الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية

محمد علي محمد إمام

الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية للشيخ الدكتور/ نعمان أبو الليل أستاذ التفسير وعلوم القرآن ومن علماء التبليغ بالأردن إعداد محمد على محمد إمام الجزء الأول

دار الكتب والوثائق القومية بطاقة فهرسة فهرسة أثناء النشر إعداد الهيئة العامة لدار الكتب المصرية إدارة الشئون الفنية إمام / محمد على محمد الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية إعداد / محمد على محمد إمام ... ميت غمر الطبعة الأولي 2011 عدد الصفحات (300 صفحة) المقاس (18 × 21 سم) رقم الإيداع: (13336) تاريخ الإيداع: 12/ 7 / 2011 الترقيم الدولي: I.S.B.N. 978 - 977 - 716 - 166 - 4 حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

مقدمة

مقدمة الحمد لله الذي لا ينبغي الحمدُ إلا له، وأسأله سبحانه وتعالي أن يُصلي ويسلم علي سيدنا محمد وآله وبعد: إخواني وأحبابي في الله! يُسعدني اليوم أن أقدم لكل الدعاة عامة، ولأهل التبليغ والدعوة خاصة الجزء الأول من الأنوار النعمانية في الدعوة الربانية للشيخ الدكتور نعمان أبو الليل والتي تشبه كلام الحكماء، فما وجدنا مثل هذه الكلمات في كتب التفسير ولا غيرها، ولا نحسبه إلا وقد صدق فيه قول الرسول في الحديث الذي رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيب الدنيا، وداءها ودواءها، وأخرجه منها سالما إلي دار السلام ". ولا أراني وأنا أسطر هذه الكلمات إلا وأنني أمام حبر من أحبار الأمة لا أستطيع أن أوفيه حقه، أسأل الله أن يوفيه حقه يوم القيامة. وقد حصل علي الدكتوراه في تفسير القرآن، وقام بالتدريس في العديد من الجامعات الإسلامية، في المملكة العربية السعودية، وباكستان، وكلية الشريعة بقطر.

وكنت أسكن بمدينة إربد الأردنية عدة سنوات، منذُ عام 1984: إلي نهاية عام 1987 م، وكنت أذهب يوم الخميس إلي المسجد الغربي بمدينة إربد لحضور الاجتماع الأسبوعي، فكثيرا ما كان الدكتور/ نعمان، يبين ويوضح عمل الدعوة إلي الله - سبحانه وتعالى -، فكنت عندما أسمعه أتذكر قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما يسأل سيدنا علي - رضي الله عنه - في مسألة فيقول له: غص يا غواص 00 وكنتُ أكتب وراءه كل كلمة يقولها، وكذلك حضرت له بعض اللقاءات بمسجد مدينة الحجاج بعمان 00 وجمعت بعض كلامه الذي ألقاه في اجتماعات التبليغ بباكستان، وبنجلاديش، وقمت بمزج كلامه القديم بالحديث، وحذفت الكلام المتكرر، مع مراعاة عدم اختلال النص. ومما دفعني لتسجيل كلام هذا العالم الجليل، خشية أن يضيع كلام علماء المدرسة التبليغية، كما ضاع كلام كثير من علماء الأمة، فقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه الممتع سير أعلام النبلاء، في ترجمة الإمام الليث بن سعد، عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: سمعت الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به. وقال الإمام المنذري رحمه الله: وناسخ العلم النافع: له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه، وناسخ ما فيه إثم: عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه. فعسي الله - عز وجل - أن ينفعنا بكل كلمة نكتبها في هذا الكتاب , وأن ينفع بها كل من يقرأها إلي يوم القيامة 00 وأن يرزقنا جهد حبيبه، علي منهاج حبيبه، حسب مرضاته، آمين. أخوكم في الله محمد علي محمد إمام

مقارنة بين الدعوة والقتال

مقارنة بين الدعوة والقتال فرض الله الجهاد بالنفس والمال: قال الله تعالي: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1).َ وقال الله تعالي: {وجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أبو داود والنسائي والدارمى (¬3). يقول الإمام العز بن عبد السلام (رحمه الله): يشرُفُ البذلُ بشَرَفِ المبذول، وأفضل ما بذله الإنسانُ نفسه وماله. ولما كانت الأنفس والأموال مبذولةً في الجهاد، جعلَ اللهُ مَن بذَلَ نفسه في أعلى رتب الطائعين وأشرفها؛ لشَرَفِ ما بذله ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 41. (¬2) سورة الحج - الآية 78. (¬3) مشكاة المصابيح _ كتاب الجهاد 2/ 1124. .

مع محو الكفر ومحق أهله، وإعزاز الدين وصَون الدماء المسلمين (¬1). مراحل تشريع القتال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مأموراً طيلة الحياة المكية، بالعفو والصفح، وكف اليد عن المشركين، كما قال تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2)، وقال تعالي: {ُقل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬3) وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة فقالوا: يا رسول الله إنا كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا ... ) (¬4). ثم أذن الله للمسلمين في الجهاد دون أن يفرضه عليهم، قال تعالي: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} (¬5) وهي أول آية نزلت في القتال كما قال ابن عباس رضي الله عنهما (¬6). ثم فرض الله عليهم قتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم، وذلك في المرحلة التي قال الله فيها: {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللهُ ¬

_ (¬1) كتاب أحكام الجهاد وفضائله. (¬2) سورة البقرة – الآية109. (¬3) سورة الجاثية – الآية14. (¬4) أخرجه النسائي (6/ 3) والحاكم (2/ 307) وصححه. (¬5) سورة الحج – الآية39. (¬6) أخرجه النسائي (6/ 2).

لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُوا فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا} (¬1). وكانت خاتمة المراحل مرحلة قتال المشركين كافة: من قاتَلَنا منهم، ومن كف عنا، وغزوهم في بلادهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وهذه المرحلة هي التي استقر عندها حكم الجهاد، ومات عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذه المرحلة نزلت آية السيف وهي قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (¬2).وقال تعالي: {َقاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (¬3) وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم ¬

_ (¬1) سورة النساء – الآيتان 90، 91. (¬2) سورة التوبة – الآية 5. (¬3) سورة التوبة – الآية 29.

قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً .. (¬1) رواه مسلم (¬2). وقد لخص الإمام ابن القيم (رحمه الله) تلك المراحل في قوله: وكان محرماً، ثم مأذوناً به، ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأموراً به لجميع المشركين .... (¬3). ويقول الشيخ محمد عمر البالمبورى (رحمه الله): معني الجهاد إعلاء كلمة الله عز وجل .. أما القتال فهو آخر مرحلة فى الجهاد مثل العملية الجراحية، أو مثل الحشائش الضارة في الأرض والفلاح يقوم بتقطيعها حتى لا تؤثر في الزرع، ولو كان الجهاد هو القتال فما تفسير الآية المكية التي في سورة الفرقان حيث يقول الله - عز وجل - {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} (¬4) فهل كان فى مكة رفع سيف؟! ... ولكن الدين رحمة للناس نجتهد عليهم بجهد الدعوة إلى الله - عز وجل - ليسلموا ثم يدخلوا الجنة (¬5). ¬

_ (¬1) في هذا الحديث حثّ على استحضار النية وتثبيت العزيمة في القتال، وإرشاد لآداب الغزو في الإسلام 0 (¬2) أخرجه مسلم (1731) وأبو داود (2612) والترمذي (1617) وابن ماجه (2858) من حديث بريدة (مشكاة المصابيح – باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام – 2/ 1150). (¬3) زاد المعاد: (2/ 58). (¬4) سورة الفرقان – الآية 52. (¬5) كتاب كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله _ باب هل هناك فرق بين لفظ الجهاد ولفظ الدعوة صـ 164.

مقارنة بين الدعوة والقتال: أولا: القتال بدون دعوة مثل الصلاة بدون وضوء: فعن ابن عباس (- رضي الله عنه -): ما قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما حتى دعاهم (¬1). ثانيا: شروط القتال في الإسلام ضد الكفار: 1) النية: أن تكون كلمة الله - سبحانه وتعالى - هي العليا: فعَنْ أبي موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري رضي الله عنه، قال: ُسئل رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل؟ فقال رَسُول الله: الله - صلى الله عليه وسلم -: " من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه (¬2) " مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد، وعبد الرازق في مصنفه، وأحمد في مسنده والطبراني في معجمه، والبيهقي في سننه، وابن النجار (حياة الصحابة_ باب الدعوة إلي الله في القتال1/ 86. (¬2) الفضائل المذكورةُ في الجهاد خاصّة في من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله هي " لا إله إلا الله "، ولا يقبل اللهُ من الأعمال إلا ما أريد به وجهه. فيجب بهذا الإخلاص في الجهاد لله تعالى، وهو يدل على أن المسلمين ليس يغزون بناءً على شيءٍ من تلك النوايا، ولا يقصدون الاستيلاء على الكفار وبلادهم لأسبابٍ دنيويَّة، وإنما يريدون الهداية للبشرية كلها. (¬3) رياض الصالحين _ باب الإخلاص صـ 44.

2) تحقيق الإسلام في حياة المسلمين: ولذا كان الصحابة صدق الله العظيم يخرجون للناس، ويقولون لهم كونوا مثلنا. 3) عدم وجوه شبه إسلام في الكفار: قال تعالى: {هُمُ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مّؤْمِنَاتٌ لّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ مّعَرّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لّيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيّلُوا لَعَذّبْنَا الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيم} (¬1). فمنع الله - سبحانه وتعالى - الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - من دخول مكة بالقوة، لوجود مؤمنين ومؤمنات وسط الكفار، أسلموا سرا. 4) استنفاذ كل طرق الدعوة: كما في قصة نوح قال تعالى: {قَالَ رَبّ إِنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِيَ إِلاّ فِرَاراً *وَإِنّي كُلّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوَاْ أَصَابِعَهُمْ فِيَ آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً*ثُمّ إِنّي دَعَوْتُهُمْ ¬

_ (¬1) سورة الفتح _ الآية 25.

جِهَاراً * ثُمّ إِنّيَ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارا ً} (¬1) يعنى العمل بكل الآيات التي نسختها آية السيف. 5) الوقوف ضد عمل الدعوة: أي الوقوف أمام المسلمين، الذين يتحركون لنشر الإسلام، ويمنعون الدعاة من دعوتهم. 6) رفض الكفار دفع الجزية: فعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميراً على جيش أو سرية، أوصاه فى خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: " اغزوا باسم الله، فى سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعوهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، واخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا (يعنى عن ديارهم ويجاهدوا) فأخبرهم أنهم يكونوا كأعراب المسلمين، يجرى عليهم حكم الله الذي يجرى على المؤمنين، ولا يكون لهم فى الغنيمة والفيء شئ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن أبوا ¬

_ (¬1) سورة نوح _ الآيات من 5: 9.

فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .. الخ. رواه مسلم. (¬1) فيدفعون الجزية ويكونوا في حماية المسلمين. وتتطلب هذه الحماية وجود المسلمين بين ظهراني المشركين، فيرى صفات المسلمين وأخلاقهم (العفة، الأمانة، الصدق، الحلم، الرحمة، .. الخ) فيتأثروا بأخلاق المسلمين .. فيدخلوا فى دينهم .. لما يروا فى دينهم من الصفات .. والأعمال التي يرونها لصلاح حياتهم. ولذلك كثير من الناس دخلوا فى الإسلام بعدما فرض عليهم الجزية، بعد أن رأوا أخلاق وصفات المسلمين .. وكأن الجزية صورة عملية للدعوة، فإذا رفضوا كلا الأمرين (الدعوة، الجزية) حينئذٍ يقول الله - عز وجل - {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬2) (¬3). 7) وجود إمام للمسلمين يعلن الحرب على الكفار: أن يكون الجهاد تحت قيادة إمام مسلم وبقيادته، حتى يتدبروا أمرهم بينهم وأن يكون هناك قائد ينظم حركة الجهاد ومطلع على فنونه، فلا يجوز للمجاهدين أن يجاهدوا بدون إمام لهم حتى وإن قل عددهم أو كثر، مثلما لا يجوز للمسلمين الصلاة في جماعة بدون إمام، ومثلما لا يجوز للمسلمين العيش بدون حاكم أو إمام حتى وإن قل عددهم أو كثر عددهم. ثالثا: لو سقط شرط واحد من شروط القتال يُعتبر القتال غير شرعي. ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام – 2/ 1150. (¬2) سورة التوبة – الآيتان 14، 15 (¬3) نقلا من كتاب كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله صـ 167

رابعا: قال المفسرون: أن آية السيف نسخت 124 آية من القرآن المكي، ولكن في الحقيقة نسخت 90 سورة مكية (¬1) وتُسمى هذه السورة بقرآن الدعوة. ¬

_ (¬1) اختلفت عبارات العلماء في تحقيق هذه المراحل، فادعي بعضهم أن كل مرحلة جديدة نسخت حكم ما قبلها فالمراحل الثلاثة الأولي منسوخة اليوم، وإنما الباقية اليوم هي المرحلة الأخيرة وهي الرابعة فقط 00 وخالفهم آخرون، فقالوا: إن المراحل الأولي ليست منسوخة، وإنما هي مرتبطة بظروف مخصوصة، كلما عادت، عادت أحكامها، ومن مقدمة من قال ذلك العلامة بدر الدين الزركشي (رحمه الله) فإنه قال: إنه ليس في مراحل الجهاد نسخ، بل يعمل بكل مرحلة عند الحالة المشابهة للحالة التي شرعت فيها، ويقول في كتابه البرهان في علوم القرآن (1/ 41): قسم بعضهم النسخ من وجه آخر إلي ثلاثة أضرب: الثالث: ما أمر به لسبب ثم يزول السبب، كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر والمغفرة للذين لا يرجون لقاء الله ونحوه، من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها، ثم نسخها إيجاب ذلك، هذا ليس بنسخ في الحقيقة وإنما هو نسأ كما قال تعالي: (أو ننسها) فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلي أن يقوي المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر علي الأذي00 وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة التخفيف أنها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك، بل هي من المنسأ، بمعني أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلي حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة، حتى لا يجوز امتثاله أبدا. والحقيقة أن هذا الاختلاف لا يرجع إلي فرق عملي، وإنما هو اختلاف اصطلاح، فكلهم يقول: إن هذه الأحكام منوطة بظروف مخصوصة فأحكام الصبر والعفو محكمة في حالة الضعف والعجز، وإباحة القتال في حالة هي فوق الحالة الأولي، ووجوب قتال الدفع هو حالة فوقها، ووجوب الابتداء عندما حصل علي المسلمون علي قوة يقدرون معها علي ذلك، ولكن الطائفة الأولي تسميها قسما من النسخ، والزركشي يسميه إنساء ولا يرضي بتسميته نسخا (كتاب أوليس في سبيل الله إلا من يقتل؟ صـ 33).= = وهذا الكلام في غاية العظمة وقد أوردته لأنه يوضح كلام الشيخ نعمان، حيث أنه بدأ الكلام بأثر ابن عباس الدال علي أن القتال لم يترك فيه الدعوة، وفي اليرموك قام خالد بن الوليد بدعوة جرجة إلي الله حتى أسلم أثناء القتال، وفي القادسية دعوة ربعي لرستم قائد الفرس قبل بدء القتال بثلاثة أيام00 فالدعوة لم تنسخ بحال من الأحوال.

خامسا: بعض المقارنات بين القتال والدعوة: 1) قال تعالى: {فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً} (¬1) نزلت في الدعوة .. وهي جهاد الفترة المكية .. والقتال في الفترة المدنية بعد الهجرة .. ولفظ الجهاد لم يذكر في القرآن المكي إلا ثلاث مرات وهم: (الآية 110 من سورة النحل .. والآية 52 من سورة الفرقان .. والآية 69 من سورة العنكبوت) والسور المكية عددها من 86: 90 سورة، ولفظ القتال ذكر في السور المكية في آية واحدة في سورة المزمل، قال تعالى: {إِنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أَنّكَ تَقُومُ أَدْنَىَ مِن ثُلُثَيِ الْلّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مّنَ الّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدّرُ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ عَلِمَ أَلّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مّرْضَىَ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَأَقْرِضُواُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدّمُوا لأنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الفرقان - الآية 052 (¬2) سورة المزمل - الآية 20 0 (¬3) يقول ابن كثير (رحمه الله) في تفسير هذه الآية: أي علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل من مرضى لا يستطيعون ذلك ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر وآخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله وهذه الآية بل السورة كلها مكية ولم يكن القتال شرع بعد فهي من أكبر دلائل النبوة، لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة، ولهذا قال تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ} أي قوموا بما تيسر.

أما السور المدنية مثل: البقرة وآل عمران والنساء والأنفال وبراءة والحشر وغيرها تتحدث عن القتال. فالمرحلة المكية التي ذكر فيها القرآن، القتال ثلاث مرات، يوجد فيها جهد مكتسب، مثل: قيام الليل .. قراءة القرآن .. الذكر .. العفو والصفح .. كظم الغيظ .. الصبر .. الأخلاق الحسنة .. المحافظة علي الصلوات .. وعلاوة علي ذلك الدعوة إلي الله - عز وجل - .. وبذلك يهب الله - عز وجل - لنا الجهد. فالجهد ليس المقصود، ولكن المقصود إحياء الدين ونشر الأعمال، في مرحلة التربية والإصلاح، وعندما تمت التربية واليقين علي الله - عز وجل - وصفاته عند الصحابة الكرام، أُذن لهم بالقتال. ومعروف أن من أساسيات العلم: أنه لا يستغني بجهد، عن جهد آخر ، مثل: لا يجوز الاستغناء عن جهد الطهارة، بجهد الصلاة، أو بجهد الصيام عن الصلاة.

2) دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقتاله رحمة: لأن بعثته - صلى الله عليه وسلم - رحمة، قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ} (¬1) لأنه - صلى الله عليه وسلم - بديل بنزول العذاب الجماعي. فسورة التوبة بدون البسملة وفيها: قال تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (¬2). وقال تعالى: {وَإِن نّكَثُوَاْ أَيْمَانَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوَاْ أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلّهُمْ يَنتَهُونَ} (¬3). وقال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مّؤْمِنِينَ* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَىَ مَن يَشَآءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء – الآية 107. (¬2) سورة التوبة – الآية 5. (¬3) سورة التوبة - الآية 12. (¬4) سورة التوبة – الآيتان 14، 15.

وقال تعالى: {ِإنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَات وَالأرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللهَ مَعَ الْمُتّقِينَ} (¬1). وفى آخر السورة قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ} (¬2) فدعوته - صلى الله عليه وسلم - رحمه، وأيضا قتاله رحمه. 3) والقتال لحل مشكلة دعوية: فالكافر الذي نقاتله هو رفض رحمة الله - سبحانه وتعالى - .. رفض الحق بنفسه .. ولكن عندما يمنع وصول رحمة الله - سبحانه وتعالى - لغيره، نقاتله حتى يمكن توصيل الرحمة لمن خلفه 0 كونوا مثلنا (أي اسلموا مثلنا) .. أو دفع الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون .. أو نقاتلكم .. يعنى يبدأ القتال بالدعوة وينتهي بالدعوة أيضا .. أي الدعوة الأصل. 4) القتال حاجه والدعوة مقصد: وإليك بعض الأمثلة لتوضيح ذلك: أ_ مثل الطبيب: يقطع رجل المريض لمصلحة باقي الجسم، قال تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَآئِبِينَ} (¬3) فقتل جزء صغير من الكفار لمصلحة باقي الكفار. ¬

_ (¬1) سورة التوبة– الآية 36. (¬2) سورة التوبة – الآية 128. (¬3) سورة آل عمران - الآية 127.

ب _ مثل المدرس: يستعمل العصا ليضرب بها الطلبة حتى يهتموا ... بتحصيل العلم .. ولكن من رآه فقط في حالة الضرب، وسُئلَ عن المدرس؟ فيقول: هو الذي يضرب الطلبة بالعصا .. ؟ ومعروف قصة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - مع جرجة قائد الروم ودعوته وسط المعركة .. واستشهاده بعد إسلامه. ج _ مثل الشرطي .. يضرب بالعصا أو المسدس ضد الخارجين على القانون لمصلحة باقي الناس، قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ} (¬1) سواء كان ذلك دعوة أو عمل صالح أو قتال .. فالمقصود بالدعوة: الرحمة فيسلم المدعو فيدخل الجنة. 5) ومقصود القتال: إيصال الرحمة إلي من وراء المانع للدعوة، قال تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ} (¬2) مثل خالد وعكرمة وغيرهم. 6) الدعوة: استخدام القوة الخُلقية: قال تعالى: {فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ} (¬3). وقال تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلا} (¬4) ً. وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء - الآية 107. (¬2) سورة آل عمران - الآية 127. (¬3) سورة الحجر - الآية 85. (¬4) سورة المعارج - الآية 5. (¬5) سورة المزمل - الآية 10.

وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ سَاعَةً مّن نّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1). أما القتال: استخدام القوة الغضبية: ولا يستطيع أحد أن يوقف القوة الخُلقية بمعنى حين تُكرم أحد فلا يقول لك لا تُكرمني .. أو لا تعفو عنى أو لا تعاملني بأخلاق كريمة. ولكن لا يستطيعون إيقاف القتال أو يتغلبوا عليه فالمقاتل قد يمنع أو يهزم .. أما الداعي فلا يستطيع أحد أن يمنعه. 7) الدعوة جهد عام لكل الأمة: قال تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2) فالكل يقوم بها بدون أعذار (يقوم بها الضعيف والقوى .. المريض والصحيح .. الغني والفقير .. المبصر والأعمى .. الأعرج والسليم .. الأُمي والمتعلم .. الصغير والكبير .. المرأة والرجل .. الشاب والشيخ. أما القتال فجهد خاص: لأن فيه أعذار، مثل المريض، والأعمى، والأعرج، قال ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف - الآية 35. (¬2) سورة يوسف - الآية 108.

تعالى: {لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ *وَلاَ عَلَى الّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوْا وّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (¬1) (¬2). وقال تعالى: {لّيْسَ عَلَى الأعْمَىَ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآيتان 91، 92 0 (¬2) وجوب الدعوة علي أهل الحرج: بين تعالى في هذه الآية الأعذار التي لا حرج على من قعد فيها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما، ولهذا بدأ به. ما هو عارض بسبب مرض عن له في بدنه، شغله عن الخروج في سبيل الله، أو بسبب فقره لا يقدر على التجهز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس، ولم يثبطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا؛ ولهذا قال: (ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) وقال سفيان الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ثمامة - رضي الله عنه – قال: قال الحواريون: يا روح الله، أخبرنا عن الناصح لله؟ قال: الذي يؤثر حق الله على حق الناس، وإذا حدث له أمران – أو: بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة – بدأ بالذي للآخرة ثم تفرغ للذي للدنيا.

الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَن يَتَوَلّ يُعَذّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} (¬1) فعند عدم امتلاك مستلزمات القتال: قال تعالى: {وَلاَ عَلَى الّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ توَلّوْا وّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (¬2) فيحتاج أشداء أقوياء. إذن أعذار القتال لا تصلح أن تكون أعذار للدعوة، لأن الله - سبحانه وتعالى - عندما أسقط عنهم جهد القتال، ما أسقط عنهم جهد الدعوة، فقال: {إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (¬3). 8) سلاح الدعوة (الحكمة) أما سلاح القتال (القوة): القتال أسباب خارجية: قال تعالى: {وَأَعِدّوا لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُون} (¬4) فالقوة ليست سببا ¬

_ (¬1) سورة الفتح - الآية 17. (¬2) سورة التوبة - الآية 92. (¬3) سورة التوبة الآية 12. (¬4) سورة الأنفال الآية 60

للنصر، ولكن لإرهاب العدو ومن وراءه، ومن علي شاكلته، لأن النصر من عند الله عز وجل، قال تعالى: {ِوَمَا النّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (¬1). والدعوة أسبابها داخلية: قال تعالى: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬2).وقد يفقد الداعي الأسباب الخارجية، ولكن لا يفقد الصفات الطيبة والأخلاق الحسنة، مثل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الطائف، فقد روى الطبراني: برجال ثقات عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم (أي أهل الطائف) أتى ظل شجرة فصلى ركعتين ثم قال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك) (¬3). 9) في الدعوة: الانشغال بالمحاسن، ودفع المساوئ (عفو .. صفح .. إكرام .. إيثار). أما في القتال: (هجوم .. انتقام .. قتل .. أسر .. غنيمة). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران _ الآية 126. (¬2) سورة النحل - الآية 125. (¬3) سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد2/.

10) الكيفيات في الدعوة: لا تختلف من أول سيدنا نوح - عليه السلام -، حتى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وصحابته - رضي الله عنهم -. أما الكيفيات في القتال: تتغير حسب الظروف، وممكن يستفاد فيه من خبرة الغير، كما حدث وأشار سلمان الفارسي رضي الله عنه علي النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق، في غزوة الخندق (الأحزاب) .. وفي غزوة بدر أشار الحباب بن المنذر - رضي الله عنه -، علي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينتقل بالجيش إلي بئر بدر. 11) لا يمكن التخلق بالأخلاق الدعوية في القتال، مثل: اللين والرفق .. الشفقة والرحمة .. العفو والصفح، كما حدث في صلح الحديبية، حينما ذهب عروة بن مسعود الثقفي، للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليثنيه عن دخول مكة، نيابة عن قريش، فرد عليه أبو بكر رداً عنيفا، وإليك القصة كما جاءت في كتب السيرة: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد! تركت كعب ابن لؤي وعامر بن لؤي على أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، قد لبسوا جلود النمور، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت ومن قاتلهم بين احد أمرين إن تجتاح قومك ولم يسمع برجل اجتاح قومه وأهله قبلك، أو بين أن يخذلك من ترى معك، وإني والله لا أرى معك وجوها وإني لا أرى إلا أوباشا، وفي رواية: فاني لأرى أشوابا (¬1) من الناس، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم، وخليقا أن يفروا ويدعوك. وفي رواية: وكأني بهم لو قد لقيت قريشا أسلموك فتؤخذ أسيرا، فأي شئ أشد عليك من هذا؟ فغضب أبو بكر - رضي الله عنه -، وكان قاعدا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أمصص بظر اللات، أنحن نخذله أو نفر عنه؟! فقال عروة - رضي الله عنه -: من ذا؟ قالوا: ¬

_ (¬1) الأوشاب الأوباش، والأخلاط من الناس، انظر المعجم الوسيط 2/ 1045.

أبا بكر. فقال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجيبنك، وكان عروة قد استعان في حمل دية، فأعانه الرجل بالفريضتين والثلاث، وأعانه أبو بكر بعشر، فكانت هذه يد أبي بكر - رضي الله عنه - عند عروة (¬1). ولا يمكن استخدام أساليب القتال في الدعوة، مثل: الغضب، والتجسس، والمكر والخديعة، والقتل والأسر، والغنيمة، والمداهنة، والانتقام. 12) في الدعوة: حفظ (الأعراض، والأموال، والدماء): أ) النبي - صلى الله عليه وسلم - عند هجرته أناب عليا - رضي الله عنه - لرد الأمانات التي عنده، لأصحابها الكفار. ب) سيدنا يوسف - عليه السلام -: {قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنّهُ رَبّيَ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ} (¬2). ولكن في القتال: القتل والأسر .. وأخذ الغنائم والأموال وسبى النساء والذرية. 13) مصطلحات دعوية: قال تعالى: {أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (¬3) ¬

_ (¬1) سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد 5/. (¬2) سورة يوسف - الآية 23. (¬3) سورة الأعراف - الآية 68.

وقال تعالى: ً {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (¬1) وقال تعالى: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ} (¬2) وقال تعالى: {وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلََهٍ غَيْرُه} (¬3) وقال تعالى: {وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (¬4) وقال تعالى: {وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ} (¬5) كلها مصطلحات تنبو عن حبهم، وشفقتهم وعطفهم علي أقوامهم. ¬

_ (¬1) سورة هود - الآية 88. (¬2) سورة التوبة- الآية 128. (¬3) سورة الأعراف – الآية 65. (¬4) سورة الأعراف - الآية 73. (¬5) سورة الأعراف – الآية 85.

أما مصطلحات القتال: قال تعالى: {فَقَاتِلُوَاْ أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلّهُمْ يَنتَهُونَ} (¬1). وقال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِم وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قوْمٍ مّؤْمِنِينَ} (¬2) وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللهَ مَعَ الْمُتّقِينَ} (¬3) وقال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ الْكُفّارِ وَلِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللهَ مَعَ الْمُتّقِينَ} (¬4) وقال تعالى: {ِ فَقَاتِلُوَاْ أَوْلِيَاءَ الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (¬5) وقال تعالى {:مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىَ حَتّىَ يُثْخِنَ فِي الأرْضٌ} (¬6). 14) الولاء والبراء: ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 12. (¬2) سورة التوبة - الآية 14. (¬3) سورة التوبة – الآية 36. (¬4) سورة التوبة – الآية 123. (¬5) سورة النساء - الآية 76. (¬6) سورة الأنفال – الآية 67.

أولا: في الدعوة إلي الله (- عز وجل -): قال تعالى: {يا بُنَيّ ارْكَبَ مّعَنَا وَلاَ تَكُن مّعَ الْكَافِرِينَ} (¬1) وقال تعالى: {فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ} (¬2) وقال تعالى: {قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّيَ إِنّهُ كَانَ بِي حَفِيّا ً} (¬3) وقال تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ} (¬4) وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬5) وقال تعالى: {إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬6) ثانيا: في القتال: قال تعالى: {لاّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ يُوَآدّونَ مَنْ حَآدّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوَاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلََئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ¬

_ (¬1) سورة هود – الآية 42. (¬2) سورة الحجر _ الآية 85. (¬3) سورة مريم – الآية 87. (¬4) سورة طه - الآية 44. (¬5) سورة الأعراف - الآية 199. (¬6) سورة الشعراء - الآية 135.

الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلََئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1). فلو قابل أحد المسلمين ابنه، أو أباء، أو أخاه، أو صديقه، في صفوف المشركين لقتله. 14) العدو: أولا: في كل السور المكية (90 سورة) هو الشيطان فقط: قال أخوة يوسف - عليه السلام -: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} (¬2). وقال يوسف في النهاية: {وَقَالَ يَأَبَتِ هََذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيَ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نّزغَ الشّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيَ إِنّ رَبّي لَطِيفٌ لّمَا يَشَآءُ إِنّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (¬3). ما شعر يوسف - عليه السلام - بالعداء ضد إخوته، وألق بالمسؤولية على الشيطان، قال تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي ¬

_ (¬1) سورة المجادلة – الآية 22. (¬2) سورة يوسف – الآية 9. (¬3) سورة يوسف - الآية 100.

بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ} (¬1). ثانيا: العدو في القتال: كل المشركين والكفار كل من يقف أمام الدعوة أو من يغتصب شبرا من أرض الإسلام. 15) في القتال: (رهبان بالليل، فرسان بالنهار) وفي الدعوة: أولا: ليل الداعي: قال تعالى: {ُ يَأَيّهَا الْمُزّمّل * قُمِ الْلّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} (¬2). قال تعالي: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (¬3) وقال تعالي: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (¬4) في الليل: يا رب! عبادك .. توجيه رحمة الله إلي العباد .. اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين. ¬

_ (¬1) سورة فصلت - الآية 34. (¬2) سورة المزمل – الآيات من 1: 6. (¬3) سورة السجدة – الآية16. (¬4) سورة الذاريات – الآية 17 0

ثانيا: نهار الداعي: قال تعالي: {يا أَيّهَا الْمُدّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبّكَ فَاصْبِر} ْ (¬1). وقال تعالى: {إِنّ لَك َ فِي النّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلا ً} (¬2) وقال تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد ِ} (¬3) 16) الدعوة ليست فيها مقابلة: فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقل بلال معي ولا أبو جهل ضدي .. أو أمية بن خلف ضدي .. وإذا مر علي مثل (عمار بن ياسر وأبيه وأمه سميه) وهم يعذبون يصبرهم: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة .. وفي الليل: يدعو الله أن يهدى من يعذبهم .. لأن الجميع ميدان جهده. وأما في القتال: هذا معيَّ وهذا ضدي. 17) الدعوة ليس فيها تحزب ضد أحد: قال تعالى: {وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الّذِينَ آمَنُوَاْ ¬

_ (¬1) سورة المدثر – الآيات من 1: 7. (¬2) سورة المزمل - الآية 7. (¬3) سورة إبراهيم - الآية 1.

إِنّهُمْ مّلاَقُو رَبّهِمْ وَلََكِنّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} (¬1) وقال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ} (¬2) ً ... وإذا أخطأ في الدعوة لا نتحزب ضده، ولكن نتعاون في الإصلاح والتعليم والتفهيم. 18) في القتال نُحب استعجال النصر: قال تعالى {وَأُخْرَىَ تُحِبّونَهَا نَصْرٌ مّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3) وفي الدعوة: عدم الاستعجال: قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (¬4) والله عز وجل يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ سَاعَةً مّن نّهَارٍ ¬

_ (¬1) سورة هود - الآية 29. (¬2) سورة الأنعام - الآية 52. (¬3) سورة الصف - الآية 13. (¬4) سورة العنكبوت – الآية 14.

بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1) وقال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىَ وَهُوَ مَكْظُومٌ} (¬2) 19) القتال: شر في ذاته حسن لغيره .. والدعوة حسنة لذاتها. 20) الشهادة (القتل): في القتال مكسوبة، والقتال موسم الشهداء. والشهادة في الدعوة موهوبة، مثل: (صاحب يسين .. عروة بن مسعود (¬3) .. سمية بنت الخياط زوجة ياسر وأم عمار بن ياسر (¬4)). ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف - الآية 35. (¬2) سورة القلم - الآية 48. (¬3) أخرج الطبراني عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - قال: لما أنشأ الناس الحج سنة تسع قدم عروة بن مسعود علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما، فاستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع إلي قومه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني أخاف أن يقتلوك "، قال: لو وجدوني نائم ما أيقظوني، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع إلي قومه مسلما، فرجع عشاءً فجاء ثقيف يحيونه، فدعاهم إلي الإسلام، فاتهموه، وأ غضبوه وأسمعوه، وقتلوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مثل عروة مثل صاحب يسين دعا قومه إلي الله فقتلوه. وأخرجه الحاكم بمعناه (حياة الصحابة – باب دعوة الصحابة في القبائل وأقوام العرب _ دعوة عروة بن مسعود في ثقيف 1/ 182). (¬4) أخرج الحاكم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بياسر وعمار وأم عمار وهم يؤذون في الله تعالي، فقال لهم: صبرا آل ياسر! صبرا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة. ورواه بن الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، وزاد: وعبد الله بن ياسر، وزاد: وطعن أبيو جهل سمية في قبلها فماتت، ومات ياسر في العذاب، ورمي عبد الله فسقط (كذا في الإصابة 3/ 647). وعند أحمد: قال مجاهد: أول شهيد كان في أول الإسلام استشهد أم عمار سمية طعنها أبو جهل بحربة في قبلها (كذا في البداية 3/ 59).

وعموما أكثرا لشهداء يموتون علي الفرش، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفرش، ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته " (¬1). 21) مقصد الداعي: واضح في قوله تعالي: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (¬2). ولكن مقصد القتال: إسلام .. جزية .. قتال. 22) في الدعوة: إذا مات المدعو علي الكفر، نأسف ونحزن. وفي القتال: إذا مات الكافر نفرح ونغنم .. وإذا أسلم نفرح ونكبر .. فلولا جهد الحق ما تحرك سيف خالد بن الوليد - رضي الله عنه -. 23) في الدعوة: تظهر الرحمة في طلب إبراهيم - عليه السلام - المهلة من الملائكة اللذين جاءوا ليدمروا قوم لوط: {فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَىَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ *إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مّنِيبٌ} (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في المسند 1/ 367، وضعفه الألباني وابن باز. (¬2) سورة الفاتحة - الآية 6. (¬3) سورة هود – الآيتان 74، 75.

وفي قصة إسلام زيد بن سعنة الحبر اليهودي، فأراد عمر - رضي الله عنه - أن يقتله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " مهلا يا عمر .... ففي الدعوة نتعلم الصبر. وفي القتال: ليس هناك مهلا، بل نقتله، إلا إذا نطق بالشهادتين، فنتركه. 24) بلال - رضي الله عنه - أثنا الدعوة يُعذب ويقول: أحد .. أحد. أما خالد بن الوليد - رضي الله عنه - أثناء القتال سيف الله المسلول. 25) في ميدان الدعوة: النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن خالد بن الوليد قبل إسلامه، ويقول لأخيه الوليد بن الوليد_ أثناء عمرة القضاء _: أين خالد؟ فقال: يأتي الله به. فقال - صلى الله عليه وسلم -: " مثله جهل الإسلام ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين كان خيراً له، ولقدمناه على غيره ". بقول خالد - رضي الله عنه - في قصة إسلامه _: وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة القضية فطلبني فلم يجدني، فكتب إلي كتاباً فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك، ومثل الإسلام جهله أحد؟ وقد سألني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنك وقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به. فقال: " مثله جهل الإسلام ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين كان خيراً له، ولقدمناه على غيره " فاستدرك يا أخي ما قد فاتك فقد فاتتك مواطن صالحة.

قال: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام، وسرني سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني، وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة، فخرجت في بلاد خضراء واسعة، فقلت: إن هذه لرؤيا. فلما أن قدمت المدينة قلت لأذكرن لأبي بكر. فقال: مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك. قال: فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت من أصاحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فلقيت صفوان بن أمية، فقلت: يا أبا وهب أما ترى ما نحن فيه، إنما نحن كأضراس وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد واتبعناه فإن شرف محمد لنا شرف، فأبى أشد الإباء، فقال: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبداً، فافترقنا وقلت: هذا رجل قتل أخوه وأبوه ببدر. فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له: مثل ما قلت لصفوان بن أمية، فقال لي مثل ما قال صفوان بن أمية، قلت: فاكتم علي، قال: لا أذكره. فخرجت إلى منزلي فأمرت براحلتي، فخرجت بها إلى أن لقيت عثمان بن طلحة فقلت: إن هذا لي صديق فلو ذكرت له ما أرجو، ثم ذكرت من قتل من آبائه فكرهت أن أذكره، ثم قلت: وما علي وأنا راحل من ساعتي، فذكرت له ما صار الأمر إليه. فقلت: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج، وقلت له نحواً مما قلت لصاحبي، فأسرع الإجابة وقال: لقد غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو، وهذه راحلتي بفج مناخة. قال: فاتعدت أنا وهو يأجج إن سبقني أقام، وإن سبقته أقمت عليه.

قال: فأدلجنا سحراً فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج، فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة فنجد عمرو بن العاص بها. قال: مرحباً بالقوم، فقلنا: وبك، فقال: إلى أين مسيركم؟ فقلنا: وما أخرجك؟ فقال: وما أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإسلام واتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال: وذاك الذي أقدمني، فاصطحبنا جميعاً حتى دخلنا المدينة فأنخنا بظهر الحرة ركابنا، فأخبر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسر بنا، فلبست من صالح ثيابي، ثم عمدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلقيني أخي فقال: أسرع فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر بك فسر بقدومك وهو ينتظركم، فأسرعنا المشي فاطلعت عليه فما زال يتبسم إلي حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق. فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال: " تعال "، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير ". قلت: يا رسول الله! إني قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معانداً للحق فادعو الله أن يغفرها لي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الإسلام يجب ما كان قبله ". قلت: يا رسول الله على ذلك؟ قال: " اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيل الله ". قال خالد: وتقدم عثمان وعمرو فبايعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: وكان قدومنا في صفر سنة ثمان. قال: والله ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعدل بي أحداً من أصحابه فيما حزبه (¬1). وفي ميدان القتال: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ". ¬

_ (¬1) البداية والنهاية لابن كثير4/ 238

وفي البخاري: عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذي الله ورسوله .... " (¬1) 25) ميدان الدعوة: طول الحياة: نوح - عليه السلام - 950 سنة .. موسي - عليه السلام - 80 سنة .. محمد - صلى الله عليه وسلم - 23. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: " لو وضعت الشمس في يميني، والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر حتي يُظهره الله أو أهلك في طلبه " (¬2). وميدان القتال: وقت قليل: ففي غزوة بدر: يوم واحد (ودار القتال لبضع ساعات). وفي غزوة أحد: يوم واحد (ودار القتال لمدة نصف يوم). وفي غزوة الخندق: 45 يوما. وفي غزوة حنين: يوم واحد. 26) في ميدان القتال: الغضب حق لله - عز وجل - .. والتلطف في القتال فشل. وفي ميدان الدعوة: ليس مطلوب الغضب ولا الغلظة في الدعوة. 27) في القتال: حمل الكتائف (السلاح وغيره). أما في الدعوة: حمل اللطائف. ¬

_ (¬1) حياة الصحابة _ باب النصرة 1/ 366. (¬2) حياة الصحابة _ باب حب الدعوة والشغف بها 1/ 28.

28) في القتال: قد يغلب المقاتل إذا جاءه من هو أقوي منه. أما في الدعوة: لا يُغلب الداعي علي جهده، ولو كان في السجن، مثل: يوسف الصديق - عليه السلام -. 29) الدعوة في كل مكان .. أما القتال فليس في أي مكان. 30) الدعوة تكريم للبشرية .. والقتال ليس تكريم للبشرية. 31) الدعوة في كل الأحوال .. والقتال حسب الأحوال. 32) في الدعوة المفتاح معك (يعني أنت الذي تبدأ بالكلام) .. أما في القتال ربما يبدأ العدو ويفرض عليك القتال. 33) في الدعوة: دائما أنت مغلوب، والظلم من أجل الدين عزة، والظلم من أجل الدنيا ذلة. أما في القتال: دائما تكون غالبا ومنتصرا (تتمني وتسعي لذلك). 34) الدعوة: جهد نبوي (مكي ومدني)، أما القتال: جهد نبوي مدني. 35) النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهدنة في صلح الحديبية، لمدة 10 سنوات، ولو وفوا بالعهد لوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان فتح مكة بعدها بسنتين .. وفي الدعوة: لم يقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدنة ولو لحظة واحدة. 36) خطاب الدعوة: (يا بني إسرائيل .. يا بني أقم الصلاة .. وإلي عاد أخاهم هودا) .. فلو كان كافرا فأثناء الدعوة تقول له: يا أخي.

مقارنة بين جهد الدعوة وجهد العبادة

وفي القتال: لا يجوز الهوادة مع الكفار، ويقابل بأقبح الألفاظ، مثل: يا عدو الله .. وامصص بظر الللات. مقارنة بين جهد الدعوة وجهد العبادة o العبادة أوقات محدودة. أما جهد الدعوة: متواصل ليلا ونهارا طول الحياة. o الخالق إذا استعملك رفع قيمتك، ويوفيك حقك، ويعطيك أكثر مما تعمل حتي يأجرك علي النية والذرة، وأحيانا يعطيك بغير حساب. والمخلوق إذا استعملك رخصك وأذلك وأتعبك كثرا ولا يوفيك حقك. o العبادة علي نهج النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - 00 والدعوة علي نهج 124 ألف نبي ورسول. o الاستخدام الكامل للأنبياء 100 % من جهد إلي جهد، ومن طاعة إلي طاعة،

قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىَ رَبّكَ فَارْغَبْ} (¬1) يؤدي إلي الإخلاص، والإخلاص مدخل لإصلاح النفس، وفي قراءة {فَرَغََّبْ} الآخرين. o نشوق غيرنا حتى نشتاق 00 ونخوف غيرنا حتى نخاف. o أول فقه في الدين: قبل فقه الصلاة والصيام والحج هو فقه الدعوة 00 وجهد الدعوة قبل جهد الصلاة والصيام والحج. o الصحابة - رضي الله عنهم - ثلاث عشر عاما، والله - عز وجل - لهم: {كُفّوَاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَآتُوا الزّكَاة} (¬2) لتبسطوا أخلاقكم وأعمالكم الدعوية. o ففرغ الله أبدان الصحابة لجهد الدعوة 13 عاما، وفرغ عقولهم لفقه الدعوة، وفرغ ألسنتهم لتلاوة قرآن الدعوة، ليتهيئوا لنيابة النبوة، قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (¬3) o فرغهم الله - عز وجل - لفقه الدعوة قبل فقه الزواج والطلاق والميراث 00 بعد ذلك كانت الأعمال في حياتهم بمزاج الدعوة إلي الله (داعٍ يصلي 00 داعٍ يحج 00 داعٍ يصوم 00 داعٍ بقاتل في سبيل الله - عز وجل -) فالدعوة وفقه الدعوة هو الأساس حتى يترسخ اليقين علي الله وموعوداته. o العبادات فيها رخص، فمثلا: كالقصر في صلاة المسافر00 والمريض يصلي أحيانا وهو جالس أو نائم علي جنبه أو علي ظهره 00الحج لمن استطاع إليه ¬

_ (¬1) سورة الشرح _ الآيتان7،8. (¬2) سورة النساء _ الآية77 (¬3) سورة إبراهيم _ الآية 1.

سبيلا 00 والزكاة لمن يملك النصاب00 وفي الصوم يفطر المسافر ثم يقضي، والمريض المزمن يفطر ويفدي عن صومه، والمريض غير المزمن يفطر ثم يقضي بعد برءه من المرض. o أما الدعوة: فليس فيها رخص، فلم يعذر الضعفاء، قال تعالى: {لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (¬1) فالله عذرهم عن القتال 00 ولكن ما عذرهم عن الدعوة والنصح. o كما أن الأساس ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وإلا تحدث كارثة 00 وممكن التبديل والتغيير في الأدوار وفي النوافذ وفي الأبواب والحوائط 00 كذلك فقه الدعوة هو الأساس. o أساس جهد الدين: قال تعالى: {يَأَيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيرا} (¬2) o عنوان رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ} (¬3). o بدأت دعوة كل نبي بمطالبة قومه بالعبادة: قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬4). o وأول مطلب للنبي - صلى الله عليه وسلم -: من ينصرني؟ من يؤويني؟ من يمنعني حتى أبلغ ¬

_ (¬1) سورة التوبة _ الآية91 (¬2) سورة الأحزاب _ الآيتان 45، 46. (¬3) سورة الأنبياء _ الآية107. (¬4) سورة الأعراف _ الآية59.

رسالة ربي وله الجنة؟ يطلب منهم أن يقوموا معه بجهد الدعوة إلي الله. فأول مطلب هو الدعوة وليس العباد .. والنصرة حتى تقوم الأمة علي الجهد، ولكن عيسي - عليه السلام - طلب النصرة من بني إسرائيل عندما أحس بالنهاية (الكفر)، قال تعالى: {فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ} (¬1) والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كان له حواريون مثل (طلحة والزبير رضي الله عنهما (¬2) ً) ولكن لم يطلب منهم النصرة كما طلب عيسي - عليه السلام - من الحواريين، فلو طلب من الحواريين فقط، فما كان لنا نصيب في التكليف، فالله - عز وجل - كلف الأمة كلها بنصرة الدين، قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوَاْ أَنصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنّصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ فَآمَنَت طّآئِفَةٌ مّن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طّآئِفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَىَ عَدُوّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬3). o سُمي العباد في الأمم السابقة بالأولياء 00 وسُمي الدعاة في أمة الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - بالأولياء. o ما ذكر الله - عز وجل - قصة في القرآن ليشيد بعبادتهم، بل يذكرهم بقوة دعوتهم: قال تعالى: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُوا ¬

_ (¬1) سورة آل عمران _ الآية52. (¬2) كما جاء في الحديث: عن جابر - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب؟ " قال الزبير: أنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " متفق عليه (مشكاة المصابيح _ كتاب المناقب _ باب مناقب العشرة 3/ 1725). (¬3) سورة الصف _ الآية 14.

الْمُرْسَلِينَ} (¬1). وقال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيّنَاتِ مِن رّبّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُمْ إِنّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} (¬2). وقال تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلا} (¬3). o قوة العابد في عزلته، حتى لا يشوش الناس عليه علاقته بالله - عز وجل -، يجلس في خلوته حتى تتجلي الأنوار في قلبه00 لكن قوة الداعي في مخالطته للخلق، فيفرح بمخالطة القوم لدعوتهم. o حكم فقهي: إنقاذ من يقع في الحريق أو في البئر مقدم علي العبادة (الصلاة) 00 فلو كان الرجل فى صلاته واستمر فيها، فالأعمى سيسقط فى البئر أو في الحريق، ويكون المصلى آثماً، فالترتيب الصحيح هو أن يترك الصلاة، ثم يأخذ بيد الرجل ويبعده عن البئر ثم يرجع إلى صلاته. o فقه الدين: هو فقه العبودية، كيف يعيش الإنسان 24 ساعة تحت مظلة {إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬4) .. يعيش 24 ساعة يُعبد فكره، يُعبد همه، يُعبد أوقاته، يُعبد زوجته، يُعبد ماله. ¬

_ (¬1) سورة يسن _ الآية 20 (¬2) سورة غافر _ الآية 28. (¬3) سورة الكهف _ الآية 37. (¬4) سورة الفاتحة - الآية 5.

o الإنسان يتكلم 24 ساعة في فقه الدين، وهمه همَّ دنياه، وفكره فكر دنياه، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (¬1) عبَّدَ لسانه وما عبَّدَ قلبه، ما عبَّدَ همه، لذا يقول الله تعالي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (¬2) o في السنة الأولي من البعثة نزل منهاج الأمة: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وما شرع الصيام والصوم والحج. o كيف أفكارنا، وجوارحنا، تدخل في العبودية، عن طريق: {ومِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (¬3). o فقه العبودية: إذا تَتكلم .. تَمشي .. تَتحرك .. تَنام .. ُتفكر .. تَجلس .. تتعاون مع غيرك .. تُسافر .. ترتحل من مكان إلي مكان، من أجل {لِيَعْبُدُونِ}. o الهداية: قال تعالي: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (¬4). وقال تعالي: {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (¬5) فالهداية هي العبادة، والعبادة هي الهداية. ¬

_ (¬1) سورة الحج – الآية11. (¬2) سورة البقرة – الآية 208. (¬3) سورة البقرة – الآية 207. (¬4) سورة الفاتحة - الآية 6. (¬5) سورة يسن – الآية61.

o الله - سبحانه وتعالى - أثني علي عبودية الأنبياء، في القرآن: {صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (¬1) فتعرف علي عبودية إبراهيم وموسي وعيسي ونوح عليهم السلام، وتعرف علي عبودية صاحب يسن، فكل عبودية أثني الله عليها في القرآن جعلها مطمح حياتنا، وهي العبودية المرغوب فيها، عبادة: من ينصرني حى أبلغ رسالة ربي؟. o كل مسلم أول شيء فعله، فتح بيته لإيواء دين الله - عز وجل -، لإيواء كلام الله، وكلام رسوله، وخرج لنصرته .. بالقعود ماذا تؤوي؟ بالقيل والقال!!!. o أول ما علم موسي - عليه السلام - أصحابه، علمهم الصلاة والصيام .. وأول ما علم نوح - عليه السلام - أتباعه، علمهم الصلاة والصيام .. وأول ما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتباعه، علمهم جهده ودعوته. o بسبب بركة ختم النبوة، أُعطيت الأمة من أول يوم أعظم عبودية، وهي عبودية همَّ إحياء الدين، بها يُصبح العبد من أعبد خلق الله تعالي. o أعظم عبودية أن تضع عبادتك وعبادة من تحبهم، في ميزانك. o يُصبح الرجل بالدعوة أمة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2) لما تنوي أن تُحيي أمة، فأنت أمة. o كُلفنا باستلام نيابة النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان جهد الدعوة ينتقل من نبي إلي نبي، كلما مات نبي، خلفه نبي آخر في جهده، فخلف سيدنا إبراهيم - عليه السلام - في جهده، إسحاق ويعقوب عليهما السلام .. ووهب لسيدنا زكريا - عليه السلام -، يحي - عليه السلام -، ليخلف أباه في جهده .. والنبي - صلى الله عليه وسلم - أخذت ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة – الآية7. (¬2) سورة النحل – الآية120.

أبناءه صغاراً، لتقر عينه بأمته، تشتغل بهذا الجهد معه، وبعده. هكذا كانت عبادة الدعوة إلي الله - عز وجل -، تنتقل من نبي إلي نبي، وببركة ختم النبوة، انتقلت من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلي أمته {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬1). وما أشرك الله - سبحانه وتعالى - سيدنا هارون مع سيدنا موسي عليهما السلام، في الدعوة، إلا بعد إلحاح من سيدنا موسي - عليه السلام - علي الله - عز وجل -: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * َويَسِّرْ لِي أَمْرِي *َ واحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي*هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي*وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي*َكيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * َونَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * َقالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (¬2). فأشرك الله - عز وجل - سيدنا هارون - عليه السلام - في أمره، وأشرك الله - عز وجل - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كلها، في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم -. o كانت أقدام موسي وهارون عليهما السلام، تمشي إلي فرعون، وما في قدم إسرائيلي مشي في الدعوة، لكن أقدام الصحابة - رضي الله عنهم - مع أقدام النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وكان الثناء من الله - عز وجل - علي الأنبياء فردي، لا يشمل أممهم، بل بين الله - عز وجل - عيوب أممهم، وببركة جهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مجد الله - عز وجل - صفات نبينا وصفات أمته. o القرآن الكريم عندما يقول لنا: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (¬3) يأمرنا بإتباعه في الدعوة، والحذر من هفوات ¬

_ (¬1) سورة يوسف_ الآية108. (¬2) سورة طه _ الآيات من 25: 36. (¬3) سورة مريم - الآية 51.

أصحابه .. وببركة ختم النبوة، اقتدوا بمحمد وأصحابه. o فقه العبادة، فقه مجمل في القرآن: ففي الصلاة: قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ} (¬1). وفي الصيام: قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ} (¬2). وفي الزكاة: قال تعالى: {وَآتُوا الزّكَاةَ} (¬3). وفي الحج: قال تعالى: {وَللهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (¬4). o أما فقه الدعوة: فهو فقه مفصل في القرآن، الله - عز وجل - بينه لنا من أول نوح - عليه السلام - حتى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم -، القرآن الكريم مليء بقصص الأنبياء عليهم السلام00 وقيض الله - عز وجل - لنا العلماء لحفظ سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام. o لو قرأت قول الله تعالي: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية 43. (¬2) سورة البقرة _ الآية 183. (¬3) سورة البقرة _ الآية 43. (¬4) سورة آل عمران _ الآية97. (¬5) سورة البقرة _ الآية 183.

أي من ظلمة المعصية إلي نور الطاعة .. ولكن علي أي مذهب؟ ما ترك الله - عز وجل - الدعوة لأي مذهب فقهي يفصلها 00 وتولي تفصيلها بذاته من خلال كتابه وسيرة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -. o فقه العبادة مهم، وفقه الدعوة أهم00 لذلك تولي الله تفصيل الأهم بذاته العلية، يفصل دعوة نوح - عليه السلام - وصبره علي قومه مع طول مدة رسالته00يفصل دعوة إبراهيم - عليه السلام - وأخلاقه وحلمه 00 فصل لنا دعوتهم وما فصل لنا عبادتهم. o القرآن المكي كله يبين فقه {:َ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ} ولو فهمت الأمة هذا العلم، ما بقي واحد في الظلمة. o الدعوة مفصلة في القرآن، والعبادة مجملة00 المفصل الأمة جهلته، والمجمل الأمة فهمته 00 مع أن الإنسان يفهم المجمل ولا يعذر في عدم فهم المفصل00 والسبب واضح هو قوة الطلب علي المجمل، بالإضافة أن الشيطان جعل في قلوب الناس حساسية ضد جهد الدعوة لأنه يحاج إلي تضحيات. o الأنبياء السابقين أقاموا أقوامهم علي جهد العبادة، ولم يقيموهم علي جهد الدعوة، سيدنا موسي - عليه السلام - ما طلب من قومه أن يذهبوا معه إلي فرعون عليه اللعنة والرسول - صلى الله عليه وسلم - كلف بدعوة فراعنة كثيرون، فكلف الأمة كلها بلواء الدعوة، قال تعالى: {الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ

الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1) ما قال: آمنوا به وصلوا وصاموا. o مولود يولد علي الجهد لا علي اللعب، قال تعالى: {فَلَمّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاّ جَعَلْنَا نَبِيّاً} (¬2). ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - الله - عز وجل - وهب له أمته كلها، قال تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬3) فأنت هبة ليس لأبيك ولا لأمك، ولكن هبة لنبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكن خير هبة لأحسن موهوب. o الله طلب من الأمة النصرة للدين، قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوَاْ أَنصَارَ اللهِ} (¬4) في سورة الصف، لنكون صفا واحدا، في نصرة الدين والنداء لكل أهل الإيمان. o القرآن المكي يأمرنا باتباع الأحسن، قال تعالى: {وَاتّبِعُوَاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رّبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} (¬5) جهد العبادة حسن، وجاء بعد جهد أحسن خلال 13 سنة0 o قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَىَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ ¬

_ (¬1) سورة الأعراف _ الآية 157. (¬2) سورة مريم _ الآية49. (¬3) سورة يوسف_ الآية 108. (¬4) سورة الصف_ الآية14. (¬5) سورة الزمر_ الآية55.

سَبِيلاً} (¬1) هذه الآية مكية والسبيل هو طريق الدعوة 00 كما اتخذه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولذا ندم الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو علي تأخرهم عن سلك طريق الدعوة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من بداية الدعوة، وذلك حين حضر أناس باب عمر وفيه سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب والشيوخ من قريش رضي الله عنهم فخرج آذنه فجعل يأذن لأهل بدر كصهيب وبلال وعمار - رضي الله عنهم -، قال: وكان والله بدريا، وكان يحبهم وكان قد أوصي به، فقال أبو سفيان ما رأيت كاليوم قط أنه يؤذن لهذه العبيد ونحن جلوس لا يلتفت إلينا، فقال سهيل بن عمرو - رضي الله عنه -: وياله من رجل، ما كان أعقله، أيها القوم! إني والله! قد أري الذي في وجوهكم فإن كنتم غضابا فاغضبوا علي أنفسكم دعي القوم ودعيتم فأسرعوا وأبطأتم أما والله! لما سبقوكم من الفضل فيما يرون أشد عليكم قوة من بابكم هذا الذي تنافسون عليه، ثم قال: إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون ولا سبيل لكم والله! إلي ما سبقوكم إليه فانظروا هذا الجهاد فالزموه عسي الله - عز وجل - أن يرزقكم الجهاد والشهادة، ثم نفض ثوبه فقام، فلحق بالشام. قال الحسن: صدق والله! لا يجعل الله عبدا أسرع إليه كعبد أبطا عنهم (¬2). o شريعة الإسلام شريعة: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدّينَ وَلاَ تَتَفَرّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِيَ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ ¬

_ (¬1) سورة الفرقان _ الآية27. (¬2) رواه الحاكم في المستدرك 3/ 282. وأخرجه البخاري في تاريخه، وابن عبد البر في الاستيعاب (حياة الصحابة_ رغبة الصحابة في الجهاد 1/ 436).

وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (¬1). وهي شريعة أولي العزم من الرسل، والله - عز وجل - يبينها لنا حتي نسير عليها00 {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} ما كبر علي المشركين صلاتنا ولا صيامنا ولا حجنا، ولكن كبر عليهم دعوتنا. {اللهُ يَجْتَبِيَ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} وما ذكر الله - عز وجل - الاجتباء إلا بعد الجهد، كما في قوله تعالي: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هََذَا لِيَكُونَ الرّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النّاسِ فَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىَ وَنِعْمَ النّصِيرُ} (¬2) الله - عز وجل - اجتبي كل الأمة، فمطلوب مني أن أطلب وأسعى وأجتهد أن يقبل الله مني أن أكون من المجتبين. o قال تعالى: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (¬3) مجد ربه ساعة فالله من فوق عرشه مجده حتى قيام الساعة .. فما بالنا بالذي يمجد ربه آناء الليل وآناء النهار، وحتى نهاية عمره وهو يمجد ربه. o عبادة الجهد أفضل من عبادة الزهد. o زهد الصحابة كان بسبب انشغالهم بالجهد 00 فكان من نتيجة ذلك قلت الأشياء عندهم00 ولما فتحت الفتوحات لم ينشغلوا بها، بل خافوا منها، فعن ¬

_ (¬1) سورة الشوري _ الآية13. (¬2) سورة الحج _ الآية78. (¬3) سورة يسن _ الآية20.

الحسن أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أُتي بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم - رضي الله عنه -، قال: فألقى إليه سواري كسري بن هرمز فجعلهما في يده، فبلغا منكبيه، فلما رآهما في يدي سراقة، قال: الحمد لله! سواري كسرى بن هرمز في يد سراقة بن مالك بن جعشم أعرابي من بني مدلج! ثم قال: اللهم! إني قد علمت أن رسولك - صلى الله عليه وسلم - كان يحب أن يُصيب مالا فينفقه في سبيلك وعلي عبادك، وزويت ذلك عنه نظرا منك له وخيارا، ثم قال: اللهم! إني قد علمت أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان يُحب أن يصيب مالا فينفقه في سبيلك وعلي عبادك، فزويت ذلك عنه نظرا منك له وخيارا، اللهم! إني أعوذبك أن يكون هذا مكرا منك بعمر! ثم تلا: {أَيَحْسَبُونَ أَنّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ مِن مّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاّ يَشْعُرُونَ} (¬1) (¬2). o زهد خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بسبب جهده، لأنه كان يعرض نفسه للشهادة كل وقت00 ولكن الذي يحرم نفسه من الطيبات دون الجهد، ويخاف من الموت (الشهادة في سبيل الله) ليس بزاهد. o لا توجد آية في القرآن تمدح الزهد، ولكن الآيات تمدح الجهد00 والداعي عنده جهد الكسب وجهد الإنفاق 00 أما الزاهد فلا كسب ولا إنفاق، بل جائع يدعو غيره للجوع. o العبادة في حياة العابد كل من كل 00 أما في حياة الداعي فهي جزء من كل. o العبادة تعلق بالله (صلاة 00 صوم 00 ذكر 00 قراءة قرآن 00 ذكر) .. أما الدعوة تعلق وتخلق، ومعني التخلق: علاقة مخلوق بمخلوق. الجولة تخلق، فكيف نجعل التعلق في التخلق {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون _ الآيتان 55، 56. (¬2) حياة الصحابة _ الخوف علي بسط الدنيا _ خوف عمر - رضي الله عنه -. وبكاؤه 2/ 244

وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1). والعابد ما عنده التخلق لأنه أدار ظهره للخلق. الداعي بالليل تعلق بالله .. وبالنهار تخلق (تأليف .. تعريف .. دعوة .. تكليف. الداعي بالليل تملق، وبالنهار تخلق. o في جهد الدعوة ممكن سفيه يتهكم عليك، فتحلم عليه، فتتعلم الصبر والعفو والإناة00 أما العابد فقد أدار ظهره للخلق، فلا يحتك بالناس، فلا يتعلم الحلم ولا الصبر. o الخطباء والوعاظ يقولون: شكر الله لحسن استماعكم00 اللهم! بلغت، اللهم فاشهد00 وكأن الدين لسان يتكلم وأذن تسمع. أما الداعي يقول: {يَاقَوْمِ اتّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرّشَادِ} (¬2). {ياَقَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (¬3). ما يقول: اسمعوني، ففي الآيتين ما يقولون اسمعوا المرسلين o سبعين ألف عابد من بني إسرائيل ما ذكر الله قصة إيمانهم وعبادتهم، ولكن الذي قام منهم بالدعوة، ذكر الله - عز وجل - قصته في القرآن،: {وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيّنَاتِ مِن رّبّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ ¬

_ (¬1) سورة الأنعام – الآية 122. (¬2) سورة غافر _ الآية 38. (¬3) سورة يسن _ الآية20.

بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُمْ إِنّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} (¬1) شرفه جهده ولم يشرفه نسبه00 وبلال - رضي الله عنه - لم يشرفه نسبه بل شرفه جهده، بعد أن كان يُسمي بلال العبد أصبح يُسمي سيدنا بلال، أصبح مؤذن الرسول، أصبح يجلس مع الأكابر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعليَّ - رضي الله عنهم -، الكل يعرف حقه، فيقول عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا. o عُباد بني إسرائيل (70 ألف) في عهد موسي، ماذا فعل الله - عز وجل - بهم؟ قال الله تعالى: {وَقَطّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاسٍ مّشْرَبَهُمْ وَظَلّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنّ وَالسّلْوَىَ كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلََكِن كَانُوَاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (¬2). وبعد موسي - عليه السلام -: قال تعالى: {وَقَطّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَماً مّنْهُمُ الصّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُون} (¬3). وقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الاْرْضِ أُمَمًا} قال أبو عبيدة: فرقناهم فرقا. قال ابن عباس: هم اليهود، ليس من بلد إلا وفيه منهم طائفة. وقال مقاتل: هم بنو إسرائيل. وقيل: معناه: شتات أمرهم وافتراق كلمتهم. {مّنْهُمُ الصَّالِحُونَ} وهم ¬

_ (¬1) سورة غافر – الآية 28. (¬2) سورة الأعراف– الآية160. (¬3) سورة الأعراف – الآية168.

المؤمنون بعيسى ومحمد عليهما السلام. {وَمِنْهُمْ دُونَ ذالِكَ} وهم الكفار. وقال ابن جرير: إنما كانوا على هذه الصفة قبل أن يبعث عيسى، وقبل ارتدادهم (¬1). لما جاءت طرق التعبد فالعباد صاروا (أمما) أي شيعا وفرقا، وفرحوا بذلك، قال تعالى: {مِنَ الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (¬2). فماذا فعل الله بهم؟ قال تعالى: {إِنّ الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمّ يُنَبّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (¬3). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " رواه الترمذي (¬4). والآن بفضل الله - عز وجل - بالدعوة ملايين الناس والفكر واحد والاتجاه والهدف واحد، والنية واحدة، بسبب الدعوة جمع الله - عز وجل - قلوبهم. o نور الإيمان في قلب الداعي أقوي من نور الشمس. o هناك فرق بين يقين الداعي ويقين العابد00 فالداعي كل يوم يزداد يقينه علي ¬

_ (¬1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي. (¬2) سورة الروم – الآية32. (¬3) سورة الأنعام – الآية159. (¬4) في كتاب الإيمان _ باب ما جاء في افتراق هذه الأمة.

الغيبيات، وهكذا كل الأنبياء عليهم السلام. o الأمة لما صارت عُباد زادت الفتن. o صاحب الجهد يحفظ في مكان الفتنة، مثل: سيدنا لوط - عليه السلام -، قال: {رَبّ نّجِنِي وَأَهْلِي مِمّا يَعْمَلُون} (¬1). فقال الله تعالى: {فَنَجّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} (¬2). o أما العابد فيفتن في مكان العبادة، مثل: 1) بلعام بن باعوراء: قال تعالي: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلََكِنّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ} (¬3). قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءاتَيْنَاهُ ءايَاتِنَا} أنها العلم بكتب الله ¬

_ (¬1) سورة الشعراء – الآية 169. (¬2) سورة الشعراء – الآية170 .. (¬3) سورة الأعراف _ الآيتان 170، 176.

عز وجل، والمشهور في التفسير أنه بلعام بن باعوراء، وكان من أمره على ما ذكره المفسرون أن موسى عليه السلام غزا البلد الذي هو فيه، وكانوا كفارا، وكان هو مجاب الدعوة، فقال ملكهم: ادع على موسى، فقال: إنه من أهل ديني ولا ينبغي لي أن أدعو عليه، فأمر الملك أن تنحت خشبة لصلبه، فلما رأى ذلك، خرج على أتان له ليدعو على موسى، فلما عاين عسكرهم، وقفت الأتان فضربها، فقالت: لم تضربني، وهذه نار تتوقد قد منعتني أن أمشي؟ فارجع، فرجع إلى الملك فأخبره، فقال: إما أن تدعو عليهم، وإما أن أصلبك، فدعا على موسى باسم الله الأعظم أن لا يدخل المدينة، فاستجاب الله له، فوقع موسى وقومه في التيه بدعائه، فقال موسى: يا رب بأي ذنب وقعنا في التيه؟ فقال: بدعاء بلعم، فقال: يا رب فكما سمعت دعاءه علي، فاسمع دعائي عليه، فدعا الله أن ينزع منه الاسم الأعظم، فنزع منه. وقيل: إن بلعام أمر قومه أن يزينوا النساء ويرسلوهن في العسكر ليفشوا الزنا فيهم، فينصروا عليهم. وقيل: إن موسى قتله بعد ذلك. وروى السدي عن أشياخه أن بلعم أتى إلى قومه متبرعا، فقال: لا ترهبوا بني إسرائيل، فإنكم إذا خرجتم لقتالهم، دعوت عليهم فهلكوا، فكان فيما شاء عندهم من الدنيا، وذلك بعد مضي الأربعين سنة التي تاهوا فيها، وكان نبيهم يوشع لا موسى. قوله تعالى: {ءايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} أي: خرج من العلم بها. قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه ولهذا قال (فكان من الغاوين) أي من الضالين الهالكين الحائرين البائرين وقوله تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاٌّرْضِ} أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا ولحلنا بينه وبين المعصية بالآيات التي آتيناه إياها {وَلَاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاٌّرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتها وأقبل على لذاتها ونعيمها وغرته كما غرت غيره من أولي

البصائر والنهى، قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} وهذه الآية من أشد الآيات على أصحاب العلم، إذا مالوا عن العلم إلي الهوي وذلك لأنه تعالى بعد أن خص هذا الرجل بآياته وبيناته، وعلمه الاسم الأعظم، وخصه بالدعوات المستجابة، لما اتبع الهوى انسلخ من الدين وصار في درجة الكلب، وذلك يدل على أن كل من كانت نعم الله في حقه أكثر، فإذا أعرض عن متابعة الهدى وأقبل على متابعة الهوى، كان بعده عن الله أعظم، فمن آتاه الله العلم والدين فمال إلى الدنيا، وأخلد إلى الأرض، كان مشبها بأخس الحيوانات وهو الكلب اللاهث (¬1). 2) جريج العابد: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: “ لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدًا، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه، فتعرضت له، ¬

_ (¬1) انظر تفسير سورة الأعراف بزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، مفاتيح الغيب للرازي – وتفسير القرآن العظيم لابن كثير.

فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها. فحملت، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. قال: أين الصبي؟ فجاءوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبي يرضع من أمه، فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة، فقالت: “ اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع " فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فيه، فجعل يمصها، قال: " ومروا بجارية وهم يضربونها، ويقولون: زنيت سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل. فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها فقال: اللهم اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث فقالت: مر رجل حسن الهيئة فقلت: اللهم اجعل ابني مثله فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت: اللهم اجعلني مثلها؟! قال: إن ذلك الرجل كان جبارًا فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون لها زنيت، ولم تزن وسرقت، ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها " متفق عليه (¬1). 1) برصيصا العابد: ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيَءٌ مّنكَ إِنّيَ أَخَافُ اللهَ رَبّ الْعَالَمِينَ} (¬2) أن عابدا من ¬

_ (¬1) رياض الصالحين _.باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين (¬2) سورة الحشر – الآية 16.

بني إسرائيل كان يقال له برصيصا تعبد في صومعة له أربعين سنة لا يقدر عليه الشيطان، فجمع إبليس يوما مردة الشياطين، فقال: ألا أحد منكم يكفيني برصيصا؟ فقال الأبيض: وهو صاحب الأنبياء أنا أكفيكه، فانطلق على صفة الرهبان، وأتى صومعته، فناداه فلم يجبه وكان لا ينفتل عن صلاته، إلا في كل عشرة أيام، ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام، فلما رأى أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته، فلما انفتل برصيصا، اطلع فرآه منتصبا يصلي على هيئة حسنة، فناداه ما حاجتك؟ فقال: إني أحببت أن أكون معك، أقتبس من عملك، وأتأدب بأدبك، ونجتمع على العبادة، فقال برصيصا: إني لفي شغل عنك ثم أقبل على صلاته، وأقبل الأبيض يصلي، فلم يقبل إليه برصيصا أربعين يوما، ثم انفتل فرآه يصلي فلما رأى شدة اجتهاده، قال ما حاجتك؟ فأعاد عليه القول: فأذن له فصعد إليه، فأقام معه حولا لا يفطر إلا كل أربعين يوما، ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوما، وربما زاد على ذلك، فلما رأى برصيصا اجتهاده أعجبه شأنه وتقاصرت إليه نفسه، فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا: إني منطلق عنك، فإن لي صاحبا غيرك ظننت أنك أشد اجتهادا مما أرى، وكان يبلغنا عنك غير الذي أرى فاشتد ذلك على برصيصا، وكره مفارقته، فلما ودعه قال له الأبيض: إن عندي دعوات أعلمكها يشفي الله بها السقيم، ويعافي بها المبتلي، فقال برصيصا: إني أكره هذه المنزلة لأن لي في نفسي شغلا، فأخاف أن يعلم الناس بهذا،

فيشغلوني عن العبادة فلم يزل به حتى علمه إياها، ثم انطلق إلى إبليس فقال: قد والله أهلكت الرجل فانطلق الأبيض، فتعرض لرجل فخنقه، ثم جاءه في صورة رجل متطبب فقال لأهله: إن بصاحبكم جنونا فأعالجه قالوا: نعم فقال لهم: إني لا أقوى على جنيه ولكن سأرشدكم إلى من يدعو له فيعافى فقالوا له: دلنا قال انطلقوا إلى برصيصا العابد فإن عنده اسم الله الأعظم، فانطلقوا إليه فدعا بتلك الكلمات، فذهب عنهم الشيطان، وكان الأبيض يفعل بالناس ذلك، ثم يرشدهم إلى برصيصا، فيعافون، فلما طال ذلك عليه انطلق إلى جارية من بنات ملوك بني إسرائيل، لها ثلاثة إخوة، فخنقها، ثم جاء إليهم في صورة متطبب، فقال أعالجها؟ قالوا: نعم. فقال إن الذي عرض لها مارد لا يطاق، ولكن سأرشدكم إلى رجل تدعونها عنده، فإذا جاء شيطانها دعا لها، قالوا: ومن هو؟ قال بريصصا، قالوا فكيف لنا أن يقبلها منا وهو أعظم شأنا من ذلك؟ اقال إن قبلها، وإلا فضعوها في صومعته، وقولوا له: هي أمانة عندك، فانطلقوا إليه فأبى عليهم، فوضعوها عنده. وفي بعض الروايات أنه قال: ضعوها في ذلك الغار، وهو غار إلى جنب صومعته، فوضعوها، فجاء الشيطان فقال له: انزل إليها فامسحها بيدك تعافى، وتنصرف إلى أهلها، فنزل، فلما دنا إلى باب الغار دخل الشيطان فيها، فإذا هي تركض، فسقطت عنها ثيابها، فنظر العابد إلى شيء لم ير مثله حسنا وجمالا، فلم يتمالك أن وقع عليها، وضرب على أذنه، فجعل يختلف إليها إلى أن حملت، فقال له الشيطان: ويحك يا برصيصا قد افتضحت، فهل لك أن تقتل هذه وتتوب؟ افأن سألوك عنها قلت: جاء شيطانها، فذهب بها، فلم يزل بها حتى قتلها، ودفنها، ثم رجع إلى صومعته، فأقبل على صلاته إذ جاء إخوتها يسألون عنها، فقالوا: يا برصيصاا ما فعلت أختنا؟ قال: جاء شيطانها فذهب بها، ولم أطقه، فصدقوه، وانصرفوا. وفي بعض الروايات أنه قال: دعوت لها، فعافاها الله، ورجعت إليكم، فتفرقوا ينظرون لها أثرا، فلما أمسوا جاء الشيطان إلى كبيرهم في منامه، فقال: ويحك: إن

برصيصا فعل بأختك كذا وكذا. وإنه دفنها في موضع كذا من جبل كذا، فقال: هذا حلم، وبرصيصا خير من ذلك، فتتابع عليه ثلاث ليال، ولا يكترث، فانطلق إلى الأوسط كذلك، ثم إلى الأصغر مثل ذلك، فقال الأصغر لإخوته: لقد رأيت كذا وكذا، فقال الأوسط: وأنا والله، فقال الأكبر: وأنا والله، فأتوا برصيصا، فسألوه عنها: فقال: قد أعلمتكم بحالها، فكأنكم اتهمتموني، قالوا: لا والله، واستحيوا، وانصرفوا، فجاءهم الشيطان فقال: ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا وكذا، وإن إزارها لخارج من التراب، فانطلقوا، فحفروا عنها، فرأوها، فقالوا: يا عدو الله لم قتلتها؟ اهبط. فهدموا صومعته، ثم أوثقوه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم قادوه إلى الملك فأقر على نفسه، وذلك أن الشطيان عرض له، فقال: تقتلها ثم تكابر، فاعترف، فأمر الملك بقتله وصلبه، فعرض له الأبيض، فقال: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات، ويحك ما اتقيت الله في أمانة خنت أهلها، أما استحييت من الله؟ األم يكفك ذلك حتى أقررت ففضحت نفسك وأشباهك بين الناس؟ افإن مت على هذه الحالة لم تفلح، ولا أحد من نظرائك، قال: فكيف أصنع؟ قال: تطيعني في خصلة حتى أنجيك، وآخذ بأعينهم، وأخرجك من مكانك، قال: ما هي؟ قال: تسجد لي، فسجد له، فقال: هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك أن كفرت {إِنّى بَرِاء مّنكَ} ثم قتل. فضرب الله هذا المثل لليهود حين غرهم المنافقون، ثم أسلموهم (¬1). ¬

_ (¬1) زاد المسير في علم التفسير - تفسير سورة الحشر.

وعن ابن عباس أنه قال: إن الشياطين قالوا يا سيدنا مالنا نراك تفرح بموت العالم ولا تفرح بموت العابد والعالم لا تصيب منه والعابد تصيب منه .. ؟ قال: فانطلقوا .. فانطلقوا إلى عابد فأتوه فى عبادته قالوا إنا نريد أن نسألك فانصرف. فقال ابليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا فى جوف بيضة .. ؟ فقال: لا أدرى. فقال: أترونه كفر فى ساعة. ثم جاءوا إلى عالم فى حلقته يضحك أصحابه ويحدثهم فقالوا إنا نريد أن نسألك .. فقال سل: فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا فى جوف بيضة .. ؟ قال: نعم. قالوا كيف ... ؟ قال: يقول كن فيكون. فقال ابليس: أترون ذاك لا يعدوا نفسه وهذا يفسد عليَّ عالماً كثيراً. ورويت هذه الحكاية من وجه آخر: أنهم سألوا العابد فقالوا: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه فقال العابد: لا أدرى. فقالوا أترونه تنفعه عبادته مع جهله، وسألوا العالم عن ذلك فقال: هذه المسألة محال .. لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً فلا يكون مثله بل كان عبداً من عبيده وخلقاً من خلقه. فقال أترون هذا يهدم فى ساعة ما أبنيه فى سنين (¬1). ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة - ابن القيم.

وهكذا يوقع الشيطان العباد في الفتن والمعاصي ويخرجهم من الدين، ولكنه لا يستطيع أن يقترب من الداعي، لأن العابد منشغل بنفسه ومقبل على عبادة ربه والعالم منشغل بمعرفة ربه ودعوة الخلق إليه. o فصلاح عبودية العابد يفضل له الخلوة، وإذا خرج من الخلوة يتأثر بالفتن00 ولكن لصلاح الداعي يفضل له الحركة في الدعوة، ولا يتأثر من الفتن، بل الفتن تقوي عبوديته. o العابد ملذاته في عبادته .. والداعي يُضحي بملذاته لهداية غيره، فيجعل الله - عز وجل - ملذاته في دعوته. o العابد يحقر العاصي ويغضب عليه، فمزاجه غضبي خاصة مع العصاة00 والداعي يتأسف ويحزن ويشفق ويرحم علي العصاة. o بسمة الداعي في وجه العاصي، أحبُ إلي الله - عز وجل - من بكاء العابد في سجوده00 لأن بسمة الداعي في وجه العاصي لإنقاذه من النار، والعابد يبكي لإنقاذ نفسه. o البكاء في وجه الناس ينفرهم، فمن صفات الداعي: بكاءً بالليل، بساما بالنهار. o البسمة نهارا وجهراً .. والبكاء ليلا وسراً. o نافلة الداعي خير من فريضة العابد، لأنها سببا لنشر الدين وهداية الخلق. o بدء السلام نافلة، ورد السلام فرض .. ونافلة السلام خير من فريضة الرد .. الخير بالخير والبادئ أرحم. o فالداعي استثمر السنة لإقامة الفرض00 فلو استثمر فرض لأقام أفراد علي الحق .. فالصحابة - رضي الله عنهم - في فتح مكة أفطروا في نهار رمضان، فهم ضحوا بالفرض لإحياء آلاف وملايين الناس علي الإيمان والأعمال حتى قيام الساعة. o الكفار يتأثرون بنور نافلة الداعي، مثل: آداب الطعام 00 آداب النوم 00 وإذا

تأثروا أسلموا ثم يأتي عندهم جميع الفرائض والسنن .. فاستثمار الفريضة يأتي بمليارات الفرائض. o العابد مثل: مصباح يضيء في حجرة 00 أما الداعي مثل الشمس تستنير بها الدنيا كلها. o غبار الداعي وهو متحرك في الدعوة خير من مسك العابد، ففي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يلج النار رجل بكي من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (¬1) 0 وأرسل عبد الله بن المبارك، إلى: فضيل بن عياض، رسالة قال فيها: يا عابد الحرمين لوأبصرتنا ... لعلمت أنك فى العبادة تلعبُ من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدماءنا تخضبُ أو كان يتعب خيله فى باطلٍ ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ ريح العبير لكم ونحنُ ... عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيبُ ولقد آتانا من فعال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذبُ لا يستوى غبار خيل الله ... فى أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب وهذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذب ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - كتاب الجهاد - باب وجوب الجهاد وفضل الغدوة والروحة

o وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. متفق عليه (¬1) هذا فم الصائم، فما بالنا بفم الداعي إلي الله .. o الداعي عنده الإيثار وليس الاستئثار، قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2). o الداعي مثل: الذي يزرع شجرة المانجو 00 والداعي مثل: الذي يشرب عصير المانجو. فالذي يشرب يجد لذة بدنية 00 أما الذي يزرع ويسقي الزرع، يجد لذة روحية، وهو أول من يجني ثمرة زرعه، فالداعي يستفيد من دعوته قبل استفادة المدعو. o الأمة المسلمة، الله - عز وجل - مدحها وهي تشرب الخمر في مكة00 بأي شيء؟ إنها العبودية: قال تعالى: {وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما * وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً* وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذَابَ جَهَنّمَ إِنّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} (¬3). وصفهم بأنهم عباده 00 الله - سبحانه وتعالى - يمجد أعظم عبودية حققتها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رياض الصالحين - باب وجوب الصوم. . (¬2) سورة الحشر – الآية 9. (¬3) سورة الفرقان – الآيات من 63: 65.

00 وفي ذلك الحين ما زالوا يشربون الخمر لأنها حُرمت في المدينة، وما صاموا رمضان لأن الصوم فرض في السنة الثانية للهجرة00 وما حجوا لأن الحج فرض في السنة التاسعة للهجرة. والله - سبحانه وتعالى - يخاطبهم: {وَعِبَادُ الرّحْمََنِ} فكانت فيهم العبودية الكاملة لله تعالي من أول يوم، بل من أول لحظة 00 وتجلي ذلك عليهم عندما نزل عليهم ألوان العذاب، بسبب إسلامهم، ولم يتراجعوا عن عبوديتهم لله تعالي 00 فمشقة القيام بالصلاة والصيام والزكاة والحج وتلاوة القرآن، لا يذكر بجانب العذاب الذي وقع عليهم، مثل الذي وقع علي (بلال وصهيب وعمار بن ياسر وأسرته وخباب والمقداد). يا الله! أي عبودية أجمل من عبودية مجدها الله - عز وجل - {يَمْشُونَ} فالمشي علي الأرض لتذكير الغافلين، هو عند الله أعظم عبودية بالنهار، كما أن أعظم عبودية لموسي - عليه السلام - مشيه في النهار لدعوة فرعون {اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ} (¬1). {يَمْشُونَ} فعل يفيد الحال والاستقبال 00 يعني هذا شأنهم، هذا مقصد حياتهم00 عمل يومي وحتى الموت. ما أجملها من صفات {يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} يمشون علي الأرض ¬

_ (¬1) سورة طه – الآية24، والنازعات الآية 17.

في لين وتواضع وسكينة ووقار، ولا يتبخترون في مشيتهم، مع ما يحملون (أعظم دين أنزله الله - عز وجل - للبشرية، ويتحركون بهذه الصفات التي غيرت مجري حياتهم، لينشروا دين الله - عز وجل -، ومع ذلك لا يجهلون علي أحد إذا تعرض لهم بالإيذاء عندما يعرضون عليه الدعوة، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما} استخدام القوة الخُلقية لإعلاء كلمة الله - عز وجل -. فهذه سيرتهم بالنهار، يتحملون أذي الخلق لهم عندما يدعونهم إلي الله - عز وجل -. أما سيرتهم بالليل: يشتغلون بالتملق (¬1) إلي الله - عز وجل - أن ينزل رحمته عليهم وعلي عباده: {وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً} (¬2). ¬

_ (¬1) يروي أن الله تعالي أوحي إلي بعض عباده: إن لي عبادا من عبادي يحبوني وأحبهم ويشتقون إليَّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم، وينظرون إليَّ وأنظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك، قال: يارب! وما علاماتهم؟ قال: يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي الشفيق غنمه، ويحنون إلي غروب الشمس كما يحن الطائر إلي وكره عند الغروب، فإذا جنهم الليل واختلط بالظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة، وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إليَّ أقدامهم وافترشوا إليَّ وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إليَّ بإنعامي، فبين صارخ وباكٍ وبين متأوه وشاكٍ، وبين قائم وقاعد، وبين راكعٍ وساجد بعيني ما يتحملون من أجلي وبسمعي ما يشتكون من حبي، أول ما أُعطيهم ثلاث: أقذف في قلوبهم من نوري فيخبرون عني كما أُخبر عنهم، والثانية: لو كانت السموات والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللتها لهم، والثالثة: أُقبل بوجهي عليهم فتري من أقبلت بوجهي عليه لا يعلم أحد ما أريد أن أُعطيه (إحياء علوم الدين للغزالي). (¬2) سورة الفرقان _ الآية 64.

{يِبِيتُونَ}: تفيد الاستمرار كل ليلة وحتى الموت. الحركة الليلية بين يدي الله - عز وجل - من أجل هداية الناس .. ليلك من أجل الناس 00 ونهارك من أجل الناس 00 وتحمل المشقة من أجل الناس. قال العلماء: شرع الله - عز وجل - قيام الليل لهذه الأمة، قبل أن يشرع الصلوات الخمس 00 فما الحكمة من مشروعية قيام الليل، قبل مشروعية الصلوات الخمس؟ والحكمة من ذلك: o أن أول مطلب لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: من ينصرني؟ أي من يشتغل معيَّ بالدعوة إلي الله - عز وجل - .. وربنا - سبحانه وتعالى - أعطانا عبودية الدعوة بكل مطالبها، ومن مطالبها: {أدْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ 00 وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ 00خُذِ الْعَفْوَ 00 اذْهَبْ 00 يَمْشُونَ 00 قُمْ فَأَنذِرْ 00 قُمِ الْلّيْلَ} والجاهل هنا من هو؟ أهو الجاهل بالزراعة؟ أم هو الجاهل بالصناعة أو التجارة؟ الجاهل: هو الذي ما عرف ربه 00 الذي عظم المخلوق وما عظم الخالق 00 الذي عظم الأموال 00 وما عظم الأعمال 00 عظم دنياه وما عظم آخرته 00 هذا كافر، والله تبارك وتعالي هذا الجاهل: مجرم، ِ قال تعالي: {إنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * َإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * َإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى

الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (¬1). قال تعالي: {َلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (¬2). وسماه الله - عز وجل -: جاهل حتى يأتي في قلوبنا الرحمة عليه 00 ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - في أشد الأحوال عليه يقول: " اللهم! اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ". وبسبب جهل الناس هم {يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} تواضعا لخلق الله يدعونهم إلي الله - عز وجل -، ويتعبون أبدانهم {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما} يُذلون أنفسهم من أجل هداية الناس، أما القعود فهو عزة للنفس مع راحة البدن (فيما يبدو وليس كذلك) مع تضييع دين الله. - عز وجل - يا سلام عزة نفس مع راحة البدن، مع تضييع دين الله - عز وجل -، وسيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - يمشي إلي الطائف علي الأقدام ما استخدم الحمار ليركبه، حتى يتشرف بإتعاب بدنه في سبيل الله. - عز وجل - مشى - صلى الله عليه وسلم - علي قدميه، وليست قدميك أعظم حرمة من قدميه00 فمشي من مكة إلي الطائف 00 هذا المشي لا يستطيع أكبر رياضي أن يتحمله. لما وصل إلي الطائف ما كانت نهاية التعب، فلو استقبله أهل الطائف كما ¬

_ (¬1) سورة المطففين – الآيات من 30: 35. (¬2) سورة السجدة – الآية 12.

استقبله أهل المدينة بدق الطبول، ويغنون: طلع البدر علينا ... فلو فعلوا ذلك فما كان تحقق كمال العبودية. الله - سبحانه وتعالى - قدر عليه استقبال الطائف، قبل أن يقدر له استقبال المدينة، واحترامهم وحبهم له 00فربنا - سبحانه وتعالى - يقدر الأحوال المخالفة علي الداعي حتى يُربيه أولا، وبعد ذلك تأتي الأحوال الموافقة له 00 حتى الناس يعرفوا قدره وينتشر الدين. فالأحوال المخالفة لك، والموافقة من أجل غيرك حتى يفهموا دين الله - عز وجل -. كيف استقبل أهل الطائف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد التعب؟ استقبل أهل الطائف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر استقبال، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبى - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: " لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهى، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسى، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فنادانى فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فنادانى ملك الجبال، فسلم على ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثنى ربى إليك لتأمرنى بأمرك، فما شئت: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: " بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ". متفق عليه (¬1). أعجب وأجمل صفة عند العرب قبل الإسلام هي صفة الكرم، خاصة إكرام ¬

_ (¬1) رياض الصالحين _ باب العفو والإعراض عن الجاهلين.

الضيف، فهذا شاعرهم الجاهلي يفتخر بكلمة ما نستطيع أن نقولها نحنُ، يقول: وإني لعبد الضيف مادام نازلا ... وليس لي شيمة مثلها لشيمة العبد عبودية الخدمة لا عبودية الركوع والسجود. فهؤلاء الذين تفاخروا بإكرام الضيف، وعُرفوا بالكرم، لسان حالهم، يقول: كل الضيفان يستحقوا الكرم، إلا هذا الضيف (محمد - صلى الله عليه وسلم - سيد البشرية جمعاء) 00وربنا - سبحانه وتعالى - شرفه بإذلال نفسه، لأن عزة النفس بإذلالها من أجل الله - سبحانه وتعالى - (¬1) وما يستطيع أحد أن يُعز نفسه بنفسه، فمصادر العزة منه لأنه (المعز - جل جلاله -). معني العبودية: هي غاية الحب مع غاية الذل .. فهل عندك قدرة علي أن تُذل نفسك (¬2)؟ ¬

_ (¬1) قيل: الجنة عروس ومهرها قهر النفوس. (¬2) يقول ابن القيم (رحمه الله): ومنها أن يكمل لعبده مراتب الذل والخضوع والانكسار بين يديه والافتقار إليه فإن النفس فيها مضاهاة للربوبية ولو قدرت لقالت كقول فرعون ولكنه قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر وإنما يخلصها من هذه المضاهاة ذل العبودية وهو أربع مراتب: المرتبة الأولى: مشتركة بين الخلق وهي ذل الحاجة والفقر إلى الله فأهل السموات والأرض جميعا محتاجون إليه فقراء إليه وهو وحده الغني عنهم وكل أهل السموات والأرض يسألونه وهو لا يسأل أحدا. المرتبة الثانية: ذل الطاعة والعبودية وهو ذل الاختيار وهذا خاص بأهل طاعته وهو سر العبودية. المرتبة الثالثة: ذل المحبة فإن المحب ذليل بالذات وعلى قدر محبته له يكون ذله فالمحبة أسست على الذلة للمحبوب، كما قيل: اخضع وذل لمن تحب فليس في ... حكم الهوى أنف يشال ويعقد وقال آخر: =مساكين أهل الحب حتى قبورهم ... عليها تراب الذل بين المقابر المرتبة الرابعة: ذل المعصية والجناية.= فإذا اجتمعت هذه المراتب الأربع كان الذل لله والخضوع له أكمل وأتم إذ يذل له خوفا وخشية ومحبة وإنابة وطاعة وفقرا وفاقة، وحقيقة ذلك هو الفقر الذي يشير إليه القوم وهذا المعنى أجل من أن يسمى بالفقر بل هو لب العبودية وسرها وحصوله أنفع شيء للعبد وأحب شيء إلى الله (مدارج السالكين – باب أسرار حقيقة التوبة 1/ 228) ويحكى عن بعض العارفين أنه قال: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول حتى جئت باب الذل والافتقار = فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ولا مزاحم فيه ولا معوق فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه يقول: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية وقال بعض العارفين: لا طريق أقرب إلى الله من العبودية ولا حجاب أغلظ من الدعوى ولا ينفع مع الإعجاب والكبر عمل واجتهاد ولا يضر مع الذل والافتقار بطالة يعني بعد فعل الفرائض والقصد: أن هذه الذلة والكسرة الخاصة تدخله على الله وترميه على طريق المحبة فيفتح له منها باب لا يفتح له من غير هذه الطريق وإن كانت طرق سائر الأعمال والطاعات تفتح للعبد أبوابا من المحبة لكن الذي يفتح منها من طريق الذل والانكسار والافتقار وازدراء النفس ورؤيتها بعين الضعف والعجز (المرجع السابق)

فالذي يذل نفسها من أجل الله - عز وجل -، فالله - سبحانه وتعالى - يُعزها بقدرته وحده، والذي يريد أن يُعز نفسه بنفسه فالله - سبحانه وتعالى - يُذلها بقدرته وحده، مثل فرعون: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (¬1). فالذي لا يتحرك ويظن أن أن هذه عزة، فقد خدع نفسه، لأنها عزة وهمية وليست حقيقية، والشيطان يضحك عليه. ¬

_ (¬1) سورة الزخرف– الآية51.

كل أهل الطائف جاهلون والنبي - صلى الله عليه وسلم - صبر عليهم حتى دخلوا في الإسلام، وخرج من ثقيف: محمد بن القاسم الذي كان سببا لنشر الإسلام في بلاد الهند، وهنالك قبره يشهد عليه. الجاهل سبك، شتمك، ما عليك إلا أن تسامحه وتدعو له، وتقوم أمام الله في الليل وتقول: يارب! اجعل صبري عليه سببا لهدايته. يتجولون ويتحركون في الدعوة، فإذا مرو باللغو، قال تعالى: {وَالّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزّورَ وَإِذَا مَرّوا بِاللّغْوِ مَرّوا كِراماً} (¬1). فأهل الجهد مشغولون بجهدهم ما عندهم وقت فراغ للرد علي أهل الباطل لانشغالهم بالحق، قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (¬2). مشغولين لأن الناس ستموت علي الكفر. الداعي كل يوم يمشي {يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} وكل يوم يمشى في الدعوة يجعل الله له نورا يمشي به {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ} (¬3). o بدون النور يتخبط الإنسان في الظلمات. ¬

_ (¬1) سورة الفرقان _ الآية72. (¬2) سورة القصص – الآية 55. (¬3) سورة الفرقان _ الآية 64.

فما هو النور؟ نور الإيمان 00 نور العبادات 00 نور جمال المعاملات 00 نور جمال المعاشرات. o نور العابد مثل مصباح البيت، يختبئ في مغارة، في مسجد، ينعزل عن الناس. o مصادر الثروة عند الداعي: 1) المصدر الأول: أن تُعطي ما عندك للناس .. ولكن ماذا عندنا؟ العمر قليل 00 والمال قليل 00 والعلم قليل 00 والتضحية قليل00 فهذا المصدر من أضعف المصادر فما علينا إلا أن ننوي دعوة كل الناس، وندعو الله أن يهدي كل الناس، وننوي أن نُكرم كل الناس، فرب عمل صغير عظمته النية 00 ورب عمل كبير صغرت النية. 2) المصدر الثاني: السريرة الصالحة، فيخاطب الإنسان نفسه: _ وددتُ لو أن عندي وادٍ من دقيق فأنفقه في سبيل الله. _ وددتُ أن يكون بعدد كل شعره فى جسدى نفسٍ تقتلُ فى الله تعالي. _ وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله وأن لحمى قرض بالمقاريض. _ وددتُ لو أن الله هدي الخلق أجمعين. _ وددت أن الله يحركني في العالم بالدعوة إلي الله. _ وددت أن يرزقني الله صفات الأنبياء. فيأتي عندنا الترقي في السيرة والسريرة.

3) المصدر الثالث: {أَوْ تَعْفُوا عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (¬1) العابد لا يسيء إليه أحد في ركوع ولا سجود 00 فالذين اعتزلوا الناس يعبدون الله في مساجدهم ما أساء إليهم أحد 00 وما أكثر الإساءة إلي الداعية عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد أخفت فى الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت فى الله لم يؤذى أحد " (أخرجه أحمد والترمذى وابن حبان وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح) (¬2). ولم يحتمل أحد فى الله ما احتمله - صلى الله عليه وسلم -، وما انتقم لحظة واحدة ممن آذاه. (أَوْ تَعْفُوا عَن سُوَءٍ) سبك 00 شتمك 00 قطعك 00 فسقك 00 زندقك 00 كفرك 00 فاصبر، واعفُ، وعظم، الثروة الإيمانية. o وقال تعالي: {َإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} (¬3) حتى يأتي المصدر الثالث (العفو): {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬4). هذه المصادر تجعلك ثريا في إيمانك. o قال تعالي: {إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (¬5) ¬

_ (¬1) سورة النساء _ الآية149. (¬2) مشكاة المصابيح – كتاب الرقاق – باب فضل الفقراء – 3/ 1464. (¬3) سورة الفرقان _ الآية41. (¬4) سورة آل عمران – الآية 134. (¬5) سورة النساء _ الآية149.

نعم هذا الخير أظهرناه فاجتمعنا من أجل الله - عز وجل -، ونَخرجَ، ونُخرجَ الجماعات في سبيل الله - عز وجل -، {أو تخفوهَ} فنخفي في صدورنا المحبة لكل الناس، ونخفي في صدورنا أننا نتمني أن البشرية كلها تركع وتسجد لله - عز وجل -، نخفي في صدورنا حبنا لسعادة البشرية كلها. o ما أحد يُسيء لك وأنت تجلس في بيتك، ففي ذات مرة قال لي رجل: يا شيخ! أنت عاقل وبتفهم، وما شاء الله عندك مؤهل علمي00 أين الدليل علي الخروج في سبيل الله - عز وجل -؟ فقلتُ له: لا الخروج ولا القعود يهمنا _ الذي يهمنا إحياء الدين _ أعطيني أنت برهان للقعود عن إحياء الدين 00 هات دليل علي أن القعود عن الحركة للدين، يحي الدين، عايزين وسيلة لإحياء الدين00 ها قعد وأُقعدَ، تضيع وتُضيع الآخرين. o يحي الدين بكلمتين: أتحرك في سبيل الله - عز وجل - وأُحرك غيري 00 أركع لله وأُركع غيري، أسجد لله وأُسجد غيري، أذكر الله وأُذكر غيري لله. o خذل بنو إسرائيل جهد نبيهم موسي - عليه السلام - بثلاث كلمات: الكلمة الأولي: إنا. الكلمة الثانية: ها هنا. الكلمة الثالثة: قاعدون. وبهذا الخذلان آذوا موسي - عليه السلام - .. والله تبارك وتعالي حذرنا من هذا الإيذاء (إيذاء الأنبياء)، قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ آذَوْا مُوسَىَ فَبرّأَهُ اللهُ مِمّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهاً} (¬1)، ولذا ذكر الله عز وجل في سورة الصف بعد آية القتال: {ِإنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب _ الآية69.

صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (¬1) فقال في الآية التي تليها: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (¬2) يقول الإمام الفخر الرازي: (في تفسير قوله تعالي): {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ آذَوْا مُوسَىَ} لما بين الله تعالى أن من يؤذي الله ورسوله يلعن ويعذب وكان ذلك إشارة إلى إيذاء هو كفر، أرشد المؤمنين إلى الامتناع من إيذاء هو دونه وهو لا يورث كفرا، وذلك مثل من لم يرض بقسمة النبي عليه السلام وبحكمه بالفيء لبعض وغير ذلك فقال: (كبيرا) {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ آذَوْا مُوسَىَ} وحديث إيذاء موسى مختلف فيه، قال بعضهم: هو إيذاؤهم إياه بنسبته إلى عيب في بدنه (¬3)، ¬

_ (¬1) سورة الصف _ الآية4. (¬2) سورة الصف _ الآية5. (¬3) كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن موسي كان رجلا حييا ستيرا لا يري من جلده شيء استحياء، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما تستر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص، وإما أُدرة، وإن الله أراد أن يبرئه، فخلا يوما وحده ليغتسل، فوضع ثوبه علي حجر، ففرَّ الحجر بثوبه، فجمح موسي في أثره يقول: ثوبي يا حجر! حتي انتهي إلي ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عُريانا أحسن ما خلق الله، وقالوا: والله ما بموسي من بأس، وأخذ ثوبه، وطفق بالحجر ضربا، فو الله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا" متفق عليه (مشكاة المصابيح _ كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق _ باب بدء الخلق وذكر الأنبياء3/ 1590). والأدرة: نفخة بالخصية.

وقال بعضهم: إن قارون قرر مع امرأة فاحشة حتى تقول عند بني إسرائيل إن موسى زنى بي فلما جمع قارون القوم والمرأة حاضرة ألقى الله في قلبها أنها صدقت ولم تقل ما لقنت (¬1) وبالجملة الإيذاء المذكور في القرآن كاف وهو أنهم قالوا له: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلآ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (¬2). وقولهم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (¬3) وقولهم: {لَن نّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ} (¬4) إلى غير ذلك فقال للمؤمنين لا تكونوا أمثالهم إذا طلبكم الرسول إلى القتال أي لا تقولوا: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلآ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (¬5). ¬

_ (¬1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال .. عندما أتى موسى قومه أمرهم بالزكاة فجمعهم قارون فقال لهم جاءكم بالصلاة وجاءكم بأشياء فتحملتموها فتحملوا أن تعطوه أموالكم، فقالوا: لا نتحمل أن نعطيه أموالنا فما ترى، فقال: لهم أرى أن أرسل إلى بغى بنى إسرائيل فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها فدعا موسى - عليه السلام - عليهم فأمر الله الأرض أن تطيعه فقال موسى للأرض خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم فجعلوا يقولون يا موسى .. يا موسى، ثم قال للأرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم فجعلوا يقولون يا موسى .. يا موسى، ثم قال للأرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فجعلوا، يقولون: يا موسى .. يا موسى، فقال للأرض خذيهم فأخذتهم فغيبتهم فأوحى الله إلى موسى - عليه السلام - سألك عبادى وتضرعوا إليك فلم تجبهم وعزتى لو أنهم دعونى لأجبتهم قال ابن عباس وذلك قول الله - عز وجل -: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} خسف به إلى الأرض السفلى (رواه الحاكم في المستدرك 2/ 408). (¬2) سورة المائدة _ الآية24. (¬3) سورة البقرة _ الآية55. (¬4) سورة البقرة _ الآية62. (¬5) سورة المائدة _ الآية24.

ولا تسألوا ما لم يؤذن لكم فيه: وإذا أمركم الرسول بشيء فأتوا منه ما استطعتم ... (¬1). ولما خذل بنو إسرائيل جهد نبيهم، ما كان باعتبارهم، يقعدوا أربعين سنة، مثلما يقول لك أحد الناس، عندما تشكله علي الخروج في سبيل الله - عز وجل -: الأسباب غير مساعدة 00 لما الأحوال تتحسن 00 والفقير يقول لما الأحوال تتغير 00 يعني بعض شهر شهرين، يا موسي {إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} فماذا أعطاهم الله - عز وجل -، علي هذا القعود؟ قعدهم أربعين سنة جبرا ً: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬2). فالله - عز وجل - حرمهم من الجهد 00 فجزاء القعود التقعيد. فنستغفر الله - سبحانه وتعالى -، كما قال مشايخنا: عن كل لحظة، بل عن كل ساعة نجلس فيها عن هذا الجهد، سواء قعود بدني، أو قعود بالعواطف، بدون همٍ، فلا بد أن تكون الهموم الدعوية طوال 24 ساعة، فكل دقيقة ما فكرنا في الدعوة نستغفر الله عليها. o إذا جلس الزراع وقعدوا وأضربوا عن عمل الزراعة، ماذا يحدث ... في الدنيا؟ فالنتيجة: يموت الناس جوعا. وإذا أضربت أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وجلست وقالت: الدعوة ليست مسئوليتنا، ماذا يحدث في العالم؟ فالنتيجة: تموت القلوب، ويموت الناس علي كفرهم ويدخلون نار جهنم والعياذُ بالله0 o تعبدنا الله - سبحانه وتعالى - بـ: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ¬

_ (¬1) تفسير مفاتيح الغيب – تفسير سورة الإحزاب (¬2) سورة المائدة _ الآية26.

وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ َ} (¬1). وتعبدنا بـ {وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2). وتعبدنا بـ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬3) كل هذا قبل أن يتعبدنا بالحج والصوم والزكاة. o عبودية هذه الأمة كملت 100 %، فالله - سبحانه وتعالى - فتح لهم أبواب السماء، قال تعالى: {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ} (¬4). o كمل الله - سبحانه وتعالى - لهذه الأمة عبوديتها، قبل أن يكمل تشريعها. o ما الفرق بين كمال التشريع وكمال العبودية؟ * كمال التشريع: هو نزول كل الأوامر من عبادات (صلاة .. صوم .. زكاة .. حج) ومعاملات ومعاشرات وأخلاق. * وكمال العبودية: أن يكون عندك استعداد لقبول الأوامر، سواء قبل نزول التشريع أو بعد نزوله. فذم الله - سبحانه وتعالى - بني إسرائيل لأنهم ليس عندهم كمال العبودية، قال تعالى: {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُس َكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُمْ مّا فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتاً} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة النحل - الآية 125. (¬2) سورة القصص - الآية 87. (¬3) سورة الأعراف – الآية 199 (¬4) سورة الإسراء – الآية 1. (¬5) سورة النساء – الآية 66.

عن أبي إسحاق السبيعي قال لما نزلت {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} الآية قال رجل لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ". وعن الأعمش قال لما نزلت {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} الآية قال أناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لو فعل ربنا لفعلنا فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي". وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود فقال اليهودي والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت: والله لو كتب علينا {أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} لفعلنا فأنزل الله هذه الآية. وعبد الله بن الزبير قال لما نزلت {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو أنزلت لكان ابن أم عبد منهم ". وعن شريح بن عبيد قال لما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ} الآية أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال: " لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل" يعني ابن رواحة (¬1). o لو أن إنسان نائم وعنده استعداد لامتثال أي أمر من أوامر الله - سبحانه وتعالى -، فهو في نومه أعظم قدراً عند الله - سبحانه وتعالى -، من إنسان ساجد ويبكي وما عنده استعداد أن يُضحي من أجل أمر الله - سبحانه وتعالى -. o { يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً}: استخدام القوة البدنية في سبيل الله، لإحياء دين الله - عز وجل -. ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير.

o { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما} استخدام القوة الخُلقية، لإعلاء كلمة الله - عز وجل -. o معلم .. مفتي: استخدام القوة العلمية. o مقاتل في سبيل الله: يستخدم القوة الغضبية. o الداعي: يستخدم القوة الخُلقية. o سلاح إبراهيم - عليه السلام -: {إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مّنِيبٌ} (¬1). o أمدح آية في القرآن للداعي هي: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬2). o فالجهد قسمان: بدني، وخُلقي. o مقصد الجهد البدني: {يَمْشُونَ} هو توصيل الهداية للناس من خلال العواطف والأخلاق والمحاسن إلي الناس. o انظر لرد الأقوام السابقين علي أنبيائهم: * قالوا لسيدنا نوح - عليه السلام -: {إِنّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ} (¬3). * وقالوا لسيدنا هود - عليه السلام -: {إِنّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنّا لَنَظُنّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (¬4). فهل الرد الخُلقي أن يرد نوح - عليه السلام - ويقول: أنا لستُ ضال أنتم الضالون00 أنا نبي!. ويرد هود - عليه السلام - ويقول: أنا لستُ سفيه أنتم السفهاء00 أنا نبي!. ¬

_ (¬1) سورة هود – الآية 75. (¬2) سورة القلم – الآية 4. (¬3) سورة الأعراف – الآية60. (¬4) سورة الأعراف – الآية60.

هناك شيئين: إما لا ترد وتصبر (وهذا أعلاهما منزلة) 00 وإما أن ترد بالأدب0 فرد نبي الله نوح - عليه السلام - بالأدب وقال: {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنّي رَسُولٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ} (¬1). ورد نبي الله هود - عليه السلام - بالأدب وقال: {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنّي رَسُولٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ} (¬2). ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أعلي درجة ممن سبقه من الأنبياء، ما أُثر عنه أنه رد مطلقا 00 فكم قيل عنه: أنه مجنون؟!! وكم قيل عنه أنه ساحر؟!! وكم قيل عنه أنه: شاعر 00 وأنه كاهن!!! فلما قالوا عنه: أنه شاعر، وأنه كاهن، فلم يرد عن نفسه، ورد الله - عز وجل - عنه فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (¬3). ولما قالوا عنه أنه: مجنون، فما رد عن نفسه ولكن الله - عز وجل - رد عنه، وقال: {نَ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُون} (¬4) وقال الله - سبحانه وتعالى - {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} (¬5). وقالوا عنه: أبتر 00 أي يموت أولاده صغارا فلا يبقي له أحد. ومارد عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أبتر وذكري مرفوع في السماء؟!! 00 ¬

_ (¬1) سورة الأعراف – الآية61. (¬2) سورة الأعراف – الآية67 (¬3) سورة الحاقة – الآيات من 40:42. (¬4) سورة القلم – الآيتان 1، 2. (¬5) سورة التكوير _ الآية 22.

وربه - سبحانه وتعالى - يتولي الرد عنه: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (¬1) أي من كان في قلبه مثقال ذرة من بغضك، فهو الأبتر المقطوع. فقد انشغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتعظيم الله - عز وجل -، وتمجيده، وتعظيم حرماته 00 فالله كرمه، وعظمه، ورفع ذكره ودافع عنه. o الدعوة: أن يمتلئ قلبك حبا لإنابة وهداية الخلق إلي الله - عز وجل -. o عبادة موسي - عليه السلام - المشي إلي فرعون 00 وفي نفس الوقت عبادة الإسرائيلي التسبيح والركوع والسجود والبكاء والتضرع أمام الله - عز وجل -. o فمن أعبدُ لله - عز وجل - الإسرائيلي ساجداً، مسبحا، باكيا، أم موسي - عليه السلام - إلي فرعون ماشيا؟ الإسرائيلي يُعَبِدَّ نفسه00 ومقصد موسي - عليه السلام - أن أهل مصر جميعا يعبدون الله - عز وجل -. وأنت تُقيم الجولة للدعوة إلي الله - عز وجل -، وهناك إنسان يسجد ويبكي من خشية الله - عز وجل - في سجوده، أيكما أعبد؟!!. رجل عَبَّدَ شفتاه بالتسبيح لله طوال 24 ساعة، فمجد الله بشفتيه الصغيرتين، وهي عبودية صغري 00 أما العبودية الكبرى أن تُعَبِِدَ غيرك لربك 00 فانشغلنا بالعبودية الصغرى عن الكبرى. o يونس - عليه السلام - أقر بظلمه لقومه عندما تركهم فلما استقر في بطن الحوت، قال تعالى: {وَذَا النّونِ إِذ ذّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنّ أَن لّن نّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىَ فِي الظّلُمَاتِ أَن لاّ إِلََهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ} (¬2) والله َ - سبحانه وتعالى - حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، قال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ بّكَ وَلاَ تَكُن ¬

_ (¬1) سورة الكوثر – الآية 3. (¬2) سورة الأنبياء – الآية77.

كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىَ وَهُوَ مَكْظُومٌ} (¬1). o أقام الله - سبحانه وتعالى - هذه الأمة علي جهد الدعوة بكل أنواعها، لذلك كان قيام الليل، فالمسلم بين أمرين: الأول: قال تعالى: {قُمِ الْلّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً} (¬2).جزء من الدعوة ويتقدم الدعوة، وشُرع قبل الصلوات الخمس بعشر سنين. الثاني: قال تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ} (¬3). وما بين {قُمِ} و {قُمْ} لُم نفسك علي التقصير في طاعة الكبير. o لا يمكن أن تظهر محاسن الدين للبشرية إلا عن طريق الدعوة. _ ماهية الصلاة: الانقطاع عن البشر والاتصال بالله - عز وجل -. _ ماهية الصيام: ترك الحلال من الطعام والشراب والجماع، من ... أجل الحصول علي تقوي الله - عز وجل -. _ ماهية الحج: أركان وطواف وسعي ورمي جمرات. _ ماهية القتال: تحريم المحاسن لأن فيه قطع الرقاب، وليس فيه خذ العفو. فالناس لا تري جمال الدين في الصلاة والصيام والحج والزكاة والشرائط والكتب والقتال، ولكن الفريضة الوحيدة التي تُظهر محاسن الدين هي الدعوة. o الصلاة أربع هيئات: (قيام 00 ركوع 00 سجود 00 تشهد). o والجهد أربع أعمال: (الدعوة إلي الله - عز وجل - 00 التعليم 00 العبادات والذكر 00 الخدمة) 0 o العبادة لا توحد الفكر 00 أما الدعوة توحد الفكر وتجمع الملايين. ¬

_ (¬1) سورة القلم – الآية48. (¬2) سورة المزمل– الآية2. (¬3) سورة المدثر– الآية2.

o جماعة الأنبياء يوصينا الله - سبحانه وتعالى - باتباعهم، قال تعالى: {أُوْلََئِكَ الّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرَىَ لِلْعَالَمِينَ} (¬1) اقتده من دعوتهم، وليس من عبادتهم قال تعالى: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} (¬2).وكل الدعاة في العالم يقول الله - سبحانه وتعالى - لهم: {إِنّ هََذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (¬3) ويقول لهم أيضا: {وَإِنّ هََذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاتّقُونِ} (¬4). o التوراة نزلت بعد هلاك فرعون 00 ماذا نفهم من ذلك؟ نفهم من ذلك أنه كان هناك جهد ودعوة قبل نزول التوراة، قال تعالي {: اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ} (¬5) قال تعالى: {وَكُلاّ نّقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هََذِهِ الْحَقّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬6) في النهار جهد الدعوة وفي الليل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّا ً} (¬7) {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (¬8). ¬

_ (¬1) سورة الأنعام – الآية90 (¬2) سورة المائدة – الآية48 (¬3) سورة الأنعام – الآية90 (¬4) سورة المؤمنون – الآية52. (¬5) سورة طه – الآية24، والنازعات 17. (¬6) سورة هود – الآية 120. (¬7) سورة مريم – الآية 41. (¬8) سورة مريم - الآية 51.

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (¬1). {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّاً} (¬2). {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ اللهَ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬3) فالقرآن المكي يقرأ في الليل لخدمة الدعوة إلي الله - عز وجل -. الدعوة: استخدام القوة الخُلقية لإعلاء كلمة الله - عز وجل - 00 والعواطف الدعوية ثابتة: فيصلي بالعواطف الدعوية00 يصوم بالعواطف الدعوية00 يحج بالعواطف الدعوية 00 يقاتل بالعواطف الدعوية 00 فالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما يري أحد يخطأ في العبادة، فعندما يصحح له يهش ويبش في وجهه، كما فعل مع معاوية بن الحكم السُلمى - رضي الله عنه -، قال: بينما أنا أصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلىَّ .. ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونى لكنى سكت فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبى وأمى ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فو الله ما كهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. رواه مسلم (¬4). ¬

_ (¬1) سورة مريم - الآية 54 (¬2) سورة مريم - الآية 56. (¬3) سورة الأحقاف - الآية21. (¬4) مشكاة المصابيح _ كتاب الصلاة _ باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما لايباح منه1/ 310.

ولكن عندما يخطأ أحد في الدعوة يغضب ويعنف، كما فعل مع أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، قال: بعثنا رسول الله صلى - صلى الله عليه وسلم -، إلى الحرقة من جهينة، فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لى: " يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟! قلت: يا رسول الله! إنما كان متعوذا فقال: " أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟! " فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عله. وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟! " قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفاً من السلاح، قال:" أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟! " فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ (¬1). وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا فكان رجلاً من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلاً من المسلمين قصد غفلته، وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله، فقتله، فجاء البشير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله، وأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: " لم قتلته؟ فقال: يا رسول الله! أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا - وسمى له نفراً- وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أقتلته؟ " قال نعم: قال: " فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله! استغفر لي. قال: ¬

_ (¬1) كتاب رياض الصالحين _ باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إلى الله تعالى

" وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ " فجعل لا يزيد على أن يقول: " كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة " رواه مسلم (¬1). o لماذا جلسنا في الذكر؟ الله - عز وجل - ما قال لموسي - عليه السلام - اجلس لذكري، ولكن في حال ذهابه إلي فرعون قال: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي}. (¬2). o وراء كل عصا رسالة: عصا المعلم00 عصا الشرطي 00 عصا النبي. فالدعوة إلي الله: رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -. والقتال: عصا النبي - صلى الله عليه وسلم -. والعصا الآن ليس لها رسالة (الدعوة) 00 فلما تكون الدعوة موجودة، توجد العصا 00 وممكن أن تكون الدعوة موجودة والعصا غير موجودة، نضرب مثال يوضح ذلك: قد يُصدر وزير التربية والتعليم قراراً بمنع الضرب، ولكن لا يُصدر قرار بمنع التعليم. ولذا رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي الدعوة إلي الله فلا تتعطل بحال من الأحوال. ولهذا مطلوب الرحمة، والله تعالي هيأ الدعاة لذلك، فمثلا الأمومة موجودة في الأم قبل الولادة00 وكذلك الرحمة في قلوب الأنبياء عليهم السلام. o القرآن صنع شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) سورة طه – الآية42.

(كان خُلقه القرآن)، (كان قرآنا يمشي علي الأرض). لذا أقوي الأدلة القرآن ثم السنة. o حق القرآن أن نجود الجهد00 فالأمة كبرت وعظمت تجويد اللفظ: هذا قارئ كبير00هذا شيخ كبير في التجويد00 هذا تفسير الإمام فلان. o فكيف نكبر الأمر والجهد (جهد القرآن)، بلال يؤذي والقرآن ينزل00 وليس بهذا الكلام تحقير أو تقليل من شأن التجويد والتفسير. القرآن صنع شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم -: o ما ينظر الله عز وجل إلي نتائج الجهد 00 ولكن ينظر إلي كمال وجمال الجهد 00 الترسخ ثم التوسع. الله - عز وجل - بين عظمة وسيلة الداعي 00 كالحصان الذي يركبه المجاهد أثناء الجهد، من خلال صوت أنفاسه، وأثر ضرب حافره في الأرض وهجومه علي العدو في سورة العاديات، قال تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} (¬1) وفي الحديث: عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوي ناصية فرس بأصبعه، ويقول: " الخيل معقود بنواصيها الخير إلي يوم القيامة، الأجرُ والغنيمةُ " رواه مسلم (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله، وتصديقا بوعده، فإن شبعه، وريه، وروثه، وبوله في ميزانه يوم القيامة (¬3). فهذا الحصان المذلل لركوب الداعي المجاهد عليه في سبيل الله - عز وجل - (هذه ¬

_ (¬1) سورة العاديات – الآيات من 1: 3. (¬2) مشكاة المصابيح _ كتاب الجهاد _ باب إعداد آلة الجهاد 2/ 1136. (¬3) المرجع السابق

صفته). وغير المذلل 00 يربط في عربة كارو أو حنطور، لأنه ليس له قيمة إلا بما يحسن. وهكذا الذي يحمل الدين والذي يستنكف عن حمل الدين. o يجوز استخدام المذاهب في العبادات، ولا يجوز استخدام المذاهب في الدعوة 00 لأن طريق الأنبياء واحد. o تُبني العبادات علي التخفيف والرخص 00 وتُبني الدعوة علي التضحية والعزيمة. o عبودية الداعي أقسم الله - عز وجل - بها {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ً} (¬1).فاجتهد الشيطان نتسليط شياطين الإنس علي الداعي 00 أما عبودية العابد فيستطيع الشيطان أن يفسدها بالوسوسة. o بداية الصعود في الدعوة: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬2). o الآية الفاصلة بين العبادة في البيت الحرام وجهد الدين: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ * الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشّرُهُمْ رَبّهُم بِرَحْمَةٍ مّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنّاتٍ لّهُمْ ¬

_ (¬1) سورة الحجر – الآيات من 42. (¬2) سورة الأعراف – الآية 199.

فِيهَا نَعِيمٌ مّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (¬1). o لا يشترط علي العابد أن يعرف المخلوق، بل يعرف الخالق 00 ويشترط علي الداعي أن يعرف الخالق والمخلوق. o ولا يشترط علي العابد أن يعرف الدنيا، بل يعرف الآخرة فقط 00 ويشترط علي الداعي أن يعرف الدنيا والآخرة. o سنة الداعي أفضل من فريضة العابد. o العابد جهده في زهده، وذلك بالتقلل من الأشياء 00 أما الداعي فزهده في جهده وحركته (يعني فالحركة دليل الزهد) o يموت العابد فتنتهي عبادته 00 ولكن عندما يموت الداعي تحيا وتنتشر دعوته، مثل غلام الأخدود 00 صاحب يسن 00 مؤمن آل فرعون 00 الصحابة - رضي الله عنهم -. نهاية جهد العابد، بداية جهد الداعي .. ونهاية جهد الداعي، بداية جهد النبوة، ونهاية جهد النبي، بداية جهد أي رسول، ونهاية جهد أي رسول، بداية جهد أولي العزم من الرسل، ونهاية جهد أولي العزم من الرسل، بداية جهد سيدهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. ****** ¬

_ (¬1) سورة التوبة – الآيات من 19 22.

مقارنة بين فقه الدعوة وفقه التعليم

مقارنة بين فقه الدعوة وفقه التعليم o قال تعالى: {الرّحْمََنُ * عَلّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ}. (¬1). o وقال تعالى: {فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} (¬2). o وُبعث - صلى الله عليه وسلم - معلما وداعيا .. ومن خلاله - صلى الله عليه وسلم - تتكون شخصية الداعي، وشخصية المعلم. o معلما أصحابه الراغبين الطالبين .. وداعيا الرافضين المعاندين، مثل: أبي جهل وأبي لهب وغيرهم. o فجهد التعليم علي الراغبين، وجهد الدعوة علي غير الراغبين. o قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ ¬

_ (¬1) سورة الرحمن - الآيات من 1: 3. (¬2) سورة الأنبياء - الآية 79.

بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. (¬1). o الظلمات نوعان: 1) ظلمة الشرك والكفر: قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابُنَيّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (¬2). 2) ظلمة المعصية: ولذلك أرسل موسي - عليه السلام - لإخراج بني إسرائيل من ظلمة المعاصي والفسق إلي نور الإيمان واليقين. o كانت بعثة موسي عليه السلام مزدوجة: 1) للمسلمين (العصاة): وهم بني إسرائيل، قوم موسي - عليه السلام -. 2) للكفار: فرعون وقومه .. ولذا قال موسى - عليه السلام - لفرعون {وَإِن لّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} (¬3) لأنه عنده قومه وهما الأساس في الدعوة، {إِنّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬4). فالدعوة ليست فقط للكفار، كما يقول بعض الناس، فالله - عز وجل - أمر موسي - عليه السلام - وقومه: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ وَأَخِيهِ أَن تَبَوّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم - الآية1. (¬2) سورة لقمان - الآية 13. (¬3) سورة الدخان - الآية 21. (¬4) سورة نوح - الآية 1. (¬5) سورة يونس – الآية87.

وفي زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن هناك مسلم تارك للصلاة، فكانت الدعوة موجه فقط للكفار .. والتعليم للمسلمين. o المعلم يجلس في مكانه دون أن يتحرك ويأتيه الناس، لأن العلم يؤتى إليه، وله المثوبة عند الله - عز وجل -، وهذا التعليم علي نهج النبوة. أما الداعي فيمشي ويتحرك علي الناس، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال لأبي جهل تعالي عندي وأعلمك وأفهمك، بل ذهب بنفسه - صلى الله عليه وسلم - إليه، بل ودار في الأسواق وعلي المنازل داعيا: قال تعالي: {وَقَالُوا مَا لِهََذَا الرّسُولِ يَأْكُلُ الطّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} (¬1). وقال تعالى: {اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ} (¬2) أول كلمة اذهب (دليل الحركة). وقال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬3) يمشي (دليل الحركة). وقال تعالى: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (¬4) وجاء (دليل الحركة). ¬

_ (¬1) سورة الفرقان – الآية 7. (¬2) سورة طه – الآية24، والنازعات 17. (¬3) سورة الأنعام – الآية 122. (¬4) سورة يس – الآية 20.

وقال تعالى: {وَإِذْ نَادَىَ رَبّكَ مُوسَىَ أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} (¬1) ائْتَ (دليل الحركة). فقدم الله - عز وجل - الوسيلة علي المقصد (اذْهَبْ .. وَجَآءَ من .. ائْتَ) لبيان أهمية الوسيلة. o مفتاح العلم حرك قلمك، ومفتاح الدعوة حرك قدمك. سُئل الشيخ سعيد أحمد (رحمه الله): أين كتبكم؟ فقال: الأرض أوراقنا، وأقدامنا أقلامنا. o إذا ذهب المعلم للطلاب لكي يعلمهم، فقد أهان وظيفته، فهو دائما في حالة العزة، ما يتعرض للأحوال التي تهزه، فهو دائما في الاحترام. أما الداعي: فكثير من الأحوال تمر عليه بالسخرية والاستهزاء، قال تعالى: {وَقَالُوا يَأَيّهَا الّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إِنّكَ لَمَجْنُونٌ َ} (¬2). وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَىكَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَهََذَا الّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمََنِ هُمْ كَافِرُونَ َ} (¬3). وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَهََذَا الّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً َ} (¬4). وقال تعالى: {كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمّتْ كُلّ أُمّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقّ فَأَخَذْتُهُمْ ¬

_ (¬1) سورة الشعراء – الآية 10. (¬2) سورة الحجر – الآية 6. (¬3) سورة الأنبياء – الآية 36. (¬4) سورة الفرقان – الآية41.

فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ َ} (¬1). فالداعي يتعرض للإهانة والاستهزاء، يقال عنه أنه: (مجنون، ساحر، كاهن، شاعر، كذاب). o فأيها الداعي العظيم إذا لم يعرف لك المدعو حقك، فاعرف له حقه، واطلب حقك من الله - عز وجل -، قال تعالى {:َألآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىَ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنّ الْعِزّةَ للهِ جَمِيعاً هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ َ} (¬2). o الداعي إلي الله - عز وجل - يتعرض للأحوال من جهة البشر: (ضرب .. شتم .. سب .. طرد .. تخويف .. قتل) أحوال شتي للتربية، لأنه من أين يأتي: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬3). o المعلم يأخذ عزته بحق ويؤجر (عزة شرعية)، ولكن ليس بصاحب الحظ العظيم .. أما صاحب الحظ العظيم، فهو الداعي إلي الله - عز وجل -، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ} (¬4) ¬

_ (¬1) سورة غافر – الآية5. (¬2) سورة يونس – الآيات من62: 65. (¬3) سورة لقمان - الآية 13. سورة الأعراف – الآية 199. (¬4) سورة فصلت – الآيات من 33: 35.

o جهد العلم علي العقل، حتى يتنور العقل .. وجهد الدعوة علي القلب حتى يتنور القلب .. والمطلوب أولا إصلاح القلب بالدعوة. o التعليم جهد علي العقل لأن العقول متنوعة، ولذا حاجاتها مختلفة .. أما جهد الدعوة علي القلب ومتكرر لأن حاجة القلوب متماثلة. o الدعوة لتوضيح الواضح .. والفتوي لتوضيح الغامض. o قوة المعلم بالمعلومات، وقوة الداعي بالصفات التي تجذب الناس: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬1). وقال تعالي: {إِنّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نّعْمَ الْعَبْدُ إِنّهُ أَوّابٌ} (¬2) وما قال إنا وجدناه عالما، مع أن الأنبياء هم أعلم الناس، فمدحه بصفة الصبر. o طالب علم راغب عنده قيام ليل وأحيانا معلمه ليس عنده قيام الليل، ففي قصة الأخدود: قال المعلم الراهب لتلميذه الغلام: أي نبي أنت اليوم أفضل مِني قد بلغ مِنْ أمرك ما أرى! وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليََّ (¬3) عندما اشتغل بالدعوة أصبح أفضل من معلمه، وبعد الدعوة تأتي المشاق علي الداعي (وإنك ستبتلى). o في جهد الدعوة: ترغيب وترهيب .. إكرام .. دعاء بالليل. وفي جهد التعليم: المعلومات تتغير من يوم إلي يوم، ومنهاج التعليم يتغير ويتنوع .. أما منهاج الدعوة ثابت لا يتغير: {خُذِ الْعَفْوَ} (¬4) دائما00 {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللهِ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة القلم – الآية 4. (¬2) سورة ص – الآية 44. (¬3) جزء من حديث رواه مسلم (كتاب رياض - الصالحين باب الصبر). (¬4) سورة الأعراف – الآية 199. (¬5) سورة النحل – الآية 127.

{فَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ الْلّيْلِ فَسَبّحْ وَأَطْرَافَ النّهَارِ لَعَلّكَ تَرْضَىَ} (¬1). {اصْبِر عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيْدِ إِنّهُ أَوّابٌ} (¬2). {فَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (¬3). {وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (¬4). كل الآيات في الدعوة تأمر بالصبر (منهاج ثابت). سيدنا نوح عليه السلام ظل يقول لقومه من أول يوم حثي هلاكهم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إِنّهُ كَانَ غَفّارا} (¬5) لأن الجهد علي القلب ما يختلف أبدا .. البسمة سلاح كل داعي. صاحب يسن دعا إلي الله - عز وجل - وما قرأ آية ولا حديث .. لو كان أبو هريرة في مكة ما كان يتثني له أن يروي حديثا واحدا .. ثروة الحديث النبوي، في ميدان التعليم بالمسجد النبوي. في التعليم يلزمنا ثروة الأحاديث .. وفي الدعوة يلزمنا أن نقوم بالخدمة ¬

_ (¬1) سورة طه – الآية 130. (¬2) سورة ص – الآية 17. (¬3) سورة ق – الآية 39. (¬4) سورة المزمل – الآية 10. (¬5) سورة المزمل – الآية 10.

والصفات والأخلاق الحسنة .. والذي لا يعرف قدرك اعرف قدره .. والذي لم يعطك حقك فأعطه حقه واطلب حقك من الله - عز وجل - (تكن داعيا). ليس في التعليم عواطف .. أما في الدعوة هموم ومشاعر وأحزان ودعاء ومتابعة علي الدوام. التعليم فيه شخصيتان: (معلم، طالب علم) فالداعي يأخذ صفات الطالب وليس المعلم، مثل: التودد والتواضع للمدعو، فيتودد لكل الناس بشتى الصور. كلام الدعوة يحتاجه الداعي والمدعو، أما المعلم فإنه لا يحتاج إلي علمه عكس الطالب .. ولكن الداعي يحتاج إلي كل كلمة يقولها. في التعليم لا ينشغل المعلم بالطالب .. وفي الدعوة ينشغل الداعي بالمدعو، حتى يمرنه علي القيام بالأعمال في جميع الأحوال. المعلم لا يفرض التعليم علي كل الناس، ولكنه مثل الصيدلي يصرف الدواء حسب طلب المريض. كل التعليمات في المدرسة للطالب، وليست للمعلم .. أما كل التعليمات في القرآن للداعي إلي الله - عز وجل - حتى يثبت علي دعوتهن أمام المشاكل التي تواجهه في الداخل والخارج. جهد التعليم: جهد خاص (مفتي .. مفسر .. مجود) وهذه مواهب ليست متوفرة في كل الناس، ولذلك هي فرد كفاية (تعلم علم المسائل). جهد الدعوة: جهد الأمة كلها، فهو ميسر للجميع، كل إنسان يُصبح داعية بأخلاقه وصفاته. تكون داعية كبيرا بالهمة، وتكون معلما كبيرا بالفطنة والكياسة والموهبة. فالأمة كلها مؤهلة للدعوة، وليست مؤهلة كلها للتعليم.

يستطيع الإنسان أن يُصبح داعيا مثاليا بالفطرة، مثل صاحب يسن دعا بفطرته بدون أن يعلمه أو يوجهه أحد .. فالدعوة جهد فطري، والتعليم جهد كسبي. تأمل في سورة القمر تجد أن التيسير جاء بعد قصص الدعوة، وما جاء بعد التعلم، بعد ذكر قوم نوح: {وَلَقَدْ يَسّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ} (¬1) وبعد ذكر قوم عاد: {وَلَقَدْ يَسّرْنَا ٍ}، وبعد ذكر قوم ثمود: {وَلَقَدْ يَسّرْنَا}، وبعد ذكر قوم لوط: {وَلَقَدْ يَسّرْنَا ٍ}، فقد يسر الله - عز وجل - الدعوة وفقه الدعوة. o كلمة: (قُلْ) وردت في القرآن حوالي 350 مرة: {قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (¬2). { ... قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (¬3). { ... قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (¬4). { ... قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدّارُ الاَخِرَةُ عِندَ اللهِ خَالِصَةً مّن دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (¬5). {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لّجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَىَ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ ¬

_ (¬1) سورة القمر – الآية 17. (¬2) سورة البقرة – الآية 80. (¬3) سورة البقرة – الآية 91. (¬4) سورة البقرة – الآية 93. (¬5) سورة البقرة – الآية 94.

يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬1). { ... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (¬2) {قُلْ إِنّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَىَ وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} (¬3). { ... قُلْ بَلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬4). {قُلْ أَتُحَآجّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبّنَا وَرَبّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} (¬5). { ... قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ} (¬6). {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىَ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات لَعَلّهُمْ يَفْقَهُونَ} (¬7). ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية 97. (¬2) سورة البقرة – الآية 111. (¬3) سورة البقرة – الآية 120. (¬4) سورة البقرة – الآية 135. (¬5) سورة البقرة – الآية 139. (¬6) سورة البقرة – الآية 140. (¬7) سورة الأنعام – الآية 56.

{قُلْ هُوَ الّذِيَ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ} (¬1). {قُلْ هُوَ الّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (¬2). {قُلْ هُوَ الرّحْمََنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ} (¬3). {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ} (¬4) والآيات كثيرة، والقرآن كله دعوة .. والله - جل جلاله - يقول لنا {: بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ} (¬5) ويقول لنا: (قُلْ ... ) ونحن نسكت!!!!. o الفرق بين مؤمن يسن ومؤمن آل فرعون: أن مؤمن يسن، قال لقومه: {يَا قَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (¬6) وما قال: (اتبعوني) لأنه مسلم جديد أسلم حديثا، فليس عنده علم ولا منهج ولا بيئة، ولكن عنده دلالة علي غيره. أما مؤمن آل فرعون، فإنه مؤمن قديم، ولذا قال: {وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ ¬

_ (¬1) سورة الملك – الآية23. (¬2) سورة الملك – الآية24. (¬3) سورة الملك – الآية 29. (¬4) سورة الإخلاص – الآيات من 1: 4. (¬5) سورة المائدة – الآية 57. (¬6) سورة يسن – الآية 20.

بِالْبَيّنَاتِ مِن رّبّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُمْ إِنّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} (¬1). وأما مؤمن يسن: سجله الله - سبحانه وتعالى - من كبار الدعاة مع قلة معلوماته، قال:: {يَا قَوْم} وكذلك الأنبياء تقول: {يَا قَوْم}. o هناك فاصل زمني بين المعلم والطالب، فالمعلم دائما أكبر من الطالب .. لكن في الدعوة ليس هناك فاصل زمني بين رجل عنده 40 سنة يوجه الناس للشر ثم بعد الدعوة يهتدي، فيوجه الناس للهداية، فيستوي هو والقديم الذي سبقه بالدعوة. o الداعية دائما يتهم نفسه، فهذا كليم الله موسي - عليه السلام - يقول: {قَالَ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ} (¬2). وهذا نبي الله يونس - عليه السلام -: {وَذَا النّونِ إِذ ذّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنّ أَن لّن نّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىَ فِي الظّلُمَاتِ أَن لاّ إِلََهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ} (¬3). وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو بهذا الدعاء: " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي؛ وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني؛ أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل ¬

_ (¬1) سورة غافر – الآية 28. (¬2) سورة القصص – الآية 16. (¬3) سورة الأنبياء – الآية 87.

شيء قدير " مُتَّفَقٌ عَلَيه (¬1). وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال لرَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: " قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (¬2). o ليس هناك رسوب في الدعوة .. أما في التعليم يوجد قابلية للرسوب والنجاح. o كل داعي معلم، وليس كل معلم داعي، ففي الحديث قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" إن اللَّه وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (¬3). وكل فضائل التعليم يأخذها الداعية، حتى لو كان قليل العلم. o الطب علم قضاء الحاجة، وممكن أن تتعلمه من الكفار .. أما الدعوة علم القيام علي المقصد. o مهنة الطب ليست لتحقير المريض، ولكن رحمة له .. وليست الدعوة لتحقير الناس وتصنيفهم: هذا فاسق .. هذا مبتدع .. هذا كافر .. بالفطرة: {يَا قَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (¬4). o العلماء مثل الذهب النادر .. والدعاة مثل الذهب الشائع .. وكل الأمة ذهب إذا قامت علي الدعوة. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين – باب الدعوات صـ 505. (¬2) رياض الصالحين – باب الدعوات صـ 505. (¬3) المرجع السابق – كتاب العلم صـ 479. (¬4) سورة يسن – الآية 20.

o الداعي لا يطلب منزلة اجتماعية: {وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬1). o الداعية لا يطلب شهرة في زمانه، بل بعد موته {وَاجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} (¬2) فالداعي الذي يطلب شهرة تسقط دعوته. o المعلم له احترام الظاهر من الناس .. أما الداعي فربما ينظر إليه أنه أهل: {وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيم} (¬3). o إبليس (عليه لعنة الله) بفساد فطرته ندب نفسه لإفساد البشرية، وما كلفه أحد بذلك، وما سأل عن شرعية عمله. o وصاحب يسن بجمال فطرته يندب نفسه لهداية البشرية، ما أحد كلفه، وما سأل عن شرعية عمله. وكذلك الداعي بجمال فطرته يندب نفسه، ويضحي بنفسه وما له ومركزه وجاهه من أجل هداية الخلق. o الصحابة - رضي الله عنهم - ما سألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الدعوة أفرض كفاية أم فرض عين، بل دعوا إلي الله - عز وجل - بجمال فطرتهم. o من السابق نفهم أنه إذا كانت الدعوة ثقيلة علي المسلم، إذا فطرته تحتاج إلي طهارة لأنها ملوثة .. والدعوة الانفرادية تُظهر ذلك. o إذا جاءت الصفات، تأتي الصفات .. بمعني: أن الصفات تولد الصفات وتنشرها، فمؤمن يسن تأثر بصفات الدعاة، فأصبح داعية. o الكفار نظروا إلي دنيا الأنبياء فلم يهتدوا، ولكن لو نظروا إلي صفاتهم لتغير الحال وقبلوا الهداية. ¬

_ (¬1) سورة فصلت – الآية 33. (¬2) سورة الشعراء – الآية 84. (¬3) سورة فصلت – الآية 35.

o بساطة الدعوة والداعي جعلت الناس ما يفهمون مقصد الدعوة: {وَقَالُوا مَا لِهََذَا الرّسُولِ يَأْكُلُ الطّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىَ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظّالِمُونَ إِن تَتّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مّسْحُوراً} (¬1). o الداعي معروف بليله إذا نام الناس .. وبنهاره بدعوته وكرمه وأخلاقه مع من يدعوهم. o الداعي يغزو الدنيا كلها مثل: ربعي بن عامر يقول لرستم قائد الفرس: إن الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله .. ومن ضيق الدنيا إلى سعتها .. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله - عز وجل -، قالوا: وما موعود الله؟ قال الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى .. !! (¬2). o الداعي مثل الغواصة تغوصٍ في الماء ولا يدخل فيها الماء، فهو يغوص في أهل الباطل، ولا يدخل فيه الباطل. o الداعي لا يعبأ بكيفية موته، ولكن كيف يحيا الدين ولو بسبب قطرات دمه، مثل: غلام الأخدود. o اللهم وفقنا لجهد حبيبك، علي منهاج حبيبك، حسب مرضاتك. ¬

_ (¬1) سورة الفرقان – الآيتان 7، 8. (¬2) البداية والنهاية لابن كثير.

مقارنة بين جهد الحق وجهد الباطل

مقارنة بين جهد الحق وجهد الباطل قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نفَصّلُ الآيات وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (¬1). وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَىَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً} (¬2). وقال تعالى: {وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ ثُمّ إِلَيّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الأنعام _ الآية55 0 (¬2) سورة الفرقان_ الآية27 0 (¬3) سورة لقمان _ الآية15.

وقال تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرّشْدِ لاَ يَتّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيّ يَتّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (¬1). وقال تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2). · معني السبيل: هو طريق مقصودة لغيرها .. موصلة إلي غرضها .. مؤدية إلي غرضها .. مؤدية إلي غايتها. فهناك سبيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الطريق الذي سلكها رسول الله المؤدي إلي مرضاة الله - عز وجل - وهو سبيل الرشد والهداية. فسبيل الله - عز وجل - وسبيل رسول الله، هما سبيل واحد، يؤدي إلي الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة. وهناك أيضا {سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} المؤدي إلي الطاغوت وهو سبيل الغي، وهو أيضا سبيل الظالمين {وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَىَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً}. فسبيل الظالمين وسبيل المجرمين سبيل واحد، وهو السبيل الذي ليس فيه إتباع للرسول - صلى الله عليه وسلم - 00 إذن فسبيل رسول الله هو السبيل الموصل إلي مرضاة الله - عز وجل -. وكما أن طريق تصنيع الطائرات طريق واحد، وطريق التجارة طريق واحد وطريق الزراعة طريق واحد، وكذلك الدين هو الطريق الوحيد لتصنيع الرجال، ¬

_ (¬1) سورة الأعراف _ الآية146 0 (¬2) سورة يوسف _ الآية108

قال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَىَ عَيْنِيَ} (¬1) {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (¬2). {وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً} (¬3). {أَلآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬4). {أُولََئِكَ الّذِينَ صَدَقُوآ وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ} (¬5). {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} (¬6). { ... للفقراء الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} (¬7). · والله - عز وجل - وضح السبيل الوحيد لتربية الرجال: وهو الدعوة إلي الله - عز وجل -: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬8). ¬

_ (¬1) سورة طه _ الآية 39. (¬2) سورة طه _ الآية 41. (¬3) سورة الفرقان _ الآية63. (¬4) سورة يونس _ الآية62 0 (¬5) سورة البقرة _ الآية177 0 (¬6) سورة الحجرات _ الآية15. (¬7) سورة الحشر _ الآية8. (¬8) سورة يوسف _ الآية108 0

· والسبيل المضاد هو سبيل الشيطان، الذي يصنع المجرمين، الظالمين، الأشرار، المعاندين، الضالين، الكافرين. · فلا يستطيع أحد أن يسير في سبيل الله - عز وجل -، إلا بعد أن يعرف سبيل الباطل {سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}. · ويوم القيامة: {وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَىَ يَدَيْهِ} ويطلق لفظ الظلم علي المسلم وغير المسلم. · المسلم الذي يجتهد للدين علي هواه، وليس علي مزاج الدين وينشغل بأعمال دون أعمال، فلا يكون أثر الدين واضحا في حياته، وتكون الثقة بالدين هزيلة، لأن جهد الدين (الدعوة) مثل الروح، وهو مهمل لهذا تماما لهذا الجانب، ومنشغل بالجسد (أعمال العبادة)، فلا يستطيع تحصيل ثمرة العبادة، ولا يستطيع تكميل باقي أعمال الدين في حياته لإهماله جانب الدعوة 00 ولا بد أن يكون جانب الروح (الدعوة) أولا ثم الجسد (العبادة) ثانيا00 فجانب الدعوة قال تعالى: {وَرَبّكَ فَكَبّرْ} (¬1) أي عظم الله 00 ومجد الله 00 وقدس الله 00 وهو سبب لإيجاد الإيمان في القلب، الذي ذرة منه تنجي صاحبها من الخلود في النار. · الدنيا جنة المعارف الحقة00 وأول المعارف وأعظمها وأرقها، معرفة الله - سبحانه وتعالى - 00 فالله - جل جلاله - حق00 والرسل عليهم السلام حق00 والكتب السماوية التي أنزلها الله - سبحانه وتعالى - علي رسله وأنبيائه حق 00 والجنة حق 00 والنار حق00 والحق لا يفني لأنه أبدي. · جهد الحق تمثل في آدم عليه السلام من أول لحظة00 وجهد الباطل تمثل في ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء _ الآية107.

إبليس من أول لحظة أيضا. · نتعرف علي الحق حتى نتيقن عليه ونتبعه ونتمسك به00 ونتعرفُ علي الشر حتى لا نقع فيه، فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. متفق عليه (¬1). · قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نفَصّلُ الاَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (¬2) لأن جهد الحق بناء وإعمار00 وجهد الباطل تعطيل وإهمال وتخريب. · الدعوة إلي الله - عز وجل - تقام علي ثلاث خصال في الداعي: 1) تمجيد الله - جل جلاله -. 2) محو النفس. 3) عاطفة الرحمة: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ} (¬3) وهذا جهد الحق. · أما جهد الباطل فله ثلاثة أركان: 1) تمجيد النفس: (أنا 00 لي 00 عندي) _ إبليس (عليه اللعنة):: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (¬4). _ فرعون (عليه اللعنة): {قَالَ يَقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} (¬5). ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح _ كتاب الفتن 3/ 1480. (¬2) سورة الأنعام _ الآية55 0 (¬3) سورة المدثر _ الآية3. (¬4) سورة ص _ الآية76. (¬5) سورة الزخرف _ الآية51.

_ قارون (عليه اللعنة): {قَالَ إِنّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىَ عِلْمٍ عِندِيَ} (¬1). ولكن الذي يستحق التمجيد هو الله وحده: قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ اللهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِير} (¬2) وقال تعالي: {أَلَمْ ّتَرَ أَنَ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ} (¬3). وقال تعاليَ {ألَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} (¬4). وقال تعاليَ {اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬5). 2) تحقير الغير: {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (¬6) فإبليس حقر ما عظمه ¬

_ (¬1) سورة القصص _ الآية 78. (¬2) سورة البقرة _ الآية 107. (¬3) سورة الحج _ الآية 65 (¬4) سورة لقمان _ الآية 20. (¬5) سورة الجاثية _ الآية 12. (¬6) سورة الإسراء _ الآية 64.

ربه، فالله خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه، وكرمه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (¬1) وخلق من أجله كل شيء: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (¬2). {وَهُو الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} (¬3) ... {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} (¬4). {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬5). {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ} (¬6). {ألَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا ¬

_ (¬1) سورة الإسراء _ الآية70. (¬2) سورة البقرة _ الآية29. (¬3) سورة المؤمنون _ الآية78 (¬4) سورة النحل _ الآية 13. (¬5) سورة النحل _ الآية11. (¬6) سورة الحج _ الآية65.

هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِير} (¬1). فمن تكريم آدم أن خلق له كل شيء وسخر له كل شيء. 3) عاطفة الانتقام: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هََذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً} (¬2) ولم يكفه أن صرح بذلك أمام رب العزة، بل أقسم بعزة الله علي ذلك: {قَالَ فَبِعِزّتِكَ لأغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِين * إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (¬3). والاحتناك: هو وضع الحبل في حنك الدابة، فتنقاد مع صاحبها حيثُ شاء، كذلك الشيطان يقود الإنسان حيثُ شاء في المعاصي، حتى يتحلل من أوامر الله ويعترض عليها، فأجابه الملك - سبحانه وتعالى - (اذهب فمن تبعك) اذهب أمر فيه خذلان وإهانة وطرد، مثل: أن تقول لابنك: اذهب إلي المزبلة 00 بمعني أنه زبالة ووساخة وقذارة .. ولكن {اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ} (¬4) أمر فيه تشريف وتكريم لأن معه الحق، يدعوه إليه، لأن المخلوق إذا عصي ربه وكله الله إلي نفسه وهي عدوه، فيورثه الله الخذلان والضعف لأنه مجد نفسه، لذلك سقط في أعمق حفره أوصلته إلي قعر جهنم، وهذا مصير جهد الباطل. · الله - سبحانه وتعالى - له صفات جمال، وصفات جلال، وهو سبحانه أمر عباده أن يتصفوا بصفات الجمال {غفور 00 رحيم 00 تواب 00 ودود 00 كريم .. ستير} ونهاهم أن يتصفوا بصفات الجلال {قهار 00 جبار 00 متكبر}. ¬

_ (¬1) سورة لقمان _ الآية20. (¬2) سورة الإسراء _ الآية62. (¬3) سورة ص _ الآيتان82، 83. (¬4) سورة طه – الآية24، والنازعات 17.

فمن اتصف بصفات الجمال أعملها الله - سبحانه وتعالى - فيه، ففي الحديث: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "رواه أبو داود والترمذي (¬1). ومن اتصف بصفات الجلال أعملها الله - سبحانه وتعالى - فيه، ففي الحديث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله تبارك وتعالي: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار ". وفي رواية: " قذفته في النار ". رواه مسلم (¬2) فآدم - عليه السلام - قصر في صفات الجمال فأعملها الله فيه - سبحانه وتعالى -: {َفتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬3). بينما إبليس اتصف بصفات الجلال فأعملها الله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (¬4). ولما امتنع عن السجود، قال الله تعالي له: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (¬5). {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (¬6) وقال تعالي: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح _ كتاب الآداب _ باب الشفقة والرحمة علي الخلق 3/ 1386 (¬2) المرجع السابق _ كتاب الآداب _ باب الغضب والكبر 3/ 1414. (¬3) سورة البقرة _ الآية 37. (¬4) سورة البقرة _ الآية 34. (¬5) سورة الأعراف _ الآية 12. (¬6) سورة الأعراف _ الآية 12.

الْعَالِينَ} (¬1). َ {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (¬2). ومع ذلك كله يرد علي ربه ويعترض، ولم ينفذ أمر الله - سبحانه وتعالى - رغم عتاب الله - عز وجل - له، وتحدي الله - جل جلاله - بصفات الجلال، التي هي صفاته - سبحانه وتعالى -: {قَالَ فَبِعِزّتِكَ لأغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِين * إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (¬3) فإبليس عليه اللعنة يعرف أن الله - سبحانه وتعالى - رب العالمين،: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (¬4).وكان سبب ذلك الإباء والاستكبار والتعالي {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} ولذا أصبح من المتكبرين المرجومين الملعونين المطرودين من رحمة الله تعالي وسعت كل شيء. فإبليس عليه اللعنة هو زعيم جهد الباطل، وأركان جهد الباطل الثلاثة التي مرت واضحة فيه من البداية كالآتي: 1) عظم نفسه فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ}. 2) وحقر آدم - عليه السلام - فقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}. 3) فجاءت عنده عاطفة الإنتقام عندما علم أن الله - سبحانه وتعالى - عاقبه بسبب آدم، فقال: {فَبِعِزّتِكَ لأغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِين * إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} وقال: {لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً}. فسبيله سبيل الغي والضلال، وحزبه هم الخاسرون: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ ¬

_ (¬1) سورة ص _ الآية 75. (¬2) سورة الإسراء _ الآية 64. (¬3) سورة ص _ الآيتان82، 83. (¬4) سورة ص _ الآية79.

الْخَاسِرُونَ} (¬1) ومصيره إلي جهنم، وهو مصير كل أهل الباطل: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} (¬2). · أقوي جهد هو جهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن فيه الإصرار علي الحق: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبا طالب: يا عم والله! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ثم استعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبسبب جهد الدعوة كانت حياة الصحابة مملوءة بالحق والأمثلة كثيرة فى عرض الباطل عليهم ولكنهم يرفضون لامتلاء حياتهم بالحق. أمثلة ذلك: أخرج البيهقى وابن عساكر عن أبى رافع قال: وجه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جيشاً إلى الروم وفيهم رجل يقال له عبد الله بن حذافة من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأسره الروم فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا له: إن هذا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال له الطاغية هل لك أن تَنَصَّر وأشركك فى ملكي وسلطاني .. ؟ فقال له عبد الله: لو أعطيتني ما تملك وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين ما فعلت. قال: إذاً أقتلك. قال: أنت وذاك فأمر به فصلب وقال للرماة أرموه قريباً من يديه قريباً من رجليه وهو يعرض عليه وهو يأبى ثم أمر به فأنزل ثم دعا بقدر فصب فيها ماء حتى إحترقت ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقى فيها وهو يعرض عليه النصرانية ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذهب به فبكى فقيل له إنه قد بكى فظن أنه قد جذع فقال: ردُوه .. فعرض عليه النصرانية فأبى فقال: ما أبكاك إذاً؟ قال: أبكاني أنى قلت فى نفسي تلقى الساعة فى هذه القدر فتذهب فكنت أشتهى أن يكون بعدد كل شعره فى جسدي نفسٍ تلقى فى الله قال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلى عنك .. ؟ ¬

_ (¬1) سورة المجادلة _ الآية19. (¬2) سورة الشعراء _ الآية94.

قال له عبد الله: وعن جميع أساري المسلمين. قال: وعن جميع أساري المسلمين. قال عبد الله فقلت فى نفسي عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلى عنى وعن جميع أساري المسلمين لا أبالى فدنا منه فقبل رأسه فدفع إليه الأساري فقدم بهم على عمر فأخبر عمر بخبره فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ فقام عمر فقبل رأسه. (كذا في الكنز العمال ج 7 صـ62) (¬1). · إبليس عنده توحيد الربوبية فقط: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (¬2) وقال: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} (¬3).وتوحيد الربوبية وحده لا يكفي، مثل: السارق الذي يقول: يارب! استر عليَّ. · التوحيد: توقير الله وتعظيمه وإجلاله: {َّما لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * َلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * َجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * َاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا *وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * ِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} (¬4).توحيد ربوبية معه توحيد إلوهية 00 كم تعظمه؟ كم توقره؟ كم تنفذ أوامره؟ وأكبر سفيه ومجنون الذي لا ينفذ أوامر الله - سبحانه وتعالى -، قال تعالي: { ¬

_ (¬1) حياة الصحابة - باب تحمل الصحابة الشدائد فى الدعوة إلى الله - 1/ 284. (¬2) سورة ص _ الآية79. (¬3) سورة الحشر _ الآية16. (¬4) سورة نوح _ الآيات من 13: 20.

َومَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (¬1). · لماذا حول الله تبارك وتعالي القبلة؟ ج: قال الله تعالي: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (¬2). فاللذين اعترضوا ولم ينفذوا الأوامر، قال الله - عز وجل - عنهم: {َسيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} (¬3). ولكن العقلاء قالوا: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬4). · معروف أن الله - عز وجل - أقسم علي هداية الذي يجتهد للحق (الداعي)، قال تعالى: {وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬5). · والشيطان أقسم علي إضلال الإنسان، قال: {فَبِعِزّتِكَ لأغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِين} فالشيطان بدأ بجهد الباطل من أول لحظة 00 فعلي حسب الجهد تكون ¬

_ (¬1) سورة الشعراء _ الآية94. (¬2) سورة البقرة _ الآية 143. (¬3) سورة البقرة _ الآية 142. (¬4) سورة البقرة _ الآية 115. (¬5) سورة العنكبوت – الآية 69.

النتيجة، فإذا ترك الإنسان جهد الهداية، فإن الشيطان يجتهد عليه جهد الباطل ليضله، والشيطان يستخدم كل الحيل والوسائل للإضلال والغواية، قال تعالي: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} (¬1). أي سوف أُحرضهم، وأرغبهم، وأوسوس لم، وأُزين لهم 00 وليسمعه عصا، أو سكين، أو بندقية، ولا أموال، ولا عقارات، ولكنه يدفع ويشارك في كل زنا وفي كل ربا وفي كل جريمة قتل، وفي كل غيبة، وفي كل أكل الحرام، وفي كل نظرة حرام، وفي كل خطرة حرام، وفي كل تبرج للنساء ... كل معصية علي وجه الأرض يحرض عليها ويأمر بها ويشارك فيه00 لذلك أكبر مخلوق يتلذذ بشهوات الدنيا وملذاتها ومعاصيها هو الشيطان. · الآن كم عدد الكفار والمشركين في العالم؟ كم عدد العصاة والمذنبين في العالم؟ عدد كبير 00 كم لعنة تنزل عليهم؟ إلا إن إبليس عليه اللعنة تنزل عليه أضعاف اللعنات التي تنزل علي البشرية جمعاء 00 لأنه كان سببا لإغواء البشرية، قال تعالي: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (¬2). · وفي الباطل أصر إبليس عليه اللعنة علي باطله. · واليهود في الباطل قالوا سمعنا وعصينا. · وإبليس ناقش الأمر00فعصي. · ولكن أهل الله لا يناقشون الأمر: يا إبراهيم اترك ولدك وزوجك في وادٍِ غير ذي زرع00 سمعا وطاعة. يا إبراهيم: اذبح ابنك00 سمعا وطاعة0 ¬

_ (¬1) سورة الإسراء _ الآية 64. (¬2) سورة ص _ الآيتان77، 78 0

يا بني: {فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ قَالَ يَبُنَيّ إِنّيَ أَرَىَ فِي الْمَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىَ قَالَ يَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيَ إِن شَآءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ} (¬1). o إبليس لم يعظم الأمر فتحدي الأمر، واستعصي علي الأمر، ولكن لم يستطيع أن يتحدي القدرة، وأقسم: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هََذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً} (¬2) وقال تعالى: {قَالَ فَبِعِزّتِكَ لأغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِين * إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (¬3) فإبليس لم ينقصه علم، لأنه سمع من الله - جل جلاله -. o اكتمل جهد الباطل من أول يوم لخلق آدم - عليه السلام -، ولذا يُريد الإفساد لكل العالم، والله - عز وجل - أقسم: قال تعالى: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (¬4). وقال تعالى: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىَ بِرَبّكَ وَكِيلاً} (¬5) o في الجنة كانت الثمار تتدلي علي آدم وحواء عليهما السلام، فبعد المعصية صارت تبتعد عنهما، قال تعالى لآدم: {إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ} (¬6) ¬

_ (¬1) سورة الصافات _ الآية102 0 (¬2) سورة الإسراء _ الآية62. (¬3) سورة ص _ الآيتان82، 83. (¬4) سورة الحجر _ الآيتان42. (¬5) سورة الإسراء _ الآية 65. (¬6) سورة طه _ الآية 118.

ولكن لما عصي الله - عز وجل - نزع عنهما لباسهما قال تعالى: {يَا بَنِيَ آدَمَ لاَ يَفْتِنَنّكُمُ الشّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مّنَ الْجَنّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَآ إِنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنَا الشّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (¬1). o فلما نزع عنهما لباسهما: {فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَنَادَاهُمَا رَبّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشّجَرَةِ وَأَقُل لّكُمَآ إِنّ الشّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مّبِينٌ} (¬2) الإنسان في ستر الله - عز وجل - ما دام في طاعة الله - عز وجل - فإذا عصي ربه كشف عنه ستره .. وبدأ ت المعصية بالتذوق. o كثرة المعصية تأتي باللعنة: _ فالكافر قبيح بكفره00 والمسلم قبيح بمعصيته00 لأن أكبر معصية هي المعصية بعد المعرفة. _ بني إسرائيل عصوا بعد المعرفة، فقال الله لهم: {وَآمِنُوا بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدّقاً لّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوَاْ أَوّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيّايَ فَاتّقُونِ} (¬3). وأخبر عنهم: {الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ ¬

_ (¬1) سورة الأعراف _ الآية 27. (¬2) سورة الأعراف _ الآية22. (¬3) سورة البقرة _ الآية41.

فَرِيقاً مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (¬1). وقال تعالى: {الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (¬2) عرفوا ثم تمردوا وتكبروا فحسدوا فلعنهم وغضب عليهم00 فاليهود تلامذة إبليس. o الناس تتعرف علي جهد الباطل من خلال جهد الطواغيت00 والطاغوت الأول والأكبر هو إبليس عليه اللعنة. o جهد الحق ليس معصوما، ولذا مفتاح جهد الحق: أول كلمة قالتها البشرية علي لسان أبيهم آدم وأمهم حواء: {قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬3) لأنه ظلم نفسه عندما أوقعها في المعصية0 o ولذا جهد الحق: {قُلْ لاّ أَتّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (¬4). o وأول كلمة صنعت الظلم، كلمة إبليس: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (¬5). o وقالها فرعون عليه اللعنة: {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مّنْ هََذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية146. (¬2) سورة الأنعام _ الآية20. (¬3) سورة الأعراف _ الآية23. (¬4) سورة الأنعام _ الآية56. (¬5) سورة ص _ الآية76.

يُبِينُ} (¬1). o الرسول يعلم أبا بكر دعاء يدعو به: فعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: " قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم " متفق عليه. وفي رواية: " وفي بيتي " وروي: " ظلمًا كثيرًا " وروي " كبيرًا " بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة، فينبغي أن يجمع بينهما، فقال: كثيرًا كبيرًا (¬2). ولذا مطلوب منا أن نشعر علي الدوام من صميم قلوبنا، بالتقصير 00 لأن أول صفة من جهد الحق: التوبة00 قال تعالى: {التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الاَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3). وسيد التائبين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة " رواه مسلم (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول “والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " رواه البخاري. (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الزخرف _ الآية52. (¬2) رياض الصالحين _ كتاب الدعوات صـ 505. (¬3) سورة التوبة _ الآية112. (¬4) رياض الصالحين _ باب الاستغفار صـ 638. (¬5) المرجع السابق صـ 639.

o ببركة التوبة أكرم الله - عز وجل - آدم بالجهد والنبوة، وبعد الجهد جاء: {يَابَنِيَ آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنّكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتّقَىَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬1). o التقوى والإصلاح بهذا الجهد00 كفر الكافر أشد ظلمة من معصية المسلم00 ومعصية المسلم شديدة الظلمة، لأنه عصي بعد المعرفة. o كفر المغضوب عليهم من أعظم أنواع الكفر، لأنه معصية بعد المعرفة. o أول جهد للحق هو تعظيم الأمر والآمر الله - جل جلاله -. o وأول جهد للباطل هو تحقير الأمر ورده وإهماله. o الدجال شيطان صغير ولكن الهروب منه بالإيمان والأعمال الصالحة، ومنها قراءة فواتح سورة الكهف أو الهروب منه إلي الجبال. o الشيطان الأكبر الذي يجري من ابن آدم مجري الدم لأنه ملازم له، ولايمكن الهروب منه إلا بجهد الحق لأن الشيطان يفر من طريق الدعاة، فالمؤذن عندما يؤذن يهرب الشيطان فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا نودي بالصلاة، أدبر الشيطان، له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، واذكر كذا- لما لم يذكر من قبل- حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى " متفق عليه (¬2). ... فيفر من الآذان لأنه دعوة، ولا يفر من الصلاة مع أنها فرض، لأن الدعوة أم الفرائض بها تحيى جميع الفرائض والسنن. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف _ الآية35. (¬2) مشكاة المصابيح _ باب فضل الآذان وإجابة المؤذن 1/ 207.

o أكبر أعداء الداعي: شياطين الجن والإنس، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِيّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (¬1). o أسلحة الداعي: 1) الله - جل جلاله - معه: قال تعالى: {قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىَ} (¬2). 2) والملائكة معه: قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ} (¬3). وقال تعالى: {لَهُ مُعَقّبَاتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنّ اللهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّىَ يُغَيّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوَءًا فَلاَ مَرَدّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (¬4). فمن كان الله وملائكته معه فمن عليه؟ o أهل الباطل يبغضون بعضهم البعض في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرًى مّحَصّنَةٍ أَوْ مِن وَرَأَىءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ ¬

_ (¬1) سورة الأنعام _ الآية112. (¬2) سورة طه _ الآية\46. (¬3) سورة الأنعام _ الآية61. (¬4) سورة الرعد _ الآية11.

جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّىَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ} (¬1). وقال تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِيَ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مّن الْجِنّ وَالإِنْسِ فِي النّارِ كُلّمَا دَخَلَتْ أُمّةٌ لّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتّىَ إِذَا ادّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لاُولاَهُمْ رَبّنَا هََؤُلآءِ أَضَلّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مّنَ النّارِ قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ وَلََكِن لاّ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لاُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} (¬2). وقال تعالى: {إِنّ ذَلِكَ لَحَقّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النّارِ} (¬3). أما أهل الحق في محبة دائمة: قال تعالى: {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتّقُوا اللهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬4). قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ} (¬5). قال تعالى: {وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ¬

_ (¬1) سورة الحشر _ الآية14. (¬2) سورة الأعراف _ الآيتان38، 39. (¬3) سورة ص _ الآية64. (¬4) سورة الحجرات _ الآية10. (¬5) سورة آل عمران _ الآية103.

وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمّآ أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لّلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَآ إِنّكَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ} (¬1). وقال الله تعالى: {الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلاّ الْمُتّقِينَ} (¬2). وقال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ} (¬3). وأخرج البيهقى في شعب الإيمان عن على بن أبى طالب - رضي الله عنه - قال: " خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، مات أحد المؤمنين فبشر بالجنة، فذكر خليله فقال: اللهم إن خليلي فلانا، كان يأمرني بطاعتك، وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشر، ينبئني أنى ملاقيك، اللهم فلا تضله بعدى أبداً، حتى تريه كما أريتني، وترضى عنه كما رضيت عنى، ثم يموت الآخر فيجمع الله بين أرواحهما، فيقال ليثنى كل واحد منكما على صاحبه، فيقول كل واحد لصاحبه، نعم الأخ ونعم الصاحب ونعم الخليل، وإذا مات أحد الكافرين بشر بالنار، فيذكر خليله، فيقول اللهم إن خليلي كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير، وينبئني أنى غير ملاقيك، اللهم فلا تهده بعدى حتى تريه كما أريتنى وتسخط عليه كما سخطت على، ثم يموت الآخر فيجمع بين ¬

_ (¬1) سورة الحشر _ الآيتان 9،10. (¬2) سورة الزخرف _ الآية67 (¬3) سورة الحجر _ الآية47.

أرواحهما، فيقال: ليثنى كل واحد منكما على صاحبه فيقول كل واحد منهما لصاحبه بئس الأخ وبئس الصاحب} (¬1). o إبليس هبط من المكان والمكانة00وفرعون عدو الله ذو باطل كبير {وَنَادَىَ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهََذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيَ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} (¬2). وقال تعالى: {فَقَالَ أَنَاْ رَبّكُمُ الأعْلَى} (¬3) فهذا صاحب حظ مزيف وباطل وداخله السخط والنقمة والعذاب. أما الحظ الكبير الحقيقي الكامل وداخله الرضا والقبول: قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬4). وقال تعالى: {أَلآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬5). وقال تعالى: {يَعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} (¬6). وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬7). هبط من المكان وما هبط من المكانة00 بل يرجع إلي ¬

_ (¬1) شرح الصدور فى أحوال الموتى والقبور للسيوطى. (¬2) سورة الزخرف _ الآية51. (¬3) سورة النازعات _ الآية 24 (¬4) سورة البقرة _ الآية38. (¬5) سورة يونس _ الآية62. (¬6) سورة الزخرف _ الآية68. (¬7) سورة فصلت _ الآية33.

مكانه ومكانته بعد فترة الاختبار والامتحان. o أهل الحق: وهم الأنبياء وأتباعهم، لا يقهرون الناس علي التبعية لهم: {وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} (¬1). وقال تعالى: {إِنّ هََذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ سَبِيلاً} (¬2). وقال تعالى: {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} (¬3). o أهل الباطل: وهم إبليس وجنوده لا يقهرون الناس علي التبعية: قال تعالى: {وَقَالَ الشّيْطَانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ إِنّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ وَوَعَدتّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوَاْ أَنفُسَكُمْ مّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيّ إِنّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬4). o أهل الحق: يفرحون بما لهم عند الله - سبحانه وتعالى -، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ} (¬5). o وأهل الباطل: يفرحون بما عندهم مثل قارون: قال تعالى: {إِنّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىَ فَبَغَىَ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنّ ¬

_ (¬1) سورة الكهف _ الآية29. (¬2) سورة المزمل _ الآية19. (¬3) سورة المدثر _ الآية55. (¬4) سورة إبراهيم _ الآية22. (¬5) سورة يونس _ الآية58.

اللهَ لاَ يُحِبّ الْفَرِحِينَ} (¬1). وقال تعالى: {وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآ آتَاكُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (¬2). وقال تعالى: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الاَخِرَةِ إِلاّ مَتَاعٌ} (¬3). o جهد الباطل لإفساد وتشويه الفطرة، وجهد الحق لإظهار جمال الفطرة. o جهد الحق لتوجيه الناس: من المخلوق إلي الخالق00 ومن الدنيا إلي الآخرة00 ومن الأشياء المادية إلي الأعمال الإيمانية. وجهد الباطل عكس جهد الحق تماما. o { وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} (¬4). ****** ¬

_ (¬1) سورة القصص _ الآية76. (¬2) سورة الحديد _ الآية23 (¬3) سورة الزخرف _ الآية52. (¬4) سورة الزخرف _ الآية52.

مقارنة بين الحاجة والمقصد

مقارنة بين الحاجة والمقصد o قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إلا ليعبدون.} (¬1) o المقصد: واحد لكل البشر، ولكن الحاجات مختلفة. o العبودية: هي أن تتعرف علي مراد الله تعالي، ثم تقوم عليه. o السعادة: هي أن يحقق الله - عز وجل - لك ما تُحبه، بالإيمان والأعمال. o والسعادة: هي لذات مستمرة، لا يفصل بينها لحظة ألم واحدة (لذة بعد لذة) قال تعالى: {إِنّ أَصْحَابَ الْجَنّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأرَأَىئِكِ مُتّكِئُونَ* لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مّا يَدّعُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1).سورة الذاريات _ الآية 56. (¬2) سورة يس - الآيات من 55: 57.

وقال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذّ الأعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنّةُ الّتِيَ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مّنْهَا تَأْكُلُونَ} (¬1). o الشقاء: هو عذاب مستمر، وألم مستمر لا يفصل بينهما لحظة واحدة، ولهذا، قال تعالى: {وَقَالَ الّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنّمَ ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفّفْ عَنّا يَوْماً مّنَ الْعَذَابِ * قَالُوَاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا بَلَىَ قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ} (¬2) ولذلك لا يجوز لإنسان مهما بلغت به الأحوال في الدنيا أن يقول: أنا شقي، لأن حياته يتخللها فترات من الراحة. o الدنيا: تعب وراحة، ولكن السعادة والشقاء في الآخرة. o العبودية: هي أساس السعادة في الآخرة، فإذا بلغ الإنسان مقصده فلن يفكر فيما أصابه من نقص في الحاجات .. وأما إذا لم يبلغ مقصده فلن يفيد اكتمال الحاجات، مثل: فريق كرة سافر وواجه ظروف صعبة جدا في السفر والإقامة، ولكن فاز في المبارة، فلا يتذكر الظروف الصعبة، والعكس لو سافر وأقام بكل سهولة ويسر وراحة ولكن انهزم فلا يفرح براحة وسهولة سفره وإقامته بل يحزن ويتألم لأنه لم يحقق مقصده رغم تفاهة المقصد. o الإنسان في الدنيا بفرح بمقصده ولو كان تافها. ¬

_ (¬1) سورة الزخرف - الآيات من 71: 73. (¬2) سورة غافر - الآيتان 49، 50.

o عندما جعلنا الحاجات مقصد، صارت: {إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬1). لفظ فقط نقوله. o إذا أراد الإنسان يذهب إلي عمله في الدنيا فلا أحد يرغبه، لأنه شعر أن عمله مقصد، وحتى أنه لا يرغب نفسه، لأن المقصد في قلبه، ولكننا رغبنا بعضنا في الآخرة لضعفنا وجهلنا. o المقصد: هو ما أشغل القلب والجوارح في كل وقت، وعلي كل الأحوال، فكرا وعملا. o أهل الدنيا إذا قلت الحاجة عندهم يغضبوا، وإذا زادت يفرحوا، قال تعالى: {اللهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الاَخِرَةِ إِلاّ مَتَاعٌ} (¬2). o الحاجة إذا فاتت الإنسان يتعب قليلا، ولكن لو فاته المقصد جاء الشقاء الأبدي، لأنه إذا جاع يتعب ولكن لا يشقي، وإذا مرض يتعب ولكن لا يشقي، ولكن إذا عصي ربه يشقي، لأن المعصية ضد المقصد. o الجهد: هو تحمل نقصان الحاجات، من أجل القيام علي المقصد. o الترف: هو ترك المقصد، من أجل تكميل الحاجات، قال تعالي: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة - الآية 5. (¬2) سورة الرعد - الآية 26. (¬3) سورة الإسراء - الآية 16.

o المقصد في وسع الناس في كل الأحوال: _ إبراهيم - عليه السلام - أمام جبروت النمرود ولم يترك المقصد. _ أيوب - عليه السلام - في المرض لم يترك المقصد. _ سليمان - عليه السلام - في الملك ولم يترك المقصد. _ يوسف - عليه السلام - في السجن لم يترك المقصد. _ عيسي - عليه السلام - في الفقر ولم يترك المقصد. _ والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - مرت به كل الأحوال التي مرت بالأنبياء وهو أعبد الخلق إلي الله - عز وجل -. o ابتلي كثير من الأنبياء والمرسلين والصالحون بنقص الحاجات، ولكن لم يبتُلوا بالمعصية (أي بنقص المقصد). o الصحابة - رضي الله عنهم - تقطعت نعالهم في غزوة ذات الرقاع وهم يمشون وراء المقصد .. ونحن تقطعت نعالنا ونحن نمشي وراء الحاجات .. جولتان في الأسبوع، ولكن كم جولة في السوق كل يوم؟ من أجل رضا الطفل الصغير تقطعت نعالنا .. فكيف نفعل من أجل رضا الرب الكبير. o الجنة ليست قائمة علي قوانين الأجور، ولكن علي المحبة (محبوبنا الأعلى الله جل جلاله). o الكفار عندهم الحاجات، وليس عندهم مقصد .. ولكن اللذين عرفوا مقصدهم، أخذوا النتيجة قبل النهاية {وَالسّلاَمُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} (¬1). ¬

_ (¬1) سورة مريم - الآية 33.

o الحاجات كثيرة، ولكن المقصد واحد (رضا الله - عز وجل -). o تعلمنا الحاجات، ولم نتعلم كيف نقوم علي المقصد. o الكافر جعل حاجته مقصد، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} (¬1). o يوم القيامة الذي يؤتي كتابه، بيمينه يفرح وينسي الحاجات، قال تعالى: {فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ * إِنّي ظَنَنتُ أَنّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الْخَالِيَةِ} (¬2). o والذي أوتي كتابه بشماله ينسي الحاجات، قال تعالى: {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يا ليتني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَآ أَغْنَىَ عَنّي مَالِيَهْ * هّلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلّوهُ * ثُمّ الْجَحِيمَ صَلّوهُ * ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف - الآية 20. (¬2) سورة الحاقة – الآيات من 19: 24. (¬3) سورة الحاقة – الآيات من 25: 33.

o قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا *وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا *يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَىَ لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (¬1) الزلزلة دمرت كل الحاجات. o القرآن يُشيد بأهل الجنة لقيامهم علي المقصد: قال تعالى: {لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ رَبّهِمْ وَهُوَ وَلِيّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬2). وقال تعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬3). وقال تعالى: {أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬4). وقال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الْخَالِيَةِ} (¬5). وقال تعالى: {يَوْمَ يَتَذَكّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَىَ} (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الزلزلة- الآيات من 1: 8. (¬2) سورة الالأنعام - الآية 127. (¬3) سورة السجدة - الآية 17. (¬4) سورة الأحقاف – الآية 14. (¬5) سورة الحاقة – الآية 24. (¬6) سورة النازعات - الآية 35.

وقال تعالى: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ ... وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىَ الدّارِ} (¬1). . وقال تعالى: {وَسِيقَ الّذِينَ اتّقَوْاْ رَبّهُمْ إِلَى الّجَنّةِ زُمَراً حَتّىَ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين َوَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوّأُ مِنَ الْجَنّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (¬2). ففي نهاية كل آية يُشيد بقيامهم علي المقصد. o نخرج في سبيل الله عز وجل حتى تكون الحاجات خلف المقصد، ففي الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنياً من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مربك شدة قط؟ فيقول: لا، والله، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط " رواه مسلم (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الرعد - الآية 24. (¬2) سورة الزمر - الآيتان 73، 74. (¬3) رياض الصالحين – كتاب الزهد صـ 223.

الأول: كانت الحاجات عنده عالية جداً، والمقصد ضائع. والثاني: كانت حاجاته شبه معدومة، ومقصده عالي وواضح ومقدم. o الإنسان له شيئان: 1) المقصد: قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إلا ليعبدون} (¬1). 2) الحاجة: إذا زادت، طغت علي المقصد. o قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (¬2). وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىَ أَنْ أَقِيمُوا الدّينَ وَلاَ تَتَفَرّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِيَ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (¬3). كل الناس غنيهم وفقيرهم، مريضهم وصحيحهم، يستطيع أن يحقق ¬

_ (¬1) سورة الذاريات - الآية 56. (¬2) سورة المائدة - الآية 3. (¬3) سورة الشورى - الآية13.

المقصد .. ولكن لا يستطيع أحد أن يكمل حاجاته وشهواته. المتأمل في الحياة يجد: صحة ثم مرض .. غني ثم فقر .. شباب ثم هرم .. حياة ثم موت .. لأنها ليست مقصود الحياة، ولهذا كمل الله مقصد الأنبياء، وابتلاهم بالحاجات، مثل: أيوب (- عليه السلام - ومرضه وفقره .. يوسف (- عليه السلام - وإخوته والسجن .. محمد - صلى الله عليه وسلم - وتسع أبيات ليس فيها إلا ماء .. ولم يبتلوا بالمقصد، وفي دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا " (¬1) الدين مرتبط بقلب الإنسان وجوارحه، وليس مرتبط بما عنده من الدنيا .. فنجد أغلب أتباع الأنبياء القائمين علي المقصد فقراء، ولهذا قالوا لنوح عليه السلام: {فَقَالَ الْمَلاُ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاّ بَشَراً مّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتّبَعَكَ إِلاّ الّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرّأْيِ وَمَا نَرَىَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ} (¬2). وقال لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ} (¬3). وقال تعالى له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا ¬

_ (¬1) جزء من حديث رواه الإمام الترمذي في سننه (مشكاة المصابيح _ كتاب الدعوات _ باب جامع الدعاء 2/ 767. (¬2) سورة هود - الآية 27. (¬3) سورة الأنعام - الآية 52.

قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (¬1) أي صبر نفسك مع الفقراء. والله - عز وجل - عاتبه في عبد الله بن أم مكتوم - رضي الله عنه -، قال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلّىَ * أَن جَاءَهُ الأعْمَىَ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّىَ * أَوْ يَذّكّرُ فَتَنفَعَهُ الذّكْرَىَ} (¬2). . وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ} (¬3) وما قال: اليوم أكملت لكم دنياكم. فرغت بيوت الصحابة من الحاجات، ولكن مُلئت حياتهم وبيوتهم بتحقيق المقصد. o الله عز وجل فرغ بيوت زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحاجات لتكميل المقصد .. وفرغت أرحامهم من الحمل حتى يتفرغن ليُعَلمن المقصد والقيام عليه، قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىَ فِي بُيُوتِكُنّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (¬4). o المسلمون اليوم حبس مقاصدهم في مساجدهم فقط، وتفكروا في حاجاتهم، في كل مكان. o كل عمل يُرضي الله فهو (مقصد) .. وكل كلمة تُرضي الله فهي (مقصد) .. ولكن كيف نقوم علي المقصد؟ هو أن تتفاعل مشاعرنا مع ما يحبه الله عز وجل، مثل: خالد ابن الوليد ¬

_ (¬1) سورة الكهف - الآية 28. (¬2) سورة عبس – الآيات من 1: 4. (¬3) سورة المائدة - الآية 3. (¬4) سورة الأحزاب – الآية 34.

قال: ما ليلة تهدي إلي بيتي عروس أنا لها محب وأبشر فيها بغلام بأحب إليَّ من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أُصبح بها العدو (¬1). فكان المقصد واضح في حياتهم، فطغي علي حاجاتهم. o الله عز وجل لا يحرضنا علي الحاجات، ولكن يحرضنا علي المقصد: قال تعالى: {وَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْ آيَاتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬2). وقال تعالى: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. (¬3). وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ... وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬4). قال تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬5). وقال تعالى: {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو يعلي عن قيس بن أبي حازم (انظر كتاب حياة الصحابة _ باب الجهاد _ رغبة الصحابة رضي الله عنهم إلي الجهاد 1/ 437 (¬2) سورة القصص - الآية 87 (¬3) سورة النحل - الآية 125. (¬4) سورة فصلت - الآية 33. (¬5) سورة يوسف - الآية 108.

وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1). وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬2). o والمتأمل في كل من سورة هود وإبراهيم والرعد .. يجدهم كلهم دعوة. o لما نقوم علي المقصد القيام الصحيح، ونقيم غيرنا عليه، نجد الحاجات تراجعت في حياة الإنسان إلي الخلف .. ثم تكون كل الحاجات في خدمة المقصد (أي تُصرف النعم في إرضاء المُنعم جل جلاله .. ثم يُصبح الحصول علي الحاجات عبودية لله تعالي، مثل: البيع: قال تعالى: {وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا} (¬3). والطعام: قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬4). وقال تعالى: {كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىَ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 104 (¬2) سورة آل عمران - الآية 110. (¬3) سورة البقرة - الآية 275. (¬4) سورة البقرة - الآية 172 (¬5) سورة طه - الآية 81.

طلب الرزق: قال تعالى: {هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ} (¬1). الزواج: قال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآءِ مَثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَلاّ تَعُولُوا} (¬2). وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأيَامَىَ مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَأَىءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬3). لما كانت هذه الحاجات حسب أوامر الله عز وجل وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، صارت عبودية لله تعالي. o أعظم مظهر من مظاهر العبودية لله تعالي، هو جهد الدعوة إلي الله - عز وجل -، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّا ً} (¬4). وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (¬5). وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ ¬

_ (¬1) سورة الملك - الآية 15. (¬2) سورة النساء - الآية 3. (¬3) سورة النور – الآية32. (¬4) سورة مريم – الآية40. (¬5) سورة مريم - الآية 51.

رَسُولاً نّبِيّاً} (¬1). وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّاً} (¬2). وقال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ اللهَ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬3) o الموعود علي الجهد: 1) الموعود الكبير: الجنة. 2) الموعود الصغير: النصر. قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلّكمْ عَلَىَ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَىَ تُحِبّونَهَا نَصْرٌ مّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشّرالْمُؤْمِنِينَ} (¬4). الدنيا دار تربية .. فإذا تأخر الموعود الصغير: {نَصْرٌ مّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} فإنما يتأخر للتربية .. أما إذا تأخر الموعود الكبير {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ ¬

_ (¬1) سورة مريم - الآية 54 (¬2) سورة مريم - الآية 56. (¬3) سورة الأحقاف - الآية21. (¬4) سورة الصف – الآيات من 10: 13 ..

الْعَظِيمُ} (¬1) دليل علي غضب الله - عز وجل -. انتصار المشركين مع شركهم استدراج من الله - عز وجل -، ونصرُ إسرائيل الآن استدراج، لأنهم ليسوا أمة رسالة، قال تعالى: {وَالّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} (¬2). وقال تعالى: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذّبُ بِهََذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} (¬3). أما هزيمة المسلمين في غزوة أحد تربية من الله - عز وجل - للأمة إلي يوم القيامة. الدعوة مفتاح يفتح كل السُبل .. النصر ربما يتأخر، ولكن المعية تكوم مع الداعي من أول لحظة، فالمعية أهم من النصرة، وهي (التأييد .. الحفاظة .. الثبات .. الانشراح .. الاطمئنان .. الثقة. فالنصرة تُعطي للكفار استدراجا .. وتربية للمسلم .. ولكن المعية تعطي للخواص فقط. o والنصرة ممكن أن تكون فتنة واستدراج، وهي لعلو دنياك علي عدو غيرك .. ولكن المعية لعلو دينك، فالصحابة في غزوة أحد الله - عز وجل - نصرهم ولكن بعضهم فتن فانهزموا .. وفي حنين البعض ركن للعدد والعدة، قال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمّ وَلّيْتُم مّدْبِرِينَ} (¬4) فانهزموا، وعندما زال ¬

_ (¬1) سورة الصف – الآية 12. (¬2) سورة الأعراف - الآية 182. (¬3) سورة القلم – الآية 44. (¬4) سورة التوبة - الآية 25.

عنهم ذلك، نصرهم الله عز وجل، قال تعالى: {ثُمّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا وَعذّبَ الّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ} (¬1). o الإيمان والجهد يحقق المقصد، والمقصد يأتي بالموعود الكبير، وهو {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬2). o أي شيء يتحقق بعد الموت فهو موعود كبير، لأنه دائم، قال تعالى: (مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلّهَا تِلْكَ عُقْبَىَ الّذِينَ اتّقَوا وّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النّارُ} (¬3). o أما النصر فهو موعود صغير لأنه ينتهي .. وأحيانا يكون الموعود الصغير للفتنة، قال تعالى: {وَأَلّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مّآءً غَدَقاً * لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} (¬4) فالموعود الصغير تفتن به، أما الموعود الكبير تُكرم به. o حب الله - عز وجل - يأتي بالنصر .. فيكون حب الله مقدم علي ما سواه .. فحب الله يأتي بالقدس وفلسطين .. فكانوا معنا ولما انشغلنا بالحاجات عن المقصد، نُزعتا منا، قال تعالى: {الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُاْ ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 26. (¬2) سورة الصف – الآية 12. (¬3) سورة الرعد - الآية 35 (¬4) سورة الجن – الآيتان 16، 17.

الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الأمور} (¬1) لما تركنا الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخرجوا من الدين .. ظلمناهم بترك الدعوة حتى تركوا الدين .. وظلمونا بإخراجنا من أرض الله فلسطين. o ما الفرق بين المقصد والموعود؟ المقصد: ما يحبه الله جل وعلا. والموعود: ما نُحبه نحنُ .. فإذا أقمنا أنفسنا علي ما يحبه الله - عز وجل -، من (الإيمان والتقوى والإنابة والاستقامة والدعوة والصلاة والذكر وقراءة القرآن .. الخ. o فالله - عز وجل - يعطينا ما نُحبه، قال تعالى: {مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مّنْ عَسَلٍ مّصَفّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رّبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُوا مَآءً حَمِيماً فَقَطّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (¬2) والنظر إلي وجه الله تعالي، قال تعالى: {لّلّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىَ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلّةٌ أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬3). o الله - عز وجل - جعل المقصد ميسر لكل إنسان، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك " رواه ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 41. (¬2) سورة محمد - الآية 15. (¬3) سورة يونس - الآية 26.

البخاري (¬1). o ولكن الحاجات غير ميسرة لكل واحد، فلا يستطيع أي إنسان أن يتحصل علي كل احتياجاته في الدنيا، قال تعالى: {مّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نّرِيدُ ثُمّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مّدْحُوراً} (¬2). o في طلب الحاجات: قال تعالي: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ} (¬3). وفي طلب المقصد: قال تعالى: {وَسَارِعُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا} (¬4). وقال تعالى: {سَابِقُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا ... } (¬5) وقال تعالى: {فَفِرّوَاْ إِلَى اللهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ} (¬6). وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ... } (¬7). o الحاجات مهمة والمقصد أهم. o مشاعر الإنسان تابعة لمقصده الذي يضحي من أجله بدون تكلف. ¬

_ (¬1) رياض الصالحين _ باب الرجاء. (¬2) سورة الإسراء - الآية 18. (¬3) سورة الإسراء - الآية. (¬4) سورة آل عمران - الآية 133. (¬5) سورة الحديد - الآية 21. (¬6) سورة الذاريات - الآية 50. (¬7) سورة الحج - الآية 78.

o إذا كانت الحاجات في خدمة المقصد تأخذ حكم المقصد، يعني الدنيا تصير دينا .. وإذا كان المقصد في خدمة الحاجة يأخذ حكم الحاجة، يعني الدين يصير دنيا. o الله عز وجل وعد بقاء الحاجات، وما وعد بقضاء الشهوات في الدنيا، قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ} (¬1). وفي الحديث: " وإن الروح الأمين _ وفي رواية: وإن روح القدس _ نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ". رواه في شرح السنة والبيهقي في شعب الإيمان (¬2). o وأخيرا: من عرف مقصوده قدم له مجهوده. ****** ¬

_ (¬1) سورة هود - الآية 678. (¬2) مشكاة المصابيح _ كتاب الرقاق _ باب التوكل والصبر 3/ 1458.

مقارنة بين جهد الداعي وجهد السياسي

مقارنة بين جهد الداعي وجهد السياسي - السياسي المسلم المخلص، مثل الوزير والبرلماني وخلافه وكذلك الداعي مقصودهما خدمة الأمة، والاثنين لهما الأجر من الله تعالي. - السياسي اهتمامه بإصلاح أحوال الناس أكثر من اهتمامه بإصلاح الأعمال، فالمرأة الباغية من بني إسرائيل التي سقت الكلب، غفر الله لها، لأنها أصلحت حاله، فما بالنا بمن يُصلح مأكولات ومشروبات ومواصلات وسكن وصحة الإنسان المكرم عند الله تعالي، فلا شك أن له الأجر من الله تعالي إذا صلحت نيته، ففي الحديث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: " بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر اللَّه له فغفر له، قالوا: يا رَسُول اللَّهِ! إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: " في كل كبد رطبة

أجر" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وفي رواية للبخاري: " فشكر اللَّه له فغفر له فأدخله الجنة ". وفي رواية لهما: " بينما كلب يطيف (¬1) بركية (¬2). قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها (¬3). فاستقت له به، فسقته فغفر لها به. (¬4). وعنه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وفي رواية له: " مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة ". وفي رواية لهما: " بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر اللَّه له فغفر له" (¬5). ¬

_ (¬1) أي يدور حول (¬2) أي: البئر. (¬3) أي: خفها. (¬4) رياض الصالحين _ باب بيان كثرة طرق الخير صـ 100. (¬5) المرجع السابق صـ 101.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره اللَّه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اللَّه له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه تعالى يتلون كتاب اللَّه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم اللَّه فيمن عنده؛ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). - أما الداعي فاهتمامه الشديد بصلاح الأعمال، وصلاح الأعمال تبدأ بصلاح الجوارح، وصلاح الجوارح بصلاح القلب، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهى القلب " متفق عليه (¬2). وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم (¬3). ¬

_ (¬1) رياض الصالحين _ باب قضاء حوائج المسلمين صـ 145. (¬2) المرجع السابق _ باب الورع وترك الشبهات صـ 267. (¬3) المرجع السابق _ باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأقوال والأفعال البارزة والخفية صـ 42.

- سيدنا موسي - عليه السلام - وجد فساد في أحوال وأعمال بني إسرائيل، فكان شغله الشاغل إصلاح الأعمال، وفي فترة إصلاح الأعمال، جاءت عليهم بعض الأحوال، يعني جاءت عليهم المشقة والبلاء أثناء القيام بالجهد، قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىَ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ الأرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ * قَالُوَاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (¬1). وكذلك لو نظرنا إلي حياة الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -، لوجدنا أنهم وقعت عليهم المشقة والبلاء، في فترة التربية بمكة المكرمة. - السياسي أول ثمار جهده ينعكس علي نفسه وأهله وأولاده، فتصلح أحوالهم، فيتحسن مطعمهم ومشربهم ومسكنهم وملبسهم ومركبهم. أما الداعي: أول ثمار جهده ينعكس علي نفسه وأهله وبيئته، وذلك بإصلاح أعمالهم، بسبب الدعوة والتعليم وإقامتهم علي الأعمال قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الاُولَىَ وَأَقِمْنَ الصّلاَةَ وَآتِينَ الزّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىَ فِي بُيُوتِكُنّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (¬2). ¬

_ (¬1) سورة الأعراف _ الآيات من 127: 129. (¬2) سورة الأحزاب _ الآيتان 33، 34.

وقال تعالى: {قَالُوَاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنّهُ حَمِيدٌ مّجِيدٌ} (¬1). - السياسي نهاية فكره محلي لا يتجاوز بلده، فممكن أن نقول وزير مصري .. وزير أردني، وليس وزير عالمي مشغول بإصلاح أحوال الناس ي بلده، وفي كل العالم 00 أما الداعي: أول فكره وجهده للعالم، فلا نقول داعي مصري أو سعودي ولكن عالمي مثل: الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنهم -. - السياسي يحتاج إلي قوة فكرية وعلمية واقتصادية وعشائرية، حتي يؤثر في مركز الثقل، حتي يستطيع قضاء حاجاته، وحاجات الناس00 أما الداعي لا يحتاج إلي الأسباب المادية، فحتى لو كان أعمي أو فقير أو عبد مثل: بلال وعمار وصهيب، يستطيع القيام بهذا الجهد المبارك. - لا يمكن توحيد فكر السياسة في العالم، فكل واحد يتفكر حسب أحواله وأسبابه وبلده، ولكن الداعي عالمي الفكر والجهد والأسلوب، والهم والدعاء والغاية. - الأحوال المخالفة تضعف شخصية السياسي وربما يفقد منصبه 00 أما الداعي فالأحوال المخالفة تقوي شخصيته وتربيه. - السياسي تفرض عليه شخصيته السياسة بالرد والنقد وإظهار العيوب 00 أما الداعي ليس عنده الرد والنقد، ولكن عنده الترغيب والدعوة. - السياسي يتكلم عن المخلوق أكثر مما يتكلم عن الخالق، ويتكلم عن الدنيا أكثر مما يتكلم عن الآخرة، ويتكلم عن الأسباب أكثر مما يتكلم عن الأعمال 00 والداعي يتكلم عن الخالق ويتكلم عن الآخرة، ويستحي أن يذكر المخلوق والأسباب المادية والدنيا. ¬

_ (¬1) سورة هود _ الآية 73.

- السياسي يقوم منصبه علي أساس الشهرة، وكذلك المفتي ومعلم الدين والفقيه 00 أما الداعي لا يأخذ بدعوته شهرة، فقط قال تعالى: {وَاجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ} (¬1) وقال تعالي: {وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} (¬2). وبعض الأحيان يكون غير مرغوب. - السياسي جهده جهد الخواص ولا يصلح للسياسة كل الناس 00 أما الدعوة فيلح لها كل الناس حتى النساء والصبيان والعبيد، وأصحاب الأعذار مثل: المرضي والفقراء وأصحاب العاهات. - النبي - صلى الله عليه وسلم - قام بالدعوة إلي الله - عز وجل - لإصلاح الأعمال، وبعدها فتح الله - عز وجل - بأفضل سياسة راشدة 00 وعندما أنزل الله الأوامر لإصلاح الأحوال، فكان التنفيذ الفوري، فانصلحت الأحوال فور التنفيذ. ¬

_ (¬1) سورة الشعراء _ الآية84 (¬2) سورة مريم _ الآية50.

من صفات اليهود

من صفات اليهود قال تعالى: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضّالّينَ} (¬1). وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} (¬2). وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّورَ خُذُوا مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (¬3). وقال تعالى: {مّنَ الّذِينَ هَادُوا يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة - الآيتان 6، 7. (¬2) سورة الأنفال - الآية 21. (¬3) سورة البقرة - الآية 93.

سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدّينِ وَلَوْ أَنّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً} (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال لما نزلت على رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {للهِ ما فِي السّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِيَ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَاللهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2). اشتد ذلك على أصحاب رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فأتوا رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رَسُول اللَّهِ كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والجهاد والصيام والصدقة وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟! بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير." فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل اللَّه تعالى في إثرها: {آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (¬3). فلما فعلوا ذلك نسخها اللَّه تعالى فأنزل اللَّه عَزَّ وَجل: {لاَ يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا ¬

_ (¬1) سورة النساء – الآية 46. (¬2) سورة البقرة – الآية 284. (¬3) سورة البقرة – الآية 285.

لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬1). قال: " نعم " {رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا} (¬2). قال: " نعم {رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ قال نعم وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬3). قال:" نعم. رواه مُسْلِمٌ. (¬4). وعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (¬5)) وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ". قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ (¬6). ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية286. (¬2) سورة البقرة – الآية286 (¬3) سورة البقرة – الآية286. (¬4) كتاب رياض الصالحين _ باب وجوب الانقياد لحكم اللَّه تعالى وما يقوله من دعي إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهي عن منكر صـ 116. (¬5) سورة الأعراف – الآية138. (¬6) في كتاب الفتن _ باب مَا جَاءَ لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ برقم 2180، صـ 554.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ أَوِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً " (¬1). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " رواه الترمذي (¬2). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري (¬3). o من فقه الدعوة أن نعرف الشر حتى نتوقاه، فنتقزز من الصفات الذميمة لا من الذات، فقد يموت اليهود في العالم وتبقي اليهودية لأن اليهود ذوات واليهودية ¬

_ (¬1) رواه أبو داود برقم 4596، والترمذي برقم 2640، وابن ماجة برقم3991. (¬2) في كتاب الإيمان _ باب ما جاء في افتراق الأمة برقم 2641، صـ 659. (¬3) رياض الصالحين _ باب العلم صـ 478.

صفات قبيحة .. لو بقي اليهود في بلادهم ولم يؤذونا فلم نحاربهم. o يجب أن نخاف من الصفات القبيحة والذميمة، فخوف عمر من النفاق جعله من أبعد الناس عنه. o مطلوب المغايرة من حياة الكفار إلي المطابقة والمماثلة لحياة المؤمنين الصالحين. o نخرج في سبيل الله - عز وجل - لنطلب الكمال .. أما الأنبياء عليه السلام الله - عز وجل - كملهم ثم طالبهم بالدعوة إليه. o حياة الأنبياء والمرسلين كلها مضيئة، ولكن يختلفون في الإضاءة مثل النجوم. o الأصل في الدين حياة الأنبياء والمرسلين. o إذا كان الإنسان معه الحق لا يتأثر بالباطل والأمثلة كثيرة: فالله - عز وجل - صنع حياة موسي عليه السلام في بيئة فرعون الفاسدة. وكذلك امرأة فرعون كانت في بيئة فرعون الفاسدة. وكذلك كل الأنبياء الحق الكامل كان معهم فلم يتأثروا بالباطل الذي في أقوامهم، بل هم قاموا بتغيير البيئة للأفضل والأكمل بعد جهد الدعوة إلي الله. o وإذا كان الإنسان معه الباطل، فلنوح وامرأة لوط وابن نوح ووالد إبراهيم .. وإبليس عليه اللعنة عاش وسط الملائكة {وهمٌ لاّ يَعْصُونَ اللهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬1) ولكن لم يتأثر بالبيئة. o اليهودية تسمم القلب .. فاليهودية في تل أبيب (الذات) .. واليهودية في بيوتنا (الصفات) (¬2) فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: " نظفوا أفنيتكم فإن اليهود لا ينظفون ¬

_ (¬1) سورة التحريم _ الآية6. (¬2) ومعناه: أن حياتنا فيها كثير من حياتهم.

أفنيتهم". فمحاربة اليهود علي مدار 24 ساعة فرض عين علي كل مسلم ومسلمة. الذي يجلس يأتيه الذباب، ذبابة، ذبابة .. ولكن لوخرج وتحرك في الهواء يذهب الذباب .. فلا بد من الحركة للدين حتي تخرج من حياتنا اليهودية. o من صفات اليهود في القرآن: (1) استثقال الأوامر: قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّورَ خُذُوا مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (¬1). أما أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكانوا يفرحون بالوحي، ويبكون علي فقدان الوحي كما حدث مع أم أيمن حينما زارها الصديق والفاروق، فعن أنس قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها، ما يبكيك أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: إني لا أبكي إني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم (¬2). ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية93. (¬2) كتاب رياض الصالحين _ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة صـ 186.

فنخرج في سبيل الله - عز وجل - حتي نقول: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ونغاير اليهود. (2) الإقبال علي الشهوات وترك المجاهدات: قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىَ لَن نّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنّ لَكُمْ مّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مّنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وّكَانُوا يَعْتَدُونَ} (¬1). الله - عز وجل - رزقهم المنًّ والسلوى في التيه بدون التعب، فيصبحون فيجدونه معلق في الشجر، وظلوا هكذا أربعين عاما، فلم يصبروا علي المنًّ والسلوى، فلم يستحيوا أن يسألوا موسي - عليه السلام - أن يدعوا الله أن يرزقهم ما ذُكر في الآية .. أما أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد صبروا علي تحمل الجوع حتى أكلوا ورق الشجر .. ولذا نخرج في سبيل الله - عز وجل - حتى نقلل من الشهوات. (3) اليهود يمجدون أنفسهم ولا يحبون أن يظهر الخير من عند غيرهم: قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَأَىءَهُ وَهُوَ الْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (¬2). ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية61. (¬2) سورة البقرة _ الآية91.

ولكن أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال الله عنهم: {والّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (¬1). (4) اليهود يفترون علي الله الكذب: قال تعالى: {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَىَ بِهِ إِثْماً مّبِيناً} (¬2). أما المسلم: قال تعالى: {يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ} (¬3). وقال تعالى: {مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مّن قَضَىَ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً} (¬4). فشهد الله - عز وجل - بصدق المؤمنين. أما المنافق فسمته الكذب يأخذ من صفات اليهود: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " متفق عليه (¬5). ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية 4. (¬2) سورة النساء _ الآية 50. (¬3) سورة التوبة _ الآية119. (¬4) سورة الأحزاب _ الآية23. (¬5) كتاب رياض الصالحين _ باب تحريم الكذب صـ 531.

وعن صفوان بن سليم، أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيكون المؤمن جبانا؟ قال " نعم ". فقيل له: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: " نعم ".فقيل: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: " لا ". رواه مالك والبيهقي في شعب الإيمان مرسلا (¬1). (5) البهتان: كان اليهود في المدينة يقرأون صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة ويقولون للأنصار إن هذا الزمان أوان بعثة نبي، فإذا ظهر سنتبعه ونقتلكم شر قتلة، فلما بعث - صلى الله عليه وسلم -، آمن به الأنصار، وكفر به اليهود وحسدوه وحاربوه وحاولوا قتله {وَلَمّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَآءَهُمْ مّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬2). وهذا عبد الله بن سلام الحبر اليهودي يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قوم بهت، وإليك قصة إسلامه: قال: لما سمعت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفت صفته واسمه وهيئته وزمانه الذي كنا نتوكف له (¬3)، فكنت مسرا بذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فلما قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة. فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبرت. فقالت عمتي حين ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح _ كتاب الآداب _ باب حفظ اللسان والغيبة والشتم 3/ 1364. (¬2) سورة البقرة _ الآية89. (¬3) توكف الخبر: إذا انتظر. انظر النهاية 5/ 221.

سمعت تكبيري: لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت. قلت لها: أي عمة وهو، والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه، بعث بما بعث به ". فقالت له: " يا ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ " (¬1).قلت لها: " نعم ". قالت: " قذاك إذا ". قال: " فخرجت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما تبينت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب، فكان أول شئ سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول: " افشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " (¬2). وعند البيهقي عن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إني سائلك عن خلال لا يعملهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ وما هذا السواد الذي في القمر؟ قال: " أخبرني بهن جبريل آنفا. قال: " جبريل "؟ قال: " نعم ". قال " عدو اليهود من الملائكة ". " ثم قرأ: قال تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لّجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَىَ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬3). قال: " أما أول أشراط الساعة: فنار تخرج على الناس من ¬

_ (¬1) بعثت في نفس الساعة: أي بعثت وقد حان قيامها وقرب، إلا أن الله أخرها قليلا، فبعثتني في ذلك النفس، فأطلق النفس على القرب. انظر النهاية 5/ 94. (¬2) أخرجه الترمذي 4/ 386 (1854) وقال: حسن صحيح غريب. ورواه البخاري والبيهقي عن أنس، وابن إسحاق عن رجل من آل عبد الله بن سلام، والإمام أحمد، ويعقوب بن سفيان عن عبد الله بن سلام، والبيقهي عن موسى بن عقبة وعن ابن شهاب (سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد 3/ (¬3) سورة البقرة _ الآية97.

المشرق (تسوقهم) إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة: فزيادة كبد حوت، وأما الولد: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، وأما السواد الذي في القمر: فإنهما كانا شمسين. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا الْلّيْلَ وَالنّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ الْلّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مّن رّبّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلّ شَيْءٍ فَصّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} (¬1) فالسواد الذي رأيت هو المحو ". فقال: " أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله ". ثم رجع إلى أهل بيته فأمرهم فأسلموا وكتم إسلامه. ثم خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يا رسول الله! إن اليهود قد علمت أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، وأنهم قوم بهت، وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني، وقالوا في ما ليس في، فأحب أن تدخلني بعض بيوتك ". فأدخله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض بيوته، وأرسل إلى اليهود فدخلوا عليه فقال: " يا معشر يهود يا ويلكم اتقوا الله فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله قد جئتكم بالحق فأسلموا ". فقالوا: ما نعلمه. فقال: " أي رجل فيكم الحصين بن سلام؟ قالوا: " خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ". فقال: أرأيتم إن أسلم ". قالوا: " أعاذه الله من ذلك ". فقال: " يا ابن سلام اخرج إليهم ". فخرج عبد الله فقال: " أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله حقا، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة: اسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله ¬

_ (¬1) سورة الإسراء _ الآية12.

وأؤمن به وأصدقه وأعرفه. قالوا: " كذبت أنت شرنا وابن شرنا "، وانتقصوه. قال: " هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب وفجور؟ " قال: " وأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث وحسن إسلامها " (¬1). وقال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىَ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} (¬2). لذا نخرج في سبيل الله ونغاير اليهود .. ونتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمليا. (6) الغلو في الدين: قال تعالى: {يَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاّ الْحَقّ إِنّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لّكُمْ إِنّمَا اللهُ إِلََهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لّهُ وما فِي السّمَاوَات وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَىَ بِاللهِ وَكِيلاً} (¬3). وقال تعالى: {قُلْ يََأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ وَلاَ تَتّبِعُوَاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلّوا كَثِيراً وَضَلّوا عَن سَوَآءِ السّبِيلِ} (¬4). وقال تعالى: {وَقَالُوا اتّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لّهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلّ لّهُ قَانِتُونَ} (¬5). ¬

_ (¬1) سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد 3/. (¬2) سورة النساء_ الآية156. (¬3) سورة النساء_ الآية171. (¬4) سورة المائدة_ الآية77. (¬5) سورة البقرة_ الآية116.

وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ} (¬1). فحكم الله عليهم بالكفر: قال تعالى: {لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَآلُوَاْ إِنّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ وَمَن فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَللهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَاللهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2). وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَار * لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلََهٍ إِلاّ إِلََهٌ وَاحِدٌ وَإِن لّمْ يَنتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة التوبة_ الآية 30. (¬2) سورة المائدة_ الآية17 (¬3) سورة المائدة _ الآيتان 72، 73.

(7) وصف الله بما لا يليقُ به - سبحانه وتعالى -: قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} (¬1). وقال تعالى: {لّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (¬2). (8) احتقار الآخرين: قال تعالى: {قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي اللأُمّيّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (¬3). لذلك أفسدوا في الأرض، والفساد في الأرض طرق العلو في الأرض .. أما أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان عندهم احترام الآخرين. ولذا نخرج في سبيل الله - عز وجل - حتى نتعلم احترام الآخرين، حتي نغاير حياة اليهود. (9) التقصير مع تزكية النفس: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُزَكّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (¬4). وليس ذلك فحسب بل يقولون: نحن شعب الله المختار. ¬

_ (¬1) سورة المائدة _ الآية 64. (¬2) سورة آل عمران _ الآية 181. (¬3) سورة آل عمران _ الآية75. (¬4) سورة النساء _ الآية 49.

أما نحنُ أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما قلنا عن أنفسنا بل الله - عز وجل - قال عنا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1). ونقولها (ولا فخر) ونكررها لنشجع أنفسنا ونقوم علي المسئولية ونخدم الناس. ولذا نخرج لأننا أمة الخير نُحب الخير للغير، وندعوهم للخير حتى نغاير صفات اليهود. (10) التحايل واتباع الهوى: كما في قصة أصحاب السبت قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذِينَ اعْتَدَوا مِنْكُمْ فِي السّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (¬2). وقال تعالى: {وَسْألْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَا قَالَتْ أُمّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىَ رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ * فَلَماّ نَسُوا مَا ذُكّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَماّ عَتَوْاْ عَن مّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * ¬

_ (¬1) سورة آل عمران _ الآية110 (¬2) سورة البقرة _ الآية65.

وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكَ لَيَبْعَثَنّ عَلَيْهِمْ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ إِنّ رَبّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنّهُ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ} (¬1). (11) ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُوا يَعْتَدُون * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (¬2). (12) موالاة الكفار: قال تعالى: {تَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلََكِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (¬3). أما أمة الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالي عنهم: {لاّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ يُوَآدّونَ مَنْ حَآدّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوَاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلََئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ ¬

_ (¬1) سورة الأعراف _ الآيات من 163: 167. (¬2) سورة المائدة _ الآيتان 78، 79. (¬3) سورة المائدة _ الآيتان 80، 81.

وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلََئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1). (13) الجُبن: قال تعالى: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرًى مّحَصّنَةٍ أَوْ مِن وَرَأَىءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} (¬2). (14) فرقة القلوب واختلافها: قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّىَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ} (¬3) ولكن أهل الإيمان: قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ} (¬4). وقال تعالى: {مّحَمّدٌ رّسُولُ اللهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي ¬

_ (¬1) سورة المجادلة _ الآية 22. (¬2) سورة الحشر _ الآية14. (¬3) سورة الحشر _ الآية14. (¬4) سورة آل عمران _ الآية103.

وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىَ عَلَىَ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (¬1). ولذا نخرج في سبيل الله - عز وجل - لتجميع الأمة بالكامل، قلبا قبل القالب، والأفكار قبل الأقطار .. فبالدعوة تكون الأمة أمة حقيقية، ونغاير صفات اليهود. (15) أكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله - عز وجل -: قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ كَثِيراً مّنَ الأحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬2). (16) إيذاء الدعاة (الأنبياء عليهم السلام): قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ آذَوْا مُوسَىَ فَبرّأَهُ اللهُ مِمّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهاً} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الفتح _ الآية 29. (¬2) سورة التوبة _ الآية34. (¬3) سورة الأحزاب _ الآية69

(17) الحرص علي الحياة: قال تعالى: {وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَىَ حَيَاةٍ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (¬1). والملاحظ أن كلمة حياة جاءت نكرة غير معرفة بـ ال وهذا دليل علي أنهم يحرصون علي أي حياة (حياة البهائم .. حياة الشياطين). (18) المشاعر الدنيوية: قال تعالى: {يَأَيّهَا الرّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوَاْ آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الّذِينَ هِادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هََذَا فَخُذُوهُ وَإِن لّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُوْلََئِكَ الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬2). اليهود عندهم لا إله إلا الله وليس عندهم محمد رسول الله00 ولكن النصاري ما عندهم لآ إله إلا الله ولا محمد رسول الله 00 ومع ذلك سهل علي النصاري الدخول في الإسلام عن اليهود، لأن النصراني ضال وعندما يعرف الحق ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية96. (¬2) سورة التوبة _ الآية41.

يستجيب، أما اليهودي فهو متكبر والمتكبر ليس له نصيب في الهداية، مثلُ إبليس فلا يقبل الحق00 وكذلك المسلم المتكبر إذا طُلب منه الخروج يرفض مع أنه يعلم أنه حق (ما منعه إلا الكبر) 00 بخلاف المسلم العاصي الضال سهل عليه أن يخرج في سبيل الله - عز وجل -. ولذا نخرج في سبيل الله لتحويل مشاعرنا من الدنيا إلي الآخرة ونغاير صفة اليهود. (19) ترك الجهد للدين: قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَىَ إِنّا لَنْ نّدْخُلَهَآ أَبَداً مّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلآ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (¬1). (¬2). ولكن الصحابة - رضي الله عنهم - لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر لأخذ العير ووجد أن أبا سفيان قد نجا بالقافلة وأتى خبر مسير قريش فاستشار الناس فتكلم المهاجرون فأحسنوا ثم استشارهم. وفى رواية فقام أبو بكر فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن الاسود فقال: يا رسول الله أمضِ لما أمرك الله فنحن معك والله ما نقول لك كما قال قوم موسى لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ َ} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون (¬3). ¬

_ (¬1) سورة المائدة _ الآية24. (¬2) سورة المائدة _ الآية24 (¬3) وفى ابن هشام متبعون.

ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إن معكما مقاتلون (¬1). عن يمينك وعن شملك وبين يديك ومن خلفك والذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فأشرق وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له خيراً ودعا له. وذكر موسى بن عقبة وابن عائذ. أن عمر قال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقابلنك فأهب لذلك أهبته. وأعد لذلك عُدته ثم استشارهم ثالثاً ففهمت الأنصار أنه يعنيهم وذلك أنهم عدد الناس فقام سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وجزاه الله خيراً فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنك تعرض بنا قال: أجل وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود فى ديارهم فاستشارهم ليعلم ما عندهم فقال سعد: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامضِ لما أردت ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها ألا ينصروك إلا فى ديارهم وإنى أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فاظعن حيث شئت ... وصل حبال من شئت ... واقطع حبال من شئت ... وخذ من أموالنا ما شئت ... وأعطنا ما شئت ... وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ... وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لرأيك ... فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان. وفى رواية برك الغماد من ذى يمن لنسيرن معك. والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجلٌ واحد .. وما نكره أن نلقى عدونا غداً .. وإنا لصبرٌ فى الحرب .. صُدق فى اللقاء .. لعل ¬

_ (¬1) وفى ابن هشام متبعون.

الله يُريك منا ما تقر به عينك .. ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره فسربنا على بركة الله فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك ولا نكون كالذين قالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (¬1). ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون. فأشرق وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسر بقول سعد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدنى إحدى الطائفتين والله لكأنى أنظر الآن إلى مصارع القوم (¬2) .. أعظم ذم في القرآن: قال تعالى: {اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} (¬3). وقال تعالى: {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} (¬4). قالهما الله - عز وجل - للمنافقين، فهم علي شاكلة اليهود. إذا تحركت الأقدام تحركت الأفهام. إذا تحركت الأقدام تحركت القلوب إلي علام الغيوب حتى تنال المطلوب. أقعد وأُقعد غيري هذا تشبه باليهود 00 أما أتحرك وأُحرك غيري هذا هو المطلوب. ¬

_ (¬1) سورة المائدة _ الآية24 (¬2) انظر سبل الهدى والرشاد - 4/ 42، حياة الصحابة - 1/ 396. (¬3) سورة التوبة_ الآية46. (¬4) سورة التوبة _ الآية 83.

جزاء القعود والتقصير00الكبر والتعالي علي الدين00 ولذا بعد كل كلمة نقولها نرغب الناس علي الخروج والحركة للدين00 حتى الناس يسمونا جماعة الخروج00 وبذلك نغير صفة اليهود0 * * * * *

اليقين علي أنه لا إله إلا الله

اليقين علي أنه لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه · قال تعالي: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (¬1). · لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه من علمها؟ الذي عاش تحت ظلالها طول الحياة العمر كله00 من تعلمها تعلم عبودية 24 ساعة. · لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه تقتضي منك أن تظل علي مدار 24 ساعة أن تنفي الخوف من غيره - سبحانه وتعالى -، تنفي أن تقصد غيره - سبحانه وتعالى -، تنفي طوال 24 ساعة أن يلتفت القلب إلي غيره - سبحانه وتعالى -، تقتضي علي مدي24 تتقلب وتثوي، تتحرك وتسكن، تحت ظلال لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه. · ليس علم لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه يقتضينا 5 دقائق أن نلتزم بمنهج العبودية لمدة 5 دقائق خلال الصلاة، في الصلاة العبودية والانصياع، ثم بعد الصلاة نتحلل لهذا جاء بعد لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} كل حركة لا بد أن تحكمها لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كل سكنة لا بد أن تحكمها لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. · لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شريعتك، وشريعة كل مؤمن، تستغفر لتقصيرك وتقصير كل ¬

_ (¬1) سورة محمد - الآية 19.

مؤمن، وكل مؤمنة {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، حتي تقوم بحق لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، تفعل الخير وتستغفر والمخاطب فاعلم، سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، سيد من علم، خير من علم، سيد الخلق كمل علمه والله - سبحانه وتعالى - يقول له - صلى الله عليه وسلم -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، ازداد كمالا بالعلم، ازداد كمالا بمعرفة لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه. · علم الإيمان بحر لا ساحل له، لا تقول خلاص علم الإيمان وصل، والله يقول لنبيه (سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -): {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ازداد علما ازداد معرفة ازداد كمالا 00 هذه الآية في أي سورة، في القرآن المكي أم القرآن المدني؟ سورة محمد سورة مدنية، نزلت في المدينة وهو يجاهد من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وهو يؤذي من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وهو يذل نفسه من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وهو يصبر من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، نزلت في أواخر العهد المدني يعني 20 سنة وهو يضحي من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}. · إذن فقه الأحكام محدود، كيف تتوضأ؟ وقت قليل تتعلم، ولكن علم الإيمان ما له أول ولا آخر، كلما تجتهد تزداد علم الإيمان، علم الإيمان مقرون بقوة الجهد، ما تستطيع أن تتعلمه وأنت جالس، توحيد الربوبية توحيد الإلوهية، معني لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه: نفي وإثبات. · أنت الآن تتعلم السورة، ولكن ما جاءت الحقيقة، أنت الآن تصور الإيمان، تصور أسد، تصور الخوف من الله، تتصور نار حامية، وما نزلت دمعة واحدة، ولكن الذي عنده علم، دليل العلم ما تكلموا، عن علم لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، ولكن الدليل: الخوف {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ

الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (¬1) دليل العلم ليس الكلام عن الخوف، دليل الإيمان ليس الكلام عن الإيمان، دليل الخوف ليس الكلام عن الخوف، ولكن تخاف من الله وتتقي ما يغضب الله، دليل التوكل ليس الكلام عن التوكل، ولكن دليل العلم أنه توكل علي الله، دليل التضحية ليس الكلام عن التضحية، دليل العلم أن تُضحي من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، تأتي الحقيقة. · علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته في دقائق، قال - صلى الله عليه وسلم -: " صلوا كما رأيتموني أُصلي " رواه البخارى عن مالك بن الحويرث (¬2) صلي فصلوا00 في الحج: حج مرة واحدة في العمر، فتعلمت الأمة كلها، ما كتب لهم شيئا عن الحج، فقط قال - صلى الله عليه وسلم -: " لتأخذوا عني مناسككم " رواه مسلم (¬3)، يطوف فيطوفوا، يسعي فيسعون، لكن علم الإيمان طلب منهم الجهد مدي الحياة حتي يظل هذا العلم راسخ في قلوبهم: قال تعالى: {وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬4). · الهداية كمال الإيمان، تستطيع أن تكون مفتي كبير وأنت تسمع كلام الفتوى، لأن الفتوى بالسماع، تذهب إلي المفتي فتسأله في مسألة في الطلاق، فيقول لك: اسمعني، وليس اتبعني، لأن المفتي ما يُريد أن يُطلق، هذا الطلاق رجعي00 هذا الطلاق بائن بينونة كبري 00 زوجتك تحل لك 00 زوجتك لا تحل لك، حلال أو حرام، فقط اسمعني 00 أما علم الإيمان، علم الدعوة إلي الله، قال تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ} ومن سمعني؟ لا {وَمَنِ اتّبَعَنِي ¬

_ (¬1) سورة المائدة – الآية 83. (¬2) مشكاة المصابيح – باب تأخير الآذان – 1/ 215. (¬3) مشكاة المصابيح – باب رمي – 2/ 805. (¬4) سورة العنكبوت – الآية 69.

وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬1) اسمعوني أهدكم؟ اتبعوني أهدكم .. ما أجلسهم وجلس معهم، وقال: اجلسوا، اسمعوني، ماذا أقول عن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه! ما كتب له شيئا في تفسير لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه. · لو خرج صحابي من قبره وسألته عن توحيد الربوبية أو توحيد الألوهية ما يعرف لأنه مصطلح جديد، ليس المصطلح خطأ، ولكن لا تفرضه علي الناس. · ليس علم الإيمان كلمات ننظمها، ونرددها علي ألسنتنا، ولكن كيف تتوجه القلوب بالكلية إلي الله - عز وجل -، يقول أحد الصالحين: اللهم! وجه قلوبنا إليك حتى لا يقع منها نظر إلا عليك، كيف تتوجه مشاعر قلوبنا إلي الله، كيف تمتلئ قلوبنا بهمَّ دين الله - عز وجل -، كيف تمتلئ قلوبنا بحب أوامر الله - عز وجل -. · قال تعالي: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} (¬2) فالثروة الإيمانية في الصدور، والثروة المادية في الجيوب، لا تستطيع أن تضع دينار واحد في قلبك، ولا تستطيع أن تضع ذرة واحدة من الإيمان في جيبك، ولو دليل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه بالألسنة لأخذ المنافق درجة ممتاز علي الإيمان، قال تعالي: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (¬3)، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يعجب بكلام الدنيا، لا يعجب بهزل، ولا بغناء، ولا ثرثرة، يعجب بكلام صدق عن ربه. · {يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} وما عنده ذرة إيما ن، حتى يأخذ هوية في المجتمع الإسلامي، ضغط علي لسانه وسمع كلام الرسول، وتكلم كلام الرسول أمام ¬

_ (¬1) سورة يوسف - الآية 108. (¬2) سورة العاديات – الآية 10. (¬3) سورة البقرة – الآية 204.

الناس (كلام الإيمان)، فكان عبد الله بن أبي زعيم المنافقين يقف كل جمعة بجوار المنبر، محمر الوجه، ويحرض الناس علي الجهد (¬1) {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (¬2) يعني زي إسلامي لحية طويلة وثوب قصير، قال تعالي: {إِذَا ¬

_ (¬1) قال عبد الله بن إسحاق في السيرة (3/ 153) ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة يعني مرجعه من أحد وكان عبد الله بن أبي بن سلول كما حدثني ابن شهاب الزهري له مقام يقومه كل جمعة لا ينكر شرفا له من نفسه ومن قومه وكان فيهم شريفا إذا جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال أيها الناس هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهركم أكرمكم الله به وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له مطيعين ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع يعني مرجعه بثلث الجيش ورجع الناس قال يفعل ذلك كما كان يفعله فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا اجلس أي عدو الله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول والله لكأنما قلت بجرا الآن قمت أشدد أمره فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا ويلك مالك قال قمت أشدد أمره فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني لكأنما قلت بجرا الآن قمت أشدد أمره قالوا ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال والله ما أبتغي أن يستغفر لي وقال قتادة والسدي أنزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه بحديث عنه وأمر شديد فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يحلف بالله ويتبرأ من ذلك وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعذموه وأنزل الله فيه ما تسمعون وقيل لعدو الله لو أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يلوي رأسه أي لست فاعلا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبي الربيع الزهراني حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلي فيه فلما كانت غزوة تبوك بلغه أن عبد الله بن أبي ابن سلول قال: ليخرجن الأعز منها الأذل فارتحل فبل أن ينزل آخر النهار وقيل لعبد الله بن أبي ائت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يستغفر لك فأنزل الله تعالى (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم) وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير وقوله إن ذلك كان في غزوة تبوك فيه نظر بل ليس بجيد فإن عبد الله بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق. (تفسير القرآن العظيم لابن كثير – تفسير سورة المنافقون) (¬2) سورة البقرة – الآية 204.

رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬1) ولكن أين السيرة والسريرة؟، إذن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه تقتضينا الصورة الإسلامية النبوية، لا نستهزئ بها، والصورة مهمة، لكن أين السيرة والسرية؟. · لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه تجمل صورتك وسريرتك وسيرتك، فتجملنا بصورة المسلم وهذه الصورة لا تكلفنا شيء، اللحية أسهل من الحلق، الحلق يكلفك، والترك فقط (أعفو اللحى) فالصورة مهمة ولكن لا تكلفني. · معني لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: كيف اجتهد علي سريرتي المملوءة بثروة الإيمان، وكيف أجتهد علي جوارحي بالأعمال التي يريدها الله - عز وجل -. · فدليل الإيمان عند المنافق كلمات طيبة، وما في تضحية طيبة، ولذا ما قبل منه هذا الدليل {: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} (¬2). · ودليل علم لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عند الصحابة أن الإيمان موجود، دليل أن قلوبهم تمتلئ بالإيمان، التضحية {َ ومِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (¬3) يشري، يضحي، من أجلها هاجر، من أجلها بذل، من أجلها ناصر، من أجلها أنفق، من أجلها أعطي {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى} (¬4) من أجلها بذل كل ما في وسعه. ¬

_ (¬1) سورة المنافقون – الآية 4. (¬2) سورة البقرة – الآية 8. (¬3) سورة البقرة – الآية 207. (¬4) سورة الليل – الآية 5.

· مع أن المؤمن كلامه طيب، ولكن مدحه بأحسن دليل، تبدأ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (علم الإيمان) بالكلمة الطيبة وتنتهي بالجهد الطيب، الكلام الطيب بداية الطريق والتضحية الطيبة نهاية الطريق، الكلمة الطيبة، في خط البداية: بيانات طيبة، حتى نمكن لنفي المخلوق وعدم التأثر بالمخلوق، ونمكن لعظمة الخالق في قلوبنا، وننفي هيبة المخلوق من قلوبنا، وننفي جمال وجلال المخلوق، وحتى ننفي هيمنة المخلوق، وحتى نتأثر بالخالق، فلابد بالتضحية الصادقة. - لهذا نخرج في سبيل لله يومين ثلاثة، ويكون تركيزنا علي علم الإيمان، وعلم الأحكام حاجته غير حاجتي، علم الإيمان حاجتك حاجتي، حاجة مشتركة، كيف يأتي في قلوبنا الخوف من الجليل، والشوق إلي موعود الله من الجنان، حالنا اليوم مثل: حال أهل الأعراف، لا حال أهل الجنة، ولا حال أهل النار، قال تعالي: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * َإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} (¬1) (¬2) فإذا نظروا إلي أهل الجنة فيطمعون أن يدخلهم الله ¬

_ (¬1) سورة الأعراف – الآيات من 46: 48 ... . (¬2) يقول ابن كثير (رحمه الله): لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار، نبه أن بين الجنة والنار حجاباً، وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة، قال ابن جرير: وهو السور الذي قال الله تعالى فيه: {فضرب بينهم بسور له باب} وهو الأعراف الذي قال الله تعالى فيه: {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ}، ثم روى بإسناده عن السدي أنه قال في قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} هو السور وهو الأعراف، وقال مجاهد: الأعراف حجاب بين الجنة والنار سور له باب. قال ابن جرير: والأعراف جمع عرف، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفاً، وإنما قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه. وعن ابن عباس: هو سور بين الجنة والنار، وقال السدي إنما سمي الأعراف أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس، واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم قال بذلك حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف. وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن استوت حسناته وسيئاته، قال: (أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون) وقال ابن جرير عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف، قال فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلفت بهم حسناتهم عن النار. قال: فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم. وعن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم قرأ قول الله: {فمن ثقلت موازينه} الآيتين، ثم قال: الميزان يخف بمثقال حبة، ويرجح، قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم ونظروا إلى أهل النار {قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} تعوذوا بالله من منازلهم، قال: فأما أصحاب الحسنات فإنهم يعطون نوراً يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطى كل عبد يومئذ نوراً، وكل أمة نوراً فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا: {ربنا أتمم لنا نورنا}، وأما أصحاب الأعراف فإن النور كان بأيديهم فلم ينزع، فهنالك يقول الله تعالى: {لم يدخلوها وهم يطمعون} فكان الطمع دخولاً، قال: فقال ابن مسعود إن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة، ثم يقول: هلك من غلبت آحاده عشراته " رواه ابن جرير عن ابن مسعود موقوفاً "، وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحاب الأعراف؟ قال: (هم آخر من يفصل بينهم من العباد، فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد، قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة، فأنتم عتقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم) " قال ابن كثير: هذا مرسل حسن ". وقد حكى القرطبي وغيره فيهم اثني عشر قولاً، وقوله تعالى: {يعرفون كلاً بسيماهم}، قال ابن عباس: يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه، وأهل النار بسواد الوجوه، وقال العوفي عن ابن عباس: أنزلهم الله بتلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين، وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها، وهم داخلوها إن شاء الله، وقال الحسن إنه تلا هذه الآية: {لم يدخلوها وهم يطمعون} قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم، وقال قتادة: قد أنبأكم بمكانهم من الطمع، وقوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}. قال الضحاك عن ابن عباس: إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا =ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وقال السدي: وإذا مروا بهم يعني أصحاب الأعراف بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وقال عكرمة: تحدد وجوههم للنار، فإذا رأوا أصحاب الجنة ذهب ذلك عنهم، وقال ابن أسلم في قوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} فرأوا وجوههم مسودة وأعينهم مزرقة {قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.) مختصر تفسير ابن كثير).

الجنة، َإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، يجلسون علي منزلة بين المنزلتين ينظرون إلي أهل الجنة ويطمعون وينظرون إلي أهل النار، فحن حالنا مثلُ حال أهل الأعراف نسمع عن وصف الجنة، وحال أهلها فنقول اللهم اجعلنا من أهلها 00 ونسمع عن وصف النار وحال أهلها فيها، فنقول اللهم لا تجعلنا من أهلها، فيقول المفسرون ما هي إلا أيام والكريم يعطيهم ما طمعوا (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) ويأمنهم مما خافوا، إذا اجتمع الخوف والرجاء في قلب المؤمن، الخوف والطمع الحقيقي وتمكن، وليس ساعة في الخروج وتبخر، ولكن 24 ساعة ترجو ما عند الله، وتخاف عذاب الله - سبحانه وتعالى -، متى يتمكن الخوف في قلبك، عندما تدخل في بيتك مع زوجتك وأولادك، ولم تنسي هذا المقام (¬1). قال أهل الجنة: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} (¬2) وما قالوا: إنا كنا في مساجدنا 00 وما قالوا: في جهادنا 00 وما قالوا: إنا كنا في خروجنا ¬

_ (¬1) وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: كان عبد الله بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت أمرأته قال ما يبكيك قالت رأيتك تبكي فبكيت قال إني ذكرت قول الله عز وجل (وإن منكم إلا واردها) فلا أدري أأنجو منها أم لا. (تفسير القرآن العظيم لابن كثير – في تفسير سورة مريم). وكما حدث مع أبي ريحانة عند رجوعه من الجهاد: (¬2) سورة الطور - الآية 26.

00لكن قالوا: {فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} مش دخلت البيت فرفش، اضحك هذا بيتي مش بيت الله، فرفشة عائلية!! لكن: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون} (¬1) ليس في مساجدهم في بيوتهم، لأن هذه الآية مكية، والحياة المكية لم يكن فيها مساجد غير المسجد الحرام، إلا أنهم كانوا لا يستطيعون إقامة شعائرهم الدينية في المساجد. · لا بد أن يتمكن الخوف في قلبك علي مدي 24 ساعة وأنت طامع فيما عند الله - عز وجل -، خائف مما عنده. · " إذا اجتمع الخوف والطمع في قلب المؤمن إلا أمنه الله مما يخاف وأعطاه ما يرجو" · الله - سبحانه وتعالى - أجلس أهل الأعراف هذه الجلسة أهل الغيبية، حتى نستفيد منها نحنُ أهل الدنيا: {وَهُمْ يَطْمَعُونَ}. · وجاء في المثل: إن الكريم إذا أَطمع أُطعم 00 يُطمعك حتى يُعطيك00أما البخيل يُطمعك ولا يُطعمك 00 يذهبُ بك إلي البحر ويُرجعك عطشان. · عسي في لغة العرب تُفيد الترجي 00 أما في القرآن تفيد اليقين، قال تعالي: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (¬2) حتى تظل في مقام الطمع، في عبودية الطمع،: {فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} وهكذا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ 00 حتى نعيش أطماع الإيمان علي مدي الـ 24 ساعة، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تقتضي أن نعيش الشوقيات الإيمانية طوال 24 ساعة. ¬

_ (¬1) سورة السجدة - الآية 16. (¬2) سورة التوبة – الآية 18.

· نقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وفي قلوبنا الأطماع الدنيوية 24 ساعة .. نقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وفي قلوبنا المخاوف الدنيوية 24 ساعة 00 نخاف من الهَمَّ، نخاف من الفقر، نخاف من المرض ولكن نار حامية ومافي خوف!!! 00 لو قلتها مليون مرة والأطماع الدنيوية في قلبك، فما علمت لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فقط علمت لفظ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. · كم مرة أوجب علينا ربنا أن نقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ مثلا: رجل كافر، أسلم، كم مرة يجب عليه أن يقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وجوب عيني بعد إسلامه خارج الصلاة؟ ج: يجب عليه أن يقولها، مرة واحدة خارج الصلاة، وباقي المرات نافلة، لكن كم مرة يُذكر بها، {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (¬1) {قُُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬2) · كان الصحابي أول ما يسلم وينطق بكلمة التوحيد لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فيقول: يا رسول الله! ائذن لي، أن أذهب إلي قومي لأدعوهم إلي الله، لعل الله يمن بي عليهم، كما منَّ بك عليَّ. انهمك الصحابة بالتذكير بـ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ونحن فقط، نقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه 00 التذكير بها فرض عين. · يجب لكل أُذن في العالم أن تسمع لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، ليس لنا فقط. · تشاغلنا بالمندوب عن الواجب 00 قل: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه بلسانك ألف مرة (سُنة) ¬

_ (¬1) سورة الأنعام – الآية 12. (¬2) سورة المؤمنون – الآية 84.

، تُذكر بها الغافل (فرض). · في الذكر00 ذكر، وفي التذكير 00 ذكر أقوي. · لما تشتغل بالدعوة إلي الله - عز وجل -، الله - عز وجل - يُصحي قلبك، أول صحوة في قلبك أنت 00 نَذكر ونُذكر، نركع ونُركع 00 هكذا طريق الإيمان. · طريق العباد قبل هذه الأمة: ذكر من غير تذكير، فلما غاب سيدنا موسي - عليه السلام - 40 يوما، عن قومه اللذين رباهم علي العبادة وليس علي الدعوة، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1) تربوا علي يد نبي من أولي العزم من الرسل، والله - سبحانه وتعالى - أراهم الآيات، شق لهم البحر، أغرق عدوهم فرعون وقومه ورأوا بأعينهم، قال تعالي: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (¬2) ما سمح الله لأمة تري مهلك عدوها، إلا لبني إسرائيل، حتي يشفي غليلهم، ورأوا آيات عجيبة، وغاب عنهم مربيهم موسي - عليه السلام - الذي رباهم علي العبادة والذكر، فتبخرت لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وعبدوا العجل، فما أسرع وأسهل أن يفتن العابد، وما أصعب أن يفتن الداعي، الشيطان ما يستطيع أن يفتنه: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ً} (¬3). لفظ {عِبَادِي}: يعني عبودية الدعوة، فما كان في مكة صيام، لكن {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّا ً} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة يونس – الآية 87. (¬2) سورة البقرة – الآية 50. (¬3) سورة الحجر – الآيات من 42. (¬4) سورة مريم - الآية 41.

· ما غاب موسي - عليه السلام - سنة ولا سنتين، فقط 40 يوما، ففتن أهلُ لذكر وأهل العبادة، أهلُ قيام الليل. · اجتمعت صناديد قريش حتى يفتنوا قلب سُمية بنت الخياط (زوجة ياسر وأم عمار) الداعية إلي الله - عز وجل -، فما استطاعوا · إذن كيف نُمكن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه في قلوبنا، نركع ونُركع غيرنا، نسجد ونُسجد غيرنا، نخاف ونُخوف غيرنا، نتشوق إلي موعود ونشوق غيرنا، نتبين ونُبين عظمة ربنا، ونتحرك من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ونُحرك الأمة كلها، حتى يُعبد الله وحده في الأرض 00 هذا هو الطريق أن نتكلم عن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه 00 هذا هو العلاج لضعف الإيمان نخرج في سبيل الله - عز وجل - ونخرج غيرنا 00 أما الداء نقعد ونُقعد غيرنا، نضحك ونُضحك غيرنا 00 والله لو قرأت مجلدات في تفسير لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه لو قرأت عن توحيد الربوبية، وتوحيد الإلوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، صير فيلسوف كلام، وليس فيلسوف تضحية وعطاء، ما استفدت شيئا بدون أن تُضحي من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه. · كان الصحابة - رضي الله عنهم - أحق الناس بهذه الكلمة لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} (¬1) كلمة التقوى: هي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ضحوا من أجلها، فألزمهم الكلمة لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ووفقهم أن يلتزموا بمطالب لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، طيلة حياتهم. · لا نُصبه أهل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ونحنُ لا عبين 00 متى جاءت الأهلية؟ عندما ضحوا ¬

_ (¬1) سورة الفتح- الآية 26.

من أجلها، في صلح الحديبية (¬1) ألزمتهم لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه أمرا يُخالف نفوسهم، ¬

_ (¬1) بعثت قريش سهيل بن عمرو ليوقع الصلح- فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا " وفي لفظ: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سهل أمركم " وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متربعا، وكان عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش على رأسه - وهما مقنعان في الحديد - فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطال الكلام وتراجعا، وارتفعت الأصوات وانخفضت، وقال عباد بن بشر لسهيل: اخفض من صوتك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلوس، فجرى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل القول حتى وقع الصلح على ان توضع الحرب بينهما عشر سنين، وأن يأمن الناس بعضهم بعضا، وان يرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامه هذا، فإذا كان العام المقبل قدمها فخلوا بينه وبين مكة، فأقام فيها ثلاثا فلا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب لا يدخلها بغيره، وانه من أتى محمدا من قريش بغير اذن وليه - وان كان على دين محمد - رده الى وليه، وانه من أتى قريشا ممن اتبع محمدا لم يردوه عليه، - وان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيبة مكفوفة، وانه لا اسلال ولا اغلال، وانه من حب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم. فكره المسلمون هذه الشروط وامتعضوا منها، وأبى سهيل إلا ذلك فلما اصطلحوا ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق= = وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: علام نعطي الدنية في ديننا؟ ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني عبد الله ورسوله ولست اعصيه ولن يضيعني وهو ناصري " قال: أو ليس أنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف حقا؟ قال: " بلى، أفأخبرتك انك تأتيه العام؟ قال: لا: قال: " فانك آتيه ومطوف به "، فذهب عمر إلى أبي بكر متغيظا ولم يصبر، فقال: يا أبا بكر: أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. قال: السنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: أيها الرجل انه رسول الله وليس يعصي ربه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله انه لعلى الحق. وفي لفظ فانه رسول الله. فقال عمر: وأنا اشهد أنه رسول الله، قال: أو ليس كان يحدثنا انه سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. فلقي عمر من هذه الشروط أمرا عظيما (انظر كتاب سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد).

أصعب أمر وجه إليهم، قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلح، أنُعطي الدنية في ديننا، والنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي يبلغ عن الله، وقع الصلح، وهم تعودوا الجهاد، والآن ما في جهاد، ممنوع الجهاد 10 سنوات، ومتى وقع الصلح وليس المسلمون في عزة، ومكة يحكمها الكفار، والكعبة فيها الأصنام، والشروط قاسية علي الصحابة: الذي يسلم نرده علي الكفار حتى يقتلوه!!! إيش هذا الصلح؟!!! هذا خلاف النفس!!! أنُعطي الدنية، ولكن ألزمهم 00 ما استخدموا الحمية، أحيانا يتسم الإنسان بالحمية عن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وهو يكسر مطالب لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه والله يقول لك: {خُذِ الْعَفْوَ} إنسان يقول لك بدعة، 00 اصبر عليه من أجل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه أين {خُذِ الْعَفْوَ} بدعة00 تقول والله أنتقم منه 00 أنت تنتقم لنفسك، أنت لستُ أغير علي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه من الخالق الذي شرع لك لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، لستُ أغير علي العبادة من المعبود، الله يقول لك: {خُذِ الْعَفْوَ} كيف تأخذك الحمية، الحمية صفة الكفر، الحمية بخار ينبعثُ من النفس، فالنفس تغضب، وهو يعمل بموجب هذا الغضب. · فغضب الكفار كيف يأتينا محمد عنوة، فغضبوا لأنفسهم، ولو قضيت الحمية، بالحمية، لكسرت مطالب لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه. · قال تعالي: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (¬1) فكان ذلك فتحا: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ ¬

_ (¬1) سورة الفتح- الآية 26.

فَتْحًا مُّبِينًا} (¬1) · نخرج في سبيل الله لنتعلم، فكل يوم يلزمنا علم الإيمان، علم مشترك، كيف يقوي إيمانك، وإيماني وإيمان الأمة كلها، يوسف - عليه السلام -: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ} (¬2) أحبُ إليَّ من المعصية. · قال أحد السلف الصالح: وددت أن أقطع إربا، إربا، ولا يُعصي الله في الأرض. · وقال أحد السلف الصالح أيضا: وددتُ لأن تغلي بى المراجل، ولا يُعصي الله في الأرض. غيرة علي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه .. دلائل علي قوة الإيمان، دلائل علي قوة التضحية، هذا علم الإيمان الذي نحتاجه كل ثانية تمر علينا .. أما علم الأحكام: أنت تاجر، أنت تحتاج أن تتعلم الأحكام التي تتعلق بالتجارة .. وهذا يُريد أن يُطلق، نقول له: اسأل مسألتك، فلسنا كلنا بحاجة إلي هذا العلم .. أما علم العبادات: فكلنا نحتاج إليه كيف نتوضأ؟ كيف نُصلي؟ كيف نصوم؟. · كيف تأتي عندنا ثروة الإيمان، وثروة الأعمال. ما معني قوله تعالي: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّا ً} (¬3) يعني اذكر فقه دعوة إبراهيم - عليه السلام -، فقه الجهد الذي يقوي إيمانك، ويحيي هذه الكلمة في قلوب الآخرين، وينشر الإيمان. ¬

_ (¬1) سورة الفتح- الآية 1. (¬2) سورة يوسف - الآية33. (¬3) سورة مريم - الآية 41.

وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (¬1) يعني اذكر فقه دعوة موسي - عليه السلام -، فقه تحصيل الإيمان. · الصحابة صدق الله العظيم يقولون: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانا. · ما كل الناس تعلموا القرآن، ما كان القرآن في مكة مكتوب، هذا سمع: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ} (¬2) وهذا ما سمع بها، ما في مصحف. · يقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ويشتغل في الدعوة، وقد سمع سورة، وقد سمع سورتين. · تعلموا عملي خذ العفو، قبل أن يقرءوا {خُذِ الْعَفْوَ}. · تعلموا تطبيق ادفع بالتي هي أحسن، قبل أن يقرءوا الحكم القرآني: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ} (¬3) .. · تعلموا جهد الأنبياء، قبل أن يسمعوا سورة الأنبياء. · تعلموا جهد الأنبياء من جهد نبينا - صلى الله عليه وسلم -. · تعلموا حلم الداعية من حلم نبينا - صلى الله عليه وسلم -. · تعلموا أخلاق الداعية من أخلاق نبينا - صلى الله عليه وسلم -. · تعلموا كرم الداعية من كرم نبينا - صلى الله عليه وسلم -. · تعلموا الجهد من الجهد - صلى الله عليه وسلم - ولو انتظروا حتي ينزل قرآن الدعوة كله لخرب ¬

_ (¬1) سورة مريم - الآية 51. (¬2) سورة الإخلاص – الآيات من 1: 4. (¬3) سورة فصلت - الآية 34.

العالم لبعده عن مقتضي الإيمان بالله. · نتعلم من القديم في الدعوة، والجديد يخرج ليتعلم من القديم. · نتعلم ونُعلم، نتعلم الجهد بالجهد، تتحرك مع ناس سبقوك 3 أيام أو أكثر علي قدر استطاعتك، وتُحرك آخرين معك ليتعلموا الجهد. · ما معني: " تعلمنا الإيمان "؟ أي تعلمنا جهد الدعوة، الذي نُحصل به الإيمان، والذي نكسب به الإيمان، ونقوي به الإيمان. · ما قرءوا للتبرك، يقرأ الآن: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} وما عنده استعداد، يشتغل بشغل إبراهيم - عليه السلام - .. ويقرأ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ} وما عنده استعداد، أن يشتغل بشغل موسي - عليه السلام -. · يقرأ سورة يوسف، وما يلفت نظره: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬1) الذي هي محور السورة .. ولكن الذي يلفت نظره: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} (¬2) فيقول: يا شيخ! ما معني {وَهَمَّ بِهَا}، هكذا ... قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام، وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حرمت بركة الوحي وإذا تسابت أمتى سقطت من عين الله " ذكره الحافظ بن أبى الدنيا فى كتاب ذم الدنيا، عن فضيل والترمذى فى الدر. والمعني أن تُحرم الأمة فهم القرآن الكريم. . لأن أكثر من نصف الوحي، القرآن المكي، والقرآن المكي في الدعوة. · فإذا تركت الدعوة، تُصبح قراءة القرآن للتبرك .. ما نقرأ آية الوضوء بس فقط للتبرك، لكن نقرأها، ونجودها، ونتبرك بها، ونطبقها. ¬

_ (¬1) سورة يوسف - الآية 108. (¬2) سورة يوسف - الآية 24.

يقرأ قوله تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (¬1) ثم يأتي في نهار رمضان بالطعام ثم يأكل وهو يقرأ الآية!!! فنقول له: يا جحش يا تيس، هذا ما يصح؟ فنجحش ونتيس من يقرأ آيات العبادات ولا يُطبقها، أما من يقرأ: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ} (¬2) وقوله تعالي: ّ {وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬3) .. ولا يطبق، فنقول: ما شاء الله هذا قارئ عظيم!!! الله يفتح عليك!!! ولا نجحش ولا نتيس من يقرأ آيات الدعوة ولا يطبقها. · إذا من جهالة الأمة، أنها أعطت نفسها الحق في أن تقرأ آيات الدعوة بدون تطبيق. · إذا قرئ القارئ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} أعظم مشهد في الحياة الإيمانية عند إبراهيم، إذ تحرك لغيره .. وجاءت عنده الحرقة .. كيف يُعصي الله؟، {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} (¬4) .. تلطف لأبيه: {يَا أَبَتِ} كلمة مملوءة بالحنان والعطف، ولو يقل له: يا كافر كيف تعصى الذي خلقك؟ · لذا نخرج نتجول في الشارع، وفي النوادي والمقاهي، ونقول: يا أخي تعال معنا إلي المسجد، يا أخي فلاحنا ونجاحنا في هذا الدين .. الله - سبحانه وتعالى - خلقنا من أجل ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية183. (¬2) سورة النحل - الآية 125. (¬3) سورة القصص - الآية 87. (¬4) سورة مريم - الآية 42.

أن نعبده، ونعبده لأنه صاحب النعم ... الخ. · إذا قرئ القارئ: {يَا أَبَتِ} وجودها مثل القارئ عبد الباسط، إذا فسرها مع دقائق التفسير، وجاء بصرفها ونحوها، الله أكبر! شعراوي زمانه!!! ولكن إذا خرج 3 أيام يُطبقها، مثل ما مشي إبراهيم - عليه السلام - لأبيه. · فإذا اشتغلت بتطبيقها 3 أيام، يقولون عليك: درويش كبير. · صيام الأنبياء نُسخ .. تصوم علي نهج نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -. · صلاة الأنبياء نُسخت .. تُصلي علي نهج نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -. · ولكن لا تتجول علي طريقة نبيك وحده، بل علي طريقة 124 ألف نبي ورسول، قال تعالى: {أُوْلََئِكَ الّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬1) وممنوع أن تهتدي بهداهم في التيمم والوضوء والصلاة والصوم وغيرها من العبادات. · وعلم الدعوة هو علم الإيمان. · وجهد الدعوة هو جهد الهداية والإيمان. · يقوى الجهد بقوة الإيمان .. ويضعف الجهد بضعف الإيمان. · قال تعالى: {وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬2) وبقوة المجاهدة تأتي قوة الهداية .. وبضعف المجاهدة تضعف الهداية .. وبانعدام المجاهدة ينعدم الإيمان. · وفي الحديث: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم. (¬3) علي الأقل القلب يتغير وقلق ويحزن. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام – الآية90. (¬2) سورة العنكبوت – الآية 69. (¬3) رياض الصالحين _ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

· وصلنا إلي حد يري ألإنسان المرأة المتبرجة، ويري الفسق وقلبه ينشرح، ما يتغير قلبه ولا يحزن. · لكن لو رأي البول والغائط علي فراشه، تتهيج مشاعره ويغضب ويتقزز، لكن في بيته الغيبة والنميمة، يتعطر بها، ليس في قلبه إنكار. · اذا ما قلبك تغير، علي الأقل ينكر، إيش ظل في قلبك من الإيمان، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تختلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك الإيمان حبة خردل " رواه مسلم (¬1). · نسمع آيات الوعيد مرارا وتكراراً، حتي قلوبنا تستنكر المعصية. · ونسمع آيات الوعد مراراً وتكراراً، حتي قلوبنا تستبشر وتفرح وتشتاق إلي ما عند الله تعالي فتقبل علي طاعته ومحبته والدعوة إليه. · ثلاث عشر سنة في مكة والقرآن يفصل لك الجهد الذي يكسبك الإيمان بالله تعالي .. وأجمل علم الأحكام .. كيف نُحصل الإيمان مفصل في القرآن .. فقه الدعوة مفصل .. فقه الصلاة مُجمل .. مع أن أعظم عبادة الصلاة أمرنا الله بها أمراً مجملاً: {وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ} (¬2). · لو تقرأ القرآن مع التدبر والفهم، ألف مرة، لا تستطيع أن تعرف كيف نُُصلي الفجر، ولا كيف نُصلي الظهر. · الصلاة عبادة مهمة وأين تفاصيلها؟ قال: اذهب إلي المصدر الثاني (السُنة النبوية المشرفة) .. لكن المصدر الأول (القرآن الكريم) لأهم قضية في حياتك .. ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) سورة البقرة _ الآية 43.

ما أشرح لك كيف تُصلي فيه .. لكن لتفهم فيه جهد الأنبياء، حتى تستلم نيابة النبوة. · جهد الدعوة مفصل، كيف أُثر علي إنسان في ظلمة المعصية؟ يفصل لك كيف تبش فوجهه، تُعطيه الهدية، كيف تقوم الليل تدعو له؟ كيف تصبر؟ كل ذلك فصله في القرآن. · كيف أَركع؟ فقه مجمل لأنه فقه عبادة. · كيف أُركع؟ فقه مفصل لأنه فقه دعوة. · قوله تعالي: {وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ} فقه مجمل. · وقوله تعالي: (وآتوا الزكاة) مجمل، كيف نصاب زكاة البقر، فقه مجمل، والمبيت بمنى ركن ولا واجب. والمجمل، كيف نفهمه؟ نستعين بالعلماء أصحاب المذاهب الفقهية، لأن العالم يستطيع أن يشرح هذا المجمل ويفصله .. وأي مذهب المالكي أو الشافعي أو الحنفي أو الحنبلي .. وفي المذاهب الفقهية في المسألة الواحدة رأي ورأين وثلاثة وأربعة، وأكثر من ذلك، ولا يضرنا اختلاف العلماء لكن إنسان في الظلمة، سنوات ما دخل المسجد، طيلة حياته ما صلي لله ركعتين، كيف نخرجه من ظلمة المعصية؟ كيف نخرجه من ظلمة الخمارة؟ كيف نخرجه من ظلمة الغفلة، ونأتي به إلي رحاب الدعوة؟ قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد ِ} (¬1) كيف تخرج الناس من الظلمات؟ تستخدم ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم - الآية 1.

أي مذهب، المالكي أو الشافعي؟ ممنوع الالتفات إلي المذاهب، لماذا؟ لأن ربنا - سبحانه وتعالى - من فوق عرشه تولي بنفسه تبيان تفاصيل العملية التي تُخرج بها أخاك من الظلمة، قال تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلا} (¬1) ً. وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (¬2). وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ سَاعَةً مّن نّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (¬3). وقال تعالى: {يا بُنَيّ ارْكَبَ مّعَنَا وَلاَ تَكُن مّعَ الْكَافِرِينَ} (¬4) وقال تعالى: {قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّيَ إِنّهُ كَانَ بِي حَفِيّا ً} (¬5) وقال تعالى: {فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ} (¬6) ... وقال تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ} (¬7) وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬8) وقال تعالى: {إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬9) انظر إلي أخلاق إبراهيم {إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مّنِيبٌ} (¬10) انظر في سورة يوسف، وكيف صبره وتفكره لهداية إخوته، سنين.!!! ¬

_ (¬1) سورة المعارج - الآية 5. (¬2) سورة المزمل - الآية 10. (¬3) سورة الأحقاف - الآية 35. (¬4) سورة هود – الآية 42. (¬5) سورة مريم – الآية 87. (¬6) سورة الحجر _ الآية 85. (¬7) سورة طه - الآية 44. (¬8) سورة الأعراف - الآية 199. (¬9) سورة الشعراء - الآية 135. (¬10) سورة هود – الآيتان 74، 75.

· القرآن ينزل، أكثر من نصف القرآن يبين لك هذا الفقه، ويسمي هذا الفقه بالفقه الأكبر، قال تعالى: {َومَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (¬1) · قوله تعالي: {لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} ثمرة الفقه أن يأهلك للدعوة {وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}. يقولون هذا مفتي كبير، تصير مفتي كبير تبطل تشتغل بالدعوة!!!، لا تصير كبير حتى تشتغل بالدعوة. · كل الأمة فقهاء دعوة، يقول ابن تيمية (رحمه الله): فقهاء الفتوي عشرين صحابي ونيف .. يعني حوالي 25 صحابي .. العبادلة: عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمرو، عبد الله بن الزبير، عبد الله بن عمر. · لكن ربعي بن عامر ما اشتغل بالفتوى، ولكن قال قولته العظيمة أمام رستم قائد الفرس: نحنُ قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلي عبادة الله، ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة، وأرسلنا بدينه إلي خلقه لندعوهم إلي الله ... الخ. · ما في صحابي يقول: يا رسول الله أنا ما أعرف أن أدعو زوجتي. أنا ما أستطيع أن أزور جاري وأدعوه إلي الله. · جهد الدعوة جهد الأمة .. والفقه في هذا الجهد فقه الأمة .. والتبصر بهذا الجهد بصائر للأمة جميعا. · وفقه الفتوي فقه خاص. · قال تعالى: {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي ¬

_ (¬1) سورة التوبة – الآية 122.

وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬1) ومن يتبصر يا رسول الله! ويدعو؟: {أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي}. · نوعين من الفقه: 1) فقه الفتوى: حتى تتعلم هذا الفقه لا تجلس مع الأحباب، بل اذهب إلي العلماء وتعلم منهم. 2) فقه الدعوة: لو تريد أن تتعلم فقه الدعوة لا تسأل عالم جالس في بيته، فلو أتينا بأكبر شخصية علمية وأقل شخصية علمية عندنا أمي لا يقرأ ولا يكتب، وما يحفظ القرآن، فقط عنده قصار السور مع الفاتحة، لكن أخذ دورة تدريبية في فقه الدعوة إلي الله لمدة أربع شهور، وقلنا لهم عندنا مشروع دعوي، ووجهنا الكلام أولا لأكبر شخصية علمية، يا شيخ: عندنا شباب في الخمارة، ما صلوا ولا ركعة واحدة لله، فعلمني بموجب العلم الشرعي والفقهي الذي تعلمته، حتى نخرجهم من الظلمة، فجزاه الله خيراً ذهب معنا، وعندما دخل الخمارة، ووجد المسلم يشرب الخمر، فأخذ يخطب ويقول: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬2) يا شيخ! هذا ليس مكان المنبر .. عنده فقه الفتوى وما عنده فقه الدعوة .. وأخونا الذي ما عنده إلا الفاتحة وما يعرف يكتب اسمه، لكن خرج أربع شهور أخذ دورة تدريبية في الدعوة إلي الله: أنه في الدعوة لا يذكر حلال ولا ¬

_ (¬1) سورة يوسف - الآية 108. (¬2) سورة المائدة - الآية 90.

حرام، ولا يذكر الأحكام، ويتلطف مع المدعو .. أولا تعريف اسمي فلان، ما اسمك؟ محمد .. ما شاء الله! علي اسم النبي، من أي البلاد أنت؟ أنا مسرور بلقائك، ويبتسم في وجه، ويقبل رأسه، ثم يقول يا أخي أنت غذاؤك عندي، {وََيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (¬1) تعرف تأليف، أيه رأيك لو تأتي مع المسجد؟ وبطرق أو آخر أتي به إلي المسجد، ثم جلس معه المشايخ جلسة إيمانية، ثم رغبوه في أن يمكث معهم لمدة ثلاثة أيام، وفي أثناء الثلاثة أيام تغير حاله وازداد إيمانه، ثم رجع بنية التفكر لغيره، ثم نوى الاستقامة علي جهد الدعوة إلي الله تعالي .. فهذا الذي يسمي فقيه في الدعوة إلي الله الذي استطاع أن يجلب غيره لبيئة الإيمان. · فقه: {خُذِ الْعَفْوَ}، فقه: {ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فقه: {قُمِ الْلّيْلَ}، حتى يدعو لأخيه، فقه: لا تشمت بأخيك، فيعافيه الله ويبتليك، فقه: حسن الظن بالمخلوق، مش مخلوق شارب خمر أتركه. · ليس رسالة الطبيب تحقير المريض، بل رسالة المريض يبعث أمل الشفاء في نفس المريض، ويتبسم في وجهه .. في الخمر وارتكاب الفواحش لكن يقول له: أنت رجل مسلم ربنا بيحبك جعلك من أمة النبي - صلى الله عليه وسلم -. · أول فقه في الإسلام: فقه الدعوة إلي الله، فرغ الله لهذا الفقه أبدان الصحابة ثلاث عشر سنة .. الكعبة أمامه في مكة ولكن لا يحج ولا يعتمر، فرغ أجسامهم لهذا الجهد .. وفرغ عقولهم لهذا الجهد .. وفرغ ألسنتهم لتلاوة آيات الجهد .. تخرج في سبيل الله في النهار تقوم بجهد إبراهيم - عليه السلام - وجهد الأنبياء عليهم السلام .. وفي الليل تقرأ: والمطلقات، لك الحق .. لك الحق تقرأ سورة الطلاق، ولكن الداعية في مكة إذا قام يُصلي ما في آيات في الطلاق، ولا آيات في الربا، ¬

_ (¬1) سورة الإنسان- الآية 8.

في النهار جهد إبراهيم، وفي الليل {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ}، قرآن دعوة، فكر دعوة، فتأصل علم الإيمان، تأصل جهد الإيمان. · فقه الدعوة أساس هذا الدين، الفكر الدعوي أساس هذا الدين. · مثال الأمة مع هذا الجهد: مثال البناء مع الأساس، مثل: رجل يريد أن يبنى عمارة تتألف من عشرين دور، ومعه ولكن ليس عنده فكرة عن فن العمارة والبناء، فأتي بالمهندس، فالمهندس قال له: أريد أنبهك علي أنني سأظل أُقيم الأساس في مدة تقرب من سبع شهور، ونحتاج فيها مال كثير، قال: ما هو الأساس؟ حتى يكون الأساس متين فنضع فرشة حديد في الأرض مع أسمنت مع رمل مع زلط، وكل ذلك يكون مخفي في الأرض، ثم نُقيم القواعد ثم الأعمدة، وهذا الأساس يتحمل ما يأتي عليه من أدوار، ثم نُقيم البناء حجر علي حجر، وبعد أنقيم العمارة ثم رأينا أن نغير شباك، باب، فلا بأس، أما الأساس ممنوع يتحرك من مكانه .. كذلك 13 سنة والقرآن يأسس العواطف الدعوية في قلوب المؤمنين، هذا هو الأساس00 ولكن ناسخ منسوخ، ممكن {خُذِ الْعَفْوَ} هي الأساس ثم يأتي حال يتطلب {يَا أَيُّهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (¬1) ولكن لا ننسى الأساس فمثلا قاتلت رجلا في المعركة، ثم قطع يدك اليمنى أو اليسرى، ثم بعدها، قال: لا إله إلا الله، فلا تعتدي عليه، بل تفرح به وبإسلامه، {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬2) يعني لا تنسي الأساس {خُذِ الْعَفْوَ}، تغلظ ¬

_ (¬1) سورة التوبة - الآية 73، وسورة التحريم – الآية 9. (¬2) سورة التوبة - الآية 11.

عليه، فلا بأس، ولكن مثل الأب، والإبن لو حمل العصا، يحملها بعواطف الأبوة، فنحمل عصا الدعوة بعواطف حب الهداية لنا وللناس، بحب الإيمان لنا وللناس، بحب الخير للناس، حب أن تدخل الجنة وتدخل غيرك الجنة .. القرآن ثلاث عشر سنة يأسس حب الهداية للناس. · لما ذهبت العواطف صار بنيان لا أساس له .. كل من خرج في سبيل الله، أصبح عنده فقه من فقه الدعوة إلي الله .. والذي ما خرج وجلس، يا ليته لما جلس، سكت ويكون عنده الأدب، يا ليته جاهل فقط، بل جاهل ويشوش، أين الدليل؟ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري. · أيها الأحبة هذا فقه الأمة، هذا جهد الأمة، هذا جهد الأنبياء، هذا العلم الذي نتفرغ له، ونجتمع عليه، ومع ذلك نحترم علماؤنا، ونُجلهم، ونسألهم المسائل الفقهية، حتى ولو كانوا مخالفين لنا، فلولا العلماء لعبدنا الله علي جهل. · الفرق بين جهد التعليم وجهد الدعوة: في جهد التعليم يجوز للمفضول أن يُعلم الأفضل، فموسي تعلم من الخضر مع أن مقام الداعي أفضل. التعليم: جهد نبوي. الدعوة: جهد نبوي. رسول الله معلما (وهو خير من علم): معلما مع أصحابه، مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي هريرة - رضي الله عنهم - ..... ينور عقولهم. رسول الله داعيا (وهو خير من دعا إلي الله): داعية مع أبي جهل وأمثاله.

الدعوة: علي غير الراغبين، تقول للمدعو: جنة عرضها السماوات والأرض، يقول لك: خليها لك ما أريدها. التعليم: علي الراغبين. أين ميدان الداعية؟ ميدانه علي العصاة والمذنبين، ناس في ظلمة وأنت تريد أن تخرجهم منها، أهل الخبائث، هل يُصلحون أن يكونوا طلبة علم؟!!!. أين ميدان موسي عليه السلام داعية؟ ميدانه: {اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ} فهل يصلح فرعون أن يكون متعلما؟!. فهل يقول الله - عز وجل - يقول للداعي اذهب إلي القوم الطيبين؟!!!. لا، فقد قال الله - عز وجل - لموسي - عليه السلام -: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (¬1). فالدعوة في الأ صل علي غير الراغبين {لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد} تخرجهم من ظلمة الكفر أو ظلمة المعصية. أرسل معظم بني إسرائيل، علي المسلمين العصاة من قومهم. دعوة سيدنا يوسف - عليه السلام - لإخوته، وهم ليسوا كفار، مسلمين عندهم ظلمة الحسد، ليخرج هذه الظلمة من قلوبهم. ¬

_ (¬1) سورة الشعراء - الآية 10.

وكان قوم موسي - عليه السلام - مسلمين، يقولون لا إله إلا الله، قال تعالي: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (¬1). إسرائيلي يُصلي، وإسرائيلي لا يُصلي .. فما قال لهم أسلموا لأنهم مسلمين، وما قال لهم آمنوا، لأنهم مؤمنين، لكن ضعاف الإيمان، فقال لهم: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ وَأَخِيهِ أَن تَبَوّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2) فقط أمرهم، بما أمره الله بأن يغيروا حياتهم. فجهد الدعوة علي كافر حتى يُسلم، أو علي عاصٍ حتى يُقلع عن معصيته. · فالتعليم: علي الراغبين، لتخرجهم من الظلمات، أي تُخرجهم من بيئة الغفلة إلي بيئة الطاعة، بيئة المسجد، فإن لم تجعل له بيئة، فربما يرجع إلي ما كان عليه. · رسول الله معلما: يجلس في مجلسه، ما يُحرك قدمه ويمشي للأسواق، يجلس والصحابة يأتون إليه. · أما رسول الله داعيا: يذهبُ إلي الطائف .. ولو أن أهل الطائف طيبون لأتوا إليه، ليتعلموا الدين. · تُحرك قدمك وتمشي للذي في الظلمة، لأن هذا العاصي لا يحب أن يراك، ولا يحب أن يأتيك، فتذهب أنت إليه. · أول كلمة في أي قصة دعوية، تخاطب رجلك (اذهب). ¬

_ (¬1) سورة الشعراء - الآية 10. (¬2) سورة يونس – الآية87.

· أول كلمة في قصة صاحب يس، وجاء. · وقال تعالى: {وَإِذْ نَادَىَ رَبّكَ مُوسَىَ أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} (¬1). ائْتَ (دليل الحركة). · حجة الله - عز وجل - علي الذي يموت في الظلمة غافلا: رجل ذهب إليه، قال تعالي: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} (¬2) · المقصد: أن تلتقي بالناس، تتكلم مع الناس، تجتهد علي الناس. الوسيلة: أُخرج للناس، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬3). أُخرجت: وسيلة. تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر: مقصد. فقدمت الوسيلة علي المقصد. مثال لتوضيح أهمية الوسيلة: السفر ليس من أركان ولا واجبات الحج، ولكن واجبات الحج الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وكذلك السفر ليس من واجبات الحج ولكن حتى نتمكن من الحج .. وكذلك السفر ليس أمر من أمور الدعوة، الدعوة: قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ¬

_ (¬1) سورة الشعراء - الآية 10. (¬2) سورة الملك - الآية 8. (¬3) سورة آل عمران - الآية 110.

الْجَاهِلِينَ} (¬1) وقال تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ} (¬2). كذلك السفر والحركة ليست من واجبات الدعوة .. لكن المقصد، اعف عنه، احلم عليه رغبه، اقبل منه ما استعد أن يقوم به، ولكن قبل ذلك اذهب إليه. · وسيلة الداعي: حركة القدم .. ووسيلة العلم: تُحرك القلم. · في الجامعات نُحرك أقلامنا، نكتب، ونُكتب .. نقرأ ونُقرأ. · لا يكون داعية حتى يتحرك في الدعوة. · في التعليم العزة عند المعلم، يذهب إليه الطالب، ويقول علمني. · وفي الدعوة: الداعي هو الذي يذهب إلي الناس، ويتذلل إليهم حتى تقبل منه دعوته. · في التعليم: يُحسن الطالب الطلب، ويتودد إلي أستاذه، يا أستاذي علمني. · أما في الدعوة: الداعي لا يقول للمدعو تعال اسمع جئتك من مكان بعيد، بل يتودد للمدعو يا أخي! يا حبيبي! ويتذلل إليه حتى يقبل. · العلم يؤتى (المتعلم طالب وراغب). · الداعي يذهبُ إلي أخيه، ففي الدعوة أنت أيها الداعي طالب والمدعو هو المطلوب. · ما في أحوال مخالفه عند المعلم، فكل الطلاب يحترمونه .. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلما لا يوضع علي رأسه سلي الجذور في التعليم .. بل يجلسون حوله - صلى الله عليه وسلم - وكأن علي رؤوسهم الطير، احتراما وتوقيراً. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف - الآية 199. (¬2) سورة فصلت - الآية 34.

ولكن كيف الأحوال وهو يدعو: قال تعالي: {أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} (¬1). وقال تعالي: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} (¬2). وقال تعالي: {وَقَالُوا يَأَيّهَا الّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إِنّكَ لَمَجْنُونٌ َ} (¬3). وقال تعالي: {َقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} (¬4). وقال تعالي: {َإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} (¬5). وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَىكَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَهََذَا الّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمََنِ هُمْ كَافِرُونَ َ} (¬6). وقال تعالى: {وَهَمّتْ كُلّ أُمّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} (¬7). فالداعي يمر بأحوال عددها، وأنواعها لا تنحصر، يُجَادل، يُشتم، يُضرب، يهان، يُستهزأ به، يؤذي بكل أنواع الأذية، ومع كل الأحوال يلتزم بالصبر ¬

_ (¬1) سورة القمر - الآية 25. (¬2) سورة الدخان – الآية14. (¬3) سورة الحجر – الآية 6. (¬4) سورة الزخرف – الآية49. (¬5) سورة الفرقان _ الآية41. (¬6) سورة الأنبياء – الآية 36. (¬7) سورة غافر – الآية 5.

والسلوك الطيب، حتى تتم له التربية (¬1). · تستطيع أن تكون معلما مع عزة نفس .. وتستطيع أن تكون مفتيا مع عزة نفس .. وتستطيع أن تكون قاضيا مع عزة نفس .. ولكن لا تستطيع أن تكون داعية إلا بإذلال نفسك .. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوضع علي رأسه سلي الجزور في ميدان الدعوة إلي الله، ويضرب ويشتم، ويضرب أصحابه أمامه. · لهذا في التعليم يحتاج الطالب إلي الهدايات حتى يثبت، لأن في تحصيل العلم يجلس سنوات يتعلم، فلا بد من هدايات الخضر - عليه السلام - لموسى - عليه السلام -، حيثُ أمره بالصبر .. وكذلك علي المتعلم أن لا ينظر إلي عيوب معلمه، وأن يحترمه ويجله. · وفي الدعوة يحتاج الداعي إلي الله، إلي الهدايات حتى يثبت، حتى ولو كان ¬

_ (¬1) وقد حدث هذا أمامي بالفعل، فكنا خارجين في سبيل الله في إحدى قري ميت غمر (أتميدة)، وبعد صلاة العصر تحركنا للزيارات، وكان دليلي الشيخ / صلاح زايد (رحمه الله)، فمررنا بأحد المزارعين، وهو يسقي ما شيته من حوض الطلمبة، وكان بينه وبين الرجل صلة قرابة، كما أخبرني، فقال له الشيخ / صلاح: أخونا محمد سيكلمك في كلام الخير والإيمان، فقام الرجل بصفعه علي وجهه صفعة كادت تطير رأسه منها، ثم قال: أنت ياولد! هتعرفني الدين يا جاهل؟، أنا عالم، يا ابن كذا وكذا وانهال عليه بالشتائم، وما كان من أخي صلاح إلا أن سكت فأخذته وذهبتُ به إلي داخل حقل من الحقول وجلسنا في قناة هذا الحقل، وأخذتُ أتكلم معه لأطيب خاطره، وأقول له النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل معه كذا وكذا وألقي علي رأسه فرث الجذور، وقيل له ساحر ومجنون وكذاب وكاهن، وضرب وشتم، وأنت الآن تحصلت علي مقام من مقامات النبوة، فوجدته منشرح، وكأنه لم يُصبه أي أذي، ثم قمنا وتحركنا، ثم مررنا علي الرجل، فو الله! ما استطعت أن أُلقي عليه السلام، ولكني فُجئت بأخي صلاح يقول بأعلى صوته: السلام عليكم. ولقد أخبرني الشيخ / رضا الطماوي أن الشيخ صلاح جاء لحضور الشورى يوما، فمال عليَّ الشيخ مسعد خليل وقال: هؤلاء أولياء الله الذين إذا حضروا لم يُعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا .. (رحمه الله رحمة واسعة). أخي الحبيب يُعجبني قول الدكتور / محمد العريفي: ضع بصمتك .. فأين بصمتي وبصمتك أيها الحبيب في هذا الجهد الطيب المبارك.

سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - يحتاج إلي الهدايات: قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬1) وقال تعالى: {فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ} (¬2). وقال تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلا} (¬3) ً. وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (¬4). وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ سَاعَةً مّن نّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (¬5). وقال تعالى: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬6) وقال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} (¬7). ¬

_ (¬1) سورة الأعراف - الآية 199. (¬2) سورة الحجر - الآية 85. (¬3) سورة المعارج - الآية 5. (¬4) سورة المزمل - الآية 10. (¬5) سورة الأحقاف - الآية 35. (¬6) سورة الحجر – الآية 88. (¬7) سورة النحل - الآية 127.

وقال تعالى: {َكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬1). فلا تستمر في الدعوة حتى تأخذ الهدايات فتذهب من حين لآخر إلي مركز الدعوة لتأخذ الهدايات، هدايات للخارجين .. هدايات للعائدين .. هدايات للقدماء .. هدايات للجدد .. هدايات لأهل الخدمة .. هدايات لأهل النصرة .. تذهب إلي الهند إلي الباكستان لتتعلم أصول الدعوة إلي الله ممن سبقوك في الجهد. فإذا استغنيت عن الهدايات، ومشيت لوحدك، يصطادك الشيطان، وينحيك عن الطريق، ويجعلك تضجر، وتترك الدعوة .. يا لله! ثبتنا علي الجهد. والقرآن مليء بالهدايات، اقرأ سورة يوسف، اقرأ قصة سيدنا موسي. · الطالب يسمع هدايات من المعلم: كما سمع سيدنا موسي - عليه السلام - من معلمه الخضر - عليه السلام -، قال تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *َ وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (¬2). · جهد المعلم علي عقل الطالب ليثريه بالمعلومات .. أحكام الطهارة، أحكام الوضوء. · جهد الداعي علي قلب المدعو، يكرمه، يشوقه، يحلم عليه، يتودد إليه، يقوم الليل يدعو له. . حتي القلب يتحول مشاعره من الدنيا إلي الآخرة من المخلوق ¬

_ (¬1) سورة هود - الآية 120. (¬2) سورة الكهف – الآيات من 65: 69.

إلي الخالق، من الأشياء والأسباب إلي الأعمال. · لكن في جهد المعلم، عندما يُعلمني: كيف أتوضأ هل أضعها في قلبي؟ كيف أحج، هل أضعها في قلبي؟ يقول: هذه الكلمة محلها في الإعراب فاعل مرفوع بالضمة، هل أضعها في قلبي؟ كل هذه المعلومات محلها العقل. · متي ينجح المعلم وتكون شخصيته قوية؟ تقول: يا طالب، كيف حال أستاذك؟ فيقول ما شاء الله عليه، يُعلمنا اللغة العربية، يُعلمنا النحو والصرف، يُعلمنا الفقه، يُعلمنا التفسير .. ولكن لو قلت له: يا طالب، كيف حال أستاذك في الإكرام؟ كيف حال أستاذك في قيام الليل؟ قال: إيش العلاقة بكرمه، ولا قيامه. · قوة المعلم بقوة المعلومات ولو كنت بخيل تنجح في التعليم، لكن لاتستطيع أن ثؤثر علي قلبه إلا بقوة الصفات. · وقوة الداعي حتى يؤثر في المدعو، بقوة صفاته لا بقوة معلوماته، المدعو ينظر كم عنه من الكرم؟ كم عنده من الحلم؟، كم عنده من الرحمة عليه؟ كم عنده من الصفح؟ كم عنده من الخوف عليه؟ كم عنده من حب الخير له؟ كم عنده من الهمَّ والشفقة عليه. · ما تُعطيك قصة الداعي المعلومات، بل تُعطيك الصفات .. فقصة إبراهيم - عليه السلام - تُبرز لك حلم إبراهيم - عليه السلام - {إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مّنِيبٌ} (¬1) ... وقصة أيوب - عليه السلام - تُبرز لك، صبره {إِنّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نّعْمَ الْعَبْدُ إِنّهُ أَوّابٌ} (¬2). · قوة المعلم بقوة المعلومات ولو كنت بخيل تنجح في التعليم، لكن لا تستطيع أن تؤثر علي قلبه إلا بقوة الصفات. ¬

_ (¬1) سورة هود – الآية 75. (¬2) سورة ص – الآية 44.

· مُعلم ما عنده معلومات، مُعلم لغة عربية، ولكن ما يعرف الفاعل من المفعول به، ولكن كل يوم يقدم للطلاب الطعام والدجاج ويكرمهم، الطلاب يقولون يا أستاذ ما جئنا لنأكل دجاج، جئنا لنتعلم.

البيئة الإيمانية

البيئة الإيمانية قال تعالي: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* ِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * يَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} (¬1). يا الله أين النور؟ وكيف نلتمس هذا النور؟ وكيف نتعرف علي هذا النور؟ فيرشدنا إليه جلّ شأنه {فِي بُيُوتٍ} ليست في شوارع، وليست في دواوين، وليست في مقاهي. ¬

_ (¬1) سورة النور - الآيات من 35: 38.

أرشد الله إلى ثلاث بيئات تنور قلبك، وعندما نخرج نعيش هذه البيئات: بيئة مكانية 00 وبيئة أعمال 00 وبيئة اجتماعية. قال الله تعالي: {فِي بُيُوتٍ} ولم يقل في مساجد، لأن أول بيئة يعيشها المسلم تذكره بالله، هي بيئة البيوت، ثم بيئة المساجد. قال ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله {فِي بُيُوتٍ}:هي بيوت المسلمين ومساجدهم. إذا دخلت المسجد تذكرت الله، وإذا دخلت بيت مسلم فهو بيئة كاملة، وهكذا عندما دخل الناس في الدين أفواجاً. وكان آخر دعاء لسيدنا نوح {: - عليه السلام - رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} (¬1) فأول مراكز دعوية هي بيوت المسلمين، يقول الله - عز وجل - على لسان أهل الجنة: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} (¬2) ليس في مساجدنا مشفقين، بل في أهلنا. فقد كون الصحابي بيئة في أهله يذكّر أهله، وأهله يذكّرونه، ليس يغفّل أهله، وأهله يغفّلونه. هم كانوا {فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} ونحن في أهلنا ضحّاكين، في أهلنا مزّاحين، تريد الصلاة اذهب للمسجد، تريد تتعلم اذهب للمدرسة، وبذلك فقدنا البيئات في ¬

_ (¬1) سورة نوح – الآية 26. (¬2) سورة الطور - الآية 26.

البيوت، فلو وضعت جهازا مسجلا جاسوسا في بيت من بيوت الصحابة - رضي الله عنهم -، فإن كل ما يقال في بيت الصحابي، يصلح للنشر. وهكذا الصحابة عاشوا في بيئة الدين، وكذلك عندما نخرج نعيش أربع وعشرون ساعة، لمدة أربعين يوما في بيئة الدين. الصحابة - رضي الله عنهم - تعلموا أول ما تعلموا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما كيومه، فكرٌ كفكره، وهمٌّ كهمّه 00 ونحن تعلمنا وضوءاً كوضوءه، وهو لا يستغرق دقيقتان، لكننا لم نتعلم يوم كيومه. في بيوت الصحابة - رضي الله عنهم -، ثلاثة عشرة سنة، وبيئة الإيمان في بيوت المسلمين، سيدنا عمر - رضي الله عنه - عندما سمع أن أخته أسلمت أتى لبيتها لقتل زوجها، فلو وجد غناءً لغنّى معهم، ولكن حال دخوله البيت تأثر بالبيئة، فأخته تقرأ القرآن، فقد كانت أعمال الدين في البيت. عندما نزلت {وَاذْكُر رَّبَّكَ} ليس معناها: أنهم كانوا في غفلة، بل كانوا في ذكر، ولكن تحثهم الآية على زيادة الذكر. في كل بيت فيه حلقة التعليم، وهكذا البيت يعطي للأمة، فأحاديث كثيرة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله، فعطاء البيت مثل عطاء المسجد، وأعمال البيت مثل أعمال المسجد، فالبيت فيه الأعمال الكاملة كما في المسجد 00 أما بيوتنا فلا تستطيع أن تقوم بأعمال الدين خمسة دقائق، فصار البيت خنجر في ظهر المسجد. فعلينا أن نخرج لنصلح بيوتنا، ولو بالتدريج 00 وهكذا أول بيئة كانت بيوت المسلمين، نزل جبريل والرسول في بيت خديجة، فالرسول يُذاكر مع خديجة، وبعد ذلك تنتقل المذاكرة إلى بيوت المسلمين، وبعد أربعة عشرة سنة انتقلت

نسخة من الأعمال إلى المسجد، فأصبحت أعمال المسجد، ونفس هذه الاعمال في البيت، فعندما يسمع الصحابي أعمال المسجد ينقلها إلى أهله في البيت. في المسجد ذكر، وفي البيت ذكر، قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىَ فِي بُيُوتِكُنّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} (¬1) وهكذا 124 ألف مدرسة، في 124ألف بيت. وهكذا بيئة البيت، وبيئة المسجد، تجعل المسلم يمشي في المجتمع ولا يتأثر، فصُنع المسلم في مساجد المسلمين وبيوت المسلمين. فالسيارة مثلا تصنع في مكان صغير، ولكن تستخدم في كل العالم وهكذا المسلم يربى في البيت والمسجد، ولكن يتحرك في العالم أجمع، وهكذا مصنع الرجال البيت والمسجد. فهذه البيئات تعلم الانضباط، فليس مكتوب فيها ممنوع التدخين، ولكن لا أحد يدخّن، وليس فيها غيبة، ولا فيها معصية. هكذا عاش المسلم في بيته 4 أعمال، وفي المسجد 4 أعمال فتنور المجتمع كله. قال تعالي: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ} فالرفع ليس ماديا فبناء من 70 دوراً لا يساوي شيئا، ولكن خيمة أو بيت صغير يُذكر الله فيه تراه الملائكة كما ترى النجم، ففي الحديث: " البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءيا لأهل السماء كما ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب – الآية 34.

تراءيا (في المنتخب - يتراء يا) النجوم لأهل الأرض (¬1). إذن الرفع صفة للأعمال وليست صفة للأحجار. فالمسجد وظيفته {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} فكل الاعمال ذكر لله - عز وجل -. وعندما نخرج في البيئة المكانية: وهي المسجد يحفظك الله - عز وجل - من الشر، ويحفظك من سماع الغيبة والنميمة. والبيئة هي بيئة الأعمال، وما هي الأعمال؟ أعمال الدعوة وهي متنوعة: زيارات، تعليم وتعلم، مذاكرات، قيام الليل، ذكر، يومياً نتجالس في الله، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ، بأن طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً " رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ غريب (¬2). وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ " رواه مالك فيَّ الموطأ بإسناده الصحيح ((¬3). ¬

_ (¬1) كنز العمال _ باب فضائل القرآن برقم 2291 (¬2) رياض الصالحين _ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة صـ 187. (¬3) رياض الصالحين _ باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وماذا يقول له إذا أعلمه صـ 193.

فبيئة الأعمال تتكون في الخروج. والبيئة الثالثة: بيئة الأشخاص (رجال (فهذا تقي، وذاك تقي، في المسجد، وعندما يمشي في الشارع فهو غاض النظر عن المحرمات، وفي الليل تراه قائما لله - سبحانه وتعالى -، وهكذا تكونت البيئة الاجتماعية. وهكذا في البيئة المكانية، وبيئة الأعمال، نجلس فيها ونتعلم، وبعدها ننطلق إلى المجتمع، إلى الشوارع نؤثر ولا نتأثر، فنمشي إلى بيئات الغفلة، وأنت سيد الموقف تُسمعهم ولا تسمع منهم، ولكن لو كنت غير ذلك فسوف تسمع منهم ولا يسمعوا منك، فإن لم تكن لساناً كنت أُذناً. فبيئة المسجد كمستشفى عام، وبيئة البيت كمستشفى خاص، وهكذا حظ نساء الصحابة أنهن كن يأتين المسجد ليسمعن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن حظ عائشة رضي الله عنها أوفر فرواية الأحاديث عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، لأن عناية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعائشة رضي الله عنها أكبر، وهو القائل - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي والدرامي عن عائشة (¬1). فالبيت سرك، والمسجد علانيتك، ولا بد أن يكون لك بيئتان محميتان من الشر، فلا يدخل الشر بيتك، ولا يدخل مسجدك، فإن أتيت إلى البيت حُفظت، وإن أتيت إلى المسجد حُفظت أيضاً، بإذن الله تعالي. ****** ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح _ كتاب النكاح _ باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق 2/ 971.

خواطر إيمانية حول سورة الفاتحة

خواطر إيمانية حول سورة الفاتحة بِِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} (¬1). بهذه السورة العظيمة، فتح الله تبارك وتعالي كتابه العزيز، فهي فاتحة الخير، وفاتحة العز، وفاتحة النصر، وفاتحة البركة، وفاتحة الكرامة، وفاتحة الهداية، فكل شيء تريده أن تبدأ بالفاتحة (¬2) 0 فضل سورة الفاتحة: أولا: عن أبي سعيد بن المعلَّى - رضي الله عنه - قال: كنت أصلّي فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه حتى صلّيت، قال: فأتيته، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قال: قلت يا رسول الله إني كنت أصلي، قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة - الآيات من 1: 7. (¬2) أخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كل آمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ".

وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (¬1)؟ ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنَّك أعظم سورة في القرآن، قال: " نعم {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " أخرجه أحمد ورواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة (¬2) " ثانيا: وعن أُبيّ بن كعب رضي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي نصفين " رواه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن أُبي بن كعب " هذا لفظ النسائي. (¬3) ثالثا: وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كنّا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إنَّ سيّد الحي سليم أي لديغ وإنَّ نفرنا غُيَّب فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه ما كنا نأبنه: أي نعيبه أو نتهمه برقيه، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبناً، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن؟ أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيتُ إلاّ بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي أو نسأل - صلى الله عليه وسلم -، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: وما كان يدريه أنها رُقْية؟ اقسموا واضربوا لي ¬

_ (¬1) سورة الأنفال _ الآية 24. (¬2) مشكاة المصابيح _ كتاب فضائل القرآن 1/ 654. (¬3) سنن النسائي بشرح الإمامين السيوطي والسندي – كتاب الإفتتاح – باب فضل فاتحة الكتاب – 1/ 610.

بسهم " رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وفي بعض روايات مسلم أن أبا سعيد الخدري وهو الذي رقى ذلك اللديغ. (¬1) رابعاً: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلي الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته " رواه مسلم والنسائي عن ابن عباس ". (¬2) ومعنى قوله نقيضا أي صوتاً. خامساً: وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداجٌ - ثلاثاً - غير تمام فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عزّ وجلّ قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجّدني عبدي، وقال مرة: فوّض إليّ عبدي، فإذا قال: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة – الآيات من 1: 7. (¬2) مشكاة المصابيح – كتاب فضائل القرآن 1/ 656.

أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) " رواه مسلم عن أبي هريرة " (¬1) وعددها: سبع آيات، قال الله تعالي: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ *لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬2) في هذه الآيات يَمُنُّ الله بها، على نبيه وعلى كل من تَبِعه، أن جعل قرآنك الذي هو دستور حياتك، جعله في سبع آيات، اختصره، وأَوْجزه، وجعل أنواره في سبع آيات، وضعها في صدرك {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا} فلولا الفاتحة، كيف نفهم القرآن، تقرأ البقرة، تقرأ آل عمران، تقرأ النساء، لا تعرف المقصد، ولا تعرف المنهاج، ولا تعرف كيف تقدم، وكيف تؤخر، فخير ما يفهمنا ويفسر لنا القرآن هي سورة الفاتحة. بالقرآن نعرف الفاتحة، وكيف نعرف الفاتحة؟ إذا أردت أن تفهم المجمل، اقرأ المفصّل، وإذا أردت أن تفهم المفصّل، اقرأ المجمل، هي الفاتحة نقرؤها في الركعة الأولى وفي الثانية وهكذا مرةً بعد مرة {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا} سَهْلٌ حفظهما، ولهذا الله عز وجل ما أوجب علينا حفظ جزء أو جزئين، فالفاتحة ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 1/ 39، 296، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من ترك القراءة بفاتحة الكتاب في صلاته 1/ 215، والترمذي في تفسير القرآن _ باب من سورة فاتحة الكتاب 5/ 184، والنسائي في كتاب الافتتاح، باب ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب 1/ 605. (¬2) سورة الحجر – الآيتان 87، 88.

ومعها سورة واحدة هذا واجب وجوبا عينيا، والباقي وجوب كفائي وسنّة، فالله أوجب علينا أن يكون القرآن دستور حياتنا، أفكارنا قرآنية، أعمالنا قرآنية، همومنا قرآنية - كان - صلى الله عليه وسلم - خلقه القرآن -الجهد فرض عين، أما التلاوة فما كل الأمة تمتعت بتلاوة القرآن، ولكن كل الأمة تمتعت بتلاوة الفاتحة، ما كل الأمة حفظت القرآن، أشغل سيدنا خالد - رضي الله عنه - جهد القتال عن حفظ القرآن فقد كان لا يحفظ السور الطويلة، ولكن كان يحفظ السور القصيرة، ما كان يحفظ، قوله تعالي: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} (¬1) لكن كان يشتغل في القتال وما كانت سُميّة رضي الله عنها تحفظ قوله تعالي: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬2). ولكن كانت تشتغل بالدعوة، ما كل الأمة حفظوا {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (¬3) ولكن كل الأمة غضت أبصارها. تستطيع مع الفاتحة وسورة أو سورتين أن تكون صالحاً ومصلحاً، فمصدر الهداية القرآن والسنة، كيف القرآن والسنّة مصدر هداية؟ يعني جهد القرآن وجهد السنَّة مصدر هداية. ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية 191. (¬2) سورة النحل - الآية 125. (¬3) سورة النور– الآية30.

والسنَّة كم يجب أن نحفظ منها؟ كم حديث يجب حفظه من السنَّة؟ فبدون سنَّة لا نهتدي، وبدون قرآن لا نهتدي، فكم حديث يجب أن نحفظ؟ الجواب: ولا حديث فلا يجب حفظ حديث واحد وجوبا عينيا، فأكثر الصحابة لم يَرْوُوا ولا حديث، فسيدنا جعفر ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يروي ولا حديث، فأول حياته هَاجَر إلى الحبشة، وابتعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسمعه، ولم يكن هناك كتب أو انترنت، ولمَّا رجع من الحبشة أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة مُؤتة فاستُشهِد - رضي الله عنه -، فلا يجب عليَّ حفظ، حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه (¬1) " ولكن وجب عليَّ إكرم الضيف لأني علمت أن من هديّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إكرام الضيف، والمسلم وإن لم يحفظ حديث في حسن الجوار، إلا أنه وجب عليه حسن الجوار، لأنه عَلِمَ أنَّ من هَدْيِه - صلى الله عليه وسلم - حُسْن الجوار فأحْسَنَ الجوار 00 فإذاً المطلوب منا أن نتَعَلُّم جهد القرآن، وجهد السنة، وليس معني ذلك أننا نُحقر من يحفظ القرآن، والسنة النبوية المطهرة، وإلا فمن يحفظ علي الأمة دينها. فكيف إذن نخشع في الصلاة، ونترقى في الصلاة، ونتقدم في الصلاة؟. إذن نتَدَبَّر في صلاتنا، في كل صلاة نقول الله أكبر (ونتَدَبَّر) الله أكبر ونقرأ الفاتحة (ونَتَدَبَّر فيها). ونحن في هذه الجلسة الكريمة، نتدبر الآيات السبع، حتى يُعِين تَدَبَّرها على الخشوع والخضوع والتوجه في صلاتنا، الصلاة تُسَمَّى صلاة، وتسمى ركوع، وتسمى سجود، وتسمى الفاتحة وتسمى القرآن، (وقرآن الفجر) أي صلاة الفجر، قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (رياض الصالحين – باب إكرام الضيف).

ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} (¬1) وقال تعالي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ} (¬2) معناه أن الصلة بالله تتحقق، بالقيام والركوع والسجود، ففي الحديث- قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي - هذا حديث قدسي يسمي الفاتحة صلاة، فما قال: قسمت الفاتحة لكن سمّى الصلاة بها لأنها أهَمُّ أركانها - فإذا قال عبدي: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الرب: حمدني عبدي، (تَذْكُرُه فيذكرك ويجيبك، فيقول حمدني عبدي، يذكرك بهذه الصفه أي عبدٌ حامدٌ)، وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى عليَّ عبدي، فأنت تتكلم وهو جل وعلا يتكلم، أنت تثني وهو يثني، وأنت تذكر وهو يذكر، فإذا قال: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجّدني عبدي، وقال مرة: فوّض إليّ عبدي، فإذا قال: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، (فلك يا الله العبادة، نعطيه العبادة ويعطينا النصرة والمعونة والمعيّة، فإياك نعبد: عليَّ، وإياك نستعين: أي منه العون،، فإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) " رواه مسلم عن أبي هريرة " (¬3) ¬

_ (¬1) سورة الحج _ الآية 77. (¬2) سورة الحج _ الآية 77. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 1/ 39، 296، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من ترك القراءة بفاتحة الكتاب في صلاته 1/ 215، والترمذي في تفسير القرآن _ باب من سورة فاتحة الكتاب 5/ 184، والنسائي في كتاب الافتتاح، باب ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب 1/ 605.

وتنتهي الفاتحة بالدعاء، أن يعطينا حياة الأنبياء، وحياة الدعاة، وحياة الصديقين، يا الله جنبنا طريق المغضوب عليهم (اليهود) والضالين (النصارى)، وهذا الدعاء لعبدي ولعبدي ما سأل. وهكذا لعظمتها، وأهميتها، قال الله جل وعلا: قسمت الصلاة، ولم يقل الفاتحة. هذه السورة وُضِعَتْ في الترتيب أول سورة في القرآن الكريم، فهي موجز للقرآن، فكما تُبْدَأ الأخبار بالموجز، ثمّ يأتي التفصيل، كذلك الفاتحة موجز القرآن كلّه، ثم يأتي التفصيل، فاقرأ البقرة وآل عمران والنساء والباقي كله تفصيل. فالفاتحة لأنها فاتحة كل خير، ومن أسمائها الكافية تكفي قلبك نوراً، تكفي روحك، تكفيك لفهم حياتك، هي الكافية تكفيك في الدنيا والآخرة، وهي الشافية تشفيك، وهي الواقية تقيك، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، فهنا سُمِيَ الكل باسم الجزء {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، إلى هنا أنت الآن تُبَيّن عقيدتك، لمن هذه الحياة؟ مَنِ المعبود؟ هذه أهم صفات ربنا الألوهية والربوبية والرحمة والمالكية. إذن {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} هذه عقيدة المسلم.

قوله تعالي: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1) منهاجنا واعلم أن الحمد ثناء على ¬

_ (¬1) فلما أنعم الله - عز وجل - علي عبده، حيثُ أوجده من العدم وأمده بالنعم، وكانت الفاتحة فاتحة الكتاب، بدأها الله - عز وجل -، بالحمد والثناء علي الله - عز وجل -، ليحمد العبد ربه - عز وجل - دائما علي ما أنعم به عليه من نعمه العظيمة .. وآلائه الجسمية .. حيث أرسل إليه أفضل رسله .. وأنزل عليه أشرف كتبه .. وشرع له أفضل شرائع دينه .. وجعله من خير أمة أخرجت للناس .. وهداه لمعالم دينك الذي ارتضاه لنفسك، والذي ليس فيه التباس00 فاللَّهُمَّ .. لك الحمد كما هديتنا للإسلام وعلمتنا الحكمة والقرآن. وكان الحسن البصري يبدأ مجلسه بالحمد والثناء: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا، وهديتنا، وعلمتنا وأنقذتنا، وفرجت عنا .. لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن .. ولك الحمد بالآهل والمال والمعافاة كبت عدونا .. وبسطت رزقنا .. وأظهرت أمننا .. وجمعت فرقتنا .. وأحسنت معافاتنا .. ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا .. فلك الحمد علي ذلك حمدا كثيرا، لك الحمد بكل نعمه أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو خاصة أو عامة، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب .. لك الحمد حتى ترضي .. ولك الحمد إذا رضيت). ولما كانت الصلاة هي الصلةُ بين العبد وربه، افتتحها بفاتحة كتابه، ليبتدئ المصلي صلاته بحمد ربه والثناء عليه، وبعد التكبير وقبل قراءة الفاتحة يُسن للمصلي أن يدعو بدعاء الاستفتاح:" سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ". (رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة) ويستفتح قيام الليل:" اللَّهُمَّ .. لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن .. ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن .. ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن .. ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، اللَّهُمَّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، لا إله غيرك (متفق عليه). = = ... وفي الركوع يقول: سبحان ربي العظيم (ثلاثا) ثم يستحب أن يقول: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" (متفق عليه).، " اللهم! لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، وخي، وعظمي، وعصبي ". ثم يرفع رأسه من الركوع، رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إن كان إماماً أو منفرداً، ويقول بعد قيامه: "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد"، وإن زاد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" فهو حسن " رواه مسلم. ثم يسجد ويقول: " سبحان ربي الأعلى " (ثلاثا) ثم يُستحب أن يقول: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي " ثم يقول: " اللهم لك سجدت، وبك آمن، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسنُ الخالقين ". وبعد التسليم: يستغفر الله ثلاثاً ويقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" رواه مسلم.

المحمود، ثناء على المحمود، ويشاركه الشكر، إلا أن بينهما فرقا، وهو: أن الحمد قد يقع ابتداء للثناء، والشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة، وقيل: لفظه لفظ الخبر، ومعناه الأمر، فتقديره: قولوا: الحمد لله أربع وعشرين ساعة، ليس بالصلاة إياك نعبد، وخارج الصلاة افتح باب الهوى، فعندما تسلم تتحلل من الصلاة ولا تتحلل من العبودية فتنتقل من عبادة إلى عبادة، فمن عبادة الصلاة، إلى عبادة المشورة، إلى عبادة التعليم، والتعلم إلى عبادة الفقه، فلا يجوز التحلل من العبودية دقيقة واحدة.

فـ {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ}: منهاج الساعة الأولى صباحا، الساعة الأولى مساءً، الساعة الثانية صباحاً، الساعة الثانية مساء. إذن إياك نعبد يتعلم المسلم من دينه عبودية أربع وعشرين ساعة قبل أن يتعلم الصيام والحج يتعلم كيف يعبد 24 ساعة عن طريق هذا الجهد المبارك. {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} مفتاح الدين، أول آية الحمد تثني على الرب، كما أثنى الرب على نفسه: {للهِ ما فِي السّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ} (¬1)،: { ... وَللهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} (¬2). { ... تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬3) { ... تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا} (¬4) {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (¬5) ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية284. (¬2) سورة المائدة – الآية17. (¬3) سورة الملك – الآية1. (¬4) سورة الفرقان – الآية61. (¬5) سورة الفرقان – الآية 1.

َ { ... تبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (¬1)، هذه كلها آيات يُثني فيها ربنا على نفسه، وليس أنت الذي تثني عليه 00 فكم الله - عز وجل - يُمَجد نفسه، وكل آية في الفاتحة، مثل شباك صغير، نافذة صغيرة تطل بها على أنوار قرآنية عديدة. كم حَمْدٌ في القرآن: 1) قال تعالي: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬2). محمود في ربوبيته. 2) وقال تعالي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} (¬3) محمود على شريعته، وتشريعه وكل أمر من أوامره تحمده عليه حتى يسعدك هذا الأمر. 3) وقال تعالي: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} (¬4) محمود على خلقه. 4) قال تعالي: {َقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (¬5) محمود في مالكيته. 5) وقال تعالي: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬6) ¬

_ (¬1) سورة الرحمن– الآية78. (¬2) سورة الفاتحة – الآية2. (¬3) سورة الكهف – الآية 1. (¬4) سورة الأنعام – الآية 1. (¬5) سورة الإسراء – الآية 111. (¬6) سورة النمل– الآية 59.

6) وقال تعالي: {َقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (¬1) 7) وقال تعالي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (¬2). 8) وقال تعالي {: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬3). أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النا ر، محمود على قضائه. وإذا دخل أهل النار النار محمود على عدله، فهذا أكمل عدله. وإذا دخل أهل الجنة الجنة، محمود على فضله. فدائما الثناء على الله، ودائما الحمد لله، ودائما راضٍ عن ربك، ولكن المطلوب هو يرضى عنك، إذا راح المال أنا راضٍ عنه فهذا ليبتليني، ويمتحنني وحتى يرقيني .. ولكن أحوالنا الآن السخط على الله، تسخط على الله، وترضى عن النفوس. ¬

_ (¬1) سورة النمل – الآية93. (¬2) سورة سبأ – الآية 1. (¬3) سورة الزمر – الآية 75.

الحمد لله ترجع إلى الله لك الحمد ملء السموات ولك الحمد ملء الأرض وملء ما شئت من شاء بعد، يا الله أنت في كل لحظة وإلى الأبد، أهل الثناء والمجد. فالذي عنده طاقة فالله يحب الحمد، وبدل أن توجهها لأبوك وأخوك ولعشيرتك، وَجِّه طاقة الحمد إلى الله، وطاقة الذم والسخط وَجِّهْهَا إلى نفسك، فكل لحظة ساخط على نفسه حامد لربه، ساخط على نفسه، لأنها ما قامت على حق العبودية كما ينبغي، فكل لحظة تسخط نفسك وما تسخط غيرك، وتحمد ربك (إني ظلمت نفسي) تسخط نفسك، (ولا أقسم بالنفس اللوامة) لوم نفسك ولا تلوم أحد، فاليوم الناس تلوم ربها، ويلوم كل شيء حوله، ولا يلوم نفسه، فمفتاح الدين لوم نفسك، واحمد ربك، احمده يحمدك، حامد محمود، ذاكر مذكور، والناسي منسي {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} (¬1). {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} (¬2). الحمد كل الحمد، استغراق لله. وقوله تعالي: {ِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: كل شيء في الكون مربوب بربوبية الله، فالله جل وعلا خالقه، ومربيه، فهو الذي خلق، وهو الذي رزق، وهو الذي أحي، وهو الذي يميت، قال تعالي: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة التوبة – الآية 7 6. (¬2) سورة الحشر – الآية 19. (¬3) سورة الروم – الآية 40.

فكل ذرة في الكون مربوبة فلا يمكن أن تضرك إلا بأمر من الله، ولا تنفعك إلا بأمر من الله (¬1). صاحب المنزل (رب البيت أو رب الأسرة) يقدم لزوجته وأولاده الطعام والكسوة، ولا يزيد علي ذلك، فإنه لا يستطيع أن يُحرك معدته ولا معدة ولده، ولا يستطيع أن يُحرك قلبه ولا قلب ولده .. ولكن الله - عز وجل - بقدرته وحده يُحرك كل جسم الإنسان. وهذه الربوبية يتبعها {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ليبين لك أن كل شيء يُريده منك رب العزة - سبحانه وتعالى - فيه الرحمة لك أيها الإنسان الضعيف، فهو رحمان الدنيا والآخرة، ورحيمهما. وهو رب العزة لقوله تعالي: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (¬2). فالذي يُريد العزة فعليه بطاعة الله العزيز 00 فالعزة مربوبة بربوبية الله - عز وجل -، وكذلك الذلة مربوبة بربوبية الله - عز وجل -. ¬

_ (¬1) كما جاء في الحديث: عن ابن عباس، - رضي الله عنه -، قال: " كنت خلف النبي، - صلى الله عليه وسلم -، يوماً فقال: " يا غلام إني أعلمك كلمات: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام، وجفت الصحف " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (رياض الصالحين _ باب المراقبة) (¬2) سورة الصافات – الآية 180.

فلما علم الصحابة - رضي الله عنهم - أن كل شيء من قبل رب العزة - سبحانه وتعالى -، وأن كل شيء متبوع بـ {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} لم يخافوا من أي شيء يُصيبهم 00 لم يخافوا الفقر، ولم يخافوا المرض، لم يخافوا العري، لم يخافوا من العدو. فكان أحدهم يباتُ جوعان، وإذا سئل عن حاله، يقول: أنا في سعادة لويعلمُ بها الملوك وأبناء الملوك لحاربونا عليها بالسيوف. وأصبحوا عريانين، من أجل الدين، ولكن سعداء بربهم الذي خلقهم، وأقامهم علي دينه. ولم يخافوا من المرض لأنه مكفر للذنوب، فسيدنا أبو ذر - رضي الله عنه - يقول: أحب ثلاث: 1) أحب الفقر تواضعا لربي. 2) وأحب المرض تكفيرا لذنوبي. 3) وأحب الموت للقاء ربي. فالعدو الآن يخوفنا من غير الله - عز وجل - 00 ويجب علينا أن لا نخاف من غير الله - عز وجل -، لأن كل شيء من وراءه {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}. أي العوالم كلها مربوبة والرب واحد، ربوبية وألوهية مبنية على الرحمة، رحيم في ألوهيته ورحيم في ربوبيته، رحيم إذا أَمَرَ، رحيم إذا نهى، رحيم إذا أعطي، رحيم إذا منع.

فهنا حسن الظن بالله - سبحانه وتعالى -، فالطفل عندما يثق بأبيه، فإذا أبوه أخذ فلوسه يحسن الظن بأبيه، فأبي أخذ فلوسي حتى يخبئها، أمَّا غير أبيه فيجلس يبكي، فلهذا الطفل الصغير مطمئن بالرب المخلوق، فكيف الرب الخالق؟ كيف يريدك، أن تثق به. وقوله تعالي: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وسمي هذا اليوم (يوم القيامة) بيوم الدين، لأنه في هذا اليوم لا يستطيع أحد من البشر، أو من الجن، أو من الملائكة، أن يدعي ملكية أي شيء 00 لأن في ذلك اليوم، كما قال الله تعالي: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (¬1). ومن هنا يتذكر الإنسان أن أي عمل يعمله، ليوم الدين، وأن يكون يوم الدين نُصب عينيه، يُصلي ليوم الدين 00 يصوم ليوم الدين 00 يحج ليوم الدين 00 يجاهد ليوم الدين 00 يدعو الناس إلي الله ليوم الدين 00 قال تعالي: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} (¬2). ولا بد للمسلم أن يتذكر دائما في يومه، يوم الدين، فالله - سبحانه وتعالى - أخبر عن أحوال الأنبياء، أنهم لا تمر عليم لحظة إلا وهم يذكرون الآخرة، {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم – الآية48. (¬2) سورة الإنسان – الآيات من 8:10. (¬3) سورة ص – الآية 46.

وسر القرآن كله في قوله تعالي: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (¬1)}: هذا منهاجك، منهاج الحياة وبرنامج الحياة، فلا بد من العبادة أولا، ثم الاستعانة، يا رب! منا العبادة ومنك العون، يقول أحد العلماء: ما أكثر الاستعانة، وقلة العبادة: (يا رب! انصرنا 00 يا رب!: ارحمنا 00 يا رب! اهدنا) ومع قلة العبادة، لا يستجاب الدعاء. وما أكثر الطاعة وقلة العبادة 00 وهل هناك فرق بين الطاعة والعبادة؟ قال الله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (¬2). فالطاعة مثلا تكون من الولد لوالده، يقول الوالد لولده: أعطيني كذا، فيعطيه ما أمره به، ويُعطيه وليس في قلبه خوف ولا خشوع، من والده، أنه سيتقبله منه أم لا 00 ولله المثل الأعلي: الله - سبحانه وتعالى - طلب منا الصلاة، فصلينا بالجسد، وليس في قلوبنا خشوع ولا خضوع ولا انكسار، هل سيقبل الله - سبحانه وتعالى - منا ¬

_ (¬1) يقول ابن القيم (رحمة الله: (وسر الأمر والخلق والكتب والشرائع والثواب والعقاب انتهى الى هاتين الكلمتين وعليهما مدار العبودية والتوحيد حتى قيل انزل الله مائة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن وجميع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن وجمع معاني القرآن في المفصل وجمع معاني المفصل في الفاتحة وجمع معاني الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين (مدارج السالكين). (¬2) سورة النساء – الآية 59.

هذه الصلاة أم لا 00 وهذا الفرق الذي بيننا وبين الصحابة {- رضي الله عنهم - َالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (¬1). تصدقت حتي يقول الناس أنك رجل كريم: هذه طاعة ولا تُسمي عبادة 00 أعطيت الصدقة، ثم قمت بالمن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (¬2). فلا بد أن تُعطي الصدقة وتنكسر أمام الله - عز وجل - بأن يقبلها منك، تقول يا رب! هذا المال مالك فاقبله مني 0 وكل الأعمال علي ذالك من جهاد، ودعوة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وذكر وتلاوة للقرآن. فإذا صحت الطاعة بالعبادة، كان هناك الطلب الصادق. قوله تعالي: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} هذا المقصد مقصد حياة المسلم. ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون – الآية 60. (¬2) سورة البقرة – الآية 264.

الذي يمشي في الدعوة يعيش، همَّ الأنبياء، وفكر الأنبياء علي مدار24ساعة، والذي لا يعرف الدعوة يتعلم -صلّوا كما رأيتموني أصلي- عبودية 5 دقائق ووضوءا كوضوئه عبودية دقيقة (والسلام عليكم). نزلت هذه السوره وفيها {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قبل أن تفرض الصلوات الخمس، فهي من أوائل السور نزولا، الأمة تهتف {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ}، وليس هناك صلاة ظهر أوعصر. فـ {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ}: منهج جماعي، وليس إياك أعبد، تنفرد فقط بالعابد. إياك أعبد هذا منهج العباد سابقا، يحمل فراشه ويمشي إلى الكهف، يعتكف 20 سنة ينقطع، لا يعرف إخوانه، ولا يعرف أقربائه ولا أهل دينه، فيقول: (إياك أعبد) فينعزل وينطوي. أمّا منهاج الأمة {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} فَضُمَّ جهدك لجهدي، فهذا يقوم بالخدمة00 وهذا يقوم بالتعليم 00 وهذا بالبيان، لكن كل هذه الأعمال مقصدها واحد هو كيف يحيى الدين. فطاقات الأمة كالبنيان المرصوص، حجرٌ .. حجر، فكل الحَجَرِ صار بيتاً واحداً، ولكن البيت كم حجرٌ فيه؟ وهكذا المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص فأنت تُعلِّم وهذا يصلي وذاك يذكر والآخر يتجول وآخر بالدعاء ولكن كل هذه الأعمال تتكامل ولا تتخاصم، تشكل {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ}، لهذا لا يمكن عن طريق الصلاة نصلي ونقول {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} ونُوَحِد فكرهم، فـ {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} لتوحيد

الفكر، فسبعين ألف مصلي لا يعرفون الدعوة وهم كتف بكتف والأفكار شتى 00 ولكن داًعٍ هنا، وداعٍ في الصين تجدهم بفكر واحد. كم مثل هذه الجلسات الآن في العالم، وكلها هدفٌ واحد، وفكرٌ واحد، فأستطيع أن أقول {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} وأنا لست وحدي في الدعوة فلي إخوانٌ، فأحب شئ إلى الله اللذين يقاتلون في سبيله صفا، كأنهم بنيان مرصوص، وليس هناك بنيان جسدي في القتال، هذا يَفِر، وهذا يَكِر، لكن كل المقاتلين في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا أمة واحدة، تقاتل تحت راية واحدة، ومقصد واحد، وهو إعلاء كلمة الله، وهكذا البنيان الجسدي بنيان مرصوص، فكري بنيان مرصوص، روحي بنيان. قوله: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ}: عمل جماعي ومقصد جماعي. وقوله: {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: أعطي العون لكل الأمة ليس معناها أَعِنِّي ولا تُعِن أخي، اهدنا: يارب! ثبِّت هذه الأمة على جهد نبيك، فأنت تدعو لنفسك ولسائر الأمة بالثبات على جهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اهدنا، واهدِ بنا. وهكذا سورة الفاتحة {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} منهاج حياتنا، واهدنا أي للمقصد. س: ما لفرق بين {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} واهدنا (المقصد)؟ أليست الهداية هي العبودية؟ ج: {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي يا الله خذ بأيدينا إلى أكمل عبودية، واهدنا: أي وفقنا إلى كمال العبودية، وثبتنا على الكمال، وزدنا كمالا، اهدنا، ففيه عبادة موجودة عندنا، وعبادة أخرى مطلوبة عند ربنا، عندنا مثلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ

} (¬1) وعندنا {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (¬2) وعندنا {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (¬3)، يارب خذ بأيدينا فتقول {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} وتطلب من الله الزيادة والترقي والثبات، ليس لنفسك فقط، بل حتى لا يبقى إنسان في الكون إلَّا ويركع لله - عز وجل -، فالهداية مقصد حياة المسلم. يقول أحد الصالحين: وَدِدْتُ أن أُقَطع إرباً إرباَ ولا يُعصى الله في الأرض، فكأنه يقول ما رأيك لو تُقَطَع إربا إربا ويكون جميع الناس مهتدين لا يعصون الله، فهو مستعد لأي ثمن لتحقيق المقصد - أي الذي تضحي من أجله - وهو الهداية لنا وللناس كافة. وآخر يقول: وَدِدْتُ لو تَغْلِي بِيَ المراجل (أي يوضع في القدر ويغلي به كطهي اللحم) ولا يعصى الله في الأرض. فمن أجل هذا المقصد تقطعت نِعال الصحابة، ومن أجله جُرحوا وقُرِّحوا، وبسبب الصدق في التضحيه لهذا المقصد، أعطى الله الهداية لملايين من الناس يسبب جهدهم، ولأجل هذا المقصد خرجنا ثلاثة أيام بالصعوبة، ونقول: يا الله بسبب هذه الثلاثة أيام أعطي البشرية الهدايةً فهو مقصد عظيم، أعطيناه تضحية بسيطة، مقصد عظيم: {اهدِنَا}، أعطيناه أيام قليلة. يصلي المريض ويقول {اهدِنَا} ولا يقول اشفنا لأن الهداية مقصد عظيم والشفاء مطلوب، فالهداية مطلوبة، والشفاء مطلوب لكن الشفاء حاجتنا والهداية مقصد حياتنا00 فلو مات الإنسان مريضا فالله - عز وجل - يعطيه أجراً ويدخله الجنة00 ¬

_ (¬1) سورة السجدة – الآية16. (¬2) سورة الذاريات – الآية 17 0 (¬3) سورة القصص– الآية54.

لكن لو مات المريض ضالأً، لم يكن يصلي وهو مريض فيدخل النار وما شفع مرضه له. فالهداية مقصد حياة الشبعان 00 ومقصد حياة الجائع00 ومقصد حياة المريض 00 مقصد حياة الصحيح 00 ومقصد حياة الملك والمملوك، إذن اهدنا وحّدت مقصد الأمة، فالكل يقول {اهدِنَا}. لكن الآن الأمّة مقصدها ليس واحداً لأن {اهدِنَا} مقصد لفظي، فالجائع يقول: {اهدِنَا} وبقلبه يقول أطعمنا، والعُزَّاب لسانهم يقول {اهدِنَا} وقلوبهم تقول ياالله زوجنا، فالمقصد اللفظي لا يُوَحِّد، لكن عندما جماعة الدعوة خرجوا لاجتماع في بنجلاديش، ملايين الناس من 200 جنسية، لكن كل واحد منهم مقصد حياته كيف الله ... - عز وجل - يُنزل الهداية علي أمة الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -. فنحن نجتهد لا ليكون {اهدِنَا} مقصد لساني لفظي، فمقصدك في قلبك لكن اللسان يعبر، فالمقاصد في القلوب {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} (¬1)، فلا يضاف المقصد إلى اللسان، مقصد اللسان، مقصد العين، لكن مقصد القلب، فأنت عندما تسافر إلى مكان ما، لا تقول أقصد بلد فلان ولكن مقصدك بقلبك، فكيف يكون مقصد {اهدِنَا} مقصد أربع وعشرين ساعة، ليس مقصد صلاة بل مقصد حياة، تدعو الله بالصلاة أن يعطيك الهداية. و {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} منهاج حياة، لكن {اهدِنَا} مقصد حياة، والحياة بدون مقصد وبال قِلَّتُها أحسن منها، بدونها يقول الكافرُ يوم القيامة {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} لمن لم يحمل هذا المقصد، فبدون هذا المقصد، تكون حياة الحيوان أحسن من ¬

_ (¬1) سورة العاديات – الآية10.

حياة هذا الإنسان، لأن الحيوان قام بمقصده، لكن الإنسان أُعطي مقصداً، وما قام به، فالحيوان خلق ليكون حيوانا، أما أنت فخلقت لتكون إنساناً كاملاً حياتك مثل حياة الأنبياء. قوله تعالي: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} وحينئذ تأتي النصرة من الله - عز وجل - 00 ولكن إذا حصل تحول في القلوب، كانت الهزيمة، حتي ولو كان قائد الكتيبة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما في غزوة أُحد وحنين. فالخطر في الطريق أنه طريق واحد، وليس فيه اعوجاج. وإذا أردت أن تسير علي هذا الطريق، فلا بد لك من النظر في سيرة الذين نهجوه قبلك وكيف مشوا عليه قبلك. لأن الذين سبقوك علي هذا الصراط، هم السبب في هدايتك ونجاحك. فعندما يدخل أهل الجنة، الجنة، فكل فوج يدخل يُسلم علي الذين سبقوه، لأنهم كانوا السبب في نجاته، فاللاحق يسلم علي السابق. وكذلك أهل الضلال في النار، قال تعالي: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ} (¬1). فكل فعل فعلوه، وكل أذي تحملوه، وكل نهج انتهجوه، فلا بد أن تسير علي ضربه. وصراط من هذا؟ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} ¬

_ (¬1) سورة الأعراف – الآية 38.

صراط الهداية، كيف يا الله ومثل هداية مَنْ؟ مثل هدايتنا؟ نحن هدايتنا ناقصة، بل مثل من أنت كَمَلْتَ هدايتهم ومدحتهم في القرآن {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}. ومن هؤلاء الذين أنعم الله - عز وجل - عليهم؟ هم الذين جاء ذكرهم في قوله تعالي: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (¬1). {مِّنَ النَّبِيِّينَ}: قال تعالي: {َ وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * َووَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * َإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (¬2). ¬

_ (¬1) سورة النساء – الآية 60. (¬2) سورة الأنعام – الآيات من 83: 90.

قف مع هذه الآية: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فأول هدايتك من البشر هم الأنبياء والرسل، فيجب النظر في حياتهم، فانظر في حياة إبراهيم - عليه السلام -، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّا ً} (¬1). هذا الذي ربنا هداه، أقول يا رب! أنا أريد حياة مثل حياة إبراهيم - عليه السلام -، الحياة المملوءة بتقديم التضحيات من أجل الله تبارك وتعالي، أُلقي في النار من أجل الله تعالي، {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ً} (¬2) 00 ترك زوجه في الصحراء من أجل الله ... قصصه كثيرة في القرآن تبين تضحيات إبراهيم من أجل هداية البشرية 00فكل يوم أنت تطلب بنفسك يا الله أعطني جولات إبراهيم - عليه السلام -، وفكر إبراهيم - عليه السلام -، وأخلاق إبراهيم - عليه السلام -. وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً} (¬3).وكل يوم يا الله أعطني صبر موسى على الدعوة، كم تعب في دعوة بني إسرائيل 00 وكم صبر عليهم؟!. وانظر في حياة خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - لقد أُلقي علي رأسه الشريف فرث الجذور وهو يصلي، فصبر وتحمل علي هذا الإيذاء، ولم ييأس، فيجب أن تتحمل كما تحمل وتتعب كما تعب، وتصبر كما صبر 00 كُسرت رباعيته من أجل الدين، وشج وجهه من أجل الدين، ودميت قدماه من أجل الدين، وخرج من الطائف هائما علي وجهه فلم يستفق إلا بقرن الثعالب من أجل الدين، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فإذا أردت الهداية فاجعل حياتك شبيهة بحياتهم. ¬

_ (¬1) سورة مريم - الآية 41. (¬2) سورة الصافات - الآية 97. (¬3) سورة مريم - الآية 51.

وكذلك انظر في حياة الصحابة الكرام، وعلي رأسهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال ": خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .... " متفق عليه (¬1). فعليك بحياة الصحابة الكرام، فمنهم من قطعت يداه من أجل الله تعالي، مثل جعفر الطيار 00 ومنهم من قطعت أُذناه من أجل الله تعالي مثل عبد الله بن جحش 00 ومنهم من بقر بطنه وأكلت كبده، مثل سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب 00 ومنهم من أكل ورق الشجر حتي تشققت شدقاه مثل سعد بن أبي وقاص وأصحابه 00 كلهم أُوذوا وتحملوا، وابتلوا وصبروا من أجل الدين 00 فإذا أردت الهداية فعليك بطريقهم، صراطهم وليس صراط غيرهم {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ}: وهم اليهود، {وَلاَ الضَّالِّينَ}: وهم النصاري. فإذا رأيت مالك ينقص ومالهم يزداد فلا تحزن 00 وإذا رأيت ملكك ينقص وملكهم يزداد فلا تحزن 00 وإذا رأيت تجارتك تنقص وتجارتهم تزداد فلا تحزن 00 ومعك فاتحة الكتاب في صدرك، قال تعالي: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ *لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬2). ¬

_ (¬1) مشكاة المصابيح – باب مناقب الصحابة 3/ 1695. (¬2) سورة الفاتحة – الآيات من 1: 7.

فكيف إذا كنت كل يوم تطلب الهداية، ولا تأتي الهداية، لأنك لا تقصد ما تقوله، لسانك يطلب، وقلبك لا يطلب، فاللسان ترجمان القلب، فإذا طلب الإنسان، ولم يطلب القلب، إذاً أصبح اللسان كذاب، ولا يستجاب لدعائه، ليس أهل التبليغ، يقولون لك: أُخرج 40 يوم، ولكن أنت تطلب يا الله أخرجني. تقول اهدني، كيف هي هداية موسى؟ كم تعب موسي - عليه السلام - فيا الله إجعلني أُضَحِّي كما ضَحَوْا، فأنت كل يوم تطلب من الله جهد الدعوة. كل يوم المسلم يطلب من الله جهد الدعوة وعندما تأتي تُشَكِّلُه يهرب، فهو يطلب شيئا يهرب منه، يطلب شيئا ولا يحبه، فمطلوبك ما أصبح محبوبك، مطلوبك الهداية، ومحبوبك الذهب، تضحك على الله، لسانك يقول يا الله اهدنا ولكن فقط مجاملة، المطلوب على اللسان الهداية، والمحبوب في القلب هي الدنيا. ليس {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} صراط كصراطهم ولكن بلا (ك)، بل مطابقة كأنه هو، كيف حياتنا تطابق حياتهم وفكرنا يطابق فكرهم وهذا أقوى تشبيه، تشيبه المطابقة، فهذا أعظم مقصد، وأعظم مطلب، وأعظم ما نرجوه طَمَعَنَا ربنا فيه، وقال اطمعوا فيه، واطلبوه بحق أُعطيه لكم، طلب الصحابة بحق فليس هناك صحابي ضال، بل كمّل الله هدايتهم، ونحن كل يوم نقول {اهدِنَا} ولم يعطينا، فالكريم يعطي فكيف إذا ألْحَحْت عليه بالدعاء، لوهناك غني وأنت فقير وطلبت منه ألف ريال، وهوعنده مليارات من الريالات، وهو كريم جدا، فهو أغنى واحد، وأكرم واحد، وأنت كل يوم تطلب منه هذه الألف ريال، ولم يعطك فهل يبقى كريم؟ كلا فقد صار بخيلا، ولله المثل الأعلى الذي عنده خزائن الهداية وكل يوم 17 مرة على الأقل في الركعات المفروضة تقول {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} فما السبب أنّ الله لا يعطينا؟ لأنه ما عندك صدق في الطلب، مثالك مثال: الفقير

قليل الأدب يدير ظهره للغني، وبلا مبالاة يطلب من الغني العطاء، ولكن أنت اسأل بالأدب والحاجة والافتقار كما الفقير يسأل منكسراً محتاجا. فلو طلبنا هذا المقصد بالانكسار والافتقار والاحتياج والصدق لأعطانا الله إياه. كيف؟ عندما يكون ولدك مريض ولا ينفعه دواء والطبيب يقول لك ما بقى إلا ربك يشفيه، فكيف تطلب الشفاء لهذا الولد؟ للأغراض الدنيويه صلاة الحاجة كل يوم نصليها، ولكن هذه صلاة الحاجة لأي شيئ شُرعت؟ لقضاء أكبر حاجة، {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (¬1) على حاجة الدعوة، استعينوا كل يوم تصلي صلاة الحاجة، ما هي حاجتك؟ يا الله {اهدِنَا} فكل صلاة تسمى صلاة الحاجة، وليست للحاجات الدنيوية فقط، ولكن الهداية هي حاجة الحاجات، ونحن أحوج ما نكون للهداية، كل يوم نُصلي حتى الله يقضي حاجتنا، وأنت ساجد تقول: {اهدِنَا} ولكن قلبك على الهداية، تقول سبحان ربي الأعلى وقلبك يا الله أعطنا الهداية. استعينوا على هذا المقصد، كيف الله يجعلك داعية ويصبرك على الدعوة كما صبر الأنبياء. {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} على قضاء هذه الحاجة، أن يعطينا صفات الأنبياء، وأخلاق الأنبياء، ويثبتنا كي لا نُفْتًن. ربنا ذكَرَ مَنْ هم المنعم عليهم ومن هم الذين ماتوا مغضوبا عليهم فذكر ماذا قال قارون، وماذا قال فرعون، وذكر ما هي اليهودية، والله جل جلاله ما ذكر أسماء بل ذكر صفات، {َ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللهُ ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية 45.

بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (¬1) هذه يهودية، قل غَيِّر يا الله، لا تجعلني أحرص على الحياة مثل اليهود. {إِِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ِ} يا رب! أعطني حياته، فكل صفة ربنا أعطاها للصالحين، قل: يا رب! أعطنيها. وكل صفة فتن بها الكفار والمشركين والفساق، فقل: يا الله! باعد بيني وبين هذه الفتنة، وهذه الصفة. عندنا يهود وعندنا يهودية والمذكور في القرآن اليهودية أي الصفات، ماهي اليهودية الموجودة في القرآن، والتي نقول يا الله باعد بيننا وبينها، وجنبنا شرها؟، هذه صفات اليهودية. حب الدنيا {وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَىَ حَيَاةٍ}، ليس الحياة بل (حياة) ولو مع قرف، وخمسين مرض، لا يحب أن يموت، لأن أقل حياة، أحسن من مستقبله بعد الموت، والمرض بحد ذاته جحيم، واليوم الشيبة عندنا لو عمره ثمانين سنة، ومَرِض وعلاجه فقط في أوربا، ويكلفه نصف مليون ريال وعنده اثنين مليون ريال، يقول أدفع؟، بدل ما تضع نصف مليون أنفقهم في سبيل الله ومت، لكن اليهودي لا يريد أن يموت، ويفعل المستحيل لكي يؤخر الموت، يومان أو ثلاث، وهكذا نحن غير مطمئنين على الآخرة. وصفة: {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} (¬2) {َ سمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ (¬3)} (¬4) هذه يهودية. ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية96. (¬2) سورة التوبة _ الآية41. (¬3) السحت: الربا. (¬4) سورة المائدة _ الآية42.

ونحن نخرج في سبيل الله - عز وجل -، حتى نسمع قال الله - عز وجل -، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى نُخْرِج هذه الصفة من حياتنا. وصفة: {ٌتَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّىَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ} (¬1). كل المسلمين في بيوتهم قلوبهم شتى، وما في قلب واحد على الثاني، هذا يُشَرِّق وهذا يُغَرِب، وعندما نخرج في سبيل الله ليست هناك قلوب شتى، بل قلوبنا متوجهة، اللذين هنا في المسجد وجميع الدعاة في العالم قلب واحد. {وَقُلُوبُهُمْ شَتّىَ ِ} وكل يوم نقول: غَيِّر يا الله، فقوة المطابقة في حياتك لحياة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين 00 وقوة المغايرة في حياتك للمغضوب عليهم، هو الهداية. واليوم مغايرتنا هي حَلْقِية (أي بالكلام) وليس هناك مغايرة حقيقية. غَيِّر مغايرة السلوك للسلوك، مغايرة الأخلاق للأخلاق، ومغايرة الفكر للفكر. وصفة: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىَ لَن نّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنّ لَكُمْ مّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مّنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وّكَانُوا يَعْتَدُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1) سورة الحشر _ الآية14. (¬2) سورة البقرة _ الآية61.

ما اسم هذه اليهودية؟ هذه اسمها تَتَبُع الشهوات، ونحن عندنا تَتَبُع المجاهَدات، فمن زيارةٌ إلى جولة إلى انتقال، كلها من مجاهدة إلى أخرى، ولكن تجلس في البيت تَتَبع الشهوات، فهات شاي، وهات قهوة، ما عنده إلا مزاج الشهوات. فنحرج حتى نُخْرٍج هذه اليهودية، وهي تتبع الشهوات: {وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} (¬1). الجنّةُ خُلقت لِتَتَبُع الشهوات {: يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬2) وأما في الدنيا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (¬3) وصفة: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُوا يَعْتَدُون * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (¬4). هذه اليهودية اسمها عدم الغيرة على محارم الله. فلعنهم الله - عز وجل - على لسان أنبيائهم، ولو قال على لسان محمد لقالوا: محمد ما يحبهم. ¬

_ (¬1) سورة النساء _ الآية27. (¬2) سورة الزخرف _ الآية 71. (¬3) سورة التوبة _ الآية20. (¬4) سورة المائدة _ الآيتان 78، 79.

فإذا جلسنا تأتي هذه اليهودية في حياتنا، إذا كان جارك تارك للصلاة زوره _ ما لي وما له _ {ِ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ} تأتي هذه اليهودية في حياتنا في الجلوس. المشايخ يقولون لا ننتصر على اليهود، إلا أن نخرج صفة اليهودية من حياتنا، فاليهودية هي يهودية الصفات، فما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَزَزُ من يهودية الذات فالذوات ليست نجسة، يصافح اليهود، دعته يهودية لطعام فاستجاب، وفي المعاملة استلف منهم - صلى الله عليه وسلم -، فما تتقزز منهم، وأما نحن فنتقزز من ذواتهم، ولكن الصفات نعانقُها، فإذا جاءَنا عربي وعنده اليهودية فنعانقه، ونقول له مرحبا لأنه عربي، فربنا ما خلق في رحم الأم دما يهوديا، ودما عربيا، ولكن الله خلق إنسانا، ولمّا هذا الإنسان يَذٍلُّ، ويكذب، ويأكل السحت، صار يهوديا. فاليهودية صفات، والإسلام صفات، وليس ذوات، لو حللنا دمك ما يطلع أنت مسلم، أو يهودي، ولكن لو حللنا صفاتك تعرفك. فصفاتهم إذن فينا، صفة التبرج، وصفة حب الدنيا، وصفة الكذب، وصفة أكل الحرام، {َبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا} (¬1) جميع العوالم، عالم البشر، عالم الطيور، عالم الملائكة، عالم الجان، عالم النيران وكل العوالم مربوبة، وعالم الصحة، ما تأتيك ذرة من عالم الصحة إلا بإذن ربها، وما تأتيك ذرة من المرض إلا باذن ربها، ما تسقط من ورقة إلا يعلمها، رب كل شاء، رب الشياطين، ورب الملائكة، الشيطان يعرف ربه: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (¬2) ولكنه عصى، فما عنده لا إله إلا الله ¬

_ (¬1) سورة المائدة _ الآيتان 78، 79. (¬2) سورة ص _ الآية79

فهو تمرد على ألوهيته، لكن ليس لديه رب آخر، مثل الطفل الصغير يتمرد على أبوه لكن ليس لديه أب آخر، وهكذا الشيطان، فما يقدر يعيش بنفسه. وفي سنن النسائي وكتاب ابن السني، عن صُهيب - رضي الله عنه -: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يرَ قريةً يُريد دخولَها إلا قال حين يَراهَا: " اللَّهُمَّ رَبَّ السمَوَاتِ السَّبْعِ وَما أظْلَلْنَ، وَالأَرْضيِن السَّبْعِ وَما أقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِها وَخَيْرَ ما فيها، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ أهْلها، وَشَرّ ما فِيها ". (¬1) يا رب! بحق هذا الإسم يعني الله، وما معنى: (الله)؟ يعني المعبود، تقول إياك نعبد. الحمد لله على التوحيد العقلي، الاعتقادي، القلبي، يعني قلبك اعترف بأنه الله، لكن قلبك اعترف بأنه الله، والجوارح تعصي، إذن الحمد لله، كيف تتفاعل مع الله {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ}، صار توحيد عملي، ولما نقول: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فما دام رب العالمين، لا أحد يقدر أن يعينك، إذن: {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالرب يُستعان به والإله يُعبد، فتقول الحمد لله أي الإله بحق أن يُعبد، {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ولمّا نقول: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} استرحم، وأعظم رحمة هي الهداية، (اهدنا)، ولما تقول الرحمن تذكر أعظم رحمة، ولما تُسمع الله (إياك نعبد)، ولما تسمع (رب)، {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. وهكذا بدأت السورة بالتوحيد العلمي (الله، رب، رحمن) وبعد ذلك بالتوحيد العملي (اهدنا، نعبد، نستعين)،أعتقد بأنه إلهاً ربا رحيما، ولما تقول: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} تذكر كم نعمه في الجنة، رضا وحور وقصور فتقول { ¬

_ (¬1) كتاب الأذكار _ باب ما يقوله من رأي قرية يريد دخولها أو لا يريد (النووي)

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} وكم غضب الله في النارمن الحميم والغساق فتقول: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين} غير المغضوب عليهم. فمن مستعد يُحْيٍي {إِِيَّاكَ نَعْبُدُ} يجعلها منهاج 24 ساعة، {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يجعلها عبودية 24ساعة، ويجعل {اهدِنَا} مقصد حياة عن طريق هذا الجهد المبارك، وربنا يجعل جهد الدعوة المبارك سبب لإحياء الدين كله في العالم كله وإلى يوم القيامة؟. مستعدين إن شاء الله؟؟؟ اللهم! لك الحمد يا رب! كما يرضيك عنا، اللهم صلي على محمد نبينا. اللهم! يا رب! اغفر لأمة نبيك، وارحم أمة نبيك، واهدي أمة نبيك، وأقم أمة نبيك على جهد وفكر ومقصد نبيك. اللهم! يا رب! اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنك أنت الأعز الأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. * * * * *

مذاكرة في جهد الدعوة إلي الله

مذاكرة في جهد الدعوة إلي الله قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (¬1).َ وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (¬2) وقال تعالى: {وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬3). الأسرة المحمدية، جاعت من أجل الأمة .. تسع أبيات وما يستطيعوا أن يُضيفوا ضيف واحد (¬4) وبيتي أنا يستطيع أن يُضيف ألف ضيف لأني ما جوعت ¬

_ (¬1) سورة الحج - الآية 78. (¬2) سورة الأنفال - الآية 74. (¬3) سورة العنكبوت - الآية 69 (¬4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنى مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذى بعثك بالحق ما عندى إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذى بعثك بالحق ما عندى إلا ماء. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من يضيفه هذا الليلة؟ " فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. = وفى رواية قال لامرأته: هل عندك شئ؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني. قال: فعلليهن بشئ. وإذا أرادوا العشاء فنوميهم. وإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج وأريه أنا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف وبات طاويين، فلما أصبح، غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة " متفق عليه. (رياض الصالحين - باب الإيثار والمواساة)

الأسرة، ولكن جوعت الأمة. شرع الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - خُمس الغنيمة، ولو أمسك - صلى الله عليه وسلم - نصيبه من الغنائم التي أحلها الله - عز وجل - له، وهي أطيبُ الحلال، قال تعالي: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (¬1) لكان - صلى الله عليه وسلم - أغنى رجل في العالم، ولكن أنفقها من أجل نشر الدين، وكان يُعطى المسلم الجديد مائة ناقة ليألف قلبه كما فعل في غزوة حنين (¬2) ويطوي علي بطنه الحجارة من أجل الدين. ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت – الآية 69 (¬2) عن عمرو بن تغلب قال: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال: " إني أعطي أقواما أخاف هلعهم وجزعهم، وأكل أقواما إلى ما جعل الله - تعالى - في قلوبهم من الخبر والغنى، منهم عمرو بن تغلب (البخاري 6/ 288 (3145). . قال عمرو: فما أحببت أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم. ذكر عتب جماعة من الأنصار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أعطى قريشا ولم يعط الأنصار شيئا وجمعه إياهم واستعطافه لهم روى ابن إسحاق، والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري، والإمام أحمد، والشيخان من طريق أنس بن مالك، والشيخان عن عبد الله بن يزيد بن عاصم - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب غنائم حنين، وقسم للمتآلفين من قريش وسائر العرب ما قسم، وفي رواية: طفق يعطي رجلا المائة من الابل، ولم يكن في الأنصار منها شئ قليل ولا كثير، فوجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثر فيهم القالة حتى قال قائلهم: يغفر الله - تعالى - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن هذا لهو العجب يعطي قريشا، وفي لفظ الطلقاء والمهاجرين، ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا وددنا أنا نعلم ممن كان هذا، فان كان من أمر الله تعالى صبرنا، وإن كان من رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعتبناه (البخاري من حديث أنس (3147). وفي حديث أبي سعيد: فقال رجل من الأنصار لأصحابه: لقد كنت أحدثكم أن لو= =استقامت الأمور لقد آثر عليكم. فردوا عليه ردا عنيفا. قال أنس: فحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقالتهم، وقال أبو سعيد: فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم. قال: " فيم " قال: فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب ولم يكن فيهم من ذلك شئ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ": فأين أنت من ذلك يا سعد "؟ قال: ما أنا إلا امرؤ من قومي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، وفي لفظ في هذه القبة، فإذا اجتمعوا فأعلمني "، فخرج سعد يصرخ فيهم حتى جمعهم في تلك الحظيرة. وقال أنس: فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع غيرهم، فجاء رجال من المهاجرين فأذن لهم فيهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، حتى إذا لم يبق أحد من الأنصار إلا اجتمع له. أتاه فقال يا رسول الله: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " هل منكم أحد من غيركم "؟ قالوا: لا يا رسول الله إلا ابن أختنا، قال: " ابن أخت القوم منهم " فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله - تعالى - وعالة فأعناكم الله، وأعداء فالف بين قلوبكم، وفي رواية متفرقين فألفكم الله؟ - قالوا: بلى يا رسول الله، الله ورسوله أمن وأفضل. وفي رواية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا تجيبون يا معشر الانصار؟ " قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وماذا نجيبك؟ المن لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -: " والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم، جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فواسيناك، وخائفا فامناك، ومخذولا فنصرناك، ومكذبا فصدقناك " فقالوا: المن لله - تعالى - ورسوله، فقال: " وما حديث بلغني عنكم؟ " فسكنوا، فقال: " ما حديث بلغني عنكم "؟ فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم!! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني لأعطي رجالا حديثي عهد بكفر لأ تألفهم بذلك ". وفي رواية إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله - تعالى - لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم تحوزونه إلى بيوتكم، فو الله لمن تنقلبون به خير مما ينقلبون به، فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. وفي رواية = لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا - أنتم الشعار والناس دثار، الأنصار كرشي وعيبتي، ولولا أنها الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ورسوله حظا وقسما. وذكر محمد بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد حين إذا دعاهم أن يكتب بالبحرين لهم خاصة بعده دون الناس، وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض، فقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا بعدك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض (سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد)

أعلي مرتبة في العبودية: هي أن تكون عبادتك قدوة للناس 00 {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (¬1) قدوة للمتقين، للحاضرين والغائبين إلي بوم القيامة، وقبل ختم النبوة لم تُعط هذه المنزلة إلا للأنبياء عليهم السلام. الله - سبحانه وتعالى - مجد صفات موسى - عليه السلام -، نقتدي به ولا نقتدي بأصحابه، فأصحابه قالوا: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (¬2) ما يستحقوا أن يكونوا قدوة، لكن موسى - عليه السلام -: {قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (¬3) لكن أمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، جعل لكل فرد فيها الأهلية أن يقول: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}. ميزة الأمة: ¬

_ (¬1) سورة الفرقان – الآية 74. (¬2) سورة الشعراء – الآية61. (¬3) سورة الشعراء – الآية 62.

1) تقديم الجهد: أ _ يَمْشُونَ: (قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبّكَ فَكَبّرْ (¬1)) ب _ يِبِيتُونَ: {لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً} (¬2) _ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (¬3) _ {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (¬4) _ قُمِ الْلّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً (¬5)}. 2) تطلب من الله النتيجة. أولا: نقدم الجهد، يعني: تزرع، ثم تقول يا الله أعطيني الزرع 00 فأولا يمشون .. يبيتون 00 لكن لو يجلسون ويضحكون، ويرفعون أيديهم {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} يا أخي الآن أنت إمام الغافلين 00 أنت تضحك وتلعب 00 كيف تدعو بهذا الدعاء. لهذا يقول علماؤنا ومشايخنا الأفاضل (يعلمُ الله - عز وجل - أننا لانقول كلمة واحدة أتينا بها من الجامعات، ولا من الكتب، بل من أهل الجهد) يقولون: بدأ الدين بتوبة آدم، كذلك بدأ الدين بالتوبة من عبادة الأصنام 00 والأنبياء عليهم السلام كانوا أزكي الناس، وأفهم الناس، فما كانوا يعبدون الأصنام (عصمهم الله قبل البعثة وبعد البعثة) فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذهب إلي غار حراء يتعبد ويتحنث الليالي ذوات العدد يهيئه الله - سبحانه وتعالى - للبعثة. ¬

_ (¬1) سورة المدثر – الآيتان 2، 3. (¬2) سورة المزمل – الآية 64. (¬3) سورة السجدة – الآية16. (¬4) سورة الذاريات – الآية 17 0 (¬5) سورة المزمل – الآية 2.

والله تبارك وتعالي، قال للنبي {: - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} (¬1) فكثير من الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا عباد أصنام، وكانوا يشربون الخمر، فلو أن أحد الناس تلطخ بهذه الأشياء ثم تاب وعاد ما نستطيع أن نقول لك: ليس عندك أهلية، بل نقول له: استلم جهد نبيك {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} يعني أمتك كلهم. فبالدعوة نتحصل علي {خُذِ الْعَفْوَ}، وبالعفو نتقي عذاب الله، وبالغبار في سبيل الله، نتقي عذاب الله، فعن أبي عبس عبد الرحمن بن جبير، رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار " رواه البخاري (¬2). وعن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يلج النار رجل بكي من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (¬3). الدعوة ثم التقوي ثم الإمامة ثم الاستخلاف (الخلافة)،قال تعالى: ... {وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُرّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتّقِينَ إِمَاما} (¬4) وهذا الجهد يُعلم التقوي. الفرق بين إمام الصلاة 00 وإمام التقوي (الدعوة): ¬

_ (¬1) سورة الذاريات – الآية 17 0 (¬2) مشكاة المصابيح _ كتاب الجهاد 2/ 1118. (¬3) المرجع السابق 2/ 1125. (¬4) سورة الفرقان _ الآية 74.

إمام الصلاة: يقتدي به وقت الصلاة فقط. وإمام التقوي (الدعوة): يقتدي به طول 24 ساعة. o الأمة اليوم تُريد الاستخلاف قبل الدعوة والتقوى والإمامة، قال تعالى: {قَالُوَاْ أَإِنّكَ لأنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهََذَا أَخِي قَدْ مَنّ اللهُ عَلَيْنَآ إِنّهُ مَن يَتّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (¬1). المراحل التي مرت بها الأمة هي: التوبة 00 فالدعوة مع الصبر والتحمل 00 فالتقوي العامة 00 ثم التقوى الخاصة 00 فالإمامة 00 فلما وصلت الأمة إلي مرحلة الإمامة استخلفهم الله - عز وجل - في الأرض، قال تعالي: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬2). ما الفرق بين الإمامة والاستخلاف؟ تعريف الإمامة: هي أن يصل الداعي إلي مرتبة القدوة {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (¬3) يقتدي بأخلاقه، بحلمه، بعفوه، بصفحه، بكرمه، يعني منهاج ¬

_ (¬1) سورة يوسف _ الآية90. (¬2) سورة النور – الآية55. (¬3) سورة الفرقان – الآية74.

العبودية الذي عنده، يكون قدوة للعالمين. أما الاستخلاف: إمامة مع تمكين .. إمامة مع قوة .. تستطيع أن تفرض المنهج علي الناس (الإسلام .. أو الجزية .. أو السيف) سيدنا نوح - عليه السلام - كان إمام .. وسيدنا إبراهيم - عليه السلام - كان إمام ولكن لم يُعطيا قوة ليفرضا الدين علي الناس. من الممكن أن يكون إماما للمتقين ويدعو في الخفاء، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إماما للمتقين واختبأ في الغار. لكن الاستخلاف يُعطيك قوة تُفرض هيمنة الدين علي الناس. فمعظم الأنبياء حققوا الإمامة ولكن لم يستخلفوا. فالاستخلاف لا يكون إلا مع التمكين، لهذا قرن الله - عز وجل - الاستخلاف بالتمكين، قال تعالي: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1). ويمكن أن تكون إماما في التقوي ويضربونك ويخوفونك، فالصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يحققون إمامة التقوي في مكة، يدعون ويجوعون، يدعون ويضربون، يدعون ويخافون، لكن بعد التمكين {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}، يُصبح الداعي في أمن ثم يُعطي الأمن لغيره، كما حدث في فتح مكة: فعن أم هانئ - رضي الله عنها - قالت: لما كان عام يوم الفتح فر إلي رجلان من بني مخزوم فأجرتهما، قالت: فدخل علي، علي بن أبي طالب، فقال: أقتلهما، قالت: فلما ¬

_ (¬1) سورة النور – الآية55.

سمعته يقول ذلك أتيت سول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكة، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحب وقال: " ما جاء بك يا أم هاني، قالت: قلت: يا رسول الله! كنت أمنت رجلين من أحمائي، فأراد علي قتلهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد أجرنا من أجرت "، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غسله فسترته فاطمة، ثم أخذ ثوبا فالتحف به، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمان ركعات سبحة الضحى (¬1). وأمن عكرمة بن أبي جهل: فهذه أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله! قد ذهب عكرمة عنك إلى اليمن، وخاف أن تقتله، فأمنه يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" هو آمن " فخرجت أم حكيم في طلبه، حتى أتت به من ساحل اليمن وأسلم رضي الله عنهما (¬2). فالتمكين ليس بعده {خُذِ الْعَفْوَ}، لكن بعده: {فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ} (¬3) كما حدث في فتح مكة أيضا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا معشر قريش ماذا تقولون؟ ماذا تظنون؟ " قالوا: نقول خيرا ونظن خيرا، نبي كريم، وأخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" فإني أقول كما قال أخي يوسف: قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (¬4) اذهبوا فأنتم الطلقاء " فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام (¬5) o فجاء بعد كلمة الاستخلاف التمكين {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}، والآن لا الاستخلاف موجود، ولا الإمامة موجودة، ولا التقوي موجودة، ولا ¬

_ (¬1) رواه مسلم صلاة المسافرين (82)، وأبو داود (2763) وأحمد 6/ 341، 342، 343 والبيهقي 9/ 75، والحاكم 4/ 45 (سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد). (¬2) سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد. (¬3) سورة الحجر - الآية 85. (¬4) سورة يوسف – الآية92. (¬5) سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد.

الدعوة موجودة، ولا التوبة موجودة، وأهل المنكرات في منكراتهم، وأهل المساجد في مساجدهم!!!. o لما نخرج نبدأ بالتوبة، فالدعوة، فالتقوي. o ولما نقعد كأننا نقول لا نُريد أن نُغير ولا نبدل. o الصبر أولا: قال تعالي: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (¬1). o مدة الدعوة مع الخوف ثلاث عشر سنة في مكة. o ومدة الدعوة مع الأمن مئات السنين. o فخوفك في سبيل الله يسبب الأمن للأجيال القادمة. o جوعك في سبيل الله يسبب الطعام والثروة للأجيال القادمة. o فأعظم مصدر من مصادر الثروة المادية لهذه الأمة، تحمل الجوع في سبيل الله - عز وجل - 00 جاءت الغنائم وكنوز كسري وقيصر لمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، بعد تحمل الصحابة رضي الله عنهم الجوع في سبيل الله عز وجل. o أحسن عبودية بالليل، عبودية قيام الليل، والتملق والخشوع والخضوع والتذلل لله عز وجل. o الإنسان يخرج أربعين يوما، وما في تحديد لقيام الليل، بل بعد العودة من الخروج، يواظب علي استمرارية الحركة الليلية، والحركة النهارية في الدعوة، جولات، زيارات .. لو يحافظ علي ذلك يحق له أن يقول: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، لكن في النهار تضحك، وفي الليل تلهو، وبعد ذلك تقول: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} إماما لمن؟ للغافلين؟!!!. حتي تكون إماما للمتقين، قدم السبب علي الدعاء، والسبب (يمشون .. ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية 155.

يبيتون) وبعدها الدعاء. فمثلا: الرجل يتزوج أولا، ثم يطلب الولد .. ولكن ما في يمشون، وما في يبيتون، وترفع يديك وتقول: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} يا لطيف!!! وأنت قاعد تضحك، تطلب أعلي مراتب العبودية لله تعالي؟!. o الله - سبحانه وتعالى - جعل في الدين فرائض، وكل فريضة فيها نور، ففي الحديث، عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها " رواه مسلم (¬1). ولكن كل أنوار الدين وبركات الدين، أخفاها ربك في الدعوة إلي والخروج في سبيل - سبحانه وتعالى -، كما أخفي ثروات الأرض: بترول 00 ذهب 00 فضة 00 في الأرض، فالله - سبحانه وتعالى - أخفي كنوز الدين كلها في هذا الدين المبارك. o سيدنا إبراهيم - عليه السلام - ما رأي نتيجة جهده علي أبيه، بل جاءت النتائج في الأبناء، قال تعالي: َ {واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا *َ قالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ ¬

_ (¬1) رياض الصالحين _ باب الصبر.

سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا} (¬1) ظهرت نتيجة هذه الجولة الدعوية بعدين في الأولاد: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (¬2) وقال تعالي: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *َ ومِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (¬3) وقال تعالي: {وََوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (¬4) قوله تعالي: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ}: بسبب جهده، وليس بسبب نسبه. بسبب جهده الله - سبحانه وتعالى - أعطي النبوة لأكثر من مائة ألف نبي من ذريته. وممكن جولة في سبيل الله - عز وجل - تتسبب في صلاح أحفادك، وأحفاد أحفادك ليوم القيامة. ¬

_ (¬1) سورة مريم – الآيات من 41: 48. (¬2) سورة مريم - الآيتان 49، 50. (¬3) سورة الأنعام – الآيات من 84: 87. (¬4) سورة العنكبوت _ الآية 27. .

النتائج التي نُشاهدها اليوم، وهذا الإجتماع الكريم فيه الملايين، نتيجة عظيمة، ولكنها نقطة في بحر النتائج، التي لا نُشاهدها. مدح الله - عز وجل - الجهد في الأمم السابقة قبل ختم النبوة انفراديا، لأن الجهد كان انفراديا، فقال الله تعالي: {واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} وحده 00 وما قال: إبراهيم وأصحابه 00 ومدح موسي - عليه السلام -: فقال تعالي: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، وقال تعالي: {وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ}، وقال تعالي: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ} 00 وما مدح الله - عز وجل - جماعة مع بعض، فكان هناك فرق شاسع بين النبي وأمته 00 ولكن هذه الأمة، ما قال الله فيها: واذكر في الكتاب محمد، ولكن قال تعالي: {ُّمحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬1) وقال تعالي: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1) سورة الفتح _ الآية 29. (¬2) سورة آل عمران - الآية 110.

فمدحت الأمة بأسرها كما مدح الأنبياء {وَالَّذِينَ مَعَهُ} وما قال فلان أخرج للناس، وفلان لا. وكما مدحهم بالمشي إلي الناس، مدحهم بأخلاقهم، فقال: {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}. o هناك فرق بين إيمان الأنبياء وبين أممهم، وببركة ختم النبوة، وحمل الأمة المسئولية، وقيامها علي جهد نبيها - صلى الله عليه وسلم -، الله - سبحانه وتعالى - ميزها بأربعة أشياء: 1) قرن الله - عز وجل - بين إيمان الأمة وإيمان نبيها: فقال تعالي: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (¬1). ولو قلت آمن الرسول وسكت، ما أتيت بالخبر الصحيح، فليس مراد الله - عز وجل - أن يخبرنا أن الرسول مؤمن، فهل هناك رسول غير مؤمن؟ لكن انظر إلي شرف الاقتران {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}. 2) وقرن جهد النبي وأمته: {ُّمحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ونحنُ معه إن شاء الله. {لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1) سورة البقرة - الآية 285. (¬2) سورة التوبة – الآية 88.

{وَأُوْلَئِكَ} يعني الرسول وأمته {هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فقرن الجزاء بالجزاء. 3) وقرن الصفات بالصفات: فالجهد المشترك يولد الصفات المشتركة {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} فجعل صفاتها صفات نبيها. 4) وقرن حرمة الأمة بحرمة نبيها: قال تعالي: {ِ إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (¬1) وقال تعالي: {َوالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (من أمة محمد) بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (¬2). فإذا قعدنا في البيت نضحك ونُضحك 00 فلا نستحق شرف الاقتران 00 نتكلم كلام الجهد وكلام الجهد فيه متعة 00 نستطيع أن نتكلم عن الجوع ونحنُ نأكل 00 ونستطيع أن نتكلم عن العطش ونحنُ نشرب الماء 00 ونستطيع أن نتكلم عن التعب ونحنُ نجلسُ علي الأريكة 00 وما جئنا حتي نُبين ونصور ولكن جئنا حتي نُحقق 00 فكيف تكون حقيقة الجهد؟ وليس كلام الجهد 00وبعد الحقيقة كيف ربنا يعطينا الاستقامة علي الحقيقة، وبعد الاستقامة علي الحقيقة، كيف ربنا يتقبل منا هذه الحقيقة. تقول خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي الطائف تُصور جهد نبيك - صلى الله عليه وسلم -، نكتب علي الورقة أدوات تصوير ووسائل تصوير اللسان والقلم. تقول خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي الطائف (تصور) 00 وتكتب خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي الطائف (تصور). ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب – الآية 57. (¬2) سورة الأحزاب – الآية 58.

ولكن تخرج فتحقق جهد نبيك - صلى الله عليه وسلم - وخروجه. إذا تكلمنا صورنا الجهد 00 وإذا كتبنا صورنا الجهد 00 وإذا خرجنا في سبيل الله وضحينا حققنا الجهد. هنيئا لمن يطوي فراشه، ويحمله علي كتفه، ويخرج في سبيل الله سبحانه وتعالي. o ما هي الشخصية المرموقة عند الله - عز وجل -؟ الشخصية المرموقة عند الله حددها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره " رواه مسلم. . وعن أبي سلام الأسود أنه قال لعمر بن عبد العزيز: سمعت ثوبان - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " حوضي مابين عدن إلي عمان البلقاء، ماؤه أشدُ بياضا من اللبن، وأحلي من العسل، وأوانيه عدد النجوم من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا، وأول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا يفتح لهم السدد، " قال عمر: لكني قد نكحت المنعمات فاطمة بنت عبد الملك، وفتحت لي السدد، لا جرم لا أغسل رأسي حتي يشعث، ولا ثوبي الذي علي جسدي حتي يتسخ. رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم (¬1) هذه هي الشخصية المرموقة عند الله - عز وجل - يوم القيامة في القصور والخيام مع الحور في الفردوس الأعلي. الدنيا ليس فيها موازين قسط 00 فأحيانا لا تعطي الأجور علي قدر المشقة، في الأعمال الدنيوية، فنجد العمال هم أشدُ الناس مشقة، يكدحون ويتعبون، ¬

_ (¬1) المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح _ باب ثواب الفقراء والمستضعفين وفضلهم صـ 515.

ومع ذلك هم أقل الناس أجور. لكن عمل الآخرة الأجر علي قدر المشقة، منه ما تناله في الدنيا، ومنه ما توفيه يوم القيامة أحوج ما تكون إليه 00 تتكلم للدين لك أجر 00 تتغبر للدين لك أجر أكثر .. هذه الخيام التي أقيمت في الإجتماع، فالذي أقامها وأخفي نفسه، وما نعرفه فهنيئا له 00 والذي قعد علي الكرسي يتكلم هذا مسكين، إلا إذا تغبر في سبيل الله - عز وجل -، وأخلص لله تعالي. o ذات مرة كنت أُبين في عمان، وبعد البيان جاء إليَّ رجل، وقال: يا شيخ ... ماهذا الفتح؟ الله - سبحانه وتعالى - فتح عليك كلام ليس في الكتب 00 فهم طيب، وكلام طيب. قلت له: أي فتح تعني يا سيدي؟ اجلس حتي أُبين لك أنواع الفتح. فجلس. فقلتُ له: فيما أعلم يوجد: ثلاث أنواع من الفتوحات الربانية علي أوليائه: الفتح الأول (مهم): الفهم الطيب، والكلام الطيب. الفتح الثاني ... : (أهم). الفتح الثالث: أهم فأهم 0 قال: يا سيدي أنا أعرف الفتح الأول، مهم ما شاء الله، بيانك جيد وتفسير وتنسيق في التفسير، وتأويل وإشارات، مع وجود الفصاحة والتأثير. قلتُ: الفتح الأول: مهم ويعطي للمؤمن كرامة، ويُعطي للمنافق استدراجا، قال تعالي: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا

فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (¬1) وما يُعجب نبينا من الأقوال التي فيها خطأ؟ الذي يعبه كلام الإيمان وكلام التوحيد، يعني إذا بين يُعجبك قوله. لكن لما مدح الصحابة - رضي الله عنهم -، مدحهم بأعظم فتح، مع أن كلامهنم طيب، إلا أن الله فتح عليهم بالتضحية، َ {ومِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (¬2). فلما مدح الله - سبحانه وتعالى - الصحابة، ما مدحهم بأقل ما فيهم (الكلام الطيب)، لكن مدحهم بالتضحية. يبدأ الدين بالكلمة الطيبة وينتهي بالتضحية الطيبة. فالفتح الأول: الكلام الطيب والفهم الطيب والعلم الطيب. والفتح الثاني: الجهد الطيب والأ عمال الطيبة 00 فتجد المسلم ما يحب الراحة والجلوس في المسجد، بل يُحب الحركة والتجوال علي الناس حتي يُتعب بدنه، مستعد لقيام الليل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (¬3) وربما لا يستطيع أن يتكلم عن قيام الليل، فهناك من يستطيع أن يتكلم عن قيام الليل ولكن ملأ بطنه من الحرام، فما يستطيع أن يُقيم الليل، وربما رجل أعجمي ومع أعجميته لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، ولكن ما يعرف النوم، لأنه عرف ربه فقام بين يديه، هذا هو الفتح العظيم. أخلاق {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} هذا فتح عظيم. وإنفاق {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} هذا فتح عظيم. ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية 204. (¬2) سورة البقرة – الآية 207. (¬3) سورة السجدة – الآية16.

ولما يجلس عن الخروج فيشعر بالضيق .. هذا فتح عظيم. والفتح الثالث: الفتح علي القلب بقوة الإخلاص 00 بقوة اليقين 00 بقوة التوجه 00 ما يأتي في قلبي هيبة المخلوق 00 لو يسقط علي الأرض ما يتزلزل يقينه {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (¬1) فتح عظيم. وقال تعالي: {َإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (¬2) وقال تعالي: {فتح عظيم. جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (¬3) فتح عظيم. الفتح الأول: بسبب الأحوال الموافقة 0 والفتح الثاني: بسبب الأحوال المخالفة00 بلال يُجر علي الأرض، ويجر علي الرمال المحرقة، ويقول: أَحَدٌ .. أَحَدٌ .. وهي أجمل وأفضل من بيان ونحنُ جالسين علي الأرائك. والفتح الثالث: ثمرة للفتح الثاني، قال تعالي: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬4) بعدها ربنا يفتح علي قلبك 00 فقط منك الجهد ¬

_ (¬1) سورة السجدة – الآية24. (¬2) سورة المائدة – الآية83. (¬3) سورة البينة – الآية 8. (¬4) سورة العنكبوت – الآية 69.

، وربنا يملأ قلبك إيمان .. نور .. يقين .. إخلاص .. تقوي. الشيء المهم: أن يُحفظ الإنسان في الفتح الأول، لأن من الخارج ممكن يُحسد الإنسان، يقولون: كيف جلس هذا علي الكرسي 00 ومن الداخل يأتي داء العُجب، يقول الإنسان أنا حضرت الإجتماع، وفصلوا عليَّ بالبيان 00 لكن لو فصلوا عليه بالخدمة يستحي أن يقول أنا خدمت. والعجب: معناه شيء يذهبُ بك إلي جهنم ولا كفارة له 00 أخطاء القلوب ليس لها كفارة، لكن أخطاء الجوارح لها كفارة .. مالك إلا أن تتوب، أعظم من أن تُكفَّرَ، احمي نفسك، دبر حالك. أما في الفتح الثاني: لا أحد يحسدك علي الغبار، ولا علي الخدمة، ولا علي التضحية والترك 00 فهو فتح عظيم ومحفوظ ويملأه الله - عز وجل - نورا وإخلاصا. فما يكون مزاجنا كيف يفتح الله - عز وجل - علي ألسنتنا، ونبين البيانات العريضة، ويكون مزاجنا كيف ربنا يفتح علينا بالتضحية والجهد، حتي يُصبح الجهد هو المألوف والمحبوب، ويُصبح القعود يقول لك: أنا أقعد مع النسوان؟. فكر المرأة غير فكرك، إذا قعدت مع النساء طويلا تتنسون، يصبح عندك عواطف حب الزينة، ينظر إلي الثلاجة ويقول لونها غير حسن لا بد أن نغيرها. والجلوس مع الأولاد، بابا ماما، كلام هوي. ولكن إذا خرجنا في سبيل الله في ميادين الرجال، الله - عز وجل - هو الذي يُعطيك الرجولة، قال تعالي: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (¬1). o عبودية الأمم السابقة في الصلاة والصيام 00 وعبوديتنا في الصلاة والصيام والزكاة والحج والمشي إلي الناس في الدعوة إلي الله. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب – الآية 23.

o التيسير في العبادة: ما شدد الله علينا في عبادتنا، فعبادتنا مبناها علي اليسر، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة. (¬1) فبين كل صلاة وصلاة وقت تتفرغ فيه، إما لطلب المعاش إن كنت في حاجة، وإما لطلب المعاد. ففي الصلاة: يُقصر المسافر الصلاة الرباعية، فالقصر عند الجمهور أفضل من الكمال. والصيام شهر في السنة .. والمريض في شهر رمضان إذا لم يستطيع الصوم يفطر ويقضي إذا كان يستطيع القضاء، ويفدي إذا كان لا يستطيع القضاء لمرض مزمن أو شيخوخة تحول بينه وبين القضاء. والحج مرة في العمر ولمن استطاع إليه سبيلا 00 حتي تتفرغ لجهد نبيك، حتى تتجول وتزور الناس. جعل الله - سبحانه وتعالى - الرخص في مطالب العبادة عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ. رواه أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان وفي روايَةٍ: كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُه. ُ (¬2). o أما في مطالب الدعوة لا بد من العزائم: قال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري _ كتاب الإيمان _ باب الدين يسر وقول النبي أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة. (¬2) قال الأرنؤوط صحيح، وصححه الألباني انظر حديث رقم: 1886 في صحيح الجامع. (¬3) سورة المزمل - الآية 10.

وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ سَاعَةً مّن نّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1) .. ففي الدعوة يحب الله أن تؤتي الهمم .. أقصي الهمم .. أقصي العزائم .. وعلي قدر أهل العزم تأتي العزائم. الله - سبحانه وتعالى - بين عزائم نوح - عليه السلام -، وعزائم إبراهيم - عليه السلام -، وعزائم موسي - عليه السلام - وعزائم عيسي - عليه السلام - في الدعوة إلي الله 00 عزائم قوية، تحملوا المشقات 00 هذا دينك. وفي الجهد هات عزيمتك (جوع .. عطش .. جراح .. إيذاء .. فلو أُذيت وصبرت حتي قتلت فهنيئا لك). وفي العبادة: لو صمت يوما وعطشت عطشا شديدا لو صبرت عليه أدي بك إلي الموت، فعليك أن تُفطر، وإلا تأثم. وفي الدعوة لا تذكر عذرك: لأن الله - سبحانه وتعالى - ذم الذين اختلقوا الأعذار، قال تعالي: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (¬2). وقال تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف - الآية 35. (¬2) سورة التوبة - الآية 49. (¬3) سورة الفتح - الآية 11.

o كانت بنو إسرائيل عليهم الأغلال، قال تعالى: {الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1) قوله تعالي: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} أي يذهب عنهم التكاليف الشاقة، والأغلال التي كانت عليهم (¬2). فما ثمرة هذا التخفيف؟ الثمرة: {فَالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ} فكانت ثمرة التخفيف أن تتفرغ الأمة للنصرة {وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ} ¬

_ (¬1) سورة الأعراف _ الآية 157. (¬2) قال الإمام القرطبي: قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} الإصر: الثقل؛ قال مجاهد وقتادة وابن جبير. والإصر أيضا: العهد؛ قال ابن عباس والضحاك والحسن. وقد جمعت هذه الآية المعنيين، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال؛ فوضع عنهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ذلك العهد وثقل تلك الأعمال؛ كغسل البول، وتحليل الغنائم، ومجالسة الحائض ومؤاكلتها ومضاجعتها؛ فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه. وروي: جلد أحدهم. وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها، وإذا حاضت المرأة لم يقربوها، إلى غير ذلك مما ثبت في الحديث الصحيح وغيره. قوله تعالى: {وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} فالأغلال عبارة مستعارة لتلك الأثقال. ومن الأثقال ترك الاشتغال يوم السبت؛ فإنه يروى أن موسى عليه السلام رأى يوم السبت رجلا يحمل قصبا فضرب عنقه. هذا قول جمهور المفسرين. ولم يكن فيهم الدية، وإنما كان القصاص. وأمروا بقتل أنفسهم علامة لتوبتهم، إلى غير ذلك. فشبه ذلك بالأغلال (تفسير القرطبي).

نور القرآن، لأن بيانه في القلوب كبيان النور في العيون (¬1) نور الدعوة إلي الله. فماذا يُعطيهم الله تبارك وتعالي؟ ختم الله الآية ببيان الثواب الجزيل: {أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهي نظير قوله تعالي: {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2). فكان الأجر في الآيتين الفلاح. o مزاج الاعتزال الاستيحاش من المخلوق، حتي أمه، مثل جريج العابد، حينما دعته أمه، قال: ربي أمي وصلاتي. o مزاج العبادة علي منهج العباد إعتزال الناس (بل يفرون من الناس)، ومزاج العبادة علي منهج الأنبياء يمشون للناس {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬3). o قوة العبادة في مزاج العزلة .. وقوة الدعوة في مزاج الاختلاط بالناس. o أولياء الله في الأمم السابقة، حتى يحققوا منشور الولاية، يفرون من الناس .. وأولياء الله علي نهج النبوة يمشون للناس. o الله - سبحانه وتعالى - مدح جهد الداعي: {وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما} (¬4). وقال تعالى: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (¬5). ومدح إنفاقهم ¬

_ (¬1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي. (¬2) سورة آل عمران - الآية 104. (¬3) سورة الفرقان - الآية 63. (¬4) سورة آل عمران - الآية 110. (¬5) سورة يس – الآية 20.

فقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (¬1). لم يسرفوا كأهل الدنيا، ولم يقتروا كتقتير العباد، حتي يقوي الجسم علي الحركة والطاعة. o عِبَادُ الرّحْمََنِ: كانوا في البداية عند نزول الآيات عددهم قليل من 60: 100 فرد، فأين الباقي؟ الباقي يكفرون .. يشركون .. يعبدون الأصنام .. يقتلون .. يزنون .. يسرقون. الله - سبحانه وتعالى - جاء بهم بعد ذلك وألحقهم بالأوائل، حتي وصل عددهم في حجة الوداع 124 ألف صحابي. لا يجوز المدح بالصفات السلبية، مثل أن تقول: فلان هذا لا يزني، أو لا يسرق، أو لا يقتل. لكن الله - سبحانه وتعالى - مدح كبراء هذه الأمة بأنهم لا يزنون، لا يقتلون، حتى يلحق هؤلاء بأولئك، قال تعالي: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (¬2). الذين قاتلوه، وعادوه، واستهزءوا به، التحقوا بعِبَادِ الرّحْمََنِ. o بسبب ختم النبوة الله تبارك وتعالي شرف هذه الأمة بجهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. o في الأمم السابقة، ما طلب أحد من الأنبياء النصرة من قومه، إلا ما كان من موسي - عليه السلام - طلب من الله - سبحانه وتعالى - أن ينصره بأخاه هارون - عليه السلام -، وعيسي - عليه السلام - طلب النصرة من الحواريين فقط، قال تعالي: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوَاْ أَنصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنّصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ ¬

_ (¬1) سورة الفرقان - الآية 67. (¬2) سورة الفرقان – الآية70.

الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ فَآمَنَت طّآئِفَةٌ مّن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طّآئِفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَىَ عَدُوّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬1). أما محمد - صلى الله عليه وسلم - من أول يوم قال: من ينصرني حتى أُبلغ رسالة ربي؟ والله - سبحانه وتعالى - أمر المؤمنين كلهم أن ينصروه. o الفرق بين طلب عيسي - عليه السلام - للنصرة وبين محمد - صلى الله عليه وسلم -: 1) الفرق الأول: سيدنا عيسي - عليه السلام - طلب النصرة حينما انتهت دعوته، قبل أن يُرفع إلي السماء، علم أنه سيُرفع إلي السماء، وخشي أن يضيع الدين، قال تعالى: {فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ} (¬2). أما نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بدأت دعوته: بمن ينصرني حتى أُبلغ رسالة ربي؟ 2) الفرق الثاني: سيدنا عيسي - عليه السلام - طلب النصرة وما حمل السيف، لينصروه في الدعوة، ومن هم الذين طلب منهم النصرة؟ ما طلب سيدنا عيسى - عليه السلام - النصرة من كل من قال لا إله إلا الله طلب من الحواريين وهم الأصحاب المقربون منه، وهم العلماء والحكماء، يعني الذين معهم مؤهلات للقيام بالدعوة، وبعثهم إلي الأمصار (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الصف – الآية12. (¬2) سورة آل عمران – الآية52. (¬3) قال ابن كثير: في قوله تعالى: {فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ} أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال، قال: {مَنْ أَنصَارِيَ إِلَى اللهِ}؟ قال مجاهد: أي من يتبعني إلى الله، وقال سفيان الثوري: أي من أنصاري مع الله، وقول مجاهد أقرب، والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر: (من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي) حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه، وهاجر إليهم فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر، رضي الله عنهم وأرضاهم. وهكذا عيسى بن مريم - عليه السلام - انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، ولهذا قال الله تعالى مخبراً عنهم: {قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ}، الحواريون قيل: كانوا قصّارين، وقيل سموا بذلك لبياض ثيابهم، وقيل: صيادين، والصحيح أن الحواري: الناصر كما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ندب الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير - رضي الله عنه -، ثم ندبهم فانتدب الزبير - رضي الله عنه -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لكل نبي حواريّ، وحواريَّ الزبير " (مختصر تفسير ابن كثير)

أما سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - لما بعث ما عنده حواريين ولا مسلمين، فيأتي علي مجمع من عباد الأوثان (يعني بنسبة الدين صفر) فيقول: من ينصرني؟ عابد صنم ما يفهم من الدين شيء، هل هذا مؤهل للنصرة؟ فقط بينه وبين النصرة: قول لا إله إلا الله .. يعني أول فقه في الدين فقه النصرة. يعني الكافر مؤهل بعد إسلامه مباشرة أن يقوم بوظيفة الدعوة إلي الله .. يعني ليس بينك وبين وظيفة الدعوة، سبع سنوات، أو عشر سنوات، حتي تتحصل علي الوظيفة مثلا: 6 سنوات ابتدائي + 3 سنوات إعدادي + 3 سنوات ثانوي + 4 سنوات جامعة = 16 سنة. ليس هكذا كنظام أهل الدنيا، بل الكافر لحظة أن ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله يُصبح داعية، يقول: يا رسول الله! إئذن لي أن أذهب إلي قومي لأدعوهم إلي الله .. لا يقول يا رسول الله تعال معي أنت لتدعوهم إلي الله، بل يقوم بالدعوة نيابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلهذا معني بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله - سبحانه وتعالى - رفع مستوي البشرية كلها، فتح الباب لكل البشر، لأعظم جهد .. ولهذا من ضمن رسالة عيسي - عليه السلام -: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ

مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ً} (¬1). يهيئ الناس لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -. o قال تعالي: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ً} (¬2). مضمون هذه الآية أن كل أُذن في العالم من حقها، أن تسمع ما لها من الكرامة عند الله - سبحانه وتعالى - .. وكل أُذن في العالم، من حقها أن تسمع، ماذا عليها من التبعات، وما لها من الويل، إن عصت الله - سبحانه وتعالى - .. وكم أذن في العالم لا سمعت ولا عندها خبر، بسبب الأنصار قاعدين في بيوتهم يضحكوا. o قال تعالي: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ... ً} (¬3). . يعني اذكر أيها المسلم وظيفة إبراهيم واشتغل بها .. اذكر جهده واستلم نيابة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ ... } (¬4) .. اذكر أيها المسلم وظيفة موسي واشتغل بها .. اذكر جهده واستلم نيابة النبي - صلى الله عليه وسلم -. o أركان العبادات، أركان عظيمة، ومع ذلك لم يفصلها ربنا في كتابه العزيز، فمثلا: {وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ}: سمح الله - سبحانه وتعالى - لأئمتنا أن يجتهدوا، ففي مسألة آكل لحم الجذور، اختلف الفقهاء في كون أكل لحم الإبل ناقضاً للوضوء علي قولين: الأول: يرى أن أكل لحم الإبل ناقض للوضوء، وهو قول الظاهرية، والمعتمد عند ¬

_ (¬1) سورة الصف - الآية 6. (¬2) سورة سبأ - الآية 28. (¬3) سورة مريم - الآية 41. (¬4) سورة مريم - الآية51.

الحنابلة، وإليه ذهب الإمام الشافعي في القديم، واختاره بعض فقهاء المالكية كابن العربي، وبعض فقهاء الشافعية كابن خزيمة، وأبي ثور، وابن المنذر، والبيهقي، والنووي. الثاني: يرى أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعية - في الصحيح عندهم -، والزيدية. والمجتهد إذا اجتهد وأصاب له أجران، وإذا اجتهد وأخطأ له أجر. فالصلاة ركن من أركان الإسلام، ولو اختلفنا فيها فلا بأس، ولكن لا يسمح لنا أن نقول: دعوة صحيحة ودعوة باطلة. ما وجدنا أحد يقول: أنا أتجول علي المذهب الشافعي .. وآخر يقول: أنا أتجول علي المذهب الحنفي ... وهكذا. الله - سبحانه وتعالى - وضع لنبيه - صلى الله عليه وسلم - تجارب إخوانه من الأنبياء السابقين عليهم السلام، في الدعوة إلي الله. فأمام النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرة 124 ألف نبي ورسول صلوات ربي وسلامه عليهم، قال تعالى: {أُوْلََئِكَ الّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬1). فنتجول علي طريقة 124 ألف نبي ورسول، وطريق الأنبياء في الدعوة طريق واحد، أما في الصلاة: فنصلي بطريق نبي واحد، هو طريق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونتوضأ علي طريق نبينا محمد ... . - صلى الله عليه وسلم - o قال تعالي: {إِنّ هََذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ (¬2)} ويقول أيضا: {وَإِنّ هََذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاتّقُونِ} (¬3).ففي الدعوة ¬

_ (¬1) سورة الأنعام - الآية 90. (¬2) سورة الأنعام - الآية 90. (¬3) سورة المؤمنون – الآية52.

تتوحد العواطف والمشاعر والفكر، وبذلك تصبح أمة، ومعني أمة يعني أجناس مختلفة، أشكال مختلفة. o أكبر ثمرة لهذا الجهد المبارك، توحيد الأمة (فكر واحد .. هم واحد) لذا كانت أعظم ثمرة هي تكوين أمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ}. أما أصحاب موسى - عليه السلام - ما استطاعوا أن يقيموا أمة، حتى وهو بين أظهرهم مع قوته وعزمه، قال تعالى: {وَقَطّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} (¬1). o َهل الدعوة فرض عين أم فرض كفاية؟ أسخف سؤال نسمعه هذا السؤال، لأنه لم يوجد صحابي سأل هذا السؤال. من أجل الدنيا يذهب الإنسان ليتدرب على وظيفته في الصين ليجود عمله، فرض عين!!! فكيف نفرغ الوقت لنجود الدعوة إلي الله - عز وجل -، ونقوم عليها، حتى يحي الدين في العالم، وبهذه النية حتى يقبلنا الله تبارك وتعالى. o ميثاق النصرة: الميثاق الذي أُخذ علينا هو ميثاق النصرة {و َإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬2) ¬

_ (¬1) سورة الأعراف– الآية160 (¬2) سورة آل عمران – الآيتان 81، 82.

والميثا ق الذي أُخذ علي بني إسرائيل، ألا يقصروا في العبادة، والنصرة، قال تعالي: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} (¬1) وقال تعالي: {َلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَأَىئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} (¬2) ولكن ما أحسنوا، وما امتثلوا الأمر، فرفع الله - عز وجل - فوقهم الطور، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّورَ خُذُوا مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ} (¬3). والذين عبدوا العجل، أمرهم الله - عز وجل - بقتل أنفسهم، كفارة لهذا الفعل، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬4) ¬

_ (¬1) سورة البقرة – الآية 83. (¬2) سورة المائدة – الآية12. (¬3) سورة البقرة – الآية 93. (¬4) سورة البقرة _الآية 54.

والذين عصوه يوم السبت: قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذِينَ اعْتَدَوا مِنْكُمْ فِي السّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (¬1). قال لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}. وما قال لهم مثل ما قال لعصاة هذه الأمة {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬2) وهو خطاب للمسرفين إلي يوم القيامة {يَا عِبَادِيَ} كم تحمل هذه الكلمة من معاني المحبة لهذه الأمة .. كل هذا بسبب جهد نبينا - صلى الله عليه وسلم -. o الله - سبحانه وتعالى - يقول لك: {اذْهَبْ} لماذا أنت جالس؟ .. ويقول لك: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ} (¬3) لماذا أنت ساكت؟ لما تصوم عن كلام الدعوة، أنت بتخرب، هذه وظيفتك، لماذا تُضرب عن الوظيفة. o الله - سبحانه وتعالى - شدد علي بني إسرائيل، وجعل عليهم الإصرار والأغلال، فكانت العبادة مبنية علي الشدة، إذا جاءت نجاسة علي الثوب، اقطع مكان النجاسة .. فالله - سبحانه وتعالى - وضع عنا هذه الإصرار والأغلال، حتى نرتاح، حتى ننام!!!! الله - سبحانه وتعالى - وضع عنا حتى يشغلنا بما هو أهم. نحنُ نقول الدين يُسر، ونضع رجل علي رجل، فبعد صلاة الفجر نقرأ كل الجرائد، لسه الظهر ما أذن!!!. ¬

_ (¬1) سورة البقرة _ الآية65. (¬2) سورة الزمر _ الآية53. (¬3) سورة الإخلاص – الآيات من 1: 4.

ونسينا أن الله - سبحانه وتعالى - رفع عنا المشقة حتى يُشغلنا بقوله: {وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬1) .. وبقوله تعالي: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬2). . o قال تعالي: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ... ً} (¬3).حين ألقوه في الجحيم .. اذكر كمال التضحيات، النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقدم أكمل التضحيات، ويقول: " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي؛ وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني؛ أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير " مُتَّفَقٌ عَلَيه (¬4). وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال لرَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: " قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (¬5). ومع تقديم كمال الجهد: {َلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ً} (¬6). الاستغفار بعد المعاصي، يسمي استغفار العوام. ¬

_ (¬1) سورة القصص - الآية 87. (¬2) سورة النحل - الآية 125 (¬3) سورة مريم - الآية 41. (¬4) رياض الصالحين – باب الدعوات. (¬5) المرجع السابق. (¬6) سورة المدثر – الآية6.

والاستغفار بعد كمال الجهد، يسمي استغفار الخواص من هذه الأمة. استغفر الله فقط بالشفتان فقط، ما تشعر بالتقصير .. لا بد أن تشعر أنك ما أعطيت هذا الجهد حقه. o انشغل بالدعوة إلي الله - عز وجل - فكم تستنير وتُنير غيرك. o الهداية للمجتهد مضمونة .. وللمجتهد عليه غير مضمونة. o نشكر الله - عز وجل - علي هذا الجهد وإن لم نر النتائج، اقتداءً بسيدنا نوح - عليه السلام -، كل يوم جهد، وما في نتائج {ذُُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} (¬1). o الصحابة - رضي الله عنهم - ظلوا 13 سنة في مكة ما عندهم إلا: {يا أَيّهَا الْمُدّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبّكَ فَاصْبِر} ْ (¬2). {ُ يَأَيّهَا الْمُزّمّل * قُمِ الْلّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} (¬3). الآيات في مكة لتوظيف الداعي .. ولما كَمُلَ التشريع، نزلت الآيات التي توظف القاضي والمفتي، وفتح الله لهم أبواب الجهاد .. ما في آيات في مكة توظف القاضي والمفتي .. 13 سنة في مكة والقرآن يوظف وظيفة واحدة في الأمة. o بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قام العلماء بتبويب العلم والفقه، ليشمل كل الحياة: ¬

_ (¬1) سورة المدثر – الآية6. (¬2) سورة المدثر – الآيات من 1: 7. (¬3) سورة المزمل – الآيات من 1: 6.

1) فقه العبادات: (باب الإيمان _ باب الصلاة _ باب الصوم _ باب الزكاة _ باب الحج). 2) فقه المعاملات: (الزواج _ الطلاق _ البيوع _ المواريث _ الجهاد). o النبي - صلى الله عليه وسلم - له حياتين الحياة المكية والحياة المدنية: س: ماذا كان يفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحياة المكية؟ ج: القرآن الكريم يوضح هذه الحياة، قال تعالي: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} (¬1) وقال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬2). وقال تعالي: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (¬3) هل يتم ذلك في البيت؟ هل الناس تأتي إليك؟ اذهب إلي المكان الذي فيه الفسق والسيئات، واشتغل في الدعوة، فسيدنا نوح - عليه السلام - كان يري المنكرات علي مدي 24 ساعة، فيدعوهم إلي الله - عز وجل -، وهم ¬

_ (¬1) سورة الفرقان – الآية 7. (¬2) سورة الأنعام – الآية 122. (¬3) سورة القصص– الآية54.

يقولون له: {َ قالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} (¬1) وهو يدرء بالحسنة السيئة، فيقول: يا قوم .. ملاطفة ودعوة. كل نبي أعطي أتباعه مستوي معين من العبادة، يجتهد علي نفسه، إلا قرآننا الكريم، قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد ِ} (¬2) ليس تُخرج نفسك .. مقصد قصة نوح، لخرج الناس .. مقصد قصة إبراهيم، لتخرج الناس .. هذا مقصد جميع قصص الأنبياء عليهم السلام في القرآن، كيف أُخرج الناس من ظلمة العواطف الدنيوية، والتوجه للدنيا بالكلية، إلي التوجه إلي الآخرة بالكلية .. ومن ظلمة التعلق بالمخلوق، وهيبة المخلوق، والخوف من المخلوق، والتوجه إلي المخلوق، إلي نور التوجه إلي الخالق العظيم، والتعلق به .. ومن ظلمة التعلق بالأموال، وتقديس قيم الأموال، والتحدث عن قيم الأموال، إلي التحدث عن فضائل الأعمال. o قال تعالى: {ومِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (¬3) وهم الأنبياء قبل ختم النبوة جُلهم من بني إسرائيل، شرف أخذه بنو إسرائيل، وببركة ختم النبوة: ومن قوم محمد؟ ومن العرب؟ لا صحح قراءتك: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (¬4) وهي أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بأكملها، قرأ ابن عباس هذه الآية، وقال: هذه ميزتكم يا ¬

_ (¬1) سورة الشعراء – الآية116. (¬2) سورة إبراهيم - الآية 1. (¬3) سورة الأعراف- الآية 159. (¬4) سورة الأعراف- الآية 181.

أمة محمد. o لما نزلت: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوَاْ أَنصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنّصَارِيَ إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ فَآمَنَت طّآئِفَةٌ مّن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طّآئِفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَىَ عَدُوّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬1) فأول قدم تحركت هي قدم نبينا - صلى الله عليه وسلم - فكان أول من نصر الدين، وقال: من ينصرني؟. o فيجب علينا أن نفعل مثل ما فعل نبينا - صلى الله عليه وسلم -، نحرك أقدامنا وننصر الدين، ثم نقول: من يخرج في سبيل الله؟ من مستعد؟. * * * * * ¬

_ (¬1) سورة الصف _ الآية 14.

وختاما

وختاما نحمد الله - سبحانه وتعالى - علي توفيقه أن من علينا وأصدرنا هذا الكتاب الطيب الممتع في مادته، الممتع في بيانه، القوي في برهانه. وأسأله سبحانه وتعالي أن يوفقنا لحمل الأمانة، وتبليغ الرسالة، وأن يجعلنا أهلا لما أهلنا الله - سبحانه وتعالى - له، ولما وصفنا به فقال عنا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1). وأسأله سبحانه وتعالي أن يُحركنا في العالم لنشر دينه، كما حرك أصحاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأن يجعل الدعوة إلي الله أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا .. اللهم! آمين. تم بحمد الله وتوفيقه ترقبوا صدور الجزء الثاني * * * * * ¬

_ (¬1) سورة آل عمران - الآية 110.

المراجع

المراجع 1) القرآن الكريم. 2) مختصر تفسير القرآن العظيم لأبن كثير - الصابوني - طبعة دار التراث العربي للطباعة والنشر بالقاهرة. 3) زاد المسير في علم التفسير _ لابن الجوزي. 4) رياض الصالحين للنووي - طبعة المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الأول 1412 هـ. 5) مشكاة المصابيح - للخطيب التبريزى - المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الثالثة 1405 هـ. 6) صحيح البخاري - طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 7) صحيح مسلم شرح النووي - طبعة المطبعة الأميرية بالقاهرة. 8) سنن النسائي - طبعة دار الحديث بالقاهرة. 9) سنن الترمذي - طبعة دار ابن الهيثم بالقاهرة. 10) مستدرك الحاكم - طبعة بيروت - لبنان. 11) المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح للدمياطي - مكتبة التراث الإسلامي بالقاهرة 12) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحى الدمشقي - طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 13) البداية والنهاية لابن كثير - طبعة دار ابن رجب. 14) تاريخ الإسلام للذهبي - طبعة دار الغد العربي بالقاهرة. 15) حياة الصحابة للكاندهلوي - طبعة دار المعرفة - بيروت - لبنان.

§1/1