الأنس بذكر الله

محمد حسين يعقوب

مقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة إِنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنفسِنا، ومِنْ سَيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ الله فلا مُضِل لَه، ومَنْ يُضلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا الله، وَحْدَهُ لا شريكَ لَه، وأَشْهَدُ أَن مُحَمدًا عبدُهُ ورسولُه. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]

أما بَعْدُ: فَإنَّ أَصْدَقَ الحديثِ كِتابُ الله، وَأَحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وشَرّ الأمورِ مَحَدَثَاتُها، وكُل مُحْدَثَةٍ بِدْعَة، وكُل بِدْعَةٍ ضَلالَة، وكُل ضَلالَةٍ في النار. ثَّم أما بَعْدُ: فإِخْوَتي في الله .. والَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسْمَةَ؛ إِني أُحِبُّكُم في الله، وأسألُ اللهَ جَل جلالُه أن يجمعَنا بهذا الحُبَّ؛ في ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه، اللهُمَّ اجعلْ عملَنا كُلَّهُ صالِحًا، واجعلْهُ لوجهِكَ خَالِصَا، ولا تجعلْ لأَحَدٍ غَيْرِكَ فيهِ شيئًا. قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أَلا نبَّئُكُمْ بِخَيرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا في درَجَاتِكُمْ، وَخَيرِ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهبِ وَالْوَرِقِ، وَمِن أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟! " قَالُوا: وَمَا ذاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "ذكْرُ اللهِ" (صحيح، سنن ابن ماجه: 3780).

قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَسْتَقِل الشمْس فَيَبقَى شَيء مِنْ خَلْقِ اللهِ إِلا سَبَّحَ اللهَ بِحَمْدهِ إِلا مَا كَانَ مِنْ الشَيَاطِينِ وَأَغْبِيَاءُ بني آَدَمَ" قال الوليد: فسألت صفوان بن عمرو: ما أغبياء؟ فقال: الغباء: شرار خلق الله. (رواه ابن السني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 5599) وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الدُنْيَا مَلْعُونَة مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلا ذكْرَ الله وَمَا وَالاهُ أَوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلمًا" (حسن، سنن الترمذي: 2322) عن عبد الله بن الحارث - صلى الله عليه وسلم - أنه سأل كعباً - رضي الله عنه - عن قول الله - سبحانه وتعالى -: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] , و {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] , فقال: هل يؤذيك طرفك؟ قال: لا، قال: فهل يؤذيك نفسك؟ قال: لا، قال: فإنهم ألهموا التسبيح كما ألهمتم النفس والطرف. أخي الحبيب .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن لِلإسلامِ صُوَى وَمَنَارًا كمَنَارِ الطَّرِيقِ" (رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2162). إن للإسلام صُوىَ، والصوى جمع صوَّة، وهي الأحجار العظيمة التي توضع على جنبتي الطريق تميزه وتحدده، والمنار هي العلامات التي يهتدي بها السائر على الطريق،

فإذا كان للإسلام صوّى ومنارًا؛ فإن من صوى الإِسلام ومناراته: ذكر الله. يقول العلماء: إن في الطريق إلى الله علامات ومنارات، من رآها وعاشها وعاناها؛ فقد سلك الطريق إلى الله، ومن لم يشعر بها ولم يعشها ولم يعالجها؛ فإنه لم يبرح مكانه، ولم يسلك طريقه، وأنَّى له الوصول وهو لم يبرح المنزل؟! فالذكر علامة مميزة وشامة مزيمّة لطريق السائرين، فهو زاد القلوب وقُوتُهَا، وحياة الأفئدة وبهجتها، وسعادة الأرواح وانتعاشتها، والذكر روح الإيمان وزيادته، ودليل اليقين وعلامته، وسر التوكل وشارته، بل إن الذكر هو أهم عوامل السعادة والتوفيق في هذه الحياة الدنيا. تأمل معي - أيها الحبيب اللبيب - قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}. [يس: 38 - 40]. فالشمس والقمر والنجوم والأفلاك والأرض والمجرات وكل الكون بما فيه حتى ذرات الثرى، والهواء، والسحب، والرياح، والبرق، والرعد، الكل يسبح بحمد الله ويلهج بذكره.

قال - صلى الله عليه وسلم -: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] وهذه المخلوقات بتسبيحها وذكرها لله يدبرها - سبحانه وتعالى - ويصلح حياتها ويرزقها ويعينها، فإذا ترك هذا الكون التسبيح اختل نظامه وفسد دورانه، قال - سبحانه وتعالى -: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22]، وقال - سبحانه وتعالى - {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: 41]. لذا قال أبو بكر - رضي الله عنه -: ما صيد من صيد ولا قطع من شجر إلا بتضييعه التسبيح. فكذلك الإنسان إذا سبَّح الله وذكره؛ أصلح الله حياته وسيرها بتوفيقه وتسديده، وإذا ترك العبد التسبيح فسدت حياته وكانت عذاباً، وعاش في هذه الدنيا مطرودا مهانًا، قال - سبحانه وتعالى -: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} [الحج: 18]. فاعلم أن حياة قلبك وبهجه نفسك، وسعادتك ولذتك في ذكر الله القلب يحيا، والروح تنتعش والإيمان يزداد، والحب يعظم بذكر الله.

قال ذو النون المصري - رحمه الله -: والله ما طابت الدنيا إلا بذكره، وما طابت الآخرة إلا بعفوه، وما طابت الجنة إلا برؤية وجهه الكريم. إن ألذ ما في الدنيا، وأهنأ ما في الحياة، وأمتع ما في الوجود ذكر الله، قال بعض السلف: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها!! قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: ذكر الله وطاعته. وكان شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله - يجلس بعد صلاة الصبح إلى وضح النهار يذكر الله، لا يكلم أحداً ولا يلتفت، فإذا قضى ذكره قال: هذه غدوتي، إن لم أتغدها سقطت قوتي. أُخَيَّ: إن أردت حصنًا حصينًا يطرد عنك الشيطان، ويحفظك من الكيد والعدوان؛ فالزم ذكر الله، ففي حديث يحيى بن زكريا - عليه السلام - أنه قال: "وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ الله - سبحانه وتعالى - كثِيرًا، وَإِن مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلِ طَلَبَهُ العَدُوُّ سِرَاعَا في أَثَرِهِ فَأتى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ، وَإِن الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِنْ الشيطَانِ إِذَا كَانَ في ذِكْرِ الله" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 4/ 130). وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: الشيطان جاثمٌ على قلب ابن آدم إذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله - سبحانه وتعالى - خنس.

وذكر الله - يا بني - ينجيك من عذاب الله، وبه يغفر لك ذنبُك، ويقوى على الحق قلبُك، قَالَ رَسُولىُ الله:"ومَا عَمِلَ آميٌ عَمَلاً قَط أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ الله مِنْ ذِكْرِ اللهِ". (حسن، مسند الإِمام أحمد: 5/ 239) وإذا ذكرت الله ذكرك، قال الملك - سبحانه وتعالى -: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]. ولا أدري أي قلبِ هنا؟! قلب أمرئ يسمع هنا الوعد ثم يتخلف عن ذكر الله!! قال بعض السلف: إني أعلم متى يذكرني ربي، قيل متى وكيف؟ قال: أما قرأتم قول الله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]. واعلم أن أخطر ما في الغفلة وترك الذكر أنك إن لم يذكرك ربك افترسك الشيطان، واستولى عليك، قال الملك - سبحانه وتعالى -: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 36، 37]. ولهذا - أخي الحبيب - لما أمر الله بالذكر أمر بالإكثار منه شرطاً فرضًا، وعفَق الفلاح والنجاة بهذا الذكر الكثير، قال الله - صلى الله عليه وسلم -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 43].

وشرط إخراجك من الظلمات إلى النور وحصول وعد الله الحق المبين لك دوام الذكر، وكثرة الذكر. وإذا كان شرط خاصة المؤمنين، عباد الله، أهل النور، الذين أخرجوا من الظلمات كثرة الذكر، ففي المقابل أخص صفات المنافقين التكاسل عن الطاعات والرياء وقلة الذكر، قال الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]. فحصل الفرقان بين هؤلاء وهؤلاء .. المؤمنون يذكرون الله على كل حال كثيراً وبإخلاص، والمنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً ورياء وبتكاسل. فاحذر أن تكون من المنافقين، طفر قلبك بذكر الله، واملأ عمرك بذكر ربك، واجعل ذكر الله دأبك وديدنك في كل وقت وعلى أي حال، ولا تغفل عن ذكر الله أبداً فتندم وتخسر. وذكر الله خير الأعمال، وأفضل الأعمال، وأجلها، وأعظمها؛ وإنما شُرِعت الشرائع أصلاً لإقامة ذكر الله، قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، وقال في الحج: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحج: 28].

وذكر الله من أحب الأعمال إلى الله، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَب الْكَلامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَاللهُ "كبَرُ لا يَضُرُّكَ بِاَيِّهِن بَدَأْتَ" (صحيح مسلم: 2137). وذكر الله غراس طيب، وثمر حلو في جنات النعيم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدهِ؛ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَة في الجَنَّةِ" (صحيح، سنن الترمذي: 3465)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقِيتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيم الخَلِيلُ - عليه السلام - فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، أَقرِئ أُمتَكَ السَّلام، وَأَخْبِرْهُمْ أَن الجَنَّةَ طَيبَةَ الترْبَةِ، عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنها قِيعَان، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَاللهُ أَكْبر" (حسن، سنن الترمذي: 3462). وقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلا الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لله تَمْلاَنِ أَوْ تَمْلا مَا بَينَ السمَاوَاتِ وَالأرْضِ". (صحيح مسلم: 223) وكم يتملكني الإعجاب والانبهار بحال أولئك الصادقين الذين ضُمِّخَت قلوبهم وحياتهم بذكر ربهم!! فهم لا يفترون وكأنهم ملائكة يسبحون الليل والنهار وهم لا يسأمون. قيل لعمير بن هانئ - رحمه الله -: ما نرى لسانك يفتر، فكم تسبح كل يوم؟ قال: مائة ألف تسبيحة، إلا أن تخطئ الأصابع.

وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة. وكان حسان بن عطية - رحمه الله - إذا صلى العصر يذكر الله في المسجد حتى تغيب الشمس. وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله - لتلميذه ابن القيم - رحمه الله - مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام النفس وإراحتها؛ لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر. فلذلك - أخي الكريم - قَوَّ بناء إيمانك بالذكر، أسس أعمدة يقينك بذكر الله، طهر قلبك واغسل درَنَ ذنبك بذكر الله - سبحانه وتعالى -، واذكر الله يذكرك. وهذا كتاب خاص للأذكار لم أجعله ككتب وكتيبات ورسائل الأذكار التي اطلعت عليها، فيها يسوق المؤلف الذكر فقط، وإنما أردت هذا الجزء تعليمًا بأن أذكر الحديث لمعرفة ثواب وأجر هذا الذكر وتعظيمه، ثم أضفت كليمات يسيرة تسبق كل ذكر أو تعقبه تحفيزًا للعمل وتنشيطًا للهمة. وقد حرصت كل الحرص في هذا الكتاب وفي غيره ألا أسوق إلا حديثاً صحيحًا، وأكون على ثقة تامة من صحته؛ فخذها واعمل بها مطمئنًا واثقا مصدِّقًا.

حبيبي في الله .. أخي، هيا استشعر قرب ربك منك، ومعية الله لك عند ذكرك له، استشعر حقيقة الحب ونعيم القرب وقرة العين بذكر الله. قال - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بيِ، وَأَنا مَعَهُ إِما ذَكَرَني" (صحيح البخاري: 6970)، وقال عز وجل: "أنا مَعْ عَبْدي مَا ذَكَرَني وَتَركَتْ بي شَفَتَاهُ". (صحيح، سنن ابن ماجه: 3792).) فإذا كان الله معك يجالسك فأي نعيم في الدنيا أكمل من هذا النعيم؟! وأي لذة في الدنيا مثل هذه اللذة؟! عد - أخي - إلى رياض الخلوة، وتقلب في الذاكرين، وأسبل دموع عينيك حبا وشوقًا لرب العالمين، أَمِط عن قلبك ران النوم وتسلل من معسكر النائمين، وانطرح على بساط القرب، واهنا بنسيم السحر؛ تجد جنة ونعيمًا في الأسحار حيث تلهج قلوب الأبرار بذكر الملك الجبار، وتشتاق إلى قربه، وترجو مودته وحبه، ومن ذاق عرف. حقاً إخوتاه .. يكاد شعر المرء يشيب، ويكاد عقله يطيش من جلال هذا المعنى: أن يكون الله معك .. تذكره فيذكرك .. تتلو كلامه فيحدثك، وتدعوه فيجيبك، وتناديه فيلبيك، هذه قمة استشعار الإنس والقرب، فإياك أن تموت ولم تأنس بربك،

إياك أن تموت قبل أن تذوق هذا النعيم فتتحسر. إخوتي في الله .. من ذاق هذا الإنس واستشعره لم تكن لذته وشهوته إلا في الانفراد والخلوة بعيدًا عن الناس، ويكون أثقل شيء عليه ما يعوق هذا الإنس ويعطله، قيل لبعض الحكماء: متى يذوق العبد طعم الإنس بالله؟ فقال: إذا صفا الود، وخلصت المعاملة، قيل: متى يصفو الود؟ فقال: إذا اجتمع الهم فصار همَّا واحلَما في الطاعة .. نعم إخوتاه .. في الإنس بذكر الله قرة العين، وطمأنينة القلب، وسعادة النفس، ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين. وبعد، فإن الهدف من هذا الجزء ليس استقصاء الأذكار وسردها فقط - وإن كنت فعلاً قد اجتهدت في ذلك - ولكن المقصود الفعلي لهذا الجزء هو التعليم بمعنى: اللهم للأذكار، والإدراك لمعانيها، والإحساس بلذتها، والسعادة بالحرص على المواظبة عليها، فلا تُفَوَّت كلمة من هذا الكتاب دون فهم وعمل وتدبر فهو كتاب للدراسة والفقه والتعليم، فافقه. هذا ذكر الله، بين يديك مقدماته وأصوله، وضوابطه ومتمماته، وما عليك إلا العمل .. هنينًا لك يا ابن الإِسلام، صفا جما المشرب - فتضلَع واشكر الملك الوهاب ..

تمهيد

تمهيد الحمدُ لله رَبِّ العَالَمِين، والصَّلاةُ والكلامُ على أشرفِ المرسلين سيِّدِنا محمَّد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. رَبّ يَسِّرْ وأَعِنْ وتَمِّمْ بِخَيرِ يَا كَرِيمُ إخوتي في الله، والذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النسْمَةَ إني أُحِبُّكُم في الله، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الصدق والإخلاص، والعفو والعافية، في الدين والدنيا والآخرة. أما بَعْدُ: قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَل تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] وقال عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}. [الأحزاب: 41] وقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

وقال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]. وقال عز وجل: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالذي لا يَذكُرُ رَبّهُ مَثَلُ الْحَيَّ وَالمَيَّتِ" (صحيح البخاري: 6044). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا في درَجَاتِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُم، وَخَيرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذهبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيرِ لَكُمْ مِنْ أن تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُم وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُم؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "ذكْرُ اللهِ تَعَالَى" (صحيح، سنن الترمذي: 3377). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ الله تَعَالَى: أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ؛ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَإِنْ ذَكرَنِي في مَلإ؛ ذَكَرْتُهُ في مَلأ خَيرِ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلي بِشِبْرِ؛ تَقَربتُ إِلَيهِ ذرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي ذرَاعًا؛ تَقَرَّبْتُ إِلَيهِ بَاعًا، وإنْ أتاني يَمْشِي أَتَيتُهُ هَرْوَلَةَ" (صحيح البخاري: 6970).

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرِ - رضي الله عنه - أَنَّ أَعْرَابِيا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِن شَرَائِعَ الإسْلام قدْ كَثُرَتْ عَلَى، فَأَنْبِئْنِي مِنهَا بِشَيءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: "لا يَزَالُ لِسَانُك رَطْبًا مِنْ دكْرِ الله" (صحيح، سنن الترمذي: 3375). وقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللهَ لا يُرِيدونَ بذلِكَ إِلا وَجْهَهُ إِلا نَادَاهُمْ مُنَادٍ من السمَاءِ: أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم؛ قَدْ بُدَّلَتْ سَيئَاتُكُمْ حَسَنَاتِ". (رواه الإِمام أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 5507) وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَدَا لَمْ يَذْكُرْ اللهَ فِيهِ؛ كَانَتْ عَلَيهِ مِنْ الله تِرَة" (صحيح، سنن أبي داود: 4856). بعد كل الآيات والأحاديث السابقة، لا بد لي أن أقول: إن قضية ذكر الله ليست مسألة من مسائل الفقه أو الفروع في دين الإِسلام، بل إني أعتقد - والله أعلم - أن ذكر الله هو نفس الدين، فهو علاقة العبد بربه - سبحانه وتعالى -، ولذلك لا أغالي إذا قلت: إن أصح المؤمنين إيمانًا وأعمقهم يقينًا هم أكثرهم لله ذكرًا. ولك أن تتأمل حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنك تعجب لهذا التفاني في كثرة ذكر الله وإخلاصه فيه، حتى يقول - فداه أبي وأمي ونفسي - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّة" (صحيح مسلم: 2702)، أي إنه لا يغفل أبدًا مطلقًا، وإذا حصل هذا الغين اليسير الطارئ استغفر له مائة مرة.

أنواع الذكر

انظر إلى أي حركة في حياته - صلى الله عليه وسلم - تجدها لا تخلو من ذكر، وهذا ما ستدركه جيداً بيقين إذا درست هذا الكتاب بفهم ووعي، ولذلك وبحق أقول لك يا ابن الإِسلام: لا بد أن تتعلم .. لا بد - أن تفهم، فليست القضية في حفظ النصوص وإيرادها فقط؛ وإنما القيمة في اللهم والعمل مع العلم، فلابد من علم بفهم، وعمل بنية؛ لكي يؤتي العلم والعمل ثمرتهما، فإذا كان الأمر كذلك؛ فاعلم أن للذكر: أنواعًا متعددة مختلفة المراتب متفاوتة التأثير: أنواع الذكر الأول: أعلى الذكر القرآن الكريم قال - سبحانه وتعالى -: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} [ص: 1]، ووقال عز وجل: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}. قال علي - رضي الله عنه -: كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأ الْقُرْآن عَلَى كُل حَال مَا لَمْ يَكُن جُنُبَا. (حسن، سنن الترمذي: 146). وفِيهِ دَلالَة عَلَى أنهُ إِما كَانَ الْحَدَث الأَصْغَر لا يَمْنَعهُ عَنْ قِرَاءَة القُرْآن وَهُوَ أَفْضَلُ الذكر كَانَ جَوَاز مَا عَدَاهُ مِنْ الأَذْكَار بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.

الثاني: ذكر أسماء الرب - سبحانه وتعالى - وصفاته

وقال سفيان - رحمه الله -: أفضل الذكر تلاوة القرآن في الصلاة، ثم تلاوة القرآن في غير الصلاة، ثم الذكر. والقرآن هو أحسن الحديث، وهو الطيب من القول، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهلُ اللهِ وَخَاصتُهُ". (صحيح، سنن ابن ماجه: 215) وقال الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29]، قال مطرف بن عبد الله - رحمه الله -: هذه آية القراء. الثاني: ذكر أسماء الرب - سبحانه وتعالى - وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به - سبحانه وتعالى - وهذا نوعان: أولاً: إنشاء الثناء عليه بها: وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث، نحو: "سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَاللهُ أَكْبَرُ " و"سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدهِ" و"لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءِ قَدِير لا ونحو ذلك. وأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه نحو: "سُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ في السَّمَاءِ، وَسُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ في الأرْضِ،

وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِق"، كل هذا أفضل من مجرد قولك: "الْحَمْدُ لله". ويدل على ذلك حديث جويريه - رضي الله عنها - فعَنْها أن النبِى - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةَ حِينَ صَلى الصُبْحَ وَهِيَ في مَسْجِدِهَا ثُم رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَة فَقَالَ: "مَازِلْتِ عَلَى الْحَالِ التِي فَارَقْتُكِ عَلَيهَا؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "لَقَدْ قُلْتُ بَعدكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتِ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَمَدَ خَلْقِهِ، ورِضَا نَفْسِهِ، وزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كلِمَاتِهِ" (صحيح مسلم: 2726). وأيضاً عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقاصٍ - رضي الله عنه - أنّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصَى تُسَبَّحُ بِهِ فَقَالَ: "أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيكِ مِنْ هَنَا أَوْ أَفضَلُ؟! فَقَالَ: سُبْحَانَ الله عَددَ مَا خَلَقَ في السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَلَدَ مَا خَلَقَ في الأرْضِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عددَ مَا خَلَقَ بَينَ ذلِكَ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَددَ مَا هُوَ خَالِقْ، وَاللهُ أكبَرُ مِثْلُ فَلِكَ، وَالْحَمْدُ لله مِثْلُ ذَلِكَ، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إِلا بِاللهِ مِثْلُ ذلِكَ". (أخرجه ابن حبان، وصححه شعيب الأرناؤوط في سنن ابن حبان: 837) وهكذا كلما كان الذكر أجمع وأشمل وأعم كان أفضل بدليل الأحاديث السابقة.

الثالث: الخبر عن الرب - سبحانه وتعالى - بأحكام أسمائه وصفاته

ولذلك فإن أفضل الذكر هو الوارد في النصوص الصحيحة فإنها جامعة شاملة وذلك لسببين: أولاً: لأنّ فيه متابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -،وحكم العبادات توقيفية كما هو معلوم. وثانيًا: لأنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أعلم الناس بربه - سبحانه وتعالى - وقد أوتي جوامع الكلم، وهو لا ينطق عن الهوى، فهذه الثلاثة العظيمة من مآثره وخصوصياته تُلزِمك أن تلزم قوله وتعتقد اعتقاداً جازمًا أن أفضل الذكر ما ورد عنه، ودعك عند ذلك من تأليف المؤلفين واختراع المخترعين وبدع المبتدعين، نعم لا نقول: إنه لا يجوز غيره، ولكننا نعتقد بيقين أنه ليس هناك أهم ولا أفضل ولا أجمع ولا أحسن منه: فافهم. الثالث: الخبر عن الرب - سبحانه وتعالى - بأحكام أسمائه وصفاته، نحو قولك: الله - سبحانه وتعالى - يسمع أصوات العباد ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، وهو على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من رجل وجد راحلته بعد أن فقدها ويئس من العثور عليها. وأفضل هذا النوع: الثناء عليه بما أثنى به - سبحانه وتعالى - على نفسه، وبما أثنى عليه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف، ولا تعطيل،

ومن غير تشبيه، ولا تمثيل. وهذا النوع أيضًا ثلاثة أنواع: حمد، وثناء، وتمجيد. فالحمد لله: الإخبار عنه بكمال صفاته - سبحانه وتعالى - مع محبته والرضا به، فلا يكون المحب الساكت حامدًا، ولا المثني عليه بلا محبة حامدًا حتى تجتمع له المحبة والثناء. فإن كرر الحامد شيئًا بعد شيء؛ كانت ثناءًا. فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك؛ كان تمجيدًا. وقد جمع الله لعبده الأنواع الثلاثة في أول سورة الفاتحة، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: قَالَ الله تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؛ قَالَ الله تَعَالَى: أَثنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}؛ قَالَ: مَجَّدَنِيِ عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قَالَ: هَذَا بَينِي وَبَيْنَ عَبدِي وِلِعبدي مَا سَأَلَ، فَإذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}؛ قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. (صحيح مسلم: 395)

الرابع: ذكر أمره ونهيه وأحكامه

الرابع: ذكر أمره ونهيه وأحكامه، وهو أيضًا نوعان: أحدهما: ذكره بذلك إخبارًا عنه بأنه أمر بكذا، ونهي عن كذا، وأحب كذا، وسخط على كذا، ورضي كذا، فهذا ذكر أمره ونهيه. ولذلك قيل: إن لم تكن مجالس الحلال والحرام هي مجالس الذكر فلا أدري ما هي. الثاني: ذكره عند مخالفة أمره ونهيه، وذلك بالحياء من الله والخوف من عقابه، بمعنى أن الإنسان في حياته قد تفجؤه أحوال يتقاعس فيها عن أمر الله بتثبيط الشيطان له وتخذيله وتكسيله، أو بتجريئه على معصية الله أثناء الغفلة، وحينها إذا ذكر العبد ربه فإنه ينشط للعبادة كما قال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]. أو إنه يتراجع عن المعصية ويستغفر ويتوب كما قال - سبحانه وتعالى -: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]، فإذا اجتمعت للعبد كل هذه الأنواع من الذكر؛ كان ذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه فائدة.

الخامس: ومن ذكره -سبحانه وتعالى- أيضا ذكر آلائه وإنعامه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده

الخامس: ومن ذكره - سبحانه وتعالى - أيضًا ذكر آلائه وإنعامه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده وهذا أيضًا من أجل أنواع الذكر، قال - سبحانه وتعالى -: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69]، وهذا نوع عظيم أيضًا من أنواع الذكر؛ فإنه يجمع الذكر والشكر، قال - عز وجل - آمرًا نبيه زكريا - عليه السلام - حين بشره بالولد: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران: 41]. السادس: ذكر الدعاء والاستغفار: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الذكْرِ لا إِلَهَ إِلا الله وَأَفْضَلُ الدعَاءِ الحَمْدُ لله" (حسن، سنن الترمذي: 3383). الذكر أفضل من الدعاء، فالذكر ثناء على الله - عز وجل - بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته، فأين هذا من هذا؟! ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله - سبحانه وتعالى - والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسأل حاجته. فالدعاء الذي تقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه: كان أبلغ في الإجابة وأفضل فإنه يكون قد توسل الداعي إلى الرب - عز وجل - بصفات كماله وإحسانه وفضله.

السابع: ذكر الرعاية

السابع: ذكر الرعاية: - مثل قول الذاكر: الله معي، والله ناظر إليّ، والله شاهدي، ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع الله، وفيه رعاية لمصلحة القلب ولحفظ الأدب مع الله والتحرز من الغفلة والاعتصام من الشيطان والنفس، والأذكار النبوية تجمع كل هذه الأنواع السابقة؛ فإنها متضمنة للثناء على الله والتعرض للدعاء والسؤال والتصريح به والثناء والمدح والتمجيد وغير ذلك. والأذكار النبوية متضمنة أيضًا لكمال الرعاية ومصلحة القلب والتحرز من الغفلات والاعتصام من الوساوس والشيطان. إذا عرفت أنواع الذكر وحرصت - أيها الحبيب المحب - على الجمع بينها: ليجتمع فيك الخير، فكيف تذكر الله ذكرًا يجتمع فيه هذا الخير؟ كيفية الذكر: أي أخيّ .. إنما تتفاوت أجور الذاكرين حسب كيفية حصول الذكر منهم. الذكر يكون بالقلب واللسان تارة، ويكون بالقلب وحده تارة وهي الدرجة الثانية، ويكون باللسان وحده تارة وهي الدرجة الثالثة، وأفضل الذكر: ما تواطأ عليه القلب واللسان.

وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأنّ ذكر القلب يثمر المعرفة، ويهيج المحبة ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويرفع العبد عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئًا من ذلك الإثمار، وإن أثمر شيئًا منها فثمرته ضعيفة، ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم كل الحرص على أن يكون الذكر باللسان مصحوبًا بحضور القلب. وقد يبدو ها هنا إشكال يطرحه البعض في سؤال: هل أترك الذكر إن لم يحضر القلب؟ والجواب: لا؛ فهذا من تلبيس الشيطان، ولكن اجتهد في إحضار القلب واستيعابه للذكر بأمور: أولًا: التفكر في معنى الذكر. ثانيًا: استحضار مشهد معية الله: "أَنا مَعَ عَبْدِي حَيثُمَا ذكَرَنِي وَتَحَرَكَت بِي شَفَتَاهُ" (صحيح، سنن ابن ماجه: 3792). ثالثًا: الأخذ بالأسباب في هدوء المكان والبعد عن الشواغل وإصلاح النية. رابعًا: التفكر في الأجر الحاصل ابتداء من ذكر الله لك، حتى الوعد الحاصل على نفس الذكر المذكور.

ثم بعد الاجتهاد وبذل الوسع واستنفاذ الجهد، وبذل الطاقة لحضور القلب، إن لم تتمكن فاذكر الله بلسانك واستمر، ومع الاستمرار وإظهار الافتقار والتألم والتضرع لله سيحضر القلب حتمًا، ولا تقل: حاولت، بل اصبر ثم صابر ثم رابط، ومن أدام دق الباب، فتح الكريم له. ويكون الذكر أفضل وأكمل وأكثر أجرًا حين يكون بحضور القلب والبعد عما يشغل، حتى يستحوذ الذكر على القلب واللسان والهمة والعقل، فكأن كل ذرة في العبد تسبح بحمد الله وتذكره، وتنطق بحمده وتمجده. فهذا هو الذكر التام الذي يحصل به الأجر التام: فاحرص واجتهد ولا تقل: سأحاول، بل قل: أنا لها، هو ذاك. ومن أسباب حصول الحضور القلبي الانضباط بضوابط الذكر، ومن أهمها: الالتزام بالهيئة الشرعية، والألفاظ المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده دون الخروج عن ذلك. من ضوابط الذكر: يعمر الصالحون خلواتهم بالعبادة والذكر والمناجاة، ورفع الشكوى إلى مولاهم البر الرحيم، واستمطار رحمته وغياثه - سبحانه وتعالى -، ولا شك أن الثناء على الله - سبحانه وتعالى - ودعاءه

بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الأفضل مطلقًا والأحسن والأسلم، كما سبق أن ذكرنا وأوضحنا. قال شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتدل، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد التي تحصل بها لا يعبر عنها لسان، ولا يحيط بها إنسان، وليس لأحد أن يسن للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة، يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع في الدين لم يأذن الله به. ومع هذا، ففي الأدعية الشرعية، والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المفاسد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهلٌ، أو مفرطٌ، أو متعدٍ) (مجموع الفتاوى: 22/ 510). ولا شك أن باب الدعاء توقيفي لا ينبغي الخروج فيه عما رسمه الشارع في الجملة، والمقصود بالدعاء هنا الأدعية الراتبة التي تتكرر، ويلازمها المكلف، أو التي تختص بوقت معين أو وظيفة معينة، أو صفة معينة.

أهمية الذكر

أما مطلق الأدعية التي تحصل من المكلف بدون تحرِّ وملازمة، فهي ليست توقيفية، ويجوز فيها الاجتهاد والدعاء والذكر بما يشاء حتى ولو أنشاه من عند نفسه، أو اقتبسه من غيره، لكن الأفضل الالتزام بالمأثور، وإلا فقد استبدل الداعي الذي هو أدنى بالذي هو خير. قال النووي - رحمه الله - في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ يَتَخَيَّرُ من الْمسأَلَةِ مَا شَاءَ": (وفيه أنه يجوز الدعاء بما شاء من أمور الآخرة والدنيا ما لم يكن إثمًا، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور). أهمية الذكر: (1) الذكر جلاء القلوب: قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله - سبحانه وتعالى -. ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر. فإنه يجلوه حتى يجعله كالمرآة البيضاء، فإذا تُرِكَ الذكر صَدِى القلب، فإذا ذكر العبد ربه جلاه. وصدأ القلب بأمرين: الغفلة والذنب .. وجلاؤه بشيئين: الاستغفار والذكر. فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته، كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصدؤه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب، لم تنطبع

أحوال الذاكرين

فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل: لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه. فإذا تراكم عليه الصدأ واسودَّ، وركبه الران: فسد تصوره وإدراكه، وعندئذٍ لا يقبل حقًا، ولا ينكر باطلاً، وهذه أعظم عقوبات القلب، وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى: فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصيرته. (2) الذكر عبادة عظيمة الأجر، فأجره لا يقاربه شطء ولا يقارنه: وتتضح أهمية الذكر من خلال فضله وما أعده الله للذاكرين له - صلى الله عليه وسلم - من النعيم في الدنيا والآخرة، كما تظهر أهميته من فوائده العظيمة التي تحصِّن الإنسان وتحفظه وتقويه وتعينه على عبادة الله عبادة يرضاها الله - سبحانه وتعالى -. أحوال الذاكرين: ويتفاوت الأجر على الذي تفاوتًا عظيمًا وذلك حسب مراتب الذاكرين، فكلما كانت همَّتك في الذكر أعلى كان أجرك أعظم، قال الله - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].

قال ابن جرير - رحمه الله -: قوله - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} قال: هو ذكر الله - سبحانه وتعالى - في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن. قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103]، أي: بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال. وثبت في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتكِئُ في حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ. (صحيح مسلم:301) وقالت: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحيَانِهِ. (صحيح مسلم: 373) وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: إني أقرأ القرآن في صلاتي، وأقرأ على فراشي. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير. ولا شك أن أفضل الذاكرين هو الذي اجتمع في حقه كل أنواع العبادة، فالذكر أثناء الصلاة أفضل من الذكر خارجها، والصائم الذي يصلي ويذكر الله أفضل هؤلاء، وهكذا.

كثرة الذكر

كثرة الذكر: الذكر هو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته. قال الحسن البصري - رحمه الله -: تفقدوا الحلاوة في ثلاثهَ أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق. وحقاً ما عرف قدر جلال الله من فتر لحظة عن ذكره. ولك في النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، قالت عائشة - رضي الله عنها -: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ الله عَلَى كُلِّ أَحيَانِهِ (صحيح مسلم: 373). ولم تستثن حالة من حالاته، وهذا يدل على أنه كان يذكر ربه تعالى في حال طهارته وجنابته، وأما في حال التخلي فلم يكن يشاهده أحد يحكي عنه، ولكن شرع لأمته من الأذكار قبل التخلي وبعده ما يدل على مزيد الاعتناء بالذكر، وأنه لا يخل به عند قضاء الحاجة وبعدها، وأما عند نفس قضاء الحاجة فلا ريب أنه لا يكره بالقلب؛ لأنه لا بد لقلبه من ذكر، ولا يمكنه صرف قلبه عن ذكر من هو أحب شيء إليه فلو كلف القلب نسيانه لكان تكليفه بالمحال.

فأما الذكر باللسان على هذه الحالة فليس مما شرع لنا ولا ندبنا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نقل عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم -، ويكفي في هذه الحال استشعار الحياء والمراقبة والنعمة عليه في هذه الحالة، وهي من أجل الذكر، فذكر كل حال بحسب مايليق بها. أما القرآن، وهو أعظم أنواع الذكر، فما قام أحد به قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما تدبره أحد تدبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما بكى أحد من تلاوته أو استماعه ما بكى سيد الخائفين - صلى الله عليه وسلم -، أما قال لابن مسعود - رضي الله عنه -: "اقْرَأْ عَلَيَّ، فَإنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيري" (صحيح البخاري: 4763)، وينظر ابن مسعود - رضي الله عنه - إلى النَبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا وجهه الكريم قد بللته الدموع .. وانظر وتأمل: ماذا يحب؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشمْسُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَلأَنْ أَقعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذكُرُونَ الله مِنْ صَلاةِ الْعَصرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً" (حسن، سنن أبي داود: 3667). وقيل لأبي الدرداء - رضي الله عنه -، وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح في كل يوم؟ قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع.

الذكر عبادة الكائنات

الذكر عبادة الكائنات: لم يقتصر الذكر بكونه عبادة الإنسان والملائكة والجن فقط، بل هو وحده عبادة جميع الكائنات من أرض وسماء وشجر ومدر وجماد ونبات، قال الله - سبحانه وتعالى -: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] ,، وقال - عز وجل -: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَستَقِلُّ الشَّمْس فَيَبْقَى شَيء مِنْ خَلْقِ اللهِ إِلا سبَّح اللهَ بِحَمدِهِ إِلا مَا كَانَ مِنْ الشَيَاطِينِ وَأَغبِيَاءُ بني آدم" (رواه ابن السني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 5599). أولًا: الملائكة: قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19، 20]. ثانيَا: الجن: عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أصحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ: "لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيلَةَ الْجِن فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كنْتُ

ثالثا: الجبال

كُلَّمَا أَتَيتُ عَلَى قَوْلِهِ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا: لا بِشَيءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الحَمْدُ". (حسن، سنن الترمذي: 3291). ثالثًا: الجبال: قال - سبحانه وتعالى -: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79]، وقال - عز وجل -: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُلَبِّ يُلَبِّي إِلا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ من حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَمَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الأرْض مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا" (صحيح، سنن ابن ماجه: 2921). رابعًا: الرعد: قال - سبحانه وتعالى -: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13] خامسًا: الطعام: قَالَ عَبْدُ اللهِ بن مسعود - رضي الله عنه -: قَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَلُ، وفي رواية: كُنَّا نَأْكُل مَعَ النبِي - صلى الله عليه وسلم - الطَّعَامَ وَنَحنُ نَسْمَع تَسْبِيح الطَّعَام (صحيح البخاري: 3386). وكَانَ أَبُو الدرداء وَسَلْمَان - رضي الله عنهما - إِذَا كَتَبَ أَحَدهمَا إِلَى الآخَر قَالَ لَهُ: بِآيَةِ الصَّحفَة، وَذَلِكَ أيهمَا بَيْنَا هُمَا يَأْكُلانِ في صَحفَة إِذْ سَبَّحَتْ وَمَا فِيهَا.

سادسا: السماوات والأرض

وعَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَرِضَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ جِبْرِيل بِطَبَقِ فِيهِ عِنَب وَرُطَب فَأَكَلَ مِنْهُ فَسَبَّحَ. وقد اِشْتَهَرَ تَسْبيح الْحَصَى، فَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ - رضي الله عنه - قَالَ: تَنَاوَلَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سَبْع حَصَيَات فَسَبَّحنَ في يَده حَتَّى سَمِعْت لَهُنَّ حَنِينًا، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ في يَد أَبِي بَكْر فَسَبَّحنَ، ثُمَّ وَضَعَهُن في يَد عُمَر فَسَبَّحنَّ، ثُمَّ وَضَعَهُن في يَد عُثْمَان فَسَبحنَّ، وَفِي رِوَايَة: فَسَمِعَ تَسْبِيحهن مِنْ في الْحَلْقَة. (رواه الطبراني، وصححه الألباني في ظلال الجنة: 1146) سادسًا: السماوات والأرض: قال - سبحانه وتعالى -: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة:1]، وقال - عز وجل -: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]. سابعًا: الحيتان والنمل: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِن الله وَمَلاِئكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيرَ" (صحيح، سنن الترمذي: 2685).

ثامنا: الخيل

ثامنًا: الخيل: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَيسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِي إِلا يُؤْذَنُ لَهُ مَعَ كُلٌ فَجرٍ يَدعُو بدَعْوَتَينِ يَقُولُ: اللهُمَّ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آدَمَ فَاجعَلْني مِنْ أَحَبِّ أهلِهِ وَمَالِهِ إِلَيهِ أوْ أَحَبَّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِليهِ" (صحيح، سنن النسائي: 3579). تاسعًا: الهدهد: دعوته للتوحيد وذكره لله، قال - سبحانه وتعالى -: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 25، 26]. عاشرًا: عموم الطير: قال - سبحانه وتعالى -: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور: 41] حادي عشر: الجماد: كما قال ابن كثير - رحمه الله -: يخبر تعالى أنه يسبح له من في السماوات والأرض: أي من الملائكة والأناسي والجان والحيوان، حتى الجماد كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44].

وقال - عز وجل -: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 75]، أي نطق الكون أجمعه ناطقه وبهيمه لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله، ولهذا لم يسند القول إلى قائله بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد. فانظر أيها الحبيب المحب، وتأمل: كيف أن كل المخلوقات بلا استثناء تأنس بالذكر، وتحيا به، ولا تفتر عنه، وكيف أن ترك الذكر سبب المصائب والبلايا. تأمل .. كيف أن الذكر أنس بالله، وقرب منه، ومعية معه، وكيف أن الغفلة تجلب الخذلان ومعية الشيطان، قال - عز وجل -: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. فاستعن بالله، ولازم ذكر الله، ويكفيك في هذا الترهيب الشديد الوعيد الأكيد في قوله - عز وجل -: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19]. أسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأنْ يجعلنا من عباده الذاكرين، وأن يذكرنا عنده في خيرة عباده المصطفين من خلقه، آمين.

فوائد الذكر

فوائد الذكر حبيبي في الله .. أنت على دين عظيم .. دين الإسلام دين عظيم .. دينك عظيم .. أريد أن أكررها على مسامعك ليل نهار: لتعتقدها وتعمل بها ولها دومًا. وحقًا أقول إنني كلما كتبت والله في فرع من فروع دين الإِسلام يمتلئ قلبي رهبة وتعظيمًا لهذا الدين العظيم، وسترى والله إن فهمت ما أقول ودرست بوعي وفهم ما أسطره لك أن هذه هي الحقيقة، وسيتملكك شعور رهيب قوي بعظمة هذا الدين، وستظل تحمد الله عليه ليل نهار، وتعي جيدًا فضل الله عليك باختياره - سبحانه وتعالى - هذا الدين لك، قال - سبحانه وتعالى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وتستشعر قول يعقوب - عليه السلام -: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132]. لذلك ونحن في معرض حديثنا عن ذكر الله - عز وجل -، نقول: إن العبادات التي أمر الله بها، والشرائع التي شرعها الله - سبحانه وتعالى - في دين الإِسلام كلها مصلحة وسعادة.

يقول ابن القيم - رحمه الله -: (إن نفس الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإخلاص العمل له وإفراده بالتوكل عليه هو غذاء الإنسان، وقوته وصلاحه وقوامه، بل إن أوامر المحبوب كلها قرة العيون، وسرور القلوب ونعيم الأرواح، ولذات النفوس بها كمال النعيم. فقرة عين المحب في الصلاة والحج، وفرح قلبه وسروره ونعيمه في ذلك وفي الصيام والذكر والتلاوة، وأما الصدقة فعجب من العجب، وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والصبر على أعداء الله - سبحانه وتعالى -، فاللذة بذلك أمر آخر لا يناله الوصف ولا يدركه من ليس له نصيب منه، وكل من كان به أقوم، كان نصيبه من الالتذاذ به أعظم). فما بالك بذكر الله وهو أعظمها وأفضلها وأكبرها، ففوائد الذكر وثمراته أكثر من أن تحصى أو تعد، وإن كان ابن القيم - رحمه الله - قد جمع بعضها في كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب، إلا أن ما ذكره إشارة فقط إلى بعضها، وهناك غيرها من الأسرار ما لا يعلمها إلا الله اختص بها من شاء من عباده. ولذلك فسأسوق إليك ما ذكره ابن القيم - رحمه الله - وهو بضع وخمسون فائدة، وأزيد عليها ما تيسر مما فتح الله به، وبعد كل ما ذكره وذكرته أمامك فرصة لتبحث عن الأكثر، ويخصك الله بالمزيد: فافهم وتوكل وتيقن، واذكر ربك يذكرك وُيفِدْك.

من فوائد الذكر (1) إن أهم، وأعظم، وأجل فائلة للذكر أن الله يذكرك بذكرك له، ولو لم تكن للذكر إلا هذه الفائدة لكفت، قال - سبحانه وتعالى -: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]. قال الحسن البصري - رحمه الله -: {فَاذْكُرُونِي} فيما افترضت عليكم .. {أَذْكُرْكُمْ} فيما أوجبت لكم على نفسي .. وقال: إن الله يذكر من يذكره، ويزيد من يشكره. وعن سعيد بن جبير - رضي الله عنه -: {فَاذْكُرُونِي} بطاعتي {أَذْكُرْكُمْ} بمغفرتي ورحمتي. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. إخوتاه .. ليس العجب من فقير يلجأ إلى غني، ليس العجب من ضعيف يلجأ إلى قوي، ليس العجب من قوله - عز وجل -: {فَاذْكُرُونِي}؛ إنما العجب من قوله: {أَذْكُرْكُمْ}. من نحن حتى يذكرنا الله - سبحانه وتعالى - إن ذكرناه؟!!

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (قَالَ الله: يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ ذَكَرْتَنِي في نَفْسِكَ؛ ذَكَرْتُكَ في نَفْسِي، وَإِن ذَكَرْتَنِي في مَلإ ذَكَرْتُكَ في مَلإ مِنْ الْمَلاِئكَةِ أَوْ في مَلإ خَيرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْرًا دنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعًا، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعًا دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعًا، وَإِنْ أَتَيتَنِي تَمْشِي أَتَيتُكَ أُهَرْوِلُ" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 3/ 138). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله - سبحانه وتعالى -: عَبدِي إِذَا ذَكَرتَنِي خَالِيًا، ذَكَرْتُكَ خَالِيًا، وَإِنْ ذَكَرتَني في مَلأٍ ذَكَرْتُكَ في مَلأٍ خَيرٍ مِنْهُمْ، وَأكْبَرَ" (رواه البيهقي، وصححه الألباني في الصحيحة: 2011). يالتفضل الجليل الودود!! الله .. جل جلاله .. يجعل ذكره لهؤلاء العبيد مكافأة لذكرهم له، إن العبيد حين يذكرون ربهم، يذكرونه في هذه الأرض الصغيرة، وهم أصغر من أرضهم الصغيرة، والله حين يذكرهم، يذكرهم في هذا الكون الكبير، وهو الله العلي الكبير، أيُّ تفضل وأيُّ كرم!! وأيُّ فيض في السماحة والجود!! إنه الفضل الذي لا يفيضه إلا الله، الذي لا خازن لخزائنه، ولا حاسب لعطاياه، الفضل الفائض من ذاته بلا سبب، ولا موجب إلا أنه هكذا، هو - سبحانه وتعالى - فياض العطاء. إنه ذلك الفضل الذي لا يصفه لفظ، ولا يعبر عن شكره إلا سجود القلب.

من نسيه الله فهو مغمور ضائع، لا ذكر له في الأرض، ولا ذكر له في الملأ الأعلى، ومن ذكر الله ذكره، ورفع من وجوده، وذكره في هذا الكون العريض. لقد ذكر المسلمون الله؛ فذكرهم ورفع ذكرهم، ومكنهم من القيادة الراشدة، ثم نسوه: فنسيهم، فإذا هم هملٌ ضائع، وذيلٌ ذليلٌ تافهٌ. والوسيلة قائمة، والله يدعوهم في قرآنه الكريم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}. {فَاذْكُرُونِي} بالتذلل {أَذْكُرْكُمْ} بالتفضل. {فَاذْكُرُونِي} بالانكسار {أَذْكُرْكُمْ} بالمبار. {فَاذْكُرُونِي} باللسان {أَذْكُرْكُمْ} بالجنان. {فَاذْكُرُونِي} بقلوبكم {أَذْكُرْكُمْ} بتحقيق مطلوبكم. {فَاذْكُرُونِي} بتصفية السر {أَذْكُرْكُمْ} بتوفية البر. {فَاذْكُرُونِي} بالجهد والعناء {أَذْكُرْكُمْ} بالجود والعطاء. {فَاذْكُرُونِي} بالرهبة {أَذْكُرْكُمْ} بتحقيق الرغبة. {فَاذْكُرُونِي} بالشوق والمحبة {أَذْكُرْكُمْ} بالوصل والقربة. {فَاذْكُرُونِي} بالحمد والثناء {أَذْكُرْكُمْ} بالمنن والعطاء.

{فَاذْكُرُونِي} بالتوبة {أَذْكُرْكُمْ} بغفران الحوبة. {فَاذْكُرُونِي} بالسؤال {أَذْكُرْكُمْ} بالنوال. {فَاذْكُرُونِي} بلاغفلة {أَذْكُرْكُمْ} بلا مهلة. {فَاذْكُرُونِي} بالندم {أَذْكُرْكُمْ} بالكرم. {فَاذْكُرُونِي} بالمعذرة {أَذْكُرْكُمْ} بالمغفرة. {فَاذْكُرُونِي} بالإرادة {أَذْكُرْكُمْ} بالإفادة. {فَاذْكُرُونِي} بالتنضل {أَذْكُرْكُمْ} بالتفضل. {فَاذْكُرُونِي} بالإخلاص {أَذْكُرْكُمْ} بالخلاص. {فَاذْكُرُونِي} بالقلوب {أَذْكُرْكُمْ} بكشف الكروب. {فَاذْكُرُونِي} باللسان {أَذْكُرْكُمْ} بالأمان. {فَاذْكُرُونِي} بالافتقار {أَذْكُرْكُمْ} بالاقتدار. {فَاذْكُرُونِي} بالاعتذار {أَذْكُرْكُمْ} بالرحمة والاعتفار. {فَاذْكُرُونِي} بالإسلام {أَذْكُرْكُمْ} بالإكرام. {فَاذْكُرُونِي} ذكرًا فانيا {أَذْكُرْكُمْ} ذكرًا باقيا. {فَاذْكُرُونِي} بالتذلل {أَذْكُرْكُمْ} بمحو الزلل. {فَاذْكُرُونِي} بالاعتراف {أَذْكُرْكُمْ} بمحو الاقتراف.

{فَاذْكُرُونِي} بصفاء السر {أَذْكُرْكُمْ} بخالص البر. {فَاذْكُرُونِي} بالصدق {أَذْكُرْكُمْ} بالرفق. {فَاذْكُرُونِي} بالصفو {أَذْكُرْكُمْ} بالعفو. {فَاذْكُرُونِي} بالتعظيم {أَذْكُرْكُمْ} بالتكريم. {فَاذْكُرُونِي} بالتكثير {أَذْكُرْكُمْ} بالنجاة من السعير. {فَاذْكُرُونِي} بترك الأخطاء {أَذْكُرْكُمْ} بحفظ اوفاء. {فَاذْكُرُونِي} بترك لأخطاء {أَذْكُرْكُمْ} بأنواع العطاء. {فَاذْكُرُونِي} بالجهد في الخدمة {أَذْكُرْكُمْ} بإتمام النعمة. {فَاذْكُرُونِي} من حيث أنتم {أَذْكُرْكُمْ} من حيث أنا. {فَاذْكُرُونِي} بالحب {أَذْكُرْكُمْ} بنيل القرب. {فَاذْكُرُونِي} بالإجلال {أَذْكُرْكُمْ} بالإفضال. {فَاذْكُرُونِي} بالصبر عند البلاء {أَذْكُرْكُمْ} بكشف البأساء. {فَاذْكُرُونِي} بالذل {أَذْكُرْكُمْ} بالعز. {فَاذْكُرُونِي} يتغيير المذكر {أَذْكُرْكُمْ} يوم العرض الأكبر. {فَاذْكُرُونِي} بطول السجود {أَذْكُرْكُمْ} بالعطاء والجود.

{فَاذْكُرُونِي} ذكرًا كثيرًا {أَذْكُرْكُمْ} ذكرًا. {فَاذْكُرُونِي} بوصف السلامة {أَذْكُرْكُمْ} يوم القيامة, يوم لاتنفع الندامة {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} هذا طعم الخير .. فكيف طعم النظر؟!! هذا سماع ذكره في دار الشقاء .. فكيف في دار البقاء؟!! هذا في دار المحنة .. فكيف في دار النعمة؟!! هذا ذكره في الدنيا من وراء حجاب، فكيف ذكره عند النظر إليه في دار الثواب؟! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"أَوْييَاءُ اللهِ النِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ". (رواه الحكيم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 2557) وورد أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يسبح كل يوم اثنتي عشر ألف تسبيحة ويقول: أسبح بقدر ديتي! أي إنه يدفع ديته ويشتري نفسه، ويعتق رقبته من النار بهذا العدد من الذكر كل يوم. وكان خالد بن معدان - رحمه الله - يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلما مات ووضع على سريره ليغسل؛ جعل بأصبعه يحركها بالتسبيح.

وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر تلقاهن ملك، فعرج بهن إلى الله - عز وجل -، فلا يمر بملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يحمىَّ بهن وجه الرحمن. قيل لعمير بن هانئ - رحمه الله -: ما نرى لسانك يفتر، فكم تسبح كل يوم؟ قال: مائة ألف تسبيحة، إلا أن تخطئ الأصابع. قَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم -:"أَلا نبِّئُكُنم بِخِيَارِكُمْ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ , قَالَ:"خِيَارُكُمْ الَّذِينَ إِما رُءُوا ذُكرَ الله عَزّ وَجَل" (حسن، مسند الإِمام أحمد: 6/ 459). لما ذكروا الله - عز وجل - وانشغلوا به ة أعطاهم فوق ما أمَّلوا، فجعل مجرد رؤيتهم تذكر بالله، أو حتى مجرد ذكر حديثهم. قال المناوي - رحمه الله -: عليهم من الله سيما ظاهرة تُذَكر بذكره فإن رؤوا ذُكر الخير برؤيتهم، وإن حضروا حضر الذكر معهم، وإن نطقوا بالذكر فهم يتقلبون فيه اكيفما حلوا فمن كان حاضر القلب بين يدي ربه وآخرته ث فإنما يفتتح إذا لقيك بذكر الله، ومن كان أسير نفسه ودنياه , فإنما يفتتح إذا لقيك بدنيا، فكلَّ يحدثك عما يطلع على قلبه فتنبه. يقول جعفر - رحمه الله -: كنت كلما قسا قلبي نظرت إلى وجه محمَّد بن واسع.

وكان الناس إذا رأوا أيوب السختياني - رحمه الله - في السوق كبروا لمخايل النور التي على وجهه. (2) ومن فوائد الذكر أيضًا أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره؛ فإن الشيطان يفر ويخنس عند سماع الذكر، ولا يستطيع أن يقاومه. فمثلاً إذا ذكر الإنسان ربه عند دخوله لبيته لم يدخل الشيطان البيت، وإذا ذكره عند طعامه لم يستطع أن يأكل معه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إِذَا دَخَلَ الرجُلُ بَيتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشيطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكرْ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ؛ قَالَ الشيطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الله عِنْدَ طَعَامِهِ؛ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعًشَاءَ" (صحيح مسلم: 3763)، ومن ذلك، أنك إذا ذكرت ربك عند نومك؛ فإنّه لا يقربك شيطان تلك الليلة، كما في حيث أبي هريرة - رضي الله عنه -: إِذا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي؛ فإنه لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيطَانّ حَتى تُصْبِحَ" (صحيح مسلم:2018). (3) أنه يرضي الرحمن - عز وجل -؛ فإن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيذكره ويحمده عليها، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِن الله لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَكلَ اكْلَةَ فَيَحْمَلَهُ عَلَيهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَمَهُ عَلَيهَا" (صحيح مسلم: 2734).

(4) أنه يزيل الهم والغم عن القلب، وقد أخبرنا بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هم وَلا حَزَن فَقَالَ: اللهُم إِني عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدُكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدكَ، مَاضٍ فِئ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِئ قَضَاؤُكَ، أَسْاَلُكَ بكُلِّ اسْمِ هُوَ لَكَ، سَمَيتَ بهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكً، أَوْ أنزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أَو اسْتَأثَرْتَ بِهِ في عِلْم الْغَيبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاءَ حُزْنِي، وَذهابَ هَمَّي إِلاْ أَذّهبَ الله هَمهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجَا" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 8/ 63)، ومن أعرض عن ذكر الله وجد الغم والكرب والضنك، قال - سبحانه وتعالى -: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]. (5) أنه يجلب للقلب الفرح والسرور؛ لقول الله - عز وجل -: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135]، وَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْيَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلِ خَرَجَ بِاَرْضِ دوَيةٍ مَهْلَكَةِ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَزَادهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَاَضفَهَا فَخَرَجَ في طَلَبِهَا حَتَّى إِما أَدْرَكهُ الْمَوْتُ فَلَمْ يَجدْهَا قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَاَمُوتُ فِيهِ قَالَ: فَاَنى مَكَانَهُ فَغَلَبَتْهُ عَينُهُ فَاسْتَيقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وزَادهُ وَمَا يُصْلِحُهُ" (صحيح البخاري: 5949).

ّفالله يفرح بتوبة المؤمن العاصي والجزاء من جنس العمل، فإذا فرح الله به أفرحه وأسعده، وهكذا شأن المسلم يفرح بكل طاعة، وتسوؤه كل معصية، ولا شك أن من أفضل الطاعات الذكر، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: إن للحسنة نوراً في القلب، وبياضًا في الوجه، وسعةً في الرزق، وانشراحَا في الصدر. (6) أنه يقوي القلب والبدن ة فحين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه وهو في الغار ومعه أبو بكر - رضي الله عنه -، وقال: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] قوى الله قلبه وأنزل سكينته عليه: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]، وحين قال المسلمون بعد غزوة أحد: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قوى الله قلوبهم، قال - سبحانه وتعالى -: {النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] وقال - عز وجل -: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52]، فالذكر قوة، وقوة إلى قوة، واستمداد للقوة من القوي المتين الكبير. (7) أنه ينور الوجه والقلب؛ فنور القلب والوجه في كبيرة. ذكر الله، قال - سبحانه وتعالى -: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: 122].

وقال - عز وجل -: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16] (8) أنه يجلب الرزق، قال - عز وجل - عن رسوله نوح - عليه السلام - أنه قال لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12]. (9) أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة؛ لذا فقد أمرنا الله به عند لقاء العدوّ، فقال - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]، ولماقال موسى - عليه السلام - لربه - عز وجل -: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 33، 34]، كساه الله مهابهَ جعلت فرعون يتردد ويتذبذب كثيراً عند محادثته - عليه السلام -. (10) أنه يورثه المحبة التي هي روح الإِسلام وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة؛ لأن من أحب شيئًا أكثر من ذكره، كما قيل: القلوب كالقدور، والألسنة مغارفها، فكثرة الذكر على اللسان دليل على وجود الحب الخالص للمحبوب في عين القلب، وقد قيل: قلما ولع المرء بذكر الله إلا أفاد منه حب الله.

فدوام ذكر الله - عز وجل - يغرس المحبة في القلب، وإذا حصلت في القلب المحبة فقد حفَت به السعادة، ومن كان كذلك كتب له القبول في الأرض، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا أَحَب الله الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِن الله يُحِبُّ فُلَانَا فَاَحْبِبْهُ، فَيُحِبهُ جبْرِيلُ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ في أَهْلِ السمَاءِ: إِن الله يُحِبُّ فُلَانًا فَأحِبُّوهُ، فَيُحِبهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُم يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ". (صحيح البخاري: 3037) (11) أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان: قال - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن عَبْدَا أَصَابَ ذَنْباً وربَّمَا قَالَ: أَذْنب ذَنْبّا فَقَالَ: رَبَّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ فَاكْفِرْ لي فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبُّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيأخُذُ بِهِ؟ غفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ الله ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبَا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدي أَن لَهُ رَبا يَغْفِرُ أذَّنْبَ وَيأخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكثَ مَا شَاءَ الله ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالً: أَصَابَ ذَنْبَا، قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ: أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْه لِي, فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَن لَهُ رَبُّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيأخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثا؛ فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ" (صحيح البخاري: 7068)، وهكذا لمّا راقب الله ذكره فاستغفر؛ فغُفِرَ له.

(12) أنه يورثه الإنابة وهي الرجوع إلى الله - عز وجل -، قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]. (13) أنه يورثه القرب منه، فعلى قدر ذكره لله - عز وجل - يكون قربه منه وعلى قدر غفلته يكون بعده منه، يقول الله - سبحانه وتعالى - في الحديث القدسيّ: "أَنا عِنْدَ ظَن عَبْدِي بِي وَأَتا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي فَإِن ذَكَرَني في نَفْسِهِ ذَكَزتُهُ في نَفْسِي، وإِنْ ذَكَرَنِي في مَلإ ذَكَرْتُهُ في مَلإ خَيرٍ مِنْهُمْ" (صحيح البخاري: 6970). (14) أنه يفتح له بابًا عظيمًا من أبواب المعرفة، وكلما أكثر العبد من الذكر؛ ازداد من المعرفة. (15) أنه يورثه الهيبة لله - رحمه الله - وإجلاله؛ لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله - رحمه الله - الغافل؛ فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه. (16) أنه يورث حياة القلب، يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله -: الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟! (17) أنه قوة القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته.

(18) أنه يورث جلاء القلب من صدئه. (19) أنه يحط الخطايا ويذهبها؛ فإنه من أعظم الحسنات، قال - عز وجل -: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] , وقال - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ قَالً سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَؤمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ". (صحيح البخاري: 6042) (20) أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه - عز وجل - فإن الغافل بينه وبين الله - سبحانه وتعالى - وحشة لا تزول إلا بالذكر، قال الله - عز وجل -: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]. (21) أن ما يذكر به العبد ربه - عز وجل - من جلاله وتسبيحه وتحميده يُذَكرُ بصاحبه عند الشدة؛ ففي حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الَّذينَ يَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ الله مِنْ تَسْبيحِهِ، وَتَحْمِيلِهِ وَتكْبيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ يَتَعَاطَفنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ درِىَّ كَدَوِرِّ النَّحْلِ، يُذَكَرْنَ بصَاحِبِهِنَّ، ألاَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أن لَا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ الله شَئ يُذَكرُ بَهِ؟! " (صحيح، سنن ابن ماجه: 3809)، وهذا والله حديث عجيَب، كفى به حافزًا للعبد على ذكر الله، أن يظل شيءٌ فعلتَه يُذكِّر ربَّك بك دومَا. سبحان الملك الكريم!!! انتبه با غافل!!

(22) أن العبد إذا تعرف إلى الله - عز وجل - بذكره في الرخاء عرفه في الشدة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ؛ يَعْرِفْكَ في الشدةِ" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 198/ 6). (23) أنه يُنجي من عذاب الله - سبحانه وتعالى -؛ فعن معاذ - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا عَمِلَ آدميُّ عَمَلاً قَط أَنْجَى لَهُ مِنْ عذاب اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ" (حسن، مسند الإِمام أحمد: 1/ 293). (14) أنه سبب تنزُّل السكينة وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر، كما أخبر بذلك النبي فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَقْعُدُ قَؤم يَذْكُرُونَ الله - عز وجل - إِلا حَفَّتْهُمْ الْمَلاِتكَةُ وَغشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ الله فِيمَنْ عِنْدهُ" (صحيح مسلم: 2700) (25) أنه سبب لانشغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل , فإن العبد لا بد له من أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله - عز وجل - وذكر أوامره تكلم بهذه المحرمات أو بعضها, ولا سبيل إلى السلامة منها ألبتة إلا بذكر الله - عز وجل -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن النجاة: "لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا من ذكْرِ اللهِ" (صحيح، سنن الترمذي: 3375). (26) أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين؛ فليتخير العبد أعجبهما إليه وأولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كَمَا لا يُجْتَنَى مِنْ الشَّوْكِ العِنَبَ كَذَلِكَ لا يَنزِلُ الفُخارُ مَنَازِلَ الأَبرَارِ، وَهُمَا طَرِيقَانِ فَاَيهُمَا أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُنم إِلَيهِ" (حسن، صحيح الجامع: 8704). (27) أنه يسعد الذاكر بذكره ويسعد به جليسه وهذا هو المبارك أينما كان، وأما الغافل فيشقى بلغوه وغفلته ويشقى به مُجالِسُه، قال - عز وجل -: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] , وقال - صلى الله عليه وسلم - "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّؤءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إما أَنْ يُحْذ يَكَ، وَإِما أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِذا أن تَجِدَ مِنْهُ رِيحَا طَيبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إما أن يُخرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجدَ رِيحًا خَبيثَةً". (صحيحَ البخاري: 5214) (28) أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة؛ فإن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه - عز وجل - يكون عليه حسرة وَيرَة يوم القيامة، عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ - صلى الله عليه وسلم - أَنهُ قَالَ: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَت عَلَيهِ مِنَ الله تِرَةَ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ الله فِيهِ كَانَتْ عَلَيهِ مِنَ اللهِ تِرَةَ". (صحيح، سنن أبي داود: 4856) (29) أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله - عز وجل - العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ

الله في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظلهُ" ... وذكر منهم:"ورَجُل ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَينَاهُ" "صحيح البخاري: 1709). (30) أنه أيسَرُ العبادات وهو من أجلها وأفضلها؛ فإن حركة اللسان أخفُّ حركات الجوارح وأيسرها, ولو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة بل لا يمكنه ذلك، وقد قال الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17]. (31) أنه غِرَاسُ الجنة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقِيتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيم الخَلِيلَ - سبحانه وتعالى - فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، أَقْرِئ أُمّتَكَ السَلامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَن الجتَةَ طَيِّبَةُ الترْبَةِ، عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَتَهَا قِيعَان، وَأَنَّ غرَاسَهَا: سُبْحَانَ الله، وَالحمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَالله كبَر" (حسن، سنن الترمذي: 3462)، وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْلِهِ؛ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَة الجنَّة"، (صحيح، سنن الترمذي: 3465). (32) أن العطاء والفضل الذي ترتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله قال: "مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا الله وَخدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَديرٌ في يَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزَا مِنْ الشيطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَاْتِ أَحَدٌ

باَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ له إِلا أحد عَمِلَ أَكثَرَ مِنْ ذلِكَ" (صحيح البخاري: 3119) و "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبحَمْدهِ في يَوْم مِائَةَ مَرَّةِ؛ حُطتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ رَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ" (صحيحَ البخاري: 6042)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأنْ أَقُولَ: سُبحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَالله كبَرُ؛ أَحَبُّ إلى مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيهِ الشَّمسُ" (صحيح مسلم: 2695). (33) أن دوام ذكر الرب - عز وجل - يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده، قال - سبحانه الله وتعالى -: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19] ,، إن نسيان الله - عز وجل - يسبب نسيان الإنسان لنفسه ومصالحها، فتهلك وتفسد، فيكون لها الخسران في الآخرة والعياذ بالله، فمن نسي الله - عز وجل - أنساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة، قال - سبحانه الله وتعالى -: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 - 126] (34) أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله - عز وجل - قال الله - سبحانه الله وتعالى -: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]

(35) أن الذكر رأس الأمور، قال - عز وجل -: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]؛ فمن فُتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله - سبحانه الله وتعالى - فليتطهر وليدخل على ربه - عز وجل - فسيجد عنده كل ما يريد، فإن من وجدربه - عز وجل - فقد وجد كل شيئ ومن فاته ربه فاته كل شيء. (36) أن الذكر يجعل الذاكر في معية الله - عز وجل -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"قال الله - عز وجل -: أَنا عِنْدَ ظَن عَبدِى بِي، وَأَنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإنْ ذَكَرَنِي في نَقسِهِ؛ ذَكَرْتُهُ في نَفسِى، وَإِنْ ذَكَرَنِي في مَلأِ؛ ذَكًرْتُهُ في مَلأٍ خَيرِ منَهمْ (صحيح البخاري: 7066). (37) أن الذكر شجرة تثمر لصاحبها على قدر مراعاته واعتنائه بها, قال - عز وجل - {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24] (38) أن الذكر رأس الشُكر فَمَا شَكر الله - عز وجل - مَن لم يذكُره، قال - سبحانه الله وتعالى -: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]. (39) أن الذكر يعدل عِتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله - عز وجل -، ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله - عز وجل - بل وخيرٌ من ذلك كله؛ ففي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ضَنّ بالمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ وَهَابَ اللَّيلَ أن يُكَابِده، وَخَافَ العَدوَّ أَنْ يُجَاهِدهُ؛ فَلْيُكْثِر مِنْ سُبحَانَ الله،

وَالْحمدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا الله، واللهُ أَكبَرُ؛ فَإِنَّهُن مُقَدمَاتُ مُجَنَّبَاتٌ، وَمُعَقِّبَاتٌ وَهُن البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ". (رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 3214) وفي الحديث عن أَبِى الدرداء - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "ألَا نبئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا في درَجَاتِكُمْ، وَخَير لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَب وَالْوَرِقِ، وَخَيز لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدوكُمْ؛ فَتَضْربُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى" (صحيح، سنن الترمذي: 3377). (40) أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله - عز وجل -؟ فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله - عز وجل -، قال - سبحانه وتعالى -: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 22، 23] (41) أن الذكر شفاء القلب ودواؤه؛ فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر لمله - عز وجل -، قال - سبحانه وتعالى -: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11] قال مكحول - رحمه الله -: ذكر الله - عز وجل - وذكر الناس داء، وكما قيل: إذا امَرضْنَا. تدَاوَينَا بِذِكرِكُم ونتَرُكُ الذكرَ أحيانًا فَننتكسُ

(42) أنه أكبر الأسباب الجالبة لنِعم الله - عز وجل - والمستدفِعَة لنقَمِه - سبحانه وتعالى -، قال - عز وجل -: {(9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 9 - 12] وقال - عز وجل -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، قال بعض السلف: ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك!!! (43) أن الذكر يوجب صلاة الله - عز وجل - وملائكته على الذاكر، ومن صلّى الله - عز وجل - عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح وفاز كل الفوز، قال - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 43]، فهذه الصلاة منه - عز وجل - ملائكته إنما هي سبب لإخراج العبد من الظلمات إلى النور، فأي خير لم يحصل لهم وأي شر لم يندفع عنهم؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله!! (44) أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا فعليه بمجالس الذكر، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَرَرتُم بِرِيَاضِ الجَنةِ فَارْتَعُوا" قَالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ؟! قَالَ:"حِلَقُ الذكْرِ". (حسن، سنن الترمذي: 3510)

(45) إن مجالس الذكر مجالس ملائكة فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يُذكر الله - عز وجل - فيه؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِن لِلَّهِ مَلَاِئكَةً يَطُوفُونَ في الطُرُقِ، يَلْتَمِسُونَ هْلَ الذكْرِ، فَإِذَا وَجَمُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُونَهُم بِأجنِحَتِهِمْ إِلَى السِّمَاءِ الدُنيَا، قَالَ: فَيَسْألُهُمْ رَبهُم وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِى؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبحُونَكَ، وَيكبرُونَكَ، وَيَحمُدونَكَ، وَيُمجَّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْني؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَالله مَا رَأَوْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيفَ لَوْ رَأَؤنِى؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادة، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجيدا، وَأكَثَرَ لَكَ تَسْبِيحَا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْألُوني؟ قَال: يَسْاَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَالله يَارَبَّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيفَ لَوْ أنهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ؟ نهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيهَا حِرْصّا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِنم يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَالله مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارَا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةَ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَاُشْهِدُكُمْ أَنيّ قَدْ

غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةِ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَايَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ" (صحيح البخاري: 6045)، وهذا أيضًا من بركهَ الذاكرين على أنفسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله - عز وجل -: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31] , فهكذا المؤمن مبارك أينما حلّ، والفاجر مشئوم أينما حلّ. فمجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس الغفلة مجالس الشياطين؛ فالجالس مع الذاكرين يرحمه الله - عز وجل - وإن لم تكن له نية، فمابالك بالذاكرين أنفسهم، اللهم اجعلنا منهم. (46) إن الله - عز وجل - يباهي بالذاكرين ملائكته، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةِ في الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، قَالَ: آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَالله مَا أَجْلَسَنَا إِلَّاْ ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنى لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُبْم وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِى مِنْ رَسُولِ الله أَقَل عَنْهُ حَدِيثاً مِنى، وَإِنَّ رَسُولَ الله خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "مَا أَجْلَسَكُمْ؟ "، قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإسْلَامِ وَمَن بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: "اللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاًّ ذَاكَ؟ "، قَالُوا: وَالله مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ، قَالَ "أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الله - عز وجل - يُبَاهِى بِكُمُ الْمَلَاِئكَةَ" (صحيح مسلم: 2710).

(47) ذكر الله - عز وجل - هو المقصود الأساسي لكل العبادت, قال - سبحانه الله وتعالى - {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] أي: لتذكروني بها، وعن عائشة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال:" إِنَّمَا جُعِلَ الطوَافُ بِالْبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْىُ الجْمَارِ لإِقَامَةِ ذِكرِ اللهِ" (حسن، مسند الإِمام أحمد: 6/ 75). (48) أن إدامته تنوب عن التطوعات وتقوم مقامها سواء كانت بدنية أو مالية كحج التطوع؛ فقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قَالَ: جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَموَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيم الْمُقِيمِ، يُصلُّونَ كَمَا نُصلى، وَيصومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُم فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجونَ بِهَا، وَيعْتَمِرُونَ، وُيجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: "ألا أُحَدثُكُمْ بِأمْرِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أحد بَعْدَكُمْ، وَكنتمْ خَيرَ مَنْ أَنْتُمْ بَينَ ظَهْرَانَيهِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟! تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ، وَتكَبِّرُونَ خَلْفَ كُل صَلَاةِ ثَلَاًثا وَثَلَاِثينَ" (صحيح البخاري: 807)، فجعل الذكر عِوَضا لهم عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر. (49) أن ذكر الله - عز وجل - عن القلب مخاوفه كلها وله تأثير عجيب في حصول الأمن, فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله - عز وجل - إذ بحسب ذكره يجد الأمن

وبزول خوفه حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له، عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الْغَارِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَام الْقَوْم فَقُلْتُ: يَا نَبِى الله لَوْ أَن بَعْضهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنا، قًالَ: "اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْر اثْنَان اللهُ ثَالثُهُمَا" (صحيح البخاري: 3707)، فحين ذكر رسول اللهَ - صلى الله عليه وسلم - ربه فقال: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] زال عنه الخوف، وحصلت له السكينة والطمأنينة. (50) أن الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، يقول ابن القيم في - رحمه الله -: وقد شاهدت من قوة شيخ الإِسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمراً عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيما، وقد علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة وعليَّار - رضي الله عنهما - أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين ويحمدا ثلاثًا وثلاثين ويكبرا أربعَا وثلاثين لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة فعلمها ذلك وقال: إنه خير لهما من خادم، فقيل: إن مَنْ داوم على ذلك وجد قوة في يومه تُغنيه عن خادم. (51) أن عمال الآخرة كلهم في مضمار السباق والذاكرون

هم أسبقهم في ذلك المضمار ولكن القترة والغبار يمنعان من رؤية سبقهم فإذا انجلى الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا قصب السبق، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سِيرُوا، سَبَقَ الْمُفَرِّدونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: الذاكِرُونَ الله كَثِيرَا وَالذاكِرَاتُ" (صحيح مسلم: 2676). (52) أن الذكر سبب لتصديق الرب - عز وجل - عبده؛ فإنه أخبر عن الله - سبحانه الله وتعالى - بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد صدقه ربه، ومن صدقه الله - عز وجل - لم يحشر مع الكاذبين، ورجي له أن يحشر مع الصادقين. (53) أن دور الجنة تبنى بالذكر فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء، وكما أن بناءها بالذكر، فإن غرس بساتينها بالذكر أيضًا، كما تقدم في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إبراهيم الخليل - عليه السلام - أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. (54) إن الذكر سد بين العبد وبين جهنم، فإذا كانت له إلى جهنم طريق من معصية أو عمل من الأعمال كان الذكر سدَّا في تلك الطريق، فإذا كان ذكرًا دائمًا كاملًا كان سدُّا مُحكَمّا لا منفذ فيه، وإلا فبحسبه.

(55) - إن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب قال الله - عز وجل - - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر: 7]. (56) - إن الجبال والقفار تتباهى وتستبشر بمن يذكر الله - عز وجل - عليها، قال عبد الله - عز وجل - بن مسعود - رضي الله - عنه -: إن الجبل لينادي الجبل باسمه: أمَرّ بك اليوم أحد يذكر الله - عز وجل - فإذا قال: نعم؛ استبشر. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ما من صباح ولا رواح إلا تنادى بقاع الأرض بعضها بعضاً: يا جاراه، هل مر بك اليوم عبد فصلى لله أو ذكر الله عليك؟ فمن قائلة: لا، ومن قائلة: نعم، فإذا قالت: نعم رأت لها بذلك فضلاَ عليها. (57) - كثرة ذكر الله - عز وجل - أمان من النفاق؛ فإن المنافقين قليلوا الذكر لله، قال الله - سبحانه وتعالى - في المنافقين: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، وقال كعب - رضي الله عنه -: من أكثر ذكر الله - عز وجل - برئ من النفاق: ولهذا - والله أعلم - ختم الله - عز وجل - سورة المنافقين بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، فإن في ذلك تحذيرًا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله - عز وجل - فوقعوا في النفاق.

(58) إن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه؛ لكفى به، ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة، قال مالك بن دينار - رحمه الله -: وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله - عز وجل - فليس شيء من الأعمال أخف مؤنة منه، ولا أعظم لذة ولا أكثر فرحة وابتهاجًا للقلب. (59) إنه يكسو الوجه نضرة في الدنيا ونورًا في الآخرة؛ فالذاكرون أنضر الناس وجوهًا في الدنيا وأنورهم في الآخرة، قال بعض السلف: مر محمَّد بن سيرين - رحمه الله - في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله - عز وجل -، وكان أيوب السختياني - رحمه الله - إذا مر في السوق كبر الناس لمخايل النور على وجهه. (60) الإنس بالله - عز وجل - باستشعار القرب أثناء الذكر. (61) - الغنى بالله - عز وجل -، وهذا هو الغنى العالي، أن يستغني العبد بالله - عز وجل - عن خلقه، وأن يستشعر الوحشة عن الخلق أنساً بالله - عز وجل -. (62) الاستبشار بالوعود الموعود بها على الذكر. (63) حصول جنة الدنيا، قال بعض السلف: إنه تمر بالقلب أوقات يرقص القلب فيها طريًا، فأقول: لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.

(64) استسهال الذكر يجعل الإنسان يتشبه بأهل الجنة؛ فإنهم كما قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُلْهَمُونَ التسْبِيحَ وَالتحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النفَسَ"صحيح، مسند الإِمام أحمد: 3/ 354). (65) - تفريج الكروب؛ فإِن نَبِيَّ اللهِ نُوحًا - عليه السلام - لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لابْنِهِ:"إِنِّي قَاصُّ عَلَيكَ الْوَصيةَ، آمُرُكَ بِلا إِلَهَ إِلا الله؛ فَإِن السموَاتِ السبْعَ وَالأرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ في كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لا إِلَهَ إِلا الله في كِفَّةِ؛ رَجَحَتْ بِهِن لا إِلَهَ إِلا الله، وَلَوْ أَن السَّموَاتِ السبْعَ وَالأرْضِينَ السَّبْعَ كُن حَلْقَةَ مُبْهَمَة؛ قَصَمَتْهُنَ لا إِلَهَ إِلا الله (صحيح، الأدب المفرد: 548)، فلو أن السماوات السبع والأرضين السبع انطبقت عليك واشتدَّ كربك واستعنت بلا إله إلا الله لقصمتهن. (66) الذكر يورث رقة القلب، ويغرس فيه التقوى، فالذاكر لله رقيق القلب، غزير الدمع تقي، يخشى الله، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23]. (67) في الذكر زيادة الإيمان وحصول اليقين، قال - عز وجل - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]

ولما ترك إبراهيم - عليه السلام - زوجته هاجر وإسماعيل - عليه السلام - في الصحراء وهم بالانصراف قالت: آلله أمرك؟ قال: نعم، حين ذاك اطمأن قلبها، وثبت يقينها. (68) كثرة الذكر تورث النشاط في العبادة وعلو الهمة، وتنفي عن العبد الكسل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإنْ اسْتَيقظَ فَذَكَرَ الله انْحَلَّتْ عُقْدةُ. (صحيح البخاري: 1091). 69 - كثرة ذكر الله من أقوى الأسباب للنصر على الأعداء، قال - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15]، وما انتصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر وغزوة الأحزاب إلا بالدعاء. (70) الذكر طمأنينة للقلب المؤمن عند الفتن والاختلاف، قال - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] (71) الذاكر لله لا يتعاظمه شيء، قال - سبحانه وتعالى -: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]، ولعل هذا هو السر في أنه يسن التكبير على كل شرف أثناء السفر. (72) لذكر سبب لإطفاء النارفي الدنيا، لعله كذلك في الآخرة.

(73) الذكر سبب لحسن الخاتمة؛ فإن من داوم عليه في الدنيا سَهُلَ عليه نطق الشهادة في السكرات، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِله إِلا الله" (صحيح مسلم: 916). (74) الذكر سبب لكشف الغمة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آَيَتَانِ من آَيَاتِ الله - عز وجل -، لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ؛ فَادْعُوا اللهَ، وَكَبرُوا، وَصَلوا، وَتَصَدَّقُوا" (صحيح البخاري: 997). (75) إن الذي يترك الذكر يعرض نفسه للهلاك العاجل، قال - عز وجل -: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: 42، 43] فانظر - يرحمك الله كيف وبخ الله - عز وجل - تاركوا الذكر وهو يحفظهم ويكلؤهم، ولو أراد إهلاكهم لما منعه من ذلك أحد سبحانه، فكأن في الآية إشارة إلى معنى دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُم أعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخطِكَ، وبِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكُ، وأعُوذُ بكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيكَ، أنتَ كمَا أثْنَيتَ على نَفْسِكَ" (صحيح مسلم:486). فإذا أكثر العبد من ذكر الله؛ سيَّره الله - عز وجل - بين عطفه ولطفه، فعطفه يقيه ما يحذره، ولطفه يرضيه بما يقدره.

(76) ذكر الله عصمة من اتباع الهوى قال - سبحانه وتعالى - {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] (77) - ذكر الله - عز وجل - سبيل لتدبير أمرك وصلاح حالك، قال - سبحانه وتعالى -: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] خلاصة ما سبق هذه الفائدة الجامعهَ: أن الذكر يمحو حصائد الألسن، ويكون كثرة ذكر الله تبديلا لسقطات اللسان، وهفواته وأخطائه وظلمه وأذاه، انظر إلى الشعراء - وهم أكثر الناس خوضًا باللسان - جعل الله توبتهم كثرة ذكر الله، قال - عز وجل -: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء: 224 - 227] فأكثر من ذكر الله، يغسل الذكر ذنبك، ويطهر قلبك.

الفصل الأول: الأذكار الموظفة

الفصل الأول: الأذكار الموظفة

إلماحة مهمة

إلماحةٌ مهمة اعلم أيها الحبيب - عفا الله عني وعنك، وشغلنا في هذه الدنيا بذكره عن ذكر غيره، وبالعمل له دون غيره - أن ربك العظيم الحكيم قال وهو أحكم الحاكمين: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 54] فالله الذي خلق هو الذي يأمر - عز وجل - وأمره مطاع لامحالة، قال - سبحانه وتعالى -: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل: 17 - 19] فافهم حبيبي إذًا قواعد ثابتات وأصول راسخات، ومنارات لدينك وعلامات: أولاً: خلق الله - عز وجل - الخلق لعبادته لا غير. ثانيَا: العبادة المطلوبة معروفة محدودة من كلامه سبحانه ووحيه إلى نبيه محمَّد - صلى الله عليه وسلم - قولًا وفعلًا. ثالثًا: أن العبادة المحددة الواضحة المطلوبة أيضًا مشروطة بهيئة وكيفية محدودة يجب الالتزام بها.

كل ذلك يعني أن الله لما خلقنا لعبادته وأمرنا بها لم يتركنا لأهوائنا نفعل ما نشاء كما نريد بزعم عبادته، وإنما افترض علينا فرائض وشرع لنا شرائع وسن لنا نوافل أوجب علينا الالتزام بها، وأخبرنا أنه لا سبيل إلى الوصول إليه إلا عن طريقها وشرط لها شروطًا، فقال - سبحانه وتعالى -: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدَّ (صحيح البخاري: 2550). واعلم رابعًا: أنه لما كان الله هو الآمر - سبحانه وتعالى - وهو المراد، فإذا كان الصادق المخلص مطيعًا، فإنه لا يفتئت على الشرع، ولا يبتكر في الطاعة، بل يؤدي ما أمر به على الوجه الذي شرع له، وينتظر الأجر الذي وعد به، فالعبد عبد، والرب رب. ثم اعلم خامسًا: أن الله - سبحانه وتعالى - أعلم بما يصلح عباده فهو أعلم جل جلاله بمراده، وهو أعلم سبحانه بعباده؛ فبين لهم مراده، ولما شرع لهم الشرائع وفرض عليهم الفرائض أعانهم بتيسيره وكرمه سبحانه على فعلها، وشرعها لهم على أحسن الكمالات وأكمل الهيئات، وأفضل الحالات.

وافهم سادسًا وأخيرًا: أن الله أمرالعباد أن تكون حياتهم كلها عبادة: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]. من أجل كل ما سبق وغيره نقول: إن ذكر الله - سبحانه وتعالى - هو الركن الأكيد في كل حركة وسكنة من حركات البشر، فلا تجد لحظة عند دخول أو خروج أو جلوس أو قيام أو لبس أو خلع أو لقاء أو فراق إلا وشرع في مثل هذا وآلاف أمثاله ذكر خاص ينبغي لكل مسلم أن يذكر الله به. هذه عظمة شريعة الله - عز وجل -، أن تظل كل حركة وسكنة وكل نفس من أنفاس ابن آدم في الدنيا يذكر العبد بالله - سبحانه وتعالى - ولم أر والله مثل هذه العبادة - أعني ذكر الله - توفي هذا المعنى، يعني أن يعيش الإنسان عبدا دائمًا، فالصلاة وقت بين إحرام وتسليم، والحج وقت بين إحرام وتحلل، وهكذا كل العبادات، أما الذكر فبدايته ولادة الإنسان، ونهايته شهادة لا إله إلا الله -، أسأل الله - عز وجل - أن يختم لنا بها. واعلم - أيها الحبيب، شغلك الله بذكره عن ذكر غيره، وحبه عن حب غيره، والإنس به والوحشة عن غيره - أن ذكرك لله محفوف بذكرين: ذَكَرَكَ أولاً؛ فذَكَّرَكَ وأهَّلك لذكره فذكرته، ثم أثابك على ذكرك له ذكراً أعظم منه وأفضل.

ومن لم يذكره الله عاجز مهين، قال - عز وجل -: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]. ومن أسباب الغفلة عن الذكر أيضًا التوسع في المباحات، قال تعالى: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: 18] فقلوبهم بور لا تصلح لسقي ولا لغرس؛ فاحذر. لذلك أنا أريد أن أؤكد ملزمًا أن الأذكار الموظفة ليست كما يفعل بعض الناس في زماننا ورقة أو كتيب أو كتاب يحمله ويرددها فقط من طرف اللسان؛ وإنما ينبغي أن تكون هذه الأذكار الموظفة محفوظة محفورة في جدار القلب لا ينساها الإنسان ولا يغفل عنها أبداً. وقد حرصت أن أستطرد وأستزيد وأستقصي كل ما ورد في كل باب قدر الإمكان، لتكون الحياة جميلة براقة رائعة مشرقة بذكر الله - عز وجل -؛ فوالله ما سعدت القلوب إلا بذكره، ولا أنست الأرواح إلا بذكره، ولا استقامت الحياة إلا بذكر الله - سبحانه وتعالى -. وهيا إلى الذكر دعك من كلام الناس، وخذ الذكر من منبعه وأصله، من رسول الله محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، خير من ذكر الله وأطاعه، محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

أذكار الوضوء

أذكار الوضوء لما كانت الصلاة خير الأعمال، والطهور شرطها، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَاعْلَمُوا أَن خَيرَ أَعْمَالِكُمْ الصَلاةَ وَلا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلا مُؤْمِنٌ" (صحيح، سنن ابن ماجه: 277)، نبدأ بأذكار الوضوء، وبداية الوضوء ذكر اسم الله تعالى عليه: (1) ابدأ كما سن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل: بسم الله، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا صَلاةَ لِمَن لا وُضُوءَ لَهُ، وَلا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللهِ - سبحانه وتعالى - عَلَيهِ" (صحيح، سنن أبي داود: 101). فالبسملة استعانة بالله، وطلب للبركة منه بذكر اسمه - سبحانه وتعالى - فعليك بذلك في كل أعمالك. [2] أبواب الجنة الثمانية مرتبطهَ بحركة شفتيك ولسانك! فافتح فمك بذكر الله تنفتح من شفتيك أبواب الجنة؛ فهيا .. ماذا تريد؟! بينك وبينها كلمة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَاُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبغُ الوَضُوءَ ثُم يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَأَنَّ مُحَمَّما عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللهُم اجعَلْنِي مِن التَّوَّابِينَ واجْعَلْيي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ؛ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنّةِ الثمَانِيَةُ يدخلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ". (صحيح، سنن الترمذي: 55)

سبحان الملك الكريم الودود اللطيف، يأخذ منك ومن غيرك القليل، بعمل بسيط مثل الوضوء وذكر الله بعده تفتح لك أبواب الجنة الثمانية، كم هي قريبة منك تلك الجنة!! فهل أنت حريص عليها؟! ادخل من أي أبوابها شئت إن شئت. ثم يكون لك هذا الأجر الذي لا يعلمه إلا الله - عز وجل - إن قلت ما أخبرك به النبي - صلى الله عليه وسلم -: (3) قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوَضاَ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللهُم وَبِحَمْدكَ أَشهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأتوبُ إِلَيكَ، كُتِبَ في رِق، ثُم طُبعَ بِطَابع فَلَم يُكْسَرْ إِلى يَوْمِ القَيَامَةِ". (رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6170) (4) ثم دعوة صغيرة شملت خير الدنيا كله: عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء فتوضأ فسمعته يدعو ويقول: "اللهُم اغفِرْ لي ذنبي، وَوَسعِ لي في داري، وَبارِكْ لي في رِزْقِي! فقلت: يا نبيّ الله، سمعتك تدعو بكذا وكذا قال: "وَهَلْ تَرَكْنَ من شَيءٍ؟! ". (رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1265) فإذا غفر الله ذنبك، ووسع لك في دارك، وبارك لك في رزقك، فماذا تريد من الدنيا بعد ذلك؟! لا تنس إذاً أذكار الوضوء؛ فهي بسيطة لكن أجرها عظيم.

أذكار الصلاة

أذكار الصلاة أيها الحبيب المحب .. يا ابن الإِسلام .. ها أنت قد جئت لتقف بين يدي الملك العزيز الجبار، فهل استعددت لذلك؟ لطفًا .. رويدك .. رويدك .. الصلاة صلة بين العبد وربه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن اللهَ - سبحانه وتعالى - يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْلِهِ مَا لَمْ يَلتَفِتْ؛ فَإِذا صَلَّيتُمْ فَلا تلفِتُوا" (صحيح، سنن الترمذي: 2863) وقال الله - عز وجل - في الحديث القدسي: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَينِي وَبَينَ عَبْدِي نِصْفَينِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ..... قلت: ...... (صحيح مسلم: 395) فالصلاة كما رأيت في هذا الحديث مناجاة .. وسبيل وصول من العبد إلى ربه، ولأن العبادة توقيفية، بمعنى أننا نعبد الله كما يريد لا كما نريد، فإننا نحتاج أن نتعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، وماذا كان يقول.

وبعض الناس في هذا الزمان يدخل في الصلاة وهو لا يدري ما يقول فيها، وكأنه يذكرني بقول ذاك المخذول في قبره حين يُسْألُ: من ربك؟ فجيب: سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، وهكذا كثير من الناس يصلي كما يصلي الناس ويقول كما يقول الناس بغير وعي أو فهم أو تدبر أو نية، ولذلك يخرج من الصلاة كما دخل بلا أجر ولا أثر. لذلك أقول لك: يجب عليك أن تتعلم أذكار الصلاة الواجبة، فهذا من فروض الأعيان؛ لأن بعض الناس يؤدونها حركات تقليدية لا روح فيها، ومن ثم لا تؤتي الصلاة ثمارها، فهم يصلون كما يصلي الناس، وانصبَّ جلُّ اهتمامهم على تعلم هيئات وكيفيات الصلاة إن تعلموا!! ولذا سأذكر لك كل أنواع الأذكار التي وردت في كل ركن من أركان الصلاة، تعمدت ذلك؛ لينفعك حفظه إن صليت وحدك وأردت أن تطيل الصلاة، أو صليت خلف إمام يطيلها فتجد ما تقوله، ثم إن التنويع بين هذه الأذكار يدفع الغفلة ويجلب الاستحضار. وبمناسبة دفع الغفلة وجلب الاستحضار؛ فإنه لا بد لك مع تعلم هذه الأذكار من مهمات:

قواعد مهمة للأذكار: أولها: فهم معاني هذه الأذكار، وتدبرها جيداً. لأنه ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، وعقل بمعنى فهم، فلابد أن تفهم وتعي ما تقول، بل لا بد أن تدرك ما تنطق به كي تحصل على أجرك كاملًا. ثانيَا: احتساب الأجر؛ فإنما لكل امرئ ما نوى، ونيتك متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأذكار طاعةً لأمره"صلوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلي (صحيح البخاري: 5662). ثالثًا: حضور القلب عند النطق بهذا الذكر، بشهود سماع الرب وقربه - عز وجل -، فيرجف قلبك مع هذا الذكر، متدبرًا معناه، مستحضرًا سمع الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَيُهَا النَّاسُ اربَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنكمْ لا تَدْعُونَ أَصم وَلا غَائِبًا إنهُ مَعَكُمْ، إنهُ سَمِيعُ قَرِيب تَبَارَكَ اسمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ (صحيح البخاري: 6384). رابعَا: اليقين بالإجابة والسماع، قال - سبحانه وتعالى -: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]؛ وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رِّبهِ وَهُوَ سَاجدُ فأكثروا الدعاءَ"صحيح مسلم: 482)، وقال الله - عز وجل - في الَحديث القدسي: "وَأنا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي (صحيح مسلم: 2675).

فباليقين فيما ذكرت لك من الأدلة، واليقين فيما ورد لك من الأذكار يغشى قلبك في الصلاة مشاعر ومعان .. قرب الرب .. سماعه - سبحانه وتعالى - .. إجابته .. رفع الدرجات .. استجابة الدعاء، التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك كله يجلب محبته - سبحانه وتعالى -. وبهذا تصير الصلاة قرة العين .. وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه واجلاله وتعظيمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب من ذلك، فإذا وقف الاثنان بين يدي الله في الصلاة وقف هذا بقلب مخبت خاشع له، قريب منه، سليم من معارضات السوء، قد امتلأت أرجاؤه بالهيبة، وسطع فيه نور الإيمان" وكُشِفَ عنه حجاب الغفلة ودخان الشهوات، فيرتع في رياض معاني القرآن. ثم إذا خالط قلبه بشاشة الإيمان بحقائق الأسماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الأعظم وتفرد الرب - عز وجل - بنعوت جلاله وصفات كماله، حينها اجتمع همه على الله - عز وجل -، وقرت عينه به، وأحسَّ بقربه من الله قربًا لا نظير له؛ ففرع قلبه له، وأقبل عليه بكليته. وهذا الإقبال من هذا العبد في الصلاة بين إقبالين من ربه فإنه - عز وجل - أقبل عليه أولاً؛ فانجذب قلبه إليه بإقباله، فلما أقبل على ربه؛ حظي منه بإقبال آخر أتم من الأول.

وها هنا عجيبة من عجائب الأسماء والصفات تحصل لمن تفقه قلبه في معاني القرآن وخالط بشاشة الإيمان بها قلبه بحيث يرى لكل اسم وصفة موضعًا من صلاته ومحلا منها: فإنه إذا انتصب قائمًا بين يدي الرب - عز وجل - شاهد بقلبه قيوميته - سبحانه وتعالى -. وإذا قال: الله أكبر شاهد كبرياءه - سبحانه وتعالى - .. وإذا قال: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك؛ شاهد بقلبه ربًّا منزهًا عن كل عيب، سالمًا من كل نقص محمودًا بكل حمد فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك اسمه، فلا يُذْكَرُ اسمُه تعالى على قليل إلا كثره، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه، ولا على آفة إلا أذهبها، ولا على شيطان إلا رده خاسئًا داحرًا. وإذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد أوى إلى ركنه الشديد، واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه ويبعده عن قربه؛ ليكون أسوأ حالاً. وهكذا إذا استحضر القلب المعاني حصلت الهيبة؛ فحصل الخشوع؛ فحصل الأجر؛ فكان القرب والحب، فلا تبدأ مباشرةً بقراءة الفاتحة؛ أنت بين يدي الملك جل جلاله ..

تحفة

وإذا كانت العبادة: كمال الذل مع كمال الحب .. فاستحضر غاية الحب بأقصى ما تستطيع من الذل، فإذا اجتمع لك الحب مع الذل وقفت بالخشوع والخضوع، تطلب الدخول على الملك .. ولكن لا بد من مقدمات ذل وحب .. كمال الذل وكمال الحب، سأذكر لك أولاً أدعية الاستفتاح الواردة كلها؛ فتخير منها ما شئت، أو اجمع بينها إن شئت .. تحفة تقف في صلاتك بجسدك، وقد وجهت وجهك إلى القبلة ووجهت قلبك إلى جهة أخري تفكر فيها .. ويحك!! ما تصلح هذه الصلاة مهرًا للجنة!! فكيف تصلح ثمنًا للمحبة؟!! هُلم إلى الفلاح و: أدعية الاستفتاح

أدعية الاستفتاح

أدعية الاستفتاح (1) من الأدب معه - سبحانه وتعالى - عندما تقف بين يديه - عز وجل - أن تثني عليه: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال: "سُبحانَكَ اللهم وبِحَمدَك، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعالى جَدُكَ، وَلَا إلهَ غيرُكَ". (حسن، سنن أبي داود: 776) كأنك تقول في بداية الصلاة: يا رب أنا أعظمك وأجلك وأكبرك، ذلك الحمد، اسمك بركة، وعظمتك وغناك أغلى وأعلى، ولا مثل لك ولا شريك. يا له من استفتاح لو حضر قلبك!! (2) سل الله أن يغسلك من خطاياك؛ لتقف بين يديه طاهرًا نظيفًا من الذنوب والمعاصي، فيطهر باطنك كما طهر بالوضوء ظاهرك: عَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَبَّرَ في الصَّلاةِ سَكَتَ هُنَيْهةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التكْبِيرِ وَالْقِرَاءة مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أَقُولُ: اللهُمَّ بَاعِدْ بَينِي ويَينَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَينَ الْمَشرِقِ

وَالْمَغرِب، اللهُم نَقني من خَطَايَايَ كَمَا يُنَقى الثَّوْبُ الأبيَضُ من الدَّنَسِ، اللهُم اغسِلْني من خَطَايَايَ بِالثلجِ وَالماءِ وَالْبَرَدِ". (صحيح مسلم: 598) هكذا اسكت هنيهة؛ لتطلب التطهير والطهارة؛ فتصلح لمناجاة العظيم العليم. (3) توجه إلى الله بجسدك، وبقلبك، وبلسانك: عَنْ عَلى بْنِ أَبِي طَالِب - رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ قَالَ:"وَجَّهْتُ وَجهي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفَا وَمَا أنا من الْمُشْرِكِينَ، إِن صَلاِتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَب الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبذلِكَ أُمِرْتُ وَأنا من الْمُسْلِمِينَ، اللهُم أَنتَ الْمَلِكُ لا إِلَهَ إِلا أنْتَ، أَنتَ ربي وَأَنا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفتُ بِذنْبِي؟ فَاغْفِز لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إنهُ لا يَغْفِرُ الذُنُوبَ إِلا أَنْتَ، وَاهْدنِي لأحْسَنِ الأخْلاقِ، لا يَهْدِي لأحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِف عَني سَيئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنتَ، لَبَّيكَ وَسَعْديْكَ وَالْخَيرُ كلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَرُّ لَيسَ إِلَيكَ، أنا بِكَ وَإِلَيكَ، تَبَارَكتَ وَتَعَالَيتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إِلَيكَ" (صحيح مسلم: 771). (4) أما قيام الليل حين يخلو كل حبيب بحبيبه في هذه الخلوة الحصينة مع الملك - عز وجل - في جوف الليل، ها هنا تحلو

المناجاة، وفيها متَّسع للمقدمات في المدح والثناء، فالليل طويل، وسكونه جميل، وانفراد العبد بعيدًا عن أعين الناس في صلاة نافلة يحصل فيها من التودد والتزلف إلى الرب ما لا يحصل في غيرها؛ لذا ستجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيل في أدعية الاستفتاح لقيام الليل ما لا يفعل في غيره، تأمل معي مثلاً: عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النبِيُ إِذَا قَامَ من اللَّيْلِ يَتَهَجدُ قَالَ: "اللهُم لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيمُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السموَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنتَ نُورُ السموَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِن، وَلَكَ الْحَمدُ أَنْتَ مَلِكُ السموَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَق، وَوَعْدكَ الحقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَق، وَقَوْلُكَ حَقُ وَالْجَنةُ حَقّ، وَالنارُ حَقُ، وَالنبِيُّونَ حَق، وَمُحَمد حَق، وَالسَّاعَةُ حَقُّ، اللهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيكَ تَوَكلْتُ، وَإِلَيكَ أنبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيكَ حَاكَمتُ؛ فَاغْفِرْ لي مَا قَدمْتُ وَمَا أَخرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنتَ الْمُقَدمُ وَأَنتَ الْمُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ" (صحيح البخاري: 1069). هكذا يبدأ بالحمد؛ ليستزيد من النعم، ويقرر ويكرر اعتقاده الصحيح؛ ليتقرر في القلب ويثبت، ويشهد عليه الرب - سبحانه وتعالى -

(5) اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لا إِلَهَ لِي إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ. (6) اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ثَلاثًا، سُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ثَلاثًا، استفتح به رجل من الصحابة فقال - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِبْتُ لَهَا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ" (صحيح مسلم: 601). (7) اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالأرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ؛ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقَّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (صحيح مسلم: 770). (8) يُكَبَّرُ عَشْرًا، وُيسَبَّحُ عَشْرًا، وَيُهَلَّلُ عَشْرًا، وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا وَيقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي عَشْرًا، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الضِّيقِ يَوْمَ الْحِسَابِ عَشْرًا. (حسن، مسند الإِمام أحمد: 6/ 143) (9) اللَّهُ أَكْبَرُ, اللَّهُ أَكْبَرُ, اللَّهُ أَكْبَرُ, ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ والْكُبْرياءِ وَالْعَظمَةِ (صحيح, سنن أبي داود: 874) (10) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ: استفتح به رجل آخر فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا" (صحيح مسلم: 600).

التعوذ

هذا ما ورد في أذكار التوجه، ويستحب لك - أخي الحبيب - أن تجمع بينها، فالصلاة صلة بين العبد وربه، فكلما حسنت صلاتك وطالت، كلما طالت صلتك بربك، وما أجلَّها وأَعْظِمْ بها من صلة، تلك التي تكون بين عبد فقير مثلك، وملك جواد كريم عظيم لا إله إلا هو!! .. ثم تكون التعوذات؛ لدفع ما يحول بينك وبين مولاك. التعوذ التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح سنّة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مقدمة للقراءة قال الله سبحانه وتعالي: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]، وله صيغ كثيرة يكفي منها: (1) أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وإن أردت أكثر فهنيئًا لك: (2) كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دَخَل فِي صَلاةٍ قَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا, اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا, اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا, الْحَمْدُ لِلَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ثَلاثًا، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةَ وَأَصِيلًا ثَلاثًا، أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ". (صحيح، سنن أبي داود: 764)، هَمْزُهُ: الْمُوتَةُ, وَنَفْخُهُ: الْكِبْرُ، وَنَفْثُهُ: الشَّعْرُ.

والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله عز وجل واللوذ بجنابه سبحانه وتعالى من شر كل ذي شر، ومعناها: أستجيرُ بالله دون غيره من سائر خلقه من الشيطان أن يضرني في ديني أو يصدني عن حق يلزمني لربي. ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وهي تطييب له لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ولا يقبل مصانعة ولا يُدَارَى بالإحسان. فإذا تعوذت بالله من الشيطان الرجيم؛ فاقرن قولك بالعزم على التعوذ بحصن الله - عز وجل - من شر الشيطان بالبعد عن الشهوات التي هي كتاب الشيطان ومكاره الرحمن. وأفضل أذكار الصلاة ذكر القيام، ومن أحسن هيئات المصلي هيئة القيام؛ فخصت بالحمد والثناء والمجد وتلاوة كلام الرب جل جلاله، ولهذا نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود؛ لأنهما حالتا ذل وخضوع وتطامن وانخفاض، فشرع فيهما من الذكر ما يناسب هيئتهما، فشرع للراكع أن يذكر عظمة ربه في حال انخفاضه هو وتطامنه وخضوعه، وأنه - عز وجل - يوصف بوصف عظمته عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته .. فتعال إلى الركوع:

اذكار الركوع

اذكار الركوع سرُّ الركوع تعظيم الرب جل جلاله بالقلب والقالب والقول والفعل ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظَّمُوا فِيهِ الرَّبَّ - عز وجل - " (صحيح مسلم: 479)، فالركوع تعظيم .. أخي الحبيب .. تخيل .. تصور نفسك وأنت تنحني انحناءة كاملة حتى كأنك نصفين، وتصور خشوع بصرك وهو منحن يتطلع إلى ظهور قدميك، ويديك على ركبتيك، إنه كمال الخضوع للرب العظيم - عز وجل -، وللركوع طعم جميل بخلاف طعم السجود، فانظر إلى هيئتك وأنت راكع .. واستشعر ذُلَّكَ .. واستشعر كبرياء الله وجلاله سبحانه وتعالى، وأفضل ما يقول الراكع على الإطلاق: (1) سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيمِ، سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيم؛ فقد ثبت في من حديث حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ في ركوعه الطويل الذي كان قريباً من قراءة سورة البقرة والنساء وآل عمران "سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ" (صحيح مسلم: 772)، ومعناه: كرّر سبحان ربي العظيم فيه هذه المدة الطويلة.

(2) عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي" يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ (صحيح البخاري: 761)، يعني قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3]. (3) سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا. (رواه البيهقي، وصححه الألباني في صفة الصلاة: 1/ 146) ثم اجتهد في ترقيق قلبك وتجديد خشوعك، واستشعر عز مولاك مع خضوعك وقل: (4) اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، أَنْتَ رَبَّي، خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي لِلَّهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 1/ 119)، إن الإلحاح بهذا الذكر على النفس يجلب هذا المعنى، يعني إذا ذكرت قولك: خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي؛ فإنه يجلب الخشوع لهذه الأعضاء بهذا الترداد. (5) وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاِئكَةِ وَالرُّوحِ". (صحيح مسلم: 487)

(7) سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ (صحيح، سنن أبي داود: 873) فاستجب لأمر نبيك - صلى الله عليه وسلم -، وعظم ربك بقلبك، واستشعر عظمته - عز وجل -، واستشعر أنه أعظم من كل عظيم، ولكي تستشعر تلك العظمة إليك هذا الحديث عن مخلوق من مخلوقات الله، وهو مجرد مخلوق، فاستشعر عظمة الخالق - عز وجل -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدَّثَ عَنْ دِيكٍ، رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ، وَعُنُقَهُ مَثْنِيَّةً تَحْتَ العَرْشِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ، مَا أَعْظَمَكَ رَبَّنَا! قَالَ: فَيَرُدُّ عَلَيْهِ: مَا يَعْلَمْ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا". (رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1714) سبحان ربي العظيم!! سبحان ربي العظيم!! سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة!! تحفة أحبت فأرة جملاً؛ فأخذت بخطامه فتبعها, حتى إذا جاءت عند بيتها دخلت ووقف, فقال لها: إما أن تتخذي بيتا يليق بمحبوبك، أو أن تتخذي محبوبا يليق ببيتك. فطهر قلبك وأصلحه لكي يصلح لذكر الله ..

أذكار الرفع من الركوع

أذكار الرفع من الركوع بعد أن عظمت ربك، ارفع رأسك راجيًا رحمة الغفور الرحيم، وحامدًا له أنه استمع مناجاتك وتعظيمك له في ركوعك، ترفع رأسك عائدًا إلى ما كنت عليه، واجعل شعار هذا الركن حمد الله والثناء عليه وتحميده، فافتتح هذا الشعار بقولك: (1) سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، وافهم المعنى: أن الله - سبحانه وتعالى - يسمع الذي يحمده؛ فزد في التحميد. ممتثلاً أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَالَ الإمَامُ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ؛ فَقُولُوا: رَبَّنا لَكَ الْحَمْدُ؛ يَسْمَعْ الله - سبحانه وتعالى - لَكُمْ، فَإِنَّ الله - سبحانه وتعالى - قَال عَلَى لِسَانِ نَبيَّهِ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" (صحيح مسلم: 404)، فتحمد الله الذي أوقفك بين يديه، وسمع لك فتقول: (2) رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا قَال الإمَامُ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ؛ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاِئكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (صحيح البخاري: 763).

تقول: ربنا ولك الحمد، ويوافق قولك قول الملائكة، فيغفر الله لك ما تقدم من ذنبك!! إنه كريم ... سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين .. الحمد لله رب العالمين .. واستمر في التحميد؛ فإن النعم متكاثرة، والآلاء متواترة، وما أطيب الحمد من قلب يستشعر فضل الله ورحمته، هيا قل: (3) رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حمْدًا طَيَّبًا مُبارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأرْضِ، وَمِلْءَ ما بَيْنَهُما، وَمِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّناءِ والمَجْدِ، أحَقُّ ما قَالَ العَبْدُ، وكلنا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ (صحيح مسلم: 477). لا ينفع ذا الجد منك الجد أي: لا ينفع ذا الغنى منه غناه إنما تنفعه طاعتك والعمل بما يقربه منك سبحانك وبحمدك. (4) الْحَمْدُ لله حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبَا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكَا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى. ثم استحضر في ذهنك كُلَّ نعمة أنعم الله عليك بها وقل: (5) لِرَبَّيَ الْحَمْدُ، لِرَبِّيَ الْحَمْدُ (صحيح، سنن النسائي: 1069). فإذا قلت على كل نعمة: لِرَبِّيَ الْحَمْدُ فلن يكف لسانك عن الحمد أبدًا.

وأكثر من حمد ربك، وتذكر نعمه الكثيرة عليك، نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وما منحت من العطاء بلا تعن، وأبشر: عَنْ رِفَاعَةَ بْن رَافِع - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلَّي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ وَقَالَ: "سَمِعَ الله لِمَن حَمِدَهُ" قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرَا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ الْمُتَكَلَّمُ آنِفًا؟ " فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةَ وَثَلاِثينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهُنَّ أَوَّلُ" (صحيح البخاري: 766)، فيالسعادة قلبك إن استشعرت الملائكة وهي تتسابق، وتتسارع؛ لتكتب قولك وترفعه إلى ربك!! ألا تقول فترفع!! واهًا لك!! واعلم أن القنوت بعد الركوع في الوتر سنة، وهو مستحب بعد الركوع، وهو أن تدعو الله بالأدعية المأثورة بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة من الوتر إن كنت قد صليته ثلاث ركعات، أو بعد الرفع من الركوع في ركعة الوتر إن كنت قد صليته ركعة واحد، ترفع يديك وتبتهل: (6) اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ (صحيح، سنن أبي داود: 1425).

تحفة

(7) اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنُؤمِنُ بِكَ وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُد، ولَكَ نُصَلَّي وَنَسْجُد، وَإلَيْكَ نَسْعَى وَنحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ، اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وُيكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وُيقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ، والمُسْلِمِيَنَ والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وألَّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِم الإِيمَانَ وَالحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الذي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ على عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ إِلهَ الحَقّ، وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ. (أخرجه البيهقي: 2/ 211، وهو صحيح موقوفاً على عمر - رضي الله عنه -) تحفة رأت العنكبوتة دودة القز تنسج؛ فراحت تنسج مثلها, فلما أعجبها صنيعها قالت وهي تباهي: لك نسج, ولي نسج!! فقالت لها دودة القز: أما نسجي فأردية بنات الملوك, وأما نسجك فمصائد الذباب, وحال اللمس يبين الفرق .. فليس الذكر بطول المسبحة ولا بطرقعة العداد, وحال القلب يبين الفرق!

أذكار السجود

أذكار السجود ثم تكبر، وتخر لله ساجدًا، غير رافع يديك؛ لأن اليدين تنحطان للسجود كما ينحط الوجه فهما ينحطان لعبوديتهما، فأغنى ذلك عن رفعهما, ولذلك لم يشرع رفعهما عند رفع الرأس من السجود؛ لأنهما يرفعان معه كما يوضعان معه. وشرع السجود على أكمل الهيئة، وأبلغها في العبودية، وأعمها لسائر الأعضاء بحيث يأخذ كل جزء من البدن بحظه من العبودية، والسجود سر الصلاة وركنها الأعظم، وخاتمة الركعة وما قبله من الأركان كالمقدمات له، فهو شبه طواف الزيارة في الحج؛ فإنه مقصود الحج ومحل الدخول على الله - عز وجل - وزيارته، وما قبله كالمقدمات له، وأفضل الأحوال للعبد حالٌ يكون فيها أقرب إلى الله؛ ولهذا كان الدعاء في هذا المحل أقرب إلى الإجابة. تخيل وضعك في السجود: تضع أشرف شيء منك وأعلاه وهو الوجه في الأرض، وقد صار أعلاك أسفلك خضوعًا بين يدي ربك الأعلى، وخشوعًا له، وتذللاً لعظمته، واستكانة لعزته، وهذه غاية خشوع الظاهر.

ألا تتخيل: أنفك الذي تشمخ به دوما لا بد أن يمس الأرض في السجود. ولو تأملت خشوع عينيك وهما لا تريان إلا الأرض .. وآهٍ لو رأيتك وأنت ساجد .. وأنت أقرب ما تكون إلى الأرض .. بكل أعضائك: رأسك ويديك وركبتيك وحتى أصابع قدميك .... ارجع إلى الأرض التي هي أمك وأبوك، وأصلك وفصلك: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]. ثم هل تحب أن يعرفك النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة؟ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَحَدٍ إِلا وَأَنَا أَعْرِفُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالُوا: وَكَيْفَ تَعْرِفُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَثْرَةِ الْخَلائِقِ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ دَخَلْتَ صِيرَةً فِيهَا خَيْلٌ دُهْمٌ بُهْمٌ وَفِيهَا فَرَسٌ أَغَرُّ مُحَجَّلٌ أَمَا كُنْتَ تَعْرِفُهُ مِنْهَا؟! " قَالَ: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ أُمَّتِي يَوْمَئِذٍ غُرّ مِنْ السُّجُودِ، مُحَجَّلُونَ مِنْ الْوُضُوءِ" (صحيح مسلم: 249)، فكثرة السجود تكون يوم القيامة غرة نور بيضاء في جبين المسلم السجَّاد. ثم إن أذكار السجود كثيرة جدًّا، وكلها تدور حول الذل لله - عز وجل - ومدحه والثناء عليه، فلا يكفي حفظها وترديدها؛

إنما الأهم استشعارها وخروجها من القلب بعد اختلاطها باللحم والدم؛ لتخرج بالخشوع والخضوع والذل، فإذا هويت إلى السجود، فقد وضعت نفسك موضع الذل، فعند ذلك جدد على قلبك عظمة الله وقل: (1) سُبْحانَ رَبيَ الأعْلى، سُبْحانَ رَبيَ الأعْلى، سُبْحانَ رَبيَ الأعْلى (صحيح مسلم: 772). أما قولك: سبحان ربي الأعلى في سجودك فهذا أفضل ما يقال فيه، وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه؛ فذكر علو ربه في حال سقوطه، كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه، ونزه ربه عما لا يليق به مما يضاد عظمته وعلوه. (2) سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ - رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي. (صحيح البخاري: 761) (3) سُبُّوحٌ قُدُّوس، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ. (صحيح مسلم: 487) (4) اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي للَّذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقين (صحيح مسلم: 771)، ويقال أيضًا في سجود التلاوة.

(5) سُبْحانَ ذِي الجَبُروتِ والمَلَكُوتِ، وَالكِبْرِياء والعظمة. (صحيح، سنن أبي داود: 873) (6) اللَّهُمَّ أعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخطِكَ، وبِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ، أنْتَ كمَا أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ (صحيح مسلم: 486). (7) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وأوّلَهُ وآخِرَهُ، وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّه (صحيح مسلم: 483). (8) اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْنِي نُورًا، أَوْ قَالَ: اجْعَلْ لِي نَوَرًا (صحيح مسلم: 763). (9) سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ. (صحيح، سنن النسائي 1131) (10) سُبْحانَ رَبيَ الأعْلى وبِحَمْدِهِ. (رواه البيهقي، وصححه الألباني في صفة الصلاة: 1/ 146) (11) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ (صحيح، سنن النسائي: 1124).

(12) سَجَدَ لَكَ سَوَادِي وَخَيَالِي، وَآَمَنَ بِكَ فُؤَادِي، أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، هَذِي يَدِي وَمَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي. (رواه الحاكم، وصححه الألباني في صفة صلاة النبي: 1/ 146) (13) اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ؛ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (صحيح البخاري: 799). وأكثر من الدعاء في سجودك، فأنت حينها أقرب ما تكون من ربك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ" (صحيح مسلم: 482)، وقَالَ النَّبِيُّ، - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا وَإِنَّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ؛ فَعَظَّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ؛ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ". (صحيح مسلم: 475) فإذا رق قلبُك وظهر ذُلُّك، فليصدق رجاؤك في رحمة الله - عز وجل -؛ فإن رحمته تتسارع إلى أهل الذل والضعف، فارفع رأسك مكبرًا سائلاً حاجتك:

الدعاء بين السجدتين

الدعاء بين السجدتين ثم اجلس معتدلاً مستشعرًا منة الله عليك أن قربك ربك وسمع منك في سجودك، فاستكمل اعتذارك عن قصورك وتقصيرك في مدحه - عز وجل - والثناء عليه بما هو أهله فقل: (1) رَبّ اغْفِرْ لي، رَبّ اغْفِرْ لي (صحيح، سنن أبي داود: 874). (2) رَبّ اغْفِرْ لي، وارْحَمْنِي، واجْبُرْنِي، وَارْفَعْنِي، وَارْزُقْنِي، وَاهْدِني (صحيح، سنن ابن ماجه: 898). فإن هذه تتضمن جلب خير الدنيا والآخرة، ودفع شر الدنيا والآخرة، فالرحمة تحصل الخير، والمغفرة تقي الشر، والهداية توصل إلى هذا وهذا، والرزق إعطاء ما به قوام البدن من الطعام والشراب، وما به قوام الروح والقلب من العلم والإيمان. وجعل جلوس الفصل محلاً لهذا الدعاء لما تقدمه من رحمة الله، والثناء عليه والخضوع له، فكان هذا وسيلة للداعي ومقدمة بين يدي حاجته، فشرع له أن يتمثل في الخدمة، فيقعد فعل العبد الذليل جاثيًا على ركبتيه، كهيئة المقلي نفسه بين يدي سيده راغبًا راهبًا معتذرًا إليه، مستعديًا إليه على نفسه الأمارة بالسوء.

التشهد

التشهُّد فإذا جلست للتشهد فاجلس له متأدبًا، واضعًا يدك اليمنى على فخذك اليمنى ومحلقًا أصابعك ومشيرًا بالسبابة إلى التوحيد، وتحركها وتدعو بها قائلاً: (1) التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلام عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحين، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلَّا اللَّهُ وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - رضي الله عنه -: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَا: السَّلامُ عَلَى جِبْريلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلامُ عَلَى فُلانٍ وَفُلانٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ الله، - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّ الله هُوَ السَّلامُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لله، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيَّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لله صَالِح في السَّمَاءِ وَالأرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". (صحيح البخاري: 797) سبحانك يا ربنا!!

أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض!! يا لها من حاجة قد قضاها الله لنا، فإننا نشتهي ونحب أن نُسَلِّم على كل عبد صالح .. وها هي تلك الأمنية قد هيئت لك .. فإياك أن تنسى هذا الذكر. الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد: ثم خصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد عباد الله الصالحين بالصلاة والسلام فقل: (2) اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ في العَالمينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ في العَالمينَ إِنكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. والله لو لم يكن في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى أن الله يصلي عليك بها عشرًا، ويصل سلامك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لكفى.

الدعاء بعد التشهد وقبل التسليم

الدعاء بعد التشهد وقبل التسليم لا تظنن - أيها الحبيب الكريم - أنك إذا تشهدت فقد انقضت الصلاة، فكما أن الصلاة تفتتح قبل الفاتحة بأدعية الاستفتاح للإستئذان بالدخول، فكذلك تختتم بعدة أدعية وأذكار وكأنها استئذان بالخروج، وهي أروع ما يخرج من قلب أحس بالقرب واستشعر الحب، ويعز عليه أن يفارق مقام حبيبه؛ فتدبر هذه الأذكار وقلها بقلب. أولا: عليك أن تستعيذ بالله من هذه الأربع، وأي أربع هي!! لو أعاذك الله منها فأنت في أمان: (1) اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بكَ مِنْ عَذَاب جَهَنَّمَ، وَمنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَة المَسِيحِ الدَّجَّالِ (صحيح مسلم: 588) والدعاء في هذا الموطن مستجاب، هيا .. سل الكريم من فضله، ولكن لا تتعجل، لا بد من الثناء على الله - عز وجل - والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم -: (2) سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهُ - عز وجل -، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِلَ هَذَا" ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: "إِذَا صَلَّى

أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ، ثُمَّ يُصَلَي عَلَى النَّبِيَّ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ" (صحيح، سنن أبي داود: 1481). (3) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا فِي الْحَلْقَةِ وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلَّي، فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الْمَنَّانُ، يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنَّي أَسْأَلُكَ، فَقَالَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا اللَّهَ؟ " قَالَ: فَقَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الأعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 3/ 245). سبحان الملك!! ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟! هيا إلى دعاء المغفرة: (4) دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاتَهُ، وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ: فَقَالَ: "قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاثًا" (صحيح، سنن أبي داود: 985).

(5) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخَّرُ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ (صحيح مسلم: 771). (6) اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ؛ فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحمْنِي، إنَّك أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيم (صحيح البخاري: 799). وإليك بعض الأدعية المطلقة التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لتقولها في هذا الموضع، فهو موطن شريف مستجاب الدعوة: (7) اللَّهمّ إني أسألُك العفوَ والعافية، اللَّهمّ إني أسألُك الهدى والتقى والعفافَ والغنى (صحيح مسلم: 2721). (8) اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. (صحيح البخاري: 798) (9) اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقَّ فِي الْغَضَبِ وَالرَّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيَّنَّا بِزِينَةِ الإيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيَّينَ. (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 4/ 264)

(10) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيرِ كُلَّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ من الشَّرَّ كُلَّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَل، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْألُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا. (صحيح، سنن ابن ماجه: 3846) (11) قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لرجل: "كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاةِ؟ " قال: أتشهَّد وأقول: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذ بِكَ مِنَ النَّارِ، أما إني لا أحسنُ دَنْدَنَتَكَ وَلا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "حَوْلَهَا نُدَنْدِنْ" (صحيح، سنن أبي داود: 792). والآن .. وقد انتهيت من صلاتك, فهل تشعر بِثَمَرَاتِهَا؟ كان يحيى بن وثاب رحمه الله إذا رأيته قد وقف للصلاة تقول: هذا وقف للحساب، فيقول: أي رب، أذنبت كذا فعفوت عني فلا أعود، وأذنبت كذا فعفوت عني فلا أعود.

أذكار بعد الصلاة

أذكار بعد الصلاة أما وقد انقضت صلاتك فإنه لم تنقضِ بَعْدُ حياتك، والعبد ما دام فيه عين تطرف فلا يستغني عن ذكر ربه أبدًا، وإني والله أعتقد أن الذكر بعد الصلاة من أهم مواطن الذكر النافلة بعد فرائض؛ فإن أهميته تكمن في الحفاظ على حرارة الصلاة أطول فترة ممكنة، وأيضا شكر الله على نعمة الصلاة ليزيدك، فأحفظ أذكار ما بعد الصلاة فإن فيها أيضًا من الأجر العظيم الموعود به ما لا يفرَّط فيه عاقل. قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أيّ الدعاء أسمع؟ قال: "جَوْفُ اللَّيلِ الآخِر وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ المَكْتوبات" (صحيح، سنن الترمذي: 3499). أكْثِر .. والله أكثر: (1) أسْتَغْفِرُ الله، أسْتَغْفِرُ الله، أسْتَغْفِرُ الله، اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبارَكْتَ يا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ. (صحيح مسلم: 591) (2) لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلَّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلا إِيَّاهُ، لَهُ النَّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ

الْحَسَنُ، لا إِلَهَ إِلا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. (صحيح مسلم: 594) (3) لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ. (صحيح البخاري: 808) (4) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقْرَأ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ (صحيح، سنن أبي داود: 1523)، والمعوذات: سورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس. (5) عِن معاذ - رضي الله عنه - أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده وقال: "يا مُعَاذ وَاللهِ إِنّي لأُحِبُّكَ" فَقالَ: "أُوصِيكَ يا مُعاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ" (صحيح، سنن أبي داود: 1522). فهذه وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن يحبه، فهل أنت عامل بها؟ (6) اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ. (حسن، سنن أبي داود: 5090) (7) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبُّ الْمَسَاكِينِ، وَإذَا أَرَدْتَ فِي النَّاسِ فِتْنَةَ؟ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ (صحيح، سنن الترمذي: 3233).

(8) رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ. (صحيح مسلم:709) (9) اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (صحيح البخاري: 2667). (10) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ؛ لَمْ يَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِهِ الجَنَّةَ إلا المَوْتُ" (رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6464) (11) ثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً، وأرْبعًا وَثَلاثِينَ تَكْبِيرةَ. (12) أو: تسبح اللهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتحمد اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثينَ، وتكبر اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتقول تَمامَ المئة: لا إِلهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (13) أو: تسبح الله دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ عَشْرًا، وَتحمد عَشْرًا، وتُكَبِّر عَشْرًا. (14) أو: ثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةَ، وَثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً، وثلاثًا وَثَلاثِينَ تَكْبِيرةً.

وإليك أعظم بشرى في تلك الأذكار: البشرى الأولى: وعد بالجنة: عن النبي عمرو قال: "خَصْلَتانِ أوْ خَلَّتانِ لا يُحافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللهُ - عز وجل - دُبُرَ كُلّ صَلاةِ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وُيكَبِّر عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسُونَ ومِئَةٌ باللِّسانِ، وألْفٌ وخَمْسُمِئَةٍ في المِيزَاِن، وُيكَبِّرُ أَرْبعًا وَثَلاِثينَ إذَا أخَذَ مَضْجَعَهُ، وَيحْمَدُ ثَلاثًا وَثَلاثينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلاثًا وَثَلائينَ، فَذَلكَ مِئَةٌ باللِّسانِ وألفٌ بالميزَانِ"، قالوا: يا رسول الله، كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل؟ قال: "يأتِي أحَدَكُمْ يعني الشيطان في مَنامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أنْ يَقُولَهُ، ويأتِيهِ في صَلاِتهِ فَيُذَكَّرَهُ حاجَةً قَبْلَ أنْ يَقُولَهَا" (صحيح، سنن أبي داود: 5065) البشرى الثانية: مغفرة الخطايا: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ سَبَّحَ اللهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاِثينَ، وَحَمِدَ الله ثَلاثًا وَثَلاثينَ، وكَبَّرَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاِثينَ، وَقالَ تَمامَ المئة: لا إِلهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ غُفِرَتْ خَطاياهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ" (صحيح مسلم: 597).

البشرى الثالثة: معقبات تحفظك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُعَقَّباتٌ لاَ يَخِيبُ قائِلُهُنَّ أوْ فاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثًا وَثَلاِثِينَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاَثًا وَثَلاِثِينَ تَحْمِيدَةً، وأرْبعًا وَثَلاِثينَ تَكْبِيرةً" (صحيح مسلم: 596). البشرى الرابعة: تسبيحك حج وعمرة وجهاد وصدقات: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلا وَالنَّعِيم الْمُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيعْتَمِرُونَ وُيجَاهِدُونَ وَيتَصَدَّقُونَ، فقال: "ألا أُعَلِّمُكُمْ شَيئًا تُدْرِكُونَ بهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكْمْ، وَلاَ يَكُونُ أحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَع مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِرُونَ خَلْفَ كُلّ صَلاةِ ثَلاًثا وَثَلاثينَ". (صحيح البخاري: 807, الدثور: جمع دَثْر وهو المال الكثير) وهذا الحديث يحتاج إلى وقفة مهمة .. تأمل معي: ماذا كان هَمُّ الفقراء؟ هل كان همُّهم المال وأتوا يشتكون الفقر والعوز والحاجة؟ أبدًا .. إنهم لما فهموا أن المال لطلب الآخرة وقصرت أيديهم عن طلبه وامتلاكه غبطوا الأغنياء على ما هم فيه،

وطلبوا المشاركة، والله كريم لا يحرم أحدًا فضله، فأعطاهم ما ينالون به هذه المنزلة من غير مال ولا نفقة .. سبحان الكريم المنان!! وتقول بعد صلاة الوتر: (15) سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، رَبُّ المَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَتَرْفَعَ صَوْتَكَ في الثالثة وتطولها أي تمد بها صوتك (صحيح، سنن النسائي: 1699). (16) اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وأعُوذُ بمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيكَ، أنْتَ كما أثْنَيْتَ على نَفْسِك" (صحيح، سنن أبي داود: 1427)، وهذا يكون في آخر الوتر، قبل التسليم أو بعده). قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -: إِنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ وَلا كَصَلاتِكُمْ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْتَرَ ثُمَّ قَالَ: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا؛ فَإِنَّ اللهَ وِتْرْ يُحِبُّ الْوِتْرَ". (صحيح، سنن الترمذي: 453) ما أرق قلبك - حبيبي في الله - إن تقربت إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ - بما يحبه، ثم زدت عليه بأن ذكرت الله بعده ..

وتزيد على تلك الأذكار بعد صلاة المغرب وصلاة الصبح: (17) لا إِلهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي وُيمِيتُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مرَّاتٍ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي وُيُمِيتُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ على أثَرِ المَغْرِبِ بَعَثَ الله - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ مَسْلَحَةً يَتَكَفَّلُونَهِ مِنَ الشَّيطانِ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَتَبَ اللهُ لَهُ بِها عَشْرَ حَسَناتٍ مُوجِبات، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئاتٍ مُوبِقاتٍ، وكانَتْ لَهُ بِعِدْلِ عَشْرِ رِقابٍ مُؤْمناتٍ" (حسن، سنن الترمذي: 3534). عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قالَ فِي دُبُرِ صَلاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ ثانٍ رِجْلَيهِ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّمَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْي وَيُمِيتُ، وَهُوَ على كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، ومُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشرُ دَرَجاتٍ، وكانَ يَوْمَهُ ذلكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ، وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطانِ، ولَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبِ أنْ يُدْرِكَهُ في ذلكَ اليَوْمِ إِلا الشِّرْكَ باللهِ" (حسن، سنن الترمذي: 3437). لحظه .. قف، تأمل: فقط بقول: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ

الحَمْدُ، يُحْي وَيُمِيتُ وَهُوَ على كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مرَّاتٍ وأنت جالس في مكانك الذي صليت فيه جلسة التشهد ولم تتحرك: * تُكْتَبُ لَكَ عَشْرُ حَسَناتٍ. * وتُمْحَى عَنْكَ عَشْرُ سَيِّئاتٍ. * وَتُرْفِعُ لَكَ عَشْرُ دَرَجاتِ. * وَحُرِسْتَ مِنَ الشَّيْطانِ. * وكُنْتَ يَوْمَكَ في حِرْزٍ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ. * ولَمْ يَنْبَغ لِذَنْبٍ أنْ يُدْرِكَكَ في ذلكَ اليَوْمِ. سبحان الملك جل جلاله .. أكرم من أمله السائلون والله إن الله ذو فضل عظيم، كريم ودود، لو عرفته لأحببته!! (8) اللَّهُمَّ إني أسألُكَ عِلْمًا نافِعًا، وعَمَلا مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقًا طَيِّبًا، بعد السلام من صلاة الفجر (صحيح، سنن ابن ماجه:925). (9) اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، عَنْ مُسْلِم بْنِ الْحَارِثَ التَّمِيمِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أَسِرَّ إليْهِ فَقَالَ: "إِذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ؛ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ مِتَّ فِي لَيْلَتِكَ؛ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا، وَإِذَا صَلَّيتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ فِي يَوْمِكَ؛ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا" (صحيح، سنن أبي داود: 5079).

أذكار العيدين

أذكار العيدين يستحبّ التكبير ليلتي العيدين، وُيُسْحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، وُيُسْحبّ ذلك خلفَ الصلوات، وتُكثر منه عند ازدحام الناس، وتكَبِّر ماشيًا وجالسًا ومضطجعًا، وفي طريقك، وفي المسجد وعلى فراشك. وأما عيدُ الأضحى فتُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن تصليَ العصر من آخر أيام التشريق وَتكَبِّر خلفَ صلاة العَصْرِ ثم تقطع. بعض صيغ التكبير: الله أكْبَرُ، الله أكْبَرُ، الله أكْبَرُ. الله أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، الله أكْبَرُ، الله أكْبَرُ كَبيرًا. الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ لا إِلهَ إِلاَّ الله، والله أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ. الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ، لا إِلهَ إِلاَّ الله، واللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ. الله أكْبَرُ اللهُ أكبَرُ الله أكْبَرُ، ولِلَّهِ الحَمْدُ، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا.

اللهُ أكْبَرُ كَبيرًا، اللهُ أكْبَرُ كَبيرًا، الله أكبر وأجل، اللهُ أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ. كبر .. كبر .. التكبير حمد لله على ما هداك، وشكر له على ما أعطاك: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 85]. اغتسلت، ولبست ثيابك الجديدة، وخرجت ماشيًا إلى مصلى العيد، مع إخوتك في الله وأهلك تكبرون الله في الطريق، ثم خرج الإِمام ليصلي بكم، فهل تعرف كيف تصلي صلاة العيد؟ (1) تكبر تكبيرة الإحرام. (2) تكبر سبع تكبيرات في الركعة الأولى قبل القراءة. (3) تكبر خمس تكبيرات في الركعة الثانية قبل القراءة. وبعد تكبيرة رفعك من السجود. (4) تقول بين كل تكبيرتين من هذه التكبيرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إِله إِلاَّ الله، والله أكبر. لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ. ولم ترد أذكار معينة تقال بين التكبيرات، إلا أن المقصود أن تحمد الله جلا وتثني عليه، وتصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وتدعو بما تشاء.

أدعية الاستسقاء

أدعية الاستسقاء صلاة الاستسقاء تشرع إذا تأخر نزول المطر وأجدبت الأرض، وُيستحبّ الجمع في الدعاء بين الجهر والإِسرار ورفع الأيدي فيه رفعًا بليغًا, وليكن من دعائك: (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أنْتَ اللهُ لاَ إِلهَ أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَراءُ، أنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، وَاجْعَلْ ما أنْزَلْتَ لَنا قُوًّةً وَبَلاغًا إلى حِينٍ" (صحيح، سنن أبي داود:1173). (2) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَار المَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَد أَمَرَكُمْ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ" (صحيح، سنن أبي داود: 1173)، قال الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ: وليكن من دعائهم: اللَّهُمَّ أمَرْتَنا بِدُعائِكَ، وَوَعَدْتَنا إِجابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْناكَ كما أمَرْتَنا؛ فأجِبْنا كما وَعَدْتَنا، اللَّهُمَّ امْنُنْ عَلَيْنا بِمَغْفِرَةٍ ما قارَفْنا، وإجابَتِكَ في سُقْيانا وَسَعَةِ رِزْقِنا. (3) اللَّهُمَّ اسْقِ عِبادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ (حسن، سنن أبي داود: 1176).

(4) اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيُّا سَرِيعًا، نافعًا غَيرَ ضَارّ، عاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ" (صحيح، سنن أبي داود:1169). (5) اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثَا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا غَدَقًا مُجَلِّلاً سَحًّا عامًّا طَبَقًا دَائِمًا، اللَّهُمَّ على الظَّرَابِ وَمَنابِتِ الشَّجَرِ وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفّارًا، فأرْسلِ السَّماءَ عَلَيْنا مِدْرَارًا، اللهم اسْقِنا الغَيْثَ وَلاتَجْعَلْنا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ أنْبِتْ لَنا الزَّرْعَ، وَأدِرَّ لَنا الضَّرْعَ، وَاسْقِنا مِنْ بَرَكاتِ السَّماءِ، وأنْبِتْ لَنا مِنْ بَرَكاتِ الأرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنا الجَهْدَ وَالجُوعَ والعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاءِ ما لا يَكْشِفُهُ غَيرُكَ. (رواه الحاكم، وصححه الألباني في إرواء الغليل: 2/ 145) (6) اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. (صحيح البخاري: 968) (7) اللهمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظَّرَابِ وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ (نفس التخريج السابق).

أذكار الصباح والمساء

أذكار الصباح والمساء لما كان الذكر حياة قلوب المؤمنين وقوت أرواحهم وأنس حياتهم؛ كان لا بد لهم من خلوة خاصة للذكر، تكون كل فترة ثابتة خاصة بمثابة وجبة دسمة تكون عونًا لهم على ما هم فيه من متاعب الدنيا وهمومها، فكانت أذكار طرفي النهار. وأذكار الصباح والمساء لها أهمية خاصة بالنسبة للمؤمنين المخلصين؛ فإن الوارد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها شافٍ كافٍ .. جامعٍ وافٍ .. رائقٍ صافٍ .. فإن أردت صلاحًا وفلاحًا ونجاحًا؛ فاجعل لنفسك هذا الوقت الخاص في خلوة رائقة وحدك بعيدًا عن المشاغل، وأصلح قلبك لترديد هذه الأذكار. فإنك إن تفرغت لها ملأت قلبك، وإذا أدمنتها فإنك لن تستغني عنها، وسأحاول جاهدًا ترتيبها لك ترتيبًا له أهمية؛ فاحرص عليها ولا تترك منها شيئًا. وقد آثرت أن أترك نص الحديث أحيانًا تستخلص منه أنت الذكر، ويدفعك ذكر الأجر للاحتساب؛ لتحصيل الأجر، فإن بعض الناس يمسك الكتاب ويسرد الأذكار مجرد سرد باللسان، فاقرأ الحديث، واحتسب الأجر، واستخلص الذكر، واستحضر القلب تحظ بالعز.

والأصلُ في هذا الباب من القرآن العزيز قولُ الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130]، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنّ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمعِيلَ، وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمِ يَذْكُرُونَ اللهَ مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً" (حسن، سنن الترمذي: 3667). واعلم - أيها الحبيب المحب - أن هذا البابَ واسعٌ جدًا ليس في الكتاب بابٌ أوسعَ منه سنذكرُ إن شاء الله - عَزَّ وَجَلَّ - فيه جملاً من مختصراته فمن وُفِّق للعمل بكلّها فهي نعمة وفضل من الله - عَزَّ وَجَلَّ - عليه وطوبى له. (1) إذا أصبحت قل: اللَّهُمَّ بِكَ أصْبَحْنا وَبِكَ أمْسَيْنا، وَبِكَ نَحْيا وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وإذا أمسيت قل: اللَّهُمَّ بِكَ أمْسَيْنا وبِكَ أصْبَحْنا وَبِكَ نَحْيا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ. (صحيح، سنن أبي داود: 5068) أو: اللَّهُمَّ بِكَ أمْسَيْنا وبِكَ أصْبَحْنا، وَبِكَ نَحْيا وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ المَصِيرُ" (صحيح، الأدب المفرد: 1199).

(2) أصْبَحْنَا على فِطْرَةَ الإسْلامِ، وكَلِمَةِ الإخْلاصِ، وَدِيْنِ نبينا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَمِلَّةِ أبِينَا إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام - حَنِيفًا مُسْلِمًا، ومَا أَناَ مِنَ المُشْرِكِينَ" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 3/ 406). (3) لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (عشر مرات)، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قالَ إِذَا أصْبَحَ: لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ؛ كانَ لَهُ عِدْلُ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ - عليه السلام -، وكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجاتٍ، وكانَ في حِرْزِ مِنَ الشَّيْطانِ حتى يُمْسِيَ، وَإنْ قَالَهَا إِما أمْسَى؛ كانَ له مِثْلُ ذلكَ حتَّى يُصْبحَ". (صحيح، سنن أبي داود: 5077) بعد كل هذه الوعود بالله عليك .. أليس من يتركها قد خسر خيرا كثيرا؟! ثم أتريد أن يرضى عنك ربك، ويعطيك حتى يرضيك؟ (4) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِم يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإسْلامِ دِينَا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًا؛ إِلا كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَاَمَةِ". (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 4/ 337)

لن يرضى عنك فقط، بل سيرضيك، إن رضيت به وبنبيه وبدينه حق الرضا، وتكرار ذلك وملازمته يدفع القلب لاعتقاده، ويحمل النفس على الرضا به. (5) إذا أصبحت قل: اللَّهُمَّ إني أسالُكَ عِلْمًا نافعًا، وَرِزْقَا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَلاً. وسط مكائد البشر .. ومصائد الشيطان .. تحتاج أن تستغيث بالرحمن، هيا فقل: (6) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة - رضي الله عنه -: "ما يَمْنَعُكِ أنّ تَسْمَعِي ما أُوصِيكِ بِهِ؟ تَقُولِينَ إذَا أصْبَحْتِ وَإذَا أمْسَيْتِ: يا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِكَ أسْتَغِيثُ؛ فأصْلِحْ لي شأني كُلَّهُ وَلاَ تَكِلْني إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنِ" (رواه الحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 5820). تلك وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابنته فاطمة - رضي الله عنه -، وهي أحب الناس إليه، وهو أخلصهم لها، وأحرصهم عليها، هلا حرصت عليها؟ ثمّ نصيحة قبل أن تموت، فإنك إذا مت عليها فأنت من أهل الجنة: (7) عَنْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَيدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ ربِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأنا عَبْدُكَ، وَأَنا عَلَى

عَهْدِكَ وَوَعْمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبْوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِى، فَإِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُنُوبَ إِلا أَنْتَ، قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنّ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أن يُصْبحَ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ" (صحيح البخاري: 5964). وهذا الدعاء حقيقٌ بأن يكون سيِّدًا؛ فإنه يشمل: ثناؤك على الله - عَزَّ وَجَلَّ - أنه ربك وخالقك. تجديد العهد بينك وبين ربك. اعترافك بنعم الله عليك، واعترافك بذنوبك. وسؤالك المغفرة من الله - عَزَّ وَجَلَّ -. فإذا قلت هذا الذكر العظيم، استحضر هذه المعاني في قلبك حتى تقوله وأنت موقن به، فتموت؛ فتدخل الجنة. (8) اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، عالِمَ الغَيْبِ وَالشهَادَةِ، رَبَّ كُلّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ. (صحيح، سنن أبي داود: 5067)

سل الله خير يومك، وخير ليلتك، وخير ما بعدهما: (9) إذا أمسيت قل: أمْسَيْنا وأمْسَى المُلْكُ للِّهِ والحَمْدُ للِّهِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلَّ شَيْءٍ قَديرٌ، رَبّ أسألُكَ خَيْرَ ما في هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَخَيْرَ مَا بَعْدَها، وأعُوذ بِكَ مِنْ شَرّ ما في هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَشَرّ مَا بَعْدَهَا، رَبّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَل وَالهَرَم وَسُوءِ الكِبَرِ، أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَاب في النَّارِ، وَعَذَاب في القَبْرِ، وإذَا أصْبَحْتَ قلَ ذلكَ أيْضَاً: أًصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلْكُ للِّهِ (صحيح مسلم: 2723). هل أديت شكر نعم الله عليك؟ (10) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبحُ: اللَّهُمَّ ما أصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أو بأحد من خلقك فمِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَكَ الحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ؛ فَقَدْ أدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذلكَ حِينَ يُمْسِي؛ فَقَد لدَّى شُكْرَ لَيلَتِهِ. (صحيح، سنن أبي داود: 5073) والله لو أن لسانك لم يكف عن الحمد ليل نهار لما أديت شكر نعم الله عليك، ومن كرم الله عليك أن دلَّك على ما تشكره وتحمده به، وبهذا الذكر صباحًا تكون قد أديت شكر يومك، ومساءً تكون قد أديت شكر ليلتك، ثم كأنك تشكر الله نيابة عن نفسك، وعن كل خلقه الذين يقصرون في شكر نعمته - عَزَّ وَجَلَّ -، فتشكره على تعمه عليك وعليهم.

أخي الحبيب .. سل الله العافية .. (11) لم يكن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يُمسي وحين يُصبح: "اللَّهُمَّ إني أسالُكَ العافِيَةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إني أسالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ في دِيني وَدُنْيَايَ، وأهْلِي ومَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وآمِنْ رَوْعاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظني مِنْ بَيْن يَدَيَّ ومِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمالِى، وَمِنْ فَوْقِي، وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغتالَ مِنْ تَحْتِي" (صحيح، سنن أبي داود: 5074). كل صباح ومساء إن خفت سلب العافية؛ فجحِّد دعواتك هذه، وكل صباح ومساء تسأل الله أن يحفظك فأنت لا تأمن ما بين يديك ولا ما خلفك ولا حتى الأرض التي تحتك أن تُخسَف بك، ولا تشعر بالأمان إلا بفضل الله وعافيته .. لا تخف يا مؤمن؛ فأنت في أمان مادام الله يحفظك ويدفع عنك، وقد علمك النبي كيف تستجلب حفظ الله - عَزَّ وَجَلَّ - وأمانه: (12) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ عَبْدِ يَقُولُ في صَبحٍ كُلّ يَوْم وَمَساءِ كُلّ لَيْلَةٍ: باسْمِ اللهِ الَّذي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرضِ وَلا في السَّماءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيم ثَلاثَ مَرُّاتٍ؛ لَمْ يَضُرَّه شَيْءٌ" وفي رواية: "لَم تُصِبْهُ فَجْأةُ بَلاءٍ". (صحيح، سنن أبي داود: 5088)

اذكر ربك؛ يكفك كل ما تخاف وتحذر، ويحمك مما يضرك، ويمنع عنك الأذى والبلاء؛ إنه كريم قريب، وإن كنت مازلت تخاف فاسمع إذَا: (13) جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول لله، ما لقيتُ عقرب لدغتني البارحة؟ قال: "أما لَوْ قُلْتَ حِينَ أمْسَيتَ: أعُوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرّ ما خَلَقَ لَمْ تَضرَّكَ" وقال: "مَنْ قال: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ من شَرّ ما خَلَقَ ئَلاثًا لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ" (صحيح مسلم: 2081). ومن أعظم الأذكار ذات الوزن الثقيل ما ورد في هذا الحديث الجليل الجميل: (14) عن جُويريةَ أمّ المؤمنين - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنْ بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ في مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: "مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيهَا؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كلماتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَو وزِنَتْ بِما قُلْتِ مُنْذُ اليَوْم لَوَزنَتُهُنَّ: سُبحانَ اللهِ وبِحمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِماتِهِ" (صحيح مسلم: 2726). أصح كلمات تعدل ذكر أربع ساعات!! ومازلت لا تذكر!! ما أقسى قلبك إن لم تفعل!

سل الله العافية في ثلاث، وتعوذ به من ثلاث، واستن بسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -: (15) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة - رضي الله عنه - أنه قال لأبيه: يَا أبَتِ إِنِّي أسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ: اللَّهُمَّ عَافِنِي في بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي في سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي في بَصَرِي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلاثًا حِينَ تُصْبحُ، وَثَلاثًا حِينَ تُمْسِي، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو بِهِنَّ فَأَنَا أحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ (حسن، سنن أبي داود: 5090). الله .. يكفيك كُلِّ شيء!! (16) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا في لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليُصَلِّيَ لَنَا فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: "أَصَلَّيتُمْ؟ " فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: "قُلْ" فَلَمْ أَقُلّ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: "قُلْ" فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: "قُلْ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: "قُلْ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوْذَتَينِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ تَكْفِيكَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ" (حسن، سنن أبي داود: 5082).

اقرأهما يكفك الله رزقك، يكفك سعيك، يكفك خوفك، يكفك وحشتك، يكفك مذاكرتك، يكفك كل ما صعب عليك سبحان الله تعالي. ماذا يهمك؟ أتهمك الدنيا؟ أتهمك الآخرة؟ فاسمع إذًا: حين تتوكل على الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وتفوض إليه كل أمورك، أمور الدنيا من رزق وسعي وجهد وبلاء وكدٍّ، وأمور الآخرة من طلب وعبادة وسؤال وخوف ورجاء، يحمل همك ويكفك كل شيء، فكيف تضيع وكفيلك الملك؟ (17) قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ من الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ. دخلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَاً: "يَاَ أَبا أمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا في الْمَسْجدِ في غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ " قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُون يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَفَلا أُعَلَّمُكَ كَلامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ " قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ

الرِّجَالِ" قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ؛ فَأَذهَبَ الله عَزَّ وَجَلَّ هَمَّي وَقَضَى عَني دَيْنِي" (صحيح، سنن أبي داود: 1555). كم ستنقذ من النار؟ ربعك .. أم نصفك .. أم كلك؟! (18) عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قالَ حينَ يُصْبحُ أو يُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أصْبَحْتُ أُشْهِدَكَ، وأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَمَلاِئكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، أنَّكَ أنتَ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ؛ أعْتَقَ الله رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَين؛ أعْتَقَ الله نصْفَهُ مِنَ النَّار، وَمَنْ قَالَها ثَلاَثًا؛ أَعْتَقَ الله ثَلاَثةَ أَرْبَاعِهِ، فإنْ قالَهَا أَرْبَعًا؛ أعْتَقَه الله مِنَ النَّارِ". (صحيح، سنن أبي داود: 5069) كأنك تصرخ بالشهادة تريد أن يسمعها كل من في الأرض والسماء، الإنس والجن والملائكة، تفتخر أن ربك الله سبحان الله تعالي وأن نبيك محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فيجازيك الله على شهادتك بأن يعتقك من النار. هل تريد أن تتصدق؟ تريد أن تعتق رقبة في سبيل الله؟ خذ تلك الهدية: (19) قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "من قال لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتِ؛ كانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". (صحيح مسلم: 2693)

ليس عتق أي رقبة، بل هي من ولد إسماعيل - عليه السلام -، أخيَّ .. اذكر الله، ولا تغفل أبدًا عن ذكره. لديك همة؟ تردد أن تعتق أكثر؟ تردد حسنات أكثر؟ هلم إذًا: (20) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَالَ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلى كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ في يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ؛ كانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مائة حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مائةُ سَيئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطانِ يَومَهُ ذلكَ حتَّى يُمْسيَ، ولَمْ يَأتِ أحَدٌ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ" (صحيح البخاري: 3119). انتظر .. مهلاً .. مهلاً، إلى أين أنت ذاهب؟! هل ستدع هذا الذكر يمر هكذا؟! تدبر معي: إن قول لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ في اليَوْمِ مائَةَ مَرَّةٍ يستغرق من وقتك عشر دقائق، عشر دقائق فقط تحصل كل هذه الأجور: عِدْلَ عَشْرِ رِقابٍ (أي بما يعادل ملايين الجنيهات). وكُتِبَتْ لَهُ مائة حَسَنَةٍ (وأنت تحتاج إلى حسنة واحدة). ومُحِيَتْ عَنْهُ مائةُ سَيِّئَهٍ (وما أكثر سيئاتك!!).

وكانَتْ لَهُ حِرْزَا مِنَ الشَّيْطانِ يَوْمَهُ ذلكَ حتَّى يُمْسيَ (فلا يوسوس لك، ولا يصدك عن ذكر الله، فرصة .. تخلص منه). ولَمْ يَأتِ أحَدٌ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ (أنت أحسن الناس). ثم كالعادة ما أكثرها ذنوبك!! هل تريد التخلص منها؟ تعال أدلك على السبيل: (21) قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن قالَ سُبْحانَ اللهِ وبحَمْدِهِ في اليَوْمِ مِئَة مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ خَطَاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الَبَحْرِ". (صحيح البخاري: 6042) سبحان الله وبحمده!! الله أكبر!! كل خطاياك؟؟!! كذبة هنا، ونظرة هناك .. غيبة هنا، وظلم هناك، كل هذا يغفر بقولك سبحان الله وبحمده مائة مرة، وهو لن يأخذ من وقتك أكثر من خمس دقائق، خمس دقائق ثم مغفرة خطايا العمر، تمحى الخطايا ويطهرها التسبيح. انتظر .. هناك فضل آخر لهذا الذكر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةِ؛ لَمْ يأتِ أحدٌ يَوْمَ القِيامَةِ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ بهِ إِلا أحَدٌ قالَ مثْلَ ما قالَ أو زَادَ عَلَيْهِ" وفي رواية "سُبْحانَ الله العَظيمِ وبِحَمْدِهِ" "صحيح مسلم: 2692).

فهل تريد أن تكون من أحسن الناس يوم القيامة؟ هلم، شمر إلى الحسنات العظيمة بالأعماد القليلة، قل: (22) سبحان الله (مائة مرة). قال رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ " فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: "يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ؛ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ ألفُ خَطِيئَةٍ" (صحيح مسلم:2698). والله إنها لا تستغرق خمس دقائق، بل قد لا تزيد عن ثلاثة دقائق، أرأيت كم هو ثمين عمرك أيها المسلم الحبيب؟! ثلاث دقائق فقط تساوي ألف حسنة، أو مغفرة ألف ذنب، اغتنم وقتك ولا تضيع فيه لحظة دون ذكر الله. (23) الْحَمْدُ للهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. (24) اللهُ أَكْبَرُ مِائَةَ مَرَّةٍ. أَلا أُعْطِيكَ؟! .. أَلا أَمْنَحُكَ؟! .. أَلا أَحْبُوكَ؟! .. عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ - عز وجل - اصْطَفَى مِنْ الْكَلام أَرْبَعًا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَهِ، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَاللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ؛ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا عِشْرُونَ حَسَنَة، وَحُطَّ عَنْهُ عِشْرُونَ سَيِّئَةَ، وَمَنْ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ فَمِثْلُ ذَلِكَ،

وَمَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا الله فَمِثْلُ فَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَب الْعَالَمِينَ مِنْ قِبَلٍ نَفْسِهِ؛ كُتِبَ لَهُ بِهَا ثَلاثُونَ حَسَنَةً، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا ثَلاُثُونَ سَيِّئَة" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 2/ 310). أتريد أن نحسبها بحسابات الدنيا؟! أم بحسابات الكريم الذي يضاعف إلى سبعمائة ضعف وإلى أكثر من لك لمن يشاء؟! في الحالتين أنت رابح: إذا قلت: سُبحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لله وَلا إِلَهَ إِلا الله وَاللهُ أَكبَرُ، كم أخذ من وقتك؟ ليس أكثر من أربع ثوان!! دفعت من وقتك الغالي الثمين لله أربع ثوانِ، خذ أجرك: يكتب لك: عشرون حسنة X 3= ستين حسنة ستون حسنة + ثلاثون حسنة للحمد لله - تسعين حسنة. ويغفر لك: عشرون سيئة X 3+ 30 - تسعين سيئة .. ما أحوجك إلى حسنة من هؤلاء!! وما أكثر ذنوبك! وكم أنت محتاجٌ إلى مغفرة واحد منها!! في أربع ثوان تحصل تسعين حسنة ومغفرة تسعين سيئة!! والله يضاعف لمن يشاء، وأنت غافل ساهٍ لاهٍ .. اذكر الله .. (25) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشرًا، وَحِينَ يُمْسِي عَشْرَا؛ أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَومَ القِيَامَةِ". (حسن، صحيح الجامع: 6357)

أذكار النوم

أذكار النوم النوم نعمة من نعم الله - عز وجل -، امتن بها على البشر، وهو أيضًا آية من آيات الله، قال - سبحانه وتعالى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم: 23]، والمؤمن لا ينام غفلة؛ وإنما ينام تعبدًا للتقوي على طاعة الله، ولذلك كان لا بد أن ينام ذاكرًا لله حذرًا من التخبيط في النوم، قال ابن القيم - رحمه الله - في "طريق الهجرتين": (فيحمد الله على أن أحياه بعد نومه الذي هو أخو الموت، وأعاده إلى حاله سويَّا سليمًا محفوظًا مما لا يعلمه، ولا يخطر بباله من المؤذيات أو الأذى، والتي هو غرض وهدف لسهامها كلها تقصده بالهلاك أو الأذى، والتي من بعضها شياطين الإنس والجن؛ فإنها تلتقي بروحه إذا نام فتقصد إهلاكه وأذاه. فلولا أن الله - عز وجل - يدفع عنه لما سلم من هذا، ويلقي الروح في تلك الغيبة من أنواع الأذى والمخاوف والمكاره والتفزيعات ومحاربة الأعداء والتشويش والتخبيط؛ بسبب ملابستها لتلك الأرواح ما لا يعلمه إلا الله:

فمن الناس من يشعر إذا استيقظ من الوحشة والخوف والفزع والوجع الروحي الذي ربما غلب حتى سرى إلى البدن. ومن الناس من تكون روحه أغلظ وأكثف وأقسى من أن تشعر بذلك فهي مثخنة بالجراح مزمنة بالأمراض، ولكن لنومها لا تحس بذلك، هذا وكم من مريد لإهلاك جسمه من الهوام وغيرها وقد حفظه منها، فهي في أحجارها محبوسة عنه، لو خليت وطبعها لأهلكته، فمن ذا الذي كلأه وحرسه وقد غاب عنه حسه وعلمه وسمعه وبصره؟! فلو جاءه البلاء من أي مكان جاء لم يشعر به، ولهذا ذكر - عز وجل - عباده هذه النعمة وعدها عليهم من جملة نعمه فقال: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 42] اهـ كلام ابن القيم، وهو كلام خطير، يعرفك خطورة النوم وأخطاره، وكي يحفظك الله في نومك تحتاج لهذه الأذكار. واعلم - أيها الأخ الكريم - أنك تحتاج أن تحفظ في نومك كما تحتاج أن تحفظ في يقظتك بل وأكثرة فاهتم بأذكار النوم، وتالله إنها لكثيرة وخطيرة، تأملها وافقهها وقلها بيقين. انتبه .. إياك والغفلة عن هذه الأذكار، أو أن تقولها وأنت تتثاءب؛ "فَإِنَّ الله لا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ". (حسن، سنن الترمذي: 3479)

فضل النوم ذاكرا طاهرا

ثم إنه لا بد قبل أن تنام أن تنوي نية صالحة حتى تؤجر على ساعات نومك، فالله - عز وجل - كريم، إذا نويت نيةً صالحةً في أي عمل؛ فإن الله يأجرك عليه، حتى وإن كان ذلك العمل هو نومك وراحتك، الكريم - عز وجل - يريح بدنك ويسعدك ويعطيك أجرًا على ذلك. سُئل معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: كَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنْ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللهُ لِي فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. (صحيح البخاري: 4086) دعني أخبرك أولاً بفضل النوم ذاكرًا طاهرًا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِم يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِرًا فَيَتَعَارُّ مِنْ اللَّيلِ، فَيَسْأَلُ اللهَ خَيرًا مِنْ الًدُّنْيَا وَالْاَخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 5/ 244). الله أكبر!! تتوضأ .. وتأخذ مضجعك للنوم .. وتذكر الله حتى تغلبك عيناك .. ثم تتقلب في نومك فتطلب من الله أي شيء من خير الدنيا والآخرة؛ يعطيه لك!! أي شيء!! سل .. سبحان الملك الكريم!! .. سبحانه!! ..

ما يقول إذا أخذ مضجعه

ثم دعني الآن أخبرك بفضل النوم على نية صالحة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَينُهُ حَتَّى يُصْبِحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةَ عَلَيهِ من رَبِّهِ" (صحيح، سنن النسائي: 1787). تنام وتكتب من القائمين!! هذا بعض كرم أكرم الأكرمين .. وأنا في غاية السعادة بهذا الحديث، إن قمت سعدت بالوقوف بين يدي الله، وإن نمت سعدت أن أكون محلاً لصدقة ربي على، اذكر ربك، ثم اجتهد أن تعبداً باسم الله في كل أمورك؛ لكي يعينك الله عليها فابدأ أذكار نومك بتسمية الله؛ لتحصل البركة في النوم فيكفيك منه القليل، هيا قل: (1) باسْمِكَ اللِّهُمَّ أحْيا وأمُوت (صحيح البخاري: 6959). (2) باسْمِكَ رَبي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وَإن أرْسَلْتَها فاحْفَظها بما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصَّالِحينَ (صحيح البخاري: 5961). ماذا يفعل فيك الشيطان إذا أخذت مضجعك للنوم؟ هذه من أخبار الغيب أخبرك بها الحريص عليك، حبيبك محمَّد - صلى الله عليه وسلم -؛ لتفهم وتعمل، وتنجو بعد أن تحذر وتذكر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِما هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدِ يَضْرِبُ

مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ؛ فَإنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإنْ تَوَضَّأ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًاَ طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ" (صحيح البخاري: 1091). أتريد أن تعرف كيف تتخلص منه، وكيف يحميك الله من شره حتى تستيقظ من نومك؟ (3) إِذَا أَويتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ من أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيةَ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] فإنه لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ الله حَافِظٌ وَلا يَقْرَبُكَ شَيطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ (صحيح البخاري: 2187). (4) ثم تقول: اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، عالِمَ الغَيْب وَالشَهَادَةِ، رَبَّ كُل شَيْءِ وَمَليِكَهُ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلاَّ أنتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفِسِي وَشَرّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ، وَأنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءَا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ. (صحيح سنن أبي داود: 5067) (5) ثم ترقي نفسك، كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ جَمَعَ يَدَيْهِ فَيَنْفُثُ فِيهِمَا ثُمَّ يَقْرَأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص]، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق]، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:]، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَسَائِرَ جَسَدِهِ. (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 6/ 154)

هل تريد أن يعينك الله، ويبارك في قوتك، ثم يدخلك الجنة؟ فانتبه إلى هذا الحديث إذاً: (6) عَنْ عَلِىِّ - رضي الله عنه - أنَّ فَاطِمَةَ - رضي الله عنهما - أَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَشْكُو إِليْهٍ ما تلقَى في يَدهَا مِنْ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَت ذَلِكَ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنهما -، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ : "عَلَى مَكَانِكُمَا"، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَينَهَا، حَتى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: "أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِما أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلاَثا وَثَلاِثينَ، وَاحْمَدَا ثَلاًثا وَثَلاِثينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاِثينَ؛ فَهُوَ خَيرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمِ" (صحيح البخاري: 5046). قال ابن تيمية - رحمه الله -: وهذا حديث مجرب؛ فإنه يعطي قوة جسمية حقيقية. ثم إن الشيطان يخدعك حتى يحول بينك وبين الجنة؛ فاحذره وافقه هذا الحديث: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَضلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لا يُحَافِظُ عَلَيهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ، يُسِبِّحُ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةِ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرَا، وَيُكبِّرُ عَشْرَا فَذّلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَة بِاللِّسَانِ وَألْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ في الْمِيزَانِ، وُيكَبِّرُ

أَرْبَعَا وَثَلاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، وَيَحْمَدُ ثَلاثًا وَثَلاِثِينَ، وُيسَبِّحُ ثَلاَثّا وَثَلاِثينَ، فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ في الْمِيزَانِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيل؟ قَالَ: "يَأْتِي أَحَدَكُمْ يَعْنِي الشيطَانَ في مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ، وَيَأتِيهِ في صَلاتِهِ فَيُذَكرُهُ حَاجَةَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا". (صحيح، سنن أبي داود: 5065) وأيضاً هاتان الآيتان إذا قرأتهما تكفيانك كل شيء: قيام الليل، وهمزات الشياطين، وكل شيء .. كل شيء: (7) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرأ بِهِما في لَيلَةٍ كفَتاهُ" (صحيح البخاري: 3786). اختلف العلماء في معنى كفتاه فقيل: من الآفات في ليلته وقيل: كفتاه من قيام ليلته، ويجوز أن يُراد الأمران، ولا حرج على فضل الله. هل تخشى النار؟ وهل تخاف من البعث ويوم القيامة؟ إن كان الأمر كذلك؛ فالزم هذا الدعاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (8) إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أرادَ أن يرقدَ وضعَ يدَه اليمنى تحتَ خدّه ثم يقول: "اللَّهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبادَكَ" ثَلاثَ مَرَّاتِ (صحيح مسلم: 709). استن بسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - وضع يدك اليمنى تحت خدك، ثم

سل الله - عز وجل - أن يرحمك من عذاب يوم القيامة، وأن تكون من المرحومين، سل الله الكريم العظيم الذي لا يرد سائلاً. وما أكثر أدبك حين تثني على ربك قبل أن تسأله مسألتك!! فتعلم من حبيبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول: (9) اللَّهُمَّ رَبَّ السَّموَاتِ ورب الأرْضِ ورب العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنا وَرَبَّ كُلٌ شَيءٍ، فالِقَ الحَبّ وَالنَّوَى، مُنَزِّل التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرآنِ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرِّ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أنْتَ الأوَّل فَلَيسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيء، وأنْتَ الباطِنُ فَلَيسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وأغْنِنا مِنَ الفَقْرِ. (صحيح، سنن أبي داود: 5051) هكذا الحذر من الموت، والحذر من النار، والحذر من القيامة قبل النوم، وأخذ الأمان من رب العباد، بأذكار مطولات، ودعوات مستجابات إن شاء الله. هل أكلت؟ هل شربت؟ هل لك مكان تبيت فيه؟ هل شكرت ربك على هذه النعم؟ قل قبل أن تنام: (10) الحَمْدُ لله الَّذي أطْعَمَنا وَسَقَانا وكَفانا وآوَانا فَكَمْ مِمَّنْ لا كافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ!! (صحيح مسلم: 2715).

إنه استشعار النعمهَ، واستحضار الامتنان، ورؤية الآلاء، والثناء على الله بذلك كله ة لاستجلاب الرضا بالنظر إلى من هو دونك، ألم تقل: فَكَمْ مِمَّنْ لا كافِيَ لَهُ وَلا مُؤوِيَ! أمَّا أنت فكفاك وآواك فقل: (11) الحَمْدُ لله الذي كفاني وآوَانِي وأطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالذي مَنَّ عَليَّ فأفْضَلَ وَالَّذي أعطانِي فأجْزَل، الحَمْدُ لله على كُلّ حالِ، اللهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَليِكَهُ وإِلهَ كُلِّ شَيءٍ أعُوذُ بكَ مِنَ النَّارِ (صحيح، سنن أبي داود: 5058)، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن قَالَ إِذا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي، الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ، اللهُمَّ إِني أَسْاَلُكَ بِعِزَّتِكَ أَنْ تُنَجِّيَني مِنْ النَّارِ؛ فَقَدْ حَمِدَ اللهَ بِجَمِيعِ مَحَامِدِ الخَلْقِ كُلِّهِمْ". (رواه الحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 609) أبشر فقد حمدت الله بجميع محامد الخلق كلهم!! عليك أن تتذكر حال خلودك إلى النوم في سريرك النظيف المريح من يبيتون على الأرصفة في البرد بلا مأوى؛ لتستشعر عظمة نعم الله عليك فتشكرها، وتساعد أولئك المساكين؛ شكرًا لنعمة الله عليك.

ثم إني أريد أن أسألك: هل تحب الملائكة، وتكره الشياطين؟ إن كان فقل: (12) باسْمِ اللهِ وَضَعْتُ جَنْبِي، اللهُم اغْفِرْ ذنْبِي، وأخْسِىءْ شَيْطانِي، وَفُكَّ رِهانِي، وَاجْعَلْنِي في النَّدِيّ الأعْلَى. (صحيح، سنن أبي داود: 5054) النديّ: القوم المجتمعون في مجلس ومثله النادي وجمعه أندية، والنديّ الأعلى: الملأ الأعلى من الملائكة. سل الله قبل نومك أن يغفر لك ذنبك، فإن مت لقيته نظيفَا طاهرًا من الذنوب، وسله أن يبعد عنك شيطانك فلا يوسوس لك ولا يصدك عن طاعة الله، وسله .. سله .. وسله .. وسله؛ فإنه كريم، اسأله كل ما يخطر ببالك، ولا حرج على فضل الله. أخي الحبيب .. لا تشرك بالله .. إن الشرك لظلم عظيم: (13) اقْرأ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون] ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِها؛ فإنَّها بَرَاءَة مِنَ الشِّرْكِ (صحيح، سنن أبي داود: 5054). براءة من الشرك!! الشرك أحيانًا من دقته يكون أخفى من دبيب النمل، فعليك بتلاوة هذه السورة الكريمة. ليحفظك الله من الشرك وشره، ظاهره وباطنه، جليه وخفيِّه.

وما أجمل أن تنام وآخر ما يتردد على لسانك كلام الله!! (14) عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارَيةَ - رضي الله عنه - أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَقَالَ: "إِن فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ من أَلْفِ آيَةٍ" (حسن، سنن الترمذي: 2921). (15) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبىِّ - صلى الله عليه وسلم - لا ينامُ حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر. (صحيح، سنن الترمذي: 3405، بني إسرائيل هي سورة الإسراء) (16) وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يَنَامُ حَتى يَقْرَأ: {الم (1) تَنْزِيلُ} [السجدة]، وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك] (صحيح، سنن الترمذي: 3405). دعني أتوقف معك هنا لحظة، سورة الملك .. عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: يؤتى الرجل في قبره فتؤتى رجلاه فتقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقرأ سورة الملك، ثم يؤتى من قبل صدره أو قال: بطنه فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقرأ في سورة الملك، ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقرأ في سورة الملك، فهي المانعة تمنع عذاب القبر، وهي في التوراة سورة الملك، من قرأها في ليلهَ فقد أكثر ..

سورة الملك .. ثلاثون آية، وهي سورة جميلة وسهلة الحفظ، تقرؤها كل ليلة فتحميك من عذاب القبر!! اللهم لك الحمد على كثير نعمك التي لا تعد ولا تحصى الله يتوفى الأنفس حين موتها .. (17) اللَّهُمَّ أنْتَ خَلَقْتَ نَفْسِي وأنْتَ تَتَوَفَّاها، لَكَ مَمَاتُها وَمَحْياها، إنْ أحْيَيْتَها فاحْفَظْها، وَإنْ أمَتَّها فاغفِرْ لَهَا، اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ العافِيَةَ (صحيح مسلم: 2712). إن كنت تعاني من الأحلام السيئة، فادع بهذا الدعاء: (18) اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ رُؤْيا صَالِحَةً، صَادِقَة غَيْرَ كاذِبَةَ، نافِعَةً غَيْرَ ضَارَّةٍ (صحيح، موقوفًا على عائشة - رضي الله عنها -). ترى .. كيف ستكون خاتمتك؟ (19) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا أتَيتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ على شِقِكَ الأيْمَنِ وَقُلِ: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيكَ، وَألجأتُ ظَهْرِي إِلَيكَ، رَغْبَةَ وَرَهْبَةَ إِلَيكَ، لا ملجأ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلا إِليْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الذي أنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذي أَرْسَلْتَ؛ فإنْ مِتَّ مِتَّ على الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَقُولُ" "صحيح البخاري: 244).

التقلب في الفراش

فإن من .. من على الفطرة، أي على فطرة الإِسلام، ومن مات على الإِسلام لا يدخل النار، واجلعهن آخر ما تقول، فإذا لقيت ربك لقيته ولسانك رطب بذكره، والتوكل عليه وتفويض أمورك إليه وكان آخر أقوالك وأفعالك؛ فهنيئًا لك، نومًا هادئًا. التقلب في الفراش اعلم أن المستيقظ بالليل على ضربين: أحدهُما: من لا ينام بعدَه، وسأذكر لك أذكار الاستيقاظ لاحقًا بإذن الله. والثاني: من يُريد النوم بعدَه، فهذا يُستحبّ له أن يذكرَ الله - عز وجل - إلى أن يغلبه النوم، فإذا استيقظت من نومك ليلاً .. ماذا تفعل؟ وما هو أول شيء تتذكره؟ ليتك تسارع لأن تقول: (20) لا إِلهَ إِلا الله الوَاحِدُ القَهَّارُ، رَبُّ السَّموَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما العَزِيزُ الغَفارُ (صحيح، ابن حبان: 5530). هذا هو الحب .. تغلق عينيك وآخر شيء على لسانك ذكر حبيبك - عز وجل -، ثم تفتح عينيك وأول شيء على لسانك ذكر مولاك - عز وجل -. وَآخِرُ شَيءٍ أَنتَ في كُل هَجْعَةِ ... وَأَوَّلُ شَيءِ أَنتَ عِنْدَ هُبُوبِي

إذا رأى رؤيا

واعلم أيها الحبيب النائم .. أن الصلاة خير من النوم .. (21) عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن تَعارَّ من اللَّيلِ فَقالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُل شَيءٍ قَدِيرٌ، والحَمْدُ لله، وَسُبحانَ اللهِ، وَلا إِلهَ إِلا الله، وَاللهُ كبَرُ، وَلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلأِ باللهِ، ثُم قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفرْ لي أو دَعا؛ اسْتُجِيبَ لَهُ، فإنْ تَوَضَّأ؛ قُبِلَتْ صَلاُتهُ" (صحيح البخاري: 1103). تذكر لتؤجر، وتدعو فيستجاب لك، وتصلي فتقبل صلاتك، أحمدك يا رب. بماذا تحلم؟ كثيرة هي الأحلام، ولكن ولابد لها من أحكام؛ فاعتن بهذا الحكم لتعمل: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذاً رَأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يُحِبُّها؛ فإنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ - سبحان الله - فَلْيَحْمَدِ الله - عز وجل - عَلَيها وَلْيُحَدّثْ بِها" وفي رواية: "فَلا يُحَدَّثْ بِها إِلا مَن يُحِبُّ"، "وَإذَا رأى غيْرَ ذلكَ مِمَّا يَكرَهُ؛ فإنَّمَا هِيَ مِنَ الشيطانِ؛ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّها، وَلا يَذكُرها لأحَدٍ؛ فإنها لا تَضرُّهُ" (صحيح البخاري: 6584). ماذا تفعل إذا رأيت رؤيا سيئة ضايقتك وأحزنتك؟ إليك هدي النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فتأسَّ به:

(22) قَال النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"الرّؤيَا الصالِحه مِن اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئَا يَكْرَهُهُ؛ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيقِظُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا ثلاثَ مَرَّاتِ؛ فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ، وَلْيَتَحَوَّل عَنْ جَنْبِهِ الذِي كَانَ عَلَيْهِ". (صحيح، سنن ابن ماجه: 3909) وصية الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لك يا من تقتفي أثره وتستن بسنته، عندما ترى ما تكره أن تفعل أربعة أشياء: ابصق عن يسارك، تحقيرًا للشيطان وطردًا له. تعوَّذ بالله من شرها؛ فإنها لا تضرك إن شاء الله - عز وجل -: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] لا تخبر بها أحداً: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الرُّويَا عَلَى رِجْل طَائِرِ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ، وَلا تَقُصَّهَا إِلا عَلَى وَادِّ أوْ ذِي رَأْي" (صحيح، سنن أبي داود: 5020، ولاَ تَقُصَّهَا إِلا عَلَى وَادِّ: يعني محب. أَؤ ذِي رَأي: يعني فقيه عالم). فإنك إن أخبرت بها أحداً جعلت لأفعال الشيطان قيمة، فيتعاظم في نفسه وتقوى شوكته عليك. تحول عن جنبك الذي كنت عليه. أولا أخبرك بأفضل من ذلك كله؟ قم فصل ..

{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16 - 17] هل تفزع في نومك؟ لا تخف .. لا بأس عليك .. الذكر أمان لك من الفزع: فقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنْ الْفَزَعِ كَلِمَاتٍ: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ من غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَنْ يَحْضُرُونِ" (حسن، سنن أبي داود: 3893). انظر .. إن الشيطان يأتيك من كل جانب؛ ليكدر عليك عباداتك، وحتى نومك!! فهل يعقل أن تطيعه بعد ذلك وتعصي ربك؟! وإياك إياك أن تنام دون أن تذكر الله، ولو بذكر واحد من هذه الأذكار الكثيرة التي ذكرتها لك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن قَعَدَ مَقعَدًا لَمْ يَذْكُر الله - عز وجل - فِيهِ؛ كَانَتْ عَلَيهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعَا لا يَذكُرُ الله - عز وجل - فِيهِ؛ كانَتْ عَلَيهِ مِنَ اللهِ - عز وجل - تِرَةٌ" (صحيح، سنن أبي داود: 4856). فلا تجعل نومك حسرة اذكر الله .. ونم هانتا .. واستيقظ مأجورًا

أذكار الاستيقاظ

أذكار الاستيقاظ ثم الاستيقاظ نعمة .. وأي نعمة!! إنها مهلة أخرى ونسأ في أجلك، لعلك تتوب وتعمل، كان الربيع بن خثيم - رحمه الله - لا ينام، فلما كلموه في ذلك قال: أخشى البيات، أخشى أن ينزل عذاب الله وأنا نائم. وكان عطاء السلمي - رحمه الله - يقوم من النوم فيتحسس وجهه وجسمه ويقول: أخشى أن أكون قد مسخت وأنا نائم. إذا استيقظت في عافية؛ فاذكر الله الذي عافاك، وأثن عليه واشكره .. ثم ماذا تفعل حين تستيقظ من نومك؟ تأكل؟ تشرب؟ تخرج؟ تتكلم في التليفون؟ فيم تفكر؟ وعلام تعزم؟! تذكر هذا الحديث: "يَعْقِدُ الشيطانُ على قافِيةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ على كُلّ عُقْدَةِ مَكانَها: عَلَيْكَ لَيل طَويلٌ فارْقُدْ فإنِ اسْتَيقَظَ وَذَكَرَ الله - عز وجل - انْحَلَّت عُقْدَةٌ .... " (صحيح البخاري: 1091). اذكر الله يا مُعَقَّد؛ ليحل الله عنك عقدك وعقد الشيطان على قافيتك .. وقيل إذا فتَّحت عينيك، أول ما تفتحهما مباشرة سارع بقول:

(1) الحَمْدُ لله الذِي أحْيَانا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النَشُور. (صحيح البخاري: 6959) أماتنا؟! كيف ذلك؟! نعم كنت ميتًا والله أحياك؛ قال - عز وجل -: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42]. ثم تزيد في الحمد؛ لأن الله قد ألهمك ذكره: (2) الحَمْدُ لله الذِي عَافَانِي في جَسَدِي ورَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وأَذِنَ لي بِذِكْرهِ (حسن، سنن الترمذي: 3401). ما أجملها من كلمة!! "وأَذِنَ لي بِذِكْرهِ"؛ إن من رباه الإِسلام يتأدب مع ربه، فيعترف لله بفضله عليه أن أذن له أن يجرى اسم الله تبارك وتعالى وجل جلاله على لسانه. بل إنه قبل أن يستيقظ من نومه، لا يتعار، ولا يتخلل نومه شيءٌ من الاستيقاظ إلا ويجري اسم مولاه وقرة عينه على لسانه، حُبَّا لربه وخالقه ومولاه. (3) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ: لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ

تحفة

الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا الله وَاللهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ثُمَّ دَعَا: رَبِّ اغْفِرْ لِي غُفِرَ لَهُ، أَوْ قَالَ: دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى قُبِلَتَ صَلاُتهُ" (صحيح البخاري: 1103). وما أجمل أن تبدأ يومك بتلاوة كلام ربك فيمتلىء يومك بركة: (4) اقرأ العشر آيات الأخيرة من سورة آل عمران. عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] (صحيح البخاري: 4293) تحفة إذا هجمت جنود النوم على العيون صاح حارس الذكر بالمتعبدين: الصلاة خير من النوم .. وهتف رقيب المعاتبة: كذب من ادعى محبتي حتى إذا جنه الليل نام عني .. فتهب ريح الأسحار .. فيجد يعقوب الشوق ريح يوسف البشرى ..

أذكار السفر

أذكار السفر أخي الحبيب .. ابن الإِسلام .. الآن دعني أذكر لك بعض الأذكار التي تقولها عند سفرك، حتى يحفظك الله ويعافيك ويبارك لك في سفرتك هذه. أنت المسافر أتخاف على أهلك ومالك إذا سافرت؟ قل لهم: (1) أسْتَوْدِعُكُمُ الله الَّذي لا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ (صحيح، سنن ابن ماجه: 2825)، فعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنَّ الله - عز وجل - إذا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 2/ 87). فالله خير حافظَا، لا تنس أن تستودع كل ما تخاف عليه عنده - عز وجل -. وقبل أن تسافر، اذهب إلى شيخك وسله الوصية، فإنك لن تعدم منه وصية خير أبدًا، أو دعوة بظهر الغيب: (2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسولَ الله، إني

أُريد أنْ أسافرَ فأوصني قال:"عَلَيكَ بتَقْوَى الله عز وجل وَالتكْبِيرِ على كُل شَرَفِ"، فلما ولَّى الرجلُ قال: "اللَّهُم اطْوِ لَهُ البَعِيدَ، وهَون عَلَيهِ السَّفَرَ" (حسن، مسند الإِمام أحمد: 2/ 331). ها أنت قد وقفت أمام السيارة أو الطائرة أو الباخرة، عندما تضع رجلك فيها قل: (3) بِسْمِ الله. ثم إذا استويت فيها (جلست) قل: (4) {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13 - 14] (صحيح مسلم: 1342). ومقرنين أي: مطيقين، فتحمد الله أن سخر لك هذه السيارة، أو أي وسيلة أخرى للسفر؛ لكي تساعدك على سفرك، الذي ما كنت تطيقه ولا تقدر عليه بغيرها، فسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. (5) الحَمْدُ لله، الحَمْدُ لله، الحَمْدُ لله. (6) الله أكْبَرُ، الله أكْبَرُ، الله أكْبَرُ. (7) سُبحانَك إني ظَلَمتُ نَفْسِي. فاغْفِر لي إنهُ لا يَغْفِرُ الذنُوبَ إِلا أنْتَ.

واسمع لهذا الحديث: (8) عن علي بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: شهدتُ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أُتي بدابّة ليركَبها، فلما وضعَ رجلَه في الرِّكاب قال: بِاسْمِ الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي سَخرَ لَنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنِينَ وَإِنا إلى رَبنا لَمُتقَلِبُونَ، ثم قال: الحَمدُ لِلَّهِ ثلاث مرات، ثم قال: الله أكْبَرُ ثلاث مرات، ثم قال: سُبْحانَك إني ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لي إنهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أنْتَ، ثم ضَحِكَ، فقيل: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل مثلَ ما فعلتُ ثم ضَحِكَ فقلتُ: يا رسولَ الله، من أيّ شيء ضحكت؟ قال: "إنَّ رَبَّكَ عز وجل يَعْجَبُ مِنْ عَبدهِ إذا قالَ: اغفِرْ لي ذُنُوبي يَعلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُنُوبَ غيرِي" (صحيح، سنن أبي داود: 2602). ربك عز وجل يعجب!! ما أكرمه وما أكثر وده!! .. سبحانه جل جلاله .. سل الكريم عز وجل أن يوفقك في سفرك ويعينك عليه وقيل: (9) اللهمَّ إنا نَسألُكَ في سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتقْوَى، وَمِن العَمَلِ ما تَرْضَى، اللهم هَون عَلَينا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ، اللهُمَّ أنتَ الصاحِبُ في السفَرِ وَالخَلِيفَهُّ في الأهْلِ، اللهُم إني

أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السفَرِ، وكآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأهْلِ" (صحيح مسلم: 1342). الّلَهم أنتَ الصاحب في السفِر: إذا كان الله صاحبك في سفرك فمم تخاف أو تحذر؟! إذا كان الله صاحبك فماذا فاتك من الحفظ والحماية؟ إذا كان الله معك فمن عليك، ومن ذا الذي يستطيع ضرك؟! والخلِيَفةُ في الأهلِ: ولماذا أيضًا تقلق على أهلك ومالك الذين خففتهم وراءك، أنت استودعتهم في حفظ الله قبل أن تسافر، إنك لو تركت أقرب الناس إليك خليفة في أهلك يرعهم ويحفظهم فلن يكون أبداً في حفظه لهم كرعاية الله وحفظه؛ فتوكل على الله، الله كفيلك، فلا تقلق ولا تخف. سل الله التثبيت؟ فهو مقلب القلوب: (10) اللهم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السفَرِ، وكاَبَةِ المُنْقَلَبِ، وَمِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ، وَمِنْ دَعْوَةِ المَظْلُومِ، وَمِنْ سُوءِ المَنْظَرِ في الأهْلِ وَالمَالِ (صحيح، سنن الترمذي: 3439). والوَعْثاء: هي الشحْة، والكاَبة: هو تغير النفس من حزن ونحوه، والمنقلب: المرجع، والكور: اللف والجمع، والحور: الفك والنكث والفشل.

تأمل بديع الكلم .. أعوذ بك من الحور بعد الكور: يقال: هو الاستعاذة من الرجوع من الإِيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، فهو إنما يعني الرجوع من شيء من الخير إلى شيء من الشرّ، والرجوع من الزيادة إلى النقص، فكأنك تسأل الله أن يثبتك على دينه في هذا السفر، وتستعيذ به من أي نقص في الطاعة أو في الإيمان, كمن لف عمامته وأحكم جمعها، ويخاف أن تتفكك بعد أن تعب في لفها، أنت لففت قلبك بالإيمان وأحكمت جمعه فيه، وتستعيذ بالله من أن يتفكك ويذهب عنك أو حتى ينقص بعد أن تعبت في تخليصه وتصفيته وتنقيته وجمعه، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك. ثم هل تشتهي شيئاً؟ تريد أن تدعو فيستجاب لك؟ ادع في سفرك يستجب لك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجابات لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظلُومِ، وَدَعوَةُ المُسافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ على وَلَدِه" (حسن، سنن الترمذي: 1905). هل تخاف من الأماكن المرتفعة؟ وهل تخاف من الأماكن المظلمة؟ ابن الإِسلام لا يخاف، بل يذكر الله؛ فتكون طمأنينة القلب وراحة النفس وقرة العين، إذا صعدت كوبري أو أي مكان مرتفع في سفرك كبِّر:

(11) الله أكْبَرُ، الله أكبَرُ، الله أكْبَرُ ...... وإذا نزلت نفقَا أو من مكان مرتفع إلى الأرض سبِّح: (12) سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ ...... عن جابر - رضي الله عنه - قال: كنّا إذا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وإذا نزلنا سبَّحنا. (صحيح البخاري: 2831) ولكن لا ترفع صوتك بالتكبير والتسبيح عاليَا: عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فكنا إذا أشرفنا على وادٍ هللنا وكبرْنا وارتفعتْ أصواتُنا فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا على نفُسِكُمْ؛ فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَم وَلا غائِبَا إنهُ مَعَكُمْ، إنَّه سَمِيعٌ قَرِيبَ". (صحيح البخاري: 2830) إذا كنت تسافر ليلَا، وأتى عليك السحر، وهو أجل وأعظم وقت في الليل قل: (13) سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ الله وَنعْمَتِهِ وَحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنَا، اللهمَّ صَاحِبْنَا فَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذَا بِاللهِ من النَّارِ. (صحيح مسلم: 2718)

كأنك تريد أن تشق هدوء الليل بعبارات شكرك فتسمع كل الخلق اعترافك بحمد الله، وتسأل الله أن يصاحبك، فيحفظك ويرعاك ويعينك ويتفضل عليك بمزيد جوده وكرمه، وتستعيذ به من النار. إنا لله وإنا إليه راجعون، هل تعطلت السيارة؟ هل تباطأت في سيرها؟ فقط قل: (14) بِسْمِ الله. لا تلعن الدابة، ولا تلعن اليوم الذي سافرت فيه، فقط استعن بالله، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَينَمَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَة من الأنْصارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ الله فَقَالَ: "خُذوا مَا عَلَيهَا وَدَعُوهَا؟ فَإِنَّهَا مَلْعُونَة"، قَالَ عِفرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي في الناسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أحد (صحيح مسلم: 2595). هل وصلت؟ أم هذه مدينة تمر عليها في الطريق؟ قل: (15) يَا أرْضُ رَبِّي وَرَبكِ الله، أعُوذُ باللهِ من شَركِ وَشَرّ ما فِيكِ، وَشَر ما خُلِقِ فِيكِ، وَشَر ما يَدب عَلَيْكِ، أعُوذُ بِكَ مِنْ أسَدِ وأسْوَدَ، وَمِنَ الحَيَّةِ وَالعَقْرَبِ، وَمِن ساكِنِ البَلَدِ، وَمِنْ وَالِدٍ وَما وَلَدَ (حسن، سنن أبي داود: 2603).

(16) اللهُمَّ رَبَّ السمَوَاتِ السبْعِ وَما أظْلَلْنَ، وَالأَرْضيِن السَّبْعِ وَما أقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشياطينِ وَمَا أضلَلْنَ، وَرَبَّ الرياحِ وَمَا ذرَيْنَ، أسألُكَ خَيرَ هَذِهِ القَرْيَةِ وَخَيرَ أهْلِها، وَخَيْرَ ما فيها، وَنَعُوذُ بِكَ من شَرّها، وَشَر أهلها، وَشَر ما فِيها. (حسن، ابن حبان: 2079) سل الله خير هذا البلد، وسله أن يعيذك من شرها، ومن شر ما فيها، فلا يؤذيك أهلها, ولا يصيبك فيها بلاءً، وتقضي كل أمورك بإذن الله. ثم تستقر في هذا البلد ما شاء الله، ولكن لا تنس أن تقول حال وصولك: (17) أعُوذُ بكَلِماتِ الله التَّاماتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزلا ثُم قالَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ الله التامَّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ؛ لَم يَضُرَّهُ شَيءٌ حَتى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذلكَ" (صحيح مسلم: 2758). إذا قررت العودة قل: (18) تقول ما ذكرت لك عند رؤيتك أو قرية. (19) الله أكْبَرُ , الله أكبر , الله أكْبَرُ.

(20) لا إِلهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ (1). (21) آيِبُونَ، تائبُونَ، عابدُونَ، سَاجِدُونَ، لرَبِّنَا حامِدُون (2). آيبون: الحمد لله أن أعادك إلى بلدك سالمَا غانمَا. تائبون: من كل تقصير أو زلةٍ وقعت منك في السفر وغيره. عابدون: لم يؤثر فيك السفر ولا في طاعاتك ولا إيمانك، بل تشكر نعمة الله على حفظه وتيسيره بأن تزيد في العبادات. (22) صَدَقَ الله وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَندَهُ وَهَزَمَ الأخزَابَ وَحْدَهُ (إذا كنت راجعاً من الحج أو العمرة) (3). (3،2،1: أجزاء من حديث في صحيح البخاري: 1703) إذا دخلت على أهلك، فلا تبدأ بذكر ما حدث لك في سفرك، بل اذكر الله الذي وفقك وأعانك وردك إلى أهلك سالمًا: (23) اِلسِلام عليكِم ورحمة الله وبركاته. (24) توبا توبا , لربنا أوبا , لا يغادر حوبا. (حسْن، مسندُ الإَماُم أحمد: 1/ 255)

أنت المقيم

أنت المقيم إذا كان أحدٌ من أهلك مسافرًا .. خذ بيده وصافحه، ولا تنزع يدك من يده حتى يدعها هو، كذلك كان نبيك - صلى الله عليه وسلم - يفعل، فتأسَّ به، وقيل للمسافر: (1) أسْتَوْدِعُ اللهَ دينَكَ وأمانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ. (صحيح، سنن أبي داود: 2600) ثم ماذا تعد للمسافر ليأخذه معه من الزاد؟ قل له: (2) زَوّدَكَ الله التقْوَى، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَيسرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُما كُنْتَ (صحيح، سنن الترمذي: 3444). ألا تعلم أن خير الزاد التقوى؟؟ قال عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]، وهذه الدعوة الجميلة تدخل السرور على قلب المسافر وتشرح صدره، إذ سألت الله له التقوى والمغفرة، وسألت له الخير؛ فسوف يجده حيثما ذهب إن شاء الله، وهذا غاية ما يشتهيه المسافر. إذا عاد غائبك من سفره: فاحمد الله وقيل:

تحفة

(3) الحَمد لِلَّهِ الذِي سَلمَكَ أوِ الحَمدُ لِلَّهِ الذِي جَمَعَ الشمْلَ بكَ أو نحو ذلك قال الله عز وجل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. (4) الحَمْدُ لِلهِ الذي نَصَرَكَ وأعَزكَ وأكرَمَكَ. (أخرجه أبو يعلي، وصححه ابن السني ني عمل اليوم والليلة: 537) إذا كان عائدا من الحج، سل الله له القبول ثم قل: (5) اللهمَّ اغْفِرْ لِلحَاجّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاج. (رواه الحاكم، وحسنه الحافظ) تحفة فتش على القلب الضائع قبل الشروع في الذكر .. فحضور القلب أول منزل من منازل السير إلى الله، فإذا نزلته أنتقلت إلى باية المعنى، فإذا رحلت عنها أتحت بباب المناجاة، فإذا، دخلت كان أول إكرام طيف اليقظة فتح عين القلب، فإن لم تفعل فأنت مكانك لم ترحل .. وكيف يطمع في دخول مكة من لم يرحل إلى البادية بعد!!!

أذكار الأذان

أذكار الأذان الأَذَان: إِعْلام بِالصَّلاةِ الَّتِي هِيَ أَفضَل الأَعْمَال بِأَلْفَاظٍ هِيَ مِنْ أفْضَلِ الذكْرِ لا يُزَادُ فِيهَا وَلا يُنْقَصُ مِنْهَا، فهل تريد أن تصبح مؤذنَا؟! ألا تعرف فضل الأذان؟ دعني أخبرك به أولاً: كثير من الناس لا يعلمون كثيرَا من الخير والثواب، ولو علم الناس م في الأذان والصف الأول من الخير والثواب، لازدحموا عليه وتنافسوا، واضطروا لإجراء قرعة بينهم؟ لينظروا من منهم الذي يؤذن، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ وَالصف الأولِ ثُم لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيهِ؛ لاسْتَهَمُوا" (صحيح البخاري: 590). الشيطان خطير وطرده عسير، ولكنه على خطورته يخاف من الأذان، ويطير هلعًا ورعبَا، فينصرف مذموماً مدحورًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا نُوديَ لِلصَّلاةِ أدْبَرَ الشيطانُ وَلَهُ ضُرَاط حتى لا يَسْمَعَ التأذِينَ" (صحيح البخاري: 608). في يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، ويوم الخزي والفضائح، يوم تبلى السرائر، ولكن هناك أناسًا لا يحزنهم الفزع الأكبر، وتطول أعناقهم شرفًا، هم المؤذنون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المُؤَذنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعناقًا يَوْمَ القِيامَةِ" (صحيح مسلم: 387).

ويحتاج الإنسان يوم القيامة إلى شهداء وشفعاء، فالحقوق كثيرة والمظالم مطلوب ردها، والأعمال لا تسلم من الشوائب، والمؤذن له شهود يشهدون له، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذنِ حسن ولا شيءٌ، إِلاشَهدَ لَهُ يَومَ القِيامة" (صحيح البخاري: 609). الأمان أن تستحق الجنة، وياله من أمان!! أن يوجب الله لك الجنهَ، والمؤذنون وجبت لهم الجنة بخلاف جزائهم الذي هو رفع درجاتهم، والله يضاعف لمن يشاء، عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَن أَذنَ ثِنْتَي عَشرَةَ سَنَةً؟ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَكُتِبَ لَهُ بِتَأذينهِ في كُلِّ يَوْمِ سِتونَ حَسَنَةً، وَبِإِقَامَتِهِ ثَلاُثونَ حَسَنَةَ" (صحيح، سنن ابن ماجه: 728). بعد أن عرفت هذه الفضائل العظيمة، والمنن الجسيمة، لعلك تتشوف لتحصيلها, تحقد ولا تحسد المؤذنين، هل تريد أن تكون مثلهم؟ قَالَ رجلٌ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ الْمُؤَذنِينَ يَفضُلُونَنَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُل كَمَا يَقُولُونَ فَإذا انتَهَيتَ فَسَل تُعْطَه" (صحيح، سنن أبي داود: 527). ولكن لماذا لا تكون مؤذنًا وتنال هذه الفضائل المضمونة؟ دعني أُعِدكَ لكي تصبح مؤذنًا، إليك صفة الأذان:

(1) الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر (1). (2) ثم تقول سرا بحيث تُسمع نفسَك ومَن بقربك: أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشهَدُ أَن مُحَمَّدَا رَسُولُ اللهِ (2). (3) ثم تعودُ إلى الجهر وإعلاء الصوت فتقول: أَشهَدُ أن لا إِلَهَ إِلا الله، أَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلا الله، أَشهَدُ اَن مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ (3). (4) حَى عَلَى الصلاةِ، حَى عَلَى الصلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَى عَلَى الفَلاحِ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا الله (4). (5) فَإِنْ كَانَ أذان صَلاةِ الصبحِ قلتَ: الصلاة خَيرٌ من النَّومِ، الصلاة خَير من النَّومِ، بعد فراغك من: حَى عَلَى الْفَلاحِ. وإليك صفة الإقامة: (6) الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله، أَشْهَدُ اَن مُحَمَّدَا رَسُولُ الله، حَى عَلَى الصلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ قَدْ قَامَت الصلاة قَدْ قَامَتْ الصلاة الله أَكبَرُ الله أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا الله (5). (1، 2،، 3، 4، 5: حديث صفة الأذان صحيح، سنن أبي داود: 499)

أما إذا لم تؤذن وكنت جالساً في المسجد تنتظر الصلاة وتسمع الأذان: (7) تقول مثل ما يقول المؤذن إلا في قوله: حَى عَلَى الصلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاح، فتقول بعد كل لفظة: لا حول ولا قوّة إلا بالله. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَالَ الْمُؤَذنُ: الله أكبَرُ الله أكبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمْ: الله أَكْبَرُ الله أكبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله، ثُم قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، قَالَ: أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، ثُم قَالَ: حَي عَلَى الصَّلاة، قَالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، ثُم قَالَ: حَي عَلَى الْفَلاح، قَالَ: لا حَولَ وَلا قُوّةَ إِلا باللهِ، ثُمَّ قَالَ: الله أكبَرُ الله أكبرُ، قَالَ الله أكبَرُ الله أكبَرُ، ثُمًّ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا الله، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا الله مِنْ قَلْبِهِ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ". (صحيح مسلم: 385) دخل الجنة!! سبحان الملك الكريم الذي لا أكرم منه!! تقول مثل ما يقول المؤذن، ثم تقول: لا إله إلا الله تنفي بها عن قلبك كل الآلهة سواه، وكل المعبودات إلاه، فتدخل الجنة! الله أكبر!!

وتقول بعد فراغك من ترديد الأذان: (8) اللهمَّ صَل على مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ على إِبْرَاهِيمَ وَعلى آلِ إِبْرَاهِيمَ في العَالَمِينَ إنكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُم بارِكْ على مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ محمد كما بارَكتَ على إِبْرَاهِيمَ وَعَلى اَلِ إِبرَاهِيمَ في العَالَمِينَ إنكَ حَمِيدٌ مَجِيد. (9) اللَّهم رَبَّ هَذهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَلاةِ القائِمةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابعَثْهُ مَقامَا محمودًا الذي وَعَدْتَهُ، إنكَ لا تُخْلِفُ الميعَادَ. لماذا تدعو للنبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم -؟ إذا دعوت له نلت شفاعته: قالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذن فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُم صَلُوا عَلَيَ؟ فَإنَّهُ مَن صَلَّى عَلَى صلاةً صلى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرَا، ثم سَلُوا الَلَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ؛ فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الْجَنّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ كُونَ أنا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الْوَسِيلَةَ؛ حَلَّتْ لَهُ الشفَاعَةُ" (صحيح مسلم: 384). (10) أشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيت باللهِ رَبُّا، وبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وبالإِسْلامِ دِينًا.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن قَالَ حِينَ يَسمعُ المُؤَذنَ: أشْهَدُ أن لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، رَضِيتُ باللهِ رَبا، وبِمُحَمَّدٍ رَسُولاَ، وبالإسلامِ دِينًا؛ غُفِرَ لَهُ ذنبُهُ" (صحيح مسلم: 386). فتناول بترديدك الأذان والذكر بعده هذه الأجور العظيمة: ثواب ذكر الله عز وجل. ثواب الامتثال لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بترديد الأذان. وعدٌ بدخول الجنة. بصلاتك على النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصَلي الله عز وجل عليك عشر صلوات، والصلاة من الله مغفرة ورحمة. تحل لك شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة. يُغفر لك ما تقدم من ذنبك. (11) ادع بما تشاء؛ فإن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدَّعْوَةُ لا تُرَدُ بَينَ الأذانِ وَالأقَامَةِ؟ فَادْعُوا" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 3/ 225). وقَالَ رجل: يَا رَسُولَ الله، إِن الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذا انتَهَيتَ فَسَل تُعطَهْ". (صحيح، سنن أبي داود: 527)

أذكار الدخول

أذكار الدخول دخول المسجد إذا خرجت من بيتك ذاهباً إلى المسجد، ردد هذا الدعاء، نوِّر به حياتك، ونور به طريقك، بل ونوِّر به الكون من حولك: (1) اللهمَّ اجعَلْ في قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورا، وَاجْعَلْ في سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ في بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ من خَلفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِن تَحْتِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، اللهمَّ أَعْطِنِي نُورًا، واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نوراً، وعظم نوراً، واجعل لي نورًا، واجعلني نورًا، اللهم أعطني نورًا، واجعل في عصبي نوراً، وفي لحمي نوراً، وفي دمي نورًا، وفي شعري نورًا، وفي بشري نوراً (صحيح مسلم: 763). سبحان الملك!! الطريق إلى المسجد طريق النور في الدنيا، وفي الآخرة، ليست البشرى من عندي، بل إنها من حبيبك: قال - صلى الله عليه وسلم -: "بَشِّر الْمَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إِلَى المسَاجِدِ بِالنورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (صحيح، سنن أبي داود: 561).

(2) أعُوذُ بالله العَظِيم وَبِوَجهِهِ الكَريم وسُلْطانِهِ القَديم من الشِّيطانِ الرجِيم. فإنك إذا قَلتَ ذلكَ قالَ الشيْطانُ: حُفِظَ مِني سائِرَ اليَوْمِ. (حسن، سنن أبي داود: 466) (3) بِاسْمِ الله، الحمد لله. (4) اللهم صل على النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم -. (5) اللهمَّ اغْفِرْ لي. (6) اللهُمَّ افتَحْ لِي أبوابَ رَحمتك (صحيح مسلم: 713). كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد حمد الله عز وجل وسمَّى وقال: "اللهمَّ اغفِرْ لي وافتَحْ لي أبْوابَ رَحْمَتِكَ". (صحيح، سنن ابن ماجه: 771) أنت داخل إلى بيت الله، وأول فضل تُرزقه بدخولك إذا ذكرت الله أنك تُحْفَظ من الشيطان سائر يومك، ثم تسأل الله أن يفتح لك أبواب رحمته، فيفتح عليك من الطاعات والخير ما شاء، أنت داخل إلى بيت الله، لا تنس ذكر الله .. هل تعرف لماذا بنيت المساجد؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما بُنِيَت المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ" (صحيح مسلم: 569).

وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي الذي بال في المسجد: "إنَّ هَذه المَساجدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِنْ هَذَا البَولِ وَلا القَذَرِ؟ إنمَا هِيَ لِذِكْرِ الله عز وجل وَقَرَاءَةِ القُرآنِ" (صحيح مسلم: 285). فإذا دخلت المسجد ووجدت من يبيع فيه ويشتري قل له: (1) لا أَرْبَحَ الله تِجارَتَكَ. وإذا وجدت من ينادي على شيء ضاع منه، أو على فلان مات أو نحوه قل له: (2) لا رَدَّ الله عَلَيْكَ. وإذا نهاك بعض الناس عن فعلك للسنة لعدم علمهم بها؛ فقل لهم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذاً رأيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أوْ يَبْتَاعُ في المَسْجِدِ؛ فَقُولُوا: لا أَرْبَحَ الله تِجارَتَكَ، وَإذَا رَأيْتُمُ مَنْ يَنْشُدُ فيهِ ضَالَّةً؛ فَقُولُوا: لا رَدَّ الله عَلَيكَ" (صحيح، سنن الترمذي: 1321).

دخول المنزل

دخول المنزل إذا كنت عائدًا من مدرستك أو عملك مرهقَا وتريد أن تنام فلا بأس عليك، ليكن .. ولكن لا تنس ذكر الله، قل وأنت تفتح باب بيتك لتدخل: (1) باسم الله. (2) اللهُم إِني أسألُكَ خَيرَ المَوْلِجِ، وَخَيرَ المَخرَجِ، باسمِ اللهِ وَلجنا، وباسْمِ اللهِ خَرَجنا، وَعَلى الله رَبنا تَوَكلنا. (رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 839) ويستحبّ أن تكثر من ذكر الله عز وجل وأن تسلّمَ سواء كان في البيت آدمي أم لا لقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)} [النور: 61]، فإذا لم يكن في البيت أحد تقول: (3) السلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصالِحِينَ. (رواه الإِمام مالك في الموطأ: 2/ 962) إذا كان أهلك بالبيت تقول: (4) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ألا أنبئك بفضل السلام عند دخول البيت؟ هلم فاسمع لتعمل: البركة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بُنَيَّ إذا دَخَلتَ على أهلِكَ فَسَلم؛ تكن بَرَكةَ عَلَيكَ وعلى أهلِ بَيتِكَ". (رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1608) طرد الشيطان: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دَخَلَ الرجُلُ بَيتَهُ فَذَكَرَ الله عز وجل عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِندَ طَعامِهِ؛ قالَ الشِّيطانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشاءَ، وَإذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكرِ الله عز وجل عنْدَ دُخُولِه؟ قالَ الشيطانُ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَاذا لَمْ يَذْكُرِ الله عز وجل عِندَ طَعامِهِ؟ قالَ: أدْرَكتُمُ المَبِيتَ والعَشَاء" (صحيح مسلم: 2018). أتريد أن يبيت الشيطان معك؟! والله بئس الصاحب هو!! اطرد الشيطان بذكر الله .. رعاية الله وحفظه: قال رسول الله: "ثَلَاَثة كُلُّهُم ضَامِن على الله عز وجل: رَجُلٌ خَرَجَ غَازُيا في سَيِيلِ الله عز وجل؛ فَهُوَ ضَامِنٌ على الله عز وجل حَتى يَتَوفاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يَرُدَّهُ بِما نال مِنْ أجْرٍ وَغَنِيمَةِ، ورَجُل راح إلى المَسْجِد؟ فَهُو ضَامِنٌ على

دخول الخلاء

الله عز وجل حتى يَتَوَفاهُ فَيُدْخلَهُ الجَنَّةَ أَوْ يَرُفهُ بما نال من أجْرِ وَغنِيمَةٍ، وَرَجُل دَخَلَ بَيتَهُ بِسلامٍ؛ فَهُوَ ضَامنٌ على اللهِ عز وجل". (صحيح، سنن أبي داود: 2494) وضامن على الله عز وجل أي: صاحب ضمان والضمان: الرعاية للشيء، فمعناه أنه في رعاية الله عز وجل، وما أجزل هذه العطية!! اللهمَّ ارزقناها يا رب. دخول الخلاء هل أنت حيي، تستتر لكي لا يرى أحد عورتك؟ لكن الجن يرونها إذا دخلت الخلاء، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27]، لذلك قل هذا الذكر ة تُخفظ من أعين الجن: (1) باسْم الله. قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "سِتْرُ ما بَينَ أَعْيُنِ الجِن وَعَوْرَاتِ بَنِي آدمَ إذا دَخَلَ الكَنِيفَ أنْ يَقُولَ: باسمِ الله" (صحيح، سنن الترمذي: 606). (2) اللهمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائث. (صحيح البخاري: 142) والخبث: ذكور الجن، والخبائث: إناثهم، فتستجير بالله من شرهم وأذاهم.

دخول السوق

دخول السوق من سيربح المليون؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرُ البِقَاعِ المَسَاجِدِ، وَشَر البِقَاعِ الأَسْوَاق" (رواه البيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 3271). وعَنْ سَلْمَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: لا تَكُونَن إِنْ استَطَعتَ أَوَّلَ مَن يدخلُ السوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا؟ فَإِنَّهَا مَعرَكَةُ الشيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ (صحيح مسلم: 2451). وذلك لما فيها من لهوٍ، وأيمانِ فاجرة، وحلفٍ كاذب، وسرقةِ، وغش، ونجش، وبيع على بيع، ولكن ابن الإِسلام لا يهتم لذلك كله، فإنه إذا دخل السوق لحاجة أو ضرورة غض بصره وذكر ربه، وله أجر أكبر مما تتخيل: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ حِينَ يَدْخُلُ السوقَ لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحمدُ، يُحْيِ وُيمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدهِ الخيرُ كُلُّهُ، وَهُوَ عَلَى كل شَيءِ قَدِيرٌ: كَتَبَ الله لَهُ أَلْفَ ألفِ حَسَنَةٍ.

تحفة

وَمَحَا عَنْهُ أَلَفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ. وَبَنَى لَهُ بَيتًا فِي الْجَنِّةِ" (حسن، سنن ابن ماجه: 2235). لا يستغرق منك هذا الذكر سوى عشر ثوانٍ، فتربح مليون حسنة، وتغفر لك مليون سيئة، ويبني الله لك بيتًا في الجنة، ربح البيع - والله - حبيبي في الله. تحفة شجرة اللبلاب تنمو في سنتين .. وشجرة الصنوبر تنمو في ثلاثين سنة .. فقالت اللبلابة للصنوبرة مرة: ما قطعتِهِ أنت في ثلاثين سنة قطعتُهُ أنا في سنتين، ويقال لي: شجرة، ولك: شجرة!! فقالت الصنوبرة: اصبري حتى تثور رياح الخريف .. فإذا ثبت لها تم فخرك!! وهكذا في المواقف تبين الأصول .. متى تذكر الله؟!!

أذكار الخروج

أذكار الخروج الخروج من المسجد قد دخلت المسجد وعشت فيه ما شاء الله لك، ثم آن لك أن تخرج لحاجة؛ لكن قلب المؤمن معلق بالمسجد لا يحب الخروج منه، فإذا خرجت لا تحرم نفسك الخير، بادر بذكر الله فقل: (1) بِاسْمِ اللهِ، الحمد لله. (2) اللهم صل على النبي محمد. (3) اللهم إني أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ (صحيح مسلم: 713). (4) اللَّهُمَّ أعِذْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.

الخروج من المنزل

الخروج من المنزل لماذا تخرج من بيتك؟ عَنْ عُقبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَابْتَدَأْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجَاةُ هَذَا الأمْرِ؟ قَالَ: "يَا عُقْبَةُ احْرُسْ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ" (صحيح، سنن الترمذي: 2406). فلا تخرج من بيتك إلا لضرورة أو حاجة، وإذا خرجت فتأدَّب بآداب الخروج والمشي، وابدأ بذكر الله: (1) باسم اللَّهِ. (2) تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ. (3) لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بِالله. (4) اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أوْ أزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عليَّ. فإذا بدأت مستعينًا ببركة الله، متوكلًا عليه، مفوضًا إليه أمورك، سائلًا إياه أن يحفظك من كل هذه الشرور؛ قيل لك: كُفِيتَ. وَوُقِيتَ. وَهُدِيتَ. وتَنَحَّى عَنْكَ الشَّيْطانُ. (صحيح، سنن أبي داود: 5095)

فإذا منَّ الله عليك بهذه الأربعة، وأصابتك بركتها؛ كان خروجك خير لك وبركة عليك، ويتنحى عنك الشيطان الذي يجلس على باب بيتك منتظرًا خروجك ليضلك، فيقول - يعني الشيطان - لشيطان آخر: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وكُفِيَ وَوُقِيَ؟! وهكذا تأوي إلى ركنٍ شديدٍ، فلا يخلص إليك كيد الكائدين، وييأس من الوصول إلى إيذائك الشياطين. (5) يستحبّ لك إذا استيقظت من الليل وخرجت من بيتك أن تنظر إلى السماء وتقرأ الآيات الخواتيم من سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] إلى آخر السورة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه بات عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - من آخر الليل فخرج، فنظر إلى السماء ثم تلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] (صحيح مسلم: 256). وعليك أن تتفكر فيها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَىَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] " (صحيح، ابن حبان: 620).

الخروج من الخلاء

الخروج من الخلاء الدخول إلى الخلاء ضرورة، والخروج منه اختيار؛ فلا تطل بقاءك في مرتع الشياطين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذِهِ الحُشُوشُ مُحْتَضَرَةٌ" (صحيح، سنن أبي داود: 6). محتضرة: أي مسكونة. وإخراج الفضلات نعمة من نعم الله عليك لا تستطيع شكرها، ووجودك في هذا المكان يعطلك عن ذكر الله باللسان؛ لذلك وجبت التوبة من هذين: التقصير في شكر النعمة، والغفلة اليسيرة في الفترة القصيرة التي قضيتها في هذا المكان، فإذا خرجت من الخلاء فقل: (1) غُفْرَانَكَ (صحيح، سنن أبي داود: 30). فكما منَّ الله عليك بطهارة جسدك، سَلْهُ - عز وجل - أن يُطَهِّر قلبك من الذنوب، ويغفر لك.

أذكار اللباس

أذكار اللباس قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يرويه عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ" (صحيح مسلم: 2577)، لا تستح واطلب منه سبحانه أن يكسوك ويرزقك ما تلبسه. فمن شكرك لنعمة الله عليك أن رزقك هذه الثياب تستر بها عورتك، وتتزين له بها في صلاتك، وتتجمل بها وتكون حسن المنظر أمام الناس ألا تنسى ذكره كلما لبست أو خلعت. إذا أردت أن تخلع ثوبك قل: (1) بسْمِ الله. اسم الله بركة، أقوى من الأسوار، ولا تقهره أعين الجن، أيها الحيي الوقور .. لا تكشف عورتك أمام أعين الجن! لا تخلع ملابسك إلا خلف سور لا يكشف الجن ما وراءه! وليس هذا السور من حجارة أو حديد أو فولاذ، بل هو ذكر الله

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سِتْرُ ما بَينَ أعْيُن الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَني آدَمَ إذا وَضَعَ أحدُهُمْ ثَوْبَهُ أنْ يقول: بِسم الله". (رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 5923) أما عند اللبس فلابد أن تحمد الله على نعمة الثياب، فتقول استشعارًا للنعمة عند اللبس: (2) الحَمْدُ لله الذِي كَساني هذا الثوب ورَزَقَنِيه مِنْ غَيْرِ حَوْلِ مِنّي ولا قُوةٍ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (صحيح، سنن أبي داود: 4023). سبحان الملك الكريم!! هذا والله شيء عجيب!! إذا كنت تريد أن يغفر الله كل ما مضى من ذنوبك؛ فلا تنس عند لبس ثيابك أن تقول هذا الذكر العظيم، ويستحب أن تقول هذا الدعاء وتذكر اسم الثوب الذي تلبسه، قميصًا كان، أو عمامة، أو غير ذلك، وإذا كنت قد مَنَّ عليك الكريم - عز وجل - بثوب جديد؛ فاشكر نعمة الله وقل: (3) اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوتَنِيه، أسْألك مِنْ خَيرِهِ وخَيْرَ ما صُنع لَهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شرِّه وشَرِّ ما صُنِعَ لَهُ. (صحيح، سنن أبي داود: 4020) حتي الثوب له خير وشر!! نسأل الله الخير كله ..

ويستحب لك إذا رزقك الله ثوبًا جديدًا أن تتصدق بمثله من القديم لديك، ويُستحبّ أن تبتدىء في لبس الثوب والنعل والسراويل وشبهها باليمين من كُمّيك، ورجلي السراويل وتخلع الأيسر ثم الأيمن، وكذلك الاكتحال، والسواك، وتقليم الأظفار، وقصّ الشارب، ونتف الإِبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء، والوضوء، والغسل، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وأخذ الحاجة من إنسان، ودفعها إليه، وما أشبه هذا فكله يُفْعَلُ باليمين، وضدّه باليسار، فقد كان رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُعجبه التيمّن في شأنه كله في طهوره وترجُّلِه وتنعّلِه (صحيح البخاري: 166)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا لَبِسْتُمْ وَإذَا تَوَضَّأْتُمْ؛ فابْدَؤوا بِمَيَامِنِكُم" (صحيح، مسند الإمام أحمد: 2/ 354). إذا رأيت على أخيك ثوبًا جديدًا فقل: (4) ما شاء الله لا قوة إلا بالله تبارك الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ إِذَا رَأى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ، إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌ" (صحيح، سنن ابن ماجه: 3509). وادع له بالبركات والطيبات فقل أيضًا: (5) الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا. (صحيح، سنن ابن ماجه: 3558) (6) تُبْلي ويَخْلِفُ الله تعالي (صحيح، سنن أبي داود: 4020).

أذكار الأكل والشرب

أذكار الأكل والشرب الطعام نعمة عظيمة من الله - عز وجل - لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدونها، وإذا نويت نية حسنة عند تناولك لطعامك؛ فإنك تؤجر عليه، كأن تنوي به التقوِّي على طاعة الله. وأول أذكار الطعام أن تذكر اسم الله قبل أن تأكل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ" (صحيح البخاري: 5376)، اذكر الله على طعامك حتى لا يشاركك الشيطان فيه: (1) باسم اللَّهِ. قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:" إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ الله - عز وجل - عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعامِهِ؛ قالَ الشَّيْطانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشاءَ، وَإذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ - عز وجل - عنْدَ دُخُولِه؛ قالَ الشَّيْطانُ: أدْرَكتُمُ المَبِيتَ، وَإذا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ - عز وجل - عِنْدَ طَعامِهِ؛ قالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاء" (صحيح مسلم: 2018). وذكرك اسم الله في أول الطعام بركة: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يأكلُ طعامًا في ستة من أصحابه، فجاء أعرابيٌّ فأكلَه بلقمتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفاكُمْ" (صحيح، سنن الترمذي: 1858).

فإذا نسيت في أول طعامك أن تسمي فقل حال تذكرك: (2) بِسمِ الله في أوله وآخره (صحيح، سنن أبي داود: 3767). كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا ورجلٌ يأكلُ فلم يُسمّ حتى لم يبقَ من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فِيه قال: باسم الله أوّله وآخرُه، فضحكَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "ما زَالَ الشَّيْطانُ يأكُلُ مَعَهُ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ اسْتَقَاءَ ما في بَطْنِهِ". (صحيح، سنن أبي داود: 3768) فإذا أطعمك الله طعامًا فقل: (3) اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وأطْعِمْنا خَيْرًا مِنْهُ. وإذا سقاك الله لبنًا فقل: (4) اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وَزِدْنا مِنْهُ. وإذا قدم إليك أحد لبنًا؛ فلا ترده؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب اللبن ويقول: "مَنْ سَقاهُ الله - عز وجل - لَبَنًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ، وَزِدْنا مِنْهُ؛ فإنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ منَ الطَّعامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ" (حسن، سنن أبي داود: 3730). (5) إذا كنت صائمًا وذهبت لزيارة أحد إخوانك في الله وقدَّم إليك طعامًا، فلا ترفضه فتحرجه، ولكن ادع له بالبركة وقل له: إني صائم.

الدعاء بعد الطعام

الدعاء بعد الطعام فإذا انتهيت من طعامك؛ فاشكر ربك الذي أطعمك سبحانه: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14]، أظهر امتنانك، وابذل من قلبك حبك، ولينطق لسانك حمدًا وشكرًا كثيرًا فقل: (6) الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفيِّ، وَلا مودعٍ, ولا مستغنيّ عنه ربنا (صحيح البخاري: 5458). (7) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِىِّ وَلَا مَكْفُورٍ (نفس تخريج ما قبله). ثم اعترف بالنعمة، وأثنِ على معطيها وعظِّم قدرها: (8) اللَّهُمَّ أطْعَمْتَ وَسَقَيْتَ، وَأغْنَيْتَ وأقْنَيْتَ، وَهَدَيْتَ وأحْسَنْتَ؛ فَلَكَ الحَمْدُ على ما أعْطَيْتَ (صحيح، مسند أحمد: 4/ 62). وتذكر أنك تحتاج للإخراج بعد الامتلاء؛ فاحمد الملك على الأمرين: (9) الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا (صحيح، سنن أبي داود: 3851). ولا تنس نعمة الإسلام في غمرة ملأ البطن بالطعام:

(10) الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنَا وَسَقانا وَجَعَلَنا مُسْلِمِينَ. (صحيح، سنن أبي داود: 3850) (11) الحمْدُ لِلَّهِ الّذِي أطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ. هل شبعت؟! هل استشعرت نعمة الله عليك أن منَّ عليك بهذا الطعام الشهيِّ وقد حُرِمَهُ كثيرون غيرك؟! أتعلم أن الكريم - عز وجل - يجازيك على حمدك خيرًا؟! قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أكَلَ طَعامًا فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (حسن، سنن أبي داود: 4023). سبحان الملك الغفور الرحيم!! ما عليك فقط إلا أن تأكل الطعام، وتحمد الله أن رزقك إياه، وتتبرأ من حولك وقوتك وجهدك في تحصيله، وتعترف بأنه رزق من الله وحده؛ فيغفر لك ما تقدم من ذنبك!! سبحانه .. أطعمك، وغفر لك ما تقدم من ذنبك .. بل ويرضي عنك أيضًا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ يأكُلُ الأكْلَةَ؛ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْها، وَيشْرَبُ الشَّرْبَةَ؛ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْها". (صحيح مسلم: 2734)

فياله من كرم!! وياله من عطاء!! إذا أكلت فحمدت الله يغفر لك ما تقدم من ذنبك، ويرضي الله عنك .. والمسلم إذا أكل عند أقاربه أو أحد إخوانه، هل يأكل ويرحل في صمت وبدون أي شكر؟! لا والله، ليس هذا من شيمه، بل يقول: (12) اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِيما رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ. (صحيح مسلم: 2042) (13) أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُم اَلمَلائِكَةُ (صحيح، سنن أبي داود: 3854). وادع لصاحب الطعام، فما أمتع ذلك الإحساس، الري بعد العطش .. الماء البارد على الظمأ .. فإذا سقاك أحد ماءً أو لبنًا؛ فادع له جزاءً على معروفه إليك: (14) اللَّهُمَّ أطْعِمْ مَنْ أطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقانِي. (صحيح مسلم: 2055) أيها المسلم .. ، لقد رباك الإسلام فأحسن تربيتك، وعلمك الأدب الجم، وقد عرفت أن من أدب الطعام ألا تأكل كثيرًا، فإن كثرة الأكل تجلب الكسل والنوم والميل إلى الراحة والدعة، فكل قدر ما يقيم صلبك، وضع الجنة نصب عينيك، ففيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، يقال لك هناك: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24].

أذكار العطاس

أذكار العطاس العطاسُ سببه محمود وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، والله - عز وجل - يحب العطاس، فإذا عطست فقل كما قال أبوك آدم - عليه السلام - حين نفخ الله فيه الروح عطس فقال: (1) الحَمْدُ لِلَّهِ (1). (2) الحمد لله ربّ العالمين. (3) الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ (حسن، سنن الترمذي: 2738). (4) الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى. وترفع صوتك بالحمد؛ ليسمع من حولك فيشمتوك. وإذا سمعت أخاك يعطس فحقه عليك أن تشمته وتقول له: (5) يَرْحَمُكَ اللَّهُ (2). وما أجملها من دعوة، رُدَّها عليه بأجمل منها: (6) يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ (3). (3،2،1: أجزاء من حديث صحيح، صحيح البخاري: 6224)

(7) يغفر الله لنا ولكم. (8) وإذا عطس ولم يحمد الله؛ فلا تشمته. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ الله تَعَالَى فَشَمِّتُوهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ الله فَلَا تُشَمِّتُوهُ". (صحيح مسلم: 2992) (9) وإذا تَكرّرَ العطاسُ من إنسان متتابعًا؛ فالسنّة أن تشمِّته لكل مرّة إلى أن يبلغ ثلاث مرّات، عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: عطس رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا شاهد؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُكَ اللهُ"، ثم عطس الثانية أو الثالثة؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُكَ الله، الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" (صحيح مسلم: 2993).

أذكار السلام والاستئذان

أذكار السلام والاستئذان إذا دخلت بيتك، وإذا خرجت منه، وإذا دخلت المسجد، وإذا خرجت منه، وإذا كنت سائرًا في الطريق ومررت على قوم، وإذا ركبت سيارة أو إحدي المواصلات، وإذا اتصلت بالهاتف أو رددت عليه؛ فألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف: (1) السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وإذا ألقى عليك السلام من تعرفه أو من لا تعرفه؛ يلزمك رد التحية، قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]. (2) وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَركاتُه. والله لا يضيع أجر المحسنين: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ: "عَشْرٌ"، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ؛ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: "عِشْرُونَ"، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: "ثَلاثُونَ" (صحيح، سنن أبي داود: 5195).

فعلى قدر سلامك تكون حسناتك، سَلِّم .. وثقل موازينك، ليوم تحتاج فيه إلى حسنة واحدة. (3) لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ؛ فإنَّ عَلَيْك السَّلامُ تحِيَّةُ المَوْتَى (صحيح، سنن أبي داود: 5209). وكذلك إذا دخلت مسجدًا أو بيتًا لغيرك ليس فيه أحد يُستحبّ أن تُسلِّم وتقول: (4) السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. (5) إذا سلم عليك واحد من أهل الكتاب؛ فله رد خاص: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ؛ فإنَّمَا يَقُولُ أحَدُهُم: السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ: وَعَلَيْكَ" (صحيح البخاري: 6024)، ومعنى السَّام: الموت. وإذا ذهبت لزيارة أحد من إخوانك ووجدت باب بيته مفتوحًا؛ فالسنّة أن تُسلِّم ثم تستأذن فتقوم عند الباب بحيث لا تنظر إلى مَن في داخله ثم تقول: (6) السلام عليكم أأدخل؟ (صحيح، سنن أبي داود: 5177)؛

فإن لم يجبْك أحدٌ قل ذلك ثانيًا وثالثًا؛ فإن لم يجبْك أحدٌ انصرفت، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ؛ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلا فَارْجِعْ" (صحيح مسلم: 2153). (7) وإذا سألك أهل الدار: من بالباب؟ لا تقل: أنا!! فإن هذا مكروه، بل اذكر اسمك؛ حتى يعرف أهل البيت من أنت فيفتحوا لك، يعلمك هذا الأدب جبريل - عليه السلام - في حديث الإِسراء المشهور: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ صَعِدَ بي جِبْرِيلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ قيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ ثُمَّ صَعِدَ بي إلى السَّماءِ الثَّانِيَةِ والثَّالِثَةِ وَسائِرِهنَّ، وَيُقالُ في بابِ كُلِّ سمَاءٍ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: جبْرِيلُ" (صحيح البخاري: 2887). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أتيتُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فدققتُ البابَ فقال: "مَنْ ذَا؟ " فَقلتُ: أنا؛ فقال: "أنَا أنَا"، كأنه كرهها. (صحيح البخاري: 6250)

أذكار الصيام

أذكار الصيام شهر رمضان .. سيول الرحمات وبحار الغفران .. والله إن أيامه أجمل أيام السنة كلها، أيام خير ورحمة .. أيام طاعة وعبادة .. أيام بر وصدقة .. أيام فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار وتصفيد الشياطين، أيام العتق من النيران، ابدأها بسؤال الله الخير والبركة والإيمان. الدعاء عند رؤية الهلال: إذا رأيت الهلال قل: (1) الله أكْبَرُ، اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنا بالأمْنِ والإِيْمَانِ، والسَّلامةِ والإِسلامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنا وَرَبُّكَ الله (حسن، سنن الترمذي: 3447). (2) هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْتُ بالله الذي خَلَقَكَ ثَلاث مراتٍ، ثم تقول: الحَمْدُ لله الَّذي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا (صحيح، سنن أبي داود: 5092). الدعاء عند رؤية القمر: أما إذا رأيت القمر، تأمل في بديع صنع الله، ثم تعوذ بالله من شره كما علمك نبيك - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يقول:

(3) أعوذ بالله مِنْ شَرّ هَذَا الغاسقِ إذَا وَقَبَ. (صحيح، سنن الترمذي: 3366)، والوقوب: الدخول في الظلمة ونحوها مما يستره من كسوف وغيره. وسبب الاستعاذة منه في حال وقوبه أن أهل الفساد ينتشرون في الظلمة ويتمكنون فيها أكثر مما يتمكنون منه في حال الضياء فيقدمون على العظائم وانتهاك المحارم، وهذا الدعاء مستحب في أي شهر وغير مختص بشهر رمضان فقط. ما يقوله الصائم إذا شاتمه أحد: اعلم أنه قد شرع الصيام؛ ليحصل نوع من الانكسار والذل لله فتزيد طاعاتك وعباداتك لا أن تقل؛ فاحفظ لسانك عن الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور، واشغله بذكر الله، وإذا شتمك أحدٌ أو آذاك، أو جهل عليك؛ فلا ترد عليه بمثل ما قال، بل قل: (4) إني صَائِمٌ إني صَائِمٌ. ومن بركات الصيام استجابة دعاء الصائم حتى يفطر: (5) قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلَاَثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُم: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمامُ العادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ" (صحيح، سنن الترمذي 2526)، فأكثر من الدعاء ولا تتعجل فدعاؤك مستجاب. الدعاء عند الإفطار: إذا انتهي يوم صومك، وجلست للإفطار بعد أن شعرت

بالجوع الشديد، فأكلت حتى شبعت في غير سرف، وحين شعرت بالشبع الجميل تذكر ربك، فهو الذي أعانك على صيامك، ثم هو الذي رزقك إفطارك فتوجه إليه بالشكر، قل: (6) ذَهَبَ الظَّمأُ، وابتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأجْرُ إِنْ شاءَ الله تَعالى (حسن، سنن أبي داود: 2357). (7) اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ. (رواه الطبراني، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 1994) استشعر معي هذا الذكر العظيم: ابتلت العروق .. كانت عروقك جافة جدباء من العطش والجوع، فروَّاك الله وأطعمك فابتلَّت عروقك، الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وهدانا وكفانا وآوانا. وليلة القدر، خير من ألف شهر، خير من عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة، فإذا التمست ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان علمك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تقول: (8) اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبٌّ العَفْوَ فاعْفُ عَنِّي. (صحيح، سنن الترمذي: 3513) فإذا عفا العفو الكريم عنك فقد نلت غاية الأمل، فلا تترك هذا الذكر في تلك الليالي المباركة أبدًا، لعلك تصيب قيامها؛ فيغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، ويتقبل دعوتك فيعفو عنك.

أذكار الحج والعمرة

أذكار الحج والعمرة لبيك اللهم لبيك .. هل رزقك الله زيارة بيته الحرام؟! هنيئًا لك الحج والعمرة .. اللهم ارزقنا الحج والعمرة، وتابع لنا بين الحج والعمرة، ولا تحرمنا من الحج والعمرة حتى نلقاك. واعلم أن أذكار الحجّ ودعواته كثيرة لا تنحصر ولكن نُشير إلى المهمّ من مقاصدها. والأذكار التي فيها على ضربين: أذكار في سفرك وأذكار في نفس الحجّ، فأما التي في سفرك فقد مرت معنا في أذكار الأسفار، وأما التي في نفس الحج فنذكرُها على ترتيب أعمال الحجّ إن شاء الله - سبحانه وتعالى -. إذا خرجت من بيتك وأنت تنوي أن تتمتع بالعمرة إلى الحج تقول: (1) لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. (صحيح، مسند الإمام أحمد: 3/ 183) وإذا خرجت من بيتك وأنت تنوي العمرة فقط تقول: (2) لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ.

وإذا خرجت من بيتك وأنت تنوي الحج فقط تقول: (3) لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ. وإذا كنت تخاف من شيء حال خروجك للحج أو العمرة كمرض أو نحوه، وتخشى أن تضيع عليك المناسك فقل: (4) لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَمَحِلِّي مِنْ الأرْضِ حَيْثُ حَبَسْتَنِي. (صحيح البخاري: 4801) فإنك إن اشترطت على ربك - عز وجل - فأحصرت بحبس أو مرض فإنه يجوز لك التحلل من حجك أو عمرتك، وليس عليك دم، وتحج في العام التالي إن شئت، إلا حجة الإسلام فلابد من قضائها. ثم تقول: (5) اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لا رِيَاءَ فِيهَا وَلا سُمْعَةَ. (صحيح، سنن ابن ماجه: 2890) بل خالصة لله وحده، لا تحج ليقولوا: حاج، أو لتنال الهيبة والوقار عند الناس، بل تحج لأن الله أمرك بالحج حال استطاعتك، ابتغاء مرضاته، وخروجًا من ذنوبك؛ فإن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (صحيح البخاري: 1449).

ثم تلبي، والتلبية واجبة؛ لأنها من شعائر الحج، واعلم أنك لا تلبي وحدك: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُلَب يُلَبَّي إِلا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرِ أَوْ مَدَرٍ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الأرْضُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا" (صحيح، سنن ابن ماجه: 2921). حين تقول: لبيك اللهم لبيك تقول الشجرة التي إلى جوارك: لبيك اللهم لبيك، ويقول مثلها كل حجر وشجر، حتى تصير أنت مركز الأرض، وكل ما حولك يلبي، ارفع صوتك بالتلبية، واجعل كل هذه الأشياء تذكر الله معك، سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَىُّ الْحج أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْعَجُّ وَالثَّجُّ". (صحيح، سنن الترمذي: 827) والعَجُّ: رفعُ الصَّوتِ بالتَّلبِيَةِ، وَالثجُّ: يَعنِي كثرَةُ إِهرَاقَةُ الدَّمِ. ومن صيغ التلبية الصحيحه: (6) لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبيْكَ، إِن الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ (صحيح البخاري: 1474). (7) لَبيْكَ لَبَّيْكَ لَبيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لَبيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ (صحيح مسلم: 1184، وهو قول لابن عمر - رضي الله عنه -) (8) لَبيْكَ ذَا الْمَعَارجِ، لبيك ذا الفواضل. (صحيح، سنن أبي داود: 1813)

(9) ويمكن أن تزيد في تلبيتك: لَبيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ. (صحيح، سنن النسائي: 2752) فإذا دخلت المسجد الحرام؛ عليك بأذكار دخول المسجد. ثم إذا رأيت الكعبة .. قف .. وتفقد قلبك: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125] هذا البيت بناه أبوك آدم - عليه السلام - .. ورفع قواعده إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -، وساعد في إعادة بنائه نبيك الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -. وهذا الحجر الأسود .. نزل به جبريل - عليه السلام - من الجنة، وكان أشد بياضَا من البن لولا ذنوب بني آدم .. ووضعه في موضعه هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بيده الشريفة .. تأمل .. إنه قطعة من الجنة .. إذا لمسته لمست شيئًا من الجنة، وإذا قبلته قبلت قطعة من الجنة، أين قلبك ليعيش الجنة في هذه اللحظات؟! تأمل .. أغمض عينيك وتخيل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جالسًا مُتَوسِّدًا بُرْدَةً لَهُ في ظِل الْكَعْبَةِ .. وهنا كان يصلي .. وهنا .. وهنا .. كم آذاه المشركون .. وكم صلى هنا .. وكم تحدث هنا .. وكم قرأ القرآن ونزل عليه الوحي .. وهنا .. في حجر إسماعيل - عليه السلام - ختم عثمان - رضي الله عنه - القرآن بركعة أوتر بها .. والصلاة في الحجر تكون كأنك صليت داخل الكعبة؟ فلا يفوتك أن تركع في الحجر ركعتين.

وهنا جلس أبو بكر - رضي الله عنه -، وهنا صلى عمر - رضي الله عنه -، وهنا سجد علي - رضي الله عنه - .. أريدك أن تتخيل هذا كله؛ لتنسى كل العالم من حولك وتشعر فقط أنك بين هؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم -، كأنك واحد منهم؛ لتتعبد لله بقلوبهم الصافية الطاهرة، وهممهم العالية، وحبهم لله، وشوقهم إلى الجنة، تأمل ثم ادع بعد ذلك بما تشاء .. أو إذا شئت فلك فيهم أسوة، كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا رأى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام؛ فحيِّنا ربنا بالسلام (صحيح). فإذا دخلت مكة وأردت الاعتمار. فقل في عمرتك من الأذكار ما تأتي به في الحجّ في الأمور المشتركة بين الحجّ والعمرة وهي: الإحرام والطواف والسعي والذبح والحلق، أول ما تعبداً به حجك أو عمرتك أن تستقبل الحجر الأسود وتقول: (10) بِسْمِ الله واللهُ اكبَرُ (صحيح، مسند الإمام أحمد: 2/ 14) (11) ثم تبدأ فى الطواف، والطواف ليس له ذكر معين، فدعك من الأذكار المبتدعة والأدعية المتكلفة المخترعة، وانشغل بذكر الله من قلبك والدعاء بما تحب، لكن لا تنطق فيه إلا بخير، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "الطَّوَافُ بِالبَيتِ صَلَاةَ وَلَكِنَّ الله أَحَل لَكُمْ المَنطِقَ فِيهِ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقُ إِلَّا بِخَيرٍ" (صحيح، ابن حبان: 3863)، وقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إِنما الطوَافُ صَلاة فَإِذَا طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا

الْكَلامَ" (صحيح، سنن النسائي: 2922)، فيستحب لك أن تكثر من تلاوة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والدعاء، وتقول بين الركنين اليمانيين: (12) رَبَّنا آتنا في الدُّنْيا حَسَنَةَ وفي الاَخِرة حَسَنةً وَقِنا عَذَابَ النارِ (حسن، سنن أبي داود: 1892). (13) وتتم أشواطك السبعة، فإذا انتهيت من الطواف تغطي كتفك الأيمن، وتذهب إلى مقام إبراهيم - عليه السلام - وتقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 125]. (14) ثم تصلي ركعتين خلف المقام، فيكون المقام بينك وبين الكعبة، ويستحب أن تقرأ في الركعة الأولى منهما: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]. ثم إذا توجهت إلى المسعى؛ قف على جبل الصفا، وتذكر أمك هاجر - عليها السلام - وهي تقف على هذا الجبل تنظر حولها وتبحث لتجد طعامًا أو ماء لابنها الرضيع، ثم تنزل وتجري بلهفة إلى المروة وتصعد فوقه، ليكن سعيك كسعيها، سعي الملهوف المشتاق إلى رحمة ربه ومغفرته، فتقف على الصفا وتقرأ: (15) {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ

اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158] (1)، وتقول: (16) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ (2). فإن الله - سبحانه وتعالى - بدأ في كتابه الكريم بالصفا، فمن الأدب أن تبدأ بما بدأ به ربك. ثم تستقبل الكعبة وتقول: (17) الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ الله أكْبَر ولِلَّهِ الحَمْدُ، الله أكْبَرُ على ما هَدَانا، والحَمْدُ لِلَّه على ما أولانا، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِ وُيمِيتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِير، لا إِلهَ إِلأ الله أنجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، ثم تدعو بخيرات الدنيا والآخرة، وتكرّر هذا الذكر والدعاء ثلاثَ مرّات (3). (3،2،1: أجزاء من حديث حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: صحيح مسلم: 1218) ثم تبدأ السعي بنزولك من جبل الصفا وسيرك في الممشى حتى تصل إلى المروة، وتقول في ذهابك ورجوعك بين الصفا والمروة: (18) رَبّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتجاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ؟ إنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأكْرَمُ (صحيح موقوفاً على ابن مسعود - رضي الله عنه -).

(19) اللهمَّ اَتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةَ وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةَ وَقِنَا عَذَابَ النَّار (صحيح البخاري: 4250). (20) وأكثر من الدعاء؛ فإن الدعاء مستجاب حينئذٍ، ولا تنس أن تهرول في المكان الذي هرولت فيه أمك هاجر - عليه السلام -. (21) فإذا وصلت إلى المروة تقول مثل ما قلت على الصفا. واعلم أن كل الأذكار السابقة مشتركة بين الحج والعمرة، والتالية مختصة بالحج فقط، فإذا انتهيت من المناسك السابقة بأذكارها تكون قد إنتهيت من العمرة ولك أن تتحلل. يوم عرفة: عليك أن تكثر من التلبية، وتخلطها بالتهليل، قال رَسُولَ الله، - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أَفضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاء يَوم عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلي: (22) لا إِلهَ إِلا الله وَحْده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيء قَدِير" (حسن، سنن الترمذي: 3585). اغتنم الفرصة، الدعاء مستجاب، والرحمة تنزل، والمغفرة تعم: قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "الحج عَرَفَة" (صحيح، سنن الترمذي: 889).

وهو أفضل أركانه لتوقفه عليه ولما فيه من الفضل العظيمِ والشرف العميم، ومقصولُه والمعوّل عليه، فينبغي أن يستفرغ الإِنسانُ وُسعَه في الذكر والدعاء، وفي قراءة القرآن، وأن تدعوَ بأنواع الأدعية، وتأتي بأنواع الأذكار، وتدعو لنفسك، وتذكر في كل مكان، وتدعو منفردًا ومع جماعة، وتدعو لنفسك، ووالديك، وأقاربك، ومشايخك، وأصحابك، وأصدقائك، وأحبابك، وسائر مَن أحسن إليك، وجميع المسلمين، ولتحذر كل الحذرِ من التقصير في ذلك كله؛ فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره. والسُّنّة أن تخفضَ صوتك بالدعاء، وعليك أن تكثر من الاستغفار والتلفّظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الخضوع وذل القلب والإلحاح في الدعاء وعدم استعجال الإِجابة، واستفتح دعاءك واختمه بالحمد لله - عز وجل - الثناء عليه - سبحانه وتعالى - والصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولتحرص على أن تكون مستقبلَ الكعبة، وأن تكون على طهارة. ثم تذهب إلى مزدلفة، وُيستحب الإِكثارُ من التلبية في كل المواطن وهذا من آكدها، وتكثر من قراءةَ القرآن ومن الدعاء، ويُستحبّ أن تقول: (23) لا إِلهَ إِلا الله واللهُ أكْبَرُ، وتُكرِّر ذلك.

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقف حتى غربت الشمس فأقبل يكبّر الله ويهلِّله ويعظمه حتى انتهى إلى المزدلفة. ثم تصلِّى الصبحَ في هذا اليوم في أوّل وقتها وتبالغَ في تبكيرها، ثم تسيرَ إلى المشعر الحرام وهو جبل صغير في آخر المزدلفة يُسمى "قُزَح"، فإن أمكنك صعودُه صَعَدته وإلا وقفت تحتَه مستقبلَ الكعبة فتحمد الله - عز وجل - وتكبِّره وتُهلِّله وتُوحِّده وتُسبِّحه، وتكثر من التلبية والدعاء. ثم إذا أسفر الفجرُ انصرفتَ من المشعر الحرام، متوجهًا إلى مِنىَ وشعارك التلبيةُ والأذكارُ والدعاءُ والإِكثارُ من ذلك كلّه، ولتحرصْ على التلبية. فهذا آخر زمنها، وربما لا يُقدَّر لك في عمرك تلبية بعدها. واعلم أن التلبية لا تزالُ مستحبةَ حتى ترميَ جمرة العقبة يومَ النحر، أو تطوفَ طوافَ الإفاضة إن قدّمته عليها، فإذا بدأت بواحد منهما تقطعَ التلبيَة، مع أول شروعك فيه، واشتغلت بالتكبير. ومع آخر حصاة ترميها تنقطع التلبية، وبهذا لم تعد مركزًا للأرض بتلبيتك حيث قطعتها، لكن لا تحزن .. بل استمر في ذكر الله؛ فالأرض تفتخر بأن مرَّ عليها ذاكر لله، فاجعلها تفتخر بك دومًا.

ويوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده تسمى أيام التشريق، فعليك أن تكثر من ذكر الله - عز وجل - في أيام التشريق، الاستغفار والتكبير والدعاء، فهي ليست أيام أكل وشرب فقط، بل وذكر لله أيضا، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أكلِ وَشُرْبٍ وَذكْرُ الله أيضًا" (صحيح، سنن أبي داود: 2813). ثم إذا أردت الذبح أو النحر قل: (24) وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، عَلَى مِلةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشرِكِينَ، إِن صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَبذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (1). (25) بِسمِ اللهِ واللهُ أكبر (2) (26) اَلْلَّهُمَّ مِنكَ وإِلَيكَ تَقبَّل مِنِّي (3). (3،2،1: أجزاء من حديث حسن، مسند الإِمام أحمد: 3/ 375) (27) اللَّهُمَّ صَل على مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وسَلم. رمي الجمرات: السُنّة أن تقف في أيام الرمي بعد كل رمية لتدعو، ففي اليوم الأول تقف عند الجمرة الأولى إذا رميتها، وتتقدم قليلاً عن يمينك وتستقبل الكعبة، وتحمَد الله - عز وجل -، وتُكبِّر وتهلِّلُ وتسبِّح، وتدعو مع حضور القلب وخشوع الجوارح، وتمكثَ

كذلك قدرَ قراءة سورة البقرة، وتدعو وترفع يديك بالدعاء، وتكبر الله - عز وجل - كل حصاة ترميها. وتفعلَ في الجمرة الثانية وهي الوسطى كذلك، ولكن تتقدم إلى اليسار قليلاً. ولا تقفَ عند الثالثة وهي جمرة العقبة، ولكن تجعل البيت عن يسارك، ومِنى عن يمينك وترمي. وهكذا تفعل في أيام التشريق الثلاثة بعد يوم العيد، فإذا انتهيت من رمي الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق فقد انقضى نسكك، ولكن دينك الذي من أصوله الأدب مع الله يشرع لك أنه لا بد من وداع قبل المفارقة. الوداع: إذا أردت الخروج من مكة إلى وطنك طف للوَدَاع ثم أئت الملتَزَم فالتزمه وقيل: (28) اللَّهُمَّ إن البَيْتَ بَيتُك، وَالعَبْدَ عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبدِكَ، وابْنُ أمَتِكَ، حَمَلْتَنِي على ما سَخرْتَ لي مِنْ خَلْقِكَ حتَّى سَيَّرْتَني في بِلادِكَ، وَبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حتَّى أعَنْتَنِي على قَضَاءِ مَناسِكِكَ، فإنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَني؟ فازدَدْ عني رِضًا، وإِلَّا فَمِنَ الآنَ قَبلَ أنْ يَنأى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، هَذَا أوَانُ انْصِرَافي إنْ أذِنْتَ لي، غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلا بِبَيتِكَ، وَلا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلا عَنْ

الدعاء عند زيارة المسجد النبوي

بَيْتِكَ، اللهُم فأصْحِبْنِي العافِيَةَ في بَدَنِي وَالعِصْمَةَ في دِينِي، وأحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقنِي طاعَتَكَ ما أبْقَيْتَنِي، واجْمَعْ لي خَيْرَي الآخِرةِ والدُّنْيا؛ إنَّكَ على كُلّ شَيْءٍ قدِيرٌ. (رواه البيهقي 5/ 164 وقال: هذا من قول الشافعي - رحمه الله -، وهو حسن) فإذا خرجت من مكة بعد طواف الوداع فقد إنقضى حجُّك، ولم يبقَ ذكرٌ يتعلَّق بالحج لكنك مسافر فيُستحب لك التكبير والتهليل والتحميد والتمجيد وغير ذلك من الأذكار المستحبة للمسافرين. الدعاء عند زيارة المسجد النبوي والآن .. لنذهب لزيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .. هذا من بره طالما أنت قريب من بلده: (1) أكثر من الصلاة. على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في طريقك. (2) ثم قل أذكار دخول المسجد. (3) ثم صل ركعتين تحية المسجد. (4) ومتع قلبك بدخول الروضة الشريفة، وهي كما قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:"مَا بَينَ بَيتِي وَمِنبَرِي رَوْضَةٌ من رِياضِ الْجَنَّةِ" (صحيح البخاري: 1137).

لحظة!!! قف مرة اخرى وتفقد قلبك أنت الآن تصلي في روضة من رياض الجنة، على يسارك قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقبر أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وهذا منبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي كان يخطب عليه، وهنا كان يؤذن بلال - رضي الله عنه -، وهنا كانت حجرات زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لا أقول لك ذلك لكي تقبل الجدار أو تفعل تلك البدع، فهذا لا يجوز مطلقًا، ولكن لتفعل كما كان ابن عمرو - رضي الله عنه - يفعل، كان ابن عمر - رضي الله عنه - يتتبع آثار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيصلي فيها، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر - رضي الله عنه - يصب تحتها الماء، حتى لا تيبس. وكان يتتبع آثار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل مسجد صلى فيه، وكان يعترض براحلته في كل طريق مر بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيقال له في ذلك، فيقول: أتحرى أن تقع راحلتي على بعض أخفاف راحلة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال نافع: لو نظرت إلى ابن عمر - رضي الله عنه - إذ أَتبع أثر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لقلت: هذا مجنون. فأكثر من الصلاة في المسجد، لعلك تصيب موضعًا صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه، هذه هي وسطية أهل السنة، لا غلو ولا تفريط، لا شرك ولا ابتداع، لا جفاء ولا إعراض.

ثم تستقبل قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتقول: (5) السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله. وإن كنت قد أوصاك أحدٌ بالسَّلام على رسول الله قلت: (6) السَّلام عليك يا رسولَ الله من فلان بن فلان. وتأخرَ قدر ذراع إلى جهة يمينك تُسلِّم على أبي بكر - رضي الله عنه -: (7) السلام عليك يا أبا بكر. ثم تأخَّر ذراعاً آخرَ للسلام على عُمر - رضي الله عنه -: (8) السلام عليك يا عمر. (9) وإذا أردت أن تدعو تحولت عن القبر واستقبلت القبلة، وتدعو لنفسك ولوالديك وأصحابك وأحبابك ومَن أحسنَ إليك وسائر المسلمين، واجتهد في إكثار الدعاء، واغتنم هذا الموقف الشريف، وأحمد الله - عز وجل - أن رزقك الحج والعمرة، وزيارة مسجد نبيه وقبره - صلى الله عليه وآله وسلم -، وسبِّحه وكبِّره وهلِّله، وصلِّ على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأكثر من كل ذلك، ثم تأتي الروضةَ بين القبر والمنبر فتكثر من الدعاء فيها. (10) وعند الخروج من المسجد لا تنس أذكار الخروج من المسجد.

أذكار المرض والرقي

أذكار المرض والرُّقَي الشيطان الرجيم - نعوذ بالله منه - عدو مبين للإنسان، يحاول إيذاءه كلما أمكنه ذلك، ولا سبيل للوقاية منه ولا للعافية الدائمة من شره إلا بالرقى والمعوذات، وأهم تلك الرقى ما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعوذ به الحسن والحسين - رضي الله عنهما -، كان يرقيهما فيقول: (1) أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ الله التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيطانٍ وَهامَّةِ، وَمِنْ كُلّ عَينٍ لامَّةِ، ويقول: إن أباكُما كان يُعَوِّذُ بِها إسماعِيلَ وَإسحاقَ - عليه السلام - (صحيح، سنن أبي داود: 4737). والمرض وارد على جميع الخلق، ومرض المسلم خير له، قال الحسن - رضي الله عنه - وذكر أيام المرض: (والله ما هي بِشَرِّ أيام المسلم أيام قورب له فيها من أجله، وذكر فيها ما نسي من معاده، وكُفرَ عنه بها من خطاياه)، فإذا زرت أخاك المريض قل أولاً: (2) الحَمْدُ لِلَّهِ الذي عافاني مِمَّا ابْتلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي على كَثِيرِ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاَ. وهذا الذكر يقال عند رؤيتك لأي شخص مبتلى، فإن من قال هذا الذكر مخلصًا مشفقًا على أخيه مستعيذًا لنفسه؛ ضمن

له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لن يبتلى به، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "مَن رأى مُبْتَلىَ فَقالَ: الحَمْدُ لله الذي عافاني مِمَّا ابتلاكَ بِهِ وَفَضلَنِي على كَثِيير مِمَّنْ خَلَقَ تفضِيلًا، لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البَلاءُ". (حسن، سنن الترمذي: 3431) ويستحب أن يقوله سرًّا كي لايؤذي المريض ثم ابدأ الدعوات المباركات له، وأخلص له في الدعاء، حريصاً أن يتقبل الله دعاءك، فقل: (3) اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أذْهِبِ البأسَ، اشْفِ أنْتَ الشافِي، لا شِفاءَ إِلا شِفاؤُكَ، شِفاءَ لا يُغادِرُ سَقَمَا" (صحيح البخاري:5743) معنى لا يغادر: أي لا يترك، والبأس: الشدّة والمرض. (4) امْسَحِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشفاءُ، لا كاشِفَ لَهُ إِلا أنْتَ (صحيح مسلم: 5412). (5) قل له سَبْعَ مَرَّاتٍ: أسألُ الله العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أنْ يَشْفِيكَ. قَالَ النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: "مَنْ عادَ مَرِيضًا لَمْ يَحضُر أجَلُهُ فَقالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتِ: أسالُ الله العَظِيمَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ أنْ يَشْفِيكَ؛ إلا عافاهُ الله - عز وجل - ذلِك المَرَضِ". (صحيح، سنن أبي داود: 3106) (6) اللهمَّ اشْفِ عَبْدَكَ؛ يَنْكأ لَكَ عَدُوًّا، أوْ يَمْشي لَكَ إلى صَلاةِ (صحيح، سنن أبي داود:3107).

رقية المريض

(7) لا بأسَ طَهُورٌ إنْ شاءَ الله (صحيح البخاري: 3420). (8) اللهم اشف فلانًا (ثلاث مرات) (صحيح مسلم: 1628). (9) عليك أن تدعو له وتطلب منه الدعاء لك، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - "إِذا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيَّتَ فَقُولُوا خَيرًا؟ فَإِنَّ الْمَلاِئكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُون" (صحيح مسلم: 919). رقية المريض كن رقيق القلب، سل أخاك عن حاله، وتفقده من حين لآخر؛ فإن ذلك يطيب خاطره، فإن نزل به مرض فضع يدك على جبهته وقل له: (1) بِسْمِ الله أَرْقِيكَ مِنْ كُلّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ، من شَرّ كُل نَفسٍ أو عَيْنٍ حاسِدٍ، الله يَشْفِيكَ، بِسمِ اللهِ أرْقِيكَ. (صحيح، سنن الترمذي: 972) (2) ضع سبابتك بالأرض، ثم ارفعها وقل: بِسْمِ الله، تُرْبَةُ أرْضِنا، بِرِيقَةِ بَعْضِنا، يُشْفَى بِهِ سَقِيمُنا، بإذْنِ رَبِّنا.

كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت به قرحة أو أصابه جرح قال النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بإصبعه هكذا، ووضع سفيان بن عيينهَ - رضي الله عنه - الراوي سبّابته بالأرض ثم رفعها وقال: "بسْم الله تُرْبَةُ أرْضِنا، بِرِيقَةِ بَعْضِنا، يُشفَى بِهِ سقِيمُنا بإذن رَبِّنا" (صحيح البخاري: 5413). (3) اقرأ عليه سورة الفاتحة. عن خارجة بن الصلت عن عمّه - رضي الله عنهما - قال: أَقْبَلْنَامِنْ عِنْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَأَتَيْنَا عَلَى حَى مِن الْعَرَب فَقَالُوا: إِنَا أُنْبِئْنَا أَنَّكُمْ قَذ جِئْتُمْ مِنْ عِندِ هَذَا الرّجُلِ بِخيْرٍ، فهَل عِندَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رُقْيَةٍ؟ فَإِن عِنْدَنَا مَعْتُوهًا في الْقُيُودِ قَالَ: فَقُلْنَا: نَعَم، قَالَ: فَجَاءُوا بِمَعْتُوهِ في الْقُيُودِ قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيهِ فَاتِحَةَ الْكِتَاب ثَلاثَةَ أَيَّام غُدْوَةً وَعَشِيةً، كُلَّمَا خَتَمْتُهَا أَجْمَعُ بُزَاقِي ثُمَّ أَتْفُلُ، فَكَأَنَّمَا نَشَطً منْ عقَالِ قَالَ: فَأَعْطَوْنِي جُعْلًا فَقُلْتُ: لا، حَتى أَسْأَلَ النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: "كُلْ (أي: خذ الجعل وكل منه) فَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَقَدْ أكلْتَ بِرُقْيَةِ حَق" (صحيح، سنن أبي داود: 3420) (4) إذا كان يحتضر حاول أن تجعله ينطق بالشهادة قبل أن يموت، قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: "لَقِّنُوا مَوتَاكُم لا إِلَهَ إِلا اللهُ" (صحيح مسلم: 916)؛ حتى تكون آخر كلامه من الدنيا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: "مَنْ كَان آخِرَ كَلامِه لا إِلهَ إِلا الله؟ دَخَلَ الجَنَّةَ" (صحيح، سنن أبي داود: 3116).

ماذا يقول المريض؟

ماذا يقول المريض؟ إذا كنت مريضا فلا بأس عليك، توجه إلى ربك وادعه كما دعاه نبيُّه أيوب - عليه السلام - الذي صبر على البلاء سنينَ طويلة: (1) {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} [الأنبياء: 83]. (2) ثم تجمع كفيك وتقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} [الفلق: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] ، ثم تمسحُ بهما ما استطعت من جسدك تبدأ بهما على رأسك ووجهك وما أقبل من جسدك، تفعلُ ذلك ثلاثَ مرات (صحيح البخاري: 5018). ضَعْ يَدَكَ على الذِي يألمُ من جَسَدِكَ وَقُلْ: (3) بِسْمِ الله ثَلاثًا (1). (4) وَقُلْ سَبْعَ مَراتٍ: أعُوذُ بِعِزَّةِ الله وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرّ ما أجِدُ وأُحاذِرُ (2) (1، 2: صحيح مسلم: 2202). (5) اللهُ الله ربي لا أُشرِكُ بِهِ شَيئَا. (صحيح، سنن أبي داود: 1525)

(6) سل الله أن يرزقك الموت في بلد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: عَنْ عُمَر - رضي الله عنه - قَالَ: اللهمَّ اززُقْنِي شَهَادَةَ في سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي في بَلَدِ رَسُولِكَ. (7) قل: لا إِلهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، لا إِلهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، لا إِلهَ إِلَّا الله، وَلا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إِلَّا باللهِ. قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "مَن قَالَ: لا إِلهَ إِلا الله وَاللهُ كْبَرُ؛ صَدَّقَهُ رَبّهُ فَقالَ: لا إِلهَ إِلا أنا وأنا أكْبَرُ، وَإذَا قالَ: لا إِلهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. يَقُولُ: لا إِلهَ إِلا أنا وَحدِي لا شَرِيكَ لي، وَإذَا قالَ: لا إِلهَ إلَّا الله لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ قال: لا إلهَ إِلا أنا لي المُلْكُ ولى الحَمْدُ، وَإِذا قالَ: لا إِلهَ إِلا الله وَلا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إِلا باللهِ قالَ: لا إِلهَ إِلَّا أنا وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِي" وكان يقول: "مَنْ قالَهَا في مَرَضِهِ ثُمَّ مَات لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ". (صحيح، سنن الترمذي: 3430) وإذا ظهرت في وجهك أو يدك بثرة أو خراج، فلا تسارع إلى الطبيب ابتداءً، ولا تفزع، بل قل: (8) اللهُمَّ مُطْفِئَ الْكَبِيرِ وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ أَطْفِهَا عَني. (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 5/ 370) ثم تداو إن شئت بعد ذلك.

أذكار الموت

أذكار الموت إذا اشتد بك المرض لا تتمنَّين الموت؟ فأنت لا تعلم ماذا ينتظرك بعده، ولكن قل كما علمك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنه قال: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرّ أصابَهُ؛ فإنْ كانَ لا بُد فاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللهُم أحْيِني ما كانَتِ الحَياةُ خَيرَا لي، وَتَوَفَّيي إذاً كَانَتِ الوَفاةُ خَيرًا لي" (صحيح البخاري: 5347). (1) اللهُمَّ اغْفِرْ لي، وَارْحَمْنِي، وألحِقْني بالرفِيقِ الأعْلَى. (صحيح البخاري: 4176) إن الموت حق، فإذا مات أحد من أهلك فلا تجزع، ولا تفجع، بل اصبر واذكر ربك؛ يفرج كربك، وقيل عقب موته: (2) اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهدِيينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنا وَلَهُ يا رَبَّ العالَمِينَ، وَافْسحْ لَهُ في قَبْرهِ وَنَوَّرْ لَهُ فِيهِ (صحيح مسلم: 920). (3) اللهمَّ اغْفِرْ لي وَلَهُ وَأعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَي حَسَنَةً. (صحيح مسلم:919) (4) إنّا لِلَّهِ وانَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللهُم أجُرْنِي في مُصِيبَتي، وأخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها.

التعزية

وكن على يقين أن الله سيخلفك خيرًا، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِم تُصِيبُهُ مُصِيبَة فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ الله: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ بي خَيرًا مِنْهَا؟ إِلا أَخْلَفَ الله لَهُ خَيْرًا مِنْهَا" (صحيح مسلم: 918). التعزية إذا ذهبت لتعزي أحدًا؛ فيستحب لك أن تقول لأهل الميت: (1) لله تَعالى ما أخَذَ، وَلَهُ ما أعْطَى، وكُل شَيْءِ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسَمَّى؟ فَلْتَصبرْ وَلْتَحْتَسبْ (صحيح البخاري: 1224).

الدعاء في الصلاة على الجنازة

الدعاء في الصلاة على الجنازة وإذا ذهبت لتصلي على جنازة؟ فعليك أن تدعو للميت بإخلاص وقل في دعائك: (1) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وأكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ والثلْجِ وَالبَرَدِ، ونَقَّهِ منَ الخَطايا كما نَقيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وأبْدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ، وَأهْلا خَيْرَا مِنْ أهْلِهِ، وَزَوْجَا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وأدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وأعِذهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، أو مِنْ عَذَابِ النارِ. (صحيح مسلم: 963) (2) اللَّهُمَّ اغْفِز لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرنا، وَذَكَرِنا وأُنْثانا، وشَاهِدِنا وغائِبنا، اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَه منا فأحْيِهِ على الإِسْلام، وَمَنْ تَوَفيْتَهُ منا فَتَوَفَّهُ على الإِيمان، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ (صحيح، سنن أبي داود: 3201). (3) اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّهَا، وأنْتَ خَلَقْتَها، وأنْتَ هَدَيْتَهَا للإِسْلام، وأنتَ قَبَضْتَ رُوحَها، وأنْتَ أعْلَمُ بِسِرّها وَعَلانِيَتِهَا، جِئْنا شُفَعاءَ؛ فاغْفِرْ لَهُ (حسن، سنن أبي داود: 3200).

(4) اللَّهُمَّ إن فُلانَ ابْنَ فُلانَة في ذمتكَ وَحَبْلِ جوَارِكَ؛ فَقِهِ فِتْنَةَ القَبر، وَعَذَاب النَّارِ، وأنْتَ أهْلُ الوَفاءِ وَالحَمْدِ، اللَّهُمَّ فاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ؛ إنَّكَ أنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. (صحيح، سنن أبي داود: 3202) (5) اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيا وَسَعَتِها، ومَحْبُوبِهُ وأحِبَّائهُ فيها إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ ومَا هُوَ لاقيهِ، كانَ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلا أنْتَ وأن مُحَمَّدَا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وأنْتَ أعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ وأنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ به، وأصْبَحَ فَقيرًا إلى رَحْمَتِكَ وأنتَ غَنِي عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إليك، شُفَعَاءَ لَهُ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ في إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجاوَزْ عَنْهُ، وَلَقَّهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَجافِ الأرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الأمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حتّى تَبْعَثَهُ إلى جَنَّتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. (قول للشافعي أخرجه في "الأم": 1/ 472) وإذا كان الميت طفلًا تدعو لأهله وتقول: (6) اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَهُما فَرَطًا، واجْعَلْهُ لَهُما سَلَفًا، واجْعَلْهُ لَهُما ذُخرًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُما، وأفرغ الصِّبْرَ على قَلبِيهِما، وَلا تَفْتِنْهُما بَعْدَهُ وَلا تَحْرِمْهُما أجْرَهُ.

أذكار زيارة القبور

أذكار زيارة القبور وإذا ذهبت إلى زيارة القبور؛ فعليك بالخشوع والتدبر والاتعاظ، والدعاء لأهل القبور: (1) السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْم مُؤمِنينَ، وَأتاكُمْ ما تُوعَدُونَ، غَدَا مُؤَجَّلُونَ، وَإنَّا إنْ شاءَ الله بِكُمْ لاحقُونَ (صحيح مسلم: 974). (2) السَّلامُ على أهْلِ الدّيارِ مِنَ المُؤْمنينَ وَالمُسْلمينَ، وَيرْحَمُ الله المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَمِنَّا وَالمُسْتأخِرِين، وإنَّا إنْ شاءَ الله بكُمْ لاحِقُونَ (صحيح مسلم: 974). (3) السَّلامُ عَلَيكُم دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ الله بِكُمْ لاحِقُونَ (صحيح، سنن أبي داود:3237). (4) السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللهُ لَنا وَلَكُمْ، أنْتُمْ سَلَفنا وَنَخنُ بالأثَرِ (حسن، سنن الترمذي: 1053). (5) السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الديارِ مِنَ المؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ الله بِكُم لَلاحِقُونَ أسألُ الله لَنَا ولَكُمُ العافيَةَ (صحيح مسلم: 975). (6) السَّلامُ عَلَيْكُمْ دار قَوْمِ مُؤْمِنِينَ، أنْتُمْ لَنا فَرَطٌ، وإنَّا بِكُمْ لاحِقُونَ (صحيح، سنن ابن ماجه:1546).

دعاء الاستخارة

دعاء الاستخارة هل أنت مقدم على خطوة ومازلت مترددًا فيها؟ لا تدري هل تقدم عليها أم تتركها؟ أنصحك بخير من تسأله المشورة؟! وهو الذي لا يختار لك إلا الخير ولا يعلم ما فيه مصلحتك ونجاحك إلا هو. إنه الله جل جلاله .. فإنه - سبحانه وتعالى - يعلم، وغيره لايعلم؛ لأنه - سبحانه وتعالى - بصير بالعواقب؟ لذلك سل ربك أن يأخذ لك القرار، وأن ييسر ويقدر لك الخير حيث كان، توضأ وصل ركعتين نافلة، وقيل: اللهم إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خير لي في دِيني وَمَعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، أو قال: عاجلِ أمْرِي وآجِلِهِ؛ فاقْدُرْهُ بي وَيسِّرْهُ لي، ثُم بارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ شَرُّ لي في دِينِي وَمعاشِي وَعاقِبَةِ

أمْرِي، أو قال: عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ. فاصْرِفْهُ عَني وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمَّ رَضَّنِي بِهِ (صحيح البخاري: 1109). فمن أعظم منك توفيقًا وقد استخرت؟! يعني: طلبت من الله .. الله جل جلاله .. أن يختار لك .. وأبشر {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5]، ولا يفوتك أن تسأل أهل العلم في الذي تستخير فيه أحلال هو أم حرام، فإن كان حلالاً فشاور أهل الخبرة في ذلك من المؤمنين، فإن أيدوك فاستخر وتوكل على الله؛ فقد قال - عز وجل -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]. وصلاة الاستخارة من الصلوات الخطيرة التي لا تفوت المسلم، فهو يحتاجها دومًا، وقد ثبت عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن (صحيح البخاري: 1109). ويستحبّ افتتاح دعاء الاستخارة وختمه بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، ويجوز هذا الدعاء في السجود، أو بعد التشهد وقبل التسليم، أو بعد التسليم وأنت جالس، ثم إن الاستخارة مستحبّة في جميع الأمور المشروعة، فلا تستخر الله في أمر محرم أو فيه شبهة.

دعاء الكرب

دعاء الكرب هل أنت مبتلى؟! هل ضاع منك شيءكنت تحبه؟! هل فقدت أحد إخوانك في الله كان يعينك على طاعة الله؟! هل أنت واقع في مشكلة لا ترى لها فرجًا ولا تعرف لها حلاً؟! رويدك .. رويدك .. لا تيأس .. اصطبر ولا تفزع: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56]. المسلم الذي يحب ربه، والذي يحسن الظن به، إذا ضاق صدره أو ابتلي ببلاءِ يفزع إلى ذكر ربه، فليس من أحد قادر على تفريج كربه إلا هو - سبحانه وتعالى - وجل شأنه، هيا قل دعاء الكرب: (1) لَا إِلهَ إِلَّا الله العَظِيمُ الحَليمُ، لا إِلهَ إِلَّا الله رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إِلهَ إِلَأ الله رَبّ السَّموَاتِ ورب الأرْضِ رَبُّ العَرْش الكَرِيمُ (صحيح البخاري: 5986). (2) يا حَيُّ يا قَيومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ. (صحيح، سنن الترمذي: 3524) (3) اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو؛ فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ لا إِلهَ إِلا أنْتَ (حسن، سنن أبي داود: 5090).

(4) الله الله رَبي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. (صحيح، سنن أبي داود: 1525) (5) اللهم إني أعوذ بك مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ (صحيح البخاري: 5978). هل وصل بك الكرب لدرجة أنك تشعر أن الدنيا كلها مظلمة من حولك، تذكر دعوة صاحب الحوت في بطن الحوت: (6) لا إِلهَ إِلَّا أنْتَ سُبْحانَكَ إني كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا رَبَّهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلهَ إِلَّا أنتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ لَمْ يَدْع بِها رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيء قَطُّ إِلَّا اسْتَجابَ الله لَه". (صحيح، سنن الترمذي: 3505) قالها يونس - عليه السلام - وقد يئس من الأسباب كلها .. فانظر للأسباب كلها كأنها من وراء جدار أمعاء الحوت .. آيسٌ منها .. ثم اذكر ربك .. يُلقيك مولاك الكريم الرحيم باذن الله على شاطئ الفرج العاجل. أين تجد راحة قلبك؟ (7) قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:" مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمِّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْاَلُكَ بِكُلِّ

اسْم هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلا أَذْهَبَ الله هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا " فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟! فَقَالَ: "بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا" (صحيح، ابن حبان: 972). هذا وعد من الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -، ليس بتفريج همك وكربك فقط، بل وإبداله فرجًا وفرحًا، هيا .. تعلم هذه الكلمات، ولا تجعل الشيطان ينسيك حال كربك ذكر ربك، ويسخطك؛ فيغضب ربك عليك، بل إن فرجك في فزعك إلى ربك؛ فافزع إليه يفرج عنك. (9) ألا أخبرك بخير من ذلك كله؟! إذا ابتليت فأحمد الله - عز وجل -، وهذه أعلى درجات الرضا، الشكر على البلاء، قال - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُؤْمِنُ بِخَيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، تُنْزَعُ نَفْسُهُ مِنْ بَينِ جَنْبَيهِ وَهُوَ يَحْمَدُ اللهَ - عز وجل - (صحيح، سنن النسائي: 1843).

إذا خفت قوما

إذا خفت قومًا المؤمن يحبه كل أحد، لكن .. ربما يكون هناك من يحقد عليه أو يحسده أو يتمنى له الشر، فإذا كان هناك من يعاديك، ويكرهك، ويترصد لك؛ ليؤذيك قل: (1) اللهمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ (صحيح، سنن أبي داود: 1537). (2) اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي، بِكَ أَجُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبكَ أُقَاتِلُ (صحيح، سنن أبي داود: 2632). (3) اللهُم اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ (صحيح مسلم: 3005). (4) الله الله رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئَا (صحيح، سبق تخريجه). (5) لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ. (6) اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُخرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأخزَاب، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ (صحيح البخاري: 2861). (7) اللَّهُمَّ رَبَّ السَّموَاتِ السَّبْعِ، وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، كُنْ لِي جَارًا مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَأَحْزَابِهِ مِنْ خَلَائِقِكَ؛ أَنْ يَفْرُطَ

عَلَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ يَطغَى، عَزَّ جَارُكَ، وَجَل ثَنَاؤُكَ، وَلَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ (صحيح، الأدب المفرد: 707). (8) الله أَكْبَرُ، الله أَعَزُّ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعًا، الله أَعَزُّ مِمَّا أَخَافُ وَأَحْذَرُ، أَعُوذُ بِاللهِ الذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ، المُمْسِكِ السَّموَاتِ السَّبْعَ أَنْ يَقَعْنَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ، مِنْ شَرِّ عَبْدِكَ فُلَانٍ، وَجُنُودِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ، مِنْ الجِنَّ والإِنْسِ، اللَّهُمَّ كُنْ لِي جَارَا مِنْ شَرِّهِمْ، جَلَّ ثَنَاؤُكَ وعَزَّ جَارُكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ (ثلاث مرات) (صحيح، الأدب المفرد: 708). سبحان الله العظيم!! كل أذكار الحزن والخوف توحيد!! الموَحِّد يأوي إلى ركن شديد!! لا إله إلا الله، هو ربي لا شريك له .. (9) حسبنا الله ونعم الوكيل. حسبنا: يعني يكفينا، ونعم الوكيل: يعني هو أحسن من يؤدي عنا ما لا نطيق لمصلحتنا. وإذا أردت أن تتخيل حب إبراهيم - عليه السلام - لله - عز وجل -؛ فاسمع لكلمته هذه بِأُذُنِ قلبك، وإبراهيم - عليه السلام - في موثَّق وقد ألقي بالمنجنيق في نار تأجج!! أهذا مقام يقول فيه هذه العبارة الرقيقة: نعم الوكيل!!

فبالرغم من أنه موثق بالحبال وسيلقى في النار إلا أنه آمن مطمئن، حَسَنُ الظن بالله، راضٍ عنه ولذلك يقول: "نِعْمَ الوَكِيل"، فقلها بهذا الإحساس؛ يكن عدوك هو المغموم وتجد أنت راحة البال، ثم أبشر لن تمسك نار عدوك؛ قال - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:173 - 175] فأخبر - عز وجل - أن الذين قالوا هذه الكلمة نالوا منه خيرين: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}، و {وَفَضْلٍ} وهما: النعمة: {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} عافية الدنيا. والفضل: {وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ} الثبات على الدين {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}. ثم أعانك الله - سبحانه وتعالى - على بلوغ اليقين فقال لك: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، كل هذا ثم تخاف!! لا تخف لا بأس عليك.

إذا خفت من الشيطان

إذا خفت من الشيطان لماذا تخاف من الشيطان، وقد دلَّك الله - سبحانه وتعالى - على الطريقة التي تطرده وتدحره بها، وأرشدك لذلك رسول الله؟! لا تخف فإن ربك يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، ولكن إذا خفت منه فقل: (1) أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ الْعَليمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزهِ وَنفْخِهِ وَنَفْثِهِ (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 1/ 404). (2) أَعُوذُ باللهِ مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتِ (1). (3) ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ الله التَّامَّةِ (2). (2،1 أجزاء من حديث، صحيح مسلم: 542) (4) أذِّن أذان الصلاة؛ فعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنَّ الشّيْطانَ إذَا نُودِيَ بالصَلاةِ أدْبَرَ" (صحيح البخاري: 583)، هيا أذن واطرده عنك. (5) أَعُوذُ بِوَجْهِ الله الْكَرِيم وَبِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ اللاتِي لا يُجَاوِزُهُن بَرُّ وَلا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَاَ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ، وَشَر مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَشَرِّ مَا ذَرَأَ في الأرْضِ، وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، إِلا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرِ يَا رَحْمَنُ (رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 74).

إذا غلبك أمر

إذا غلبك أمر حبيبي في الله، هل اتخذت قرارًا ثم اكتشفت بعد تنفيذه أن الصواب كان في خلافه؟! اعلم أن ذلك حدث لأنك لم تستخر الله، أو أنك حرمت التوفيق بسبب ذنوبك، فإنْ أصابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ: (1) قَدَّرَ الله وَما شاء فَعَلَ، فإن "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ (صحيح مسلم: 2664)، فلا تهتم له، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن الأمر ليس بيدك بل هو بيد الله - سبحانه وتعالى - وحده. (2) حَسْبِيَ الله ونِعْمَ الوَكِيلُ. عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: {حَسبُنَا اَللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} قالها إبراهيم - عليه السلام - حين ألقي في النار، وقالها محمَّد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]. (صحيح البخاري: 4287) إنها لحظة الرضا، وعلامة رضاه عنك، رضاك عنه: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119].

إذا استصعب عليك أمر

إذا استصعب عليك أمر ليس هناك أمر عسير ولا صعب على من يسر الله له أمره، فإذا استصعبت أمراً فقل: اللهم لا سَهْلَ إِلَّا ما جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وأنْتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ إذاً شِئْتَ سَهْلَا (صحيح، ابن حبان: 974)، والحَزن: غليظ الأرض وخشنها. كأنك تستعين بقدرة الله الذي إن شاء جعل غليظ الأرض وخشنها من أسهل وأمهد ما يكون أن يعينك على هذا الأمر، استعن بالله العلي القدير ولا تعجز. إذا أصابتكُ نكبة الدنيا دار ابتلاء، لا تخلو من المصائب والنكبات؛ فاثبت ولا تجزع، وكن من المُبَشَّرِينَ الذين قال الله فيهم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155 - 156]، فإذا أصابتك مصيبة فقل فورَا عند حدوثها: (1) إنَّا للَّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

العجز عن سداد الدين

(2) اللَّهُمَّ أجُرْنِي في مُصِيبَتي وأخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِم تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ الله: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، اللهُم أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيرًا مِنْهَا؛ إِلا أَخْلَفَ الله لَهُ خَيرَا مِنْهَا". (صحيح مسلم:918) العجز عن سداد الدين أولاً: لقد علمك النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا تسأل الناس شيئًا، فقال: "ثلاث وَالذِي نَفْسُ محمد بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفَا عَلَيهِن" وذكر منها: "لَا يَفْتَحُ الأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ الله عَلَيهِ بَابَ فَقْرٍ" (حسن، مسند الإِمام أحمد: 1/ 193)، فلا تقترض ولا تطلب من أحد مساعدة، بل سل الله الغني الكريم - سبحانه وتعالى - والجأ إليه، واستعفف يعفك الله. ثانيَا: إن اضطررت للاقتراض فلابد أن تنوي حال اقتراضك من أخيك شيئًا أو بعض المال أن تنوي رده؛ فإنك إن نويت الرد أعانك الله فسددت ما عليك، وإن نويت التلف أتلفك الله، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا؛ أَدَّى الله عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلافَهَا؛ أَتْلَفَهُ اللهُ" (صحيح البخاري: 2257).

ثم قدِّم طلبًا إلى الغني الكريم، مالك خزائن السماوات والأرضين فقل: (1) اللهُم اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ. عن عليّ - رضي الله عنه - أن مُكاتبَا جاءه فقال: إني عجزتُ عن كتابتي فأعنّي قال: ألا أُعلّمك كلماتِ علمنيهن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل صِيْرٍ دينًا أدّاه عنك؟ قل: "اللَّهُمَّ اكفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ". (حسن، سنن الترمذي: 3563) لو كان عليك مثل جبل دينًا أدَّاه الله عنك!! إنه فضل الكريم سبحانه وإذا أعانك الله، وسددت دينك؛ فقل لصاحب الدين: (2) بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ. (صحيح البخاري: 3569) وتشكر من أقرضك على كرمه معك، وإقراضه إياك وصبره على سدادك: (3) جَزَاكِ الله خَيْرَا. وإذا كنت قد أقرضت أخاك شيئًا وأتى إليك ليرده فقل له: (4) أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى الله بِكَ (صحيح البخاري: 2182).

إذا هاجت الرياح

إذا هاجت الرياح إذا اشتدت الرياح من حولك .. وأظلم الجو .. وأرعدت السماء .. لا تخف، ولا تفزع، ولا تختبئ، بالذكر والدعاء يطمئن قلبك، ويحصل لك خيرها وتكفى شرها، قال رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - " الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ الله - عز وجل - تأتي بالرَّحْمَةِ، وَتاتِي بالعَذَاب، فإذا رأيْتُمُوها فَلا تَسُبُّوها، وَسَلُوا الله خَيرَها، وَاسْتَعِيذُوا باللهَ من شَرّها) (صحيح، سنن أبي داود: 5097). (1) اللَّهُمَّ إني أسالُكَ خَيْرَها، وَخَيرَ ما فِيها، وَخَيْرَ ما أُرْسِلَت بِهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها، وَشَر ما فيها، وَشَر ما أُرسِلَت بهِ (صحيح مسلم: 899). (2) اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ، وخَيْرِ ما فِيها، وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الرّيحِ، وَشَرّ ما فِيها، وَشَر ما أُمِرَتْ بِهِ (صحيح، سنن الترمذي: 2252). (3) اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من شَرّها. (صحيح، سنن أبي داود: 5099) (4) عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: ما هبَّت الريح إلّا جثا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال "اللَّهُمَّ اجْعَلْها رَحْمَةٌ وَلا تَجْعَلْها عَذَابًا

اللَّهُمَّ اجْعَلْها رِياحًا، وَلا تَجْعَلْها رِيحًا". (صحيح، أخرجه الإِمام الشافعي في "الأم": 1/ 253) وإذا اشتدت الريح فلا تقلق، بل قل: (5) اللهُم لَقْحًا لا عَقِيمًا (حسن، ابن حبان: 1008). لَقحُا: أي حاملَا للماء كاللقحة من الإِبل، والعقيم: التي لا ماء فيها كالعقيم من الحيوان: لا ولد فيها. لا تخف من الرعد، إنه يذكرك بعظمة الله ويحثك على التسبيح بحمد الله، كان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - إذا سمع الرعدَ تركَ الحديثَ وقال: (6) سُبْحانَ الَّذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ (صحيح، الأدب المفرد: 723). وكان طاووس التابعي الجليل - رحمه الله - يقول إذا سمع الرعد: (7) سبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له، كأنه يذهب إلى قول الله - عز وجل -: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13]. (صحيح، أخرجه الإِمام الشافعي في "الأم": 1/ 253) فإن نزل المطر تقول: (8) اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا (صحيح، سنن أبي داود: 5099).

(9) اللَّهُمَّ صَيِّبَا نافِعَا مرَّتين أو ثلاثًا. (صحيح البخاري: 1532)، والصيِّب: المطرُ الكثيرُ، وقيل: المطر الذي يجري ماؤه. ولا تكن مثل هؤلاء الذين يجحدون نعمة الله، يرزقهم المطر فيقولون: مطرنا بنوء كذا، بل إذا رزقت المطر قل: (10) مُطِرنا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ. عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبكُمْ؟ " قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ؛ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا؛ فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِن بِالْكَوْكَبِ" (صحيح البخاري: 846). (11) وتدعوا الله كثيرًا؛ فإن الدعاء حال نزول المطر مستجاب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اطلبوا اسْتِجَابةَ الدعاء عند التْقَاءِ الجُيُوشِ، وَإِقَامَةَ الصَّلَاة وَنُزُولِ الغَيثِ" (الصحيحة: 1469). وإذا كان المطر شديدًا ويخاف أن يؤذي ويضر فقل: (12) اللهُمَّ حَوَالَيْنا ولَا عَلَيْنا، اللَّهُمَّ على الآكام وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَجَرِ.

أدعية الحب في الله

أدعية الحب في الله. الحب في الله .. علاقة سامية .. لا تشوبها شائبة كمصلحة دنيوية أو منفعة، بل هي من الله، وفي الله، ولله، وتجلب لك حب الله. والْمُتَحَابُّونَ في اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ، فإذا أحببت أخًا لك في الله وقابلته يوماً، عليك أن تبش في وجهه، وعليك أن تخبره أنك تحبه في الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ؛ فَلْيُخْبِرْهُ أنهُ يُحِبهُ" (صحيح، سنن أبي داود: 5124)، قل له: (1) إني أُحِبُّكَ في اللهِ (حسن، سنن أبي داود: 5125). (2) وإذا قال لك: إني أُحِبُّكَ في اللهِ قل له: (3) أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ، أو أَحَبَّكَ الّذِي أَحْبَبْتَنِي فِيهِ. (نفس التخريج) ولا مانع أن تطلب منه أن يكثر من زيارته لك، طالما أن مجلسكما يكون مجلس ذكر لا مجلس لغو: (4) قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لجبريل - عليه السلام -: "ما يَمْنَعُكَ أنْ

تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا؛ فنزلتْ {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ] [مريم: 64] ". (صحيح البخاري: 4454) وإذا رأيته يضحك فرحت لفرحه، ودعوت له بمزيد فرح: (5) أَضْحَكَ الله سِنَّكَ (صحيح البخاري: 3120). وإذا عرض عليك أخوك ماله فقل له: (6) بَارَكَ الله لَكَ في أَهْلِكَ وَمَالِكَ. (صحيح البخاري: 3569) وإذا نادى عليك أخوك، أو دعاك إلى طعام، أو وليمة، أو احتفال مشروع كزواج ونحوه؛ فلا ترفض؛ فإن ذلك يحزنه، بل أسرع بإدخال السرور على قلبه وقيل: (7) لَبيْكَ. (8) لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ (صحيح البخاري: 9512). أنت تحب أخاك جدًا .. وتريد أن تزكيه وتمدحه، ولكن لا تكن من المداحين الذين أمرنا النبي أن نحثو في وجوههم التراب، وإذا مدحته لا تمدحه إلا بما فيه، ولك أن تقول: (9) أَحْسِبُ فُلانَا وَاللهُ حَسِيبُهُ وَلا أُزَكِّي عَلَى الله أَحَدَا أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ (صحيح البخاري:2519).

أما أنت فلا تمدح نفسك، ولا تفرح بمدح أحد لك، قال - سبحانه وتعالى -: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]، وإذا مدحك أحد فقل: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيرا مما يظنون. وإذا مررت على أخيك في محل عمله، أو زرته وهو يصلح شيئًا في بيته، أويعمل أو يتعبد فشجعه: (10) اعْمَلُوا؛ فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِح. (صحيح البخاري: 1554) وإذا قال لك أخوك كلمة أعجبتك فقل له: (11) أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ (صحيح، سنن أبي داود: 3917). وإذا قال لك شيئًا تعجبت منه فقل: (12) سبحان الله. وإذا بشَّرك بشيء يسرك قل: (13) الله أكبر. وإذا غضبت فقل: (14) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (صحيح البخاري: 3108). (15) أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفثه، ونفخه.

(16) ويستحب أن تتوضأ وتصلي لعل الله يذهب غضبك (17) ويستحب أيضًا ان تترك الذي غضبت فيه أو تغير من حالك الذي كنت عليه حال غضبك حتى يذهب عنك ذاك الغضب، فإن كنت قائمًا فاقعد، أو قاعدًا فارقد، أو اخرج. (18) ويستحب قبل هذا كله ألا تغضب إلا لله، فتلك وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمن استوصاه: "لَا تَغْضَبْ". (صحيح البخاري: 5765) وإذا رأيت ما يعجبك قل: (19) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ (1). وإذا. رأيت ما تكره لا تتسخط، بل قل: (20) الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (2). (1، 2: حسن، سنن ابن ماجه: 3803) وإذا أسدى أخوك إليك معروفًا ولا تدري بم تكافئه، قل: (21) جَزَاكَ الله خَيْرًا، فقد أبلغت في الثناء. (صحيح، سنن الترمذي: 2035) وتدعو له: (22) اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ (صحيح البخاري: 143). (23) اللهمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ. (صحيح البخاري: 5975)

أدعية متفرقة

أدعية متفرقة تقول إذا سمعت صياح الديكة: (1) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ (1). وتقول إذا سمعت نهيق الحمير، أو نباح الكلاب بالليل: (2) أعُوذُ بِالله السميع العليم مِنْ الشَّيْطَانِ الرجيم (2). (1، 2: صحيح البخاري: 3127) وإذا رأيت من نفسك وأهلك وإخوانك شيئًا يعجبك، وخشيت أن تصيبهم بعينك؛ فإن العين حق، تقول: (3) ما شاء الله لا قوة إلا بالله. (4) اللَّهُمَّ بَاركْ فِيهِ (صحيح مسلم: 3007) (5) أُعِيذُكَ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُل عَيْنِ لامَّةٍ. (6) تقرأ المعوذتين. (7) ويجوز إذا رأيت رجلاً آتاه الله القرآن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، أو رجلاً آتاه الله مالاً ينفقه في سبيله أن تقول: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل (أصل الحديث في صحيح البخاري: 4738)، فتتمنى لنفسك تلك النعمة دون كراهيتها لأخيك وهذه تسمى الغبطة.

إذا كنت تخشى الرياء فعليك بهذا الدعاء كل يوم لدفع الرياء: (8) اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَغلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا نَعْلَمُ (ثلاث مرات). واحذر الشرك، ظاهره وباطنه، قليله وكثيره، قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيهَا النَّاسُ، اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ؛ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ" فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ: وَكَيفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخفَى مِنْ دَبِيب النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنا نَعُوذُ بِكَ مِن أَنْ نُشرِكَ بِكَ شَيئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا نَعْلَمُ". (صحيح، الأدب المفرد 716) وإذا كنت جالسًا مع إخوانك في الله في مجلس علم أو ذكر؛ فعليكم أن تدعوا لأنفسكم؛ فإن الملائكة تحضر مجلسكم: (9) اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتُكَ، وَمِنْ اليَقِينِ مَا يُهَوِّنُ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ منا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَن عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلَا تُسَلِّط عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا. (حسن، سنن الترمذي: 302)

(10) كان يعد لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَجلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرةٍ: "رَب اغْفِرْ لي، وَتُبْ عَلَيَّ؛ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ". (صحيح، سنن أبي داود: 1516) (11) فإذا تفرقتم فصلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا تنس قبل أن تقوم من مجلسك أوأي مجلس أن تقول: (12) سُبحَانَكَ اللهُم وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُك وَأتُوبُ إِلَيْكَ، فهو كَفَّارَة لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدكَ، لا إِلَهَ إِلا أَنتَ، أَستَغْفِرُكَ ثُمَّ أَتُوبُ إِلَيكَ؛ إِلا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجلِسِهِ ذلِكَ" (صحيح، سنن الترمذي: 3433).

أدعية النكاح

أدعية النكاح إذا أردت الزواج فاظفر بذات الدين، وإذا ذهبت لخطبتها فقل: (1) إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ، ونعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنفسِنا، ومِن سَيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلا الله، وَحْدَهُ لا شريكَ لَه، وأَشهَدُ أَن مُحَمَّدَا عبدُهُ ورسولُه. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71] أما بعد، ثم تسمي حاجتك. (صحيح، سنن أبي داود، باب: في خطبة النكاح: 2118)

هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي حاجتهم في النكاح وغيره، ويستحب أن يقدمها الخاطب بين يدي الخطبة، ثم يقول بعدها: جئتكم راغبًا في فتاتكم فلانة أو نحو ذلك، أما في العقد فيقولها العاقد أو ولي الزوجة ثم يقول: زوجتك فلانة، ولا يخطب الزوج هنا بشيء؛ بل يقول متصلاً بقول الولي: قبلت تزويجها، حتى لا يفصل كلام بين الإيجاب والقبول. فإذا تزوجت فعليك أن تهتدي بهدي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: (2) قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا تَزَوَجَ أَحَدُكمْ امْرَأَةَ فَلْيَقُلْ: اللهُم إِنِّي أَسْاَلُكَ خَيرَهَا، وَخَيرَ مَا جَبَلْتهَا عَلَيهِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ شَرهَا، وَمِنْ شَرّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيهِ، ثَم لِيَاْخُذْ بنَاصِيَتِهَاَ وَليَدع بِالْبَرَكَةِ" (صحيح، سنن أبي داود: 2160). (3) اللهُم بَارِكْ لي في أَهْلِي، وَبَارِك لَهُمْ في، اللهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا مَا جَمَعْتَ بِخَيْرٍ؛ وَفَرِّق بَيْنَنَا إِذَا فَرَّقتَ إلى خَيْرٍ. (رواه الطبراني، وصححه الألباني في آداب الزفاف: 1/ 24) (4) وإذا أردت حماية ذريتك من الشيطان فقد نبَّأك النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يكفل لك ذلك، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَن أَحَدَكُمْ إِذَا أتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ الله، اللهُم جَنِّبْنَا الشيطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَينَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضرُّهُ شَيطَانٌ أَبَدا". (صحيح البخاري: 141)

وإذا رزقك الله بمولود فعليك أولاً أن تحمد الله على هذه النعمة العظيمة، ثم تؤذن في أذنه: (5) عَنْ عُبَيْد الله بنِ رافع عن أبيه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَذَّنَ في أذن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - حين وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ - رضي الله عنها - بِالصلاةِ "صحيح، سنن أبي داود: 5105). ثم إذا بارك لك أخيك على مولودك رد عليه: (6) بَارَكَ الله لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَزَاكَ الله خَيْرًا، وَرَزَقَكَ الله مِثْلَهُ، أَوْ أَجْزَلَ اللهُ ثَوَابَكَ. وإذا تزوج أحد إخوانك في الله عليك أن تهنئه بذلك قل له: (1) بَارَكَ الله لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا في خَيرٍ. (صحيح، سنن أبي داود: 2130) (2) بارك الله لك (صِحيحِ البخِاري: 5052). (3) اللهم بارك فيهما، وبارك لهما في بنائهما. (رواه الطبراني، وحسنه الألباني في آداب الزفاف 1/ 102) (4) عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ (صحيح البخاري: 3681) وإذا رزق الله أخاك مولودًا؛ فافرح له وهنئه، ويُهَنَّا بما جاءَ عن الحسن البصري رحمه الله أنه علَّم إنساناً التهنئة فقال: قل: (5) باركَ الله لكَ في الموهوب لك، وشكرتَ الواهبَ وبلغَ أشده ورُزقت برّه.

الدعاء لرد الوسوسة

الدعاء لرد الوسوسة. أحيانًا يأتي لك الشيطان ويوسوس لك، يريد أن يفتنك ويضلك، فإذا وجدت ذلك فافعل ما أمرك به النبي - صلى الله عليه وسلم -: (1) اتفل عن يسارك ثلاثًا. (2) ستعذ بالله من الشيطان الرجيم ومن فتنته. (3) انته تمامًا ولا تتحدث بهذا الأمر لأي أحد. قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَأتِي الشيطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ؛ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنتَهِ" (صحيح البخاري: 3102). (4) قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِن أَحَدَكُمْ. يَأتِيهِ الشيطَان فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَكَ؟ فَيَقُولُ: الله فَيَقُولُ: فَمَنْ خَلَقَ الله؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ (مَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) فَإِن ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ". (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 1/ 257) (5) وإذا أتاك الشيطان في صلاتك يوسوس لك، ويذكرك بأشياء كثيرة؛ ليشغلك في الصلاة، ويسرق قلبك فتصلي بجسدك فقط، وقد يوهمك أنك نسيت أشياء خطيرة؛

تحفة

لكي تسرع في صلاتك وتنتهي منها بسرعة؛ لتطمئن على ما يشغلك، وبذلك ينقص أجر صلاتك؛ فكن منتبهًا، وإذا شعرت به يوسوس لك؛ فاستعذ بالله منه. والاستعاذة ليست مجرد قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بل هي استجارة بالله من شر هذا العدو الخطير، فكن كالغريق الذي يسأل النجاة، واهتف بقلبك واستعن بربك؛ يكفك شر كل ما يؤذيك ويوسوس لك، واتفل عن يسارك ثلاثًا. تحفة لو بعت لحظة من إقبالك على الله .. بمقدار عمر نوح .. في ملك قارون .. لكنت مغبونا في العقد!!

الفصل الثاني: الأذكار والأدعية المطلقة

الفصل الثاني: الأذكار والأدعية المطلقة

الأذكار المطلقة

الأذكار المطلقَة وإليك أيضًا بعض الأذكار المطلقة غير المقيدة بوقت أو حال أو مكان، لتستعين بها على ترطيب لسانك بذكر الله فلا تغفل عن ذكره لحظة، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟، قال: "أَنْ تَمُوتَ وَلسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ الله". (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 165) الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: (1) الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. (2) يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - تسليمك عليه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن لله ملائكة في الأرض سياحين، يبلغوني من أمتي السلام" (صحيح، سنن النسائي: 1282).

(3) الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لها أجر عظيم، صلاة الله عليك، وهي المغفرة والرحمة، فَعَنْ أَبِي طَلحَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى في وَجْهِهِ الْبِشْرُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى في وَجهِكَ الْبِشرُ، قَالَ: "أَجَل، أَتَانِي اَتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَل فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيكَ من أُمتِكَ صَلاةَ؛ كَتَبَ الله لَهُ عَشرَ حَسَنَاتِ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيئَاتِ، ورَفَعَ لَهُ عَشْرَ درَجَاتٍ، ورَدَّ عَلَيهِ مِثْلَهَا" (رواه الإِمام أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 57) (4) يكفيك الله هم الدنيا والآخرة، قال رجل: يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي عليك؟ قال: "نعم إن شئت" قال: فالثلثين؟ قال: "نعم" قال: أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلهَا عَلَيْكَ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَن يَكْفِيَكَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَهَمَّكَ مِنْ دنْيَاكَ وَاَخِرَتِكَ" (حسن، مسند الإِمام أحمد: 5/ 136). (5) مغفرة ذنوبك كلها، قال أُبَيّ - رضي الله عنه -: يا رسول الله، إني أصلي من الليل أفأجعل لك ثلث صلاتي؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الشطْرُ" قال: أفأجعل لك شطر صلاتي؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الثُلُثَانِ أكثَر" قال أفأجعل لك صلاتي كلها؟ قال: (إذًا يُغْفَرُ لَكَ ذنْبُكَ كُلُّهُ" (حسن، سنن الترمذي: 2457).

(6) صلاة الملائكة عليك، وهي الدعاء وطلب المغفرة لك، عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِم يُصَلِّي عَلَى إِلا صَلتْ عَلَيهِ الْمَلَاِئكَةُ مَا صَلَّى عَلَى؛ فَليُقِل العَبْدُ من ذَلِكَ أَو لِيُكثِرْ" (حسن، سنن ابن ماجه: 907). (7) تنفي عنك صفة البخل، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "البَخِيلُ مَنْ ذكرتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ " (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 1/ 201)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ: "رَغمَ أَنْفُ رَجُلِ ذُكِرْتُ عِندَهُ فَلَم يُصَل عَلَى" (صحيح، سنن الترمذي: 3545). (8) تعرف طريق الجنة، قَالَ رَسُولُ اللهِ عمرو: "مَن نَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَىّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ" (صحيح، سنن ابن ماجه: 908). (9) "لا يكون مجلسك مجلس غفلة في الدنيا، وحسرة في الآخرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا جَلَسَ قَوم مَجْلِسَا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ رَبهُمْ وُيصَلَّوا فِيهِ عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلا كَانَ عَلَيهِمْ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ شَاء آخَذهمْ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُمْ". (صحيح، سنن الترمذي: 3380)

وإليك بعض صيغ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: (1) اللهُم صَل عَلَى مُحَمِّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذزَيتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَأهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمِّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ ابْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيد مَجِيد (صحيح البخاري: 5999). (2) اللهُم صَلِّ عَلَى محمَّد وَعَلَى اَلِ مُحَمَّدِ، كَمَا صَليْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمد وَعَلَى آلِ محمَّد كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ في الْعَالَمِينَ إِنكَ حَمِيد مَجِيد (صحيح مسلم: 405). (3) اللهُمَّ صَل عَلَى مُحَمِّدٍ وَعَلَى اَلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إنكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى محمَّد وَعَلَى آلِ مُحَمِّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى اَلِ إِبْرَاهِيمَ إِنكَ حَمِيذ مَجِيدَ (صحيح البخاري: 3190). (4) اللهُم صَل عَلَى مُحمدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى اَلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدِ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (صحيح البخاري: 4520). (5) اللهُم صَلِّ عَلَى مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِ محمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى اَلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، اللهُم بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدِ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيد مَجِيدٌ. (صحيح البخاري: 5996)

الاستغفار

(6) اللهُم صَلِّ عَلَى مُحَمدِ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَاركْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ في الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد (صحيح، مسند الإمام أحمد: 4/ 118). (7) اللهُم صَلِّ عَلَى مُحَمِّدٍ النبِيٌ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمِّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمِّدٍ النبِي الْأُمِّيِّ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى اَلِ إِبْرَاهِيمَ إنكَ حَمِيد مَجِيد (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 4/ 119). الاستغفار قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12] وقال تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52]، وقال تعالى {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "وَاللهِ إِني لَأَسْتَغْفِرُ الله وَأتوبُ إِلَيهِ في الْيَوْمِ أكثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرةً" (صحيح البخاري: 6307)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِني لَأَسْتَغفِرُ الله كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرةٍ". (صحيح مسلم: 2702) ليغان: الغين الغيم، والمراد ما يغشاه من السهو الذي لا يسلم منه البشر. وعَنْ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُد لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرةِ: "رَبِّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَى إنكَ أَنتَ التوَابُ الرَّحِيمُ" (صحيح، سنن أبي داود: 1516). وقَالَ النبِي - صلى الله عليه وسلم -: "طُوَبى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارَا كَثِيرًا" (صحيح، سنن ابن ماجه: 3818). وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: إِن أَوْفَقَ الدعاءِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: اللهُم أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، يَا رَب فَاغْفِرْ لي ذَنْبِي؛ إِنَّكَ أَنْتَ ربي إنهُ لا يَغْفِرُ الذنْبَ إِلا أَنْتَ. (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 2/ 515) وقد مر معنا سيد إلاستغفار؛ فأرجع إليه في أذكار الصباح والمساء.

التسبيح والتحميد

التسبيح والتحميد (1) هل تعرف أَفْضَل الدعاء؟! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أفضل الدعاء الْحَمد لله" (حسن، سنن الترمذي:3383). هيا أدع بأفضل الدعاء .. (2) ثم ثقل موازينك، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَمْدُ لله تَملأ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلأُ مَا بَينَ السمَاوَاتِ وَالأَرْص" (صحيح مسلم: 223). هكذا تمتلىء الدنيا بتسبيحك وتحميدك .. (3) تعبد إلى الله بأحب الكلام إليه، قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ في الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ". (صحيح البخاري: 6043) سبحان الملك!! الله يحب هاتين الكلمتين وأنت تبخل عليه!! هيا سرع وأكثر منهما .. (4) أنت من خير خلق الله إن عشت حامدًا كثير الحمد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرَ عباد الله تَبارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقيَامَة الحمادون" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 4/ 434).

(5) هل لك في مغفرة الخطايا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا عَلى الْأَرْضِ رَجُل يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا الله، وَالله أكَبَرُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ لله، وَلا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إِلا بالله إِلا كُفرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ أكثَرَ من زَبَدِ الْبَحْرِ". (حسن، سنن الترمذي: 3460) (6) أفضل الكلام، عَنْ أَبِي ذَرّ - رضي الله عنه - أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ الْكَلام أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَا اصْطَفَى الله لِمَلاِئكَتِهِ أَوْ لِعِبَاده: سُبحَانَ اَلله وَبِحَمْدِهِ" (صحيح مسلم: 2731). (7) تصدق عن جسدك، عَنْ النبِي - صلى الله عليه وسلم - أنهُ قَالَ: "يُصْبِحُ عَلَى كُل سُلامَى مِنْ أَحَدِكم صَدَقَةٌ فَكلُّ تَسبيحَةِ صَدقة، وَكُل تَحْمِيدَةِ صَدَقَة، وَكُل تَهْلِيلَةِ صَدَقَة، وَكُل تكْبَيرَةِ صَدَقَةٌ، وَأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَة، وَنَهْي عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةْ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى" (صحيح مسلم: 720). (8) زحزح نفسك عن النار، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ خُلِقَ كُل إِنْسَانِ مِنْ بَنِي آدم عَلَى سِتينَ وَثَلَاثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كبرَ اللهَ، وَحَمِدَ الله، وَهَللَ الله، وَسَبَّحَ الله، وَاسْتَغْفَرَ الَلهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوكةَ، أَوْ عَظْمَا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفِ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَددَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِ مِائَةِ السلَامَى؛ فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذِ وَقَدْ زَحزَحَ نَفْسَهُ عَنْ النَّارِ" (صحيح مسلم: 1007).

(9) غراس الجنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَر بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرسًا فَقَالَ: "يَا أبا هُرَيرَةَ، مَا الذِي تَغْرِسُ؟ " قُلْتُ: غِرَاسَا لي، قَالَ: "أَلا أَدلكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "قُلْ: سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لله وَلا إِلَهَ إِلا الله وَاللهُ أكبَرُ يُغْرَس لَكَ بِكُل وَاحِدةٍ شَجَرَةٌ في الْجَنّةِ". (صحيح، سنن ابن ماجه: 3807) وعن أَبُي أَيوبَ الْأَنْصَارِي - رضي الله عنه - أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام - فَقَالَ: "مَنْ مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا محَمَّدٌ، فَقَالَ لَهُ إِبرَاهِيمُ - عليه السلام -: مُرْ أُمتَكَ فَلْيكثِرُوا من غِرَاسِ الْجَنّةِ فَإنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ، وَأرضَهَا وَاسِعَةٌ، قَالَ: وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إِلا بِالله" (صحيح، ابن حبان: 821). *عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَالَ سُبحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدهِ؛ غرِسَتْ لَهُ نَخْلَة في الجَنَّةِ". (صحيح، سنن الترمذي: 3465) (10) ربما تكون فقيرَا في الدنيا، ولكن بذكرك لله تكون لك كنوز عظيمة في الجنة، عَنْ أَبي مُوسَى الْأَشْعَرِي - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا أَدلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنّةِ؟ " فقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ: "لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إِلا بِاللهِ". (صحيح البخاري: 3968)

التهليل

وقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا أُعَلمُكَ، أَفَلا أَدُلُكَ عَلَى كلِمَةِ مِنْ كنْزِ الْجَنّةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ؟ لا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ يَقُولُ: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ" (رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2614). التهليل قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الذكْرِ لا إِلَهَ إِلا الله". (حسن، سنن الترمذي: 3383) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا الله نَفَعَتْهُ يَوْمَا مِنْ دهرِهِ أَصَابَهُ قَبْلُ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ". (رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6434) وليس التهليل هو قول "لا إِلَهَ إِلا الله" فقط، بل هناك أكثر من صيغة للتهليل، منها: (1) من قال: لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءِ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ كان له بعدل نسمة (رواه الإِمام أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6436). (2) من قال: لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِير، مخلصًا بها

تحفة

روحه، مصدِّقَا بها لسانه؛ إلا فتق له السماء فتقَا حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحُق لعبد نظر إليه أن يعطيه سؤله. (صحيح، سنن النسائي الكبرى: 9856) (3) قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمدًا عَبْدهُ ورَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، ورُوح مِنْهُ، وَالْجَنةُ حَق، وَالنارُ حَق؟ أَدْخَلَهُ الله الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ". (صحيح البخاري: 3252) تحفة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مامن ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها، إلاَّ تحسر عليها يوم القيامة" (الصحيحة:2197)

الأدعيه المطلقة

الأدعيه المطلقة قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. وعَنْ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادة ثم قرأ قول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]. (صحيح، سنن أبي داود: 1479) فعادل الله - سبحانه وتعالى - العبادة بالدعاء، والدعاء جزء من ذكر الله، فهو أعم وأشمل، ويلازم العبادات والعادات والمعاملات. وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيسَ شَيءٌ أكرَمَ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ مِنْ الدعاءِ" (حسن، سنن الترمذي: 3370). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَن لَمْ يَدع اللهَ سُبْحَانَهُ؛ غضِبَ عَلَيهِ". "رواه الحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2654) وعَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ رَبكمْ حَيِي كَرِيم يَسْتَحْيى مِنْ عَبْدهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيهِ يَدَيْهِ فَيَرُدهمَا صفْرًا خَائِبَتَينِ". (صحيح، سنن الترمذي: 3556)

والآن أسوق إليك بعض الأدعية الصحيحة التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أدعية مطلقة غير مقيدة بوقت أو حال أو مكان، وقد اخترت لك بعضها فكن ذا همة عالية وابحث واستزد تفد، واسمع وانتبه حتى تعيها، فعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَحِب الْجَوَامِعَ مِنْ الدُّعَاءِ وَيدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ" (صحيح، سنن أبي داود: 1482). (1) اللهُم اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي، فَإِنَّ هَؤُلاءِ يَجْمَعْنَ لَكَ دِينَكَ ودُنْيَاكَ (صحيح مسلم: 2697). (2) اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَاَجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللهُم إِني أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا عَاذَ بهِ عَبْدُكَ وَنَبِيكَ، اللهم إِني أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْعَمَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلِ وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءِ قَضَيْتَهُ لي خَيْرَا (صحيح، سنن ابن ماجه: 3846). (3) مَا مِنْ دَعْوَةِ يَدْعُو بِهَا الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ: اللهم إِني أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (صحيح، سنن ابن ماجه: 3851). (4) رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةَ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (صحيح البخاري: 6026).

(5) رَبّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وإِسْرَافِي في أَمْرِي كُلهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِني، اللهُم اغفِرْ لي خَطَايَايَ وَعَمْدِي، وَجَهلِي وَهَزْلى، وَكُل ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمِ اغْفِرْ لِي مَا قَدمتُ وَمَا أَخرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُل شَيْءِ قَدِيرٌ (صحيح البخاري:6035). (6) اللهُم اهْدِنِي، وَسَددنِي، وَاذكُرْ بِالْهُدَى، هِدَايَتَكَ الطرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ اللهْمِ (صحيح مسلم: 2725). (7) اللهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَولِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاعَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ (صحيح، الأدب المفرد: 685). (8) اللهم لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْكَ أنبْتُ وَبكَ خَاصَمتُ اللهُم إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي أنْتَ الْحَي الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِن وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ. (صحيح مسلم: 2717) (9) رَب أَعِني وَلا تُعِنْ عَلَى، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ بي وَلا تَمْكُرْ عَلَى، وَاهْدِنِي وَيسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، اللهُم اجْعَلنِي لَكَ شَاكِرا، لَكَ ذَاكِرا، لَكَ رَاهِبَا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخبِتًا أَوْ مُنِيبَا، رَبِّ تَقَبلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَددْ لِسَانِي، وَاسْلُل سَخِيمَةَ قَلْبِي (صحيح، سنن أبي داود: 1510).

(10) اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكِينِ (صحيح، سنن الترمذي: 2352). (11) اللهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرٌ سَمْعِي، وَمِنْ شَرّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرّ مَنِيِّي. (صحيح، سنن أبي داود: 1551) (12) اللهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ أنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ" (صحيح، سنن أبي داود: 1544). (13) اللهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ، اللهُم إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدجَّالِ، اللهُم اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَق قَلْبِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَفى الثَوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. (صحيح البخاري: 6014) (14) اللهُمَّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ كُلِّهَا، اللهُمَّ أَنْعِشْنِي وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي لِصَالِحِ الأَعْمَالِ وَالأَخْلَاقِ؛ فَإِنّهُ لَا يَهْدِي لِصَالِحِهَا وَلَا يَصْرِفُ سَيئِهَا إِلا أَنْتَ. (رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1266)

(15) اللَّهُم إِني أَعُوذُ بِكَ من العَجزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبنِ وَالبُخلِ، وَالهِرَمِ وَالقَسوَةِ، وَالغَفلَةِ وَالعَيْلَةِ، وَالذِّلةِ وَالمسكَنَةِ، وَأَعُوذُ بِكَ من الفَقْرِ وَالكُفْرِ، وَالفُسُوقِ وَالشقَاقِ وَالنفَاقِ، وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ، وَأَعُوذُ بِكَ من الصَّمَمِ وَالبُكْمِ، وَالجُنُونِ وَالجُذَامِ وَالبَرَصِ، وَسَيئِ الأَسقَامِ (صحيح، ابن حبان: 1023). واعلم أخَي أنه لا شك في أن الثناء على الله عز وجل ودعاءه بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الأفضل مطلقًا والأحسن والأسلم، لكن يبقى دعاء الصالحين في دائرة المباح بشرط سلامته من التكلف والتعدي ومخالفة العقيدة الصحيحة، وبشرط ألا يواظب الذاكر على هذه الأدعية ويجعلها شعاره كأنها سنة، وألا ينشغل بها عن دعوات القرآن الكريم والسنة الشريفة. وإليك - حبيبي في الله، بعض هذه الأدعية:

سبحات السحر

سُبُحَاتُ السَّحَرِ (1) اللهم اجعلنا نحبك بكل قلوبنا، واجعل حبك يملأ حياتنا، وارزقنا حب أحبابك، وحب كل عبد صالح يحبك، وحب كل عمل صالح يقربنا إلى حبك، واجعل حبك أحب إلينا وآثر عندنا من كل شيء، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا المعاصي وقنا السيئات، واصرف عنا السوء والفحشاء، وأحبنا وارض عنَّا، واسترنا بلطفك واعف عنا .. (2) إلهنا .. ضعفت قوتنا، وقلت حيلتنا، فلا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم هذا أخي .. كن به حفيًّا، وقربه منك نجيًّا، واجعله لك وليًّا، وارزقه شرفًا عليًّا، وذكرًا نديًّا، ووجها رضيًّا، وألبسه العافية ما دام حيًّا، ولا تجعل في ذريته شقيًّا، وتوفه راضيًا مرضيًّا. (3) اللهم نشكو إليك يا قاضي الحاجات أنفسنا الأمارة بالسوء، نشكو إليك قسوة قلوبنا، وجمود أعيننا، وكثرة ذنوبنا، وضعف توبتنا، نشكو إليك كثرة الكلام وقلة العلم، وكثرة المطالب وقلة العمل، وضعف الهمة، وخور العزيمة،

اللهم هذه شكوانا رفعناها إليك؛ فارحمنا بالعافية. (4) اللهم ما من دابة إلا أنت آخذ بناصيتها؛ فخذ بأيدينا ونواصينا إليك أخذ الكرام عليك، نسألك نور البصيرة؛ لنرى الخير ونفعله، ونعرف الشر ونجتنبه، ونعرف حبيبك فنحبه، ونعرف عدوك فنبغضه، واقدر لنا ذلك كله بلطف منك في عفو وعافية. (5) اللهم إنك تختص برحمتك من تشاء، فاخصصنا برحماتك وبركاتك ولطفك وعافيتك؛ حتى لا نحتاج لأحد من خلقك، اللهم إنك تزيد في الخلق ما تشاء؛ فزدنا من نعمتك وإكرامك وجودك وإحسانك في الدنيا والآخرة، نعوذ بالله من السلب بعد العطاء. (6) اللهم إنا نعوذ بك من معيشة في شدة، ونعوذ بك من ميتة على غير عدة، اللهم اجعل ختام أعمالنا توبة مقبولة لا توقفنا بعدها على ذنب اجترحناه، أو معصية اقترفناها، ولا تكشف عنا سترًا سترته على رءوس الأشهاد، ولا تخيب فيك رجاءنا، وارض عنا. (7) اللهم إنا نسألك بوجهك الكريم الجنة بغير حساب،

وأن تجعلنا في حرزك وحفظك وكنفك وجوارك، واجعل وجهك الكريم قصدنا وبغيتنا، واسلك بنا سبيل المؤمنين، واكفنا شر الشيطان وحزبه، وأعذنا من فضائح الفتن ما ظهر منها وما بطن. (8) اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن الطلب إلا منك، نسألك خفايا لطفك، وفواتح توفيقك، ومألوف برك، وعوائد إحسانك، نعوذ بك من هيجان الحرص، وضعف الصبر، وقلة القناعة، وإلحاح الشهوة، ومتابعة الهوى، وسنة الغفلة. (9) اللهم يا أرحم الراحمين .. يا ذا الجلال والإكرام، اللهم متعه بنعمتين: نعمة الدين ونعمة الصحة، وجمِّله بحليتين: قلب رحيم، وعقل حكيم، ولا تحرمه لذتين: لذة مناجاتك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، واجمع له حسنتين: حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، وارزقه شفاعتين: شفاعة النبي وشفاعة الصالحين. (10) اللهم يا ودود يا غفور يا رحيم .. يا لطيف يا تواب يا كريم .. اللهم إني أستغفرك لكل ذنب خطوت إليه

برجلي، أو امتدت إليه يدي، أو تأملته ببصري، أو أصغت إليه أذني، أو نطق به لساني، اللهم وإني أتوب إليك، وأعتذر إليك من كل ذنب أتلفت فيه ما رزقتني، ثم استرزقتك على عصياني فرزقتني، ثم استعنت برزقك على عصيانك فسترتني، ثم سألتك الزيادة فلم تحرمني، ولا تزال سبحانك عائدًا عليَّ بحلمك وإحسانك، اللهم اغفر لي ذلك كله، وارزقني صدق الحياء منك .. يا أكرم الأكرمين .. (11) اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وبجدك الأعلى، وكلماتك التامة أن تعفو عنا، وترضى عنا، وتكتب لنا الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، اللهم بارك لنا فيما وهبتنا، وارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك، اللهم استرنا من أعين المؤذين من شياطين الإنس والجن، اللهم أحبنا وارض عنا. (12) اللهم يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدًا، ويا ذا الطول والنعم التي لا تنفد أبداً، ويا ذا الجود والكرم الذي لا يبيد أبداً، نسألك أن تغمرنا بفيض من عين جود المنة تطيب به حياتنا، ونسألك يا رحمن حنانًا من لدنك تطمئن به قلوبنا،

ونبتهل إليك يا ودود أن تلقي علينا مودة منك تجعلنا بها من أحباب، وترعانا بها بعينك التي لا تنام، وتؤوينا بها إلى ركنك الذي لا يضام، لا نضيع وأنت رجاؤنا. (13) سبحانك يا ربنا!! جل جلال الله، سبحانك ما أعظمك!! وما أكرمك!! اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الله أكبر كبيرًا .. إذا كان عفوه يستغرق الذنوب، فكيف لطفه؟! إذا كان لطفه يجلب السرور فكيف حبه؟! وإذا كان حبه يدهش العقول فكيف وده؟! وإذا كان وده ينسي ما دونه سبحانه فكيف قربه؟! اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم، اللهم عاملنا بعفوك، وأسبغ علينا لطفك، وأغدق علينا حبك، وتفضل علينا بودك، اللهم ارزقنا راحة البال، وحقق لنا الآمال، وارزقنا حسن الخاتمة، والجنة بغير حساب، واجمعنا مع النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في الفردوس الأعلى من الجنة. (14) اللهم يا قيوم لا إله إلا أنت، منك الصلاح والإصلاح؛ فأصلح لنا ديننا ودنيانا، وآخرتنا وأولانا.

أصلح لنا قلوبنا، وأسماعنا، وأبصارنا. أصلح لنا عقولنا ونفوسنا، وسرائرنا وضمائرنا. أصلح لنا فهمنا، وعلمنا، وعملنا، وأخلاقنا. أصلح لنا زوجاتنا، وأولادنا، ونياتنا، وهممنا. أصلح قلوبنا بنور رحمتك؛ لتصلح لحبك. أصلح سرائرنا بنور حلمك لتمتليء حياءً منك. أصلح نياتنا بنور إرشادك؛ لتسعى إلى جنتك. أصلح عقولنا بنور عافيتك؛ لتصلح للفهم عنك. أصلح بصائرنا بنور لطفك؛ لترى عظمة رحمتك. أصلح أعمالنا بنور توفيقك؛ لتصلح للعرض عليك. أصلح حياتنا كلها بنور هدايتك؛ لتمتلئ رضًا عنك، ورضًا بك. اللهم أصلحنا لكي نصلح أن نكون عبيدًا لك ..

الخاتمة

الخاتمة، نسأل الله حسنها وبعد ... هكذا - أيها الحبيب المحب - نصل إلى نهاية المطاف، وخاتمة هذا الكتاب، بعد أن طوفت بك في رياض الجنة، ومعارج الأنوار، ومدارج الإلهام، ومنازل الإنس. فاعلم أنه ليس للذكر حد ينتهى إليه، بل فتح الله بابه على مصراعيه فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41]، فالكثرة لا تحد، والوانق الرامق المتطلع إلى النظر إلى وجه الله الكريم لا يفتر لسانه، ولا يكف عن ذكر محبوبه، بل يكون هذا الذكر مطفأ شوقه، ومنبع ذوقه، فانطلق على بركة الله، وانهل .. واعمل .. وفي النِّهايَةِ - إخوتاه .. وقَبْلَ أَنْ أُنْزِلَ القَلَمَ مِنْ يَدِي .. أَرَى أنَّهُ مِنَ الأدَب الوَاجِب عَلَيَّ .. أنْ أضرَعَ إلى الله سبحانه وتعالى الكريم الرحيم الذي أتم عَلَيَّ هذا العمل: فاللهم اجْعَلْنِي وإيَّاكم مِنَ الشَّاكرين الصَّالحين، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].

{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16]. {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]. {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 118]. {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8]. {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. آمين .. آمين .. آمين وصَلَّى الله وسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَى سَيِّدِ المُرْسَلِين وخَاتَمِ النَّبِيّين سَيّدِنَا مُحَمَّدِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين وكَتَبَ محمد بن حسين آل يعقوب غَفَرَ الله لَهُ ولِوَالِدَيهِ وزَوجَاتِهِ وَأَولَادهِ والمُسْلِمِينَ والمُسْلِمَات لَيْلَةَ الإِثْنَيْنِ، السابع وَالعِشْرُونَ من رَجَب 1427 هـ - 20/ 8/ 2006 م

§1/1