُ الخُضْرةِ في فاقِعَةِ ال ... صُّفْرَةِ زِينَتْ بحجُولٍ لمْ تُعَبْ كأَنَّهَا فَيْرُوزجٌ في عُمُدٍ ... مِنْ فِضَّةٍ تَجْرِي بموْجٍ مِنْ ذَهَبْ يَقَعْنَ في الأَرْضِ وُقُوعَ اللَّحْظِ في ... خَدِّ الحَبِيبِ عنْدَ خَوْفِ المُرْتقِبْ بَرْقٌ إِذا شَدَّ ورِيحٌ إِنْ رَنَا ... والصَّقْرُ إِنْ طالَ وفَهْدٌ إِنْ وَثَبْ كالنّار إِن أَلْهبَ أَو كالرِّيح إِنْ ... أَسْهبَ أَو كالمَاءِ حين ينْسكِبْ وللعبّاسيّ في مثله: وسَابِحٍ مُسَامِحٍ ذي مَيْعَةٍ ... كأَنَّهُ حَرِيقُ غَابٍ يَلْتَهِبُ تَرَاهُ إِنْ أَبْصَرتَه مُسْتَقْبلاً ... كأَنّمَا يَعْلو من الأَرْضِ حَدَبْ وإِنْ رَآه ناظرٌ مُسْتَدْبِراً ... تَوَهَّمَتْه العَيْنُ يَجْرِي في صَبَبْ عَارِي النَّسَا يَنْتَهِبُ التُّرْبَ له ... حَوَافِرٌ باذِلةٌ ما تَنْتَهِبْ تُسَالِمُ التُّربَ ورَيّانَ الثَّرَى ... لكِنَّها مَعَ الصُّخورِ تَصْطَخِبْ أَسرَعُ من لَحْظَتِه إِذا عَدَا ... أَطْوَعُ مِن عِنَانه إِذا جُذِبْ ذي غُرَّةٍ قدْ صَدَعَتْ جَبْهَتَه ... وأُذُنٍ مثْلِ السِّنَان المنتَصِبْ ومنْخَرٍ كالْكِيرِ لمْ تَشْقَ به ... أَنْفَاسُه ولمْ يَخُنْهَا في تَعَبْ يَبْعَثُهَا جَنَائِباً ويَنثَنِي ... شَمَائِلاً إِلى فُؤَادٍ يَضْطَرِبْ وقلْتُ على هذا الوزْن: بثَابِتِ النِّسبةِ في العِتْقِ له ... من أَعْوَجٍ ولاَحقٍ خيرُ نَسَبْ ذِي عُنُقٍ مدِيدةٍ ومُقْلَةٍ ... حَدِيدةٍ وأُذُنٍ فيها نجَبْ تَسْمعُ هجْسَ الصَّوتِ من بُعدِ المَدَى ... فتَنْتَحِي سَامِعَةً وتَنْتصِبْ لا تَأْخذُ العَيْنُ الذِي تأْخذُه ... فَهْيَ لهُ حافِظَةٌ من الرِّيَبْ ومنْخرٍ مثْل الوِجارِ يُبْعثُ الْ ... أَنفَاسَ في شَرْقٍ وغَرْبٍ إِذْ رَحُبْ وكَفَلٍ مَتْنُ الطِّرَافِ متْنُهُ ... وبَطْنُه ذو جُفْرةٍ وذو قَبَبْ تَراهُ كالطَّود لَدى إقْبَالِه ... وعِنْدما يُدْبِر كالسَّيْلِ السَّرِب تُقِلُّه قوائمٌ عُبْلٌ لها ... حَوَافِرٌ حُفْرٌ صِلاَبٌ لم تخِبْ يُخَلِّفُ الرّيحَ لدَى كَلاَلةٍ ... وشَاْوُهُ كالبَرْق حينَ يلْتَهِبْ ولبعض العرب: وقد اغْتَدى قبْل ضَوْءِ الصَّبَاحِ ... ووِرْدٍ القَطَا في الغَطَاطِ الحِثَاثِ بضَافِي الثَّلاثِ طَوِيلِ الثَّلاثِ ... قَصِيرِ الثَّلاثِ عَرِيضِ الثَّلاَثِ مُحجَّلِ رِجْليْنِ طَلْقِ اليَدَيْنِ ... لَه غُرَّةٌ مِثْلُ ضَوْءِ الإِرَاثِ إِذا احْترثَ الناسُ ما يَجْمعون ... فإِنَّ الجِياد يَكُنَّ احْتِرَاثِي تُرَاثُ أَبِي كُنَّ مِنْ بَعْدِه ... وهُنَّ إِذَا مِتُّ بَعْدِي تُرَاثِي وأُتِيَ الحجّاجُ بفَرسٍ، فقال لجُلَسائه: أَبُّكم يَنعَتُ هذا الفَرَسَ فهو له، فابتدَرَ ابنُ القرِّيَّة فقاتل: أَصْلح الله الأَمير، هو حَدِيدُ الثلاثِ، أَسودُ الثلاثِ، قصيرُ الثلاث، طَوِيلُ الثَّلاث، مُشرِفُ الثَّلاث، أَقْنَى الثَّلاثِ، صُلْبُ الثَّلاثِ، فقال له الحجّاجُ: لتُفَسِّرَنَّ أَثَالِثَكَ أَو لأَضْرِبنَّ عُنُقَك، قال: حَدِيدُ النَّظَر، حَديد القَلْبِ، حَديدُ المَنْكِب، أَسودُ العينِ، أَسودُ الحافِرِ، أَسودُ الذَّنَبِ، قَصيرُ السّاقِ، قصيرُ الظَّهْرِ، قَصِير النَّسَا، طويلُ البَطْنِ، طَوِيلُ العُنُقِ، طويلُ القَوَائم، مُشْرِفُ المَناكِب، مُشْرِف الهَامَةِ، مُشْرِفُ المَتْنِ، أَقْنَى القَوائِم، أَقْنَى الظَّهْر، أَقْنَى العُنق. قال: أَحسنتَ خُذهُ لك.

وبعثَ الحجّاجُ إِلى عبد الملِك فَرساً، وكَتبَ إِليه: قد وَجَّهْتُ إِليك، يا أَمير المؤمنينِ، فَرساً مَليح القَدِّ، أَسِيلَ الخَدِّ، حَسَن المَنْظَرِ، مَحمود المَخْبَرِ، يَسْبِقُ الطَّرْفَ، ويَستغرِق الوصْفَ. ولعبد السّام بن رَغْبَان: وأَحمّ مِن أَوْلاَدِ أَعْوَدج عُجْتُه ... وأَظُنَّه للبَرْقِ كانَ حمِيمَا مُتَكفِّئاً لوْ أَنَّهُ جَارَى الصَّبَا ... شأْواً لَبَاتَ أَدِيمُها مَحْمُومَا مُسْتقْبلاً أَعْلى الذُّرَا مُسْتَعرِضاً ... بسْطًَ القَرَا مُسْتَدْبِراً مَلْمُومَا حُرَّ الإِهابِ وَسِيمَهُ بَرَّ الأَبا ... بِ كَرِيمَه مَحْضَ النِّصَابِ صَمِيمَا ؟ إِنْ قِيدَ جَاءَكَ زِينَةً أَو رِيضَ رِي - ضَ بنِيَّهً أَو رِيعَ رِيعَ ظَلِيمَا فَارَعْتُ فيها الوَحْشَ عنْ مُهجَاتِهَا ... وجَعلْتُه بنُفُوسِهنّ زَعِيمَا وهذا من الكلام الجَزْل الحَسنِ النِّظَام الصحيح الأَقسام. ولعلّي بن جبَلة: في كلِّ مَنْبِتِ شَعْرةٍ من جِلّدِه ... خَطٌّ يُنَمْنِمُهُ الحُسَامُ اللَّهْذَمُ ما تُدْرِكُ الأَبْصَارُ أَوْفَى جَرْيِه ... حتَّى يفُوتَ الرِّيحَ وهْوَ مُقَدَّمُ وكأَنِّما عَقَدَ النَّجُومَ بطَرْفِه ... وكأَنَّه بعُرَا المَجَرَّة مُلْجَمُ ولمرْوان بن أَبي حَفْصَة: لقَدْ نَظَرْتُ نَظْرَةً لم تَكذِبِ في خَلْقِ مَحبُوكِ السَّرَاةِ سَلْهَبِ خَاظِي البَضِيعِ مِثْل تَيْسِ الحُلَّبِ مُصَامِصٍ للناظِرِين مُعْجِبِ في الأَعْوجِيّاتِ كَرِيم المنْصِب حمَاتُهُ ظاهِرةٌ كالأَرْنبِ تَحتَ نَساً ما خانَها مُعَقْرَبِ وفَخِذٍ مأْمونَةِ المُرَكَّبِ ذي حارِكٍ تَمَّ وهَادٍ أَغْلَبِ سامٍ كجِذْعِ النَّخلةِ المُشَذَّبِ مُحَمْلَجِ المَتْنِ مُمَرٍّ حَوْشَبِ مُقَلّصٍ عَبْلِ الشَّوَى مُحَنَّبِ صُلْبِ الشَّظَا يُسْرِعُ دَقَّ الصُّلَّبِ بحَافِرٍ لاَمٍ ورُسْغٍ مُكْرَبِ باقٍ على طُولِ الحِضَارِ مُعْقِبِ للمُقْرَبَاتِ السابِحَاتِ مُتْعِبِ تَشْقِي به رُبْدُ النَّعَامِ الخُضَّبِ والأَحْقَبُ الخابِطُ بَعْدَ الأَحْقَبِ وكُلِّ مَوْشِيٍّ شَوَاهُ قَرْهَبِ ما يُرَ مِنهنّ عِيَاناً يَعْطَبِ إِن قَرُبَتْ منه وإِنْ لمْ تَقْرُبِ بمَيْلَةٍ مِنْ تَئِقٍ مُجَرَّبِ أَدْرَكَها عَفْواً ولم يُعيَّبِ ... لم بعض احتباءَ المحتَبِي أَو لَمْعَةَ العارِضِ ذي التَّحَلُّبِ وفيها: إِنّ الكُمَيت إِذ جَرى لمْ يَلْغُبِ بَذَّ العَنَاجِيجَ بشَدٍّ مُلْهبِ كالوَابِلِ الرَّائح من ذِي الهَيْدَبِ أَقْبَلَ يَنْقَضُّ انْقِضاضَ الكوْكَبِ حَتّى حَوَى السَّبْقَ ولمَّا يُضْرَبِ كأَنَّهُ بازٍ هَوَى مِنْ مَرْقَبِ ولأبي تمام: إِنْ زَارَ مَيْدَاناً سَبَى أَهْلَه ... أَو نَادِياً قامَ إليه الجُلوسْ سامٍ إِذا استَعْرَضْتَه زَانَهُ ... أَعْلَى رَطِيبٌ وَقرَارٌ يَبِيسْ كأَنّما خامَرَه أَوْلَقٌ ... أَو غازَلَتْ هَامَتَهُ الخَنْدَريسْ عَوَّذَه الحاسِدُ ضَنّاً به ... ورَفْرَفت خَوْفاً عليه النُّفوسْ وله أَيضاً: ما مُقْرَبٌ يَختالُ في أَشطانِه ... مَلآنُ مِن صَلَفٍ به وتَلَهْوُقِ بحَوَافِرٍ حُفْرٍ وصُلْبٍ صُلَّبٍ ... وأَشَاعِرٍ شُعْرٍ وخَلْقٍ أَخْلقِ ذُو أَوْلَقٍ تَحْتَ العَجاجِ وإِنّمَا ... منْ صِحّةٍ إِفْرَاطُ ذاك الأَوْلَقِ مُسْوَدُّ شَطْرٍ مثْل ما اسْوَدَّ الدُّجَى ... مُبْيَضُّ شَطْرٍ كابْيضاضِ المُهْرَقِ قدْ سالَتِ الأَوْضاحُ سَيْلَ قَرارَةٍ ... فيه فمُفْتَرِقٌ عليه ومُلتَقِي ولعليّ بن الجهْم:

فَوقَ طِرْفٍ كالطَّرْفِ في سُرْعَةِ الطّ ... رْفِ وكالقَلْب قَلْبُه في الذَّكَاءِ لا تَراهُ العُيُونُ إِلاّ خَيَالاً ... وهْو مِثْل الخَيالِ في الاِنْطِواءِ وللبحتُرِيّ: بأَدْهَم كالظَّلامِ أَغَرَّ يجْلُو ... بغُرَّتِه دَيَاجِيرَ الظَّلاَمِ تَرَى أَحْجاله يَصْعَدْنَ فِيه ... صُعُودَ البَرْقِ في جَوْنِ الغَمامِ وله أيضاً: كالهَيْكلِ المَبْنِيّ إِلاّ أَنّه ... في الحُسْنِ جاءَ كصُورَةٍ في هَيْكلِ يَهْوِي كَما تَهْوِي العُقَابُ وقد رَأَتْ ... صَيْداً ويَنْتَصِبُ انْتِصَابَ الأَجْدَلِ مُتَوَجِّسٌ برَقيقتَين كأَنما ... تُرَيَانِ مِنْ وَرَقٍ عليه مُوَصَّلِ ذَنَبٌ كما سُحِبَ الرِّداءُ يَذُبُّ عن ... عُرْفٍ وعُرْفٌ كالقِنَاعِ المُسْبَلِ كالرَّاحِ النَّشْوَانِ أَكثرُ مَشْيهِ ... عَرْضاً على السَّنن البَعِيدِ الأَطْولِ ذّهَبُ الأَعَالِي حينَ تذْهَب مُقْلةٌ ... فيه بنَاظِرِهَا حدِيدُ الأَسْفَلِ تتَوَهَّمُ الجَوْزاءَ في أَرْساغِهِ ... والبَدْرَ غُرَّةَ وَجْهِهِ المُتَهَلِّلِ وكأَنّما نَفَضَتْ عليهِ صِبْغَها ... صَهْباءُ للبَرَدَانِ أَو قُطْرُ بُّلِ وتَخالُه كُسِيَ الخُدُودَ نَوَاعِماً ... مَهْمَا تُوَاصِلْها بلَحْظٍ تَخْجَلِ وتَرَاهُ يَسْطعُ في الغُبَارِ لَهِيبُهُ ... لَوْناً وشَدّاً كالحَرِيقِ المُشْعَلِ وتَظُنُّ رَيْعَانَ الشَّبابِ يَرْوعُه ... مِنْ جِنَّةٍ أَو نَشْوَةٍ أَو أَفْكَلِ هَزِجُ الصَّهِيلِ كأَنَّ في نَغماتِه ... نَبَراتِ مَعْبَدَ في الثَّقِيل الأَوَّلِ ملكَ العُيونَ فإِنْ بَدَا أَعْطيْنَهُ ... نَظَرَ المُحبِّ إِلى الحبِيبِ المُقْبِلِ ولمحمد بن سعيد: وقَدْ أَغْتَدِي والشَّمْسُ في حُجُبِ الدُّجَىبعَبْلِ الشَّوى نَهْدِ المَرَاكِلِ هَيْكَلِ إِذا اخْتَال خِلْتَ اللَّيْلَ أَعْلاه سَارِياًعَلى مِثْلِ نُورِ الشَّمْسِ غَيرْ مُمَثّلِ أَخو خَطَراتِ الفِكْرِ في شَأْوِ جَرْيِه ... رَسِيلُ عنَانِ البَرْقِ عِندَ التَّرَسُّلِ يُقرِّبُ ما يقْصُو يُبْعِدُ ما دَنَا ... بأَهْدَابِه في مُدْبِرِ الشَّدِّ مُقْبِلِ يخُدَّ أَدِيمَ الأَرضِ خَطْواً وإِنْ جَرَى ... تَوَهَّمْتَه يَجْرِي على أَرْضِ قَسْطَلِ ولأَحمد بن محمد المصِّيصيّ: بطَاوِي الحشَا إِنْ زُعْتَه فَهْوَ بارِقٌ ... وإِنْ قَامَ إِظْلامٌ وإِنْ سَارَ كَوْكَبُ كأَنّ الدُّجى بَعْدَ الوَنَى مِنْه جَدْوَلٌ ... خطَاهُ وخَلَّى مَاءَهُ عَنْهُ يَنْضُبُ البيت الأوّل أَحسن، والثاني مليحُ المَعْنَى، إلاّ أَنّه من قولِ الخَثعميّ: لا تَحْسبُ اللَّيْلَ إِلاَّ شَمْلَةً سًقطَتْ ... علَى الفلاةِ خَطَاهَا وهْو مُرتْحِلُ وهذا أَحسنُ وأَطبَعُ، وإِنْ كان المصِّيصيُّ قد زاد بقوله بَعْد الوَنى. وللحَلَبيّ: وكُمَيتٍ وَرْدٍ كأَنّك أَلقَيْ ... تَ علَيْه ثَوْباً من الأُرْجُوانِ أَعْوَجيٍّ يُنَاسِبُ البَرْقَ لا بَلْ ... هُو أَمْضَى في السَّبْقِ يَوْمَ الرِّهَانِ مُصْمَتِ الظَّهْرِ أَجْوفِ الشَّجْرِ ما يَنْ ... فَكُّ ضَنْكَ النُّسُورِ رَحْب العِجَانِ لاحِقِ الأَيْطَلَيْنِ عَبْلِ الذِّراعيْ ... نِ ثَقٍيلِ الصَّلاَ خَفِيفِ اللَّبانِ ورقِيقِ الخَدَّيْنِ ضَخْمِ المَعَدَّيْ ... نِ شدِيدِ المَتْنَيْنِ رخْوِ العِنَانِ عَرُضَ الفَائِلانِ وانْهَرَتْ الشِّدْ ... قانِ مِنْه وطَالَتِ الأُذُنانِ وكأَنَّ العَينَيْنِ حين يُدِيرُ اللَّ ... حْظَ ياقُوتتَانِ تأَتَلِقَانِ

وترَاهُ مثْلَ الهَدِيّ إِذا أَقْ ... بَلَ يَخْطُو في سَرْجه والعِنَانِ فعَلَيْه يَفْرِي الفَتَى طَيْلَسَانَ اللّ ... يْلِ واللَّيْلُ مُسْبَلُ الطَّيْلَسَانِ وبه تُبْلَغ المُنَى حينَ لا تَأْ ... مُلُ مِن غَيْرِه بُلُوغ الأَمانِي ولابن طَباطَبَا العَلَويّ: أَغَرَّ تَغدُو الغَدَاةَ منه علَى ... أَغَرَّ قَدْ زَادَ حُسْنَه نَزَقُهْ أَدْهَمَ يُعْشِي العُيُونَ غُرَّتُه ... يُحْسَبُ ليْلاً ووَجْهُهُ شَفَقُهْ طَالَتْ ثَلاَثٌ منه كما قَصُرَتْ ... منه ثَلاَثٌ وزَانَه شَدَقُهْ ذو شِيةٍ أُشبِعَتْ له حَلَكاً ... وحافِرٍ ظَلَّ مُشْبَعاً زَرَقُهْ تَمَّتْ مقَادِيمُه وقَدْ سَتَرَتْ ... فَارِسَه مُقْبِلاً به عُنُقُهْ إِذَا سَمَا طَرْفُه إلى أَمَدٍ ... قُرِّبَ بالشَّدِّ منه مُنسَحِقُهْ كأَنّه الرِّيحُ حينَ تُرْسِلُه ... أَو لمْعُ بَرْقٍ إِذا بَدَا طَلَقُهْ لوْ أَنّ يَوْمَ الرِّهانِ سابَقَهُ ... داحِسُه جاءَ مُحْرَزاً سبَقُهْ يَنْسابُ كالأَيْنِ تَحْتَ راكِبِهِ ... وتَارَةً يَسْتطِيرُهُ عَنَقُهْ تَخالُه السَّهْم عنْدَ جرْيَتِه ... يَسْبِق لَحْظَ العُيُونِ مُمْتَرِقُهْ تطِيب أَعْراقُه لَدَى نَسب ال ... خَيْلِ وفي الجَرْيِ طَيِّبٌ عَرَقُهْ رَحِيبُ مَجْرَى الحِزَام مُجْفَرُه ... أَجَشُّ صَوْتِ الصَّهيلِ صَهْصَلِقُهْ وللمَرْيَمِيّ: ظِرْفٌ كطَرْفِ العيْنِ بَلْ هِي دُونَه ... جَمُّ الجِرَاءِ إِذَا جَرَى غَيْدَاقُهُ للظَّبْيِ منه أَيْطَلاهُ كمَا حَكَى ... رَأْسُ القَرِيض وللنَّعامةِ سَاقُهُ ؟ وله من السَّبُعِ اتِّساعُ إِهابِه ومع اتِّساعِ إِهابِهِ أَشْداقُهُ بَذَّ الجِيادَ فما تَعَاطَى ركْضَه ... إِذْ كان يُعْيِي رَكْضَهَا إِعْنَاقُهُ لولا تماسُكُ مَسْكِه في شدِّهِ ... لا نْقَدَّ عنْه لَبَانُه وصِفَاقُهُ وللوليد بن عُبَيْد البحتُريّ: جَذلانُ تَلطِمُه جَوَانِبُ غُرّةٍ ... جاءَت مجيءَ البَدْرِ عِنْد تَمامِهِ وأسْوَدَّ ثُمَّ صَفَتْ لعَيْنَيْ ناظِرٍ ... جنَبَاتُه فأَضاءَ في إِظْلامِهِ يَختال في اسْتعراضِه ويُكِبُّ في اسْ ... تدْبارِه ويَشبُّ في اسْتِقدامِهِ وكأَنّ فارِسه وَرَاءَ قَذَالِه ... رِدْفٌ فلَسْتَ تَراه مِن قُدّامِهِ ومُقَدّمُ الأُذُنيْن يُحْسَب أَنّه ... بِهما يَرَى الشَّخْصَ الذي لإِمامِهِ لاَنتْ معاطِفُه فخُيِّلَ أَنّه ... للخَيْزُرَانِ مُنَاسِبٌ بعِظامِهِ مَالَتْ جَوانِبُ عُرْفِه فكأَنَّهَا ... عَذَبَاتُ أَثْلٍ مالَ تَحْتَ حَمَامِهِ ولأحمد بن محمد الحضرمي: طِرْفٍ به اسْتِطْرافُنَا وَحْشَ الفَلاَ ... مُنْذُ افْتَلَيْناه لِيَوْمِ لِكَاكِ شَنِجِ النَّسا زَجِلٍ كأَنَّ سَرَاتَه ... زُحْلُوقُ لعْبٍ أَوْ سَرَاةُ مَدَاكِ ينْقضّ كالنَّجْمِ انْبَرَى للرَّجْم أَو ... كالسَّهْمِ طاحَ بمَلْعَبِ الأَتْراكِ فكأَنّ وَحْش الأَرضِ مِنْ تَعْدائِه ... مَشْدُودةٌ بحبَائلِ الأَشْراكِ فثَنَاهُ ما بلَّ الجَمِيمُ شَكِيرَهُ ... يَمْشِي العِرَضْنَة مِشْيةَ الفُتّاكِ مُتصعْلِكٌ يَخْتَال في دِيباجَةٍ ... زنْجِيَّةٍ وشوَاه في أَنْطَاكي وله أَيضاً: يغْدُو بشِكَّتِه وبِزَّتِه ... ضَلِعٌ إِلى العُقَّال مَنْزِعُهُ لَبِسَ الدُّجَى فزُهِي بمَلْبَسهِ ... ولَبِسْنَ ضوْءَ الفَجْرِ أَكْرُعُهُ فأَضاءَت الشِّعْرى بغُرَّتِه ... لَمَّا تَكَشَّفَ عنه بُرْقُعُهُ

فكأَنَّهُ إِيماضُ بَارِقةٍ ... سِيقَتْ إِلى ظَمْآنَ تَنْقَعُهُ وإِذا غلاَ في الجَرْيِ مَنْصلِتاً ... خَفِيَتْ على الأَبْصارِ أَرْبَعُهُ أَخذَ هذا المعنَى من خَلَفٍ الأَحمرَ يَصف ثَوْراً وَحْشِيّاً: وكأَنَّمَأ جهدَتْ أَلِيَّتُهُ ... ألاَّ يَمَسَّ الأَرْضَ أَرْبَعُهُ وأخذه خَلَفٌ من الأَعشَى في صِفة ناقة: بجُلاَلةٍ أُجُدٍ مُدَاخَلَةٍ ... ما إِنْ تكادُ خِفافُها تَقَعُ ولابن المعتز: وكَمْ حَضَرَ الهيجاءَ بي ناصِعُ الشَّظَى ... تَكَامَلَ في أَسْنَانِه فَهْوَ قَارِحُ له عُنُقٌ يَغْتَالُ طُولَ عِنَانهِ ... وصَدْرٌ إِذَا أَعْطَيْتَه الجَرْيَ سابِحُ إِذا مَالَ في أَعْطَافِه قُلْتَ شارِبٌ ... غَدَاهُ بتَصْرِيف المُدَامَةِ سانِحُ وقلتُ: ورُبَّ لَيْلِ جُبْتُهُ غِبَّ سُرًى ... بمُشْرِف الكاهِلِ مَلْمُومِ الكَفَلْ نِسْبَتُهُ لأَعْوَجٍ ولاحِقٍ ... فهو رَبِيطٌ مِن رِبَاطٍ مُنْتَحَلْ نَهْدٍ جَمُومِ الشَّدِّ فِيه لِقْوَةٌ ... تَنْقَضُّ يَوْمَ الدَّجْنِ خَوْفاً ووَهَلْ تَرَاه في إِقباله طَوْداً وفي ... إِدبارِه سَيْلاً وعَرْضاً مُعْتَدِلْ ذِي غُرَّة كالصُّبْح في داجِيَةٍ ... من الظَّلام أَظْلَمَتْ منه السُّبُلْ وأَربَعٍ تُخْجِلُ عنْدَ جَرْيِهِ ... رِيحَ القَبُولِ والجَنُوبِ والشَّمَلْ ولمحمد بن الحسن بن دُرَيدٍ: ومُشْرِفُ الأَقطارِ خاظٍ نحْضُهُ ... حابِي القُصَيْرَى جُرْشُعٌ عَرْدُ النَّسَا قَرِيبُ ما بَيْن القَطَاةِ والقَرَا ... بَعِيدُ ما بَيْنَ القَذَالِ والصَّلاَ سَامِي التَّلِيلِ في دَسِيعٍ مُفْعَمٍ ... رَحْبُ الذِّراعِ في أَمِينَاتِ العُجَا رُكِّبْنَ في حَوَاشِبٍ مُكْتَنَّةٍ ... إلى نُسُورٍ مِثْلِ مَلْفوظِ النَّوَى يُدِيرُ إِعْلِيطَيْنِ في مَلْمُومةٍ ... إلى لَمُوحَيْنِ بأَلْحاظِ الَّلأَى مُدَاخَلُ الخَلْقِ رَحِيبٌ شَجْرُهُ ... مُخْلَولِقُ الصَّهْوَةِ مَمْسُودٌ وَأَى لا صَكَكٌ يَشِينُه ولا فَجَا ... ولا دَخِيسٌ وَاهِنٌ ولا شَظَا يَجْرِي فتَكْبُو الرَِّيحُ في غَايَاتِهِ ... حَسْرَى تَلُوذُ بجَرَاثِيمِ الِسَّحَا إِذا اجْتَهَدْتَ نَظَراً في إِثرِهِ ... قُلْتَ سَناً أَوْمَض أَو بَرْقٌ خَفَا كأَنّما الجَوزَاءُ في أَرساغِه ... والنَّجْمُ في جَبْهَتِه إِذا بَدَا وقُلْتُ في مقصورةٍ عَملتُهَا في هذا الوَزْن: وقارحٍ سَمْحِ القِيَادِ سابحٍ ... عارِي النَّسَا عالِي الشَّوَى عَبْلِ الشَّوَى ظَلَّلَه هادٍ وأَوْفَى حارِكٌ ... وانْجَدَلَ المَتْنَانِ واشْتَدَّ القَرَا تَقُول إِن أَقْبَلَ عَيْرُ عَانَةٍ ... مُرْتَقِياً على يَفَاعٍ قَدْ عَلاَ وهْوَ أَكبُّ إِنْ مَضَى مُوَلِّياً ... حتَّى إِذا اسْتَعْرَضْتَه قلْتَ اسْتَوَى نَهْدٌ عَرِيضُ الجَنْبِ فَعْمٌ أَضَمرَ ال ... طِّرَادُ والكَرُّ حَشَاهُ فانْطَوَى مُحَجَّلُ الأَرْبَع زِينَ وَجْهُهُ ... بغُرَّةٍ مِثْلِ صَبَاحِ في دُجَى ذو مَيْعَةٍ يكَادُ في إِحضَارِه ... يَخْفَى على ناظِرِهِ فلا يُرَى إِنْ عَصَفَت من الرِّياح أَرْبَعٌ ... حَسِبْتَها أَرْبَعَهُ إِذا جَرَى يَهْوِى هُوِيَّ النَّجْمِ في انْقِضَاضِهِ ... أَوْ أَجْدَلٍ مِن حالِقٍ قد انْصَمَى

مُحْتَدِمٌ تَسْمَعُ صَوْتَ وَقْعِه ... كأَنَّهُ وَقْعُ صَفاً على صَفَا قَيْدُ الوُحُوشِ لا يَزالُ مُدرِكاً ... راكِبُه عَفْواً عليه ما اشْتَهَى وعارضَ قَصيدتي هذِه شاعِرٌ من أَهْل حَرّانَ اسمُه سَعِيدُ بنُ صَدَقَةَ الهاشميُّ بمقصورة لاذَ فيها بشِعِري لفظاً ومعنًى وأَخطَأَ في أَبيات عِدَّة منها، قال: طِرْفٌ كَرِيمُ الطَّرَفَين مرِحٌ ... يَمْشِي الدِّفِقّاءَ ويَعْدُو المَرَطَى الدِّفِقَّى مقصورٌ فَمدَّهُ، وهو خَطأٌ قَبيح. وقال: كأَنّه الريحُ تَهُبُّ عاصِفاً ... وخَاطِفُ البرْقِ أَو النّجْمُ هَوَى ويَذْرَعُ الأَرْضَ ببَاعٍ وَاسعٍ ... وَهْوَ إِذا ما قِيدَ زَيّافُ الخُطَا مُسْتَشْرِفٌ في جَرْيه وإِنْ مَشَى ... رَدَى مِرَاحاً وإِذَا عَدَا دَحَا تَقولُ جَبَّى مُدْبِراً ومُقْبِلاً ... أَقْعَى وإِنْ عارَضْتَه قُلْتَ اسْتَوَى كلُّ هذِه المعاني لاذَ فيها بما قلته، وهذانِ البَيتانِ الأَخِيرانِ نَظَمهما من قول ابن أُقَيصِر الأَسديّ وقد سُئِل ما أَجودُ الخَيْل؟ فقال: الذِي إِذا اسْتَقْبَلْتَه أَقْعَى، وإِذا اسْتدبَرْتَه جَبَّى، وإِذا عارَضْتَه اسْتَوى، وإِذا مَشَى رَدَى وإِذا عَدَا دَحَا. وقال: عالِي السَّرَاةِ والقَطَاةِ مُجْفَرٌ ... حابِي القُصَيْرَى رَبِذٌ عَبْلُ الشَّوَى وأَيِّدُ الأَرْساغِ ذو حَوَافِرٍ ... صُمٍّ فمَا يَسْمَعنْ أَصْوَاتَ الوَجَى البيت الأَول منقولٌ من ابن دُرَيد، والثاني خطأَ لأَنّ الصُمَّ هاهنا الصِّلاب كالحجارة الصُّمّ، وليست بمعنَى الصَّمَم، والوَجَى لا صَوْتَ له فيُسْمَعُ، ولو قال: وأَيِّدُ الأَرْساغ ذو حَوَافِرٍ ... حُفْرٍ صِلاَبٍ ما تَشَكَّيْنَ الوَجَى لكان طابقَ وأَصابَ الصوابَ. وقال: وما يَزالُ مُلجِمٌ تَلِيلَه ... إِلاّ إِذا مَدَّ يَدَيْهِ ونَمَا أَشْرَقَ بالذُّبُولِ من فَرِيرِه ... وزِينَ مِن حَصِيرهِ بما بَدَا مُحَجَّلٌّ مُخَدَّمٌ كأَنّما ... غُرَّتُه الشِّعْرَى ضِيَاءً وبَهَا البيت الأول معناه مأْخوذ من قول أعرابي: عالِي المَقَدَّينِ تَرَى مُلْجِمَه ... يَعْلُو على الأَرْض بتَطْوِيل القَدَمْ والثاني مأْخوذٌ من كلامِ بعض العرب الشامِيِّين وقد سُئِل: مَتَى يَبلُغُ ضُمْرُ الفَرَس؟ فقال: إذا ذَبُلَ فَرِيرُه، وتَفلَّقتْ غُرُورُه، وبَدَا حصِيرُهُ، واسْتَرْخَت شَاكِلتُهُ. الفَرِيرُ: مَوْضع المَجَسَّة من مَعْرَفته، وغُرُورُه: غُضُونُ جِلْدِه، وحصِيره: العَصَبةُ التي في الجنْبِ في الأَضلاع إلى جَنْبِ الصُّلْب، والشَّاكِلةُ: الطِّفْطِفَةُ. والبيت الثالث خَطأٌ، لأنّ التحجيل والتخديم لا يَجتمعانِ في فَرَسٍ، وقد بَيَّنَا ذلك في شِيَاتِ الخَيْل. والبَهَاءُ ممدودٌ فقَصَرَه، وذلك جائزٌ عند الاضطرار إِذا لم يكن البِنَاءُ وَاهِياً مُنْحَلاَّ، والنّظمُ ساقِطاً مُضمَحِلاًّ، والقَصِيدَة بأَسْرِها على هذا، وقد عَملنا فيها رِسالةً سارَتْ. ولأبي المعتصم عاصم بن محمّد الأَنطاكيّ: هذا وطرِفٌ يَسْبِق ال ... طَّرْفَ إِذا الطَّرْفُ رَنَا أَدْهَمُ كاللَّيْلِ إِذا ... أَرْدِيَةَ اللَّيْلِ ارْتَدَى كأَنّما يَرْمِي الدُّجَى ... بِقطْعَةٍ من الدُّجَى مُحجَّلُ الأَرْبَعِ مَحْ ... بُوكُ القَرَا عَبْلُ الشَّوَى ذِي قُرْحَةٍ خَفِيّة ... كأَنّها نَجْمُ السُّهَا كأَنّما أَرْبَعُهُ ... إِذا تَنَاهَبْنَ الثَّرَى ريحُ الجَنُوبِ والدَّبو ... رِ والشَّمَالِ والصَّبَا يَلْعَب في الأَرْضِ بها ... من مَرَحٍ خَسَا زَكَا مُوَاجِةٌ وَجْهَ الصَّفَا ... منه بأَمْثَالِ الصَّفَا

لا عَصَبٌ يَعِيبُهُ ... تَشْمِيرُهُ ولا شَظَا إِذا امْتطَى رَاكِبُه ... مَطَاهُ فالرِّيحَ امتَطى الشَّطْرُ منه عُنُقٌ ... والشَّطْرُ طَوْدٌ يُمْتَطى وهْوَ يَرَى مَا لاَ يَرَى ... رَاكِبُهُ حيثُ انْتَأَى ويَسْمَعُ الحِسَّ الّذِي ... يَخْفَى علَى بُعْدِ المَدَى الوَعْرُ سهْلٌ عنْدَه ... وما نَأَى كمَا دَنَا كأَنَّه بَعْدَ الكَلاَ ... لِ في الفَلاَ سِيدُ الفَلاَ نِعْمَ العَتَادُ للقِرَى ... ولِلسُّرَى ولِلْعِدا لو اعْتَزَى قال أَبِي ... أَعْوَجُ والأُمُّ العَصَا هُوَ الَّذِي خَوَّلَنَا ... هُ اللهُ مِن بَينِ الوَرَى ولأَبي دُلَفَ قاسِم بن عِيسى العِجْليّ: ولقد أَرُوحُ بمُشْرِفٍ ذِي مَيْعةٍ ... عَبْلِ الشَّوى نَهْدٍ أَغرَّ مُحَجَّلِ رَحْبِ الفُرُوجِ سَوَابغٍ أَضْلاعُه ... عَبْلٍ أَعالِيه عَرِيِّ الأَسْفَلِ لُحُقِ الأَياطِل جُثَّمٍ أَرِسَاغُه ... في وُقَّحِ حُوٍّ كصُمِّ الجنْدَلِ ويَحُطُّ ثِنْىَ الجُلّ عن كَفَلٍ له ... مثْلِ الصَّفَاةِ تَرُدُّ حَدَّ المِعْوَلِ جَونِ القَرَا أَحْوَى اللَّبَانِ مُقَلِّصٍ ... عارٍ نَواهِقُه صَحِيحِ الأَبجلِ طَوْعِ اليَدَيْن عِنَانُه وقِيَادُهُ ... سَهْلٍ مَعَاطِفُهُ رحِيبِ المَصْهَلِ وكأَنَّ عَقْدَ عِنَانِه وعِذَارِه ... نِيطَا بجِذْعِ النَّخْلةِ المُتعَثْكِلِ سكنَتْ أَعالي خَلْقِهِ وكأَنَّما ... يَهْوِي بأَكْرُعِه اعْتصَافَ الشَّمْأَلِ قول أَبي المعتصم كأَنما أَربَعُهُ من قول الأعرابي: فكأَنّه طَوْدٌ إِذا عَايَنْتَهُ ... وكأَنَّ أَرْبَعَه الرِّياحُ الأَرْبَعُ جمعَ ثِقلَ الخَيْلِ وخِفَّةَ الرِّيَاح في بَيْتٍ وَاحِد وأُنْشِدتُ لأَعْرَابيٍّ من بني أَسَدٍ يَرثِي فَرَسه: إِنّ الجِيَادَ لِكلّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ ... تَبْكِي لخَيْرِ مُسَخَّرٍ مَرْكوبِ وبَكَى الرِّهانُ على أَغرَّ هَمَرْجَلٍ ... كالطَّوْدِ حُفَّ من الجِبَال بلُوبِ وكأَنّمَا انْتَعَلَ الرِّياحَ بأَرْبَعٍ ... يَنْهَضْنَ من لِبْدِ الثَّرَى بكَئِيبِ زَيْن الجِيَادِ بسَرْجِه ولِجَامِه ... يَوْمَ الطِّرَادِ وزِينة التَّسْلِيبِ هذا البيت الأَخِير مثل قَولِ ذي الرُّمَّة ولا أَدْري أَيُّهما أَخَذَ من صاحِبه: زَيْنُ الثِّياب وإِنْ أثْوَابُها استُلِبَتْفَوْقَ الحَشِيَّةِ يَوْماً زَانَهَا السَّلَبُ ولأحمد بن محمد العَلويّ: يَغْشَى الهِيَاجَ على حِصَانٍ لا تَرَى ... في الرَّوْع حِصْناً منه حَفْرَ الخَنْدَقِ إِنْ قِيلَ ثِبْ فكأَنّ بَيْن عِنَانِه ... سَهْماً تَقُول له يَدُ الرّامِي امْرُقِ وفيها: وكأَنّ أَدْهمَه الأَغَرَّ إِذا بَدَا ... لَيْلٌ يُفَاجِئُنَا بفَجْرٍ مُشْرِقِ يَخْتَالُ في الرَّهَج المُثَارِ لَدى الوَغَى ... فتَراه مِثْلَ العَارِض المتأَلِّقِ وصَهيلُه رَعْدٌ وغُرَّةُ وَجْهِهِ ... بَرْقٌ تَلأْلأَ جنْحَ لَبْلٍ مُغْسِقِ يَسْبِي عُيونَ الناظِرينِ بضَوْءِ تَحْ ... جِيلِ الثَّلاثِ وحُسنِ رُسْغٍ مُطْلَقِ تَغْدو العُيونُ على مَحَاسِنِ وَجْهِه ... تَنْحَطُّ في بَهجَاتِهنّ وتَرْتَقِي عَجَباً لشَمْسٍ أَشْرَقَت مِن وَجْهِه ... لمْ تَمْحُ منه دُجَى الظَّلامِ المُطْبِقِ فَرِقٌ متَى يُعْنِقْ فمَوْجٌ طافِح ... ويَبُذُّ جَرْىَ المَوْجِ إِن لمْ يُعِنقِ إنْ هَاجَهُ للْجَرْيِ في الغَرْب اغْتَدَىقَبْلَ ارْتِدَادِ الطَّرْفِ أَقْصَى المَشْرِقِ

باب

وللعباس بن جَرِير في بِرْذَون: وعِنْدِي لكُ بِرْذَونٌ ... كضَوْءِ النَّجْم في النُّورِ له سالِفَتَا ظَبْيٍ ... مِن القنَّاص مَذْعُورِ إِذا صاحِبُه أَوْفَى ... بِمتْنٍ منه مَضْبُورٍ وجَاشَتْ نَفْسُه خِلْتَ ... بهِ لَسْعَةَ زُنْبُورِ عليه نُقَطٌ سُودٌ ... كمِسْكٍ فَوْقَ كَافُورِ وأَهدَى إِسماعيلُ بن صبِيح إلى سَعِيد بن هريمٍ بِرْذَوناً، وكتبَ إليه: هو لَيِّنُ المَرفُوع، وبَطِيءُ المَوْضوع، حَسَنُ المجموع. وقال الجاحظ: سَايَرَ ابنٌ لشبيب بن شَيْبَة عَليَّ بنَ هِشامٍ فقال: سْرْ فقال: كيف أَسِيرُ وأَنا على بِرذَوْن إِنْ ضَرَبْتُهُ قطَفَ وإِن تَرَكْتُه وَقَف. وأَنت على بِرْذَونٍ إِن ضَرَبْتَه طَارَ، وإن ترَكْتَه سارَ؟ قال: ما أحسنَ ما استَحْمَلْتَ. ونَزَلَ عنه فحَمَلَه عليه. وقال المأْمون لطاهر بن الحسين وقد سَايَرَه: ما أَقدَمَ برْذَونَ: هذا: قال: من برَكِة الدَّابَّة طُولُ صُحْبتِه، وقِلّةُ عِلَّتِه. قال: فيكف حَمْدُك له؟ قال: هَمُّهُ أَمامُهُ، وسَوْطُه لِجَامُهُ، ما ضُرِب قَطُّ إِلاّ ظُلماً لِسَيْره، ولا اسْتُحِثَّ إلاّ للعَادةٍ في غَيْره. فقال: مِثْلُك أَبا الطَّيِّب، فلْيَصِفِ الشْيءَ إِذا وَصَفَه. وكان لمحمّد بن عبد الملك بِرْذَون أشْهَبُ أَحَمُّ، لم يُرَ مِثْلُه في الفَرَاهة، والوَطَاءِ والحُسْنِ، فذًَكَر المعتصمُ يوماً الدَّوَابَّ فقال: أَشتهِي دَابّةً في نِهَايَةِ الوَطَاءِ يَصلِحُ للسَّرَايَا. فقال له أَحمدُ بن خالد: عند كَاتِبك، يا أَميرَ المؤمنين، محمَّد بن عبد الملكْ الزّيّاتِ دَابَّةٌ لم يُرَ مِثْلُه فوجَّهَ المعتصمُ فأَخَذَه من محمّد فقال فيه محمد من أَبيات: كيْفَ القَرَارُ وقَد مَضَى لسبِيله ... عنّا فوَدَّعَنَا الأَحَمُّ الأَشْهَبُ للهِ يَوْمَ غَدُوتَ عَنّي ظاعِناً ... وسُلِبْتُ قُرْبَكَ أَيّ عِلْقٍ أُسْلَبُ الآنَ إِذْ كَمُلَتْ أَدَاتُك كلُّهَا ... ودَعَا العُيُونَ إِليْك زِيٌّ مُعْجِبُ واخْتِيرَ مِن خَيْرِ الحَدَائدِ خَيْرُهَا ... لك خَالِصاً ومِن الحُلِيِّ الأَغْرَبُ وغَدَوْتَ طَنَّانَ اللِّجامِ كأَنّما ... في كلِّ عُضْوٍ منكَ صَنْجٌ يُضْرَبُ وكأَنّ سَرْجَك فَوقَ مَتْنِ غَمَامَةٍ ... وكأَنّمَا تَحْتَ الغَمَامَة كَوْكَبُ ورَأَى عَليِّ بك الصَّديقُ مَهَابةً ... وغَدَا العَدُوُّ وصَدْرُهُ يَتَلَهَّبُ أَنْسَاك لا بَرِحَتْ إِذاً مَنْسِيّةً ... نَفْسي ولاَ زالَتْ بمثْلِ: تُنكَبُ وكان الفَضْل بن عبد الله مُولَعاً برُكُوبِ البِغَال، فقال له بعضُ إِخوانه: ما وَلُوعُك برُكُوب هذه الدّابَّةِ، فوالله ما يُدرَكُ عليها ثَأْرٌ، ولا يُسْبَقُ عليها يَومَ الرِّهَان. فقال: إِنّهَا نَزَلَتْ عن خُيَلاَءِ الخَيْلِ، وارْتَفَعَتْ عن ذِلّة العَيْرِ وخيْرُ الأُمُورِ أَوْسطُهَا. وقال الأَصمعيّ: أَحْسَنُ ما قِيلَ في صَلْصَلَةِ لِجام بلسان فَرسٍ قَوْلُ ابن مُقْبِل: ستَبْكِي على عَمْرٍو عُيُونٌ كَثِيرةٌ ... فعُدُّوا المَذَاكِي بالمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ وكُلّ علَنْدًى شُقَّ أَسْفَلُ ذَيْلهِ ... فشُمِّرَ عن ساقٍ وأَوْظِفَةٍ عُجْرٍ يُقَلْقِلُ في فَاسِ اللِّجَامِ لِسَانَه ... تَقَلْقُلَ عُودِ المَرْخِ في جَعْبَةٍ صِفْرِ وقال خالدُ بن صفْوان: بئسَ الدّابَّةُ الحِمارُ، إِنْ أَرسَلْتَه وَلَّى، وإِنْ وقَفْتَهُ أَدْلَى، قَلِيلُ الغَوْث، كَثِيرُ الرَّوْث، بَطئُ عن الكُرّ، سَرِيعٌ إلى الفَرّ، لا يُنْكَح به النِّساءُ، ولا تُرَاق به الدِّماءُ. ونَقْتَنع بما ذكرْنا من صِفات الخَيْل وما جَانَسَها، إِذْ كان لا يُدْركُ ما قالتِ العَربُ فيها، ولا ما قَاله المُحدَثون أَيضاً، ففيما ذكرناه كِفَايَةٌ إِنْ شاءَ اللهُ وهو حَسْبي. باب في البَرِّ والإبِل والظُّعنِ والبَحر والمَراكِب والسُّفُنْ

أسنان الإبل

جَمعنا من هذَين الفَنَّين، لأَنهما نَظيرانِ، والإبلُ سفُنْ البَرّ ونحن نَذكُر بعض ما جَاءَ في البَرارِي وأَهوالها، والإِبل وأَسنانها، وسُرْعتها وحَنِينها والتطَيُّر منها، وذكر الظّغائن. والهَوادِج عليها، ونُضِيف إلى ذلك صِفاتِ النَّواعِير، إِذ كان قد شُبِّه حِنيُنهَا بحنِين الأَباعر، ويتلو ذلك بعضُ ما جاءَ في البِحار والسُّفُن وما شاكل ذلك إن شاء الله. أسنان الإِبل يُقال لوَلدِ النّاقةِ ساعةَ تُلقِيه: سَقْبٌ لِلذَّكَرِ.. ..... ...... .... ... سَخْلَةٌ، فإذا عُلِمَ ما هُوَ قيل للذَّكر: حُوَارٌ، والأُنْثَى: حائلٌ فإذا مَضتْ له أَيّامٌ كان رُبَعاً والأًنْثَى رُبَعَةٌ فإذا أكلَ الشَّجَر، وشرِبَ الماءَ وفُطِمَ فَهْو فَصِيلٌ، والأُنثَى فَصيلةٌ، وفي السَّنَة التي تلِيها ابنُ مَخَاضٍ، والأُنثى بنتُ مَخاضٍ، وفي الّتي تليها ابنُ لَبُونٍ، والأُنثَى بِنتُ لَبُون وفي التي تَليها حِقٌّ وحِقّةٌ، وفي التي تَلِيها جَذَعٌ وجذَعَة، وفي الّتي تَليها ثَنِيّ وثَنِيَّة، وفي التي تَليها رَبَاع ورَبَاعِيَة، وفي التي تَليها سَدَسٌ وسَدِيسٌ للذَّكَر والأُنثَى وفي التي تَليها بارِكٌ للذَّكَر والأُنثَى. والعُشَراءُ: التي أَتَى عليها من لقَاحِها عَشْرةً أَشهُرٍ، والهَجَائِنُ: الكِرامُ منها، والبَرْكُ: إِبِلُ الحَيّ، وليس للعَرب في أََشعارها أَكثَرُ من صِفات الإِبِل والخيْل والبَرارِي، والمشهور لها مِن ذلك كثيرٌ والمُخْتَارُ غيرُ يسير، ونحن نأْتِي بقليلٍ منه، ليكون كِتَابُنا يَشتملُ على كلِّ فنٍّ. ويَتَضمَّنُ من كلّ مَعنًى ووَصفٍ إن شاء الله. في البَرِّية للمُتلمِّس: كم دُون ميَّةَ مِن دَاوِيَّة قَذَفٍ ... ومِنْ فَلاةٍ بها تُستَوْدَعُ العِيسُ ومن ذُرَا علَمٍ نَاءٍ مَسَافَتُه ... كأَنَّه في حَبَابِ الماءِ مَغموسُ جاوَزْتُه بأَمُونٍ ذاتِ مَعْجَمَةٍ ... تنْجو بكَلكَلِها والرأْسُ مَعْكُوسُ وللأعْشى: ويَهْمَاءَ قَفْرٍ تَحْرَجُ العَيْنُ وَسْطَهاوتَلْقَى بها بَيْضَ النَّعَامِ تَرَائِكَا يَقول بها ذُو قُوَّةِ القومِ إِذْ دَنَا ... لصَاحِبه إِذْ خافَ منها المَهَالِكَا لك الوَيْلُ أَفْشِ الطَّرْفَ بالعَيْن حَوْلنا ... علَى حَذَرٍ واسْتَبْقِ ما فِي سِقَائكَا وللمرَّار الفقعسِيّ: إِذَا نَظَر القَومُ ما مِثلُها ... رأَى القَوْمُ دَوِّيَّةً كالسَّمَا كأَنّ قُلوبَ أَدِلاّئِها ... مُعَلَّقةٌ بقُرُونِ الظِّبَا يَظلُّ الشُّجاعُ الشديدُ الجَنانِ ... مُحافَظَةً مُعْصِماً بالدُّعَا له نَظْرتان فمَرْفُوعَةٌ ... وأُخْرَى تأَمَّلُ مَا في السِّقَا وثالِثةٌ بعد طُولِ الصُّماتِ ... إِليَّ وفي صَوتِه كالبُكَا فقلْتُ الْتَزِمْ عنك ظَهْرَ القَعُود ... جَزَآ اللهُ مِثلَك شَرَّ الجَزَا ولذي الرُّمَّة: كم دُونَ مَيَّةَ من خَرْقٍ ومن عَلَمٍ ... كأنَّه لاَمِعاً عُرْيَانُ مَسْلوبُ وكمْ مُلَمَّعَةٍ غَبْرَاءَ مُظْلِمةٍ ... تُرَابُها بشِعَافِ القَلْبِ معصوبُ كأَنّ حِرْباءها في كلِّ هاجِرةٍ ... ذُو شَيْبَةٍ من رِجَالِ الْهِنْدِ مَصلوبُ ومن أحسن ما قيل في البَرِّيَّة قولُ الأَخطل: وبَيْدَاءَ مِمْحَالٍ كأَنَّ نَعامَهَا ... بأَرْجائِها القُصوَى أَباعِرُ هُمَّلُ تَرَى لامِعَاتِ الآلِ فِيهَا كأَنَّهَا ... رِجَالٌ تُعَرَّى تارةً وتُسَرْبَلُ وجَوْزِ فَلاَةٍ ما يُغمِّضُ رَكْبُها ... ولا عَيْنُ هَادِيها من الخَوْفِ تَغْفُلُ بكلِّ بَعِيد الغَوْلِ لا يُهْتَدَى له ... بعِرْفانِ أعلامٍ ولا فيه مَنْهَلُ مَلاعِبُ جِنّانٍ كأَنَّ تُرَابَها ... إِذا اصَّرَدَتْ فيه الرِّيَاحُ مُغَرْبَلُ ولعبد الله بن محمد:

في وصف الإبل وسرعتها

ويَهْماءَ يسقطُ عنها الظَنُونُ ... ولا يَجِدُ الرَّكْبُ فيها مَقِيلاَ تَمَلُّ الرِّياحُ بها مَرَّهَا ... فتُمْسِي العَوَاصِفُ منها كُلولاَ إِذَا مَا تَرَامَتْ بأَيْدِي الرِّكا ... بِ لم يَرْجُ غائبُها أَن يَؤُولاَ تُكَذِّبُ عنّا هُمُومُ القلوبِ ... إِذا أَزمعَ الَقومُ منها القُفولاَ ويَنْبُو عن العَيْنِ فيها الكَرى ... فلا يطْعَمُ النَّومَ إِلاّ قَليلاَ كأَنّ عَسَاقِلَها بالضُّحَى ... طَرائِدُ خَيلٍ تُبَارِى خيولاَ وليحيي بن هِلالِ العَبْديّ: وفَلاَةٍ كأَنَّمَا اشتمَلَ اللَّي ... لُ علَى رَكْبِها بأَبْنَاءِ حَامِ ولمحمد بن سعيد: وطَامِسِ الآيِ كالمِرْآةِ مُشْتبِهٍ ... حَزْنٍ مَعَالِمُه يُشْبِهنَ أَحْزانِي يُمْسِي بها الرَّكْبُ إِمْساءَ المُحِبّ إِذا ... ما رِيعَ بالبَيْن في إِصباحِهِ الدّانِي كأَنّ رَقْراقَ حَيْرانِ السَّرابِ به ... دَمْعٌ تَحيَّرَ في أَجْفَانِ حَيْرانِ ولرجلٍ من بني فَزَارة في بَلْدَة وناقَة: وبَلْدَةٍ مُغْبرَّةٍ قِفَافُهَا خَيْرُ هُدَى القَوْمِ به اعتِسافُهَا قَطَعْتُهَا لَمَّا اسْتَوَتْ أَشْرَافُهَا بعِرْمِسٍ لم تُحتلَبْ أَخلافُها كأَنَّهَا لَمَّا جَرَى سِنَافُهَا بَكْرَةُ شِيْزَى ضَمَّها خُطّافُهَا ؟ في وصف الإبل وسرعتها قد ذكرَ الشُّعَرَاءُ المتقدِّمُونَ المشاهيرُ الإِبِلَ بما نحن نستغنِي عن ذِكْره لشُهرته، ونذكُر يسيراً من كثير ما قالوهُ، فمن ذلك قولُ عَلْقَمَة: هل تُلْحِقَنّي بأُخْرَى القَومِ إِذ شَحَطوا ... جُلْذِيَّةٌ كأَتانِ الضَّحْلِ عُلْكومُ تُلاحِظُ السَّوطَ شَزْراً وهيَ ضامِرة ... كما توجَّس طَاوِي الكَشحِ مَوْشومُ كأَنَّها خاصِبٌ زُعْرٌ قَوادِمُه ... أَجْنَى له باللِّوَى شَرْىٌ وتَنّومُ وقولُ المثقِّب العَبْديّ: فسَلِّ الهَمَّ عنكَ بذات لَوْثٍ ... عُذَافِرةٍ كمِطْرَقَةٍ القُيُونِ بصَادِقَةِ الوَجِيف كأَنّ هِرّاً ... يُبَارِيها ويَأْخُذُ بالوَضِينِ كَساهَا تَامِكاً قَرِداً عليها ... سَوَادِيُّ الرَّضِيخِ معَ اللَّجِينِ إِذا قَلِقَتْ أَشُدُّ لَها سِنَافاً ... أَمامَ الزَّوْر من قَلَقِ الوَضِينِ كأَنّ مَوَاقعَ الثَّفِنَاتِ منها ... مُعَرَّسُ بَاكِرَاتِ الوِرْدِ جُونِ كأنّ الكُورَ والأنْساعَ منها ... على قَرْوَاءَ ماهِرَةٍ دَهِينِ يَشُقُّ المَاءَ جُؤجُؤُهَا وتعْلو ... غَوَارِبَ كلِّ ذي حَدَبٍ بَطِينِ وللأَعشَى: بِجُلاَلِةٍ سُرُحٍ كأَنَّ بغَرْزهَا ... شَوْكاً إِذا انْتعَل المَطِيُّ ظِلاَلَهَا ومن أحسن ما قيل في سُرْعَةِ الإِبل قولُ أَعرابيّ: فتسنَّموا شُعَبَ الرِّكابِ تُرَى بهم ... سُودَ البُطُونِ كفَضْلَةِ المُتَنَمِّسِ تَسَنَّموا: عَلَوْا، وسُودُ البُطُونِ من العَرَق، لأَنّ عرقَ الإِبِل أَسودُ وفَضلَة المتنَمِّس: ما يَنفلِتُ من الصَّيّاد من حِبَالته، والمتنَمِّسُ: الصَّيّاد الجالسُ في الناموس، جَعَل ما يُفْلِتُ منه فَضْلَةً من صَيده، فيقول: هي في سُرعتها ونَشاطِها بعدَ الإِعْيَاءِ للعَرقِ والكَدّ الشديد كنَشَاط ما يُفْلِت من حِبَالةِ الصّائد من الظِّبَاءِ وغير ذلك، ويُرْوَى فقلَّصَتْ بهم المطيُّ. ولكعب بن زُهَير: حرْفٌ أَخوهَا أَبوهَا من مُهَجَّنةٍ ... وعَمُّهَا خَالُهَا قَوْداءُ شِمْليلُ تخْفِي التُرابَ بأَظلافٍ ثمانيةٍ ... بأَرْبَعٍ وَقْعُهنَّ الأَرضَ تَحليلُ وللقُطامِيِّ: يَمْشِين رَهْواً فلا الأَعْجَازُ خاذِلةٌ ... ولا الصُّدُورُ على الأَعجاز تَتَّكِلُ

فهُنّ مُعترِضاتٌ والحَصَى رَمِضٌ ... والرِّيحُ ساكنةٌ والظِّلُّ مُعْتدِلُ يَتبَعْن سامِيَةَ العَيْنَيْن تَحسَبُها ... مَجْنُونَةً أَو تَرَى ما لا تَرَى الإِبلُ وللأخطل: جُمالِيَّةً غُولَ النَّجَاءِ كأَنَّها ... بَنِيَّةُ عَقْرٍ أَو قَرِيعُ هجَانِ إِذا اعتْتَقَبَتْهَا الكفُّ بالسَّوْط رَاوَحَتْ ... على الأَيْنِ والتَّبغيلِ بالخَطَرَانِ بذي خُصَلٍ سَبْطِ العَسِيبِ كأَنّه ... على الفَخْذِ والحَاذَينِ غُصْنُ إِهَانِ كأَنّ مَقَذَّيْها إِذا ما تَحَدَّرَا ... على وَاضِحٍ من عُنْقِهَا وَشلاَنِ وقال الجَرْميّ: سمعتُ امرأَةً من العرب تقول: ما ذَكَر النّاسُ مذكوراً خيراً من الإِبِل، إنْ حُمِّلَت أَثقلَت، وإِنْ مَشَت أَبْعَدَتْ، وإِن حُلِبَت أَرْوَت، وإِنْ نُحِرَت أَشْبَعت، طويلةُ الظِّمْءِ، نَشِيطةُ المَشْي، ثَقيلة الحمْلِ، بَعيدةُ الرَّوْحِة من الغَدْوَة، كلُّ شيءٍ عليها عِيَالٌ. وقال أَبو عُبَيْدَة: اسْتَمْنَحَ مسعودُ بن المختلس الشَّيْبانيُّ عَلْقَمَة بن شَمِر بن مُسْهِرٍ ناقَةً من إِبله، فأَبى أن يَمنحَه إيّاها فقال: أَعلقَم يا بْنَ المُسْهِرَيْنِ حَرَمْتَني ... عُلاَلةَ نابٍ مُستعارٍ ضَرِيبُهَا تَهَمَّيْتَهَا أَو نِلْتَها من عُمالةٍ ... إلى صِرْمةٍ كانَتْ قليلاً غَرِيبُهَا قوله: تهمَّيتَها، أَي أَخذتَها هاميةً، أَي ضالّةً، وقوله: قليلاً غَريبها، أَي لا يُعطِي أَحداً شيئاً، فغَرِيبُهَا في الناس قليلٌ. وقولُه: يا بْنَ المُسْهِرَين، أَبوه مُسْهِرٌ، وأُمُّه بنت عَمرو بن يَزِيد بن مُسْهِرٍ الذي هجاه الأعْشَى فقال: يَزِيدُ يَغُضُّ الطَّرْفَ دُوني كأَنّما ... زَوَى بَيْنَ عَيْنَيهِ عليَّ المَحَاجِمُ وللأَخطل في الإِبل المحبوسة للقِرَى: ومَحْبُوسةٍ في الحَيِّ ضامِنةِ القِرَى ... إِذا اللَّيْلُ وَافَاها بأَشْعثَ ساغِبِ مُعَقّرةٍ لا يُنكِر السَّيْف وَسْطُهَا ... إِذا لم يكن فيها مَعسٌّ لحالِبِ إِذا اسْتقْبلتْهَا الرِّيحُ لم تَنْفتِلْ لهاوإِنْ أَصبَحَتْ شُهْبَ الذُّرَا والغَوَارِبِ يُطِفْنَ بزيّافٍ كأَنّ هَ؟ دِيره ... إِذا جاوَزَ الحَيْزُومَ تَرْجِيعُ قاصِبِ كأَنَّ اللَّهَا منها بَلاَعيمُ جِنَّةٍ ... وأَشْدَاقها السُّفْلَى مغَارُ الثَّعَالِبِ وقال أَبو بكرٍ: أَنشدني أَبو يَعْلى العالي عن أَبي المشَاش، شيخٍ من بَلدِه، لذي الرُّمّة، وزعم أَنّه ما وُصِف بَعيرٌ بأَحْسَنَ منه: يَكَادُ من التَّصْدِير يَنْسَلُّ كُلَّمَا ... تَحَرَّكَ أَو مَسَّ العِمَامةَ راكبُهْ إِذا عُجْتُ مِنْهُ أَو رَأَى فَوْقَ رَحْلِه ... تَحرَّكَ شيءٍ ظَنَّ أَنِّيَ ضارِبُهْ ولعُمر بن أَبي ربيعة: فطافَتْ به مِقلاةُ أرضٍ تَخَالُهَا ... إِذا الْتَفَتَتْ مَجْنُونةً حين تَنْظُرُ يُنَازِعُني حِرْصاً على الماءِ رَأْسُها ... ومِن دُونِ ما تَهْوَى قَلِيبٌ مُعَوَّرُ مُحاوِلةٌ للوِرْدِ لولا زِمَامُها ... وجَذْبِي لَهَا كادتْ مِرَارَاً تكسَّرُ للقِصافيّ وهو من أَحسن ما قيل: خُوصٌ نَواجٍ إِذا صاحَ الحُداةُ بها ... رأَيت أَرجُلها قُدّام أَيديها وفي سرعة النّاقة لآخر: مَرُوح برِجْلَيها إِذا هِي هَجَّرتْ ... ويَمْنَعها من أَنْ تَطيرَ زِمَامُها ومن التشبيه المُطَّرِد على أَلِسنةِ العربِ في سيرِ الناقةِ وحركة قوائمها قولُ الراجز: كأَنّهَا ليلَةَ غِبّ الأَزْرَقِ ... وقد مدَدْنَا باعَها للسُّوَّقِ خرقاءُ بينَ المُسْلمِينَ تَرْتَقِي غِبّ الأَزرق، يعنِي مَوضعاً، وأَحسبُه ماءً. وللقُطاميّ في السُّرعة: وإذا تَخلَّفَ خَلْفَهنّ لحَاجَةٍ ... حادٍ يُشَسِّع نَعْلَه لم يَلْحَقِ ولغيره: إِذا بَرَكَتْ جَرَّتْ على ثَفِناتِها ... مُجافَيةً صُلْباً كقَنْطرة الجِسْرِ

كأَنّ يَدَيْهَا حين تَجْرِ ضُفُورُهَا ... طَرِيدَانِ والرِّجْلانِ طَالِبتَا وِتْرِ وهذا حسنٌ. ولحُكَيم بن مُعَيّة: إِذا عَلَون أَرْبعاً بأَربعِ ... في جَعْجَعٍ مَوْصِيَّةٍ بجَعْجَع أَنَنَّ تَأْنَانَ النُّفوسِ الرُّجَّعِ يَصِف إِبِلاً، والأَربَعُ، أَراد أَربعةَ أَوْظِفَةٍ، مع أَرْبَعِ أَذْرُع، وكأَنّه أَنَّثَه على الكُرَاع، وإذا بَرَكْن أَننَّ. وأَنشد الزُّبَير: بأَخْفافها يُبْعِدْن كُلَّ مُقرَّبٍ ... ويدْنو عليها الشَّاحِطُ المتَباعِدُ تَكونُ على أَكْوَارِها هَجْعَةُ السُّرى ... وأَذْرُعُها عند الصَّبَاح وَسائدُ ولعليّ بن الجَهْم: وأَخو فَلاةٍ سَهْوَقٍ وَسَقَتْ له ... خُنُفٌ نَوَاحِلُ كالقِسِيِّ ذَوَابِلُ أَو كالإِرانِ تَضاءَلَتْ أَنْقاضُه ... وكذاكَ ظَاهِرُ آلِهَا مُتضائِلَ أو كالقِدَاحِ أَجَالَهَا ذُو ميْعةٍ ... جَذْلانُ من نُجَباءِ قارَةَ نابِلُ أَفْنَى ثَمَائِلَها الوَجِيفُ وسائِقٌ ... غَرِدٌ يُمَاطِلُها النَّدَى وتُمَاطِلُ يَقِصُ الإِكامَ بها مَشِيقٌ عَيْطلٌ ... مُتَخدِّدُ الخَدَّينِ أَقْلَحُ بَاسِلُ يَتْلو شَوارِدَها على عِلاَّتِه ... مَرِحاً كما يَتْلُو السِّنانَ العامِلُ فإِذا اسْترَابَ بَرَبْوة أَو رَهْوَةٍ ... فلهنَّ عنه تَجانُفٌ وتَزَايُلُ وله علَى أَثْباجِهنّ مَيَاسِمٌ ... شُخُبٌ كأَفواهِ الضَّبابِ سَوَائِلُ وله أَيضاً: بخَيْفانةٍ كالقَصْر وَجْنَاءَ حُرَّةٍ ... نمَتْهَا من النُّوقِ الهِجَانِ الخَوَانِفُ مُذَكَّرَةٍ خَرْقاءَ مُضْبَرَةِ القَرَا ... يَفُوتُ يَدَ العادِيّ منها المشَارِفُ كأَنّى ورَحْلي فوق أَحْقَبَ لاحَهُ ... طِرَادُ جِيَادٍ وَقْعُهَا مُتَرَاصِفُ وللعبّاسيّ: وشِمِلَّةٍ عَيْرَانةٍ تَطَأُ الوَجَى ... مُرْتاعةِ الحَرَكات جَلْسٍ عَيْطَلِ تَرْنُو بناظِرَةٍ كأَنَّ حَجَاجَها ... وَقْبٌ أَنافَ بشاهِقٍ لم يُحْلَلِ وكأَنَّ مَسْقَطَها إِذا ما عَرَّسَتْ ... آثارُ مَسْقَطِ ساجِدٍ مُتَبتِّلِ وكأَنّ آثَارَ النُّسُوعِ بدَفِّها ... مَسْرَى الأَسَاوِدِ في هَيَامٍ أَهْيَلِ وتَسُدُّ حَاذَيْهَا بجَثْلٍ كاملٍ ... كعَسيبِ نَخْلٍ خُوصُه لم يُنْحَلِ وكأَنَّها عَدْواً قَطَاةٌ صَبَّحَتْ ... شِرَعَ المِيَاهِ وهَمُّهَا في المَنْزِلِ وغَدَتْ كجُلْمُودِ القِذَافٍ يُقِلُّهَا ... وَافٍ كمِثْلِ الطَّيْلسَانِ المُخْملِ وله أيضاً: لنا إِبِلٌ مِلءَ الفَضَاءِ كأَنَّما ... حَمَلْنَ التِّلاعَ الحُوَّ فوقَ الحَوَارِكِ ولكنْ إِذا اغْتَرَّ الزَّمَانُ تَرَوَّحَتْ ... فجَارَتْ عليه بالعُرُوقِ السَّوَافِكِ وله أيضاً: لنا إِبلٌ ما وَفَّرَتْهَا دِماؤُنَا ... ولا ذَعَرتْهَا في الصَّبَاح الصَّوائِحُ تَقسَّمهنّ الحَقُّ إلاَّ بَقِيَّةً ... تُرَدُّ عليه حِينَ تُخْشَى الجَوائِحُ إِذا غَدَرتْ أَلْبَانُهَا بضُيوفِنا ... وَفَتْ بالقِرَى حِيْرانُها والصَّفائحُ وقَيَّدَها بالنَّصْل خِرْقٌ كأَنّه ... إِذَا جَدَّ لولا ما جَنَى السَّيْفُ مَازِحُ كأَنّ أَكُفَّ القَومِ في جَفَناتِه ... قَطاً لم يُنفِّرْهُ عن الماءِ سارِحُ وله أيضاً: ومَهْلَكَةٍ لاَمِعٍ آلُهَا ... قَطَعْتُ بحَرْفٍ أَمُونِ الخُطَا لهَا ذَنَبٌ مثْلُ خُوصِ العَسيبِ ... وأَرْبَعَةٌ تَرْتَمِي بالحَصَا بَنَاهَا الرَّبِيعُ بِنَاءَ الكثي ... بِ سَاقَتْ إِليه الرِّيَاحُ النَّقَا

في الظعن

فَما زَالَ يُدْئِبُهَا ماجِدٌ ... على الأَيْنِ حتى انْطَوت وانْطَوَى ولشَرْشِير: على جَسْرةٍ لا يُدْرِكُ الطَّرفُ شَأْوَهَا ... إِذا جَدَّ مِن نصِّ الوَجيفِ ذُمُورُ مُوثَّقَةٍ لم يَنْحَضِ البِيدُ لَحْمَهَا ... قَوائِمُها فوقَ الصُّخورِ صُخُورٌ تُفَتّقُ عن ذاتِ الوِحَادِ جُرُومُها ... ولا يَبْلُغُ الرُّكْبَانُ حيثُ تُغِيرُ مُضبَّرَةٍ جَلْسٍ فأَمَّا عِظَامُها ... فرَصْفٌ وأَمّا لِيطُهَا فحرِيرُ كأَنّي إِذا عالَيت جَوزَةَ مَتْنِهَا ... على عُلَوِيَّات الرِّيَاحِ أَسِيرُ ولنُصِبٍ الأَصغَر، ويُكْنَى أَبا الحَجْنَاءِ، يَصِف ناقةً وسُرعتها: هي الرّيح إلاّ خَلْقَها غير أَنّهَا ... تَبِيتُ غَوَادِي الرِّيحِ حيُ تَقِيلُ وهذا إِسرافٌ في الوصف للسرعَةِ. ولم يَصفْ أَحدٌ ممن تقدَّمَ وتَأخًّر النَّاقةَ أَحسنَ من وَصْفِ طَرفةَ بن العَبْد، فإِنّه جَمع صِفَاتٍ خَلْقِهَا وسُرْعَتَها، فجاءَ بها بأَحسنِ كَلامٍ، وأَوضحِ تَشْبِيهٍ بقوله: وإِنّي لأُمْضِي الهَمَّ عند احْتِضارِه ... بعَوْجَاءَ مِرْقالٍ تَرُوحُ وتَغْتدِي أَمُونٍ كأَلْوَاح الإِرانِ نَسأْتُها ... على لاَحِبٍ كأَنّه ظَهْرُ بُرْجُدِ نُبارِي عِتَاقاً ناجِيَاتٍ وأَتْبَعَتْ ... وَظِيفاً وَظِيفاً فَوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ وفيها: لها فَخِذانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما ... كأَنَّهما بَابَا مُنِيفٍ مُمَرَّدِ وطَيُّ محالٍ كالحِنيِّ خُلُوفُه ... وأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ كأَنّ كِناسَيْ ضالَةٍ يَكْنُفَانِهَا ... وأَطْرَ قِسِيٍّ تحت صُلْبٍ مُؤَيَّدِ لهَا مِرْفَقَانِ أَفتَلانِ كأَنّمَا ... تَمُرُّ بسَلْمَى دَالجٍ مُتَشَدِّدِ كقَنْطَرةِ الرُّومِيِّ أَقْسَمَ رَبُّها ... لتُكْتَنَفنْ حَتَّى تُشَادَ بقرْمدِ صُهَابِيَّةُ العُثنُونِ مُؤْجَدةُ القَرَا ... بَعِيدَةُ وَخْدِ الرِّجْل مَوّارةُ اليَدِ أُمِرَّتْ يَدَاهَا فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ ... لَهَا عَضُدَاها في سَقِيفٍ مُسَنَّدِ جنُوحٌ دٌفَاقٌ عَنْدَلٌ ثُمَّ أُفرِغَت ... لها كَتِفَاهَا في مُعَالَي مُصعَّدِ ويَصف عُنُقَها فيقول: وأَتلَعُ نَهّاضٌ إِذا صَعَّدَتْ به ... كسُكَّانِ بُوصِيٍّ بدِجْلَةَ مُصْعِدِ وجُمْجُمةٌ مِثْلُ العَلاَةِ كأَنَّمَا ... وَعَى المُلْتَقَى مِنْهَا إِلى حَرْفِ مِبْرَدِ هذا البيت قال الأصمعيّ: لم يقل مِثْلَهُ أَحَدٌ وقد ذكَرنَا ما فيه وبيَّناهُ في أَبيات المعاني. وفيها: ووَجهٌ كقِرْطَاسِ الشَّآمِي ومِشْفَرٌ ... كسِبْتِ اليَمَانِي قَدُّهُ لم يُحَرَّدِ وعَيْنَانِ كالمَاوِيَّتَيْنِ اسْتَكنَّتَابكَهْفَيْ حِجَاجَىْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ طَحُورَانِ عُوَّارَ القَذَى فتَراهُمَا ... كمَكْحُولتَيْ مَذْعُورةٍ أُمِّ فَرْقَدِ ويصفُ أُذُنَيْهَا فيقول: وصادِقَنَا سَمْعِ التَّوجُّسِ للسُّرَى ... لِهَجْسٍ خَفِيٌّ أَو لِصَوْتٍ مُنَدَّدِ مُؤَلَّلَتانِ تَعرِف العِتْقَ فيهما ... كسَامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ ويصف طَوْعَها وحُسنَ قِيادها فيقول: وإِن شِئْت سامَي وَاسِطَ الكُورِ رأْسُها ... وعَامَتْ بضَبْعَيْهَا نَجَاءَ الخَفَيْدَدِ ويَصف إِسراعها ونَشَاطَها فيقول: أَحَلْتُ عَلَيْهَا بالقَطِيع فأَجْذمَتْ ... وقد خَبَّ آلُ الأَمْعَزِ المُتَوَقَّدِ فذَالتْ كما ذَالَتْ وَلِيدَةُ مَجْلِسِ ... تُرِي رَبَّهَا أَذْيالَ مِرْطٍ مُمَدَّدِ ؟ في الظُّعنِ من أَجود ما قيل في ذلك قولُ المُثَقِّبِ العبْدي لِمَن ظُعُنٌ تُطَالِع من صُبَيْب ... فما خرَجَتْ مِن الوَادِي لِحِينِ

في التطير من الإبل

مَرَرْنَ على شَرَافَ فَذَاتِ رَجْلٍ ... ونَكَّبْنَ الذَّرانِحَ عن يَمِينِ كغِزْلاَنٍ خَذَلْنَ بذَاتِ ضَالٍ ... تَنُوشُ الدَّانِيَاتِ من الغُصُونِ ظَهَرْنَ بكِلَّةٍ وسَدَلْنَ رَقْماً ... وثَقَّبْنَ الوَصَاوِصَ للعُيُونِ للَبِيد بن رَبيعة: شاقَتْك ظُعْنُ الحيِّ حين تَحمَّلوا ... فتَكَنَّسُوا قُطُناً تَصِرُّ خِيَامُها مِن كُلّ مَحفوفٍ يُظِلُّ عِصيَّهُ ... زَوْجٌ عليه كِلَّةٌ وقِرَامُها زُجَلاً كأَنّ نِعَاج تُوضِح فَوقَها ... وظِبَاءَ وَجْرَةَ عُطَّفاً أَرَآمُهَا حُفِزَتْ وزَايَلَها السَّرَابُ كأَنَّهَا ... أَجْذاعُ بِيشَةَ أَثْلُهَا ورِضَامُهَا ولبعض شعراء المدينة: لِمَن الظَّعَائنُ سَيْرُهُنّ تَزَحُّفُ ... عَوْمَ السَّيْفَيْنِ إِذا تَقَاعَسَ يُجْذَفُ مَرَّتْ بذي خُشُبٍ كأَنّ حُمُولَهَا ... نَخْلٌ مَوَاقِرُ حَمْلُهَا مُتَضعّفُ ولابن نُمَيْر الثَّقَفِيّ: أَشاقَتْكَ الظَّعائنُ يومَ بانُوا ... بذِي الزِّيِّ الجَمِيل من الأَثاثِ ظعائنُ أُسْلِكتْ نَقْبَ المُنَقى ... تُحثُّ إِذا وَنَتْ أَيَّ احْتثاثِ كأَنَّ على القَلائصِ يوم بانُوا ... نِعَاجاً تَرْتَعِي بَقْلَ البِرَاثِ الظَّعَائنُ: النِّساءُ في الهَوَادِج، وَاحِدَتُهَا ظَعينَةٌ، وهم يريدون مَظعوناً، كقولهم قَتيل في معنَى مقتولٍ، ثم استُعمِل هذا وكثُرَ حتى قيل للمرأَة المقيمة ظَعِينَةٌ. ولكُثَيِّر بن عبد الرحمن: أَهاجَك بَيْنٌ من ظَعائِنَ أَوْ عَبُوا ... بأَيْمَنَ لمَّا جَازت العِيسُ فَدْفَدَا تخَالُ الرُّبَا دُونَ الحِمَى رَوْنَقَ الضُّحَىيَظَلُّ بها حادٍ إِذا اشْتَاقَ غَرَدَا وفَوْقَ المَطَايَا في الحُدُوجِ أَوَانِسٌ ... كعِينِ المَهَا قد صِدْنَ قَلْبِي تَصَيُّدَا ولذِي الرُّمة: نَظَرْتُ إِلى أَظعانِ مَيٍّ كأَنَّهَا ... ذُرَا النَّخْلِ أَو أَثْلٌ تَمِيلُ ذَوَائبُهْ وأَشْعلَتِ العَينَانِ والصَّدْرُ كاتِمٌ ... بمُغْرَورِقٍ نَمَّتْ عليه سَوَاكِبُهْ وللوليد بن عُبَيْد: رَفَعوا الهَوَادِجَ مُعْتِمِينَ فمَا تَرَى ... إلاَّ تَلأْلُؤَ كَوْكبٍ في هَوْدَجِ أَمثال بَيْضاتِ النَّعَام يَهُزُّها ... للبُعْدِ أَمثالُ النَّعَامِ الهُدَّجِ ؟ في التَطَيُّر من الإبل والكَرَاهِيَة لَها، لأَنَّها تَحمِلُ الظعَائنَ وتُشَتِّتُ الخُلاّنَ، وتَصيِيرِها كمِثْل غُرابِ البَينِ. من ذلك قول أَبي الشَّيصِ: النّاسُ يَلْحُون غُرا ... بَ البَيْنِ لمَّا جَهِلُوا وما غُرابُ البَينِ إ ... لاّ ناقَةٌ أو جَمَلُ وما على ظَهْرِ غُرا ... بِ البَيْنِ تُمْطَى الرِّحَلُ ولا إِذا صاحَ غُرا ... بٌ في الدِّيارِ احْتَمَلوا ولعَوفِ الراهبِ: غَلِطَ الّذِين رَأَيتُهُم بجَهالةٍ ... يَلْحَون كلُّهُمُ غُرَاباً يَنْعِقُ ما الذَّنْبُ إِلاّ للأَباعِرِ إِنّها ... مِمّا تُشسِتُّ جَمِيعُها وتُفَرِّقُ إِنّ الغُرابَ بيُمْنِهِ يَدْنو الهَوَى ... وتُشِتُّ بالشَّمْل الشَّتِيتِ الأَيْنُقُ ولدِيك الجِنِّ: ما المَنايَا إِلا المَطَايَا وما فرَّ ... قَ شيءٌ تَفْرِيقَها الأَحْبابَا ظَلَّ حَادِيهمُ يَسوقُ بقَلْبي ... ويَرَى أَنّه يَسوقُ الرِّكابَا ولغيره: فمَا للأَباعرِ لا بُورِكَتْ ... ولا بَارَك اللهُ فيمَنْ شَرَاهَا إِذَا أَدْبرَتْ ذَهبتْ بالحَبيبِ ... وإِنْ أَقْبَلَتْ خَلَّفَتْه وَرَاهَا وأنشدَ أَبو عُبَيدة في مثله، ويدعو على الإبل، يقول هي المُفَرِّقة: لَهُنّ الوَجَى لِمْ كُنّ عَوْناً على النَّوَى ... ولا زالَ منها ظالِعٌ وحَسِيرُ

حنين الإبل

وقد أَنصف الإِبِلَ الذي يقول: أَلاَ فرَعى اللهُ الرَّوَاحِل إِنّمَا ... مَطَايَا قُلوبِ العَاشقِين الرَّواحِلُ على أَنّهنّ الوَاصِلاتُ عُرَا النَّوَى ... إذا ما نَأَى بالآلِفينَ التَّواصُلُ وقد ذمَّ قومٌ السُّفُنْ، لارتحالِ أَحبابِهم فيها، فمن ذلك قول بعضهم: يوم ذَمِّي للْجِمَالِ ولَمْ ... أَدْرِ أَنْ قد بُدِّلَتْ سُفُنَا هذا ذَمَّ الجِمَالَ، وتَوَهَّمَ أَنَّ أحبابه يَرتحِلون عليها، فجَلسوا في السُّفن، وساروا في الماء فصارَت السُّفُنُ أَحقَّ بالذَّمِّ من الجِمالِ. وقُلتُ في مِثله: ليْسَ لِلغِرْبانِ إِنْ صا ... حتْ برَبْعِ الدَّارِ ذَنْبُ ولقدْ سُبَّتْ جِمَالٌ ... ظُلِمَتْ حِينَ تُسَبُّ إِذْ نَأَى في السُّفُن الأَحْ ... بَابُ فالْتَاعَ المُحِبُّ هِيَ غِرْبانُ فِرَاقٍ ... إِذْ بِها شُتِّتَ شَعْبُ وأيضاً: ذَمَّ أُنَاسٌ غُرَابَ بَينٍ ... إِذْ صاحَ في الرَّبْعِ بالبِعَادِ والنُّوقُ ذُمَّتْ كمَا عليها ... يَرْتَحِلُ الحيُّ والبَوَادِي والسُّفْنُ أَوْلَى بالذَّمِّ منها ... إِذْ ضُمِّنَتْ سالِبَ الفُؤادِ ونحوُ ذلك قولُ بعض المحدَثين أَحسبه السُّيُوفيّ: لَمّا رَأَيْتُ السُّفِينَ مُنْحدِراً ... أَبْعَدَ عنْ مُقْلتَيَّ إِغْفائِي وَقَفتُ أَبكِي على سَوَاحِلهَا ... فمِن بُكائٍي زِيادةُ الماءِ وأَيضاً نحوُه: سارَ الحبيبُ وخَلَّفَ القَلْبَا ... يُبْدِي العَزاءَ ويُضمِرُ الكَرْبَا قدْ قُلْتُ إِذْ سارَ السَّفينُ به ... والشَّوقُ يَنْهَبُ عَبْرَتِي نَهْبَا لوْ أَنّ لِي عِزّاً أَصولُ بهِ ... لأَخذْتُ كُلَّ سَفِينةٍ غَصْبَا وللحلَبيّ: إِنّها فُرقةٌ تُذِيبُ القُلوبَا ... وتَرُدُّ الشُّبَّانَ لا شَكَّ شِيبَا سَلَبَتْ قَلْبِيَ العزَاءَ فقد أَض ... حَى وأَمْسَى من العَزاءِ سَلِيبَا ما تَرَى السُّفْنَ كيف تَعْلَو حَبَابَ الْ ... ماءِ مِثْلَ المَطِيِّ تَعْلُو الكَثِيبَا وكَأَنّ المَلاّحَ إِذْ حَثَّ أُولاَ ... هُنَّ حادٍ غَدَا يَحُثُّ نَجِيبَا حنين الإبل وإِذا رَجَّعت الإِبلُ الحَنينَ كان ذلك أَحسنَ صوتٍ يَهتاجُ له المُفَارِقُون، كما يَهْتَاجُون لِنَوْح الحَمَام، ولِلَمْع البُرُوق، ولِهُبوب الرِّياحِ من نحو أَرضِ الحبِيبِ. نزَلَ عُقَيلِيّانِ بزوجِ لَيْلى عَشِيقةٍ المَجْنُونِ فلمّا تَهوَّرَ اللَّيْلُ حَنَّتْ قلُوصاهما، فقال أَحدُهما: تَحِنُّ قَلُوصِي نَحْوَ نَجْدٍ وقد أَرَى ... بعَيْنَيَّ أَنِّي لَسْتُ مُورِدَها نَجْدَا ولا وَارِداً أَمْوَاهَ أَجْبُلَةِ الحِمَى ... وإِنْ أَرْهقَتْ نَفْسي على وِرْدِهَا جهْدَا وقال العُقَيليُّ الآخرُ: حنَّتْ قَلوصِي آخرَ اللَّيْلِ حنّةً ... فيَا رَوْعةً ما راعَ قلبي حَنِينُها سعَتْ في عِقالَيْهَا ولاَح لِعينها ... سَنَا بَارِقٍ وَهْناً فجُنّ جُنُونُهَا فمَا برِحَتْ حتّى ارْعَوَيْنَا لِصَوْتِهَا ... وحتَّى انْبَرَى مِنّا مُعِينٌ يُعِينُها تَحِنُّ إِلى أرضِ الحِجازِ صَبَابَةً ... وقد بُتَّ مِن أَهْلِ الحِجَازِ قَرِينُها فيا رَبِّ أَطْلِقْ قَيْدَها وجَرِيرَها ... فقد رَاعَ مَنْ بالمَسْجِدَيْنِ أَنِينُها فقالت ليلى: لعَمْرِي لقدْ هاجَتْ عَلَيَّ صَبَابةً ... قلُوصُ العُقَيْلِيَّيْنِ لَيْلَةَ حَنَّتِ قَعَدْتُ لها واللَّيْلُ مُلْقٍ روَاقَهُ ... فجَاوَبْتُهَا حتَّى مَلِلْتُ ومَلَّتِ ولبعض العرب: يَحِنُّ قَلوصي ذو الخَباطِ صَبَابةً ... وشِدَّةَ وَجْدٍ مِن تَذكُّرهِ تَجْدَا

تذَكَّرَ نَجْداً مَوْهِناً بعدَ ما انْطَوتْ ... ثَمِيلَتُهُ وازدادَ عنْ إِلْفِهِ بُعْدَا تَذكَّرَ نَجْداً حادِثاً بعد قادمٍ ... ولا يَلبَثُ الشَّوْقانِ أَن يَصْدَعَا الكِبْدَا فقلتُ له هيَّجْتَ لي شَاعِفَ الهَوَى ... أَصابَ حِمَامُ المَوتِ أَضْعفَنا وَجْدَا ولتميم بن جميل الأَسديّ: يَحِنّ قَعُودٍي بعدَما كَمُلَ السُّرَى ... بنَخْلَةَ والضُّمْرُ الحَرَاجِيجُ ضُمَّرُ يحِنّ إِلى وِرْدِ الخَشَاشَة بعدَما ... تَرَامَى به خَرْقٌ من البِيد أَغْبَرُ وبات يَجُوبُ البِيدَ واللَّيْل ما ثَنَى ... يَدَيْهِ لتَعْرِيسٍ يَحِنُّ وأَزْفِرُ وبِي مثلُ ما يَلْقَى من الشَّوْق والهَوَى ... على أَنَّني أُخْفِي الذي بي ويُظْهِرُ فقلتُ له لَمّا رأَيْتُ الَّذِي به ... كِلاَنَا ِإلى وِرْدِ الخَشاشَةِ أَصْوَرُ فلَيْتَ الّذِي يَنْسى تَذكُّرَ إِلْفِهِ ... وشِرْباً بأَحْواضِ الخَشَاشَةِ يُنْحَرُ ولغيره: بَاتَتْ تُشَوِّقُني برَجْعِ حَنِينها ... وأَزِيدُهَا شَوْقاً برَجْعِ حَنِينِي نِضْوَيْنِ مُقْتَرِنَيْن بينَ تِهامَةٍ ... طَوَيَا الضُّلُوعَ على جَوًى مَكْنُونِ لو خُبِّرَتْ عنّي القَلَوصُ لخُبِّرتْ ... عن مُستَقَرٍّ صَبَابةِ المَحزونِ ولعُروةَ بن حزام: فلَو تَرَكَتْني ناقتِي من حَنِينها ... وما بيّ مِنْ وَجْدٍ إِذاً لَكَفَاني فإِنْ تَحْمِلي شَوقِي وشَوقَكِ تُثْقَلِي ... ومَالَكِ بالحِمْلِ الثَّقِيلِ يَدَانِ ولآخر: حنَّتْ وما عَقلَتْ فكيفَ إِذا بَكَى ... شَوْقاً يُلامُ على البُكَا مَن يَعْقِلُ ذَكَرَتْ قُرَى نَجْدٍ فأَقْلَقَها الهَوىَ ... وقُرى العِراقِ ولَيْلُهُنّ الأَطْولُ وكأَنّمَا يُجْنَى لها ولِرَكْبها ... بنِطَافِ دِجْلَةَ والفُرَاتِ الحَنْظَلُ وتَمُرُّ من لُجَج السّرابِ مَوَارِقاً ... والخَرْقُ أَغْبَرُ بالقَتَام مُجَلَّلُ فغَدَتْ وأَيْدِي الصُّبْحِ تَلْمَعُ في الدُّجَى ... كالبِيض تُغْمَدُ تَارَةً وتُسَلَّلُ ولجرير: أَرَى نَاقتي حَنَّتْ طُرُوقاً وشَاقَها ... وَمِيضٌ إلى ذاتِ السَّلاسِلِ لاَمعُ فقلْت لها حِنِّي رُوَيداً فإِنَّني ... إلى أَهْلِ نَجْدٍ من تِهَامَةَ نَازِعُ فلمّا رَأَتْ ألاَّ قُفُولَ وإِنّمَا ... لَهَا مِن هَواهَا ما تُجِنُّ الأَضَالِعُ تَمطَّتْ بمَجْدُولٍ طَوِيلٍ فطالَعَتْ ... وماذَا مِن البَرْق اليَمَانِي تُطَالِعُ ولأعرابي: أَرَاكِ اللهُ نِقْيَكِ في السُّلامَى ... علَى مَنْ بالحَنِين تُعَوِّلِينَا فلَسْتِ وإِن حَنَنْتِ أَشدَّ وَجْداً ... ولكنّي أُسِرُّ وتُعْلِنِينَا وبي مِثلُ الذِي بكِ غير أَنّي ... أَجِلُّ عن العِقَال وتُعْقَلِينَا وممّا يُسْتَحْسَن في مثل هذا ويُسْتَغْرَب معناه، ويُحمَد اختصارُه قول أعرابيِّ من بني كلابٍ: فَمن يَكُ لمْ يَغْرَضْ فإِنّي ونَاقتي ... بحَجْرٍ إِلى أَهْلِ الحِمَى غَرِضَانِ تَحِنّ فتُبْدِي ما بها من صَبَابة ... وأُخفِي الذِي لولا الأُسَى لَقَضَانِي يُرِيد: لقَضَى عليَّ، فأَخْرجَه لفصاحته وعِلْمِه بجواهرِ الكلامِ أَحسنَ مُخْرَج، قال الله عز وجل " وإِذَا كَالُوهم أو وَزَنوهم " أَي كالًوا لَهُم. وقد قالت الشعراءُ في تَفضيل ما بَيْنَ حَنِينَهم وحَنين الإِبل: قال ثعلبةُ بنُ أَوس الكِلابيّ: وما عَوْدٌ يَحِنُّ ببَطْنِ نجْدٍ ... مُعَالِي الشَّوْقِ مُضطَمِرٌ قلِيلاَ إِلى وَأدٍ تذكَّرَ عُدْوَتَيه ... أَسَنَّ به وكانَ به فَصِيلاَ

في حنين الإبل في سرعتها

فبُدِّلَ مَشْرَباً من ذاك مِلْحَاً ... وظِمْئاً بعْد قصْرَيْهِ طَوِيلاَ يَحِنّ إِذَا الجَنائبُ هيَّجَتْهُ ... ضُحَيَّاً أَو هَبَبْنَ له أَصِيلاَ بأَكثَرَ غُلَّةً مِنّي ووجْداً ... على إِضْمارِيَ الهَجْرَ الطَّوِيلاَ وله أيضاً: وما ذُو مِشْفرٍ نِقْضٌ يَمانٍ ... بنَجْدٍ كان مُغْترِباً نَزِيعَا يُمارِسُ رَاعِياً لا لِينَ فيه ... وقَيْداً قد أَضرَّ به وَجِيعَا إِذا ما البَرقُ لاح له سَناهُ ... حِجَازيِّاً سَمعتَ له سَجِيعَا بأَكْثَرَ غُلَّةً منّي ووَجْداً ... لَوَ أَنَّ الشَّمْلَ كانَ بنَا جَمِيعَا ولآخر: لعَمْركَ ما خُوصُ العُيونِ شَوَارِفٌ ... رَوائِمُ أَظْآرٍ عَطَفْن على سَقْبِ يُفَدِّينَهُ لوْ يَسْتَطِعْن ارْتَشَفْنَهُإِذا اسْتَفْنَهُ يَزْدَدْن نَكْباً على نَكْبِ بأَوجدَ منّي يوم وَلّتْ حُمُولُهمْ ... وقد طَلَعتْ أُولَى الرِّكَابِ من النَّقبِ وكُلُّ مُصيبَاتِ الزَّمانِ رأَيتُها ... سِوَى فُرْقَةِ الأَحبابِ هَيِّنةَ الخَطْبِ وقد قيل في بيت عنترة: بَرَكَتْ علَى ماءِ الرِّداع كأَنّما ... بَرَكَتْ على قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ إِنّه يَصف حَينَها، وإِنّه شَبَّهَ شَجْوَ صَوْتِهَا بالمزاميرِ، وأَراد القَصب الذي يُزْمَرُ به. وقال الراعي يصف الحادِيَ: زَجِل الحُدَاءِ كأَنّ في خَيْشُومِه ... قَصباً ومُقْنِعةَ الحَنِينِ عَجُولاَ المُقْنعُ: الرّافعُ رَأْسَه، في هذا المَوْضِع، وفي غيره: الذِي يَحطّ رأْسَهُ استِخْذاءَ ونَدَماً، قال الله عز وجل " مُقْنِعِي رُؤوسِهم " هو الرّافِع رأْسَه. ؟ في حنين الإبل في سرعتها أَنْشَدَنا أحمدُ بن جعْفَر بن محمَّد قال: أَنشدَنَا جَدّي أَبو العيناء محمّد بن القَاسم قال: أَنشَدَنا الأَصْمَعيّ: إِذا عُقِلَتْ وإِن هي خُلِّيَتْ ... لِتَرْتَعَ لمْ تَرْتَعْ بأَدْنَى المَرَاتِعِ كأَنَّ لَدَيْها سائقاً يَسْتَحِثُّها ... كَفى سائقاً بالشَّوْق بينَ الأَضالَعِ ولإِدريسَ بن أَبي حَفصة نَحْوُ هذا، من قصيدة له في إٍِسحاق بن إبراهيمَ المُصْعَبيّ: لَمَّا أَتَتْكَ وقد كانَتْ مُنَازِعَةً ... دَانَى الرِّضا بينَ أَيدِيها بأَقْيادِ لهَا أَمَامَك نُورٌ تسْتَضِيءُ بهِ ... ومِنْ رَجائِك في أَعْقَابِهَا حَادِي لها أَحادِيثُ مِن ذِكْراكَ يَشْغَلُها ... عَنْ الرُّبوع ويُلْهيها عن الزَّادِ قال لي الصُّوليّ: أَنْشَدتُ هذه الأبياتَ عبد الله بن المعتزِّ فقال أَخذَها من قوْلِ أَخيه مَروانَ الأَكبرِ للمَهْدِيّ: إلى المُصْطَفَى المَهْدِيّ خاضَتْ رِكابُنَادُجَى اللَّيْلِ يَخْبطْن السَّرِيحَ المُخدَّمَا يَكُون لهَا نُورُ الإِمَامِ محمَّدِ ... دَلِيلاً به تَسْرِي إِذا اللَّيْلُ أَظْلَما وأَنشدَ إِسْحَاقُ بنُ إبراهيم لأَعْرَابية: قُلْ لحادِي المَطِيِّ رَفِّعْ قَلِيلا ... تَجْعَلِ العِيسُ سَيْرَهنّ ذَمِيلاَ لا تَقِفْها على السَّبِيلِ ودَعْهَا ... يَهْدِهَا شَوْقُ مَنْ عَلَيْهَا السَّبيلاَ والمشهور من هذا قَوْلُ محمّد بن أَبي محمّد اليزيديّ: يا فرحتِي إِذ صَرَفْنَا أَوْجُهَ الإِبل ... نَحْوَ الأَحِبّةِ بالإِدلاج والعَمَل نَحثُّهُنَّ وما يُؤتَيْن من دَأَبٍ ... لكنَّ للشَّوقِ حثّاً ليسَ للإِبلِ وأَوَّلُ مَن نطق بهَذَا المعنَى عمْرُو بن شَأْسٍ الأَسدِيُّ قال: إِذَا نَحْنُ أَدلجْنا وأَنتَ أَمَامَنا ... كفَى بالمطَايَا ضَوءُ وَجْهِك حادِيَا أَليسَ يَزِيدُ العِيسَ خِفّةَ أَذْرُعٍ ... وإِنْ كُنَّ حسْرَى أَنْ تَكُون أَمامِيَا في النَّواعير وحنينها أنشدت لبعض الأعراب:

ولمّا نَزلْنا الساحليْنٍ تجاوبَتْ ... أبا عرنا لمَّا ازدَهَتْهَا النَّواعيرُ وحنَّتْ نَوَاعيرُ الفُرَاتِ بأرضِهَا ... فلمَّا استحنَّت جاوَبَتْهَا الأبَاعِرُ أبا عرنا بعض الحَنينِ فإنّه ... إلى غَير شيءٍ ما تحِنُّ النَّواعِرُ سِوَى أنّهَا تُشجى الحزينَ الّذي به ... إلى رُؤيةِ الأَحبابِ داءٌ مُخَامِرُ إذا نَحْن أخْفَيْنَا الَّدفينَ الّذي بنَامن الوَجْدِ نَمَّتْهُ الدُّمُوعُ البَوَادِرُ وللمجنون: باتَتْ تَحِنّ وما بها وَجْدُ ... وأحِنُّ من وَجْدٍ إلى نجْدِ فدُموعُهَا تَسقى الرّياضَ بها ... ودُموعُ عَيْنى أَقْرحتْ خَدِّى ولعبد الله ابن مسعود: حَنَنْتُ إليك من شَجْوٍ وحَنَّتْ ... نواعيرُ الفُراتِ لغَيْرِ شجْوِ 123 - ألف خَلَوْنَ من الهَوَى ومُلئْتُ منه ... وليس أخو صَبَابَاتٍ كخلوِ سَقَيْنَ الُحلْو من ثَمَرٍ وتسْقِى ... دُمُوعِى مِن هُمومى غَيْرَ حُلْوِ وله أيضاً: نَزَلْنَا بالفُرّات ضُحًى فحّنَّتْ ... نَوَاعِرُه حَنينَ المُعْوِلاتِ وظلْتُ أحنُّ من شَوْقٍ وليسَتْ ... تحنُّ له نَوَاعِيرُ الفُراتِ وبِتُّ من الصَّبَابَةِ مُستهاماً ... إليك وبِتْنَ مِنْهَا خالياتِ سَوَاءً ما سَقَيْنَ وما جَرَتْهُ ... جُفونى من دُمُوعي الهاطلاتِ وقلت: نَزَلْنَا بأكْنافِ العِرَاق فهيَّجَتْ ... نَواعيرُه أحزانَنا حين حنَّتِ تحِنّ وتَسْقى الرَّوْضَ ريًّا ولم تّذُقْ ... هَوَاىَ الّذي منه دُموعي اسْتَهلَّتِ ولم تَعْرِفِ الشَّوْقَ الّذي في جَوانحي ... ولا حُرّقاً بين الضُّلُوعِ اسْتكنَّتِ ولو عَلِمَتْ ما قَد لَقِيتُ ومُلِّكتْ ... لِسَاناً لبَاحَتْ بالهَوَى وتَشكَّتْ ولعبيد الله بن مسعود: ولمّا استَحَنَّتْ بالفُرَاتِ عَشيَّةً ... نَواعيِرُه كادَ الفؤادُ يَبينُ تَحِنُّ بلا حُزْنٍ وشَوْقٍ أصابَهَا ... وللقَلْبِ من شَوْقٍ إليك حنينُ سوَاءٌ بُكَاءُ العَيْنِ منّىَ والّذي ... بَكَيْنَ ولكنْ ما لَهنَّ عُيُونُ على أّنّني والله قد أَقْرَحَ البُكَا ... جُفوني ولم تُقْرَحْ لهنّ جُفُونُ ولأحمد بن محمّد المصِّيصيّ: وَصَلَتْ نَوَاعيرُ الجِنانِ حنينَها ... فأَذْكَرت الهَوَى أخلاقُها وكأَنّما طَفِقَتْ تُوَاصلُ أَدمُعي ... يَوْمَ النَّوَى وقد انْهمي مُهْراقُها أعجِبْ بأجْسَامٍ بَدَائعَ خالَفَتْ ... فيخَلْقِهَا وتَنكَّرَتْ أخلاقُها أفْواهُها أوْسَاطُها وعُيُونُها ... بجُنوبهِنَّ كثيرةٌ آماقُهَا ولصالحٍ الدَّيلميّ يصف الدُّولاب: ومُسْتَديرٍ بالا رُوحٍ تُدَبِّرُهُ ... يُديرُهُ قُطُبٌ في الأرضِ مَرْكوزُ كأنّه فَلَكٌ تنقَضُّ أنْجُمُهُ ... إذا تَصَوَّبَ من كِيزَانِهَا كُوزُ وللخبّاز البلديّ في دولاتب: يَسُوقُ من جِجْلَةَ الرّوَاءَ له ... سَحَابَةٌ أُنْشِئَتْ من الخَشَبِ نَجُومُ ماءٍ يُديرُها فَلَكٌ ... يكْثُرُ منه تَعَجُّبُ العَجَبِ مُزمْزِمٌ ما يَبينُ مَنْطِقُهُ ... كقائِدِ التُّرْك غدْوةَ الشعبِ يُتْعِبُ جِدًّا مُحصى تَقلُّبِهِ ... وهو مُعَافىً من شِدَّةِ التَّعَبِ ولأبي طالب الحُسين بن عليّ: بمشَعِّرٍ في السَّيْر إلاّ أنّه ... يَسْرِى فيمنعُهُ السُّرَى أن يَبْعُدَا وَصَلَ الحَنينَ بعَبْرةٍ مسفوحةٍ ... حتّى حسبْناهُ مَشوقاً مُكَمَدَا مُسْتَرْفِد ماءَ الفُراتِ ورافدٍ ... وَجْهَ الثَّرَى أكْرِمْ به مُسْتَرْفدا

ينفى الصَّدَى عن رَوْضةٍ نَفَحاتُهَا ... أرَجٌ وبَرْدٌ يَشْفيَانِ من الصَّدَى كَمُلتْ مَحَاسِنُهَا فنَشْرٌ يُرْتَضَى ... وفَوَاكهٌ تُجْنَى وظِلٌ يُرتْدى وله أيضاً: كأنَ دُولابَها إذْ حنَّ مُغْتَرِبٌ ... ناءٍ يَحِنُّ إلى أَوْطَانِه طَربَا باك إذَا عقَّ زَهْرَ الرَّوْضِ وَالدُهُ ... مِن الغمامِ غَدَا فيهِ آباً حَدِبَا مُشمِّرٌ في مَسيرٍ ليس يُبْعِدُهُ ... عن المَحَلِّ ولا يُهْدى له تَعَبَا ما زالَ يَطْلبُ رِفْد البَحْرِ مُجْتهِداً ... للْبَرِّ حتّى ارْتَدى النُّوَّارَ والعُشبَا وللصَّنوبريّ: فلكٌ من الدُّولابِ فيه كَواكبٌ ... من مائِهِ تَنْقَضُّ ساعَةَ تَطْلُعُ مُتَلوِّنُ الأَصْواتِ يَخْفِضُ صَوتَه ... بغِنَائِهِ طَوْراً وطَوْراً يَرْفَعُ أبَداً حنينُ الذِّئْبِ فيه مُرَدَّدٌ ... أبَداً زئيرُ اللَّيْثِ فيه مُرَجَّعُ كم صُوِّبت فيه سُمَاريَّةٌ ... مُوجِفَةٌ كالنِّقْنقِ النّافِرِ ونَعرَتْ بالماءِ ناعورةٌ ... حَنينُهَا كالبَرْبَطِ النَّاعِرِ وتارةً تَحْسبُها قيْنَةً ... تُردِّدُ اللَّحْنَ على زَامِرِ كأنَّما كيزانُهَا أنْجمٌ ... دائرةٌ في فَلَكٍ دائِرِ ويدخل في هذا البات ما جاء في العروب والأرحية فمن ذلك ما أنشدناه أبو القاسم العلويّ لأبي طالب الحسين ابن عليّ الأنطاكيّ: وابْنةِ بَرٍّ لم تَبِنْ عن زُهْدِ أضْحَى بها البَحْرُ قَرِيبَ عَهْدِ تعَافُهُ وهْوَ زُلالُ الوردِ فليْسَ تَحْبُوهُ بصفْوِ الوُدِّ إلاّ برَبْطٍ عندَه وشَدِّ لمّا نَضَتْ مَلاحِفَ الإفرِنْدِ واتَّشحَتْ من الدُّجى ببُرْدِ تَوسَّطَتْ سَكْرَ صَفيحٍ صَلْدِ فأشْبَهَتْ وَاسطَةً في عِقْدِ مُطلَّةً علىرِكَابِ الوَفْدِ كأنّهَا أمُّ النّعامِ الرُّبْدِ عَجَاجُها شَيْبُ بَنِيها المُرْدِ وَاجِدّةٍ بالبَرِّ أيَّ وَجْدِ تذكَّرتْ طِيبَ ثَرَاه الجعْدِ أيّامَ تُغْذَى بجَنىً كالشُّهْدِ ولَمْعِ بَرْقٍ وحَنينِ رَعْدِ فَهْيَ تُعيدُ أَنَّةً وتُبْدِي كما يَئنُّ مُوثَقٌ في العِدِّ لولا امْتِدَادُ الطُّنُب المُمْتَدِّ لشَمَّرَتْ تَشمِيرَ ذاتِ الجِدِّ فصافَحَتْ خَدَّ الثَّرَى بخَدِّ وأنشدني للحلبيّ: ويا نغم العُرُوبِ إذا تَوَالتْ ... فوَالَتْ بيْنَ طِيبِ النَّغْمَتَيْنِ وَموْفِفُنا بصَفَّيْهَا كأنَّا ... لدَى صَفَّيْ نعَامٍ وَاقِعَيْنِ طُيُورٌ وَاقِعَاتٌ طائِرَاتٌ ... فيَالكَ مَنْظَراً ذا مَنْظَرَيْنِ بأجْنِحَةٍ لهَا في الصَّحُو نَوْءٌ ... يُقَصِّرُ عنه نوْءُ المِرْزَمَينِ ويذكر فيها السُّفُن فيقول: ويا سُفَنَ الفُرَاتِ بحَيْث تَهْوِى ... هُوِىَّ الطَّيْرِ بينَ الجَلْهَتَينِ تَطَارَدُ مُقْبِلاتٍ مُدبِرَاتٍ ... على عَجَلٍ تَطارُدَ عَسْكَرَينِ وأنشدني للأنطاكيِّ من قصيدة: وللمَاءِ مِن حَولِنا ضَجَّةٌ ... إذا المَاءُ كافحَ تلك العُرُوبَا حِبَالٌ تُؤَلِّفُها حِكْمةٌ ... فتَنْحُو البِحَارَ بها لا السُّهُوبَا تُقَابِلُنا في قميصِ الدُّجَى ... إذا الأفْقُ أصبح منه سليبَا حَيَازيمُها الدَّهْرَ منْصُوبةٌ ... تُعانِقُ للمَاءِ وَفْداً غَريبَا عَجِبْتُ لهَا شاحِبَاتِ الخُدو ... دِ لمْ يُذْهِبِ الرِّىُّ عنْهَا الشُّحُوبَا إذا ما هَممنَا بغشْيَانها ... رَكِبْنا لَها وَلَداً أو نَسِيبَا يُجاوِرُها كُلُّ سَاعٍ يُرَى ... وإنْ جَدَّ في السَّيْرِ منها قَرِيبَا

في البحر والمراكب والسفن

خَلِىُّ الفُؤادِ ولكنَّهُ ... يحِنُّ فيُشْجِى الفُؤَادَ الطُّروبَا وله أيضاً: وزنْجِيَّةٍ عُرِفَتْ بالإباقِ ... فلَيْسَ لها رَاحَةٌ من وَثَاقِ إذا اضطربَ الماءُ مِنْ حَوْلها ... رأيْتَ الحِبَالَ بها في تَلاقِ يَثُورُ بهَا قَسْطَلٌ أبيضٌ ... على القوْمِ غَيْرُ كَيِيفِ الرّوَاق فأبْناؤُها المُرْدُ شِيبُ الرُّؤوِس ... وأبْنَاؤهَا السُّودُ بِيضُ التَّراقِي رَكِبْنا إليه غَدَاةَ الصَّبُوحِ ... مَطَايَا تَخبُّ كدُهْمِ العِتَاقِ فظِلْنا نُمِيتُ لَدَيْهَا الزِّقَاقَ ... إلى أنْ حَيِينَا بمَوْتِ الزِّقَاقِ وله أيضاً: وسَوْدَاءَ آبِقَةٍ قُيِّدَتْ ... فَمِنْ كُلِّ وَجْهٍ لها حَابِلُ تَوَسَّطَتِ البحْرَ حتَّى نَأَى ... علَى مَن أَقامَ بها السَّاحِلُ وحَنَّتْ إلى البَرِّ مُشْتقاقةً ... إليه كمَا حَنَّتِ الثاكِلُ ودارَ لها فَلَكٌ خارجٌ ... يَدُورُ بِهِ فَلَكٌ دَاخِلُ فسُكَّانُهَا الدَّهْرَ من نَقْعِها ... شَبَابٌ وشَيْبُهُم شامِلُ إذَا رَامَهَا فارِسٌ نَالَهَا ... ويعَعْجِزُ عن نَيْلِهَا الرَّاجِلُ وله أيضاً: وقَوَاطِناً في المَاءِ تَحْسَبُ أَنَّهَا ... شُمُّ الهِضَابِ لَبِسنَ لَيْلاً أَرْبَدَا مِثْلُ الإماءِ السُّودِ خافَ إباقَها ... مَوْلًىفشَدَّ وَثَاقَها وتَشَدَّدَا تَصَبَتْ حَيازِيماً لها مشْعوفَةً ... بالمَاءِ تَمنَحُهُ عِنَاقاً سَرْمَدَا لم تَخْلُ من زَوْرٍ يُشَاهِدُ مَعْرَكاً ... ذا قَسْطَلٍ فيَشِيبُ فيه أمْرَدا بِدَعٌ إذَا ما الفِكْرُ حَاوَلَ وَصْفَها ... يَوْماً تَحيَّرَ دُونَهَا وتَبلَّدَا قال أبو القاسم: وكنّا مع أبي طالب على شربٍ، إلى جانب رحى على نهر الأرند، وهو النهر المقلوب، فقلت له: هل تعرف في الرَّحى شيئاً؟ قال: لا، ولكنّي أعمل السَّاعة، فعمل: ومَنْزِلٍ رَقَّ به الهَواءُ وطَابَ للشَّرْبِ به الثَّوَاءُ بَنِيَّةٌ ما حَوْلَهَها بِنَاءُ كمَا أُقِيمَ في يَدِ إنَاءُ تَرْكُضُ فيه فَرَسٌ دَهْمَاءُ تَكْنُفُهَا عَجَاجَةٌ بَيْضَاءُ تَجْرِى وإِنْ أَعوزَهَا الفَضَاءُ مَيْدَانُهَا وجِسْمُهَا سَوَاءُ يَحْفِزُها جَارٍ له ضَوْضَاءُ كِلاهُمَا لمَعْشَرٍ نَمَاءُ يَوْمُ سُرُورٍ مابِه خَفَاءُ ولَيْلَةٌ مُسْفِرةٌ غَرَّاءُ رَحَاؤُها إنْ دَرَجَتْ رَحَاءُ تَبْرُدُ مِن نَسِيمِها الأَحْشَاءُ غُرَّةُ دَهْرٍ كُلُّه ظَلْمَاءُ في البحر والمراكب والسُّفن كتب عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص: إنّي أريد أن أغزي جيشاً من المسلمين البحر، فأخبرني عنه. فكتب إليه: إنّ البحر خلق عظيم، يركبه خلق ضعيف، دود على عود إن يمسكوا يفرقوا، وإن يصرعوا يغرقوا. فقال عمر: لا أحمل فيه مسلماً كارهاً أبداً. ولعمر بن برَّاقة: ألاَهَلْ للهُمومِ من انْفِرَاجِ ... وهَلْ لِي من رُكُوبِ البَحْرِ ناجِي أَكلَّ عَشِيَّةٍ زَورَاءُ تَهْوِى ... بِنَا في مُظْلِمِ الغَمَرَاتِ ساجِى يشُقُّ المَاءَ كَلْكَلُها مُلِحَّاً ... علَى ثَبَجٍ من المَاءِ الأُجَاجِ كأنّ تَتَابُعَ الأَمْواج فِيه ... نِعَاجٌ يَرْتَعِينَ إلى نِعَاجِ ومثل هذا أبي مهديٍّ: أَشْرِفْ إلى البَحرِ تَرَى عُكَاشَا ماءً تَرَى حِيتَانَهُ عِطَاشَا يَرْتَعِشُ النَّبْتُ به ارْتعاشا إذا علاَ تَيَّارُهُ وجَاشَا وجَاحَشَتْ أمواجُهُ جِحَاشا قُلْتَ كِبَاشٌ نَاطَحَتْ كِبَاشَا ولأعرابي أغزاه الأسود بن بلالٍ في البحر:

أقُولُ وقد راحَ السَّفِينُ مُلَجِّجاً ... وقد بَعُدتْ بعْدَ التَّفرُّقِ دُورُ وقد عَصَفَتْ ريحٌ من الموت قاصِفٌ ... وللْبَحْرِ مِنْ تَحْتِ السَّفينِ هَدِيرُ ألاَ ليتَ أَجْرِى والعطاءَ صَفَا لكم ... وحَظِّى حَطُوطٌ في الزِّمَام وكُورُ فلِلّه رَأْىٌ قادَنِى لسفينَةٍ ... وأَخضَرَ مَوَّارِ السَّرَابِ يَمُورُ تَرَى مَتْنَه سَهْلاً إذا الرِّيحُ أَقلَعتْ ... فإنْ عَصَفَتْ فالسَّهْلُ منه وُعُورُ ومن حسن ما قيل في ذلك قول مسلم بن الوليد الخزرجي: ومُلْتطِمِ الأَمْوَاج يَرْمِى عُبَابُهُ ... بجَرْجَرَةِ الآذىّ للعِبْرِ والعِبْرِ مُطعَّمة حِتانُه ما يَهُمُّهَا ... مآكلُ زادٍ من غَرِيقٍ ومن كَسْرِ إذا أَعنَقَتْ فيها الشَّمَالُ تكفَّأَتْ ... جَوَارِيه أو قامَتْ مع الرِّيح لا تَجْرِى كأنّ مَدَبَّ الرّيحِ في جَنْبَاتهَا ... مَدَبُّ الصَّبَا بين الرّغابِ من العُفْر كَشفتُ أَهاوِيلَ الدُّجَى عن مَهُولةٍ ... بجَارِيةٍ مَحْمُولةٍ حَاملٍ بِكْرِ لَطَمْتُ بخَدَّيها الحَبَابَ فأَصْبَحَتْ ... مُوَقَّفةَ الدَّايَاتِ مَرْثُومةَ النَّحْرِ إذا أقبلَتْ رَاعَتْ بقُنَّةِ قَرْهَبٍ ... وإنْ أَدْبرَتْ رَاقَتْ بقَادِمَتَىْ نَسْرِ تَجافَى بها البُوصِىُّ حتَّى كأنَّها ... تَسِيرُ من الإشفاق في جَبلٍ وَعْرِ فحَامتْ وَجِيفاً ثمَّ مَرَّتْ كأنَّهَا ... عُقابٌ تَدَلَّتْ من هُوِىٍّ إلى وَكْرِ هذا البيت مأخوذ من قول الأخطل في فرسٍ: فظَلَّ يُفَدِّيها وظَلَّتْ كأنَّهَا ... عُقَابٌ دَعاهَا جُنْحُ لَيْلٍ إلى وَكُرِ أنَافَ بهادِيها ومَدَّ زِمَامَها ... شَديدُ عِلاَجِ الكَفّ مُعتمِلُ الظَّهْرِ إذَا ما عَصَتْ أرخَى جَرِيرٌ لرَأْسها ... فمَلَّكها عِصْيانَها وهْي لا تدْرِي كأنّ الصَّبَا تَحْكِى بها حينَ وَاجَهتْ ... نَسِيمَ الصَّبَامَشْىَ العَرُوسِ إلى الخِدْرِ وقال الوليد بن عبيد في أحمد بن دينارِ: ولمَّا تَولَّى البَحْرَ والجُودُ صِنْوُهُ ... غَدَا البَحْرُ من أَخْلاقِه بَيْن أَبْحُرِ غدَوْتَ على الميمون صُبْحاً وإنّما ... غَدَا المَرْكبُ الميمونُ تحتَ المظفَّرِ أظلَّ بعِطْفَيْهِ ومَرَّ كأنَّمَا ... تَشوَّفُ من هَادِى حِصَانٍ مُشهَّرِ إذا زمْجرَ النُّوتِىُّ فوْق عَلاَتِهِ ... رأيْتَ خَطِيباً في ذُؤابَةِ مِنْبَرِ إذا عَصفَتْ فيه الجَنُوبُ اعْتَلَى له ... جَناحَا عُقَابٍ في السَّمَاءِ مُهَجَّرِ إذَا ما انْكفَى في هَبْوَةِ المَاءِ خِلْتَه ... تَلفَّعَ في أَنْنَاء بُرْدٍ مُحَبَّرِ وحَوْلك رَكّابونَ للهوْلِ عَاقَرُوا ... كُؤوسَ الرَّدَى من دَارِعِينَ وحُسَّرِ يَسُوقُونَ أُصطولاً كأَنَّ سَفِينَهُ ... سَحائبُ صَيْفٍ من جَهَامٍ ومُمْطِرِ كأنّ ضَجِيجَ البَحْرِ بين رِمَاحهمْ ... إذا اخْتَلَفتْ تَرْجِيعُ عَوْدٍ مُجَرْجِرِ وقول المَرْيَمِىِّ: أحسنُ ما قيل 128 الف في السُّفُن والمَراكِب: لمْ نزَلْ مُشفِقِين مُذْ قِيلَ سارتْ ... بك دُهْمٌ قَلِيلَةُ الأَوْضاحِ كلُّ مَبْطُوحَةٍ خَلَتْ من شَوًى عَبْ ... لٍ ومِن حافرٍ أَقَبَّ وقَاحِ أَصْلُها البَرُّ وهي ساكنةٌ في ال ... بَحْرِ سُكْنَى إقَامةٍ لابَرَاحِ هيَ في المَاءِ وهْي صِفْرٌ من الما ... ءِ سِوى نَضْجِ مَوْجِهَا النَّضَّاحِ وإذَا أُوقِرَتْ فذاتُ وَقَارٍ ... وإذا أُخْلِيَتْ فذَاتُ مرَاحٍ

وإذا ما انْثنتْ ولم يَسمَحِ الها ... دِى ثَنَاهُ الحادِى إلا الإِجماحِ وتَرَاها في اللُّجِّ ذاتَ جنَاحَيْ ... نِ وإنْ لم تَكنْ بذَات جَنَاحِ مِن مَطَايَا لا يَغْتدين ولا يَسْ ... أَمْنَ كَدَّ البُكُورِ بَعْدَ الرَّوَاحِ مُنْشَآتٍ من الجَوَارِى اللَّوَاتِى ... لَسْنَ في صَنْعهِ الجَوَارِى المِلاَحِ تالِداتٍ مُولَّدَاتٍ بلا حِ ... لّ نِكاحٍ ولا حَرَامِ سِفَاحِ لا من البِيض بل من السُّودِ ألْوَا ... ناً ذَوَاتِ الأَلْواحِ لا الأَرْوَاحِ جارِيَاتٍ مع الرِّياح وطَوْراً ... كاسِرَاتٍ بالجَرْىِ حَدّ الرِّيَاحِ سارياتٍ لا يَشتكين سُرَى اللَّي ... لِ ولا يرتَقِبْنَ ضَوْءَ الصّباحِ ساكِنَاتٍ لا خُضُوعِ سُكُونٍ ... جامحاتٍ لا اعْترامِ جِمَاحِ سابِحَاتٍ في كُلِّ طامٍ عَمِيقٍ ... يتَّقِيهِ مُقَحّمُو السُّبّاحِ لا يَخَفْنَ الغِمَارَ يُقْذَفْن فيها ... ويَخَفْنَ المُرُورَ بالضَحْضاحِ إنْ صَدَمْنَ الحَصَى عَطِبْن ولا يَعْ ... طَبْن إمَّا صَدَمْنَ حَدَّ الرِّمَاحٍ ما رأى الناسُ من قُصُورٍ على الما ... ءِ سِوَاهَا تَمُرُّ مَرَّ القِدَاحِ يَتَسَبْسَبْنَ كالأَساوِدِ في الخِ - فَّةِ لا في مَقَادِرِ الأَشباحِ وإذَا ما تَقَابَلَتْ قُلتَ سُودٌ ... من كِبَاشٍ تَقَابلَتْ للِنِّطاحِ شُرْعُها البِيضُ كالغَمَامَاتِ في الصَّيْ ... يْف ضحَاحاً منها وغير ضحَاحِ كم مُدِلٍّ بالمال والنَّفْسِ حَيْر ... انَ فقيرٍ فيها إلى المَلاّحِ هو فَسْلٌ وربّمَا كافَحَ الفَسْ ... لُ وُجُوهَ الرَّدَى أشدَّ كِفَاحِ قائِدٌ جُنْدُهُ لَهُمْ أَدَواتٌ ... نَفْعُهَا ثَمَّ فَوْقَ نَفْعِ السِّلاحِ فإذا البَحْرُ صالَ صالُولا عليه ... بمَوَاضٍ تَمْضيِ بغَيْر جِرَاحِ يُكْثِرُون الصِّياحَ حتى كأنَّ السُّ ... فْنَ تَجْرِى مِن خَوْفِ ذَاك الصِّيَاحِ ولأبي نواس الحسن بن هانىءٍ: بُنِنَتْ علَى قَدْرٍ ولاَءَمَ بينَها ... طَبَقان من قِيرٍ ومن ألْواحِ فكأنَّهَا والماءُ يَنْطِحُ صَدْرَها ... والخَيْزُرانةُ في يَدش المَلاّحِ جَونٌ من العِقْبَانِ تَبْتدِرُ الدُّجَى ... تَهْوِى بصَوْتٍ واصْطفاقِ جَنَاحِ ولقيس بن الجهم: أُجالِدُ صَفَّهم ولقد أرَاني ... على زَوْرَاءَ تَسجُدُ للرّياحِ إذا قَطعَتْ برَاكِبها خَلِيجاً ... تّذكَّرَ ما عليه من جُنَاح يقول: أنا اليوم أجالد صفَّهم، ولقد كنت على حالٍ غير هذه. زوراء تسجد للرّياح يعنى السفينة تطيع الرِّيح حيث مالت بها، فإذا سارت تذكَّر راكبها ذنوبه خوفاً أن يدركه الغرق. وللحسين بن الضحّاك: رَحَلْنَا غَرَابِيبَ زَيّافةً ... بدِجْلَة في مَوْجِهَا المُلْتَطمْ سَوَابِحَ أيْقَنَّ أن لا قَرا ... ر دُون مُبَارَكةِ المُعْتصِمْ ولغيره: إنّا إليك اقْتَرَعْنَا كلَّ جارِيةٍ ... مِثْل الدُّجَى في الدُّجَى لا تشتكِي أَلَمَا بِكْرٍ بُعُولَتُهَا أبناؤُنَا وإذا ... ما حُصِّلوا لم تَجِدْ قُرْبَى ولا رَحِمَا سَحْمَاءَ مَلْطومَةِ الخَدَّين تَلْطِمُها ... أَيْدي غَوَاربِ طَامٍ ظَلَّ مُلْتَطِمَا مُقَوَّمَاتِ الهَوَادِى مِنْ خَوَالِفها ... تُغْنَى بأثْفَارها أَنْ تَعْلُكَ اللُّجُمَا برَاكِبٍ قائدٍ مِيلٍ لسائِقِها ... إذا انْتَشَى الرِّيحَ سارَتْ تَحْتَه قُدُمَا

بأجْنِحَاتٍ عِدَادٍ لا نُهوضَ بها ... لأَنْ تُجَارِى عُقَاباً لاّ ولاّ رَخَمَا ولعليّ بن جيلة: ومُغْلَولِبِ الآذىّ يَسْمُو لمدِّه ... غَوَارِبُ فيها المَوتُ بالمَوْتِ يَرْتَمِى كأنَّ اعتلاجَ الماءِ في حَجَراتِها ... تَرَاطُنُ عُجْمٍ رَجَّعتْ بالتَّطَمَطُمِ مَطَوْنَا على أَقْرَابِهِ جَرْمَقِيَّةً ... بَعِيدَاتِ قُرْبَى مِن جَدِيلٍ وشَدْقَمِ من الدُّهْم لم تُنتَجْ لأُمٍّ ولا أبٍ ... ولا تَشتِكي أَيْنَ السُّرَى والتَّجَشُّمِ مُوَكَّدةُ الأَسْماعِ لا يَستحِثُّهَا ... بزَجْرٍ ولا يَرْتَاحُها بالتَّرنُّمِ إذَا ما المطَايَا قُوِّمتْ مِن رُؤُوسها ... فأَذْنَابُهَا منها هُدىً للِتَّقَوُّمِ تَسِير إذَاسَارَت بأرْوَاحِ غيرِها ... مُركَّبَةً ي غَيْر لحْمٍ ولادَمِ يُسَابِق لَحْظَ العَيْنِ أفْتَرُ سَيْرِهَا ... ولا تُقْتَفَى آثَارُهَا بالتَّرَسُّم نَوَاجٍ إذاكَفْكَفْنَ ذَرْعَ بَطِيحةٍ ... رَدَدْنَ شَبَا آذِيِّهَا المُتَعجّمِ بأجْنِحَةٍ قَدْ رُكِّبتْ في رُؤوسِهَا ... مُرَنَّقَةٍ كالمَضْرَحِىِّ المُدَوِّمِ يَمُرُّ هُوِىَّ الرِّيح تَحْسبَ شَقَّها ... بحَيْزُومِهَا في الماءِ مُنْسَابَ أرْقَمِ تَرَامى بها الأمواجُ وهي تَصُكُّها ... برَأْسٍ يُفَرِّى هامَةَ المَوْج صِلْدِمِ كأنَّا وقدْ دَارَتء بنا الرّيحُ تَحتَها ... مَتَايِيهُ في دَاجٍ من اللّيلِ مُظلِم ولعبد الصَّمد بن المُعذَّل: وضَمَّنتُها كعُقَابِ الظَّلا ... مِ جَوْنضةَ فُلْكٍ بها تَرْفُلُ فلاَحَتْ بدِجْلَةَ مُرْقَدَّةً ... كما ذُعِرَ النِّقْيِقُ المُجْفِلُ وكادَ يُطَيِّرُها بالفَضَاءِ ... شِرَاعٌ مَرَتْ دَرَّهُ الأَحْبُلُ كأنَّ هَمَاهِمَ حَيْزُومِهَا ... هَدِيرُ القُرُومِ بها أَفْكَلُ إذا البَغْىُ أَعندَها في المَسير ... تَلاَقَى بها قُلَّبٌ حُوَّلُ يُقَوِّمُها جَوْرُ سُكّانِها ... إذا هِىَ عن قَصْدِهَا تَعْدِلُ فأَقْضى بها مَتْنُ مُغْرَوربٍ ... يُسَامِى غَوَارِبَهُ أَشْكَلُ كأنّ تَلاطُمَ آذِيِّهِ ... رِيَاطٌ لها هُدبٌ مُخْمَلُ ولغيره: إِليك جالَتْ بنا مُضَبّرةٌ ... لا دَمَثٌ شَفَّها ولا جَبَلُ لم تَشْكُ أَيْنَ السُّرَى وقد جَهِدَتْ ... ولم تّذِلَها الرِّحالُ والجّدُلُ تُقيمُ أَدبارُها قَوَادِمَها ... ليسَ لها من أَمامِها قُبُلُ تِستنطِقُ الماءَ في جَوَانِبِها ... عن نَغَمات لُغَاتُهَا شُكَلُ هِبِلَّةٌ سَوْطُهَا الحِرَانُ من السِّي ... سرَةِ لولا الشِّرَاعُ والدَّقَلُ ولأبي الشيص: وبَحْرٍ يَحارُ الطَّرْفُ منه قَطعتُهُ ... بمَهْنُوءَةٍ من غير عرٍّ ولا جَرَبْ مُوَثَّقةِ الأَلْواحِ لم يُدْمِ مَتْنَها ... ولا صَفحتَيهَا عضُّ رَحْلٍ ولا قَتَبْ مقَيّلَةٍ لا تَشتْكي الأدين والوجى ... ولا تشتكي عَضَّ النُّسُوعِ ولا الدَّأبْ يَشُقّ خَريرَ الماءِ حَدُّ جرائها ... إذا ما تَفَرَّى عن مَنَاكِبها الحَبَبْ إذا اعْتَلَجَتْ والرِّيحُ في بَطْنِ لُجِّةٍ ... رَأيْتَ عَجَاجَ الموتِ من خَوفِها يَثِبْ ولأحمد بن أبي طاهر: إلى أبي أَحْمَدٍ أَعمَلتُ راحِلةً ... لا تَشْتَكي الأَيْنَ من حَلٍّ ومن رِحلِ تَسْرِى بمُلْتَطِمِ الأَمْوَاج تَحْسبه ... من هَوْلِه جَبَلاً يَعلو على جبَلِ

باب

كأنّ راكبها إِذْ جَدَّ مُرتَحِلاً ... بالسَّيْرِ منها مُقِيٌ غيرُ مُرتَحِلِ لِجامُهَا في يَدِ النُّوتِىِّ من دُبُرٍ ... مُقَوِّمٌ زَيْغَها والمَيْلَ من قُبُلِ ما زَال سائقُهَا يَجْرِى على مَهَلٍ ... جَرْياً يَفوتُ اجْتِهَادَ الخَيْلِ والإبِلِ حتّى تَناهضتْ إلى حَيْثُ انْتهَى شَرَفُ الدُّ ... نْيَا وأَشْرَفَ بَاغِيها على الأَمَلِ وأيضاً: مُخضْرَمةُ الجنْبيْن صادِقةُ السُّرى ... تُراقِبُ من ذي الرَّكْبِ ما لا يُراقبُهْ تكادُ نُفُوسُ القَوْم تَجرِى يِجَرْيِهَا ... إذا غَالَبتْ من مَوْجه ما تُغَالِبُهْ يَصُدُّ حبابَ الماء عن جَنَباتها ... إذا البحرُ ساحَتْ في السَّفينِ مَراكبُه وللحسين بن الضَّحّاك: إلى سُرَّ مَن رَا والمصِيف وظِلِّه ... دأبْنَا وأَدْأَبْنا السَّفِينَ المُقَيَّرَا تُكَابِدُ أنفاسَ الهَجِير رَوَائحاً ... وتَخْطُر في بُرْدٍ من اللَّيْلِ أخضَرَا إذَا ما استخَفَّتْهَا الرِّيَاحُ حَسِبْتَهَانُسُوراً تَلَتْ في لاَمِعِ اللِّيْلِ أَنْسُرَا تُقِيمُ على قَصْدِ الطَّرِيق صُدُورَها ... شَكَائِم في الأذنابِ ساجاً وعَرْعَرَا وللعباسيّ: زنْجِيَّةٍ كُرْديَّةِ الحَلْىِ فَوْقَها ... جَنَاحٌ لها فَرْدٌ على الماءِ يَخْفُقُ يُؤَدِّبُها أولادُهَا بعِصِيِّهِمْ ... فَتُحْبَسُ قَسْراً كيف شاءُوا وتُطْلَقُ وله في سماريَّة: كأنّي حِينَ تَعْتَذرُ المَطَايَا ... على فَتْخَاءَ نَاشِرَةٍ جَنَاحَا بخَرْقٍ تَقْصُرُ الأَلْحاظُ عنه ... بَعِيدِ المَاءِ يَبْتَلِعُ الرِّيَاحَا ولبعض المحدثين في سماريّات: والماءُ تهوِى تارةً ... فيه سَفائِنُهُ وتصْعَدْ فكأنَّهنَ عَقاربٌ ... دّبَّت على صَرْحٍ مُمرَّدْ وممّا يدخل في هذا الباب قول محمّد بن أبي عينية يصف البصرة وهي تجمع البرَّ والبحر: يا جَنَّةً فاتَتِ الجِنَان فما ... تَبلُغُها قيمةٌ ولا ثَمنُ ألِفتُها فاتَّخذْتها وَطَناً ... إنَّ فؤادى لحُسْنها وَطَنُ زُوِّج حِتانُها الضِّبَابَ بها ... فهذه كَنَّةٌ وذا خَتَنُ فانْظُرْ وفَكِّرْ فيما تُطِيف به ... إنّ الأديبَ المفكِّرُ الفَطِنُ من سُفُنٍ كالنَّعَام مُقْبِلةٍ ... ومن نَعامٍ كأنَّه سُفُنُ ويدخل في هذا الباب قول عليّ بن العبّاس: ولم أتَعلَّمْ قَطُّ من ذي سِبَاحةٍ ... سِوَى الغَوْصِ والمضعوفُ غيرُ مُغالِبِ ولِمْ لا ولَوْ أُلْقيِتُ فيها وصَخْرةً ... لَوَافَيْتُ منها القَعْرَ أوَّلَ رَاسِبِ وأَيْسَرُ إِشْفَاقي من الماءِ أنّني ... أَمُرُ به في الكُوزِ مَرَّ المُجَانِبِ وأخَشْىَ الرَّدَى منه على كلّ شارِبٍ ... فكيفَ بأمْنِيهِ على كُلّ رَاكِبِ وقد ألمَّ عليٌّ في هذا المعنى بقول أبي نواس، وهو ماحدَّثنا به محمّد به يحيى قال: حدَّثنى عليُّ بن سراجٍ، عن أبي وائلٍ اللَّخميَ قال: حدَّثني إبراهيم بن الخصيب قال: وقف أبو نواسٍ بمصر على النِّيل، فرأى رجلاً قد أخذه التِّمساح فقال: أَضْمرتُ للنِّيل هِجْرَاناً ومَقْلِيَةً ... إذ قيل لِي إنّما التِّمساحُ في النِّيلِ فمَنْ رَأَى النيلَ رَأْىَ العَيْنِ من كَثَبٍ ... فمَا أرَى النِّيلَ إلاّ في البَوَاقِيلِ البَوَاقِيل: الكِيزانُ، واحدها بُوقَالٌ. باب في الرِّياع والمنازل والأطلال وذكر السَّراب والآل

في هذا الباب ذكر منازل الأحباب وديارهم وأطلالهم وآثارهم، ومن وقف على آثار ديار أحبابه فعرفها أو شكّ فيها، وذكر من هيَّجته الرُّسوم فبكى بدمعه السَّجوم، حين عاين آثار أحبابه بعد الفراق، فتذكَّر أيّامهم وحنَّ واشتاق، وخاطب الدّار، وبكى على ما عفا من الآثار، إلى غير ذلك من ذكر السَّراب والآل، إن شاء الله. قال أبو بكر محّمد بن الحسن: من أحسن ما خوطبت به الدّيار قول عدىّ بن الرِّقاع: فسُقيتِ من دارٍ، وإِن لم تَسمَعِى ... أَصواتَنا، صَوْبَ الرَّبِيع المُسْبِلِ ورُعِيتِ من دارٍ وإِن لم تَنْطِقِى ... بجَوَابِ حاجِتنا وإِن لم تَعْقِلىِ قد كَانَ أَهْلُكِ مَرّةً لك زِينَةً ... فتَبَدَّلوا بَدَلاً ولم تَسْتَبْدِلىِ فابْكِى إِذَا بَكَتِ المنَازلُ أَهلَها ... مَعْذورَةً وظَلَمْتِ إِن لم تَفعَلِى ولأبي المشيَّع جبر بن خالد بن عقبة بن سلمة بن بعمرو بن الأكوع: أمَنْزِلَتَىْ جُمْلٍ سلامٌ عليكما ... وإِن هِجْتما شَوقاً ولم تَنْفَعَا صَبَّا يُبَرّحُ بي أَلاّ أَزالَ أَراكمُا ... فيغصبُنِى لُبِّى الهَوَى منكما غَصْبَا أَلاَ طالَما هَيَّجْتُمَا بُرَح الهَوَى ... بقَلْبٍ سَقيمٍ لم يُطِق للنَّوَى شَعْبَا ولمكنف بن ثميلة من ولد زهير بن أبي سلمى: حَتَّى متَى أَنا بالدِّيارِ تَبِيلُ ... وجَدَى الدِّيَارِ ونَفْعُهُنّ قَلِيلُ هَاجَتْ بذِى بَقَرٍ عليك صَبَابَةً ... دِمَنُ الدِّيَار ورَسْمُهنّ مُحِيلُ إنّ المَنَازِلَ لا تَزالُ على البِلَى ... بالطَّلْحِ تَشْعَفُنى لهنّ طُلولُ فسَقَى بذِى بَقَرٍ دِيَارَكِ مُسْبِلٌ ... هَزِمٌ يَجود عِرَاصَهَا ويَسِيلُ ولغيره: ذَكَّرَنِى وَادِى الأَرَاكِ المُجدِبُ عَهْدَ صِبىً فيه لَسَلْمَى مَلْعَبُ وَهْوَ بعُمْرَانِ الجَميعِ مُخصِبُ يَطِيبُ فيه عَيْشُهُم ويَعْذُبُ فأخرَبَ العامِرَ دَهْرٌ مُخرِبُ فالشَّكُّ فيه لليَقيِن يَحْجُبُ يَبْعُدُ في ظَنٍّ به ويَقْرُبُ مُصَدِّقٌ قَلْبِى وطَرْفِى مُكذِبُ وهذا ممَّن عرف دياره وديار أحبابه بقلبه، وأنكره طرفه لتغيُّره، وأوّل من نطق بهذا المعنى امرؤ القيس. حدَّثني عليُّ بن الصَّبَّاح ورَّاق أبي محلّمٍ، قال أبو محلّم: أتعرف لامرىء القيس أبياتاً سينيَّةً قالها عند موته في قروحه والحلَّة المسمومة التي ألبسها غير أبياته ال أوَّلها: ألما على القديم بعسعساه فقلت: لا أعرف غيرها فقال يلى أنشدي جمامة من الرواة: لِمَن طَلَلٌ دَرَسَتْ آيُهُ ... وغيَّرهُ سالفُ الأحْرُسِ تنكَّرهُ العَنْنُ من حادثٍ ... ويَعرِفُه شَعَفُ الأَنْفُسِ فهذا المعنى الذي ابتدأه امرؤ القيس، وأحسن كلَّ الإحسان فيه، وجاء به المحدث في أبياته الرَّجز التي ذكرتها، وأنا أذكر أبيات امرىء القيس لأنّها غريبة حسنة ثم أعود إلى ذكر من أخذ منه هذا المعنى: فإمّا تَرَيْنِىَ بي عَرَّةٌ ... كأَنِّي نَكيِبُ من النِّقْرِسِ وصَيَّرني القَرْحُ في جُبَّةٍ ... تُخالُ لَبِيساً ولم تُلْبَسِ تَرَىْ أَثَرَ العَرّ في جلدْتى ... كما تَرْقُمُ الكَفّ في الأَطْرُسِ وتُنْقُش فيه على نكْأةٍ ... كما ينقشُ الخَتْمُ في الجِرجسِ فياربَّ يوم أجرِّع فيه المنيّة من شئت بالأكؤس الجرجس طين الختم، والجرجسانة الطِّينة منه والجرجس من البقّ يقال له: القرقس، فأخذ طريح بن إسماعيل الثَّقفىُّ قوله: تنكَّرُهُ العينُ من حَادثٍ ... ويَعرفُهُ شَعَفُ الأَنفُسِ وقال: يَسْتَخْبِرُ الدِّمنَ القِفَار ولم تكن ... لِتَرُدَّ أَخْبَاراً على مُسْتَخبرِ فظَللْتَ تَحْكُم بين قَلْب عارِفٍ ... مَعْنَى أَحِبَّتِهِ وطَرْفٍ مُنكِرِ فأخذه أبو نواس فقال إلاّ أنّه قلبه فجعل الإنكار للقلب:

أَلاَ لاَ أرَى مثْلي امْتَرَى اليوْمَ في رَسْمِ ... تَعرَّفُهُ عَيْنى ويَلفِظُهوَهْمِىَ ولو كان تنكره عينى ويعرفه وهمي لكان كالأوّل، ولعلّ أبا نواس قصد الخلاف وأعجبه قوله ويلفظه وهمي لأنّها لفظةٌ مليحةٌ، وقد تملَّح الحسن بن وهب بهذا المعنى إلاّ أنّه أجمله ولم يذكر القلب، من قصيدة: أَبْلَيْت جِسْمِى من بَعدِ جِدَّته ... فما تكَادُ العُيُونُ تُبصِرُهُ كأَنَّه رَسْمُ مَنزلٍ خَلَقٍ ... تَعْرِفُه العينُ ثمّ تُنْكِرُهُ وزعم يحيى بن منصور الذُّهليّ أنّه عرف معاهد أحبابه فكتمها عينه فقال: أَما يَتَفيق القَلْبُ إلاّ انْبَرَى له ... تَذكُّرُ صَيْف من سُعَادَ ومَرْبَعِ أُخَادِعُ عَنْ عِرْفَانِهَا العَيْنَ إِننّيمَتَى تَعْرِفِ الأَطْلاَلَ عَيْنِىَ تَدْمَعِ وقال غيره: هي الدارُ التي تَعْرِ ... فُ أَو لاّ تَعْرِفُ الدَّارَا تَرَى فيها لأَحبابِ ... ك أَعلاماً وآثارَا فيُبْدِى القَلْبُ عِرْفاناً ... ويُبدِى الطَّرْفُ إنْكارَا ولربيعة بن مقروم: أَمِنْ آلِ هِنْدٍ عَرفْتَ الرُّسُومَا ... بحُمْرَان قَفْراً أَبَتْ أَن تَرِيمَا تَخَالُ مَعَارِفَهَا، بعدَما ... أَتَتْ سَنَتَانِ عليها، الوُشُومَا وقَفْتُ أُسَائلُهَا ناقَتي ... ومَاذَا يَرُدُّ سُؤالي الرُّسومَا وذَكَّرَني العَهْدَ آياتُهَا ... فهَاجَ التَّذَكُّرُ قَلْباً سٌقِيمَا وأنشد الحسن بن يحيى: يا ديارَ الصِّبَا سَقَتْك الرِّهامُ ... حانَ من لَهْوِك اللَّذيذِ انْصِرَامُ أَيُّ عَيْشٍ مَضَى بمَغْنَاك رَطْبٍ ... ونَعِيمٍ أَوْدَتْ به الأيّامُ لمْ تَدَعْ فيكِ مُبْلِيَاتُ اللَّيَالي ... جِدَّةً فالجَديدُ منك رِمَامُ كُنْتش بالآنِسَاتِ مُؤْنَسَةَ الرَّبْ ... عِ وعَنْكِ الخُطوبُ غُفْلُ نِيَامُ وبُكَاءُ الطُّلُول يَشفِى منَ الوَجْ ... د إِذا بَانَ ساكنوهُ الكِرَامُ وأيضاً عَرَفْتُ لِسَلْمَى بالحِمَى مَنْزِلاً قَفْرَافأَسَبلْتُ دَمْعاً لا جَمُوداً ولا نَزْرَا أَقول لصَحْبي والمَدَامعُ تُمتَرَى ... بما في الحَشَا مِن لَوْعَةٍ خِلْتُها جَمْرَا قِفُوا وَقْفَةً فيها شِفَاءُ لذِى الهَوَىمن الوَجْد لا بَلْ تُدْرِكُونَ بها الأَجْرَا فما بَعْدَ ذا اليومِ ارْتجاعُ ونَظْرةُ ... إلى الدَّارِ إِلاَّ أَنْ نَمُرَّ بها سَفْرَا فقالُوا أَحقًّا لا تَزالُ مُكلَّفاً ... بمعْهدِ دارٍ لا تُبِينُ لَنَا خُبْراً وماذَا الّذي يُغنِى إِنِ الرَّكْبُ أَوْقفُوا ... رِكابهُمُ في منْزِلٍ قَد عفَا عَصْرا فقُلْتُ وطَالَ اللَّوْمُ حُيِّيتَ مَنْزِلاًأَطَالَ الشَّجَى أَوْ هاجَ مِن أَهْلِه ذِكْرَا سَقَتْك الغوادِى وابِل المُزْنِ وارْتَدتْ ... عِرَاصُك مِن سُقْيَاهُ أَرْدِيةً خُضْرَا ولأحمد بن أبي طاهر: تِلْك الدِّيارُ لَوَ أنَّهَا تَتَكلَّمُ ... كانَتْ إليكَ من البِلى تَتظَلَّمُ دَرستْ مَغانِيها ومَحَّ جَدِيدُها ... بل عَاد رسْماً رَبْعُها والْمَعْلمُ لم يَبْقَ منها غيرُ آثَارِ الصِّبَا ... ومَعاهِدٌ يَشْجَى بهنَّ المُغْرَمُ وأنشدنا محمّد بن يحيى قال: أنشدني أبي: سَقَى اللهُ أَطْلاَلاً بأَكثِبةِ الحِمَى ... وإِن كُنَّ قد أَبْدَينَ للنّاس مَابِيَا مَنَازِلُ لو مَرَّتْ بهنّ جنَازَتي ... لصَالحَ الصَّدَى يا صاحِبَيَّ انْزِلاَ بِيَا وأنشد يعقوب بن السكّيت لأعرابيّ: خليلّيَّ عُوجا من صُدُورِ الرَّكائبِ ... على طلَلٍ بين اللِّوَى فالمَذَانبِ قِرىً لزَمَانٍ قد تَقارَبَ مُقْبِلٍ ... وبُقْيَا زَمَانٍ قد تَقادمَ ذَاهبِ

هذا الأعرابيّ جعل الطَّلل وهو ما شخص من آثار الدِّيار قوتاً للزَّمان، قد أكل الماضي منه، وقد بقيت منه بقيةٌ لما يأتي من الزَّمان. ولقيس بن الخطيم: أَتَعرِفُ رَسْماً كاطِّرَادِ المَذَاهِبِ ... لِعَمْرَةَ وَحْشاً غيرَ مَوْقفِ راكِبِ دِيار الّتي كادَتْ ونحن على مِنىً ... تَحُلُّ بنا لَوْلاَ نَجَاءُ الرَّكائبِ قال أحمد بن يحيى اطّراد المذاهب ذهابها ومجيبئها، قال: والمذاهب: أجفان السُّيوف وغير موقف راكب قد استوحش منها إلاّ أن يمرّ راكبٌ بها فيقف متعجِّباً لخلائها، وقال ابن حبيب: المذاهب: ألواحٌ مذهبةٌ وصحف مذهبةٌ كان يكتب فيها إلى الملوك ولا يكلَّمون. وأنشد للنابغة الذُّبيانيّ: وأَبْدَتْ سِوَاراً عَنْ وُشُومٍ كأَنَّهَا ... بَقِيَّةُ أَلْواحٍ عَلَيهنّ مُذْهَبُ قال أحمد بن يحيى: أبدت سواراً، أي كانت الرِّيح ساورت التُّراب، فأبدت عن وشوم، وهي رسوم الدِّيار. وللوليد بن عبيد: أَمَحَلَّتَي سَلْمَى بكاظِمَةَ اسْلَمَا ... وتَعَلَّمَا أَنّ الهَوَى ما هِجْتُمَا هل تُرْوِيَانِ من الأَحبّةِ هائماً ... أَو تُسْعِدَانِ على الصَّبابَة مُغرَمَا أَبكِيكما دَمْعاً لو أنّي علَى ... قَدْرِ الجَوَى أَبْكِى بَكَيْتُكُمَا دَمَا أَينَ الغَزَالُ المُسْتَعِيرُ من النَّقَا ... كَفَلاً ومِن وَرْدِ الأَقَاحِى مَبٍْسِمَا خُلِّفْتُ بعدَهُمُ أُلاحِظُ نِيَّةً ... قَذَفاً وأَنْشُدُ دَارِساً مُتَرَسِّمَا طَلَلاً أُكَفْكِفُ فيه دَمْعاً مُعْرِباً ... بجَوىً وأَقْرَأُ منه خَطًّا أَعْجَمَا تَأْبَى رُبَاهُ أَن تُجِيبَ ولم يَكُنْ ... مُسْتَخْبَرٌ ليُجِيبَ حتَّى يَفْهَمَا وله أيضاً: لدَارِكِ يا سَلْمَى سَمَاءُ تَجُودُهَا ... وأَنْفَاسُ رِيحٍ كُلَّ يَوْم تُعُودُهَا وإِن خَفَّ مِن تلك الرُّسُومِ أَنِيسُهَا ... وأَخْلَقَ من بعْدِ الأَنِيسِ جَدِيدُهَا مَنَازِلُ لا الأَيّام تُعْدِى على البِلَى ... رُبَاهَا ولا أَوْبُ الخَلِيطِ يُفِيدُهَا وعَهْدِى بها من قبْلِ أَن تَحكُمَ النَّوَى ... على عِينِهَا أَلاَّ تَدُوم عُهُودُهَا بَعِيدةُ ما بين المُحِبِّينَ والجَوَى ... ومَجْمُوعَةٌ غِيدُ اللَّيَالِي وغِيدُهَا وللقصافيّ الأصغر: محَلُّ الحيّ بالنّقوَين أَضحَى ... خلاءَ الرَّبْعِ مَهجورَ النَدِىِّ تحمَّلَ أَهلُه ولقد أَراهُ ... شِفاءَ صَبَابةِ القَلبِ الشَّجِىِّ ولأبي حفص الشَّطرنجيّ: يا مَنْزِلاً دَرَسَتْ طُلُولُهْ ... وعَفَتْ مَعَالِمَه سُيُولُهْ أَضْحى ولَيْسَ برَبْعِه ... إلاَّ الوُحُوشُ به تَجُولُهْ ولعبد الله بن المعتزّ: أَيُّ رَبْعٍ لآلِ هِنْدٍ ودَارِ ... دَارِساً غَيْرَ مَلْعَبٍ وأَوَارِى وثلاثٍ دَنَوْنَ لا لاشْتِياقٍ ... جالِسَاتٍ على فَرِيسَةِ نارِ وعِرَاص جَرَتْ عليها سَوَفي ال ... رِّيح حَتّى غُودِرْن كالأَسْطارِ ومَغَانٍ كانتْ بها العَيْنُ مَلْأَى ... من غُصُونٍ تهتزُّ في أقمارِ سَحَقَتْهَا الرِّيَاحُ في كُلِّ فَنٍّ ... ومَحَتْها بَوَاكرُ الأَمْطَارِ أين أَهلُ الدِّيارِ عَهْدِي بهم في ... هَا جَمِيعاً لا أَيْن أَهْلُ الدِّيارِ هذا من قول البحتري: أَين أَهلُ القِبَاب بالأَجرعِ الفَرْ ... دِ تَوَلَّوا، لا أَيْنَ أَهْلُ القِبابِ ولعبد الله أيضاً: لمَنْ دارٌ ورَبْعٌ قَد تَعَفَّى ... بنَهْرِ الكَرْخِ مَهجور النَّوَاحِي إذا ما القَطْرُ حَلاّهُ تَلاقَتْ ... على أَطلالِه أيدِي الرِّياحِ مَحَاهُ كلُّ هَطّالٍ مُلِحٍّ ... بوَبْلٍ مِثْلِ أَفْوَاهِ الجِرَاحِ

فباتَ بِلَيْلِ باكِيَةٍ ثَكُولِ ... ضَرِيرِ النجْمِ مُتَّهَمِ الصَّبَاحِ وأَسفَرَ بعد ذلك عن سَمَاءٍ ... كأَنَّ نُجُومَهَا حَدَقُ المِلاّحِ وللبحتريّ: هذي المنازلُ من سُعَادَ فسَلِّمَ ... واسْأَلْ وإِنْ وَجَمتْ فلم تَتَكَلَّمِ آيات ربعٍ قدْ تأبدَ منجدٍ ... وحدوجُ حىً قد تحمل متهمِ لؤمٌ بنَارِ الشَّوقِ إِن لمْ تحتدم ... وخَسَاسَةٌ بالدَّمْعِ إِن لم تَسْجُمِ وله أيضاً: آثَارُ نُؤْيٍ بالفِنَاء مُثَلَّمٍ ... ورِمَامُ أَشْعَثَ بالعَرَاءِ مُشَجَّجِ دِمَنٌٌ كمِثْلِ طَرَائِقِ الوَشْمِ انْجلَتْ ... لَمَعَاتُهُنّ من الرِّداءِ المُنْهِجِ يَضْعُفْنَ عن إِذكارِنَا عَهْدَ الصَّبَا ... أَوْ أَنْ يَهِجْنَ صَبَابَةً لم تَهْتَجِِ وللعبّاسيّ: هاتِيك دَارُهمُ فعرِّجْ واسْأَلِ ... مَقْسُومَةً بينَ الصَّبَا والشَّمْألِ فكأَنّنَا لم نَغْنَ بينَ عِرَاصِهَا ... في غِبْطَةٍ وكأَنّهَا لم تحْلَلِ لَجَّتْ جُفونُك بالبكاءِ فخَلِّها ... تَسْفَحْ على طَلَلٍ لشروةَ مُحْوِلِ وله أيضاً: يا دَارُ يا دَارَ أَطْرَابي وأَسجاني ... أَبْلَى جَدِيدَ مَغَانِيك الجَدِيدانِ لئِنْ تَخلَّيْتِ من لَهْوى ومن طَرَبي ... لقَدْ تَأَهَّلْتِ من هَمِّى وأَحزاني جادَتْكِ رائحةٌ في إِثْر باكرةٍ ... تُرْوِى ثَرىً منك أَمسَى غير رّيّانِ حتّى أَرَى النَّوْرَ في مَغناكِ مُبتسِماً ... كأَنَّهُ حَدَقٌ في غَيْرِ أَجفانِ لمَّا وَقَفْتُ على الأَطْلاَلِ أَبْكَاني ... ما كان أضحَكَني منْهَا وأَلْهَانِي في كلِّ يَومٍ لعَيْنِي من جِنَايَتها ... فَيْضٌ أَمَا يَنْتَهِى عن ذَنْبِه الجَانِى فمَا أَقولُ لدَهْرٍ شَتَّتَتْ يَدُه ... شَمْلِى وأَخْلَى من الأحباب أَوطَانِى ولغيره: ليت الدّيارَ إِذا تَحمَّلَ أَهلُهَا ... دَرَستْ فلم يُعلَم لها بمَكَانِ إِنّ الدّيَارَ وإِن تَقادَم عَهْدُها ... مّما تُهَيِّج دَائمَ الأَحْزَانِ ولآخر: لَيْتَ الدِّيَارَ التي تَبْقَى لتَحْزُننا ... كانَتْ تَبِينُ إِذا ما أَهلُهَا بانُوا يَنْأَون عنّا فلا تَنْأَىمَوَدَّتُهمْ ... والقَلْبُ فيهم رَهِينٌ حيث ما كانُوا ولبعضهم: يا مَنْزِلاً دَرَسَتْ منه مَعالِمُهُ ... قد قَطَّعَ القَلْبَ أَحزاناً وما عَلِمَا نَفْسِى بأَهلِكَ مّذ بانُوا مُعَلَّقَةٌ ... حتّى يَعُودَ انْصِدَاعُ الشَّمْلِ مُلْتَئِمَا فإِن يَكُنْ ذاكَ فالأَيّامُ مُحْسِنَةٌ ... وإِن بغَتْ فلَطَالَ الدهْرُ ما ظَلَمَا وللتنوخيّ: وطَالَ ما طَلَلْتُ دَمْعِي في طُلو ... لٍ خَفِيَتْ عن البِلَى مِن البِلَى تَنَاهبَتْ أَيْدِي الهَوَاءِ رَسْمَها ... نَهْبَ الهَوَى أَنفُسَ أَبناءِ الهَوَى فاقْتسمَتْها السارِيَاتُ مِثْلَ ما ... يَقْتِسِمُ المَأْسُورَ أَسْبَابُ الأَسَى فهْيَ أَثافٍ مَاثِلاثٌ لمْ يَزَلْ ... بهَا الحَيا حتّى أَمَاتَها الحَيَا وعَطْفَتَا نُؤْىٍ كنُونٍ عُرِّفَتْ ... أَو صُدُغٍ عُقْرِبَ أَوْ أَيْمٍ سَعَى وأَشْعَثٍ لمْ تُبْقِ منه المُورُ إِلاّ ... مِثْلَ ما أَبْقَتْ من الصَّبْر النَّوَى مَنَازِلٌ أَنْزَالُ مَن يَنزِلُهَا ... وَجْدٌ ودَمْعٌ وغَرَامُ وجَوَى مَمْحُوَّةُ الأَطْلالِ كالطِّرسِ امَّحَى ... مُوحِشةٌ كالشِّيْبِ بالحُورِ سطا كأّنَّها الإِلْفُ جَفَا أَو نَبْوّةُ الدّ ... هْرِ نَبَا أَو كَبْوَةُ الجَدِّ كَبَا وله أيضاً:

في الآل والسراب

مَغَانِي تَصَابٍ جَمّعتْ فِرَقَ الصَّبَا ... على نَكْبِهَا نَكْبَاءُ مُورٍ وحَرْجَفُهْ لَبِسْن نُحُولِى أَو لَبِسْتُ نُحُولَهَا ... فتَعْرِفُ فيهَا كُلَّ ما فِىَّ تَعْرِفُهْ تُرَاحُ بأَنْفَاسٍ فُؤادِي مَهَبُّهَا ... وتُسْقَى بمُزْنٍ دَمْعُ عَيْنِى يُكَفكِفُهْ ولا غَرْوَ أَن يَبْلَى بِلَى الدّارِ مُغْرَماًفإنَّ بِلَحْظِ العَيْنِ يُدْنَفُ مُدْنَفُهْ مَنَازِلُ أَنْزَالي إِذا ما نَزَلْتُهَا ... أسًى وقِرَى عَيْنِى بها الدَّمْعُ تّذْوفُهْ تَحيَّفْنَ أيْدِي نَوْئِهَا أَيْدَ نُؤْيِهَا ... فلم يَبْقَ للأَيّامِ ما تَتَحَيَّفُهْ وله أيضاً: مَرَابِعُ لو كُنّ المَرَابِعُ أَنجماً ... لَكُنّ نُجُوماً للنُّجومِ المَوَائِلِ أَشَاعِتُ كالخيلانِ في خَدِّ كاعِبٍ ... ونُؤْىٌ طَوَاه النَّأْىُ طَىَّ الخَلاخِلِ وقَفْتُ بها والصَّبْرُ ليس بوَاقِفٍ ... عَلىّ ورُوحِي رَاحِلٌ في الرَّواحِلِ وما زُرْتُهَا إِلاّ استَزارَتْ مَدَامِعِى ... فجاءَتْ بسُحْبٍ كالسَّحابِ الهَواطِلِ وما اسْتَنْزَل الأَجْفَانَ مِن عَبَراتِها ... ، ولا سِّما أَن أَقفرَت، كالمَنَازِلِ وللزُّريقيِّ: تَسمَّعْ للمَنَازِل ما تَقولُ ... لأَمْرٍ ما تَكَلَّمِ الطُّلولُ وكيفَ يُجِيبُ سائلَه مَحَلٌّ ... بسُلْمَانين من سَلْمَى مُحِيلُ ومِثْل المستهامِ أَخِى التَّصَابِى ... شَجَتْ أَطْلالُهَا الدُّرسُ المُثُولُ وقلت: مَغَانِى الهَوَى هَيَّجْنَ قَلْباً مُتَيَّماًمُعَنًّى بأَشْجانِ الصَّبَابةِ مُغْرَمَا وَقَفْتُ على أَطْلالِهَا مُتَرسِّماً ... فكادَتْ لفَرْطِ الشُّوْق أَن تَتكلَّمَا عُهُودٌ عَهِدْنَاهَا تَشوقُ قُلوبَنَا ... سَقَاهَا عِهَادُ المُزْنِ ريًّا ودَيَّمَا رَبَعْتُ على رَبْعٍ بها ولَطالَمَا ... غَنِيتُ بمَغْنَاهُ زَمَاناً تَجَرَّمَا عفَتْ آيَهُ الأَنواءُ حتَّى تَغيَّرتْ ... مَعَالِمُه بَعْدِى وقد كان معْلَمَا فيالَكَ مِن رَبْعِ التَّصَابِي ومَنْزِلٍ ... خَلاَ اللَّهْوُ منه حين خَلَّيْنَه الدُّمَى لقَدْ هَمَّ أَن يُبدِي السّلامَ صَبَابَةً ... إليَّ ووَجْداً إِذْ وَفَفتُ مُسَلِّمَا وأيضاً: عَرِّجْ بمغْنَى الصِّبَا وأَطْلالِهْ ... فاسْأَلْهُ عن أُنْسِهِ وحُلاّلِهْ يا رَبْعُ قد كُنْتَ للصِّبَا وَطَناً ... إِذْ أَنَا أَختالُ في ذُرَا خَالِهْ فصِرْتَ مَبْكىً لكلِّ ذي شَجَنٍ ... أَسْعدَهُ طَرفُهُ بتَهْمَالِهْ لمْ أعتقِبْ من رُسُومِ مَنْزِلها ... بعْدَ وُقُوفِى به وتَسْالِهْ إلاّ حَنِيناً طَفِقتُ أَبْعثُهُ ... كأَنَّهُ رَجْعُ حَنَّةِ الوَالِهْ وأنشدني محمد بن صدقة لحفص محصه يصف الأثافي: شَجَتْك بأَعْراض المَحاضِر نُوقُ ... رَأَمْنَ وما في مِثْلِهِنّ طُروُقُ على أحْرَجٍ مُطْلَنْفِىٍْ دافَعَتْ له ... أَذَى الرِّيح رُمْكٌ بالتُّرَابِ لُصُوقُ أخذه من قول الكميت: لم تُهِجْني الظُّؤَارُ في الدِّمْنَة القفْ ... رِ بُرُوكاً ومَالَها رُكَبُ جُرْدٌ جلادٌ معطَّفاتٌ على ال ... أوْرَقِ لا مُصْحَفٌ ولا خَشِبٌ أُنِخْنَ أُدْماً فصِرْن دُهْماً ومَا ... غيَّرَهنَّ الهِنَاءُ والجَرَبُ هُنّ مَطايَا المُضَمَّنَات من ال ... جُوع دَوَاءَ العِيَالِ إِن سَغِبُوا في الآل والسَّراب للعرب في هذا كثير، تركنا ذكره لكثرته وشهرته، واخترنا شيئا يسيراً مما ليس بمشهور، من ذلك قول شرشيرٍ الجدليّ: كأنّمَا الآلُ بأَغْوالِها ... سَوَائمٌ قد غَابَ رَاعِيهَا

باب

تُتْلِعُ أَحياناً على أُكْمِهَا ... ثُمّ تَهَاوَى في مَهَاويِهَا وفي مثله: كأنَّما الآلُ بأَجْوازهَا ... حَبَائِلٌ تُشْزَرُ أَشْطَانُهَا إِذا أُغِيرَتْ فانْطَوَى فَتْلُهَا ... تَقَطَّعَتْ مِن بَعْدُ أَقْراَنُهَا وأيضاً: كأنّ اطِّرادَ الآلِ فيها طَرَائدٌ ... تُحَاوِل من شَلِّ القَوَايِص منْهَدَا وأيضاً: كأنّ اطّرادَ الآلِ قبْلَ هَجِيرها ... ظِبَاٌْ تَبَارَتْ في الطِّرادِ وعِينُ ولعليّ بن الجهم: ومُلتحِفٍ بالآل قَفْرٍ كأنَّه ... إذا خَفَقَتْهُ الرِّيحُ بِيضُ مَلاَحِفِ وقلت: وِييدٍ تَغِشَّاهَا السَّرَابُ كأنَّهَا ... تُنَشًّرُ في أَرْجَائهنّ الطَّيَالِسُ أَمَالِسُ يَعْمَى عن هُدَاهُ بِهَا القَطَا ... إذا قُلْت بادَتْ وَاصَلَتْهَا أَمَالِسُ إذا اجْتَابَ رَكْبٌ خَفْضَهَا بعدَ رَفْعِهَا ... حَسِبْتَهُمُ غَرْقَى فطَافٍ وقَامِسُ ولآخر: كأنّ أطّرَادَ الآلِ بين جُرُومِهَا ... خُيُولٌ تُبَارِيها السِّباقَ خُيُولُ تَرَى الأُكْمَ فيها مائِرَاتٍ كأنّها ... سَفِينٌ عليها في الغَمَامِ جُلُولُ باب في الأبنية والدور والصحون والقصور من أحسن ما قيل في البناء قول عليّ بن الجهم في بناء المتوكّل: مازِلْتُ أَسمَعُ أنّ المُلو ... كَ تَبْنِى على قَدْرِ أَقدارِها ويُعرَفُ فَضْلُ عُقُولِ الرَج ... الِ بتَدْبيرها وبآثَارِهَا فلمّا رَأَيْنَا بِنَاءَ الإِمَامَ ... رَأَيْنَا الخِلافة في دارِهَا بَدائعُ لهم تَرهَا فارِسٌ ... ولا الرُّومُ في طُولِ أَعْمارِها صُحُونٌ تُسَافِر فيها العُيونُ ... وتَحْسَرُ من بُعْدِ أَقْطارِها وقُبَّةُ مُلْكٍ كأنّ النُّجو ... مَ تُصغِىة إليْهَا بأَسْراَرِها تَخرُّ الُوفودُ لها سُجَّداً ... إذا ما تَجَلَّتْ لأبْصارِها لها شُرُفاتٌ كأنّ الرِّبِيعَ ... كَسَاهَا الرِّياضَ بأَنْوارِها نَظَمْن الفِسَافِسَ نَظْمَ الحُليّ ... لِعُونِ النِّساءِ وأَبكارِهَا فهُنّ كمُصطَحبَاتٍ بَرَزْنَ ... لفِصْحِ النَّصَارَى وإِفْطَارِهَا فمن بين عاقِصة شَعْرهَا ... ومُرْسِلةٍ عَقْدَ زُنّارِهَا وأَرْوِقةٌ شَطْرُهَا للرُّخامِ ... وللتِّبرِ أَكْرَمُ أَشْطَارِهَا إذَا لمَعتْ تَسْتَبِينُ العُيو ... نُ فيها مَنَابِتَ أَشْفَارِهَا إِذَا أُوقِدَتْ نَارُها بالعِرَاقِ ... أضاءَ الحِجَازَ سَنَا نَرِهَا وقول أبي عينية في قصر أنسٍ بالبصرة: فياحُسْنَ ذاك القَصْرِ قصْراً ونُزْهَةً ... بأفْيَحَ سَهْلٍ غَيْرِ وَعْرٍ ولا ضَنْكِ يُذكِّرني الفِرْدوس طَوْراً فأرعَوِى ... وطَوْراً يُوَاتِيني على القَصْفِ والفَتْكِ بغَرْسٍ كأَبْقَارِ الجَوَارِى وتُرْبةٍ ... كأّن ثَرَاها ماءُ وَرْدٍ على مِسْكِ كأنّ قُصُور القَوْم تَنْظُرُ حوْلَه ... إلى مَلِكٍ مُوفٍ على مِنْبَرِ المُلْكِ يُدِلُّ عليها مُسْتَطِيلاً بمُلْكِهِ ... ويَضْحك منها وهْيَ مُطْرِقةٌ تَبكيِ وأيضاً: قُصُورُ المَالكيّةٍ كالعّذارَى ... لبِسْنَ خُلِيَّهنّ ليَوْم عُرْسِ مُطِلاّتٍ عليى بَطْنٍ كَسَاهُ ... دَبِيبُ المَاءِ خِلقَةَ كُلِّ غَرْسِ إذا بَردَ الظَّلام على ثَرَاهَا ... تَنَفَّس نَوْرُهَا من غَيْر نَفْسِ يُفتِّقُها المِسَاءُ بكلِّ طِيبٍ ... ويُضحِكها مَطَالِعُ كلِّ شَمْسِ وللمريميّ: للهِ قَصْرٌ بنَاهُ ابنُ العلاءِ لقدْ ... زِيدَتْ به الغُوطَةُ الحَسْنَاءُ تَحْسِينَا

مُذكِّرٌ جَنَّةَ اللهِ التي ذُكِرَت ... في وَحْيِهِ وأُعِدَّت للمُطِيعينا له مَحَاسِنُ أَعلاها كأَسْفلها ... نَقْشاً وفَرْشاً وتَزْويقاً وتَزْيِينَا إِذا تَأَمَّلَ شِيْئاً من بَدَائعها ... طَرْفٌ تأمَّلَ دُرَّاً مِنءه مَكْنُونَا قَصْرٌ غَدَا الحُسْنُ مَقْصُوراً عليه بهِ ... لمّا غَدَا مِسْكَناً للجُودِ مَسكُونَا وللبحتريّ يذكر بناء المتوكّل ويصف القصر الذي سمّاه الجعفريّ، من قصيدة: قد تَمَّ حُسْنُ الجَعْفَرِيّ ولم يكن ... لِيَتِمَّ إلاّ بالخَلِيفَةِ جعْفَرِ مَلِكٍ تَبوَّأَ خَيْرَ دارٍ أُنشئَتْ ... في خَيْر دارٍ للأَنَامِ ومَحْضرِ في رأْسِ مُشْرِفةٍ حَصَاهَا لُؤْلؤٌ ... وتُرابُهَا مِسْكٌ يُشَابُ بعَنْبرِ مُخضَرّةٌ والغيْثُ ليس يسَاكبٍ ... ومُضِيئَةٌ واللَّيلُ ليس بمُقْمِرِ وفيها: أَزْرَى على هِمَمِ المُلُوكِ وغَضَّ من ... بُنْيانِ كِسُرَى في الزَّمَان وقَيْصرِ عالٍ على لحْطِ العُيُونِ كأنَّما ... يَنظُرْنَ منه إلى بَيَاضِ المُشْتَرِى مَلأَتْ جَوَانبُهُ الفَضَاءَ وعَانقَتْ ... شُرُفاتُه قِطَعَ السَّحَابِ المُمْطِرِ وتَسِيرُ دجْلة تَحْتَه ففِنَاؤُهُ ... من لُجّةٍ غَمْرٍ ورَوْضٍ أَخْضَرِ شَجَرٌ تُلاعِبُهُ الرِّياحُ فتَنثَنِى ... أعطافُه في سابحٍ متفَجِّرِ قد جِئتُهُ فنزلتُ أَيْمَنَ مَنزِلٍ ... ورأيتُه فرأيْتُ أحسنَ منظرِ فاعْمُرهُ بالعُمرش الطَّويل ونعْمَةٍ ... تَبْقَى بَشَاشتُهَا بَقَاءَ الأَعْصُرِ وله أيضاً: مَقاصِيرُ مُلْكٍ أَقْبَلَت بوُجُوهِهَا ... على منْظَرٍ من عُرْضِ دجْلةَ مُونِقِ كأنّ القِبَابَ البَيْض والشَّمْسُ طَلْقَةٌ ... تُضَاحِكُهَا أنْصَافُ بَيْضٍ مُفَلَّقِ ومِن شُرُفات في السَّمَاء كأنَّما ... قَوَادِمُ بِيضَانِ الحَمَام المُحَلّقِ ولخالد الكاتب في برج المتوكّل: بَنَى إمَامُ الهُدَى بُرْجاً يُقَال له ... بُرْجُ السُّرورِ وبُرْجُ اليُمْنِ والظَّفَرِ كأنّه، والّذي يُبْقِي الإمَامَ له، ... بُرْجٌ من السَّعْد بين الشَّمْسِ والقَمَرِ وأنا أستحسن قول القِصَافيّ يصف بناءً ابتناه محمّد بن عبد الله بن طاهر: بَارَكَ اللهُ للأَمِيرِ ابي العبّا ... سِ في المَنْزِلِ البّديِعِ البِنَاءِ بالمَحَلِّ المُبَارَكِ العَطِرِ التُّرْ ... بَةِ والمَرْبَعِ الرَّحِيبِ الفِنَاء مَنْزِل فيه كلُّ ما صَبَت العَيْ ... نُ إليه من بَهجَةٍ وبَهَاءِ ولعمري لقد افتتح القول بأحسن افتتاحٍ وابتداءٍ وكذلك كانت ابتداءات القصافي حسنةً عذبةً. منها: راحُوا ولَمَّا يُؤْذِنُوا برَوَاحِ وأيضاً: غَيْرِي أَطاعَ مَلامَةَ العّذَّالِ وأيضاً: في دَمْعِهِ الجَارِي وإِعْوَالِهِ ... ما يُخْبِرُ السائِلَ عن حالهِ وشعره كلُّه على هذا. وللحسين بن الضَّحاك: وحَسْبُك بالخيْر من مَنْظَرِ ... إذا وَصَفَ الوَاصِفُونَ الخِيَارَا زَهَا بمَجَالسَ رَقْرَاقةٍ ... تَخالُ دُجَى اللَّيْل فيها نَهَارا كأَن جَوَاسِقَهَا أَنْجُمٌ ... يَزِينُ الأَكَابِرُ منها الصِّغارَا ولا يَزْلقُ النَّعْلُ عن مَتْنِهَا ... إذا انْهمَر المُزْنُ فيها انْهِمَارَا وله أيضاً: يا وَاهِبَ الطّارِف والتَّلِيدِ ما مِثْلُ بُنْيَانِكَ بالمَوجُودِ فكَمْ به من جَوْسَقٍ مَشِيدِ مُغْتَرِبٍ في وَصْفِه وَحِيدِ قِبابُه في أَحْسنِ القُدُودِ لأْلأُوها باقِيةُ الوُفُودِ جالِسَةٌ للنَّظر الحَدِيدِ فُضِّلْن في القِسْمَة والتَّحديدِ

على انْفِصَالِ أَنْجُمِ السُّعُودِ كأَنّهَا في النَّظَرِ المشِيدِ بَيْضُ أدَاحٍ لاحَ في صعدِ وله أيضاً في بُرْج المتوكّل: ما كان بالبُرْج مذْ كانتْ أوائلُنَا ... ولا يَكُون بِناءٌ مِثْله أَبَدَا كأنّه فَلَكٌ تَختالُ أنجمُهُ ... إذا التَّهَلُّلُ من تِيجانِهِ اطَّرَدَا يُضَاحِكُ الدُّرَّ في أكْنافِه فِلَقٌ ... من الزَّبَرْجَدِ ما يُحْصَى لَه عدَدَا عَفَّى على عَرْش بلْقِيس ببهْجَتِهِ ... وفَاتَ في الحُسْنِ حتّى جاوَزَ الأَمَدَا فنضْرَةُ البُرْجِ بالفِرْدَوس مُذْكِرَةٌ ... مَنْ قاسَ ما غَابَ عنه بالّذي شَهِدا مُمَهَّدٌ بمِهَادٍ لا يُحِيطُ به ... وَصْفُ البَليغِ إذا ما جدَّ واجتَهَدَا من اللُّجيْنِ به والتِّبر آنِيَةٌ ... لوْ صِيغَ من أُحُدٍ أَمثالُهَا نَفِدَا وله أيضاً: ما اجْتلَتْ عَيْنُ ناظِرٍ كجِنَانٍ ... شِدُتَ فيها جَوَاسِقاً وقُصُورَا مُشْرِفات على حَدَائقَ وُشِّي ... نَ من النَّوْرِ سُنْدُساً وحَرِيرَا فلنُوَّارِهَا إذا وَضحَ الصُّبْ ... حُ دير الزور! فِيفٌ يكادُ يُعْشِى البَصيِرَا قدَّسَ اللهُ ما ابتَنيت وأثَّلْت ... تَ ولازَال آهِلاً مَعْمورَا وله أيضاً: ما رأينا بشراً قبلك في صورة بدر شيَّد اللهَ له قَصْراً على لُجَّةِ بَحْرِ مُشْرِفاً مُعْتَدلَ الصَّنْعَةِ في أَحْسَنِ قَدْرِ بِدْعَةٌ أَلَّفَهَا لَفْظُكَ عن أحْكَمِ فِكْرِ هِمَّةٌ غالَبْتَ عن سَوْرَتِهَا أَغْلبَ نَهْرِ فَتَبَوَّأتَ على أَمْواجِه أَثْبَتَ قَصْرِ تَحْتَهُ هَمْهمةٌ للرِّيح في نفخ ونَخْر ومَجَالٌ لمَحِطِّ الماءِ في أَفْيَحَ غَمْرِ مَنْزِلٌ فاضَ به سَيْبُك سَحًّا غيْرَ نزْرِ وَصَلَ اللهُ لك العُمْرَ، أبا الفضل، بعُمْرِ وقال الغلابيُّ: حدَّثنا الفضل بن عبد الرحمن بن شبيب بن شيبة قال: دخل عمِّى عبد الصمد بن شبيبٍ على عيسى بن جعفر بن المنصور وقد بنى قصره على نهر ابن عمر وبالبصرة، فأراد منه أن يصف بناءه فقال: أعزّ الله الأمير. بنيت أحسن بناءٍ، بأوسع فضاءٍ، وأطيب فناءٍ، على أصفى ماءٍ، وأرقَّ هواءٍ، بين صرارٍ رعاءٍ وحيتانٍ وطباءٍ. فقال له عيسى: والله. لبناء كلامك أحسن من بنائي. ووصله. وفي هذا القصر يقول عبد الله بن أبي عيينة المهلّبيّ: زُرْ وَادِىَ القَصْر نِعْمَ القَصْرُ والوَادِى ... لا بُدّ من زَوْرةٍ عن غَيْرِ مِيعادِ زُرْهُ فليَس له شِبْهٌ يُقَارِبُه ... من مَنْزِلِ حاضرٍ إِنْ شِئْتَ أَو بَادِى تُرْفَى قَرَاقِيرُهُ والعِيسُ وَاقفةٌ ... والنّونُ والضّبُّ والمَلاّحُ والحادِى وحدَّثنا محمّد بن يحيى قال: حدَّثني مسبِّح بن حاتم العلكىُّ قال: حدَّثني يعقوب بن جعفر بن سليمان قال: قال أبي للأصمعيّ: ما أحسن ما قال هذا الفتى المهلَّبيُّ في قصر عيسى بن جعفر، وأنشده الأبيات، فهل سبقه أحدٌ إليها؟ قال: نعم: هذا خليفة بن خلف الأقطع دخل على يزيد بن عمرو بن هبيرة وقد بنى قصره، يريد القصر في طريق الكوفة فأنشده قصيدةً أوّلها: قُرِنَتْ رُؤُوسُ ظِبَائِها ... بالزُّرْقِ من حِيتَانِهَا مُكَّاؤُهَا غَرِدٌ يُجِي ... بُ الوُرْقَ من وَرشَانِهَا هكذا أنشدنيه محمّد بن يحيى، وأنشدنيه عليُّ بن سليمان من ورشانها جمع ورشان، قال: وكذلك الكروان جمع كروان، وأنشد: كأنّهم الكِرْوَانُ أَبصَرْن بَازِيَا وللحسين بن الضَّحّاك في البديع: إِنّ البَدِيعَ لَفَرْدٌ في مَحَاسِنه ... لا زالَ ظِلُّك عَمَّا تَبْتَنِى أَبَدَا تَكَادُ تَختِلسُ الأَبصارَ بَهْجَتُه ... إِذا تَأَلَّقَ بالعِقْيانِ واتَّقَدَا

بالسَّعدِ والطّائِرِ المَيْمُون فاغْنَ بِه ... لا زَالَ عيشُك منه ناعِماً رَغَدَا مُلِّيتَ مُلكَك تَطوِيه وتَنْشُرُه ... تِسْعِينَ كامِلَةً أَعْوَامُهَا عَدَدَا وللمريمىّ: إِنِّى سَأَنْعَتُ مَنْزِلاَ لمُهَذَّبٍ ... لا نَعْتَ إِلاَّ دُونَه إِغْرَاقُهُ يَسْمُو ببَابٍ للمَكَارمِ فَتْحُه ... وعلى الصِّيانَةِ والتُّقَى إِغْلاقُه لو كان مُرْتَفِعاً على قَدْر العُلاَ ... ما كَان إِلاَّ في المَجَرَّةِ طَاقُه مَعمورةٌ عَرَصاتُهُ ورِحَابُه ... بالجُودِ قائمةٌ بها أَسواقُهُ دُخَّالُه رَجُلانِ مَطْبِقُ طَرْفِه ... أو شاخِصٌ قد عَزَّهُ إِطْبَاقُهُ هذَا يُحَيّرُ عَقْلَه خِيْرِيُّهُ ... ويَرُوقُ ذا حِيتَانُه ورِوَاقُهُ أَيُّ الصّفاتِ يَزينُهُ لمُشَاهِدٍ ... إِنْ غابَ عنه فقَلْبُهُ يَشْتاقُه أَحَلاَوَةُ التَّقْديرِ أَمْ إِحْكامُه ... أَم رَوْعَةُ البُنْيَانِ أَم إِيثاقُهُ أَم صَحْنُهُ وسَماؤُه أَم سُفْلُه ... ونَقَاؤُهُ أَمْ عُلْوُهُ وطِبَاقُهُ تَحْكِى زَخَارِفهُ زَخَارِفَ ما حَوَى ... فكأَنّما أَقسامُه أَعْلاقُهُ وكأَنّمَا نُشِرَتْ عليه تُخُوتُه ... فعَلَتْه أَو نُثِرَتْ عليه حِقَاقُهُ حَسَنٌ أَجادَ بِنَاءَه بَنَّاؤُهُ ... لأَغَرَّ حِسَّنَ خَلْقَه خَلاّقُهُ باليُمْن يَسْكُنُه ويُزْغَمُ شَانِىءٌ ... ومُكَاشِرٌ بوِدَادِهِ مَذَّاقُهُ ولابن طباطبا: يا مَنْ رَأَىالقُبَّةَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ ... مَنَاقِبُ الخُلْدِ في مَنَاقِبِهَا كأَنَّهَا جَنّة مُزَخْرَفَةٌ ... زَيَّنَهَا رَبُّهَا لطَالِبهَا تَظَلُّ فيها العُقُولُ حائِرةً ... ويَقْصُرُ الوَهْمُ عن عَجَائِبِهَا دانَتْ لَهَا الجِنُّ عند رُؤْيتها ... للإِنْسِ إِذْ نحْن في غَرَائِبها في سَمْكِها دِيمةٌ تَثُجُّ بلاّ ... سَحابةٍ أُنشِئَتْ لسَاكِبِها تَهمِى لنا والسَّمَاءُ مُصحِيَةٌ ... لا يُرتَجَى الدَّرُّ من سَحائِبها فيها نُقُوشٌ يَحكِى مُنَمْنَمُهَا ... مُنَمْنَمَ الرَّوْضِ في جَوَانِبِهَا وللحلبيّ في قبَّة آبنوسٍ: بَنَيْتَ عليكَ قُبَّةَ آبنُوسٍ ... تَتِيهُ على قِبَابِ الآبنُوسِ تَطولُ برأْسها كِبْراً فتُضْحِى ... قِبَابُ النّاسِ خاضِعةَ الرُّوؤُسِ كأَنَّ العَاجَ مُبتْمَسِماً عَلَيْهَا ... شُموسٌ يَبْتَسِمْنَ إلى شُموسِ كأَنّ سَمَاءَهَا رَوضُ الأَقاحِى ... تُفَصَّلُ بالعُقُودِ وبالسُّلُوسِ كأّنّ غِشَاءَها المُلْقَى قِنَاعٌ ... على عَيْطَاءَ بَكْرٍ عَيْطَموسِ مُعَصْفَرَة اللّبُوسِ وآلُ حامٍ ... نِسَاؤُهُمُ مُعَصْفرةُ اللبُوسِ كقيْنَةِ مَجْلِسٍ حَسناءَ تَعْلُو ... على الفَتَيَات في حُسْنِ الجُلُوسِ تُكَفَّرُ في جَوَانبها الحَنَايَا ... كتَكْفيِر الشَّمَامِسِ والقُسُوسِ لَئِنْ رَأَسَتْ لقد عَظُمَت وزَادَتْ ... رِيَاسَتُها بصَاحِبِهَا الرَّئِيسِ ولأبي طالبٍ الحسين بن عليٍّ في قصرٍ: والقَصُرُ يَبْسِمُ في وَجْهِ الضُّحَى فتَرَىوَجْهَ الضُّحَى عندَمَا أَبدَى له شَحَبَا يَبِيتُ أَعْلاَه بالجَوْزَاءِ مُنْتَطِقاً ... ويَغْتَدِى يرِدَاءِ الغَيْمِ مُحْتَجِبَا تَطامَنتْ نَحْوَه الإِيوانُ حينَ سَما ... ذُلاًّ وكيف تُضَاهِى فَارِسُ العَرَبَا إِذا القُصورُ إلى أَرْبَابها انْتَسَبَتْأَضْحَى إِلى القِمَّة العَلْيَاءِ مُنْتَسِبَا

فصِلْهُ لا وَصَلَتك الحادثاتُ ولا ... زَالَتْ سُعُودُك حتَّى تُنفِدَ الحِقَبَا بَرٌّ وبَحْرٌ وكُثْبَانٌ مُدَبَّحةٌ ... تَرَى النُّفُوسُ الأَمَانِي بَيْنَهَا كَثَبَا ومَنْزِلٌ لا تَزَالُ الدَّهْرَ عَقْوَتُه ... جَدِيدةَ الرَّوْض جَدَّ الغَيْثُ أَو لَعِبَا حَصْباؤُهُ لُؤُلؤٌ نَثْرٌ وتُرْبَتُه ... مِسْكٌ ذَكِىُّ فلو لم تَحْمِهِ انْتُهِبَا وكُلُّ ناحِيَةٍ منه زَبَرْجَدةٌ ... أَجْرَى اللُّجَيْنُ عليها جَدْوَلاً سَرِبَا وله أيضاً: باليُمْنِ ما رَفَعَ الأَمِيرُ وشَيَّدَا ... وبجدَّةِ النَّعْماءِ ما قد جَدَّدَا قَصرٌ أَنافَ على القُصُور يَحُلَّه ... مَلِكُ أَنافَ على المُلُوك مُؤَيَّدَا قُلْنَا وقد أَعلاه جَدُّ صاعِد ... في الجَوِّ حتى ما يُصَادِفُ مَصْعَدَا أَبَنِيَّةٌ ببِنَائِهَا فُضِحَ البُنَى ... أَمْ فَرْقَدٌ بسَنَاهُ شَانَ الفَرْقَدَا غُرَفٌ تأَلَّقُ في الظَّلام فلوْ سَرَى ... بضِيائِهَا سارِى الدُّجُنَّةِ لاهْتَدَى عُنِىَ الرَّبيعُ بها فنَشَّرَ حَوْلَهَا ... حُلَلاً تُدَبِّجُ وَشْيَهَا أَيدِي النَّدَى وكَأَنَّمَا تُزْجِى السَّحَائِبُ فَوْقَهَا ... جَيْشاً يَهُزُّ البَرقُ فيه مِطْرَدَا وكَاّنّما نَشَرَ الهَواءُ بجَوِّهَا ... من كلِّ ناحيةٍ رِدَاءً مُجْسَدَا وللحسن بن محمّد بن الحسن: دارُ أَمْنٍ مَيْمُونةُ الإِنشاءِ ... وعُلُوٌّ مُشَيَّدٌ بعَلاّءِ بَرَزَتْ بَهْجَةُ التَّأَلُّقِ منها ... بين مَقْصُورَةٍ وبين خِبَاء عَلِمَ النّاسُ أَنّهَا الفردُ في الحُسْ ... ن فدَانُوا لها بفَرْدِ البِنَاءِ ورَأَوْا كَوْنَهَا بغَيْرِ نَدِيدٍ ... فدَعَوها نِهَايَةَ الأَشْيَاءِ مِثْل عَدْنِ الجِنَانِ يُدْرِكُ فيها ال ... مَرْءُ ما شَاءَهُ من الأَهْواءِ وكَاَنّ الضِّياءَ وَقْفٌ عَلَيْهَا ... فهْي تَكْسُو الآفَاقَ فَضْلَ ضِيَاءِ مَنْزِلٌ أُسُّهُ الحَضِيضُ وأَعلا ... هُ يُسَاوِى كَوَاكِبَ الجَوزْاءِ وفيها: أُطُمٌ لا تكَاد تَبْلُغ بعضَ ال ... سَّمْكِ منها لَوَاحِظُ البُصَرَاءِ فلَوَ أنّ الأَهْرَامَ أَهْرَامَ فِرِعو ... نَ رَأَتْها أَغْضَتْ على الأَقْذاءِ ولَوَ أنّ الإِيوان إِيوَانَ كِسْرَى ... رامَ منها لَسَاخَ في الغَبْرَاءِ في فَضَاءٍ لوْ طَاوَلَت منه دَهن ... اءُ تَمِيمٍ لم تُدْعَ أَرْضَ فَضَاءِ في اسْتوَاءٍ يُضْحِى عِيَالاً عَلَيه ... مِن صُحُونِ الأَيّام كلُّ اسْتِوَاءِ وفيها: وكأَنّ الرِّوَاقَ حُكِّمَ في الحُسْ ... نِ فلَمْ يَعْدُ كَثْرَةَ الإِحْتِوَاءِ فاخِرٌ والمُحَنَّبَات بتيجا ... نِ سُقوفٍ مَلْزُوزَةِ الأَصْلاءِ ناظِرَات بأَعْيُنٍ بين كَحْلاَ ... ءَ ولمْ تَكْتحِلْ إِلى شَهلاءِ ساكنَات إِذا العيُونُ تَحرَّكْ ... نَ لشيْءٍ باللَّحْظِ والإِيماءِ لم يُغَمِّضن مُذْ فتحْنَ يَدَ الدَّهْ ... رِ لغَضٍّ يوماً ولا إِغْفَاءِ مُحْدقات بها حَدائِق نورٍ ... ما غَذَتْهَا بَوَاكِرٌ الأَنْدَاءِ وفيها: دارُ مَجْدٍ حَوَتْ أَفانينَ كانتْ ... أَعْيُنُ الخَلْقِ دُونَهَا في غِطَاءِ نُزْهةٌ للعُيون مُذهِبَةٌ للْ ... هَمِّ كَشّافةٌ جَوَى البُرَحَاءِ لوْ سَعَتْ ساحةٌ بمِدْحَةِ بانٍ ... لم تَكُنْ عَنْه سُوحُها ببِطَاءِ كَعْبَةٌ حَجَّها العُفَاةُ فآبُوا ... بعْدَ إِمْلاقِهم من الأَغنياءِ ولعبد الله بن المعتزّ يصف الثريّا:

حَلَلْت الثُّرَيَّا خَيْرَ قَصْرٍ ومَنْزِلٍ ... فلا زَالَ مَعْمُوراً وبُورِك من قَصْرِ جِنَانٌ وأَشجارٌ تَلاَقَت غُصُونُهَا ... وحُلِّين بالأَثمار والوَرَقِ الخُضْرِ تَرَى الطَّيْرَ في أَغْصَانِهِنّ هَوَاتِفاً ... تَنقَّلُ مِن وَكْرٍ لهنّ إِلى وَكْرِ هَجَرْت سِوَاهَا كُلَّ دارٍ عَرَفْتها ... وحُقّ لدَارٍ غَيْر دَارِكَ بالهَجْرِ وأَنْهَارُ مَاءٍ كالسَّلاسِل فُجِّرَت ... لتُرضِعَ أَوْلادَ الرَّيَاحِينِ والزَّهْر ومَيْدانُ وَحْشٍ تَرْكُضُ الخَيْلُ وَسْطَهُ ... فيُؤْخَذُ منها ما يُشَاءُ على قَسْرِ إِذَا ما رَأَتْ ماءَ الثُّرَيَّا ونَبْتَهَا ... نَسِينَ وُثُوبَ الكَلْبِ فيهنّ والصَّقْرِ وقلت في بيتٍ بناه الأمير أيَّده الله: بَنَيْتَ بَيْتاً سَمَا للفَخْر مَصْعَدُهُ ... واحْتَلَّ في ذِرْوَةِ العَلْيَا مُشَيّدُه قد عَانَقَ الأُفْقَ حتَّى خِلْتَهُ كَلِفاً ... قد طالَ مِن وَجْدِه فيه تَلَدُّدُهُ للنُّورِ في دَوْرِه لِعْبٌ ومُؤْتَلَقٌ ... يَعلو ويَنْحِطُّ مُسْتَناٍّ تَوَقُّدُهُ كأَنّه صارمٌ في كَفِّ مُدَّرِعٍ ... يَسُلُّه في الدُّجَى طَوْراً ويَغْمِدُهُ بَنَاهُ ذو هِمّةٍ عِلْماً وهَنْدَسَةً ... عَقْلاً ووَطَّدَهُ فِكْرٌ يُردِّدُهُ أَسَاسُه مَجْدُه والجُودُ حَائِطُه ... وأَرْضُه فَضْلُه والسَّقْفُ سُؤْدَدُهُ كأَنّه صَرْحُ بلْقِيسٍ وقد كَشَفَتْ ... سَاقاً وظَنَّتْهُ ماءً خِيفَ مَوْرِدُهُ أَقُول إِذْ كَلَّ وًصْفِي عنْه واعْتَذَرَتْ ... شَوَاهِدُ الحُسْنِ عنِّي حِينَ تَشْهَدُهُ بَيْتَانِ في الأَرْضِ بَيْتُ الله نَعْرِفُهُذِكْراً وذا البَيْتُ نَغْشَاه ونَقْصِدُهُ مُبَارَكٌ عَرَّفَ اللهُ الأَمِيرَ به ... يُمْنَ الجُلُوسِ ودَامَتْ فيه أَسْعُدُهُ ولجعيفران الموسوس يصف قصراً ويهجو صاحبه: يا قَصْرُ شانَكَ بُخْلُ صاحبك الّذي ... مافيه مَعْ إِمْسَاكِهِ مُسْتَمْتَعُ أَنت العَروسُ لهَا جَمَالٌ فائِقٌ ... لكِنَّهَا في كلِّ يَومٍ تُصْدَعُ وأيضاً في مثله لغيره: بَنَى أَبُو جعفرٍ دَاراً فشَيَّدَهَا ... ومِثلُه لجِيَار الدُّروش بَنّاءُ الجُوعُ داخِلُهَا والمَنْعُ طاهِرُهَا ... وفي جَوَانِبِهَا بُؤسٌ وضَرَّاءُ ما يَنْفَعُ الدّارَ مِنْ تَزْوِيقِ صَاحِبِها ... وليسَ في جَوْفِهَا خُبْزٌ ولا مَاءُ ولأبي الطَّريف يذمُّ بيته: فلو كانَ لي بَيْتٌ يَحِلُّ دُخُولُه ... لأَمْتَعتُكم بالقَصْفِ والشُّرْبِ والسُّكْرِ ولكِنّما لي بَيْتُ سُوءٍ كأَنَّه ... بَقِيَّةُ نَاوُوسٍ على سَاحِلِ البَحْرِ ولابن المعتزّ في بيتٍ ضيّقٍ كان فيه هو وجماعة من أصحابه: يارُبّ بَيْتٍ زُرْتُهُ وكأَنَّمَا ... قد ضَمَّنى من ضِيقهِ سِجْنُ ما يُحْسِنُ الرُّمّانُ يَجْمَعُ نَفْسَهُ ... في قِشْرِه إلاّ كما نَخْنُ وأخذ أبو العبّاس السَّفَّاح بيد عبد الله بن عليٍّ يدوِّره في أبنيةٍ كانت نبنى له، فتمثَّل عبد الله: أَلَمْ تَرَ حَوشَباً أَضْحَى يُبَنِّى ... بِنَاءً نَفْعُهَا لبَنِى بُقَيْلَهْ يُرجِّى أَنْ يُعَمَّرَ عُمْرَ نُوحٍ ... وأَمْرُ اللهِ يَطْرُقُ كلَّ لَيْلَهْ فغضب السفّاح ونتر يده من يده. فحلف عبد الله أنه ما اعتمد سوءاً. وبنى عليُّ بن محمّد بن عبد الله بن حسن داراً بالمدينة حسَّنها واجْتهد فيها، فلمّا فرغ منها قال: حِسَّنْتُ دَارِى بعدَ عِلْمِى أَنَه ... سَيَفُوزُ بَعْدِى الوَارثونَ بحُسْنِهَا فلَئِنْ بَنَيْتُ وكانَ غَيري نازِلاً ... فلَكَمْ نَزَلتُ مَنَازِلاً لم أَبْنِهَا

باب

وقال محمّد بن يحيى: دخلت على أبي العبّاس عبد الله بن المعتزّ وقد هدم أكثر داره، وهو ينظر إلى الصُّنّاع كيف يبنون قبَّةً له، فكأنّى أشفقت من الغرم مع قلّة الدَّخل، فأومأت بالقول إلى ذلك، فأنشدني مساعداً لي: أَلاّ مَن لِنَفْسٍ وأَشجانِهَا ... ودَارٍ تَداعَتْ بحِيطانِهَا أَظَلُّ نهارِىَ في شَمْسِهَا ... مُلَقًّى مُعَنًّى ببُنْيَانِهَا يُسَوَّدُ وَجْهِى بتَبْيِيضِهَا ... ويخْرَبُ كِيْسِى بعُمْراَنِهَا وقال وقد مدَّت دجلة فخرَّبت بعض داره: أَتَتْنِىَ دِجْلَةُ لمْ أَدْعُهَا ... فمَا صَنَعَ البَحْرُ ما تَصْنَعُ طُفَيْلِيّةٌ لم تكن في الحسا ... ب تَأْكُلُ دارِى ولا تَشْبَعُ فكَمْ مِنْ جِدَارٍ لنا مائِلٍ ... وآخَرَ يَسْجُدُ أَو يَرْكَعُ ويُمْطِرُنا السَّقْفُ من فَوقِنَا ... ومِنْ تَحْتِنَا أَعْنُنٌ تَنْبُعُ وأَصبَح بُسْتانُنا جَوْبَةً ... يُسَبِّحُ في مائِهِ الضِّفْدَعُ وحدّثني أبو الحسن عليّ بن هارون بن عليّ بن يحيى بن أبي منصور قال: كان أبي نازلاً في جوار عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، فانتقل عنها إلى دارٍ ابتاعها بنهر المهديّ، وهي دار إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فكتب إليه عبيد الله بن عبد الله مستوحشاً: يا منْ تَحَوَّلَ عنّا وهْو يَأْلَفُنَا ... بَعُدْتَ جِدًّا فلأْياً صِرْتَ تَلْقَانَا فاعْلَمْ بأنّك إِنْ بُدِّلْتَ جِيرتَنا ... بُدِّلْتَ دَاراً وما بُدِّلْت جِيرَانَا فأجابه أبو هارون بن عليّ: بَعُدْتُ عنك بدارِى دُونَ خالِصَتي ... ومَحْض وُدِّى وعَهْدِي كالّذِي كانَا وما تَبَدَّلتُ مُذ فَارَقْتُ قُرْبَكُمُ ... إلاّ هُمُوماً أُعانِيهَا وأَحْزَانَا وهلْ يُسَرُّ بسُكْنَى دَارِهِ أَحَدٌ ... وليسَ أَحبابُهُ للدّارِ جِيرانَا باب في الطرد والجوارح وما يصطاد من السوانح والبوارح أول من افتنَّ في فنون الطَّرد وأبدع فيه أبو نواس، لأنّه عمل في سائر الجوارح، مثل الكلب والبازي والزُّرّق والشاهين والصَّقر واليؤيؤ والباشق والفهد الزُّمَّج والعقاب وعناق الأرض وجميع ما يصطاد به من الآلات مثل قوس البندق والفخّ وقصب الدِّبق وما شاكل ذلك، ولم يأت للعرب في الطَّرد شعرٌ مفردٌ، بل كانت تصف النّاقة وتشبِّهها بالبقرة الوحشيّة إذا آسد عليها القنّاص الكلاب، افتناناً منها في أشعارها، ثمّ تصف الكلاب والطَّرد، كقول النابغة في الكلاب: أَهْوَى له قانِصٌ يَسعَى بأَكْلبِهِ ... عارِى الأَشَاجِع مِن قُنّاص أَنْمَارِ يَسْعَى بغُبْسٍ طَوضاها، فَهْي طاوِيةٌ، ... طُولُ ارْتحالٍ بها مِنْهُ وتَسْيَارِ وكقوله أيضاً: فبَاتَ كأنّه قاضِي نُذُورٍ ... سَرَى لله يَنْتَطِرُ الصَّبَاحَا فصَبَّحَهُ كِلاَبُ بني تَمِيمٍ ... بجَنْبِ الرَّدْهِ مِن جَدَهٍ كِفَاحَا فلمَّا أَنْ تَبَيَّنَ ضارِياتٍ ... وكَلاّباً يَعنُّ بهنّ سَاحَا فأَعملَ للنَّجاءِ مُخَذْرَفَاتٍ ... نَوَائِمَ أَذْرَفَتْ دَمْعاً صحَاحَا فهنّ شَوَارِعٌ يَطْمَعنَ فيه ... ولن يَتْرُكْنَه لَجَرَىصِفَاحَا فلمّا أَنْ دَنَونَ له تَأَبَّى ... ولولاَ بَأْوُهُ لَنَجَا طِمَاحَا وله أيضاً: فارْتَاعَ مِن صوتِ كَلاّبٍ فبَاتَ لَهُ ... طَوْعَ الشَّوامِتِ من خَوْفٍ ومن صَرَدِ فبَثَّهُنّ عليه فاسْتَمَرَّ بِهِ ... صُمْعُ الكُعُوبِ بَرِيئَات مِن الحَرَدِ وللبيد بن ربيعة: حتّى إِذا يَئِس الرُّمَاةُ وأَرسَلوا ... غُضْفاً دَوَاجِنَ قَافِلاً أَعْصَامُهَا فلَحِقْنَ واعْتَكَرتْ لهَا مَدَرِيَّةٌ ... كالسَّمْهَرِيَّةِ حَدُّها وتَمَامُهَا لتَذُودَهنّ وأَيْقَنتْ إِنْ لم تَذُدْ ... أَنْ قَدْ أَحَمَّ مَعَ الحُتُوفِ حِمَامُهَا

فتَقَصَّدَتْ منها كَسَابِ وضُرِّجَتْ ... بدَمٍ وغُودِرَ في المَكَرّ سُحَامُهَا وكقول زهير بن مسعودٍ الضَّبِّيّ: فَنَالَ شَيْئاً ثُمَّ هاجَتْ بهِ ... مُؤْسَدَةٌ فيهنّ تَدرِيبُ غُضْفٌ ضَوَارٍ طُوِيَتْ فانْطَوتْ ... كأَنّهَا ضُمْراً يَعَاسِيبُ فجَال في وَحْشِيِّها نافِراً ... رَهْبَتَهَا والشَّرُّ مَرْهُوبُ حتَى إِذَا قُلْتَ تَلاَقَيْنَهُ ... والحيْنُ.. للحينِ مجْلُوبُ ثَنَّى لَها يَهْتِك أَسْحَارَها ... بمُتْمَئرٍّ فيه تَحْرِيبُ حتَّى تَسَاقَطْنَ وخَلَّيْنهُ ... ورَوْقُهُ بالدَّمِ مَخْضوبُ وللأخطل: فأَرْسَلُوهنّ يُذْرِينَ التُّرابَ كما ... يُذْرِى سَبَائِخَ قُطْنٍ نّدْفُ أَوْتَارِ حتَّى إِذا قُلْتُ نالَتْهُ سَوابِقُهَا ... وأَدرَكتْهُ بأَنْيَابٍ وأَظْفَارِ أَنْحَى إِليهنّ عَيْناً غَيْرَ غافِلةٍ ... وطَعْنَ مُحتَقِرِ الأَقْرَانِ كَرَّارِ وله أيضاً: هَاجَتْ به ذُبَّلٌ مُسْحٌ جَوَاعِرُهَا ... كأَنّمَا هُنَّ مِن نَبْعِيَّعٍ شِقَقُ فَظَلَّ يَهْوِى إِلى أَمْرٍ يُسَاقُ لَه ... وأَبْبَعَتَهُ كِلاَبُ الحَىِّ تَسْتَبِقُ لمَّا لَحِقْنَ به أَنْحَى بمِغْوَلِهِ ... يَمْلاَ فَرَائِصَها من طَعْنِهِ العَلَقُ وله أيضاً: أَمَّ الخُرُوجَ فأَفْزَعَتْهُ نَبْأَةٌ ... زَوَتش المَعَارِفَ فَهْوض منها أَوْجَرُ مِن مُخْلِقِ الأَطمارِ تَسْعَى حَوْلَه ... غُضْفٌ ذَوَابِلُ في القَلائِدِ ضُمَّرُ ولبعض الرُّجّاز: مُوَلَّعٌ يَقْرُو صَرِيماً قد بَقَلْ صُبَّ عَلَيْه قانِصٌ لمَّا غَفَلْ والشَّمْسُ كالمِرْآة في كَفِّ الأَشَلّْ مُقَلدَّاتِ القِدِّ يَقْرُونَ الدَّغَلْ وكانت أيضاً تصيد بالكلاب وبالخيل، ولم نجد لها إلاّ أبياتاً أنشدناها إبراهيم بن محمّد قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابيّ، لأعرابيّ: قد أَغْتَدِى واللَّيْلُ كالزّنجىِّ يَنْهَضُ نَهْضَ العاتِبِ الوَجِىِّ والصُّبْحُ خَلْفَ الفَلَق الدَّجِىِّ بأَمعَرِ السَّاقَيْنش تَوَّجِىِّ قَيدِ الإِوَزِّ ولَهَا البُنْجىِّ ليس بمُحْثَلٍّ ولا عَجِىِّ العاتب: الذي به ظلعٌ فهو يمشي على ضعفٍ، يقال: عتب يعتب عتباناً. ومن العتاب عتباً ومعتبةً، والفلق: الفجر، والدَّجِىّ: الذي فيه شيءٌ من سوادٍ، لهاً جمع لهاةٍ، البنجىّ: الكركيُّ، المحثلُّ، أصله التخفيف، أحثل فهو محثلٌ، إذا أسىءغذاؤه، العجىُّ: اليتيم من الحيوان من أمه، و: اليتيم من الناس من أبيه، وجمعه عجايا، وأنشد ابن الأعرابيّ: عَدَانِي أَن أَزورَك أَنّ بَهْمِي ... عَجَايَا كُلُّها إلاّ قليلا وما جاء للعرب من صفات العقبان والصُّقور فإنّما ذكروا أفعالها لأنفسها، لا أنّهم ضرَّوها على صيدها، فلمّا جاء الإسلام سئل النبي صلَّى الله عليه عن الصِّيد، فأنزل الله عزَّ وجلَّ يسألونك ماذا أحلَّ لهم قل أحلَّ لكم الطِّيِّبات وما علَّمتم من الجوارح مكلِّبين تعلِّمونهنَّ ممّا علَّمكم الله فكلوا ممّا أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتَّقوا الله إنّ الله سريع الحساب ونحن نأتي بما نختاره من شعر أبي نواس في فنون الطَّرد مختلطاً بشعر غيره بعد قطعةٍ لبعض الأعراب في ثعلبٍ صاده، أنشدها محمّد بن الحسن له: للهِ دَرُّ أَبي الحُصَيْن لَقَد بَدَتْ ... منه مَحَاوِلُ حُوَّليٍّ قُلَّبِ وَرَدَ الحِبَالَةَ وهْيَ صُورٌ نحوَه ... طَمَعاً لِتَعْلَقَهُ ولمَّا يَرْتَبِى حتَّى إِذا شَملَت مَعَاقِدُ طَرْفِهِ ... أَرْجاءَهَا تبأَمُّلٍ وتَأَرُّبِ ويَدَاهُ وَاسِطتانِ لمَّا تَنْكُصَا ... أَو تقْدمَا لوُرُودِ عَزْمِ المَنْكبِ صرَحَتْ به نَفْسُ النجىِّ مَخافَةً ... بادِرْ نَجَاءَكَ لا تُغَرّ فتشْعَبِ

في الكلب

فاسْتَدْبَرتْ إِحدَى يَدَيْهِ القَهْقَرَى ... وثَنَتْ به الأُخْرَى ثنِىَّ تَهَيُّب فنَجَا وهَلْ يَنجو مَنَ اخطَأَهُ الرَّدَىفي البَدْءِ مِن عَوْدِ الرَّدَى المُتَأَوِّبِ لم يَعْدُ بعْدَ نَجَائِهِ مِنْ ساعَةٍ ... أَنْ قامَ قَوْمةَ نافِضٍ مُتَرقِّبِ فظَللْتُ منه بمُرتأًى من شَحْصه ... في كلِّ حالٍ أَمَّهَا أَو مَذْهَبِ مُتَضَابِئاً طَوْراً لَدى اسْتِشْرَافه ... فمَتى يُوَهِّدْ في مَجَالٍ أَرْتَبِ حتّى اطْمأَنّ وقامَ منَى شَخصُهُ ... بمَكَانِ دانٍ للرِّمايَة مُكْثِبِ فنَحَوْتُه سَهْمِى فأَنْشَبَ صُلْبَه ... شَكّاً وأَيّ رَمِيَّةٍ لمْ أُنْشِبِ ثمّ انثنَيتُ إِلى بُنَيِّى مالِئاً ... كَفَّىَّ مُغْتَبِطاً بعَيْشٍ مُخْصِبِ أَبُنَىّ أَيَّةُ خَلّةٍ محمودةِ ... صَعُبَت على الطُلاَّب أَمْ لمْ تَصْعُبِ في الكلب من صفات الكلب أن يكون صغير الرأس، طويل العنق غليظها، وأن يشبه خلق بعضه بعضاً، وأن يكون أغضف مفرط الغضف وأن يكون بعيد ما بينهما، ويكون واسع العينين بعيد ما بينهما، ويكون أزرق العينين، عظيم المقلتين، ناتىء الحدقة، طويل الخطم لطيفه، واسع الشِّدقين، ناتىء الجبهة عريضها، وأن يكون الشَّعر الذي تحت حنكه طاقة طاقةً، ويكون غليظاً، وكذلك شعر خدَّيه، ويكون قصير اليدين، طويل الرِّجلين، لأنّه إذا كان كذلك كان أسرع في الصُّعود بمنزلة الأرنب. قالوا: ولا يكاد يلحق الأرنب في الصُّعود إلاّ كلُّ كلبٍ قصير اليدين، طويل الرِّجلين، وينبغي أن يكون طويل الصَّدر غليظه، وأن يكون ما يلي الأرض من صدره عريضاً، وأن يكون عريض العضدين، مستقيم اليدين، مضموم الأصابع بعضها إلى بعض إذا مشى أو عدا، وهو أجدر أن لا يصير بينهما من الطِّين وغير ذلك ما يفسدها، ويكون ذكيَّ الفؤاد نشيطاً، ويكون عريض الظَّهر عريض مابين مفاصل عظامه، عريض ما بين أصل الفخذين اللَّذين يضمّان أصل الذَّنب، وطويل الفخذين غليظهما، شديد لحمهما، رزين المحمل، دقيق الوسط، طويل الجلدة التي بين أصل الفخذين والصَّدر، مستقيم الرِّجلين، ولا يكون في ركبتيه انحناءٌ، ويكون قصير الساقين دقيقهما، كأنّهما خشبتان من صلابتهما، وليس يكره أن تكون الإناث طوال الأذناب، ويكره ذلك للذُّكور، ولين شعره ممّا يدلُّ على القوَّة، وينبغي أن يكون الكلب شديد المنازعة للمقود وللسِّلسلة، وأن يكون العظمان اللَّذان يليان اللَّحيين صغيرين في قدر ثلاث أصابع، ويقال إنّ السُّود منها أقلُّها صبراً على الحرّ والبرد، وإنّ البيض أفرها إذا كنّ سود العيون، قالوا: ومن علامة الفره التي ليس بعدها شيءٌ أن يكون على ساقيه أو أحدهما أو على رأس الذَّنب مخلبٌ وينبغي أن يقطع من الساقين، لأنّه يمنعه من العدو، وخير الأشياء التي تطعم الكلاب الخبز الّذي ييبس، ويكون الماء الذي يسقاه يصبَّ عليه شيءٌ من زيتٍ، فإنّ ذلك كالقتّ المخض للخيل، ويشتدُّ عليه عدوه، قالوا: وخير الطَّعام في إسمان الكلاب رأس مطبوخٌ أو أكارع بشعرها، من غير أن تطعم من عظامها شيئاً، والسَّمن إذا أطعم منه قدر ثلاث سكرجات مرتين أو ثلاثاً فإنّ ذلك ممّا يسمِّنه. ويقال إنّه يعيد الهرم شاباً حتى يكون ذلك في الصِّيد وفي المنظر، والثَّريد من أردإ ما تأكله للعدو. وقال أبو نواس: لمّا تَبَدَّى الصّبحُ من حِجَابِهِ كطَلْعةِ الأَشمطِ من جِلْبَابِهِ هِجْنا بكَلْبٍ طالَ ما هِجْنَا به يَنْتَسِفُ المِقْوَدَ من جِذَابِهِ من مَرَحٍ يَغْلُو إِذا اغْلَوْلَى به ومَيْعَةٍ تَغلِبُ مِن شَبَابِه كأَنّ مَتْنَيْهِ لَدَى انْصِبَابِه مَتْنَا شُجَاعٍ لجَّ في أنْسِيابِهِ كأَنّما الأُطْفورُ في قِنَابِه مُوسَى صَنَاعٍ رُدَّ في نِصَابِه تَرَاهُ في الحُضْر إِذَا هَاهَا بِه يَكادُ أَن يَخرُجَ من إِهَابِه تَرَى سَوَامَ الوَحْشِ يُحْتَوَى بهِ يُعْتَلْنَ أَسْرَى ظُفْرِهِ ونَابِهِ وله أيضاً: أَنْعَتُ كَلْباً أَهلُه في كَدِّهِ

قد سَعِدَتء جُدُودُهم بجدِّهِ فكلُّ خَيْر عندهم من عندِه يَظَلُّ مَوْلاهُ له كعَبْدِهِ يَبِيتُ أَدْنَى صاحِبٍ من مَهْدِهِ وإِن غَدَا جَلَّلَه ببُرْدِهِ ذَا غُرَّةٍ مُحَجَّلاّ بزنْدِهِ تَلَذُّ منه العَيْنُ حُسْنَ قَذِّهِ تأْخِيرَ شدْقَيْه وطُولَ خَدِّه تَلقَى الظِّباءُ عَنَتاً من طَرْدِهِ يشرَب كأْساً شدّها في شَدِّهِ يا لَكَ من كَلبٍ نَسِيج وَحْدِهِ وله في الثعلب والكلب: لمّا غَدَا الثَعلبُ في اعْتدائِهِ والأَجَلُ المقدُورُ من وَرَائِهِ صَبَّ عليه اللهُ من أَعْدَائه سَوْطَ عَذابٍ صُبَّ مِن سَمَائَهِ مُبَاركاً يكثرُ من نَعْمائِه تَرَى لمَوْلاه على جِرَائِه تَحدُّبَ الشَّيْخ على أَبنائِهِ يُكِنُّه باللَّيْل في غِطَائَهِ يُوسعُه ضَمّاً إِلى أَحْشَائه وإِن غَدَا جُلِّلَ في رِدائِهِ من خَشيَة الطَّلِّ ومن أَندائِهِ يَضنُّ بالأَرذلِ من أَطلائِهِ ضَنّ أَخِى عُكلٍ على عَطَائِه حتّى إِذا ما انشامَ في مُلاَئِهِ وصارَ لحْياهُ على أَنسَائهِ تَنَسَّمَ الأَرْواحْ في أنبِرَائِه خَضْخَضَ طُنْبُوبَيه في أَمعائِهِ فخَضَّبَ الثَّعْلَبَ من دِمَائِهِ يا لك مِن عادٍ على حَوْبَائِهِ وله في كلب اسمه سرياح: قد أَغتدِىفي فَلَقِ الصَّبَاحِ بمُطعِمٍ بُوجِزُ في سرَاحٍ مُؤيِّدٍ بالنَّصْرِ والنَّجَاحِ غَذَتْهُ أَظآرٌ من اللِّقَاحِ فهو كَمِيشٌ ذَرِبُ السِّلاحِ ما البَرْقُ في ذِي عَارِضٍ لَمّاحِ ولا انقِضاضُ الكَوْكَبِ المُنصَاحِ أَجَدُّ في السُّرْعَة من سِرْيَاحِ يَكَادُ عندَ ثَمَلِ المُرَاحِ يَطِيرُ في الجَوِّ بلا جَنَاحِ يَفِتَرُّ عن مِثل شَبَا الرِّماحِ فَكَمْ وكَمْ ذي جُدَّةٍ لَياحِ غَادَرَهُ مُضَرَّجَ الصِّفَاحِ وأيضاً في كلب اسمه زنبور: إِذا الشّياطِينُ رَأَتْ زُنبُورَا قد قُلِّدَ الحَلْقَةَ والسُّيُورَا بَكتْ لخِزَّانش القُرَى ثُبُورَا أَزفَى تَرَى في شِدْقِه تأْخيرَا تَرَى إِذَا عَارَضْتَهُ مَفرُورَا خَنَاجِراً قدْ نبَتَتْ سُطُورَا مُشْتَبِكَاتٍ تَنْظِم السُّحُورا أُحْسِنَ في تَأْدِيبِه صَغِيرَا حَتّى تَوَفَّى السِّتَّةَ الشُّهُورَا مِن سِنِّه وبَلَعَ الشُّغُورَا وعَرَفَن الإِيحاءَ والصَّفيرَا والكَفَّ أَن تُومِىءَ أَو تُشِيرَا يُعْطِيك أَقْصَى حُضْرِه المَذخُورَا شَدّاً تَرَى من هَمْزِه الأُظْفُورَا مُنَتشِطاً من أُذْنِه سُيُورَا وله أيضاً: أَعْددْتُ كلباً للطِّرَاد فَظَّا إِذا غَدَا من نَهَمٍ تَلظَّى وجَاذَبَ المِقْوَدَ واسْتَلَظَّا كأَنَّ شَيْطَاناً به أَلَظَّا يَكُظُّ أَسرَابَ الظِّبَاءِ كَظَّا يَحُوزُ منها كلَّ يَوْمٍ حَظَّا حتّى تَرَى نَجِيعَها مُفتَظَّا وله أيضاً: قد أَغتدِى والطَّيْرُ في مَثْواتِهَا لم تُعْرِبِ الأَفواهُ عن لُغاتِهَا بأَكلُبٍ تَمْرَحُ في قِدّاتِهَا تَعُدُّ عِينَ الوَحْشِ منْ أَقْواتِهَا قد لَوّحَ التَّقديحُ وَارِيَاتِهَا وأَشْفَقَ القانِصُ من خُفَاتِهَا من شِدَّةِ التَّقديح واقْتِيَاتِهَا وقُلتُ قد أَحْكَمْتَها فهَاتِهَا وأَدْنِ للصَّيْد مُعَلَّمَاتِهَا وارْفَعْ لَنَا نِسْبَةَ أُمَّهاتِهَا فجاءَ يُزْجِيها على شِيَاتِهَا شُمَّ العَرَاقِيبِ مُوَثَّقَاتِهَا مُشرِفةَ الأَكَتافِ مُوفَدَاتِهَا سُوداً وصُفْراً وخَلَنْجِيّاتِهَا تَرَى على أَفْخاذها سِمَاتِهَا مُفدَّيَاتٍ ومُحَمَّيَاتِهَا غُرَّ الوَجوهِ ومُحَجَّلاتِهَا كأّنَّ أقماراً على لَبَّاتِهَا قُودَ الخَرَاطيم مُخَرْطَمَاتِهَا زُلَّ المآخِير عَمَلَّسَاتِهَا

مَفرُوشةَ الأَيدِي شَرَنبَثَاتِهَا تَسْمعُ في الآذانِ مِن وَحَاتِهَا مِنْ نهَمِ الصَّيْدِ ومنْ خَوَاتِها لِتَفثَأَ الأَرْنبَ عن حَيَاتِهَا إنّ حَيَاةَ الكَلب في وَفَاتِهَا حتّى تَرَى القِدْرَ على مَثْفَاتِهَا كَثيرَةَ الضِّيفَان من عُفَاتِهَا يَقذِفُ جَالاَهَا بجَوْزِ شَاتِهَا وله أيضاً: لمَّا غَدَا الثَّعْلَبُ من وِجَارِهِ يَلتَمِسُ الكَسْبَ على صِغَارِهِ عارَضْتُه مِن سَنَنِ امْتِيَارِهِ بضَرِمٍ يَمْرَحُ في شِوَارِهِ في حَلَقِ الصُّفْرِ وفي أَسْيَارهِ تَجْمعُ قُطرَيهِ من اضطمارِهِ وإِنْ تَمَطَّى تَمَّ في أَسْيَارِهِ عَشْراً إِذا قُودِرَ في اقتدارِهِ كأَنّ لَحْيَيْهِ لَدَى افْترارِه شكُّ مَسَامِيرَ عَلَى أَطْوَارِهِ كأَنَّ خَلْفَ مُلْتَقَى أَشْفارِهِ جَمْرَ غَضاً يُدْمِنُ في اسْتعارِهِ سِمْعٌ إِذا اسْتَرْوَحَ لم تُمَارِهِ إِلاّ بأَنْ يُطْلَق من عِذَارِهِ فانْصَاعَ كالكَوْكَبِ في انكِدَارِهِ لَفْتَ المُشِيرِ مَوْهِناً بنَارهِ شَدّاً إِذَا أَخْصَفَ في إِحْضَارِهِ خَرَّقَ أُذْنَيه شَبَا أَظفارهِ حتّى إِذا ما انْشامَ في غُبَارِهِ عَافَرَهُ أَخْرَقُ في عِفَارِهِ فتَلْتَلَ المفْصَلَ من فَقَارِهِ وقَدَّ عنه جَانِبَيْ صِدَارِهِ ما خِيرَ للثَّعْلبِ في ابْتكارِهِ وله أيضاً: أَعْدَدْتُ كلْباً للطِّرَادِ سَلْطَا مُقَلِّداً قَلائِداً ومُقْطَا فَهْوَ الجَمِيلُ والحَسيبُ رَهْطَا تَرَى له شِدْقَين خُطّاً خَطّا ومَلطَماً سهْلاً ولَحيْاً سَبْطَا ذاكَ ومَتْنَيْن إِذَا تَمَطَّى قُلْت شِرَا كَانِ أُجِيدَا قَطَّا يَمْرِى إِذا كَان الجِرَاءُ عَبْطَا برَاثِناً سُحْمَ الأَثافِي نَشْطَا تَخالُ ما دَمَّيْن منه شَرْطَا ما إِنْ يَقَعنَ الأَرْضَ إِلاّ فَرْطَا كأنّما يُعْجِلْن شَيْئاً لَقْطَا أَسْرَع مِن قَوْلِ قَطَاةٍ قَطَّا يَكْتَالُ خِزَّانَ الصَّحَارِى الرُّقْطَا يَلْقَيْنَ منْهُ حَاكماً مُشْتَطَّا لِلْعَظْمِ حَطْماً والأَدَيْمِ عَطَّا وله أيضاً: قد اَغْتَدِى واللَّيْلُ في إِهَابِهِ أَدْعَجُ ما غُسِّلَ مِنْ خِضَابِهِ مُدَثَّراً لمْ يَبْدُ مِن حِجَابِهِ كالْحَبَشِيِّ اسْتُلَّ مِن ثِيَابهِ بَهيْكَلٍ قُوبِلَ في أَنْسَابِه يُصَافِحُ الكَذّانَ من أَظْرَابِه بوُقَّحٍ تَقِيه في أنْسيابِهِ شَبَا المَظَارِير وحَدَّ نَابِهِ حتّى إِذا الصُّبْحُ بَدَا من بَابِهِ وكَشرَتْ أَشْداقُه عن نَابِهِ عنَّ لنَا كالرَّأْلِ لم يُورَى بِهِ ذُو حُوّةٍ أُفِرِدَ عن أَصحَابِهِ يَقْرُومِتَانَ الأَرضِ معْ شهَابِهِ قُلْنَا له عَرِّه مع أَسْلابِهِ فلاَحَ كالحَاجِب من سَحَابِهِ أَو كالصَّنِيع اسْتُلَّ من قِرَابِهِ فانْصاعَ كالأَجْدَلِ في انْصِبَابِهِ أَو كالحَرِيق في هَشِيمِ غابِهِ مُلْتهِباً يَسْتَنُّ في الْتهابِهِ وله أيضاً: يا رُبّ ثَورٍ بمكَانٍ قَاصِ ذي زَمَعٍ دُلاَمِصٍ دَلاّصِ باتَ يُراعِى النجمَ من خَصَاصِ صَبَّحْتُهُ بضُمَّرٍ خِمَاصِ لاحقَةٍ أَطْلاؤُها شَوَاصي تمُرُّ بعْدَ الحُضُرِ البصْباصِ منه لهَا حيْثُ يكُون الخَاصيِ يَكْشِر عن نَابٍ له فرّاصِ أّذْنَاه سَوْداوانِ كالعَنَاصِ بها يُعَاطىِ وبهَا يُعاصىِ وله أيضاً: قد أَغتدى قبْلَ انشقاق النُّورِ واللَّيْلُ مُرْخٍ هدبَ السُّتُورِ بمُخْطَفِ الجَنبَيْنِ والخَصورِ مُلاَحَكِ الأَرْساغِ والفُقُورِ أَسْودَ أَوْ ذي بَلَقٍ مَشْهورِ زُيِّنَ بالتَّلويح والضُّمُورِ حتَّى إِذا كانَ مع السُّفُورِ عَنّ لنا للقَدَرِ المَقْدورِ مُرْهَفةُ الأَعْجازِ والصدورِ

فشَدَّ فيها شَدَّةَ المُغِيرِ أَو مثْل شَدِّ الحَنِقِ المَوتُور فرَدَّ أُولاَهَا على الأَخِيرِ ثمّ انْتحَى لسَلْهَبٍ دَرِيرِ فصَادَهُ بلَهْذَمٍ مَطرُورِ مُفرِّقٍ مجامِعَ السُّحُورِ تخالُ منْهنّ شَبَا الأُطْفُور مثْلَ سِنَان الحَرْيَةِ المَطْرُورِ ورَدَّ بَيْنَ الأَيْنِ والفُتُورِ عِشْرينَ عُلْجُوماً إِلى يَعْفُورِ مَخْضُوبَة الأَظْلافِ والنُّحُورِ قُلْ لظِبَاءٍ بالحَزِيز صُورِ هَيْهَاتَ لا مَنْجَاةَ من زُنْبُورِ فأَنْجِدِى إِن شِئْتِ أَو فغُورِى يالَك يَوْماً جامِعَ السُّرُورِ وفيما مرَّ من صفات الكلب لأبي نواس مقنعٌ، ونذكر صفات غيره، ثمّ نذكر بعد ذلك سائر الجوارح إن شاء الله. ولشرشير الجدليّ في الكلب: قدْ اغْتَدى واللَّيْلُ في حجَابهِ لم تُحْلَل العُقْدةُ من نِقَابهِ بأَغْضفٍ يَعيشُ مَنْ غَدَا بهِ يَخُطُّ بالبُرْثُنِ في تُرَابهِ خَطَّ يَدِ الكاتِب في كِتَابهِ مُلْتَقِطاً للخَطْوِ في انْتدابهِ لقْطَ يَدِ المَاهرِ في حِسابهِ حتّى إِذا أُطْلِقَ عن جِذَابهِ مَرَّ يَدُرُّ السَّحُّ من أَهْدَابهِ كمّا يَدُرُّ القَطْرُ بانْسكابِهِ مُنْضَرِجاً يَلْمَعُ في انْسِيابِهِ كلَمَعَانِ البَرْقِ في سَحَابِهِ أَو كانقِضَاضِ النَّجْمِ في شِهَابِهِ يَنْتَصِلُ الأُطفورُ مِن قِنَابِهِ كمَا يُسَلُّ السَّيْفُ في مَراَبِهِ تَخالُه ما جَدَّ في إِلْهَابِهِ مُفَرِّياً بالحُضْر من إِهَابِهِ والوَحْشُ أَسْرَى طُفْرِه ونَابِهِ وهذا إذا تأمّلته وجدت أكثره مأخوذاً من أبي نواس. وله فيه: يا رُبّ كَلْبٍ رَبُّهُ في رِزْقهِ يَرَى حُقُوقَ النَّفْسِ دُونَ حَقِّهِ تَرَاهُ في تَسريحِه ورِبْقِهِ وحِذْقِه ببِرِّه ورِفْقِهِ كعَاشِقٍ أَضْنَاه طُولُ عِشْقِهِ أَصْفَر يُلْهِى العَيْنَ حُسْنُ خَلْقِهِ كذَهَبٍ أَبْرَزْتَهُ من حُقِّهِ ذي غُرَّةٍ قارِعَةٍ لفَرْقِهِ وذي حُجُولٍ بَيّنَت عن سَبْقِهِ وَيْلٌ لأَظْبٍ سَنَحَتْ لطُرْقِهِ وله أيضاً فيه: يا رُبّ كَلْبٍ أَهلُهُ في كَسْبِهِ يَقُوتُهم بِسَعْيهِ وَدَأْبِهِ يَطُنُّهُ الناظرُ رَبَّ رَبَّهِ يَرَاهُ أَدْنَى من سُوَيْدَا قَلْبِهِ يُؤْثِرُهُ على كَريمِ صَحْبِهِ يَعْدُو بكَشْحٍ لاحِقٍ بجَنْبهِ ومُقْلَةٍ مُبِينَةٍ عن إِرْبِهِ أَجَدّ كالرِّثْمِ نَأَى عن سِرْبِهِ مُمَلّك في العَدْو قُطْرَىْ سَهْبِهِ يُلْحِقُ شَدّاً شَرْقَهُ بغَرْبِهِ وله أيضاً: لمّا أَجالَ الفَجْرُ في أَستارِهِ كَفًّا وقَضَّى اللَّيْلَ من أَوطَارِهِ عَدَوْتُ أَبغى الصَّيْدَ في ديَارِهِ بأَتْلَعٍ يَنْسَابُ في ازْوِرارِهِ مثْلَ انْسيَاب الأَيْمِ في اغْترارِهِ مُثَفَّف كالسَّهْم في اضْطمارِهِ ومَرِّه في الجوِّ وانْكِدَارِهِ تَسْتَعِرُ الأَرضُونَ باسْتعارِهِ أَصْفرُ قد رُوِّىَ مِنْ نُضَارِهِ كَمَا تَرَوَّى الغُصْنُ من قِطَارِهِ يَكْشِفُ إِن لاَقاكَ بافْترارِهِ عن عُصُلٍ تَدْعُو إِلى جِذَارِهِ يطِيرُ إِنْ قَلَّصَ عن أَشفارِهِ عن عَيْنِه ما انْجَابَ من شَرَارِهِ مُحَجَّلٌ يَسْتَنُّ في شَوَارِهِ مثْلَ اسْتِنانِ المُهْرِ في عِذارِهِ قد أَحْكَمَ التَّضبيرُ من إِضْمَارِهِ فوَسْطُه يُدْمَجُ في أَقْطَارِهِ يَمْثُلُ كاللَّيْث أَوَانَ زَارِهِ مُسْتَوْضِحاً كطَالِبٍ بثَارِهِ مُسَرْوِحاً يَدْعُو إلى أَوْتَارِهِ يَقْضِى على الخائِمِ في وَجَارِهِ مِن قَبْلِ أَن يَدْنُوَ من جِوَادِهِ لا تُدْرِكُ الرِّيحُ لَدَى ابْتِدارِهِ منه سِوَى الثائِر من غُبَارِهِ أَطلَقْتُه للصَّيْدِ من أَسْيَارِهِ فما كَفَفْتُ الطَّرْفَ عن مَصارِهِ

حتّى رَأَيتُ الصَّيْدَ في إِسَارِهِ وله أيضاً: قد اغْتدِى واللَّيْلُ في سَوَادِهِ لم يُمْكِنِ الجَوْنَةَ من قِيَادِهِ برَائِحٍ يَهتزُّ في مَقَادِهِ مُؤْتَلِقٍ كالسَّيْف في اطِّرَادِهِ أَغَرَّ مَنْسُوبٍ إِلى أَجدَادِهِ يَلْحَظ كالمَوتور عن أَوْلاَدِهِ أَو قَادحٍ للنّار عن زِنَادِهِ يَسْترِقُ السَّمْعَ علَى بِعَادِهِ أَلْحَاطُه تُخْبِرُ عن مُرَادِهِ كأَنَّهَا تَصْدُر عن فُؤادِهِ يَكْفِيه لَحْظُ العَيْنِ مِنْ إِيسْادِهِ ووَعْدُهُ يُوجَدُ في إِيعادِهِ يا بُؤْسَ للخِزَّانِ من مَصَادِهِ ولِوُحُوش البِيدِ منْ مُدَّادِهِ أُطْلِقُهُ للصَّيْدِ من سَدَادِهِ فلا أَردّ الطَّرْفَ عن إِنْهَادِهِ حتّى أُحِيلَ الكفَّ مِن إِرْفادِهِ وله أيضاً: وعَادَ الأَوَابِدُ قَبْلَ الصَّباحِ ... بنَدْبٍ يُفَرِّقُ فيهَا النُّدُوبَا مَرْوحٍ طَمُوحٍ حَمِيزِ الفُؤا ... دِ تَحْسب في الطَّرف منه قُلُوبَا حَصِيفٍ يَكَادُ لفَرْطِ الذّكَا ... ءِ يُبْدِى لمُسْتَخْبِرِيه الغُيُوبَا كسَا صَدْرَهُ صُدْرَةً مِنَ حَرِيرٍ ... وشَقَّ على النَّحْرِ منه الجُيُوبَا ويَفْتَرُّ عن قُصُلٍ شُزَّبٍ ... يَظَلُّ الحَدِيدُ لَدَيْها نَكِيبَا إِذَا فَاتَ في الصَّيْدِ حفْظَ الرّقِي ... بِ كانّ الحِفَاظُ عَلَيْه رَقِيبَا وله أيضاً: غَدَوْتُ في يَوْم ضَرِيبٍ أَشْهَبِ مُحْتَجبِ الجَوْنَةِ مُدْنىِ المَطْلَبِ والطَّيْرُ عن لُغَاتِهَا لم تُعْربِ بأَنْزَعٍ مُؤَدَّبٍ مُجَرَّبِ مُضْطَمرِ الكَشْحَيْنِ هَادٍ شَرْجَبِ مُؤَلَّلِ الأُذْنَيْن مُجْدٍ مُنْحِبِ كأَنّه لاَبِسُ ثَوْبٍ مُذْهَبِ مُتَّشِح بآخَرٍ مُعَصَّبِ يَجْمَعُ بالوَثْبَة قُطْرَ السَّبْسَب مُوَاصِلاً مَشْرِقَه بالمَغْرِبِ يَنْقَضُّ في البِيد انْقضاضَ الكَوْكَبِ كأَنّه إِذا سَمَا لمذْهَبِ مُوفٍ على أَعدائِه مِن مَرْقَبِ فظِلْتُ منه في جَنَاحٍ مُخْصبِ ومَأْكَلٍ مُمَكّنٍ لمَشْرَبِ ولعليّ بن محمّد العلويّ الكوفيّ في الكلب: صَبَّ إلى عبَارَةِ المُلُوكِ باتَ على الفِرَاشِ كالمَوْعُوكِ من زَمَعٍ مُضْطَرِمَ التَّحرِيكِ حتّى إِذا أَحسَّ بالدُّلُوكِ وصَقَعَتْ أَوَاخِرُ الدُّيُوكِ بادَرَ مثْلَ الرَّجُلِ المَسْلُوكِ يَمْسَحُ وَجْهَ كَلبِهِ صُعلوكِ أَصفَرَ مثل الذَّهبِ المَسْبُوكِ ذي مُقلَةٍ قَلِيلِةِ الشُّكُوكِ حَمّالِ أَوْزارِ الدَّمِ المَسفوكِ وله أيضاً: لَطَاَلَمَا نِمْتُ عن الصَّلاةِ وقَدْ أَمِنتُ رَوْعةَ البَيَاتِ بوزى يلاقي أوجُهَ العُداتِ يَلقَاكَ جَوَّالٌ بشاهِقَاتِ أَغضَفُ عَطَّافٌ على الأَصْوَاتِ يَهْوِى هُوِىَّ الكَوْكَبِ المُنصَاتِ مُيَمَّنُ السَّطْوةِ والشَّدَّاتِ مُقتَدِرٌ منها على الأَقْواتِ في هَبَوَاتٍ مُتَزَوْبِعَاتِ يالّذَّتيِ فيك إلى المَمَاتِ وله أيضاً: يا أَيُّهَا الثَّعلبُ وَثْباً وَثبَا تَأْبَى كِلابِى لك إِلاَّ حَرْبَا إِنّ عَرُوساً مَلأَتْكَ رُعْبَا كما رَأَيْتَ الكَوْكَبَ المُنصَبَّا أَو عاصِفاً من الرِّياحِ هَبَّا تَرَى لها إِذَا الطّرَادُ غَبَّا طَرْفاً شَرَافِيّاً وخَدّاً شَطْبَا وبُرْثُناً شَثْناً ومَتْناً رَحْبَا يَقْطعُ أَمْراسَ القِيَادِ جَذْبَا إِذَا اشرَأَبَّت مَرَحاً وشَغْبَا لاصَقَ طُبْيَاهَا التُّرَابَ قُرْبَا يا لَكَ كَلْباً ما ابتَغَيْتَ كَلْبَا يَأْبَى فُؤَادِى لك إِلاَّ حُبَّا ومن أحسن ما قيل في ذلك قول الحلبيّ: ورَوْضَةٍ آزرَهَا ... طُبّاقُهَا وشَثُّهَا

واعْتَمَّ في أَرْجائِهَا ... جَثْجاثُهَا ورِمْثُهَا واخْتَالَ في زَهْرِ الرَّبي ... ع سَهْلُها ووَعْثُهَا للوَحْش فيها مَوْسمٌ ... طاَلَ لَدَيْه لَبْثُهَا تَكادُ تَستخبِرُهَا ... أَمِلْكُهَا أَو إِرْثُهَا تُبْدِى عُيوناً تَسْتَبِى ... خُنْثَ العُيُونِ خُنْثُهَا جِئْتُ وقَد غُودرَ مِن ... قُمْصِ الدُّجَى أَرَثُّهَا وللصَّبَاح سائقٌ ... وَرَاءَهَا يَحُثُّهَا إِثْرَ سَحَابٍ قدْ تَلاَ ... مُرِذَّهَا مُلِثُّهَا فالزَّهْرُ صَرعَى فيه كال ... أَبْكار حُمَّ طَمْثُهَا أُزْجِى كأَمْثال الأُيُومِ نَهْسُهَاونَفْثُهَا أَبعثُهَا تُدرِكُ ما ... يُدْرِكُ لَحْظِى بَعْثُهَا مُنْقَضَّةً لبْثُ البُرُو ... ق في العِيَان لبْثُهَا كأَنَّمَا أَذنابُها ... سِيَاطُهَا تَحُثُّهَا كأَنّ مُنْبَتَّ الرِّيا ... ح في الفَلاَ مُنْبَثُّهَا كَأَنَّهَا قَد أَقَسَمْ فمَا يَجُوزُ حِنْثُهَا حتّى إِذا ما طاَلَ عَنْ ... أَرْوَاحِهنّ بَحْثُهَا وضَمّ من أَقْطَارِهنّ ... مَكْرُهَا وخُبْثُهَا ونَابَ عنْ نَبْثِ المُدَى ... في أُهْبِهنِّ نَبْثُهَا اعْتَنقَتْ أَعْنَاقَهَا ... اعْتِنَاقَةً تَجْتَثُّهَا كأَنّما جَاءَتْ ... بأَسْرَارٍ لهَا تَبُثُّهَا فاقتُسِمَت أَشلاؤُهَا ... سَمِينُهَا وغَثُّهَا للكَلْب ثُلْثَاهَا وما ... للقَوْم إِلاَّ ثُلْثُهَا لَنَا اللُّحُومُ ولَهَا ... دِمَاؤُهَا وفَرْثُهَا وقوله أيضاً: يا رَوْضَةً صاغَ لهَا ... حُلِيَّها الأَشْرَاطُ خِيطَتْ عَلَيْهَا حُلَلٌ ... ما خَاطَهَا خَيّاطُ فبَعضُها مَطَارِفٌ ... وبَعضُها أَنْماطُ كأَنّما غُدْرَانُها ... من حَوْلِهَا رِيَاطُ للوَحْشِ في أَرجائِهَا ... قَبَائِلٌ أَخْلاطُ وَافَت كَمَا تُوَافِى ... لِعيدِهَا الأَنبَاطُ فنَاظِرٌ مِن سَبَجٍ ... أَحكمَهُ الخَرَّاطُ ومُتَّقٍ بمِدْرَى ... كأَنّه خِيَاطُ غَادَيْتُهَا ولم يُقِمْ ... أَعْلامَه الغُطَاطُ بأَكلُب لو لَم تَطِرْ ... أَطارَهَا النَّشَاطُ في ساعةٍ لأَدْمُعِ الْ ... مُزنِ بها انحِطَاطُ تَمُدُّ طَوْراً شَخْصَهَا ... وتَارَةً تُمَاطُ فجِئْنَ والطَّلُّ علَى ... آذَانِهَا أَقرَاطُ قد نَحُفَت أَوْسَاطُهَا ... فمَا لَهَا أَوْسَاطُ تَضْحَك عن مِثْل المُدَى ... وضِحْكُهَا اخِتلاطُ حتَّى إِذا انشَقَّ لَها ... من فَجْرِها سِرَاطُ وكادت الشَّمْسُ بأَط ... رافِ الدُّجَى تُمَاطُ انبَسطَت كالشُّهب لا ... يُعْجِزُها انبِسَاطُ كأَنَّهَا في صَفِّهَا ... أَنَامِلٌ سِبَاطُ كأَنَّمَا أَذْنَابُهَا ... ثَمَّ لها سِيَاطُ كأَنّمَا الأَكُفّ في ... رُؤوسها أَمْشَاطُ كأَنَّمَا تَقتَتِلُ الْ ... أَرْجُلُ والآبَاطُ فطَفِقَت والوَحْشُ في ... مَجَالِها يَشَاطُ هذَا لِذَا عِقِالٌ ... وذا لِذا رِبَاطُ نِيطَتْ بها دَاهَيةٌ ... مَسْكَنُهَا النِّيَاطُ صَرْعَى تُشَقُّ قُمْصُهَا ... عَنَها ولا تُخَاطُ وللناجم: قد اغتَدِى واللَّيْلُ ذو أَوْضَاحِ ... قد شاع فيه لُمَعُ الصَّبَاحِ

بأَكلُبٍ في الضُّمْرِ كالقِدَاحِ ... بأَعْيُنٍ صادِقَةِ التَّلْماحِ قُيودِ وَحْشِ الصَّفْصَفِ القِرْوَاحِ كأَنَّما أُنِعلنَ بِالرِّياحِ إِذَا نَحا الثَّلَّةَ مِنَها نَاحِى رَأَيْتَهُ يَلعَبُ بالأَرْوَاحِ وللفهميّ: وَرَدْتُه بأَكلُبٍ كأَنّما ... أَدِيمُها قُدَّ مِنَ أحْدَاقِ المَهَا كأَنّمَا غُرَوُهَا كَوَاكبٌ ... تَلوحُ في دَيجورٍ لَيْلٍ قد دَجَا من كُلّ وَهْمٍ يَسبقُ الوَهْم إِذَا ... أَبصَرْتَه كالوَهْمِ من فرْطِ الوَحَى ما البَرْقُ إلاّ وَتِداً إِذا عَدَا ... والرِّيحُ إِلاّ حَجَراً إِذا رَدَى كأَنَّمَا أَيّامُنا من صَيْدِهَا ... أَيَّاُ تَشْرِيقٍ ورَبْعُنَا مِنَى ولعبد الله بن المعتزّ في الكلب: لَمَّا تَفرَّى أُفُقُ الضِّياءِ وشَمِطَتْ ذَوَائبُ الظَّلْماءِ قُدْنَا لعِينش الوَحْش والظِّباءِ دَاهِيَةً مَحْذُورَةَ اللِّقَاءِ تَحْمِلُها أَجْنِحَةُ الهَوَاءِ تَسْتَلِبُ الخَطْوَ بلا إِبْطَاءِ أَسْرع من جَفْنٍ إلى إِغضاءِ ومُخْطَفاً مُوَثَّقَ الأَعْضَاءِ خَالَفَهَا بجِلْدَةٍ بَيْضَاءِ ذي مُقْلةٍ قَليلةِ الأَقْذاءِ صافِيَةٍ كقَطْرَةٍ من ماءِ آنَسَ بين الوَحْشِ والفَضَاءِ أَحْوَى كظَهْر الرَّيْطةِ الخَضْراءِ فيه مُسُوكُ الحيَّةِ الرَّقْطاءِ كأَنَّهَا ضَفَائِرُ الشَّمْطاءِ فصَاد قَبْلَ الأَيْنِ والإِعْيَاءِ خَمْسينَ لم يَنقُصْنِ في الإِحْصَاءِ وباعَنَا اللُّحُومَ بالدِّماءِ وله أيضاً: قَدْ أَغْتَدِى واللَّيْلُ كالغُرَابِ مُلْقَى السُّدُولِ مُغْلَقَ الأَبْوابِ حتَّى بَدَا الصُّبْحُ من الحِجَابِ كشَيبَةٍ حَلَّتْ على شَبَابِ بكَلْبَةٍ سَريعَةِ الوِثَابِ تَفُوتُ سَبْقاً لَحْظَةَ المُرْتَابِ لم يُدْمِ صَيْداً فَمُهَا بنَابِ حِفْظاً وإِبْقَاءً على الأَصحابِ وله أيضاً: غَدَوتُ للصَّيْد بغُضْفٍ كالقِدَدْ واللَّيْلُ قد رَقَّ على وَجْهِ البَلَدْ وابْتَلَّ سِرْبالُ النَّسِيم وبَرَدْ والفَجْرُ في ثَوْب الظَّلامِ يَتَّقِدْ عَوَاصِفٍ مُنْتَهباتٍ للأَمَدْ ما يَسْتَزدْها الشَّوْطُ من عَدْوٍ تَزِدْ وتَقْتَضِى الأَرجُلُ والأَيْدِى تَعِدْ لَمّا عَدَون وغَدَتْ خَيْلُ الطَّرَدْ أَبْرَقَ بالرَّكْض الفَضَاءُ ورَعَدْ وقامَ شَيْطَانُ الحَريصِ وقَعَدْ وطَارَ نَقعٌ في السَّمَاءِ ورَكَدْ كأَنّه مُلاءُ غَسّالٍ جُدُدْ يَنْشُرُها السَّهْلُ ويَطْوِيها الجَدَدْ مثْلُ القَريبِ عنْدَهَا ما قد بَعُدْ وله أيضاً: قد أَغْتَدِى بين الدُّجَى والنُّورِ بضُمَّرٍ لَطائفِ الخُصورِ تَمْرَحُ في الأَطْوَاق والسُّيُورِ تُدْنِى وَرَاءَ القَنَص المَذْعورِ تَسْمِيَةَ اللهِ من التَّكْبيرِ وله أيضاً: وكَلْبَةٍ غَدَا بها فِتْيَانُ أَطْلَقَهم من يَدِهِ الزّمانُ كأَنّهَا إِذا تَمَطَّتْ جانُ أَو صَعْدَةٌ وخَطْمُهَا السِّنَانُ والنَّجْمُ في مَغْرِبه وَسْنَانُ والصُّبْحُ في مَشْرقهِ حَيْرانُ كأَنّه مُضْطَجِعٌ عُريانُ ونَجَمَتْ لحَيْنَها غِزْلانُ فأَخذَتْ ما أَخَذَ العِيَانُ وله أيضاً: وكَلْبةٍ لمْ يُرَ وَقْتُ شَدِّهَا قَطُّ إِذا ما أُطْلِقَتْ من عقْدِهَا خُضْتُ بِهَا لَيْلاً يُرَى كجِلْدِهَا كأَنَّه استعارَ لَوْنَ بُرْدِهَا أَفْقَدَني الرّحمنُ يَوْمَ فَقدِها وله أيضاً: لَمَّا غَدَوْنَا والظَّلامُ قَدْ وَهَى قُدْنَا لغِزْلان الدُّجَيل والمَهَا ضَوَامِراً تَحْسَبُهُنَّ نُقَّهَا يَصِدْنَ للغَادِى بِهِنَّ ما اشْتَهَى وما انْتَهَت قطُّ به حيثُ انْتَهَى

وفي الكلاب

فكلُّ ما شاءَتْ من الصِّيْدِ لَهَا وله أيضاً: تَخَالُهَا في حَلَقِ الأَطْوَاقِ ضَوَاحكاً من سَعَةٍ الأَشْدَاقِ ولغيره: تَفُوتُ خُطَاهَا الطَّرْفَ سَبْقاً كأَنّهَا ... سهَامُ مُغَالٍ أ! ورُجُومُ الكَوَاكبِ كأّنّ بَنَاتِ القَفْرِ حينَ تَفَرَّقَتْ ... غَدَوْن عليها بالمَنَايَا الشَّوَاعِبِ واجتاز الحسن بن عبيد الله ببعض الجبال، فأثار الغلمان خشفاً، فالتقفته الكلاب، فقال المتنبيّ وهو في أفواهها: وشامخٍ من الجبال أَقْوَدِ يُسارُ من مَضِيقِه والجَلْمَدِ في مثْلِ مَتْنِ المَسَدِ المُعَقَّدِ زُرْناهُ للأَمْرِ الّذي لم يُعْهَدِ للصَّيْد والنّزهةِ والتَّمرُّدِ بكُلّ مَسْقِىِّ الدِّماءِ أَسْوَدِ مُعَادوٍ مُقَوَّدٍ مُقَلَّدِ بكُلِّ نابٍ ذَربٍ مُحَدَّدِ على جِفافيْ حَنَك كالمبْرَدِ كطالبِ الثّأْرِ وإِنْ لم يَحْقِدِ يقْتُلُ من يقْتُلُه ولا يَدِى يَنْشُدُ من ذَا الخشْف ما لم يفْقدِ فثَارَ مِن أَخضرَ مَمْطورٍ نَدِى كأَنّه بَدْءُ عِذَار الأَمْرَدِ فلم يكَدْ إِلاّ لحَتْفٍ يَهْتَدِى ولم يَقَعْ إلاّ عَلَى بطْنِ يدِ وفي الكلاب نَجنُبُ جِنّاناً سَلُوقِيّةً ... تَفُوتُ أَوْهَاماً وأَبْصارَا من كُلِّ حَسْنَاءَ طِرَازيّةٍ ... تُعَرِّقُ الأَرْنَبَ إِحْضَارَا كأَنّنَا في وَقْتِ إِرسالَها ... نُشْعِلُ في أَعْطافهَا نَارا تَمُدُّ مَتَنَيْن أُمِرَّا كمَا ... قَرَنْتَ بالطُّومارِ طُومَارَا كأّنّها صائمةٌ أَقسمَتْ ... أَن تجْعل الأَرْنَبَ إِفْطارَا وبُوزجاً أَتعبَ في يَوْمه ... ذاكَ خَيَاشِيماً وأَظْفَارَا ما عايَنَ البُنّج مُسْتَرْوِحاً ... إِلاّ خَلاَ بالتَّيْسِ حَقّارَا ولعليّ بن العباس في الصَّيد بالكلب والطَّست: لمّا دجَا اللَّيْلُ ولاَحتْ أَنجمُهْ وحاصَرَتْ ضَوءَ الهلالِ طُلَمُهْ في مَحْبسٍ عن الجَهُولِ أَكتُمُهْ وخَيَّمَتْ في كُلَّ وادٍ خِيَمُهْ فَهْوَ مٌقيمٌ ليس تَخْطُو قَدَمُهْ هِجْنَا بكَلْبٍ وبطَسْتٍ يَقْدمُهْ ذات حُلِىٍّ صاغَه مُنَمْنِمُهْ يَضْربُهَا حامِلُها وتَلْزَمُهْ كأَنَّهَا معشوقَةٌ تُكلِّمُهْ بضَجّةٍ لِسَانُهَا ما يَفْهَمُهْ يَحْكِى لِسَانَ الزُّطِّ لَوْ تُتَرْجِمُهْ يَشْغَلُ آذَانَ الوُحوشِ نَغَمُهْ حتَّى تَرَاهَا وُقّفاً تَسَفْهمُهْ والكَلْبُ يَدْرِيه وما يَسْتعَجِمُهْ حتَّى إِذا مالَ بنا تَقَحُّمُهْ في سَبْسَبٍ وَعْرٍ كَثيرٍ أُكُمُهْ يُلاعِبُ الأَكْحَلَ فيه أَرْثَمُهْ ويَلْتَوِى على الشُجَاعِ أَرْقَمُهْ تَنَشَّقَ الرِّيحَ فزَادَ قَرَمُهْ واحْتَالَ واسْتَرْوَحَ ممَّا يَكْظِمُهْ وحَفَرَ الأَرْضَ بشَمٍّ مخْطِمُهْ وجذَبَ القَائدَ جَذْباً يُؤْلِمُهْ فقَوَّمَ الضَّوْءَ له مُقَوِّمُهْ كيْلا تَطِيشَ نَبْلُهُ وأَسْهمُهْ فانْساب كالفهْد إلى ما يَغْنَمُهْ شَدًّا وما هاهَا به مُعلِّمُهْ فعَانقَ الصَّيْدَ وبات يَلْثَمُهْ لوْ لمْ تَكُنْ أَنْيَابُهُ تَخْتَرِمُهْ فلوْ تَرَانَا حَوْله نُعظِّمُهْ ومن بَقايَا أَكْلِه نَستَطْعِمُهْ كأَنّه وَالٍ ونحْنُ خَدَمُهْ لقُلْتَ هذا ما يَضِيعُ حَشَمُهْ مَا سَاعدَتْهُ باتِّصَالٍ عتَمُهْ في الفهود قال أبو نواس في فهدةٍ: قد أَغتدِى والشَّمْسُ في حِجَابها مَستورةٌ لم تَبْدُ من جِلْبابِهَا لم يَقْطَع اللَّيْلُ عُرَا أَطنابِهَا مثْل الكَعَابِ الرُّودِ في نِقَابِهَا في فِتْيَةٍ لا مَذْقَ في أَحْسَابِهَا مَعروفَةٍ بالفَضْل في آدَابِهَا بفَهْدةٍ بُورِكَ في جَلاَّبِهَا سُقْياً لَها وللّذى غَدَا بِهَا

رَاكَبةٍ تخْتَال في رِكَابِهَا تَرْنُو بعَيْنٍ خِلْتَ في أَثْقَابِهَا ضِرَامَ نَارٍ طَارَ من لُهَابِهَا كأَنَّمَا النُّمْرَةُ في اغْترابِهَا رقْمُ دَيَابِيجٍ علَى أَثْابِهَا مُخْطَفة الكَشْحَيْن في اضطرابِهَا كأَنَّهَا القَنَاةُ في انْتصابِهَا والحَيّةُ الرَّقْطاءُ في انْسيابِهَا وسُرْعَةُ العُقَاب في انْصبابِهَا وتارَةً كاللَّيْث في وِثَابِهَا مُعْفِيَة السَّائسِ من عِتَابِهَا نَزّاهَةٌ لَفْسِهَا عن عابِهَا فأَبْصرَتْ من حيْثُ أَمَّمْنَا بِهَا عُفْرَ الظِّبَاءِ وَهْي في أَسْراَبِهَا تَرتَعُ في المَرْتَعِ من جَنَابِهَا ثُوَانِىَ الأَجْيَادِ من رِقَابِهَا فأَقْبَلَتْ تَمْرَحُ في جِذَابِهَا حتّى إِذا ما أَكْثرَتْ رَمَى بِهَا فذَهَبتْ تَنْسَلُّ في طِلاَبِهَا تَأْكلُ وَجْهَ الأَرض في ذَهَابِهَا فلوْ تَرَى الفَهدَةَ في الْتهَابِهَا وشِدّةِ الغَلوِ إِذا اغْلَوْلَى بِهَا في نأْيِهَا عَنهنّ واقتِرابِهَا تكَادُ أَن تَخرُجض من إِهَابِهَا فالوَيْلُ منهُنّ لمَن يَصْلَى بِهَا إِذ أَدْرَكَتُهنَّ بلا إِتعَابِهَا فأَقبَلَتْ حَطْماً على أَصْلابِهَا وعَرَّضَتْهنّ على عَذَابِهَا بَيْنَ شَبَا مْخْلَبِهَا ونَابِهَا يا حُسْنَ بَهنَانَةَ في احتضابِهَا من صَائكِ الأَوْدَاجِ وانشِخابِهَا فلوْ تَرَاهَا وهْيَ في انكبابِهَا من نَهسِهَا للَّحم واسْتلاّبِهَا كُلُّ يَفَدِّيها لَدَى إِيابَهَا ولَذّةٍ ونَعمَةٍ تَغْنَى بِهَا بَيْنَ قُدورٍ جَمَّةٍ نُؤتَى بِهَا وبَيْنَ خامِيزٍ ومِن كَبَابِهَا عَطيّة من رَبِّنَا وَهَّابِهَا وله أيضاً في فهدٍ: قد أَغتَدى واللَّيْلُ أَحْوَى السُّدِّ والصُّبْحُ في الظِّلمَاءِ ذو تَبَدِّى مثل اهْتزَازِ العَضبِ ذي الفِرِنْدِ بأَهْرَتِ الشِّدْقَين مُرْمَئدِّ أَزْبَر مَطْوىّ المَطَاععِلِّكْدِ طاوِى الحَشَا في طَىِّ جِسْمٍ مَغْدِ كَرّ الرِّوَا جَمِّ غُضُونِ الجِلْدِ دُلاَمِزٍ ذي نَكَب مُسْوَدِّ وشَجْرِ لَحْيَيْن ونَحْرٍ وَرْدِ كاللَّيْثِ إلاّ نُمْرَةً في الجِلْدِ للشِّبَحِ الجائلِ مُستَعدِّ آنَسَ قَبْل النَّظَرِ المُرْتَدِّ على قَطَاةِ الرِّدفِ رِدْفِ العَبْدِ سِرْبَيْن عَنّا بجَبِينٍ صَلْدِ فانْقَضَّ يأْدُو غَيْرَ مُجْرَهِدِّ بلَهَبٍ منه وخَتْلٍ إِدِّ مثْل انْسيَابِ الحَيّةِ العِرْبِدِّ بكُلّ نَشْزٍ وبكلّ وَهْدِ حتّى إِذا كَان كماهِ القَصْدِ صَعْصَعَهَا بالصَّحْصَحَانِ الجُرْدِ وعَاثَ منْهَا بقَرِيعِ الشَّدِّ بَينَ شَريجَىْ طَمَعٍ وحَرْدِ لا خَيْرَ في الصَّيْدِ بغير فَهْدِ وله أيضاً فيه: وليسً للطُّرَّاد إلاّ فَهْدُ كأَنّمَا أَلْقَتْ عليه الكُرْدُ من خُلْقِهَا أَو وَلَدتْهُ الأُسْدُ وله أيضاً: جاءَ مُطِيعاً بمُطَاوِعَاتِ عُلِّمْنَ أَو قَد كنَّ عالمَاتِ تُرِيكَ آمَاقاً لها مُخَطَّطاتِ سُوداً على الأَشْدَاقِ سائلاتِ تُلْوِى بأَذنابٍ مُعَقَّفَاتِ عَلَى ظُهُورِ الخَيْل مُرْدَفَاتِ حتّى إِذا كنّ على المَجْرَاةِ حَيْثُ تظُنّ الوَحْشَ آخِذَاتِ وهُنّ في الأَدْغَالِ كَالِحَاتِ طَوَامِحَ الأَبْصَارِ شاخِصاتِ على البُطُونِ مُتَبطّحاتِ ثُمّ حَدَوْنَا الوَحْشَ مُقْبِلاتِ فوَاثَبَتْهنّ مُشَمِّرَاتِ وَثْبَ الشَّياطينِ المُسلَّطَاتِ فَلَوْ تَرَى الوُحُوشَ مُجْجَعَاتِ مِنْ بعْدِ ما قدْ كُنَّ رَاتِعاتِ ما أَقْرَبَ المَوْتَ من الحَيَاةِ ولعبد الصَّمد بن المُعَذَّل في فَهدَة: كأَنّهَا والخُزْر من حِدَاقِهَا والخُطَطُ السُّود على أَشداقِهَا تُرْكٌ جَرَى الإِثمدُ في آماقِهَا

بَاتَتْ إلى الصَّيْدِ مِن اشْتِياقِهَا كأُسْرَاءِ العُجْمِ في أَرْفَاقِهَا تَهْوِى هُوِىَّ الرّيحِ في إِرْشاقِهَا أَمَا رأَيْتَ النَّارَ في إِحْرَاقِهَا وَلَمْعَةَ البارِقِ في ائْتِلاقِهَا ولابن طباطبا العلويّ: لَهَوْتُ فيه بصَوْتِ راكبَةٍ ... نازِلةٍ وَقْتَ كلِّ إِيمَاءِ تُرْكِيَّة الوَجْهِ حينَ تَنْعَتُهَا ... رُوميّةِ المُقْلتَيْن كَحْلاءِ أَبْرَزَهَا الحُسْنُ في مُشَهَّرَةٍ ... قد فُوِّفَتْ مثْل بُرْدِ صَنْعَاءِ كأَنّمَا شَبَّكَ الإِلهُ بهَا ... ظُلْمَةَ ليْلٍ بشَمْسِ إِمساءِ حتّى إِذا حِيشَت الظِّبَاءُ بهَا ... أُوذِنَ منها بوَشْكِ إِقْنَاءِ وخَاتلَتْ عند ذَاك مُرْدِفَهَا ... سارِقةً نَفْسَهَا بإِخفاءِ تُرَاقِبُ الوَحْشَ في مَرَاتِعِهَا ... بعَيْنِ وَاشٍ ورعْىِ حِرْباءِ طالبَةٍ صَيْدَها على حَنَقٍ ... بجدِّ شَدٍّ لها وتَعْدَاءِ شَفيقَةٍ بَعْدَ ذَاك تَحفَظُهُ ... من غير كَلْمٍ له وإِيْذاءِ كأَنّما الظَّبْىُ وَهْو في يَدِهَا ... أُعْقِبَ من سُخْطِهَا بإِرضاءِ أُبْنَا بهَا والظّباءُ مُوقَرَةٌ ... تَفُوتُ عَدِّى لَها وإِحْصَائى أَسيرَةٍ في الوثَاق طَالبَةٍ ... بغَيْرِ وِتْرٍ لغَيْر أَعداءِ ولشرشير الحدلي في الفهد: وأَنْمرَ مَوْشىِّ القَمِيصِ مُوَلَّعٍ ... كأَنّ عليه منه رَقْماً مُوَشَّمَا مُفْتَّلِ عَضْدَىْ سَاعِدَيْه كأَنّما ... أُغِيرَا بقِدٍّ ثُم شُدَّا فأُبْرِمَا ونِيطَتْ فُضُولُ السّاعدَيْن فأُلْحِمَتْ ... برُسْغَيْن لُزَّا بالوُصُول فأُلْحمَا وقد أُنْشِرَا عن بُرثُنَيْنِ مُزَيَّلٍ ... لُحُومُهما شَثْنَيْنِ لُمَّا وسُنِّمَا تَكنَّفْنَ أَظْفاراً كأَنّ حُجُونَهَا ... حُجُونُ الصَّيَاصِي أَعْجزَتْ أَن تُقلَّمَا بعَيْنَيْن لو يُدْنَى إِلى قَبَسَيْهِمَا ... ذُبَالٌ تَذَكَّى منْهما وتَضَرَّمَا ونَابَيْن لوْ يَسْطُو الزّمانُ على الوَرَى ... بحَدَّيْهما كان الحِمَامُ مُقَدَّمَا وشِدْقَيْن كالغَارَيْن يَلْتَهِمان ما ... من الرُّبْدِ والخُنْسِ الأَوَابِد أُلْهِمَا فعلَّمتُهُ الإمِمساكَ للصَّيْدِ بعدَمَا ... يَئِستُ لجَهْلِ الطَّبْعِ أَن يَتَعَلَّمَا فجَاءَ على ما شِئْتُهُ ووَجَدتُهُ ... مُحِلاًّ لما قد كان من قَبلُ خُرِّمَا إِذَا ما غَدَوْنَا نَبْتغِى الصَّيْدَ أَسمَحَتْ ... لنا نَفْسُهُ أَلاَّ تُرِيقَ له دَمَا ولا يَتَوَلَّى منه إِرْهَاقَ نَفْسِه ... ولكنْ يُؤَدِّيه صَحيحاً مُسَلَّمَا يَرُومُ لنَا في ذاك سَمْعاً وطَاعَةً ... حِفَاظاً على ذِمَّاتنا وتَذَمُّمَا فيَكْفِيه من إِحضارِه وَثَبَاتُهُ ... ومِن رَوَعَاتِ الصَّيْد أَن يتجَّهمَا فلَسْنَا نَرُدُّ الطَّرْفَ إِلاّ بأَن نَرَى ... لقَبْضَتِه في جُثَّةِ الصَّيْد مِيسَمَا كأَنّ إله الخَلْقِ أَصْفَاهُ رِقَّةَ ... وحَكَّمَةُ في نَفْسِه فتَحَكَّمَا ولعبد الله بن المعتزّ في فهدة: ولا صَيْدَ إلاّ بَوثّابَةٍ ... تَطِيرُ على أَربَعٍ كالعَذَبْ تَضُمُّ الطَّرِيدَ إِلى نَحْرهَا ... كضَمِّ المُحِبَّة مَن لا تُحِبّ إِذا ما رَأَى عَدْوَهَا خَلْفَهُ ... تَنَاجَتْ ضَمَائرُهُ بالعَطَبْ لَهَا مَجْلِسٌ في مَكَان الرَّديفِ ... كتُرْكيَّةٍ قد سَبَتْهَا العَرَبْ

ومُقْلَتُهَا سائلٌ كُحْلُهَا ... وقد حُلِّيَتْ سَبَحاً في ذَهَبْ فظَلَّتْ لُحُومُ ظبَاءِ الفَلاَ ... على الجَمْرِ مُعْجَلَةً تُنْتَهبْ وله أيضاً في فهد: قد أَغتدِى قبْلَ الغُدُوِّ بغَلَسْ وللرِّياضِ في دُجَى اللَّيْلِ نَفَسْ حتَّى إِذا النَّجْمُ تَدَلَّى كالقَبَسْ قامَ النَّهَارُ في ظَلاَمٍ قد جَلَسْ بلاحِقِ الوَثْبَةِ مُمْتَدِّ النَّفَسْ نِعْمَ الرَّديفُ رَاتِباً فوقَ الفَرَسْ يَنْفِى القَذَى عن مُقْلَة فيها شَوَسْ كالزُّلَم الأَصفرِ صُكّ فانْمَلَسْ لمّا خَرَطْنَاه تَدَانَى فَانْغَمٍ إِذا غَدَا لم يُرَ حتَّى يفْتَرِسْ وله أيضاً في الفهود: أَنعتُهَا تَفْرى الفَضَاءَ عَدْوَا نَوَازِياً خَلْفَ الطَّريدِ نَزْوَا لا تُحِسنُ القُدْرَةُ منه عَفْوَا قد وَجَدَتْ طَعْمَ الدِّمَاءِ حُلْوَا وقلت في فهد: ورَوْضةٍ باتَ الحَيَا بَها لَهِجْ بَكَى على مِيثِ ثَرَاهَا ونَسَجْ دَمْعاً أَعَادَ منْهُ حَيًّا ما دَرَجْ فشَقَّقَتْ بُطُونَ أَصدافٍ نُتُجْ عن دُرَرِ الغَوَّاص ذي القَلْبِ الثَّلِجْ باكَرْتُهَا والصُّبحُ مفْتُوحُ الرِّيَحْ واللَّيْلُ في جَيْشِ الظّلامِ مُدَّلِجْ بأَفْطَسٍ أَرْقَشَ مَحْبُوكٍ شَنِجْ إِذَا رَأَى العُفْرَ ولم يُؤْسَدْ يَهِجْ إِلاّ يَصِدْ عَشْراً تِبَاعاً لا يَعْجْ يَعُومُ من غُبَارِهنّ في لُجَجْ بينَا تَرَاهُ قَامِساً حتّى خَرَجْ ما تُبْصر العَيْنَان منه إِن مَعَجْ إِلاَّ كَمَا عَايَنَتَا البَرْقَ اخْتَلَجْ يَفْغَرُ عن مثْلِ المُدَى لم تَنْفَرِجْ وفيها: كأَنّه للحِقْدِ مَوْتورٌ حَرِجْ يَنظُرُ من جَمْرٍ ويَشْحَى عن زَجَجْ يُعمِلُ عَشْراً مُوثَقاتِ تَعْتَلِجْ حُجْناً متَى تَقْبِضْ على الصَّخْرِ تَشُجْ ثُمَّ انْثَنَى يَسْحَبُ رُمْحاً لم يُزَجْ أَعُرَج للنَّخْوةِ مِنْ غَيْرِ عَرَجْ يَرْفُل في دِيبَاجَة لم تُنْتَسَجْ وَشْياً كمَا رُصِّعِ في العَاجِ السَّبَجْ يا حُسْنَه في سُخْطِه إِذا سَمُحْ وفيها في وصف ظبيٍ صاده: عنّ له أَجْيَدُ أَحْوَى في بَرَجْ يُغْضِى على سِحْرٍ ويَرْنُو عن دَعَجْ مُتَوَّجٌ كمَا يُرَى عَقْدُ الأَزَجْ بأَسْحَمٍ فيه انْحناءٌ وعَوَجْ مُذَلَّقُ الإِبْرَةِ مَفتولُ الدَّرَجْ كأَنّه خَرْطُ هِلالٍ مِن سَبَجْ يَخْتَالُ في مِشْيَتِه إِذا هَدَجْ بأَرْبعٍ مُرْهَفَةِ الخَلْقِ خُلُجْ فيها ثَمَانٍ حُذِيَتْ حّذْوَ السُّرُجْ مَقْدودةٌ خُضِبنَ حِنّاءَ الدُّلَجْ كأَنّمَا خاضَ مِدَاداً قد مُزِجْ دُوِّج غَيْماً فوقَ ظَهْرٍ مُنْدَمِجْ حَتَّى إِذا أَفْضَى إلى البَطْنِ انْفَرَجْ منها عن الشَّمْس ولكِنْ لا وَهَجْ مُعَلَّقُ اللِّحيَةِ من فَوْق الشِّرَجْ كأَنَّهَا مِكْنَسةُ العِطْرِ الأَرِجْ يذب عن قمراء مطمار الردج بمِثْلِ قَيْدِ الفِتْرِ نَضْنَاضٍ مِلَجْ مِثْل لِسَانِ الأُفْعُوانِ المُخْتلجْ وفيها: آمَن ما كان معَ الإِجْلِ الدُّعُجْ ولم يُرَعْ في سِرْبِه ولم يُهَجْ عانَقَه ثَبْتُ الجَنَانِ والحُجَجْ عِنَاقَ لا صَبَابَةٍ ولا بَهَجْ صاغَ له قِلادَةً من الوَدَجْ ولأحمد بن محمّد الضَّبّىّ في فهد الذِّبَّان: أَعجَبُ مُسْتَفَادٍ ... أَفَادَنِى زَمَانِى من الفُهُود فَهْدٌ ... في الاِسم لا العِيَانِ تِلْك ذَوَاتُ أَرْبَعٍ ... وذاك ذو ثَمانِ كأَنّما أَرْجُلُه ... مَخَالِبُ النِّغْرَانِ سَيفاهُ سَيفَا فِيلٍ ... والدِّرْعُ دِرْعُ جَانِ مُستأْنِسٌ ما إِن يَنِى ... والإِنْسُ في مَكَانِ وصائِدُ وهو من الصّائدِ في أَمَانِ

في البزاة

ذُبَابَةٌ في كَفِّه الطّبَّارُ مثلُ العانِى وليس يَبْغِى بدلاً ... بطَائِرِ الخَوَانِ إِذا دَنَا فلم يَكُن ... بينَهما عَقْدَانِ عَانَقَهُ أَسْرَعَ من ... تَعانُقِ الأَجْفَانِ بخِفَّةِ الوُثُوبِ بَلْ ... بجُرْأة الجَنَانِ فهْوَ عَزِيزٌ عِزّهُ في غَايَةِ الهَوّانِ في البزاة وفيها أربع لغاتٍ: يقال بازٍ وبازٌ وبازىٌّ وبازىءٌ والبازى أذكى الجوارح فؤاداً، وأسرعها انقياداً، وأحسنها منظراً، وأكرمها مخبراً، وآلفها للناس، وأسرعها إلى الاستئناس. قال أبو نواس في بازىٍّ: قد أَغتدِى والليلُ في الدَّيَاجِى قبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ بانْبِلاجِ في فِتْيَةٍ سَرَّهُمُ إِدْلاَجِى ببَازىءٍ صِيدَ على ابْتِهَاجِ كُرَّزُ عَامٍ جاءَ من منهاجِ أَلْبَسهُ وَشْياً بلا نَسّاجِ مُنَقَّطِ ناظِرُهُ بزَاجِ تَخالُه يَنْظُرُ من سِرَاجِ ومِنْسَرٍ يُشْرِف باعْوِجاجِ تَخَالُه صُدْغاً على مِغْناجِ زَرْفَنَهُ إِذ قَام للمِزَاجِ في وَجْنَةٍ تَبْرُقُ مثل العَاجِ حَلَلْتُ سَيرَتْهِ كفِعْل الرَّاجِى ثُمَّ دَعَوْتُ دَعْوةَ المُنَاجِى فمَرَّ كالبَرْقِ بلا انْعِرَاجِ فصَادَ خَمسينَ من الدُّرَّاجِ وله أيضاً: ولقَدْ غَدَوتُ بدَسْتُبَانٍ مُعْلَمٍ ... صَخِبِ الجَلاَجِلِ في الوَظِيفِ مُسبَّقِ حُرٍّ صَنَعناهُ لتُحسِنَ كَفُّه ... عَمَلَ الرَّفِيقةِ واسْتلابَ الأَخْرَقِ يَجلُو القَذَى بعَقِيقَتَيْن اكْتنَّتَا ... بذُرَا سَلِيمِ الجَفْنِ غَيْر مُخَرَّقِ أَلقَى زَآبِرَهُ وأَخْلَقَ بِزَّةً ... كانَتْ ذَخِيرَةَ صانِعٍ مُتَنَوِّقِ فكأَنَّه مُتَدَرِّعٌ دِيبَاجةً ... عن قالِصِ التُّبّانِ غَيْر مُسَوَّقِ فإذا شَهِدْتَ به الوَقِيعَةَ أَقْلَعَتْ ... عنه الغَيَابَةُ وهو حُرُّ المَصْدَقِ وله أيضاً: قد أَسْبِقُ القَارِبَة الجُونَا ... من قَبْلِ تَثوِيبِ المُنَادِينَا بكُلّ معرُوفٍ بأَعْرَاقِه ... على عُيُونِ الأَرْمَنِيِّينَا رَبِيتِ بَيْتٍ وأَنِيسٍ ولم ... يَرْبَ برِيشِ الأُمّ مَحْضُونَا كُرَّزِ عامٍ صَاغَه صائِغٌ ... لمْ يَدَّخِرْ عَنْهُ التَّحَاسِينَا أَلبسَهُ التَّكْرِيزُ من حَوْكِه ... وَشْياً على الجُؤْجُؤِ مَوْضونَا له حِرَابٌ فَوق قُفّازهِ ... جَمَّعْن تأْنِيفاً وتَسْنِينَا كلُّ سِنَانِ عيجَ من صَدْرِه ... تَخالُ مَحْنَى عَطْفِهِ نُونَا ومِنْسَرٍ أَكْلَفَ فيه شَغاً ... كأَنَّه عَقْدُ ثَمَانِينَا ومُقْلَةٍ أُشرِبَ آماقُها ... تِبْراً يَرُوقُ الصَّيْرَفيِّينَا نُرْسِلُ منه عندَ إِطلاقِه ... أُمَّ مَنَايَا ودُرَخْمِينا دَاهِيةً تَخْبِطُ أَعْجازهَا ... خَبْطاً يُحَسِّيها الأَمَرِّينَا يحْمى عليها الجوّمن فوقِهَا ... حِيناً ويُعْرِيهَا أَحايِيْنَا وهُنّ يَرْفعْن صُرَاحاً كما ... جَهْوَرَ في الشِّعب المُلَبُّونَا فمُقْعَصٌ أُثْبِتَ في سَحْرِه ... وخاضِبٌ من دَمِهِ الطِّينَا أَعْطَى البُزَاةَ اللهُ مِن قَسْمِه ... ما لمْ يُخَوِّلْهُ الشّوَاهينَا وله أيضاً: لَمّا رَأَيتُ اللَّيْلَ قد تَشزَّرَا عنّى وعنء مَعْرُوفِ صُبْحٍ أَشْقَرَا كَسَوتُ كفِّى دُسْتُباناً مُشْعَرَا فَرْوَةَ سِنْجَابٍ لُؤَاماً أَوْبَرَا تَقِى بَنَانَ الكَفِّ أَلاّ يَخْصَرَا وَغَمْزَةَ البازِى إِذا ما طَفَرَا أَبْرَشَ بُطْنَانِ الجَنَاحِ أَقْمَرَا أَرْقَطَ ضاحِى الدّفَّتَينِ أَنْمَرَا كأَنّ شِدْقَيْه إِذا تَضَوَّرَا

صُدْغانِ من عَرْعَرَةٍ تَفَطَّرَا كأَنّ عَيْنَيْه إِذا ما اتَّأَرَا فَصَّان قِيضَا من عَقِيقٍ أَحْمرَا في هَامَةٍ عَلْيَاءَ تَهْدِى مِنْسَرَا كعَطْفَةِ الجِيم بكَفٍّ أَعسَرَا فالطَّيْرُ يَلْقَيْنَ مُلَقًّى مِدْسَرَا مَشْقاً هذَاذَيْهِ ونَهْساً نَهْسَرَا قوله صدغان من عرعرةٍ من قول علقمة بن عبدة حين وصف الظّليم فقال: فُوهُ كشَقِّ العَصَا لأْياً تَبَيَّنُهُ ... أَسَكُّ ما يَسْمَعُ الأَصْوَاتَ مَصْلومُ وقد جوَّده أبو نواس. وله أيضاً: أُطْرِيكَ يا بَازِيَنَا وأُطْرِى أَقمَرَ من ضَرْبِ بُزَاةٍ قُمْرِ يَصْقُلُ حِمْلاّقاً سَرِيعَ الطَّحْرِ كأَنّه مُكْتَحِلٌ بتِبْرِ في هَامَةٍ لُمَّتْ كلَمِّ الفِهْرِ يُرِيحُ إِن أَراحَ لا مِنْ بُهْرِ مِن منْخرٍ رَحْبٍ كعَقْدِ العَشْرِ وجْؤْجُؤٍ كالحَجَرِ القَهْقَرِّ في مَنْسِرٍ أَقنَى رُحَابِ الشَّجْرِ شَثْنِ سُلاَمَى الكَفِّ وَافِى الشِّبْرِ أَخْرَقَ طَبٍّ بانتزاعِ السَّحْرِ فلِلْكَرَاكِىِّ بكُلّ وَتْرِ وَقَائِعٌ من عَنَتٍ وأَسْرِ وله أيضاً: قَد أَغتدِى واللَّيْلُ في حِجَابِهِ بكُرّزِىٍّ صادَ في شَبَابِهِ بأَحْجَنِ الكَفّ إِذا افْتَلَى بِهِ كأَنَّ صَوْتَ الحَلْقِ إِذ صَأَى بِهِ تَأَوُّهُ الشاكِى لِمَا أَمَسَى بِهِ فانفض كالجلمود إذا رمى به فقَلَبَ النَّيْزَكَ في انْقلابِهِ فما يَزَالُ خَرَبٌ يَشْقَى بِهِ مُنْتَزَع الفُؤادِ من حِجَابِهِ يَنْزُو وقدْ أَثْبَتَ في إِهابِهِ مَخَالِباً يَنْشبْنَ من إِنشابِهِ مثْل مُدَى الفَرَّاءِ أَو قَصَّابِهِ يَخِرُّ للأَنْفِ إذا كبَا بِهِ وله أيضاً: قد أَغتدِى والشمسُ لم تَرَحَّلِ بأَحْجَنِ الأَنْفِ كَمِىٍّ أَكْحلِ كأَنّمَا في الدَّسْتبَانِ المُدْخلِ منه إذا ضمّ مَوَاسِى الصَّيْقَلِ فقُلْتُ للسّائِس شَمِّرْ أَرْسِلِ فقال إِذْ أَرسلَه إِيهٍ قُلِ وله أيضاً: لمّا رأَيْتُ اللَّيْلَ قد تَحسَّرَا نَبَّهتُ خِرْقاً لم يَكنْ عَذَوَّرَا أَبْلَجَ فَضْفَاضَ القَمِيصِ أَزْهَرَا سَقاهُ كَفُّ اللَّيْلِ أَكْوَاسَ الكَرَى فقَامَ واللَّيْلُ يُبَاهِى السَّحَرَا منه ومَا الْتَاثَ وما تَنَظَّرَا بأَسْفَعِ الخَدَّيْنِ طاوٍ أَمعَرَا عَارِى الظَّنَابِيبِ إِذا تَغَشْمَرَا فصَادَ في شَوْطَيْهِ حتّى أَظْهَرَا خَمْساً وعِشرينَ وخَمْسَ عَشَرَا فكَمْ تَرَى مِن خَرَبٍ مُعَفَّرَا أَنْحَى له مَخَالِباً ومِنْسَرَا ثُمَّتَ راحَ سامِياً مُصَدَّرَا تَخَالُ أَعلَى زَوْرِهِ مُعَصْفَرَا من صائِكِ الأَجْوَافِ أَو مُمَغَّرَا يُدْرِك منها كلَّ ما تَخَيِّرَا حَبَّ القُلُوبِ والغَرِيضَ الأَحَمرَا ولشرشير: لا صَيْدَ إلاّ صَيْدُ بازٍ أَبْجَلِ مجدِّلٍ بخَطْفِه للأَجْدَلِ وقُلَّبٍ من البُزَاة حُوَّلِ مُضْطَرمٍ مثْل الحَرِيقِ المُشْعَلِ ذي مَنْكبٍ مُوفٍ وفَرْقٍ أَشْعَلِ ومِنْسَرٍ كقَرْنِ ظَبْيٍ أَعْصَلِ ومَنْخِرٍ كفُوقِ سَهْمٍ أَعزَلِ وشِكّةٍ كزَرَدٍ مُوَصَّلِ وذَنَبٍ كذَيْلِ بَكْرٍ مُسبَلِ وهَامَةٍ كشَرْيَةٍ من حَنْظَلِ ومُقْلَةٍ كجِذْوةٍ مِن مَشْعَلِ وكَفِّ لَيْثٍ ذَاتِ حُجْنٍ ثُجَّلِ كأَنَّهَا مَنحوتةٌ من جَنْدَلِ تَقْصِدُ فكَّ مفْصلٍ عن مفْصلِ كأَنَّهَا عالِمةٌ بالمَقْتَلِ وله أيضاً: لمّا تَفرَّى اللَّيْلُ عن أَثْباجِهِ وارْتَاحَ ضَوْءُ الصُّبْحِ لانْبِلاجِهِ غَدوْتُ أَبْغِى الصَّيْدَ من مِنْهاجِهِ بأَقْمَرٍ أَبْدَعَ في ابْتِلاجِهِ أَلْبَسَهُ الخالِقُ من دِيباجِهِ ثَوْباً كَفَى الصانِعَ من نِسَاجِهِ وزانَ فَوْدَيهِ إِلى حَجَاجِهِ بزِينةٍ كفَتْهُ نَظْمَ تَاجِهِ

يَجْمَعُ دلَّ الغِيدِ في إِبْهاجِهِ وسَطَوَاتِ السِّيدِ في هِيَاجِهِ مِنْسَرُه يُنْبِىءٌ عن خِلاجِهِ وظُفرُهُ يُخْبِر عن عِلاَجِهِ فلم نَزَل نَغذوه في استخراجِهِ مِن قَبْجِهِ حَالاً ومن دُرَّاجِهِ حَتَّى أَزالَ الزَّيْغَ عن مِزَاجِهِ ونَهْنَهَ الهَمَّ عنِ اعْوِجاجِهِ وله أيضاً: انْتَزِعْ يا صاحِ بَازِيَنَا ... واغْدُ بنَفْىِ العُسْر من يُسُرِهْ أَقْمَراً لوْ لاحَ في سَدَفٍ ... غَنِىَ الرّاؤُونَ عن قَمَرِهْ قَلِقَ الأَجْفَانِ تَحْسبُه ... عاقِداً حِقْداً على وَغَرِهْ كمَدَاكِ الطِّيبِ هامَتُه ... خَلْقُها يَدْعُو إِلى حَذَرِهْ وكقَرْنِ الظَّبْىِ مِنْسَرُهُ ... في رِحابِ الشِّدْقِ مُنْقَعِرِهْ وكجِزْعٍ حَوْلَه ذَهَبٌ ... مايُدِيرُ اللَّحظُ من بَصَرِهْ مُتَقَبِّى يَلْمَقَىْ جِبَرٍ ... بشِعَارٍ شَفَّ عن صَدَرِهْ باسِلٌ يَقْضِى بمَنْظَرِه ... حينَ تَلَقاهُ على خَبَرِهْ وُثِقتْ بالفلْج عَزْمَتُه ... فهْوَ لا يَمْضِى على خطَرِهْ نائلاً بالأَيْنِ بُغْيَتَهُ ... ظافِراً بالحَزْمِ في غَرَرِهْ وإِذا أَطْبَى مَسَامِعَه ... رِكْزُ شَخْصٍ غابَ عن حَضَرِهْ قُلْتَ في عَيْنَيه أَفئِدةٌ ... تَنْتَحِى ما قصَّ من أَثَرِهْ يَنْبَرِى للطَّيرِ مُنْحرِفاً ... كانْبِعاثِ السَّهْم من وَتَرِهْ فتَشَظَّى عنه مُقْشِعَةً ... كانْقِشَاعِ الدَّجْنِ عن مَطَرِهْ ثمَّ يِشْآهَا فيَرْجِعُها ... كرُجوعِ الطَّرْفِ عن نَظَرِهْ ويُفَرِّى رِيشَهَا بِتَكاً ... كانْتِثَار الزَّهْرِ عن شَجَرِهْ ولعليّ بن محمّد العلويّ الكوفيّ فيه: قد أَغتَدِى واللَّيْلُ وَرْدٌ مِنْسَرُهْ كأَنَّمَا أَلقَتْ عليه أُزُرُهْ مَوْكِب دُهْمٍ لائِحَات غُرَرُهْ أَو أَسْوَد اللِّمَّة شابَتْ طُرَرُهْ والفَجْرُ مولودٌ يَبِينُ صِغَرُهْ يَطْوِى الظَّلامَ والظَّلامُ يَنْشُرُهْ بأَشْوَسِ الغَدْوَةِ سامٍ نَظَرُهْ يُبَادِرُ النّاظِرَ وَهْوَ يَبْدُرُهْ كأنّ من يُبْصِرُهُ لا يُبْصِرُهْ يزْهضاهُ بَعْدَ أَيْنِهِ تَجبُّرُهْ فصَحَّ مَرْءَاهُ لَنَا ومخبَرُه أَطْوَلُ عُمْرٍ ما رَآه أَقصَرُهْ وللحسين بن الضحّاك في بازٍ للمتوكّل: يَحْمِل فوْقَ الكَفِّ موشِىَّ القَرَا مُلَمْلَمَ الخَلْقِ كجُلمودِ الصَّفَا مُقْتَدِرَ المِنْسَرِ مَقْدودَ القَنَا تَخالهُ غَضْبانَ من فَرْطِ الشَّغَا أَلْبَسَهُ التَّكْرِيزُ مِن حِبْرِ الكُسَا مَدَارِعاً رَقَّشَ فيها ومَحَا كأَنّمَا نَمَّقَ من نُونٍ ورَا مَدَارِجَ الذَّرِّ تَرَقَّى في النَّقَا يَرْمِى بزَرْقَاءَ طَحُورٍ للقَذَى يَطْوِى الحَمَاليقَ على جَمْرِ الغَضَا يُدْرِكُ أَحفَى شَبَحٍ وإِن نَأَى حتّى إِذا قَرْنٌ من الشمسِ بَدَا وأَمسكَ السَّاقِطُ من قَطْرِ النَّدَى عنَّ له سِرْبُ كَرَاكىٍّ سَدَا مَدَّ مَدَى اللَّيْلِ إلى رَأْدِ الضُّحَى مُنْجَذِباً يَقطَع أَجْوازَ الفَلاَ فجَاذَبَ الإِرْسالَ طَبًّا فأَبَى حتَّى إِذا قَابَلَ مُسْتضنَّ الصَّبَا أَرْسَلَه ط؟ يَّانَ خَفّاقَ الحَشَا فمَرَّ كالسَّهْم إِذا السَّهْمُ سَما حتّى إِذا خَالَطَ أَو قِيل سَطَا وشَدّ فَنَّينِ عِرَاضاً وتَلاَ بنَيْزَكٍ إِن صكَّ دَمَّى وفَرَى قَطَّعَها شَتَّى كأَسْرَابِ القَطَا فجُلْن من بين خَساً إِلى زَكَا صَوَارِخاً بين فَيَافٍ وقُرَى وحَثّ عشْرَيه لأَقصاها مَدَى

أَبْعَدَهَا مُنْتَجَعاً ومُرْتضمَى فصَدَّه عن قَصْدِ ما كَان نَحَا يَحْطُّ إِنْ حِطَّ ويَعلُو إِنْ عَلاَ بحَرِكٍ أَسْرَعَ من رَجْعِ الصَّدَا حَتّى إِذا جَرَّعَه المَوْتَ حُسَا وغَصَّ منه بشَجًى بَعْدَ شَجَا وتَاهَ كالحَيْرَانِ من غيرِ عَمَى أَنشَبَ من شِدْقٍ وقِحْفٍ وقَفَا نَوَافِذاً حُجْناً كأَطْرَافِ المُدَى فخَرَّ كالحِلْسِ إِذا الحِلْسُ هُوَى وله أيضاً: سَقَى اللهُ بالقَاطُولِ مَطْرَحَ طَرْفِكَا ... وخَصَّ بسُقْيَاهُ مَنَاكِبَ قَصْرِكَا ولم أَنسَ بالشَّطَّين نَفْضَ غِيَاضِه ... بخَيْلِكَ أَطْرَافَ النّهَارِ ورِجْلِكَا ودَسَّك للدُّرَّاجِ في جَنَباتِهِ ... وللغُرِّ آجَالاً قُدِرْنَ بكَفِّكَا بشُهْبٍ كمَوْشِىّ الرُّخَامِ يُجِيلُهُ ... بمثْل خَفىِّ الوَحْىِ صَنْعَة رَبِّكَا أَوِ اسْبَهْزَجىّ يَسْبِق الطَّرْفَ حَثُّهُ ... هَوَامِسُ عشْرَيْهِ مُطِيعٌ لأَمرِكَا تَسُرُّك في تَشْمِيرهَا وقُدُودِهَا ... وحَسْبُك في التأْديب أَو فَوْقَ حَسْبِكَا حُتُوفٌ إِذَا أَرسلتَهنّ قَوَاصِداً ... عِجَالٌ إِذا أَغْرَيْتهنّ بزَجْرِكَا تُخَطِّفُ من صُغْرَى وكُبْرَى إِذَا ارتمتْ ... بيُمْنَى ويُسْرَى من بَوَادِر خَطْوِكَا أَبَحْتَ حِمَاهَا مُصْعِداً ومُصَو؟ ِّباً ... وما رِمْتَ في حَالَيك مَجْلِسَ لَهوِكَا ولعليّ بن الجهم في البزاة والبوازج: وَطِئنَا رِيَاضَ الزَّعْفَرَانِ وأَمسكتْ ... علينَا البُزَاةُ البِيضُ حُمْرَ التَّدَارِجِ ولم تَحْمِهَا الأَدْغَالُ مِنّا وإِنّمَا ... أَبَحْنَا حِمَاهَا بالكِلابِ البَوَازِجِ بمُسْتَرْوِحَاتٍ سابِحَاتِ بُطُونُهَا ... على الأَرْضِ أَمْثَالَ السِّهَامِ الزَّوَالِجِ ومُسْتَشْرِفَاتٍ بالهَوَادِى كأَنَّهَا ... وما عقَفَتْ منها رُؤُوسُ الصَّوالِجِ فَلَيْنا بها الغِيطَانَ فَلْياً كأَنَّهَا ... أَنامِلُ إِحْدىَ الفَالِيَات الحَوَالجِ قَرَنَّا البُزَاةَ والصُّقورَ وحُرِّمَتْ ... شَوَاهِينُنا من بَعْدِ صَيْدِ الزَّمَامِجِ وفي البازى من قصيدة: وقد حَملْنا كلَّ مُسَوْفزٍ ... أَدّبَه الحاذِقُ واخْتَارَا مَضْطرِمٍ تَحْسبُه طالِباً ... عندَ جَمِيعِ الناسِ أَوْتَارَا يَفْتُقُ حِمْلاَقيْنِ عن مُقْلَة ... يَخَالُهَا الناظِرُ دِينَارَا صادِقَةٍ تُعمِلُ لَحْظاً إلى ... مَقَاتِلِ الطائِرِ نَظّارَا مُخاتِلِ لكنْ له جُلْجُلٌ ... لم يَأْلُ إِعْذاراً وإِنْذارَا كأَنَّه شُعْلَةُ نارٍ إِذا ... عَايَنَ قَبْجاً أَو خشنْشارَا أَو عَرَبِىٌّ فاتِكٌ ثائِرٌ ... يخَاف في تَقْصيره العارَا ولعبد الله بن المعتزّ في البازى: غَدَوتُ للصَّيْد بفِتْيَانِ نُجُبْ وسَبَبٍ للرِّزْق من خَيْرِ سَبَبْ ذي مُقْلَةٍ تَهْتِكُ أَستارَ الحُجُبْ كأَنَّهَا في الرَّأْسِ مِسْمَارُ ذَهَبْ بمنْسرٍ مثْلِ السِّنَان المُختضِبْ قد وَثِقَ القَوْمُ له بِمَا طَلَبْ فهو إِذا جَلَّى لصَيْدٍ واضطرَبْ عَرَّوْا سكَاكِنَهُمُ مِن القُرُبْ قوله: قد وَثِقَ القَوْمُ له بما طَلَبْ مأخوذ من قول امرىء القيس: إِذا ما رَكِبْنَا قال وِلْدَانُ أَهلِنَاتَعَالَوا إِلى أَنْ يَأْتىَ الصَّيْدُ نَحْطِبِ أي هم واثقون بأَنّ الصَّيد يأتيهم. وله أيضاً في قصيدة: ونَذْعَرُ الصَّيْدَ ببَازٍ أَقْمَرِ كأَنَّه في جَوْشَنٍ مُزَرَّرِ ذي مُقْلَةٍ تُسْرِجُ فَوقَ المَحْجِرِ ومِنْسَرٍ عَضْبِ الشَّبَا كالخَنْجَرِ تَخَالُه مُضَمَّخاً بالعُصْفُرِ وهَامةٍ كالحَجَر المُدَوَّرِ

وجُؤْجُؤٍ مُنَمْنَمٍ مُحَبَّرِ كأَنَّه رَقٌّ خَفِىُّ الأَسْطُرِ وذَنَبٍ كالمُنْصُلِ المُذَكَّرِ أَو كجَنِىِّ الطَّلْعةِ المقَشَّرِ وقَبْضَةٍ تَفْصِل إِن لم تَكسِرِ قَلَّصَ فَوْقَ الدَّسْتَبَانِ الأَحْمَرِ جَنَاحُهُ كرِدْيَةِ المُشَمِّرِ وله فيه وفي الفرس: لَمّا حَدَا الصُّبْحُ بِليلٍ أَدْعَجِ مثْلِ القَبَاءِ الأَسوَدِ المفَرَّجِ والنَّجمُ في غُرّةِ فَجْرٍ مُسْرَجِ كالمُصْطَلِى باللَّهَبِ المؤَجَّجِ رُعْنَا الوُحُوشَ بِابْنِ شَدٍّ مُدْمَجِ أَشقرَ مَلْزوزِ القَرَا والمِنْسَجِ قد خاضَ تَحْجيلاً ولم يُلَجَّجِ كالخَوْدِ في جِلْبَاتِهَا المضَرَّجِ رَمَت إلى مِعْصَمِهَا بالدُّمْلُجِ ذي غُرَّةٍ مثلِ الصَّبَاحِ الأَبْلَجِ وأَضْلُعٍ مثلِ شِجَارِ الهَوْدَجِ لُزَّتْ بصُلْبٍ ذي فَقَارٍ مُرْتَجِ كعُقَدِ الخَطِّىّ لم تَفَرَّجِ وحافِرٍ أَزرقَ كالفَيْرُوزَجِ ومُكْملٍ شِكَّتُهُ مُدَجَّجِ أٌقْمَرَ مثْل المَلِك المُتَوَّجِ ذي مِخْلَبٍ كالحَاجِب الدَّيْزَجِ أبرش بطنان الجناح الديزج كطَيْلَسانِ المَلِكِ المُدَبَّجِ وله أيضاً فيه: لَمَّا انْجلَى ضَوءُ الصَّباح وفَتَقْ تَجَلِّىَ الصَّفْوةِ من تحتِ الرَّنَقْ وأَنجُمُ اللَّيْل مَريضاتُ الحَدَقْ والفَجرُ قد أَلْقَى على اللَّيْل طَبَقْ غدوتُ في ثَوبٍ من اللَّيْل خَلَقْ بِطارِحِ النَّظرِة في كلّ أُفُقْ ذِي مِنْسَرٍ أَقْنَى إِذا شَكَّ خَرَقْ مُختَضِبٍ في كلِّ يَومٍ بعَلَقْ ومُقلةٍ تَصْدُقُهُ إِذا رَمَقْ كأَنّهَا نَرْجِسَةٌ بلاَ وَرَقْ يُنْشِبُ في الأَثباج حتَّى تَنفَتِقْ مَخَالِباً كمثْلِ أَنْصَافِ الحَلَقْ مَبَارَكٍ إذا رأَى لقَدْ لَحِقْ يَسْبِقُ ذُعْرَ الطَّيْرِ من حيثُ امْتَرَقْ حتَّى يَرَيْنَ المَوْتَ من قَبْلِ الفَرَقْ وله أيضاً: كأَنَّه لمّا بَدَا ... والصُّبْحُ لمْ يَنْبَلِجِ قائدُ جَيْشٍ لَجِبٍ ... سارَ لِقَبْضِ المُهَجِ فجِسْمُه من فَضّةٍ ... ودِرْعُه من سَبَجِ وله أيضاً: قد أَغْتدِى في نَفَسِ الصَّبَاحِ بقَرِمٍ للصَّيْدِ ذي ارْتياحِ مُعَلَّقِ الأَلْحاظِ بالأَشباحِ يَرْكُضُ في الهَوَاءِ بالجَنَاحِ قُمِّصَ رِيشاً حَسَنَ الأَوْضَاحِ عليه منه كحَبَابِ الرَّاحِ ذي جُلْجُل كالصُّرْصُرِ الصَّيّاحِ تشبيه لمع بياض البازى بالحباب مليحٌ ظريفٌ، وكلك تشبيهه الجلجل بصوت الصُّرصر، وقد أخذ معنى قوله. مُعَلّق الأَلْحَاظ بالأَشباح من المثقِّب العبديّ حين وصف فرسه فقال: كأَنَّهُ مُعَلْقٌ فيه بخُطَّافِ ومن قول امرىء القيس: قيد الأوابد. وله أيضاً: قد اَغْتدِى وفي الدُّجَى مَبَالِغُ وفيه للصُّبْح خَطِيبٌ نابِغُ قُدَّ له قَمِيصُ وَشْىٍ سابِغُ ومِنْسَرٌ ماضِى الشَّبَاةِ دَامِغُ يمْلأُ كَفَّيْه جَنَاحٌ فارِغُ وله أيضاً: ذُو مُقْلَةٍ صَفْرَاءَ مثْلِ الدِّينَارْ يَرْفَعُ جَفْناً مثْل حَرْفِ الزُّنّارْ ومِنْسَرٍ كمثْلِ عَطْفِ الْمِسْمارْ آنَسَ طَيْراً في خَليجٍ هَدَّارْ من كلّ صَدَّاحِ العَشِىِّ صَفَّارْ كأَنّه مُرجِّعٌ في مِزءمَارْ فصَادَ قبلَ فَتْرَةٍ وإِصْحَارْ خَمسينَ فهينّ سِمَاتُ الأَطفارْ كأَنّه فيها شُوَاظٌ من نارْ وله في البزاة والكلاب البوازج: قُمْ صاحبِى نَغْدُو لِصَيْدِ الوَحْشِ بضَارِيَاتٍ من بُزَاةٍ بُرْشِ كأَنّما نَقَّطَهَا مُوَشِّى وبُوزَجَاتٍ ضُمَّرٍ تَسْتَنْشِى ذَوَاتِ شَمٍّ وذَوَات نَبْشِ ووَابِلِ في العَدْوِ غيْر طَشِّ لمّا رَأَى في اللَّيْلِ فَجْراً يَمْشِى فكمْ كنَاسٍ قد خَلاَ وعُشِّ ولعبد الله بن محمّد:

في الزرارقة

تُجَلَّى ببَازِىٍّ عُيُونُ ذوِى النُّهَى ... إليه لإِبْصارِ المَحَاسِنِ صُورُ مكان سَوَادِ العَيْنِ منه عَقِيقةٌ ... وتِبْرٌ على خطِّ السَّوادِ يدورُ تَمُورُ إذا ما رَنَّقتْ في مَآقِهَا ... كمَا مارَ من ماءِ الزُّجاجةِ نُورُ فإِن جَحظَتْ عنه اسْتوَى في مَدَارِه ... وإِن مالَ عن لَحْظٍ ففيهِ شُطُورُ له قَرْطقٌ ضافِى البَنائِق أَنْمَرٌ ... مُفوَّفُ ضَاحِى الشِّقَّتَيْن طَرِيرُ ومِنْ تَحْتِه دِرْعٌ كأَنّ رُقُومَه ... تَعَارِيجُ وَشْىٍ أَرْضُهنّ حَرِيرُ كأَنّ انْدِمَاجَ الرِّيش منه حَبَائكٌ ... بعقْبِ سَحَابَاتٍ لهنّ نُشُورُ له هامَةٌ مَلْسَاءُ أَمّا قَذَالُهَا ... فمُوفٍ وأَمّا جِيدُهَا فقَصِيرُ له مِنْسَرٌ يَحكِى من الظَّبْىِ رَوْقَه ... إِذا تمَّ للتَّحْبير منه سُطورُ له فُرَقٌ فَوْقَ القَذَال كأَنَّهَا ... ولم يَعْرُهُ وَخْطُ القَتِيرِ، قَتِيرُ أَتانَا به من رأْسِ خَلْقَاءَ حَزْنةٍ ... لها فَوْقَ أَرَآدِ الشِّعاف ذُرُورُ سَبَاهُ صَغِيراً فاستَمَرَّ بحَزْمِه ... وردَّ إليه العَزْم وهو كَبِيرُ وللمتنبيّ ونظر إلى بازٍ يطاير قبجةً حتى أخذها فقال: وطائرةٍ تَبَبَّعُهَا المَنَايَا ... على آثارِهَا زَجِلُ الجَنَاحِ كأَنّ الرِّيشَ منه في سهَامٍ ... على جَسَدٍ تَجسَّدَ من رِيَاحِ كأَنّ رُؤوسَ أَقلامٍ غِلاظٍ ... مُسِحْنَ برِيشِ جُؤْجُؤهِ الصِّحَاحِ فأَقْعصَهَا بحُجْنٍ تَحْت صُفْرٍ ... لَها فِعْلُ الأِسِنَّةِ والرِّماحِ فقُلْتُ لكلّ حىٍّ يَومُ سُوءٍ ... وإِن حَرَصَ النُّفوسُ على الفَلاَحِ في الزَّرارقة الزُّرَّق يشبه البازى لوناً، ويقاربه فعلاً، وهو عند الطُّرَّاد ذكر البازىّ، ولم تكثر الشعراء في وصفه إكثارهم في وصف البازى. قال أبو نواس في زرّق: قد أَغْتدِى بزُرَّقٍ صَبِيحِ مَحْضٍ لمَنء يُبصِرُهُ صَرِيحِ مِمّا اشْتُرِى بالثَّمَنِ الرَّبِيحِ بكَفِّ ضَنَّانٍ به شَحِيحِ فلم يَزَلْ بالنَّهْم والتَّقديحِ ورَشِّهِ بالمَاءِ والتَّلْوِيحِ حَتَّى انْطَوَى إِلاّ مَجَالُ الرُّوحِ وعَرَفَ الصَّوْتَ ووَحْىَ المُوحِى فكَمْ وكم منْ طَربٍ طَمُوحِ أِسْبَحَهُ طُمورُه في اللُّوحِ من فَلَتَانٍ صَلَتَانِ شِيحِ وضَرْبَةٍ بنَيْزْكٍ مَذْرُوحِ فصادَ قَبْلَ الأَيْنِ والتَّبرِيحِ تِسعينَ مُسْتَحْياً إِلى مَذبوحِ وله أيضاً: قد أَغتدِى بزُرَّقٍ جُرَازِ أَقْنَى رَقِيقِ الزِّفّ والطِّرَازِ زَيْنِ يَدِ الحامِلِ والقُفّازِ يَصِيدُنا زُرْقاً ودَسْتَنجازِ بحجنَاتٍ صَدْقَةِ التَّوْخَازِ مثْل أَشَافِى الصَّنِعِ الخَرَّازِ يَعْتامُها فَرْداً بلا جِلْوَازِ ولا مُعَاناةٍ على فِرْوَازِ مِشْقاً يَقُدُّ ثَبَجَ الأَجوازِ قَدَّ ابْنِ بازٍ وصَنِيع بازِ نِعْمَ الخليلُ ساعَةَ الإِعْوازِ ولعبد الله بن محمّد في زرّق: يا قانصُ أغْدُ علينا ... بزُرَّقٍ مَحبورِ مُنَاهض للبَوَازِى ... مُغَالِبِ للصُّقورِ له جَنَاحٌ وَثيرٌ ... مُضَاعَفُ التَّنْميرِ مَظَاهَرٌ ببُرُودٍ ... مُبَطَّنٌ بحَرِيرِ وكَفُّ سَبْعٍ هَصورٍ ... مُحَجَّنِ الأُطفورِ ومِنْسَرٌ ذو انعطافٍ ... كقَرْنِ ظَبْىٍ غَرِيرِ في هَامَةٍ كَنَفَتْهُ ... كالجَنْدَلِ المُستدِيرِ وصَدْرِ بازٍ طَرير ... مُفوَّفِ التَّحْبِيرِ كأَنَّهُ ثَوْبُ وَشْىٍ ... مُعَرَّجُ التَّسْيِيرِ

في الشواهين

له ظَنَابِيبُ هِقْلٍ ... وعَيْنُ صَقْرٍ ذَعُورِ تَخَالُهَا حِينَ يَعْتا ... نُ جذْوَةً من سَعِيرِ ولعبد الله بن المعتزّ: قد أَغْتدِى واللَّيْلُ في مَآبِهِ كالحَبَشىِّ مالَ عن أَصحابِهِ والصُّبحُ قد كَشَّفِ عن أَنْيَابِهِ كأَنّه يَضْحَك من ذَهابِهِ بزُرَّقٍ رَيَّانَ في شَبابِهِ ذِى مِخْلَبٍ مُكِّنَ في نِصَابِهِ كأَنّ سَلْخَ الأَيْمِ من أَثْوَابِهِ كأَنّمَا الوَشْىُ إِذا اكْتسَى بِهِ شَكْلٌ خلاَ القِرْطَاسُ من كِتَابِهِ ما زادَنَا البَازِى على حِسَابِهِ ولا وَدِدْنَا أّنَه لَنا بِهِ وله أيضاً: لما حَبَا الإِصباحُ في الإِظلامِ وطُلِّقَتْ عَرَائِسُ الأَحْلامِ أَحْيَيتُهُ بفِتْيةٍ كِرَامِ لا يُبْطِئُونَ سَاعَةَ الإِلْجَامِ وزُرّقٍ مُجرَّبٍ مِقْدامِ كأَنَّه فَوْقَ يَدِ الغُلامِ صُبْحٌ له دِرْعٌ من الظَّلامِ يَضْمَنُ زادَ الجَحْفَلِ اللُّهَامِ ذي مُقْلةٍ تُسْرجُ كالضِّرَامِ مُنْتَزِع لغامِضِ العِظَامِ نَزْعَ المُكِبِّ خَرَزَ النِّظَامِ وذَنَبٍ كطَرَفِ الحُسَامِ وللتنوخيّ: وزُرَّقٍ سَلْطٍ على الطَّيْر كما ال ... دَّهْرُ على كلّ أَخى عَقْلٍ سَلِطْ كأَنَّه فَوقَ يَدَىْ حامِلِه ... قِطْعُ دُجىً فيه من الشَّمْسِ خُطَطْ لوْ أَنه بَاشَرَ حَدَّ السَّيف من ... جُرْاَتِهِ قَدَّ شَبَا السَّيْفِ وقَطّ رُحْتُ به وفِعْلُهُ من كَبِدٍ ... وجِيدُهُ فيه من الدَّمِّ سُمُطْ الدم مخفَّفٌ، فثقَّله للضرورة. وفي زرّق: وبازَيارٍ حامِل زُرَّقاً ... على كِبَارِ الطَّيْرِ طَيّارَا يَكادُ من إحكامِ تَأْديبهِ ... يَفْهَم ما يُضْمرُ إِضْمارَا لذاك لو يَقْدِرُ من حُبّه ... قَدَّ له خَدَّيْه أَسْيَارَا فبينما نُجْرِى حَدِيثَ الهَوَى ... وتارةً نُنْشِدُ أَشعارَا ثَارَ لَنا رَفُّ قِبَاجٍ ولوْ ... كانَ يَخَافُ الحَيْنَ ماثَارَا فلم نَزلْ في عَجبٍ عاجِبٍ ... نَأْخُذُ ما دَبَّ وما طَارَا فيَالَه يَوْماً هَرَقْنَا بهِ ... من دَمِ ما صِدْنَاهُ أَنهارَا وَلَّى وأَبْقَى ذِكُرهُ بَعْدَه ... لسائرِ الطُّرّادِ أَسمارَا حتّى إِذا نَحْن قَضَيْنَا به ... من غُرَرِ اللَّذّات أَوْ طارَا رُحْنَا وقد سَمَّطَ غِلْمَانُنَا ... خَرَائطاً تَحْمِلُ أَوْقارَا ولشرشير في زرّقٍ وشاهين: تَقَنَّصْتُ من هَضْبَةٍ زُرّقاً ... وأَحْرَزتُ من رَهْوةٍ سَوْذَنِيقَا فهذا أَتَيْتُ به أَقمَراً ... دَقِيقَ المَحَاسِنِ حُلْواً رَشيقَا يُقِرُّ العُيُونَ ويُضنِى القُلُوبَ ... ويُشْجِى العَدُوَّ ويُرْضى الصَّديقَا تَفَبَّى قَبَائَينِ وَشْياً ثَمِيناً ... وبُرْداً تَضَمَّنَ رَقْماً أَنيقَا يَحوكُهما ذَهبٌ في لُجَيْنٍ ... كمَشْقِك في الرَّقِّ خَطّاً دَقِيقَا تُشَرَّبُ قائِمتاهُ الخَلوقَ ... وتُكْحَلُ ناظِرَتَاهُ العَقِيقَا وهذا أَتَيتُ به أَنْمَراً ... مَليحَ الشَّمائِل نَدْباً خَلِيقَا يَفُكُّ الرُّهونَ ويَقْضِى الدُّيُونَ ... ويُدْنِى النَّدِيمَ ويُغْنِى الرَّفيقَا تَقولُ ذُنَابَاه جَزْعٌ يَمانٍ ... وتَحْسبُ في مُقْلَتَيه حَرِيقَا تَظُنُّ لَوَامِعَه عارِضاً ... وتَحْسبُ هَدَّتَه مَنْجَنِيقَا وهذا فذُو جُؤْجُؤٍ ناهِدٍ ... بَبَطَّنَ زِقّاً مَتِيناً صَفِيقَا يُوَاشِك في الطَّيَرَانِ الرِّيَاحَ ... ويَسْبِق في النَّزَوَانِ الحَرِيقَا في الشَّواهين

ويقال للشاهين: السّوذانق، والسّوذنيق. ولأبي نواس في شاهين: قد أَغَتَدِى قبل الصَّباحِ الأَبلجِ بسُهْر دَارِ اللَّوْنِ أَو سِيَهْزجِ يُوفِى على الكَفّ انتصابَ الزُّمَّجِ مُشمِّرٍ ثِيَابَه عن مَوْزَجِ كأَنَّما عُلَّ بصِبْغِ النِّيلَجِ كأَنّ وَشْىَ رِيشِه المُدَرَّجِ من قائمٍ منه ومن مُعَوَّجِ باقِى حُرُوفِ السَّطَر المُخَرْفَجِ يَنْهَسُ سَيْرَ المِقْوَدِ المُحَمْلَج من نَهَمِ الحِرْصِ وإِنْ لم يُلْهجِ ذي مُقْلةٍ وَاسِعةِ المُحَجَّجِ كأَنّمَا يَطْرِفُ عن فَيْرُوزَجِ في هامَةٍ مثْل الصَّلاَ المُدَمَّجِ ومِنْسَرٍ أَقْنَى رُحَابِ المَضْرَجِ حتّى قَضَيْنَا كلَّ حاجش المُحتَجِ من دَيْزجِ اللَّونِ وغَيْرِ الدَّيزَجِ من كلّ مَحْبوك القَرَا مُدَمْلجِ مُبَرْنَسِ الهَامَةِ أَو مُتَوَّجِ مُكحَّلِ الآماقِ أَو مُزَجَّجِ فظَلَّ أَصحابي بعَيْشٍ سَجْسَجِ تَرَاهُمُ من مُعْجِلٍ ومُنْضِجِ وله أيضاً فيه: قد أَغْتَدى واللَّيْلُ في مُسْوَدِّه غُدُوَّ باغِى قَنَسٍ مُعْدِّهِ بدَسْتَبَانٍ فاضِلٍ عن زَنْدِهِ وشَهْر دَارِ اللَّونِ أَو سَمَنْدِهِ سائِلةٌ سُفْعَتُه بخَدِّهِ قد قَدَّهُ الصّانِعُ أَحلَى قَدِّهِ فَهْو شَبيهٌ قَبْلُه ببَعْدِهِ ذي مُقْلةٍ تَلْحَقُ قبْلَ شَدِّهِ سَجْرَاءَ ليْس جِلْدُهَا من جِلْدِهِ ما كان إِلاَّ حَلُّهُ من عَقْدِهِ وخَرْطُنَاهُ من شِكَالِ بَنْدِهِ فمَرَّ يَفْرِى الأَرْضَ في مرْقَدِّهِ فجَالَ وارْتَدَّتْ على مُرتَدِّهِ كأَنّهَا إِذ وَأَلَتْ عن جَدِّهِ واعصوصَبَتْ لمَّا رَأَتْ من جَدِّهِ أُسْرةُ كِسْرَى يوم دَسْتَبَنْدِهِ فصَادَنَا قَبْلَ انتصافِ جهْدِهِ خَمْسينَ أَحْصَتْهَا يَدَا مُعْتَدِّهِ فنحن في نائِلِهِ ورِفْدِهِ أَبو عِيَالٍ قَاتَهُمْ بكَدِّهِ وله أيضاً فيه: ذَعَرتُهَا بمُلْهَبِ الشُؤْبُوبِ يُوفِى على قُفَّازِهِ المَجُوبِ منه بكفٍّ سَبْطَةِ التَّرْجيبِ كأَنَّهَا بَرَاثِنٌ من ذِيبِ وجُؤْجُؤٍ مثلِ مَدَاكِ الطِّيبِ تَحتَ جَنَاحٍ مُوجَدِ التركيبِ آنَسَ بينَ صَرْدَحٍ فاللُّوبِ بمُقْلَةٍ قَلِيلةِ التَّكذيبِ طَرَّاحةٍ خلْفَ لَقَى العَيوبِ فانقَضَّ مثْلَ الحَجَرِ المَندوبِ فاصطاد قبل ساعة التأويب بذى مَوَاسٍ مُرْهَفِ الكَلّوبِ خَمسينَ في حِسابِه المَحْسوبِ ولشرشيرٍ في شاهين: هل لك يا قَنَّاصُ في شَاهِينِ سَوْذَانقٍ مُؤدَّبٍ أَمِينِ يكَادُ للتثقيف والتمرينِ يَعرِفُ معنَى الوَحْىِ بالجُفونِ فظلَّ من جَنَاحِه المَزِينِ في قَرْطَقٍ من حِبَرٍ ثَمينِ مُفَوَّفٍ في نعْمَةٍ ولِين يُشْبِه في طِرازهِ المَصُونِ بُرْدَ أَنُو شرْوَانَ أَو شِيرِينِ وشِكَّةٍ كزَرَدٍ مَوْضُونِ مُضَاعَفٍ في النَّسْجِ ذي غُصُونِ كدِرْعِ يَزْدجِرْدَ أو شَرْوِينِ أَحْوَى مَجَارِى الدَّمْع والشُّؤونِ أَقْمَرَ مثْلَ الصَّنَمِ المَكنونِ ذي مِنْسَرٍ مُؤَلَّلٍ مَسْنونِ وَافٍ كشَطْرِ الحَاجِبِ المَقرونِ مُنْعَطِفٍ مثْل انْعِطَافِ نُونِ يُبْدِى اسْمُه مَعناهُ للعُيُونِ إِن وَصَلَت بالجَافلِ السَّنِينِ ولأبي نواس في طير الماء والشاهين: يا رُبّ وَادٍ زاهِرِ النَّبَاتِ تَهْوِى إِليه الطَّيْرُ كَاسِرَاتِ أَغْنجَةً خُضْراً مُطَوَّساتِ ببَلَقِ الرِّيش مُولَّعاتِ صُفْر الحَمَاليقِ مُقَرَّطاتِ أَقْرِطةً تَضْحَكُ في اللّبَّاتِ بفَاخِرِ الوَشْىِ مُرَدَّياتِ وبالدَّبابِيجِ مُوَشَّحاتِ صوامِتاً طَوْراً وصارِخاتِ مُلحَّنَاتٍ ومُرَجِّعَاتِ كِياً يُسْعِدن باكياتِ لم يَشْجِهنّ عَدَمُ الأَمواتِ

في الصقور

بَاكَرْتُهَا بصَادِقِ الكَرَّاتِ على الشّمَال حَسَنِ الثَّبَاتِ فمرَّ نَحْوَ الطَّيْرِ ذا الْتِفَاتِ يَحْفِزُهُ قَلْبٌ لَهُ مُوَاتِى يَمْنَحُهَا مشْقاً على السَّرَاتِ ضَرْبَ أَخِى الطَّبْطَابِ للكُرَاتِ فكُلُّهنّ لافِظُ الحَبّاتِ لَمَّا تَوَافَيْنَ من المِيقاتِ ولابن المعتزّ في شاهين صاد غراباً: أٌقْبَل يَفْرِي ويدَعْ مُمْلِتَىَْ اللَّحْظِ جَزَعْ مُسْتَرْوِعاً ولَم يُرَعْ تُبْصِرُهُ إِذا وَقَعْ كفَرْدِ خُفٍّ مُنْتَزَعْ إِذا رَأَى الرَّوْضَ رَتَعْ لمّا رأَى وَجْهَ الفَزَعْ طارَ قَرِيباً وانْقَمَعْ وصَكَّهُ ثَقْفٌ خَدِعْ ففرَّقَ النَّعْبَ قِطَعْ وليس في العيش طَمَعْ في الصُّقور الصقر أصبرها على الحرّ والبرد، وأحملها لتأخُّر الطُّعم، والعرب تسمِّيه الأجدل، وجماعه الأجادل: قال عبد مناف بن ربعٍ الهذليّ: يُخُوتُونَ أُخْرى القَوْمِ خَوْتَ الأَجادِلِ والخائتة: العقاب التي تختات، وهو صوت جناحها. فاستعاره للصُّقور، ويقال للصَّقر أيضاً: المضرحىُّ، قال طرفة: كأَنَّ جَنَاحَىْ مَضْرَحِىٍّ تَكنَّفَا ... جِفَافَيْهِ شُكَّا في العَسِيبِ بمِسْرَدِ وتسميِّه القطامىّ والقطاميّ، والعرب تشبِّه خيولهم في سرعتا به إذا انقضَّ، وإذا رصفوا رجلاً بالذّكاء، وحدَّة الخاطر والناظر شبَّهوه بالصقر، قال جريرٌ يرثى ابنه: مَضَى جُنَادَةُ يَجْلو مُقْلَتَىْ ضَرِمٍ ... مُصَرْصِرٍ بَاتَ فوقَ المَرٌقَبِ العَالِى وقال آخر: ويَنْظُرُ في أَعطافه نَظَرَ الصَّقْرِ ومثل هذا في أشعارهم كثيرٌ. وقال أبو صفوان الأسديّ يصفه بعد ذكره فرخ قمرية. وقد صادَهُ ضَرِمٌ مُلْحَمٌ ... خَفوقُ الجَنَاحِ حَثِيثُ النَّجَا حَدِيدُ المَخَالِبِ عارِى الوَظي ... فِ ضارٍ من الزُّرْق فيه قَنَا تَرَى الوَحشَ والطَّيْرَ من خَوْفه ... جَوَاحِرَ منه إِذا ما اغْتَدَى فباتَ عَذُوباً على مَرْقَبٍ ... بشَاهِقَةٍ صَعْبَةِ المُرْتَقَى فلمَا أَضاءَ له صُبْحُه ... ونَكَّبَ عن مَنكِبَيْهِ النَّدَى وحَثَّ بمِخْلَبِه قَارِتاً ... على خَطْمِه مِن دِمَاءِ القَطَا فصَاعَدَ في الجَوِّ ثمّ اسْتدا ... رَ ضارٍ خبيثٌ إِذا ما انْصَمَى فآنسَ سِرْبَ قَطاً قَارِبٍ ... جَبَا مَنْهَلٍ لم تَجُحْهُ الدِّلاَ فأَقْعَصَ منهنّ كُدْرِيَّةً ... فمَزَّقَ حَيْزُومَها والحَشَا وعلى هذه السبيل كانت صفاتهم للصقور والعقبان، لا أنَّهم هم الّذين صادوا ولا أدَّبوها. وقال أبو نواس: لا صَيْدَ إِلاَّ بالصقور اللُّمَّحِ كلِّ قطَامىّ بَعِيدِ المطْرَحِ يَجْلُو حِجَاجَىمُقْلةٍ لم تجْرَحِ لم تَغْذُهُ باللَّبَنِ المُضيَّحِ أُمٌّ ولم يُولدْ بسَهْلِ الأَبْطَحِ إِلاّ بأَشْرَافِ الجِبَالِ الطُّمَّحِ يُلْوِى بخِزَّانِ الصَّحَارَى الجُمَّحِ بسَلَبٍ كالنَّيْزَكِ المُذَرَّحِ ومِنْسَرٍ أَشغَى كأَنْفِ المِجْدَحٍ أَبْرَشِ ما بينَ القَنَا والمَذْبَحِ وممَّاع ملح فيه أبو نواس جعل الدِّرهم صقراً، وأضافه إلى الطَّرد فقال: أَنعتُ صَقْراً يَنْعَتُ الصقورَا مُظَفَّراً أَبيضَ مُستدِيرَا وِلاَدَ شَهْرٍ وَاضِحاً مُنِيرَا تَخالُه في قَدِّه العَبُورَا مُكَرَّماً يَجْتنِبُ الصَّفِيرَا إِلاّ إِذا حُرِّك أَو أُثيِرَا فهْو صَغِيرٌ يَفْعَلُ الكَبِيرَا تَرَى الحَمَاليقَ إليه صُورَا والصَّيْد يأْتِيك به مِسرورَا ينْعشُ ذا الحاجَة والفَقِيرَا يَخْتطِف الأَرنبَ واليَعفورَا ولو بَغَى مُرْسِلُهُ النُّسورَا والوَحْشَ جَمْعاً أضو بَغَى العَشِيرَا لَجاءَ سهْلاً سِلِساً يَسِيرَا ما آبَ مَن صادَ به مَبْهُورَا

مِن طَلَبِ الصَّيْدِ ولا حَسِيرَا ولا تَشكَّى الأَيْنَ والفُتُورَا بهِ يَصِيدُ الشادِنَ الغَرِيرَا ما هَانَ مَن يَمْلِكُهُ الدُّهورَا ولعبد الصَّمد بن المعذَّل في الصقر: وعازبٍ باكَرَه الغُرُّ الفُرُطْ تَخايَلَ النَّبْتُ به الجَعْدُ القَطَطْ نُوّارُه مثلُ الذُّبَال قد سُلِطْ كأَنّما الوَشَىُ عليه قد بُسِطْ قال له الغَيثُ من الرُّوَّادِ مِطْ للطّيْرِ فيه آنِفَ اليَوْمِ لَغَطْ رَطَانةَ الزُّطِّ إِذا لاقَين زُطّْ من كُلّ عَفْرَاءَ بدَفَّيْها رَقَطْ وبذَنابَاها وبالجيد نُقَطْ والجَنَاحَين وبالرأْسِ خُطَطْ كأَنّ دِيباجاً عليها لم يُخَطْ أَوْفَيْتُ والمَيْسَانُ من نَوْمٍ يَغِطّْ والليْلُ بالصُّبْح مَلوثٌ مُختلِطْ بصَادِقِ اللَّحْظِ قُطَامىٍّ سَلِطْ أَفْتَى رَحِيبِ الشِّبْر مَحبوكٍ سَبِطْ ما يَلْقَ بالْمِخْلَب من مَسْكٍ يَعُطّْ حتّى إِذا حُدَّ مِقَاطٌ فنَشِطْ وخُرِطَ المَوْتُ عَلَيْهَا إِذ خُرِطْ ومَرَّ يَهْوِى كالحُسَامِ المُمْتَعِطْ قَذَفْن ذَرْقاً كعَثَانِينِ الشُّمُطْ يَصُكُّها صَكاً دِرَاكاً ويَحْطّْ أَما رَأَيْتَ النارَ في الحَلْفَاءَ قَطّْ فازَ امرؤُ حالَفَ صَقْراً واغْتبَطْ ولشرشير في الصقر: نَغْدُو بصَقْرٍ كُرَّز مُوَهّلِ مُدَرَّعٍ دِرْعَ حَرِيرٍ مُخْمَلِ مُفَوَّفٍ مُجَزَّعٍ مُرَحَّلِ كأَنَّه في قَرْطَقٍ مُفَصَّلِ مُنَمَّرِ الأَعْلَى حَصِيفِ الأَسْفَلِ يَرُوق في الناظِر عيْنَ المُجْتَلِى يَسْبِق عَفْواً مُنْيَةَ المُؤَمِّلِ يَنْسُرُ بالمِنْسَرِ كلَّ مُعْجلِ كأَنّه يَنْجُلُه بمِنْجَلِ وله أيضاً: أَنعَتُ صَقْراً يَفْرِسُ الصُّقُورَا ويَنْسُرُ العِقْبَانَ والنُّسُورَا يَجْتَابُ بُرْداً فَاخِراً مَطروراً مُسَيَّراً بكِفَفٍ تَسْيِيرَا وقد تَقَبَّى تَحتَه حَرِيرَا يُضَاعِفُ الوَشْىُ به التَّنْمِيرَا مُنْعَرِجاً فيه ومُسْتدِيرَا كما يَضمُّ الكاتبُ السُّطورَا كأَنّه قد مُلِّك التصويرَا لنَفْسِه فأَحْسَنَ التَّقدِيرَا تَرومُ منه أَسَداً هَصورَا كأَنّ في مُقلَتِه سَعِيرَا تَخالُه من قَلَقٍ مذعورَا ذا حَذَرٍ يستوضِحُ الأُمُورَا تَرَى الإِوَزَّ منه مُستَجِيرَا يُناكِبُ الضَّحْضاحَ والغَديرَا يُثْبِتُ في أَحشائِهَا الأُطْفورَا خَطْفاً تَرَاهُ مُهْلِكاً مُبِيرَا يَنتَظِمُ الأَسْحَارَ والنُّحورَا إِذا تَشظَّتْ زُمَراً نُفُورَا أَعْجَلَها من قَبْل أَن تَحُورَا وله في الصقور: قد أَغْتدِى وعُيُونُ الفَجْرِ وَاسِنَةٌ ... والشّمْسُ راقِدَةٌ عن عَينِ باغِيهَا بالمضْرَحِيَّاتِ يَحْتَثُّ النِّزَاعُ بها ... كالأُسْد تَذعَرُها والنَّارِ تُذْكِيهَا حُجْنٍ مَنَاسِرُهَا عُقُفٍ أَظافِرُها ... كأَنَّهَا من حَدِيدٍ رُكِّبتْ فيهَا كأَنّ أَعيُنَهَا جَزْعٌ تُطِيفُ بهِ ... دَارَاتُ تِبْرٍ أُذِيبَتْ في مَآقِيهَا تُدِيرُهَا بحَمَالِيقٍ مُزيِّلَةٍ ... عنها قَذَاهَا فتُخْفِيَها وتُبْدِيهَا تكادُ تَعْرِفُ في عَيْنَىْ مُعَلَّمِهَا ... أَوَامِراً من ضَمِيرِ القَلْبِ يُوحِيهَا أَسُومُهَا لُجّةً لاحَتْ مَشَارِعُهَا ... وانْصَاعَ جَدْوَلُهَا وارْتَجَّ طَامِيهَا فيها من الطَّيْرِ أَنواعٌ مُصنَّفَةٌ ... سُبحانَ مُبْدِعِها فنيا ومُنْشِيهَا مُدبَّجات بأَلْوَان مُذهَّبَة ... مَوْشِيّة برُقومٍ جَلَّ وَاشِيهَا كأَنّهنَ رِيَاضٌ بينَهَا زَهَرٌ ... يَحُفُّ بُطْنَاَنَهَا منها ضَوَاحِيَها مُطَرّزَات بأَعْلام مُنَيَّرَة ... كالجزْعِ تَنْشُرُهَا حالاً وتَطْوِيهَا

في اليائى والبواشيق

ماذَا تَظُنّ وأَشباهُ السِّبَاع لها ... خَوَاطِفٌ خُلُسٌ قد حُكِّمَتْ فِيهَا ولعبد الله بن المعتزّ في الصقر: يا رُبّ ليلٍ كجنَاحِ النَّاعِقِ سَرَيْتُه بفِتْيةٍ بَطَارِقِ تَنْتابُ صَيْداً لم يُرَعْ بطارِقِ بِأَجْدَلٍ يَلْقَنُ نُطْقَ النّاطِقِ مُلَمْلَمِ الهَامةِ فَخْم العَاتِقِ ذي مَخْلَبٍ أَقْنَى كنُونِ المَاشِقِ وجُؤْجُوٍ لاَبِسِ وَشْىٍ رائِقِ كأَثَرِ الأَقلامِ في المَهَارِقِ أضو كبَقَايَا الكُحْلِ في الحَمَالِقِ حتَّى بَدَا ضَوْءُ صَبَاحٍ فاتِقِ وله في الكلاب والصقور: وقِيدَتْ لِحتْف الصَّيْدِ غُضْفٌ كَوَاسبٌ ... كمِثلِ قِدَاحش البَارِيَات نَحَائِفُ إِذا انْخرطَتْ من القلائدِ خِلْتَهَا ... تَرَامَى بها هُوجُ الرّيَاحِ العَوَاصِفُ تَقاسَمَهَا قَبْضَ النُّفوسِ أَجادِلٌ ... ففِى الأَرْض نَهّاشٌ وفي الجَوّ خاطِفُ كأَنّ دِلاَءً في السَّمَاءِ تَحُطُّهَا ... وتَرْقَى بها أَيدٍ سِرَاعٌ غَوَارِفُ يُشَقِّقُ آذَانَ الأَرَانبِ صَكُّهَا ... كما صَكَّ أَنْصافَ الكَوَافِيرِ خَارِفُ فصَبَّحَ خِزَّانَ القُرَيَّةِ غُدْرَةٍ ... شَياطِينُ في أَفْوَاههنّ المَتَالِفُ وله في الفرس والصقر: قد أَغْتَدِى والليلُ ذو مَشيبِ بقَارحٍ مُسَوَّمٍ يَعْبُوبِ ذي أُذُنِ كخُوصَةِ العَسِبِ أَوْآسَهٍ أَوْفَتْ على قَضِيبِ يَسْبِقُ شَأْوَ النَّظَرِ الرَّحيبِ أَسْرَع من مَاءٍ إلى تَصْوِيبِ ومن نُفُوذِ الفِكْر في القُلوبِ وأَجْدَلٍ حُكِّمَ في التَّأْديبِ صبٍّ بكَفِّ كلِّ مُسْتجيبِ أَسْرَع من لحْظَةِ مُستَرِيبِ وقال إسحاق بن خلف: جِئنَا بِه من صَيْده نَزُفُّهُ وكلُّنا من شَفَقٍ نَحُفُّهُ أَشْغَى قَليلٌ رِيشُه وزِفُّهُ مُختضِبٌ مِنْسَرُهُ وكَفُّهُ من الدِّماءِ مزْجُهُ وصِرْفُه سِيَّانِ ما قُدّامُهُ وخَلْفُهُ ولأبي مليطٍ العنبريِّ يهجو صقراً: مالك من صَقْر لقِيتَ حَتْفَكَا أَمَا تَرَى إِلى الحُبَارَى خَلْفَكَا لائِذةً لم تَرَ صَقْراً قَبلكَا وأَرْنباً أُخْرَى أَثَرْناهَا لَكَا وكَرَوانَاتٍ كَيِيراً حَوْلَكَا تُقْبِل نَحْوىِ وتُوَلِّيَها اسْتَكَا لقد عَرفْتُ أَذ رأيْتُ نَوْمَكَا تَجْعلُ في ثِنْىِ الجناحِ رَأْسَكَا إِنَّك لن تُغْنِىَ عنِّى نَفْسَكَا وهذه الأبيات طريفةٌ في معناها، وقعت من الأفراد وإن لم تكن من الكلام البارع. في اليائى والبواشيق الباشق رقيقٌ لا يحمل الحرَّ ولا البرد، وإنّما يلعب فيه في الفصلين، وهو بطىء التأديب، لا يلعب به ويقوِّمه إلاّ أحذق الطُّرّاد، لدقَّة لعبه وتقويمه، ولم تقل فيه الشُّعراء كبير شيء إلاّ ما قد ذكرناه، واليؤيؤ في صلبة الصقر وصبره على البرد والحرّ، وهو من جنسه، ويشبهه في لونه. قال أبو نواسٍ في يؤيؤٍ: ويُؤْيُؤٍ أَسْفَعَ كالدّينارِ أَدْكَن قَدْ وُشِّىَ باحْمرارِ بنُقِطٍ مَلائِحٍ صِغَارِ حُرٍّ يُقِرُّ أَعْيُنَ الأَحْرَارِ كأَنَّ عُشْرَيهِ لَدَى الأَمْطَارِ سُودُ مَدَارِى الخُرِّدِ العَذَارِى يَعْمدُ للهَدَاهِدِ الصِّغَارِ فمَا تَرَاهُ أعْينُ النُّظَّارِ من خَطْفِه يَذْهَب بالأَبْصَارِ حَتّى يَقُدّ ثَبَجَ الفَقَارِ وله فيه: قد أَغتِدى واللّيْلُ في مُكْتَمِّهِ بيُؤْيُؤٍ أَسفعَ يُدْعَى باسْمِهِ مُقابَل من خالِه وعَمِّهِ فأَيُّ عِرْقٍ صالحٍ لم يَنْمِهِ وقانِصٍ أَخْفَى به من أُمِّهِ لوْ يَستطيعُ قَاتَه بَحْمِهِ ما زَال في تَقديحِه ونَهْمِهِ يُوحِى إليه كَلِماتِ عِلْمِهِ يَقِيه من بَرْدِ الثَّرَى بكُمِّه تَوْقِيَةَ الأُمِّ ابْنَها في ضَمِّه بمَا يلذُّ أَنْفُها من شَمِّهِ

يُنَازِلُ المُكّاءَ عند نَجِمِهِ بِالغَتِّ أَو يَنْزِلُ عند حُكمِهِ يَرْكَبُ أَطرافَ الصُّوَى بخَطْمِهِ وقد سَقَاهُ عَلَالً من سَمِّهِ وله فيه: قدْ أَغتدِى واللّيلُ في دُجَاهُ كطُرَّةِ البُرْدِ على مَثْنَاهُ بيُؤْيؤٍ يُعْجِبُ من يَرَاهُ ما في الْيَآيِى يُؤْيؤٌ شَرْوَاهُ من سُفْعَةٍ طُرَّ بها خَدّاهُ أَزْرَقُ لا تَكْذِبُه عَيْنَاهُ فلو يَرَى القَانِصُ ما يَرَاهُ فَدَاهُ بالأُمّ وقد فَدَاهُ مِن بَعْدِ ما تَذْهب حِملاقاهُ لا يُوئِلُ المكّاءَ مَنكِباهُ ولاَ جَناحانِ تَكنَّفاهُ منه إِذا طارَ وقد تَلاهُ دُون انْتِزَاعِ السِّحْرِ من حَشَاهُ لو أَكثرَ التَّسبيحَ ما نَجّاهُ هو الّذي خَوّلَناهُ الله وقال أيضاً في الكلاب واليؤيؤ: قد اغتدى مع القَنْيص المُدلجِ بنَاطحٍ وعاطِفٍ ودُمْلُجِ وكلّ مَحبوكٍ قرَاهُ مُدْمَجِ مُحنِّبٍ أَضلاعُه مُعَوَّجِ من السَّلوقِيَات غَير الأَجْنَجِ ويُؤيؤٍ كالحَجَرِ المُدَحْرَجِ قد رِيض في بَرْد جِبَالِ تَوّجِ طَوِيلِ دفِّ ظَهْرِهِ مُدَبَّجِ بمَنْسِرِ أَعْقَفَ مثْل المَنْسِجِ كأنّما جَلَّى بعَيْنَى زُمَّجِ ولشرشير في يؤيؤٍ: ويُؤيُؤٍ بحُوّةٍ مجَزّعِ مُخطَّطٍ بحِبَرٍ مدَرَّعِ قد طُرَّ خَدّاهُ بلَوْنٍ أَسْفَعِ كأَنّه من حُسْنِه في بُرْقُعِ أَسْرَعَ ختْلاً من غُرَابٍ أَبْقَعِ يَكادُ من مَيْعَتِهِ في المَنْزَعِ يَسْبِق آناءَ الزّمَانِ المُسْرِعِ وله في اليؤيؤ والباشق: هل لك يا بْنَ القَانِصِ البطْرِيقِ في يُؤْيؤٍ مُهذَّبٍ رَشِيقِ كأَنّ عَيْنَيْه لدى التّحديقِ فَصَّانِ مَخْروطانِ من عَقِيقِ أَو باشَقٍ مُهّذَّب ممشوقِ أٌقمَرَ مَوْشِىِّ الحُلَى مغروق ميسر التقريج والتَّعريقِ تَسْيِيرَ بُرْدٍ ناعِمٍ رَقِيقِ فهْو بحُسْنِ المنظَر الأَنيقِ أَجْلَبُ المعِشْقِ من المَعشوقِ أَسْرع في الهُفُوِّ من حَرِيقِ وفي اقْتِنَاصِ الطَّيْر من بُرُوقِ يَفْعَل فِعْلَ الأَجْدلِ السَّحوقِ وكلّ بَازىٍّ وسَوْذَنيقِ فَهْوَ على مَنْظرِه المَرْمُوقِ نِهَايةٌ في النَّفْعِ للصَّديقِ والرِّفْدِ والقَضَاءِ للحُقُوقِ وله أيضاً: ويُؤيؤِ حُزْتُه من رأْسِ شاهِقةٍ ... جَلْسٍ يُرِيك شُخُوصَ الناسِ أَشباحَا شَئْنِ السُّلاَمَى رَحِيبِ المنخرَيْنِ إِذا ... أَراحَ من غَيْرِ بُهْرٍ خِلْتَهُ ارْتاحَا تَرى قَرَاهُ ودَفَيْه فتَحسبُها ... لأَحْرُفٍ سُطِرت فيهنّ، أَلواحَا يُجِيلُ طَرْفاً يَرَى ما لَسْتَ مُدرِكَه ... بعيد مُطّرَجِ الأَجفانِ لَمَّاحَا يَكادُ يَعلَمُ ما تُخْفِيه مُهْجَتُهُ ... من الحُقُودِ إِذا ما اهْتَزَّ أَوْصَاحَا ولمحمد بن سعيد في باشقٍ: قد أَغتدِى واللَّيْلُ حَيْرانُ الغَسَقْ لم يَهْدِهِ قَطُّ إِلى نورِ الفَلَقْ ببَاشقٍ يَرُوقُ عَيْنَىْ مَنْ رَمَقْ مُسْتَحسَنِ الخِلْقةِ مَحمُودِ الخُلُقْ يَمُرُّ كالسَّهْمِ إِذا السَّهْمُ مَرَقْ أَسْرَع من خَطْفَةِ بَرْقٍ قد بَرَقْ لو سابقَ الأَقدارَ أَعْطَتْه السَّبَقْ إِذا رَأَتْه الطَّيْرُ مَاتَتْ مِن فَرَقْ يَحُطُّهَا للأَرْضِ من أَعْلَى الأُفُقْ يَسْطُو عيها بمَخَالِيبٍ ذُلُقْ مُرْهَفَةٍ حُجْنٍ كأَنْصَافِ الحَلَقْ ومنْسَرٍ ما يَلْقَ يَتْرُكْهُ مِزَقْ فصَادَ عِشْرِين وعَشْراً في نَسَقْ وراحَ إِنْ يُضْبَطْ نَشَاطاً لا يُطَقْ فنَحْنُ في مُصْطَبَحٍ ومُغْتَبَقْ وصَفْوِ عَيْشٍ لم يُكدَّرْ برَنَقْ فالحمدُ للهِ علَى ما قَدْ رَزَقْ ولعبد الله بن محمّد: أَخَفُّ القَوَانِصِ جِسْماً ورُوحاً ... وأَجْمَعُها لأُمورٍ أُمورَا

في العقاب

وأَكْرَمُهَا باشقٌ حاذِقٌ ... يُسَاوِى البُزَاةَ ويَشْأَى الصُّفُورَا يُقَلِّبُ عَيْنَيْن ياقُوتَتَيْنِ ... تَرَى التِّبْرَ حَولَهما مُستدِيرَا ولأحمد بن الحسين المتنبيّ في باشقٍ للحسن بن عبيد الله صاد به سمانى: أَمِنْ كلِّ شَىْءٍ بلَغْت المُرَادَا ... وفي كلّ شَأْوٍ شأَوْتَ العِبادَا فمَاذا تَركْتَ لمَنْ لم يَسُدْ ... وماذا تَركتَ لِمَن كان سادَا كأَنّ السُّمَانَى إِذا ما رَأَتْكَ ... تَصَيَّدُهَا تَشتَهِى أَن تُصَادَا ولأبي الفتح الكاتب المعروف بكشاجم: مَرَّ بنا في كفِّه باشقٌ ... فيه وفي الباشق شىْءٌ عَجيبْ ذاكَ يَصِيدُ الطَّيْرَ من حالِقٍ ... وذَا بعْينَيْهِ يَصِيدُ القُلوبْ ولأبي نواس في فنون الطَّرد: قد أَغتدِى واللَّيْلُ كالمِدَادِ والصُّبْحُ يَنْفِيهِ عن البِلادِ طَرْدَ المَشِيب حالِكَ السَّوَادِ غُدوَّ باغِى قَنَصٍ مُعتادِ في فِتْيَةِ من مَعْشَرٍ أَنجادِ بالخَيْلِ والكِلابِ والفِهَادِ وتَوَّجىٍّ طَيِّعِ القِيَادِ جَلَّ عن الصِّفَاتِ والأَنْدادِ ذِى حجَنَاتٍ صَدْقَةٍ حِدَادِ وللمريميّ: قد بَاكرَ الصَّيْدَ في صِيدٍ تَخَيَّرَهُم ... كالبَدْرِ حَفَّتْهُ منهم أَنْجمٌ زُهُرُ فغَادَرَ الوَحْشَ من صَرْعَى بأَسهُمِهِ ... كأَنَّهَا يومَ فَتْحِ الرَّقَّةِ الجُزُرُ ومن طَوَالِعَ جَرْجَى من جَوَارِحِه ... ذا يَستقِلُّ وذا بالتُّرْب مُنْعَفِرُ هاتِيك يَقْضِى عليها السَّهْمُ والوَتَرْ ... وتِلك يَحْكُمُ فيها النَّابُ والظُّفُرُ شُهْبُ السَّمَاءِ وشُهْبُ الأَرضِ تَلْحقُها ... عُلْواً وسُفْلاً فما تُبْقِى ولا تَذَرُ في إِثْرِ مُنُحرِفٍ منهنّ مُنْعطِفٍ ... وفوقَ مُنْحَدِرٍ منهنّ مُنْكَدِرُ تُطْوَى إِذا انتَشَرَْ قَسْراً وَأَيْنَ بهاعن حَتْفِهَا وَهْىَ تُطْوَى حين تَنْتَشِرُ ولديك الجنّ من قصيدة: وغُضْفاً يَنْتَظِمْنَ الأَرْضَ نَظْماً ... تَنَثَّرُ فيه حَبّاتُ النُّفُوسِ لها في كلِّ مَعرَكةٍ ضجَاجٌ ... ودَاهِيَةٌ كدَاهِيَةِ البَسُوسِ وسِرْب حُبَاريَاتٍ فَوْقَ جَلْسٍ ... أُشَبِّهُهُ بمَشْيَخَةٍ جُلُوسِ وفيها: بَطاوِيَةِ الأَجَادلِ أَو بُزَاةٍ ... مُحَمِّجَةٍ لدَاهِيَةٍ شَمُوسِ تَرَاهَا في بُرَاها مُنْغِضَاتٍ ... بأَرْؤُسها بحسٍّ أَو حَسِيسِ فأُمُّ الطَّيْرِ في شَرٍّ وعَرٍّ ... وأُمُّ الوَحْشِ في يومٍ عَبُوسِ وفيها: وأَحْمر مذْبحٍ وقَراً وزَوْرٍ ... هَمُوس زِيَارَةِ القِرْنِ الهَمُوسِ وأَبْيَض ما اطْمَأَنَّ من الذُّنَابَى ... إِلى الحاذَيْنِ كالقَصَبِ اللَّبِيِس وأَسْوَدَ لهْذَمِ السَّيْرَيْنِ جَوْنٍ ... وأَزْرَق مِنْسَرٍ أَقْنَى نَهُوسِ وأَصْفَر قِمّةٍ وحَجَاج عَيْنٍ ... فتَحسبُه تَكحَّلَ من وُرُوسِ إِذَا بُعِثَت سَمِعْتَ لها زُهاءً ... وجَهْوَرَةً كجَهْوَرَةِ القُسُوسِ كأَنّ على القَرَا دِيباجَ وَشْىٍ ... تَكَشَّفَ عن غُلاَلَةِ خَنْدَرِيسِ كأَنّ جَآجِئاً منْهَا وهَاماً ... أَعارَتْهَا النُّفُوسَ يَدَا عَرُوسِ في العقاب يقال لها: عقابٌ ولقوةٌ، لسعة أشداقها، و: الشّغواء لتعقُّف منقارها، والفتخاءاللَّيّنة الجناح في الطَّيران، وعقابٌ خاتيةٌ: توِّت بجناحيها وله حفيفٌ. والمختُّ: المستحيى. وختا الرجل: تغيَّر لونه. ومفازة مختتئةٌ: لا يسمع فيها صوتٌ. والخداريّة: العقاب، للونها، قال الشاعر: ولم يَلْفِظِ الغَرْثَى الخُدَاريّةَ الوَكْرُ

في الزمج

وللعرب الأول فيها صفاتٌ، فأمّا المحدثون فما نعرف لأحدٍ فيها شيئاً غير أبي نواس، فإنّه وصف صيدها وذكرها في مرثيته خلفاً الأحمر، وجاء بها مثلاً أنّها لا تنجو من الموت فقال: لا تَئِلُ العُصْمُ في الهِضَابِ ولا ... شَغْوَاءُ تَغْذُو فَرْخَيْنِ في لَجَفِ يُحْصِنُهَا الجَوُّ بالنَّهارِ ويُؤْ ... وِيها سَوَادُ الدُّجَى إِلى شَعَفِ تَحْنُو بجُؤْشُوشِهَا على ضَرِمٍ ... كقِعْدَة المُنْحَنِى من الخَرَفِ تحنو: تعطف، بجؤشوشها: بصدرها، الشَّغواء: العقاب، سميت بذلك لاختلاف منسرها الأعلى والأسفل، والشَّغا: أن يطول بعض الأسنان ويقصر بعضٌ، واللَّجف: ما أشرف من الصَّخر على الغار في الجبل. وقال امرؤ القيس في العقاب: كأَنّى بفَتْخَاءِ الجَناحَيْنِ لَقْوَةٍ ... على عَجَلٍ مِنّى أُطَأْطِىءُ شِمْلالِى تَخَطَّفُ خِزَّان الشَّرَبَّةِ بالضُّحَى ... وقد حُجِرَتْ منها ثَعَالِبُ أَوْرالِ كأَنّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويابِساً ... لَدَى وَكْرِهَا العُنّابُ والحَشَفُ البَالِى هذا من أجود تشبهٍ للعرب صحّة معنى، وفصاحة لفظٍ، وجودة أقسام. ولغيره: عُقَابٌ عَقَبْنَاةٌ كأَنّ جَناحَهَا ... وخرطومَهَا الأَعْلَى بنارٍ ملَوَّحُ يقال عقاب عقبناةٌ وعقنباةٌ، وهي ذوات المخالب. ولشرشير: وقُلَّةِ طَوْدِ مُشْمَخِرٍّ شِعَافُهُ ... لِمُلْتَمِسٍ قَصْدَ السَّبِيل مُزِيلِ به وَكْرُ فَتْخَاءِ الجَنَاحَيْنِ لَقْوَةٍ ... شَدِيدَةِ أَرْسَاغِ الأَكُفِّ قَتُولِ تُقَلْبُ عَيْنَىْ مُسْتَريبٍ أَكَنَّتَا ... بِقَلْتَىْ أَشَمِّ المَارِنَيْن أَسِيلِ له جُؤْجُؤٌ كالفِهْرِ يَكْتَنُّ زَروَهُ ... بمُحْتَنكٍ صَدْقِ الظّهَارِ جَدِيلِ وساقَا ظَلِيمٍ لوْ ظَنَابِيبُه عَلَتْ ... رَحِيبَا أَكفٍّ غَيْر ذَاتِ حجُولِ أَظَافِيرُها حُجْنُ الأَشَافِى كأَنَّهَا ... شُعُوبُ صَياصِى في قُرُونِ وُعُولِ فلمّا تَرَاءَى الوَحْشُ مُنْحَرِفاً دَعَتْ ... لأَعمارِهَا آجالُها برَحِيلِ في الزُّمَّج الزُّمَّج أخبث الجارج طبعاً، وأشدُّه مكراً، وربّما تناول عين الحامل له آنس ما كان به. وحدَّثنا جحظة قال: كان بظهر الكوفة أعرابيّ له زمَّجٌّ يصيد بها في كلّ يومٍ ظبياً، فيتقوَّت به هو وعياله، فاتَّل خبرها بالواثق، فوجَّه في طلبها بخادمٍ له، فذكر الخادم أنّه وافى الأعرابيَّ وهو جالسٌ بفناء بيته، فسلَّم، فردَّ عليه وقال: ما أنت؟ قال: ضيفٌ، قال: انزل بالرُّحب والسَّعة، فنزل، وقام الأعرابيّ فدخل إلى بيته، وخرج إليه، فجلس معه يحدِّثه حتى قرب وقت الغداء، ثمّ دخل فأخرج إليه كالدَّجاجة العظيمة مشويّةً، فأكلاها، فلمّا أكل قال: أنا رسول أمير المؤمنين، جئتك في طلب الزُّمَّج، قال: يا هذا، هلاّ تكلَّمت قبل ذلك؟ جئتنى والله وما كان في بيتي شيءٌ، غير الزُّمَّج، فلم أدر ما أقريك، فذبحتها وشويتها وأكلناها. فرجع الخادم إلى الواثق فأخبره الخبر، فعجب من كرم الأعرابيّ، ووجَّه فحمله ووصله بألف دينار. ورأى المحدثين في الزُّمَّج كرأيهم في العقاب، لقلَّة وصفهم له، وما نعرف فيها غير قول بعضهم: أَعَددتُ للنّدْمَانِ صَيْدَ زُمَّجِ عَبْلِ السَّرَاةِ ذي قَوَامٍ عَسْلَجِ كأَنّه في قَرْطَقٍ مُدَبَّج بينَ ذُنَابَاهُ وبَيْنَ المنْسجِ رِيشٌ كمِثْلِ الحُبُكِ المُزَبْرَجِ يَدفُّ فِعْلَ العائِمِ المُلَجِّجِ حُجْنٌ خَطَاطِيفُ بكَفَّىْ أَهْوَجِ تَظُنُّهَا مَخْلوقَةً من عَوْسَجِ ذي منْسَرٍ كقَرْنِ ظَبْىٍ أَدْعَجِ وساقِ هِقْلٍ خاضِبِ مُضرَّجِ أَطلقْتُه في يَومِ دَجْنٍ مُبْهِجِ فرُحْتُ للشَّرْبِ بعَيْشٍ رَهْوَجِ أَوْسَعْتُهمْ من القَدِيدِ المُنْضَجِ ومن حَنِيذِ المُعَجَلِ المُلَهْوَجِ في عناق الأرض الانثى لأحمد بن طاهر: وَيْل بنَاتش الأَرْضِ من لَعُوبِ

في عناق الأرض الذكر

إِذا اغْتَدَتْ بصَاحِبٍ مَصْحُوبِ عاصٍ على المَلامِ والتأْنيبِ فاشْتَرَفَتْ من جَانِبَىْ كَثِيبِ مثْل اشْتِرَافش القَوْمِ للخَطِيبِ ونَظَرَتْ كنَظْرَة الرَّقِيبِ إِلى مُحِبٍّ وإِلى حَبِيبِ تَخَالَسَا بالنَّظَرِ المُرِيبِ بمُقْلةٍ تَشُقُّ في الغُيوبِ فآنَسَتْ سِرْباً من السُّرُوبِ ليس بمَحْروسٍ ولا مَرْبوبِ فالْتَهَبَتْ كالكَوْكَبِ المَشْبُوبِ وانْدَفَعتْ كالفَرَسِ اليَعْبُوبِ وخَفِيَتْ كالقَاتِلِ المَطْلُوبِ وظَهَرَت كالطالبِ القَرِيبِ فرَجَعَتْ بثَعْلبٍ مَسْحوبِ وأَتْبَعَتْ بأَرْنبٍ مَجْنُوبِ أَدِيْبَةٍ تَأْوِى إِلى أَدِيبِ مَرْهوبةٍ من أَنْفَسِ المَرْهُوب تأْخذُ بالعُيُونِ والقُلُوبِ في عناق الأرض الذكر لعبد الله بن محمد: مَن كان بالصَّيدِ كَسّاباً فقَانِصُهُ ... ذُو مِرَّةٍ في سِبَاعِ البِيْدِ مَعْدودُ لكنّه كفَتَاةِ الحَىِّ بارِزةً ... من خِدْرِهَا مالِىءٌ للعَيْن مَودودُ حُلْوُ الشمائل في أَجفانِه وَطَفٌ ... صَافِى الأَديمِ هَضِيمُ الكَشْح مَمْسودُ فيه من البَدْر أَشْبَاهٌ مُوَافِقةٌ ... منْهَاله سُفَعٌ في وَجْهِه سُودُ كوَجْهِ ذا وَجْهُ هذا في تَدَرُّرهِ ... كأَنّه منه في الأشكال مَقْدُودُ له من اللَّيْث ناباهُ ومخْلبُهُ ... ومن غَرِيرِ الظِّباءِ النَّحْرُ والجِيدُ فوَصْفُه ببَديعِ الحُسنِ مُشتَهرٌ ... ونَعْتُهُ بشدِيدِ البأْسِ مَوجودُ يُصْغِى بأُذْنَيْنِ يُبْدِى وَشْكُ سَمْعِهِمَاله الّذِى غَيَّبَتْ في غَوْلِهَا البِيدُ كآسَتَيْنِ على غُصْنٍ تَعَطَّفَتا ... من جَانِبَيْه وفي الرَّأْسَيْن تَحْدِيدُ أَغَرّ يُصْبِيك أَو يُلْهِيك من دَعَجٍ ... في مُقلَتَيهِ على الخَدَّين تَخْدِيدُ كعَنْبَرٍ عَوَّجَتْهُ في سَوَالِفها ... من بعدِ ما قوَّمَتْهُ الغادَةُ الرُّودُ كأَنّه لاّبِسٌ من جِلْدِهِ فَنَكاً ... في لِينِه لِبَنَانِ الكَفِّ تَمهيدُ مُلَمَّعٌ أَخْصَف العَيْنَيْنِ مُنْتَدِبٌ ... كأَنّه ببَدِيعِ الشَّكْلِ مَقصودُ يَحْكِيهِ في إِرْبِه زَمْرُ الغَطَاطِ وفي ... لُطْفِ المكائِد منه السِّمْعُ والسِّيدُ يَكادُ مِن سَدْكِهِ بالأَرْض يَخْرِقُها ... كأَنّه بحَثيِثِ الذُّعْرِ مَزءُودُ يَنْسَابُ كالأَيْم هَبّالاً لبُغْيَتهِ ... حتَّى إِذا أَمكنَتْهُ وهْوَ مكدودُ سَطَتْ عليه بها كَفُّ المَنُونِ فما ... تَبْغِى نَجَاءَ ورِرْدُ الحَيْنِ مَوْرُودُ في النَّعام لعليَ بن محمد الكوفيّ: قد أَلْبسُ اليومَ حتى يَنْثَنِى خَلقاً ... وأَركبُ اللَّيْلَ بالغُرِّ الغَرَانيقِ وأَنتحِى لنَعامِ البَرِّ سَلْهَبَةً ... كأَنَّهَا بَعْضُ أَحجارِ المَجَانيقِ كأَنّما ريشُهَا والرِّيحُ تَفْرقُهُ ... أَسْمَالُ رَاهِبَةٍ شِيبَتْ بتَشقِيقِ كأَنّهَا حين هَزَّتْ رَأْسَها ذُعُراً ... سُودُ الرِّجالِ تَعَادَى بالمَزَارِيقِ فما استمدَّ بلحْظِ العينش ناظرُهُ ... حتّى تَغَصَّصَ أَعلاهنّ بالرِّيقِ في قوس البندق لأبي نواس: يا رُبّ سِرْبٍ من إِوزٍّ رُتَّعِ في صَخَبِ الحُوت بَرْودِ المكْرَعِ فهنّ بين حُوَّمٍ ووُقَّعٍ من كلِّ مَحبوكِ السَّراةِ أَدْرَعِ مٌقَرّطٍ بتُومَتَين أَوْدْعِ أَصْفر فَصِّ العَيْنِ أَحْوَى المَدْمَعِ مَوْصُولَةٍ زَجَّتُهُ بالأَخْدَعِ عُولِىَ مَتْناهُ بحُبْكٍ أَرْبَعِ فهْو كبَيْتِ اللَّعبِ المُصَنّعِ وشِقَقٍ صُفْرٍ لِذَاذِ المَنْزَعِ وفي مَخالى الأَدَمِ المُرصَّعِ

مُحَدْرجات كالسِّمَامِ المُنْقَعِ حتّى إِذا أَمْكَن كلُّ مَطْمَعِ وحَسَرُوا حُرّ ضَوَاحِى الأَذْرُعِ وجَادَهَا عارِضُ مَوْتٍ مُفْجِعِ يَجُرُّ أَثناءَ حَشاً مقطَّعِ وله في مثله: ومَنْهضل يَعْتَمُّ بالغَلاَفِقِ حَرىً من الإِوَزِّ والشَّرَاوِقِ والغُرِّ من مُسِنّةٍ وعاتقِ سُودِ المَآقِى صُفُرِ الحَمَالقِ وأُخرٌ في خُضُرِ اليَلاَمِقِ كأَنّمَا يَصْفِرْن من مَلاَعقِ صَرْصَرَةَ الأَقْلامِ في المَهَارقِ فهُنّ من مُقَارِبٍ أَو مَاشِقِ غَادَيتُها قبْلَ الصَّبَاحِ الفاتِقِ مُسْتَحْقِبي خَرائِطِ البَنَادِقِ وشِقَقٍ من القَنَا رَشَائِقِ مَخْزومةِ الأَوْسَاطِ بالمَناطِقِ تَقْذَى مَآقِيهنّ بالفَلائِقِ حتّى إذا قاموا مَقَامَ الرّامِقِ وحَسَروا الأَيْدى إلى المَرَافق وجَادَها عارضُ مَوْتٍ بَارِقِ فهنّ بيْن قائظٍ أَو فاتقِ وله في مثله: قد أَغتدى والطَّيْرُ في أَوكارِهَا بشقَّةٍ كالوَرْس في اصْفرارِهَا يَخالُها الناظرُ في اسْتدْرَارِهَا قُلْبَ نُضَارٍ صِيغَ من قِنْطَارِهَا كأَنَّمَا المائلُ من فَقَارهَا غُصْنٌ من البانِ على اصْوِرَارهَا تميدُهُ الرِّيَاحُ في تَكرارِهَا ستَّةَ أَسْيَار على اقْتدَارهَا وليلَةٍ طالَتْ علَى سُمّارِهَا أَرِقْتُ والقَوم إِلى أَسحارِهَا شَوْقاً به هِجْتُ إِلى أَطيارِهَا حتَّى إِذا عَنَّ على مُدَارِهَا طَلَعْنَ مثْلَ الإِبْل في قَطَارهَا فصَكَّهَا الطَّبْنُ على خَدارِهَا صَكّاً فلم يَسْلَمْن من فِرَارِهَا ببُنْدُقٍ مثْلِ شَرَارِ نَارِهَا ثمّ تنازَعْنَا على كِبَارهَا تَنَازُعَ الفُتّاكِ في مَغَارِهَا أَذَفْتَها المَوْتَ على تَغْرَارهَا برَمْيَةٍ تَصْعَدُ في أَقطارِهَا وله في مثله: لمَّا بَدَا ضَوْءُ الصَّباحِ فحَسَرْ في حالِلِ الأَعْطَافِ مُحْمَرِّ الطُّرَرْ قُمْتُ إِلى سَمْرَاءَ صَفْرَاءِ الوَتَرْ لم تُؤتَ من طُولٍ بها ولا قِصَرْ ولم تُعَبْ بأُبْنَةٍ ولا زَوَرْ إِذا تَمَطَّى نازعٌ فيها زَمَرْ ذات شَذًى تَنْزِعُ أَنفاسَ النُّغَرْ في فِتْية مثلِ مصابيحِ الزُّهُرْ إِذا تمطَّى طائرٌ فوقَ النَّهَرْ خاضَ إِليه غَيْرَ وَانٍ فعَبَرْ مُرَقشَّاتٍ بتَهَاويلِ الصُّوَرْ فيها حُتُوفُ الطَّيْرِ تفْرِى وتَذَرْ حتَّى صَبَحْنَا كلَّ نَحَامٍ نَعِرْ يَرْعَيْن شتَّى ومَعاً ضاحِى الزَّهَرْ فلو تَرَاهنّ وقد جَدَّ الذُّعُرْ إِذْ جَدَّ جِدُّ الرَّمْىِ فيها وانْتَشَرْ فهُنّ من بين صَريعٍ منعَفِرْ وبين مَقضوبِ النِّياطِ مُنْبَهِرْ صَادَفَه الحَيْنُ فلم يُنْجِ الحَذَرْ وكُلُّ شْىءٍ بقَضَاءِ وقَدَرْ ولشرشير في مثل ذلك: ومَوْردٍ يُجْذِلُ عينَ الرَّامِقِ منْتَنظمٍ بالغُرِّ والغَرَانِقِ وكلَّ صَيْرٍ صافرٍ وناعِقِ مَكْتَهِلٍ أَو بالِغٍ أوْ نافِقِ مَوْشيَّة الصُّدور والعَواتِقِ بكلِّ وَشْىٍ فاخِرٍ ونافِقِ تَختالَ في أَجْنحةٍ خَوَافِقِ كأَنَّما تَختالُ في قَرَاطِقِ ومُعْلَماتٍ صُفُرِ النَّواهِقِ يَرْفُلْن في قُمْص وفي يَلاَمِقِ مُدبَّجات قُشُب النَّوافِقِ مُجَزَّعاتٍ جُدُدِ البَنَائِقِ كأَنَّهنّ زَهَرُ الحَدائِقِ وخُضُرٍ مُذْهَمَة المَفَارِقِ حُمْرِ الحِداقِ كُحُلِ الحَمَالِقِ كأَنّما يِنْظُرْنَ من عقَائِقِ بروْضَةٍ تَضْحَكُ عن شَقَائِقِ بِيضِ النُّحورِ وُضَّحِ مَخَانِقِ كأنما يجلين في مخانق وحَالِكاتٍ خُطَّفٍ رَشَائِق مُطَرَّفاتِ القُذَذِ الرَّقائِقِ مُلمَّعاتِ القُرُبِ اللَّواحِقِ كأَنّما نُطِّقْن بالمَناطِقِ لو كُنّ إِنْساً شُقْنَ قَلْبَ الشائِقِ

حُسْناً وأَلْوَيْنَ بقَلْب العاشِقِ وَرَدْتُهُ بكلِّ نَدْبٍ رائِقِ يجُوزُ في الإِرْبةِ حِذْقَ الحاذِقِ بمُلُسٍ نَوافِذِ خَوَارِقِ غير حَيُودَاتٍ ولا مَوَارقِ يَصْدُرْنَ بالبُغْيَةِ عن فَلاّئِقِ كريمة النبعة والخلائق طُوالَةِ الشِّيَاتِ حَسْبَ الدَّابِقِ مَكِينَةِ الأَعجاسِ ظلْع السَّامِقِ تَرْحبُ في الإِنْبَاضِ باعَ الرَّاشِقِ طُولاً وتَسْتَنْفِضُ كتْفَ النّائقِ مجموعَةِ الأَوْتَارِ في زَبَائقِ قد جُعِلَتْ قَوَالب البَنَادِقِ حتّى إِذا أَوْفَوا طِلاَعَ الوَاثِقِ وشَمَّروا عن أَذرُعٍ نَوَاتِقِ أَزْجَوْا لها شُؤْبُوبَ صَوْبٍ وَادِقِ في راعدٍ من حَينهِ وبَارِقِ خَرْقَاءَ يُرْدِى حَدْقُهَا من حَالقِ فهُنّ بين رانِحٍ وزَاهِقِ ولعبد الله بن المعتزّ: لا صَيدَ إلاّ بوَتَرْ أَصفَرَ مَجدولٍ مُمَرّْ إِنْ مَسَّهُ الرّامِى نَخَرْ ذي مُقْلةِ تَقْذِى مَدَرْ يَطِرْنَ منها كالشَّرَرْ إِلى القُلُوبِ والُثغَرْ لمّا غَدَونا بسَحَرْ واللَّيْلُ مُسْوَدُّ الطُّرَرْ نأْخُذُ أَرضاً ونَذَرَ جَاءَت صُفُوفاً وزُمَرْ يَطْلُبْن من شاءَ القَدَرْ عند رياضٍ ونَهَرْ وهنَّ يسأَلْنَ النَّظَرْ ما عِنْدَهُ من الخَبَرْ فقامَ رامٍ فابْتَدَرْ أَوْتَرَ قَوْساً وحَسَرْ إِذا رَمَى الصَّفَّ انْتَثَرْ فبَيْنَ هاوٍ مُنْحَدِرْ وذِى جَنَاحٍ مُنكَسِرْ فارْتَاحَ من حُسْنِ الظَّفَرْ وقُلْنَ إِذْ حُقّ الحَذَرْ وجَدَّ رَمْىٌ فاستَمَرّْ ما هكذا يَرْمِى البَشَرْ صارَ حَصَى الأَرْض مَدَرْ ولعليّ بن العباس مما جوّد فيه في مثله: وقد أَغْتِدى للطَّير والطَّيرُ هُجَّعٌ ... ولو آنَستْ مغْدَاىَ مابِتْنَ هُجَّعَا بخِلَّيْن تَمَّا بى ثلاثةَ إِخُوة ... جُسومُهُمُ شَتَّى وأَرْوَاحُهُمْ معَا فثَارُوا إلى آلاتِهم فتقَلَّدُوا ... خَرائطَ حُمْراً تَحْمِلُ السُّمَّ مُنْقَعَا مُثَقَّفَةً ما اسْتَودَعَ القومُ مِثلَهَا ... ودَائِعهم إِلاّ لئلاَّ تُضَّيِّعَا مُحمّلةً زَاداً خَفيفاً مُنَاطَةً ... من البُنْدُقِ المَوزونِ قَلَّ وأَقْنعَا وما جَشَّمتْنى الطَّيْرُ ما أَنا جَاشمٌ ... بأَسْمائِها إِلاّ لِيجْشمْن مُضْلَعَا كأَنّ دَوِىَّ النَّخْلِ أَخرى دَوِيّهَا ... إِذا ما حَفِيفُ الرِّيحِ أَوعاهُ مسْمَعَا فللهِ عَيْنَا مَنْ رآهم إِذا انْتَهَوا ... إِلى مَوْقفِ المَرْمَى وأَقبَلْن نُزَّعَا وقد وَقفُوا للحائِناتِ وشَمَّرُوا ... لَهنّ إِلى الأَنْصَاف سُوقاً وأَذْرُعَا هُنالكِ تَلْقَى الطَّيْرُ ما طَيَّرتُ بهِ ... على كلّ شعْبٍ جامعٍ فتَصدَّعَا فظلَّ صِحَابى ناعِمَيْنَ ببُؤْسِهَا ... وظَلَّت على حَوْضِ المَنِيَّةِ شُرَّعَا طَرَائح من سُودٍ وبيضٍ نَواصِعٍ ... تَخالُ أَدِيم الأَرْضِ منهنّ أبْقَعَا كأَنّ لُبابَ التِّبْر عند انْتِضائِهَا ... جَرَى ماؤُه في لِيطِهَا فتَرِيَّعَا كأَنّك إِذْ أَلْقَيْتَ عنها صِيَانَهَا ... سَفَرْتَ به عن وَجْهِ عَذْرَاءَ بُرْقُعَا كأَنّ ذُرَاها والقُرُونَ الّتى بها ... وإن لم تَجِدْهَا العَيْنُ إِلاّ تَتَبُّعَا مَذَرُّ سحِيق الوَرْس فوقَ صَلايَةٍ ... أَدَبَّ عليه دَارِعُ النَّمْلِ أَكْرُعَا ولا عَيبَ فيها غيرَ أَنّ نَذِيرَهَا ... يَرُوعُ قُلوبَ الطَّيْرِ حتّى تَضَعْضَعَا تُقَلِّبُ نَحْوَ الطَّيْرِ عَيْناً بَصيرَةً ... كعيْنِك بلْ أَذْكَى ذَكاءً وأَسْرَعَا

مُرَبَّعَةً مَقسومةً بشباكها ... كتِمْثَال بَيْتِ الوَشْىِ حِيْكَ مُرَبَّعَا تَقَاذَفُ عنها كلُّ مَلْسَاءَ حَدْرَةٍ ... تَمُرُّ مُروراً بالفَضَاءِ مُشَيَّعَا يُحَاذِرُهَا العِفْريتُ عند انْصلاتِها ... فيُعْجِلُهُ الإِشفاقُ أَن يَتَسمَّعَا كأَنّ بَنَاتِ الماءِ في صَرْحِ مَتْنِهِ ... إِذا ما عَلاَ رَوقُ الضُّحَى فتَرَفَّعَا زَرَابىُّ كِسْرَى بَثَّهَا في صِحابِهِ ... ليُحْضِرَ وَفْداً أَو ليَجْمَعَ مَجْمَعَا تُرِيك رَبيعاً في خَرِيفٍ ورَوْضةً ... على لُجَةٍ بِدْعاً من الأَمْر مُبْدِعَا تَخَايَلَ فوقَ الماءِ زَهْواً كما زَهَت ... غَرَائرُ عينٍ ما يِلينَ تَصنُّعَا وأَخْضَر كالطّاوُوس تَحسب رأْسَهُ ... بخَضْرَاءَ من مَحْضِ الحريرِ مُقنَّعَا بنِيهُ بمنْقَارٍ عليه حَبَائِكٌ ... يُخيَّلْنَ في ضاحِيهِ جَزْعاً مُجَزَّعَا يَلُوحُ على إِسْطامِهِ وَشْىُ صُفْرَةٍ ... تَرقَّشَ منها مَتْنُه فتلَمَّعَا كمِلْعَقَةِ الصِّينِىّ أَخْدّمَهَا يَداً ... صَنَاعاً وإِن كانَتْ يدُ الله أَصْنَعَا وعَيْنين حَمراوَيْنِ يَطْرفُ عنهما ... كأَنّ حجَاجَيْهِ بفَصَّيْن رُصِّعَا طَرْفُ أَطرَافِ الجَنَاحِ تَخالُه ... بَنَانَ عَرُوسٍ باليُرَنَّا مُقَمَّعَا ولإسحاق بن خلف في مثله: قد أَسْفَرَ الصبْح وإِن لم يُسْفِر فانْهَضْ فإِنَّ النُّجْحَ للمُبَكِّرِ أَما تَرَى ضَوءَ الصَّباح الأَزْهَر قد شَقّ سِرْبَالَ الظَّلامِ الأَخضرِ وقد تَجلَّتْ نَعْسَةُ المُدَّثِّرِ وقُرِّبَ الزَّورقُ فارْكَبْ تَعْبُرِ فقامَ مثْلَ الشَّمسِ بينَ الأَبْدُرِ كأَنّ في زَوْرَقِه المُقَيَّرِ نُجُومَ ليْلٍ بَيْنَهُنَّ المُشْتَرِى بفِتْيَةٍ عن الأَكُفِّ حُسَّرِ قد قُلِّدُوا بالطّائفيّ الأَحْمَرِ واسْتَخْلصُوا من بُنْدُقٍ مُدَوَّرِ بنادِقاً من شَرِّ طِينٍ أَمْعَر وشِقَقٍ صِيغَتْ بكَفَّىْ مَعْمَر خُضْرِ الظُّهور في لِحَاءٍ أَصفرِ كأَنّ في أَفْواهِها المُخَصّرِ وفي مجاريهَا صَبيبَ عُصْفُرِ ثُمّ افترقْنا بالكثِيب الأَعْفرِ فِرْقَيْنِ مقسومَين عند المَعْبَرِ من أَيْمَنٍ مُحْتَجنٍ وأَيْسَرِ والطَّيرُ قد غَطَّيْنَ ماءَ الجَعْفَرِى من بينِ صَفْراءَ وبينِ أَصْفَرِ والثَّعْبُ يَتْرَى كنِظَامِ الجَوْهَرِ والوَزُّ في آذِيِّهَا المُكَدرِ زُرْقٌ مَآقِيهنّ لم تُحجَّرِ تُبْدِى نَشِيجَ الهَائِم المُستَعبرِ حتّى إِذا قُمْنَا قِيَامَ الأَزْوَرِ ونهَضَتْ فقلْتُ خُذْ ذَا أَو ذَرِ كأَنّ وَقْعَ البُنْدُقِ المُقَدَّرِ فيَها وقدْ كَسّرَمَا لم يُجْبَرِ وَقْعُ طُبُولٍ في نَوَاحِى عَسْكَرِ لا يُرزَقُ الإِنْسَانُ ما لم يُقْدَر ولعبد الله بن محمد في الجلاهق: يا رُبَّ ضَحْضَاح قَريب المَشْرَعِ مُطَّرِدٍ مثلَ السُّيُوفِ اللُّمَّعِ مُحتَجرٍ عن الطريق المَهْيَعِ مُجَلّلٍ بسَانحَاتٍ وُقَّعِ من كُلّ مَوْشىِّ الطِّرَاز أَدْرَعِ مُوشَّحٍ بمِرْطِه المُوَشَّعِ أَو أَخْضرِ الرِّدْفِ طَريرٍ أَسْفَعِ كأَنّ عَيْنَيْه ولمَّا يُهْرَعِ فَصَّاعَقِيقٍ رُكِّبَا لإصْبَعِ ذي جُمَّةٍ وَحْفٍ وفَرْقٍ أَفْرَعِ قُرِّطَ حُسْناً بلالٍ أَرْبَعِ وعِقْدِ دُرٍّ حَوْلَ جيدٍ أَتْلَعِ فهْوَ لِعَينِ النّاظرِ الممَتَّعِ كصَنَمٍ بجَوْهَرٍمُرَصَّعِ وَرَدْتُه قَبْلَ انْتِباهِ الهُجَّعِ بكلِّ جَذّامِ النُّهَى سَمَعْمَعِ مُنْتَبِذِ المَرْمَى سَريعِ المَنْزَعِ يَهْدِى بُنَيَّاتِ الدَّواهِى النُزَّعِ

في صيد السمك

إِلى بُنَيَّاتِ المِيَاهِ الوُقَّعِ في صيد السَّمك وصفة البلاليع والشِّبك وقصب الدِّبق أنشدني أبو الحسن الحرَّانيُّ قال: أنشدني أحمد بن محمد الضّبّىّ لنفسه في البلاليع والشِّبك: أَكْرَمُ ما أَعْدَدْتُه من العُدَدْ وما حَوَى صَحْبى به غِنَى الأَبَدْ بنَاتُ قَيْنٍ حازَ في الحِذْق الأَمَدْ على مَقَاديرِ مَخَاليبِ الصُّرَدْ أو مثل ما عَايَنْتَ أَنْصَافَ الزَّرَدْ لها رُؤُوسٌ في أَعَاليهَا أَوَدْ كمِثْل أَنيابِ الأَفَاعِى أَو أَحَدّْ ذَوَاتِ طُعْمٍ نَكِدٍ كلَّ النَّكَدْ تُشَدُّ في أَذْنَابِ خَيْلٍ إِذْ تُشَدّْ مُمَرَّةِ الفَتْلِ كإِمْرارِ المَسَدْ نِيطَتْ بأَطْرَافِ يَرَاعٍ مُسْتَعِدّْ صُمِّ الأَنَابيبِ قَريباتِ العُقَدْ عُجْنَا بها من حَيْثُ ما عَاجَ أَحَدْ فِى فَىِّ صَفْصَافٍ عليْنَا قد بَرَدْ شاطىء نَهْرٍ لا بِسٍ دِرْعَ زَبَدْ فأُطْلِقَتْ أَيدِيهمُ إِطْلاَقَ يَدْ ولم تَزَلْ تُرْسَلُ طَوْراً وتُرَدّْ حتّى تَنَادَوا قَدْمِن الحِيتَان قَدْ ثمَّ بعثْنَا أَلْفَ عَيْنٍ في جَسَدْ فجئنَنَا بمثْلِهنّ في العَدّدْ أَلْفٍ من الحِيتان بِيضٍ كالبَرَدْ مكْسُوَّةٍ دَرَاهماً ما تُنْتَقَدْ كذلك الأَرْزَاقُ في جَزْرٍ ومَدّْ والحمْدُ للمُهَيْمِن الفَرْدِ الصَّمَدْ وأنشدني أبو القاسم عليُّ بن الحسين بن جعفر العلويّ، لأبي طالبٍ الحسين بن عليّ، في الشَّبك: وشاحِبِ اللِّبْسَةِ والأَعْضاءِ أَشْعَثَ نائِى العَهْدِ بالرَّجَاءِ أَفْضَى به العُدْمُ إِلى الفَضَاءِ فوَجْهُهُ للضِّحّش والهَوَاءِ أَغْبَر يَحْوى الزُّرْقَ من غَبْرَاءِ خَفِيفةٍ ثَقِيلةِ الأَرْجَاءِ كأَنّهَا هَلْهَلَةُ الرِّدَاءِ كَلّفَها لحْظ بَنَاتِ المَاءِ بأَعْيُنٍ لم تُؤتَ من إِغْضاءِ كَثِيرةٍ تُرْبِى على الإِحْصَاءِ فأَقْبَلَت تَمْلأُ عيْنَ الرّائِى بكلِّ صافِى المَتْنِ والأَحْشاءِ أَبْيَض مثْل الفضَّةِ البَيضاءِ أَو كذِرَاعِ الكاعِبِ الحَسْناءِ رزْقاً رُزقْناه بلا عَنَاءِ نَعُدُّهُ من سابغِ النَّعْماءِ وله أيضاً: وجَدْوَلٍ بين حَديقتَيْنِ مُطَّرِدٍ مثْل حُسَامِ القَيْنِ كَسَوْتُه وَاسِعةَ القُطْرَيْنِ تَنْظُرُ في الماءِ بأَلْفِ عَيْنِ رَاصدةً كلَّ قَريبِ الحَيْنِ تُبْرِزُهُ مُجَنَّحَ الجَنْبَيْنِ كمُدْيَةٍ مَصْقُولةِ المَتْنيْنِ كأَنّما صِيْغَ من اللُّجَينِ رزْقاً هَنيئاً يَمْلأُ اليَدَيْنِ بغَيْرِ كدٍّ وبغَيْرِ أَيْنِ وللحكمىّ في قصب الدِّبق: رُبَّ خَفِىِّ الشَّخْصِ قد أُرِقَّا عن أَن يجوبَ لفَلاةِ خَرْقَا فصَار للعِيْشة يَبْغِى الطَّرْقا بقَصَبَاتٍ قد جُعِلْن لِفْقَا يَجعَلُ في أَطرافِهنّ دِبْقَا تَهْبِط أَحياناً وحِيناً تَرْقَى تَدْمَعُ عَيْنَاهُ إِذا ما نَقّا دَمْعاً مُلحّاً ما يَكَادُ يَرْقَا تَظُنُّه قد حَنَّ أَو قد رَقَّا وهْوَ أفظ ما يكون خلقا يا بُؤْسَ للعُصفور ماذَا يَلْقَى من بأْسِهِ كَتْفاً له وخَنْقَا وللعابسي فيها: ما صائداتٌ لسْنَ بَارحَاتِ ورَاكَباتٌ غيرُ سائرَاتِ وقَد عَلَوْن غَيرَ مُكْرَمَاتِ مَنَابِراً ولَسْنَ خاطِبَاتِ وما طَعَامٌ ظلَّ بالفَلاةِ يُقَرِّبُ المَوْتَ من الحَيَاةِ وما رِمَاحٌ غيرُ جَارِحَاتِ ولَسْن للطِّراد والغَاراتِ يَخُضْن لا مِنْ عَلَقِ الكُمَاةِ برِيقِ حَتْفٍ مُنْجِزَ العِدَاتِ مُسْتَمْكِنٍ ليس بذى إِفلاتِ يَنْشَبُ في الصُّدُور واللَّبّاتِ أَسِنّةً غَيْرَ مُوَقَّعَاتِ علىعَوَالِيهَا مُرَكَّباتِ من قَصَبِ الرِّيش مُجَرَّداتِ يُحسَبْنَ في القُنِىِّ شائلاتِ أَذْنَابَ جرْذانٍ مُنَكَّسَاتِ

في الفخ

في الفخ والفخّ تعرفه العرب قديماً، ولامرىء القيس وقد وصف ناقةً قال: إِذا حَرَّكوها قلتَ أَسْرَعُ وَثْبَةً ... من الفَخِّ إِمَّا حُرِّكَتْ حَبَّةُ الفَخِّ ولطرفة بن العبد أبياتٌ مشهورةٌ فيه. وللحسن بن هانىء: قد كادَ ذاك الفَخُّ أَن يَعْقِرَا ... واحْرَوْرَفَ العُصْفُورُ أن يَنْقُرَا غَيَّبْتُ بالتُّربٍ عليه له ... بالمُسْتَوِى خَشْيةَ أَن يَنْفِرَا لمّا رأَى التُّرْبَ رَأَى جِثْوَةً ... مائلَةَ الشِّخصِ فما اسْتَنْكَرَا حتّى إِذا أَشْرَفَهَا مُوِقنا ... وعَايَنَ الحَبَّ له مُظْهَرَا خَاطَبه من قَلْبه زَاجر ... قلت كُنْتُ لا أَرْهَبُ أَن يَزْجُرَا فاحْتَرَبَتْ لا ونَعَم ساعةً ... ثمّ انْجلَى جُنْدُ نَعَم مُدْبِرَا فأَعْمَلَ الفِكْرَ قليلاً فلا ... يَقْتُلُهُ الرَّحْمنُ ما فَكّرَا فضَمّ كَشحَيْهِ إِلى جُؤْجُؤٍ ... كانَ إِذا اسْتَنْجَدَه شَمَّرَا فلم يَرُعْنى غيْرُ تَدْويِمِهِ ... آمِنَ ما كُنْتُ له مُضْمِرَا وله أيضاً: رُبَّ بُنَىٍّ للرَّدَى مَنصوبِ حَانِى الظِّهَارِ مُحكمِ التَّعْصيبِ كمَا تُشدُّ القَوْسُ للتَّعْقِيبِ مُوَتَّر بوَتِدٍ قَطُوبِ آخُذُهُ بوَسَطِ الأُنبوبِ ضَمَّ العُرُوقِ عَصَبَ الظُنْبوبِ مُنْخَنس عن ناظرِ المنكوبِ أُودِعَ حَيًّا في يَدَىْ شَعُوبِ يَنْتَزِعُ الحَبَّ من القُلُوبِ لمّا أَتَى العُصفورُ من قَريبِ لاحَظَهُ لَحْظَةَ مُسْتَريبِ مُرَجّماً في الظَّنِّ بالغُيُوبِ ثُمَّ دَعَاهُ الحَيْنُ للتّكْذيبِ بما ارْتَأَى فيه من الخُطُوبِ فرَامَ لَقْطَ الحَبِّ بالتَّقليبِ حتّى إِذا أَمكَنَ للْوُثُوبِ هَوتْ أَكفُّ ابْنِ الرَّدَى المنصوبِ منه إِلى جُؤْجُؤه النَّكيبِ وللجدليّ فيه: رُبَّ عارى الظَّهْر مُنْعَفِرٍ ... لاحِقِ الجَنْبَيْن من ضُمُرِهْ كانَ في الأَصْلاب مُنْحنِياً ... قَبْلَ مدِّ الدَّهْر من عُمُرِهْ ثُمَّ قد زادَ الحُنُوَّ له ... شَدُّ حَقْوَيْه إِلى قُترِهْ أُحْكِمَتْ منه مَرَائرُه ... حينَ كَفَّ الرَّبْطُ من مدَرِهْ كامنٍ في التُّرْب مُنْدَفنٍ ... وضَئيلِ الجسْمِ مُحْتَقَرِهْ وأَكُفُّ الحَيْنِ مُشْرَعَةٌ ... لمُلاَقيهِ فمُخْتَبِرِهْ فيه أَقْوَاتٌ مُطمِّعَةٌ ... نَفْسَ رائِيهِ ومُعْتَبِرِهْ فإِذا المَغْرورُ حَاوَلَها ... نَبَذَتْ للْحَيْن في ذكرِهْ فنَحَاهو مُعْمِلٌ حَذراً ... لو أَصابَ النَّفْعَ في حَذَرِهْ كيف تُنجيه مَعَاصمُهُ ... ويَدُ الأَقْدَارِ في أَثَرِهْ قد ذكرنا في فنون الطَّرد لجماعةٍ من الشُّعراء قطعةً وافرةً، فيها مقنعٌ إن شاء الله، ونلحق بها هذا الخبر: خرج المهديُّ وعليُّ بن سليمان إلى الصَّيد، ومعهما أبو دلامة، فسنحت لهما ظباءٌ، فرمى المهديُّ ظبياً فأصابه، ورمى عليُّ بن سليمان فأصاب كلباً، فضحك المهديُّ وقال لأبي دلامة، قل في هذا، فقال: قد رَمى المَهْدِيُّ ظَبْياً ... شَكَّ بالسَّهْمِ فُؤَادَهْ وعليُّ بنُ سُليمَا ... نَ رَمى كَلْباً فصَادَهْ فهَنيئاً لهما كلُّ ... امْرِئٍ يَأْكلُ زَادَهْ نقله العبد الفقير إلى رحمة ربَّه حسن بن يوسف ابن عبد الله بن مختار الأربليّ، عفا الله عنه وعن والديه، من نسخة ضعيفة النقل والخطِّ، كثيرة الخطأ والغلط، وصحَّحه جهد طاقته، وأهمل ما جهل بصحّته، ومنه ما نقله على صورته، ووقع الفراغ منه في شر المحرّم من سنة تسعٍ وثلاثين وستِّمائة، والحمد لله وحده، وصلاته على سيِّدنا محمَّد النَّبيّ الأمِّيّ وآله الطّاهرين.

§1/1