الأنس الجليل

أَبُو اليُمْن العُلَيْمي

[مقدمة التحقيق]

[مقدمة التحقيق] نصت المصادر على أَن اسْم مؤلف هَذَا الْكتاب هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد العليمي (1) الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ أَبُو الْيمن مجير الدّين الْعمريّ المنتهي نسبه إِلَى عبد الله بن عمر بن الْخطاب (2) ولد بالقدس عَام 860 هـ وَمَا أَن بلغ مرحلة التَّعَلُّم حَتَّى تعهده أَبوهُ بالرعاية والتوجيه حَيْثُ تنص الرِّوَايَة بِأَنَّهُ تفقه على وَالِده وَأخذ عَنهُ جملَة من الْعُلُوم (3) وَاخْتلف على جمَاعَة من أهل الْفضل وَالْعلم للاستفادة والتحصيل أَشَارَ إِلَيْهِم فِي كِتَابه هَذَا " الْأنس الْجَلِيل " وهم 1 - الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عبد الله بن إِسْمَاعِيل القرقشندي (4) قَالَ مجير الدّين " وَقد عرضت عَلَيْهِ ملحة الْأَعْرَاب فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بمنزله بجوار الْمدرسَة الصلاحية ولي دون سِتّ سِنِين وَهُوَ أول شيخ عرضت عَلَيْهِ وتشرفت بِالْجُلُوسِ بَين يَدَيْهِ وأجازني بالملحة بِسَنَدِهِ

_ (1) العليمي نِسْبَة إِلَى جده سَيِّدي عَليّ بن عليل الْمَشْهُور بعلي بن عليم (2) مُخْتَصر طَبَقَات الْحَنَابِلَة - مُحَمَّد جميل الشطي 73 / ط دمشق الترقي 1339 هـ (3) نفس الْمصدر والصفحة (4) شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو بكر عبد الله بن شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِسْمَاعِيل القرقشندي الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي سبط الْحَافِظ أبي سعيد العلائي ولد بالقدس عَام 783 هـ واشتغل فِي صغره على وَالِده وَغَيره وَسمع المشائخ وَأَجَازَ جمع من الْعلمَاء والحفاظ ثمَّ أفتى ودرس وَحدث وَسمع عَلَيْهِ جمع كَبِير انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة بالقدس وَعظم عِنْد المسؤولين توفى سنة 867 هـ رَاجع تَرْجَمته فِي هَذَا الْكتاب 1 / 19 - 190 / 2

الْمُتَّصِل إِلَى المُصَنّف وبغيرها من كتب الحَدِيث الشريف وَمَا يجوز رِوَايَته وَكتب وَالِدي الْإِجَازَة بِخَطِّهِ وَكتب الشَّيْخ خطه الْكَرِيم عَلَيْهَا " (1) 2 - الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر العميري (2) قَالَ مجير الدّين " وَقد عرضت عَلَيْهِ فِي حَيَاة الْوَالِد قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه واجازني فِي شهور سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ لما توفّي الْوَالِد لازمته للاشتغال فَكنت اقْرَأ عَلَيْهِ فِي الْمقنع واحضر مجْلِس وعظه ودرسه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وحصلت الْإِجَارَة مِنْهُ غير مرّة خَاصَّة وَعَامة " (3) 3 - الْفَقِيه عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد الْغَزِّي الْمقري الْحَنَفِيّ (4) قَالَ مجير الدّين " وَقد قَرَأت عَلَيْهِ الْقُرْآن - ولي نَحْو عشر سِنِين - بمكتب بَاب الناظرة فأقرأني من سُورَة الْأَنْبِيَاء إِلَى الْفَاتِحَة ثمَّ كررت ختم الْقُرْآن عَلَيْهِ مَرَّات كَثِيرَة وقرأت بعضه عَلَيْهِ بِرِوَايَة عَاصِم وأحضرني مجْلِس شَيخنَا ابْن عمرَان

_ (1) هَذَا الْكتاب 189 / (2) الْحَافِظ الْعَلامَة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن القَاضِي زين الدّين عمر العميري الشَّافِعِي ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس اشْتغل ودأب وَحصل وَأخذ الحَدِيث عَن الْحَافِظ ابْن حجر وَلَقي جمَاعَة من أهل الْعلم وَأخذ عَنْهُم وباشر الحكم بالقدس نِيَابَة عَن القَاضِي شهَاب الدّين قَاضِي الْخَلِيل وَكَانَ حَافِظًا فصيحاً لَهُ مُشَاركَة فِي كثير من الْعُلُوم توفّي عَام 890 هـ وَدفن بالقدس رَاجع تَرْجَمته فِي هَذَا الْكتاب 203 / (3) هَذَا الْكتاب 203 / (4) الْفَقِيه عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الْغَزِّي الْمقري الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف (بِابْن قَامُوا) ذكر أَنه لما نزل الْأَشْرَف برسباي إِلَى آمد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة كَانَ مراهقاً حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وتلى بالسبع على الْعَلامَة شمس الدّين بن عمرَان وَغَيره أَقَامَ بِبَيْت الْمُقَدّس دهراً وأدب بِهِ الْأَطْفَال وَسمع الحَدِيث واقرأ الْقُرْآن وَكَانَ -

لسَمَاع الحَدِيث واعتنى بتحصيل الْإِجَارَة لي مِنْهُ " (1) 4 - الشَّيْخ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن أَبى شرِيف (2) قَالَ مجير الدّين " عرضت عَلَيْهِ فِي حَيَاة الْوَالِد رَحمَه الله قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد ثمَّ عرضت عَلَيْهِ مرّة ثَانِيَة مَا حفظت بعد الْعرض الأول واجازني فِي شهور سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَحَضَرت بعض مجالسه من الدُّرُوس والإملاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَحَضَرت كثيرا من مجالسه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف قبل رحلته إِلَى الْقَاهِرَة وَبعد قدومه إِلَى بَيت الْمُقَدّس

_ - جيد الْحِفْظ لَهُ سريع الْقِرَاءَة توفى عَام تسعين وَثَمَانمِائَة هـ بالقدس رَاجع تَرْجَمته فِي هَذَا الْكتاب 237 / (1) هَذَا الْكتاب 237 / (2) شيخ الْإِسْلَام كَمَال الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن أبي شرِيف الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي سبط قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْعمريّ الْمَالِكِي الْمَشْهُور (بِابْن عوجان) ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِمَدِينَة الْقُدس وَنَشَأ بهَا ودرس فِي الْمدَارِس العلمية وَحفظ الْقُرْآن وَأذن لَهُ فِي التدريس سنة أَربع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة ورحل إِلَى الْقَاهِرَة فِي هَذِه السّنة وَأخذ عَن الْعلمَاء هُنَاكَ وَكتب لَهُ ابْن حجر إجَازَة وَوَصفه بالفاضل البارع الأوحد وَمن سنة 846 نظم وَأَنْشَأَ ودرس وَأفْتى ودامت لَهُ الْأُمُور وَأصْبح يشار لَهُ بالبنان فِي الأوساط العلمي وَذكره المؤرخون إِلَى عَام 90 هـ وَله شعر رَقِيق مِنْهُ فِي بَيت الْمُقَدّس أحيي بقاع الْقُدس مَا هبت الصِّبَا فَتلك رباع الانس فِي زمن الصِّبَا وَمَا زلت من شوقي إِلَيْهَا مواصلا سلامي على تِلْكَ الْمعَاهد والربا رَاجع تَرْجَمته فِي هَذَا الْكتاب 377 - 382 / 2

وحصلت الْإِجَازَة مِنْهُ غير مرّة خَاصَّة وَعَامة " (1) 5 - قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْمَالِكِي الْمصْرِيّ (2) قَالَ مجير الدّين " وَقد قَرَأت عَلَيْهِ قِطْعَة من آخر كتاب الْخرقِيّ فِي فقه مَذْهَب الإِمَام رَضِي الله عَنهُ قِرَاءَة بحث وَفهم ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ قِطْعَة من أول الْمقنع قِرَاءَة بحث وَفهم فَكَانَ يُقرر الْعبارَة تقريراً حسنا لَعَلَّ كثيرا من أهل الْمَذْهَب لَا يقرره وقرأت عَلَيْهِ فِي النَّحْو ولازمت مجالسه وترددت إِلَيْهِ كثيرا وَحصل لي مِنْهُ غَايَة الْخَيْر والنفع وَلَكِن اخترقته الْمنية بِسُرْعَة قبل بُلُوغ المُرَاد مِنْهُ " (3) 6 - شمس الدّين أَبُو مساعد مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب (4) قَالَ مجير الدّين " وَقد عرضت عَلَيْهِ قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وأجازني " (5)

_ (1) هَذَا الْكتاب 382 / (2) قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْبَدْر شي البحري الْمَالِكِي الْمصْرِيّ من أهل الْعلم لَهُ معرفَة تَامَّة بِالْعَرَبِيَّةِ وَعلم الْفَرَائِض والحساب والْحَدِيث الشريف بَاشر نِيَابَة الحكم بِالْقَاهِرَةِ لَهُ مُصَنف فِي النَّحْو وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن حفظا جيدا وَيكثر من التِّلَاوَة نشر الْعلم وانتفع بِهِ الطّلبَة توفى عَام 878 هـ بالقدس رَاجع تَرْجَمته فِي هَذَا الْكتاب 251 / (3) هَذَا الْكتاب 251 / (4) الشَّيْخ الْعَلامَة الْمُحَقق شمس الدّين أَبُو مساعد مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الشَّافِعِي من أَعْيَان عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ يَسْتَفِيد بِهِ النَّاس فَائِدَة عَظِيمَة توفّي عَام 873 هـ بالطاعون رَاجع تَرْجَمته فِي هَذَا الْكتاب 191 - 192 / (5) هَذَا الْكتاب 192 / 2

7 - الشَّيْخ برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ (1) قَالَ مجير الدّين " وَقد عرضت عَلَيْهِ قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه بالزاوية الختنية سنة 873 هـ واجازني بِمَا يجوز لَهُ رِوَايَته " (2) 8 - الشَّيْخ المقرى الْمُحدث شمس الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى بن عمرَان الْغَزِّي الْحَنَفِيّ (3) قَالَ مجير الدّين " وَقد سَمِعت عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ بِقِرَاءَة القَاضِي

_ (1) الشَّيْخ برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ الخليلي الشَّافِعِي ولد عَام 819 هـ ببلدة الْخَلِيل لَقِي جمَاعَة من أهل الْعلم وَالْفضل وَأخذ عَنْهُم رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ الحَدِيث عَن ابْن حجر وَالْفِقْه عَن تَقِيّ الدّين أبي بكر ابْن قَاضِي شهبه وَأذن لَهُ فِي الْإِفْتَاء والتدريس وباشر فِي نِيَابَة الحكم عَن القَاضِي برهَان الدّين بن جمَاعَة ثمَّ ترك الحكم وَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس وَعَاد من الْقَاهِرَة عَام 888 إِلَى مسْقط رَأسه الْخَلِيل وَأقَام بهَا متصدياً لاشتغال الطّلب إِلَى أَن وافته الْمنية عَام ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة هـ رَاجع تَرْجَمته فِي هَذَا الْكتاب 206 - 207 / (2) هَذَا الْكتاب 206 / (3) الشَّيْخ الْعَلامَة الْمقري الْمُحدث شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى ابْن عمرَان الْغَزِّي الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ شيخ الْقُرَّاء بالقدس ولد عَام 794 بغزة سمع الحَدِيث على الْحَافِظ شمس الدّين الْجَزرِي وَأخذ عَنهُ علم الْقرَاءَات وَأَجَازَهُ وَكَانَ رجلا صَالحا ملازماً لقراء الْقُرْآن انْتفع بِهِ النَّاس وَتخرج عَلَيْهِ جمَاعَة وَعرف هَذَا الْفَنّ معرفَة جَيِّدَة وَكَانَ قنوعاً طارحاً التَّكَلُّف وَلم يبْق فِي الْقُدس شيخ متقن لفن الْقِرَاءَة سواهُ وَكَانَ شَيخا بهي المنظر توفى سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة رَاجع تَرْجَمته فِي هَذَا الْكتاب 229 - 230 / 2

شهَاب الدّين بن عبيد الشَّافِعِي فِي سنة 871 هـ واجازني بروايتة وبرواية غَيره من الْأَحَادِيث العشارية والمسلسل بالأولية وَمَا يجوز لَهُ وَعنهُ رِوَايَته " (1) 9 - الشَّيْخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر السَّعْدِيّ (2) قَالَ الشطي " ورحل سنّ 880 هـ إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا عاكفاً عل طلب لعلم وَلزِمَ قَاضِي الْحَنَابِلَة بالديار المصرية بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر السَّعْدِيّ أَقَامَ تَحت نظره وتفقه عَلَيْهِ وَلَقَد اكرم مثواه وَمكث بالديار المصرية نَحْو عشر سِنِين " (3) هَؤُلَاءِ هم طَلِيعَة أساتذته وشيوخ أجازته وعَلى هَذَا الضَّوْء يُمكن تَقْسِيم مراحل تَحْصِيله العلمي إِلَى قسمَيْنِ قسم يخْتَص بالقدس ونكاد نستفيد من مَجْمُوع مَا قدمْنَاهُ أَن تِلْكَ الْمدَّة محدد لعام 880 هـ وتحصيله بَين الْمَسْجِد الْأَقْصَى والمدرسة الصلاحية وَاخْتلف فِيهَا على عدد من الْأَعْلَام ذكرنَا أَهَمَّهُمْ وَقسم يخْتَص بِالْقَاهِرَةِ ويحدد بِنَحْوِ عشر سِنِين حَيْثُ تنص المصادر على عودته إِلَى الْقُدس عَام 889 هـ وَكَانَ أهم أساتذته هُوَ ابْن أبي بكر السَّعْدِيّ وَبعد عودته من الْقَاهِرَة ولى قَضَاء الْقُدس وَلَعَلَّه بَقِي فِي مركزه حَتَّى وَفَاته

_ (1) هَذَا الْكتاب 2 / 230 (2) مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر السَّعْدِيّ قَاض من فُقَهَاء الْحَنَابِلَة من أهل الْقَاهِرَة ولد عَام 836 هـ ودرس وَولي قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية وَألف كتبا مِنْهَا الْجَوْهَر المحصل فِي مَنَاقِب الإِمَام أَحْمد مخطوط قَالَ السخاوي كتب بِخَطِّهِ من تصانيفه أَشْيَاء واستكتب كَذَلِك توفى فَجْأَة عَام 900 رَاجع تَرْجَمته (الضَّوْء اللامع 58 / 9 وشذرات الذَّهَب 366 / 7 والأعلام 281 / 7) (3) مُخْتَصر طَبَقَات الْحَنَابِلَة 73

وَلَقَد وَصفته الرِّوَايَة بِأَنَّهُ كَانَ فطناً يحب الْعلم من صغره ذكي مجد وَإِذا مَا عدنا إِلَى ادعائه بِأَنَّهُ عرض على شَيْخه تَقِيّ الدّين إِسْمَاعِيل القرقشندي الْمَقْدِسِي ملحة الْإِعْرَاب وَهُوَ دون السِّت سِنِين وَأَجَازَهُ الشَّيْخ بالملحة لسنده الْمُتَّصِل إِلَى المُصَنّف وبغيرها من كتب الحَدِيث وَمَا يجوز لَهُ رِوَايَته نستطيع أَن نتأكد بِأَن هَذَا الْإِنْسَان كَانَ يتمتع بقابلية خَاصَّة ونضوج مبكر أَهله كل ذَلِك لِأَن يكون مَوضِع عناية أساتذته وَهُوَ صبي لم يتَجَاوَز الْحلم وكيفما كَانَ فقد وَاصل تَحْصِيله وتتبعه العلمي على يَد أساتذة معروفين بِالْفَضْلِ والكمال بِحَيْثُ عرف بالأوساط العلمية بمكانة مقدرَة وَلَقَد خلف نتاجاً يدل على فضل وَسعه اطلَاع وَهُوَ 1 - فتح الرَّحْمَن فِي تَفْسِير الْقُرْآن فِي مجلدين هَكَذَا أسماه الزركلي (1) اما بَقِيَّة المصادر فَأَشَارَتْ إِلَى أَنه لَهُ تَفْسِير جليل على الْقُرْآن الْعَظِيم يشبه القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ (2) 2 - الْمنْهَج الأحمد فِي تراجم أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد قَالَ جرجي زَيْدَانَ تُوجد مِنْهُ نُسْخَة فِي الخزانة التيمورية فِي مجلدين عدد صفحاتها 523 وَهُوَ مُرَتّب على سني الْوَفَاة (3) 3 - التَّارِيخ الْمُعْتَبر فِي أنباء من غبر ذكره الحاجي جلبي وَوَصفه الشطي بِأَنَّهُ تَارِيخ جليل ابْتَدَأَ فِيهِ من سيدنَا آدم إِلَى سنة 896 هـ مُرَتبا عل السنين ذَاكِرًا فِيهِ الْحَوَادِث العجيبة والوقائع الغريبة على وَجه الِاخْتِصَار (4)

_ (1) الْأَعْلَام 108 / 4 (2) مُخْتَصر طَبَقَات الْحَنَابِلَة 74 (3) مُخْتَصر طَبَقَات الْحَنَابِلَة 74 والأعلام 108 / 4 وتاريخ آدَاب اللُّغَة الْعَرَبيَّة 198 / 3 (4) كشف الظنون 305 / 1 ومختصر طَبَقَات الْحَنَابِلَة 74 والأعلام 108 / 4

4 - إتحاف الزائر وأطواف الْمُقِيم الْمُسَافِر ذكره الْبَغْدَادِيّ وَقَالَ الْجَلِيّ اتحاف الزائر وأطراف الْمُقِيم الْمُسَافِر - للشَّيْخ أبي الْيمن زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي المتوفي سنة 613 هـ " (1) 5 - الْإِنْس الْجَلِيل بتاريخ الْقُدس والخليل وَبَعض المصادر تسميه الأنيس الْجَلِيل وَهُوَ الْكتاب الَّذِي يَدُور حديثنا حوله فِي الْفَصْل الثَّالِث من هَذَا الْبَحْث وَلم تشر لنا المصادر المختصة بِأَن مؤلفاته قد طبعت عدى كتاب " الْأنس الْجَلِيل " وَقد اخْتلف فِي تَارِيخ وَفَاته فالشطي لم يعثر على تَارِيخ وَفَاته وَيَقُول " وَلَعَلَّه كَانَ فِي أَوَائِل الْقرن الْعَاشِر " بَيْنَمَا نرى اغلب المصادر الَّتِي تترجمه تذْهب إِلَى أَن وَفَاته كَانَت عَام 928 هـ وَقسم قَلِيل يرى أَنَّهَا عَام 927 هـ (2) من مَجْمُوع مَا قدمْنَاهُ عَن حَيَاة الْمُؤلف نستطيع أَن نجزم بِأَن الْمُؤلف من الْأَعْلَام الَّذين يتمتعون بمقدرة لائقة من الْفَضِيلَة والكمال

_ (1) هِدَايَة العارفين 544 / 7 ومعجم المؤلفين - لكحالة 177 / 5 وكشف الظنون 6 / (2) مُخْتَصر طَبَقَات الْحَنَابِلَة 74 ومعجم المطبوعات 358 ومعجم المؤلفين 177 / 5 وهداية العارفين 544 / 1 وتاريخ آدَاب اللُّغَة الْعَرَبيَّة 198 / 3 والأعلام 108 / 5

2 - وَلَقَد اجْمَعْ المترجمون لحياة مجير الدّين العليمي بِأَن كتاب " الْأنس الْجَلِيل بتاريخ الْقُدس والخليل " من مؤلفاته وأنه فِي مُقَدّمَة مَا دبجته يراعته ضمنه خُلَاصَة تواريخ الْقُدس الشريف وبلدة الْخَلِيل مثوى سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا أضَاف إِلَيْهِ نبذة من الْحَوَادِث والوفيات وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من ذكر الْمُلُوك والكبراء والقضاة وَالْعُلَمَاء حَتَّى عَام 900 هـ - كَمَا سيمر علينا فِي عرض منهجه وَقد تحدث الْمُؤلف عَن طبيعة مُؤَلفه بقوله " فَهَذَا مُخْتَصر استخرت الله تَعَالَى فِي جمعه وَسَأَلته المعونة لي بفضله فِي تَرْتِيب وَضعه عَن لي أَن أجمعه من كتب الْمُتَقَدِّمين واهذب أَلْفَاظه من فَوَائِد المؤرخين وتراجم الْأَعْيَان على وَجه الِاخْتِصَار فاستعنت بِاللَّه سُبْحَانَهُ فِيمَا قصدته " (1) وَلَقَد كتب عدد من الْأَعْلَام فِي تَارِيخ الْقُدس الشريف مِمَّن سبقوا مجير الدّين فخلفوا من نتاجهم ثروة علمية كَانَت هِيَ المنبع الرئيسي لكتاب " الْأنس الْجَلِيل " كَمَا قَالَ هُوَ ويمكننا أَن نضع قَائِمَة تقريبية لأولئك الَّذين كتبُوا فِي هَذَا الْمِضْمَار من جَمِيع جوانبه واعتقادي أننا نستطيع أَن نُقِيم الْكتاب عل ضوئها وهم حسب التسلسل الزمني 1 - الْوَاقِدِيّ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر (2) فقد تحدث عَن تَارِيخ الْقُدس

_ (1) هَذَا الْكتاب 1 - 2 / ط الثَّانِيَة (2) أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد الْأَسْلَمِيّ الْمَعْرُوف ب (الْوَاقِدِيّ) ولد بِالْمَدِينَةِ عَام 130 هـ واتصل ببني الْعَبَّاس واصبح قَاضِيا عِنْدهم من أقدم مؤرخي -

فَتوجه فِي كِتَابه (فتوح الشَّام) الَّذِي طبع عدَّة مَرَّات 2 - اليعقوبي أَحْمد بن أبي يَعْقُوب (1) الْكَاتِب والمؤرخ الْمَعْرُوف أورد باكراً للقدس فِي كِتَابه الْمَعْرُوف ب (تَارِيخ اليعقوبي) المطبوع فِي المطبعة الحيدرية من النجف الْأَشْرَف وَغَيرهَا 3 - الطَّبَرِيّ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير (2) المؤرخ والمفسر الشهير جَاءَ من تَارِيخه (تَارِيخ الْأُمَم والملوك) ذكر للقدس وَمن تولاه وبناه

_ الْإِسْلَام قَالَ ابْن النديم خلف الْوَاقِدِيّ بعد وَفَاته سِتّمائَة قمطر كتبا كل قمطر مِنْهَا حمل رجلَيْنِ وَكَانَ لَهُ غلامان مملوكان يكتبان اللَّيْل وَالنَّهَار مَاتَ بِبَغْدَاد عَام 207 هـ وَله مؤلفات عديدة رَاجع تَرْجَمته فِي (تذكر الْحفاظ 317 / 1 ووفيات الْأَعْيَان 506 / 1 وتاريخ بَغْدَاد 3 - 21 / 3 وميزان الِاعْتِدَال 110 / 3 وتهذي بالتهذيب 363 - 368 / 9 والفهرست لِابْنِ النديم 98 / 1 واعيان الشِّيعَة 170 - 178 / 40) (1) أَحْمد بن أبي يَعْقُوب بن جَعْفَر بن وهب بن وَاضح الْكَاتِب الْمَعْرُوف مؤرخ جغرافي كثير الْأَسْفَار من أهل بَغْدَاد صنف كتبا جَيِّدَة توفّي عَام 284 هـ وَخلف مؤلفات قيمَة مِنْهَا تَارِيخه الْمَشْهُور وَكتاب الْبلدَانِ وَغَيرهمَا رَاجع تَرْجَمته فِي (مُعْجم الأدباء 5 / 153 وإيضاح الْمكنون - للبغدادي 1 / 219 و 2 / 279 وأعيان الشِّيعَة 330 - 10 / 366 ومعجم المطبوعات 1948 والاعلام 90 - 1 / 91 ومعجم المؤلفين 1 / 161) مُحَمَّد بن جرير بن يزِيد أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ مؤرخ شهير ومفسر جليل وفقيه ضليع ولد فِي آمل طبرستان عَام 224 هـ واستوطن بَغْدَاد وَتوفى فِيهَا عَام 310 هـ قَالَ ابْن الْأَثِير أَبُو جَعْفَر أوثق من نقل التَّارِيخ وَفِي تَفْسِيره مَا يدل على علم غزير عرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَامْتنعَ لَهُ مؤلفات تدل على سَعَة اطلَاع وغزارة علم رَاجع تَرْجَمته فِي (تذكرة الْحفاظ 351 / 2 ووفيات الْأَعْيَان -

4 - ابْن البطريق سعيد بن البطريق (1) مؤرخ مسيحي أورد للقدس ذكرا فِي كِتَابه (نظم الْجَوْهَر - أَو التَّارِيخ الْمَجْمُوع على التَّحْقِيق والتصديق فِي معرفَة التواريخ) المطبوع فِي ليدن 5 - الاصطخري إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَارِسِي (2) عَالم جغرافي ورحالة تطرق لحَدِيث الْقُدس فِي كِتَابه (مسالك الممالك) المطبوع فِي ليدن 6 - المَسْعُودِيّ عَليّ بن الْحُسَيْن (3) من مشاهير المؤرخين ذكر الْقُدس وولاتها

_ 456 / 1 وطبقات السُّبْكِيّ 135 - 140 / 2 وروضات الجنات 163 - 165 وَرِجَال المامقاني 90 - 91 / 2 وشذرات الذَّهَب 260 / 2) (1) سعيد بن البطريق طيب مؤرخ من أهل مصر ولد بالفسطاط عَام 263 هـ وأقيم بطريركاً فِي الْإسْكَنْدَريَّة توفى عَام 328 هـ وَله مؤلفات عديدة رَاجع تَرْجَمته فِي (طَبَقَات الْأَطِبَّاء 86 / 2 وَحسن المحاضرة - للسيوطي 113 / 1 ومعجم المؤلفين 221 / 4 وآداب اللُّغَة الْعَرَبيَّة 200 / 2) (2) إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَارِسِي أَبُو إِسْحَاق الاصطخري الْكَرْخِي نَشأ باصطخر (فِي إيران) وَقَامَ بسياحة طَاف بهَا بِلَاد الْعَرَب وَبَعض بِلَاد الْهِنْد ووصفته المصادر بِأَنَّهُ جغرافي رحالة من الْعلمَاء لم تكن مصَادر علم الْبلدَانِ موفورة فِي عصره فألف كِتَابيه " صُورَة الأقاليم " و " مسالك الممالك " توفى عَام 346 هـ رَاجع تَرْجَمته فِي (هِدَايَة العارفين 6 / 1 ودائرة المعارف للبستاني 744 / 3 ودائرة المعارف الإسلامية 256 / 2 ومعجم المطبوعات 453 والأعلام 58 / 1 (3) عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ أَبُو الْحسن المَسْعُودِيّ من أَعْلَام التَّارِيخ وَمن مشاهير الرحالين وَمن الباحثين المقدرين من أهل بَغْدَاد أَقَامَ بِمصْر وَتُوفِّي فِيهَا عَام 346 هـ لَهُ مؤلفات عديدة مِنْهَا مروج الذَّهَب وأخبار الزَّمَان وَغير ذَلِك من المؤلفات الْقيمَة رَاجع تَرْجَمته فِي (فَوَات الوفيات 45 / 2 ولسان -

فِي كِتَابه (التَّنْبِيه والإشراف) المطبوع 7 - الْمَقْدِسِي مُحَمَّد بن أَحْمد (1) من مشاهير الرحلة والجغرافيين تنَاول ذكر الْقُدس فِي كِتَابه (أحسن التقاسيم فِي معرفَة الأقاليم) المطبوع فِي ليدن 8 - ابْن عَسَاكِر عَليّ بن الْحسن (2) أورد فتوحات بَيت الْمُقَدّس وَتعرض لتراجم بعض رِجَاله فِي كِتَابه (تَارِيخ ابْن عَسَاكِر) طبع قسم مِنْهُ 9 - أُسَامَة بن منقذ (3) من الْعلمَاء الشجعان والمؤرخين ذكر حروبه

_ الْمِيزَان 224 / 4 وطبقات الشَّافِعِيَّة 307 / 2 والنجوم الزاهرة 315 / 3 وَتَذْكِرَة الْحفاظ 70 / 3 والفهرست لِابْنِ النديم 154 / 1 وأعيان الشِّيعَة 198 213 / 41 والذريعة إِلَى تصانيف الشِّيعَة 347 / 3) (1) مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الْبناء البشاري الْحَنَفِيّ الْمَقْدِسِي شمس الدّين أَبُو عبد الله ولد بالقدس عَام 366 هـ ولع فِي الاسفار فَطَافَ أَكثر بِلَاد الْإِسْلَام وعرفته المصادر بِأَنَّهُ رحالة جغرافي مَاتَ نَحْو سنة 380 هـ وَقَالُوا عَنهُ إِنَّه امتاز بِكَثْرَة ملاحظاته وسعة نظره لَهُ مؤلفات فِي فنه تدل على أهمية رَاجع تَرْجَمته فِي (مُعْجم المطبوعات 1773 والأعلام 203 / 6) (2) عَليّ بن الْحسن بن هبة الله أَبُو الْقَاسِم ثِقَة الله ابْن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي ولد بِدِمَشْق عَام 499 هـ كَانَ مُحدث الديار الشامية وَمن أَعْيَان فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَقَالَت عَنهُ الراوية بِأَنَّهُ مؤرخ حَافظ رحالة توفّي بِدِمَشْق عَام 571 هـ لَهُ مؤلفات عديدة فِي مقدمتها تَارِيخه الْكَبِير رَاجع تَرْجَمته فِي (وفيات الْأَعْيَان 335 / 1 والبداية وَالنِّهَايَة 294 / 12 وطبقات الشَّافِعِيَّة 273 / 4 وتاريخ ابْن الوردي 87 / 2 ومرآة الزَّمَان 100 / 1 ودائرة المعارف الإسلامية 237 / 1 والأعلام 82 / 5) (3) أُسَامَة بن مرشد بن عَليّ بن مقلد بن نصر بن منقذ الْكِنَانِي الْكَلْبِيّ الشِّيرَازِيّ أَبُو المظفر مؤيد الدولة ولد بشيراز عَام 488 هـ وَسكن دمشق -

لبيت الْمُقَدّس ومشاهداته فِيهَا فِي كِتَابه (الِاعْتِبَار) المطبوع 10 - الْعِمَاد الاصبهاني مُحَمَّد بن مُحَمَّد (1) من أكَابِر الْكتاب واعلام التَّارِيخ ذكر تَارِيخ الْقُدس وفتوحاته فِي كِتَابه (الْفَتْح القسي فِي الْفَتْح الْمَقْدِسِي) المطبوع 11 - ياقوت الْحَمَوِيّ (2) من المؤرخين المعروفين أورد للقدس ذكرا مفصلا فِي كِتَابه (مُعْجم الْبلدَانِ) المطبوع

_ وانتقل إِلَى مصر وقاد عدَّة حملات على الصليبيين فِي فلسطين من الْأُمَرَاء وَمن الْعلمَاء الشجعان لَهُ تصانيف فِي الْأَدَب والتاريخ مَاتَ فِي دمشق عَام 584 هـ رَاجع تَرْجَمته فِي " (تَارِيخ ابْن عَسَاكِر 400 / 2 والبداية وَالنِّهَايَة 331 / 12 ووفيات الْأَعْيَان 63 / 1 ومعجم الْآبَاء 188 - 245 / 5 ودائرة المعارف الإسلامية 79 / 2 والإعلام 282 / 1) (1) مُحَمَّد بن مُحَمَّد صفي الدّين ابْن نَفِيس الدّين حَامِد أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف ب (عماد الدّين الْكَاتِب) الاصبهاني مؤرخ عَالم بالأدب من أكَابِر الْكتاب ولد باصبهان عَام 519 هـ وَقدم إِلَى بَغْدَاد حَدثا فتأدب وتفقه فلمع اسْمه فِي أوساطها وقلد عدَّة مناصب كَبِيرَة فِي الدولة ثمَّ رَحل إِلَى دمشق فاستخدم عِنْد السُّلْطَان نور الدّين فِي ديوَان الْإِنْشَاء وتنقل فِي مناصب بعْدهَا بنى مدرسة عرفت باسمه " الْعمادِيَّة " وَتُوفِّي بهَا عَام 597 هـ رَاجع تَرْجَمته فِي (وفيات الْأَعْيَان 74 / 2 ومرآة الزَّمَان 504 / 8 وتاريخ ابْن الوردي 117 / 2 والمختصر الْمُحْتَاج 122 وَحسن المحاضرة 270 / 1 والروضتين 144 / 1) (2) ياقوت بن عبد الله الرُّومِي الْحَمَوِيّ أَبُو عبد الله شهَاب الدّين مؤرخ من أَئِمَّة الجغرافية وَمن أَعْلَام اللُّغَة وَالْأَدب أَصله من الرّوم ولد عَام 574 هـ لَهُ مؤلفات عديدة فِي طليعتها مُعْجم الْبلدَانِ ومعجم الأدباء توفّي عَام 626 هـ رَاجع تَرْجَمته فِي (وفيات الْأَعْيَان 210 / 2 ومرآة الْجنان 59 - 63 / 4 ومعجم المطبوعات 1941 وآداب اللُّغَة الْعَرَبيَّة 88 / 2 والأعلام 157 / 9)

12 - ابْن الْأَثِير عَليّ بن مُحَمَّد (1) المؤرخ الشهير تطرق لذكر تَارِيخ الْقُدس وبنائه فِي كِتَابه (التَّارِيخ الْكَامِل) المطبوع 13 - أَبُو شأمة عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل (2) مؤرخ مُحدث ذكر وُلَاة الْقُدس فِي كِتَابه (الروضتين فِي أَخْبَار الدولتين - النورية والصلاحية) المطبوع 14 - ابْن العبرى أَبُو الْفرج (3) مؤرخ سرياني مستعرب اورد

_ (1) عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عبد الْوَاحِد الشَّيْبَانِيّ الْجَزرِي أَبُو الْحسن عز الدّين ابْن الْأَثِير المؤرخ الشهير من الْعلمَاء فِي النّسَب وَالْأَدب ولد وَنَشَأ فِي جَزِيرَة ابْن عمر عَام 555 هـ وَسكن الْموصل وتجول فِي الْبلدَانِ وَعَاد إِلَى الْموصل فَكَانَ منزله مجمع الْفُضَلَاء والأدباء وَتوفى بهَا عَام 630 هـ فِي مُقَدّمَة مؤلفاته تَارِيخه الْكَامِل الَّذِي طبع عد مَرَّات رَاجع تَرْجَمته فِي (وفيات الْأَعْيَان 347 / 1 وطبقات الشَّافِعِيَّة 127 / 5 ومفتاح السَّعَادَة 206 / 1 وتاريخ أبي الْفِدَاء 854 / 3) (2) عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي أَبُو الْقَاسِم شهَاب الدّين أَبُو شأمة مؤرخ مُحدث باحث أَصله من الْقُدس مولده فِي دمشق عَام 599 هـ وَبهَا منشأه ووفاته عَام 665 هـ تولى مشيخة دَار الحَدِيث الاشرفية وَدخل عَلَيْهِ اثْنَان فِي صُورَة مستفتين فضرباه ضربا مبرحاً تمرض على أَثَره وَمَات معلولاً مِنْهَا لَهُ مؤلفات عديدة مِنْهَا (الروضتين فِي أَخْبَار الدولتين - النورية والصلاحية) مطبوع رَاجع تَرْجَمته فِي (فَوَات الوفيات 1 252 وبغية الوعاة 397 والبداية وَالنِّهَايَة 13 250 وطبقات الشَّافِعِي 5 61 ونفح الطّيب 1 46 ومعجم المطبوعات 317 والأعلام 4 70) (3) غريغوريوس بن هَارُون بن توما الْمَلْطِي أَبُو الْفرج الْمَعْرُوف بِابْن العبرى ولد فِي ملطية سنة 613 هـ وفر إِلَى إنطاكية مَعَ أَبِيه مؤرخ سرياني مستعرب توفّي سنة 685 هـ وَنقل إِلَى الْموصل وَدفن بهَا وَقَالَت المصادر أَنه خلف -

للقدس ذكرا فِي كِتَابه (تَارِيخ مُخْتَصر الدول) المطبوع 15 - ابْن فضل لله الْعمريّ (1) من المعروفين بخطوط الأقاليم والبلدان أورد ذكرا للقدس فِي كِتَابه) مسالك الْأَبْصَار فِي ممالك الْأَمْصَار) المطبوع 16 - ابْن خلدون عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد (2) ذكر فتوح الْقُدس وأخباره وبناءه وولاته فِي كِتَابه (التَّارِيخ الْكَبِير - الْمُسَمّى العبر وديوان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي أَيَّام الْعَرَب -) المطبوع مرَّتَيْنِ

_ 35 مصنفاً فِي عُلُوم مُخْتَلفَة رَاجع تَرْجَمته فِي (دَائِرَة المعارف الإسلامية 1 226 واللؤلؤ المنثور 411 - 430 ومعجم المطبوعات 339 والأعلام 308 - 5 309 ومعجم المؤلفين 39 - 8 40) (1) أَحْمد بن يحيى بن فضل الله الْقرشِي الْعَدوي الْعمريّ شهَاب الدّين مؤرخ ضليع حجَّة فِي معرفَة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان عَارِف بأخبار رجال عصره وتراجمهم غزير الْمَادَّة وَاسع الِاطِّلَاع ولد عَام 700 هـ بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا وَتوفى فِيهَا عَام 749 هـ لَهُ مؤلفات مُتعَدِّدَة قيمَة رَاجع تَرْجَمته فِي (فَوَات الوفيات 1 7 وتاريخ ابْن الوردي 2 354 والدرر الكامنة 1 331 والنجوم الزاهرة 10 334 وشذرات الذَّهَب 6 160 وَحسن المحاضرة 1 329 ومعجم المؤلفين 2 204) (2) عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن خلدون أَبُو زيد ولي الدّين الحضري الاشبيلي الفيلسوف المؤرخ الاجتماعي البحاثة ولد باشبيلية عَام 732 هـ تنقل فِي الْبلدَانِ وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِيهَا فِي الْمَذْهَب الْمَالِكِي توفى بِالْقَاهِرَةِ فَجْأَة عَام 808 هـ لَهُ مؤلفات تدل على سع افقه رَاجع تَرْجَمته فِي (الضَّوْء اللامع 4 145 والعبر 7 379 ونفح الطّيب 4 414 وشذرات الذَّهَب 4 83 ودائرة المعارف الإسلامية 1 152 ومعجم المطبوعات 95 - 97 والأعلام 4 106)

17 - المقريزي أَحْمد بن عَليّ (1) المؤرخ الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف تطرق لذكر هَذَا الْبَيْت الْمُقَدّس وملوكه فِي كِتَابه (السلوك لمعْرِفَة الْمُلُوك) وَقد طبع 18 - ابْن شاهين غرس الدّين خَلِيل (2) مؤرخ شهير من المماليك ذكر خطط الْقُدس فِي كِتَابه (زبدة كشف الممالك) المطبوع فِي باريس 19 - ابْن تغري بردي (3) من المؤرخين الْمَشْهُورين أورد ذكرا لتاريخ

_ (1) أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْقَادِر أَبُو الْعَبَّاس الْحُسَيْنِي العبيدي تَقِيّ الدّين المقريزي مؤرخ الديار المصرية أَصله من بعلبك ونسبته إِلَى حارة المقارزة ولد عَام 766 هـ وَنَشَأ بهَا ونال مَرَاتِب مرموقة فِي الدولة وَأصْبح شخصي لامعة مَاتَ فِي الْقَاهِرَة عَام 845 هـ وَصفته المصادر بِأَنَّهُ عُمْدَة المؤرخين وَعين الْمُحدثين مؤلفاته قيمَة تدل على مقدرَة علمية وتاريخية وسعة أفق رَاجع تَرْجَمته فِي مُقَدّمَة كتاب النُّقُود الإسلامية طبع النجف التبر المسبوك للسخاوي 21 وَحسن المحاضرة 266 / 1 والبدر الطالع 79 / 1 وآداب اللُّغَة الْعَرَبيَّة 175 / 3 والأعلام 172 / 1) (2) غرس الدّين خَلِيل بن شاهين الظَّاهِرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شاهين أَمِير من المماليك اشْتهر بِمصْر كَانَ من المولعين بالبحث وَله تصانيف ونظم ولد بِبَيْت الْمُقَدّس عَام 813 هـ وَتعلم بِالْقَاهِرَةِ وَتَوَلَّى مناصب رسمية فِيهَا وَتوفى بطرابلس سنة 873 هـ ذكرت الرِّوَايَة بِأَن لَهُ نَحْو ثَلَاثِينَ مصنفاً رَاجع تَرْجَمته فِي (الضَّوْء اللامع 195 / 3 وهداية العارفين 353 / 1 والخطط التوفيقية 68 / 8 ومعجم المطبوعات 133 والأعلام 367 / 2) (3) يُوسُف بن تغرى بردي بن عبد الله الظَّاهِرِيّ الْحَنَفِيّ أَبُو المحاسن جمال الدّين مؤرخ بحاثة مولده بِالْقَاهِرَةِ عَام 813 ووفاته فِيهَا أَيْضا عَام 874 هـ لَهُ مؤلفات تدل على تأدب وتفقه وولع بالتاريخ فِي طليعتها موسوعته التاريخية " النُّجُوم الزاهرة " رَاجع تَرْجَمته فِي (النُّجُوم الزاهرة 9 - 28 / 1 -

الْقُدس وولاته وفتحه فِي كِتَابه (النُّجُوم الزاهرة فِي محَاسِن مصر والقاهرة) مطبوع 20 - شمس الدّين السُّيُوطِيّ (1) خص ذكر الْقُدس وأهمية هَذَا الْبَيْت الشريف بكتابه (إتحاف الاخصا بفضائل الْمَسْجِد الْأَقْصَى) المطبوع 21 - مجير الدّين العليمي فِي كِتَابه (الْأنس الْجَلِيل) وَالَّذِي نَحن بصدد تَقْدِيمه وعَلى ضوء هَذِه الْقَائِمَة الَّتِي قدمناها نستطيع أَن نستنتج أَمريْن مهمين عَن هَذَا الْكتاب هما أَولا - أَن هَذِه المنابع الَّتِي ذَكرنَاهَا - وَقد تكون هُنَاكَ غَيرهَا - لم تتَنَاوَل مَوْضُوع الْقُدس وَمَا يتَعَلَّق بِهِ بِصُورَة خَاصَّة وَإِنَّمَا جَاءَ الحَدِيث عَنهُ بِصُورَة عَامَّة وواحداً من المواضيع الَّتِي عالجتها تِلْكَ الْكتب عدى كتاب " إتحاف الاخصا بفضائل الْمَسْجِد الْأَقْصَى " وَفِيمَا يَبْدُو لي أَن الْكتاب خَاص بالموضوع نَفسه ويؤسفني إِنِّي لم أطلع على الْكتاب أما كتاب " الْفَتْح القسي فِي الْفَتْح الْقُدسِي " وَإِن لم يكن مُخَصّصا لهَذَا الْمَوْضُوع فَحسب غير أَن حَدِيث الْقُدس وَمَا يتَّصل بِهِ قد أَخذ قسما كَبِيرا مِنْهُ وَهنا تظهر مزية كتاب " الْأنس الْجَلِيل " إِذْ أَن الْكتاب بجزئية قد كرس فِي الْمَوْضُوع نَفسه وَلم يخرج عَن الصدد ثَانِيًا - أَن كتاب " الْأنس الْجَلِيل " جَاءَ حصيلة هَذِه الْمَجْمُوع الْمَجْمُوعَة الْقيمَة

_ والضوء اللامع 305 / 10 وشذرات الذَّهَب 317 / 7 ودائرة المعارف الإٍ سلامية 396 / 1 وآداب اللُّغَة الْعَرَبيَّة 180 / 3 والأعلام 295 / 9) (1) مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْخَالِق المنهاجي الْمَعْرُوف ب (شمس الدّين السُّيُوطِيّ) نبغ فِي حُدُود سنة 875 هـ وَلم نطلع على تَرْجَمته بِأَكْثَرَ من هَذَا لَهُ كتاب وَهُوَ (إتحاف الاخصا بفضائل الْمَسْجِد الْأَقْصَى) رَاجع (مُعْجم المطبوعات 1085 - 1086)

من المصادر الَّتِي تناولت حَدِيث الْقُدس وتاريخه من جَمِيع جوانبه مُضَافا إِلَى أَن مُؤَلفه هُوَ من تِلْكَ المنطقة ومعلوماته مبتنية على الدراسة المعمقة والاطلاع شخصي والمعلومات التاريخية الشخصية وعَلى أساس هذَيْن الْجَانِبَيْنِ جَاءَ الْكتاب بَعيدا عَن كل شَائِبَة وَعَن الزِّيَادَات المخلة وَعَن الاستنتاجات المرتجلة 3 - وَإِذا عدنا إِلَى الْكتاب نَفسه لنلقي عَلَيْهِ أضواء تكشف لنا جوانبه الجديرة الْبَحْث والاهتمام نرَاهَا لَا تتجاوز مَا يَلِي 1 - مَنْهَج الْمُؤلف فِي عرض كِتَابه 2 - الْأَسْبَاب والدوافع الَّتِي بعثته لوضع هَذَا الْكتاب وَمن هذَيْن الْجَانِبَيْنِ نستطيع أَن نُقِيم الْكتاب ومدى أهميته أَولا - مَنْهَج الْمُؤلف فِي عرض الْكتاب

_ ونستطيع أَن نحدد مَنْهَج الْمُؤلف فِي كِتَابه هَذَا بالنقاط التالية أَولا - عرض لتاريخ بَيت الْمُقَدّس يتَضَمَّن أَسمَاء هَذِه الْمَدِينَة وَابْتِدَاء بنائها وَمَا وَقع فِيهَا من الْأَخْبَار والإنباء حَتَّى عَام 900 هـ ثانياًَ - ذكر الانبياء وَالرسل الَّذين لَهُم أثر فِي هَذَا الْمَسْجِد حَتَّى رَسُول الإنسانية النَّبِي الْأَعْظَم مُحَمَّد (ص) وَمَا رافقته من أَحْدَاث هَامة بِالنِّسْبَةِ لهَذَا الْبَيْت الْمُقَدّس أَمْثَال الْإِسْرَاء وتحويل الْقبْلَة ثَالِثا - عرض لذكر الْخُلَفَاء والولاة الَّذين فتحُوا أَو أشادوا فِي هَذَا الْبَلَد من صدر الْإِسْلَام حَتَّى نِهَايَة التَّارِيخ المحدد للْكتاب وحوادث الإفرنج وحروبهم

رَابِعا - عرض لذكر أَعْيَان التَّابِعين وَالْعُلَمَاء والزهاد مِمَّن دخلُوا بَيت الْمُقَدّس سَوَاء كَانُوا زائرين أَو مستوطنين خَامِسًا - تَقْدِيم صُورَة موجزة عَن تَارِيخ مَدِينَة الْخَلِيل وَمَا حولهَا من الْمشَاهد والأماكن الْمعد للزيارة سادساً - تَرْجَمَة أَعْيَان مُلُوك الْإِسْلَام الَّذين توَلّوا الحكم فِي الْبَيْت الْمُقَدّس والخليل وَمَا فَعَلُوهُ من الْخيرَات وَالْمِيرَاث سابعاً - تَرْجَمَة عدد من أَعْيَان البلدتين من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَمن ولي فيهمَا المناصب الْحكمِيَّة والوظائف الدِّينِيَّة مضمناً هَذِه التراجم أهم الْحَوَادِث وَالْأَخْبَار الَّتِي ترافقها ثامناً - يخْتم الْكتاب بترجمة الْملك الْأَشْرَف أبي النَّصْر قايتباي وأهم مشاريعه الثقافية وَفِي مقدمتها مدرسته ثمَّ يتَعَرَّض لترجمة كَمَال الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن أبي شرِيف الشَّافِعِي - رَئِيس مشيختها - وَهُوَ أحد أساتذة الْمُؤلف - ولسنا مبالغين إِذا ادعينا أَن هَذَا الْكتاب بِهَذَا الْمنْهَج الضخم يكَاد يكون أوسع مؤلف كتب فِي تَارِيخ هَذِه الْمَدِينَة المقدسة سَوَاء من الْكتب الْخَاصَّة أَو المصادر التاريخية الْعَامَّة الَّتِي تناولت تَارِيخ هَاتين المدينتين خَاصَّة وَأَن الْمُؤلف هُوَ مِمَّن تِلْكَ الديار وَمِمَّنْ تثقف فِي أوساطها وعانى بؤسها وَنَعِيمهَا وتذوق حلوها ومرها لهَذَا كُله فَهُوَ أمكن من غَيره فِي إِعْطَاء الصُّور الْوَاضِح المعالم عَنْهَا وأقدر على استخلاص النتائج والحقائق من بَين ثنايا الْحَوَادِث وَالْأَخْبَار الَّتِي مر بهَا تَارِيخ البلدين وَقد جَاءَ هَذَا الْمنْهَج ياسلوب سهل وَعرض جميل بَعيدا عَن التَّكَلُّف والتعقيد مبوباً فِي أحسن تبويب

الأساليب والدوافع لوضع الْكتاب لَعَلَّ الْأَسْبَاب والدوافع الَّتِي تحدث عَنْهَا الْمُؤلف نَفسه فِي تأليف هَذَا الْكتاب معطياً هَذَا الْجَانِب الْهَام فَهُوَ يَقُول وَإِنَّمَا دَعَاني لذَلِك أَن غَالب بِلَاد الْإِسْلَام قد اعتنى بهَا الْحفاظ وَكَتَبُوا بتاريخها مِمَّا يُفِيد أَخْبَارهَا الْوَاقِع فِي الزَّمن السَّابِق وَبَيت الْمُقَدّس على شَيْء من ذَلِك الَّذِي يخْتَص بِهِ وَإِنَّمَا ذكرُوا فِي التواريخ أَشْيَاء فِي أَمَاكِن وَرَأَيْت الْأَنْفس متشوق إِلَى شَيْء من هَذَا النمط الَّذِي قصدت فعله الْعلمَاء كتب شَيْئا يتَعَلَّق بالفضائل فَقَط وَبَعْضهمْ تعرض لذكر الْفَتْح وعمار بني أُمِّي وَبَعْضهمْ ذكر الْفَتْح الصلاحي وَاقْتصر عَلَيْهِ وَلم يذكر بعده وَبَعْضهمْ كتب تَارِيخا تعرض فِيهِ لذكر بعض جماع من أَعْيَان مِمَّا لَيْسَ فِيهِ كَبِير فَائِدَة فَأَحْبَبْت ن أجمع بَين ذكر الْبناء والفضائل وتراجم الْأَعْيَان وَذكر بعض الْحَوَادِث الْمَشْهُور ليَكُون تَارِيخا كَامِلا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المسؤول وَهُوَ المسؤول أَن يمن عَليّ بتيسير إِتْمَامه " (1) وَمَعَ ضخامة الْكتاب وتوسعه فِي تنوع مواضيعه فقد صرح الْمُؤلف كِتَابه بِأَنَّهُ كَانَ قد ابْتَدَأَ فِي جمعه فِي الْخَامِس عشر من شهر ذِي الْحَج 9 هـ وَفرغ من ترتبه وَجمعه فِي دون أَربع أشهر رغم الْعَوَارِض الَّتِي صرفت عَن الِاسْتِمْرَار فِي مشروعه مد شهر لم يكْتب فِيهَا شَيْئا (2)

_ (1) هَذَا الْكتاب 5 / (2) نفس الْمصدر 383 / 2

وَكَانَ من المنتظر أَن يكون الْكتاب بِهَذِهِ السرعة مرتجلاً خَفِيف الْوَزْن وَلكنه برغم ذَلِك كُله فَإِنَّهُ كتاب قيم ممتع يدل على سع إطلاع وَبعد فِي التَّارِيخ وَلذَا فَلَا نخشى إِن ادعينا أَنه من المصادر الْقيمَة فِي بَابه ويؤكد هَذَا الْمَعْنى مَا قَالَه بعض الْكتاب عَنهُ " وظني انه لم يصنف فِي مثله مثله وَلم يُوجد فِي بَابه نَظِيره " (1) وَرَغمَ أَن الْكتاب طبع مرّة وَاحِدَة فِي المطبعة الوهبية بِمصْر فِي عَام 1283 هـ فِي مجلدين عدد صفحاته 712 صفح بِقطع الْوسط فقد ترْجم إِلَى الفرنسي - نظرا لأهميته - قَامَ بترجمته الْأُسْتَاذ هنري سوفار وطبع فِي باريس عَام 1876 م (2) وصرحت بعض المصادر بِوُجُود نسخ مخطوط من هَذَا الْكتاب فِي أَكثر مكَاتب أوروبا وَكَذَلِكَ تُوجد مِنْهُ نسخ مخطوطة فِي دَار الْكتب المصرية تقع فِي 440 صفح (3) وَلَقَد مر عل طبع الْكتاب قرن وَاحِد وَنفذ من الْأَسْوَاق فِي ظرف هَذِه الْمَدّ الطَّوِيلَة لهَذَا فكر الْأَخ الْفَاضِل الشَّيْخ مُحَمَّد كاظم الكتبي أَن يُعِيد طبعه ثَانِي فِي سلسل مطبوعات (مكتبة الحيدرية) وبصورة بسيطة ليوفره لَدَى الْمُسلمين نظرا لما للْكتاب من أهمي خَاصَّة بِالنِّسْبَةِ لمدينة الْقُدس فِي الْوَقْت الْحَاضِر وَهِي تمر بِدُونِ خطير قد وضع الصهاينة الغاصبون يَد الاحتلال على معالم هَذِه الْمَدِينَة المقدسة فبلة الْمُسلمين الأولى ومهبط الْوَحْي ومثوى الْأَنْبِيَاء

_ (1) الْفَوَائِد البهية فِي تراجم الْحَنَفِيَّة 168 / هَامِش (2) مُعْجم المطبوعات 35 {3) تَارِيخ آدَاب اللُّغَة الْعَرَبيَّة 198 / 3

لقد شَاءَ الْأَخ الناشر أَن يُعِيد للأذهان الْمُسلم تَارِيخ هَذِه الْمَدِينَة المقدسة بطبعه هَذَا الْكتاب وتداوله بَين النَّاس ويشعر الضَّمِير الإنساني الْمُسلم بِأَن الْمُسلمين الَّذين يسكنون هَذِه الْبقْعَة الطاهرة هم الْآن يرزحون تَحت كابوس الاحتلال الصهيوني الغادر فَلَا بُد من أَن يَسْتَيْقِظ الْعَالم الإسلامي من غفوته وَيعْمل على محو الْعَار من عَاتِقه وَذَلِكَ بتحرير هَذِه البقع الطاهرة من برائن الْيَهُودِيَّة الَّتِي تضمر الحقد الْأسود لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين من يَوْم " خَيْبَر " وَلَيْسَ من السهل عل أمة تشعر بالكرامة أَن تتناسى ماضيها الزَّاهِر وتتغاضى عَن مجدها الْعَظِيم وَهِي فِي قوتها وعزتها فلابد لَهَا من جَوْلَة حاسمة لتطهر الْمَدِينَة الْمُقَدّس من الأرجاس الصهاين لترابط حاضرها بماضيها وتتم سجل التَّارِيخ بِالدَّمِ والتضحية وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله المتفضل على خلقه بِفَتْح أَبْوَاب الرَّحْمَة المحسن إِلَى أهل الْملَّة الحنيفية بترادف الْخَيْر وَالنعْمَة الَّذِي يسر لمن إختاره لنصرة دينه أَسبَاب علو الهمة وأنعم على عبيده سكان الْبَيْت الْمُقَدّس بِمَا منحهم من الْإِقَامَة بِهِ وكشف عَنْهُم الْغُمَّة أَحْمَده سُبْحَانَهُ على مَا من بِهِ علينا من الْمُجَاورَة لِلْمَسْجِدِ الشريف الْأَقْصَى وأشكره على مننه الَّتِي كثرت فَلَا تعد وَلَا تحصى وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الفعال لما يُرِيد وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي نصر بِهِ دينه وقمع بِهِ كل جَبَّار عنيد صلى الله وَسلم عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين أيد الله بهم الْإِسْلَام فمهدوا قَوَاعِد الدّين من بعده وَقَامُوا بنصرته أعظم قيام صَلَاة وَسلَامًا دائمين إِلَى أَن نَلْقَاهُ إِن شَاءَ الله بدار السَّلَام (أما بعد) فَهَذَا مُخْتَصر استخرت الله تَعَالَى فيجمعه وَسَأَلته المعونة لي بفضله فِي تَرْتِيب وَضعه يتَضَمَّن تَارِيخ الْبَيْت الْمُقَدّس الَّذِي هُوَ على التَّقْوَى مؤسس وقص السَّيِّد الْجَلِيل سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وأبنائه السَّادة الْكِرَام وَغَيرهم من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن لي أَن أجمعه من كتب الْمُتَقَدِّمين وأهذب الفاظه من فَوَائِد المؤرخين وَاذْكُر مَا يتَعَلَّق بِبَيْت الْمُقَدّس من ابْتِدَاء أمره وبنائه وَمَا وَقع من أخباره وأبنائه مِمَّن لدن آدم عَلَيْهِ السَّلَام

عصرنا هَذَا وَهُوَ آخر عَام تِسْعمائَة من هِجْرَة النَّبِي الْمُصْطَفى خير الْأَنَام وأضيف إِلَى ذَلِك نبذة مِمَّن الْحَوَادِث وَالْأَخْبَار وتراجم الْأَعْيَان على وَجه لاختصار فاستعنت بِاللَّه سُبْحَانَهُ فِيمَا قصدته وتوكلت عَلَيْهِ فِي تيسير مَا تصورته وشرعت فِي ذَلِك طَالبا من الله التَّوْفِيق والمن بالهداية لأَقوم طَرِيق فأذكر وَلَا نبذة يسيرَة من تَفْسِير أول سُورَة الْإِسْرَاء أَو أَسمَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَبَيت الْمُقَدّس وَمَا ورد من الْخلاف فِي ابْتِدَاء أمره ثمَّ اذكر أول مَا خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من مخلوقاته إِلَى حِين خلق آدم ثمَّ اذكر سيدنَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَمن بعده من الْأَنْبِيَاء إِلَى سيدنَا إِبْرَاهِيم ونبذة يسيرَة من أخبارهم ثمَّ اذكر قصَّة سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ومولده ونبوته نبذة من سيرته ومعجزاته وَأَوْلَاده الْكِرَام وهجرته وَبِنَاء الْكَعْبَة المشرفة وقصة لذبيح وَشِرَاء المغارة ووفاته وَبِنَاء السُّور السُّلَيْمَانِي الْمُحِيط بقبره وَكَونه صَار مَسْجِدا وذرعه طولا وعرضاً وَاذْكُر صفة الْمَسْجِد وَمَا هُوَ مُشْتَمل عَلَيْهِ وترتيب قُبُور الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ثمَّ اذكر نبذة من أَخْبَار السماط الْكَرِيم ونظامه ثمَّ اذكر مَا بعد إِبْرَاهِيم من الْأَنْبِيَاء إِلَى سيدنَا مُوسَى وأخيه هَارُون عَلَيْهِمَا السَّلَام ثمَّ اذكر السَّبَب فِي ملك سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام ونبذة يسيرَة من سيرته واهتمامه بِنَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف بِإِذن الله تَعَالَى ثمَّ أذكر عمَارَة سيدنَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لمدينة الْقُدس وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من الصِّفَات والعجائب نبذة من سيرة سيدنَا سُلَيْمَان ثمَّ اذكر تخريبة على يَد بخت نصر وَالسَّبَب فِيهِ ثمَّ اذكر عِمَارَته الثَّانِيَة على يَد كورش ملك الْفرس وَاذْكُر من كَانَ من الْأَنْبِيَاء من بعد سيدنَا سُلَيْمَان إِلَى سيدنَا يُونُس عَلَيْهِم السَّلَام ثمَّ اذكر مولد سيدنَا زَكَرِيَّا وَيحيى وَعِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِم السَّلَام ونزول الْمَائِدَة على عِيسَى وصعوده إِلَى السَّمَاء ونبذة من سيرته ثمَّ اذكر خراب بَيت الْمُقَدّس الثَّانِي على يَد طيطوش زَوَال دولة الْيَهُود ثمَّ اذكر عِمَارَته الثَّالِثَة

ثمَّ اذكر مولد سيد الْأَوَّلين والآخرين وحبِيب رب الْعَالمين ونبذة من سيرته الشَّرِيفَة وقصة الْمِعْرَاج وَمَا وَقع لَهُ لَيْلَة الْإِسْرَاء بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وهجرته وَبِنَاء مَسْجده الشريف وتحويل الْقبْلَة من صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ونبذة من أخباره وغزواته ووفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ اذكر نبذة من فَضَائِل الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا ورد فِيهِ ثمَّ اذكر الْفَتْح الْعمريّ الَّذِي يسره الله تَعَالَى على يَد أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعمارته على يَدَيْهِ وَمن دخله من أَعْيَان الصَّحَابَة واستوطنه وَاذْكُر الْمهْدي الَّذِي يكون فِي آخر الزَّمَان بالقدس الشريف ثمَّ اذكر بِنَاء عبد الْملك بن مَرْوَان لقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَبِنَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا وَقع فِي ذَلِك وَاذْكُر طرفا من أَخْبَار عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ وَمَا وَقع لَهُ مَعَ الْحجَّاج بن يُوسُف بِأَمْر عبد الْملك وَهدم الْكَعْبَة وبناءها مرّة بعد أُخْرَى ونبذة من أَخْبَارهَا وذرع الْمَسْجِد الْحَرَام طولا وعرضاً وَعدد أبوابه ومنابره ثمَّ اذكر جمَاعَة من أَعْيَان التَّابِعين وَالْعُلَمَاء والزهاد مِمَّن دخل بَيت الْمُقَدّس زَائِرًا ومستوطناً قبل اسْتِيلَاء الإفرنج عَلَيْهِ ثمَّ اذكر تغلب الافرنج واستيلائهم على بَيت الْمُقَدّس بعد ذَلِك لضعف دولة الفاطمين وَسُوء تدبيرهم ثمَّ اذكر الْفَتْح الصلاحي الَّذِي يسره الله تَعَالَى على يَد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب تغمده الله برحمته وَمَا وَقع لَهُ من الْغَزَوَات ونبذة من سيرته ووفاته ثمَّ اذكر مَا وَقع بعده من تَسْلِيم الْقُدس للإفرنج وانتزاعه مِنْهُم مرّة بعد أُخْرَى لوُقُوع الْخلف بَين مُلُوك بني أَيُّوب ثمَّ اذكر صفة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا هُوَ عَلَيْهِ فِي عصرنا وذرعه طولا وعرضا وَكَذَلِكَ صحن الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وارتفاع الْقبَّة ثمَّ اذكر غَالب مَا فِي بَيت الْمُقَدّس من الْمدَارِس والمشاهد مِمَّا هُوَ مجاور لسور الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَغَيره وَأَسْمَاء من عَرفته من الواقفين للمدارس وَمَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من تواريخ أوقافهم ثمَّ أذكر مَا بِظَاهِر بَيت الْمُقَدّس من عين سلوان وَعين المقذوفات وبئر أَيُّوب وَطول زيتا وقبر مَرْيَم

والساهرة وَبَيت لحم ورملة فلسطين ولد وَغير ذَلِك ثمَّ أذكر نبذة من أَخْبَار مَدِينَة سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا فِيهَا وَمَا حولهَا مِمَّا اشْتهر من الْمشَاهد والأماكن الْمَقْصُودَة للزيارة وأذكر لاقطاع التَّمِيمِي ثمَّ أذكر جمَاعَة من أَعْيَان مُلُوك الْإِسْلَام مِمَّن تولى على بَيت الْمُقَدّس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفعل فيهمَا الْخَيْر من أَنْوَاع الْبر والعمارة ثمَّ أذكر مَا تيَسّر من أَعْيَان عُلَمَاء البلدتين من الْمذَاهب الْأَرْبَع وَمن ولى فيهمَا لمناصب الْحكمِيَّة والوظائف الدِّينِيَّة وَمن عرف مِنْهُم بالزهد وَالصَّلَاح وأذكر من تراجمهم نبذة مِمَّا اطَّلَعت عَلَيْهِ من الْحَوَادِث وَالْأَخْبَار مِمَّا لَا يَخْلُو من فَائِدَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ أختم الْكتاب بِذكر تَرْجَمَة ملك الْعَصْر وَالزَّمَان مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك لأشرف أَبُو النَّصْر قايتباي نَصره الله تَعَالَى وأذكر مدرسته الشَّرِيفَة الشَّرِيفَة وَأَنَّهَا من محَاسِن بَيت الْمُقَدّس لَا سِيمَا كَونهَا فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَهِي آخر مدرسة بنيت فِيهِ وَاذْكُر ابْتِدَاء ولَايَته السلطنة وأحوال بَيت الْمُقَدّس وأحوال بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أَيَّامه وَاذْكُر سَبَب بِنَاء مدرسته وتولية مشيختها شيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ كَمَال الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن أبي شرِيف الشَّافِعِي أدام الله نفع بِعُلُومِهِ وأذكر تَارِيخ مولده وَأَسْمَاء مصنفاته وَمَا تيَسّر من تَرْجَمته وإجتهد فِي إيجاز لفظ هَذَا الْكتاب حسب الْإِمْكَان طَالبا للاختصار (وسميته بالأنس الْجَلِيل بتاريخ الْقُدس والخليل) وَإِذا من الله بأكماله كَانَ تَارِيخا للقدس والخليل خَاصَّة ولغيرهما عَامَّة فَإِنَّهُ يكون فِيهِ تَارِيخ الْمَسَاجِد ثَلَاثَة وَغَيرهَا فالكعبة المشرفة ذكرهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذكر قصَّة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذكره الشريف غير ذَلِك من الْحَوَادِث بِالنِّسْبَةِ لارتباط الْأَخْبَار بَعْضهَا بِبَعْض وَحين عزمي على رَفعه لم أقصد ذَلِك وَإِنَّمَا قصدت ذكره مَا يتَعَلَّق بالقدس والخليل فَقَط فتأملت مَا قصدت مَعَه فَرَأَيْت الْحَال يتَطَرَّق إِلَى ذكر جَمِيع ذَلِك لأمور لَا يخفى على من تَأمل

على رؤسها فَاسْتَيْقَظَ النمرود من مَنَامه فَزعًا خَائفًا مَرْعُوبًا فَقص رُؤْيَاهُ على آزر فخاف آزر على نَفسه مِنْهُ وَقَالَ إِنَّمَا ذَلِك لِكَثْرَة عبادتي لَهَا وَكَانَ نمْرُود بليدا جَبَانًا فرضى بقول آزر وَسكت ثمَّ بدا لَهُ الدُّخُول إِلَى الْبَلَد فَلَمَّا دَخلهَا دخل آزر على الْأَصْنَام وَكَانَ هُوَ الْقيم لَهَا فَلَمَّا وَقع نظره عَلَيْهَا تساقطت عَن كراسيها فَسجدَ آزر حِين رأى ذَلِك وانطقها الله تَعَالَى وَقَالَت يَا آزر جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل ووافي نمروذ مَا كَانَ يحذرهُ فَدخل آزر بَيته وَكَانَ قد توهم فِي زَوجته إِنَّهَا حَامِل فَلَمَّا رَآهَا وَهِي نشطة سَأَلَهَا عَن حَالهَا فَقَالَت إِن الَّذِي كَانَ ببطني لم يكن ولدا وانما كَانَ ريحًا وَقد تصرف عني فصدقها على ذَلِك وَألقى الله تَعَالَى على نمروذ النسْيَان لامر إِبْرَاهِيم فَكَانَت أمه تتَوَجَّه إِلَى الْغَار فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام مرّة لترى حَال وَلَدهَا فتراه فِي احسن هَيْئَة فتوجهت إِلَيْهِ مرّة فرأت الوحوش والطيور على بَاب المغارة فخافت واضطربت وظنت أَن وَلَدهَا قد هلك فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ وجدته بِخَير وعافية وَهُوَ جَالس على فرَاش من السندس وَهُوَ مدهون مَكْحُول بِأَحْسَن حَال فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك مِنْهُ ازدادت فِيهِ محبَّة وعظمته وَعلمت ان لَهُ شانا عَظِيما وان لَهُ رَبًّا يَحْرُسهُ ويتولاه فَنَظَرت إِلَيْهِ فَوَجَدته يمص فِي أَصَابِعه فَوجدت يخرج لَهُ من إِصْبَع لبن وَمن إِصْبَع عسل وَمن إِصْبَع سمن وَمن إِصْبَع مَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وَكَانَ يشب شبا لَا يشبه أحدا من الغلمان يَوْمه كالشهر وشهره كالسنة وَلم يمْكث فِي الْغَار سوى خَمْسَة عشر شهرا وَتكلم فَقَالَ لامه يَوْمًا يَا آماه من رَبِّي؟ قَالَت انا فَقَالَ لَهَا وَمن رَبك؟ فَقَالَت لَهُ أَبوك قَالَ فَمن رب أَبى؟ قَالَت نمروذ قَالَ فَمن رب نمروذ؟ فلطمته لطمة وَقَالَت لَهُ اسْكُتْ فَسكت وَرجعت إِلَى زَوجهَا وَقَالَت لَهُ يَا آزر أَرَأَيْت الْغُلَام الَّذِي يتحدث بِهِ انه يُغير دين أهل الأَرْض؟ قَالَ لَا قَالَت انه هُوَ ابْنك ثمَّ أخْبرته بأَمْره وبمكانه فاتاه أَبوهُ وَنَظره وَفَرح بِهِ وَقَالَ لَهُ أَنْت وَلَدي؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيم نعم يَا أَبَت ثمَّ قَالَ إِبْرَاهِيم يَا أبتاه من رَبِّي؟ قَالَ أمك قَالَ فَمن رب أُمِّي؟ قَالَ أَنا قَالَ فَمن رَبك؟ قَالَ نمروذ

وَالله يعلم إِنِّي لم أقصد بذلك الْفَخر وَلَا أَن يُقَال إِنِّي من جملَة المصنفين لعلمي بِحَقِيقَة حَالي فِي التَّقْصِير وَأَن بضاعتي فِي الْعلم مزجاة وَإِنَّمَا دَعَاني لذَلِك أَن غَالب بِلَاد الْإِسْلَام قد اعتنى بهَا الْحفاظ وَكَتَبُوا مَا يتَعَلَّق بتاريخها مِمَّا يُفِيد أَخْبَارهَا الْوَاقِعَة فِي الزَّمن السَّابِق وَبَيت الْمُقَدّس لم أطلع لَهُ على شَيْء من ذَلِك يخْتَص بِهِ وَإِنَّمَا ذكرُوا فِي التواريخ أَشْيَاء فِي أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة وَرَأَيْت الْأَنْفس متشوقة إِلَى شَيْء من هَذَا النمط الَّذِي قصدت فعله فَإِن بعض الْعلمَاء كتب شَيْئا يتَعَلَّق بالفضائل فَقَط وَبَعْضهمْ تعرض لذكر الْفَتْح الْعمريّ وَعمارَة بني أُميَّة وَبَعْضهمْ ذكر الْفَتْح الصلاحي وَاقْتصر عَلَيْهِ وَلم يذكر مَا وَقع بعده وَبَعْضهمْ كتب تَارِيخا تعرض فِيهِ لذكر بعض جمَاعَة من أَعْيَان بَيت الْمُقَدّس مِمَّا لَيْسَ فِيهِ كَبِير فَائِدَة فَأَحْبَبْت أَن أجمع بَين ذكر الْبناء والفضائل والفتوحات وتراجم الْأَعْيَان وَذكر بعض الْحَوَادِث الْمَشْهُورَة ليَكُون تَارِيخا كَامِلا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَسْئُول وَهُوَ المأمول أَن يمن عَليّ بتيسير إِتْمَامه وكما وفقني لبدايته يُعِيننِي على إكماله وختامه وَأَن يَنْفَعنِي وَالْمُسْلِمين بِمَا فِيهِ أَنه قريب مُجيب وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب (نبذة يسيرَة من تَفْسِير أول سُورَة الْإِسْرَاء وَذكر أَسمَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى) قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز - بعد قَوْله تَعَالَى وَهُوَ أصدق الْقَائِلين - بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي باركنا حوله لنريه من آيَاتنَا أَنه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم سُبْحَانَ هِيَ تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن كل سوء وَوَصفه بِالْبَرَاءَةِ من كل نقص وَتَكون سُبْحَانَ بِمَعْنى التَّعَجُّب أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا أَي سيره وَالْعَبْد هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخْتَلف فِي ذَلِك أحد من الْأمة من الْمَسْجِد الْحَرَام يَعْنِي مَكَّة إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى هُوَ مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس الَّذِي باركنا حوله يَعْنِي بالأنهار وَالْأَشْجَار والأثمار

قَالَ فَمن رب نمْرُود؟ فَلَطَمَهُ لطمة كَادَت ان تخرج عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَهُ اسْكُتْ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده من قبل وَكُنَّا بِهِ عَالمين) ثمَّ ان إِبْرَاهِيم قَالَ لامه يَوْمًا أخرجيني من الْغَار فَأَخْرَجته عشَاء فَلَمَّا خرج نظر وتفكر فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ثمَّ قَالَ ان الَّذِي خلقني وَرَزَقَنِي ويطعمني ويسقيني لرَبي مَا لي إِلَه غَيره ثمَّ نظر إِلَى السَّمَاء فَرَأى كواكبها وَرَأى كوكبا فَقَالَ هَذَا رَبِّي ثمَّ اتبعهُ بَصَره حَتَّى غَابَ وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ فَلَمَّا غَابَ قَالَ لَا احب الآفلين وَهَذَا يدل على كَمَال عقله وَعلمه إِذْ الآفل لَا يجوز أَن يكون إِلَهًا ثمَّ رأى الْقَمَر بازغا قَالَ هَذَا رَبِّي فَاتبعهُ بَصَره حَتَّى غَابَ فسئمه وَقَالَ ان لَا احب الآفلين وَرجع بفكره مُتَوَجها إِلَى ربه وَقَالَ (لَئِن لم يهدني رَبِّي لاكونن من الْقَوْم الضَّالّين) وَمعنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن لم يهدني رَبِّي ان الْهِدَايَة والتوفيق بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ ثمَّ طلعت الشَّمْس فَقَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا اكبر فَلَمَّا افلت سئمها وَتوجه إِلَى ربه بقلب سليم وَوجه وَجهه للحق بِالصّدقِ وَالْيَقِين ونادى على قومه بالشرك الْمُبين (وَقَالَ يَا قوم إِنِّي بري مِمَّا تشركون إِنِّي وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين) فنقله الله تَعَالَى من علم الْيَقِين إِلَى عين الْيَقِين ثمَّ إِن أَبَاهُ ضمه إِلَيْهِ فشب شبَابًا حسنا وَلم يزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُجملا فِي جَمِيع أَحْوَاله حَتَّى أكْرمه الله تَعَالَى بِمَا أكْرمه من الْآيَات الْبَينَات والكرامات الباهرات ثمَّ البسه خلعة الْخلَّة وَجعله من أولي الْعَزْم من الرُّسُل وَجعله أَبَا الْأَنْبِيَاء وتاج الأصفياء ونصرة أهل الأَرْض وَشرف أهل السَّمَاء وَكَانَ مولده عَلَيْهِ السَّلَام بكوثا من إقليم بابل من ارْض الْعرَاق على ارجح الْأَقْوَال وَكَانَ آزر أَبُو إِبْرَاهِيم يصنع الْأَصْنَام ويغطيها لإِبْرَاهِيم لبيعها فَكَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول من يَشْتَرِي مَا يضرّهُ وَلَا يَنْفَعهُ فَلَا يَشْتَرِيهَا أحد فَإِذا بارت عَلَيْهِ ذهب بهَا إِلَى نهر فصوب فِيهِ رؤسها وَقَالَ لَهَا اشربي استهزاء بقَوْمه وَبِمَا هم فِيهِ من الضَّلَالَة حَتَّى فَشَا استهزاؤه بهَا فِي قومه وَأهل قريته فحاجه قومه فِي دينه فَقَالَ لَهُم

وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله باركنا حوله فلسطين والأردن وَيَأْتِي ذكر فلسطين فِيمَا بعد أَن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْأُرْدُن فَهُوَ نهر الشَّرِيعَة الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى (أَن الله مبتليكم منبهر) وَهُوَ بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَضم الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي قَوْله الَّذِي باركنا حوله يَعْنِي الشَّام وَالشَّام بالسُّرْيَانيَّة الطّيب سميت بذلك لطيبها وخصبها وَقيل باركنا حوله بمقابر الْأَنْبِيَاء وَقيل غير ذَلِك وَقيل سَمَّاهُ مُبَارَكًا لِأَنَّهُ مقرّ الْأَنْبِيَاء وقبلتهم ومهبط الْمَلَائِكَة وَالْوَحي وَفِيه يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَسمي الْأَقْصَى لبعد الْمسَافَة بَينه وَبَين الْمَسْجِد الْحَرَام وَقيل كَانَ هَذَا أبعد مَسْجِد عَن أهل مَكَّة فِي الأَرْض يعظم للزيارة مَكَّة فِي الأَرْض يعظم للزيارة وَقيل لبعده عَن الأقذار والخبائث وَرُوِيَ أَنه سمي الْأَقْصَى لِأَنَّهُ وسط الدُّنْيَا لَا يزِيد شَيْئا وَلَا ينقص وَقَوله تَعَالَى (والتين وَالزَّيْتُون وطور سِنِين وَهَذَا الْبَلَد الْأمين) رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ أقسم رَبنَا جلّ جَلَاله بأَرْبعَة أجبل فَقَالَ والتين وَالزَّيْتُون وطور سينين وَهَذَا الْبَلَد الْأمين قَالَ التِّين طور سيناء مَسْجِد دمشق وَالزَّيْتُون طور زيتا مَسْجِد بَيت الْقُدس وطور سينين حَيْثُ كلم الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا الْبَلَد الْأمين جبل مَكَّة وَمن أَسمَاء بَيت الْمُقَدّس أيليا بِهَمْزَة مَكْسُورَة ثمَّ يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ لَام مَكْسُورَة ثمَّ يَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ ألف ممدودة ككبرياء وَحكى فِيهَا الْقصر وَمَعْنَاهُ بَيت الله الْمُقَدّس وَبَيت الْمُقَدّس بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف أَي الْمَكَان المطهر من الذُّنُوب واشتقاقه من الْقُدس وَهِي الطَّهَارَة وَالْبركَة فَمَعْنَى بَيت الْمُقَدّس الْمَكَان الَّذِي يتَطَهَّر فِيهِ من الذُّنُوب وَيُقَال الْمُرْتَفع المنزه عَن الشّرك وَالْبَيْت الْمُقَدّس بِضَم الْمِيم وَفتح الدَّال الْمُشَدّدَة أَي المطهر وتطهيره إخلاؤه من الْأَصْنَام وَبَيت الْقُدس بِضَم الدَّال وسكونها لُغَتَانِ

أتحاجوني فِي الله وَقد هَدَانِي للتوحيد وَالْحق وَلَا أَخَاف مَا تشركون بِهِ وَذَلِكَ انهم قَالُوا لَهُ احذر الْأَصْنَام فَأَنا نَخَاف إِن تمسك بِسوء من خبل أَو جُنُون لسبك إِيَّاهَا فَقَالَ لَهُم لَا أَخَاف مَا تشركون بِهِ إِلَّا إِن يَشَاء رَبِّي شَيْئا وسع رَبِّي كل شَيْء علما _ أَي أحَاط علمه بِكُل شَيْء _ أَفلا تتذكرون ثمَّ لما أَمر الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ان يَدْعُو قومه إِلَى التَّوْحِيد دَعَا أَبَاهُ فَلم يجبهُ ودعا قومه وَفَشَا أمره واتصلت أخباره بنمروذ وَهُوَ ملك تِلْكَ الْبِلَاد ثمَّ جَاهد إِبْرَاهِيم قومه بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا كَانُوا يعْبدُونَ واظهر دينه وَقَالَ (افرأيتم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ انتم وإباؤكم الأقدمون فانهم عَدو لي إِلَّا رب العلمين) فَقَالُوا لَهُ فَمن تعبد أَنْت قَالَ رب الْعَالمين قَالُوا نَحن رَبنَا نمروذ قَالَ (أَنا عبد الله الَّذِي خلقني فَهُوَ يهديني وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقيني وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفيني وَالَّذِي يميتني ثمَّ يحييني وَالَّذِي اطمع ان يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين رب هَب لي حكما والحقني بالصالحين وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم واغفر لأبى انه كَانَ من الضالمين وَلَا تخزني يَوْم يبعثون يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم) قَالَ فَفَشَا ذَلِك الْخَبَر فِي النَّاس حَتَّى بلغ النمروذ فَدَعَاهُ إِلَيْهِ وَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم أرايت الْملك الَّذِي بَعثك وَتَدْعُو النَّاس إِلَى عِبَادَته وتذكر عَظِيم قدرته مَا هُوَ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم هُوَ رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت فَقَالَ نمروذ أَنا احيي وأميت قَالَ إِبْرَاهِيم كَيفَ تحيي وتميت قَالَ اخذ رجلَيْنِ قد استوجبا الْقَتْل فِي حكمي فَاقْتُلْ أَحدهمَا فاكون قد أمته ثمَّ أعفو عَن الْأُخَر فَاتْرُكْهُ فاكون قد أحييته قَالَ فانتقل إِبْرَاهِيم إِلَى حجَّة أُخْرَى اعجز فان حجَّته كَانَت لَازِمَة لانه أَرَادَ بِالْإِحْيَاءِ أَحيَاء الْمَيِّت فَكَانَ لَهُ ان يَقُول فاحي من أمت إِن كنت صَادِقا فانتقل إِلَى حجَّة أخري أوضح من الأولي (فَقَالَ إِبْرَاهِيم إِن الله ياتي بالشمس من الْمشرق فَاتَ بهَا من الْمغرب فبهت الَّذِي كفر) أَي تحير واندهش وانقطعت حجَّته

وَمن أَسمَاء بَيت الْمُقَدّس ورشلم بشين مُعْجمَة وَتَشْديد اللَّام ويروى بِالْمُهْمَلَةِ وَكسر اللَّام ويروى شلم وَمَعْنَاهُ بالعبرانية بَيت السَّلَام وصهيون بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَيُقَال لمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس الزَّيْتُون وَلَا يُقَال لَهُ الْحرم وَقد اخْتلف فِي أول من بنى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس قبل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فروى بعض الْعلمَاء أَن أول من بناه الْمَلَائِكَة بِأَمْر الله تَعَالَى وَيُقَال أَن الَّذِي بناه إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقد روى المحدثون عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَي مَسْجِد وضع فِي الأَرْض أَولا؟ قَالَ الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ قلت ثمَّ أَي؟ قَالَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى قلت كم بَينهمَا؟ قَالَ أَرْبَعُونَ سنة ثمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكتك الصَّلَاة فصل فَإِن الْفضل فِيهِ وَقد روى أَن الْمَلَائِكَة بنوا الْمَسْجِد الْحَرَام قبل خلق آدم بألفي عَام فَكَانُوا يحجونه قَالَ الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ يجوز أَن يكون بناه يَعْنِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس الْمَلَائِكَة بعد بنائها الْبَيْت الْمَعْمُور بِإِذن الله تَعَالَى وَظَاهر الحَدِيث يدل على ذَلِك وَالله أعلم وَمن الْعلمَاء من قَالَ بني مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَمِنْهُم من قَالَ أسسه سَام بن نوح عَلَيْهِمَا السَّلَام وَمِنْهُم من قَالَ أول من بناه وَأرى مَوْضِعه يَعْقُوب بن إِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام روى أَن أَبَاهُ إِسْحَاق أمره أَن لَا ينْكح امْرَأَة من الكنعانيين وَأمره أَن ينْكح من بَنَات خَاله فَلَمَّا توجه إِلَى خَاله لينكح ابْنَته أدْركهُ اللَّيْل فِي بعض الطَّرِيق فَبَاتَ متوسداً حجرا فَرَأى فِيمَا يرى النَّائِم أَن سلما مَنْصُوبًا إِلَى بَاب من أَبْوَاب السَّمَاء وَالْمَلَائِكَة تعرج فِيهِ وتنزل فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا وَقد وَرثتك هَذِه الأَرْض المقدسة وذريتك من بعْدك ثمَّ أَنا مَعَك أحفظك حَتَّى أدْرك إِلَى هَذَا الْمَكَان فأجعله بَيْتا تعبدني فِيهِ فَهُوَ بَيت الْمُقَدّس وَقد تَأَول بعض الْعلمَاء معنى الحَدِيث الشريف الْوَارِد أَن بِنَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ بعد بِنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام بِأَرْبَعِينَ سنة على أَن المُرَاد بِهِ بِنَاء يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس بعد بِنَاء إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَالله أعلم

وَلما أَرَادَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ان يرى قومه ضعف الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ وَضعف الْأَصْنَام الَّتِي كَانُوا يعبدونها من دون الله تَعَالَى وعجزها إلزاما للحجة عَلَيْهِم فَجعل ينْتَظر لذَلِك فرْصَة إِلَى أَن حضر عيد لَهُم وَكَانَ لَهُم فِي كل سنة عيد يخرجُون إِلَيْهِ ويجتمعون فِيهِ وَكَانُوا إِذا رجعُوا من عيدهم دخلُوا على الْأَصْنَام فيسجدون لَهَا ثمَّ يعودون إِلَى مَنَازِلهمْ فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْعِيد قَالَ آزر أَبُو إِبْرَاهِيم لإِبْرَاهِيم لَو خرجت مَعنا إِلَى عيدنا لأعجبك ديننَا فَخرج مَعَهم فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق ألْقى نَفسه وَقَالَ اني سقيم فَقعدَ ومضوا وَهُوَ صريع فَلَمَّا مضوا نَادَى فِي أخرهم وَقد بَقِي ضعفاء النَّاس _ (تالله لاكيدن أصنامكم بعد إِن توَلّوا مُدبرين) فَسَمِعُوا كَلَامه ثمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم إِلَى بَيت الْآلهَة فَإِذا هم قد جعلُوا طَعَاما فوضعوه بَين أَيدي الْآلهَة وَقَالُوا إِذا رَجعْنَا تكون قد باركت الْآلهَة فِي طعامنا فنأكله فَلَمَّا نظر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْأَصْنَام والى مَا بَين أَيْديهم من الطَّعَام قَالَ لَهُم _ على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء _ (أَلا تَأْكُلُونَ) ؟ فَلم يجبهُ أحد مِنْهُم فَقَالَ لَهُم (مالكم لَا تنطقون فرَاغ عَلَيْهِم ضربا بِالْيَمِينِ) وَجعل يكسرهم بفاس فِي يَده حَتَّى لم يبْق مِنْهُم إِلَّا الصَّنَم الْكَبِير فعلق الفاس فِي عُنُقه ثمَّ خرج فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (فجعلهم جذاذاً إِلَّا كَبِيرا لَهُم لَعَلَّهُم إِلَيْهِ يرجعُونَ) فَلَمَّا رَجَعَ الْقَوْم من عيدهم إِلَى بَيت آلهتم وَرَأَوا أصنامهم جذاذا إِلَّا كَبِيرا لَهُم (قَالُوا من فعل هَذَا بآلهتنا انه لمن الظَّالِمين) _ أَي الْمُجْرمين _ قَالَ الَّذين سمعُوا كَلَام إِبْرَاهِيم _ حَيْثُ قَالَ وتالله لَا كيدن أصنامكم بعد إِن توَلّوا مُدبرين _ سمعنَا فَتى يذكرهم يعيبهم ويسبهم يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم وَهُوَ الَّذِي نظن انه فعل هَذَا بآلهتنا فَبلغ ذَلِك نمروذ الْجَبَّار وأشراف قومه قَالُوا (فَأتوا بِهِ على أعين النَّاس _ أَي ظَاهرا _ لَعَلَّهُم يشْهدُونَ) عَلَيْهِ انه الَّذِي فعله كَرهُوا ان يأخذوه بِغَيْر بَيِّنَة فَلَمَّا أَتَوا بِهِ (قَالُوا أَأَنْت فعلت هَذَا بآلهتنا يَا إِبْرَاهِيم قَالَ بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا)

والْحَدِيث الشريف الْمُتَقَدّم وَهَذِه الْأَقْوَال تدل على أَن بِنَاء دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام إِيَّاه لما كَانَ على أساس قديم لَا إنَّهُمَا المؤسسان لَهُ بل هما مجددان وكل قَول الْأَقْوَال الْوَارِدَة فِي بِنَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى لَا يُنَافِي الآخر فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الْمَلَائِكَة أَولا ثمَّ جدده آدم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ سَام بن نوح عَلَيْهِمَا السَّلَام ثمَّ يَعْقُوب بن إِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام ثمَّ دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام فَإِن كل نَبِي مِنْهُم بَينه وَبَين الآخر مُدَّة أَن يجدد فِيهَا الْبناء الْمُتَقَدّم قبله وَالْقَوْل بِأَن سَام نوح أسسه ظَاهر فَإِن سَام بن نوح هُوَ الَّذِي اختط مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس وبناها وَكَانَ ملكا عَلَيْهَا فَلَا يبعد أَن يكون فِي الْمَسْجِد حِين بنائِهِ الْمَدِينَة وَلَكِن يحمل على تجديده للْبِنَاء الْقَدِيم لَا تأسيسه وَالله اعْلَم وَأما مَدِينَة الْقُدس فَكَانَت أرْضهَا فِي ابْتِدَاء الزَّمَان صحراء بَين أَوديَة وجبال خَالِيَة لَا بِنَاء فِيهَا وَلَا عمَارَة فَأول من بناها واختطها سَام بن نوح عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانَ ملكا عَلَيْهَا وَكَانَ يلقب مليكيصادق بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَكسر الْكَاف وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَبعدهَا ألف ثمَّ دَال مُهْملَة مَكْسُورَة فِيهَا قَاف وَمَعْنَاهُ بالعبرانية ملك الصدْق وَمِمَّا حُكيَ فِي أَمر بِنَاء الْقُدس فِي تواريخ الْأُمَم السالفة أَن مليكيصادق نزل فِي بَيت الْمُقَدّس وقطن بكهف من جبالها يتعبد فِيهِ واشتهر أمره حَتَّى بلغ مُلُوك الأَرْض من هم بِالْقربِ من أَرض بَيت الْمُقَدّس وبالشام وسدوم وَغَيرهمَا وعدتهم اثْنَا عشر فَحَضَرُوا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ وسمعوا كَلَامه اعتقدوه وأحبوه حبا شَدِيدا ودفعوا مَالا ليعمر بِهِ مَدِينَة الْقُدس فاختطها وعمرها وَسميت بروشليم وَتقدم أَن مَعْنَاهُ عمرانية بَيت السَّلَام فَلَمَّا انْتَهَت عمارتها اتّفقت الْمُلُوك كلهم أَن يكون مليكيصادق عَلَيْهَا وكنوه بِأبي الْمُلُوك وَكَانُوا بأجمعهم تَحت طَاعَته وَاسْتمرّ حَتَّى مَاتَ بهَا يَأْتِي ذكر مولده ووفاته عِنْد ذكر وَالِده نوح ان شَاءَ الله تَعَالَى وَلما بنيت مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس كَانَ مَحل الْمَسْجِد فِي وَسطهَا وَهُوَ صَعِيد وَاحِد صَخْرَة الشَّرِيفَة قَائِمَة فِي وَسطه حَتَّى بناه دَاوُد ثمَّ سُلَيْمَان كَمَا سنذكر إِن شَاءَ الله تَعَالَى

غضب من ان تعبدوا مَعَه هَؤُلَاءِ الصغار وَهُوَ اكبر مِنْهُم فكسرهم وَأَرَادَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بذلك إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (فاسألوهم إِن كَانُوا ينطقون) حَتَّى يخبروا من فعل بهم ذَلِك روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لم يكذب إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا ثَلَاث كاذبات ثِنْتَانِ مِنْهُنَّ فِي ذَات الله عز وَجل قَوْله اني سقيم وَقَوله بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا وَقَوله لسارة هَذِه أُخْتِي وَلَيْسَ هَذَا من بَاب الْكَذِب الْحَقِيقِيّ الَّذِي يذم فَاعله وانما إِطْلَاق الْكَذِب عَليّ هَذَا تجوز وَيجوز ان يكون الله تَعَالَى قد أذن لَهُ فِي ذَلِك لقصد الصّلاح وتوبخهم والاحتجاج عليم كَمَا إِذن ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ أَمر مناديه فَقَالَ لاخوته (أيتها العير إِنَّكُم لسارقون) وَلم يَكُونُوا سرقوا فَرَجَعُوا الى أنفسهم أَي تَفَكَّرُوا بقلوبهم وَرَجَعُوا الى عُقُولهمْ فَقَالُوا مَا نرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ إِنَّكُم انتم الظَّالِمُونَ يَعْنِي بعبادتكم من لَا يتَكَلَّم ثمَّ نكسوا على رُؤْسهمْ أَي ردوا الى الْكفْر بعد ان اقروا على أنفسهم بالظلم (وَقَالُوا لقد علمت مَا هَؤُلَاءِ ينطقون) فَكيف نسألهم؟ فَلَمَّا اتجهت الْحجَّة عَلَيْهِم لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ (أفتعبدون من دون الله مَالا ينفعكم شَيْئا) ان عبد تموه وَلَا يضركم ان تركْتُم عِبَادَته (أُفٍّ لكم _ أَي نَتنًا لكم وقذرا لكم _ وَلما تَعْبدُونَ من دون الله أَفلا تعقلون) فَلَمَّا لزمتهم الْحجَّة وعجزوا عَن الْجَواب (قَالُوا احرقوه وانصروا آلِهَتكُم إِن كُنْتُم فاعلين) أَي ان كُنْتُم ناصرين لَهَا فَلَمَّا جمع نمروذ قومه لإحراق إِبْرَاهِيم حبسوه فِي بَيت وبنوا بنيانا كالحضيرة قيل طوله فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَعرضه عشرُون ذِرَاعا وملؤه من الْحَطب وأوقدوا فِيهِ النَّار ليطرحوه فِيهِ فَلم يطيقوا لشدَّة حر النَّار ان يقربوها وَلَا علمُوا كَيفَ يلقوه فِيهَا فجَاء إِبْلِيس وعلمهم عمل المنجنيق فعملوه ثمَّ عَمدُوا إِلَى إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَرَفَعُوهُ عل رَأس الْبُنيان وقيدوه ثمَّ وضعوه فِي المنجنيق

(ذكر أول ما خلق الله سبحانه وتعالى)

(ذكر أول مَا خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أول مَا خلق الله تَعَالَى اللَّوْح الْمَحْفُوظ فحفظه بِمَا كتب الله فِيهِ مِمَّا كَانَ وَيكون لَا يعلم مَا فِيهِ إِلَّا الله عز وَجل وَهُوَ من درة بَيْضَاء دفتاه ياقوتتان حمراوان وَهُوَ فِي عظم لَا يُوصف وَخلق الله قَلما من جَوْهَرَة طولهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام مشقوق السن يَنْبع مِنْهُ النُّور كَمَا يَنْبع من أَقْلَام أهل الدُّنْيَا المداد ثمَّ نُودي الْقَلَم أَن اكْتُبْ فاضطرب من هول النداء حَتَّى صَار لَهُ تَرْجِيع كترجيع الرَّعْد ثمَّ جرى فِي اللَّوْح بِمَا هُوَ كَائِن وَمَا هُوَ فَاعله فِي الْوَقْت الَّذِي يَفْعَله إِلَيّ يَوْم الْقِيَامَة فَامْتَلَأَ اللَّوْح وجف الْقَلَم سعد من سعد وشقي من شقي وَخلق الله المَاء ثمَّ خلق الله من بعد ذَلِك درة بَيْضَاء فِي عظم السَّمَاوَات وَالْأَرضين ثمَّ نادها الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فاضطربت وذابت من هول النداء حَتَّى صَارَت مَاء يموج بَعْضهَا فِي بعض ثمَّ نُودي أَن أسكن فاستقر وَهُوَ مَاء صافي لَا كدر فِيهِ وَلَا موج وَلَا زبد (خلق الْعَرْش والكرسي وَالرِّيح) ثمَّ خلق الله تَعَالَى الْعَرْش والكرسي من جوهرتين عظيمتين وَوَضعهمَا على تيار المَاء قَالَ الله تَعَالَى (وَكَانَ عَرْشه على المَاء) قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كل صانع بني الأساس فَإِذا تمّ يتَّخذ عَلَيْهِ السّقف وَإِن الله تَعَالَى خلق السّقف أَولا ثمَّ خلق الأساس لِأَنَّهُ خلق الْعَرْش قبل السَّمَاوَات وَالْأَرضين ثمَّ خلق الله الرّيح وَجعل لَهَا أَجْنِحَة لَا يعلم كثرتها إِلَّا الله وأمرها أَن تحْتَمل هَذَا المَاء وَكَانَ الْعَرْش على المَاء وَالْمَاء على الرّيح ثمَّ خلق الله حَملَة الْعَرْش وهم الْيَوْم أَرْبَعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أمدهم الله بأَرْبعَة أخر فَذَلِك قَوْله

مُقَيّدا مغلولا وَالْقُوَّة فِي النَّار فَكَانَت عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَلما أَرَادوا إلقاءه فِي النَّار أَتَاهُ خَازِن الْمِيَاه وَقَالَ يَا ابر أهيم أَن أردْت أَن اخمد لَك النَّار أخمدتها فَقَالَ لَا ثمَّ أَتَاهُ خَازِن الرِّيَاح وَقَالَ لَهُ ان شِئْت طيرت لَك النَّار فِي الْهَوَاء فَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَا حَاجَة لي بكم حسبي الله وَنعم الْوَكِيل وَلما القي فِي النَّار كَانَ ابْن سِتَّة عشر سنة وَقد مدحه الله فِي كِتَابه الْعَزِيز بقوله تَعَالَى (وَإِذا ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات فأتمهن) والكلمات الَّتِي ابتلاه الله بهَا من اجل شرائع الْإِسْلَام واعز مَا امتحن بِهِ أهل الْإِيمَان وَلذَلِك مدحه الله تَعَالَى بقوله (وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى) وَمعنى النوفية هُوَ الْإِتْمَام لما طلب بِهِ فِي دينه وَمَاله وَنَفسه وَولده فَأَتمَّ الْجَمِيع على الْوَجْه الْمَطْلُوب وَلما صنع لَهُ نمروذ المنجنيق وألقاه فِي النَّار ظهر تَحْقِيق الِابْتِلَاء وَصدق الْوَلَاء وَذَلِكَ انه لما نزل بِهِ من عدوه مَا نزل وَوضع فِي المنجنيق استغاثت الْمَلَائِكَة قائلة يَا رب هَذَا خَلِيلك قد نزل بِهِ من عَدوك مَا أَنْت اعْلَم بِهِ فَقَالَ الله تَعَالَى لجبريل اذْهَبْ إِلَيْهِ فان اسْتَغَاثَ بك فأغثه وَإِلَّا فاتركني وخليلي فتعرض لَهُ جِبْرِيل وَهُوَ يقذف بِهِ فِي لجة الْهَوَاء الى النَّار وَقَالَ لَهُ هَل لَك من حَاجَة فَقَالَ أما إِلَيْك فَلَا وَأما الى الله فبلي قَالَ جِبْرِيل فسل رَبك فَقَالَ إِبْرَاهِيم حسبي من سُؤَالِي علمه بحالي وَلم يستعن بِغَيْر الله وَلَا جنحت همته لما سوى الله تَعَالَى بل استسلم لحكمه مكتفياً بتدبيره عَن تَدْبِير نَفسه فاثنى الله تَعَالَى عَلَيْهِ بقوله (وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى) فَقَالَ الله تَعَالَى للنار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم ونجاه من النَّار قَالَ كَعْب الاحبار رَضِي الله عَنهُ فَجعل كل شي يُطْفِئ عَنهُ النَّار إِلَّا الوزغ فانه كَانَ ينْفخ فِي النَّار قَالَ الثَّعْلَبِيّ رَضِي الله فَلذَلِك أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتلها وسماها فويسقة وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ أَن البغال كَانَت تتناسل وَكَانَت

تَعَالَى (وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة) وهم فِي عظم لَا يوصفون ثمَّ خلق الله حول الْعَرْش حَيَّة محدقة بِهِ رَأسهَا من درة بَيْضَاء وجسدها من ذهب وعيناها قوتتان لَا يعلم عظم تِلْكَ الْحَيَّة إِلَّا الله تَعَالَى فالعرش عرش العظمة والكبرياء الْكُرْسِيّ كرْسِي الْجلَال أَو الْبَهَاء لِأَن الله تَعَالَى لَا حَاجَة لَهُ إِلَيْهِمَا فقد كَانَ قبل تكوينهما لَا على مَكَان (خلق الْأَرْضين وَالْجِبَال والبحار) لما أَرَادَ الله خلق الْأَرْضين أَمر الرّيح أَن تضرب المَاء بعضه فِي بعض فَلَمَّا اضْطربَ ازبدا وَارْتَفَعت أمواجه وَعلا بخاره فَأمر الله الزّبد أَن يجمد فَصَارَ يَابسا فَهُوَ الأَرْض فدحاها على وَجه المَاء فِي يَوْمَيْنِ فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ) ثمَّ أَمر تِلْكَ الأمواج فسكنت فَهِيَ الْجبَال فَجَعلهَا عماد الأَرْض وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (وَجَعَلنَا فِي الأَرْض رواسي أَن تميد بكم فلولاها لماجت الأَرْض بِأَهْلِهَا) وعروق هَذِه الْجبَال مُتَّصِلَة بعروق جبل قَاف وَهُوَ الْجَبَل الْمُحِيط بِالْأَرْضِ ثمَّ خلق الله تَعَالَى سَبْعَة أبحر فأولها مُحِيط بِالْأَرْضِ وَرَاء جبل قَاف وكل بَحر مِنْهَا مُحِيط بالبحر الَّذِي تقدمه وَأما هَذِه الْبحار الَّتِي على وَجه الأَرْض فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة الخليج لَهَا وَفِي تِلْكَ الْبحار من الْخَلَائق وَالدَّوَاب مَا لَا يعلم عدد إِلَّا الله تَعَالَى وَخلق الله تَعَالَى هَذِه الْبحار وَمَا فِيهَا من الدَّوَابّ فِي الْيَوْم الثَّالِث ثمَّ خلق الله تَعَالَى أرزاقها وقدرها فِي الْيَوْم الرَّابِع وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين) وَهِي سبع أَرضين كل أَرض تلِي الْأُخْرَى وَكَانَت الأَرْض تموج بِأَهْلِهَا كالسفينة تذْهب وتجيء لِأَنَّهُ لم يكن لَهَا قَرَار فأهبط الله ملكا ذَا بهاء عَظِيم وَقُوَّة وَأمره الله أَن يدْخل تحتهَا فيحملها على مَنْكِبه فَأخْرج الله لَهُ يدا فِي الْمشرق ويداً فِي الْمغرب فَقبض على أَطْرَاف الأَرْض وأمسكها

الدَّوَابّ فِي نقل الْحَطب لنار إِبْرَاهِيم فَدَعَا عَلَيْهَا إِبْرَاهِيم فَقطع الله نسلها وَقَالَ بعض الْعلمَاء لَو لم يقل الله سُبْحَانَهُ " وَسلَامًا " لأهلكه بردهَا انه لم يبْق فِي ذَلِك الْوَقْت نَار تشتعل بمشارق الأَرْض وَلَا بمغاربها إِلَّا خمدت إِنَّهَا المعنية بالخطب وَكَانَ إِبْرَاهِيم حِين وضع فِي المنجنيق وَرمي بِهِ جردت عَنهُ ثِيَابه وَلم يتْرك روى السَّرَاوِيل فقصد بعض السُّفَهَاء ان ينْزع السَّرَاوِيل عَنهُ فشلت يَدَاهُ وَكَانَ بقيود فَتَلقاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَلم يضرّهُ ألم الْهوى فَلَمَّا اسْتَقر عَليّ الأَرْض إِذْ ذَاك جمر احمر تتلهب وتتوقد فَلم يُؤثر فِيهِ شي من حَرَارَتهَا وَظهر للناظرين الأَرْض الَّتِي سقط عَلَيْهَا مخضرة مونقة وجليسه جليس صَالح حسن الْوَجْه كأحسن مَا رَآهُ رَاء ثمَّ ألبسهُ قَمِيصًا من ثِيَاب الْجنَّة وَفك قَيده وآنسه جليسه رَبك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك أما علمت إِن النَّار لَا تضر أحبابي؟ لخليل عَلَيْهِ السَّلَام حسبي الله وَنعم الْوَكِيل وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام أول من جرد ثِيَابه فِي سَبِيل الله تَعَالَى فَلذَلِك كَسَاه الله الْمحل قَمِيصًا من الْجنَّة وادخر لَهُ كسْوَة يكتسي بهَا أول الْخلق يَوْم الْقِيَامَة لَك وَهُوَ بمشهد من الْخلق ينظرُونَ إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ قومه وَقد أكْرمه الله بِمَا بِهِ آمن بِاللَّه جمع كثير فِي السِّرّ خوفًا من نمروذ وَخرج إِبْرَاهِيم من مَكَانَهُ وَهُوَ يمشي وفارقه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأقبل نَحْو فَأرْسل إِلَيْهِ نمروذ يسْأَله عَن كسوته وَعَن رَفِيقه فَقَالَ لَهُ انه ملك أرْسلهُ فِي وقص عَلَيْهِ قصَّته فَقَالَ لَهُ نمروذ ان إلهك الَّذِي تعبده لَا لَهُ عَظِيم مقرب قربانا إِلَيْهِ وَذَلِكَ لما رَأَيْت من عوته وَقدرته فِيمَا صنع بك حِين أَبيت عِبَادَته فَقرب أَرْبَعَة آلَاف بقرة ثمَّ احترم إِبْرَاهِيم بعد ذَلِك وكف عَنهُ وَقد عذب الله النمرود بإرسال البعوض عَلَيْهِ وعَلى حَاشِيَته وجيوشه فَأكلت وَلم وشربت دِمَاءَهُمْ وتركتهم عظاماً وَدخلت وَاحِدَة مِنْهَا فِي منخر الْملك نمروذ

ثمَّ لم يكن لقدميه قَرَار فخلق الله لَهُ صَخْرَة مُرْتَفعَة من ياقوتة خضراء وأمرها حَتَّى دخلت تَحت قدمي الْملك فاستقرت أَقْدَام الْملك عَلَيْهَا ثمَّ لم يكن للصخرة قَرَار فخلق الله للصخرة ثوراً عَظِيما صفته لَا يُحِيط بهَا إِلَّا الله تَعَالَى لعظمها وامره أَن يدْخل تحتهَا فحملها على ظَهره وَقيل على قرونه ثمَّ لم يكن للثور قَرَار فخلق الله لَهُ حوتاً عَظِيما لَا يقدر أحد أَن ينظر إِلَيْهِ لعظمه ولبروق عَيْنَيْهِ وَأمره الله تَعَالَى أَن يصير تَحت قَوَائِم الثور وَاسم هَذَا الْحُوت بهموت ثمَّ جعل قراره على المَاء وَتَحْت المَاء والهواء الظلمَة والأرضون كلهَا على مَنْكِبي الْملك وَالْملك على الصَّخْرَة والصخرة على الثور والثور على الْحُوت والحوت على المَاء وَالْمَاء على الْهَوَاء والهواء على الظلمَة ثمَّ انْقَطع علم الْخَلَائق بِمَا تَحت الظلمَة (الْعقل) ثمَّ خلق الله تَعَالَى الْعقل فَقَالَ لَهُ أقبل فَأقبل ثمَّ قَالَ لَهُ أدبر فَأَدْبَرَ ثمَّ قَالَ لَهُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خلقت خلقا أحب إِلَيّ مِنْك بك آخذ وَبِك أعطي وَعَلَيْك أنيب وَبِك أعاقب وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْعَاقِل هُوَ الصَّادِق الطَّوِيل صمته الَّذِي يسلم النَّاس من شَره فَإِن الله تَعَالَى يدْخلهُ الْجنَّة وَإِن الله تَعَالَى ليعاقب الْعَاقِل يَوْم الْقِيَامَة بِمَا لَا يُعَاقب بِهِ الْجَاهِل وَإِن الْجَاهِل هُوَ الْكَاذِب بِلِسَانِهِ الخائض فِيمَا لَا يعنيه وَإِن كَانَ قَارِئًا أوكاتباً ثمَّ قَالَ مَا تزين العَبْد بزينة أحسن من الْعقل وَمَا من شَيْء أقبح من الْجَهْل فالعقل مَا يحصل بِهِ التَّمْيِيز وَهُوَ بعض الْعُلُوم الضرورية وَهُوَ غريزة نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ وَالْمَشْهُور عَنهُ إِنَّه فِي الدِّمَاغ وفَاقا للحنفية وَعند أَصْحَاب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ والأطباء أَن مَحَله الْقلب وَله اتِّصَال بالدماغ قَالَ أَصْحَاب أَحْمد الْعقل يخْتَلف فعقل بعض النَّاس أَكثر

فَلَبثت فِي منخرة أَرْبَعمِائَة سنة عذب الله تَعَالَى فَكَانَ رَأسه بالمرازب فِي تِلْكَ الْمدَّة كلهَا حَتَّى أهلكه الله تَعَالَى بهَا وسلط الله على مَدِينَة كوثا الزلازل حَتَّى خربَتْ قَالَ الثَّعْلَبِيّ رَضِي الله عَنهُ لما حَاجَة إِبْرَاهِيم فِي قَالَ نمْرُود إِن كَانَ مَا تَقوله حَقًا فَلَا انتهي حَتَّى اعْلَم مَا فِي السَّمَاوَات فَبنِي صرحاً عظيماًَ بِبَابِل ورام الصعُود مِنْهُ الى السَّمَاء لينْظر الى إِلَه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَاخْتلف فِي طول الصرح فِي السَّمَاء فَقيل خَمْسَة آلَاف ذِرَاع وَقيل فرسخان ثمَّ عمد الى أَرْبَعَة أفراخ من النسور فأطعمها اللَّحْم وَالْخبْز حَتَّى كَبرت ثمَّ قعد فِي تَابُوت وَمَعَهُ غُلَام لَهُ قد حمل الْقوس والنشاب مَعَه وَجعل لذَلِك التابوت بَابا من أَعْلَاهُ وباباً من أَسْفَله ثمَّ ربط التابوت بأرجل النسور وغلق اللَّحْم عَليّ عصى فَوق التابوت ثمَّ خلى عَن النسور فطارت النسور طَمَعا فِي اللَّحْم حَتَّى أبعدت فِي الْهَوَاء وحالت الرّيح بَينهَا وَبَين الطيران فَقَالَ لغلامه افْتَحْ الْبَاب الْأَعْلَى فَانْظُر ففتحه فَإِذا السَّمَاء كهيئتها وَفتح الْبَاب الْأَسْفَل فَإِذا الأَرْض سَوْدَاء مظْلمَة وَنُودِيَ أَيهَا الطاغي أَيْن تُرِيدُ فَعِنْدَ ذَلِك أَمر غُلَامه فَرمى سَهْما فَعَاد السهْم إِلَيْهِ وَهُوَ ملطخ بِالدَّمِ فَقَالَ كفيت شَرّ اله السَّمَاء وَاخْتلف فِي ذَلِك السهْم بِأَيّ شي تلطخ فَقيل سَمَكَة فِي السَّمَاء من بَحر مُعَلّق فِي الْهَوَاء وَقيل أصَاب طيرا من الطُّيُور فتلطخ بدمه ثمَّ أَمر نمْرُود غُلَامه إِن يصوب العصي وينكس اللَّحْم فَفعل ذَلِك فَهَبَطت النسور بالتابوت فَسمِعت الْجبَال خفقان هبوط التابوت والنسور فَفَزِعت وظنت انه قد حدث فِي السَّمَاء حَادث أَو إِن السَّاعَة قد قَامَت فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (وان كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال) ثمَّ أرسل الله تَعَالَى على صرح نمروذ ريحًا فَأَلْقَت رَأسه فِي الْبَحْر وانكفأت بُيُوتهم وَأخذت نمروذ الرجفة وتبلبلت ألسن النَّاس حِين سقط الصرح من الْفَزع فتكلموا بِثَلَاث وَسبعين لِسَانا فَلذَلِك سميت بابل لتبلبل الْأَلْسِنَة بهَا

(خلق الله السماوات وسكانها وصفة الملائكة وخلق الشمس والقمر)

(خلق الله السَّمَاوَات وسكانها وَصفَة الْمَلَائِكَة وَخلق الشَّمْس وَالْقَمَر) قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَمر الله تَعَالَى البخار الَّذِي علا من المَاء أَن الْهَوَاء فخلق الله تَعَالَى مِنْهُ السَّمَاء فِي يَوْمَيْنِ فَكَانَت أَرضًا وَاحِدَة فِي يَوْمَيْنِ وَاحِدَة فِي يَوْمَيْنِ وَمَا بَينهمَا فِي يَوْمَيْنِ أَيَّام ثمَّ تفتقت السَّمَاء وَالْأَرْض خوفًا من صَارَت سبع سماوات وَسبع أَرضين وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (أَو لم يرى الَّذين كفرُوا السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقاً ففتقناهما ثمَّ قَالَ فقضاهن سبع سماوات فِي يَوْمَيْنِ من فِي كل سَمَاء أمرهَا فالسماء الأولى من زبرجدة خضراء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة الْبَقر وَالسَّمَاء الثَّانِيَة من ياقوتة حَمْرَاء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة العقبان وَالسَّمَاء الثَّالِثَة من ياقوتة صفراء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة النسور وَالسَّمَاء الرَّابِعَة من فضَّة بَيْضَاء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة الْخَيل وَالسَّمَاء الْخَامِسَة من ذهب وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة الْحور الْعين وَالسَّمَاء السَّادِسَة من درة بَيْضَاء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة الْولدَان وَالسَّمَاء السَّابِعَة من نور يتلألأ وسكانها مَلَائِكَة عل صُورَة بني آدم وَهَؤُلَاء مَلَائِكَة لَا يفترون عَن التَّسْبِيح فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار -) فأفضلهم جِبْرِيل وَهُوَ الرّوح الْأمين لَهُ سِتَّة أَجْنِحَة فِي كل جنَاح مائَة روح وَله وَرَاء ذَلِك جَنَاحَانِ أخضران ينشرهما لَيْلَة الْقدر وجناحان ينشرهما عِنْد ذُو الْقرى والأجنحة كلهَا من أَنْوَاع الْجَوَاهِر ويليه إسْرَافيل وَهُوَ ملك عَظِيم الشَّأْن وَله أَرْبَعَة أَجْنِحَة جنَاح يسد بِهِ الْمشرق جنَاح يسد بِهِ الْمغرب وَالثَّالِث يسد بِهِ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَالرَّابِع قد إلتثم بِهِ تَحت الأَرْض السَّابِعَة وَرَأسه قد انْتهى إِلَى أَرْكَان قَوَائِم الْعَرْش وَبَين عَيْنَيْهِ من جَوْهَرَة فَإِذا أَرَادَ الله أَن يحدث فِي عباده أمرا أَمر الْقَلَم أَن يخط فِي اللَّوْح

واستجاب لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام جمَاعَة من قومه حِين رَأَوْا صنع الله عز وَجل من برد النَّار وَغير ذَلِك من المعجزات فَآمن بِهِ لوط وَهُوَ ابْن أَخِيه وَآمَنت بِهِ سارة زَوجته وَقد ذكر المؤرخون والمفسرون قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ نمروذ وأخباره وَمَا وَقع لَهُ بأبسط من هَذَا وَالْغَرَض فِي هَذَا الْكتاب الِاخْتِصَار وَالله الْمُسْتَعَان (ذكر هِجْرَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام) لما نجى الله تَعَالَى خَلِيله من نَار النمروذ الْجَبَّار اسْتَجَابَ لَهُ رجال وآمن مَعَه قوم على خوف من نمروذ وملأه ثمَّ أَن إِبْرَاهِيم وَمن كَانَ آمن مَعَه من أَصْحَابه اجْمَعُوا على فِرَاق نمروذ وقومهم (فَقَالُوا لقومهم أَنا برَاء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده) ورحل هُوَ وَأَهله وَمن مَعَه من قومه ونزلوا بالرها ثمَّ سَار الى مصر وَيُقَال الى بعلبك وصاحبها يَوْمئِذٍ فِرْعَوْن فَذكر لفرعون حسن سارة وجمالها _ زَوْجَة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهِي ابْنة عَمه هاران _ فَسئلَ إِبْرَاهِيم عَنْهَا فَقَالَ هَذِه أُخْتِي _ يَعْنِي فِي الْإِسْلَام _ خوفًا أَن يقْتله فَقَالَ لَهُ زينها وأرسلها الى فَأَقْبَلت سارة الى الْجَبَّار وَقَامَ إِبْرَاهِيم يُصَلِّي فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ وراها أَهْوى إِلَيْهَا أَرَادَ أَن تنَاولهَا بِيَدِهِ فأيبس الله يَده وجله فَلَمَّا تخلى عَنْهَا أطلق الله يَده وَرجله فَعَاد إِلَيْهَا فَصَارَ لَهُ كالأولى حَتَّى صَار لَهُ ذَلِك مرَارًا وَكَانَ هَذَا تكرمة مِنْهُ تَعَالَى قَالَ فأطلقها ووهبها هَاجر وَفِي بعض الْأَخْبَار أَن الله تَعَالَى رفع الْحجاب بَين إِبْرَاهِيم وَبَين سارة حَتَّى ينظر إِلَيْهَا من وَقت خُرُوجهَا من عِنْده الى وَقت انصرافها كَرَامَة لَهَا وتطييباً لقلب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام

ثمَّ يُدْلِي اللَّوْح إِلَى إسْرَافيل فَيكون بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ يَنْتَهِي الْوَحْي إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ أقرب من إسْرَافيل وَمن وَرَاء الْبَيْت الْمَعْمُور مَلَائِكَة لَا يعلم عَددهمْ إِلَّا الله تَعَالَى وَفِي السَّمَاء السَّابِعَة الْبَحْر الْمَسْجُور وَأما ملك الْمَوْت عزرائيل فسكنه فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَقد خلق الله لَهُ عيُونا بِعَدَد من يَذُوق طعم الْمَوْت رِجْلَاهُ فِي تخوم الأَرْض وَرَأسه فِي السَّمَاء الْعليا عِنْد آخر الْحجب وَوَجهه مُقَابل اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ وكل الْخلق بَين عَيْنَيْهِ وَلَا يقبض روح مَخْلُوق إِلَّا بعد أَن يَسْتَوْفِي رزقه وينقضي أَجله (خلق الشَّمْس وَالْقَمَر) ثمَّ خلق الله الشَّمْس وَالْقَمَر فالشمس من نور عَرْشه وَالْقَمَر من نور حجابه الَّذِي يَلِيهِ وَأثْنى الله تَعَالَى عَلَيْهِمَا فَقَالَ (وسخر لكم الشَّمْس وَالْقَمَر دائبين) ثمَّ وكل بهما جمعا من الْمَلَائِكَة يرسلونهما بِمِقْدَار ويقبضونهما بِمِقْدَار فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل) فَمَا نقص من أَحدهمَا زَاد فِي الآخر وَقَالَ أهل التَّوْرَاة ابْتَدَأَ الله تَعَالَى الْخلق فِي يَوْم الْأَحَد انْتهى فِي السبت فَاسْتَوَى على الْعَرْش فِيهِ فاتخذوا السبت عيداً وَقَالَت النَّصَارَى وَقع الِابْتِدَاء فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ والانتهاء فِي الْأَحَد ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش فِيهِ فاتخذوا الْأَحَد عيداً قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ الِابْتِدَاء فِي السبت والانتهاء يَوْم الْجُمُعَة سيد الْأَيَّام وَهُوَ عِنْد الله أعظم من يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأُضْحِية وَفِيه سِتَّة فَضَائِل فِيهِ خلق الله آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيه نفخ الرّوح فِيهِ وَفِيه تَابَ الله عَلَيْهِ وَفِيه توفاه وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل العَبْد فِيهَا شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ الله إِيَّاه مَا لم يكن حَرَامًا وَفِيه تقوم السَّاعَة (ذكر الْجنَّة وَالنَّار وَمَا فيهمَا) ثمَّ خلق الله الْجنَّة وَهِي ثَمَان جنَّات أَولهَا دَار الْجلَال من اللُّؤْلُؤ الْأَبْيَض

وَالسَّلَام وَهِي من الْيَاقُوت الْأَحْمَر ثمَّ جنَّة المأوى وَهِي من الزبرجد الْأَخْضَر جنَّة الْخلد وَهِي من المرجان الْأَصْفَر ثمَّ جنَّة النَّعيم وَهِي من الْفضة الْبَيْضَاء ثمَّ الفردوس وَهِي من الذَّهَب الْأَحْمَر ثمَّ جنَّة دَار الْقَرار وَهِي من الْمسك ثمَّ جنَّة عدن من الدّرّ وَهِي مشرفة على الْجنان لَهَا بَابَانِ من ذهب بَين كل مصراع كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وبناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة بلاطها الْمسك وترابها العنبر ريشها الزَّعْفَرَان وقصورها اللُّؤْلُؤ وغرفها الْيَاقُوت وأبوابها الْجَوْهَر وفيهَا أَنهَار نهر الرَّحْمَة ونهر الْكَوْثَر وَهُوَ لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونهر الكافور ثمَّ التسنيم السلسبيل ثمَّ الرَّحِيق وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى وللجنان ثَمَانِيَة أَبْوَاب فِيهَا من الْحور الْعين مَا لَا يقدر على وصفهن إِلَّا الَّذِي خَلقهنَّ وَأما جَهَنَّم فلهَا سبع أَبْوَاب أَولهَا جَهَنَّم وَالثَّانِي لظى وَالثَّالِث الحطمة وَالرَّابِع السعير وَالْخَامِس سقر وَالسَّادِس الْجَحِيم وَالسَّابِع الهاوية وَلها سبع طباق أَشجَار من النَّار شَوْكهَا كأمثال الرماح الطوَال تتلظى بالنيران وَعَلَيْهَا ثمار نَار فِي كل ثَمَرَة حَيَّة تَأْخُذ بأجفان عين الْكَافِر وشفته تسْقط لَحْمه إِلَى قَدَمَيْهِ عقارب وأسود وذئاب وكلاب من نَار وزبانية بِأَيْدِيهِم مَقَامِع من نَار وَعَلَيْهَا تِسْعَة عشر من الْمَلَائِكَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (لواحة للبشر عَلَيْهَا تِسْعَة عشر) وَقَالَ تَعَالَى (عَلَيْهَا مَلَائِكَة غِلَاظ شَدَّاد لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون) (ذكر الْجِنّ والجان وَمَا كَانَ من ابْتِدَاء أَمرهم وَعبادَة إِبْلِيس) رُوِيَ عَن وهب قَالَ خلق الله نَار السمُوم وَهِي نَار لَا حر لَهَا وَلَا دُخان ثمَّ خلق الله مِنْهَا الجان فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم) وَخلق الله خلقا عَظِيما وَسَماهُ مارجاً وَخلق مِنْهُ زوجه وسماها مرجة فواقعها ولدت الجان وَولد للجان ولد فَسَماهُ الْجِنّ فَمِنْهُ تفرغت قبائل الْجِنّ وَمِنْهُم إِبْلِيس جن وَكَانَ يلد من الجان الذّكر وَالْأُنْثَى وَمن الْجِنّ كَذَلِك توأمين فصاروا سبعين

وقربه إِلَيْهِم وَكَانَ من شَأْنه مَا نَص الله عز وَجل فِي كِتَابه الْعَزِيز وَسَنذكر ملخص الْقِصَّة عِنْد ذكر سيدنَا إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام فَمضى إِبْرَاهِيم مَعَهم الى قرب ديار قوم لوط فَقَالُوا لَهُ أقعدها هُنَا فَقعدَ وَسمع صَوت الديكة فِي السَّمَاء فَقَالَ هَذَا هُوَ الْحق الْيَقِين فأيقن بِهَلَاك الْقَوْم فَسمى ذَلِك الْموضع مَسْجِد الْيَقِين وَهُوَ على نَحْو فَرسَخ من بلد سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ثمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَسَيَأْتِي ذكر الْقِصَّة عِنْد سيدنَا لوط عَلَيْهِ السَّلَام (قصَّة بِنَاء الْكَعْبَة المشرفة وَذكر سيدنَا اسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام) قد تقدم أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما سَار الى مصر وَمَعَهُ زَوجته سارة ووهبها فِرْعَوْن مصر هَاجر فَلَمَّا قدم الى الشَّام وَأقَام بَين الرملة وايليا وَكَانَت سارة لَا تحبل وهبت هَاجر لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فواقعها فَحملت وَولدت اسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمعنى اسماعيل بالعبرانية مُطِيع الله وَكَانَت وِلَادَته لمضي سِتّ وَثَمَانِينَ سنة من عمر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فغارت سارة وحزنت لذَلِك فَوَهَبَهَا الله تَعَالَى إِسْحَاق وَلدته وَلها تسعون سنة ثمَّ غارت سارة من هَاجر وَمن وَلَدهَا اسماعيل وَطلبت من إِبْرَاهِيم إِن يخرجهما عَنْهَا فَأَخذهُمَا إِبْرَاهِيم وَسَار بهما الى ارْض الْحجاز وتركهما بِمَكَّة وَذَلِكَ كُله بِإِذن الله تَعَالَى وَلَيْسَ بِمَكَّة يَوْمئِذٍ أحد وَلَا بهَا مَاء فَوضع هَاجر وَإِسْمَاعِيل وَوضع عِنْدهمَا جراباً فِيهِ تمر وسقاء فِيهِ مَاء ثمَّ قفل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مُنْطَلقًا فَنَهَضت أم اسماعيل خَلفه وَقَالَت يَا إِبْرَاهِيم الى أَيْن تذْهب وتتركنا بِهَذَا الْوَادي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أنيس وَلَا شي وَقَالَت لَهُ ذَلِك مرَارًا فَلم يلْتَفت إِلَيْهَا فَقَالَت لَهُ الله أَمرك بِهَذَا فَقَالَ نعم فَقَالَت إِذا لَا يضيعنا رَبنَا ثمَّ رجعت

15 - ألفا وتوالدوا حَتَّى بلغُوا عدد الرمل فَتزَوج إِبْلِيس امْرَأَة من ولد الجان فَكثر أَوْلَاده وانتشروا حَتَّى امْتَلَأت الأقطار مِنْهُم ثمَّ أسكن الله الجان فِي الْهَوَاء وإبليس وَأَوْلَاده فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَأمرهمْ بالعباد وَالطَّاعَة فَكَانَت السَّمَاء تفتخر على الأَرْض بِأَن الله رَفعهَا وَجعل فِيهَا مَا لم يكن فِي الأَرْض فشكت الأَرْض إِلَى خَالِقهَا الوحشة إِذْ لَيْسَ على ظهرهَا خلق يذكرُونَ الله فنوديت الأَرْض اسكني فَإِنِّي خَالق من اديمك صُورَة لَا مثل لَهَا فِي الْجِنّ وأرزقها الْعقل وَاللِّسَان وأعلمها من علمي وَأنزل عَلَيْهَا من كَلَامي فأملأ مِنْهَا بَطْنك وظهرك وشرقك وغربك على مزاج ترتبك فِي الألوان والخيرية والشرية فافتخري يَا أَرض على السَّمَاء بذلك فاستقرت الأَرْض وَهِي مَعَ ذَلِك بَيْضَاء نقية كَأَنَّهَا الْفضة الْبَيْضَاء فَأَشْرَفت الجان على الأَرْض وَقَالَت رَبنَا أهبطنا إِلَى الأَرْض فَأذن الله لَهُم بذلك على أَن يعْبدُونَ وَلَا يعصوه فَأَعْطوهُ العهود على ذَلِك ونزلوا وهم أُلُوف فعبدوا الله حق عِبَادَته دهراً طَويلا ثمَّ أخذُوا فِي الْمعاصِي وَسَفك الدِّمَاء حَتَّى استغاثت الأَرْض مِنْهُم وَقَالَت ان خلوي يَا رب أحب إِلَيّ من أَن يكون على ظَهْري من يعصيك فَأوحى الله إِلَيْهَا أَن اسكني فَإِنِّي باعث إِلَيْهِم رُسُلِي قَالَ كَعْب الْأَحْبَار فَأول نَبِي بَعثه الله من الجان نَبيا مِنْهُم يُقَال لَهُ عَامر بن عُمَيْر بن الجان فَقَتَلُوهُ ثمَّ بعث لَهُم من بعد عَامر صاعق بن ماعق بن مارد بن الجان فَقَتَلُوهُ حَتَّى بعث الله إِلَيْهِم ثَمَانمِائَة نَبِي فِي ثَمَانمِائَة سنة فِي كل سنة نَبيا وهم يَقْتُلُونَهُمْ فَلَمَّا كذبُوا الرُّسُل أوحى الله إِلَى أَوْلَاد الْجِنّ فِي السَّمَاء أَن أنزلوا إِلَى الأَرْض وقاتلوا من فِيهَا من أَوْلَاد الجان وَعَلَيْهِم إِبْلِيس اللعين فَقَاتلهُمْ إِبْلِيس اللعين هُوَ وَمن كَانَ مَعَه حَتَّى أدخلهم إِلَى بقْعَة من الأَرْض فَاجْتمعُوا فِيهَا فَأرْسل الله عَلَيْهِم نَارا فأحرقهم وَسكن إِبْلِيس الأَرْض مَعَ الْجِنّ وَعبد الله حق عِبَادَته فَكَانَت عِبَادَته أَكثر من عباداتهم كلهم ثمَّ رَفعه الله تَعَالَى إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا لِكَثْرَة عِبَادَته فعبد الله فِيهَا ألف سنة حَتَّى سمي فِيهَا

وَانْطَلق إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الثَّنية حَيْثُ انهما لَا يرونه اسْتقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ ودعا بِهَذِهِ الدَّعْوَات وَرفع يَدَيْهِ (فَقَالَ رب اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون) وَأما أم اسماعيل فَجعلت ترْضع اسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام وتشرب من ذَلِك المَاء حَتَّى نفد مَا فِي السقاء فعطشت وعطش وَلَدهَا فَجعلت تنظر إِلَيْهِ وَهُوَ يتلوى من شدَّة الْعَطش فَانْطَلَقت كَرَاهَة ان تنظر إِلَيْهِ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَالة فَوجدت الصَّفَا أقرب جبل فِي الأَرْض إِلَيْهَا فَقَالَت عَلَيْهِ ثمَّ اسْتقْبلت الْوَادي وَجعلت تنظر إِلَيْهِ لَعَلَّهَا تنظر أحدا فَلم تنظر أحدا فَهَبَطت من الصَّفَا حَتَّى إِذا بلغت الْوَادي رفعت طرف درعها ثمَّ سَمِعت سعي الْإِنْسَان المجهود حَتَّى جَاوَزت الْوَادي وَهِي تنظر لخالقها ثمَّ أَتَت الْمَرْوَة فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنظرت هَل ترى أحدا فَلم تَرَ أحدا فَفعلت ذَلِك سبع مَرَّات قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك سعي النَّاس بَينهمَا فَلَمَّا أشرفت عل الْمَرْوَة سَمِعت صَوتا فَقَالَت مَه - تُرِيدُ نَفسهَا - ثمَّ تسمعت فَسمِعت الصَّوْت ثَانِيًا فَقَالَت قد سَمِعت إِن كَانَ عنْدك غوث فأغث فَإِذا هِيَ بِالْملكِ عِنْد مَوضِع زَمْزَم فبحث بعقبه _ أَو قَالَ بجناحه حَتَّى ظهر المَاء فَجعلت تحوطه وَتقول بِيَدَيْهَا هَكَذَا وَجعلت تغرف من المَاء فِي سقائها وَهِي تَقول _ بَعْدَمَا تغرف _ زم زم قَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحم الله أم اسماعيل لَو تركت زَمْزَم _ أَو قَالَ لَو لم تغرف من المَاء _ لَكَانَ زَمْزَم عينا معينا قَالَ فَشَرِبت وأرضعت ابْنهَا فَقَالَ لَهَا الْملك لَا تخافي الضَّيْعَة فان هَاهُنَا بَيت الله الْحَرَام وسيبنية هَذَا الْغُلَام وَأَبوهُ وان الله لَا يضيع أَهله وَكَانَ الْبَيْت مرتفعاً من الأَرْض كالرابية تَأتيه السُّيُول فتأخذ عَن يَمِينه وشماله ثمَّ نزل هُنَاكَ أَبْيَات من جرهم وشب اسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام وَتعلم الْعَرَبيَّة

ثمَّ رَفعه الله تَعَالَى إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فعبد الله فِيهَا ألف سنة ثمَّ رَفعه إِلَى مائَة فعبد الله كَذَلِك حَتَّى رَفعه إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيُقَال إِنَّه فِي يَوْم السبت يكون الأولى وَيَوْم الْأَحَد فِي الثَّانِيَة حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة يكون فِي السَّمَاء السَّابِعَة الله فِي كل سَمَاء يَوْمًا وَكَانَ إِبْلِيس لعنة الله بِمَنْزِلَة عَظِيمَة بِحَيْثُ إِذا مر بِهِ جِبْرِيل أَو مِيكَائِيل أَو أَحدهمَا من الْمَلَائِكَة يَقُول بَعضهم لبَعض لقد أعْطى الله هَذَا العابد من الْقُوَّة على طَاعَة مَا لم يُعْط أحدا من الْمَلَائِكَة فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بدهر طَوِيل أَمر الله تَعَالَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَن يهْبط إِلَى الأَرْض وَيقبض قَبْضَة من شرقها وغربها ووعرها وسهلها ليخلق مِنْهَا خلقا جَدِيدا ليجعله أفضل الْخَلَائق فَعرف ذَلِك إِبْلِيس فهبط الأَرْض حَتَّى وقف فِي وَسطهَا وَقَالَ لَهَا إِنِّي جئْتُك ناصحاً فَقَالَت وَمَا نصحك بِابْن العابدين وَإِمَام الزاهدين؟ فَقَالَ لَهَا إِن الله يُرِيد أَن يخلق مِنْك خلقا يفضله من جَمِيع خلقه وأخاف مِنْهُ أَن يعصيه فيعذبه وَقد أرسل الله إِلَيْك جِبْرِيل فَإِذا جَاءَك فَسمى عَلَيْهِ أَن لَا يقبض مِنْك شَيْئا فَلَمَّا هَبَط جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نادته الأَرْض وَقَالَت يَا جِبْرِيل بِحَق من أرسلك أَّلا تقبض مني شَيْئا فَإِنِّي أَخَاف أَن يخلق الله مني خلقا فيعصيه ذَلِك الْخلق عذبه بالنَّار فارتعد جِبْرِيل من هَذَا الْقسم فَرجع وَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا فَأخْبر جِبْرِيل ربه بذلك فَبعث الله مِيكَائِيل ليَأْتِيه بالقبضة فَكَانَت حَالَته كَحال جِبْرِيل بعث الله ملك الْمَوْت فَلَمَّا هم أَن يقبض مَا أمره ربه أَقْسَمت عَلَيْهِ أَيْضا فَقَالَ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام وَعزة رَبِّي لَا اعصي لَهُ أمرا فَقبض مِنْهَا قَبْضَة من جَمِيع أَنْوَاعهَا عذبها ومالحها وَحلوهَا ومرها وطيبها وخبثها وكل ابْن آدم مَخْلُوق من تِلْكَ قَبْضَة فَلَمَّا رَجَعَ ملك الْمَوْت بالقبضة وقف فِي موقفه أَرْبَعِينَ عَاما لَا ينْطق ثمَّ أَتَاهُ النداء يَا ملك الْمَوْت مَا الَّذِي صَنعته؟ - وَهُوَ أعلم - فَأخْبرهُ بقسمه

مِنْهُم فَلَمَّا أدْرك زوجوه امْرَأَة مِنْهُم وَمَاتَتْ أمه هَاجر فجَاء إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَلم يجد اسماعيل فَسَأَلَ امْرَأَته فَقَالَت خرج يَبْتَغِي لنا الصَّيْد ثمَّ سَأَلَهَا عَن عيشهم فَقَالَت نَحن بشر وَشَكتْ إِلَيْهِ بَعْلهَا فَقَالَ لَهَا إِذا جَاءَ زَوجك فَأَقْرئِيهِ السَّلَام وَقَوْلِي لَهُ يُغير عتبَة بَابه فَلَمَّا جَاءَ اسماعيل أخْبرته بِمَا كَانَ قَالَ ذَلِك أبي امرني ان أُفَارِقك فالحقي بأهلك فَطلقهَا وَتزَوج بِأُخْرَى مِنْهُم فَلبث عَنْهُم إِبْرَاهِيم مَا شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ أَتَاهُم بعد ذَلِك فَلم يجده فَسَأَلَ امْرَأَته فَقَالَت خرج يَبْتَغِي لنا صيدا فَقَالَ لَهَا كَيفَ انتم فَقَالَت نَحن بسعة وبخير من الله تَعَالَى وأثنت على بَعْلهَا خيرا وشكرت الله تَعَالَى فَقَالَ لَهما طَعَامكُمْ؟ قَالَت اللَّحْم قَالَ فَمَا شرابكم؟ قَالَت المَاء فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي اللجم وَالْمَاء ثمَّ قَالَ لَهَا إِذا جَاءَ زَوجك فأقرئي عَلَيْهِ مني السَّلَام وأمريه ان يثبت عتبَة بَابه فَلَمَّا جَاءَ اسماعيل أخْبرته بِمَا قَالَ فَقَالَ ذَلِك أبي وَأَنت العتبة أَمرنِي ان أمسكك ثمَّ انه لبث عَنْهُم مَا شَاءَ الله ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك _ وَكَانَ اسماعيل يبري نبْلًا لَهُ تَحت دوحة قَرِيبا من زَمْزَم _ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فصنعا كَمَا يصنع الْوَالِد بِالْوَلَدِ وَالْولد بالوالد ثمَّ شرعا فِي بِنَاء الْكَعْبَة وَقد اخْتلف فِي أول من بنى الْكَعْبَة فَقيل الْمَلَائِكَة بِإِذن الله تَعَالَى وَقيل آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَلَكِن اندرس فِي زمَان الطوفان ثمَّ أظهره الله تَعَالَى لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى بناه وقصة بِنَاء إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مَشْهُورَة وملخصها ان إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما سَار من الشَّام وَقدم مَكَّة قَالَ يَا اسماعيل ان الله امرني ان ابْني لَهُ بَيْتا هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى أكمة مُرْتَفعَة على مَا حولهَا فَقَالَ اسماعيل السّمع وَالطَّاعَة لما قَالَ رَبنَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَقد أَمرك أَن تعينني فَقَالَ اسماعيل إِذا افْعَل فَجعل إِبْرَاهِيم يَبْنِي وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة فَكَانَا كلما بنيا دعوا فَقَالَا (رَبنَا تقبل منا

وَقسم الأَرْض عَلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأخلقن مِمَّا أتيت بِهِ خلقا ولأسلطنك على قبض أَرْوَاحهم لقلَّة رحمتك بهم فَجعل نصف تِلْكَ القبضة فِي الْجنَّة وَنِصْفهَا فِي النَّار وَقَالَ أَنا الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا أَنا أَقْْضِي وَلَا يقْضِي عَليّ (ذكر آدم عَلَيْهِ السَّلَام) قَالَ النَّبِي صلي الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله خلق آدم من قَبْضَة قبضهَا من جَمِيع الأَرْض فجَاء بَنو آدم على قدر الأَرْض مِنْهُم الْأَحْمَر وَالْأسود والأبيض وَمَا بَين ذَلِك وَمِنْهُم الْحزن والسهل وَبَين ذَلِك وَإِنَّمَا سمي آدم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض وَلما خلق الله جَسَد آدم تَركه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَقيل أَرْبَعِينَ سنة ملقى بِغَيْر روح (وَقَالَ الله تَعَالَى للْمَلَائكَة إِذا نفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح سجد لَهُ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس أبي واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين) وَلم يسْجد كبرا وبغياً فأوقع الله تَعَالَى على إِبْلِيس اللَّعْنَة والاياس من رَحمته وَجعله شَيْطَانا رجيماً وَأخرجه من الْجنَّة بعد أَن كَانَ ملكا على سَمَاء الدُّنْيَا وَالْأَرْض وخازناً من خَزَنَة الْجنَّة واسكن الله تَعَالَى آدم الْجنَّة ثمَّ خلق الله تَعَالَى من ضلع آدم حَوَّاء زَوجته سميت بذلك لِأَنَّهَا خلقت من شَيْء حَيّ فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ (يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغداً حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين) ثمَّ أَرَادَ إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة أَن يدْخل الْجنَّة ليوسوس لآدَم وحواء فَمَنعه الخزنة فَعرض نَفسه على دَوَاب الأَرْض أَن تحمله حَتَّى يدْخل الْجنَّة ليكلم آدم وَزَوجته فَكل الدَّوَابّ أَبَت ذَلِك إِلَّا الْحَيَّة فَإِنَّهَا أدخلته الْجنَّة بَين نابيها وَكَانَت إِذْ ذَاك على غير شكلها الْآن فَلَمَّا دخل إِبْلِيس الْجنَّة وسوس لآدَم وحواء وَحسن عِنْدهمَا الْأكل من الشَّجَرَة الَّتِي نهاهما الله تَعَالَى عَنْهَا وَهِي الْحِنْطَة فِي قَول وَقرر عِنْدهمَا بعد أَن حلف لَهما إنَّهُمَا إِن أكلا مِنْهَا خلدا وَلم يموتا (فأكلا مِنْهَا فبدت لَهما سوآتهما) أَي ظَهرت لَهما

إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم) وَكَانَ وقُوف إِبْرَاهِيم عَليّ حجر وَهُوَ يَبْنِي وَذَلِكَ الْموضع هُوَ مقَام إِبْرَاهِيم وَاسْتمرّ الْبَيْت على مَا بناه إِبْرَاهِيم إِلَى أَن هدمته قُرَيْش سنة خمس وَثَلَاثِينَ من مولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَنوهُ وَكَانَ بِنَاء الْكَعْبَة بعد مُضِيّ مائَة سنة من مولد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَيكون بالتقريب بَين بِنَاء الْكَعْبَة وَبَين الْهِجْرَة الشَّرِيفَة أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَثَلَاث وَتسْعُونَ سنة وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة الى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من بِنَاء إِبْرَاهِيم الْخَلِيل الْكَعْبَة الشَّرِيفَة الى آخر تِسْعمائَة سنة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة وَثَلَاث وَتِسْعين سنة وَالله أعلم وَسَيَأْتِي ذكر مَا وَقع فِي الْكَعْبَة الشَّرِيفَة من الْهدم وَالْبناء فِي السِّيرَة الشَّرِيفَة المحمدية وَفِي ذكر بِنَاء عبد الْملك بن مَرْوَان لمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس ان شَاءَ الله تَعَالَى ((ذكر قصَّة الذَّبِيح)) ثمَّ أَمر الله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ان يذبح وَلَده وفداه الله تَعَالَى بكبش وَقد اخْتلف فِي الذَّبِيح هَل هُوَ إِسْحَاق أم اسماعيل فالكنعانيون يَقُولُونَ انه إِسْحَاق وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَكَعب وَمُقَاتِل وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة وَالسُّديّ وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هُوَ اسماعيل وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَمُجاهد وكلا الْقَوْلَيْنِ يرْوى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن قَالَ ان الذَّبِيح إِسْحَاق فقد احْتج بقوله عز وَجل (فبشرناه بِغُلَام حَلِيم) فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي أمره بِذبح من بشر بِهِ وَلَيْسَ فِي الْقرَان انه بشر بِولد غير إِسْحَاق وَمن قَالَ ان الذَّبِيح اسماعيل احْتج لَهُ بِمَا قيل ان ذكر الْبُشْرَى بِإسْحَاق بعد الْفَرَاغ من قصَّة الْمَذْبُوح فَقَالَ تَعَالَى (وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا من الصَّالِحين) فَدلَّ على ان الْمَذْبُوح غَيره

عوراتهما وَكَانَا لَا يريان ذَلِك فَقَالَ الله تَعَالَى (اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو) وهم آدم وحواء وإبليس الْحَيَّة فأهبطهم الله من الْجنَّة إِلَى الأَرْض وسلب عَن آدم وحواء كل مَا كَانَا فِيهِ من نعْمَة والكرامة فهبط آدم بسر نديب من أَرض الْهِنْد على جبل يُقَال لَهُ نود وحواء بجدة وإبليس بايلة والحية باصفهان فَجعل كل وَاحِد مِنْهُمَا يطْلب صَاحبه فاجتمعا بِعَرَفَات يَوْم عَرَفَة وتعارفا فَسُمي ذَلِك الْيَوْم عَرَفَة والموضع عَرَفَات وَكَانَ هبوط آدم من بَاب التَّوْبَة وهبوط حَوَّاء من بَاب الرَّحْمَة وإبليس من بَاب اللَّعْنَة والحية من بَاب السخط وَكَانَ فِي وَقت الْعَصْر وَكَانَ بَين هبوط آدم وَالْهجْرَة النَّبَوِيَّة سِتَّة آلَاف سنة ومائتان وَسِتَّة عشر سنة على حكم التَّوْرَاة اليونانية وَهِي الْمُعْتَمدَة عِنْد الْمُحَقِّقين من المؤرخين وَفِي ذَلِك خلاف لَا فَائِدَة اذكره خشيَة الإطالة وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من هبوط آدم إِلَى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة سَبْعَة آلَاف سنة وَمِائَة وَسِتَّة عشر سنة وَهُوَ الْمُعْتَمد عِنْد المؤرخين وَلما هَبَط آدم إِلَى الأَرْض كَانَ لَهُ ولدان هابيل وقابيل فقربا قرباناً فَتقبل من هابيل وَلم يتَقَبَّل قرْبَان قابيل فحسده على ذَلِك وَكَانَ لقابيل أُخْت توأمة وَكَانَت حسن من توأمة هابيل وَكَانَ آدم أَرَادَ أَن يُزَوّج توأمه قابيل بهابيل وَعَكسه فَلم يطب لقابيل ذَلِك وَرَأى قرْبَان أَخِيه قد تقبل دون قربانه فَقتل أَخَاهُ هابيل وَأخذ قابيل توأمته وهرب بهَا وعاش آدم عَلَيْهِ السَّلَام تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ سنة وَذَلِكَ بِاتِّفَاق المؤرخين وَكَانَ آدم رجلا طَويلا كَأَنَّهُ نَخْلَة سحوق كثير شعر الرَّأْس قد بلغ عدد وَلَده لصلبه وَولد وَلَده لما توفى أَرْبَعِينَ ألفا وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أثني عشر مرّة وَقد تقدم ذكر الْخلاف فِي إِنَّه أول من بنى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَقد اخْتلف فِي مدفنه فَقيل أَن قَبره فِي مغارة بَين الْقُدس وَمَسْجِد إِبْرَاهِيم رِجْلَاهُ عِنْد الصَّخْرَة وَرَأسه عِنْد مَسْجِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَالْخلاف فِي ذَلِك كثير

وَأما قصَّة الذَّبِيح فَقَالَ الْبَغَوِيّ قَالَ السّديّ لما دَعَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ (رب هَب لي من الصَّالِحين) وَبشر بِهِ فَقَالَ هُوَ اذاً ذبيح فَلَمَّا ولد وَبلغ مَعَه السَّعْي قَالَ لَهُ أوف بِنَذْرِك هَذَا هُوَ السَّبَب فِي أَمر الله تَعَالَى إِيَّاه بِذبح ابْنه فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ لِابْنِهِ انْطلق بِنَا لنقرب قرباناً لله عز وَجل فَأخذ سكيناً وحبلاً وَانْطَلق مَعَه حَتَّى ذهب بَين الْجبَال فَقَالَ لَهُ الْغُلَام يَا أَبَت أَيْن قربانك فَقَالَ (يَا بني اني آري فِي الْمَنَام اني أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر فَلَمَّا اسلما - أَي انقادا لأمر الله تَعَالَى وخضعا _ وتله للجبين) _ أَي صرعه على الأَرْض _ فَقَالَ لَهُ ابْنه الَّذِي أَرَادَ ذبحه يَا أَبَت اشْدُد رباطي حَتَّى لَا اضْطربَ واكفف عني ثِيَابك حَتَّى لَا ينتضح عَلَيْهَا من دمي شي فينقص اجري وتراه أُمِّي فتحزن عَليّ واستحد شفرتك وأسرع مر السكين على حلقي ليَكُون أَهْون عَليّ فان الْمَوْت شَدِيد وَإِذا أتيت أُمِّي فاقرىء عَلَيْهَا السَّلَام مني وان رَأَيْت ان ترد قَمِيصِي على أُمِّي فَعَسَى أَنه يكون اسلاء لَهَا عني فَقَالَ لَهُ ابر أهيم نعم العون أَنْت يَا بني على أَمر الله تَعَالَى قَالَ فَفعل إِبْرَاهِيم مَا أمره الْغُلَام وَقَبله بَين عَيْنَيْهِ وَقد ربطه وَهُوَ يبكي ثمَّ وضع السكين على حلقه وَجعل يجرها على حلقه فَلَا تقطع فَقَالَ الابْن عِنْد ذَلِك يَا أَبَت كبني على وَجْهي فانك إِذا نظرت إِلَى وَجْهي رحمتني وادركتك الرأفة فتحول بيني وَبَيْنك وَبَين أَمر الله تَعَالَى وَأَنا لَا انْظُر الشَّفْرَة فأجزع فَفعل إِبْرَاهِيم ذَلِك ثمَّ وضع السكين على قَفاهُ فَانْقَلَبت وَنُودِيَ يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا فَنظر إِبْرَاهِيم فَإِذا هُوَ بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَهُ كَبْش املح اقرن وَقَالَ هَذَا فدَاء ابْنك فاذبحه دونه فَكبر جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكبر الْكَبْش وَكبر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَكبر ابْنه فَأخذ إِبْرَاهِيم الْكَبْش واتى بِهِ المنحز من منى فذبحه وَكَانَ ذَلِك الذَّبِيح كَبْشًا رعى فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَالَ الْقُرْطُبِيّ سُئِلَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ رجلا كَانَ من عُلَمَاء الْيَهُود _ اسْلَمْ وَحسن إِسْلَامه _ أَي ابْني إِبْرَاهِيم أَمر بذَبْحه فَقَالَ اسماعيل

ثمَّ بعد قتل هابيل لآدَم شِيث عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ وَصِيّه وَتَفْسِير شِيث هبة الله عَاشَ تِسْعمائَة سنة وَأثْنى عشر سنة وَمَات لمضي ألف وَمِائَة واثنين وَأَرْبَعين سنة لهبوط آدم وَالِي شِيث تَنْتَهِي أَنْسَاب بني آدم كلهم ثمَّ ولد لشيث أنوش عَاشَ تِسْعمائَة سنة وَخمسين سنة ثمَّ ولد لأنوش قينان عَاشَ تِسْعمائَة وَعشْرين سنة ثمَّ ولد لقينان مهلاييل عَاشَ ثَمَانمِائَة وخمساً وَتِسْعين سنة ثمَّ ولد لمهلاييل يود - بِالدَّال الْمُهْملَة - عَاشَ تِسْعمائَة واثنين وَسِتِّينَ سنة ثمَّ ولد ليود حنوخ - بخاء مُهْملَة وَنون وواو وخاء مُعْجمَة - وَهُوَ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام وَأدْركَ إِدْرِيس من حَيَاة شِيث جد جده عشْرين سنة وَلما صَار لَهُ من الْعُمر ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَسِتُّونَ سنة رَفعه الله إِلَى السَّمَاء وَكَانَ قد نبأه الله وانكشف لَهُ الْأَسْرَار السماوية وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَربع مَرَّات وَله صحف (مِنْهَا) لَا تروموا أَن تحيطوا بِاللَّه خَبره فَإِنَّهُ أعظم وَأَعْلَى من أَن تُدْرِكهُ فطن المخلوقين إِلَّا من أَثَره ثمَّ ولد لحنوخ متوشلح - بتاء مثناة من فَوق وَآخره حاء مُهْملَة - عَاشَ تِسْعمائَة وتسعاً وَسِتِّينَ سنة ثمَّ ولد لمنوشلح لامخ وَلما صَار لَهُ من الْعُمر مائَة وثمان وَثَمَانُونَ سنة ولد لَهُ نوح (ذكر نوح عَلَيْهِ السَّلَام) واسْمه عبد الْغفار ولد بعد أَن مضى ألف وسِتمِائَة وثنتان وَأَرْبَعُونَ سنة من هبوط آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ بعد رفع إِدْرِيس إِلَى السَّمَاء بِمِائَة وَخمْس وَسبعين سنة وَيُقَال أَن دمشق كَانَت دَار نوح عَلَيْهِ السَّلَام وأرسله الله تَعَالَى إِلَى قومه وَكَانُوا أهل أوثان فَصَارَ يَدعُوهُم إِلَى طَاعَة الله وهم لَا يلتفتون إِلَيْهِ وَكَانُوا يخنقونه حَتَّى يغشى عَلَيْهِ فَإِذا أَفَاق قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ وَكَانُوا يضربونه حَتَّى يَظُنُّوا انه مَاتَ فَإِذا أَفَاق اغْتسل وَأَقْبل عَلَيْهِم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَلَمَّا طَال ذَلِك شكاهم إِلَى الله تَعَالَى فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنَّه لن يُؤمن من قَوْمك

ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ان الْيَهُود لتعلم ذَلِك وَلَكنهُمْ يحسدونكم معاشر الْعَرَب على ان يكون أبوكم هُوَ الذَّبِيح ويزعمون انه إِسْحَاق أبوهم وروى الثَّعْلَبِيّ عَن الصهاجي قَالَ كُنَّا عِنْد مُعَاوِيَة فَذكرُوا اسماعيل الذَّبِيح أَو إِسْحَاق فَقَالَ على الْخَبِير سقطنم كنت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء رجل وَقَالَ لَهُ ابْن الذبحين فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَا الذَّبِيحَانِ فَقَالَ ان عبد الْمطلب لما حفر زَمْزَم نذر لَئِن سهل الله لَهُ أمرهَا لَيَذْبَحَن أحد أَوْلَاده فَخرج السهْم على وَلَده عبد الله فَمَنعه أَخْوَاله من ذَلِك وَقَالُوا لَهُ بل افْدِ ولدك بِمِائَة من الْإِبِل فَفَدَاهُ وَالثَّانِي اسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمن زعم ان الذَّبِيح إِسْحَاق فَيَقُول كَانَ مَوضِع الذّبْح بِالشَّام على ميلين من ايليا وَهِي بَيت الْمُقَدّس وَزَعَمت الْيَهُود انه كَانَ على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَمن يَقُول ان الذَّبِيح اسماعيل فَيَقُول ان ذَلِك كَانَ بِمَكَّة المشرفة وَأرْسل الله اسماعيل الى قبائل الْيمن والى العماليق وَزوج اسماعيل ابْنَته من ابْن أَخِيه الْعيص بن إِسْحَاق وعاش اسماعيل مائَة وَسبعا وَثَلَاثِينَ سنة وَمَات بِمَكَّة وَدفن عِنْد قبر أمه هَاجر بِالْحجرِ فَكَانَت وَفَاته بعد وَفَاة أَبِيه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بثمان واربعين سنة وَلما مَاتَت سارة بعد وَفَاة هَاجر تزوج إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَة من الكنعانيين وَولدت مِنْهُ سِتَّة وهم يقشان وزمران ومدان ومديان ويشق وشرخ ثمَّ تزوج امْرَأَة أخري فَولدت لَهُ خَمْسَة بَنِينَ فَكَانَ جَمِيع أَوْلَاد إِبْرَاهِيم ثَلَاثَة عشر ولد مَعَ اسماعيل وَإِسْحَاق فَكَانَ اسماعيل اكبر أَوْلَاده فآثر اسماعيل ارْض الْحجاز وَإِسْحَاق ارْض الشَّام وَفرق سَائِر وَلَده فِي الْبِلَاد وَالله اعْلَم

قد آمن فَلَمَّا ايس مِنْهُم دَعَا عَلَيْهِم فَقَالَ (رب لَا تذر على الأَرْض من بن ديارًا) فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن اصْنَع السَّفِينَة فصنعها من خشب الساج فَلَمَّا أقبل على عمل الْفلك جعل يقطع الْخشب وَيضْرب الْحَدِيد وَكَانَ قومه عَلَيْهِ وَهُوَ فِي عمله فيسخرون مِنْهُ وَيَقُولُونَ يَا نوح قد صرت نجاراً بعد النُّبُوَّة - عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم (إِن تسخروا منا فانا نسخر مِنْكُم إِذا عاينتم عَذَاب الله كَمَا -) وَاتخذ السَّفِينَة وَكَانَ طولهَا ثَلَاثمِائَة ذِرَاعا وعرضها خمسين ذِرَاعا وطولها ثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَقيل غير ذَلِك فَلَمَّا فار التَّنور وَكَانَ هُوَ الْآيَة بَين نوح وَبَين ربه حمل نوح من أمره الله من أَهله وَغَيرهم سوى وَلَده كنعان فانه كَانَ كَافِرًا ثمَّ ادخل فِي السَّفِينَة مَا أمره من الدَّوَابّ وَاخْتلف فِي مَوضِع التَّنور فَقيل كَانَ بِالْكُوفَةِ وَقيل بِالشَّام غير ذَلِك فَلَمَّا دخل نوح وَمن مَعَه السَّفِينَة فتح الله عز وَجل عُيُون المَاء ففارت الأَرْض من الْبحار وأمطر الله من السَّمَاء مَاء فارتفع المَاء وَجعلت الْفلك تجْرِي بهم كموج كالجبال وَعلا المَاء على رُؤُوس الْجبَال أَرْبَعِينَ ذِرَاعا فَهَلَك كل من على وَجه الأَرْض من حَيَوَان ونبات سوى عوج ابْن عنَاق - نِسْبَة لأمه عنَاق بنت آدم - وَهِي أول نبت على وَجه الأَرْض وعمت الْفُجُور وعملت السحر وجاهرت بِالْمَعَاصِي وَولدت الْجَبَّار وَلم يغرقه الطوفان وَلَا بلغ بعض جسده وَطلب السَّفِينَة ليغرقها وَكَانَ ثَلَاثَة آلَاف وثلاثمائة وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَثلث ذِرَاع بالهاشمي وَكَانَ بالسحاب وَيشْرب مِنْهُ وبتناول الْحُوت من قَرَار الْبَحْر ويشويه فِي عين حَتَّى يرفعهُ إِلَيْهَا ثمَّ يَأْكُلهُ وعاش ثَلَاثَة آلَاف سنة وَعمر إِلَى زمَان فِرْعَوْن وَقطع صَخْرَة على قدر عَسْكَر عَلَيْهِ السَّلَام ليطرحها عَلَيْهِم وَكَانَ المعسكر فرسخاً فِي فَرسَخ فَأرْسل الله فَنقرَ الصَّخْرَة فَنزلت من رَأسه إِلَى عُنُقه ومنعته الْحَرَكَة فَوَثَبَ مُوسَى وَكَانَت

((ذكر شراء المغارة)

((ذكر شِرَاء المغارة)) عَن كَعْب الاحبار رَضِي الله عَنهُ قَالَ أول من مَاتَ وَدفن فِي حبرون سارة لَك إِنَّهَا لما مَاتَت خرج الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام يطْلب موضعا ليقبرها فِيهِ وَرَجا ان ون موضعا بِقرب حبري فَمضى الى عفرون وَكَانَ ملك الْموضع وَكَانَ مَسْكَنه فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم بِعني موضعا اقبر فِيهِ من مَاتَ من أَهلِي فَقَالَ لَهُ عفرون لَك قد ابحتك فادفن موتاك حَيْثُ شِئْت من ارضى فَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَا احب ذَلِك إِلَّا بِالثّمن فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ الصَّالح ادفن حَيْثُ شِئْت عَلَيْهِ وَطلب مِنْهُ المغارة فَقَالَ لَهُ أبيعكما بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم كل دِرْهَم وزن دَرَاهِم وكل مائَة دِرْهَم ضرب ملك أَرَادَ بذلك التَّشْدِيد عَلَيْهِ كي لَا يجد من ذَلِك فَيرجع إِلَى قَوْله فَخرج إِبْرَاهِيم الْخَلِيل من عِنْده فَإِذا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَاقِف فَقَالَ لَهُ يَا إِبْرَاهِيم إِن الله قد سمع مقَالَة الْجَبَّار لَك وَهَذِه دَرَاهِم ادفعها إِلَيْهِ فَإِنَّهَا كَمَا طلب قَالَ فَأخذ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الدَّرَاهِم وَدفعهَا إِلَى الْجَبَّار فَقَالَ لَهُ من أَيْن لَك هَذِه الدَّرَاهِم؟ فَقَالَ لَهُ من عِنْد إلهي وخالقي وأر زاقي فَأَخذهَا مِنْهُ وَحمل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام سارة ودفنها فِي المغارة فَكَانَت أول من دفن فِيهَا وَتوفيت وَلها من الْعُمر مائَة وَسَبْعَة عشر سنة وَقيل مائَة وَسبع وَعِشْرُونَ سنة ثمَّ لما توفّي الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام دفن بحذائها من جِهَة الغرب وَسَنذكر تَارِيخ وَفَاته فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ توفيت ريقة زَوْجَة إِسْحَاق فدفنت بهَا بحذاء سارة من جِهَة الْقبْلَة ثمَّ توفّي إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام فَدفن بحذاء زَوجته من جِهَة الغرب ثمَّ توفّي يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَدفن عِنْد بَاب المغارة وَهُوَ بحذاء قبر الْخَلِيل

وثبته عشرَة أَذْرع وَطوله مثل ذَلِك وَطول عَصَاهُ مثل ذَلِك وَلم يلْحق سوى عرقوبه فَقتله وَتَركه بموضعه وردم عَلَيْهِ بالصخر والرمل فَكَانَ كالجبل الْعَظِيم فِي صحراء مصر وَقيل غير ذَلِك وَكَانَ بَين أَن أرسل الله مَاء الطوفان وَبَين أَن غاض سِتَّة أشهر وَعشر لَيَال وَكَانَ ركُوب نوح فِي السَّفِينَة فِي مستهل شهر رَجَب وَقيل لعشر لَيَال مَضَت من رَجَب وَكَانَ أَيْضا لعشر لَيَال خلت من آب وَخرج من السَّفِينَة يَوْم عَاشُورَاء من الْمحرم وَكَانَ اسْتِقْرَار السَّفِينَة على الجودي وَهُوَ جبل من أَرض الْموصل وَقد ورد حَدِيث أَن السَّفِينَة طافت بِالْبَيْتِ الْحَرَام أسبوعاً ثمَّ طافت بِبَيْت الْمُقَدّس أسبوعاً ولسنوات على الجودي وَرُوِيَ أَن السَّفِينَة سَارَتْ حَتَّى بلغت بَيت الْمُقَدّس فوقفت ونطقت بِإِذن الله تَعَالَى وَقَالَت يَا نوح هَذَا مَوضِع بَيت الْمُقَدّس الَّذِي يسكنهُ الْأَنْبِيَاء من أولادك وَكَانَ الطوفان بعد هبوط آدم بألفي سنة وَمِائَتَيْنِ واثنين وَأَرْبَعين سنة وَكَانَ لستمائة سنة مَضَت من عمر نوح وَبَين الطوفان وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَأَرْبع وَسَبْعُونَ سنة وَقد مُضِيّ من الْهِجْرَة إِلَى عصرنا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من الطوفان إِلَى سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وأربعاً وَسبعين سنة وَالله أعلم وَلما مَضَت ثَلَاثمِائَة وَخَمْسُونَ سنة للطوفان توفى نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَله من الْعُمر تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ سنة هَكَذَا وَقع فِي كَلَام المؤرخين أَن نوحًا عَاشَ الْقدر الْمَذْكُور فَقَط وَظَاهر الْآيَة الشَّرِيفَة يُخَالِفهُ لِأَنَّهُ يدل على أَنه لبث الْقدر الْمَذْكُور فِي قومه بعد إرْسَاله إِلَيْهِم ينذرهم وَأَن الطوفان وَقع بعد ذَلِك وَقيل أَن عمر نوح ألف وَأَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ سنة وَهُوَ مُوَافق لِلْآيَةِ قَالَ الله تَعَالَى (وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَأَخذهُم الطوفان وَهُوَ ظَالِمُونَ) وَظَاهر الْآيَة الشَّرِيفَة أَنه عَاشَ أَكثر مِمَّا ذكره المؤرخون وَالله أعلم وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام خمسين مرّة وقبره بكرك نوح وَمن أَوْلَاده

عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من جِهَة الشمَال ثمَّ توفيت ليقا زَوجته فدفنت بحذائه من جِهَة الشرق فَاجْتمع أَوْلَاد يَعْقُوب والعيص وأخوته وَقَالُوا نَدع بَاب المغارة مَفْتُوحًا وكل من مَاتَ منا دفناه فِيهَا فتشاجروا فَرفع وَاحِد من أخوة الْعيص يَده وَلَطم الْعيص لطمة فَسقط رَأسه فِي المغارة وَقيل كَانَ الضَّارِب للعيص وَاحِد من أَوْلَاد يَعْقُوب وَلما سقط رَأسه فِي المغارة حملُوا جثته وَدَفَنُوهَا بِغَيْر رَأس وَبَقِي الرَّأْس فِي المغارة وحوطوا عَلَيْهَا حَائِطا وَعمِلُوا فِيهَا عَلَامَات الْقُبُور فِي كل مَوضِع وَكَتَبُوا عَلَيْهِ هَذَا قبر إِبْرَاهِيم وَهَذَا قبر زَوجته سارة وَهَذَا قبر إِسْحَاق وَهَذَا قبر زَوجته ريقة وَهَذَا قبر يَعْقُوب وَهَذَا قبر زَوجته ليقا وَخَرجُوا وطبقوا الْبَاب وكل من جَاءَ إِلَيْهِ يطوف بِهِ وَلَا يصل إِلَيْهِ أحد حَتَّى جَاءَت الرّوم بعد ذَلِك ففتحوا لَهُ بَابا ودخلوا إِلَيْهِ وبنوا فِيهِ كَنِيسَة ثمَّ أظهر الله الْإِسْلَام بعد ذَلِك وَملك الْمُسلمُونَ تِلْكَ الديار وهدموا الْكَنِيسَة وبالقرب من مَدِينَة سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَرْيَة تسمى سعير وَهِي الفاضلة بَين أَعمال الْقُدس والخليل بهَا قبر بداخل مَسْجِدهَا يُقَال إِنَّه قبر الْعيص عَلَيْهِ السَّلَام وَقد اشْتهر ذَلِك عِنْد النَّاس وصاروا يقصدونه للزيارة وَالله أعلم وروى عَن وهب بن مُنَبّه إِنَّه قَالَ أصبت على قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَكْتُوبًا حَلقَة فِي حجر غر جهولاً أمله يَمُوت من جا أَجله لن تغني عَنهُ حِيلَة زَاد بعض أهل الْعلم والمرء لَا يَصْحَبهُ فِي الْقَبْر إِلَّا عمله وَحدث مُحَمَّد بن بكران بن مُحَمَّد خطيب مَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْحَاق النَّحْوِيّ يَقُول خرجت مَعَ القَاضِي أبي عَمْرو عُثْمَان بن جَعْفَر بن شَاذان إِلَى قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأَقَمْنَا بِهِ ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الرَّابِع جَاءَ إِلَى النقش الْمُقَابل لقبر ريقة زَوْجَة إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام فَأمر بِغسْلِهِ حَتَّى

قبل الطوفان بِمِائَة سنة وعاش سِتّمائَة سنة ووفاته بعد الطوفان بِخَمْسِمِائَة سنة الْعَرَب وَفَارِس وَالروم وَكَانَ هُوَ الْقيم بعد نوح فِي الأَرْض وَمن ذُريَّته كلهم عربهم وعجمهم وَجعل الله فِي ذُريَّته النُّبُوَّة وَالْكتاب وَنزل بنوه سرة وَهُوَ الَّذِي اختط مَدِينَة الْقُدس وَأسسَ مَسْجِدهَا وَكَانَ ملكا عَلَيْهَا كَمَا زحام أَبُو السودَان وَيَافث أَبُو التّرْك ويأجوج وَمَأْجُوج والإفرنج والقبط فوط بن حام وَلما خرج نوح من السَّفِينَة قسم الأَرْض بَين أَوْلَاده الثَّلَاث فَأعْطى سَام الْيمن وَالشَّام والجزيرة وَأعْطى حام الغرب وَأعْطى يافث الشرق وَولد ولد سَمَّاهُ أرفخشد عَاشَ أَرْبَعمِائَة وخمساً وَسِتِّينَ سنة ثمَّ ولد لأرفخشد ولد لُقْمَان عَاشَ أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثِينَ سنة وَولد لقيان شالح عَاشَ أَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ وَولد لشالح غابر عَاشَ أَرْبَعمِائَة وأربعاً وَسِتِّينَ سنة ثمَّ ولد لغابر فالغ عَاشَ تسعا وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ ولد لفالغ رعون عَاشَ ثَلَاثمِائَة وتسعاً وَثَلَاثِينَ سنة ولد رعون تبلبلت الألسن وتقسمت الأَرْض وتفرق بَنو نوح وَذَلِكَ لمضي سبعين سنة للطوفان ثمَّ ولد لرعون شاروع واسْمه فِي التَّوْرَاة سرُور عَاشَ مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ ولد لشاروع ناحور عَاشَ مِائَتَيْنِ وثماني وَسِتِّينَ سنة ثمَّ حور ولد اسْمه تارخ وَهُوَ آزر عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخمْس سِنِين وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام (ذكر هود وَصَالح عَلَيْهِمَا السَّلَام) وهما نبيان أرسلا بعد نوح وَقبل إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وَأرْسل الله هوداً إِلَى عَاد أهل أصنام وَكَانَ عَاد وَثَمُود جبارين طوال الْقَامَة فَدَعَا هود قوم عَاد وَمِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل فَأهْلك الله الَّذين لم يُؤمنُوا برِيح سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَأَيَّام حسوماً - والحسوم الدَّائِم - فَلم تدع غير هود وَالْمُؤمنِينَ مَعَه فَإِنَّهُم اعتزلوا

كِتَابَة وَتقدم إِلَيّ بِأَن انقل مَا هُوَ مَكْتُوب فِي الْحجر إِلَى درج كَانَ مَعنا تَمْثِيل فنقلته ورجعنا إِلَى الرملة فأحضر أهل كل لِسَان ليقرأه عَلَيْهِ فَلم يكن أحد يقرأه وَلَكنهُمْ اجْمَعُوا على أَن هَذَا بِلِسَان اليوناني الْقَدِيم وَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ أحد يقرأه غير شيخ كَبِير بحلب فعمدوا إِلَى إِحْضَاره فَلَمَّا حضر عِنْده فَإِنِّي فَإِذا هُوَ شيخ كَبِير فأملي على الشَّيْخ الْمحْضر من حلب مَا نقلته فِي الدرج وتمثيل أَوله بِسم إلهي إِلَه الْعَرْش القاهر الْهَادِي الشَّديد الْبَطْش الْعَلِيم الَّذِي فِي هَذَا قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْعلم الَّذِي بحذائه من جِهَة قبر زَوجته سارة وَالْعلم الْأَقْصَى الموازي لقبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل قبر يَعْقُوب الَّذِي يَلِيهِ من الشرق قبر ايليا زَوجته صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ الْعيص بِخَطِّهِ وَاسم زَوْجَة يَعْقُوب اليا وَفِي بعض الْكتب ليا وَالْمَشْهُور وَالله أعلم وَهَذَا الْحجر المنقوش مَوْجُود إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَقد اشْتهر عِنْد النَّاس مَكَانَهُ آدم وَيُقَال إِنَّه عِنْد رَأس آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْحَافِظ بن عَسَاكِر قَرَأت فِي بعض كتب أَصْحَاب الحَدِيث ونقلت مِنْهَا مُحَمَّد بن بكران بن مُحَمَّد خطيب مَسْجِد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام - وَكَانَ قَاضِيا فِي أَيَّام الراضي بِاللَّه فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة وَمَا بعْدهَا وَله رِوَايَة حَدِيث سمع من جمَاعَة وَحدث عَن جمَاعَة من أهل الْعلم - قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن ابْن عَليّ بن جَعْفَر الْأَنْبَارِي يَقُول سَمِعت أَبَا بكر الإسكافي يَقُول صَحَّ عِنْدِي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْموضع الَّذِي هُوَ الْآن فِيهِ لما رَأَيْت وعانيت وَذَلِكَ توفقت على السَّدَنَة وعل الْموضع أوقافاً كَثِيرَة تقرب من نَحْو أَرْبَعَة آلَاف رَجَاء ثَوَاب الله عز وَجل وَطلبت أَن أعلم صِحَة ذَلِك حَتَّى ملكت قُلُوبهم بِمَا عملت مَعَهم من الْجَمِيل والكرامة والملاطفة وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وأطلب بذلك أَن لي مَا يَصح وحاك فِي صَدْرِي فَقلت لَهُم يَوْمًا من الْأَيَّام - وَقد جمعتهم عِنْدِي

فِي حَضرمَوْت وَبَقِي هود كَذَلِك حَتَّى مَاتَ وقبره بحضرموت وَقيل بِالْحجرِ من مَكَّة وَقيل أَن هوداً هُوَ غابر الْمُتَقَدّم ذكره وَالَّذِي صَححهُ جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء أَن هوداً هُوَ ابْن عبد الله بن رَبَاح وَلَيْسَ هُوَ غابر وَالله أعلم ويروي أَنه كَانَ من عَاد شخص إسمه لُقْمَان وَهُوَ غير لُقْمَان الْحَكِيم الَّذِي كَانَ عل عهد سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام (وَأما صَالح) فَهُوَ ابْن آسَف أرْسلهُ الله إِلَى ثَمُود فَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيد وَكَانَ مسكنهم بِالْحجرِ وَهِي مَدِينَة بَين الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَالشَّام فَلم يُؤمن بِهِ إِلَّا قَلِيل مستضعفون ثمَّ أَن كفارهم عاهدوه على أَنه ان إتاهم بِمَا يقترحونه عَلَيْهِ آمنُوا واقترحوا عَلَيْهِ أَن يخرج لَهُم من صَخْرَة مُعينَة نَاقَة فَسَأَلَ الله تَعَالَى فِي ذَلِك فَخرج من تِلْكَ الصَّخْرَة نَاقَة وَولدت فصيلا فَلم يُؤمنُوا وعقروا النَّاقة فأهلكهم الله تَعَالَى بعد ثَلَاثَة أَيَّام بصيحة من السَّمَاء فِيهَا صَوت كل صَاعِقَة فتقطعت قُلُوبهم فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين وَسَار صَالح إِلَى فلسطين ثمَّ انْتقل إِلَى الْحجاز يعبد الله إِلَى أَن مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة وَورد إِنَّه توفّي فِي فلسطين وَأقَام بهَا بعد أَن هلك قومه وَيُقَال أَن قَبره بالمغارة الَّتِي بالجامع الْأَبْيَض بالرملة وَالله أعلم (ذكر سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وأبنائه الْكِرَام عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام) أَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن وَهُوَ أَبُو الْأَنْبِيَاء الْكِرَام من أولي الْعَزْم من الْمُرْسلين رُوِيَ أَنه أنزل الله عَلَيْهِ عشر صحف وَكَانَت كلهَا أَمْثَالًا وَجعل لَهُ لِسَان صدق فِي الآخرين أَي ثَنَاء حسنا فَلَيْسَ أحد من الْأُمَم إِلَّا يُحِبهُ وأكرمه الله تَعَالَى بالخلة وَجعل أَكثر الْأَنْبِيَاء من ذُريَّته وَختم ذَلِك بِسَيِّد الْمُرْسلين مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وكرم وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن تارخ وَهُوَ آزر وَلما أَرَادَ الله عز وَجل أَن يبْعَث السَّيِّد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حجَّة على قومه

بأجمعهم - أَسأَلكُم أَن توصلوني إِلَى بَاب المغارة كي أنزل إِلَى حَضْرَة الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم وأشاهدهم فَقَالُوا قد أَحْبَبْنَاك إِلَى ذَلِك لِأَن لَك علينا حَقًا وَاجِبا وَلَكِن لَا يُمكن فِي هَذَا الْوَقْت لِأَن الطارق علينا كثير وَلَكِن حَتَّى يدْخل الشتَاء فَلَمَّا دخل كانون الثَّانِي خرجت إِلَيْهِم فَقَالُوا أقِم عندنَا حَتَّى يَقع الثَّلج فأقمت عِنْدهم حَتَّى وَقع الثَّلج وَانْقطع الطارق عَنْهُم فجاؤا إِلَى صَخْرَة مَا بَين قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وقبر إِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام وقلعوا البلاطة وَنزل رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ صعلوك - وَكَانَ رجلا صَالحا فِيهِ خير ولين فَنزلت أَنا مَعَه فَمشى وَأَنا من وَرَائه فنزلنا إثنتين وَسبعين دَرَجَة فَإِذا عَن يَمِيني دكان عَظِيمَة من حجر أسود وَإِذا عَلَيْهِ شيخ خَفِيف العارضين طَوِيل اللِّحْيَة ملقى على ظَهره وَعَلِيهِ ثوب أَخْضَر فَقَالَ لي صعلوك هَذَا إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ سرنا غير بعيد وَإِذا بُد كَانَ أكبر من الأولى وَعَلَيْهَا شيخ ملقى على ظَهره وَله شيبَة قد أخذت مَا بَين مَنْكِبَيْه أَبيض الرَّأْس واللحية والحاجبين واشفار العينيين وَتَحْت شيبته ثوب أَخْضَر قد جلل بدنه والرياح تلعب بشيبته يَمِينا وَشمَالًا فَقَالَ لي صعلوك هَذَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة واتم التَّسْلِيم فَسَقَطت على وَجْهي ودعوت الله عز وَجل بِمَا فتح عَليّ ثمَّ سرنا وَإِذا بُد كَانَ لَطِيفَة وَعَلَيْهَا شيخ لطيف آدم شَدِيد الادمة كث اللِّحْيَة وَتَحْت مَنْكِبَيْه ثوب أَخْضَر قد جلله فَقَالَ لي صعلوك هَذَا يَعْقُوب النَّبِي ثمَّ إننا عدلنا يساراً لنَنْظُر إِلَى الْحرم فَحلف أَبُو بكر الإسكافي مَا أَن غمت الحَدِيث قَالَ فَقُمْت من عِنْده فِي الْوَقْت الَّذِي حَدثنِي فِيهِ من وقتي إِلَى مَسْجِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا وصلت إِلَى الْمَسْجِد سَأَلت عَن صعلوك فَقيل لي السَّاعَة يحضر فَلَمَّا جَاءَ قُمْت إِلَيْهِ وَجَلَست عِنْده وطارحته بعض الحَدِيث فَنظر إِلَيّ بِعَين مُنكر للْحَدِيث الَّذِي سَمعه فأومأت إِلَيْهِ بلطف تخلصت بِهِ من الْإِثْم ثمَّ قلت لَهُ إِن أَبَا بكر الإسكافي عمي فأنس عِنْد ذَلِك فَقلت يَا صعلوك بِاللَّه عَلَيْك لما عدلتما

ورسولا إِلَى عباده رأى النمرود فِي مَنَامه كَأَن كوكباً قد طلع فَذهب بضوء الشَّمْس وَالْقَمَر حَتَّى لم يبْق لَهما ضوء فَفَزعَ لذَلِك فَزعًا شَدِيدا وَجمع السَّحَرَة والكهنة وسألهم عَن ذَلِك فَقَالُوا لَهُ هُوَ مَوْلُود يُولد فِي ناحيتك هَذِه السّنة وَيكون هلاكك وَذَهَاب ملكك على يَده وَيُقَال إِنَّهُم وجدوا ذَلِك فِي كتب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَكَانَت الْمُلُوك الَّذين ملكوا الأَرْض أَرْبَعَة مُؤْمِنَانِ وهما سُلَيْمَان بن دَاوُد وَذُو القرنين وَكَافِرَانِ وهما نمروذ وبخت نصر فنمروذ هُوَ ابْن كنعان بن كوش بن سَام بن نوح وَهُوَ أول من وضع التَّاج على رَأسه وتجبر فِي الأَرْض ودعا النَّاس إِلَى عِبَادَته فَلَمَّا أخبر نمروذ بذلك أَمر بِذبح كل غُلَام بِولد فِي تِلْكَ النَّاحِيَة تِلْكَ السّنة وَأمر بعزل الرِّجَال عَن النِّسَاء وَجعل على كل حَامِل أَمينا فَكَانَت الْحَامِل إِذا وضعت حملهَا فَإِن كَانَ ذكرا ذبحه وَقيل انه حبس جَمِيع الْحَوَامِل إِلَّا مَا كَانَ من أم إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ لم يعلم حملهَا وعميت عَنْهَا الْأَبْصَار وَخرج نمروذ يجمع الرِّجَال إِلَى المعسكر ونحاهم عَن النِّسَاء كل ذَلِك تخوفاً من ذَلِك الْمَوْلُود الَّذِي أخبر بِهِ وَقيل أَن نمروذ لما خرج بعسكره بَدَت لَهُ حَاجَة فِي الْمَدِينَة لم يَأْمَن عَلَيْهَا أحدا من قومه سوى آزر وَذَلِكَ قبل حمل أم إِبْرَاهِيم بِهِ فَبعث إِلَى آزر وَأسر لَهُ حَاجته وَقَالَ لَهُ أما إِنِّي لم أَبْعَثك إِلَّا لِثِقَتِي بك فأقسمت عَلَيْك أَن لَا تَدْنُو من أهلك فَقَالَ آزر أَنا أشح على ديني مِنْك ثمَّ دخل آزر الْمَدِينَة وَقضى حَاجته ثمَّ بدا لَهُ الدُّخُول على أَهله لرؤية حَالهم واصلاح شانهم فَلَمَّا دخل الدَّار وَاجْتمعَ بأَهْله حكم عَلَيْهِ نُفُوذ الْقدر فنسى مَا الْتزم بِهِ للنمروذ فواقع زَوجته وأسمها نونا وَقيل غير ذَلِك فَحملت بإبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا اسْتَقر فِي بَطنهَا تنكست الْأَصْنَام وَظهر نجم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَله طرفان أَحدهمَا بالمشرق وَالْآخر بالمغرب فَلَمَّا رأى نمروذ ذَلِك النَّجْم تحير وازداد خَوفه وَلما تمّ حمل إِبْرَاهِيم وَجَاء لأمه الطلق أرسل الله تَعَالَى إِلَيْهَا ملكا على أحسن

ثمَّ مَاذَا كَانَ وَمَا الَّذِي رَأَيْتُمَا؟ فَقَالَ مَا حَدثَك أَبُو بكر فَقلت أُرِيد مِنْك أَيْضا قَالَ سمعنَا من نَحْو الْحرم صائحاً يَصِيح وَهُوَ يَقُول تجنبوا الْحرم رحمكم مَعنا مغشياً علينا ثمَّ أفقنا وَقد أيسنا من الْحَيَاة وأيست الْجَمَاعَة منا قَالَ الشَّيْخ وعاش أَبُو بكر الإسكافي بعد مَا حَدثنِي زَمَانا يَسِيرا وَمَات صعلوك رحمهمَا الله تَعَالَى روى الْحسن بن عبد الْوَاحِد بن رزق الرَّازِيّ قَالَ قدم أَبُو زرْعَة القَاضِي إِلَى مَسْجِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَجئْت لأسلم عَلَيْهِ وَقد قعد عِنْد قبر سارة صَلَاة فَدخل شيخ فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ يَا شيخ أَيّمَا هُوَ قبر إِبْرَاهِيم بَين هَؤُلَاءِ؟ مسح الشَّيْخ بِيَدِهِ إِلَى قبر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ مضى الشَّيْخ وَجَاء شَاب فَدَعَاهُ وَمضى ثمَّ جَاءَ صبي فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ مثل فَسَار إِلَى قبر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ أَبُو زرْعَة أشهد أَن هَذَا قبر الْخَلِيل عَلَيْهِ افضل الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا شكّ فِيهِ وَلَا خَفَاء نَقله الْخلف عَن مَا قَالَ مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ إِن نقل الْخلف عَن السّلف أصح الحَدِيث ريث رُبمَا يَقع فِيهِ الْخَطَأ وَالنَّقْل لَا يَقع فِيهِ خطأ وَلَا يطعن فِيهِ إِلَّا صَاحب حَالف ثمَّ قَامَ وَدخل إِلَى دَاخل فصلى الظّهْر ثمَّ رَحل من الْغَد قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الْبناء الْمَقْدِسِي فِي كباب الْبَدَائِع فِي مملك الْإِسْلَام حبري هِيَ قي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِيهَا حصن عمون إِنَّه من بِنَاء الْجِنّ من حِجَارَة عَظِيمَة منقوشة ووسطه فِيهِ حِجَارَة عل قبر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وقبر إِسْحَاق قُدَّام فِي المغطى وقبر يَعْقُوب عِنْد كل نَبِي امْرَأَته وَقد جعل الْحصن مَسْجِدا وَبنى حوله دور من بِهِ واتصلت الْعِمَارَة بِهِ من كل جَانب وَلَهُم قناة مَاء ضَعِيفَة وبهذه الْقرْيَة من مرحلة من كل جَانب قرى وكروم وأعناب وتفاح وعامتها تحمل إِلَى مصر

صُورَة وأجمل وَجه من بني آدم فآنسها وَسكن روعها وبشرها بِولد يكون لَهُ شَأْن عَظِيم وَهُوَ خَلِيل رب الْعَالمين فَلَمَّا ثقل عَلَيْهَا الْحَال قَالَ لَهَا انهضي معي فَقَامَتْ مَعَه وتبعته فَتوجه بهَا حَتَّى أدخلها غاراً هُنَاكَ معمي عَن الْخلق فَلَمَّا دخلت الْغَار وجدت فِيهِ جَمِيع مَا تحتاجه وخفف الله تَعَالَى عَنْهَا الطلق فَوضعت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم التَّسْلِيم لَيْلَة الْجُمُعَة وَكَانَت لَيْلَة عَاشُورَاء وَكَانَ مولده لمضي ألف وَإِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة من الطوفان وَكَانَ الطوفان بعد هبوط آدم عَلَيْهِ السَّلَام بِأَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ واثنين وَأَرْبَعين سنة وَبَين مولد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة أَلفَانِ وَثَمَانمِائَة وَثَلَاث وَتسْعُونَ سنة على اخْتِيَار المؤرخين وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عامنا هَذَا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من مولد سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل إِلَى آخر تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَثَلَاث وَتسْعُونَ سنة وَالِاخْتِلَاف فِي ذَلِك كثير فَلَمَّا سقط إِلَى الأَرْض نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقطع سرته وَأذن فِي أُذُنه وكساه ثوبا أَبيض ثمَّ عَاد بِأُمِّهِ الْملك إِلَى مَكَانهَا وَتركت وَلَدهَا فِي الْغَار وَلما طَالَتْ غيبَة نمروذ عَن أرضه وبلاده عَاد إِلَى تَدْبِير مَا كَانَ قد أهمه فَبَيْنَمَا هُوَ جَالس ذَات يَوْم على سَرِيره وَإِذا هُوَ بالسرير قد انتفض من تَحْتَهُ انتفاضاً شَدِيدا فَسمع نمروذ هاتفاً يَقُول تعس من كفر بآله إِبْرَاهِيم فَقَالَ لآزر هَل سَمِعت مَا سَمِعت؟ قَالَ نعم قَالَ فَمن هُوَ إِبْرَاهِيم؟ قَالَ آزر إِنِّي لَا اعرفه فَأرْسل للسحرة والكهنة يدلوك عَلَيْهِ فَأرْسل نمروذ خلف السَّحَرَة والكهنة وسألهم عَن ذَلِك فَلم يخبروه بِشَيْء مَعَ علمهمْ بِهِ وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم وِلَادَته ثمَّ توالت على نمروذ الهواتف حَتَّى نطقت الوحوش والطيور بِمثل ذَلِك فَكَانَ نمروذ لَا يمر بمَكَان إِلَّا وَيسمع قَائِلا يَقُول تعس من كفر بآله إِبْرَاهِيم فازداد همه وَرَأى رُؤْيا هائلة فِي مَنَامه وَذَلِكَ إِنَّه رأى الْقَمَر قد طلع من ضلع آزر وبقى نوره كالعمود الْمَمْدُود بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَسمع قَائِلا يَقُول قد جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فَنظر إِلَى الْأَصْنَام فَوَجَدَهَا كلهَا منكسة

وَفِي هَذِه الْقرْيَة ضِيَافَة دائمة وطباخ وخباز وخدام مرتبون وهم يقدمُونَ العدس بالزيت لكل من يَأْتِي ويحضر عِنْدهم من الْفُقَرَاء وَيدْفَع إِلَى الْأَغْنِيَاء إِذا أخذُوا حُكيَ الْملك الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل صَاحب حماة فِي تَارِيخه فِي وقائع سنة ثَلَاثَة عشر وَخَمْسمِائة إِن فِي تِلْكَ السّنة ظهر قبر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وقبر ولديه إِسْحَاق وَيَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام أَيْضا بِالْقربِ من بَيت الْمُقَدّس ورآهم كثير من النَّاس لم تبل أَجْسَادهم وَعِنْدهم فِي المغارة قناديل من ذهب وَفِضة وَلم يذكر كَيفَ كَانَ ظُهُور ذَلِك وَفِيه أشكال لِأَن فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور كَانَ بَيت الْمُقَدّس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي يَد الإفرنج وَلَيْسَ للْمُسلمين عَلَيْهَا تكلم وَلَا أعلم هَل كَانَت الإفرنج يُمكن الْمُسلمين من الْبِلَاد حِين استيلائهم عَلَيْهَا؟ وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال (ذكر ختانه وتسروله عَلَيْهِ السَّلَام وشيبته) روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ اختتن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة بالقدوم - وَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد - وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ ربط إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام غرلته وَجَمعهَا إِلَيْهِ وحد قدومه وَضرب عَلَيْهِ بعمود كَانَ مَعَه فندرت بَين يَدَيْهِ بِلَا ألم وَلَا دم وختن إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة وختن إِسْحَاق وَهُوَ ابْن سَبْعَة أَيَّام وَعَن عِكْرِمَة إِنَّه اخنتن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة فَأوحى الله تعال إِلَيْهِ إِنَّك قد أكملت إيمانك إِلَّا بضعَة من جسدك فالقها فختن نَفسه بالفاس , وَسبب ختانه إِنَّه أَمر بِقِتَال العمالقة فَقَاتلهُمْ فَقتل خلق كثير من الْفَرِيقَيْنِ فَلم يعرف إِبْرَاهِيم أَصْحَابه ليدفنهم فَأمر بالختان ليَكُون عَلامَة للْمُسلمِ وختن نَفسه بالقدوم

قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ إِبْرَاهِيم أول من لبس السَّرَاوِيل وَذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام كثير الْحيَاء وَكَانَ من حيائه يستحي أَن ترى الأَرْض مذاكيره فشتكى إِلَى الله عز وَجل فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فهبط عَلَيْهِ بِخرقَة من الحنة ففصلها جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام سَرَاوِيل وَقَالَ لَهُ ادفعها إِلَى سارة - وَكَانَ اسْمهَا سارة - وأمرها أَن تخيطه فَلَمَّا خاطته ولبسه إِبْرَاهِيم قَالَ مَا أحسن هَذَا وَمَا أستره يَا جِبْرِيل؟ فَإِنَّهُ نعم السّتْر لِلْمُؤمنِ فَكَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أول من لبس السَّرَاوِيل وَأول من فصل جِبْرِيل وَأول من خالطه سارة بعد إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كَانَ الرجل يبلغ الْهَرم وَلم يشب وَكَانَ الرجل يَأْتِي الْقَوْم وَفِيهِمْ الْوَالِد وَالْولد فَيَقُول آيكم الْأَب وَمن الأبن؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيم رب اجْعَل لي شَيْئا أعرف بِهِ فَلَا صبح رَأسه ولحيته أبيضين وروى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّه قَالَ أول من سمانا الْمُسلمين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ أول من ضرب بِالسَّيْفِ من الْأَنْبِيَاء وَكسر الْأَصْنَام واختتن وَلبس السَّرَاوِيل والنعلين وَرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة فِيك كل خفض وَرفع وَصلى أول النَّهَار أَربع رَكْعَات جَعلهنَّ عل نَفسه فَسَماهُ الله وفياً فَقَالَ تَعَالَى (وَإِبْرَاهِيم الَّذِي أوف) قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تعال عَنْهُمَا هِيَ الْأَرْبَع فِي أول النَّهَار وَهُوَ أول من أضَاف الضَّيْف وثرد الثَّرِيد وَفرق الشّعْر واستنجى بِالْمَاءِ وقلم الظفر وقص الشَّارِب ونتف الْإِبِط وَهُوَ أول من استاك وتمضض واستنشق بِالْمَاءِ وَحلق الْعَانَة وَأول من صَافح وَعَانَقَ وَقبل بَين الْعَينَيْنِ مَوضِع السُّجُود وَأول من شَاب فَقَالَ مَا هَذَا؟ فَقَالَ الله تَعَالَى هَذَا وقار فَقَالَ إِبْرَاهِيم يَا رب زِدْنِي وقاراً فَمَا برح حَتَّى ابْيَضَّتْ لحيته وَأول من جر الذيل هَاجر امْرَأَته فَصَارَت سنة فِي النِّسَاء فغارت مِنْهَا سارة وَحلفت إِنَّهَا تملأ يَدهَا من دَمهَا فَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام خذيها واختنيها كي تكون ذَلِك سنة بعد كَمَا وتخلصي من يَمِينك فَفعلت فَكَانَت هَاجر أول من اختتن

من النِّسَاء وَإِبْرَاهِيم أول من اختتن من الرِّجَال (ذكر رأفته بِهَذِهِ الْأمة صل الله عَلَيْهِ وَسلم) رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ لقِيت إِبْرَاهِيم لَيْلَة أسرِي بِي فَقَالَ لي يَا مُحَمَّد أقرى أمتك مني السَّلَام وَقل لَهُم إِن الْجنَّة طيبَة التربة عذب المَاء وَإِنَّهَا قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد الله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَفِي رِوَايَة فَرَأَيْت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل فَرَحَّبَ بِي سهل ثمَّ قَالَ لي مر أمتك فليكثروا من غراس الْجنَّة فَإِن تربَتهَا طيبَة وأرضها وَاسع فَقَالَ وَمَا غراس الْجنَّة؟ فَقَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي رِوَايَة فَقَالَ أبي إِبْرَاهِيم مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي الَّذِي بلغ رِسَالَة ربه ونصح لامته يَا نَبِي إِنَّك لَاق رَبك اللَّيْلَة وَأَن أمتك هِيَ آخر الْأُمَم وأضعفها فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون حَاجَتك أَو جلها فِي أمتك فافعل (ذكر ضِيَافَة وإكرامه للضيف وأخلاقه الْكَرِيمَة) ورو أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل خرج ميلًا أَو ميلين يلْتَمس من يَأْكُل مَعَه وَكَانَ يكنى بِأبي الضيفان ولصدق نِيَّته فِي الضِّيَافَة دَامَت ضيافته فِي مشهده إِلَى يَوْمنَا هَذَا فَلَا ينقصني يَوْم وَلَا لَيْلَة إِلَّا وَيَأْكُل عِنْده جمَاعَة وَحكي إِن رجلا شرِيف الْقدر من أهل دمشق ذَا وجاهة كَانَ يزور الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي كل حِين وَكَانَ يُؤْتى بالضيافة الَّتِي جرت الْعَادة بهَا لزواره فيردها وَلَا يَأْكُل مِنْهَا شَيْئا فجَاء مرّة وَهُوَ ملهوف وَجعل يطْلبهَا ويجد فِي طلبَهَا حَتَّى قيل إِنَّه كَانَ يتتبع مَا بقى فِي القصع ويلتقط مَا يجد من لباب الْخبز وفتاته فيأكله فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت الْخَلِيل صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي مَا أكلت ضيافتنا فَنحْن مَا قبلنَا مِنْك زيارتك رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ إِن الله تَعَالَى وسع على إِبْرَاهِيم

الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي المَال والخدم فَاتخذ بَيْتا لضيافته وَجعل لَهُ بَابَيْنِ يدْخل الْغَرِيب أَن أَحدهمَا وَيخرج من الآخر وَوضع فيذلك الْبَيْت كسْوَة للشتاء وَكِسْوَة للصيف مائدة مَنْصُوبَة عَلَيْهَا طَعَام فيأكل الضَّيْف ويلبس أَن كَانَ عُريَانا وَإِبْرَاهِيم يجدد كل حِين مثل ذَلِك وَرُوِيَ إِن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما قرب الْعجل إِلَى الضيوف وَرَأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ قَالَ لم لَا تَأْكُلُونَ؟ قَالُوا لَا نَأْكُل طَعَاما إِلَّا بِثمنِهِ قَالَ ليسمعكم ثمنه؟ قَالُوا وَأَنِّي لنا ثمنه؟ قَالَ تسمون الله تبَارك وتعال إِذا أكلْتُم تحمدونه وَإِذا فَرَغْتُمْ قَالُوا سُبْحَانَ الله لَو كَانَ يَنْبَغِي لله أَن يتَّخذ خَلِيلًا من خلقه تخذك يَا أَبَا إِبْرَاهِيم خَلِيلًا فَاتخذ الله تعال إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَقيل إِن الْمَلَائِكَة لما رَأَتْ ازدياد إِبْرَاهِيم فِي الْخَيْر وإقبال الدُّنْيَا عَلَيْهِ وَلم يشْغلهُ لَهُ عَن الله طرفه عين تعجبت من ذَلِك وَقَالَت إِن ظَاهره حسن وَإنَّهُ لَا يُؤثر على ربه شَيْئا فَهَل هُوَ فِي قلبه هَكَذَا؟ فَعلم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَلِك مِنْهُم قبل تكلمُوا بِهِ فَأمر الله ملكَيْنِ من إجلاء الْمَلَائِكَة - وَقيل إنَّهُمَا جِبْرِيل وميكائل عَلَيْهِمَا السَّلَام - إِن ينزلا عَلَيْهِ ويستضيفاه ويذكراه بربه ويرفعا صوتهما عِنْده بالتسبيح لتقديس الله تعال فَنزلَا عل صُورَة بني آدم فَسَأَلَاهُ الْأذن لَهما فِي الْمبيت عِنْده إِذن لَهما وَأكْرم نزلهما وَرفع مَحلهمَا فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل - وَهُوَ يسامرهما فِي الْكَلَام - إِذْ رفع أَحدهمَا صَوته قَالَ سُبْحَانَ ذِي الْملك والملكوت ثمَّ رفع الآخر صَوته وَقَالَ سُبْحَانَ الْملك القدوس - بِصَوْت لم يسمع مثله - قَالَ فأغمى على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَلم يملك نَفسه من الوجد والطرب ثمَّ أَفَاق بعد سَاعَة وَقَالَ لَهما أعيدا عل ذكركما فَقَالَا أَنا لم نَفْعل حَتَّى تجْعَل لنا شَيْئا مَعْلُوما فَقَالَ لَهما خذا مَا تختارا من مَالِي إِلَّا لَهُ أعطنا مَا شِئْت فَقَالَ لَكمَا جَمِيع مَالِي من الْغنم - وكامن شَيْئا كثيرا - ورضيا بذلك ثمَّ رفعا صوتهما وَقَالا كالأولى فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق وَعلم إنَّهُمَا

لَا يَقُولَانِ شَيْئا إِلَّا بِمَعْلُوم قَالَ لَكمَا جَمِيع مَالِي من الْبَقر فرضينا أعادا وَلم يَزَالَا يكرران عَلَيْهِ الذّكر ويتحلى بِهِ وَهُوَ يسْتَغْرق فِي لذاته حَتَّى أعطاهما جَمِيع مجوداته من مَاله وَأَهله وَلم يبْق إِلَّا نَفسه فَبَاعَهَا لَهما وَرَضي أَن يكون فِي رقهما وَجعل فِي عُنُقه شداداً وسلمهما نَفسه وَقَالَ لَهما لعلكما أَن تجودا عَليّ بِالذكر مرّة أُخْرَى فَلَمَّا رَأيا مِنْهُ ذَلِك قَالَا لَهُ بِحَق لَك أَن يتخذك الله خَلِيلًا ثمَّ حكيا لَهُ مَا كَانَ من الْمَلَائِكَة فَتَبَسَّمَ وَقَالَ حسبي الله وَنعم الْوَكِيل ثمَّ قَالَا لَهُ أمسك عَلَيْك مَالك بَارك الله لَك وَعَلَيْك وعَلى ذريتك فَمن الله عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بإبقاء ذُريَّته وسماطه وزاده بركَة وَخيرا سماطه ممدوداً من يَوْمه إِلَى يَوْمنَا هَذَا جعله الله دَائِما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما أخلاقه الْكَرِيمَة فقد سَمَّاهُ الله تَعَالَى حَلِيمًا أواهاً منيباً والحليم الرشيد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب والأواه الَّذِي يكثر التأوه من الذُّنُوب والمنيب الْمقبل عل ربه عز وَجل فِي شَأْنه كُله روى الثَّعْلَبِيّ عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي ذري الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رَسُول الله كم منَّة كتاب انْزِلْ الله عز وَجل؟ قَالَ رَسُول الله انْزِلْ الله تَعَالَى مائَة كتاب وَأَرْبَعَة كتب انْزِلْ تَعَالَى عل دم عَلَيْهِ السَّلَام عشر صَحَائِف وعَلى إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عشر صَحَائِف وعَلى شِيث خمسين صحيفَة وعَلى إِدْرِيس ثَلَاثِينَ صحيفَة وَانْزِلْ الله تَعَالَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا كَانَت صحف إِبْرَاهِيم؟ قَالَ كَانَت أَمْثَالًا " أَيهَا الْملك الْمَغْرُور المبتلي إِنِّي لم أَبْعَثك لِتجمع الدُّنْيَا بَعْضهَا إِلَى بعض وَلَكِن بَعَثْتُك لتنصر دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنِّي لَا أردهَا وَأَن كَانَت من كَافِر " وَكَانَ فِيهَا أَمْثَال كثير (مِنْهَا) وعل الْعَاقِل مَا لم يكن مَغْلُوبًا عل عقله أَن يكون لَهُ سَاعَات سَاعَة يُنَاجِي فِيهَا ربه ويتفكر فِي صنع الله وَسَاعَة يُحَاسب نَفسه فِيمَا قدم وَأخر

سَاعَة يَخْلُو فِيهَا بحاجته من الْحَلَال لَا من الْحَرَام فِي المعطوم والمشروب وَغَيرهمَا على الْعَاقِل أَن يكون بَصيرًا بِزَمَانِهِ عل شَأْنه حَافِظًا لِلِسَانِهِ وَمن علم أَن عَلامَة من عمله قل كَلَامه إِلَّا فِيمَا يُعينهُ وَالله أعلم (معنى الْخلَّة) أصل الْخلَّة الاستصفاء وَسمي إِبْرَاهِيم خَلِيل الله لِأَنَّهُ يوالي فِي الله ويعادي الله وخلة الله لَهُ نَصره وَجعله إِمَامًا لمن بعده والخليل أَصله الْفَقِير الْمُحْتَاج يَنْقَطِع مَأْخُوذ من الْخلَّة وَهِي الْحَاجة سمي بهَا لِأَنَّهُ قصر حَاجته على ربه وَانْقطع بِهِ بهمته وَلم يَجْعَل لَهُ وليا غَيره حَيْثُ قَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام - وَهُوَ فِي المنجنيق وَرمى بِهِ فِي النَّار - أَلَك حَاجَة؟ فَقَالَ أما إِلَيْك فَلَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ لجبريل يَا جِبْرِيل لم أَتَّخِذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا؟ قَالَ لَا طَعَامه الطَّعَام وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّه صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيهَا النَّاس إِن الله تعال قد اتَّخَذَنِي لَيْلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَاخْتلف فِي تَفْسِير الْخلَّة واشتقاقها فَقيل الْخَلِيل ينقطعه إِلَى الله تَعَالَى الَّذِي ليسس لَهُ فِي انْقِطَاعه إِلَيْهِ ومحبته لَهُ اختلال وَاخْتلف أَيْضا من الْخلَّة والمحبة بِمَعْنى وَاحِد؟ أَو أَحدهمَا أرفع من الْأُخْرَى؟ فَقيل هما بِمَعْنى أحد والحبيب خَلِيل وَعَكسه وَلَكِن خص إِبْرَاهِيم بالخلة وَمُحَمّد بالمحبة وَقيل الْخلَّة أرفع للْحَدِيث الْوَارِد عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يتَّخذ أَبَا بكر خَلِيلًا وَأطلق على نَفسه شريفة الْمحبَّة لَهُ ولعائشة ولفاطمة وابنيها وَأُسَامَة وَغَيرهم وَالْأَكْثَر على الْمحبَّة أرفع لِأَن دَرَجَة نَبينَا الحبيب صل الله عَلَيْهِ وَسلم أرفع من دَرَجَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صل الله عَلَيْهِ وَسلم وأصل الْمحبَّة الْميل إِلَى مَا يُوَافق مَحْبُوب وَهَذَا فِيمَن يَتَأَتَّى مِنْهُ الْميل وَهِي دَرَجَة المخلوقين وَأما الْخَالِق جلّ جَلَاله فمنزه

عَن ذَلِك فمحبته لعَبْدِهِ تَمْكِينه من سعادته وعصمته وتوفيقه لطاعته وأفاضة رَحمته عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (ذكر وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام) قد تقدم إِن بَين الْهِجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة المحمدية ومولده عَلَيْهِ السَّلَام أَلفَيْنِ وَثَمَانمِائَة سنة وَثَلَاثًا وَتِسْعين سنة عل اخْتِيَار المؤرخين وَاخْتلف فيعمره فَقيل إِن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَاشَ مائَة وخمساً وَسبعين سنة وَهُوَ الَّذِي ذكره الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماه فِي تَارِيخه وَقيل مائَة وخمساً وَتِسْعين وَقيل مِائَتي سنة وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين مرّة قَالَ أهل السّير لما أَرَادَ الله عز وَجل قبض روح خَلِيله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أرسل إِلَيْهِ ملك الْمَوْت فِي صُورَة رجل شيخ هرم قَالَ الثَّعْلَبِيّ قَالَ السّديّ بِإِسْنَادِهِ قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيم كثير الْإِطْعَام يطعم النَّاس ويضيفهم فَبَيْنَمَا هُوَ يطعم النَّاس إِذا هُوَ بشيخ كَبِير يمشي فِي الْحرَّة فَبعث إِلَيْهِ رجلا بحماره وأركبه حَتَّى أَتَاهُ وأطعمه فَجعل الشَّيْخ يَأْخُذ اللُّقْمَة ليدخلها فَاه فيدخلها فِي عينه وَتارَة فِي أُذُنه ثمَّ يدخلهَا فَاه فَإِذا حصلت فِي جَوْفه خرجت من دبره - وَكَانَ إِبْرَاهِيم قد سَأَلَ ربه إِن لَا يقبض روحه حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَله الْمَوْت - فَلَمَّا رأى حَال الشَّيْخ قَالَ لَهُ يَا شيخ مَالك تصنع هَكَذَا؟ قَالَ يَا إِبْرَاهِيم من الْكبر فَقَالَ ابْن كم أَنْت يَا شيخ؟ قَالَ فَزَاد عل عمر إِبْرَاهِيم سنتَيْن فَقَالَ إِبْرَاهِيم أَنا بيني وَبَيْنك سنتَانِ فَإِذا بلغت ذَلِك سرت مثلك قَالَ نعم فَقَالَ إِبْرَاهِيم اللَّهُمَّ اقبضي إِلَيْك قبل ذَلِك فَقَامَ الشَّيْخ وَقبض روح إِبْرَاهِيم وَكَانَ ملك الْمَوْت صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِمَا وَحكي غير ذَلِك فَيكون بَين وَفَاة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَالْهجْرَة النَّبَوِيَّة على القَوْل الأول فيعمره الَّذِي ذكره صَاحب حماه أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَثَمَانِية عشر سنة ومض من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة

إِلَى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة فَيكون الْمَاضِي من وَفَاة إِبْرَاهِيم إِلَى سنة مائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ثَلَاثَة آلَاف سنة وسِتمِائَة وثمان عشرَة سنة وَقيل ذَلِك وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أول من يكسي يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام بخلته ثمَّ أَنا بصفوتي بن أبي طَالب يزف بيني وَبَين إِبْرَاهِيم الْخَلِيل زفاً إِلَى الْجنَّة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يكسي من الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وروى يإنه قَالَ يحْشر يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة عزلا فَيَقُول الله تَعَالَى يرى خليلي عُريَانا فيكسي ثوبا ابيض فَهُوَ أول من يكسي يَوْم الْقِيَامَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ذكر قصَّة الاسكندر) (وَكَانَ فِي زمن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام) الاسكندر الْمَشْهُور بِذِي القرنين الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن هُوَ من ذُرِّيَّة عَلَيْهِ السَّلَام وَمِمَّا ورد فِي أمره إِنَّه إِنَّمَا سمي بِذِي القرنين لِأَنَّهُ كَانَ عبدا بَعثه الله عز وَجل إِلَى قومه وَلم يكن نَبيا فضربوه على قرنه فَمَاتَ فأحياه على ثمَّ بَعثه مرّة أُخْرَى إِلَيْهِم فضربوه على قرنه فَمَاتَ فأحياه الله فَسُمي قرنين وَقيل غير ذَلِك وَتُوفِّي الاسكندر بِنَاحِيَة السوَاد فِي مَوضِع يُقَال لَهُ شهرروز بعد أَن عِنْد حَتَّى انْتهى إِلَى الْبَحْر الْمُحِيط فهال ذَلِك مُلُوك الغرب فوفدت عَلَيْهِ رسلهم وَالطَّاعَة وَدخل الظُّلُمَات مِمَّا يَلِي القطب الشمالي فِي بَحر الشَّمْس فِي أَرْبَعمِائَة من أَصْحَابه يطْلب عين الْحَيَاة فَلم يصبهَا فَسَار فِيهِ ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَبني اثْنَي

عشر مَدِينَة سَمَّاهَا كلهَا بالإسكندرية وَلما مَاتَ عرض الْملك بعده على انه فَأبى وَاخْتَارَ النّسك وَالْعِبَادَة وَكَانَت مُدَّة تملكه اثْنَتَيْ عشر سنة وَقيل ثَلَاثَة عشر سنة وَقيل أَرْبَعَة عشر سنة وَكَانَ عمره سِتا وَثَلَاثِينَ سنة بالِاتِّفَاقِ وَالله اعْلَم (ذكر بِنَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الحير الَّذِي عل المغارة بِوَحْي من الله تَعَالَى) رُوِيَ أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لما فرغ من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس أُوحِي الله تَعَالَى إِلَيْهِ يَا بن دَاوُد ابْن عل قبر خَلِيل يحيراً حَتَّى يكون لمن يَأْتِي من بعْدك لكَي يعرف فَخرج سُلَيْمَان وَبَنُو إِسْرَائِيل من بَيت الْمُقَدّس حَتَّى قدم أَرض كنعان وَطَاف فَلم يصبهُ فَرجع إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَأُوحي الله تَعَالَى إِلَيْهِ يَا سُلَيْمَان خَالَفت أَمْرِي فَقَالَ يَا رب قد بِعني الْموضع فأوح الله إِلَيْهِ امْضِ فَإنَّك ترى نورا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَإِنَّهُ مَوضِع قبر خليلي إِبْرَاهِيم فَخرج سُلَيْمَان مرّة ثَانِيَة فَنظر وَأمر الْجِنّ فبنوا فِي الْموضع الَّذِي يُقَال لَهُ الرامة وَهُوَ بِالْقربِ من مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام من جِهَة الشمَال قبلي قَرْيَة حلحول الَّتِي بهَا قبر يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فَأوحى الله تعال إِلَيْهِ إِن هَذَا لَيْسَ هُوَ الْموضع وَلَكِن انْظُر إِلَى النُّور المتدلي من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَابْن فَخرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَنظر فَإِذا النُّور عل بقْعَة من بقاع حبرون فَعلم إِن ذَلِك هُوَ الْمَقْصُود فَبنِي الحير عل الْبقْعَة وَسَنذكر وصف هَذَا الْبناء وذرعه طولا وعرضاً بعد أَن شَاءَ الله تَعَالَى وَيَأْتِي ذكر مَا مضى من تَارِيخ بِنَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس فِي علم مِنْهُ تَارِيخ بِنَاء الحير على مقَام سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

(ذكر فضل سيدنا الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام وفضل زيارته)

(ذكر فضل سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفضل زيارته) قد نَص الله تعال فِي كِتَابه الْعَزِيز عل فَضله فِي قَوْله تعال (وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا) إِلَى غير ذَلِك مِمَّا أنزل الله فِي حَقه من الْآيَات الْمَخْصُوصَة بِهِ وَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ جَاءَ إِلَى النَّبِي صل الله علبه وَسلم فَقَالَ لَهُ يَا خير النَّاس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي رِوَايَة مُسلم قَالَ لَهُ يَا خير الْبَريَّة قَالَ ذَلِك إِبْرَاهِيم وَرُوِيَ عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم أنهه قَالَ لما اسري بِي إِلَى بَيت الْمُقَدّس سر بِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عل قبر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لي انْزِلْ فصل رَكْعَتَيْنِ هَاهُنَا فَإِن هَاهُنَا قبر أبي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من لم يُمكنهُ زيارتي فليزر قبر أبي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَعَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ أَكْثرُوا من الزِّيَارَة إِلَيّ قبر رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وأظهروا الصَّلَاة عيه وعَلى صَاحِبيهِ أبي بكر وَعمر رضوَان الله عَلَيْهِمَا قبل أَن تمَتَّعُوا ذَلِك ويحال بَيْنكُم وَبَين ذَلِك بالفتن وَفَسَاد السبل فَمن منع ذَلِك أَو حيل بَينه وَبَين الزِّيَارَة إِلَى قبر رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فليجعل رحلته وأتيانه إِلَى قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وليظهر الصَّلَاة عَلَيْهِ وليكثر من الدُّعَاء عِنْده فَإِن الدُّعَاء عِنْد قبر سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل مستجاب وَلم يتوسل بِهِ أحد إِلَّا الله فِي شَيْء إِلَّا أَجَابَهُ وَلم يبرح من مَكَانَهُ حَتَّى يرى الْإِجَابَة فِي ذَلِك عَاجلا أَو آجلاً (قلت) وَهَذَا مِمَّا لَا شلك فِيهِ فَإِنِّي جربته فِي أَمر وَقع لي من أُمُور الدُّنْيَا فَكنت أتوقع الْهَلَاك مِنْهُ فتوجهت من بَيت الْمُقَدّس إِلَى بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي ضَرُورَة اقْتَضَت سَفَرِي فَلَمَّا أَن دخلت مَسْجده وَدخلت إِلَى الضريح الْمَشْهُور

بِأَنَّهُ قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام تعلّقت بأستاره ودعوت الله تَعَالَى فِيمَا كنت أرجوه فَمَا كَانَ بأسرع من أَن فرج الله عني كربتي ولطف بِي وأزال عني كلما أزعجني فَللَّه الْحَمد سُبْحَانَهُ وَحكي عَن رجل من أهل بعلبك إِنَّه قَالَ زرنا قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ مَعنا رجل مُغفل من أهل بعلبك فسمعناه وَقد زار الْقَبْر وَهُوَ يبكي وَيَقُول حَبِيبِي إِبْرَاهِيم رَبك يَكْفِينِي فلَانا وَفُلَانًا فَإِنَّهُم يؤذينني وَنحن نضحك مِنْهُ ونتعجب ثمَّ رَجعْنَا بعد مد إِلَى يافه فوصل قَارب من بيروت وَفِيه رجل من أهل بعلبك فَأخْبرنَا أَن الثَّلَاثَة الَّذين سماهم مَاتُوا (الفول فِي آدَاب الزِّيَارَة) يسْتَحبّ لمن قصد زِيَارَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يقطع عَن الذُّنُوب وَأَن يَتُوب إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا ثمَّ يَنْوِي زيارته وَيتَوَجَّهُ نَحوه بعزم ورغبة وَيكثر فِي الطَّرِيق من الصَّلَاة عَلَيْهِ وعَلى سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ فَإِذا أُتِي بَاب الْمَسْجِد وقف يَسِيرا ثمَّ يقدم رجله الْيمن وَيَدْعُو بِمَا يسْتَحبّ أَن يَدعِي بِهِ إِذا دخل الْمَسَاجِد ثمَّ يَقُول بِسم الله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَافْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّة الْمَسْجِد ثمَّ يقْصد قبر سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فيقف عل بَاب حجرته مطرقاً رَأسه ثمَّ يسْتَغْفر الله تَعَالَى وَيُصلي على نبيه مُحَمَّد صل الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَقُول السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَإنَّك عبد الله وَرَسُوله وخليله جَزَاك الله عَنَّا خيرا كَمَا هُوَ أَهله ثمَّ يَقُول صلوَات الله الْبر الرَّحِيم وَالْمَلَائِكَة المقربين والأنبياء وَالْمُرْسلِينَ وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ من أهل السَّمَاوَات وَأهل الأرضيين عَلَيْك يَا أَبَا الْأَنْبِيَاء

صلى الله وعل ولدك السَّيِّد الْكَامِل الفاتح الْخَاتم سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّد فِي حبيب رب الْعَالمين وعل آلكما وأصحابكما كَمَا ذكر كَمَا الذاكرون وغفل عَن كَمَا الغافلون ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ من خيري الدُّنْيَا الْآخِرَة ثمَّ يلْتَفت نَحْو السيدة سارة وَيَقُول السَّلَام عَلَيْكُم أهل بَيت النُّبُوَّة ومعدن الرسَالَة وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ يَقُول (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل ويطهر كم تَطْهِيرا) ثمَّ يتَوَجَّه إِلَى قبر السَّيِّد إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام وَيَقُول السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَيَدْعُو عِنْده بِمَا شَاءَ ثمَّ يلْتَفت عَن شِمَاله وَيسلم على زَوجته السيدة الجليلة ربقة وَيَقُول السَّلَام عل أهل بَيت النُّبُوَّة ومعدن الرسَالَة وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ يمْضِي بأدب وَسُكُون ويقصد السَّيِّد الْجَلِيل نَبِي الله يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام عِنْده كَمَا فعل عِنْد إِسْحَاق أَبِيه وَكَذَلِكَ عِنْد زَوجته السَّيِّد ليقا ثمَّ يقْصد نَبِي الله يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام وَيفْعل كَمَا فعل ثمَّ يقْصد شباك سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذِي تجاه قبر يَعْقُوب وَيقف بِرَبّ الْقرب مِنْهُ وَيسلم وَيَدْعُو الله بِمَا شَاءَ فَإِن الدُّعَاء هُنَاكَ مستجاب ثمَّ يتَوَجَّه إِلَى الله تعال بِجَمِيعِ أنبيائه خُصُوصا بِسَيِّد الْأَوَّلين والآخرين وَجهه ويمضي مَسْرُورا مَقْبُولًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى كل مَا ذكره الْعلمَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فِي مناسكهم مِمَّن آدَاب الزِّيَارَة لنَبِيّ صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ سَائِغ فِي حق هَذَا النَّبِي الْكَرِيم خَلِيل الله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ وعل جَمِيع أَوْلَاده الأكرمين

(فصل في حكم السور السليماني)

(فصل فِي حكم السُّور السُّلَيْمَانِي) وَهُوَ الْبناء الْمَنْسُوب لسيدنا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الْمُحِيط بِقَبْر سيدنَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قد صَار مَسْجِدا وَثَبت لَهُ أَحْكَام الْمَسَاجِد وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام رَأسه عِنْد الصَّخْرَة الشريف وَرجلَاهُ عِنْد مَسْجِد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَسَماهُ مَسْجِدا وَفِي رِوَايَة أَن قَبره فِي مغارة بَيت الْمُقَدّس ومسجداً إِبْرَاهِيم الْخَلِيل رِجْلَاهُ عِنْد الصَّخْرَة وَرَأسه عِنْد مَسْجِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذا كَانَ مَسْجِدا جَازَ الدُّخُول إِلَيْهِ وَسَماهُ السُّبْكِيّ وَكتب بِخَطِّهِ فِي آخر جُزْء حَدِيث يُسمى تحفة أهل الحَدِيث فِي سَمَاعه عل الشَّيْخ برهَان الدّين الجعبري وَذكر جمَاعَة سَمِعُوهُ مَعَه بِالْحرم ثمَّ قَالَ وَصَحَّ وَثَبت فِي يَوْم السبت ثامن عشر صفر سنة ثَمَان وَسَبْعمائة بحرم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأطلق عل المشهد الْمَذْكُور حرما وَكَلَامه صَرِيح فِي إِنَّه دخله هُوَ وَالشَّيْخ برهَان الدّين الجعبري والسامعون مَعَه فَدلَّ عل جَوَاز دُخُوله وَعمل النَّاس الْيَوْم عل دُخُوله وزيارتهم للقبور الشَّرِيفَة وَالْوُقُوف عِنْد لإشارات الَّتِي عَلَيْهَا وَصَلَاة الْجَمَاعَة وَالْجَمَاعَات هُنَاكَ فَإِنَّهُ بني بِهِ محراب شرِيف وَوضع إِلَى جَانِبه مِنْبَر وَقد مُضِيّ على ذَلِك أزمنة متطاول وَالْعُلَمَاء وأئمة الْإِسْلَام مطلعون عل ذَلِك وَقد اقره الْخُلَفَاء وملوك الْإِسْلَام وَلم يُنكره مُنكر فَصَارَ كالإجماع وَإِذا تقرر هَذَا ثبتَتْ لَهُ أَحْكَام الْمَسَاجِد من جَوَاز الِاعْتِكَاف فِيهِ وَتَحْرِيم الْمكْث عل الْحَائِض وَالْجنب فِيهِ وَفعل التَّحِيَّة وَلَا يُقَال إِنَّه مَقْبرَة فَإِن الْأَنْبِيَاء الَّذين فِيهِ صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِم أَحيَاء فِي قُبُورهم وَأما النِّسَاء فعلى خلاف فِيهِ وَالله أعلم (ذكر ذرعه طولا وعرضاً) وَهَذَا الْمقَام الْكَرِيم الَّذِي هُوَ دَاخل السُّور السُّلَيْمَانِي طوله فِي سعته قبْلَة بشمال من صدر الْمِحْرَاب الَّذِي عِنْد الْمِنْبَر إِلَى صدر المشهد الَّذِي بِهِ ضريح سيدنَا يَعْقُوب عَلَيْهِ

السَّلَام ثَمَانُون ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل ينقص يَسِيرا نَحْو نصف ذِرَاع أَو ثُلثي ذِرَاع تَقْرِيبًا وَعرضه شرقاً بغرب من السُّور الَّذِي بِهِ بَاب الدُّخُول إِلَى صدر الرواق الغربي الَّذِي بِهِ شباك يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى ضريح سيدنَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أحد وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَيزِيد على ذَلِك يَسِيرا نَحْو ثلث ذراعه أَو نصف ذِرَاع تَقْرِيبًا بِذِرَاع الْعَمَل الْمَذْكُور وَهُوَ الذِّرَاع الَّذِي تذرع بِهِ الأنبية فِي عصرنا هَذَا وسمك السُّور ثَلَاثَة أَذْرع وَنصف من كل جَانب وعدة مداميكة فِي الْبناء خَمْسَة عشر مدماكا من أعل الْأَمَاكِن وَهُوَ الَّذِي عِنْد بَاب القلعة من جِهَة الغرب إِلَى الْقبْلَة وارتفاع الْبناء عَن الأَرْض من الْمَكَان الْمَذْكُور سِتّ وَعِشْرُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل غير الْبناء الرُّومِي الَّذِي فَوق السُّلَيْمَانِي وَمن جمل الْأَحْجَار بِالْبِنَاءِ السُّلَيْمَانِي حجر عِنْد مَكَان الطبلخانه طوله أحد عشر ذِرَاعا بِالْعَمَلِ وَعرض كل مدماك من الْبناء السُّلَيْمَانِي نَحْو ذِرَاع وثلثي ذِرَاع بالعملي وعل الصُّور الْمَذْكُور منارتان إِحْدَاهمَا من جِهَة الشرق مِمَّا يَلِي الْقبْلَة وَالثَّانِي من الغرب مِمَّا يَلِي الشمَال وبناؤهما فِي غَايَة اللطف وَأما صفة الْبناء الْمَوْجُود بداخل السُّور على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي عصرنا وَقد صَار مَسْجِد كَمَا تقدم القَوْل فه فَهُوَ يشْتَمل عل بِنَاء مَعْقُود من دَاخل السُّور على نَحْو النّصْف من جِهَة الْقبْلَة إِلَى جِهَة الشمَال وَالْبناء من عهد الرّوم وَهُوَ ثَلَاثَة أكوار الْأَوْسَط مِنْهَا مُرْتَفع عَن الكورين الملاصقين لَهُ من جِهَة الْمشرق وَالْمغْرب والسقف مُرْتَفع على أَرْبَعَة أسوار محكمَة الْبناء وبصدر هَذَا الْبناء الْمَعْقُود تَحت الكور الْأَعْلَى الْمِحْرَاب وَإِلَى جَانِبه الْمِنْبَر وَهُوَ من الْخشب فِي غَايَة الإتقان وَالْحسن وَهَذَا الْمِنْبَر عمل فِي زمن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي تَمِيم معد الفاطمي خَليفَة مصر بِأَمْر بدر الجمالي مُدبر دولته برسم مشْهد عسقلان الَّذِي زعمت الفاطمية أَن بِهِ رَأس الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ عمل الْمِنْبَر فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَعَلِيهِ تَارِيخ عمله مَكْتُوب بالكوفي وَالظَّاهِر إِن الَّذِي نَقله وَوَضعه بِمَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام الْملك النَّاصِر

صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب رَحمَه الله لما هدم عسقلان وَهَذَا الْمِنْبَر وجود إِلَى عصرنا هَذَا ويقابل ذَلِك دكة المؤذنين عل عمد من رُخَام فِي غَايَة الْحسن والرخام مستدير عل حيطان الْمَسْجِد من الْجِهَات الْأَرْبَع وَهُوَ من عمَارَة تنكر نَائِب الشَّام فِي سلطنة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة والقبور الشَّرِيفَة بداخل السُّور مِنْهَا تَحت الْبناء الْمَذْكُور قبر سيدنَا إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى جَانب السارية الَّتِي عِنْد الْمِنْبَر ويقابله قبر زَوجته ربقة إِلَى جَانب الساري الشرقية وَهَذَا الْبناء لَهُ ثَلَاثَة أَبْوَاب تَنْتَهِي إِلَى صحن الْمَسْجِد أَحدهمَا وَهُوَ الْأَوْسَط يَنْتَهِي إِلَى الحضرة الشَّرِيفَة الخليلية وَهُوَ مَكَان مَعْقُود والرخام مستدير عل حيطانه الْأَرْبَعَة وَبِه إِلَى جِهَة الغرب الْحُجْرَة الشَّرِيفَة الَّتِي بداخلها الْقَبْر الْمَنْسُوب لسيدنا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ويقابله من جِهَة الشرق قبر زَوجته سارة وَالْبَاب الثَّانِي من جِهَة الشرق عِنْد بَاب السُّور السليمان يخلف قبر سارة وَالْبَاب الثَّالِث من جِهَة الغرب خلف قبر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَإِلَى جَانب محراب الْمَالِكِيَّة وَيَنْتَهِي هَذَا الْبَاب إِلَى الرواق وَفتح هَذَا الْبَاب وَعمر محراب الْمَالِكِيَّة الْأَمِير شهَاب الدّين اليغموري نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة فِي دولة الْملك الظَّاهِر برقوق وَفتح الشباك بالسور السُّلَيْمَانِي المتوصل مِنْهُ إِلَى مقَام السَّيِّد يُوسُف الصّديق وَعمر الاورقة مَكَان القلال الَّتِي كَانَت هُنَاكَ ورتب قِرَاءَة سبع وشيخاً لقِرَاءَة البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان سنّ سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وبأخر الساحة الَّتِي بداخل السُّور السُّلَيْمَانِي من جِهَة الشمَال الضريح الْمَنْسُوب لسيدنا يَعْقُوب وَهُوَ من جِهَة الغرب بحذاء قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ويقابله مكن جِهَة الشرق قبر زَوجته ليقا وصحن الْمَسْجِد المكشوف تَحت السَّمَاء بَين مقَام الْخَلِيل ومقام يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام والقباب المبنية عل الأضرحة المنسوبة للخليل وَزَوجته سارة وَيَعْقُوب وَزَوجته ليقا أخْبرت إِنَّهَا من بِنَاء بني أُميَّة وَجَمِيع الأَرْض الَّتِي بداخل السُّور مِمَّا هُوَ تَحت

الأسقف وبالساحة السماوية مفروشة بالبلاط السُّلَيْمَانِي الَّذِي رُؤْيَته من الْعَجَائِب لكبره وهيئته وبجوار قبر الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام من دَاخل الْبناء الْمَعْقُود سفل الأَرْض مغارة تعرف بالسرادب بداخلها بَاب لطيف يَنْتَهِي إِلَى الْمِنْبَر وَقد نزل إِلَيْهِ بعض الخدام من مُدَّة قريبَة نَحْو السّنة لسَبَب أوجب ذَلِك وَهُوَ إِن شخصا معتوه من الْفُقَرَاء سقط فِيهِ فَنزل إِلَيْهِ جمَاعَة من الخدام ودخلوا من هَذَا الْبَاب فَانْتهى بهم الْحَال إِلَى الْمِنْبَر تَحت الْقبَّة الَّتِي عل عمد الرخام بجوار بَيت الخطابة وَأَخْبرنِي الَّذِي نزل أَنه عاين سلما من حجر عدته خَمْسَة عشر دَرَجَة مَبْنِيّ عِنْد آخر هَذَا المغارة من جِهَة الْقبْلَة وَقد سد بِالْبِنَاءِ من آخِره فَالظَّاهِر إِن هَذَا الْبَاب كَانَ عِنْد الْمِنْبَر مِنْهُ يتَوَصَّل إِلَى السراداب وبظاهر السُّور السُّور السُّلَيْمَانِي من جِهَة الشرق مَسْجِد فِي غَايَة الْحسن وَبَين السُّور السُّلَيْمَانِي وَهَذَا الْمَسْجِد الدهليز وَهُوَ مَعْقُود مستطيل عَلَيْهِ الآبهة وَالْوَقار وَالَّذِي عمر هَذَا الدهليز وَالْمَسْجِد الْأَمِير أَبُو سعيد سنجر الجاولي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة فَعرف هَذَا الْمَسْجِد بالجاولية وَهُوَ من الْعَجَائِب قطع فِي جبل وَيُقَال إِنَّه كَانَ مَقْبرَة يهود عل هَذَا الْجَبَل فَقَطعه الجاولي وجوفه وَبنى السّقف عَلَيْهِ الْقبَّة وَهُوَ مُرْتَفع عل اثْنَي عشر سَارِيَة قَائِمَة فيوسطه وقرش أَرض الْمَسْجِد حيطانه وسوارية بالرخام وَعمل شبابيك حَدِيد على آخِره من جِهَة الغرب وَهَذَا لمَسْجِد طوله من البلة بشام ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَعرضه شرقاً بغرب خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل وَكَانَ الِابْتِدَاء فِي عمَارَة هَذَا الْمَسْجِد فِي ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْ عشرَة وانتهت الْعِمَارَة فِي ربيع الآخر سنة عشْرين وَسَبْعمائة فِي دولة الْملك نَاصِر مُحَمَّد بن قلاوون ومكتوب فِي حَائِطه أَن سنجر عمر ذَلِك من خَالص مَاله وَلم ينْفق شَيْئا من مَال الْحَرَمَيْنِ الشريفين وبجوار الْمَسْجِد الجاولي من جِهَة الْقبْلَة المطبخ الَّذِي يعْمل فِيهِ الدشيشة

(ذكر إسحاق عليه السلام)

(ذكر إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام) هُوَ إِسْحَاق بن خَلِيل النَّبِي بن النَّبِي بن النَّبِيين صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَأمه سارة حملت بِهِ فِي اللَّيْلَة الَّتِي خسف الله تَعَالَى بِقوم لوط وولدته وَلها من الْعُمر تسعون سنة وَمن وَلَده الرّوم واليونان والأرمن وَمن يجْرِي مجراهم وَبَنُو إِسْرَائِيل وَكَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يضيف من نزل بِهِ وَقد أوسع الله تعال عَلَيْهِ وَبسط لَهُ الرزق وَالْمَال والخدم وَلما أَرَادَ الله تَعَالَى هَلَاك قوم لوط أَمر رسله من الْمَلَائِكَة إِن ينزلُوا بإبراهيم ويبشروه هُوَ وَسَارة بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب فَلَمَّا نزلُوا على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ الضَّيْف قد حبس عَنهُ خَمْسَة عشر يَوْمًا حَتَّى شقّ ذَلِك عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَأْكُل إِلَّا مَعَ الضَّيْف مَا أمكنه فَلَمَّا رَآهُمْ عل صُورَة الرِّجَال سر بهم وَرَأى أضيافاً لم يضفه مثلهم حسنا وجمالاً فَقَالَ لَا يخْدم هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَّا أَنا فَخرج إِلَى أَهله فجَاء بعجل سمين حِينَئِذٍ وَهُوَ المشوي بِالْحِجَارَةِ فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ - أَي الْعجل - نكرهم وأوجس مِنْهُم خُفْيَة وَذَلِكَ إِنَّهُم كَانُوا إِذا نزل بهم ضيف وَلم يَأْكُل من طعامهم ظنُّوا إِنَّه لم يَأْتِيهم بِخَير وَإِنَّمَا جَاءَهُم بشر قَالُوا لَا تخف يَا إِبْرَاهِيم إِنَّا مَلَائِكَة الله تَعَالَى أرسلنَا إِلَى قوم لوط وَكَانَت امْرَأَته سارة قَائِمَة من وَرَاء السّتْر تسمع كَلَامهم وَإِبْرَاهِيم جَالس مَعَهم فَضَحكت لزوَال الْخَوْف عَنْهُمَا قَالُوا لإِبْرَاهِيم لَا تخف وَقيل ضحِكت بالبشارة وَقَالَ ابْن عَبَّاس ووهب ضحِكت تَعَجبا من أَن يكون لَهَا ولد على كبر سنّهَا وَسن زَوجهَا وعل هَذَا القَوْل تكون الْآيَة عل التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير تَقْدِيره (وَامْرَأَته قَائِمَة فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب فَضَحكت وَقَالَت يَا ويلتي أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا) وَكَانَ سنّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مائَة وَعشْرين سنة فِي قَول ابْن إِسْحَاق (إِن لشَيْء عَجِيب قَالُوا - يَعْنِي الْمَلَائِكَة - أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله

رَحمَه الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد) وَسَنذكر مَا تلكم بِهِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ الْمَلَائِكَة فِي أَمر قوم لوط عِنْد ذكره عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ أَن إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام تزوج بنت عَمه ربقة بنت تنويل - وكتان إِسْحَاق ضريراً - وَولدت لَهُ الْعيص وَيَعْقُوب وَلم يمت إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى بعث الله إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أَرض الشَّام وَبعث يَعْقُوب إِلَى أَرض كنعان وَإِسْمَاعِيل إِلَى جرهم ولوطاً إِلَى سدوم فَكَانُوا كلهم أَنْبيَاء عل عهد إِبْرَاهِيم صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وعاش إِسْحَاق مائَة وَثَمَانِينَ سنة وَمَات بِالْأَرْضِ المقدسة وَدفن عِنْد أَبِيه إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام (ذكر سيدنَا يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام) هُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم النَّبِي بن النَّبِي ابْن أبي الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَهُوَ الَّذِي يُسمى إِسْرَائِيل قيل مَعْنَاهُ صفو الله وَهُوَ أَخُو الْعيص وَسمي يَعْقُوب لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ والعيص توأمين فَخرج من بطن أمه آخِذا بعقب أَخِيه الْعيص قيل وَفِيه نظر لِأَن هَذَا الِاشْتِقَاق عَرَبِيّ وَيَعْقُوب اسْم أعجمي وَكَانَ مولده بعد مُضِيّ سِتِّينَ سنة من عمر أَبِيه إِسْحَاق ورزق يَعْقُوب من زَوجته ليا روبيل وَهُوَ أكبر أَوْلَاده ثمَّ شَمْعُون ولاوي ويهوذا ثمَّ تزوج أُخْتهَا راحيل فرزق مِنْهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وبنيامين وَولد لَهُ من سريتين سِتَّة أَوْلَاد فَكَانَ بَنو يَعْقُوب اثْنَتَيْ عشر رجلا وهم الأسباط لاثني عشر وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا ويساخر وزبلون ويوسف وبنيامين ودان ونفتالى وَكَاد واشر وسمعوا الأسباط لِأَنَّهُ ولد لكل مِنْهُم جمَاعَة وعاش لاوي بن يَعْقُوب مائَة

وَثَلَاثِينَ سنة وَولد لَهُ فاهت وعاش مائَة وَسبعا وَعشْرين سنة ثمَّ ولد لفاهت وعاش مائَة وستاً وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ ولد لعمران مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وعاش يَعْقُوب مائَة وَسبعا وَأَرْبَعين سنة وَمَات بِمصْر وَأوصى أَن يحمل إِلَى المقدسة ويدفن عِنْد أَبِيه وجده فَحَمله أبنه يُوسُف وَدَفنه عِنْدهمَا وَسَنذكر فِي قصَّة وَلَده يُوسُف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَتقدم ذكر الْخلاف فِي أَن يَعْقُوب أول من بنى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وأر بِوَحْي من الله تَعَالَى وَتقدم لفظ الْأَثر الْوَارِد فِي ذَلِك وَنقل بِلَفْظ آخر تقدم وَهُوَ أَن وَالِده إِسْحَاق أوص إِلَيْهِ أَن لَا ينْكح امْرَأَة من الكنعانيين ونكح من بَنَات خَالَة - وَكَانَ مسكن يَعْقُوب الْقُدس - فَتوجه إِلَى خَاله فِي اللَّيْل فِي الطَّرِيق فَبَاتَ متوسداً حجرا فَرَأى فِيمَا يرى النَّائِم إِن سلما صاعداً إِلَى بَاب من أَبْوَاب السَّمَاء عِنْد رَأسه وَالْمَلَائِكَة تنزل عَلَيْهِ وتعرج مِنْهُ فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ إِنِّي إلهك وإله آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَقد هَذِه الأَرْض المقدسة لَك ولذريتك من بعْدك وباركت فِيك وَفِيهِمْ وَجعلت كتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ أَنا مَعَك أحفظك حَتَّى أردك إِلَى هَذَا الْمَكَان بَيْتا تعبدني فِيهِ أَنْت وذريتك وَقد حكى الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد هَذَا الْأَثر والأثر الْمُتَقَدّم قبله وَلَيْسَ فِي أَحدهمَا وَفِي الآخر سوى اخْتِلَاف فِي بعض اللَّفْظ (ذكر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام) هُوَ يُوسُف الصّديق بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم فَهُوَ نَبِي الله بن ابْن نَبِي الله وخليله صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ ولد يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لما كَانَ ليعقوب من الْعُمر إِحْدَى وَتسْعُونَ سنة

وَلما صَار ليوسف ثَمَانِيَة عشر سنة كَانَ فِرَاقه ليعقوب وبقيا مُتَفَرّقين إِحْدَى وَعشْرين سنة ثمَّ أجتمع يَعْقُوب بِيُوسُف فِي مصر وليعقوب من الْعُمر مائَة وَثَلَاثُونَ سنة وبقيا مُجْتَمعين سَبْعَة سنة وَقيل غير ذَلِك وَسبب فِرَاق يُوسُف عَن أَبِيه حسد أخوته فألقوه فِي الْجب كَمَا أخبر الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز وَاخْتلف فِي الْجب فَقَالَ قَتَادَة هُوَ بَيت الْمُقَدّس وَقَالَ وهب فِي أَرض الْأُرْدُن وَقَالَ مقَاتل هُوَ عل ثَلَاثَة فراسخ من منزل أَبِيه يَعْقُوب وَكَانَ بالجب مَاء وَبِه صَخْرَة فأوى إِلَيْهَا وَأقَام بالجب ثَلَاثَة أَيَّام فمرت بِهِ السيارة فأخرجوه وأخذوه فجَاء أَخُوهُ يهوذا بِطَعَام غل الْجب ليوسف فَلم يجده فِي الْجب وَرَآهُ عِنْد تِلْكَ السيارة فَأخْبر يهوذا بَقِيَّة أخوته بذلك فَأتوا إِلَى السيارة وَقَالُوا هَذَا عَبدنَا أبق منا فاشتروه من أخوته بِثمن بخس قيل عشرُون درهما قيل أَرْبَعُونَ درهما ثمَّ ذَهَبُوا إِلَى مصر فباعوه لأستاذهم الَّذِي خَزَائِن مصر واسْمه الْعَزِيز وَكَانَ فِرْعَوْن مصر حِين ذَلِك الريان بن الْوَلِيد رجلا من العماليق والعماليق هم ولد عملاق بن سَام بن نوح فهويته امْرَأَته راعيل وراودته عَن نَفسهَا فَأبى وهرب فلحقته وأمسكته بِقَمِيصِهِ فانقد وَوصل أَمرهمَا غل زَوجهَا الْعَزِيز وَابْن عَمها بتحقيق وَبَيَان وَظهر لَهما بَرَاءَة يُوسُف ثمَّ بعد ذَلِك مَا زَالَت تَشْكُو إِلَى زَوجهَا وَتقول لَهُ إِنَّه يَقُول للنَّاس إِنِّي راودته عَن نَفسه وفضحني فحبسه زَوجهَا سبع سِنِين ثمَّ أخرجه فِرْعَوْن مصر بِسَبَب تَعْبِير الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا ثمَّ مَاتَ الْعَزِيز جعل فِرْعَوْن مصر مَوْضِعه يُوسُف عل خزائنه وَجعل الْقَضَاء إِلَيْهِ ثمَّ دَعَا يُوسُف الريان فِرْعَوْن مصر إِلَى الْإِيمَان فأمن بِهِ وَبَقِي كَذَلِك إِلَى أَن مَاتَ الريان فِرْعَوْن مصر وملكها وَملك مصر بعده قَابُوس بن مُصعب من العمالقة أَيْضا وَلم يُؤمن وَكَانَ يُوسُف إِذا سَار فِي أَزِقَّة مصر يتلألأ نوره على الجدران وَكَانَ

عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّه أَبيض اللَّوْن حسن الْوَجْه جعد الشّعْر ضخم الْعَينَيْنِ مستوى غليظ الساعدين والعضدين والساقين اقني الْأنف صَغِير السُّرَّة بخده الْأَيْمن وَكَانَ ذَلِك الْخَال يزين وَجهه وَبَين عَيْنَيْهِ شامة تزيده حسنا وجمالاً كَأَنَّهُ الْبَدْر وَكَانَ إِذا تَبَسم رَأَيْت النُّور من ضواحكه وَإِذا تكلم رَأَيْت نور يثور من بَين ثناياه صل الله عَلَيْهِ وَسلم وصل إِلَى يُوسُف أَبوهُ يَعْقُوب واخوته جَمِيعهم من كنعان وَهِي أَرض وَقد ذكر الله تَعَالَى قصَّته فِي الْقُرْآن مبسوطة مفصلة وَمَات يَعْقُوب وَأوصى وَلَده أَن يدفنه عِنْد أَبِيه إِسْحَاق فَسَار بِهِ إِلَى حبرون وَدَفنه عِنْد أَبِيه وقبره بحذاء الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام من جِهَة الشمَال وَهُوَ مَشْهُور كَانَ عمر يُوسُف لما توفّي وَالِده يَعْقُوب سِتا وَخمسين سنة وَلما دَفنه عَاد وعاش يُوسُف مائَة وَعشْرين سنة وَبَينه وَبَين سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سنة وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل أَربع مَرَّات وَتُوفِّي بِمصْر وَدفن بهَا حَتَّى كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَفرْعَوْن وَمَا سَار مُوسَى من مصر ببني إِسْرَائِيل إِلَى النِّيَّة نبش على يُوسُف وَحمله مَعَه حَتَّى مَاتَ مُوسَى فَلَمَّا قدم يُوشَع بن نون ببني إِسْرَائِيل إِلَى الشَّام دَفنه فِي نابلس وَقيل عِنْد الْخَلِيل وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد النَّاس فَإِن قَبره عِنْد ممر مَشْهُور وَقد استفاض عِنْد النَّاس فَلم يُنكر رُوِيَ أَن الله تَعَالَى أُوحِي إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِن أحمل يُوسُف إِلَى عِنْد آبَائِهِ فَلم يدر أَيْن هُوَ فَسَأَلَ نَبِي إِسْرَائِيل فَلم يعرف أحد مِنْهُم فَقَالَ لَهُ شيخ - عمره ثَلَاثمِائَة سنة - يَا نَبِي الله مَا يعرف قبر يُوسُف إِلَّا فَقَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قُم معي إِلَى أمك قَامَ مَعَه إِلَى منزله فدخلا الْمنزل وَأَتَاهُ بقفة وفيهَا والدته فَقَالَ لَهَا مُوسَى " ع " بِقَبْر يُوسُف؟ قَالَت نعم قَالَ فدلني عَلَيْهِ قَالَت أدلك على قَبره

بِشَرْط أَن تَدْعُو الله أَن يرد على شَبَابِي إِلَى سَبْعَة عشر سنة وَأَن يزِيد لي فِي عمري مثل مَا مض قَالَ فَدَعَا فَقَالَ لَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كم عِشْت؟ فَقَالَت تِسْعمائَة سنة فَعَاشَتْ ألفا وَثَمَانمِائَة سنة وأرت مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قبر يُوسُف " ع " وَكَانَ فِي وسط نيل مصر فِي صندوق من رُخَام وَذَلِكَ إِنَّه لما مَاتَ تشاجر عَلَيْهِ النَّاس وكل أَرَادَ أَن يدْفن فِي محلته لما يَرْجُو من بركته عَلَيْهِ السَّلَام فَاخْتلف رَأْيهمْ فِي ذَلِك حَتَّى أَرَادوا أَن يقتتلوا فَرَأَوْا أَن يدْفن فِي النّيل ليمر عَلَيْهِ المَاء فتصل بركته إِلَى جَمِيع مصر وَمَا حولهَا فيكونون كلهم فِي بركته مشتركين فَفَعَلُوا ذَلِك وَلما علم مَكَانَهُ أخرجه وَهُوَ فِي التابوت وَحمله عل عجل من حَدِيد إِلَى بَيت الْمُقَدّس وقبره فِي البقيع خلف الحير السُّلَيْمَانِي حذاء قبر يَعْقُوب وَجوَار جديه إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام وَعَن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الخليجي إِنَّه لما سَأَلته جَارِيَة المقتدر - وَكَانَت تعرف بالعجوز وَكَانَت مُقِيمَة بِبَيْت الْمُقَدّس - الْخُرُوج إِلَى مَوضِع الَّذِي رُوِيَ أَن قبر يُوسُف فِيهِ إِظْهَاره وَالْبناء عَلَيْهِ قَالَ فَخرجت والعمال معي فكشف البقيع الَّذِي رُوِيَ إِنَّه فِيهِ خَارج الحير حذاء قبر أَبِيه يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ فَاشْترى البقيع من صَاحبه وَأخذ فِي كشفه فَخرج فِي الْموضع الَّذِي رُوِيَ إِنَّه فِيهِ حجر عَظِيم فَأمر بكسره فَكسر مِنْهُ قِطْعَة قَالَ وَكنت مَعَهم فِي الْحفر فَلَمَّا شالوا الْقطعَة من الْحجر وَإِذا هُوَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام على الصّفة بحسنه وجماله وَصَارَت رَوَائِح الْموضع مسكاً ثمَّ جَاءَ ريح عَظِيم فأطبق الْعمَّال الْحجر على مَا كَانَ سَابِقًا ثمَّ بني عَلَيْهِ الْقبَّة الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ الْآن عل صِحَة من رُؤْيَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَارج السُّور السُّلَيْمَانِي من جِهَة الغرب بداخل مدرسة منسوبة للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن وتمسى الْآن بالقلعة وَيدخل إِلَيْهِ من عِنْد بَاب الْمَسْجِد الَّذِي عِنْد السُّوق تجاه عين الطواشي وَهُوَ مَوضِع مأنوس وَفِيه الضريح ثمَّ أَن بعض النظار عل وقف سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ

شهَاب الدّين أَحْمد اليغموري فتح بَابا فِي السُّور السُّلَيْمَانِي من جِهَة الغرب بحذاء الْقَبْر الْمَنْسُوب لسيدنا يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام وَجعل فَوق الْقَبْر السفلي إِشَارَة تدل عَلَيْهِ كَبَقِيَّة الأضرحة الكائنة بِمَسْجِد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ فِي سلطنة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْكَرِيم بن الْكَرِيم يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَلَو لَبِثت فِي السجْن مَا لبث يُوسُف ثمَّ جَاءَنِي الدَّاعِي لأجبته وَسُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أكْرم النَّاس؟ قَالَ أَتْقَاهُم لله فَقَالُوا لَيْسَ عَن هَذَا نَسْأَلك قَالَ فَأكْرم النَّاس يُوسُف الصّديق نَبِي الله بن نَبِي الله بن نَبِي الله بن خَلِيل الله فَهَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء الْأَرْبَعَة وهم إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وَولده إِسْحَاق وَولده يَعْقُوب وَولده يُوسُف قُبُورهم فِي مَحل وَاحِد وَعَلَيْهِم من الْوَقار والجلال مَا لَا يكَاد يُوصف صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ (ذكر لوط عَلَيْهِ السَّلَام) هُوَ لوط بن أخي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام وَاسم أَبِيه هاران بن آزر قَالَ الثَّعْلَبِيّ وَإِنَّمَا سمي لوطاً لِأَن حبه ليط بقلب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أيتعلق ولصق وَكَانَ إِبْرَاهِيم يُحِبهُ حبا شَدِيدا وَكَانَ مِمَّن آمن بِعَمِّهِ إِبْرَاهِيم وَهَاجَر مَعَه إِلَى مصر حِين هَاجر من نمروذ وَعَاد مَعَه إِلَى الشَّام فَأرْسلهُ الله تَعَالَى إِلَى أهل سدوم وَكَانُوا أهل كفر وفاحشة ودام لوط يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى وينهاهم فَلم يلنفتوا إِلَيْهِ وَكَانُوا على مَا أخبر الله عَنْهُم فِي قَوْله تعال (أتأتون الْفَاحِشَة مَا سبقكم بهَا أحد من الْعَالمين أئنكم لتأتون الرِّجَال وتقطعون السَّبِيل وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر) وَكَانُوا يقطعون الطَّرِيق وَإِذا مر بهم

أحد من الْمُسَافِرين أمسكوه وفعلوا بِهِ اللواط وَهُوَ ينهاهم فَلم ينْتَهوا فَلم ينْتَهوا وَلم يزدهم وعظه إِلَّا تمادياً وظلالاً فَسَأَلَ الله تعال النُّصْرَة عَلَيْهِم فَأرْسل الله الْمَلَائِكَة لقلب سدوم وَقرأَهَا الْمُؤْتَفِكَات وَهِي خمس مَدَائِن وَكَانَ الْمَلَائِكَة قد أعلمُوا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل بِمَا أَمرهم الله تَعَالَى بِهِ من الْخَسْف بِقوم لوط حِين قدمُوا عَلَيْهِ وبشروه بِإسْحَاق - كَمَا تقدم - فَسَالَ إِبْرَاهِيم جِبْرِيل فيهم وَقَالَ لَهُ أرابت إِن كَانَ فيهم خَمْسُونَ رجلا من الْمُسلمين؟ فَقَالَ جِبْرِيل إِن كَانَ فيهم خَمْسُونَ من الْمُسلمين لَا يعذبهم الله فَقَالَ إِبْرَاهِيم وَأَرْبَعُونَ؟ قَالَ جِبْرِيل أَرْبَعُونَ قَالَ إِبْرَاهِيم ثَلَاثُونَ؟ قَالَ جِبْرِيل وَثَلَاثُونَ قَالَ إِبْرَاهِيم وَلم أزل كَذَلِك حَتَّى قَالَ لي جِبْرِيل عشرَة قَالَ إِبْرَاهِيم قلت إِن هُنَاكَ لوطاً فَقَالَ جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة (نَحن أعلم مِمَّن فِيهَا لننجينه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته كَانَت من الغابرين) قَالَ وَلما وصلت الْمَلَائِكَة إِلَى لوط هم قومه إِن يلوطوا بهم لِأَن الْمَلَائِكَة جاؤا إِلَيْهِ عل صُورَة غلْمَان حسان الْوُجُوه (فَقَالَ لَهُم لوط يَا قوم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم) - يَعْنِي بِالتَّزْوِيجِ - فَاتَّقُوا الله وَلَا تخزوني فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد؟ فَلم يرْضوا بقوله وَقَالُوا (لقد علمت مَا لنا فِي بناتك من حق) أَيمن حَاجَة وشهوة وَإنَّك لتعلم مَا نُرِيد من إتْيَان الرِّجَال فعالجهم وناشدهم وهم على العناد والغي فأعماهم جِبْرِيل بجناحه وَقَالَت الْمَلَائِكَة للوط (نَحن رسل رَبك فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك) إِنَّه مصيبها مَا أَصَابَهُم قَالَ وَلما خرج لوط بأَهْله قَالَ للْمَلَائكَة أهلكوهم السَّاعَة فَقَالُوا لم نؤمر غلا بالصبح (أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب) فَلَمَّا كَانَ الصُّبْح قلبت الْمَلَائِكَة سدوم وَقرأَهَا الْخمس بِمن فِيهَا وَكَانَ فِيهَا أَرْبَعمِائَة ألف وَقيل أَرْبَعَة آلَاف ألف فَرفعُوا الْمَدَائِن كلهَا حَتَّى سمع أهل السَّمَاء

(ذكر سيدنا موسى الكليم عليه أفضل الصلاة والتسليم)

(ذكر سيدنَا مُوسَى الكليم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم) (وأخيه هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام) (أَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق) مُوسَى نَبِي الله وكليمه وَهُوَ ابْن عمرَان بن لآوي بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل سَلام الله عَلَيْهِم ولد لمضي ألف وَخَمْسمِائة وست وَسِتِّينَ من الطوفان وَاسم أمه يوحانذ بنت لأوي بن يعقب وَكَانَ فِرْعَوْن مصر الْوَلِيد بن مُصعب وَكَانَ قد تزوج آسِيَة بن مُزَاحم وَقد رُوِيَ أَن الله تَعَالَى لما خلق الْحور الْعين فِي نِهَايَة الْحسن وَالْجمال قَالَت الْمَلَائِكَة إلهنا ومولانا وَسَيِّدنَا هَل خلقت خلقا أحسن مِنْهُنَّ؟ فَجَاءَهُمْ النداء الْعلي الْأَعْلَى إِنِّي خلقت سيدات نسَاء الْعَالمين وفضلتهن على الْحور الْعين كفضل الشَّمْس على الْكَوَاكِب وَهن آسِيَة بنت مُزَاحم وَمَرْيَم ابْنة عمرَان وَخَدِيجَة بنت بلد وَفَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا وصفت آسِيَة لفرعون أحب أَن يَتَزَوَّجهَا فَتَزَوجهَا على كره مِنْهَا وَمن فِيهَا لكنه بذل لَهُم أَمْوَالًا جزيلة وزفت إِلَيْهِ وَدخل عَلَيْهَا فَلَمَّا هم بهَا أَخذه الله فَلم يقدر عَلَيْهَا وَكَانَ لَك حَاله مَعهَا وَكَانَ قد رضى مِنْهَا بِالنّظرِ إِلَيْهَا فينما هُوَ فِي قبتها إِذْ سمع هاتفاً يَقُول وَيلك يَا فِرْعَوْن لقد قرب زوالك وَزَوَال ملكك زيد نَبِي من نَبِي إِسْرَائِيل فَقَالَ فِرْعَوْن لآسية سَمِعت هَذَا؟ قَالَت لَهُ سَمِعت أَن هَذَا من عمل النِّسَاء ثمَّ أَن فِرْعَوْن رَأْي عدَّة منامات أزعجته فاستدعى بالمعبرين وقص عَلَيْهِم رَآهُ فَقَالَ أحدهم هَذِه الرُّؤْيَا تدل على مَوْلُود يُولد من نَبِي إِسْرَائِيل يسلبك ملكك وَيَزْعُم أَنه رَسُول إِلَه السَّمَاء وَالْأَرْض يَأْتِي إِلَيْك وسيكون هلاكك وهلاك قَوْمك على يَدَيْهِ فَلَمَّا فِرْعَوْن ذَلِك لحقه غم شَدِيد فَجمع وزراء مَمْلَكَته

واستشارهم فيذلك فأشاروا عَلَيْهِ أَن يُوكل على النِّسَاء الحبالى من يحملهن إِلَى دَاره حَتَّى تكون ولادتهن عِنْده فَإِن كَانَ الْمَوْلُود ذكرا قَتله وَإِن كَانَ أُنْثَى تَركهَا فَفعل ذَلِك وَلم يزل حَتَّى قتل إثنى عشر ألف مَوْلُود وَكَانَ يعذب النِّسَاء الحبالى حَتَّى يسقطهن حَملهنَّ فضجت الْمَلَائِكَة من ذَلِك إِلَى رَبهم فَأوحى الله إِلَيْهِم أَن اسكنوا فَإِن لَهُ أَََجَلًا ممدوداً إِلَى وَقت مَحْدُود ثمَّ بشرهم الله تَعَالَى بمولود هُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وحملت أمه بِهِ وَكَانَ فِرْعَوْن قد منع وزراءه وكبراء مَمْلَكَته من الِاجْتِمَاع بأهلهم لِأَنَّهُ كَانَ قد بلغه أَن الْمَوْلُود يكون من أقرب النَّاس إِلَيْهِ وَكَانَ عمرَان من أقرب النَّاس إِلَيْهِ فَكَانَ شَأْنه أَن لَا يُفَارِقهُ بَيْنَمَا عمرَان قَاعد عِنْد رَأس فِرْعَوْن إِذْ نظر إِلَى امْرَأَته وَقد حملت إِلَيْهِ على جنَاح ملك فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا فزع فَزعًا شَدِيدا وَقَامَ على قَدَمَيْهِ وَقَالَ لَهَا مَا الَّذِي جَاءَ بك فِي مثل هَذَا الْوَقْت؟ فَقَالَ لَهُ الْملك إِن الله يَأْمُرك أَن تواقع زَوجتك على فرَاش فِرْعَوْن ليَكُون ذَلِك هواناً لَهُ ثمَّ جذب المك فرَاش فِرْعَوْن من تَحْتَهُ وألقاه لعمران وتوارى الْملك فواقعها فَحملت بمُوسَى " ع " ثمَّ احتملها الْملك إِلَى دارها هَذَا وَكَانَ على بَاب فِرْعَوْن ألف من الحراس والأعوان فَلَمَّا أصبح دخل عَلَيْهِ المنجمون والكهنة وَقَالُوا لفرعون إِن الْمَوْلُود الَّذِي كُنَّا نحذرك مِنْهُ قد حملت بِهِ أمه فِي هَذِه اللَّيْلَة وَقد ظهر نجمه وَعلا شعاعه قَالَ فَاشْتَدَّ فزع فِرْعَوْن وَزَاد اختباطه وَلما مَضَت مُدَّة الْحمل أَخذ أمه الطلق فِي نصف اللَّيْل وَلم يكن عِنْدهَا أحد إِلَّا أُخْتهَا فَلَمَّا نظرت إِلَى نوره وَهُوَ يتلألأ فَفَرِحت بِهِ إِلَّا إِنَّهَا مكروبة لخوفها عَلَيْهِ من فِرْعَوْن وأعوانه فَسَأَلت الله تَعَالَى أَن يحفظه عَلَيْهَا وَأَن يرزقها الصَّبْر فَمَا استنمت دعاءها وَنظرت إِلَى مُوسَى فَإِذا هُوَ قد اسْتَوَى قَاعِدا وَقَالَ لَهَا يَا أُمِّي لَا تخافي وَلَا تحزني إِن الله مَعنا

وَسمع فِرْعَوْن فِي تِلْكَ اللَّيْلَة هاتفاً فِي قصره وَهُوَ يَقُول ولد مُوسَى وَهلك فِرْعَوْن فَصَارَ كل صنم فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مُنَكسًا فَأصْبح فِرْعَوْن ممتلئاً وشدد على طلب المولودين تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَت أم مُوسَى إِذا خرجت فِي حَاجَة تعمد إِلَى مُوسَى وتضعه فِي مهده وتضعه فِي التَّنور وتغطيه فاتفق إِنَّهَا خرجت يَوْمًا من الْأَيَّام وَكَانَت أُخْتهَا قد عجنت عجيناً وأرادت أَن تخبز فَأمرت بسجر التَّنور فسجروه وَلم تعلم أَن فِيهِ مُوسَى وَكَانَ مُوسَى فِي التَّنور وَقد وَقع فِي قلب هامان أَن مَوْلُود فِي بَيت عمرَان فكبس دَاره وَقَالَ هَاهُنَا مَوْلُود فَقَالَت أُخْتهَا كَيفَ يكون هَاهُنَا مَوْلُود وَعمْرَان مَحْبُوس عنْدكُمْ؟ فَجعل هامان يفتش حَتَّى جَاءَ إِلَى التَّنور فوجدوه يسجر نَارا فَانْصَرف وَقَالَ لَا يكون مَوْلُود فِي النَّار ثمَّ رجعت أم مُوسَى وَإِذا بالأعوان والحراس قد خَرجُوا من دارها فَلَمَّا رأتهم قد خَرجُوا من دارها كَادَت روحها أَن تزهق من الْهم وَالْغَم فَدخلت وَقَالَت هَل نظر هامان إِلَى وَلَدي فِي التَّنور؟ قَالُوا لَا ثمَّ أسرعت أم مُوسَى نَحْو التَّنور فَإِذا هُوَ مسجور وَالنَّار تعلو مِنْهُ فلطمت على وَجههَا وَقَالَت مَا نَفَعَنِي الحذر وَقد أحرقتم وَلَدي فنادها مُوسَى لَا تخافي عَليّ يَا أُمَّاهُ فَإِن الله تَعَالَى قد مَنَعَنِي من النَّار وَإِن النَّار لَا تحرقني فمدي يدك إِلَيّ فَإِن النَّار لَا تصل إِلَيْنَا وَلَا تحرقنا فأدخلت يَدهَا فِي التَّنور وأخرجته وَلم تمسها النَّار (قصَّة التابوت) فَلَمَّا كَانَ بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا صنعت لَهُ تابوتاً - وَكَانَ عمرَان توفى قبل أَن يتم مُوسَى أَرْبَعُونَ يَوْمًا - فعمدت إِلَى ذَلِك التابوت وفرشته وأرضعت مُوسَى وكحلته ودهنته وألقته فِي التابوت وأغلقت عَلَيْهِ بَابه وَهِي تبْكي ثمَّ احتملت التابوت فِي نصف اللَّيْل وَمَعَهَا أُخْتهَا وَجَاءَت إِلَى شاطئ النّيل فألقته فِي اليم وبكت فَسمِعت النداء

من الْعلَا (إِنَّا رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين) وَبَقِي التابوت فِي النّيل أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقيل ثَلَاثَة أَيَّام وَقيل لَيْلَة وَاحِد وَصعد فِرْعَوْن إِلَى صرح لَهُ فَجَلَسَ وَهُوَ مشرف على النّيل فَأَلْقَت الرّيح التابوت تَحت قصره وَكَانَ لَهُ سبع بَنَات لَيْسَ مِنْهُنَّ وَاحِدَة إِلَّا وَبهَا سَائِر الْأَمْرَاض وَكَانَ فِي دَاره حَوْض يركد فِيهِ المَاء من النّيل وَهُوَ حَوْض عَظِيم وَكن الْبَنَات يغتسلن فِيهِ فَلم تزل الرّيح بِأَمْر الله تَعَالَى تَسوق التابوت إِلَى أَن دخل فِي ذَلِك الْحَوْض وركد فبادرت الْبِنْت الْكَبِيرَة وَأخذت التابوت وفتحته وَإِذا فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَله شُعَاع وَنور كشعاع الشَّمْس فَأَخْرَجته فَلَمَّا لمسته ذهب مَا كَانَ بهَا من الْبلَاء فتناولته الثَّانِيَة ولمسته فعوفيت وَلم يزلن يتناولنه حَتَّى عوفيت السَّبع بَنَات مِمَّا كن فِيهِ من الْأَمْرَاض وصرن صحاحاً من بلائهن ببركته فأخذنه ودخلن بِهِ إِلَى آسِيَة وذكرن لَهَا الْقِصَّة فَلَمَّا رأتهن قد عوفين أحبته وَنظرت إِلَيْهِ وقبلته وَحَمَلته إِلَى فِرْعَوْن فَلَمَّا رَآهُ فِرْعَوْن فزع مِنْهُ فَقَالَت لَهُ أَيهَا الْملك لَا تخف وَذكرت لَهُ حَدِيث التابوت وَكَيف عوفيت الْبَنَات ببركته فَقَالَ ياآسية إِنِّي أَخَاف أَن يكون هَذَا عدوي وَأَنا لَا بُد لي من قَتله (فَقَالَت لَهُ قُرَّة عين لي وَلَك لَا تقتله عَسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولدا) وَقَالَت لَهُ أَيهَا الْملك إِنَّه فِي قبضتك وَإنَّك من قَتله مُتَمَكن فِي أَي وَقت شِئْت وَأَنت لَيْسَ لَك ولد ذكر فأطعم النَّاس لأَجله وَلم تزل بِهِ حَتَّى فعل ذَلِك فجاع الطِّفْل فَأتى إِلَيْهِ بالمراضع فَلم يقبل مُوسَى بثدي وَاحِد مِنْهُنَّ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (وحرمن عَلَيْهِ المراضع من قبل) مَعْنَاهُ لَا يرضع من غير أمه (ذكر قصَّة الرَّضَاع) ثمَّ بلغ أمه وُصُول التابوت إِلَى قصر فِرْعَوْن فَقَالَت لبنتها كُلْثُوم أَخْرِجِي فقصي أمره فَجَاءَت قصر فِرْعَوْن فَإِذا هُوَ فِي حجر آسِيَة فَقَالَت لَهَا (هَل

أدلكم على أهل بَيت يكفلونه لكم وهم لَهُ ناصحون) فَلم تعلم آسِيَة إِنَّهَا أبنه عَمها بالية ثِيَابهَا فَقَالَ فِرْعَوْن من هَؤُلَاءِ الْقَوْم؟ فَقَالَت هم من آل إِبْرَاهِيم أَمر بإتيانهم فَحَضَرت أم مُوسَى فعرفتها آسِيَة إِنَّهَا امْرَأَة عَمها عمرَان فأعطتها الصَّبِي فَلَمَّا أَخَذته ضحك ورضع مِنْهَا فَقَالَ لَهَا فِرْعَوْن إِنِّي أرى لَبَنًا كثيرا فَهَل لَك ولد؟ فَقَالَت هَل ترك أهلك وأعوانك ولدا وَلم يقتلوه؟ فَقَالَ لَهَا فِرْعَوْن وَيلك من قتل ولدك؟ قَالَت الْملك أعلم بذلك - وَلم يعلم فِرْعَوْن إِنَّهَا امْرَأَة عمرَان - واستمرت عِنْد آسِيَة ترْضِعه سنة كَامِلَة ثمَّ انصرفت من عِنْدهَا مسرورة مستبشرة فَلَمَّا صَار لمُوسَى ثَلَاث سِنِين دَعَا بِهِ فِرْعَوْن واقعده فِي حجره وَجعل يلاعبه فَقبض مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِيَدِهِ لحية فِرْعَوْن ولطمه بِالْأُخْرَى فَقَالَ فِرْعَوْن فِي نَفسه لاشك أَن هَذَا الَّذِي يكون عدوي فهم بقتْله فأسرعت إِلَيْهِ آسِيَة وَقَالَت لَهُ إِن صبيان لَهُم حَرَكَة ولع من غير معرف وَلَا عقل وَأَنا أريك إِنَّه لَا يعقل فَأمرت إِحْضَار طشت من فضَّة وَوضعت فِيهِ تَمْرَة وجمرة وقدمته لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَت وَلَدي خُذ أَيهمَا شِئْت فَأَرَادَ مُوسَى أَن يمد يَده وَيَأْخُذ التمرة فَضرب جِبْرِيل يَده على الْجَمْرَة فَأخذ مُوسَى بِيَدِهِ الْجَمْرَة ورفعها إِلَى فِيهِ فَاحْتَرَقَ لِسَانه فَرَمَاهَا من فِيهِ وَبكى بكاء شَدِيدا فَقَالَت لَهُ أَرَأَيْت لَو كَانَ لَهُ عقل أَكَانَ يُؤثر الْجَمْر عل النمرة؟ فَسكت فِرْعَوْن بعد ذَلِك ثمَّ أظهرا الله آيَاته وَبَانَتْ معجزات مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنْبَتَهُ الله نباتاً حسنا وَأَعْطَاهُ حكما وعلماً فِي دينه وَدين آبَائِهِ (فَلَمَّا بلغ أشده واستوى) قَالَ ابْن عَبَّاس الأشد مَا بَين ثَمَان وَعشْرين إِلَى ثَلَاثِينَ سنة واستوى إِذْ صَار ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ يذكر لبني إِسْرَائِيل مَا فِي فِرْعَوْن مَا هُوَ عَلَيْهِ من الضلال وَكَانَ مُوسَى يَأْمر فِرْعَوْن بِالْمَعْرُوفِ وينهاه عَن الْمُنكر يعظه وينهاه عَن الْكفْر حَتَّى شاع ذَلِك فِي الْبَلَد وَإنَّهُ مُخَالف رَأْي فِرْعَوْن

(قصة القبطي)

(قصَّة القبطي) وَقَوله تَعَالَى (وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة من أَهلهَا فَوجدَ فِيهَا رجلَيْنِ يقتتلان هَذَا من شيعته وَهَذَا من عدوه) وَذَلِكَ أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ يمشي فِي بعض الْأَيَّام فَوجدَ إِسْرَائِيلِيًّا وقبطياً يختمان فاستغاثة الإسرائيلي فَوَكَزَ مُوسَى القبطي عل صَدره فَمَاتَ فندم مُوسَى بِفِعْلِهِ وَقَالَ (رب إِنِّي ظلمت نَفسِي فَأغْفِر لي) فَذهب بعض القبط إِلَى فِرْعَوْن وأعلمه بذلك فَلم يصدق ثمَّ أصبح مُوسَى وَهُوَ خَائِف أَن يُؤْخَذ بِدَم الْقَتِيل فَإِذا الَّذِي استنصره بالْأَمْس يستصرخه على آخر من القبط - والقبطي يَقُول قتل ابْن عمي بالْأَمْس - فَقَالَ يَا مُوسَى أَعنِي على هَذَا القبطي فَإِنَّهُ يُرِيد أَن يحملني إِلَى فِرْعَوْن فَقَالَ لَهُ مُوسَى - كَمَا أخبر الله تَعَالَى - (إِنَّك لغَوِيّ مُبين) فَحزن الْفَتى وَعلم من كَلَامه أَن مُوسَى نَدم على مَا كَانَ مِنْهُ بالْأَمْس ثمَّ إِن مُوسَى لم يجد بدا من نصرته لِأَنَّهُ قد اسْتَغَاثَ بِهِ فَدَنَا مُوسَى القبطي وَنزع الإسرائيلي من يَده فَظن إِنَّه يُرِيد قَتله فَقَالَ - كَمَا أخبر الله تَعَالَى - (يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تكون جباراً فِي الأَرْض وَمَا تُرِيدُ أَن تكون من المصلحين) ثمَّ دخل القبطي على فِرْعَوْن وَأخْبرهُ أَن مُوسَى قبل نفسا بالْأَمْس فَأرْسل فِرْعَوْن فِي طلبه وَأذن لأولياء الْمَقْتُول أَن يقتلوه حَيْثُمَا وجدوه فَسَمعهُ رجل مُؤمن من آل فِرْعَوْن فَأقبل على مُوسَى وَأخْبرهُ وَقَالَ - كَمَا قَالَ الله تَعَالَى - (يَا مُوسَى إِن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك فَأخْرج إِنِّي لَك من الناصحين فَخرج مِنْهَا خَائفًا يترقب)

(قصة أرض مدين)

(قصَّة أَرض مَدين) فَلم يزل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يسير حَتَّى صَار فِي أَرض مَدين فِي الْيَوْم السَّادِس وَالسَّابِع وَبِه جهد من الْجُوع والعطش وَإِذا بِجَمَاعَة من أهل مَدين على بِئْر لَهُم دون أغنامهم فَنظر مُوسَى امْرَأتَيْنِ تذودان - أَي تمنعان - أغنامهما عَن المَاء من الرُّعَاة وَهُوَ مَا بَين الْعشْر إِلَى الْأَرْبَعين فَقَالَ مُوسَى للمرأتين مَا خطبكما؟ مَا قصتكما - قَالَتَا لَا نسقي حَتَّى يصدر الرعاء - أَي يصرفوا مَوَاشِيهمْ عَن - لأننا امْرَأَتَانِ لَا نطيق أَن نسقي وَلَا نستطيع أَن نزاحم الرِّجَال وأبونا شيخ وَهُوَ شُعَيْب نَبِي الْقَوْم وَكلهمْ يحسدونه على مَا تاه الله من الْغنم وَغَيرهَا وَقَالَ لَهما مُوسَى وَهَذَا المَاء لَهُم خَاصَّة؟ قَالَتَا لَا بل لجَمِيع الْخلق وَكَانُوا إِذا فرغوا عَمدُوا إِلَى حجر كَبِير عَظِيم يطبقونه على رَأْسا الْبِئْر لَا يقدر على تنحيته فَسكت مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى فرغ النَّاس من سقِِي أغنامهم فَاجْتمعُوا وطبقوا وَانْصَرفُوا فَقَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ للمرأتين قربا أغنامكما إِلَى الْحَوْض إِنَّه تقدم إِلَى الْبِئْر وَضرب الصَّخْرَة بِرجلِهِ فَرَمَاهَا أَرْبَعِينَ ذِرَاعا ضعفه من الْجُوع وافرغ من سقِِي أغنامهما تولى إِلَى الظل وَهِي شَجَرَة كَانَت هُنَاكَ فَقَالَ (رب لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير) فَانْصَرَفت الْمَرْأَتَانِ إِلَى أَبِيهَا شُعَيْب وأخبرتاه بِمَا كَانَ فَقَالَ لأَحَدهمَا فأتني بِهِ فَأَقْبَلت إِلَى مُوسَى وأومأت إِلَيْهِ وَقَالَت إِن أبي يَدْعُوك ليجزك أجر مَا سقيت لنا فَقَامَ مُوسَى وَمَرَّتْ الْمَرْأَة بَين يَدَيْهِ فكشف الرّيح عَن سَاقهَا فَقَالَ لَهَا مُوسَى تأخري خَلْفي ودليني على الطَّرِيق فتأخرت وَكَانَت تَقول يَمِينك عَن شمالك خَلفك وقدامك حَتَّى وقف على بَاب شُعَيْب فبادرت الْمَرْأَة أَبِيهَا وأخبرته فَأذن لَهُ بِالدُّخُولِ - وَشُعَيْب يَوْمئِذٍ شيخ كَبِير وَقد كف بَصَره -

فَسلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَرد عَلَيْهِ السَّلَام وعانقه ثمَّ أجلسه بَين يَدَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن حَاله وقصته فَأخْبرهُ بِخَبَرِهِ وقص عَلَيْهِ قصَّته فَقَالَ لَا تخف نجوت من الْقَوْم الظَّالِمين وَأَتَاهُ بِطَعَام فَقَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَأكل وَلما فرغ من أكله حمد الله تَعَالَى أثنى عَلَيْهِ بالجميل فَقَالَ بنت شُعَيْب - وَاسْمهَا صافورا - (يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين) فَرغب شُعَيْب فِيهِ لقُوته وأمانته فَقَالَ (إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك فرضى مُوسَى وَقَالَ ذَلِك بيني وَبَيْنك أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان عَليّ وَالله على مَا نقُول وَكيل) فرض شُعَيْب وَجمع الْمُؤمنِينَ من أهل مَدين وزوجه ابْنَته صافورا وَدخل مُوسَى الْبَيْت وَجعل يرْعَى الْغنم فرعى غنم شُعَيْب عشر حجج وَهِي عشر سِنِين (قصَّة رُجُوعه من أَرض مَدين) ثمَّ قصد مُوسَى السّير إِلَى أَهله فَبكى شُعَيْب وَقَالَ يَا مُوسَى كَيفَ تخرج عني وَقد ضعفت وَكَبرت؟ فَقَالَ مُوسَى قد طَالَتْ غيبتي عَن أُمِّي وخالتي وَهَارُون أخي وأختي فَإِنَّهُم فِي أسر فِرْعَوْن فَقَامَ شُعَيْب وَبسط يَدَيْهِ إِلَى ربه وَقَالَ يَا رب إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وَإِسْمَاعِيل الصفي وَإِسْحَاق الذَّبِيح وَيَعْقُوب الكظيم ويوسف الصّديق رد قوتي وبصري فأمن مُوسَى على دُعَائِهِ فَرد الله عَلَيْهِ بَصَره وقوته ثمَّ أوصاه بابنته وَسَار مُوسَى وَأَهله وَضرب خيمته على الْوَادي وَأدْخل أَهله فِيهَا وهطلت السَّمَاء بالمطر والثلج وَكَانَت امْرَأَته حَامِلا فَأَخذهَا الطلق فَأَرَادَ أَن يقْدَح فَلم يظْهر لَهُ نَار فاغتنم لذَلِك وَإِذا هُوَ بِنَار من بعد (فَقَالَ لأَهله امكثوا إِنِّي آنست نَارا لعَلي آتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو جذوة من النَّار لَعَلَّكُمْ تصطلون) فَأتى نَحْو النَّار فَلَمَّا دنا مِنْهَا رأى نورا ممتداً من السَّمَاء إِلَى شَجَرَة عَظِيمَة من الغوسج وَقيل من الْعنَّاب فتحير

وَخَافَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي من شاطئ الْوَادي الْأَيْمن من الشَّجَرَة (إِن يَا مُوسَى إِنِّي أَنا الله رَبك فاخلع نعليك إِنَّك بالوادي الْمُقَدّس طوى وَأَنا اخْتَرْتُك فاستمع لما يُوحى إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فأعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري إِن السَّاعَة آتِيَة أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بِمَا تسْعَى فَلَا يصدنك عَنْهَا من لَا يُؤمن بهَا وَاتبع هَوَاهُ فتردى) ثمَّ قَالَ (وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا وأهش بهَا على غنمي ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى) قَالَ الله عز وَجل (ألقها يَا مُوسَى فألقاها فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى فَلَمَّا رَآهَا ولى مُدبرا) وَلم يعقب فَسمع النداء هَل يملك أحد الْمَوْت والحياة غير الله عز وَجل؟ فَرجع مُوسَى إِلَى مَوْضِعه والحية على حَالهَا فَقَالَ الله تَعَالَى (خُذْهَا وَلَا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) فَأدْخل يَده فِي كمه ليأخذها فَسمع النداء أَرَأَيْت لَو أَذِنت لَهَا أَن تضربك أَكَانَ يُغْنِيك كمك؟ فكشف يَده وأدخلها فِي فمها فَإِذا هِيَ عَصا كَمَا كَانَت قَالَ عز وَجل (أضم يدك إِلَى جناحك تخرج بَيْضَاء من غير سوء) أَي من غير برص آيَة أُخْرَى مَعَ الْعَصَا فَعِنْدَ ذَلِك أنس مُوسَى وَذهب عَنهُ الْخَوْف قَالَ الله يَا مُوسَى أَنِّي اخْتَرْتُك على النَّاس برسالاتي وبكلامي لأبعثك لعبد من عَبِيدِي كفر بنعمتي وَتسَمى باسمي واستعبد عَبِيدِي وَلَوْلَا حلمي وكرمي لأهلكته وَلَكِن هان عَليّ وَأَنا مستغن عَنهُ أمهله لأقيم عَلَيْهِ حجتي فَبَلغهُ رسالتي وادعه إِلَى عبادتي فَقَالَ مُوسَى (رب اشرح لي صَدْرِي وَيسر لي أَمْرِي واحلل عقدَة من لساني يفقهوا قولي - يَعْنِي يعرفوا كَلَامي - وَاجعَل لي وزيراً من أَهلِي هَارُون أخي اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي) يَعْنِي يكون عوناً لي على الرسَالَة قَالَ الله تَعَالَى (قد أُوتيت سؤلك يَا مُوسَى ثمَّ تذكر مَا كَانَ مِنْهُ من قتل النَّفس فخافهم (فَقَالَ رب إِنِّي قتلت مِنْهُم نفسا فَأَخَاف أَن يقتلُون قَالَ كلا فاذهبا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعكُمْ مستمعون) ثمَّ

- قي القَوْل وَالْفِعْل - فقولا لَهُ لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى قَالَا رَبنَا إننا نَخَاف أَن يفرط علينا أَو أَن يطغى - فيقتلنا - قَالَ لَا تخافا إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى فَأتيَاهُ فقولا إِنَّا رَسُولا رَبك فَأرْسل رَبك فَأرْسل مَعنا بني إِسْرَائِيل) وَهَذِه المخاطبة كَانَت لَهُ وَحده والرسالة لَهُ ولأخيه هَارُون وَمر مُوسَى فِي المخاطبة مَعَ ربه عز وَجل وَزَوجته صافورا بنت شُعَيْب قد اشْتَدَّ بهَا الطلق فَسمع أنينها سكان ذَلِك الْوَادي فَأتوا إِلَيْهَا أوقدوا عِنْدهَا نَارا وجلسوا عِنْدهَا ثمَّ اقبل مُوسَى إِلَى أَهله فَسَار بهم نَحْو مصر حَتَّى أَتَاهَا لَيْلًا (قصَّة دُخُوله إِلَى مصر) فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى أَخِيه هَارُون بقدوم مُوسَى إِلَى مصر وَهَارُون كَانَ يَوْمئِذٍ وزيراً من وزراء فِرْعَوْن لَا يُفَارِقهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَكَانَت الْأَبْوَاب مغلقة فاحتمله الْملك إِلَى قَارِعَة الطَّرِيق ثمَّ قَالَ لَهُ امْضِ يَا هَارُون واستقبل أَخَاك فَقَالَ لَهُ هَارُون وَكَيف أسلك الطَّرِيق فِي هَذَا اللَّيْل وَأَنا لَا أعرفهُ فَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل وبشره بالرسالة مَعَ أَخِيه مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن ثمَّ احتمله الْملك حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى شاطئ النّيل فَالتقى بأَخيه مُوسَى وتعانقا وبشره بالرسالة ثمَّ اقبلا يُريدَان أممهما فاجتمعا بهَا وأخبرها مُوسَى بِمَا كَانَ من أمره ثمَّ حمل جِبْرِيل هَارُون من عِنْد أمه إِلَى منزل فِرْعَوْن ثمَّ خرج مُوسَى متنكراً ينظر مَا أحدثه فِرْعَوْن بِأَرْض مصر من الْبُنيان ثمَّ قصد الِاجْتِمَاع بفرعون فَحَضَرَ إِلَى بَابه فَمنهمْ من يعرفهُ وَمِنْهُم من يُنكره ثمَّ علم بِهِ فِرْعَوْن فَتغير لَونه وارتعدت مفاصله ثمَّ إِن هامان أمْسكهُ وحبسه وَأخْبر فِرْعَوْن بأَمْره وَإنَّهُ حَبسه فَدَعَا فِرْعَوْن بالفراشين وزين قصره وأحضره فَلَمَّا نظر فِرْعَوْن إِلَيّ مُوسَى عرفه وَلكنه قَالَ من أَنْت؟ قَالَ أَنا عبد الله وَرَسُوله وكليمه فَقَالَ فِرْعَوْن إِنَّك عَبدِي وَابْن أمتِي فَقَالَ مُوسَى إِن الله عز وَجل أعز من أَن يكون لَهُ ند أَو ضد فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْن يَا مُوسَى أَنْت رَسُول

وحدي؟ فَقَالَ مُوسَى إِلَيْك وَإِلَى جَمِيع أهل مصر فَقَالَ فِرْعَوْن بِمَاذَا أَنْت؟ قَالَ أَن تَقولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُوسَى عَبده وَرَسُوله قَالَ لَهُ فِرْعَوْن فَمَا حجتك فَإِن لكل مَعَ بَين وبرهاناً فَقَالَ مُوسَى بينتك بَيِّنَة وَاحِدَة تؤمن بِي؟ قَالَ نعم قَالَ مُوسَى يَا هَارُون انْزِلْ عَن كرْسِي فَنزل هَارُون ثمَّ قَالَ (يَا فِرْعَوْن أَنا رَسُولا رَبك إِلَيْك فَأرْسل مَعنا إِسْرَائِيل وَلَا تُعَذبهُمْ - يَعْنِي بِالْبِنَاءِ وَنقل الْأَحْجَار - قد جئْنَاك بِآيَة من رَبك) قَالَ فتحير فِرْعَوْن لِأَن هَارُون كَانَ عِنْده وَهُوَ يظنّ إِنَّه يساعده على أَخِيه قصاصه بِهِ وقربه مِنْهُ ثمَّ قَالَ فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى؟ (قَالَ رَبنَا الَّذِي أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ يميته) وَكَانَ هَارُون كلما تكلم أَخُوهُ مُوسَى بِشَيْء صدقه فِيهِ وأعانه عَلَيْهِ فِرْعَوْن على هَارُون فَخلع مَا كَانَ عَلَيْهِ من اللبَاس حَتَّى بَقِي هَارُون بالسراويل قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَنزع مدرعة مِمَّا عَلَيْهِ وألبسها لهارون ثمَّ نزل البس عَلَيْهِ السَّلَام بقميص من الْجنَّة فأفرغه عل هَارُون فتحير فِرْعَوْن فِي أمره ثمَّ أَمر هامان بحملها إِلَى دَاره ومداراتهما على أَن يَأْمر إِلَى طَاعَته فَلم يلتفتا إِلَى قَوْله فجَاء هامان وَأخْبر فِرْعَوْن إنَّهُمَا لم يقبلا وَلم يلتفتا إِلَى قَوْله فأحضرهما فرعال لمُوسَى (ألم نربك فِينَا وليداً وَلَبِثت فِينَا من السنين وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت - يَعْنِي الْقَتْل - قَالَ فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين لست مِنْكُم لما خفتكم فوهب لي رَبِّي حكما وَجَعَلَنِي من الْمُرْسلين) يَعْنِي إِلَيْك يَا فِرْعَوْن قَالَ لَهُ (وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ أَن عبدت نَبِي إِسْرَائِيل - يَعْنِي إِنَّك جعلت إِسْرَائِيل عبيدا لَك - تذبح أَبْنَاءَهُم وتستحي نِسَاءَهُمْ) وَكَانَ فِرْعَوْن مُتكئا أَي جَالِسا (فَقَالَ وَمَا رب الْعَالمين قَالَ مُوسَى رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وكنتم موقنين فَالْتَفت فِرْعَوْن إِلَى من حوله وَقَالَ أَلا تَسْمَعُونَ - يَعْنِي إِلَى

قَول مُوسَى - قَالَ مُوسَى ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين قَالَ فِرْعَوْن أَن رَسُولكُم الَّذِي أرسل إِلَيْكُم لمَجْنُون قَالَ مُوسَى رب الْمشرق وَالْمغْرب ومل بَينهمَا أَن كُنْتُم تعقلون قَالَ فِرْعَوْن لمُوسَى لَئِن اتَّخذت إِلَهًا غَيْرِي لأجعلنك من المسجونين قَالَ أولو جئنك بِشَيْء مُبين - يَعْنِي بِآيَة بَيِّنَة - قَالَ فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين) (قصَّة الْحَيَّة وَالْيَد الْبَيْضَاء) فَبَيْنَمَا هما فِي المجادلة إِذا بالعصا قد اضْطَرَبَتْ فِي كف مُوسَى فناداه جِبْرِيل (ألقها يَا مُوسَى فألقاها فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى) أَي ثعبان مُبين وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ وَقَامَ على رجلَيْهِ حَتَّى أشرف على الْحَائِط وَجعل يقْلع الصخور من قصر فِرْعَوْن ويهدمها وَجعلت تتنفس فِي الْبيُوت والخزائن واشتعلت نَارا وَجعلت تهيج كَمَا يهيج الْجمل وَلها صَوت كالرعد القاصف وَالنَّاس يهربون مِنْهَا وآسية تنظر وتتعجب من ذَلِك فَلَمَّا نظر فِرْعَوْن إِلَى ذَلِك وثب عَن سَرِيره وَقد أحدث فِي ثِيَابه وَأخذت الْحَيَّة ذيل ثِيَابه حَتَّى رمى بِنَفسِهِ خلف السرير وَقَالَ يَا مُوسَى بِحَق التربية وَالرّضَاع وبحق آسِيَة قَالَ فَلَمَّا سمع مُوسَى بِذكر آسِيَة صَاح بالحية فَأَقْبَلت نَحوه كَالْكَلْبِ فَأدْخل يَده فِي فِيهَا وَقبض على لسانها فَإِذا هِيَ عَصا كَمَا كَانَت بِقدر الله تَعَالَى فَلَمَّا نظر فِرْعَوْن إِلَى ذَلِك قَالَ يَا مُوسَى لقد حويت سحرًا عَظِيما هَل عنْدك غير هَذَا؟ قَالَ نعم فَأدْخل يَده فِي جيبه ثمَّ أخرجهَا وَهِي بَيْضَاء وَلها نور ثمَّ ردهَا إِلَى جيبه وأخرجها وَإِذا هِيَ على لَوْنهَا الأول كَمَا كَانَت فَأقبل فِرْعَوْن على قومه وَقَالَ (إِن هَذَا لساحر عليم يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم بسحره فَمَاذَا تأمرون) (قصَّة السَّحَرَة) ثمَّ أقبل الْمَلأ من قوم فِرْعَوْن عَلَيْهِ وَقَالُوا (أَيهَا الْملك إِن هَذَانِ لساحران يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما فأخرجهما وأبعث فِي الْمَدَائِن حاشرين يأتوك

بِكُل سَاحر عليم) فَأمر فِرْعَوْن بذلك وَأرْسل قصاده إِلَى جَمِيع الْبِلَاد فَاجْتمع إِلَيْهِ سَبْعُونَ ألف سَاحر وهم أحذق الْخلق ثمَّ بعث إِلَى مُوسَى وَدعَاهُ وَقَالَ فِرْعَوْن للسحرة اجتهدوا أَن تغلبُوا مُوسَى ثمَّ اجْتمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد لينظروا من يكون الْغَالِب وَخرج فِرْعَوْن بجنده فَأقبل مُوسَى وَهَارُون وَقد أحدقت بهم الْمَلَائِكَة وَكَانَ السَّحَرَة قد أخرجُوا ثَلَاثمِائَة وقر منن الحبال والعصي وسحروا أعين النَّاس فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم إِنَّهَا تسْعَى فَامْتَلَأَ الْوَادي من العصي والحبال وَجعلت تركض بَعْضهَا على بعض (فأوجس فِي نَفسه خُفْيَة مُوسَى فَأوحى الله إِلَيْهِ لَا تخف إِنَّك أَنْت الْأَعْلَى والق مَا فِي يَمِينك تلقف مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى) فَزَالَ عَن مُوسَى الْخَوْف وَقَالَ (مَا جئْتُمْ بِهِ السحر أَن الله سيبطله أَن الله لَا يصلح عمل المفسدين) ثمَّ ألْقى عَصَاهُ فِي وسط الْوَادي وَبَطل مَا أظهروه من السحر وَإِذا هُوَ حبال وعصي فَصَارَت عَصا مُوسَى ثعباناً لَهَا سبع رُؤُوس ثمَّ أَتَت على حبالهم وعصيهم فابتلعها عَن آخرهَا وَجَمِيع مَا فِي الْوَادي من زِينَة فِرْعَوْن ثمَّ حملت على السَّحَرَة فَوَلوا هاربين على وجوهم ثمَّ اجْتَمعُوا فِي مَوضِع وَاحِد وَقَالُوا مَا هَذَا سحر إِنَّا آمنا بربنا ثمَّ خَرجُوا بأجمعهم ساجدين فَاغْتَمَّ فِرْعَوْن لذَلِك وَقَالَ للسحرة (آمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر فَسَوف تعلمُونَ) فَأمر بِقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف وَأمر بصلبهم أَجْمَعِينَ (قصَّة الصرح) ثمَّ أقبل فِرْعَوْن على هامان وَقَالَ لَهُ (ابْن لي صرحاً - يَعْنِي قصراً مشيداً - لعَلي ابلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه موس وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا) يَعْنِي فِي رسَالَته فَجمع هامان خمسين ألف بِنَاء وصانع وَأخذ فِي ذَلِك وَلم يزَالُوا حَتَّى

بنوا الصرح وارتفع فِي الْهَوَاء ارتفاعاً لم يبلغهُ أحد من بني آدم قَالَ وَاشْتَدَّ ذَلِك على هَارُون ومُوسَى لِأَن بني إِسْرَائِيل كَانُوا معذبين فِي بنائِهِ فَلَمَّا فرغوا من بنائِهِ وارتفاعه ارْتقى فِرْعَوْن فَوْقه وَأخذ سَهْما وَرمى بِهِ نَحْو السَّمَاء فَرد إِلَيْهِ وَهُوَ ملطخ بِالدَّمِ فَقَالَ الْكَلْب قد قتلت إِلَه مُوسَى فَأمر الله عز وَجل جِبْرِيل إِن يهدم الصرح فَجعل عاليه سافله وَمَات كل من كَانَ فِيهِ من الفعلة مِمَّن كَانَ على دين فِرْعَوْن (قصَّة الْآيَات التسع) ثمَّ إِن الله تَعَالَى حبس عَن قوم فِرْعَوْن الْمَطَر فأجدبت الأَرْض عَلَيْهِم وَمَاتَتْ الْمَوَاشِي وَخرب الصرح وجاءهم الطوفان فدام عَلَيْهِم ثَمَانِيَة أَيَّام بلياليها وَبعث الله عَلَيْهِم الْجَرَاد فَأكل جَمِيع مَا عِنْدهم ثمَّ بعث الله الْقمل حَتَّى أكل جَمِيع مَا على وَجه الأَرْض وَوَقع فِي ثِيَابهمْ فقرضها وقرض أَيْديهم ثمَّ أرسل الله عَلَيْهِم الضفادع فَكَانَت عَلَيْهِم أَشد من الْكل لِأَنَّهَا كَانَت تقتحم فِي طعامهم وَفِي دُورهمْ وَفِي ثِيَابهمْ ثمَّ أوحى الله تَعَالَى إِلَى مُوسَى (إِن أضْرب بعصاك الْبَحْر) فَصَارَ دَمًا عبيطاً من وقته فَاشْتَدَّ بهم الْعَطش وَكَانَ الفرعوني والإسرائيلي يعمدان إِلَى مَوضِع وَاحِد يستقيان فَإِذا أَخذ الإسرائيلي يكون مَاء وَإِذا أَخذ الفرعوني يكون دَمًا فدام ذَلِك عَلَيْهِم ثَمَانِيَة أَيَّام حَتَّى أجهدهم الْعَطش وَكَانَ بَين كل آيَة أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَهَذِهِ الْآيَات التسع (قصَّة المسخ وَقتل آسِيَة) ثمَّ دَعَا عَلَيْهِم مُوسَى وَأمن على دُعَائِهِ هَارُون فمسخ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كثيرا مِنْهُم حَتَّى أصبح الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان حِجَارَة ثمَّ إِن آسِيَة أظهرت الْإِنْكَار على فِرْعَوْن وواجهته بقبح القَوْل فَقَتلهَا لعنة الله عَلَيْهِ ثمَّ بعث الله الظلمَة على أهل مصر ثَلَاثَة أَيَّام فَلم يعرفوا اللَّيْل من النَّهَار

(قصة النيل)

(قصَّة النّيل) وَانْقطع عَنْهُم النّيل فضجوا إِلَى فِرْعَوْن فَخرج بهم على أَن يجْرِي لَهُم النّيل فَلَمَّا قرب من النّيل أوقفهم وَانْفَرَدَ عَنْهُم بِحَيْثُ لَا يرونه فَنزل عَن فرسه ومرغ وَجهه على الأَرْض وَرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء وَقَالَ إلهي وسيدي ومولاي علمت إِنَّك إِلَه السَّمَاء وَالْأَرْض لَا إِلَه فيهمَا سواك حلمك الَّذِي حَملَنِي إِن أَسأَلك مَا لَيْسَ بِحَق وَأَنت المتكفل بالأرزاق اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك إِن تجرى لَهُم هَذَا النّيل قَالَ فَأجرى الله لَهُم النّيل فَلَمَّا رَآهُ الْقَوْم ظنُّوا إِنَّه أجْرى لَهُم النّيل فسجدوا لَهُ وازدادوا كفرا وعصياناً وَقَالُوا قد أَتَانَا بِالْمَاءِ والنيل فِي طَاعَته وَعلم الله مِنْهُ إِنَّه لَا يزْدَاد إِلَّا كفرا لكنه أَرَادَ أَن يُؤَكد الْحجَّة عَلَيْهِ وَبلغ ذَلِك مُوسَى وَهَارُون فتعجبا من لطف الله تَعَالَى (قصَّة غرق فِرْعَوْن وَخُرُوج مُوسَى من مصر) ثمَّ أوحى الله إِلَى مُوسَى إِن قد اقْترب أجل فِرْعَوْن وهلاكه وأهبط الله تَعَالَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على صُورَة رجل حسن الْوَجْه فَدخل على فِرْعَوْن فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْن من أَنْت؟ قَالَ أَنا عبد من عبيد الْملك جئْتُك مستفتياً على عبد من عَبِيدِي مكنته من نعمتي فاستكبر وبغى وَجحد حَقي وَتَسِم باسمي وَادّعى فِي جَمِيع مَا أَنْعَمت عَلَيْهِ إِنَّه لَهُ فَقَالَ فِرْعَوْن بئس ذَلِك العَبْد بَين العبيد فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَمَا جَزَاؤُهُ؟ قَالَ يغرق فِي الْبَحْر قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِنِّي أَسأَلك إِن تكْتب لي خطا بِيَدِك فَكتب لَهُ خطا بِيَدِهِ فَأخذ جِبْرِيل وَخرج من عِنْده حَتَّى صَار إِلَى مُوسَى فَأخْبرهُ بذلك وَقَالَ لَهُ إِن الله يَأْمُرك أَن ترحل من موضعك فَنَادَى مُوسَى فِي بني إِسْرَائِيل بالرحيل ارتحلوا وهم يَوْمئِذٍ سِتّمائَة ألف فَلَمَّا سمع فِرْعَوْن ذَلِك نَادَى فِي جُنُوده وَكَانَ فِي كَثْرَة لَا يُحصونَ عددا

وَسَار فِرْعَوْن بجنده فِي تبع مُوسَى وَبني إِسْرَائِيل فَإِنَّهُ كَانَ مُعْتَقدًا لَهُم خَرجُوا هاربين مِنْهُ فَسَار حَتَّى قرب من بني إِسْرَائِيل فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا لمُوسَى يَا مُوسَى قد لحقنا فِرْعَوْن وَجُنُوده فَقَالَ مُوسَى (كلا إِن معي رَبِّي سيهدين) قَالُوا لَهُ قد قرب الْقَوْم وليسبين أَيْدِينَا شَيْء سوى الْبَحْر وَمَا خلقنَا سوى السيوف وَقد هلكنا فَأوحى الله إِلَى مُوسَى (إِن أضْرب بعصاك الْبَحْر) فإنفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم وَصَارَ فِيهِ اثْنَا عشر طَرِيقا للأسباط لاثني عشر فَجعلُوا يَسِيرُونَ فِيهِ وَيحدث بَعضهم بَعْضًا ومُوسَى بَين أَيْديهم وَهَارُون من ورائهم فَأقبل فِرْعَوْن وهامان بَين يَدَيْهِ وَمن وَرَائه وزراؤه وحجابه فنظروا إِلَى الْبَحْر يَابسا وَإِلَى تِلْكَ الطّرق فَأحب لُحُوق مُوسَى فَتقدم وَهُوَ على فرسه فَتَأَخر الْفرس ونقر فهبط جِبْرِيل على فرسه وَتقدم إِلَى فرس فِرْعَوْن فاشتم رَائِحَة فرس جِبْرِيل فأنبعها فِرْعَوْن ولحقه جُنُوده وَجِبْرِيل يَقُول أَيهَا الْملك لَا تعجل وَجعل مِيكَائِيل يَسُوق النَّاس خَلفه فَأخْرج جِبْرِيل الصَّحِيفَة وَقَالَ لفرعون أَيهَا الْملك أتعرف هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي كتبهَا بِيَدِك؟ فَلَمَّا فتحهَا علم إِنَّه هَالك وَجعل الْبَحْر يَنْضَم بعضه إِلَى بعض وَالنَّاس يغرقون وَفرْعَوْن ينظر إِلَيْهِم فَلَمَّا استيقن بِالْمَوْتِ قَالَ (آمَنت إِنَّه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي منت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل وَأَنا من الْمُسلمين) فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام (الْآن وَقد عصيت قبل وَكنت من المفسدين) فَلَمَّا أخبر مُوسَى قومه بِهَلَاك فِرْعَوْن وَقَومه قَالَ بَنو إِسْرَائِيل / مَا مَاتَ فِرْعَوْن فَأمر اله الْبَحْر فَأَلْقَاهُ على السَّاحِل فَرَآهُ بَنو إِسْرَائِيل فَمن ذَلِك الْوَقْت لَا يقبل المَاء مَيتا أبدا بل يلقيه وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (فاليوم ننجيك ببدنك لتَكون لمن خَلفك آيَة) - عِبْرَة وموعظة - فغرق الْقَوْم كلهم وَبَنُو إِسْرَائِيل ينظرُونَ إِلَيْهِم كَيفَ يغرقون وَلما عبر مُوسَى الْبَحْر ببني إِسْرَائِيل إِذْ رَأَوْا فِي طريقهم قوما يعْبدُونَ الْأَصْنَام فَقَالَ سفهاؤهم (يَا مُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة قَالَ مُوسَى إِنَّكُم قوم

تجهلون إِن هَؤُلَاءِ متبر مَا هم فِيهِ وباطل مَا كَانُوا يعلمُونَ) ثمَّ قَالَ (أغير الله أبغيكم إِلَهًا وَهُوَ فَضلكُمْ على الْعَالمين) ثمَّ قَالَ لَهُم اسْتَغْفرُوا الله مِمَّا قُلْتُمْ فَسَارُوا وَفِي قُلُوبهم حب الْأَصْنَام فَلَمَّا قرب مُوسَى من الطّور اسْتخْلف أَخَاهُ هَارُون على قومه وَخرج مُوسَى إِلَى الْبقْعَة الَّتِي كلمة الله فِيهَا وَهُوَ صَائِم فَتطهر وطمع أَن الله يكلمهُ وَهُوَ فِي ذَلِك يكثر التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس والتمجيد (قصَّة السامري) ثمَّ إِن السامري عمل لبني إِسْرَائِيل بعد رواح مُوسَى إِلَى مُنَاجَاة ربه فَأخذ مِنْهُم مَا كَانَ مَعَهم من الزِّينَة والحلي وَاتخذ لَهُم عجلاً وَكَانَ مَعَه قَبْضَة من الرمل من السَّاحِل من تَحت فرس جِبْرِيل وطرحها فيجوف ذَلِك الْعجل فَصَارَ لَهُ خوار فَقَالَ لبني إِسْرَائِيل هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى , فَمَال إِلَيْهِ خلق وَامْتنع آخَرُونَ وَبلغ هَارُون ذَلِك فَقَالَ لَهُم إِن ربكُم الرَّحْمَن فَاتبعُوني وَأَطيعُوا أَمْرِي قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى) فاهتم لذَلِك وَلم يُمكنهُ التَّغْيِير عَلَيْهِم خشيَة الْفِتْنَة ومُوسَى لَا يعلم فَأوحى الله إِلَى مُوسَى وَمَا أعجلك عَن قَوْمك يَا مُوسَى؟ قَالَ هم أولاء على أثري وعجلت إِلَيْك رب لترضى قَالَ فَأَنا قد فتنا قَوْمك من بعْدك وَاحْتمل جِبْرِيل مُوسَى إِلَى الْموضع الَّذِي كَلمه فِيهِ ربه فَوقف وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (وقربناه نجيا) فَسمع مُوسَى فِي ذَلِك الْوَقْت صرير الْقَلَم حِين يجْرِي فِي اللَّوْح واللوح من الزمرد الْأَخْضَر وَأوحى الله إِلَى الْقَلَم إِن أكتب فَقَالَ الْقَلَم يَا رب وَمَا اكْتُبْ؟ أشرك بِي أدخلته النَّار يَا مُوسَى لَا تسرق مَال غَيْرك فَيحل عَلَيْك عَذَابي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَكتب غير ذَلِك

(ذكر قصة الرؤية)

(ذكر قصَّة الرُّؤْيَة) وَسَار ببني إِسْرَائِيل مُسْتَقْبلين الأَرْض المقدسة فَلَمَّا أَتَوا إِلَى جَانب الطّور أمره الله تَعَالَى أَن يُقيم ببني إِسْرَائِيل فِي ذَلِك الْمَكَان وَأَن يسْتَخْلف عَلَيْهِم هَارُون وظلل الْغَمَام ذَلِك الْجَبَل كُله ثمَّ دنا مِنْهُ مُوسَى فَأمره الله أَن يقطع الألواح من صَخْرَة صماء فقطعها وَكتب الله فِيهَا التوارة بيد الْقُدْرَة وَكَانَ مُوسَى يسمع جَرَيَان الْقَلَم فَحدث نَفسه بِالرُّؤْيَةِ لله عز وَجل (فَقَالَ رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك) فَأَنت الحنان المنان ذُو الْفضل وَالْإِحْسَان متفضل على بكرمك فَلَا تحرمني النّظر إِلَى وَجهك الْكَرِيم يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا مُوسَى سَأَلت شَيْئا لم يسْأَله أحد من خلقي فَهَل تَسْتَطِيع ذَلِك يَا مُوسَى فَإِنَّهُ لَا يراني أحد من خلقي إِلَّا خر صعقاً؟ فَقَالَ مُوسَى يَا رب أَرَاك وأموت أحب إِلَيّ من أَن لَا أَرَاك وَأَحْيَا فَأوحى الله إِلَيْهِ (يَا مُوسَى إِنَّك لن تراني وَلَكِن أنظر إِلَى الْجَبَل فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف تراني فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر مُوسَى صعقاً) لَا يعقل من أمره شَيْئا ثمَّ أَزَال الله خَوفه فَذَلِك قَوْله (فَلَمَّا أَفَاق قَالَ سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ) مَعْنَاهُ وَأَنا أول المصدقين بِأَنَّهُ لَا يراك أحد فِي الدُّنْيَا ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ (يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي فَخذ مَا آتيتك وَكن من الشَّاكِرِينَ) ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ (إِنَّا قد فتنا قَوْمك من بعْدك وأضلهم السامري بعباد الْعجل) (فَرجع مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا) وَاشْتَدَّ غَضَبه عَلَيْهِم (وَقَالَ بئْسَمَا خلفتموني من بعدِي) ثمَّ ألْقى الألواح وَعمد إِلَى أَخِيه هَارُون وَأخذ بلحيته وَقَالَ لَهُ لم لَا تبعتني لما رَأَيْتهمْ ضلوا أفعصيت أَمْرِي؟ فبك هَارُون وَقَالَ (يَا بن أُمِّي لَا تَأْخُذ بلحيتي) وَلَا برأسي فارفق بِي فَإِنِّي أكب مِنْك سنا (إِن الْقَوْم استضعفوني وكادوا يقتلونني) فَلَا تشمت بِي الْأَعْدَاء وَلَا تجعلني مَعَ الْقَوْم

الضالمين فاستحيا مُوسَى مِنْهُ ثمَّ خلاه وضمه إِلَى صَدره وَسَأَلَ الله الْمَغْفِرَة ولرحمة لَهُ ولأخيه ثمَّ اقبل مُوسَى على بني إِسْرَائِيل يعاتبهم فأخبروه بقول السامري فَأقبل على السامري وَهُوَ مغضب فَسَأَلَهُ عَن أمره فَأخْبرهُ بِمَا كَانَ فهم بقتْله فَأوحى الله بِهِ لَا تقتله فَإِنَّهُ سخي فِي قومه وَلَكِن أخرجه عَن عسكرك ثمَّ عمد مُوسَى إِلَى صَخْرَة عَظِيمَة وَلم يزل يضْرب بهَا الْعجل حَتَّى تقطع ثمَّ أحرقه بالنَّار حَتَّى صَار رَمَادا وذراه فِي الْبَحْر وَقَالَ لَو كَانَ هَذَا إِلَهًا كَانَ يدْفع عَن نَفسه وَسكت عَن مُوسَى الْغَضَب فَأقبل عل بني إِسْرَائِيل وَقَالَ لَهُم (إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل) فَقَالُوا يَا مُوسَى اسْأَل رَبك لنتوب فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن لَا تَوْبَة لَهُم لِأَن فِي قُلُوبهم مَرضا من حب الْعجل وَأخرج من رماد الْعجل وألقاه فِي المَاء ثمَّ أَمرهم ليشربوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يظْهر مَا فِي قُلُوبهم عل وُجُوههم فَلَمَّا فعل ذَلِك لم يبْقى أحد مِمَّن فِي قلبه مرض أَو غم من كسر الْعجل لَا أصبح مصفراً لَونه فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك أيقنوا بِالْمَوْتِ فَقَالُوا يَا مُوسَى مَا لنا وَالتَّوْبَة الْخَالِصَة وَقد أخلصنا فِي تَوْبَتنَا حَتَّى إِنَّك لَو سَأَلت رَبك أَن نقْتل أَنْفُسنَا لقتلناها فَأوحى الله إِلَى مُوسَى إِنِّي رضيت عَلَيْهِم بحكمهم فِي أنفسهم فَذَلِك قَوْله إِلَى (فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم) فَقَالُوا كَيفَ نقْتل أَنْفُسنَا وَنحن أهل وأقارب فَأنْزل الله عَلَيْهِم ظلمَة فَلم يبصر بَعضهم بَعْضًا حَتَّى أَن الرجل كَانَ يَأْتِي إِلَى أَخِيه وَابْن عَمه فيقتله وَهُوَ لَا يعرفهُ وَكَانَ السِّلَاح لَا يعْمل فِيمَن لم يعبد الْعجل وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى خَاضُوا فِي الدِّمَاء فاستغاثوا يَا مُوسَى الْعَفو الْعَفو فَبكى مُوسَى ودعا إِلَى الله تَعَالَى بِالْعَفو عَنْهُم فارتفعت عَنْهُم الظلمَة ثمَّ أقبل عَلَيْهِم مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ وَقَالَ هَذَا كتاب ربكُم فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام وَألا حكام الشَّرْعِيَّة وَالسّنَن والفرائض وَالرَّجم للزاني والزانية المحصنين وَالْقطع للسارق

وَالْقصاص من كل ذَنْب يكون مِنْكُم فضجوا من ذَلِك وَقَالُوا لَا حَاجَة لنا بِهَذِهِ الْأَحْكَام وَمَا كُنَّا عَلَيْهِ من عبَادَة الْعجل كَانَ أرْفق بِنَا فَلم يكن فِي عِبَادَته علينا قطع وَلَا رجم وَلَا قصاص (قصَّة الْجَبَل) فَقَالَ مُوسَى يَا رب إِنَّك تعلم إِنَّهُم قد ردوا كتابك وكذبوا بياتك فَأمر الله جِبْرِيل أَن يرفع طور سيناء فِي الْهَوَاء عل عَسْكَر بني إِسْرَائِيل فرفعه على رؤوسهم فِي الْهَوَاء حَتَّى إِنَّهُم لم يرَوا السَّمَاء مِنْهُ ونودوا يَا بني إِسْرَائِيل إِن قبلتم هَذَا الْكتاب وَإِلَّا القي عَلَيْكُم هَذَا الْجَبَل فَلَمَّا نظرُوا إِلَى الْجَبَل وَهُوَ بدنو مِنْهُم حَتَّى ظنُّوا إِنَّه سَاقِط عَلَيْهِم أيقنوا بِالْمَوْتِ خروا سجدا وقبلوا الْكتاب فَلَمَّا قبلوا الْكتاب رد الله عَنْهُم الْجَبَل (قصَّة الْحجر) وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل إِذا اغتسلوا فِي مواضعهم يكشفون عَوْرَاتهمْ وَكَانُوا يرَوْنَ مُوسَى فاغتساله مَسْتُورا فاعتقدوا فِيهِ أَن بِبدنِهِ عَيْبا وَكَانَ إِذا اغْتسل وضع ثَوْبه على حجر هُنَاكَ ثمَّ يضْرب الْحجر بعصاه حَتَّى يَنْبع منع المَاء فَيغسل فَفعل ذَلِك يَوْمًا من الْأَيَّام فانقلع الْحجر من مَكَانَهُ بِإِذن الله تَعَالَى حَتَّى وقف على جمَاعَة من بني إِسْرَائِيل فنظروا إِلَى مُوسَى فَلم يرَوا فِي بدنه عَيْبا من الْعُيُوب فَنَدِمُوا عل مَا قَالُوا فَذَلِك قَوْله تعال (فبرأه الله مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد الله وجيها) (قصَّة طلب الرُّؤْيَة) ثمَّ طلب بَنو إِسْرَائِيل من مُوسَى الرُّؤْيَة (فَقَالُوا أرنا الله جهرة) فَأوحى الله إِلَيْهِ إِن اختر من قَوْمك سبعين رجلا وسر بهم إِلَى الطّور وأحمل مَعَك أَخَاك

هَارُون واستخلف عل قَوْمك يُوشَع بن نون فَفعل ذَلِك وَسَار بهم نَحْو الْجَبَل من السَّمَاء إِن بني إِسْرَائِيل فصعقوا كلهم وماتوا فَحزن عَلَيْهِم مُوسَى وَقَالَ (رب لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا - يَعْنِي من عبدُوا الْعجل - إِن هِيَ إِلَّا فتنتك - يَعْنِي ابتلاؤك - تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء أَنْت ولينا فَاغْفِر لنا وارحمنا) الْآيَة رد الله أَرْوَاحهم وَذَلِكَ قَوْله تعال (ثمَّ بعثنَا كم من بعد موتكم) وَرَجَعُوا من معسكرهم فرحين وأخبروا قَومهمْ بِمَا رَأَوْهُ ثمَّ إِنَّهُم بدلُوا التَّوْرَاة بعد ذَلِك وَزَادُوا ونقصوا مِنْهَا وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (يحرفونه من بعد مَا عقلوه وهم يعلمُونَ) (قصَّة الجبارين والتيه والحطة) ثمَّ أوح الله إِلَيْهِ أَن يسير بهم إِلَى الأَرْض المقدسة فَإِذا أردتم دُخُولهَا فَلَا تدخلوها إِلَّا ساجدين شاكرين لربكم على تبليغكم إِيَّاهَا فَقَاتلُوا الجبارين وجاهدوهم وستثقلوا ذَلِك واستبعدوا الأَرْض المقدسة واختاروا أَيَّام فِرْعَوْن على هَذِه الْأَيَّام فَأوحى الله إِلَى مُوسَى إِنِّي ممطر عَلَيْهِم الْمَنّ وآمر الرّيح أَن تأتيهم بالسلوى وَالْحجر أَن ينفجر لَهُم بِمَاء عذب وَأمرت الْغَمَام أَن يسير مَعَهم واخفافهم لَا تنقب ثِيَابهمْ تكون بِقدر صغارهم وكبارهم فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك طابت نُفُوسهم وَسَارُوا الْأَمر على ذَلِك ثمَّ اخْتَار مُوسَى اثْنَي عشر رجلا بِإِذن الله تَعَالَى ووجههم إِلَى أرِيحَا مَدِينَة الجبارين فيأتوه بخبرها وَصفَة أَهلهَا فَخَرجُوا وَمَعَهُمْ يُوشَع بن نون فَلَمَّا قربوا من الْمَدِينَة اسْتَقْبَلَهُمْ رجل من الجبارين فساقهم بَين يَدَيْهِ إِلَى أرِيحَا فَاجْتمعُوا عَلَيْهِم يتعجبون من ضعف أبدانهم وَقَالُوا هَؤُلَاءِ الَّذين يَزْعمُونَ إِنَّهُم يخرجوننا من مدينتنا وهموا بِقَتْلِهِم ثمَّ اقْتضى رَأْيهمْ أَن يَدعُوهُم ليكونوا عبيدا لَهُم فَلَمَّا أقبل اللَّيْل هربوا عل وُجُوههم وَلم يزَالُوا حَتَّى وصلوا إِلَى معسكر بني إِسْرَائِيل وأخبروهم بذلك

فَبلغ مُوسَى مَا صَنَعُوا فَدَعَاهُمْ وَقَالَ لَهُم ألم أقل لكم اكتموا مَا ترَوْنَ فَلم تقبلُوا حَتَّى هولتم عَلَيْهِم وأرعبتم قُلُوبهم ثمَّ دَعَا عَلَيْهِم فَمَاتَ مِنْهُم عشر وبقى رجلَانِ يُوشَع وكالب فَإِنَّهُمَا كَانَا كتماه ثمَّ وَقع الْخَوْف فِي بني إِسْرَائِيل من الجبارين وَقَالُوا يَا مُوسَى إِن مملك فِرْعَوْن كَانَت أخف علينا مِمَّا نَحن فِيهِ وَدخُول مَدين الجبارين وَإِنَّا لن ندْخلهَا حَتَّى يخرجُوا مِنْهَا فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ وَاخْتلفُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول لَهُم (يَا قوم لَا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) فَقَالَ عِنْد ذَلِك يُوشَع ابْن نون وكالب (أدخلُوا عَلَيْهِم الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون) فَلم يلْتَفت إِلَى قَوْلهمَا (فَقَالَ مُوسَى رب إِنِّي لَا أملك إِلَّا نَفسِي وَأخي فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الْفَاسِقين) فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ يَقُول (فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة يتيهون فِي الأَرْض فَلَا تأس على الْقَوْم الْفَاسِقين) وَلم يدْخل الأَرْض المقدسة أحد مِمَّن ولد بِمصْر وسلط الله عَلَيْهِم التيهَان فَكَانَ كلما حرج وَاحِد مِنْهُم يتيه فِي الأَرْض فَلَا يَهْتَدِي أَن يرجع حَتَّى يَمُوت وَأما الْمُؤمنِينَ فَلَا يموتون وَإِن تاهوا فلمم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى انقرض آخِرهم على رأٍ س أَرْبَعِينَ سنة وَسَار مُوسَى إِلَى بَاب حطة وَعَلِيهِ مَكْتُوب اسْم الله الْأَعْظَم وَاقْبَلْ الْمُؤمنِينَ فسجدوا عِنْد الْبَاب وَدخل أَوْلَاد الْفَاسِقين وهم يَقُولُونَ حِنْطَة حَمْرَاء فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (فبدل الَّذين ظلمُوا قولا غير الَّذِي قيل لَهُم فأنزلنا على الَّذين ظلمُوا رجزاً من السَّمَاء بِمَا كَانُوا يفسقون) يَعْنِي أَخذهم الطَّاعُون حَتَّى مَاتُوا جَمِيعًا ثمَّ غلب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام على أهل مَدين أرِيحَا واسر من كَانَ فِيهَا من الجبارين وَتَفَرَّقُوا على الْبِلَاد حَتَّى أهلكهم الله تَعَالَى وَسَار مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ببني إِسْرَائِيل يُرِيد مَدِينَة بلقا فَجَاءَهَا وَقتل ملكهَا

وغنم بَنو إِسْرَائِيل من أَرض البلقا من النِّسَاء والولدان شَيْئا كثيرا ثمَّ إِن بني إِسْرَائِيل ملوا من أكل الْمَنّ والسلوى (فَقَالُوا يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك يخرج لنا مِمَّا تنْبت الأَرْض من بقلها وقثاءها وفومها وعدسها وبصلها فَأَنا لن نصبر على طَعَام وَاحِد فَقَالَ لَهُم مُوسَى أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير) فأبدلهم الله بالمن والسلوى مَا سَأَلُوا وَرفع عَنْهُم ذَلِك وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (اهبطوا مصرا لكم مَا سَأَلْتُم) وهم يزِيدُونَ على أَرْبَعِينَ ألفا (قصّ قَارون) وَكَانَ لمُوسَى رجل يُقَال لَهُ قَارون بن مُصعب وَهُوَ ابْن عَم مُوسَى وَكَانَ فَقير جدا فتعلم صنع الكيمياء من كُلْثُوم أُخْت مُوسَى وَكَانَت تعرف ذَلِك فرزق مَالا عَظِيما يضْرب بِهِ الْمثل على طول الدَّهْر وَكَانَت مَفَاتِيح كنوزه تحمل على أَرْبَعِينَ بغلا وَبني دَارا وصفحها بِالذَّهَب وَجعل أَبْوَابهَا من ذهب وتكبر بِسَبَب كَثْرَة مَاله على مُوسَى وقذفه وَخرج من طَاعَته وأحضر امْرأ بغياً وأمرها بِقَذْف مُوسَى بِنَفسِهَا فَبلغ ذَلِك مُوسَى فَغَضب وَقَالَ يَا رب أَن قَارون قد بغى عَليّ فانصرني عَلَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي أمرت الأَرْض بالطاع لَك وسلطتك عَلَيْهِ فَأقبل مُوسَى حَتَّى دخل على قَارون وَقَالَ يَا عَدو الله بعثت إِلَيّ الْمَرْأَة واتهمتني على رُؤُوس بني إِسْرَائِيل وَأَنت تُرِيدُ فضحيتي يَا أَرض خذيه فساخت دَاره فِي الأَرْض ذِرَاعا وَسقط قَارون من علو سَرِيره فَأَخَذته الأَرْض إِلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا مُوسَى اغثني فَقَالَ يَا عَدو الله تبني مثل هَذِه الدَّار وتشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَنا أَدْعُوك إِلَى حظك فَلَا تقبله وَتقول إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم عِنْدِي يَا ارْض خذيه فَأَخَذته الأَرْض وَذَلِكَ قَوْله تعالي (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض فَمَا كَانَ لَهُ من فِئَة ينصرونه من دون الله وَمَا كَانَ من المنتصرين وَأصْبح الَّذين تمنوا مَكَانَهُ

بالْأَمْس يَقُولُونَ ويكأن الله يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده ويقدره) الْآيَة قَالَ الله تَعَالَى (تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين) (قصَّة الْخضر واجتماعه مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام) أذن الله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي الِاجْتِمَاع بالخضر عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ مَسْكَنه فِي جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر فَانْطَلق إِلَيْهِ مُوسَى وَاجْتمعَ بِهِ فَكَانَ من شَأْنهمَا مَا نَص الله عَلَيْهِ فِي كِتَابه الْعَزِيز وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى (وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما) قَالَ كَانَ لوحاً من ذهب مَكْتُوب عَلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله عجبا لمن يُؤمن بِالْقدرِ كَيفَ يحزن وعجباً لمن يرى الدُّنْيَا وتصاريف أَهلهَا كَيفَ يطمئن إِلَيْهَا وَلما فَارق مُوسَى الْخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام وودعه سَار عَنهُ حَتَّى عَاد إِلَى بني إِسْرَائِيل (قصَّة الْبَقَرَة) وَكَانَ فِي زمن بني إِسْرَائِيل وَأَيَّام مُوسَى عبد صَالح فَمَاتَ وَترك امْرَأَته حَامِلا فَولدت بعده غُلَاما فَسَمتْهُ أمه مِيشَا فَكبر وَكَانَ صَالحا باراً بِأُمِّهِ فأعلمته أمه أَن أَبَاهُ خلف عجلة وَإِنَّهَا دفعتها لِلرَّاعِي وَهِي عِنْده وأمرته بأخذها مِنْهُ فَتوجه إِلَى الرَّاعِي وَأَخذهَا مِنْهُ فَلَمَّا عَاد قَالَت لَهُ أمه هَذِه بقرتك بَارك الله لَك فِيهَا فَانْطَلق بهَا إِلَى السُّوق فتعرض لَهُ ملك من مَلَائِكَة وَقَالَ لَهُ أَيهَا الْفَتى الْبَار لامه بكم تبيعها؟ فَقَالَ الفت بِثَلَاثَة دَنَانِير بِشَرْط أَن أَسْتَأْذن أُمِّي فَقَالَ لَهُ خُذ لَك خَمْسَة دَنَانِير وَلَا تستأذن أمك فأب وَعَاد إِلَى أمه فَأَخْبرهَا فَقَالَت لَهُ يَا بني ارْجع وبعها بِخَمْسَة دَنَانِير

فَعَاد بهَا إِلَى السُّوق فَجَاءَهُ الْملك وَقَالَ بكم تبيعها؟ فَقَالَ بِخَمْسَة دَنَانِير عل أَن اسْتَأْذن أُمِّي فَقَالَ لَهُ الْملك خُذ لَك عشرَة دَنَانِير وَلَا تستأذن أمك فَلم يفعل وَعَاد إِلَى أمه وأخبرها فَقَالَت لَهُ يَا بني فِي غَد بعها بِعشْرَة دَنَانِير عل أُذُنِي وَأعلم يَا بني إِنَّهَا تَسَاوِي عشرَة دَنَانِير غير أَن الَّذِي يتَعَرَّض لَك فِي شِرَائهَا ملك يستخبرك كَيفَ برك لامك وطاعتك إِيَّاهَا فَإِذا جَاءَك فَقل لَهُ أَيهَا الْملك المقرب فبكم أبيعها وَافْعل مَا يَقُول لَك فَلَمَّا كَانَ من الْغَد جَاءَهُ الْملك وَقَالَ لَهُ قد جئْتُك اطلب بقرتك ثَلَاث مَرَّات فَلم تَبِعنِي إِيَّاهَا فَقَالَ لَهُ إِن أُمِّي أَخْبَرتنِي إِنَّك لست بآدمي وَإِنَّمَا أَنْت ملك من الْمَلَائِكَة فَأَخْبرنِي مَا أصنع ببقرتي؟ فَقَالَ لَهُ الْملك ردهَا إِلَى مَنْزِلك فَإِنَّهُ سيقتل فِي بني إِسْرَائِيل قَتِيل وَلَا يعْرفُونَ قَاتله فيشترون بقرتك ليحي الْقَتِيل بهَا فتبيعها بِمَا تُرِيدُ فَانْصَرف الفت إِلَى أمه وأخبرها بذلك وألقوه على بَاب من أَبْوَاب أهل الْقرْيَة واستعدوا إِلَى مُوسَى وَادعوا عل الَّذِي وجدوا الْقَتِيل عل بَابه فَحلف الَّذِي وجد على بَابه بَين يَدي مُوسَى " ع " أَرْبَعِينَ يَمِينا أَنه مَا قَتله وَشهد من بني إِسْرَائِيل أَرْبَعُونَ شَاهدا بصلاح الْمُتَّهم فتحير مُوسَى من ذَلِك فأوح الله إِلَيْهِ أَن قل لأولياء الْمَقْتُول يشتروا بقرة ويذبحوها ويضربوا بِبَعْضِهَا بدن الْمَقْتُول حَتَّى يحييه الله تَعَالَى لَهُم ويخبرهم بِالَّذِي قَتله فَقَالَ لَهُم مُوسَى ذَلِك (فَقَالُوا أتتخذنا هزوا) فَقَالَ لَهُم (أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين) قَالُوا يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا صفة الْبَقَرَة فأوح الله إِلَيْهِ (إِنَّهَا بقرة لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك) يَعْنِي لَا كَبِيرَة وَلَا صَغِيرَة فَقَالَ لَهُم مُوسَى ذَلِك (فَقَالُوا ادْع لنا رَبك أَن يبين لنا مَا لَوْنهَا قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقر صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين) فَلَمَّا قَالَ لَهُم ذَلِك (قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ إِن الْبَقر تشابه علينا وَإِنَّا

إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ) فأوح الله إِلَيْهِ (إِنَّهَا بقرة لَا ذَلُول تثير الأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث) أَي مذللة للْعَمَل تثير الأَرْض تقبلهَا للزِّرَاعَة وَلَا تَسْقِي الْحَرْث أَي إنساني (مسلمة - برئية من الْعُيُوب - لَا شية فِيهَا) وَإِنَّمَا لَوْنهَا وَاحِد فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك من مُوسَى اجتهدوا فِي طلبَهَا فَلم يَجدوا هَذِه الصّفة إِلَّا عِنْد مِيشَا الْبَار بِأُمِّهِ وَلَو كَانُوا فِي ابْتِدَاء الْأَمر ذَبَحُوا بقرة سواهَا كَانَت أغنت عَنْهَا بِظَاهِر الْأَمر الأول غير إِنَّهُم شَدَّدُوا عل أنفسهم فَشدد الله عَلَيْهِم فجاؤا إِلَى مِيشَا ليبعهم الْبَقَرَة فَامْتنعَ وَقَالَ إِنَّا أبيعها لمُوسَى فرضوا بذلك وَأخرج مِيشَا بقرته وَسَار بهَا إِلَى مُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى بكم هَذِه؟ فَقَالَ مِيشَا الْبَار بِأُمِّهِ أبيعها بملأ جلدهَا ذَهَبا لَا يزِيد وَلَا ينقص فَقَالُوا لَهُ هَذَا شَيْء كثير لَا قدر لنا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِن ذَلِك من أجل تشديدكم فِي الْأَمر فضمن مُوسَى ثمن الْبَقَرَة عل بني إِسْرَائِيل وَسلم إِلَيْهِم الْبَقر , قَالَ الله تَعَالَى (فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) يَعْنِي مَا كَادُوا معتقدين بوفاء ثمنهَا فَلَمَّا ذبحوها قطعُوا ذنبها وضربوا بِهِ الْقَتِيل فَاسْتَوَى قَاعِدا فَسَأَلُوهُ عَن الَّذِي قَتله فَقَالَ لَهُم قتلني فلَان وَفُلَان ثمَّ خر مَيتا فَقَتَلَهُمَا مُوسَى " ع " بذلك الْقَتِيل ثمَّ أَمرهم بسلخ الْبَقَرَة فسلخوها وملئوا جلدهَا ذَهَبا وَدفعه مُوسَى لصَاحِبهَا مِيشَا وَذَلِكَ قَوْله تعال (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى ويريكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تعقلون) (ذكر وَفَاة هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام) ثمَّ نظر هَارُون إِلَى الْجَبَل بالتيه وَهُوَ بعيد عَن معسكر بني إِسْرَائِيل فَقَالَ يَا مُوسَى أَلا تنظر إِلَى ذَلِك الْجَبَل وَمَا فِيهِ من الخضرة؟ فَقَالَ لَهُ بلَى وَلَكِن إِلَى غذ إِن شَاءَ الله نمضي إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ من الْغَد مضيا إِلَيْهِ وَمَعَ هَارُون أَوْلَاده فَلَمَّا وصلوا الْجَبَل وَإِذا فِيهِ كهوف كَثِيرَة وَإِذا بكهف مِنْهَا يسطع مِنْهُ النُّور فتبادروا

إِلَيْهِ فَلَمَّا دخلُوا الْكَهْف نظرُوا فِيهِ سريراً من الذَّهَب وَعَلِيهِ أَنْوَاع الْفرش ومكتوب عل حافته بالعبرانية هَذَا السرير لمن كَانَ عل طوله فَصَعدَ مومس عل السرير فَلَمَّا مد رجلَيْهِ فضلت من طوله فَنزل مُوسَى عَنهُ وَصعد هَارُون واضطجع عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ عل طوله فهم أَن ينزل فَإِذا هُوَ بِملك الْمَوْت قد دخل عَلَيْهِم فَسلم عَلَيْهِم وأعلمهم إِنَّه ملك الْمَوْت أرْسلهُ الله تَعَالَى ليقْبض روح هَارُون فَدَمَعَتْ عَيناهُ وَقَالَ لِأَخِيهِ مُوسَى - وَهُوَ ينظر إِلَى ملك الْمَوْت - يَا مُوسَى أوصيك بأولادي وَأَهلي تقربهم إِلَيْك وتقرئ سلامي على بني إِسْرَائِيل ثمَّ أَمر ملك الْمَوْت مُوسَى أَن يخرج من الْكَهْف فَخرج فَقبض الْملك روح هَارُون " ع " قَبْضَة الْمَلَائِكَة ثمَّ دخل مُوسَى وَأَوْلَاد هَارُون الْكَهْف فأخرجوا هَارُون وغسلوه وصلوا عَلَيْهِ ووضعوه فِي الْكَهْف وسدوا بَابه وَانْصَرف مُوسَى إِلَى بني إِسْرَائِيل وَأخْبرهمْ بِمَوْت أَخِيه فاتهموه بقتْله فَقَالَ لَهُم مُوسَى يَا سُفَهَاء بني إِسْرَائِيل مَاذَا لقِيت مِنْكُم أقتل اخي وشقيقي وعضدي؟ ودعا ربه أَن يُبرئهُ عِنْدهم فَأمر الله الْمَلَائِكَة ليحملوا سَرِير هَارُون وَقد قَبضه الله إِلَيْهِ فبكوا وحزنوا عَلَيْهِ لأَنهم يجبونه ثمَّ خَلفه بعده ابْنه الْعيزَار وَأَعْطَاهُ الله وقار هَارُون وَلينه وسكونه وَشبهه فَكَانُوا لَا يَشكونَ إِنَّه هَارُون فَأَحبُّوهُ حبا شَدِيدا (ذكر موت مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام) ثمَّ قرب أجل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ فِي بني إِسْرَائِيل خَطِيبًا فَخَطب لَهُم ووعظهم وخوفهم وَأَنْذرهُمْ وحذرهم وأشهدهم على أنفسهم وَأشْهد الله عَلَيْهِم إِنَّه بَلغهُمْ الرسَالَة وَأمرهمْ بِالطَّاعَةِ وَالتَّقوى وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر واستخلف يُوشَع بن نون على بني إِسْرَائِيل

وَلما فرغ من وَصيته أُوحِي الله إِلَيْهِ إِنِّي قَابض روحك وَذكره بِمَا أنعم عَلَيْهِ من النُّبُوَّة والرسالة والتكليم فاعترف بِنِعْمَة الله وحمده وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ نزل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت وَهُوَ جَالس يَتْلُو التَّوْرَاة فَسلم عَلَيْهِ وَقبض روحه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرسل الله ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكه ففقأ عينه فَرجع إِلَى ربه عز وَجل وَقَالَ يَا رب أرسلتني إِلَى عبد لَا يُرِيد الْمَوْت قَالَ فَرد الله إِلَيْهِ عينه وَقَالَ لَهُ ارْجع إِلَيْهِ وَقل لَهُ يضع يَده على متن ثَوْر فَلهُ بِكُل مَا غطت يَده بِكُل شَعْرَة سنة فَجَاءَهُ وَقَالَ لَهُ ذَلِك فَقَالَ يَا رب ثمَّ وَمَا بعد ذَلِك؟ قَالَ ثمَّ الْمَوْت فَقَالَ الْآن فَسَأَلَ الله أَن يدينه من الأَرْض المقدسة برمية حجر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو كنت لَأَرَيْتُكُمْ قَبره إِلَى جَانب الطَّرِيق عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر وَكَانَت وَفَاته فِي التيه فِي السَّابِع شهر آذار لمضي ألف وسِتمِائَة وست وَعشْرين سنة من الطوفان وَكَانَ مَوته بعد أَخِيه هَارُون بِإِحْدَى عشرَة سنة وَقيل غير ذَلِك وَكَانَ هَارُون أكبر من مُوسَى بِثَلَاث سِنِين وعاش مُوسَى مائَة وَعشْرين سنّ وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبَعمِائَة مرّة وَكَانَ جملَة مقَام بني إِسْرَائِيل بِمصْر حِين أخرجهم مُوسَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسَة عشر سنة وَبَين وَفَاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَالْهجْرَة الشريف النَّبَوِيَّة أَلفَانِ وثلاثمائة وثمان وَأَرْبَعُونَ سنة عل اخْتِيَار المؤرخين وَقد مض من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من وَفَاة مُوسَى إِلَى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَتَيْنِ وثمانياً وَأَرْبَعين سنة وَمَات مُوسَى وَلم يعرف أحد من بني إِسْرَائِيل أَيْن قَبره وَلَا أَيْن توجه فماج النَّاس فِي أمره وَلَبِثُوا كَذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام لَا ينامون اللَّيْل فَلَمَّا كَانَ ثَالِث لَيْلَة غشيتهم سَحَابَة على قدر بني إِسْرَائِيل فَسَمِعُوا مِنْهَا منادياً يَقُول بِأَعْلَى صَوته مَاتَ مُوسَى وَأي نفس لَا تَمُوت وَلم يزل يُكَرر ذَلِك القَوْل حَتَّى فهمه النَّاس كلهم

وَعَلمُوا أَنه قد مَاتَ فَلم يعرف أحد من بني إِسْرَائِيل أَيْن قَبره وَنقل إِنَّه دفن فِي الْوَادي من الأَرْض الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَاخْتلف النَّاس فِي مَحل قَبره فَقيل - وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد النَّاس - إِنَّه شَرْقي بَيت الْمُقَدّس بَينه وَبَين بَيت الْمُقَدّس مرحلة ودربه عسر لِكَثْرَة الوعر وَعَلِيهِ بِنَاء وداخله مَسْجِد وَعَن يَمِينه قبَّة معقودة بِالْحِجَارَةِ وفيهَا ضريحه وَيَضَع عل قَبره فِي أَيَّام موسم زيارته ستر من حَرِير أسود وعل السّتْر طراز أَحْمَر مزركش دائر على جَمِيع أَطْرَافه بِالذَّهَب وَالْأَكْثَر ون على أَن هَذَا قَبره وَفِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِهِ لَيْلَة الْإِسْرَاء وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر وَالَّذِي بني الْقبَّة الْمَذْكُورَة الْملك الظَّاهِر بيبرس رَحمَه الله عِنْد عوده من الْحَج وزيارته بَيت الْمُقَدّس فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة ثمَّ بنى بعده أهل الْخَيْر وَزَادُوا زيادات فِي الْمَسْجِد وَحَوله فَحصل النَّفْع بذلك للزائر ثمَّ فِي سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وسع دَاخل الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة وَلم تكمل عِمَارَته إِلَى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ بنى بِهِ منار بعد الثَّمَانِينَ والثمانمائة وَهَذَا الْمَكَان بِالْقربِ من أرِيحَا الْغَوْر من أَعمال بَيت الْمُقَدّس وَأهل بَيت الْمُقَدّس يقصدون زيارته فِي كل سنة عقب الشتَاء ويقيمون عِنْده سَبْعَة أَيَّام وَقد ظهر فِي هَذَا الْمَكَان أَشْيَاء من أَنْوَاع المعجزات منا إِنَّه عِنْد الضريح الَّذِي بداخل الْقبَّة لَا يزَال يرى فَوق الْمِحْرَاب خيال أشباح ألوانهم مُخْتَلفَة مِنْهُم صفة الرَّاكِب وَمِنْهُم صفة الْمَاشِي وَمِنْهُم من على كتفه رمح وَمِنْهُم لابس أَبيض وَمِنْهُم لابس أَخْضَر ويصافح بَعضهم بَعْضًا وَغير ذَلِك مِمَّن الصِّفَات وَلِلنَّاسِ فِي ذَلِك أَقْوَال مُخْتَلفَة فَيُقَال إِنَّهُم الْمَلَائِكَة وَيُقَال إِنَّهُم الصالحون وينظرهم كل النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء والأطفال وَلَا يخفون عل أحد وَإِذا دخل الْمَسْجِد امْرَأَة من النِّسَاء يكون عَلَيْهَا حيض أَو جناب أَو فعل أحد حول الْمَسْجِد مُنْكرا من الْمعاصِي يثور هَوَاء فِي تِلْكَ الْبَريَّة حَتَّى لَا يقدر الرجل على

رُؤْيَة من بجانبه وتنقطع حبال الْخيام وتقلع الْخيام من مَكَانهَا وَغير ذَلِك من الخوارق الباهرات الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على إِنَّه صل الله عَلَيْهِ وَسلم مدفون هُنَاكَ فِي هَذَا الْمَكَان (فَائِدَة) فَإِن قيل لم سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الدنو من الأَرْض المقدسة وَلم يسْأَل بَيت الْمُقَدّس وَلَا مَكَانا مَخْصُوصًا مَعْرُوفا عِنْد النَّاس؟ فَالْجَوَاب عَنهُ مَا رَوَاهُ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ الدنو من الأَرْض المقدسة لشرفها وَلم يسْأَل مَكَانا مَعْرُوفا خوفًا من أَن يعبد وَلَا يُنَافِي سُؤَاله الدنو من الأَرْض المقدسة القَوْل بِأَن قَبره بِبَيْت الْمُقَدّس فَإِنَّهُ سَأَلَ شَيْئا أعطَاهُ الله فَوْقه وَهَذَا شَأْن الْكَرِيم يُعْطي فَوق الْمَطْلُوب وَأما صلَاته فِي قَبره فَلم تكن بِحكم التَّكْلِيف بل بِحكم الْإِكْرَام والتشريف لِأَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام حبب إِلَيْهِم فِي الدُّنْيَا عبَادَة الله تَعَالَى وَالصَّلَاة فَكَانُوا يلازمون ذَلِك وتوافقوا عَلَيْهِ فشرفهم الله تعال بإبقائهم عل مَا كَانُوا يصنعون وَيُحِبُّونَ فعله فِي الدُّنْيَا فعبادتهم إلهامية كعبادة الْمَلَائِكَة لَا تَكْلِيف فِيهَا وَأما رأفته بِهَذِهِ الْأمة فسيتي طرف مِنْهَا فِي قصَّة الْإِسْرَاء (ذكر السَّبَب فِي ملك سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام) أَقُول - بِاللَّه التَّوْفِيق - لما توفّي سيدنَا مُوسَى الكليم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ بعد وَفَاته بتدبير بني إِسْرَائِيل يُوشَع وَهُوَ من ذُرِّيَّة يُوسُف بن يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام وَبَعثه الله نَبيا وَأمره بقتل الْجَبَابِرَة فَتوجه ببني إِسْرَائِيل إِلَى أرِيحَا الْغَوْر وأحاط بهَا سِتّ اشهر فَلَمَّا كَانَ السَّابِع نفخوا فِي الْقُرُون وضج الشّعب ضجة وَاحِدَة فَسقط السُّور فَدَخَلُوا وقاتلوهم وهجموا عل الْجَبَابِرَة فهزموهم وقتلوهم وَكَانَ يَوْم الْجُمُعَة

فَبَقيت مِنْهُم بَقِيَّة وكادت الشَّمْس تغرب وَتدْخل ليل السبت فَقَالَ اللَّهُمَّ أردد الشَّمْس عَليّ وَسَأَلَ الْمس أَن تقف حَتَّى ينْتَقم من أَعدَاء الله قبل دُخُول السبت فوقفت الشَّمْس وَزيد فِي النَّهَار سَاعَة حَتَّى قَتلهمْ أَجْمَعِينَ وتتبع مُلُوك الشَّام وإستباحهم وَملك يُوشَع الشَّام وَفرق عماله وَاسْتمرّ يدبر بني إِسْرَائِيل ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ سنة ثمَّ توفّي يُوشَع وَله من الْعُمر مائَة وَعِشْرُونَ سنة وَدفن فِي كفل حَارِث وَهِي قَرْيَة من أَعمال نابلس وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَعشْرين لوفاة مُوسَى وَقيل إِنَّه مدفون فِي المعرة ثمَّ ولي على بني إِسْرَائِيل جمَاعَة من الْمُلُوك وَاحِد بعد وَاحِد وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر أسمائهم لِأَن المُرَاد هُنَا الِاخْتِصَار ثمَّ ولي عَلَيْهِم شمويل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ مولده بقرية لَهَا سيلوا وَقيل إِنَّهَا الْقرْيَة المشتهرة الْآن بالسيلة من أَعمال جبل نابلس وتنبأ بعد أنصار لَهُ من الْعُمر أَرْبَعُونَ سنة فدبر شمويل بني إِسْرَائِيل إِحْدَى عشرَة سنة ومنتهى هَذِه الإحدى عشرَة سنة هِيَ آخر سني حكام بني إِسْرَائِيل وقضاتهم فَيكون انْقِضَاء سني حكمهم فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ حضر بَنو إِسْرَائِيل إِلَى شمويل وسألوه أَن يُقيم فيهم ملكا فَأَقَامَ فيهم شاول وَهُوَ طالوت بن قيس من سبط بنيانين وَلم يكن طالوت من أعيانهم قيل إِنَّه كَانَ رَاعيا وَقيل كَانَ سقاء وَقيل دباغاً فَملك طالوت سنتَيْن واقتتل هُوَ وجالوت وَكَانَ جالوت من جبابرة الكنعانيين وَكَانَ ملكه بجهات فلسطين وَكَانَ من الشدَّة وَطول الْقَامَة بمَكَان عَظِيم فَلَمَّا برزوا لِلْقِتَالِ طلب طالوت دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام - وَكَانَ أَصْغَر بني أَبِيه - وَأمره بمبارزة جالوت بعد أَن رأى فِيهِ العلائم الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على إِنَّه هُوَ الَّذِي يقتل جالوت وَهِي دهن كَانَ يستدير على رَأس من يكون فِيهِ السِّرّ وأحضر أَيْضا تنوراً حديداً وَقَالَ الشَّخْص الَّذِي يقتل جالوت يكون مَلأ هَذَا التَّنور فَلَمَّا اعْتبر دَاوُد مَلأ

التَّنور واستدار الدّهن عل رَأسه وَلما تحقق ذَلِك مِنْهُ بالعلام أمره طالوت أَن يبارز جالوت فبارزه وَقتل دَاوُد جالوت وَكَانَ عمر دَاوُد إِذْ ذَاك ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ بعد ذَلِك مَاتَ شمويل فدفنه بَنو إِسْرَائِيل فِي اللَّيْل وناحوا عَلَيْهِ وَكَانَ عمره اثْنَيْنِ وَخمسين سنة وَأحب النَّاس دَاوُد ومالوا إِلَيْهِ بالمحبة فحسده طالوت حسداً عَظِيما وَقصد قَتله مرّة بعد أخر فهرب دَاوُد مِنْهُ وَبَقِي متحرزاً عل نَفسه ثمَّ نَدم طالوت بعد ذَلِك عل مَا كَانَ مِنْهُ فِي حق دَاوُد عل مَا قصد من قَتله ثمَّ إِن طالوت قصد فلسطين للغزاة وَقَاتلهمْ حَتَّى قتل هُوَ وَأَوْلَاده فِي الْغُزَاة فَيكون مَوته فِي أَوَاخِر سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ ملك بعد ذَلِك وَلَده أشر يوشت وَكَانَ ملكه على أحد عشر سبطاً من بني إِسْرَائِيل وَخرج من حكمه سبط يهوذا بَين يَعْقُوب فَقَط فملكوا عَلَيْهِم سيدنَا دَاوُد وَهُوَ من ذُرِّيَّة يهوذا الْمَذْكُور ثمَّ ملك عَلَيْهِم جَمِيعهم دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ دَاوُد بن بيشي بن عوفيل بن يوعز بن سَلمُون بن مجشون بن عينارات بن ردم ابْن حضرون بن يارض بن يهوذا بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ مقَام دَاوُد يجبرون فَلَمَّا استوثق لَهُ الْملك وَدخلت جَمِيع الأسباط تَحت طَاعَته وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ من عمره انْتقل إِلَى الْقُدس الشريف ثمَّ فتح فِي الشَّام فتوحات كَثِيرَة من أَرض فلسطين وَغَيرهَا من الأقاليم وَكَانَ لُقْمَان الْحَكِيم عل عهد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ قَاضِيا فِي بني إِسْرَائِيل وآتاه الله الْحِكْمَة وَلم يكن نَبيا وقبره بقري صرفند ظَاهر مَدِينَة الرملة وَعَلِيهِ مشْهد وَهُوَ مَقْصُود للزيارة وَقَالَ قَتَادَة قَبره بالرملة مَا بَين مَسْجِدهَا وسوقها وَهُنَاكَ قُبُور سبعين نَبيا مَاتُوا بعد لُقْمَان جوعا فِي يَوْم وَاحِد أخرجهم

بَنو إِسْرَائِيل من الْقُدس فألجاؤهم إِلَيّ الرملة ثمَّ احاطوا بهم هُنَاكَ فَتلك قُبُورهم وَلَقَد آتى الله دَاوُد مَا نَص عَلَيْهِ فِي كِتَابه الْعَزِيز قَالَ تعال (وَلَقَد تينا دَاوُد منا فضلا) يَعْنِي النُّبُوَّة وَالْكتاب وَقيل الْملك وَقيل جَمِيع مَا أُوتِيَ من حسن الصَّوْت وتليين الْحَدِيد وَغير ذَلِك مِمَّا حض بِهِ وَقَوله تَعَالَى (يَا جبال أوبي مَعَه - أَي سبحي مَعَه وَقيل نوحي مَعَه - وَالطير) عطف عل مَوضِع الْجبَال وَقيل مَعْنَاهُ وسخرنا أَي أمرنَا لطير أَن يسبح مَعَه فَكَانَ دَاوُد إِذا نَادَى بالنياحة وأجابته الْجبَال بصداها وعكفت عَلَيْهِ الطير من فَوْقه فصدى الْجبَال الَّذِي يسمعهُ النَّاس الْيَوْم من ذَلِك وَقيل كَانَ دَاوُد إِذا تخَلّل الْجبَال فسبح الله تَعَالَى جعلت الْجبَال تجاوبه بالتسبيح نَحْو مَا يسبح وَقَوله تعال (وألنا لَهُ الْحَدِيد) حَتَّى كَانَ الْحَدِيد فِي يَده كالشمع والعجين يعْمل مِنْهُ مَا يَشَاء من غير نَار وَلَا ضرب مطرقة وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن دَاوُد لما ملك بني إِسْرَائِيل كَانَ من دعاته أَن يخرج للنَّاس متنكراً فَإِذا رأى رجلا لَا يعرفهُ تقدم إِلَيْهِ يسْأَله عَن دَاوُد وَيَقُول لَهُ مَا تَقول فِي دَاوُد وإليكم هَذَا أَي رجل هُوَ؟ فيثنون عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ خيرا فقيض الله لَهُ ملكا عل صُورَة آدَمِيّ فَلَمَّا رَآهُ دَاوُد تقدم إِلَيْهِ عل عَادَته وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ الْملك نعم الرجل هُوَ لَوْلَا خصْلَة وَاحِد فِيهِ فراع دَاوُد ذَلِك وَقَالَ لَهُ مَا هِيَ يَا عبد الله؟ قَالَ إِنَّه يَأْكُل وَيطْعم عِيَاله من بَيت المَال ويتقوت بِهِ فَتنبه لذَلِك وَسَأَلَ الله أَن يسبب لَهُ شَيْئا يَسْتَغْنِي بِهِ عَن بَيت المَال فيتقوت مِنْهُ وَيطْعم عِيَاله فألان الله لَهُ الْحَدِيد وَعلمه صنعه الدروع وَهُوَ أول من اتخذها وَقيل إِنَّه كَانَ يَبِيع كل درع بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم فيأكل وَيطْعم مِنْهُ عِيَاله وَيتَصَدَّق مِنْهَا عل فُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَيُقَال إِنَّه كَانَ يعْمل فِي كل يَوْم درعاً يَبِيعهُ بِسِتَّة آلَاف دِرْهَم فينفق مِنْهَا أَلفَيْنِ على عِيَاله وعل نَفسه وَيتَصَدَّق بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم عل الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من بني إِسْرَائِيل

قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ دَاوُد يَأْكُل إِلَّا من عمل يَده (ذكر قصَّة اوريا) وَلما صَار لداود ثَمَان وَخَمْسُونَ سنة وَهِي السّنة وَالثَّانيَِة وَالْعِشْرين من ملكه كَانَت قصَّته مَعَ اوريا وَزَوجته وَهِي وَاقعَة مَشْهُورَة وملخصها مَا نَقله الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى (وَهل أَتَاك نبأ الْخصم إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب) الْآيَة من قصَّة امتحان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَاخْتلف الْعلمَاء بأخبار الْأَنْبِيَاء فِي سَببه فَقَالَ قوم كَانَ سَبَب ذَلِك إِنَّه تمنى يَوْمًا من الْأَيَّام منزلَة آبَائِهِ إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب فَسَأَلَ ربه أَن يمتحنه كَمَا امتحنهم وَيُعْطِيه من الْفضل مَا أَعْطَاهُم فَروِيَ إِن دَاوُد كَانَ قد قسم الدَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام جعل يَوْمًا يقْضِي فِيهِ بَين النَّاس وَيَوْما يَخْلُو فِيهِ لعبادة ربه وَيَوْما لنسائه وأشغاله وَكَانَ يجد فِيمَا يقْرَأ من الْكتب الْمُتَقَدّمَة فضل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب فَقَالَ يَا رب أَرِنِي الْخَيْر كُله قد ذهب بِهِ آبَائِي الَّذين كَانُوا قبلي فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ إِنَّهُم ابتلوا ببلايا لم تبتل بهَا أَنْت فصبروا عَلَيْهَا ابتلى إِبْرَاهِيم بنمروذ وناره وَذبح ابْنه إِسْحَاق وابتلى إِبْرَاهِيم بنمروذ وناره وَذبح ابْنه إِسْحَاق وابتلى إِسْحَاق بِالذبْحِ وَذَهَاب بَصَره وابتلى يَعْقُوب بالحزن وَذَهَاب بَصَره على فقد وَلَده يُوسُف فَقَالَ دَاوُد يَا رب لَو ابتليتني بِمثل مَا ابتليتهم لصبرت أَيْضا فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي مبتليك فِي شهر كَذَا فِي يَوْم كَذَا فاحترس فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم الَّذِي وعده الله فِيهِ دخل دَاوُد محرابه وأغلق عَلَيْهِ بَابه وَجعل يُصَلِّي وَيقْرَأ الزبُور فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ جَاءَهُ الشَّيْطَان وتمثل لَهُ فِي صفة حمامة من ذهب فِيهَا كل لون حسن وَقيل كن جناحاها من الدّرّ والزبرجد فَوَقَعت بَين رجلَيْهِ فأعجبه حسنها فَمد يَده ليأخذها ويريها لبني إِسْرَائِيل ليتعجبوا من قدرَة الله تعال فَلَمَّا قصد أَخذهَا طارت غير بعيد من غير أَن تؤيسه من نَفسهَا فامتد إِلَيْهَا ليأخذها فتنحت عَن مَكَانهَا فتبعها فطارت حَتَّى وقفت فِي كوَّة فَذهب

ليأخذها فطارت من الكوة فَنظر دَاوُد أَيْن تقع فيبعث من يصيدها فأبصر امْرَأَة فِي بُسْتَان على شط بركَة تَغْتَسِل وَقيل رَآهَا على سطح لَهَا تَغْتَسِل فَرَأى امْرَأَة من أجمل النَّاس خلقا فتعجب دَاوُد من حسنها وحانت مِنْهَا إلتفاتة فَأَبْصَرت ظله فنفظت شعرهَا فَغطّى بدنهَا فزاده ذَلِك إعجاباً بهَا فَسَأَلَ عَنْهَا فَقيل لَهُ هِيَ شَارِع زَوْجَة اوريا ابْن حنانا وَزوجهَا فِي غزَاة بالبلقاء مَعَ أَيُّوب بن صوريا ابْن أُخْت دَاوُد فَذكر بَعضهم إِنَّه كتب دَاوُد إِلَى ابْن أُخْته أَيُّوب أَن ابْعَثْ اوريا إِلَى مَوضِع كَذَا وَقدمه قبل التابوت وَكَانَ من قدم عل التابوت لَا يحل لَهُ أَن يرجع وَرَاءه حَتَّى يفتح الله على يَدَيْهِ أيستشهد فَبَعثه وَقدمه فَفتح الله عل يَدَيْهِ وَكتب بذلك إِلَى دَاوُد كتابا يُعلمهُ بِمَا فتح عل يَدَيْهِ فَكتب لَهُ كتابا ثَانِيًا أَن ابعثه إِلَى مَكَان كَذَا ليفتحه أَيْضا فَبَعثه فَفتح لَهُ وَكتب لداود بذلك فَكتب لَهُ ثَالِثا أَن إِلَى كَذَا وَكَذَا فَبَعثه فَفتح ثمَّ بَعثه إِلَى مَكَان أَشد مِنْهُ فَقتل فِي الْمرة الثَّالِثَة فَلَمَّا انْقَضتْ عدَّة الْمَرْأَة تزَوجهَا دَاوُد فَهِيَ أم سُلَيْمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام فَلَمَّا دخل دَاوُد بِزَوْجَة اوريا لم يلبث مَعهَا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى بعث الله إِلَيْهِ ملكَيْنِ فِي صُورَة رجلَيْنِ فِي يَوْم عِبَادَته فطلبا أَن يدخلا عَلَيْهِ فمنعهما الحرس فتسوروا الْمِحْرَاب عَلَيْهِ فَمَا شعر وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب إِلَّا وهما جالسان بَين يَدَيْهِ يُقَال إنَّهُمَا جِبْرِيل وَمِيكَائِيل فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (وَهل أَتَاك نبأ الْخصم إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب) صعدوا وعلوا يُقَال تسورت الْحَائِط والسور إِذا علوتهما وَقَوله تعال (إِذْ دخلُوا على دَاوُد فَفَزعَ مِنْهُم) خَافَ مِنْهُم حِين هجموا عَلَيْهِ فِي المحرابه بِغَيْر إِذْنه فَقَالَ مَا ادخلكما عَليّ؟ (قَالُوا لَا تخف خصمان - أَي نَحن خصمان - بغى بَعْضنَا عل بعض جئْنَاك لِتَقضي بَيْننَا فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط - أَي لَا تجر - وأهدنا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط) أَي أرشدنا إِلَى طَرِيق الصَّوَاب

فَقَالَ دَاوُد لَهما تكلما (فَقَالَ أَحدهمَا إِن هَذَا أخي - أَي على ديني وطريقي - لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة - يَعْنِي امْرَأَة وَاحِدَة وَالْعرب تكنى بالنعجة عَن الْمَرْأَة - فَقَالَ اكفلتيها - يَعْنِي طَلقهَا لأتزوجها - وعزني - أَي غلبني - فِي الْخطاب - أيفي القَوْل -) وَقيل قهرني لقُوَّة ملكه وَهَذَا كُله تَمْثِيل لأمر دَاوُد مَعَ اوريا وَج الْمَرْأَة الَّتِي تزَوجهَا دَاوُد حَيْثُ كَانَ لداود تسع وَتسْعُونَ امْرَأَة ولأوريا امْرَأَة وَاحِدَة فَضمهَا إِلَى نِسَائِهِ قَالَ دَاوُد (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه وَإِن كثيرا من الخلطاء - أَي الشُّرَكَاء - ليبغى بَعضهم عل بعض - أَي يظلم بَعضهم بَعْضًا - إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات - فَإِنَّهُم لَا يظْلمُونَ أحدا - وَقَلِيل مَا هم) - أَي قَلِيل هم يَعْنِي الصالحون الَّذين لَا يظْلمُونَ قَلِيل فَلَمَّا قضي بَينهمَا دَاوُد أَحدهمَا إِلَى الآخر وَضحك وصعدا إِلَى السَّمَاء فَعلم دَاوُد إِن الله تَعَالَى ابتلاه وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (وَظن دَاوُد - أَي أَيقَن وَعلم - إِنَّمَا فتناه) أَي ابتليناه عَن ابْن عَبَّاس وَكَعب ووهب قَالُوا جَمِيعًا إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لما دخل عَلَيْهِ الْملكَانِ وَقضى بَينهمَا فتحولا إِلَى صورتهما وعرجا إِلَى السَّمَاء فسمعهما وهما يَقُولَانِ قد قضى الرجل على نَفسه فَعلم دَاوُد إِنَّه عني بذلك فَخر سَاجِدا إِلَى تَمامًا الْأَرْبَعين يَوْمًا لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَهُوَ يبكي حَتَّى نبت العشب حول رَأسه وَهُوَ يُنَاجِي ربه ويسأله التَّوْبَة وَكَانَ من جمل دُعَائِهِ فِي سُجُوده سُبْحَانَ الْملك الْأَعْظَم الَّذِي يَبْتَلِي الْخلق بِمَا يَشَاء سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي خليت بيني وَبَين عدوي إِبْلِيس فَلم أقِم لفتنته إِذْ نزلت بِي سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي أَنْت الَّذِي خلقتني وَكَانَ فِي سَابق علمك مَا أَنا إِلَيْهِ صائر سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي الويل لداود إِذا كشف عَنهُ الغطاء فَيُقَال هَذَا دَاوُد الخاطئ سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي بِأَيّ

عين أنظر إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّمَا ينظر الظَّالِمُونَ من طرف خَفِي سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي بِأَيّ قدم أقوم أمامك يَوْم الْقِيَامَة يَوْم تزل أَقْدَام الخاطئين سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي من أَيْن يطْلب العَبْد الْمَغْفِرَة إِلَّا من عِنْد سَيّده سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي أَنا الَّذِي لَا أُطِيق أسمع صَوت رعدك فَكيف أُطِيق صَوت حهنم سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي الويل لداود من الذَّنب الْعَظِيم الَّذِي أَصَابَهُ سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي أَنا الَّذِي اعْترفت بذنبي أَن لم يغْفر السَّيِّد لعَبْدِهِ من ذَا الَّذِي يغْفر لَهُ سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي أَنْت تعلم سري وعلانيتي فاقبل عُذْري سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي بِرَحْمَتك أَغفر لي ذُنُوبِي وَلَا تباعدني من رحمتك لهواني سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي أعوذ بِنور وَجهك الْكَرِيم من ذُنُوبِي الَّتِي أوبقتني سُبْحَانَ خَالق النُّور إلهي أَقرَرت إِلَيْك بذنوبي وَاعْتَرَفت بخطئتي فَلَا تجعلني من الظَّالِمين وَلَا تخزني يَوْم الدّين سُبْحَانَ خَالق النُّور قَالَ مُجَاهِد مكث دَاوُد أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يرفع رَأسه حَتَّى نبت العشب من دموع عَيْنَيْهِ وغطى رَأسه فَنُوديَ يَا دَاوُد أجائع فتطعم أم ظمآن فتسقي أَو عَار فتكسي فاجيب بِغَيْر مَا طلب قَالَ فَنحب نجبه هاج مِنْهَا الْعود فَاحْتَرَقَ من حر جَوْفه ثمَّ انْزِلْ الله التَّوْبَة وَالْمَغْفِرَة قَالَ وهب إِن دَاوُد أَتَاهُ نِدَاء من الْعلي الْأَعْلَى إِنِّي قد غفرت لَك قَالَ يَا رب كَيفَ وَأَنت لَا تظلم أحدا؟ قَالَ يَا دَاوُد اذْهَبْ إِلَيّ قبر أوريا فناده وَأَنا اسْمَعْهُ نداءك فتحلل مِنْهُ قَالَ فَانْطَلق دَاوُد إِلَى قبر أوريا وَكَانَ قد لبس المسوح حَتَّى جلس عِنْد قبر أوريا ثمَّ نَادَى وَقَالَ يَا أوريا فَقَالَ لبيْك من هَذَا الَّذِي قطع عَليّ لذتي وأيقظني؟ قَالَ أَنا دَاوُد قَالَ فَمَا حَاجَتك يَا نَبِي الله؟ قَالَ جِئْت لأسألك أَن تجعلني

فَيحل مِمَّا كَانَ ممني إِلَيْك قَالَ وَمَا كَانَ مِنْك إِلَيّ؟ قَالَ عرضتك للْقَتْل قَالَ عرضتني للجنة فَأَنت فِي حل مني فَأوحى الله تعال إِلَيْهِ يَا دَاوُد ألم تعلم إِنِّي الحكم الْعدْل لَا أَقْْضِي بالتعنت لم لَا أعلمته إِنَّك قد تزوجت بامرأته؟ قَالَ فَرجع دَاوُد إِلَى الْقَبْر ونادى يَا أوريا فَأَجَابَهُ وَقَالَ من هَذَا الَّذِي قطع عَليّ لذتي؟ قَالَ أَنا دَاوُد قَالَ يَا نَبِي الله أَلَسْت قد حاللتك وعفوت عَنْك؟ قَالَ نعم وَلَكِنِّي مَا أرسلتك حَتَّى قتلت إِلَّا لمَكَان امْرَأَتك وَقد تزوجت بهَا ومرادي تحاللني بذلك قَالَ فَسكت وَلَو يجبهُ فَدَعَاهُ فَلم يجبهُ وثالثاً فَلم يجبهُ فَقَامَ دَاوُد عِنْد قَبره وَجعل يبكي ويحثو التُّرَاب على رأٍ سه وَهُوَ يُنَادي الويل لداود إِذا نصب الْمِيزَان غَدا بالقسطاس سُبْحَانَ خَالق النُّور الويل ثمَّ الويل الطَّوِيل لَهُ حِين يسحب على وَجهه مَعَ الخاطئين إِلَى النَّار سُبْحَانَ خَالق النُّور فَأَتَاهُ النداء من الْعلي وَهُوَ يَقُول سُبْحَانَ خَالق النُّور يَا دَاوُد قد غفرت لَك ذَنْبك ورحمت بكاءك واستجبت دعاءك وأقلت عثرتك قَالَ يَا رب كَيفَ وخصمي لم يعف عني؟ قَالَ يَا دَاوُد أعْطِيه من الثَّوَاب مِمَّا لم تره عَيناهُ يَوْم الْقِيَامَة وَلم تسمعه أذنَاهُ فَأَقُول لَهُ رضى عَبدِي فَيَقُول يَا ربب إِنِّي لي هَذَا وَلم يبلغهُ عَمَلي؟ فَأَقُول هَذَا عوض عَن عَبدِي دَاوُد فاستوهبك مِنْهُ فيهبك لي قَالَ يَا رب قد عرفت الْآن إِنَّك قد غفرت لي وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (فَاسْتَغْفر ربه وخرراكعاً - أَي سَاجِدا عبر عَن السُّجُود بِالرُّكُوعِ لِأَن كل وَاحِد فِيهِ إنحناء وَمَعْنَاهُ فَخر بعد مَا كَانَ رَاكِعا أَي سجد - وأناب - أَي رَجَعَ - فغفرنا لَهُ ذَلِك - يَعْنِي ذَلِك الذَّنب - وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب) حسن مرجع ومنقلب يَوْم الْقِيَامَة بعد الْمَغْفِرَة قَالَ وهب إِن دَاوُد لما تَابَ الله عَلَيْهِ بَكَى على خطيئته ثَلَاثِينَ سنة لَا يرقأ

دمعه لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَانَ قد أصَاب الخطئية وَهُوَ ابْن سبعين سنة فقسم الدَّهْر بعد تِلْكَ الخطئية عل أَرْبَعَة أَيَّام جعل يَوْمًا للْقَضَاء بَين النَّاس وَيَوْما لنسائه وَيَوْما يسبح فِي الفيافي وَالْجِبَال والسواحل والاوعار وَيَوْما يَخْلُو فِي دَاره لَهُ فِيهَا أَرْبَعَة آلَاف محراب فيجتمع إِلَيْهِ الرهبان فينوح مَعَهم على نَفسه وهم يساعدونه عل ذَلِك فَإِذا كَانَ يَوْم سياحته يخرج فِي الفيافي فيرفع صَوته بالمزامير فتبكي مَعَه الْأَشْجَار والاعار والرمل وَالطير والوحوش حَتَّى يسيل من دموعهم مثل الْأَنْهَار ثمَّ يَجِيء إِلَى الْجبَال فيرفع صَوته بالمزامير فيبكي وتبكي مَعَه الْجبَال وَالْحِجَارَة وَالطير وَالدَّوَاب حَتَّى تسيل الأودية من بكائهم ثمَّ يَجِيء إِلَى السَّاحِل فيرفع صَوته فيبكي وتبكي مَعَه الْحيتَان ودواب الْبَحْر وطير المَاء وَالسِّبَاع فَإِذا أَمْسَى رَجَعَ فَإِذا كَانَ يَوْم نوحه على نَفسه نَادَى مناديه إِن الْيَوْم يَوْم نوح دَاوُد على نَفسه فليحضر من يساعده فَيدْخل الدَّار الَّتِي فِيهَا المحاريب فيبسط لَهُ ثَلَاثَة فرش من مسوح حشوها لِيف فيجلس عَلَيْهَا وَيَجِيء أَرْبَعَة آلَاف رَاهِب عَلَيْهِم البرانس وَفِي أَيْديهم العصي فَيَجْلِسُونَ فِي تِلْكَ المحاريب ثمَّ يرفع دَاوُد صَوته بالبكاء والتنوح عل نَفسه وَيرْفَع الرهبان مَعَه أَصْوَاتهم فَلَا يزَال يبكي حَتَّى تغرق الْفرش مكن دُمُوعه وَيَقَع دَاوُد فِيهَا مثل الفرخ يضطرب فَيَجِيء ابْنه سُلَيْمَان فيحمله فَيَأْخُذ دَاوُد من تِلْكَ الدُّمُوع بكفيه ثمَّ يمسح بهَا وَجهه وَيَقُول يَا رب اغْفِر مَا ت فَلَو عدل بكاء دَاوُد ببكاء أهل الدُّنْيَا لعدله قَالَ وهب مَا رفع دَاوُد رَأسه حَتَّى قَالَ لَهُ الْملك ناول أَمرك ذَنْب وَآخره مَعْصِيّة أرفع رَأسك فَرفع رَأسه فَمَكثَ حَيَاته لَا يشرب مَاء إِلَّا مزجه بدموعه وَلَا يَأْكُل طَعَاما إِلَّا بله بدموعه وَذكر الاوزاعي مَرْفُوعا إِلَى الرَّسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن مثل عَيْني دَاوُد كالقربتين ينطفان مَاء وَلَقَد خدت الدُّمُوع فِي وَجهه كخديد المَاء فِي الأَرْض

قَالَ وهب لما تَابَ الله على دَاوُد قَالَ يَا رب غفرت لي فَكيف لي أَن لَا أنسى خطيئتي فأستغفر مِنْهَا لي وللخاطئين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ فوسم الله خطيئته فِي يَده الْيُمْنَى فَمَا رفع طَعَاما وَلَا شرابًا إِلَّا بك إِذا رَآهَا وَمَا قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاس إِلَّا بسط راحتيه فَاسْتقْبل النَّاس ليروا وسم خطيئته واستغفر للخاطئين قبل نَفسه وَعَن الْحسن كَانَ دَاوُد بعد الخطئية لَا يُجَالس إِلَّا الخاطئين يَقُول تَعَالَوْا إِلَى دَاوُد الخاطئ وَلَا يشرب إِلَّا مزجه بدموع عَيْنَيْهِ وَكَانَ يَجْعَل خبز الشّعير الْيَابِس فِي قصعته فَلَا يزَال يبكي حَتَّى تبتل بدموع عَيْنَيْهِ وَكَانَ يذر عَلَيْهِ الْملح والرماد فيأكل وَيَقُول هَذَا أكل الخاطئين وَكَانَ دَاوُد قبل الْخَطِيئَة يقوم نصف اللَّيْل ويصوم نصف الدَّهْر فَلَمَّا كَانَ من الخطيته مَا كَانَ صاما الدَّهْر كُله وَقَامَ اللَّيْل كُله وَكَانَ إِذا ذكر عِقَاب الله تخلعت أوصاله وَإِذا ذكر رَحْمَة الله تراجعت وَفِي الْقِصَّة أَن الوحوش وَالطير كَانَت تسمع إِلَى قِرَاءَته فَلَمَّا فعل مَا فعل كَانَت لَا تصغي إِلَى قِرَاءَته فَروِيَ إِنَّهَا قَالَت يَا دَاوُد ذهبت خطيئتك بحلاوة صَوْتك (ذكر بِنَاء سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس) عَن رَافع بن عميرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى لداود يَا دَاوُد ابْن لي بَيْتا فِي الأَرْض فَبنى دَاوُد بَيْتا لنَفسِهِ قبل الْبَيْت الَّذِي أمره الله تَعَالَى بِهِ فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ يَا دَاوُد بنيت بَيْتك قبل بَيْتِي؟ قَالَ أَي رب هَكَذَا قلت فِيمَا قضيت من ملك اسْتَأْثر ثمَّ أَخذ فِي بِنَاء الْمَسْجِد - يَعْنِي بَيت الْمُقَدّس - وَعَن وهب لما تَابَ الله عز وَجل عل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ قد بنى مَدَائِن كَثِيرَة وصلحت أُمُور بني إِسْرَائِيل أحب أَن يَبْنِي بَيت الْمُقَدّس وعَلى الصَّخْرَة قبَّة فِي الْموضع الَّذِي قدسه الله تَعَالَى فِي ايليا وَكَانَ قد حسنت حَال نَبِي إِسْرَائِيل

وملؤا الشَّام وَضَاقَتْ بهم فلسطين وَمَا حولهَا فَأحب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَن يعلم عَددهمْ فَأمر بإحصائهم عل أنسابهم وقبائلهم فَكثر عَلَيْهِم فَلم يطيقوا إحصاءهم وروى أَن الله تَعَالَى أوح إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لما كثر طغيان نَبِي إِسْرَائِيل إِنِّي أَقْسَمت بعزتي لأبتلينهم بِالْقَحْطِ سنتَيْن أَو أسلط عَلَيْهِم الْعَدو شَهْرَيْن أَو الطَّاعُون ثَلَاثَة أَيَّام فَجَمعهُمْ دَاوُد وَخَيرهمْ بَين إِحْدَى الثَّلَاث فَقَالُوا أَنْت نَبينَا وَأَنت أنظر إِلَيْنَا من أَنْفُسنَا فاختر لنا فَقَالَ أما الْجُوع فَإِنَّهُ بلَاء فاضح لَا يصبر عَلَيْهِ أحد وَأما الْعَدو وَالْمَوْت فَإِنِّي أخْبركُم أَن اخترتم تسليط الْعَدو فَإِنَّهُ لَا بَقِيَّة لكم وَالْمَوْت بيد الله تَعَالَى تموتون بآجالكم ففوضوا ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى فَهُوَ أرْحم بكم فَاخْتَارَ لَهُم الطَّاعُون وَأمرهمْ أَن يتجهزوا لَهُ ويلبسوا أكفانهم ويخرجوا نِسَاءَهُمْ وإماءهم وَأَوْلَادهمْ أمامهم وهم خَلفهم عل الصَّخْرَة والصعيد الذيبني عَلَيْهِ مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ يَوْمئِذٍ صَعِيد وَاحِد فَفَعَلُوا ثمَّ نادوا يَا رب اللَّهُمَّ إِنَّك أمرتنا بِالصَّدَقَةِ وَأَنت تحب المتصدقين فَتصدق علينا بِرَحْمَتك اللَّهُمَّ وَقد أمرتنا أَن لَا نرد السَّائِل إِذا وقف عل أبوابنا وَقد جئْنَاك سائلين فَلَا تردنَا ثمَّ خروا سجدا من حِين طُلُوع الصُّبْح فَسلط الله عَلَيْهِم الطَّاعُون من ذَلِك الْوَقْت إِلَى أَن زَالَت الشَّمْس ثمَّ رَفعه عَنْهُم ثمَّ أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَن ارْفَعُوا رؤوسكم فقد شفعتك فيهم فَرفع دَاوُد رَأسه ثمَّ نَاد إِن ارْفَعُوا رؤوسكم فَرفعُوا رؤوسهم وَقد مَاتَ مِنْهُم مائَة ألف وَسَبْعُونَ ألف أَصَابَهُم الطَّاعُون وهم سُجُود فنظروا إِلَى الْمَلَائِكَة يَمْشُونَ بَينهم بِأَيْدِيهِم الخناجر ثمَّ عمد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وارتقى الصَّخْرَة رَافعا يَدَيْهِ يحدث لله شكرا ثمَّ إِنَّه جمع بني إِسْرَائِيل بعد ذَلِك وَقَالَ إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد رحمكم وَعَفا

عَنْكُم فأحدثوا الله شكرا بِقدر مَا ابتلاكم فَقَالُوا لَهُ مرنا بِمَا شِئْت قَالَ إِنِّي لَا أعلم أمرا أبلغ فِي شكركم من بِنَاء مَسْجِد على هَذَا الصَّعِيد الَّذِي رجمكم الله عَلَيْهِ فنبنيه مَسْجِدا تعبدوا الله فِيهِ وتقدسوه أَنْتُم وَمن بعدكم قَالُوا نَفْعل سَأَلَ دَاوُد ربه فَأذن لَهُ وَأَقْبلُوا على بنائِهِ وَرُوِيَ أَن الله تَعَالَى لما أَمر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَن يَبْنِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس قَالَ يَا رب وَأَيْنَ أبنيه؟ قَالَ حَيْثُ ترى الْملك شاهراً سَيْفه قَالَ فَرَآهُ دَاوُد فِي ذَلِك الْمَكَان فَأَسَّسَ قَوَاعِده وَرفع حَائِطه فَلَمَّا ارْتَفع انْهَدم فَقَالَ دَاوُد يَا رب أَمرتنِي أَن أبني لَك بَيْتا فَلَمَّا ارْتَفع هدمته فَقَالَ يَا دَاوُد إِنَّمَا جعلتك خليفتي فِي خلقي فَلم أخذت الْمَكَان من صَاحبه بِغَيْر ثمن؟ إِنَّه سيبنيه رجل من ولدك وَحكي فِي معنى هَذَا الْأَثر أَن الْمَكَان كَانَ لجماع من بني إِسْرَائِيل وَلكُل وَاحِد نمهم فِيهِ حق فَطَلَبه دَاوُد مِنْهُم فأنعم بِهِ الْبَعْض بِاللَّفْظِ وَالْبَعْض بِالسُّكُوتِ ففهم دَاوُد من الساكتين الرِّضَا وَكَانَ بَعضهم غير رَاض فِي الْبَاطِن فَحمل دَاوُد الْأَمر عل ظَاهره فبناه فجَاء بعض أَصْحَاب الْحق إِلَى بني إِسْرَائِيل وَقَالَ لَهُم إِنَّكُم تُرِيدُونَ أَن تبنوا عل حَقي وَأَنا مِسْكين وَإنَّهُ مَوضِع بيدرى أجمع فِيهِ طَعَامي فأرتفق بِحمْلِهِ إِلَى منزلي لقُرْبه فَإِن بنيتم عَلَيْهِ أضررتم بِي فانظروا فِي أَمْرِي فَقَالُوا لَهُ كل من بني إِسْرَائِيل لَهُ مثل حَقك وَأَنت ابخلهم فَإِن اعطيته طَوْعًا وَإِلَّا أخذناه على كره مِنْك فَقَالَ أتجدون هَذَا فِي حكم دَاوُد؟ ثمَّ انْطلق وشكاهم إِلَيْهِ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ لَهُم تُرِيدُونَ أَن تبنوا بَيت الله بالظلم مَا أَرَاكُم يَا يني إِسْرَائِيل تستكينون لله عز وَجل وَلَا أرى إِلَّا أَن الْبلَاء يضغطكم ثمَّ قَالَ دَاوُد أتطيب نَفسك عل حَقك فتبيعه بحكمك؟ فَقَالَ مَا تُعْطِينِي؟ قَالَ أملأه لَك إِن شِئْت غنما وَإِن شِئْت بقرًا وَإِن شِئْت إبِلا فَقَالَ يَا نَبِي الله

زِدْنِي فَإِنَّمَا تشتريه لله عز وَجل فَلَا تبخل عَليّ فَقَالَ دَاوُد احتكم فَإنَّك لَا تَسْأَلنِي شَيْئا إِلَّا أَعطيتك فَقَالَ ابْن لي حَائِطا قدر قامتي ثمَّ أملأه لي ذَهَبا فَقَالَ لَهُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام نعم وَهُوَ فِي الله قَلِيل فَالْتَفت الرجل إِلَى نَبِي إِسْرَائِيل فَقَالَ هَذَا وَالله التائب الصَّادِق المخلص ثمَّ قَالَ يَا نَبِي الله قد علم الله عز وَجل مني لمغفرة ذَنْب من ذُنُوبِي وذنوب هَؤُلَاءِ أحب إِلَيّ من ملْء الأَرْض ذَهَبا فَكيف يظنّ هَؤُلَاءِ إِنِّي أبخل عَلَيْهِم وعل نَفسِي بِمَا أَرْجُو بِهِ الْمَغْفِرَة لذنوبي وذنوبهم وَلَكِنِّي جربتهم رحم لَهُم وشفقة عَلَيْهِم وَقد جعلته لله فاقبلوا عل عمل مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وباشر دَاوُد الْعَمَل بِنَفسِهِ وَجعل ينْقل الْحجر عل عَاتِقه ويضعه بِيَدِهِ فِي مَوْضِعه وَمَعَهُ أَخْبَار بني إِسْرَائِيل وروى أَن دَاوُد لما ابتدأه وَرَفعه قامة رجل أوح الله إِلَيْهِ غَنِي لم أقض ذَلِك عل يَديك وَلَكِن ابْن لَك أملكهُ بعْدك اسْمه سُلَيْمَان اقضي إِتْمَامه عل يَدَيْهِ وَتُوفِّي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قبل إِتْمَامه وَله سَبْعُونَ سنة وَقيل غير ذَلِك وَأنزل الله عَلَيْهِ الزبُور وَهُوَ مائَة وَخَمْسُونَ سُورَة بالعبرانية فِي خمسين مِنْهَا مَا يلقونه من بخت نصر وَفِي خمسين مِنْهَا مَا يلقونه من الرّوم وَفِي خمسين مواعظ وَحكم وَلم يكن فِيهِ حَلَال وَلَا حرَام وَلَا حُدُود وَلَا أَحْكَام وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم السبت أَوَاخِر سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة لوفاة مُوسَى " ع " وَملك دَاوُد أَرْبَعِينَ سنة وَأوصى قبل مَوته بِالْملكِ إِلَيّ سُلَيْمَان وَلَده وأوصاه بعمارة بَيت الْمُقَدّس وَعين لذَلِك عدَّة بيُوت أَمْوَال تحتوي عل جمل كَثِيرَة من الذَّهَب وَعَن كَعْب ووهب إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أعد لبِنَاء بَيت الْمُقَدّس مائَة ألف بدرة ذَهَبا وَألف ألف بدرة وَرقا وثلاثمائة ألف دِينَار لطلاء الْبَيْت وَذكر أَن هَذَا مَال لَا تفي بِهِ الْمَعَادِن قَالَ وهب دفن دَاوُد بالكنيسة الْمَعْرُوف بالجيسمانية شَرْقي بَيت الْمُقَدّس

فِي الْوَادي وَيُقَال أَن قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بكنيسة صهيون وَهِي الَّتِي بِظَاهِر الْقُدس من جِهَة الْقبْلَة بأيدي طَائِفَة الإفرنج لِأَنَّهَا كَانَت دَاره وَفِي كَنِيسَة صهيون الْمَذْكُورَة مَوضِع تعظمه النَّصَارَى وَيُقَال أَن قبر دَاوُد فِيهِ وَهَذَا الْموضع هُوَ الْآن بأيدي الْمُسلمين وَسَنذكر مَا وَقع فِي ذَلِك فِي عصرنا من التَّنَازُع بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى فِيمَا بعد فِي حوادث سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى (ملك سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام) لما توفّي دَاوُد ملك ابْنه سُلَيْمَان وعمره اثْنَتَا عشرَة سنة ومولد سُلَيْمَان بغزة وآتاه الله الْحِكْمَة وَالْعلم وَالْملك مَا لم يؤته لأحد سواهُ على مَا أخبر الله عز وَجل بِهِ فِي مُحكم كابه الْعَزِيز فأطاع لَهُ الله الْأنس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين والرياح والطيور والوحوش والهوام وكل الْمَخْلُوقَات عل اخْتِلَاف أجناسها فسبحان المتفضل بِمَا شَاءَ عل من شَاءَ (بِنَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مَدين بَيت الْمُقَدّس ومسجدها) لما كَانَ فِي السّنة الرَّابِعَة من ملكه فِي شهر أيار وَهِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ابْتَدَأَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي عمار بَيت الْمُقَدّس حسماً تقدم بِهِ وَصِيَّة أَبِيه إِلَيْهِ وَكَانَت مَدين بَيت الْمُقَدّس فِي زمن نَبْنِي إِسْرَائِيل عَظِيمَة الْبناء متسعة الْعمرَان وَكَانَت أكبر من مصر وَمن بَغْدَاد عل مَا يُوصف فَيُقَال أَن الْعِمَارَة والمنازل كَانَت مُتَّصِلَة من جِهَة الْقبْلَة إِلَى الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة يَوْمئِذٍ بدير السّنة وَمن جِهَة الشرق إِلَى جبل طور زيتا واستمرت الْعِمَارَة بطور زيتا إِلَيّ حِين الْفَتْح الْعمريّ وَمن جِهَة الغرب إِلَى مَاء ملا وَمن جِهَة الشمَال إِلَى الْقرْيَة الَّتِي بهَا قبر النَّبِي شمويل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَاسْمهَا عِنْد الْيَهُود رامة ومسافتها عَن بَيت الْمُقَدّس تقرب من ربع بريد فعمارة دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام لمدين الْقُدس إِنَّمَا هِيَ تَجْدِيد الْبناء الْقَدِيم وَتقدم فِي أول الْكتاب ذكر أول من بنى الْمَدِينَة وعمرها واختطها وَإنَّهُ سَام ابْن نوح عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانَ مَحل الْمَسْجِد بَين عمرَان الْمَدِين وَهُوَ صَعِيد وَاحِد والصخرة الشريف قَائِمَة فِي وَسطه حَتَّى بناه دَاوُد ثمَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانَ من خبر ذَلِك مَا رُوِيَ أَن الله عز وَجل لما أوحى إِلَى سُلَيْمَان " ع " أَن ابْن بَيت الْمُقَدّس جمع حكماء الْإِنْس وَالْجِنّ وعفاريت الأَرْض وَعُظَمَاء الشَّيَاطِين وَجعل مِنْهُم فريقاً يبنون وفريقاً يقطعون الصخور والعمد مِمَّن معادن الرخام وفريقاً يغوصون فِي الْبَحْر فَيخْرجُونَ مِنْهُ الدّرّ والمرجان وَكَانَ الدّرّ مَا هُوَ مثل بيض النعام وبيضة الدَّجَاج وَأخذ فِي بِنَاء بَيت الْمُقَدّس وَأمر بِبِنَاء الْمَدِينَة بالرخام والصفاح وَجعلهَا اثْنَي عشر ربضاً وَأنزل كل ربض مِنْهَا سبطاً من الأسباط وَكَانُوا اثْنَي عشر سبطاً فَلَمَّا فرغ من بِنَاء الْمَدِين ابْتَدَأَ فِي بِنَاء الْمَسْجِد فَلم يثبت الْبناء فَأمر بهدمه ثمَّ حفر الأَرْض حَتَّى بلغ المَاء فأسسه عل المَاء وألقوا فِيهِ الْحِجَارَة فَكَانَ المَاء يلفظها فَدَعَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الْحُكَمَاء الْأَحْبَار وَرَئِيسهمْ آصف بن برخيا واستشارهم فَقَالُوا إِنَّا نرى أَن نتَّخذ قلالا من نُحَاس ثمَّ نملأها حِجَارَة ثمَّ نكتب عَلَيْهَا الْكتاب الَّذِي فِي خاتمك ثمَّ نلقي القلال فِي المَاء وَكَانَ الْكتاب الَّذِي على الْخَاتم لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله فَفَعَلُوا فثبتت القلال فَألْقوا الْمُؤَن وَالْحِجَارَة عَلَيْهَا وَبني حَتَّى ارْتَفع بِنَاؤُه وَفرق الشَّيَاطِين فِي أَنْوَاع الْعَمَل فدأبوا فِي عمله وَجعل فرقة مِنْهُم يقطعون معادن الْيَاقُوت والزمرد ويأتون بأنواع الْجَوَاهِر وَجعل الشَّيَاطِين صفا مرصوصاً من معادن الرخام إِلَى الْحَائِط الْمَسْجِد فَإِذا قطعُوا من الْمَعَادِن حجرا أَو اسطوانة تَلقاهُ الأول مِنْهُم ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ وَيُلْقِيه بَعضهم إِلَى بعض حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْمَسْجِد وَجعل فرقة لقطع الرخام الْأَبْيَض الَّذِي مِنْهُ مَا هُوَ مثل بَيَاض اللَّبن بمعدن يُقَال لَهُ السامور

وَالَّذِي دلهم على مَعْدن السامور عفريت من الشَّيَاطِين كَانَ فِي جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر فدلوا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ فَأرْسل إِلَيْهِ بِطَابع من حَدِيد وَكَانَ خَاتمه يرسخ فِي الْحَدِيد والنحاس فيطبع إِلَى الْجِنّ بِالنُّحَاسِ وَإِلَى الشَّيَاطِين بالحديد وَلَا يجِيبه أَقْصَاهُم إِلَّا بذلك وَكَانَ خَاتمًا نزل عَلَيْهِ من السَّمَاء حلقته بَيْضَاء وطابعه كالبرق لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يمْلَأ بَصَره مِنْهُ فَلَمَّا وصل الطابع إِلَى العفريت وَجِيء بِهِ قَالَ لَهُ هَل عنْدك من حيل أقطع بهَا الصخر فَإِنِّي أكره صَوت الْحَدِيد فِي مَسْجِدنَا هَذَا وَالَّذِي أمرنَا الله بِهِ من ذَلِك الْوَقار والسكينة فَقَالَ لَهُ العفريت إِنِّي لَا أعلم فِي السَّمَاء طيراً أَشد من الْعقَاب وَلَا أَكثر حِيلَة مِنْهُ وَذهب يَبْتَغِي وكر عِقَاب فَوجدَ وكراً فَغطّى عَلَيْهِ بترس غليظ من حَدِيد فجَاء الْعقَاب إِلَى وَكره فَوجدَ الترس فبحثه بِرجلِهِ ليزيحه أَو ليقطعه فَلم يقدر عَلَيْهِ فحلق فِي السَّمَاء ولبث يَوْمه وَلَيْلَته ثمَّ أقبل وَمَعَهُ قطع من السامور فتفرقت عَلَيْهِ الشَّيَاطِين حَتَّى أخذوها مِنْهُ وَأتوا بهَا إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ يقطع بهَا الصَّخْرَة الْعَظِيمَة وَكَانَ عدد من عمل مَعَه فِي بِنَاء بَيت الْمُقَدّس ثَلَاثِينَ ألف رجل وَعشرَة آلَاف يتراوحون عَلَيْهِم قطع الْخشب فِي كل شهر عشرَة آلَاف خشب وَكَانَ الَّذين يعْملُونَ فِي الْحِجَارَة سبعين ألف رجل وَعدد الْأُمَنَاء عَلَيْهِم ثَلَاثمِائَة غير المسخرين من الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَعمل فِيهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عملا لَا يُوصف وزينه بِالذَّهَب وَالْفِضَّة والدر والياقوت والمرجان وأنواع الْجَوَاهِر فِي سمائه وأرضه وأبوابه وجدرانه وأركانه مَا لم ير مثله وسقفه بِالْعودِ اليلنجوج وصنع لَهُ مِائَتي سكرة من الذَّهَب وزن كل سكرة عشرَة أَرْطَال وأولج فِيهِ تَابُوت مُوسَى وَهَارُون عَلَيْهِمَا السَّلَام وَلما فرغ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس انبت الله شجرتين عِنْد بَاب الرَّحِم إِحْدَاهمَا تنْبت الذَّهَب وَالْأُخْرَى تنْبت الْفضة فَكَانَ فِي كل يَوْم ينْزع من كل وَاحِدَة مِائَتي رَطْل ذَهَبا وَفِضة وفرش الْمَسْجِد بلاطه من ذهب وبلاطه من

فضَّة فَلم يكن يَوْمئِذٍ فِي الأَرْض بَيت أبهى وَلَا أنور من ذَلِك الْمَسْجِد كَانَ يضيء فِي الظُّلم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر وَكَانَت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس أَيَّام سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ارتفاعها اثْنَي عشر ذِرَاعا وَكَانَ الذِّرَاع ذِرَاع الْأمان ذِرَاعا وشبراً وقبضة وَكَانَ ارْتِفَاع الْقبَّة الَّتِي عَلَيْهَا ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَرُوِيَ اثْنَي عشر ميلًا وَفَوق الْقبَّة غزال من ذهب بَين عَيْنَيْهِ درة أَو ياقوتة حَمْرَاء تغزل نسَاء البلقاء على ضوئها بِاللَّيْلِ - وَهِي فَوق مرحلَتَيْنِ من الْقُدس - وَكَانَ أهل عمواس يَسْتَظِلُّونَ بِظِل الْقبَّة إِذا طلعت الشَّمْس من الْمشرق وعمواس بِفَتْح الْمِيم وسكونها وَهِي الَّتِي سمى بهَا الطَّاعُون على الرَّاجِح لِأَنَّهُ مِنْهَا ابْتَدَأَ وَكَانَ فِي سنة ثَمَانِي عشرَة من الْهِجْرَة وَهِي بِالْقربِ من رَملَة فلسطين مسافتها عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو بريد وَنصف وَإِذا غربت الشَّمْس استظل بهَا بَيت الرامة وَغَيرهم من الْغَوْر ومسافتها عَن بَيت الْمُقَدّس أبعد من عمواس قَالَ بعض المؤرخين وَعمل خَارج الْبَيْت سوراً محيطاً امتداده خَمْسمِائَة ذِرَاع فِي خَمْسمِائَة ذِرَاع وَأقَام سُلَيْمَان فِي عمَارَة بَيت الْمُقَدّس سبع سِنِين وَفرغ مِنْهُ فِي السّنة الْحَادِيَة عشر من ملكه فَيكون الْفَرَاغ من عمَارَة بَيت الْمُقَدّس فِي أَوَاخِر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة لوفاة موس عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ من هبوط آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى ابْتِدَاء سُلَيْمَان بِبِنَاء بَيت الْمُقَدّس أَرْبَعَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَأَرْبع عشرَة سنة وَبَين عمَارَة بَيت الْمُقَدّس وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة المحمدية على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام ألف وَثَمَانمِائَة سنة كَامِلَة وَقَرِيب سِتِّينَ فَيكون الْمَاضِي من عمار بَيت الْمُقَدّس على يَد سُلَيْمَان إِلَى عصرنا هَذَا وَهُوَ أَوَاخِر ذِي الْحجَّة ختام عَام تِسْعمائَة أَلين وَسَبْعمائة سنة وَقَرِيب سِتِّينَ

وَأما بِنَاء د مَدِينَة الْقُدس الأول فقد تقدم أَن أول من بناها سَام بن نوح وَكَانَت وَفَاته بعد الطوفان بِخَمْسِمِائَة سنة وَمن وَفَاة سَام إِلَى بِنَاء سُلَيْمَان بَيت الْمُقَدّس ألف وسِتمِائَة وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ سنة وَبَين الطوفان وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَأَرْبع وَسَبْعُونَ سنة فَيكون الْمَاضِي من وَفَاة سَام إِلَى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة أَرْبَعَة آلَاف وثلاثمائة وأربعاً وَسبعين سنة فَيعلم من ذَلِك تَارِيخ بِنَاء بَيت الْمُقَدّس الأول تَقْرِيبًا وَالله أعلم وَمُلَخَّص القَوْل إِن من هبوط آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الطوفان أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ واثنتين وَأَرْبَعين سسن وَمن الطوفان إِلَى وَفَاة سَام بن نوح خَمْسمِائَة سنة وَمن وَفَاة سَام إِلَى بِنَاء سُلَيْمَان بَيت الْمُقَدّس ألفا وسِتمِائَة واثنتين وَسبعين سنة وَمن بِنَاء سُلَيْمَان إِلَى الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ألفا وثلاثمائة وَقَرِيب سِتِّينَ وَمن الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة فَهَذِهِ الْمدَّة الَّتِي تقدم ذكر تفصيلها قبل ذَلِك فِي أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة وجملتها من هبوط آدم إِلَى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة سَبْعَة آلَاف سنة وَمِائَة سنة وَسِتَّة عشر سنة على اخْتِيَار المؤرخين كَمَا تقدم عِنْد ذكر سيدنَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَالْخلاف فِي ذَلِك كثير وَيَأْتِي ذكر بِنَاء مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأول من اختطها فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله وَلما فرغ سُلَيْمَان من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس سَأَلَ الله ثَلَاثًا سَأَلَهُ حكما؟ ً يُوَافق حكمه وَسَأَلَهُ ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده وَسَأَلَهُ أَن لَا يَأْتِي هَذَا الْمَسْجِد أحد لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة فِيهِ إِلَّا خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه وَلِهَذَا كَانَ عبد الله ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يَأْتِي بَيت الْمُقَدّس فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يخرج وَلَا يشرب فِيهِ كَأَنَّهُ يطْلب دَعْوَة سُلَيْمَان وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ إِن سُلَيْمَان ابْن دَاوُد " ع " سَأَلَ ربه ثَلَاثًا فَأعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَنحن نرجو أَن يكون قد أعطَاهُ الثَّالِثَة سَأَلَهُ حكما

يُصَادف حكمه فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَسَأَلَهُ ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده فَأعْطَاهُ وَسَأَلَهُ أَيّمَا رجل يخرج من بَيته لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَسْجِد أَن يخرج من خطيئته كَيَوْم ولته أمه فَنحْن نرجو أَن يكون قد أعطَاهُ إِيَّاه وَلما رفع سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يَده من الْبناء بعد الْفَرَاغ مِنْهُ وَأَحْكَامه جمع النَّاس وَأخْبرهمْ إِنَّه مَسْجِد لله تعال وَهُوَ أمره ببنائه وَأَن كل شَيْء فِيهِ لله تَعَالَى من انتفضه أَو شَيْئا مِنْهُ فقد خَان الله تعال وَأَن دَاوُد عهد إِلَيْهِ ببنائه وأوصاه بذلك من بعده ثمَّ اتخذ طَعَاما وَجمع النَّاس جمعا لم ير مثله قطّ وَلَا طَعَاما أَكثر مِنْهُ ثمَّ أَمر بالقرابين فقربت إِلَى الله تَعَالَى وَجعل القربان فِي رحبه الْمَسْجِد وميز ثورين وأوقفهما قَرِيبا من الصَّخْرَة ثمَّ قَامَ عل الصَّخْرَة فَدَعَا بدعائه الْمُتَقَدّم ذكره وَزَاد عَلَيْهِ زِيَاد وَهِي اللَّهُمَّ أَنْت وهبت لي هَذَا الْملك منا مِنْك وطولاً عَليّ وعَلى وَالِدي وَأَنت ابتدأتني وإياه بالنغمة والكرامة وَجَعَلته حكما بَين عِبَادك وَخَلِيفَة فِي أَرْضك وجعلتني وَارثه من بعده وَخَلِيفَة فِي قومه وَأَنت الَّذِي خصصتني بِولَايَة مسجدك هَذَا أكرمتني بِهِ قبل أَن تخلقني فلك الْحَمد على ذَلِك وَلَك الْمَنّ وَلَك الطول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك لمن دخل هَذَا الْمَسْجِد خمس خِصَال أَن لَا يدْخل إِلَيْهِ مذنب لَا يعمده إِلَّا لطلب التَّوْبَة أَن تتقبل مِنْهُ تَوْبَته وَتغْفر لَهُ وَلَا يدْخلهُ خَائِف لَا يعمده إِلَّا لطلب الْأَمْن من أَن تؤمنه من خَوفه وَتغْفر لَهُ ذَنبه وَلَا يدخاه مقحط لايعمده إِلَّا للاستسقاء أَن تَسْقِي بِلَاده وَأَن لَا تصرف بَصرك عَن من دخله حَتَّى يخرج مِنْهُ اللَّهُمَّ أَن أَحْبَبْت دَعْوَتِي وأعطيتني مَسْأَلَتي فَاجْعَلْ عَلامَة ذَلِك أَن تتقبل قرباني

فَتقبل القربان وَنزلت من السَّمَاء فامتدت مَا بَين الأفقين ثمَّ امْتَدَّ عنق مِنْهَا فَأخذ القربان وَصعد بِهِ إِلَى السَّمَاء وَرُوِيَ أَن نَبِي الله سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لما فرغ من بنائِهِ ذبح ثَلَاث لاف بقر وَسَبْعَة آلَاف شَاة ثمَّ أَتَى إِلَى الْمَكَان الَّذِي فِي مُؤخر الْمَسْجِد مِمَّا يَلِي بَاب الأسباط وَهُوَ الْموضع الَّذِي يُقَال لَهُ كرْسِي سُلَيْمَان وَقَالَ اللَّهُمَّ من أَتَاهُ من ذِي ذَنْب فَاغْفِر لَهُ أَو ذِي ضرّ فاكشف ضره فَلَا يَأْتِيهِ أحد إِلَّا أصَاب من دَعْوَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا الْموضع الَّذِي هُوَ مَعْرُوف بكرسي سُلَيْمَان من الْأَمَاكِن الْمَعْرُوفَة بإجابة الدُّعَاء وَهُوَ دَاخل الْقبَّة الْمَعْرُوفَة بقبة سُلَيْمَان عِنْد بَاب الدويدارية ورتب لَهُ سُلَيْمَان عشرَة آلَاف من قراء بني إِسْرَائِيل خَمْسَة آلَاف بِاللَّيْلِ وَخَمْسَة آلَاف بِالنَّهَارِ حَتَّى لَا يَأْتِي سَاعَة من ليل وَلَا نَهَار إِلَّا وَالله تعال يعبد فِيهِ وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس - وَهُوَ ملك الأَرْض - يقلب بَصَره ليرى أَيْن يجلس الْمَسَاكِين من الْعَمى والخرس والمجذومين فيدع النَّاس وَيجْلس مَعَهم متواضعاً لَا يرفع طرفه إِلَى السَّمَاء ثمَّ يَقُول مِسْكين مَعَ الْمَسَاكِين وروى أَن مِفْتَاح بَيت الْمُقَدّس كَانَ يكون عِنْد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَأْمَن عَلَيْهِ أحدا فَقَامَ ذَات لَيْلَة ليفتحه فصعب عَلَيْهِ فاستعان عَلَيْهِ بالأنس فعسر عَلَيْهِم ثمَّ اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بالجن فعسر عَلَيْهِم فَجَلَسَ كئيباً حَزينًا يظنّ أَن ربه قد مَنعه مِنْهُ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ اقبل شيخ يتكي على عَصا لَهُ وَقد طعن فِي السن - وَكَانَ من جلساء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام - فَقَالَ يَا نَبِي الله أَرَاك حَزينًا؟ فَقَالَ قُمْت إِلَى هَذَا الْبَاب لأفتحه فعسر عَليّ فاستعنت عَلَيْهِ بالأنس وَالْجِنّ فَلم يفتح فَقَالَ الشَّيْخ أَلا أعلمك كَلِمَات كَانَ أَبوك يقولهن عِنْد كربه فَيكْشف الله عَنهُ؟ قَالَ بلَى قَالَ قل اللَّهُمَّ بنورك اهتديت وبفضلك اسْتَغْنَيْت وَبِك أَصبَحت أمسيت ذُنُوبِي بَين يَديك استغفرك وَأَتُوب يَا حنان يَا منان فَلَمَّا قَالَهَا فتح لَهُ الْبَاب

فَيُسْتَحَب أَن يَدْعُو الزائر وَغَيره بِهَذَا الدُّعَاء إِذا دخل من بَاب الصَّخْرَة وَكَذَلِكَ من بَاب الْمَسْجِد وَمن الْعَجَائِب الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس السلسلة الَّتِي جعلهَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام معلقه من السَّمَاء إِلَى الأَرْض شَرْقي الصَّخْرَة مَكَان قبَّة السلسلة الْمَوْجُودَة الْآن وفيهَا يَقُول الشَّاعِر (لقد مض الْوَحْي وَمَات الْعلَا ... وارتفع الْجُود مَعَ السلسلة) وَكَانَت هَذِه السلسلة لَا يَأْتِيهَا رجلَانِ إِلَّا نالها المحق مِنْهُمَا وَمن كَانَ مُبْطلًا ارْتَفَعت عَنهُ فَلم ينلها وَمُلَخَّص حكايتها مَعَ اخْتِلَاف فِيهِ أَن رجلا يَهُودِيّا كَانَ قد استودعه رجل مائَة دِينَار فَلَمَّا طلب الرجل وديعته جحد ذَلِك الْيَهُودِيّ فَتَرَافَعَا إِلَى ذَلِك الْمقَام عِنْد السلسلة فَأخذ الْيَهُودِيّ بمكره ودهائه فسبك تِلْكَ الدَّنَانِير وحفر جَوف عَصَاهُ وَجعلهَا فِيهَا فَلَمَّا أَتَى ذَلِك الْمقَام دفع الْعَصَا إِلَى صَاحب الدَّنَانِير وَقبض عل السلسلة ثمَّ حلف بِاللَّه لقد أعطَاهُ دنانيره ثمَّ دفع إِلَيْهِ صَاحب الدَّنَانِير الْعَصَا وَأَقْبل حَتَّى أَخذ السلسلة فَحلف إِنَّه لم يَأْخُذهَا مِنْهُ وَمَسّ كِلَاهُمَا السلسلة فَعجب النَّاس من ذَلِك فارتفعت السلسلة من ذَلِك الْيَوْم لخبث الطويات وَحكي غير ذَلِك وَجعل سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام تَحت الأَرْض بركَة وَجعل فِيهَا مَاء وَجعل عل وَجه ذَلِك المَاء بساطاً ومجلس رجل جليل أَو قَاض جليل فَمن كَانَ على الْبَاطِل إِذا وَقع فِي ذَلِك المَاء غرق وَمن كَانَ عل الْحق لم يغرق وَمن الْعَجَائِب الَّتِي كَانَت أَيْضا فيبيت الْمُقَدّس فِي الزَّمَان الأول مَا حَكَاهُ صَاحب مثير الغرام أَن الضَّحَّاك بن قيس صنع بِهِ الْعَجَائِب الأولى إِنَّه صنع بِهِ فِي ذَلِك الزَّمَان نَارا عَظِيمَة اللهب فَمن عصى الله فِي تِلْكَ اللَّيْلَة أحرقته تِلْكَ النَّار حِين ينظر إِلَيْهَا وَالثَّانيَِة من رمى بَيت الْمُقَدّس بنشابة رجعت النشابة إِلَيْهِ

وَالثَّالِثَة وضع كَلْبا من خشب عل بَاب بَيت الْمُقَدّس فَمن كَانَ عِنْده شَيْء من السحر إِذا مر بذلك الْكَلْب نبح عَلَيْهِ فَإِذا نبح عَلَيْهِ نسى مَا عِنْده من السحر وَالرَّابِعَة وضع بَابا فَمن دخل مِنْهُ إِذا كَانَ ظَالِما من الْيَهُود ضغطه ذَلِك الْبَاب حَتَّى يعْتَرف بظلمه وَالْخَامِسَة وضع عَصا فِي محراب بَيت الْمُقَدّس فَلم يقدر أحد يمس تِلْكَ الْعَصَا إِلَّا من كَانَ من ولد الْأَنْبِيَاء وَمن كَانَ سو ذَلِك أحرقت يَده وَالسَّادِس كَانُوا يحبسون أَوْلَاد الْمُلُوك عِنْدهم فِي محراب بَيت الْمُقَدّس فَمن كَانَ من أهل المملكة إِذا أصبح أَصَابُوا يَده مطلية بالدهن وَكَانَ ولد هَارُون يجئيون إِلَى الصَّخْرَة ويسمونها الهيكل بالعبرانية وَكَانَت تنزل عَلَيْهِم عين زَيْت من السَّمَاء فتدور فِي الْقَنَادِيل فتملأها من غير أَن تمس وَكَانَت تنزل نَار من السَّمَاء فتدور عل مِثَال سبع عل جبل طور زيتا ثمَّ تمتد حَتَّى تدخل من بَاب الرَّحِم ثمَّ تصير عل الصَّخْرَة فيول ولد هَارُون تبَارك الرَّحْمَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فغفلوا ذَات لَيْلَة عَن الْوَقْت الَّذِي كَانَت تنزل النَّار فِيهِ فَنزلت وَلَيْسَ هم حضوراً ثمَّ ارْتَفَعت النَّار فجاؤا فَقَالَ الْكَبِير للصَّغِير يَا أخي قد كتبت الْخَطِيئَة أَي شَيْء ينجينا من بني إِسْرَائِيل أَن تتركنا هَذَا الْبَيْت اللَّيْلَة بِلَا نور وَلَا سراج؟ فَقَالَ الصَّغِير للكبير تَعَالَى حَتَّى نَأْخُذ من نَار الدُّنْيَا فنسرج الْقَنَادِيل لِئَلَّا يبْقى هَذَا الْبَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة نور وَلَا سراج فَأخذ من نَار الدُّنْيَا واسراجاً فَنزلت عَلَيْهِمَا النَّار فِي ذَلِك الْوَقْت فأحرقت نَار السَّمَاء نَار الدُّنْيَا وأحرقت وَلَدي هَارُون فناج نَبِي ذَلِك الزَّمَان فَقَالَ يَا رب أحرقت وَلَدي هَارُون وَقد علمت مكانهما فأوح الله تعال إِلَيْهِ هَكَذَا افْعَل بأوليائي إِذا عصوني فَكيف افْعَل بأعدائي

(طلسم الحيات)

(طلسم الْحَيَّات) قَالَ الْحَافِظ بن عَسَاكِر قَرَأت فِي كتاب قديم فِيهِ وَفِي بَيت الْمُقَدّس حيات عَظِيمَة قاتلة إِلَّا أَن الله تعال قد تفضل عل عباده بِمَسْجِد عل ظهر الطَّرِيق أَخذه عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من كَنِيسَة هُنَاكَ تعرف بقمامة وَفِيه اسطوانتان كبيرتان من حِجَارَة عل رأسهما صور حيات يُقَال إِنَّهَا طلسم لَهَا فمت لسعت إنْسَانا حَيَّة فِي بَيت الْمُقَدّس لم تضره شَيْئا وَأَن خرج عَن بَيت الْمُقَدّس شبْرًا من الأَرْض مَاتَ فِي الْحَال ودواؤه من ذَلِك أَن يُقيم فِي بَيت الْمُقَدّس ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ يَوْمًا فَإِن خرج مِنْهُ وَقد بَقِي من الْعدة يَوْم وَاحِد هلك وَذكر الْهَرَوِيّ أَيْضا نَحْو هَذَا فِي كتاب الزيارات لَهُ قَالَ صَاحب مثير الغرام رَحمَه الله وَقد اخبرني الْفَقِيه شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عقبَة وَهُوَ عدل فَاضل ثِقَة أَن ذَلِك اتّفق لشخص سَمَّاهُ هُوَ وأنسيت اسْمه كَانَ يلْعَب بالحيات فلدغته حَيَّة فَخرج من الْمُقَدّس فَمَاتَ وَهَذَا يُؤَيّد مَا ذكرَاهُ قلت وَهَذَا الْمَسْجِد مَعْرُوف وَهُوَ بحارة النَّصَارَى بالقدس الشريف بجوار كَنِيسَة القمامة من جِهَة الغرب عَن يَمِينه السالك من درج القمامة الخانقاه الصلاحية وَالَّذِي يظْهر أَن طلسم الْحَيَّات بَطل مِنْهُ وَالله أعلم وَلما انْتَهَت عمَارَة مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس شرع سُلَيْمَان فِي بِنَاء دَار مَمْلَكَته بالقدس الشريف واجتهد فِي عمارتها وتشييدها وَفرغ مِنْهَا فِي مُدَّة ثَلَاث عشرَة سنة وانتهت عمارتها فِي السّنة الرَّابِعَة وَالْعِشْرين من ملكه (قصَّة بلقيس) وَفِي السّنة الْخَامِسَة وَالْعِشْرين من ملكه جَاءَتْهُ بلقيس ملكة الْيمن وَمن مَعهَا وقصتها مَعَه مَشْهُورَة وملخصها عَن سيدنَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لما فرغ من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس عزم على الْخُرُوج إِلَى مَكَّة فتجهز للسير واستصحب من الْجِنّ والأنس

وَالشَّيَاطِين والطيور والوحوش مَا بلغ مُعَسْكَره مائَة فَرسَخ فحملتهم الرّيح فَلَمَّا وافى الْحرم أَقَامَ بِهِ مَا شَاءَ الله أَن يُقيم وَكَانَ ينْحَر كل يَوْم - طول مقَامه بِمَكَّة - خَمْسَة آلَاف نَاقَة ويذبح خَمْسَة آلَاف ثَوْر وَعشْرين ألف شَاة وَقَالَ لمن حَضَره من أَشْرَاف قومه هَذَا مَكَان يخرج مِنْهُ نَبِي عَرَبِيّ صفته كَذَا وَكَذَا يُعْطي النَّصْر على من عَادَاهُ وتبلغ هيبته مسيرَة شهر الْقَرِيب والبعيد عِنْده فِي الْحق سَوَاء لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم قَالُوا فَبِأَي دين يدين يَا نَبِي الله؟ قَالَ بدين الحنيفية فطوبي لمن آمن بِهِ وأدركه فَقَالُوا كم بَيْننَا وَبَين خُرُوجه يَا نَبِي الله؟ قَالَ مِقْدَار ألف عَام فليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب فَإِنَّهُ سيد الْأَنْبِيَاء وَخَاتم الرُّسُل فَأَقَامَ بِمَكَّة حَتَّى قضي نُسكه ثمَّ خرج من مَكَّة صباحاً وَسَار حَتَّى لحق الْيمن فَوَافى صنعاء وَقت الزَّوَال وَذَلِكَ مسيرَة شهر فَرَأى أَرضًا حسنا تزهو خضرتها فَأحب النُّزُول بهَا ليتغذى وَيُصلي وَكَانَ الهدهد دَلِيل سُلَيْمَان عل المَاء فَإِنَّهُ كَانَ يعرف مَوضِع المَاء وَيَرَاهُ تَحت الأَرْض كَمَا يرى فِي الزجاجة فَيعرف قربه من بعده فينقر الأَرْض حَتَّى تَجِيء الشَّيَاطِين فيسلخونها ويستخرجون المَاء فَلَمَّا نزل سُلَيْمَان قَالَ الهدهد سُلَيْمَان قد اشْتغل بالنزول فارتفع نَحْو السَّمَاء حَتَّى نظر إِلَى طول الدُّنْيَا وعرضها فَنظر يَمِينا وَشمَالًا فَرَأى بستاناً لبلقيس فَمَال إِلَى الخضرة فَوَقع فِيهِ فَإِذا هُوَ بهدهد فهبط عَلَيْهِ وَكَانَ اسْم الهدهد سُلَيْمَان يعْفُو وَاسم هدهد الْيمن عنيفر فَقَالَ عنيفر الْيمن ليعفور سُلَيْمَان من أَيْن أَقبلت وَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ أَقبلت من الشَّام مَعَ صَاحِبي سُلَيْمَان بن دَاوُد فَقَالَ وَمن سُلَيْمَان؟ قَالَ ملك الْأنس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين والوحوش والطيور والرياح فَقَالَ يَعْفُور لعنيفر فَمن أَيْن أَنْت؟ قَالَ أَنا من هَذِه الْبِلَاد قَالَ وَمن ملكهَا؟ قَالَ امْرَأَة يُقَال لَهَا بلقيس وَأَن لصاحبكم ملكا عَظِيما وَلَكِن لَيْسَ ملك بلقيس دونه فَإِنَّهَا ملكة الْيمن كلهَا

وَتَحْت يَدهَا اثْنَا عشر ألف قَائِد تَحت يَد كل قَائِد مائَة ألف مقَاتل فَهَل أَنْت منطلق معي حَتَّى تنظر إِلَى ملكهَا؟ قَالَ أَخَاف أَن يتفقدني سُلَيْمَان فِي وَقت الصَّلَاة إِذا احْتَاجَ المَاء قَالَ الهدهد الْيَمَانِيّ إِن صَاحبكُم يسره أَن تَأتيه بِخَبَر هَذِه الملكة فَانْطَلق مُهِمّ حَتَّى نظر إِلَى بلقيس وملكها وَمَا رَجَعَ إِلَى سُلَيْمَان إِلَّا وَقت الْعَصْر فَلَمَّا نزل وَدخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة - وَكَانَ نزل على غير مَاء - فَسَأَلَ الْجِنّ والأنس وَالشَّيَاطِين عَن المَاء فَلم يعلمُوا فتفقد الطير الهدهد فَدَعَا عريف الطير وَهُوَ النسْر فَسَأَلَهُ عَن الهدهد فَقَالَ اصلح الله الْملك مَا ادري أَيْن هُوَ وَمَا أَرْسلتهُ مَكَانا فَغَضب عِنْد ذَلِك سُلَيْمَان وَقَالَ (لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين) وَاخْتلف فِي الْعَذَاب الَّذِي توعده بِهِ فأظهر الْأَقْوَال أَن عَذَابه أَن ينتف ريشه وذنبه ويليقيه فِي الشَّمْس ممعطاً لَا يمْتَنع من النَّحْل وَلَا من هوَام الأَرْض أَو لأذبحنه أَي لأقطعن حلقه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين بِحجَّة بَيِّنَة وَعذر ظَاهر ثمَّ دَعَا الْعقَاب سيد الطُّيُور فَقَالَ عَليّ بالهدهد السَّاعَة فَرفع الْعقَاب نَفسه دون السَّمَاء حَتَّى الْتَصق بالهواء إِلَى الدُّنْيَا كالقصعة بِي يَدي أحدكُم ثمَّ الْتفت يَمِينا وَشمَالًا فَإِذا هُوَ بالهدهد مُقبلا من نَاحيَة الْيمن فانقض الْعقَاب نَحوه يُريدهُ فَلَمَّا رأى الهدهد ذَلِك علم أَن الْعقَاب يَقْصِدهُ بِسوء فَنَاشَدَهُ فَقَالَ بِالَّذِي قواك وأقدرك عَليّ إِلَّا رحمتني وَلم تتعرض لي بِسوء فولى الْعقَاب وَقَالَ وَيلك ثكلتك أمك إِن نَبِي الله حلف أَن يعذبك أَو يذبحك ثمَّ طارا متوجهين نَحْو سُلَيْمَان فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْعَسْكَر تَلقاهُ النسْر وَالطير فَقَالُوا لَهُ وَيلك أَيْن غبت فِي يَوْمك هَذَا الْقدر توعدك سُلَيْمَان نَبِي الله واخبروه بِمَا قَالَ فَقَالَ الهدهد وَمَا اسْتثْنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالُوا بلَى قَالَ (أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين) قَالَ نجوت إِذا

ثمَّ انْطلق الْعقَاب والهدهد حَتَّى أَتَيَا سُلَيْمَان - وَكَانَ قَاعِدا عل كرسيه - فَقَالَ الْعقَاب قد أَتَيْتُك بِهِ يَا نَبِي الله فَلَمَّا قرب الهدهد مِنْهُ رفع رَأسه أرْخى ذَنبه وجناحيه يجرهما عل الأَرْض تواضعاً لِسُلَيْمَان فَلَمَّا دنا مِنْهُ أَخذ بِرَأْسِهِ فمده إِلَيْهِ فَقَالَ أَيْن كنت؟ لأعذنك عذَابا شَدِيدا فَقَالَ لَهُ الهدهد يَا نَبِي الله اذكر وقوفك بَين يَدي الله عز وَجل فَلَمَّا سمع سُلَيْمَان ذَلِك ارتعد وَعَفا عَنهُ ثمَّ سَأَلَهُ مَا الَّذِي أبطأك عني؟ فَقَالَ الهدهد مَا أخبر بِهِ الله تَعَالَى فِي قَوْله (فَمَكثَ غير بعيد - أَي غير طَوِيل - فَقَالَ أحطت بِمَا لم تحط بِهِ) والإحاطة الْعلم بالشَّيْء من جَمِيع جهاته يَقُول علمت مَا لم تعلمه وَبَلغت مَا لم تبلغه أَنْت وَلَا جنودك (وجئتك من سبأ بِنَبَأٍ يَقِين) فَقَالَ سُلَيْمَان وَمَا ذَاك؟ قَالَ إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم اسْمهَا بلقيس بنت شرَاحِيل من نسل يعرب بن قحطان وَكَانَ أَبوهَا ملكا عَظِيم الشَّأْن وَقد ولد لَهُ أَرْبَعُونَ ملكا وَهِي آخِرهم وَكَانَ يملك أَرض الْيمن كلهَا وَكَانَ يَقُول الْمُلُوك الْأَطْرَاف لَيْسَ أحد مِنْكُم كُفؤًا لي وَأبي أَن يتَزَوَّج مِنْهُم فَزَوجُوهُ امْرَأَة من الْجِنّ يُقَال لَهَا ريحانه بنت اليسكن فَولدت لَهُ بلقيس وَلم يكن لَهُ ولد غَيرهَا وَجَاء فِي الحَدِيث إِن أحد أَبَوي بلقيس كَانَ جنياً فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بلقيس طمعت فِي الْملك فطلبت من قَومهَا أَن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها آخَرُونَ فملكوا عَلَيْهِم رجلا فافترقوا فرْقَتَيْن كل فرقة استولت على طرف من أَرض الْيمن ثمَّ إِن الرجل الَّذِي ملكوه أَسَاءَ السِّيرَة فِي أهل مَمْلَكَته حَتَّى كَانَ يمد يَده إِلَى حَرِيم رَعيته فيفجر بِهن فَأَرَادَ قومه خلعه فَلم يقدروا عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَتْ بلقيس ذَلِك أدْركهَا الْغيرَة فَأرْسلت إِلَيْهِ تعرض نَفسهَا عَلَيْهِ فأجابها الْملك وَقَالَ مَا مَنَعَنِي أَن ابتدئك بِالْخطْبَةِ إِلَّا الأياس مِنْك فَقَالَت لَا أَرغب عَنْك كفؤ كريم فاجمع رجال قومِي وأخطبني إِلَيْهِم فَجَمعهُمْ وخطبها إِلَيْهِم فَقَالُوا

لَا نرَاهَا تفعل هَذَا فَقَالَ لَهُم إِنَّهَا طلبت ذَلِك أحب أَن تسمعوا قَوْلهَا فجاؤها فَذكرُوا لَهَا ذَلِك فَقَالَت نعم أَحْبَبْت الْوَلَد فزوجوها مِنْهُ فَلَمَّا زفت إِلَيْهِ خرجت بأناس كَثِيرَة من حشمها فَلَمَّا جَاءَتْهُ سقته الْخمر حَنى سكر ثمَّ حزت رَأسه وانصرفت من اللَّيْل إِلَى منزلهَا فَلَمَّا أَصْبحُوا وَرَأَوا الْملك قَتِيلا وَرَأسه مَنْصُوب على بَاب دارها علمُوا أَن تِلْكَ المناكحة كَانَت مكراً وخديعة مِنْهَا فَاجْتمعُوا إِلَيْهَا وَقَالُوا أَنْت بِهَذَا الْملك أَحَق من غَيْرك فملكوها وَقد جاءفي الحَدِيث الشريف أَن رَسُول الله (ص) لما بلغه أَن أهل فَارس قد ملكوا عَلَيْهِم بنت كسْرَى قَالَ لَا أَفْلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة قَالَ الله تعال (واوتيت من كل شَيْء - أَي تحْتَاج إِلَيْهِ الْمُلُوك من الْآلَة وَالْعدة - وَلها عرشعظيم) سَرِير ضخم كَا نمضروباً رمن الذَّهَب مكللاً بالدر والياقوت الْأَحْمَر والزبرجد الْأَخْضَر وقوائمه من الْيَاقُوت وَمن الزمرد وَعَلِيهِ سَبْعَة بيات عل كل بَيت بَاب يغلق قَالَ ابْن عَبَّاس كَانَ عرش بلقيس ثَلَاثِينَ ذِرَاعا فِي ثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَطوله فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَقيل غير ذَلِك (وَجدتهَا وقومها يَسْجُدُونَ للشمس من دون الله وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل فهم لَا يعتدون أَلا يسجدوا لله الَّذِي يخرج الخبء فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض - فخبء السَّمَاء الْمَطَر وخبء الأَرْض النَّبَات - وَيعلم مَا يخفون وَمَا يعلنون الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم) أَي هُوَ الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ وَالسُّجُود لَا غَيره وعرش ملكة سبأ وَإِن كَانَ عَظِيما فَهُوَ صَغِير حقير فِي جنب عَرْشه عز وَجل فَلَمَّا فرغ الهدهد من كَلَامه قَالَ لَهُ سُلَيْمَان (سننظر أصدقت فِيمَا أخْبرت أم كنت من الْكَاذِبين) فدلهم الهدهد على المَاء فاحتفروا الركايا وروى النَّاس وَالدَّوَاب ثمَّ كتب سُلَيْمَان كتابا من عِنْد سُلَيْمَان بن دَاوُد إِلَى بلقيس ملكة سبأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

سَلام من اتبع الْهدى أما بعد (فَلَا تعلوا عَليّ ائْتُونِي مُسلمين) وَلم يزدْ سُلَيْمَان عل مَا قصّ الله فِي كِتَابه وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء كَانَت تكْتب جملالاً لَا يطيلون وَلَا يكثرون فَلَمَّا كتب الْكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمة وَقَالَ للهدهد (اذْهَبْ بكتابي هَذَا فالقه إِلَيْهِم ثمَّ تول - تَنَح عَنْهُم وَكن قَرِيبا مِنْهُم - فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ) يردون من جَوَاب فَأخذ الهدهد الْكتاب وأتى بِهِ إِلَى بلقيس - وَكَانَت بِأَرْض الْيمن بِأَرْض يُقَال لَهَا مأرب بِأَرْض صنعاء عل ثَلَاثَة أَيَّام - فوافوها فِي الْقصر وَقد أغلقت الْأَبْوَاب وَأخذت المفاتيح فَوَضَعتهَا تَحت رَأسهَا فَأَتَاهَا وَهِي نَائِمَة مستلقية عل قفاها فألق الْكتاب عل نَحْوهَا فَأخذت بلقيس الْكتاب - وَكَانَت قارئة - فَلَمَّا رَأَتْ الْخَاتم ارتعدت وخضعت لِأَن ملك سُلَيْمَان كَانَ فِي خَاتمه وَعرفت أَن الَّذِي أرسل الْكتاب أعظم ملكا مِنْهَا فَقَرَأت الْكتاب وَتَأَخر الهدهد غير بعيد فَجَاءَت حَتَّى قعدت عل سَرِير ملكهَا وجمعت الْمَلأ من قَومهَا وهم اثْنَا عشر ألف قَائِد مَعَ كل قَائِد مائَة ألف مقَاتل فجاؤا وَأخذُوا مجَالِسهمْ فَقَالَت لَهُم بلقيس (يَا أَيهَا الْمَلأ - وهم أَشْرَاف النَّاس وكبراؤهم - إِنِّي القي إِلَيّ كتاب كريم) سمته كَرِيمًا لِأَنَّهُ مَخْتُومًا وروى عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ كَرَامَة الْكتاب خَتمه ثمَّ بيّنت مِمَّن الْكتاب وَقَالَت (إِنَّه من سُلَيْمَان) وبينت الْمَكْتُوب فَقَالَت (وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِن لَا تعلو عَليّ) قَالَ ابْن عَبَّاس لَا تتكبروا عَليّ (وائتوني مُسلمين) طائعين قيل هُوَ من الْإِسْلَام قيل هُوَ من الاستسلام (قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ أفتوني فِي أَمْرِي - أَشِيرُوا عَليّ فِيمَا عرض لي وأجيبوني مَا كنت قَاطِعَة قاضية وفاصلة أمرا - حَتَّى تَشْهَدُون - أَي تحضرون - قَالُوا - مجبيين لَهَا - نَحن أولُوا قُوَّة - فِي المَال - وَأولُوا بَأْس شَدِيد) - عِنْد الْحَرْب والقتال

ثمَّ قَالُوا وَالْأَمر إِلَيْك أيتها الملكة فِي الْقِتَال وَتَركه فانظري من الرَّأْي مَاذَا تأمرين تجدينا لأمرك مُطِيعِينَ قَالَت بلقيس - مجيبة لَهُم عِنْد التَّعْرِيض بِالْقِتَالِ - إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة عنْوَة أفسدوها - خربوها - وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة) أَي أهانوا أَشْرَافهَا وكبراءها كي يَسْتَقِيم لَهُم الْأَمر تحذرهم مسير سُلَيْمَان إِلَيْهِم ودخوله بِلَادهمْ وتناهى الْخَبَر عَنْهَا هَاهُنَا فَصدق الله قَوْلهَا فَقَالَ (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) أَي كَمَا قَالَت هِيَ يَفْعَلُونَ ثمَّ قَالَت (وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ) وَالْهَدْي هِيَ الْعَطِيَّة على ظهر الملاطفة وَذَلِكَ أَن بلقيس كَانَت امْرَأَة لَبِيبَة قد سيست وساست فَقَالَت للملأ حولهَا من قَومهَا إِنِّي مُرْسلَة إِلَى سُلَيْمَان وَقَومه بهدية أصانعه بهَا عَن ملكي واختبره بهَا أملك هُوَ أم نَبِي فَإِن يكن نَبيا لم يقبل الْهَدِيَّة وَلم يرضه منا إِلَّا أَن نتبعه عل دينه وَذَلِكَ وَله تَعَالَى (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) أَي كَمَا قَالَت هِيَ يَفْعَلُونَ ثمَّ قَالَت (وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ) والهدية هِيَ الْعَطِيَّة على ظهر الملاطفة فأهت لَهُ وصفاء ووصائف وألبستهم لباساً وَاحِدًا كي لَا يعرف ذكرهم من اثناهم قيل ألبست الغلمان لِبَاس الْجَوَارِي وَعَكسه وَكَانَ فِي لباسهم مَا هُوَ مرصع بأنواع الْجَوَاهِر وأركبتهم الْخُيُول بلجم الذَّهَب مرصعة بالجواهر وَجعلت الغواشي من الديباج الملون وَبعثت إِلَيْهِ خَمْسمِائَة لبنة من الذَّهَب وَخَمْسمِائة لبنة من الْفضة مكللة بالدر واليواقيت وَأرْسلت إِلَيْهِ الْمسك والعنبر وَالْعود اليلنجوج وعمدت إِلَى حقة فَجعلت فِيهَا درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية صَغِيرَة مثقوبة معوجة الثقب ودعت رجلا من أَشْرَاف قَومهَا يُقَال لَهُ الْمُنْذر بن عَمْرو وضمت إِلَيْهِ رجَالًا من قَومهَا أَصْحَاب رَأْي وعقل وكتبت إِلَيْهِ كتابا بنسخة الْهَدِيَّة وَقَالَت لَهُ إِن كنت نَبيا فميز بَين الوصفاء والوصائف وَأخْبر بِمَا فِي الحقة من غير علاج أنس وَلَا جن

وَأمرت بلقيس الغلمان وَقَالَت لَهُم إِذا كلمكم سُلَيْمَان فكلموه بِكَلَام تَأْنِيث وتخنث يشبه كَلَام النِّسَاء وَأمرت الْجَوَارِي أَن يكلمنه بِكَلَام فِيهِ غلظة يشبه كَلَام الرِّجَال ثمَّ قَالَت لرسولها انْظُر إِلَى الرجل إِذا دخلت عَلَيْهِ فَإِن نظر إِلَيْك نظر غضب فَاعْلَم إِنَّه ملك وَلَا يهولنك منظره فَإنَّا أعز مِنْهُ وَإِن رَأَيْت الرجل بشاشاً لطيفاً فَاعْلَم إِنَّه نَبِي مُرْسل فَافْهَم قَوْله ورد الْجَواب فَانْطَلق رسولها بالهدية وَأتي الهدهد مسرعاً إِلَى سُلَيْمَان فَأخْبرهُ الْخَبَر كُله فَأمر سُلَيْمَان الْجِنّ أَن يضْربُوا لبنات الذَّهَب ولبنات الْفضة فَفَعَلُوا ثمَّ أَمرهم أَن يبسطوا من مَوْضِعه الَّذِي هُوَ فِيهِ - وَكَانَ تسع فراسخ - ميداناً وَاحِدًا بلبنات الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَن يتْركُوا عل طريقهم موضعا على قدر اللبنات خَالِيا وَبَاقِي الأَرْض مفروشة وَإِن يجْعَلُوا حول الميدان حَائِطا شرافاتها من الذَّهَب وَالْفِضَّة ثمَّ قَالَ أَي الدَّوَابّ خير مَا رَأَيْتُمْ فِي الْبر وَالْبَحْر؟ قَالُوا يَا نَبِي الله أَنا رَأينَا دَوَاب فِي بَحر كَذَا وَكَذَا ممنطقة مُخْتَلفَة ألوانها على صِفَات الْخَيل وَلها أَجْنِحَة وأعراف ونواصي فَقَالَ سُلَيْمَان عَليّ بهَا السَّاعَة فَأتوا بهَا فَقَالَ شدوها عَن يَمِين الميدان وَعَن يسَاره على لبنات الذَّهَب وَالْفِضَّة وألقوا لَهَا عَلفهَا فِيهَا ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان للجن عَليّ بأولادكم فَاجْتمع عِنْده خلق كثير فأقامهم عَن يَمِين الميدان ويساره ثمَّ قعد سُلَيْمَان فِي مَجْلِسه على سَرِيره وَوضع لَهُ أَرْبَعَة آلَاف كرْسِي عَن يَمِينه وَمثلهَا عَن يسَاره وَأمر الشَّيَاطِين أَن يصطفوا صُفُوفا فاصطفوا فراسخ عَن يَمِينه ويساره وَأمر الْأنس أَن يصطفوا مثلهم فاصطفوا فراسخ ثمَّ أَمر الطُّيُور والوحوش والهوام أَن يصطفوا فاصطفوا فراسخ عَن يَمِين سُلَيْمَان وَعَن يسَاره وَهُوَ جَالس على كرسيه والجميع حوله وَعَن يَمِينه وشماله فَلَمَّا دنا الْقَوْم من الميدان وَرَأَوا سُلَيْمَان ونظروا إِلَى مَكَّة ونظروا الدَّوَابّ البحرية الَّتِي لم تراعينهم مثلهَا على وَجه الأَرْض وَهُوَ يَبُولُونَ عل لبن الذَّهَب وَالْفِضَّة

ويروثون عَلَيْهَا تقاصرت أنفسهم ورموا جَمِيع مَا مَعَهم من الْهَدَايَا فِي ذَلِك الْمَكَان خوفًا من أَن يتهموا بذلك وَلما نظرُوا إِلَى الشَّيَاطِين وَرَأَوا منْظرًا عجيباً فزعوا وخافوا فَقَالَ لَهُم الشَّيَاطِين جوزوا فَلَا بَأْس عَلَيْكُم فَكَانُوا يَمرونَ على كرْدُوس من الْجِنّ والأنس والوحوش وَالطير وَالسِّبَاع والهوام حَتَّى وقفُوا بَين يَدي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَنظر إِلَيْهِم منْظرًا حسنا بِوَجْه طلق وبشاشة وَقَالَ وَمَا رواء كم؟ فَأخْبرهُ رَئِيس الْقَوْم بِمَا جاؤا لَهُ بِهِ أعطَاهُ كتاب الملكة فَنظر فِيهِ ثمَّ قَالَ أَيْن الحقة؟ فَأتوهُ بهَا فحركها وجاءه جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأخْبرهُ بِمَا فِيهَا فَقَالَ سُلَيْمَان إِن فِيهَا درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة مثقوبة معوجة الثقب فَقَالَ لَهُ الرَّسُول صدقت فاثقب لنا الدرة و ~ ~ أَدخل الْخَيط فِي الخرزة فَقَالَ سُلَيْمَان من لي بثقبها وَسَأَلَ سُلَيْمَان الْأنس وَالْجِنّ فَلم يكن عِنْدهم علم من ذَلِك ثمَّ سَأَلَ الشَّيَاطِين فَقَالُوا أرسل إِلَيّ الأرضة فَجَاءَت فَأخذت شَعْرَة فِي فمها وَدخلت الخزرة بهَا حَتَّى خرجت من الْجَانِب الآخر فَقَالَ سُلَيْمَان للأرضة مَا حَاجَتك؟ وَمَا الَّذِي تريدين؟ قَالَت يَا نَبِي الله أُرِيد أَن تصير رِزْقِي فِي الشّجر فَقَالَ لَهَا لَك ذَلِك ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان من لهَذِهِ الخرزة يسلكها الْخَيط؟ فَقَالَت دودة بَيْضَاء أَنا لَهَا يَا رَسُول الله فَأخذت الدودة الْخَيط فِي فمها وَدخلت من جَانب ثمَّ خرجت من الْجَانِب الآخر فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَان مَا تريدين؟ قَالَت تجْعَل رِزْقِي فِي فواكه فَقَالَ لَهَا ذَلِك لَك ثمَّ ميز الْجَوَارِي والغلمان بِأَن أَمرهم أَن يغسلوا وُجُوههم وأيديهم فَجعلت الْجَارِيَة تَأْخُذ المَاء من الْآنِية بِإِحْدَى يَديهَا ثمَّ تَجْعَلهُ عل الْيَد الْأُخْرَى ثمَّ تضرب بِهِ الْوَجْه؟ وَجعل الْغُلَام كلما أَخذ من الْآنِية يضْرب بِهِ وَجهه وَكَانَت الْجَارِيَة تصب المَاء صبا والغلام يحدر المَاء عل يَدَيْهِ حدراً فميز بَينهمَا بذلك

ثمَّ رد سُلَيْمَان الْهَدِيَّة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى عَنهُ تعال قد مكنني فِيهَا وَأَعْطَانِي مِنْهَا مَا لم يُعْطه لأحد وَمَعَ ذَلِك أكرمني بِالدّينِ والنبوة ثمَّ قَالَ للمنذر بن عَمْرو - وَهُوَ أَمِير الْقَوْم - ارْجع إِلَيْهِم بالهدية (فلنأتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا - أَي لَا طَاقَة لَهُم بهَا - ولنخرجنهم مِنْهَا - أَي من أَرضهم وبلادهم وَهِي سبأ - أَذِلَّة وهم صاغرون) أَي ذليلون إِن لم يأتوني مُسلمين فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول بلقيس إِلَيْهَا قَالَت قد عرفت وَالله مَا هَذَا بِملك وَلَا لنا بِهِ من طَاقَة ثمَّ بعثت إِلَى سُلَيْمَان إِنِّي قادمة عَلَيْك بملوك قومِي انْظُر مَا أَمرك وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ من دينك ثمَّ أمرت بِعَرْشِهَا فَجَعَلته فِي آخر سَبْعَة أَبْيَات بَعْضهَا فِي بعض فِي آخر قصر من سَبْعَة قُصُور ثمَّ غلقت دونه الْأَبْوَاب ووكلت بِهِ حراساً يحفوظونه ثمَّ قَالَت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بِمَا قبلك وسرير ملكي لَا تخلص إِلَيْهِ أحدا وَلَا تدنيه حَتَّى آتِيك ثمَّ أمرت منادياً يُنَادي فِي أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل ثمَّ شخصت إِلَيّ سُلَيْمَان فِي اثنى عشر ألف قيل من مُلُوك الْيمن تَحت يَد كل قيل أُلُوف كَثِيرَة وَكَانَ سُلَيْمَان رجلا مهاباً لَا يبتدأ بِشَيْء حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل عَنهُ فَخرج يَوْمًا فَجَلَسَ على سَرِير ملكه فَرَأى رهجاً قَرِيبا مِنْهُ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالُوا لَهُ هَذِه بلقيس وَقد نزلت بِهَذَا الْمَكَان وَكَانَت على مسيرَة فَرسَخ من سُلَيْمَان فَأقبل سُلَيْمَان حِينَئِذٍ على جُنُوده وَقَالَ لَهُم يَا أَيهَا الْمَلأ أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين مُؤمنين وَقَالَ ابْن عَبَّاس مُسلمين أَي طائعين وَاخْتلفُوا فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله أَمر سُلَيْمَان بِاخْتِصَار عرشها

فَقَالَ أَكْثَرهم لِأَن سُلَيْمَان علم إِنَّهَا إِن اسْلَمْ حرم عَلَيْهِ مَالهَا فَأَرَادَ أَن يَأْخُذ سريرها قبل أَن يحرم عَلَيْهِ أَخذه بإسلامها وَقيل أَرَادَ يريها قدرَة الله عز وَجل وعظيم سلطنه فِي معْجزَة يَأْتِي بهَا عرشها قَالَ قَتَادَة لِأَنَّهُ أعجبه صفته حِين وَصفه الهدهد فَأحب أَن يرَاهُ وَقَالَ زيد أَرَادَ أَن يبْدَأ بتنكيره وتغييره فيختبر بذلك عقلهَا (قَالَ عفريت من الْجِنّ) - وَهُوَ المارد الْقوي قيل اسْمه كودي وَقيل اسْمه دوكان وَقيل هُوَ صَخْر الجني وَكَانَ بِمَنْزِلَة حَبل يضع قدمه عِنْد مُنْتَهى طرفه - (أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك) - أَي مجلسك الَّذِي تحكم فِيهِ - وَكَانَ لَهُ كل غَدَاة مجْلِس يقْضِي فِيهِ إِلَى فرَاغ النَّهَار (وَإِنِّي عَلَيْهِ - أيعل حمله - لقوي أَمِين) عل مَا فِيهِ من الْجَوَاهِر والمعادن فَقَالَ سُلَيْمَان أُرِيد شَيْئا يكون أسْرع من ذَلِك (فَقَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك) وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقيل هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقيل هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة أيد الله بِهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ الاكثرون هُوَ آصف بن برخيا وَكَانَ صديقا يعرف اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا ادّعى بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس إِنَّه قَالَ إِن صف قَالَ لِسُلَيْمَان - حِين صلى - مد عَيْنَيْك حَتَّى يَنْتَهِي طرفك فَمد عَيْنَيْهِ - أَي بَصَره - فَنظر نَحْو الْيمن فَدَعَا آصف بَين يَدي سُلَيْمَان فَبعث الله الْمَلَائِكَة فحملوا السرير من تَحت الأَرْض وهم يخدون خداً حَتَّى انخرقت الأَرْض بالسرير بَين يَدي سُلَيْمَان وَقيل غير ذَلِك وَقيل كَانَت الْمسَافَة مِقْدَار شَهْرَيْن وَاخْتلف فِي الدُّعَاء الَّذِي دَعَا بِهِ صف فَقيل إِنَّه قَالَ يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وَقيل يَا حَيّ يَا قيوم وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب يَا إلهنا وإله كل شَيْء

إلهنا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا أَنْت ائْتِنِي بِعَرْشِهَا وَقيل إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَان قَالَ لَهُ عَالم من بني إِسْرَائِيل - آتَاهُ الله علما وفهماً - (أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك) قَالَ سُلَيْمَان هَات قَالَ أَنْت النَّبِي وَلَيْسَ أحد عِنْد الله أوجه مِنْك فَإِذا دَعَوْت إِلَيْهِ وطلبته كَانَ عنْدك قَالَ صدقت فَفعل ذَلِك فجيء بالعرش فِي الْوَقْت وَقَوله (قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك) قَالَ سعيد بن جُبَير يَعْنِي من قبل أَن يرجع إِلَيْك أقْصَى من تَرَ وَهُوَ أَن يصل إِلَيْك من كَانَ مِنْك على مد بَصرك وَقيل غير ذَلِك (فَلَمَّا رَآهُ - يَعْنِي سُلَيْمَان الْعَرْش - مُسْتَقرًّا عِنْده - مَحْمُولا إِلَيْهِ من هَذِه الْمسَافَة الْبَعِيدَة فِي قدر ارتداد الطّرف - قَالَ هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ نعْمَته أم أكفر - فلأشكرها - وَمن شكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ) أَي يعود نفع شكره عَلَيْهِ وَهُوَ أَن يسْتَوْجب بِهِ تَمام النِّعْمَة ودوامها لِأَن الشُّكْر قيد النِّعْمَة الْمَوْجُودَة وصيد النِّعْمَة المفقودة (وَمن كفر فَإِن رَبِّي غَنِي) عَن شكره وكريم بَالا فضال عل من يكفر نعْمَته (قَالَ سُلَيْمَان نكروا لَهَا عرشها) أَي سريرها إِلَى حَال تنكره إِذا رَأَتْهُ فَقيل جعل أَسْفَله أَعْلَاهُ وَعَكسه وَجعل مَكَان الْجَوْهَر الْأَحْمَر الْأَخْضَر وَعَكسه (نَنْظُر أتهتدي - إِلَى عرشها فتعرفه - أم تكون من الْجَاهِلين) الَّذين لَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا حمل سُلَيْمَان على ذَلِك أَن الشَّيَاطِين خَافت أَن يَتَزَوَّجهَا سُلَيْمَان فتفشي إِلَيْهِ أَمر الْجِنّ لِأَن أمهَا كَانَت جنية وَإِذا ولدت ولدا لِسُلَيْمَان لَا ينفكوا من تسخيرهم لِسُلَيْمَان وَذريته من بعده فأساؤا الثَّنَاء عَلَيْهَا ليزهدوه فِيهَا وَقَالُوا لَهُ إِن فِي عقلهَا شَيْئا وَإِن برجليها شعرًا وَإِن رِجْلَيْهَا كحوافر الْحمار وَإِنَّهَا مشعرة السَّاقَيْن فَأَرَادَ سُلَيْمَان أَن يختبرها فِي عقلهَا فنكر عرشها وَينظر إِلَى قدميها بِبِنَاء الصرح فَلَمَّا جَاءَت لَهَا أهكذا عرشك؟ قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ عَرفته وَلَكِن شبهت عَلَيْهِم كَمَا شبهوا عَلَيْهَا لم تقل نعم خوفًا من التَّكْذِيب فَقَالَت كَأَنَّهُ هُوَ فَعرف سُلَيْمَان كَمَال عقلهَا حَيْثُ لم تقر وَلم تنكر وَحكي غير ذَلِك

(فقالت وأوتينا العلم)

(فَقَالَت وأوتينا الْعلم) بِصِحَّة نبوة سُلَيْمَان الْآيَات الْمُتَقَدّمَة من أَمر الْهَدِيَّة وَالرسل من قبلهَا وَمن قبل الْآيَة فِي الْعَرْش (وَكن مُسلمين) منقادين طائعين لأمر سُلَيْمَان وَقيل غير ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى (وصدها مَا كَانَت تعبد من دون الله) أيمنعها مَا كَانَت تعبد من دون الله وَهِي الشَّمْس (أَن تعبد الله) أَي صدها عبَادَة الشَّمْس عَن التَّوْحِيد وَعَن عبَادَة الله تَعَالَى وَقيل غير ذَلِك وَقَوله تَعَالَى (قيل لَهَا ادخلي الصرح) الْآيَة وَذَلِكَ أَن سُلَيْمَان " ع " أَرَادَ أَن ينظر قدميها وساقيها من غير أَن يسلبها أثوابها وَينظر مَا قَالَت الشَّيَاطِين عَنْهَا أَن رِجْلَيْهَا كحوافر الْحمار وَهِي مشعرة السَّاقَيْن فَأمر سُلَيْمَان الشَّيَاطِين فبنوا لَهُ صرحاً أَي قصراً من زجاج وَقيل الصرح صحن الدَّار أجْرى تَحْتَهُ المَاء والقى فِيهِ كل شَيْء من دَوَاب الْبَحْر حَتَّى السّمك والضفدع وَغَيرهمَا ثمَّ وضع سَرِيره فِي صَدره وَجلسَ عَلَيْهِ فعكف عَلَيْهِ الطير وَالْجِنّ والأنس وَإِنَّمَا بنى الصرح ليختبر فهمها كَمَا فعلت هِيَ بالوصائف والوصفاء فَلَمَّا جلس سُلَيْمَان على سَرِير دَعَا بلقيس فَلَمَّا جَاءَت قيل لَهَا ادخلي الصرح (فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة - وَهِي مُعظم المَاء - وكشفت عَن سَاقيهَا) لتخوضه إِلَى سُلَيْمَان فَنظر سُلَيْمَان فَإِذا هِيَ أحسن النَّاس قدماً وساقاً إِلَّا إِنَّهَا مشعرة السَّاقَيْن فَلَمَّا رأى سُلَيْمَان ذَلِك صرف بَصَره عَنْهَا ثمَّ ناداها إِنَّه صرح ممرد أَي مملس من قَوَارِير ثمَّ دَعَاهَا لِلْإِسْلَامِ وَكَانَت قد رَأَتْ حَال الْعَرْش وَعلمت أَن ملك سُلَيْمَان من الله تَعَالَى فأجابت وَقَالَت (رب إِنِّي ظلمت نَفسِي - بالْكفْر عبَادَة غَيْرك - وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين) أَي أخلصت لَهُ التَّوْحِيد وَاخْتلف فِي أمرهَا هَل تزَوجهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام؟ فَقَالَ بَعضهم تزَوجهَا

وَلما أَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا كره مَا رأى من كَثْرَة شعر سَاقيهَا فَسَأَلَ الْأنس مَا يذهب هَذَا قَالُوا لَهُ الموسى فَقَالَ إِنَّهَا تجرح سَاقيهَا وَسَأَلَ الْجِنّ فَقَالُوا لَا نَدْرِي ثمَّ سَأَلَ الشَّيَاطِين فَقَالُوا نحتال لَك بحيلة حَتَّى يصير كالسبيكة الْفضة من غير أَذَى فَقَالُوا افعلوا فإتخذوا النورة وَالْحمام وَكَانَت النورة وَالْحمام من ذَلِك الْيَوْم وَيُقَال إِن الْحمام كَانَ بِبَاب الآباط بالقدس الشريف وَهُوَ الْحمام الَّذِي بجوار الْمدرسَة الصلاحية وَهُوَ من جملَة أوقاف الْمدرس من الْملك صَلَاح الدّين وَإِنَّمَا بني لبلقيس وَإنَّهُ أول حمام وضع عل وَجه الأَرْض وَالله أعلم وَلما تزَوجهَا سُلَيْمَان أحبها حبا شَدِيدا وأقرها عل ملكهَا وَأمر الْجِنّ فابتنوا بِأَرْض الْيمن ثَلَاثَة حصون لم ير النَّاس مثلهَا ارتفاعاً وحسناً ثمَّ كَانَ سُلَيْمَان بزورها فِي كل شهر مرّة بعد إِن ردهَا إِلَى ملكهَا وَيُقِيم عِنْدهَا ثَلَاث أَيَّام؟ وَولدت لَهُ فِيمَا يذكر وَالله أعلم (ذكر فتْنَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام) قَالَ الله تَعَالَى (وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان) أَي اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه وَسبب ذَلِك مَا رُوِيَ عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ سمع سُلَيْمَان بِمَدِينَة فِي جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر يُقَال لَهَا صدوف وَلها ملك عَظِيم الشَّأْن لم يكن للنَّاس عَلَيْهِ سَبِيل لمكانه بالبحر وَكن الله عز وَجل قد آتى سُلَيْمَان فِي ملكه سُلْطَانا لَا يمْتَنع عَلَيْهِ شَيْء فِي بر وَلَا بَحر بِمَا يركب إِلَيْهِ الرّيح فَخرج سُلَيْمَان إِلَى تِلْكَ الْمَدِين تحمله الرّيح عل ظهر المَاء حَتَّى نزل بهَا بجُنُوده من الْجِنّ والأنس فَقتل ملكهَا واستقام فِيهَا فَأصَاب فِيمَا أصَاب ابْنه الْملك تسمى جَرَادَة لم ير مثلهَا حسنا وجمالاً فاصطفاها لنَفسِهِ ودعاها لِلْإِسْلَامِ فَأسْلمت عل جفَاء مِنْهَا وَقلة مُوَافقَة وأحبها لم يُحِبهُ أحدا من نِسَائِهِ فَكَانَت على

منزلَة عَظِيمَة عِنْده فَكَانَت لَا يذهب حزنها وَلَا يرقأ دمعها فشق ذَلِك على سُلَيْمَان فَقَالَ لَهَا وَيلك مَا هَذَا الْحزن الَّذِي لم يذهب والدمع الَّذِي لَا يرقأ؟ قَالَت إِنِّي أذكر أبي وأذكر ملكه وَمَا كَانَ فِيهِ وَمَا أَصَابَهُ فيجزيني ذَلِك قَالَ سُلَيْمَان قد أَبَد لَك الله ملكا هُوَ أعظم من ملك أَبِيك وسلطاناً هُوَ كَذَلِك وَلَكِنِّي إِذا تَذكرته أصابني مَا ترى من الْحزن فَلَو إِنَّك أمرت الشَّيَاطِين فيصوروا صورته فِي دَاري الَّتِي أَنا فِيهَا فأراها بكرَة وَعَشِيَّة لرجوت أَن يذهب ذَلِك حزني وَأَن يسلبني بعض مَا أجد فِي نَفسِي فَأمر سُلَيْمَان الشَّيَاطِين أَن يمثلوا لَهَا صُورَة أَبِيهَا فِي دارها حَتَّى لَا تنكر مِنْهُ شَيْئا فمثلوها حَتَّى نظرت إِلَى أَبِيهَا بِعَيْنِه إِلَّا إِنَّه لَا روح فِيهِ فعمدت إِلَيْهِ حِين وضعوه فأزرته وقمصته وعممته وردته بِمثل ثِيَابه الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ فِي حَال حَيَاته ثمَّ إِنَّهَا كَانَت إِذا خرج سُلَيْمَان من دارها تَغْدُو إِلَيْهِ فِي ولائدها وَمن يلوذبها ثمَّ تسْجد لَهُ ويسجدون لَهُ كَمَا كَانَت تصنع لَهُ فِي ملكه واستمرت تفعل ذَلِك بكرَة وَعَشِيَّة وَسليمَان لَا يعلم بشيءمن ذَلِك مُدَّة أَرْبَعِينَ صباحاً فَبلغ ذَلِك آصف ابْن برخيا - وَكَانَ صديقا وَكَانَ لَا يرد عَن أَبْوَاب سُلَيْمَان وَأي سَاعَة أَرَادَ أَن يدْخل دَار سُلَيْمَان دخل حَاضرا كَانَ سُلَيْمَان أَو غَائِبا - فَأتى سُلَيْمَان وَقَالَ لَهُ يَا نَبِي الله كبر سني ورق عظمي وَنفذ عمري وَقد حَان مني ذَهَابه وَقد أَحْبَبْت أَن أقوم مقَاما قبل الْمَوْت أذكر فِيهِ من مضى من أَنْبيَاء الله تَعَالَى واثني عَلَيْهِم بعلمي فيهم وَأعلم النَّاس بعض مَا كَانُوا يجهلون من كثير أُمُورهم فَقَالَ سُلَيْمَان افْعَل فَجمع لَهُ سُلَيْمَان النَّاس فَقَامَ فيهم خَطِيبًا فَحَمدَ الله تعال وَذكر من مضى من أَنْبيَاء الله تَعَالَى أثنى على كل نَبِي بِمَا فِيهِ وَذكر مَا فَضله الله بِهِ حَتَّى انْتهى إِلَى

سُلَيْمَان فَقَالَ مَا كَانَ أحلمك فِي صغرك وأورعك فِي صغرك وأفضلك فِي صغرك وأبعدك من كل مَا يكره فِي صغرك ثمَّ انْصَرف فَوجدَ سُلَيْمَان فِي نَفسه من ذَلِك حَتَّى امْتَلَأَ غيظاً فَلَمَّا دخل سُلَيْمَان دَاره أرسل إِلَيْهِ فَقَالَ يَا آصف ذكرت من مضى من الْأَنْبِيَاء الله تَعَالَى وأثنيت عَلَيْهِم خيرا فِي زمانهم وَفِي كل حَال من أُمُورهم فَلَمَّا أَن ذَكرتني جعلت تثني عَليّ بِخَير فِي صغري وَسكت عَن مَا سوى ذَلِك فِي أَمْرِي فِي كبري فَمَا الَّذِي أحدثت فِي خر أَمْرِي؟ فَقَالَ لَهُ إِن غير اهلل يعبد فِي دَارك مُدَّة أَرْبَعِينَ صباحاً فِي هوى امْرَأَة فَقَالَ سُلَيْمَان فِي دَاري؟ قَالَ فِي دَارك قَالَ سُلَيْمَان أَنا لله وَأَنا إِلَيْهِ رَاجِعُون لقد عرفت إِنَّك مَا قلت الَّذِي قلت إِلَّا عَن شَيْء بلغك ثمَّ رَجَعَ سُلَيْمَان إِلَى دَاره وَكسر ذَلِك الصَّنَم وعاقب تِلْكَ الْمَرْأَة وولائدها ثمَّ أَمر بِثِيَاب الطهرة فَأتي بهَا - وَهِي ثِيَاب لَا يغزلها إِلَّا الْبَنَات الْأَبْكَار وَلَا يَمَسهَا امْرَأَة قد رَأَتْ الدَّم وَلَا ينسجها إِلَّا الْبَنَات الْأَبْكَار وَلَا يغسلهَا إِلَّا الْأَبْكَار - فلبسها ثمَّ خرج إِلَى فلاة من الأَرْض وَحده وَأمر برماد ففرش لَهُ ثمَّ أقبل تَائِبًا إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى جلس على ذَلِك الرماد وتمعك فِيهِ بثيابه تذللا لله تَعَالَى وتضرعاً إِلَيْهِ وَجعل يبكي وَيَدْعُو ويستغفر مِمَّا كَانَ فيداره فَلم يزل كَذَلِك يَوْمه حَتَّى أَمْسَى ثمَّ رَجَعَ إِلَى دَاره وَكَانَت لَهُ أم ولد تسمى الأمينة كَانَ إِذا دخل مذْهبه أَو أَرَادَ إِصَابَة امْرَأَة من نِسَائِهِ وضع خَاتمه عِنْدهَا ثمَّ دخل حَتَّى يتَطَهَّر وَكَانَ لَا يلبس خَاتمه إِلَّا طَاهِرا وَكَانَ ملكه فِي خَاتمه فَوَضعه يَوْمًا عِنْدهَا ثمَّ دخل إِلَى مذْهبه فَأَتَاهَا الشَّيْطَان صَاحب الْبَحْر وَكَانَ اسْمه صَخْر عل صُورَة سُلَيْمَان لم تنكر مِنْهُ شَيْئا فَقَالَ خَاتمِي يَا امينه فناولته إِيَّاه فَجعله فِي يَده ثمَّ خرج حَتَّى جلس عل سَرِير سُلَيْمَان فعكف عَلَيْهِ الطير وَالْجِنّ والأنس فَخرج سُلَيْمَان وأتى الأمينة وَقد تَغَيَّرت حَالَته وهيئته عِنْد كل من يرَاهُ

فَقَالَ خَاتمِي يَا أمينة فَقَالَت لَهُ من أَنْت؟ قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد نَبِي الله قَالَت لَهُ كذبت قد جَاءَ سُلَيْمَان وَأخذ خَاتمه وَهُوَ جَالس عل سَرِير ملكه فَعرف سُلَيْمَان أَن الْخَطِيئَة قد أدْركهُ فَخرج وَجعل يقف عل الدَّار من دور نَبِي إِسْرَائِيل فَيَقُول أَنا سُلَيْمَان بن دَاوُد فيكذبوه ويحثون عَلَيْهِ التُّرَاب ويسبونه وَيَقُولُونَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمَجْنُون أَي شَيْء يَقُول يزْعم إِنَّه سُلَيْمَان فَلَمَّا رأى سُلَيْمَان ذَلِك عمد إِلَى الْبَحْر وَكَانَ ينْقل الْحيتَان لأَصْحَاب الْبَحْر إِلَى السُّوق فيعطونه كل يَوْم سمكتين فَإِذا أَمْسَى بَاعَ إِحْدَى سمكتيه بِرَغِيفَيْنِ وشوى السَّمَكَة الْأُخْرَى وأكلها فَمَكثَ كَذَلِك أَرْبَعِينَ صباحاً بِعَدَد مَا كَانَ عبد الوثن فِي دَاره فَأنْكر آصف وكبراء بني إِسْرَائِيل حكم عَدو الله الشَّيْطَان فِي تِلْكَ الْأَرْبَعين يَوْمًا فَقَالَ آصف يَا معشر بني إِسْرَائِيل هَل رَأَيْتُمْ من اخْتِلَاف حكم سُلَيْمَان ابْن دَاوُد مَا رَأَيْت؟ قَالُوا نعم قَالَ آصف أمهلوني حَتَّى أَدخل على نِسَائِهِ واسألهن هَل ينكرن مِنْهُ شَيْئا فِي خَاصَّة أمره كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي عَام أَمر النَّاس فَدخل عل نِسَائِهِ فَقَالَ ويحكن هَل أنكرتن من أَمر ابْن دَاوُد مَا أنكرناه؟ فَقُلْنَ أَشد مَا يدع امْرَأَة منا فِي دَمهَا وَلَا يغْتَسل من دَمهَا وَلَا يغْتَسل من الْجَنَابَة فَقَالَ أَنا لله وَأَنا إِلَيْهِ رَاجِعُون إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين ثمَّ خرج آصف على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ مَا فِي الْخَاص أعظم مِمَّا فِي الْعَامَّة فَاجْتمع قراء بني إِسْرَائِيل وعلماؤهم فَأَقْبَلُوا حَتَّى أَحدقُوا بِهِ ونشروا التَّوْرَاة فقرؤها فطار من بَين أَيْديهم حَتَّى وَقع عل شرفه والخاتم مَعَه ثمَّ طَار حَتَّى ذهب إِلَى الْبَحْر فَوَقع الْخَاتم مِنْهُ فِي الْبَحْر وابتلعه حوت فَأَخذه بعضه الصيادين وَكَانَ سُلَيْمَان قد عمل لذَلِك الصياد من صدر النَّهَار حَتَّى إِذا كَانَت العيشة أعطَاهُ سمكتين فَأعْطى السَّمَكَة الَّتِي فِيهَا الْخَاتم من جملَة السمكتين فَخرج سُلَيْمَان بسمكتيه فَبَاعَ الَّتِي لَيْسَ فِي بَطنهَا الْخَاتم بالرغيفين ثمَّ عمد إِلَى السَّمَكَة الْأُخْرَى فبقرها ليشويها

فَاسْتَقْبلهُ خَاتمه فِي جوفها فَأَخذه وَجعله فِي يَده فَرد الله تَعَالَى عَلَيْهِ ملكه وبهاءه فَوْقه سَاجِدا شكرا فعكفت عَلَيْهِ الطير والوحوش والأنس وَالْجِنّ وَأَقْبل عَلَيْهِ النَّاس وَعرف الَّذِي كَانَ دخل عَلَيْهِ لما أحدث فِي دَاره فَرجع إِلَى ملكه وَأظْهر التَّوْبَة من ذَنبه وَأمر الشَّيَاطِين فَقَالَ أئتوني بصخر فطلبته الشَّيَاطِين حت أَخَذته فَأتي بِهِ فجَاء لَهُ بصخرة فَأدْخلهُ فِيهَا ثمَّ سد عَلَيْهِ بِأُخْرَى ثمَّ أوثقها بالحديد والرصاص ثمَّ أَمر بِهِ فقذف بِهِ الْبَحْر هَذَا حَدِيث وهب وَحكي غير ذَلِك وَأشهر الْأَقَاوِيل إِن الْجَسَد الَّذِي ألْقى على كرسيه هُوَ صَخْر الجني فَذَلِك قَوْله عز وَجل (وألقينا عل كرسيه جسداً ثمَّ أناب) أَي رَجَعَ إِلَى ملكه بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا (فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ رب أَغفر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي) يُرِيد هَب لي ملكا لَا تسلبنيه فِي بَاقِي عمري وتعطيه غَيْرِي كَمَا سلبتنيه فِيمَا مضى (إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب) قيل سَأَلَ ذَلِك ليَكُون آيَة لنبوته وَدلَالَة عل رسَالَته ومعجزة لَهُ وَقيل سَأَلَ ذَلِك ليَكُون علما عل قبُول تَوْبَته حَيْثُ أجَاب الله دعاءه ورد إِلَيْهِ ملكه وَزَاد فِيهِ وَقَالَ مقَاتل كَانَ سُلَيْمَان ملكا وَلكنه أَرَادَ بقوله (لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي) تسخير الرِّيَاح وَالطير وَالشَّيَاطِين بِدَلِيل مَا بعده وروى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن عفريتاً من الْجِنّ تفلت البارحة ليقطع عَليّ صَلَاتي فأمكنني الله مِنْهُ فَأَخَذته فَأَرَدْت إِن أربطه إِلَيّ سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد حَتَّى تنظروا إِلَيْهِ كلكُمْ فَذكرت دَعْوَة أخي سُلَيْمَان (رب أَغفر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي فرددته خاسئاً) وَلما رد الله على سُلَيْمَان ملكه وبهاءه وحامت عَلَيْهِ الطير وَعرف النَّاس إِنَّه سُلَيْمَان قَامُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعُوا فَقَالَ مَا أحمدكم عل عذركم وَلَا ألومكم على مَا كَانَ مِنْكُم هَذَا أَمر كَانَ لَا بُد مِنْهُ

ثمَّ جَاءَ حَتَّى أَتَى ملكه وأطاعه جَمِيع مُلُوك الأَرْض وحملوا إِلَيْهِ نفائس أَمْوَالهم وَاسْتمرّ سُلَيْمَان على ذَلِك حَتَّى توفّي (ذكر وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام) وَقد رُوِيَ وَفَاة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مَا قَالَه أهل الْعلم إِنَّه كَانَ يَتَحَنَّث فِي بَيت الْمُقَدّس السّنة والسنتين والشهر والشهرين وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر يدْخل فِيهِ طَعَامه وَشَرَابه فَأدْخلهُ فِي الْمرة الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَكَانَ بَدَأَ ذَلِك إِنَّه لَا يصبح يَوْمًا إِلَّا نَبتَت فِي محرابه بِبَيْت الْمُقَدّس شَجَرَة فَيسْأَل هَل مَا أسمك؟ فَتَقول اسْمِي كَذَا فَيَقُول لأي شَيْء أَنْت؟ فَتَقول كَذَا وَكَذَا فيأمر بهَا فتقطع فَإِن كَانَت نَبتَت لغرس يغرسها وَإِن كَانَت لدواء كتبهَا حَتَّى نَبتَت الخروبة فَقَالَ لَهَا مَا أَنْت؟ قَالَت الخروبة قَالَ لأي شَيْء نبت؟ قَالَت لخراب مسجدك فَقَالَ سُلَيْمَان مَا كَانَ الله ليخربه وَأَنا حَيّ أَنْت الَّتِي عل وَجهك هلاكي وخراب بَيت الْمُقَدّس فنزعها وغرسها فِي الْحَائِط ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ غم على الْجِنّ موتِي حَتَّى تعلم أَن الْأنس إِن الْجِنّ لَا يعلمُونَ الْغَيْب وَكَانَت الْجِنّ تخبر الْأنس إِنَّهُم يعلمُونَ من الْغَيْب أَشْيَاء ويعلمون مَا فِي غَد ثمَّ دخل الْمِحْرَاب فَقَامَ يُصَلِّي مُتكئا عل عَصَاهُ نقل إِنَّه نحتها من الخروب فَمَاتَ قَائِما وَكَانَ للمحراب كوى بَين يَدَيْهِ وَخَلفه فَكَانَ الْجِنّ يعلمُونَ تِلْكَ الْأَعْمَال الشاقة الَّتِي كَانُوا يعملونها فِي حَيَاته وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ يحسبون إِنَّه حَيّ وَلَا يُنكرُونَ احتباسه عَن الْخُرُوج إِلَى النَّاس لطول صلَاته قبل ذَلِك فَمَكَثُوا يدأبون لَهُ بعد مَوته حولا كَامِلا حَتَّى أكلت الأرضية عَصا سُلَيْمَان فَخر مَيتا فَعَلمُوا بِمَوْتِهِ فَشَكَرت الأرضة فهم يأتونها بِالْمَاءِ والطين فِي جَوف الْخشب فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (مَا دلهم عل مَوته إِلَّا دَابَّة الأَرْض - وَهِي الأرضة - تَأْكُل

منسأته - يَعْنِي عَصَاهُ - فَلَمَّا خر - أَي سقط عل الأَرْض - تبينت الْجِنّ أَن لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين) أَي علمت الْجِنّ وأيقنت أَن لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين أَي فِي التَّعَب والشقاء مسخرين لِسُلَيْمَان وَهُوَ ميت يظنون حَيَاته أَرَادَ الله بذلك أَن يعلم الْجِنّ إِنَّهُم لَا يعلمُونَ الْغَيْب لأَنهم كَانُوا يظنون إِنَّهُم يعلمُونَ الْغَيْب لغَلَبَة الْجَهْل وَقيل إِن معنى تبينت الْجِنّ أَي ظَهرت وانكشفت الْجِنّ للأنس أَي ظهر أَمرهم إِنَّهُم لَا يعلمُونَ الْغَيْب لأَنهم كَانُوا قد شبهوا عل الْأنس ذَلِك وَتُوفِّي سُلَيْمَان وعمره اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ سنة فَكَانَت مُدَّة ملكه أَرْبَعِينَ سنة فَتكون وَفَاته فِي أَوَاخِر سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ بعد فرَاغ بِنَاء بَيت الْمُقَدّس بتسع وَعشْرين سنة فَيكون الْمَاضِي من وَفَاته إِلَى عصرنا وَهُوَ أَوَاخِر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيّ أَلفَيْنِ وسِتمِائَة وَثَلَاثًا وَسبعين سنة وَالله أعلم وَنقل أَن قَبره بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس عِنْد الجيسمانية وَإنَّهُ هُوَ وَأَبوهُ دَاوُد فِي قبر وَاحِد وَاسْتمرّ بَيت الْمُقَدّس على الْعِمَارَة السلمانية أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثًا وَخمسين سنة (ذكر خراب بَيت الْمُقَدّس عل يَد بخت نصر) لما توفّي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ملك بعده إبنه رحبعم - بِضَم الرَّاء والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ الْمِيم - وَفِي أَيَّامه اخْتَلَّ نظام الْملك وَخرج عَن طَاعَته عشرَة أَسْبَاط وَلم يبْق تَحت طَاعَته سو سبطين وَصَارَ الأسباط الْعشْر ملوكاً تعرف بملوك الأسباط وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك نَحْو مِائَتَيْنِ وَإِحْدَى وَسِتِّينَ سنة وَكَانَ ولد سُلَيْمَان فِي بني إِسْرَائِيل بِمَنْزِلَة الْخُلَفَاء لِلْإِسْلَامِ لأَنهم أهل الْولَايَة وَكَانَ الأسباط مثل مُلُوك الْأَطْرَاف والخوارج وارتحل الأسباط إِلَى جِهَات

فلسطين وَغَيرهَا بِالشَّام وَاسْتقر ولد دَاوُد بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس وَاسْتمرّ رحبعم على مَا اسْتَقر لَهُ من الْملك وَزَاد فِي عمَارَة بَيت لحم وغزة وصور وَغير ذَلِك وَعمر آيلة وجددها وَملك سَبْعَة عشر سنة وَمَات ثمَّ ملك بعده إبنه افيا - بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْفَاء الَّتِي هِيَ بَين الْألف وَالْيَاء عل مُقْتَض اللُّغَة العبرانية وَتَشْديد الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا ثمَّ ألف - وَكَانَ مُدَّة ملكه ثَلَاث سِنِين وَمَات ثمَّ ملك بعده ابْنه يهوشافاط - بِفَتْح الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَضم الْهَاء وَسُكُون الْوَاو وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَبعدهَا ألف ثمَّ فَاء وَألف وطاء مُهْملَة - وَكَانَ رجلا صَالحا كثير الْعِنَايَة بعلماء بني إِسْرَائِيل وَكَانَت مُدَّة ملكه خمْسا وَعشْرين سنة وَمَات ثمَّ ملك بعده ابْنه يهورام - بِفَتْح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَضم الْهَاء وَسُكُون الْوَاو ثمَّ رَاء مُهْملَة ثمَّ ألف وَمِيم - وَكَانَت مُدَّة ملكه ثَمَانِي سِنِين وَمَات ثمَّ ملك بعده ابْنه احزياهو - بِفَتْح الْهمزَة والحاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي الْمُعْجَمَة ثمَّ الْمُثَنَّاة من تحتهَا ثمَّ ألف وهاء ثمَّ وَاو - وَكَانَت مُدَّة ملكه سنتَيْن وَمَات ثمَّ كَانَ بعد أحزياهو فَتْرَة بِغَيْر ملك وحكمت فِي الفترة الْمَذْكُورَة امْرَأَة سَاحِرَة أَصْلهَا من جواري سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وأسمها عثلياهو - بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون اللَّام وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَبعدهَا ألف ثمَّ هَاء مَضْمُومَة ثمَّ وَاو - يُقَال عثليا بِغَيْر هَاء وَلَا والو وتتبعت نَبِي دَاوُد فأفتهم وَسلم مِنْهَا طِفْل أخفوه عَنْهَا وَكَانَ اسْم ذَلِك الطِّفْل يواش بن احزبوا واستولت عثلياهو سبع سِنِين فَيكون آخر الفترة وَعدم عثلياهو فِي أَوَاخِر سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ ملك بعد عثلياهو يؤاش وَهُوَ ابْن سبع سِنِين ويؤاش - بِضَم الْيَاء الْمُثَنَّاة

من تحتهَا ثمَّ همزَة وَألف وشين مُعْجمَة - وَفِي السّنة الثَّالِثَة وَالْعِشْرين من رمم بَيت الْمُقَدّس وجدد عِمَارَته وَملك أَرْبَعِينَ سنة وَمَات ثمَّ ملك بعده ابْنه امصياهو - بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة ومثناة من تحتهَا ثمَّ ألف وهاء ثمَّ وَاو - وَملك تسعا وَعشْرين سنة وَقيل خَمْسَة عشر سنة وَقتل ثمَّ ملك بعده ابْنه عزياهو - بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة ثمَّ مثناة من تحتهَا ثمَّ ألف وهاء ثمَّ وَاو - وَملك اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة ولحقه البرص وتنغصت عَلَيْهِ أَيَّامه وَضعف أمره فِي آخر وقته وتغلب عَلَيْهِ وَلَده يوثم وَمَات ثمَّ ملك بعده ابْنه يوثم - بِضَم الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَسُكُون الْوَاو وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ثمَّ مِيم - وَفِي أَيَّامه كَانَ يُونُس النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَملك سِتَّة عشر سنة وَمَات ثمَّ ملك بعده ابْنه آخر - بِهَمْزَة ممدودة ممالة أَيْضا وحاء مُهْملَة مَفْتُوح ثمَّ زَاي مُعْجمَة - ملك سِتَّة عشر سنة وَمَات ثمَّ ملك ابْنه حزقيا - بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي المعجمه وَكسر الْقَاف وَتَشْديد الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا ثمَّ ألف - وَكَانَ رجلا صَالحا مظفراً وَلما دخلت السّنة السَّادِسَة من ملكه انقرضت دولة الْخَوَارِج مُلُوك الأسباط - الَّذين نبهنا عَلَيْهِم عِنْد ذكر رحبعم بن سُلَيْمَان - وانضم من بقى من الأسباط إِلَى حزقيا ودخلوا تَحت طَاعَته وَكَانَ من الصلحاء الْكِبَار وَكَانَ قد خرج عَلَيْهِ سنحاريب ملك بابل والموصل وَنزل حول بَيت الْمُقَدّس فِي سِتّمائَة راية فنصره الله وَأهْلك عَسْكَر سنحاريب وَوَقع سنحاريب فِي أسره ثمَّ اطلقه وسيره إِلَى بِلَاده وَكَانَ قد فزغ عمر حزقياً مَوته بِخَمْسَة عشر سنّ فَزَاد الله فِي عمره خَمْسَة عشر سنة وَأمره أَن يتَزَوَّج وَأخْبرهُ بذلك نَبِي كَانَ فِي زَمَانه وَهُوَ اشعيا " ع " واشعيا هُوَ الَّذِي بشر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبشر بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام

وَملك حزقيا تسعا وَعشْرين سنة وَمَات ثمَّ ملك بعده ابْنه منشا - بميم وَنون مفتوحتين وشين مُعْجم مُشَدّدَة وَألف - وَملك خمْسا وَخمسين سنة وَمَات ثمَّ ملك بعده إبنه يوشيا - بِضَم الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَسُكُون الْوَاو وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة من تحتهَا ثمَّ ألف - وَلما ملك أظهر الطَّاعَة وَالْعِبَادَة وجدد عمَارَة بَيت الْمُقَدّس وَأَصْلحهُ وَملك يوشيا إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة وَمَات ثمَّ ملك بعده ابْنه يهوياخين - بياء مثناة من تحتهَا مَفْتُوحَة وهاء مَضْمُومَة وَبعدهَا وَاو ثمَّ يَاء مثناة من تحتهَا مَفْتُوح وَبعدهَا ألف ثمَّ خاء مُعْجم مَكْسُورَة ثمَّ يَاء مثناة من تحتهَا سَاكِنة ثمَّ نون - وَلما ملك غزاه فِرْعَوْن مصر - وَهُوَ الْأَعْرَج - فَأخذ يهوياخين أَسِيرًا إِلَى مصر فَمَاتَ بهَا وَكَانَت مُدَّة ملكه ثَلَاثَة أشهر وَلما اسر يهوياخين ملك بعده أَخُوهُ يهوياقيم - بِفَتْح الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَضم الْهَاء ثمَّ وَاو سَاكِنة وياء مثناة من تحتهَا وَألف وقاف مَكْسُورَة وياء مثناة من تحتهَا سَاكِنة وَمِيم - وَفِي السّنة الرَّابِعَة من ملكه تولى بخت نصر على بابل وَكَانَ ابْتِدَاء ولَايَته فِي سنة تسع وسيعين وَتِسْعمِائَة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَتَفْسِير بخت نصر بالعبرانية عطا دوهو سطو سمي بذلك لتقريبه الْعلمَاء والحكماء وحبه أهل الْعلم وَاخْتلف المؤرخون فِيهِ هَل كَانَ ملكا مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ أم كَانَ نَائِبا للْفرس وَالأَصَح عِنْد الْأَكْثَر إِنَّه كَانَ نَائِبا لملك اسْمه لهراسف وَبَين ولَايَة بخت نصر وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة ألف وثلاثمائة وتسع وَسِتُّونَ سنة وَمِائَة وَسَبْعَة عشر يَوْمًا وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا تِسْعمائَة سنة فَيكون الْمَاضِي من ولَايَة بخت نصر إِلَى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وتسعاً وَسِتِّينَ سنة وأياماً وَفِي السّنة الرَّابِعَة من ملكه - وَهِي السَّابِعَة من ملك يهوياقيم - سَار بخت نصر

بالجيوش إِلَى الشَّام وغزا بني إِسْرَائِيل لما حصل مِنْهُم من التَّغْيِير والتبديل وَفعل الْقَبِيح فَلم يحاربه يهوياقيم وَدخل تَحت طَاعَته فأبقاه بخت نصر على ملكه وَرجع بَنو إِسْرَائِيل إِلَى الله تَعَالَى وتابوا عَن الْمعاصِي فَرد الله عَنْهُم بخت نصر وبقى يهوياقيم تَحت طَاعَته بخت نصر ثَلَاث سِنِين ثمَّ خرج عَن طَاعَته وَعَصَاهُ فَأرْسل بخت نصر وَأمْسك يهوياقيم وَأمر بإحضاره إِلَيْهِ فَمَاتَ يهوياقيم فِي الطَّرِيق من الْخَوْف فَكَانَت مدَّته نَحْو إِحْدَى عشرَة سنة وانقضى ملكه فِي أَوَائِل سنة ثَمَان لابتداء ملك بخت نصر وَلما أَخذ يهوياقيم الْمَذْكُور إِلَى الْعرَاق اسْتخْلف مَكَانَهُ ابْنه يخنيو - بِفَتْح الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَضم الْمُثَنَّاة من تحتهَا ثمَّ وَاو - فَأَقَامَ مَوضِع أَبِيه مائَة يَوْم ثمَّ أرسل بخت نصر من أَخذه إِلَى بابل وَأخذ مَعَه أَيْضا جمَاعَة من عُلَمَاء بني اسرائيل من جُمْلَتهمْ دانيال النَّبِي وحزقيل النَّبِي وَهُوَ من نسل هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام وَحَال وُصُول يخينو سجنه بخت نصر وَلم يبرح مسجوناً حَتَّى مَاتَ بخت نصر وَلما أمسك بخت نصر يخينو نصب مَكَانَهُ عل بني إِسْرَائِيل يخينو الْمَذْكُور وَهُوَ صدقيا - بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا مَعَ التَّشْدِيد وَبعدهَا ألف - وَاسْتمرّ صدقيا تَحت طَاعَة بخت نصر وَكَانَ أرميا النَّبِي " ع " قد رأى بخت نصر قَدِيما وَهُوَ صبي أَقرع وَرَآهُ يَأْكُل ويتغوط وَيقتل الْقمل فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَذَى يخرج وَمَنْفَعَة تدخل وعدو يقتل فَقَالَ لَهُ سَيكون لَك شَأْن فَأخذ أرميا من بخت نصر أَمَانًا لبيت الْمُقَدّس وَمن فِيهَا وَكتب لَهَا الْأمان فيجلد فَلَمَّا صَار الْملك إِلَى بخت نصر وَعصى عَلَيْهِ صدقيا - كَمَا تقدم

قصد بخت نصر بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا بلغ سهول الرملة وَأعلم ارميا بذلك سَار إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ الْأمان فَنظر هُوَ قَالَ هُوَ أماني وَلَكِنِّي مَبْعُوث وَقد أمرت أَن أرمي سهمي فَحَيْثُمَا وَقع سهمي طلبت الْموضع فرم بسهمه فَوَقع فِي قبَّة بَيت الْمُقَدّس فَرَجَعَا ارميا أهل بَيت الْمُقَدّس وَأخْبرهمْ بذلك ثمَّ سَار بخت نصر بالجيوش وَكَانَ مَعَه سِتّمائَة راية وَدخل بَيت الْمُقَدّس بجُنُوده ووطئ الشَّام وَقتل بني إِسْرَائِيل حَتَّى أفناهم وَخرب بَيت الْمُقَدّس وَجُنُوده أَن يمْلَأ كل رجل مِنْهُم ترسه تُرَابا ثمَّ يقذفه فِي بَيت الْمُقَدّس فَفَعَلُوا حَتَّى ملؤه هَكَذَا نقل الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره وَالَّذِي نَقله الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماه إِنَّه جهز العساكر وَبعث الْجَيْش مَعَ وزيره واسْمه نبوز رذان - بِفَتْح النُّون وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الزَّاي وَالرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْألف وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْألف وَبعدهَا نون - إِلَى حِصَار صدقيا بالقدس فَسَار الْوَزير بالجيش وحاصر صدقيا مُدَّة سنتَيْن وَنصف أَولهَا عَاشر تموز من السّنة التَّاسِعَة لملك صدقيا أَسِيرًا وَأخذ مَعَه جملَة كَثِيرَة من بني إِسْرَائِيل واحرق الْقُدس وَخَرَّبَهُ وَطرح فِيهِ الْجِيَف وَهدم الْبَيْت الَّذِي بناه سُلَيْمَان وَأحرقهُ وَاحْتمل مِنْهُ ثَمَانِينَ عجلة ذَهَبا وَفِضة وَطَرحه يومية وأباد بني إِسْرَائِيل قتلا وتشديداً وأعانه عل خرابه الرّوم بغضاً لبني إِسْرَائِيل فَكَانَت مُدَّة ملك صدقيا نَحْو إِحْدَى عشرَة سنة وَهُوَ آخر مُلُوك بني إِسْرَائِيل وَأما من تول بعده من بني إِسْرَائِيل بعد إِعَادَة عمَارَة بَيت الْمُقَدّس فَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الرياسة بِبَيْت الْمُقَدّس فَقَط فَيكون انْقِضَاء مُلُوك بني إِسْرَائِيل وخراب بَيت الْمُقَدّس عل يَد بخت نصر سنة عشْرين من ولَايَته تَقْرِيبًا وَهِي السّنة التَّاسِعَة وَالتِّسْعُونَ وَتِسْعمِائَة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهِي أَيْضا سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة مَضَت من عمَارَة بَيت الْمُقَدّس وَهِي مُدَّة لبثه عل الْعِمَارَة

وَهَذِه الْمرة الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فَقَالَ (وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ ولتعلن علوا كَبِيرا فَإِذا جَاءَ وعد أولاهما بعثنَا عَلَيْكُم عباداً لنا أولي بَأْس شَدِيد فجاسوا خلال الديار وَكَانَ وَعدا مَفْعُولا) أَي قَضَاء كَائِنا لَا خلف فِيهِ وَبَين خراب بَيت الْمُقَدّس وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة ألف وثلاثمائة وَخَمْسُونَ سنة وَقد مض من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة تِسْعمائَة سنة فَيكون الْمَاضِي من خراب بَيت الْمُقَدّس إِلَى عصرنا هَذَا - وَهُوَ آخر سنة تِسْعمائَة - أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَخمسين سنة وَلما غزا بخت نصر الْقُدس وَخَرَّبَهُ وَفعل مَا تقدم ذكره هرب من بني إِسْرَائِيل جمَاعَة وَأَقَامُوا بِمصْر عِنْد فِرْعَوْن الْأَعْرَج وَأرْسل بخت نصر إِلَيْهِ يطلبهم مِنْهُ وَقَالَ هَؤُلَاءِ عَبِيدِي هربوا إِلَيْك فَلم يسلمهم فِرْعَوْن مصر وَقَالَ لَيْسَ هم بعبيدك وَإِنَّمَا هم أَحْرَار وَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَب لقصد بخت نصر غَزْو مصر وَقتل فِرْعَوْن الْأَعْرَج وهرب مِنْهُ جمَاعَة إِلَى الْحجاز وَأَقَامُوا مَعَ الْعَرَب وَاسْتمرّ بَيت الْمُقَدّس خراباً سبعين سنة وَعَن قَتَادَة فِي قَوْله عز وَجل (وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه وسع فِي خرابها) قَالَ هُوَ بخت نصر وَأَصْحَابه خربوا بَيت الْمُقَدّس وَأَعَانَهُمْ على ذَلِك الرّوم قَالَ الله تعال (أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُم أَن يدخلوها إِلَّا خَائِفين) قَالَ وَهُوَ نصار لَا يدْخلُونَ الْمَسْجِد إِلَّا مسارقة أَن قدر عَلَيْهِم عوقبوا (وَلَهُم فِي الدُّنْيَا خزي) قَالَ يُعْطون الْجِزْيَة عَن يَد (وهم صاغرون) (ذكر عمَارَة بَيت الْمُقَدّس الثَّانِيَة) لما جر مَا ذكر من تخريب بَيت الْمُقَدّس ولبثه عل التخريب سبعين سنة عمره بعد ذَلِك بعض مُلُوك الْفرس واسْمه عِنْد الْيَهُود كورش وَقد اخْتلف فِيهِ فَقيل هُوَ دَارا بن يهمن وَقيل هُوَ بهمن الْمَذْكُور وَهُوَ الْأَصَح

وَكَانَ كَرِيمًا متواضعاً علامته عل كتبه من ازدشير بهمن عبد الله وخادم الله والسائس لأموركم وَتَفْسِير بهمن بالعبرانية الْحسن النِّيَّة وَكَانَ قد أمره الله عل لِسَان عَبده أرميا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَبْنِي بَيت الْمُقَدّس فَفعل ذَلِك واصعد إِلَيْهَا من بني إِسْرَائِيل أَرْبَعِينَ ألفا وقربوا القرابين عل رسومهم الأولى وَرجعت إِلَيْهِم دولتهم وَعظم محلهم عِنْد الْأُمَم قَالَ الله تَعَالَى (ثمَّ رددنا لكم الكرة عَلَيْهِم وأمددنا كم بأموال وبنين وجعلناكم أَكثر نفيراً إِن أَحْسَنْتُم لأنفسكم وَإِن أسأتم فلهَا) وَعَاد الْبَلَد احسن مِمَّا كَانَ وَحكي بعض المؤرخين إِن الله أوحى إِلَى اشعيا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن كورش يعمر بَيت الْمُقَدّس وَذكر لفظ اشعيا الَّذِي ذكره فِي الْفَصْل الثَّانِي وَالْعِشْرين من كِتَابه حِكَايَة عَن الله عز وَجل وَهُوَ أَن الْقَائِل لكورش رَاعيا الَّذِي يتمم جَمِيع محياي وَيَقُول لاورشلم عودي مبينَة ولهيكلها كن زخرفاً مزيناً هَكَذَا قَالَ الرب لمسبحة كورش الَّذِي أَخذ بِيَمِينِهِ لتدبير الْأُمَم وينحي ظُهُور الْمُلُوك سائراً بِفَتْح الْأَبْوَاب أَمَامه وَلَا تغلق وأسهل لَك الوعر وأكسر أَبْوَاب النّحاس وأحبوك بالذخائر الَّتِي فِي الظُّلُمَات انْتهى وَلما عَادَتْ بَيت الْمُقَدّس تراجع إِلَيْهِ بَنو إِسْرَائِيل من الْعرَاق وَغَيره وَكَانَت عمرته فِي أول سنة تسعين لابتداء ولَايَة بخت نصر وَلما رَجَعَ بَنو إِسْرَائِيل إِلَى الْمُقَدّس كَانَ من جُمْلَتهمْ عُزَيْر عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ بالعراق وَقدم مَعَه من بني إِسْرَائِيل مَا يزِيد على أَلفَيْنِ من الْعلمَاء وَغَيرهم ورتب مَعَ عُزَيْر فِي الْقُدس مائَة وَعشْرين شَيخا من عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل وَكَانَت التَّوْرَاة قد عدمت مِنْهُم إِذْ ذَاك فمثلها الله فِي صدر العزير ووضعها لبني إِسْرَائِيل يعرفونها بحلالها وحرامها فَأخْبرهُ حبا شَدِيدا وَأصْلح العزير أَمرهم وَأقَام بَينهم عل ذَلِك ولبث مَعَ بني إِسْرَائِيل فِي الْقُدس يدبر أَمرهم حَتَّى توفّي بعد مُضِيّ أَرْبَعِينَ

سنة لعمارة بَيت الْمُقَدّس فَتكون وَفَاته سنّ ثَلَاثِينَ وَمِائَة لابتداء ولَايَة بخت نصر وَاسم العزير بالعبرانية عزرا وَهُوَ من ذُرِّيَّة هَارُون بن عمرَان ثمَّ تولى رياسة بني إِسْرَائِيل بِبَيْت الْمُقَدّس بعد العزير شَمْعُون الصّديق وَهُوَ أَيْضا من نسل هَارُون وَلما تراجع بَنو إِسْرَائِيل إِلَى الْقُدس بعد عِمَارَته صَار لَهُم حكام مِنْهُم وَكَانُوا تَحت حكم مُلُوك الْفرس واستمروا كَذَلِك حَتَّى ظهر الاسكندر ملك اليونان فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة لولاية بخت نصر وَغلب اليونان عل الْفرس وَدخل حِينَئِذٍ بَنو إِسْرَائِيل تَحت حكم اليونان وَبَين غَلَبَة الاسكندر عل ملك الْفرس وَبَين الْهِجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة تِسْعمائَة وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ سنة وَمَات الاسكندر بعد غلبته لقريب سبع سِنِين فَيكون بَين مَوته وَبَين الْهِجْرَة الشَّرِيفَة تِسْعمائَة وَقَرِيب ثَمَان وَعشْرين سنة وَقد مضى من لهجرة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا تِسْعمائَة سنة فَيكون الْمَاضِي من وَفَاة الاسكندر الآخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ألفا وَثَمَانمِائَة وَقَرِيب ثَمَان وَعشْرين سنة وَهَذَا الاسكندر لَيْسَ هُوَ ذُو القرنين الَّذِي ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فَإِن ذَاك ملك قديم كَانَ عل زمن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَتقدم ذكره ولمل دخل بَنو إِسْرَائِيل تَحت حكم اليونان أَقَامَ اليونان من بني إِسْرَائِيل وُلَاة عَلَيْهِم وَكَانَ يُقَال للمتولي عَلَيْهِم هردوس وَاسْتمرّ بَنو إِسْرَائِيل عل ذَلِك حَتَّى خرب بَيت الْمُقَدّس الخراب الثَّانِي وتشتت مِنْهُ بَنو إِسْرَائِيل عل مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى (قصَّة أرميا عَلَيْهِ السَّلَام) قد تقدم عِنْد ذكر صدقيا الَّذِي هُوَ آخر مُلُوك بني إِسْرَائِيل إِن أرميا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ فِي أَيَّامه وَكَانَ يَأْمر بني إِسْرَائِيل بِالتَّوْبَةِ ويهددهم ببخت نصر

وهم لَا يلتفتون إِلَيْهِ فَلَمَّا رأى إِنَّهُم لَا يرجعُونَ عَمَّا هم فِيهِ فارقهم أرميا واختف حَتَّى غزاهم بخت نصر وَخرب الْقُدس كَمَا تقدم ذكره ثمَّ إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى الْقُدس وَهِي خراب فَقَالَ سُبْحَانَ الله أَمرنِي الله أَن أنزل هَذِه الْبَلدة وَأَخْبرنِي إِنَّه عامرها فَمَتَى يعمرها وَمَتى يُحْيِيهَا الله بعد مَوتهَا ثمَّ وضع رَأسه فَنَامَ وَمَعَهُ حِمَاره وسلة فِيهَا طَعَام وَهُوَ تين وركوة فِيهَا عصير عِنَب وَكَانَ من قصَّته مَا أخبر الله تَعَالَى بِهِ فِي مُحكم كِتَابه الْعَزِيز فِي قَوْله تعال (أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية عل عروشها قَالَ أَنِّي يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه قَالَ كم لَبِثت قَالَ لَبِثت يَوْمًا أَو بعض يَوْم قَالَ بل لَبِثت مائَة عَام فَأنْظر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه - أَي لم يتَغَيَّر - وَانْظُر إِلَيّ حِمَارك ولنجعلك آيَة للنَّاس وَانْظُر إِلَيّ الْعِظَام كَيفَ ننشرها ثمَّ نكسوها لَحْمًا فَلَمَّا تبين لَهُ قَالَ أعلم إِن الله عل كل شَيْء قدير) وَقد قيل إِن صَاحب الْقِصَّة هُوَ العزير وَالأَصَح إِنَّه أرميا وَقد أهلك الله بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ونج الله من بق من بني إِسْرَائِيل وَلم يمت بِبَابِل وردهم جَمِيعًا إِلَى بَيت الْمُقَدّس ونواحيه قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره وَعمر الله أرميا فَهُوَ الَّذِي يرى فِي الفلوات فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه) أَي احياه وَبَعثه الله عل السن الَّذِي توفاه عَلَيْهِ مائَة سنة وَهُوَ أَرْبَعُونَ سنة ولابنه عشر وَمِائَة سنة وَلابْن ابْنه تسعون سنة وَأنْشد ذَلِك (وأسود رَأس شَاب من قبل ابْنه ... وَمن قيله ابْن ابْنه فَهُوَ أكبر) (ترى ابْن ابْنه شَيخا يَجِيء عل عَصا ... ولحيته سَوْدَاء وَالرَّأْس أشقر) (وَمَا لِابْنِهِ حيل وَلَا فضل قُوَّة ... يقوم كَمَا يمشي الصَّبِي فيعثر) (يعد ابْنه فِي النَّاس تسعين حجَّة ... وَعشْرين لَا يخوى وَلَا يتعجر)

(وَعمر ابْن أَرْبَعِينَ أمرهَا ... وَلابْن ابْنه فِي النَّاس تسعون غير) (فَمَا هُوَ فِي الْمَعْقُول إِن كنت دارياُ ... وَإِن كنت لَا تَدْرِي فبالجهل تعذر) (فصل) وَلما ملك الاسكندر وقهر الْفرس وعظمت مملكة اليونان صَار إِسْرَائِيل وَغَيرهم تَحت طاعتهم وتوالت مُلُوك اليونان بعد الاسكندر وَكَانَ يُقَال لكل وَاحِد مِنْهُم بطليوس فَلَمَّا مَاتَ الاسكندر ملك بعده بطليوس بن الأعوش عشْرين سنة ثمَّ ملك بعده بطليوس تخت أَخِيه وإسمه عِنْد الْيَهُود ثلماى - بثاء مُثَلّثَة من فَوْقهَا ثمَّ لَام سَاكِنة ثمَّ مِيم مَفْتُوح وَبعدهَا يَاء آخر الْحُرُوف - وَهُوَ الَّذين قلت إِلَيْهِ التَّوْرَاة وَغَيرهَا من كتب الْأَنْبِيَاء من اللُّغَة العبرانية إِلَى اللُّغَة اليونانية وَكَانَ نقل التَّوْرَاة بعد عشْرين سنة مَضَت من موت الاسكندر وَلما تولى بطليوس الثَّانِي تخت أَخِيه - الْمُسَمّى عِنْد الْيَهُود ثلماى - وجد جمَاعَة من الاساري مِنْهُم نَحْو ثَلَاثِينَ ألفا من الْيَهُود فَأعْتقهُمْ كلهم وَأمرهمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى بِلَادهمْ فَفَرِحُوا بذلك وَأَكْثرُوا لَهُ بِالدُّعَاءِ وَالشُّكْر فَأرْسل رَسُولا وهدايا إِلَى بني إِسْرَائِيل المقيمين بالقدس الشريف وَطلب مِنْهُم أَن يرسلوا لَهُ عدَّة من عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل لنقل التَّوْرَاة وَغَيرهَا إِلَى اللُّغَة اليونانية فسارعوا إِلَيّ امْتِثَال أمره ثمَّ بني إِسْرَائِيل تزاحموا على الرواح إِلَيْهِ وبقى كل مِنْهُم يخْتَار ذَلِك وَاخْتلفُوا ثمَّ اتَّفقُوا عل أَن يبعثوا إِلَيْهِ من كل سبط من أسباطهم سِتَّة فَبلغ ذَلِك من عَددهمْ اثْنَتَيْنِ وَسبعين رجلا فَلَمَّا وصلوا إِلَى بطليوس الْمَذْكُور - الْمُسَمّى عِنْدهم ثلماى - أحسن قراهم وصيرهم سِتا وَثَلَاثِينَ فرقة وَخَالف بَين أسباطهم وَأمرهمْ فترجموا لَهُ سِتا وَثَلَاثِينَ نُسْخَة من التَّوْرَاة وقابل بَعْضهَا بِبَعْض فَوَجَدَهَا مستوية لم تخْتَلف اخْتِلَافا يعْتد بِهِ

وَفرق النّسخ الْمَذْكُورَة فِي بِلَاده وَبعد فراغهم من التَّرْجَمَة أَكثر لَهُم الصَّلَاة وجهزهم إِلَيّ بِلَادهمْ وَسَأَلَهُ المذكورون فِي نُسْخَة من تِلْكَ النّسخ فأسعفهم بنسخة فَأَخذهَا المذكورون وعادوا بهَا إِلَى بني إِسْرَائِيل بِبَيْت الْمُقَدّس فنسخة التَّوْرَاة المنقولة لبطليوس الْمُسَمّى ثلماي أصح نسخ التَّوْرَاة وأثبتها وَهِي التَّوْرَاة اليونانية الَّتِي عَلَيْهَا عمل المؤرخين وَأما التَّوْرَاة العبرانية الَّتِي بأيدي الْيَهُود والتوراة السامرية فَكل وَاحِدَة مِنْهُمَا مبدلة لَا عمل عَلَيْهَا وَالله أعلم (ذكر سيدنَا يُونُس بن مَتى عَلَيْهِ السَّلَام) وَمَتى أَبُو يُونُس وَقيل أمه وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكثر الْعلمَاء إِنَّه أَبوهُ وَقد ورد فِي الحَدِيث الشريف أَن رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى وَنسبه إِلَى أَبِيه وَلَكِن نقل الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماة فِي تَارِيخه إِن مت أمه قَالَ وَلم يشْتَهر بني بامه غير عِيسَى وَيُونُس عَلَيْهِمَا السَّلَام وَقيل إِن يُونُس من نَبِي إِسْرَائِيل وَإنَّهُ من سبط بنيامين وَتزَوج بنت رجل من الْأَوْلِيَاء اسْمه زَكَرِيَّا وَكَانَ زَكَرِيَّا مُقيما بالرملة فَأَقَامَ يُونُس عِنْده ثمَّ بعد وَفَاة زَكَرِيَّا توجه إِلَى بَيت الْمُقَدّس يعبد الله وَكَانَت بعثته فِي أَيَّام يوثم بن عذياهو أحد مُلُوك بني إِسْرَائِيل وَتقدم ذكره عِنْد ذكر يوثم الْمَذْكُور وَبعث الله يُونُس إِلَى أهل نِينَوَى - وَهِي قبالة الْموصل بَينهمَا دجلة - وَكَانُوا يعْبدُونَ الْأَصْنَام فنهاهم وأوعدهم الْعَذَاب فِي يَوْم مَعْلُوم إِن لم يتوبوا وَضمن ذَلِك عَن ربه عز وَجل فَلَمَّا أظلهم الْعَذَاب آمنُوا فكشف الله عَنْهُم وَجَاء يُونُس ذَلِك الْيَوْم فَلم ير الْعَذَاب حل وَلَا علم بإيمَانهمْ فَذهب مغاضباً وَدخل فِي سفينة من سفن دجلة فوقفت السَّفِينَة وَلم تتحرك فَقَالَ رئيسها فِيكُم من لَهُ ذَنْب فتساهموا عل من يلقونه فِي الْبَحْر فَوَقَعت المساهم عل يُونُس

فَرَمَوْهُ فِي الْبَحْر (فلتقمه الْحُوت وَهُوَ مليم وَسَار بِهِ) الْآيَة وَكَانَ من شَأْنه مَا أخبر الله عَنهُ فِي كِتَابه الْعَزِيز وَمُلَخَّص قصَّته إِن الْحُوت التقمه وَكَانَ يُونُس يسبح على قلب الْحُوت والحوت يَقُول يَا يُونُس اسمعني تَسْبِيح المغمومين وَهُوَ يَقُول (لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين) فَتَقول الْمَلَائِكَة إلهنا وَسَيِّدنَا إِنَّا نسْمع تَسْبِيح مكروب كَانَ لَك شاكراً اللَّهُمَّ فارحمه فِي غربته وكربته قَالَ الله تَعَالَى (وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضاً فَظن إِن لن نقدر عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَات إِن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين) يَعْنِي ظلمَة الْبَحْر وظلمة بطن الْحُوت قَالَ الله تَعَالَى (فلولا إِنَّه كَانَ من المسبحين للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون) وَرُوِيَ إِنَّه مَا أَقرَأ هَذِه الْآيَة مكروب إِلَّا زَالَ كربَة وَهِي فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء وَاخْتلفُوا فِي مد لبثه فَمنهمْ من قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقيل ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا انْقَضتْ الْمدَّة الَّتِي قدرهَا الله لَهُ أَمر الْحُوت إِن يردهُ إِلَى الْموضع الَّذِي أَخذه مِنْهُ فشق ذَلِك عل الْحُوت لاستئناسه بِذكر الله تَعَالَى قيل لَهُ أقذفه فقذفه فِي السَّاحِل فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (فنبذناه بالعراء وَهُوَ سقيم) وَاسم الْحُوت النُّون وَخرج يُونُس مثل الفرخ المنتوف وَقد ذهب بَصَره وَهُوَ لَا يقدر على الْقيام فأنبت الله شَجَرَة من يَقْطِين لَهَا أَرْبَعَة لاف غُصْن فَكَانَت فرَاشه وغطاءه وَأمر الله الظبية فَجَاءَتْهُ وأرضعته حَتَّى قوى وَهَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَسلم عَلَيْهِ وَأمر يَده عل رَأسه وَجَسَده فأنبت الله لحيته ورد عَلَيْهِ بَصَره وَأوحى الله إِلَيْهِ بِإِيمَان قومه حِين رَأَوْا الْعَذَاب ثمَّ هَبَط إِلَيْهِ ملك وَدفع إِلَيْهِ حلتين وَقَالَ سر إِلَى قَوْمك فَإِنَّهُم يتمنونك فاتزر بِوَاحِدَة وارتد الْأُخَر وَسَار يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام وَاجْتمعَ بِزَوْجَتِهِ وولديه قبل وُصُوله إِلَى قومه ثمَّ وصل الْخَبَر إِلَى قومه بوصوله لَهُ فَوَثَبَ الْملك

عَن سَرِيره وَخَرجُوا كلهم إِلَى يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام وسلموا عَلَيْهِ وفرحوا بِهِ وَحَمَلُوهُ إِلَى الْمَدِينَة فَأَقَامَ فيهم يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر فَمَاتَ الْملك وَمَاتَتْ زَوجته وَأَوْلَاده وَكَانَت وَفَاة يُونُس فِي سنة خَمْسَة عشر وَثَمَانمِائَة لوفاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وقبره فِي قَرْيَة بِالْقربِ من بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذِه الْقرْيَة تسمى حلحول وَهِي على طَرِيق بَيت الْمُقَدّس وَصَارَ عل قَبره مَسْجِد ومنارة وَالَّذِي بنى الْمنَار الْملك الْمُعظم عِيسَى بِولَايَة الْأَمِير رشيد الدّين فرج بن عبد الله الْمُعظم فِي شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَقد اشْتهر أمره وَالنَّاس يقصدونه للزيارة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَتى مدفون بِالْقربِ مِنْهُ بقري يُقَال لَهَا بَيت أَمر وَكَانَ رجلا صَالحا من أهل بَيت النُّبُوَّة (ذكر سيدنَا زَكَرِيَّا وَيحيى وعيس عَلَيْهِم السَّلَام) (وَقع لسيدنا عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وصعوده إِلَى السَّلَام وَمُلَخَّص مَا وَقع لزكريا وَيحيى عَلَيْهِمَا السَّلَام) أَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - إِن سيدنَا زَكَرِيَّا من ولد سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانَ نَبيا وَقد ذكره الله فِي الْقُرْآن وَكَانَ نجاراً وَهُوَ الَّذِي كفل مَرْيَم بنت عمرَان بن ماثان من ولد سُلَيْمَان بن دَاوُد وَكَانَت أم مَرْيَم اسْمهَا حنة وَكَانَ زَكَرِيَّا متزوجاً باخت حنة وَاسْمهَا ايساع وَكَانَت زَوْجَة زَكَرِيَّا خَالَة مَرْيَم وَلذَلِك كفل زَكَرِيَّا مَرْيَم وَسَنذكر ذَلِك وَأرْسل الله جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فبشر زَكَرِيَّا بِيَحْيَى مُصدقا بِكَلِمَة من الله يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم ثمَّ أرسل الله تَعَالَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَنفخ فِي جيب مَرْيَم

فَحملت بعيس عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَت قد حملت خَالَتهَا ايساع بِيَحْيَى وَولد يحي قبل عِيسَى بِسِتَّة أشهر ثمَّ ولدت مَرْيَم عِيسَى فَلَمَّا علمت الْيَهُود أَن مَرْيَم ولدت من غير بعل اتهموا زَكَرِيَّا بهَا وطلبوه فهرب واختف فِي شَجَرَة عَظِيمَة فَقطعُوا الشَّجَرَة وَقَطعُوا زَكَرِيَّا مَعهَا وَكَانَ عمر زَكَرِيَّا حِينَئِذٍ نَحْو مائَة سنة وَكَانَ قَتله بعد ولادَة الْمَسِيح وَكَانَت ولادَة الْمَسِيح لمضي ثَلَاثمِائَة وَثَلَاث سِنِين للاسكندر وَيَأْتِي تَحْرِير تَارِيخ مولده قَرِيبا فَيكون مقتل زَكَرِيَّا بعد ذَلِك بِيَسِير وَأما يحي ابْنه فَإِنَّهُ نبئ وَهُوَ صَغِير ودعا النَّاس إِلَى عباد الله تَعَالَى وَلبس الشّعْر واجتهد فِي الْعِبَادَة حَتَّى نحل جِسْمه وَكَانَ عيس ابْن مَرْيَم قد حرم نِكَاح بنت الْأَخ وَكَانَ لهردوس - وَهُوَ الْحَاكِم على بني إِسْرَائِيل - بنت أَخ وَأَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا كَمَا هُوَ جَائِز فِي مِلَّة الْيَهُود فَنَهَاهُ يحيى عَن ذَلِك فطلبت أم الْبِنْت من هردوس أَن يقتل يحيى فَلم يجبها إِلَى ذَلِك فعاودته وَسَأَلته الْبِنْت أَيْضا وألحت عَلَيْهِ فأجابهما إِلَى ذَلِك وَأمر بِيَحْيَى فذبح وَوضع رَأسه بَين يَدي هردوس فَكَانَ الرَّأْس يتَكَلَّم وَيَقُول لَا تحل لَك وَاسْتمرّ غليان دَمه فَأمر بِتُرَاب فألقي عَلَيْهِ فَمَا ازْدَادَ إِلَّا انبعاثاً فَبعث الله عَلَيْهِم ملكا من جِهَة الْمشرق يُقَال خردوس فَقتل مِنْهُم على دم يحيى سبعين ألفا إِلَى أَن سكن دَمه وَزعم قوم أَن بخت نصر هُوَ الَّذِي غزاهم وقتلهم على دم يحي , وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن بخت نصر خرب بَيت الْمُقَدّس من قبل ولادَة يحيى بِنَحْوِ خَمْسمِائَة سنة وكتان قتل يحي قبل رفع الْمَسِيح بِمدَّة يسيرَة لِأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا ابْتَدَأَ بالدعوة لما صَار لَهُ ثَلَاثُونَ سنة وَلما أمره الله تعال أَن يَدْعُو النَّاس إِلَى دين النَّصَارَى غمسه يحي فِي نهر الْأُرْدُن ولعيسى نَحْو ثَلَاثِينَ سنة فَخرج من نهر الْأُرْدُن

وابتدأ بالدعوة وَجَمِيع مَا لبث عِيسَى بعد ذَلِك ثَلَاث سِنِين فذبح يحيى كَانَ قبل رفع الْمَسِيح بِنَحْوِ سنة وَنصف قَالَ قَتَادَة وَكَانَ رَفعه بعد نبوته بِثَلَاث سِنِين وَالنَّصَارَى تسم سيدنَا يحي يوحنا المعمدان لكَونه عمد الْمَسِيح كَمَا ذكر وَكَانَ يحيى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَأْتِي النِّسَاء لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ مَا للرِّجَال فَلذَلِك سَمَّاهُ الله تعال (سيداً وَحَصُورًا) كَذَا قيل وَهُوَ غير مرضِي وَقد تكلم القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء على معنى ككون يحيى حصوراً بِمَا حَاصله إِن هَذَا الَّذِي قيل نقيضه وعيب لَا يَلِيق بالأنبياء وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِنَّه مَعْصُوم عَن الذُّنُوب لَا يَأْتِيهَا كَأَنَّهُ حصر عَنْهَا أَو إِنَّه حصر نَفسه عَن الشَّهَوَات فَمنعهَا وَيَأْتِي ذكر الْخلاف فِي مَحل قَبره وقبر وَالِده زَكَرِيَّا عِنْد ذكر قبر مَرْيَم " ع " وَأما مَرْيَم فاسم أمهَا حنة زَوْجَة عمرَان وَكَانَت حنة لَا تَلد واشتهت الْوَلَد فدعَتْ بذلك ونذرت إِن رزقها اله ولدا جعلته من خدمَة بَيت الْمُقَدّس فَحملت حنة وَهلك زَوجهَا عمرَان وَهِي حاملة فَولدت بِنْتا وسمتها مَرْيَم وَمَعْنَاهَا العابدة قَالَ الله تعال - مخبرا عَن أمهَا - (وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى) أَي لخدمة بَيت الْمُقَدّس وَلما يلْحقهَا من الْحيض وَالنّفاس وَعدم الصيانة عَن التبرج للنَّاس ثمَّ حملتها واتت بهَا إِلَى الْمَسْجِد ووضعتها عِنْد الْأَحْبَار وَقَالَت دونكم هَذِه الْمَنْذُورَة فتنافسوا فِيهَا لِأَنَّهَا بنت عمرَان - وَكَانَ من أئمتهم - فَقَالَ زَكَرِيَّا أَنا أَحَق بهَا لِأَن خَالَتهَا زَوْجَتي فَأَخذهَا زَكَرِيَّا وَضمّهَا إِلَى ايساع خَالَتهَا وَلما كَبرت مَرْيَم بن لَهَا زَكَرِيَّا غرفَة فِي الْمَسْجِد وانقطعت فِي تِلْكَ الغرفة لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ لَا يدْخل على مَرْيَم غير زَكَرِيَّا فَقَط قَالَ الله تَعَالَى (كلما دخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وجد عِنْدهَا رزقا - فَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء وَفَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف قَالَ يَا مَرْيَم من أَيْن لَك هَذَا هُوَ من عِنْد الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب)

وَأرْسل الله جِبْرِيل فَنفخ فِي جيب مَرْيَم فَحملت بعيس وولدته فِي بَيت لحم وَهِي قري قريبَة من بَيت الْمُقَدّس سنة أَربع وَثَمَانمِائَة لغَلَبَة الاسكندر وَبَين مولد سيدنَا عيس عَلَيْهِ السَّلَام وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة المحمدية عل صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام سِتّمائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة وَقد مض من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة فَيكون الْمَاضِي من مولد الْمَسِيح إِلَى خر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ألفا وَخَمْسمِائة وَإِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة وَلما جَاءَت مَرْيَم بِعِيسَى تحمله قَالَ لَهَا قَومهَا (لقد جِئْت شَيْئا فريا) وَأخذُوا الْحِجَارَة ليرجموها فَتكلم عِيسَى وَهُوَ فِي المهد مُعَلّقا فِي منكبها (قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب وَجَعَلَنِي نَبيا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كنت وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة) فَلَمَّا سمعُوا كَلَام ابْنهَا تركوها ثمَّ إِن مَرْيَم أخذت عيس وسارت بِهِ إِلَى مصر وَسَار مَعهَا البن عَمها يُوسُف ابْن يَعْقُوب ابْن ماثان النجار وَكَانَ حكيماً وَيَزْعُم بَعضهم إِن يُوسُف الْمَذْكُور قد تزوج بمريم لكنه لم يقربهَا وَهُوَ أول من أنكر حملهَا ثمَّ علم وَتحقّق براءتها وَسَار مَعهَا إِلَى مصر وَأَقَامَا هُنَاكَ اثْنَي عشر سنة ثمَّ عَاد عيس وَأمه إِلَى الشَّام وَنزلا الناصرة وَبهَا سميت النَّصَارَى وَأقَام بهَا عِيسَى حَتَّى بلغ ثَلَاثِينَ سنة فَأوحى الله إِلَيْهِ وأرسله للنَّاس وَسَار إِلَى الْأُرْدُن وَهُوَ نهر الْغَوْر الْمُسَمّى بالشريعة فاعتمد وابتدأ بالدعوة - وَكَانَ يحي بن زَكَرِيَّا هُوَ الَّذِي عمده كَمَا تقدم - وَكَانَ ذَلِك لسِتَّة أَيَّام مَضَت من كانون الثَّانِي لمضي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة للاسكندر وَأظْهر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام المعجزات وَأَحْيَا مَيتا يُقَال لَهُ عازر بعد ثَلَاثَة أَيَّام من مَوته وَجعل من الطين طائراً قيل هُوَ الخفاش وَأَبْرَأ ألاكمه والأبرص وَكَانَ يمشي عل المَاء صل الله عَلَيْهِ وَسلم

(نزول المائدة)

(نزُول الْمَائِدَة) وَأنزل الله عَلَيْهِ الْمَائِدَة وَأوحى إِلَيْهِ الْإِنْجِيل وَكَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يلبس الصُّوف وَالشعر وَيَأْكُل من نَبَات الأَرْض وَرُبمَا تقوت من غزل أمه وَكَانَ الحوارين الَّذين اتَّبعُوهُ اثْنَي عشر رجلا وهم شَمْعُون الصَّفَا وبطرس وَأَخُوهُ أندراوس وَيَعْقُوب بن ريدى وفيلبس وبرطولومادس واندريوس ومرقص ويوحنا ولوقا وتوما وَمَتى وَهَؤُلَاء الَّذين سَأَلُوهُ نزُول الْمَائِدَة فَلَمَّا سَأَلُوهُ ذَلِك قَامَ عيس فألق الصُّوف عَنهُ وَلبس الشّعْر وَوضع يَمِينه عل شِمَاله ووضعها عل صَدره وصف بَين قَدَمَيْهِ وألصق الكعب بالكعب وبالإبهام بالإبهام وخفض رَأسه خَاشِعًا ثمَّ أرسل بالبكاء حَتَّى سَالَتْ الدُّمُوع على لحيته وَجعلت تقطر عل صَدره وَقَالَ (اللَّهُمَّ رَبنَا أنزل علينا مائدة من السَّمَاء تكون لنا عيداً لأولنا وأخرنا - أَي تكون عَطِيَّة مِنْك لنا وعلام بَيْننَا وَبَيْنك ارزقنا عَلَيْهَا طَعَاما نأكله - وَأَنت خير الرازقين) فَنزلت سفرة حَمْرَاء بَين غمامتين غمامة فَوْقهَا وغمامة تحتهَا وهم ينظرُونَ إِلَيْهَا منقضة فِي الْهَوَاء وعيس عَلَيْهِ السَّلَام يبكي وَيَقُول اللَّهُمَّ إجعلنا لَك من الشَّاكِرِينَ اللَّهُمَّ إجعلها رحم وَلَا تجعلها عذَابا إلهي كم أَسأَلك من الْعَجَائِب فتعطيني اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن يكون إنزالها غَضبا ورحزاً اللَّهُمَّ إجعلها عَاقِبَة وسلامة وَلَا تجعلها فتْنَة وَلَا مثلَة حَتَّى اسْتَقَرَّتْ بَين عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَاجِدا لله تَعَالَى وخر الحواريون مَعَه فَبلغ الْيَهُود ذَلِك فَأَقْبَلُوا عنوا وَكفرا ينظرُونَ فَرَأَوْا أمرا عجبا فَإِذا منديل مغطى عل السفرة وَجَاء عِيسَى وَجلسَ وَهُوَ يَقُول من أجرؤنا وأوثقنا بِنَفسِهِ وأخشانا عِنْد ربه فليكشف عَن هَذِه لآيَة حَتَّى نَنْظُر وَنَأْكُل ونسمي باسم رَبنَا

وَنَحْمَد إلهنا قَالَ الحواريون أَنْت أولى بذلك يَا روح الله وكلمته فَتَوَضَّأ عيس عَلَيْهِ السَّلَام وضُوءًا جَدِيدا وصل صَلَاة جَدِيدَة ودعا ربه دُعَاء كثيرا وَبكى بكاء شَدِيدا طَويلا ثمَّ قَامَ حَتَّى جَاءَ عِنْد السفرة فَإِذا سَمَكَة مشوية لَيْسَ عَلَيْهَا فلوس وَلَيْسَ لَهَا شوك تسيل دسماً وَقد نصب حولهَا من الْبُقُول خلا الكراث وَإِذا عِنْد رَأسهَا خل وَعند ذنبها ملح وَخَمْسَة أرغفة عل كل وَاحِد مِنْهَا زيتون وَخمْس رمانات وَخمْس تمرات قَالَ شَمْعُون - رَأس الحواريين - يَا روح الله وكلمته أَمن طَعَام الدُّنْيَا أم من طَعَام الْآخِرَة؟ فَقَالَ عِيسَى مَا أخوفني أَن تعاقبوا قَالَ لَا وإله بني إِسْرَائِيل مَا أردْت بِمَا سَأَلتك سوءا يَا بن الصديقة قَالَ نزلت وَمَا عَلَيْهَا من السَّمَاء لَيْسَ شَيْء مِمَّا ترَوْنَ عَلَيْهَا من طَعَام الدُّنْيَا وَلَا طَعَام الْآخِرَة وَهِي وَمَا عَلَيْهَا شَيْء ابتدعه الله بِالْقُدْرَةِ الْغَالِبَة إِنَّمَا قَالَ لَهُ كن فَكَانَ فَكُلُوا مِمَّا سَأَلْتُم وأحمدوا الله ربكُم بمددكم ويزدكم فَإِنَّهُ الْقَادِر البديع لما يَشَاء إِذا شَاءَ أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون قَالَ الحواريون يَا روح الله كَلمته لَو أريتنا الْيَوْم ي من هَذِه السَّمَكَة؟ فَقَالَ عيس عَلَيْهِ السَّلَام يَا سَمَكَة أحيي بِإِذن الله تَعَالَى فاضطربت السَّمَكَة طربة تَدور عَيناهَا وَلها بصيص تتلمض بفيها كَمَا يتلمظ السَّبع وَعَاد عَلَيْهَا فلوسها فَفَزعَ الْقَوْم فَقَالَ عِيسَى مَا لكم تسْأَلُون الشَّيْء فَإِذا أعطيتموه كرهتموه فَمَا أخوفني أَن تعذبوا بِهَذِهِ السَّمَكَة ثمَّ قَالَ عودي كَمَا كنت بِإِذن الله تَعَالَى فَعَادَت مشوية عل حَالهَا قَالُوا كن أَنْت يَا روح الله أول من يَأْكُل ثمَّ نَأْكُل بعْدك قَالَ عيس معَاذ الله أَن يَأْكُل مِنْهَا إِلَّا من طلبَهَا وسألها فَفرق الحواريون أَن تكون إِنَّمَا نزلت سخطَة فِيهَا مثلَة فَلم يَأْكُلُوا مِنْهَا ودعا لَهَا عيس عَلَيْهِ السَّلَام بِأَهْل القاقة والزمانة من العميان والمجذومين

والبرص والمقعدين وَأَصْحَاب المَاء الْأَصْفَر والمجانين فَقَالَ كلوا من رزق الله ودعوة نَبِيكُم فَإِنَّهُ رزق ربكُم فَتكون المهنأة لكم وَالْبَلَاء لغير كم وأذكروا اسْم ربكُم وكلوا من رزق الله ربكُم فَفَعَلُوا وَصدر عَن تِلْكَ السَّمَكَة وَال أرغفة والرمانات والتمرات والبقول ألف وثلاثمائة من رجل وَامْرَأَة بَين فَقير جَائِع وزمن ومبتلي بِآفَة كلهم شعْبَان يتجشى فَنظر عِيسَى فَإِذا مَا عَلَيْهَا كهئية حِين نزل من السَّمَاء وَرفعت السفرة إِلَى السَّمَاء وَهُوَ ينظرُونَ إِلَيْهَا وَاسْتغْنى كل فَقير أكل مِنْهَا يؤمئذ فَلم يزل غَنِيا حَتَّى مَاتَ وَبرئ كل زمن من زمانته فَلم يزل برئياً حَتَّى مَاتَ وَنَدم الحواريون وَسَائِر النَّاس مِمَّن أَبى أَن يَأْكُل مِنْهَا حسرة وشابت مِنْهَا شُعُورهمْ وَكَانَت إِذا نزلت بعد ذَلِك اقْبَلُوا إِلَيْهَا حبوراً من كل مَكَان يركب بَعضهم بَعْضًا الْأَغْنِيَاء والفقراء وَالرِّجَال وَالنِّسَاء فَلَمَّا رأى عيس ذَلِك جعلهَا نوباً بَينهم وَكَانَت تنزل غبا أيتنزل يَوْمًا وتغيب يَوْمًا كناقة ثَمُود ترع يَوْمًا وَترد يَوْمًا فَلَبثت كَذَلِك أَرْبَعِينَ صباحاً تغيب يَوْمًا وتنزل يَوْمًا حَتَّى إِذا فَاء الْفَيْء طارت صعداً ينظرُونَ إِلَيْهَا وَإِلَى ظلها فِي الأَرْض حَتَّى تَوَارَتْ عَنْهُم فَأوحى الله إِلَى عِيسَى إِنِّي آخذ بشرطي من المكذبين قد اشْترطت عَلَيْهِم إِنِّي معذب من كفر مِنْهُم عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين بعد نُزُولهَا قَالَ عِيسَى (إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم) فَمسح الله مِنْهُم ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثِينَ خنازير من ليلتهم فَأَصْبحُوا يَأْكُلُون

العذرات فِي الحشوش ويتبعون مَا فِي الكناسة والطرق وَكَانُوا قد باتوا أول اللَّيْل عل فراشهم عِنْد نِسَائِهِم فِي دِيَارهمْ بِأَحْسَن صُورَة وأوسع رزق فَأصْبح النَّاس يفرون إِلَى عِيسَى فَزعًا وخوفاً من عُقُوبَة الله تَعَالَى وعيس يبكي عَلَيْهِم ويبكون مَعَه عَلَيْهِم وَجَاءَت الْخَنَازِير بَين يَدَيْهِ تسع إِلَيْهِ حَتَّى أبصرته ينظرُونَ إِلَيْهِ ويشمون رَائِحَته ويسجدون لَهُ وأعينهم تسيل دموعاً لَا يَسْتَطِيعُونَ الْكَلَام ثمَّ قَامَ عِيسَى يناديهم بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُول يَا فلَان فَيَقُول بِرَأْسِهِ نعم يَا فلَان ابْن فلَان قد كنت خوفتكم عَذَاب الله وعقوبته وَكَأَنِّي قد كنت انْظُر إِلَيْكُم ممثلاً بكم فِي غير صوركُمْ قَالَ الله تعال لمُحَمد صل الله عَلَيْهِ وَسلم (ويستعجلونك بِالسَّيِّئَةِ قبل الْحَسَنَة وَقد خلت من قبلهم المثلات) وَقَالَ الله تعال (لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل عل لِسَان دَاوُد وَعِيسَى بن مَرْيَم ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون) فَسَأَلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ربه أَن يميتهم فأماتهم بعد ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا وارى أحد من النَّاس مِنْهُم جيفة فِي الأَرْض ونسأل الله تعال الْعَافِيَة فِي ذَلِك وَالله أعلم (ذكر صعُود سيدنَا عِيسَى إِلَى السَّمَاء) وَلما أعلم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَسِيح إِنَّه خَارج من الدُّنْيَا جزع من ذَلِك فَدَعَا الحواريين ووضعهم طَعَاما وَقَالَ أحضروني اللَّيْلَة فَإِن لي إِلَيْكُم حَاجَة فَلَمَّا اجْتَمعُوا بِاللَّيْلِ عشاهم وَقَامَ يخدمهم فَلَمَّا فرغ من الطَّعَام أَخذ يغسل أَيْديهم ويمسحها بثيابه فتعاظموا ذَلِك فَقَالَ من رد عَليّ شَيْئا مِمَّا اصْنَع فَلَيْسَ مني فَتَرَكُوهُ فَلَمَّا فرغ قَالَ لَهُم إِنَّمَا فعلت هَذَا ليَكُون لكم اسوة بِي فِي خدمَة بَعْضكُم بَعْضًا وَأما حَاجَتي إِلَيْكُم فَإِن تجتهدوا فِي الدُّعَاء إِلَى الله تعال إِن يُؤَخر أَجلي فَلَمَّا أَرَادوا ذَلِك ألقِي الله عَلَيْهِم النّوم حَتَّى لم يستطيعوا الدُّعَاء وَجعل الْمَسِيح

يوقظهم وينبهم فَلَا يزدادون إِلَّا نوماً وتكاسلاً واعلموه إِنَّهُم مغلوبون على ذَلِك فَقَالَ الْمَسِيح سُبْحَانَ الله يذهب بالراعي وتتفرق الْغنم ثمَّ قَالَ لَهُم الْحق أَقُول لكم ليكفرون بِي أحدكُم قبل أَن يَصِيح الديك وليبغي أحدكُم بدارهم يسيرَة وَيَأْكُل ثمني وَكَانَ الْيَهُود قد جدوا فِي طلبه فَحَضَرَ إِلَى الْيَهُود وَقَالَ مَا تَجْعَلُونَ لي إِذا دللتكم على الْمَسِيح فَجعلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ درهما فَأَخذهَا ودلهم عَلَيْهِ فَرفع الله إِلَيْهِ وَألقى شبهه على الَّذِي دلهم عَلَيْهِ فَإِن الْيَهُود لما قصدوه أظلمت الدُّنْيَا حَتَّى صَارَت كالليل وأظلمت الشَّمْس وأظهرت الْكَوَاكِب وانشقت الصخور فَلذَلِك لم يتحققوا الْمُشبه بِهِ من شدَّة الظلمَة وَحُصُول الارجاف وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي مَوته قبل رَفعه فَقيل رفع وَلم يمت وَقيل بل توفاه الله ثَلَاث سَاعَات وَقيل سبع سَاعَات ثمَّ أَحْيَاهُ الله وَتَأَول قَائِل هَذَا قَوْله تعال (إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ) وَلما امسك الْيَهُود الشَّخْص الْمُشبه بِهِ ربطوه وَجعلُوا يقودونه بِحَبل وَيَقُولُونَ لَهُ أَنْت كنت تحي الْمَوْتَى أَفلا تخلص نَفسك من هَذَا الْحَبل ويقبضون يَدَيْهِ ويبصقون فِي وَجهه ويلفون عَلَيْهِ الشوك وصلبوه على الْخشب فَمَكثَ عَلَيْهِ سِتّ سَاعَات ثمَّ استوهبه يُوسُف النجار من الْحَاكِم الَّذِي عل الْيَهُود وَكَانَ اسْمه فيلاطوس ولقبه هردوس ودفنا فِي قبر كَانَ يُوسُف الْمَذْكُور قد أعده لنَفسِهِ وَأنزل الله الْمَسِيح من السَّمَاء إِلَى أمه مَرْيَم وَهِي تبْكي عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا إِن الله رفعني إِلَيْهِ وَلم يُصِبْنِي إِلَّا الْخَيْر وأمرها فَجمعت لَهُ الحواريين فبثهم فِي الأَرْض رسلًا عَن الله وَأمرهمْ أَن يبلغُوا عَنهُ مَا أمره الله بِهِ ثمَّ رَفعه الله إِلَيْهِ وتفرق الحواريون حَيْثُ أَمرهم وَكَانَ رفع الْمَسِيح لمضي ثَلَاثمِائَة وست وَثَلَاثِينَ سنة من غلب الاسكندر عل دَارهم

ثمَّ أَن أَرْبَعَة من الحواريين وهم مَتى وَثَلَاث مَعَه اجْتَمعُوا وَجمع كل وَاحِد مِنْهُم إنجيلا وخاتمة إنجيل مَتى أَن الْمَسِيح قَالَ إِنِّي أرسلتكم إِلَى الْأُمَم كَمَا أَرْسلنِي رَبِّي إِلَيْكُم فاذهبوا وَادعوا الْأُمَم باسم الْأَب وَالِابْن وروح الْقُدس وَكَانَ بَين رفع الْمَسِيح ومولد النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ سنة تَقْرِيبًا وعاش الْمَسِيح إِلَى أَن رفع ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة وَبَين رَفعه وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة خَمْسمِائَة وثمان وَتسْعُونَ سنة وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا تِسْعمائَة سنة فَيكون الْمَاضِي من رَفعه إِلَى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ألفا وَأَرْبَعمِائَة وثماني وَتِسْعين سنة وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عشر مَرَّات أمته النَّصَارَى على اخْتلَافهمْ وَأما أمه مَرْيَم فَإِنَّهَا عاشت نَحْو ثَلَاث وَخمسين سنة لِأَنَّهَا حملت بِهِ لما صَار لَهَا من الْعُمر ثَلَاثَة عشر سنة وَعَاشَتْ مَعَه مجتمعة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة وَرفع وَبقيت بعد رَفعه سِتّ سِنِين وَالله أعلم وَيَأْتِي ذكر قبرها فِيمَا بعد أَن شَاءَ الله تعال وَكَانَ رفع الْمَسِيح من طور زيتا - جبل شَرْقي بَيت الْمُقَدّس - وَرُوِيَ إِنَّه دَعَا الله وَقت رَفعه تَعَالَى بِهَذَا الدُّعَاء - وَهُوَ دُعَاء مستجاب - اللَّهُمَّ أَنْت الْقَرِيب فِي علوك والمتعالي فِي دنوك الرفيع عل كل شَيْء من خلقك وَأَنت الَّذِي نفذ بَصرك فِي خلقك وحسرت الْأَبْصَار دون النّظر إِلَيْك وغشيت دُونك وَسبح لَك الفلق فِي النُّور أَنْت الَّذِي جليت الظُّلم بنورك فتباركت اللَّهُمَّ أَنْت خَالق الْخلق بقدرتك مُقَدّر الْأُمُور بحكمتك مبدع الْخلق بعظمتك القَاضِي فِي كل شَيْء بعلمك الَّذِي خلقت سبعا طباقاً فِي الْهَوَاء بكلماتك مستويات الطباق مذعنات لطاعتك سماعين لعلو سلطانك فأجبن وَهن دُخان من خوفهن فَأَتَيْنَ طائعين بِأَمْرك فِيهِنَّ الْمَلَائِكَة يسبحونك ويقدسونك وَجعلت فِيهِنَّ نورا يجلو الظلام وضياء أضوء من الشَّمْس وَجعلت فِيهِنَّ مصابيح يَهْتَدِي بهَا فِي الظُّلُمَات

الْبر وَالْبَحْر ورجوماً للشياطين فتباركت اللَّهُمَّ فِي مفطور سماواتك وَفِيمَا دحيت من الأَرْض ودحوتها على المَاء فأذللت لَهَا المَاء الطَّاهِر فذل لطاعتك وأذعن لأمرك وخضع لقوتك أمواج الْبحار ففجرت فِيهَا بعد الْبحار الْأَنْهَار وَبعد الْأَنْهَار الْعُيُون الغزار والينابيع ثمَّ أخرجت مِنْهَا الْأَشْجَار بالثمار ثمَّ جعلت عل ظهرهَا الْجبَال أوتاداً فأطاعتك أطوادها فتباركت اللَّهُمَّ صفاتك وَمن يبلغ صفة قدرتك وَمن ينعَت بنعتك وتنشئ السَّحَاب وَتَفُك الرّقاب وتقضي الْحق وَأَنت خير الفاصلين لَا إِلَه إِلَّا أَنْت إِنَّمَا يخشاك من عِبَادك الْعلمَاء واشهد أَنَّك لست بإله استحدثناك وَلَا رب لنا سواك نذكرهُ وَلَا كَانَ لَك شُرَكَاء يقضون مَعَك فندعوهم وَنَدَعك وَلَا أعانك أحد على خلقك فنشك فِيك أشهد إِنَّك أحد صَمد لم تَلد وَلم تولد وَلم يكن لَك كفوا أحد وَلم تتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا اجْعَل لي من أَمْرِي فرجا ومخرجاً فَلَمَّا أتم دعاءه رَفعه الله إِلَيْهِ وَلما مَاتَت أمه مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام دفنت بالكنيسة الْمَعْرُوفَة بالجيسمانية خَارج بَاب الأسباط فِي ذبل جبل طور زيتا وَهُوَ مَكَان مَشْهُور يَقْصِدهُ النَّاس للزيارة من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى وَاسْتمرّ بَيت الْمُقَدّس عَامِرًا بعد رفع عِيسَى أَرْبَعِينَ سنة فَيكون لبثه على عِمَارَته الثَّانِيَة الَّتِي عمرها كورش سَبْعمِائة وَإِحْدَى وَعشْرين سنة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (ذكر خراب بَيت الْمُقَدّس الخراب الثَّانِي وهلاك الْيَهُود) (وَزَوَال دولتهم زوالا لَا رُجُوع بعده) لما جر مَا تقدم شَرحه من رفع الْمَسِيح إِلَى السَّمَاء اسْتمرّ بَيت الْمُقَدّس عَامِرًا بعده أَرْبَعِينَ سنة وتول عل بني إِسْرَائِيل جمَاعَة من الْمُلُوك وَاحِدًا بعد

وَاحِد إِلَى أَن ملك طيطوس الرُّومِي وَكَانَ مَحل ملكه مَدِينَة روميا من بِلَاد الإفرنج فَفِي السّنة الأولى من ملكه قصد بَيت الْمُقَدّس وأوقع باليهود وقتلهم وأسرهم عَن أخرهم إِلَّا من اختفى وَخرب بَيت الْمُقَدّس ونهبه واحرق الهيكل وأحرق كتبهمْ وأخلى الْقُدس من بني إِسْرَائِيل (كَأَن لم تغن بالْأَمْس) وَلم يعد لَهُم بعد ذَلِك رياسة وَلَا حكم وَكَانَ ذَلِك بعد رفع الْمَسِيح بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سنة كَمَا تقدم وَهِي لمضي ثَلَاثمِائَة وست وَسبعين سنة من غَلَبَة الاسكندر وثلاثمائة وَإِحْدَى عشرَة سنة مَضَت لابتداءملك بخت نصر وَهَذِه الْمرة الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فَقَالَ (فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة من إفسادكم) وَذَلِكَ قصدهم قتل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين رفع وقتلهم يحيى " ع " فَسلط الله عَلَيْهِم الْفرس وَالروم وخردوش وطيطوس حَتَّى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عَن دِيَارهمْ فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (ليسوؤا وُجُوهكُم - بِإِدْخَال الْهم وَالْغَم والحزن - وليدخلوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أول مرّة وليتبروا مَا علوا تتبيرا عس ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ) بعد انتقامه مِنْكُم فَيرد الدولة إِلَيْكُم وَإِن عدتم إِلَيّ الْمعْصِيَة عدنا إِلَى الْعقُوبَة قَالَ قَتَادَة فعادوا فَبعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم يُعْطون الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون وَبَين هَذَا التخريب الثَّانِي وَالْهجْرَة خَمْسمِائَة وثمان وَخَمْسُونَ سنة بالتقريب وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة فَيكون الْمَاضِي من خراب بَيت الْمُقَدّس الثَّانِي إِلَى آخر سنّ تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ألفا وَأَرْبَعمِائَة وثماني وَخمسين سنة بالتقريب وَهُوَ تَارِيخ تشَتت الْيَهُود فِي الْبِلَاد وَالله سُبْحَانَهُ وتعال أعلم

(ذكر عمارة بيت المقدس الشريف المرة الثالثة)

(ذكر عمَارَة بَيت الْمُقَدّس الشريف الْمرة الثَّالِثَة) لما جرى مَا ذكر من تخريب طيطوس بَيت الْمُقَدّس وَمَا فعله فِي الْيَهُود تراجع إِلَى الْعِمَارَة قَلِيلا قَلِيلا وترمم شعثه وَاسْتمرّ عَامِرًا سَارَتْ هيلانة أم قسطنطين المظفر إِلَى الْقُدس وَابْنهَا قسطنطين كَانَ ملكا فِي رُومِية ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى قسطنطينية وبن سورها وَتَنصر وَكَانَ اسْمهَا البرنطية فسماها الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَزَعَمت النَّصَارَى إِنَّه بعد سِتّ سِنِين خلت من ملكه ظهر لَهُ من السَّمَاء شبه الصَّلِيب فَأمر بالنصرانية وَكَانَ قبل ذَلِك هُوَ وَمن تقدمه عل دين الصائبة يعْبدُونَ أصناماً على أَسمَاء الْكَوَاكِب السَّبْعَة ولمضي عشْرين سنة من ملك قسطنطين الْمَذْكُور اجْتمع أَلفَانِ وَثَمَانمِائَة وَأَرْبَعُونَ اسقفاً ثمَّ اخْتَار مِنْهُم ثَلَاثمِائَة وَثَمَانِية عشر أسقفاً فحرموا أرينوس الإسكندري لكَونه يَقُول أَن الْمَسِيح كَانَ مخلوقاً واتفقت الأساقفة المذكورون لَدَى قسطنطين وَوَضَعُوا شرائع النَّصْرَانِيَّة بعد أَن لم تكن وَكَانَ رَئِيس هَذِه البطارقة بطرِيق الْإسْكَنْدَريَّة وَمن هُنَا كَانَ أصل النَّصْرَانِيَّة فِي الرّوم وَكَانَ قبل ذَلِك فِي سنة إِحْدَى عشرَة خلت من ملكه سَارَتْ أمه هيلانة - الْمُتَقَدّم ذكرهَا - إِلَى الْقُدس فِي طلب خشبه الْمَسِيح الَّتِي نزعم النَّصَارَى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام صلب عَلَيْهَا وَلما وصلت إِلَى الْقُدس أخرجت خشبه الصَّلِيب وأقامت لذَلِك عيد الصَّلِيب وَبنت كَنِيسَة قمامة عل قبر الَّذِي تزْعم النَّصَارَى إِن عيس دفن فِيهِ وَبنت الْمَكَان الْمُقَابل للقمامة الْمَعْرُوف يَوْمئِذٍ بالدركاه وكنيسة بَيت لحم والكنيسة بطور زيتا بمصعد سيدنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وكنيسة الجيسمانية الَّتِي بهَا قبر مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام وَغير ذَلِك وَخَربَتْ هيكل بَيت الْمُقَدّس إِلَى الأَرْض وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْمَسْجِد وَأمرت أَن يلقِي فِي مَوْضِعه قمامات الْبَلَد وزبالته فَصَارَ مَوضِع الصَّخْرَة الشَّرِيفَة مزبلة

وبقى الْحَال على ذَلِك حَتَّى قدم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَفتح بَيت الْمُقَدّس الشريف على مَا سَنذكرُهُ عِنْد ذكر الْفَتْح الْعمريّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ المشرف عَن كَعْب قَالَ كَانَت قبَّة صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس طولهَا فِي السَّمَاء اثْنَي عشر ميلًا وَكَانَ أهل أرِيحَا وعمواس يَسْتَظِلُّونَ بظلها وَكَانَ غليها ياقوتة تضئ بِاللَّيْلِ كضوء الشَّمْس فَإِذا كَانَ النَّهَار طمس الله ضوءها فَلم تزل كَذَلِك حَتَّى أَتَت الرّوم فغلبوا عَلَيْهَا فَلَمَّا صَارَت فِي أَيْديهم قَالُوا تَعَالَوْا نبن عَلَيْهَا أفضل من الْبناء الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا فبنوا عَلَيْهَا على قدر طولهَا فِي السَّمَاء وزخرفوه بِالذَّهَب وَالْفِضَّة فَلَمَّا فرغوا من الْبناء دخله سَبْعُونَ ألفا من رهبانهم وشمامستهم فِي أَيْديهم مجامر الذَّهَب وَالْفِضَّة وأشركوا فِيهَا فَانْقَلَبت عَلَيْهِم فَمَا خرج مِنْهُم أحد فَلَمَّا رأى ملك الرّوم ذَلِك جمع البطارقة والشمامسة ورؤساء الرّوم فَقَالَ لَهُم مَا ترَوْنَ؟ قَالُوا نرى أَنا نرض إلهنا فَلذَلِك لم يقبل بناءه قَالَ فَأمر بِهِ الثَّانِيَة فبنوها وأضعفوا فِيهَا النَّفَقَة ودخلوها سبعين ألفا مثل مَا دخلُوا أول مرّة فَفَعَلُوا كفعلهم فَلَمَّا أشركوا انقلبت عَلَيْهِم وَلم يكن الْملك مَعَهم فَلَمَّا رأى ذَلِك جمعهم ثَالِثَة وَقَالَ لَهُم مَا ترَوْنَ؟ قَالُوا لم نرض رَبنَا كَمَا يَنْبَغِي فَلذَلِك خربَتْ ونحب أَن تبنى ثَالِثَة فبنوا الثَّالِثَة حَتَّى إِذا رَأَوْا إِنَّهُم قد أتقنوها وفرغوا مِنْهَا جمع النَّصَارَى وَقَالَ هَل ترَوْنَ من الْعَيْب شَيْئا؟ قَالُوا لَا فكللها بصليب الذَّهَب وَالْفِضَّة ثمَّ دَخلهَا قوم بعد أَن اغتسلوا وتطيبوا فَلَمَّا دخلُوا أشركوا كَمَا أشرك أَصْحَابهم فخرت عَلَيْهِم الثَّالِثَة فَجَمعهُمْ ملكهم رَابِعَة واستشارهم وَكثر خوضهم فِي ذَلِك فَبَيْنَمَا هم عل ذَلِك إِذا أقبل عَلَيْهِم شيخ كَبِير عَلَيْهِ برانس سود وعمامة سَوْدَاء قد انحنى ظَهره يتَوَكَّأ عل عَصا وَقَالَ يَا معشر النَّصَارَى إِلَيّ فَإِنِّي أكبركم سنا

وَقد خرجت من متعبدي لأخبركم أَن هَذَا الْمَكَان قد لعن أَصْحَابه وَأَن الْقُدس قد نزع وتحول إِلَى هَذَا الْمَكَان - وَأَشَارَ إِلَى الْموضع الَّذِي بنوا فِيهِ كَنِيسَة الْقِيَامَة - وَأَنا أريكم الْموضع ولستم تروني بعد هَذَا الْيَوْم أبدأ اقْبَلُوا مني مَا أَقُول لكم وأغواهم وَزَادَهُمْ طغياناً وامرهم أَن يقلعوا الصَّخْرَة ويبنوا بحجارتها الْموضع الَّذِي أَمرهم بِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهم وَيَقُول لَهُم ذَلِك إِذْ خفى فَلم يروه وازدادوا كفرا وَقَالُوا فِيهِ قولا عَظِيما فخربوا بَيت الْمُقَدّس وحملوا الْعمد وَغَيرهَا وبنوا بهَا كنيستهم والكنيسة الَّتِي فِي وَادي جَهَنَّم وَقَالَ لَهُم إِذا فَرَغْتُمْ من هَذِه فأفرغوه واتخذوه مزبلة لعذراتكم فَفَعَلُوا ذَلِك حَتَّى كَانَت الْمَرْأَة تطرح خرق حَيْضهَا عَلَيْهِ من الْقُسْطَنْطِينِيَّة واكبوا على ذَلِك حَتَّى بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسر بِهِ إِلَيْهَا وَذكر فَضلهَا حكى ذَلِك صَاحب مثير الغرام قَالَ وَقد تقدم أَن بخت نصر هُوَ الَّذِي خرب عمَارَة سُلَيْمَان وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ المشرف عَن كَعْب الْأَحْبَار يَقْتَضِي لِأَن الَّذِي خرب عمَارَة سُلَيْمَان وتغلب عَلَيْهَا إِنَّمَا هم الرّوم وَهَذَا غير مُسْتَقِيم اللَّهُمَّ إِلَّا أَن نجْعَل ملك الْفرس الْمُتَقَدّم الْبَانِي لَهَا بعد تخريب بخت نصر بني الْمَكَان على نعت بِنَاء سُلَيْمَان وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (قصَّة الْفِيل) وَهِي إِن الْحَبَشَة ملكوا الْيمن بعد حمير فَلَمَّا صَار الْملك إِلَى أبره مِنْهُم بني كَنِيسَة عَظِيم وَقصد أَن يصرف حج الْعَرَب إِلَيْهَا وَيبْطل الْكَعْبَة الْحَرَام فجَاء شخص من الْعَرَب فِي أحدث فيتلك الْكَنِيسَة فَغَضب أَبْرَهَة لذَلِك وَسَار بجيشه وَمَعَهُ الْفِيل - وَقيل كَانَ مَعَه ثَلَاث عشر فيلاً - ليهْدم الْكَعْبَة المشرفة

فَلَمَّا وصل إِلَى الطَّائِف بعث الْأسود بن مَقْصُود إِلَى مَكَّة فساق أَمْوَال أَهلهَا وأحضرها إِلَى أَبْرَهَة وَأرْسل أَبْرَهَة إِلَى قُرَيْش قَالَ لَهُم لست أقصد الْحَرْب بل جِئْت لأهدم الْكَعْبَة فَقَالَ عبد الْمطلب وَالله مَا نُرِيد حربه وَهَذَا بَيت الله فَإِن منع عَنهُ فَهُوَ بَيته وَحرمه وَأَن خل بَينه وَبَينه فو الله مَا عندنَا من دَافع ثمَّ انْطلق مَعَ رَسُول أَبْرَهَة إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَأْذن عبد الْمطلب قَالُوا لأبرهة هَذَا سيد قُرَيْش فَأذن لَهُ ابره وأكرمه وَنزل عَن سَرِيره وَجلسَ مَعَه وَسَأَلَهُ عَن حَاجته فَذكر عبد الْمطلب أباعره الَّتِي أخذت لَهُ فَقَالَ لَهُ أَبْرَهَة إِنِّي كنت أَظن أَنَّك تطلب مني لَا أخرب الكعب الَّتِي هِيَ دينك فَقَالَ عبد الْمطلب أَنا رب الأباعر فأطلبها وللبيت رب يمنعهُ فَأمر أَبْرَهَة برد الأباعر عَلَيْهِ فَأخذ عبد الْمطلب وَانْصَرف إِلَى قُرَيْش وَلما قرب أَبْرَهَة من مَكَّة وتهيأ لدخولها بَقِي كلما أقبل فيله عل مَكَّة ينَام وَيَرْمِي بِنَفسِهِ الأَرْض وَلم يسر فَإِذا قبلوه غير مَكَّة قَامَ يُهَرْوِل وَكَانَ اسْم الْفِيل مَحْمُودًا فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا أرسل الله عَلَيْهِم طيراً أبابيل أَمْثَال الخطاطيف مَعَ كل طَائِر ثَلَاثَة أَحْجَار فِي منقاره وَرجلَيْهِ فقذفتهم بهَا وَهِي مثل الحمص والعدس فَلم تصب مِنْهُم أحدا إِلَّا هلك وَلَيْسَ كلهم أَصَابَت ثمَّ أرسل الله سيلا فألقاهم فِي الْبَحْر وَالَّذِي سلم مِنْهُم ولي هَارِبا مَعَ أَبْرَهَة إِلَى الْيمن يسْتَبْدل الطَّرِيق وصاروا يتساقطون بِكُل منهل وَأُصِيب أَبْرَهَة فِي جسده وَسَقَطت أعضاؤه وَوصل إِلَى صنعاء كَذَلِك وَمَات وَلما جرى ذَلِك خرجت قُرَيْش إِلَى مَنَازِلهمْ وغنموا من أَمْوَالهم شَيْئا كثيرا وَالله أعلم ل

(ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين)

(ذكر سيد الْأَوَّلين والآخرين وَخَاتم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ) (وحبِيب رب الْعَالمين البشير النذير الدَّاعِي إِلَى بِإِذْنِهِ السراج الْمُنِير) هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر ففهر الْمَذْكُور هُوَ قُرَيْش وكل من كَانَ من وَلَده فَهُوَ قرشي وَمن لم يكن من وَلَده فَلَيْسَ قُريْشًا وَقيل سمي قُريْشًا لشدَّة شبهه بِدَابَّة من دَوَاب الْبَحْر يُقَال لَهَا القرش تَأْكُل دَوَاب الْبَحْر وتقهرهم وَقيل إِن قصي بن كلاب لما استولى عل الْبَيْت وَجمع أشتات بني فهر سموا قُريْشًا لِأَنَّهُ قُرَيْش بني فهر أَي جمعه حول الْحرم فَقيل لَهُم قُرَيْش فعلي هَذَا يكون لفظ قُرَيْش اسْما لبني فهر لَا لفهر نَفسه وفهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر ابْن نزار بن معد بن عدنان وَهَذَا هُوَ النّسَب الْمُتَّفق على صِحَّته من غير خلاف وعدنان من ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام من غير خلاف وَلَكِن الْخلاف فِي عد الْآبَاء الَّذين بَين عدنان وَإِسْمَاعِيل فعد بَعضهم بَينهمَا نَحْو أَرْبَعِينَ رجلا وعد بَعضهم سَبْعَة وَالْمُخْتَار أَن عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلاط بن بتت بن حمل بن قيدار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل " ع " ابْن تَارِيخ - وَهُوَ آزر - بن ناخور بن ساروع بن رَاعُونَ بن نَافِع بن عَابِر بن سالح بن قينان بن ارفخشد بن سَام بن نوح عَلَيْهِمَا السَّلَام بن لامخ - وَيُقَال لأمك - ابْن متوشلح بن أَخْنُوخ - وَهُوَ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام - بن بَارِد بن مهلاييل ابْن قينان بن أنوش بن شِيث بن دم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ عُلَمَاء السّير كَانَت آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف فِي حجر عَمها وهيب فَمشى إِلَيْهِ عبد الْمطلب بن هَاشم بِابْنِهِ عبد الله وخطب مِنْهُ آمِنَة وَعقد عَلَيْهَا نِكَاحه

وَدخل بهَا فَحملت بِسَيِّد الْعَالم وأشرف بني آدم ثمَّ خرج عبد الله إِلَى الشَّام وَعَاد فَمر بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مَرِيض فَأَقَامَ عِنْد أَخْوَاله بني عدي بن النجار مُدَّة شهر وَتُوفِّي وَدفن فِي دَار النَّابِغَة - وَهُوَ رجل من بني عدي بن النجار - وَرَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ ابْن شَهْرَيْن وَقيل كَانَ حملا وَولد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ لعشر لَيَال خلون من ربيع الأول وَقيل لاثني عشر عَام الفبل وَكَانَ قدوم أَصْحَاب الْفِيل ذَلِك فِي نصف الْمحرم وَتَقَدَّمت قصتهم وَبَين الْفِيل وَبَين مولد رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم خمس وَخَمْسُونَ لَيْلَة وَهِي سنة سِتَّة لاف وَمِائَة وَثَلَاث وَسِتِّينَ سنة من هبوط دم عَلَيْهِ السَّلَام على حكم التَّوْرَاة اليونانية الْمُعْتَمدَة عِنْد المؤرخين ولد صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْتُومًا مَسْرُورا ففرح بِهِ عبد الْمطلب وحظى عِنْده وَقَالَ لَيَكُونن لِابْني هَذَا شَأْن عَظِيم وَكَانَ شَأْن واي شَأْن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخلق الله من الْأَنْبِيَاء أَرْبَعَة عشر مختونين وهم دم وشيت ونوح وَهود وَصَالح وَلُوط وَشُعَيْب ويوسف ومُوسَى وَسليمَان وزَكَرِيا ويحي وحَنْظَلَة بن صَفْوَان - من أَصْحَاب الرُّسُل - وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأولُوا الْعَزْم من الرُّسُل خَمْسَة وهم نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى وَنَبِينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل غير ذَلِك وَأول الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام آدم وأخرهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن الْأَنْبِيَاء أَرْبَعَة سريانيون وهم أَدَم وشيث واخنوخ - وَهُوَ إِدْرِيس وَهُوَ أول من خطّ بالقلم - نوح وَأَرْبع من الْعَرَب هُوَ هود وَشُعَيْب وَصَالح وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأول أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل مُوسَى وأخرهم عِيسَى

وَأما أسماؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهِيَ ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ اسْما؟ ً مُحَمَّد وَأحمد والماحي والحاشر والعقب والمقفي وَنَبِي الرَّحْمَة وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الْمَلَاحِم وَالشَّاهِد والبشير والنذير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى وَالرَّسُول وَالنَّبِيّ الْأُمِّي والقثم قَالَه ابْن الْجَزرِي وَذكر غَيره أَسمَاء كَثِيرَة مِنْهَا طه وَيس والمزمل والمدثر وَالرَّسُول وَله أَسمَاء غير ذَلِك , وَفِيمَا ذكرته كِفَايَة طلبا للاختصار وَأول من أَرْضَعَتْه صل الله عَلَيْهِ وَسلم ثويبة بِلَبن ابْن لَهَا يُقَال لَهُ مسروح أَيَّامًا وَكَانَت أرضعت قبله حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَهُوَ عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَخُوهُ فِي الرضَاعَة ثمَّ قدمت حليمة إِلَى مَكَّة فَأَخَذته وَمَضَت بِهِ إِلَى بلادها وَهِي بادية بني سعد وَأَتَاهُ الْملكَانِ هُنَاكَ فشقا بَطْنه واستخرجا علق سَوْدَاء فطرحاها وغسلا بَطْنه بِمَاء الثَّلج فِي طست من ذهب والقصة الْمَشْهُورَة فَلَمَّا علمت حليمة بذلك رجعت بِهِ إِلَى مَكَّة لأَهله وَهُوَ ابْن خمس وَتوفيت أمه آمِنَة وَله سِتّ سِنِين وَلما صَار لرَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَا عشر سنة وشهران ارتحل بِهِ أَبُو طَالب إِلَى الشَّام فَلَمَّا نزل ببصر من أَرض الشَّام وَبهَا رَاهِب يُقَال لَهُ بحيرا فِي صومعة فَرَأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وغمامة تظله من بَين الْقَوْم وَرَأى فِيهِ إمارات النُّبُوَّة بشرر بِهِ وَقَالَ لأبي طَالب إِن لِابْنِ أَخِيك شَأْنًا عَظِيما وشب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ وَكَانَ أعظم النَّاس مرؤة وحلماً واحسنهم جَوَابا وأصدقهم حَدِيثا وأعظمهم أَمَانَة حَتَّى صَار اسْمه فِي قومه الْأمين لما جمع الله فِيهِ من الْأُمُور الصَّالِحَة وَفِي سنة خمس وَعشْرين من مولده تزوج خَدِيجَة بنت خويلد رَضِي الله عَنْهَا وَلها أَرْبَعُونَ سنة وَلم يتَزَوَّج غَيرهَا حَتَّى مَاتَت وَلم يتَزَوَّج بكرا غير عَائِشَة

وَولدت لَهُ خَدِيجَة أَوْلَاده كلهم إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة وَيَأْتِي ذكر مولده ووفاته وَبَقِيَّة أَوْلَاده من خَدِيجَة وهم زَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة الزهراء وَالقَاسِم وَبِه كَانَ يكنى توفى بِمَكَّة وَله من الْعُمر سنة والطاهر وَهُوَ عبد الله وَتوفى بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة قبل الْهِجْرَة وَالطّيب توفى بِمَكَّة وَأما بَنَاته فكلهن أدركن الْإِسْلَام فأسلمن وهاجرن مَعَه فرقية مَاتَت فِي سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة وَزَيْنَب فِي سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وَأم كُلْثُوم مَاتَت بعد مرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حجَّة الْوَدَاع وَفَاطِمَة مَاتَت بعد رَسُول الله (ص) بِسِتَّة أشهر وَقيل أقل من ذَلِك وَرُوِيَ أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أسقطت سقطا اسْمه عبد الله وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ من مولده (ص) هدمت قُرَيْش الْكَعْبَة وَكَانَ سَبَب هدمها إِنَّهَا كَانَت قَصِيرَة الْبناء فأرادوا رَفعهَا وسقفها فهدموها ثمَّ بنوها حَتَّى بلغ الْبُنيان مَوضِع الْحجر الْأسود فاختصموا فِيهِ لِأَن كل قبيل أَرَادَت رَفعه إِلَى مَوْضِعه ثمَّ اتَّفقُوا على أَن يحكموا أول دَاخل من بَاب الْحرم وَكَانَ أول من دخل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَذَا الْأمين رَضِينَا بِهِ وَأَخْبرُوهُ الْخَبَر فَقَالَ هلموا إِلَيّ ثوبا فَأتي بِهِ فَأخذ الْحجر فَوَضعه فِيهِ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ لتأْخذ كل قَبيلَة نَاحيَة من الثَّوْب ثمَّ ارفعوه جَمِيعًا فَفَعَلُوا فَلَمَّا بلغُوا بِهِ مَوْضِعه وَضعه بِيَدِهِ الشَّرِيفَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَتموا بِنَاء الْكَعْبَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (ذكر مبعثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وابتدأ الْوَحْي إِلَيْهِ) بعث رَسُول الله (ص) وَنزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لثماني عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان وَأول مَا بَدَأَ بِهِ من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء وَكَانَ يَخْلُو

بِغَار حراء فيتعبد فِيهِ فَجَاءَهُ الْملك واقرأه كَمَا فِي الحَدِيث الشريف والقصة الْمَشْهُورَة فَعَاد إِلَى خَدِيجَة وأخبرها الْخَبَر فَانْطَلَقت بِهِ أَتَت ورقة بن نَوْفَل فَأَخْبَرته خبر مَا رأى فَقَالَ لَهُ ورقة هَذَا الناموس الَّذِي أنزلهُ الله عل مُوسَى يأتيني فِيهَا جذعاً لَيْتَني اكوني حَيا إِذْ يخْرجك قَوْمك فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مخرجي هم؟ قَالَ نعم لم يَأْتِ رجل بِمثل مَا جِئْت بِهِ إِلَّا عودي وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزراً ثمَّ لم يلبث ورقة أَن توفى وفتر الْوَحْي ثمَّ كَانَ أول مَا نزل عَلَيْهِ من الْقرن بعد (اقْرَأ باسم رَبك) (نون والقلم وَمَا يسطرون) و (يَا أَيهَا المدثر) (وَالضُّحَى) وَأول من بِهِ من النِّسَاء خَدِيجَة زَوجته ثمَّ أول شَيْء فرض الله عَلَيْهِ الله عَلَيْهِ من شرائع الْإِسْلَام - بعد الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ والبراءة من الْأَوْثَان - الصَّلَاة أَتَاهُ جِبْرِيل فَعلمه الْوضُوء وَالصَّلَاة ورميت الشَّيَاطِين بِالشُّهُبِ لمبعثه واسلم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ عمره إِحْدَى عشرَة سنة ثمَّ أسلم زيد بن حَارِثَة ثمَّ أسلم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَقيل إِنَّه أول من أسلم وَأسلم عَليّ عل يَده عُثْمَان بن عَفَّان وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة بن عبيد الله فجَاء بهم إِلَى رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم ف , , , , ` ,] أسلم بعدهمْ من أسلم وَأمر الله سُبْحَانَهُ وتعال نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مبعثه بِثَلَاث سِنِين أَن يصدع بِمَا يُؤمر وَأَن يظْهر دَعوته وَكَانَ قبل ذَلِك فِي السنين الثَّلَاث مستتراً بدعوته لَا يظهرها إِلَّا إِلَى من يَثِق بِهِ وَكَانَ أَصْحَابه إِذا أَرَادوا الصَّلَاة ذَهَبُوا إِلَى الشعاب فاستخفوا ثمَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدع بِأَمْر الله تعال وَأمر قومه بِالْإِسْلَامِ فَكَانَ الْمُشْركُونَ يحصل مِنْهُم الضَّرَر للمستضعفين من الْمُسلمين فَمن

لَا عشيرة لَهُ تَمنعهُ يعذبونه بالقائه فِي الرمضاء على ظَهره وَقت الظهيرة وبإلقاء الصَّخْرَة الْعَظِيمَة عل صَدره وَيُقَال لَهُ لَا تزَال هَكَذَا حَتَّى تَمُوت أَو تكفر بِمُحَمد وَتعبد اللات والعزى وَكَانُوا يَفْعَلُونَ بهم غير ذَلِك من أَنْوَاع التعذيب وَمن الْمُسلمين من مَاتَ من فعل الْمُشْركين وَكَانَ بعض الْمُشْركين يُؤْذِي رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم ويستهزئ بِهِ ثمَّ اسْلَمْ حَمْزَة عَم النَّبِي (ص) فَعرفت قُرَيْش أَن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم قد عز وَامْتنع فكفوا عَن بعض مَا كَانُوا ينالون مِنْهُ ثمَّ أسلم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فأعز الله بِإِسْلَامِهِ الدّين وَقَالَ يَا رَسُول الله أَلسنا عل الْحق؟ قَالَ أَي وَالِدي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ قَالَ أما وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لَا يعبد الله بعد الْيَوْم إِلَّا جَهرا فأظهر الله الدّين بإيمانه (الْهِجْرَة الأولى) لما رأ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُصِيب أَصْحَابه من الْبلَاء أَمرهم أَن يخرجُوا إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَخرج جمَاعَة مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان وَزَوجته رقية بنت رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدمُوا على النَّجَاشِيّ وَكَانَ ملكا عادلاً اسْمه أَصْحَمَة ومهناه بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة فأكرمهم وَأَقَامُوا عِنْده بِخَير ثمَّ أسلم النَّجَاشِيّ بعد ذَلِك وَكَانَ السَّبَب فِي ولَايَته عَلَيْهِم بعد قتل أَمِير الْحَبَشَة أَن أَبَاهُ كَانَ أَمِيرا عَلَيْهِم فكرهوه وَكَانَ لَهُ أَخ فقصدوا ولَايَته عَلَيْهِم بعد قتل أَخِيه فَقَتَلُوهُ وقصدوا قتل النَّجَاشِيّ فَقَالَ لَهُم عَمه أَنْتُم قتلتم أَبَاهُ وتقتلوه وأخرجوه من بِلَادكُمْ فَأَخَذُوهُ إِلَى الْبَحْر فَرَأَوْا سفينة فباعوه وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ فوجدوا عَمه مَاتَ فَقَالُوا ذَلِك من الْخَطِيئَة النَّجَاشِيّ فأدركوه وَأتوا بِهِ ليَكُون أَمِيرا مَكَان أَبِيه فجاؤا بِهِ أَمِيرا مَكَان أَبِيه فَأول مَا حكم إِن الَّذين اشتروه قَالُوا إِن

هَؤُلَاءِ باعونا عبدا وأخذوه منا فَقَالَ لَهُم إِمَّا أَن تعطوهم مَا أَخَذْتُم مِنْهُم وَأما أَن تسلموهم عبدهم فَهَذَا أول حكمه فيهم ثمَّ بعد ذَلِك وَقع من الْحَبَشَة تعصب عل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ إِن هَؤُلَاءِ لَهُم دين غير ديننَا فَأرْسل وَرَاءَهُمْ وَقَالَ لَهُم مَا تَقولُونَ فِي عيس ابْن مَرْيَم؟ فَقَالُوا نؤمن ونصدقه فِيمَا جَاءَ بِهِ فَقَالَ للحبشة مَا تَقولُونَ فِي نَبِيّهم؟ فَلم يُؤمنُوا بِهِ فَقَالَ لَهُم هَؤُلَاءِ يُؤمنُونَ بنبيكم وَأَنْتُم لَا تؤمنون بِنَبِيِّهِمْ فَأَنت الْآن ظلمَة فَكل مِنْكُم عل دينه وَلَا أحد مِنْكُم يُعَارض هَؤُلَاءِ فاستمروا فِي بِلَاده مُدَّة وعادوا إِلَى أوطانهم وَمَات النَّجَاشِيّ فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ الْيَوْم رجل صَالح فصلوا عل أخيكم اصمحة فصل عَلَيْهِ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه (أَمر الصَّحِيفَة) وَلما رأى الْمُشْركُونَ أَن الْإِسْلَام يَنْمُو وَيزِيد ائْتَمرُوا أَن يكتبوا بَينهم كتابا يتعاقدون فِيهِ على أَن لَا ينكحوا بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب وَلَا ينكحوا مِنْهُم وَلَا يبيعوهم وَلَا يبتاعوا مِنْهُم فَكَتَبُوا بذلك صحيفَة وعلقوها فِي جَوف الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَأَقَامُوا عل ذَلِك سنتَيْن أَو ثَلَاثًا هَذَا وَرَسُول الله (ص) يَدْعُو النَّاس سرا وجهراً وَالْوَحي يتتابع ثمَّ قَامَ نفر من قُرَيْش وتعاهدوا على نقض الصَّحِيفَة وَوَقع بَينهم خلاف فَقَامَ مطعم بن عدي إِلَى الصَّحِيفَة ليشقها فَوجدَ الأرضة قد أكلتها إِلَّا مَا كَانَ (بِاسْمِك اللَّهُمَّ) كَانَت قُرَيْش تستفتح بهَا كتابها وأكلت الأَرْض مَا فِيهَا من ظلم وَقطع رحم وَتركت مَا فِيهَا من اسْم الله تَعَالَى وَكَانَ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بذلك فَاجْتمع قُرَيْش وأحضروا الصَّحِيفَة فوجدوا الْأَمر كَمَا قَالَه فنكسوا رُؤْسهمْ وَاتفقَ جمَاعَة من قُرَيْش وَنَقَضُوا

مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ فِي الصَّحِيفَة من قطيعة بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب وَالله أعلم (قصَّة الْمِعْرَاج وَمَا وَقع لنبينا مُحَمَّد (ص) لَيْلَة الْإِسْرَاء بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) لما بعث الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَأمره بِإِظْهَار دينه وأيده بالمعجزات الظاهرات والآيات الباهرات أسرى بِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى - وَهُوَ بَيت الْمُقَدّس من ايليا - وَقد فَشَا الْإِسْلَام فِي قُرَيْش وَفِي الْقَبَائِل كلهَا وَكَانَ الْإِسْرَاء لَيْلَة سبع عشرَة من ربيع الأول قبل الهجر بِسنة وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد قيل كَانَ فِي لَيْلَة سبع وَعشْرين من شهر رَجَب وَاخْتلف النَّاس فِي الْإِسْرَاء برَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل إِنَّمَا كَانَ جَمِيع ذَلِك فِي الْمَنَام وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ النَّاس ومعظم السّلف وَعَامة الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء والمحدثين والمتكلمين إِنَّه أسرى بجسده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقظه لِأَن قَوْله تَعَالَى (وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس) تدل على ذَلِك وَلَو كَانَت رُؤْيا نوم مَا افْتتن بهَا النَّاس حَتَّى ارْتَدَّ كثير مِمَّن كَانَ أسلم وَقَالَ الْكفَّار يزْعم مُحَمَّد إِنَّه أَتَى بَيت الْمُقَدّس وَرجع إِلَى مَكَّة فِي لَيْلَة وَاحِدَة وَالْعير تطرد إِلَيْهِ شهرا مقبلة وشهراً مُدبرَة فَلَو كَانَت رُؤْيا نوم لم يستبعد ذَلِك مِنْهُ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هِيَ رُؤْيا عين رَآهَا النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم لَا رُؤْيا مَنَام قَالَ الله تعال (مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طغ اضاف الْأَمر لِلْبَصَرِ وَقَالَ تعال (مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى) أَي لم يُوهم الْقلب الْعين غير الْحَقِيقَة بل صدق رؤيتها وَاخْتلف السّلف وَالْخلف هَل رأى نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه لَيْلَة الْإِسْرَاء فأنكرته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّه قَالَ رأه بِعَيْنيهِ وَمثله عَن أبي ذَر

وَكَعب وَالْحسن وَكَانَ يحلف على ذَلِك وَحكي مثله عَن ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَالْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وحك النقاش عَن الإِمَام أَحْمد إِنَّه قَالَ أَنا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس بِعَيْنيهِ رَآهُ رَآهُ رَآهُ حَتَّى انْقَطع نفس الإِمَام أَحْمد وَاخْتلفُوا فِي أَن نَبينَا مُحَمَّد صل الله عَلَيْهِ وَسلم هَل كلم ربه عز وَجل لَيْلَة الْإِسْرَاء فَذكر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق إِنَّه قَالَ أوحى الله إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَة وَإِلَى هَذَا ذهب بعض الْمُتَكَلِّمين وَقَالَ إِن مُحَمَّدًا كلم ربه فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء وحكموه عَن أبي عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَاخْتلف فِي الْمَكَان الَّذِي أسرى ربه مِنْهُ فَروِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ بَينا أَنَام فِي بَيت أم هاني بنت أبي طَالب - وَفِي رِوَايَة بَيْنَمَا أَنا فِي الْحطيم وَرُبمَا قَالَ فِي الْحجر مُضْطَجعا وَمِنْهُم من قَالَ بَيْنَمَا أَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان وَكَانَت لَيْلَة الِاثْنَيْنِ إِذْ هَبَط عَليّ الْأمين جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَذكر الْقِصَّة وَكَانَ من حَدِيث الْمِعْرَاج الشريف مَا ري عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ أتيت بِالْبُرَاقِ - وَهُوَ دَابَّة أَبيض طَوِيل فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل يضع حَافره عِنْد مُنْتَهى طرفه - قَالَ فركبته حَتَّى أتيت بَيت الْمُقَدّس فربطته بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا الْأَنْبِيَاء ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فَصليت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَة فَلَمَّا دخلت الْمَسْجِد إِذا أَنا بالأنبياء وَالْمُرْسلِينَ قد حشروا إِلَيّ من قُبُورهم ومثلوا لي وَقد قعدوا صُفُوفا صُفُوفا ينتظرونني فَسَلمُوا عَليّ فَقلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ الْقَوْم؟ قَالَ إخوانك الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ زعمت قُرَيْش إِن الله شَرِيكا وَزَعَمت النَّصَارَى إِن لله ولدا اسْأَل هَؤُلَاءِ النَّبِيين هَل كَانَ لله شريك؟ ثمَّ قَرَأَ (واسأل من أرسلنَا قبلك من رسلنَا أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ) قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْحسن بن مُحَمَّد بن حبيب الْمُفَسّر فِي كتاب النزيل لَهُ إِن هَذِه الْآيَة نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَيْت الْمُقَدّس لَيْلَة الْإِسْرَاء وَقد

عدهَا غَيره من الْعلمَاء فِي الشَّامي وَالَّذِي قَالَه أَبُو الْقَاسِم أخص مِمَّا ذَكرُوهُ فَلَمَّا نزلت وسمعها الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام اقروا لله عز وَجل بالوحدانية قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ جمعهم جِبْرِيل وقدمني فَصليت بهم رَكْعَتَيْنِ قَالَ (ص) ثمَّ خرجت فَجَاءَنِي جِبْرِيل باناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللَّبن فَقَالَ جِبْرِيل اخْتَرْت الْفطْرَة ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل من أَنْت؟ قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك؟ قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل وَقد بعث إِلَيْهِ؟ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا بِدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل من أَنْت؟ قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك؟ قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل وَقد بعث إِلَيْهِ؟ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا أَنا ببني الْخَالَة عِيسَى بن مَرْيَم ويحي بن زَكَرِيَّا (ع) فرحبا بِي ودعوا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة - فَذكر مثل الأول - فَفتح لنا فَإِذا أَنا بِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذا هُوَ قد أعطي شطر الْحسن فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة - وَذكر مثله - فَإِذا أَنا بِإِدْرِيس فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة - فَذكر مثله - فَإِذا أَنا بهَارُون فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة - فَذكر مثله - فَإِذا أَنا بمُوسَى فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة - فَذكر مثله - فَإِذا أَنا بإبراهيم مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذا هُوَ يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ ثمَّ ذهب بِي إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى وَإِذا وَرقهَا كآذان الفيلة وَإِذا ثَمَرهَا

كالقلال قَالَ فَلَمَّا غشيها الله من أمره مَا غشيها تَغَيَّرت فَمَا أحد من خلق الله يَسْتَطِيع أَن ينعتها من حسنها فَأوحى الله إِلَى مَا أوحى فَفرض عَليّ خمسين صَلَاة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة فَنزلت إِلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فرض رَبك عَلَيْك وعَلى أمتك؟ قلت خمسين صَلَاة قَالَ إرجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فَإِنِّي بلوت بني إِسْرَائِيل وخبرتهم قَالَ فَرَجَعت إِلَى رَبِّي فَقلت يَا رب خفف عَن أمتِي فحط عني خمْسا فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقلت حط عني خمْسا قَالَ إِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فإرجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف قَالَ فَلم أزل أرجع بَين رَبِّي تَعَالَى وَبَين مُوسَى حَتَّى صَارَت خمس صلوَات قَالَ إِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فإرجع إِلَى رَبك فأسأله التَّخْفِيف قَالَ يَا مُحَمَّد إنَّهُنَّ خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة لكل صَلَاة عشر فَتلك خَمْسُونَ صَلَاة وَمن هم بحسنة وَلم يعملها كتبت لَهُ حَسَنَة فَإِن عَملهَا كتبت لَهُ عشرا وَمن هم بسيئة فَلم يعلمهَا لم تكْتب شَيْئا فَإِن عَملهَا كتبت سَيِّئَة وَاحِدَة قَالَ فَنزلت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَّا مُوسَى فَأَخْبَرته فَقَالَ إرجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت قد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى استحييت مِنْهُ وَفِي رِوَايَة يَا مُوسَى قد وَالله استحييت من رَبِّي مِمَّا اخْتلف إِلَيْهِ قَالَ بِسم الله فاهبط قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حَملَنِي حَتَّى أنزلني عل جبل بَيت الْمُقَدّس وَإِذا أَنا بِالْبُرَاقِ وَاقِف عل حَاله فِي مَوْضِعه فسميت الله واستويت عل ظَهره فَمَا كَانَ بأسرع من أَن أشرفت على مَكَّة وَمَعِي جِبْرِيل قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ صَبِيحَة لَيْلَة الْإِسْرَاء أَصبَحت بِمَكَّة متحيراً فِي أَمْرِي وعملت أَن النَّاس يكذبوني فَقَعَدت مُعْتَزِلا حَزينًا إِلَى نَاحيَة من نواحي الْمَسْجِد فمرر بِي أَبُو جهل عَدو الله فجَاء حَتَّى جلس إِلَيّ فَقَالَ - كالمستهزي -

هَل كَانَ من شَيْء يَا مُحَمَّد؟ فَقلت نعم قَالَ وَمَا هُوَ؟ قلت إِنِّي اسري اللَّيْلَة قَالَ إِلَى أَيْن؟ قلت إِلَى بَيت الْقُدس قَالَ ثمَّ أَصبَحت بَين أظهرنَا؟ قلت نعم فَقَالَ أَبُو جهل يَا معشر قُرَيْش يَا معشر بني كَعْب يَا معشر بني لؤَي هلموا فانقضت الْمجَالِس وجاؤا حَتَّى جَلَسُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو جهل حدث قَوْمك يَا مُحَمَّد بِمَا حَدثنِي فَقَالَ رَسُول الله (ص) إِنِّي أسرِي بِي اللَّيْلَة قَالُوا إِلَى أَيْن؟ قَالَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالُوا ثمَّ أَصبَحت بَين أظهرنَا؟ قَالَ نعم فبقى مِنْهُم المتعجب وَمِنْهُم المصفق وَمِنْهُم الْوَاضِع يَده عل أم رَأسه ثمَّ قَالُوا هَل تَسْتَطِيع أَن تنْعَت لنا بَيت الْمُقَدّس؟ قلت نعم قَالَ فَذَهَبت أنعته حَتَّى الْتبس عَليّ بعض النَّعْت لكوني دَخلته لَيْلًا فجيء بِالْمَسْجِدِ انْظُر إِلَيْهِ حَتَّى وضع دون دَار عقيل فَجعلت انْظُر إِلَيْهِ وَأخْبرهمْ عَن آيَاته قَالَ صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَآيَة ذَلِك إِنِّي مَرَرْت بِغَيْر بني فلَان بوادي كَذَا وَكَذَا فنفرهم حس الدَّابَّة فندلهم بعير فدللتهم عَلَيْهِ ثمَّ أَقبلت حَتَّى إِذا كنت بضجنان مَرَرْت بعير بني فلَان فَوجدت الْقَوْم نياماً وَلَهُم إِنَاء فِيهِ مَاء قد غطوا عَلَيْهِ بِشَيْء فَكشفت غطاءه وشربت مَا فِيهِ ثمَّ غطيت عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَإِن عيرهم الْآن تصوب من الْبَيْضَاء ثنية التَّنْعِيم يقدمهَا جمل أَوْرَق عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ أحداهما سَوْدَاء وَالْأُخْرَى برقاء فابتدر الْقَوْم الثَّنية فَلم يلقهم أَولا إِلَّا الْجمل الَّذِي وصف لَهُم وسألوهم عَن الْإِنَاء فَأَخْبرُوهُمْ إِنَّهُم وضعوه مَمْلُوء مَاء ثمَّ غطوه وَإِنَّهُم افتقدوه من اللَّيْل فوجدوه كَمَا غطوه وَلم يَجدوا فِيهِ مَاء وسألوا الْقَوْم الَّذين ندلهم الْبَعِير فَقَالُوا صدق وَالله لقد ند لنا بعير بالوادي الَّذِي ذكره فسمعنا صَوت رجل يَدْعُونَا إِلَيْهِ وَإنَّهُ لأشبه الْأَصْوَات بِصَوْت مُحَمَّد بن عبد الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَجِئْنَا حَتَّى أخذناه وَذهب النَّاس إِلَى أبي بكر فَقَالُوا هَل لَك يَا أَبَا بكر فِي صَاحبك إِنَّه يزْعم إِنَّه د جَاءَ هَذِه اللَّيْلَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَصلى فِيهِ وَرجع إِلَى مَكَّة

فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَالله لَئِن كَانَ قَالَ لكم ذَلِك لقد صدق فَمَا تعجبكم من ذَلِك فو الله إِنَّه ليخبرنا عَن الْوَحْي من الله يَأْتِيهِ من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فِي سَاعَة وَاحِدَة من ليل أَو نَهَار فنصدقه فَهَذَا أبعد مِمَّا تعْجبُونَ مِنْهُ ثمَّ أقبل حَتَّى انْتهى إِلَى رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا نَبِي الله أحدثت هَؤُلَاءِ إِنَّك جِئْت بَيت الْمُقَدّس هَذِه اللَّيْلَة؟ قَالَ نعم قَالَ صدقت فصفه لي يَا نَبِي الله فَإِنِّي جِئْته قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع لي حَتَّى نظرت إِلَيْهِ وَجعل يصفه لأبي بكر وَهُوَ يَقُول صدقت أشهد أَنَّك رَسُول الله حَتَّى انْتهى فَقَالَ رَسُول الله (ص) وَأَنت يَا أبي بكر الصّديق فَسُمي من ذَلِك صديقا قَالَ الله تَعَالَى (وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون) ثمَّ أنزل الله سُورَة النَّجْم تَصْدِيقًا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ توفى أَبُو طَالب عَم رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَدِيجَة رَضِي الله عَنْهُمَا قبل الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَمَاتَتْ خَدِيجَة قبل الْهِجْرَة الشَّرِيفَة بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَقيل بِخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا وَقيل بِثَلَاثَة أَيَّام فعظمت الْمُصِيبَة عل رَسُول الله (ص) بموتهما وَقَالَ مَا نالتني قُرَيْش بِشَيْء أكرهه حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالب وَذَلِكَ إِن قُريْشًا وصلوا من إيذائه بعد موت أبي طَالب إِلَى مَا لم يَكُونُوا يصلونَ إِلَيْهِ فِي حَيَاته وَتزَوج بعد خَدِيجَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَلها تسع سِنِين وَتزَوج بسودة وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قبائل الْعَرَب يلْتَمس مِنْهُم نصرته وَالْقِيَام مَعَه على من يُخَالِفهُ ويدعوهم إِلَى الله فَلم يُجِيبُوهُ (ابْتِدَاء أَمر الْأَنْصَار) وَلما أَرَادَ الله إِظْهَار دينه خرج رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَوْسِم فَعرض نَفسه عل الْقَبَائِل كَمَا كَانَ يفعل فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْد الْعقب إِذْ لَقِي رهطاً من الْخَزْرَج فَدَعَاهُمْ إِلَى الله تَعَالَى فَأَجَابُوهُ وَصَدقُوهُ وَانْصَرفُوا رَاجِعين إِلَى بِلَادهمْ فَلَمَّا قدمُوا الْمَدِينَة

ذكرُوا لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعوا قَومهمْ إِلَى الْإِسْلَام حَتَّى فَشَا فيهم (بيعَة الْعقبَة الأولى) فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل وافى الْمَوْسِم من الْأَنْصَار اثْنَا عشر رجلا فَلَقوهُ بِالْعقبَةِ فَبَايعُوهُ أَن لَا يشركوا بِاللَّه وَلَا يسرقوا وَلَا يزنوا وَلَا يقتلُوا أَوْلَادهم وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر وَأمره أَن يُقْرِئهُمْ الْقرن وَيُعلمهُم الْإِسْلَام فَنزل بِالْمَدِينَةِ (بيعَة الْعقبَة الثَّانِيَة) وَلما فَشَا الْإِسْلَام فِي الْأَنْصَار اتّفق جمَاعَة مِنْهُم على الْمسير إِلَى رَسُول الله (ص) مستخفين فَسَارُوا فِي ذِي الْحجَّة مَعَ كفار قَومهمْ واجتمعوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووعدوه أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق بِالْعقبَةِ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل خَرجُوا حَتَّى اجْتَمعُوا بِالْعقبَةِ وهم سَبْعُونَ رجلا مَعَهم امْرَأَتَانِ وجاءهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايعُوهُ فَتكلم رَسُول الله (ص) وتلا الْقُرْآن ثمَّ قَالَ أُبَايِعكُم على أَن تَمْنَعُونِي مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ نساءكم وَأَوْلَادكُمْ وَدَار الْكَلَام بَينهم واستوثق كل فريق من الآخر ثمَّ سَأَلُوا رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا إِن قتلنَا دُونك مَا لنا؟ قَالَ لكم الْجنَّة قَالُوا فابسط يدك فَبسط يَده فَبَايعُوهُ ثمَّ رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ قدومهم فِي ذِي الْحجَّة فَأَقَامَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم بَقِيَّة ذِي الْحجَّة وَالْمحرم وصفر وَالله أعلم (ذكر الْهِجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام) وَهِي ابْتِدَاء التَّارِيخ الإسلامي أما لَفظه التَّارِيخ فَإِنَّهَا محدثة فِي لُغَة الْعَرَب لِأَنَّهُ لفظ مُعرب من ماه روز لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قصد التَّوَصُّل إِلَى الضَّبْط من رسوم الْفرس فَاسْتَحْضر الهر مزان وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ إِن لنا بِهِ حسابا نُسَمِّيه

مَا مروز وَمَعْنَاهُ حِسَاب الشُّهُور وَالْأَيَّام فعربوا الْكَلِمَة فَقَالُوا مؤرخ ثمَّ جعلُوا اسْمه التَّارِيخ واستعملوه ثمَّ طلبوه يجعلونه أَولا لتاريخ دولة الاسلام وَاتَّفَقُوا عَليّ أَن يكون المبدأ سنة هَذِه الْهِجْرَة فَكَانَت هَذِه الْهِجْرَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة شرفها الله تَعَالَى وَقد تصرم من شهور هَذِه السّنة وأيامها الْمحرم وصفر وثملنية ايم من ربيع الأول فَلَمَّا عزموا عل تأسيس الْهِجْرَة رجعُوا التقهقري ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَجعلُوا مبدأ التَّارِيخ أول الْمحرم من هَذِه السّنة ثمَّ احصلوا من أول يَوْم الْمحرم إِلَيّ أخر يَوْم من عمر النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ سِنِين وشهرين وأياماً وَإِذا حسب عمره من الْهِجْرَة فَيكون قد عَاشَ بعْدهَا تسع سِنِين وَاحِد عشر شهرا واثنين وَعشْرين يَوْم واما التواريخ الْقَدِيم فَكَانَت الْأُمَم السالفة تؤرخ بالأحداث الْعِظَام وتملك الْمُلُوك فأرخوا بهبوط آدم ثمَّ بعث نوح ثمَّ بالطوفان وأرخ بَنو إِسْحَاق بِنَار إِبْرَاهِيم إِلَى يُوسُف وَمن يُوسُف إِلَى مبعث مُوسَى إِلَى ملك سُلَيْمَان بن دَاوُد ثمَّ بِمَا كَانَ من الكوائن وَمِنْهُم من أرخ بوفاة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ بِخُرُوج مُوسَى من مصر ببني إِسْرَائِيل ثمَّ بخراب بَيت الْمُقَدّس وَأما بَنو إِسْمَاعِيل فأرخوا بِبِنَاء الْكَعْبَة وَلم يزَالُوا يؤرخون بذلك حَتَّى تفَرقُوا وَكَانَ كل من خرج مِنْهُم من تهَامَة يؤرخ بِخُرُوجِهِ ثمَّ أَرخُوا بعام الْفِيل ثمَّ أَرخُوا بأيام الحروب وَكَانَت حمير يؤرخون بملوكهم التبابعة وَأما اليونان وَالروم فأرخوا بِظُهُور الاسكندر وَأما النبط فَكَانُوا يؤرخون بِملك بخت نصر وَأما الْمَجُوس فَكَانُوا يؤرخون بقتل دَارا وَظُهُور الاسكندر ثمَّ بِظُهُور ازدشير ثمَّ بِملك يزدجرد وَولد سيدنَا مُحَمَّد صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْعرب تؤرخ بعام الْفِيل وَلم يزل التَّارِيخ كَذَلِك إِلَى أَن ولي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الْخلَافَة فقرر الْأَمر أَن يؤرخوا بِهِجْرَة النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فَجعلُوا التَّارِيخ من الْمحرم أول عَام الْهِجْرَة

وَقد ورد فِي حَدِيث الْمِعْرَاج الشريف أَن جِبْرِيل قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أسرى بِهِ أنزل فصل هُنَا فَفعل فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْن صليت صليت بِطيبَة وإليها الْهِجْرَة وَأما مَا كَانَ من حَدِيث الْهِجْرَة فَإِن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فِي شهر ربيع الأول وَأمر أَصْحَابه بالمهاجر إِلَى الْمَدِينَة فَخرج جمَاعَة وتتابع الصَّحَابَة ثمَّ هَاجر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَأقَام النَّبِي (ص) بِمَكَّة ينْتَظر مَا يُؤمر بِهِ وتخلف مَعَه أَبُو بكر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وأجمعت قُرَيْش عل مكيدة يفعلونها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَجَّاهُ الله من مَكْرهمْ وَانْزِلْ عَلَيْهِ فِي ذَلِك (وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا) الْآيَة وَأمره بِالْهِجْرَةِ فَأمر عليا أَن يتَخَلَّف عَنهُ وَيُؤَدِّي مَا عِنْده من الودائع لأربابها ثمَّ خرج هُوَ وَأَبُو بكر إِلَى غَار ثَوْر - وَهُوَ جبل أَسْفَل مَكَّة فأقاما فِيهِ ثمَّ خرجا بعد ثَلَاثَة أَيَّام وتوجها إِلَى الْمَدِينَة وقدماها لاثني عشر لَيْلَة خلت من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَكَانَ يَوْم لاثْنَيْنِ الظّهْر فَنزل بقباء وَأقَام بهَا الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَأسسَ مَسْجِد قبَاء وَهُوَ الَّذِي نزل فِيهِ (لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم أَحَق أَن تقوم فِيهِ رجال) ثمَّ خرج من قبَاء يَوْم الْجُمُعَة وأدركته الْجُمُعَة فِي بني عَمْرو بن عَوْف فَصلاهَا فِي الْمَسْجِد الَّذِي بِبَطن الْوَادي وَكَانَت أول جُمُعَة صلاهَا بِالْمَدِينَةِ فولد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَهَاجَر يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقبض يَوْم الِاثْنَيْنِ وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مقَامه بِمَكَّة بعد أَن أوحى إِلَيْهِ فَقيل عشر سِنِين وَقيل ثَلَاث عشر سنة وَهُوَ الصَّحِيح وَلَعَلَّ الَّذِي قَالَ عشر سِنِين أَرَادَ بعد إِظْهَار الدعْوَة فَإِنَّهُ بَقِي ثَلَاث سِنِين يسرها وَالله أعلم

(ذكر بناء المسجد الشريف النبوي)

(ذكر بِنَاء الْمَسْجِد الشريف النَّبَوِيّ) (على صَاحبه أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام) ثمَّ أَن رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم رَحل من قبَاء يُرِيد الْمَدِينَة فَمَا مر على دَار من دور الانصار إِلَّا قَالُوا هَلُمَّ يَا رَسُول الله إِلَى الْعدَد وَالْعدة ويعترضون نَاقَته فَيَقُول خلوا سَبِيلهَا فَإِنَّهَا مأمورة حَتَّى انْتَهَت إِلَيّ مَوضِع مَسْجِد النَّبِي (ص) فبركت هُنَاكَ فَنزل عَنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخذ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ النَّاقة إِلَى بَيته وَكَانَ مَوضِع الْمَسْجِد مربداً للتمر لسهل وَسُهيْل ابْني عَمْرو - يتيمين فِي حجر أسعد بن زُرَارَة - فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَركت نَاقَته هَذَا إِن شَاءَ الله الْمنزل ثمَّ دَعَا الغلامين فساومهما المربد ليتخذه مَسْجِدا فَقَالَ لَا بل نهبه لَك يَا رَسُول الله فَأبى أَن يقبله مِنْهُمَا هبة حَتَّى ابتاعه مِنْهُمَا ثمَّ بناه مَسْجِدا وطفق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعَهم اللَّبن فِي بنائِهِ وَقيل بل كَانَ الْموضع لبني النجار وَكَانَ فِيهِ قُبُور الْمُشْركين وَخرب ونخل فَأَرَادَ النَّبِي (ص) أَن يَشْتَرِيهِ من بني النجار فَقَالَ لَهُم يَا بني النجار ثامنوني حائطكم فاقلوا لَا نطلب ثمنه إِلَّا إِلَى الله فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبور الْمُشْركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فَقطع قَالَ فصفوا النخيل قبل الْمَسْجِد وَجعلُوا عضاديته حِجَارَة وَجعلُوا ينقلون ذَلِك الصخر وهم يرتجزون وَرَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة ... فانصر الْأَنْصَار والمهاجرة) وَأقَام رَسُول الله (ص) عِنْد أبي أَيُّوب حَتَّى بنى مَسْجده ومساكنه وَكَانَ قبله يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكته الصَّلَاة وبناه هُوَ والمهاجرون وَالْأَنْصَار رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَكَانَ الْمَسْجِد الشريف على عهد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَبْنِيا بِاللَّبنِ

وسقفه الجريد وعمده خشب النّخل فَلم يزدْ أَبُو بكر فِيهِ شَيْئا وَزَاد فِيهِ عمر وبناه عل بُنْيَانه فِي عهد رَسُول الله (ص) بِاللَّبنِ والجريد وَأعَاد عمده خشباً ثمَّ غَيره عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته فَزَاد فِيهِ زِيَادَة كَثِيرَة وَبنى جِدَاره بِالْحِجَارَةِ المنقوشة والقصة وَجعل عمده من حِجَارَة منقوشة وسقفه بالساج ثمَّ صَارَت الْخلَافَة إِلَى الْوَلِيد بن عبد الْملك - الَّذِي عمر مَسْجِد دمشق - اسْتعْمل على الْمَدِينَة عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وَكتب إِلَيْهِ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ من الْهِجْرَة الشريف يَأْمُرهُ بهدم مَسْجِد رَسُول الله (ص) وَهدم بيُوت أَزوَاج النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم ورضى عَنْهُن وَأَن يدْخل الْبيُوت فِي الْمَسْجِد بِحَيْثُ تصير مساحة الْمَسْجِد مِائَتي ذِرَاع فِي مِائَتي ذِرَاع وَأَن يضع أَثمَان الْبيُوت من بَيت المَال فَأَجَابَهُ أهل الْمَدِينَة إِلَى ذَلِك وَقدم الصناع من عِنْد الْوَلِيد لعمارة الْمَسْجِد وتجرد لذَلِك عمر بن عبد الْعَزِيز وشيد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَأدْخل فِيهِ مَا حوله من الْمنَازل ثمَّ لما صَارَت الْخلَافَة لبني الْعَبَّاس ووليها الْمهْدي - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور - وسع الْمَسْجِد الشريف وَزَاد فِيهِ وَحمل إِلَيْهِ الْعمد الرخام وَرفع سقفه وألبس خَارج الْقَبْر الشريف الرخام وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَأمر بتقصير المنابر فِي الْبِلَاد وَجعلهَا بِمِقْدَار مِنْبَر رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد عمر فِي الْمَسْجِد الشريف جمَاعَة من مُلُوك الاسلام من الْخُلَفَاء والسلاطين وجددوا فِيهِ أَشْيَاء من المحاسن وَكَانَ قد احْتَرَقَ الْمَسْجِد الشريف فِي زمن الْملك الظَّاهِر بببرس رَحمَه الله فاهتم بعمارته وَوضع الدرابزينات حول الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَعمل فِيهِ منبراً وسقفه بِالذَّهَب ثمَّ فِي عصرنا جرى حَادِثَة وَهِي فِي لَيْلَة الثَّالِث عشر من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَقعت صَاعِقَة بِاللَّيْلِ فِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة احْتَرَقَ مِنْهَا الْمَسْجِد الشريف النَّبَوِيّ والحجرة الشَّرِيفَة وَجَمِيع مَا بِالْمَسْجِدِ الشريف من الْمَصَاحِف والكتب

وَغير ذَلِك ووردت الْأَخْبَار بذلك إِلَى السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباى وَكتب لأهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة محضراً بِمَا وَقع وجهزوه إِلَى الْقَاهِرَة فِي أسْرع وَقت وجزع النَّاس لذَلِك ثمَّ اهتم السُّلْطَان بعمارته وَأقَام فِي ذَلِك أعظم قيام وأنشأه وجدد عِمَارَته فَجَاءَت فِي غَايَة الْحسن وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَأما الْمَسْجِد الشريف فَلهُ أَرْبَعَة أَبْوَاب من جهتي الْمشرق وَالْمغْرب فَمن جِهَة الْمشرق بَاب جِبْرِيل وَبَاب النِّسَاء وَمن جِهَة الْمغرب بَاب السَّلَام وَبَاب الرَّحْمَة وَعَلِيهِ خمس مَنَابِر أَرْبَعَة قديمَة وَالْخَامِسَة مستجدة بمدرسة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَقد وقف السُّلْطَان الْمشَار إِلَيْهِ عل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أوقافاً كَبِيرَة أَكْثَرهَا عقارات بِالْقَاهِرَةِ ورتب قمحاً يحمل إِلَيْهَا فِي كل سنة يصرف لأَهْلهَا والواردين إِلَيْهَا وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة عِنْد انْتِهَاء الْمَسْجِد الشريف وَإِنَّمَا ذكرت هَذِه الْحَوَادِث هُنَا اسْتِطْرَادًا عل وَجه الِاخْتِصَار لتعلقها بِالْمَسْجِدِ الشريف ولنرجع إِلَى ذكر أَخْبَار الْهِجْرَة الشَّرِيفَة فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - وَلما أَقَامَ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فَفِي السّنة الأولى من هجرته (ص) بنى بعائشة رَضِي الله عَنْهَا فِي شهر ذِي الْقعدَة وَهِي بنت تسع سِنِين وفيهَا كَانَت المؤاخاة بَين الْمُسلمين آخى بَينهم رَسُول الله (ص) فَاتخذ هُوَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَخا وَصَارَ أَبُو بكر وخارجة بن زيد بن أبي زُهَيْر الْأنْصَارِيّ أَخَوَيْنِ وتواخى أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَسعد بن معَاذ وَعمر بن الْخطاب وعتبان بن مَالك وَطَلْحَة بن عبيد الله وَكَعب بن مَالك وَسَعِيد بن زيد وَأبي بن كَعْب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنْهُم وفيهَا كَانَت غَزْوَة الْأَبْوَاء وَهِي أول غَزَوَاته ثمَّ غَزْوَة بواط ثمَّ غَزْوَة الْعَشِيرَة ثمَّ دخلت السّنة الثَّانِيَة من الهجر الشريف عل صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام

وَكَانَ تَحْويل الْقبْلَة من صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس الشريف إِلَيّ الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ الله تَعَالَى (قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وحيثما كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره) وروى اللَّيْث عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ قَالَ لم يبْعَث الله مُنْذُ هَبَط دم إِلَى الأَرْض نَبيا إِلَّا جعل قبلته صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ إِن أول مَا نسخ من الْقُرْآن الْقبْلَة وَذَلِكَ أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه كَانُوا يصلونَ بِمَكَّة إِلَى الْكَعْبَة فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة أَمر الله تَعَالَى نبيه صل الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي نَحْو صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس ليَكُون أقرب إِلَى تَصْدِيق الْيَهُود إِيَّاه إِذا صل إِلَى قبلتهم مَعَ مَا يَجدونَ من نَعته فِي التَّوْرَاة فصلى بعد الْهِجْرَة الشَّرِيفَة سِتَّة عشر أَو سَبْعَة عشر شهرا إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ يحب أَن يُوَجه إِلَى الْكَعْبَة لِأَنَّهَا كَانَت قبْلَة أَبِيه إِبْرَاهِيم " ع " فَأنْزل الله عَلَيْهِ الْآيَة وَأمره باستقبال الكعب وَلما حولت الْقبْلَة كَانَ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ فِي بني سَلمَة وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ الظّهْر إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَقد صلى بِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ من صَلَاة الظّهْر فتحول فِي الصَّلَاة واستقبل الْمِيزَاب وحول الرِّجَال مَكَان النِّسَاء وَالنِّسَاء مَكَان الرِّجَال فَسمى ذَلِك الْمَسْجِد مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ وَعَن الْبَراء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى إِلَى بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر أَو سَبْعَة عشر شهرا وَكَانَ يُعجبهُ أَن تكون قبلته الْبَيْت؟ فَإِنَّهُ صل الله عَلَيْهِ وَسلم أول صَلَاة صلاهَا صَلَاة الْعَصْر وَصلى مَعَه قوم فَخرج رجل مِمَّن صلوا مَعَه فَمر على أهل مَسْجِد وهم رَاكِعُونَ فَقَالَ أشهد بِاللَّه لقد صليت مَعَ النَّبِي (ص) قبل مَكَّة فَدَارُوا كلهم وُجُوههم قبل الْبَيْت وَكَانَت الْيَهُود قد أيعجبهم إِذْ كَانَ يُصَلِّي قبل بَيت الْمُقَدّس وَلما ولى وَجهه قبل الْبَيْت أَنْكَرُوا ذَلِك؟

وَقَالَ الْبَراء فِي حَدِيثه هَذَا إِنَّه مَاتَ عل الْقبْلَة قبل أَن تحول رجال وَقتلُوا فَلم ندر مَا تَقول فيهم فَأنْزل الله عز وَجل (وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ إِن الله بِالنَّاسِ لرؤف رَحِيم) وَكَانَ تَحْويل الْقبل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء منتصف شهر شعْبَان وَقيل فِي رَجَب بعد زَوَال الشَّمْس قبل قتال بدر بشهرين من السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة عل صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وفيهَا - أَعنِي فِي السّنة الثَّانِيَة - فِي شعْبَان فرض صَوْم شهر رَمَضَان وَأمر النَّاس بِإِخْرَاج زَكَاة الْفطر قبل الْفطر بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ فصَام صل الله عَلَيْهِ وَسلم تسع رمضانات إِجْمَاعًا وفيهَا رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الْأنْصَارِيّ صُورَة الْأَذَان فِي النّوم وَورد بِهِ الْوَحْي وفيهَا تزوج عَليّ رَضِي الله عَنهُ بفاطمة بنت الرَّسُول صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ إِن الله سُبْحَانَهُ وتعال عقد عقد فَاطِمَة لعَلي فِي السَّمَاء فَنزل الْوَحْي بذلك فَجمع الصَّحَابَة لذَلِك وَأرْسل وَرَاء عَليّ بن أبي طَالب وَأخْبرهُ بالْخبر فعقد النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم عقد عَليّ عل فَاطِمَة فَقيل لعَلي أَو لم يَا عَليّ فَنزل بدرعه يَبِيعهُ فَعرفهُ عبد الرَّحْمَن فَاشْتَرَاهُ بِأَلف دِرْهَم وَدفعهَا لعَلي ثمَّ أوهبه الدرْع وفيهَا كَانَت غَزْوَة بدر الْكُبْرَى الَّتِي اظهر الله بهَا الدّين وسببها قتل عَمْرو ابْن الحضري وإقبال أبي سُفْيَان بن حَرْب فِي عير لقريش عَظِيمَة من الشَّام وفيهَا أَمْوَال كَثِيرَة فَانْتدبَ الْمُسلمُونَ بِأَمْر النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَرجُوا إِلَيْهِم فَبلغ أَبَا سُفْيَان ذَلِك فَبعث إِلَى مَكَّة وَأعلم قُريْشًا بذلك فَخرج الْمُشْركُونَ من مَكَّة وَكَانَ عدتهمْ تِسْعمائَة وَخمسين رجلا فيهم مائَة فرس وَخرج رَسُول الله (ص) من الْمَدِينَة وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر رجلا لم يكن فيهم إِلَّا فارسان وَكَانَت الْإِبِل سبعين يتعاقبون عَلَيْهَا وَنزل فِي بدر وَبني لَهُ عَرِيش وَجلسَ فِيهِ وَمَعَهُ أَبُو بكر

أَقبلت قُرَيْش لما رَآهُمْ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اللَّهُمَّ هَذِه قُرَيْش قد أَقبلت بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرهَا تكذب رَسُولك اللَّهُمَّ فَنَصرك الَّذِي وَعَدتنِي بِهِ وَلم يزل كَذَلِك والتقى الصفان وتزاحف الْقَوْم وَرَسُول الله (ص) مَعَه أَبُو بكر فِي الْعَريش وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُول اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد فِي الأَرْض اللَّهُمَّ أنْجز لي مَا وَعَدتنِي بِهِ وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ فَوَضعه أَبُو بكر عَلَيْهِ وخفق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ انتبه فَقَالَ أبشر يَا أَبَا بكر فقد أَتَى نصر الله ثمَّ خرج رَسُول الله (ص) من الْعَريش يحرض الْمُسلمين عل الْقِتَال وَأخذ حفْنَة من الْحَصَا وَرمى بهَا قُريْشًا وَقَالَ شَاهَت الْوُجُوه وَقَالَ لأَصْحَابه شدوا عَلَيْهِم فَكَانَت الْهَزِيمَة عل الْمُشْركين وَكَانَت الْوَقْعَة صَبِيحَة الْجُمُعَة لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان وَحمل عبد الله بن مَسْعُود رَأس أبي جهل بن هِشَام إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسجدَ شكرا لله تَعَالَى وَنصر الله نبيه بِالْمَلَائِكَةِ قَالَ تَعَالَى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي ممدد بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ وَمَا جعله الله إِلَّا بشرى ولتطمئن بِهِ قُلُوبكُمْ وَمَا النَّصْر إِلَّا من عبد الله إِن الله عَزِيز حَكِيم) وَكَانَ عدَّة قتل بدر من الْمُشْركين سبعين رجلا والأسرى كَذَلِك وَكَانَ من جملَة الأسرى الْعَبَّاس عَم رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما انْقَضى الْقِتَال أَمر النَّبِي (ص) بسحب الْقَتْلَى إِلَى القليب وَكَانُوا أَرْبَعَة وَعشْرين رجلا من صَنَادِيد قُرَيْش فقذفوا فِيهِ وَجَمِيع من اسْتشْهد من الْمُسلمين أَرْبَعَة عشر رجلا وَعَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت غيبته تِسْعَة عشر يَوْمًا وَمَاتَتْ ابْنَته رقية - زَوْجَة عُثْمَان - فِي غيبته وَكَانَ عُثْمَان تخلف فِي الْمَدِينَة بأَمْره صل الله عَلَيْهِ وَسلم لسببها

وفيهَا هلك أَبُو لَهب ثمَّ كَانَت غَزْوَة بني قينقاع - من الْيَهُود - وَأمر بإجلائهم ثمَّ كَانَت غَزْوَة السويق ثمَّ كَانَت غَزْوَة وقرقرة الكدر وقرقرة الكدر مَاء مِمَّا يَلِي جادة الْعرَاق إِلَى مَكَّة وَقتل كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ بِأَمْر النَّبِي (ص) ثمَّ دخلت السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وفيهَا كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير - من الْيَهُود - وَكَانَت عل رَأس سِتَّة أشهر من بدر فأجلاهم النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَحرق نخيلهم وفيهَا كَانَت غَزْوَة أحد وسببها وقْعَة بدر فَاجْتمع الْمُشْركُونَ وَكَانُوا ثَلَاثَة آلَاف فيهم سَبْعمِائة دارع وَمِائَتَا فَارس وَقَائِدهمْ أَبُو سُفْيَان وَسَارُوا من مَكَّة حَتَّى نزلُوا ذَا الحليفة مُقَابل الْمَدِينَة يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع مضين من شَوَّال وَخرج النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ألف من الصَّحَابَة إِلَى صَار بَين الْمَدِينَة وَأحد وَنزل الشّعب من أحد ثمَّ كَانَت الْوَقْعَة يَوْم السبت لسبع مضين من شَوَّال وعدة أَصْحَاب رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعمِائة وَفِيهِمْ مائَة دارع وَلم يكن مَعَهم من الْخَيل سو فرسين والتقى النَّاس ودنا بَعضهم من بعض وَقَامَت هِنْد بنت عتبَة فِي النسْوَة اللَّاتِي مَعهَا وضربن بِالدُّفُوفِ خلف الرِّجَال يحرضن الْمُشْركين على الْقِتَال وَحرب الْمُسلمين وَقَاتل مُصعب حَامِل لِوَاء رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ظن قَاتله إِنَّه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لقريش إِنِّي قتلت مُحَمَّدًا وَلما قتل مُصعب أعْط النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّايَة لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَانْهَزَمَ الْمُشْركُونَ فطمعت الرُّمَاة بِالْغَنِيمَةِ وفارقوا الْمَكَان الَّذِي أَمرهم النَّبِي (ص) بملازمته وَوَقع الصُّرَاخ أَن مُحَمَّدًا قتل وانكشف الْمُسلمُونَ وَأصَاب مِنْهُم الْعَدو

وَكَانَ يَوْم بلَاء عل الْمُسلمين وَكَانَ عدَّة الشُّهَدَاء مِنْهُم سبعين رجلا وعدة قتل الْمُشْركين اثْنَتَيْنِ وَعشْرين رجلا وَوصل الْعَدو إِلَى رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وأصابه حجارتهم حَتَّى وَقع وَأُصِيبَتْ رباعيته وشج وَجهه وَجعل الدَّم يسيل عل وَجهه وَهُوَ يَقُول كَيفَ يفلح قوم خضبوا وَجه نَبِيّهم وَهُوَ يَدْعُو إِلَى رَبهم فَنزل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ) وَدخلت حلقتان من الْمَغْفِرَة فِي وَجهه الشريف من الشَّجَّة وَنزع أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح أحد الحلقتين من وَجهه فَسَقَطت ثنيته الْوَاحِدَة ثمَّ نزع الْأُخَر فَسَقَطت ثنيته الْأُخَر ومثلت هِنْد وصواحبها بِالْقَتْلِ من الصَّحَابَة فجد عَن الآذان والأنوف وبقرت هِنْد عَن كبد حَمْزَة ولاكتها وَصعد زَوجهَا أَبُو سُفْيَان الْجَبَل وصرخ بأعل صَوته الْحَرْب سِجَال يَوْم بِيَوْم بدر أعل هُبل - أَي اظهر دينك - فَأَجَابَهُ الْمُسلمُونَ الله أَعلَى وَأجل وناد إِن مَوْعدكُمْ بدر الْعَام الْقَابِل فَقَالَ النَّبِي (ص) لوَاحِد قل هُوَ بَيْننَا وَبَيْنكُم ثمَّ التمس رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم عَمه حَمْزَة فَوَجَدَهُ وَقد بقر بَطْنه وجدع أَنفه وأذناه فَقَالَ لَئِن أظهرني الله عز وَجل عل قُرَيْش لأمثلهن بِثَلَاثِينَ مِنْهُم وجاءه جِبْرِيل فَأخْبرهُ إِن حَمْزَة مَكْتُوب من أهل السَّمَاوَات السَّبع حَمْزَة بن عبد الْمطلب أَسد الله وَأسد رَسُوله ثمَّ أَمر النَّبِي (ص) بِهِ فسجي بِبُرْدَةٍ ثمَّ صلى عَلَيْهِ وَكبر سبع تَكْبِيرَات ثمَّ أَتَى بالقتلى يوضعون إِلَى حَمْزَة فصل عَلَيْهِم وَعَلِيهِ اثْنَتَيْنِ وَسبعين صَلَاة وَهَذَا دَلِيل لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ يرى الصَّلَاة عل الشَّهِيد خلافًا للشَّافِعِيّ وَأحمد رَحِمهم الله تَعَالَى ثمَّ أَمر بِحَمْزَة فَدفن وَاحْتمل أنَاس من الْمُسلمين إِلَى الْمَدِينَة فدفنوا بهَا ثمَّ نَهَاهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ادفنوهم حَيْثُ صرعوا

وَأُصِيبَتْ عين قَتَادَة فَردهَا رَسُول الله (ص) بِيَدِهِ وَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ وَاسْتشْهدَ أنس بن النَّضر عَم أنس بن مَالك وَقد بلَى بلَاء حسنا وَفِيه نزلت (من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ) الْآيَة وفيهَا تزوج النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة بنت أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَبنى بهَا وَكَانَت تَحت خُنَيْس بن حذافة السَّهْمِي ثمَّ دخلت السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وفيهَا كَانَت غَزْوَة بدر الثَّانِيَة وَهِي فِي شعْبَان وفيهَا خرج النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر لميعاد أبي سُفْيَان وَخرج أَبُو سُفْيَان فِي أهل مَكَّة ثمَّ رَجَعَ وَرجعت قُرَيْش مَعَه وَانْصَرف رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ دخلت السّنة الْخَامِسَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وفيهَا كَانَت غَزْوَة الخَنْدَق وَهِي غَزْوَة الْأَحْزَاب وَكَانَت فِي شَوَّال وسببها أَن نَفرا من الْيَهُود حزبوا الْأَحْزَاب عل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدمُوا على قُرَيْش بِمَكَّة يَدعُونَهُمْ إِلَى حربه فَلَمَّا بلغ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك أَمر بِحَفر الخَنْدَق حول الْمَدِينَة وَعمل فِيهِ بِنَفسِهِ وَفرغ من الخَنْدَق وَأَقْبَلت قُرَيْش وَمن تبعها من بني قُرَيْظَة وَاشْتَدَّ الْبلَاء حَتَّى ظن الْمُؤْمِنُونَ كل الظَّن وَأقَام رَسُول الله (ص) وَالْمُشْرِكُونَ بضعاً وَعشْرين لَيْلَة لم يكن بَين الْقَوْم حَرْب إِلَّا الرَّمْي ثمَّ نصر الله نبيه (ص) عل الْمُشْركين وخذلهم وَاخْتلفت كلمتهم وَأهب الله ريح الصِّبَا كَمَا قَالَ تعال (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جَاءَكُم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً لم تَرَوْهَا) فَجعلت الرّيح تقلب أبنيتهم وتكفأ قدورهم وانقلبوا خاسرين فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْآن نغزوهم وَلَا يغزونا وكتان كَذَلِك حَتَّى فتح مَكَّة وفيهَا - أَي فِي ذِي الْقعدَة - كَانَت غَزْوَة بني قُرَيْظَة عقب عود النَّبِي (ص)

إِلَى الْمَدِينَة من غَزْوَة الخَنْدَق بِوَحْي من الله تعال نزل عل نبيه مُحَمَّد (ص) فَسَار إِلَيْهِم وحاصرهم خمْسا وَعشْرين لَيْلَة وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب ونزلوا على حكم رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد الحكم فيهم إِلَى سعد بن معَاذ فَحكم بقتل الْمُقَاتلَة وَسبي الذُّرِّيَّة وَالنِّسَاء وَقسم الْأَمْوَال ثمَّ رَجَعَ النَّبِي (ص) إِلَى الْمَدِينَة وَضرب أَعْنَاقهم وَكَانُوا سِتّمائَة أَو تِسْعمائَة وَقيل مَا بَين الثَّمَانمِائَة والسبعمائة ثمَّ قسم الْأَمْوَال والسبايا وَاصْطفى لنَفسِهِ رَيْحَانَة بنت شَمْعُون فَكَانَت فِي ملكه حَتَّى مَاتَ وَلم يستشهد فِي هَذِه الْغَزْوَة سو خَلاد بن زيد بن ثَعْلَبَة أَلْقَت عَلَيْهِ امْرَأَة من بني قُرَيْظَة رَحا شدخت رَأسه فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ اجْرِ شهيدين وقتلها بِهِ ثمَّ دخلت السّنة السَّادِسَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وفيهَا فِي شعْبَان كَانَت غَزْوَة بني المصطاق وَهِي غَزْوَة الْمُريْسِيع وَكَانَ فِي جملَة السي جوَيْرِية بنت الْحَارِث كَانَ اسْمهَا برة فسماها رَسُول الله (ص) جوَيْرِية وَكَانَت إِحْدَى أَزوَاجه وفيهَا كَانَت قصَّة الافك فرميت السيدة أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بالافك مَعَ صَفْوَان بن الْمُعَطل وَكَانَ صَفْوَان حصوراً لَا يَأْتِي النِّسَاء والقصة مَشْهُورَة فِي الحَدِيث الشريف وفيهَا نزلت ي التَّيَمُّم وفيهَا كَانَت غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة وَهِي إِن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من الْمَدِينَة فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ مُعْتَمِرًا يُرِيد حَربًا وسَاق الْهَدْي وَأحرم بِالْعُمْرَةِ وَسَار حَتَّى وصل إِلَى ثنية الزمار مهبط الْحُدَيْبِيَة أَسْفَل مَكَّة وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر وَوَقع من معجزاته نبع المَاء فِي ذَلِك الْمَكَان وتأهبت قُرَيْش لِلْقِتَالِ وبعثوا رسولهم إِلَى النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَبعث رَسُول الله (ص) عُثْمَان بن عَفَّان إِلَيْهِم يعلمهُمْ إِنَّه لم يَأْتِ لحب وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا

ومعظماً لهذاالبيت فَلَمَّا وصل غلأيهم امسكوه وحبسوه وَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتله فَدَعَا النَّاس إِلَى الْبيعَة فَكَانَت بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة فَبَايع النَّاس على الْمَوْت ثمَّ أَتَاهُ الْخَبَر إِن عُثْمَان لم يقتل ثمَّ وَقع الصُّلْح بَين رَسُول الله (ص) وَبَين قُرَيْش فَإِنَّهُم بعثوا سُهَيْل بن عَمْرو فِي الصُّلْح فَأجَاب النَّبِي (ص) ثمَّ دَعَا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ثمَّ قَالَ اكْتُبْ هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله فَقَالَ سُهَيْل لَو شهِدت إِنَّك رَسُول الله لم أقاتلك وَلَكِن اكْتُبْ اسْمك وَاسم أَبِيك فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم اكْتُبْ - هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله سُهَيْل بن عَمْرو على وضع الْحَرْب عَن النَّاس عشر سِنِين وَإنَّهُ من أحب أَن يدْخل فِي عقد مُحَمَّد وَعَهده دخل فِيهِ وَمن أحب أَن يدْخل فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ دخل فِيهِ وَأشْهدُوا فِي ذَلِك الْكتاب عل الصُّلْح رجَالًا من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَلما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك نحر هَدِيَّة وَحلق رَأسه وَفعل النَّاس كَذَلِك ثمَّ عَاد إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى إِذا كَانَ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة نزلت سُورَة الْفَتْح (أَنا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك ويهديك صراطاً مُسْتَقِيمًا) وَدخل فِي الْإِسْلَام فِي هَذِه السّنة مثل مَا دخل فِيهِ قبل ذَلِك وَأكْثر والقصة مبسوطة مَشْهُورَة وَلَكِن المُرَاد هُنَا الِاخْتِصَار ثمَّ دخلت السّنة السَّابِعَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وفيهَا كَانَت غَزْوَة ذِي قرد وَذُو قرد مَوضِع على ميلين من الْمَدِينَة على طَرِيق خَيْبَر وَهِي الْغَزْو الَّتِي أَغَارُوا فِيهَا على لقاح النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم قبل خَبِير بِثَلَاث وفيهَا كَانَت غَزْوَة خَيْبَر فِي منتصف الْمحرم سَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

إِلَى خَبِير وَهِي عل ثَمَان برد من الْمَدِينَة فَأَشْرَف عَلَيْهَا وَقَالَ لأَصْحَابه قفوا ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ رب السَّمَاوَات وَمَا أضللن وَرب الرِّيَاح وَمَا ذرين فسألك خير هَذِه الْقرْيَة وَخير أَهلهَا ونعوذ بك من شَرها وَمن شَرّ أَهلهَا وَشر مَا فِيهَا أقدموا بِسم الله وَنزل عل خَيْبَر لَيْلًا وَلم يعلم أَهلهَا فَلَمَّا أَصْبحُوا خَرجُوا إِلَى أَعْمَالهم فَلَمَّا رَأَوْهُ عَادوا وَقَالُوا مُحَمَّد وَالْخَمِيس - يعنون الْجَيْش - فَقَالَ النَّبِي (ص) الله أكبر خربَتْ خَيْبَر أَنا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين ثمَّ حَاصَرَهُمْ وضيق عَلَيْهِم وَأخذ أَمْوَال وَفتح الْحُصُون وَأصَاب سَبَايَا مِنْهُنَّ صفي بنت حس فاصطفاها رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لنَفسِهِ وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَهَذَا مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عته وَهُوَ من مُفْرَدَات مذْهبه وَكَانَ عَليّ بن أَبى طَالب رَضِي الله عَنهُ قد تخلف بِالْمَدِينَةِ لرمد لحقه فَلَمَّا أَصْبحُوا جَاءَ عَليّ فتفل النَّبِي صل الله عَلَيْهِ فِي عَيْنَيْهِ فَمَا اشْتَكَى رمداً بعْدهَا ثمَّ أعطَاهُ الرَّايَة فَنَهَضَ بهَا وأتى خَيْبَر فَأَشْرَف عَلَيْهِ رجل من يهود خَيْبَر وَقَالَ من أَنْت؟ قَالَ أَنا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ الْيَهُودِيّ غلبتم يَا معشر الْيَهُود فَخرج مرحب من الْحصن وَعَلِيهِ مغفر يماني وعل رَأسه بَيْضَة عادي وَهُوَ يَقُول (قد علمت خَيْبَر إِنِّي مرحب ... شاكي السِّلَاح بَطل مجرب) (اطعن أَحْيَانًا وحيناً أضْرب ... إِذا الليوث أَقبلت تلتهب) فَخرج إِلَيْهِ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يَقُول (أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدره ... أكبلكم بِالسَّيْفِ كبل السندرة ... لَيْث بغايات شَدِيد قسوره) وَاخْتلف بَينهمَا ضربتان فسبقه عَليّ رَضِي الله عَنهُ فقد الْبَيْضَة والمغفر وَرَأسه فَسقط عَدو الله مَيتا وَكَانَ فتح خَيْبَر فِي صفر على يَد عَليّ رَضِي الله عَنهُ

ثمَّ انْصَرف رَسُول الله (ص) إِلَى وَادي الْقرى فحاصره ليل وفتحه عنْوَة ثمَّ سَار إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ قد كتب إِلَى النَّجَاشِيّ يطْلب مِنْهُ بَقِيَّة الْمُهَاجِرين ويخطب أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَزَوجهَا للنَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عَمها خَالِد بن سعيد وَأصْدقهَا النَّجَاشِيّ عَن النَّبِي (ص) أَرْبَعمِائَة دِينَار وَفِي غَزْوَة خَيْبَر اهديت للنَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّاة المسمومة فَأخذ مِنْهَا قِطْعَة ولاكها ثمَّ لَفظهَا وَقَالَ تُخبرنِي هَذِه الشَّاة إِنَّهَا مَسْمُومَة ثمَّ بعد غَزْوَة خَيْبَر كَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع فتفارق النَّاس وَلم يكن بَينهم حَرْب قَالَ أَبُو مُوسَى سميت غَزْوَة ذَات الرّقاع لما كُنَّا نعصب عل أَرْجُلنَا من الْخرق وَفِي هَذِه السّنة أرسل النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مُلُوك الأَرْض وَأرْسل إِلَى كسْرَى فمزق كتاب النَّبِي (ص) فَلَمَّا بلغه ذَلِك قَالَ مزق الله ملكه فَسلط الله عَلَيْهِ ابْنه برويز فَقتله وَأرْسل إِلَى قَيْصر - وَهُوَ هِرقل - وَكَانَ إِذْ ذَاك بِبَيْت الْمُقَدّس فَإِنَّهُ مَشى مِمَّن حمص إِلَى ايليا شكرا لما كشف الله عَنهُ جنود فَارس وَكَانَ على الصَّخْرَة الشَّرِيفَة مزبلة قد حاذت محراب دَاوُد مِمَّا ألقته النَّصَارَى عَلَيْهَا مضارة للْيَهُود حَتَّى كَانَت الْمَرْأَة تبْعَث بخرق حَيْضهَا من رُومِية فَتلقى عَلَيْهَا فَلَمَّا قَرَأَ قَيْصر كتاب رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّكُم يَا معشر الرّوم لحقيق أَن تقتلُوا على هَذِه المزبلة بِمَا انتهكتم من حُرْمَة هَذَا الْمَسْجِد كَمَا قتلت بَنو إِسْرَائِيل عل دم يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام فَأمر بكشفها فَأخذُوا فِي ذَلِك فَقدم الْمُسلمُونَ الشَّام وَلم يكشفوا مِنْهَا إِلَّا ثلثهَا فَلَمَّا قدم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى بَيت الْمُقَدّس وفتحه وَرَأى مَا عَلَيْهَا من المزبلة أعظم ذَلِك فَأمر بكشفها وسخر لَهَا أَنْبَاط فلسطين وَأكْرم هِرقل قَاصد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ دحْيَة الْكَلْبِيّ

وَوضع كتاب النَّبِي (ص) على فَخذه وَقصد أَن يسلم فَمَنعه بطارقته فخاف عل نَفسه وَاعْتذر ورد دحْيَة ردا جميلاً وَأرْسل إِلَى الْمُقَوْقس - صَاحب مصر - فَأكْرم القاصد وَقبل كتاب النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وأهد إِلَيْهِ أَربع جواري إِحْدَاهُنَّ مَارِيَة أم وَلَده إِبْرَاهِيم وَأهْدى إِلَيْهِ بغلته دُلْدُل وَحِمَاره يَعْفُور وَكِسْوَة وارسل إِلَى النَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ فَقبل كتاب النَّبِي (ص) وَمن بِهِ وَاتبعهُ وَأسلم وَأرْسل إِلَى الْحَارِث الغساني بِدِمَشْق فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب قَالَ هَا أَنا سَائِر إِلَيْهِ فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ باد ملكه وَأرْسل إِلَى هَوْذَة ملك اليمام وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَقَالَ إِن جعل الْأَمر لي من بعده سرت إِلَيْهِ وَأسْلمت ونصرته وَإِلَّا قصدت حربه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ول كَرَامَة اللَّهُمَّ اكفنيه فَمَاتَ بعد قَلِيل وَأرْسل إِلَى الْمُنْذر ملك الْبَحْرين فأٍ لم وَأسلم جَمِيع الْعَرَب بِالْبَحْرَيْنِ (عمْرَة الْقَضَاء) ثمَّ خرج رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة سِتَّة سبع مُعْتَمِرًا عمْرَة الْقَضَاء وسَاق مَعَه سبعين بَدَنَة فَأبى أهل مَكَّة أَن يَدعُوهُ يدْخل مَكَّة حَتَّى قاضاهم عل أَن يُقيم بهَا ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كتبُوا الْكتاب كتبُوا هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا لَا نقر بِهَذَا لَو نعلم إِنَّك رَسُول الله مَا منعناك شَيْئا وَلَكِن أَنْت مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ أَنا رَسُول الله وَأَنا مُحَمَّد ابْن عبد الله ثمَّ قَالَ لعَلي امح رَسُول الله فَقَالَ عَليّ وَالله لَا أمحوك أبدا فَأخذ رَسُول الله (ص) الْكتاب - وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب - فَكتب هَذَا مَا قاضى مُحَمَّد بن عبد الله لَا يدْخل مَكَّة السِّلَاح إِلَّا السَّيْف فِي القراب وَإنَّهُ لَا يخرج

أَهلهَا بِأحد إِن أَرَادَ أَن يتبعهُ وَأَن لَا يمْنَع من أَصْحَابه أحدا إِن أَرَادَ ن يُقيم بهَا فَلَمَّا دخل الْمَسْجِد اضطبع بردائه وَرمل فِي أَرْبَعَة أَشْوَاط من الطّواف ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا والمروة فسع بَينهمَا وَتزَوج فِي سَفَره هَذَا مَيْمُونَة بنت الْحَارِث - وَهُوَ محرم - وَهَذَا من خَصَائِصه صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي أخر امْرَأَة تزَوجهَا وَأقَام بِمَكَّة ثَلَاثًا فَأرْسل الْمُشْركُونَ إِلَيْهِ مَعَ عَليّ بن أبي طَالب ليخرج عَنْهُم فَخرج بميمونة وَانْصَرف إِلَى الْمَدِينَة صل الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دخلت السّنة الثَّامِنَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة فِيهَا أسلم عَمْرو بن الْعَاصِ وخَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنْهُمَا وَفِيه كَانَت غَزْوَة مُؤْتَة وَهِي أول الْغَزَوَات بَين الْمُسلمين وَالروم ومؤتة من أَرض الشَّام وَهِي قبل الكرك وفيهَا اتخذ لرَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر وَكَانَ يخْطب إِلَى جذع نَخْلَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة خطب عل الْمِنْبَر فَأن الْجذع الَّذِي كَانَ يقوم عَلَيْهِ أَنِين الصَّبِي فَقَالَ رَسُول الله (ص) إِن هَذَا بك لما فَقده من الذّكر فَنزل يمسحه بِيَدِهِ حَتَّى سكن فَلَمَّا هدم الْمَسْجِد وَتغَير أَخذ ذَلِك الْجذع أبي بن كَعْب فَكَانَ عِنْده فِي دَاره حَتَّى بلَى (نقض الصُّلْح وَفتح مَكَّة) وسمى ذَلِك أَن نَبِي بكر بن عبد منَاف عدت على خزانَة وهم عل مَاء لَهُم بِأَسْفَل مَكَّة يُقَال لَهُ الوثير وَكَانَت خُزَاعَة فِي عهد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَنُو بكر فِي عهد قُرَيْش فِي صلح الْحُدَيْبِيَة وَكَانَت بَينهم حروب فِي الْجَاهِلِيَّة فكلمت بَنو بكر أَشْرَاف قُرَيْش أَن يعينوهم على خُزَاعَة بِالرِّجَالِ وَالسِّلَاح فوعدوهم ووافوهم متنكرين فبيتوا خُزَاعَة لَيْلًا فَقتلُوا مِنْهُم عشْرين ثمَّ نَدِمت قُرَيْش عل مَا فعلوا وَعَلمُوا أَن هَذَا نقض للْعهد الَّذِي بَينهم وَبَين رَسُول الله (ص)

وَخرج عَمْرو بن سَالم الْخُزَاعِيّ فِي طَائِفَة من قومه فقدموا على رَسُول الله (ص) مستغيثين بِهِ فَوقف عَمْرو عَلَيْهِ وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد وأنشده أبياتاً يسْأَله أَن ينصره فَقَالَ رَسُول الله (ص) نصرت يَا عَمْرو بن سَالم ثمَّ قدم بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فِي نفر من خُزَاعَة على النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كأنكم بِأبي سُفْيَان قد جَاءَ يشد العقد وَيزِيد فِي الْمدَّة فَكَانَ كَذَلِك ثمَّ قدم أَبُو سُفْيَان الْمَدِينَة فَدخل عل ابْنَته أم حَبِيبَة أَو الْمُؤمنِينَ زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ذهب ليجلس عل فرَاش رَسُول الله (ص) طوته عَنهُ فَقَالَ مَا أَدْرِي أرغبت لي عَن هَذَا الْفراش أم رغبت بِهِ عني؟ قَالَت بل هُوَ فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت رجل مُشْرك نجس قَالَ وَالله لقد أَصَابَك بعدى يَا بني شَرّ ثمَّ خرج وأتى النَّبِي (ص) فَكَلمهُ فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا فَذهب إِلَى أبي بكر ثمَّ إِلَى عمر ثمَّ إِلَى عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ على أَن يكلموا النَّبِي (ص) فِي فمره وَتشفع بهم فَلم يَفْعَلُوا لعَلي يَا أَبَا الْحسن إِنِّي أر الْأُمُور قد اشتدت عَليّ فانصحني فَقَالَ وَالله لَا أعلم شَيْئا يُغني عَنْك وَلَكِنَّك سيد بني كنَانَة فَقُمْ فأجر بَين النَّاس وَالْحق بأرضك قَالَ أَو تَرَ ذَلِك يُغني عني شَيْئا؟ قَالَ لَا وَالله مَا أَظُنهُ وَلَكِن لَا أجد لَك غير ذَلِك فَقَامَ أَبُو سُفْيَان فِي الْمَسْجِد فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أجرت بَين النَّاس ثمَّ ركب بعيره وَانْطَلق فَلَمَّا قدم عل قُرَيْش قَالُوا لَهُ مَا وَرَاءَك؟ فَقص شَأْنه وَإنَّهُ قد أَجَارَ بَين النَّاس قَالُوا فَهَل أجَاز مُحَمَّد ذَلِك؟ قَالَ لَا قَالُوا وَالله إِن زَاد الرجل عل أَن لعب بك ثمَّ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجِهَادِ وَأمر أَهله أَن يجهزوه ثمَّ علم النَّاس بِأَنَّهُ يُرِيد مَكَّة وَقَالَ اللَّهُمَّ خُذ الْعُيُون وَالْأَخْبَار عَن قُرَيْش حَتَّى نبغتهم

فِي بِلَادهمْ ثمَّ مض رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لسفره واستخلف عل الْمَدِينَة كُلْثُوم بن الْحصين الْغِفَارِيّ وَخرج رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لعشر مضين من رَمَضَان وَمَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَطَوَائِف من الْعَرَب فَكَانَ جَيْشه عشرَة آلَاف فصَام وَصَامَ النَّاس مَعَه حَتَّى إِذا كَانَ بالكايد - وَهُوَ المَاء الَّذِي بَين قديد وَعُسْفَان - أفطر وَبلغ ذَلِك قُريْشًا فَخرج أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء يتجسسون الْأَخْبَار وَكَانَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أسلم قَدِيما وَكَانَ يكتم اسلامه فَخرج أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء يتجسسون الْأَخْبَار وَكَانَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أسلم قَدِيما وَكَانَ يكتم إِسْلَامه فَخرج بعياله مُهَاجرا فلق رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجُحْفَةِ وَقيل بِذِي الحليفة ثمَّ حضر أَبُو سُفْيَان بن حَرْب على يَد الْعَبَّاس إِلَيّ النَّبِي (ص) بعد أَن استأمن لَهُ فَأسلم وَأسلم مَعَه حَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن زرقاء وَمِمَّنْ أسلم يَوْمئِذٍ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأَخُوهُ يزِيد وَأمه هِنْد بنت عتبَة وَكَانَ مُعَاوِيَة يَقُول إِنَّه اسْلَمْ يَوْم الْحُدَيْبِيَة فكتم إِسْلَامه عَن أَبِيه وَأمه وَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله إِن أَبَا الْعَبَّاس يحب الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئا يكون فِي قومه فَقَالَ من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ من وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ من وَمن دخل دَار حَكِيم بن حزَام فَهُوَ آمن وَكَانَ فِيمَن خرج ولقى رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَعْض الطّرق أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث وَعبد الله بن أُميَّة بن الْمُغيرَة بالابواء فاعرض عَنْهُمَا فجَاء إِلَيْهِ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَعبد الله فَقبلا وَجهه فَقَالَ رَسُول الله (ص) (لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ) وَقبل مِنْهُمَا إسلامهما فأنشده أَبُو سُفْيَان معتذراً إِلَيْهِ أبياتاً فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدره وَقَالَ أَنْت طردتني كل طرد وَكَانَ أَبُو سُفْيَان بعد ذَلِك مِمَّن حسن إِسْلَامه وَيُقَال إِنَّه مَا رفع رَأسه

إِلَى رَسُول الله (ص) مُنْذُ أسلم حَيَاء مِنْهُ وَكَانَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبهُ وَيشْهد لَهُ بالجن وَيَقُول أَرْجُو أَن يكون خلفا من حَمْزَة ثمَّ أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تركز راية سعد بن عباد بالحجون لما بلغه إِنَّه قَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْكَعْبَة فَقَالَ كذب سعد وَلَكِن هَذَا يَوْم يعظم الله فِيهِ الْكَعْبَة وَيَوْم تكسي فِيهِ الْكَعْبَة وَأمر خَالِد بن الْوَلِيد أَن يدْخل من أعلا مَكَّة من كداء فِي بعض النَّاس وكل هَؤُلَاءِ الْجنُود لم يقاتلوا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْقِتَال إِلَّا أَن خَالِد بن الْوَلِيد لقِيه جمَاعَة من قُرَيْش فَرَمَوْهُ بِالنَّبلِ ومنعوه من الدُّخُول فَقَاتلهُمْ خَالِد فَقتل من الْمُشْركين ثَمَانِيَة وَعشْرين رجلا فَلَمَّا ظهر النَّبِي (ص) عل ذَلِك قَالَ ألم أنهكم عَن الْقِتَال؟ فَقَالُوا لَهُ إِن خَالِدا قوتل فقاتل وَقتل من الْمُسلمين رجلَانِ وَدخل النَّبِي (ص) من كدا وَهُوَ عل نَاقَته يقْرَأ سُورَة الْفَتْح وَيرجع وَكَانَ فتح مَكَّة يَوْم الْجمع لعشر بَقينَ من رَمَضَان وَدخل رَسُول الله (ص) مَكَّة وملكها عنْوَة بِالسَّيْفِ وَإِلَى ذَلِك ذهب مَالك وَأَصْحَابه وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب أَحْمد رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيف وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّهَا فتحت صلحا وَالله أعلم وَلما دخل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة كَانَ عل الْكَعْبَة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ صنما قد شدّ لَهُم إِبْلِيس أَقْدَامهَا بِرَصَاصٍ فجَاء وَمَعَهُ قضيب فَجعل يومي إِلَى كل صنم مِنْهَا فيخر لوجهه فَيَقُول (جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا) حَتَّى مر عَلَيْهَا كلهَا واتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحشِي بن حَرْب - قَاتل حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم أوحشي؟ قَالَ نعم قَالَ أَخْبرنِي كَيفَ قتلت عمي؟ فَأخْبرهُ فَبكى وَقَالَ غيب وَجهك عني

وَلما دخل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة كَانَت عَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاء فَوقف عل بَاب الكعب وَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش مَا ترَوْنَ إِنِّي فَاعل بكم؟ قَالُوا خيرا أَخ كريم وَابْن أَخ كريم قَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء فَأعْتقهُمْ رَسُول الله (ص) وَكَانَ الله تعال قد أمكنه مِنْهُم فَكَانُوا لَهُ فَيْئا فبذلك سمي أهل مَكَّة الطُّلَقَاء وَلما اطْمَأَن النَّاس خرج رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الطّواف فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا عل رَاحِلَته واستلم الرُّكْن بمحجن كَانَ فِي يَده وَدخل الْكَعْبَة وَرَأى فِيهَا الشخوص عل صُورَة الْمَلَائِكَة وَصُورَة إِبْرَاهِيم وَفِي يَده الازلام يَسْتَقِيم بهَا فَقَالَ قَاتلهم الله جعلُوا شَيخنَا يَسْتَقِيم بالازلام مَا شَأْن إِبْرَاهِيم والأزلام ثمَّ أَمر بِتِلْكَ الصُّورَة فطمست وصل فِي الْبَيْت ثمَّ جلس (ص) عل الصَّفَا وَاجْتمعَ النَّاس لبيعته عل الْإِسْلَام فَكَانَ يبايعهم على السّمع وَالطَّاعَة لله وَلِرَسُولِهِ فَبَايع الرِّجَال ثمَّ النِّسَاء وَلما جَاءَ وَقت الظّهْر يَوْم الْفَتْح إِذن بِلَال عل ظهر الْكَعْبَة فَقَالَ الْحَارِث ابْن هِشَام لَيْتَني مت قبل هَذَا وَقَالَ خَالِد بن أسيد لقد اكرم الله أبي فَلم ير هَذَا الْيَوْم فَخرج عَلَيْهِمَا رَسُول الله (ص) ثمَّ ذكر لَهما مَا قَالَاه فَقَالَ الْحَارِث ابْن هِشَام أشهد إِنَّك رَسُول الله مَا أطلع عل هَذَا أحد فَنَقُول أخْبرك وَقَامَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ ومفتاح الْكَعْبَة فِي يَده فَقَالَ يَا رَسُول الله اجْمَعْ لنا الحجابة مَعَ السِّقَايَة فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن عُثْمَان بن طَلْحَة؟ فدعي لَهُ فَقَالَ هاك مفتاحك يَا عُثْمَان الْيَوْم يَوْم بر ووفاء وَقَالَ خذوها تالدة خالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم إِلَّا الظَّالِم يَا عُثْمَان إِن الله استأمنكم عل بَيته فَكُلُوا مِمَّا يصل إِلَيْكُم من هَذَا الْبَيْت بِالْمَعْرُوفِ وَذكر إِن فضَالة ابْن عُمَيْر أَرَادَ قتل النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ عَام الْفَتْح فَلَمَّا دنا مِنْهُ قَالَ رَسُول الله (ص) أفضالة؟ قَالَ نعم فضَالة

يَا رَسُول الله ثمَّ قَالَ مَا كنت تحدث بِهِ نَفسك؟ قَالَ لَا شَيْء كنت أذكر الله تعال فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ اسْتغْفر الله وَوضع يَده على صَدره فمكن قلبه قَالَ فضَالة وَالله مَا رفع يَده عَن صَدْرِي حَتَّى مَا خلق الله تعال شَيْئا أحب إِلَيّ مِنْهُ وَبعث النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم السَّرَايَا إِلَى الْأَصْنَام الَّتِي حول مَكَّة فسروها وناد مناديه بِمَكَّة من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدع فِي بَيته صنماً إِلَّا كَسره وَلما بعث السَّرَايَا حول الْكَعْبَة إِلَى النَّاس يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وَلم يَأْمُرهُم بِقِتَال وَكَانَ من السَّرَايَا سَرِيَّة خَالِد بن الْوَلِيد فَنزل على مَاء لبني خُزَيْمَة فَأَقْبَلُوا بِالسِّلَاحِ فَقَالَ لَهُم خَالِد ضَعُوا السِّلَاح فَإِن النَّاس قد أَسْلمُوا فوضعوه فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَلم يحسنوا أَن يَقُولُوا أسلمنَا فَجعلُوا يَقُولُونَ صبأنا صبأنا فَقتل مِنْهُم من قتل فَلَمَّا بلغ ذَلِك النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع خَالِد - مرَّتَيْنِ - ثمَّ أرسل عَليّ بن أبي طَالب (رض) بِمَال وَأمره أَن يُؤَدِّي لَهُم الدِّمَاء وَالْأَمْوَال فَفعل ذَلِك ثمَّ سَأَلَهُمْ هَل بَقِي لكم دم أَو مَال؟ فَقَالُوا لَا وَكَانَ قد فضل مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَلِيل مَال فَدفعهُ إِلَيْهِم زِيَادَة تطيب لقُلُوبِهِمْ وَأخْبر النَّبِي (ص) بذلك فأعجبه وفيهَا كَانَت غَزْوَة حنين وهوازن وَكَانَت فِي شَوَّال سنة ثَمَان من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وحنين وَاد بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاثَة أَمْيَال وَلما فتحت مَكَّة تجمعت هوَازن بخيولهم وَأَمْوَالهمْ لحب رَسُول الله (ص) ومقدمهم مَالك بن عَوْف النضري وانضمت إِلَيْهِ ثَقِيف وهم أهل الطَّائِف وَبَنُو سعد وهم الَّذين كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرتضعاً عِنْدهم فَلَمَّا سمع النَّبِي (ص) باجتماعهم خرج من مَكَّة لست خلون من شَوَّال وَخرج مَعَه اثْنَا عشر ألفا أَلفَانِ من أهل مَكَّة وَعشرَة لاف كَانَت مَعَه وحضرها جمَاعَة كَثِيرَة من الْمُشْركين وهم

مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانْتهى إِلَى حنين وَركب بغلته الدلْدل وَقَالَ رجل من الْمُسلمين - لما رأى كَثْرَة من مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - لن يغلب هَؤُلَاءِ من قلَّة وَفِي ذَلِك نزل قَوْله تَعَالَى (وَيَوْم حنين إِذا أَعجبتكُم كثرتكم فَلم تغن عَنْكُم شَيْئا) وَلما الْتَقَوْا انهزم الْمُسلمُونَ لَا يلوي أحد عل أحد وإنجاز رَسُول الله (ص) فِي نفر من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأهل بَيته وَاسْتمرّ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم ثَابتا وتراجع الْمُسلمُونَ واقتتلوا قتالاً شَدِيدا وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبغلته الْبَدِيِّ فَوضعت بَطنهَا عل الأَرْض وَأخذ حفْنَة من تُرَاب فَرمى بهَا فِي وحجه الْمُشْركين فَكَانَت الْهَزِيمَة عَلَيْهِم وَنصر الله الْمُسلمين وَاتبع الْمُسلمُونَ الْمُشْركين يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ وَلما فرغ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم من حنين بعث أَبَا عَامر على جَيش لغزوة أَوْطَاس فاستشهد رَضِي الله عَنهُ وانهزمت ثَقِيف إِلَى الطَّائِف وَأَغْلقُوا بَاب مدينتهم فَسَار النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وحاصرهم نيفاً وَعشْرين يَوْمًا وَقَاتلهمْ بالمنجنيق وَأمر بِقطع أَعْنَاقهم ثمَّ رَحل عَنْهُم فَنزل بالجعرانة وأتى إِلَيْهِ بعض هوزان ودخلوا عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِم نصِيبه وَنصِيب بني عبد الْمطلب ورد النَّاس أَبْنَاءَهُم ونساءهم ثمَّ لحق مَالك بن عَوْف - مقدم هوزان - برَسُول الله (ص) وَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم عل قومه وعل من أسلم من تِلْكَ الْقَبَائِل وَكَانَ عدَّة السَّبي الَّذِي أطلقهُ سِتَّة آلَاف ثمَّ قسم الْأَمْوَال وَكَانَت عدَّة الْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير وَالْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألف شَاة وَمن الْفضة أَرْبَعَة الآف أُوقِيَّة وَأعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم مثل أبي سُفْيَان وابنيته يزِيد وَمُعَاوِيَة وَسَهل بن عَمْرو وَعِكْرِمَة بن أبي جهل والْحَارث بن هِشَام أخي أبي جهل وَصَفوَان ابْن أُميَّة وَهَؤُلَاء من قُرَيْش وَأعْطِ الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي وعيينة بن حصن وَمَالك بن عَوْف - مقدم هوَازن - وأمثالهم فَأعْطى لكل من الْأَشْرَاف مائَة

من الْإِبِل وَأعْطِ الآخرين أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ وَأعْطى الْعَبَّاس بن مرادس السّلمِيّ أباعر لم يرضها وَقَالَ فِي ذَلِك أبياتاً (فَأصْبح نَهْبي وَنهب العبي ... بَين عَيْنِيَّة والأقرع) (وَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس ... يَفُوقَانِ مرادس فِي مجمع) (وَمَا كنت دون امْرِئ مِنْهُمَا ... وَمن تضع الْيَوْم لم يرفع) فروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اقْطَعُوا عني لِسَانه فَأعْطِي حَتَّى رَضِي وَلما فرق رَسُول الله (ص) الْغَنَائِم لم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا فوجدوا فِي أنفسهم فَدَعَاهُمْ رَسُول الله (ص) فَقَالَ إِن قُريْشًا حَدِيث عهد بجاهلية ومصبئة وَإِنِّي أردْت أَن أحبوهم أتألفهم أما ترْضونَ أَن يرجع النَّاس بالدنيا وترجعون برَسُول الله إِلَى بُيُوتكُمْ؟ قَالُوا بلَى قَالَ وَالله لَو سلك النَّاس وَاديا وسلكت الْأَنْصَار شعبًا لَسَلَكْت وَادي الْأَنْصَار وَشعب الْأَنْصَار ثمَّ اعْتَمر رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَاد إِلَى الْمَدِينَة واستخلف عل مَكَّة عتاب بن اسيد وَهُوَ شَاب لم يبلغ عشْرين سنة وَترك مَعَه معَاذ بن جبل يفقه النَّاس وَحج بِالنَّاسِ فِي هَذِه السّنة عتاب بن اسيد على مَا كَانَت تحج عَلَيْهِ الْعَرَب وَفِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان ولد إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَارِيَة القطبية وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة مَاتَ حَاتِم الطَّائِي وَكَانَ يضْرب بجودة وَكَرمه الْمثل وَكَانَ من الشُّعَرَاء المجيدين ثمَّ دخلت السّنة التَّاسِعَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة فِيهَا فرض الله الْحَج على الصَّحِيح وفيهَا ترادفت وُفُود الْعَرَب عل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووفد كَعْب بن زُهَيْر بن أبي سلم بعد أَن كَانَ النَّبِي (ص) أهْدر دَمه ومدحه بقصيدته الْمَشْهُورَة وَهِي (بَانَتْ سعاد فقلبي الْيَوْم متبول ... )

وَأَعْطَاهُ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم بردته فَلَمَّا كَانَ زمن مُعَاوِيَة أرسل إِلَى كَعْب إِن بعنا بردة رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا كنت لأوثر بِثَوْب رَسُول الله (ص) أحدا فَلَمَّا مَاتَ كَعْب اشْتَرَاهَا مُعَاوِيَة من أَوْلَاده بِعشْرَة لاف دِرْهَم وَنقل الْملك صَاحب جماة فِي تَارِيخه إِنَّه اشْتَرَاهَا بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ توارثها الْخُلَفَاء الأمويون والعباسيون حَتَّى أَخذهَا التتر وفيهَا كَانَت غَزْوَة تَبُوك وَهِي الْعسرَة لوقوعها فِي زمن الْحر والبلاد مُجْدِبَة وَالنَّاس فِي عسرة فانفق أَبُو بكر جَمِيع مَاله وَأنْفق عُثْمَان نَفَقَة عَظِيمَة وَسَار النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى تَبُوك واستخلف عليا رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عَليّ أتخلفني فِي الصّبيان وَالنِّسَاء؟ قَالَ أَلا ترض أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا إِنَّه لَيْسَ نَبِي بعدِي وتخلف عبد الله بن أبي الْمُنَافِق وَمن تبعه من أهل النِّفَاق وتخلف ثَلَاثَة من الصَّحَابَة وهم كَعْب بن مَالك ومرارة بن ربيع وهلال بن أُميَّة وَلم يكن لَهُم عذر ثمَّ رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة بعد أَن أَقَامَ بتبوك بضع عشرَة لَيْلَة لم يجاوزها وكتان إِذا قدم من سَفَره بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ جلس للنَّاس فَلَمَّا فعل ذَلِك جَاءَ الْمُخَلفُونَ فطفقوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ ويحلفون وَكَانُوا بضعَة وَثَمَانِينَ رجلا فَقبل مِنْهُم رَسُول الله (ص) علانيتهم وبايعهم واستغفر لَهُم ووكل سرائرهم إِلَى الله تَعَالَى ثمَّ جَاءَ كَعْب وَكَانَت تقدمه مرَارَة وهلال فَسَأَلَهُمْ عَن سَبَب تخلفهم فَاعْتَرفُوا أَن لَا عذر لَهُم فَأَمرهمْ بالمضي جتى يقْضِي الله فيهم وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمين عَن كَلَامهم من بَين من تخلف عَنهُ فَاجْتَنِبْهُمْ النَّاس فلبثوا على ذَلِك خمسين لَيْلَة وَلما مَضَت أَرْبَعُونَ لَيْلَة من الْخمسين أَمرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باعتزال نِسَائِهِم

وَجَاءَت امْرَأَة هِلَال إِلَى النَّبِي (ص) تستأذنه فِي خدمته فَأذن لَهَا من غير أَن يقربهَا فَلَمَّا كملت لَهُم خَمْسُونَ لَيْلَة من حِين نهي رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كَلَامهم أذن رَسُول الله (ص) بتوبة الله عَلَيْهِم وَذهب النَّاس يبشرونهم وَجَاء كَعْب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ - وَهُوَ يَبْرق وَجهه من السرُور - أبشر بِخَير يَوْم مر عَلَيْك مُنْذُ وَلدتك أمك فَقَالَ أَمن عنْدك يَا رَسُول الله أم من عِنْد الله؟ قَالَ لَا بل من عِنْد الله وَأنزل الله على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لقد تَابَ الله عل النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة من بعد مَا كَاد تزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم إِنَّه بهم رؤوف رَحِيم وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أنفسهم وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا إِن الله هُوَ التواب الرَّحِيم يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين) قَالَ كَعْب فو الله مَا أنعم الله عَليّ بِنِعْمَة قطّ بعد أَن هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أعظم فِي نَفسِي من صدقي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أكون كَذبته فَأهْلك كَمَا هلك الَّذين كذبوه فَإِن الله قَالَ للَّذين كذبُوا حِين أنزل الْوَحْي شَرّ مَا قَالَ لأحد فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى (سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس ومأواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرض عَن الْقَوْم الْفَاسِقين) وَفِي ذِي الْقعدَة من سنة تسع هلك رَأس الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي بن سلول وَالله أعلم

(حج أبى بكر الصديق رضي الله عنه بالناس)

(حج أَبى بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بِالنَّاسِ) بعث النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فِي سنة تسع ليحج بِالنَّاسِ وَمَعَهُ عشرُون بَدَنَة لرَسُول الله (ص) وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة رجل فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحليفة أرسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَأمره بِقِرَاءَة آيَات من أول سُورَة بَرَاءَة عل النَّاس وَأَن يُنَادي إِن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان فَسَار أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَمِيرا على الْمَوْسِم وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يُؤذن بِبَرَاءَة يَوْم الْأَضْحَى وَأَن لَا يحجّ مُشْرك وَلَا يطوف عُرْيَان ثمَّ دخلت السّنة الْعَاشِرَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وفيهَا كَانَ قدوم الْوَفْد عل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ وجاءته وُفُود الْعَرَب قاطبة وَدخل النَّاس فِي الدّين أَفْوَاجًا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا) فَقدم عَلَيْهِ وَفد بني تَمِيم ووفد عبد الْقَيْس ووفد بني حنيفَة وَغَيرهم وَفَشَا الْإِسْلَام فِي جَمِيع الْقَبَائِل وفيهَا توفّي إِبْرَاهِيم بن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر لَيَال خلت من ربيع الأول (حجَّة الْوَدَاع) خرج النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجا لخمس بَقينَ من ذِي الْعدة وَقد اخْتلف فِي حجَّة هَل كَانَ قراناً أم تمتعاً أم أفرادا قَالَ صَاحب حماه وَالْأَظْهَر الَّذِي اشْتهر إِنَّه كَانَ قَارنا وَحج رَسُول الله (ص) بِالنَّاسِ ولقى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ محرما فَقَالَ حل أَصْحَابك فَقَالَ إِنِّي أَهلَلْت بِمَا أهل بِهِ رَسُول الله (ص) فَبَقيَ عل إِحْرَامه وَنحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الهد عَنهُ وَعلم

رَسُول الله (ص) النَّاس مَنَاسِك الْحَج وَالسّنَن وَنزل قَوْله تَعَالَى (الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ فَلَا تخشوهم وأخشون الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا) فَبكى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لما سَمعهَا وَكَأَنَّهُ استشعر بِأَن لَيْسَ بعد الْكَمَال إِلَّا النُّقْصَان وَإنَّهُ قد نعيت إِلَيّ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وخطب رَسُول الله (ص) للنَّاس بِعَرَفَة خطْبَة بَين فِيهَا الْأَحْكَام وَمِنْهَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر وَإِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كهيئه يَوْم خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِن عد الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا وتمم حجَّة وَسميت حجَّة الْوَدَاع لِأَنَّهُ لم يحجّ بعْدهَا وَلم يحجّ من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة غير حجَّة الْوَدَاع ثمَّ رَجَعَ رَسُول الله (ص) إِلَى الْمَدِينَة وَأقَام بهَا حَتَّى خرجت السّنة وَكَانَت غَزَوَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعَة عشر غَزْوَة قَاتل فِي تسع مِنْهَا وَهَذِه الْغَزَوَات غير السَّرَايَا ثمَّ دخلت السّنة الْحَادِيَة عشر من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ قد قدم من حجَّة الْوَدَاع فَأَقَامَ بهَا حَتَّى خرجت سنة عشر وَالْمحرم ومعظم صفر من سنة إِحْدَى عشرَة وَالله سُبْحَانَهُ وتعال أعلم (ذكر وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ تَعَالَى (إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون) وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَا عَائِشَة مَا أَزَال أجد ألم الطَّعَام الَّذِي أكلت بِخَيْبَر فَهَذَا أَوَان وجدت انْقِطَاع أَبْهَري من ذَلِك السم بَدَأَ برَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَرضه الَّذِي مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء لليلتين بَقِيَتَا من صفر سنة إِحْدَى عشرَة فِي بَيت مَيْمُونَة ثمَّ انْتقل حِين اشْتَدَّ وَجَعه إِلَى

بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما احْتضرَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْبَيْت رجال فَقَالَ النَّبِي (ص) هلموا اكْتُبْ لكم كتابا لَا تضلوا بعده أبدا فَقَالَ بَعضهم إِن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم قد ثقل عَلَيْهِ الوجع وعندكم الْقرن حَسبنَا كتاب الله ثمَّ اخْتلف أهل الْبَيْت واختصموا فَمنهمْ من يَقُول قربوا لَهُ يكْتب لكم كتابا لَا تضلوا بعده أبدا وَمِنْهُم من بقول غير ذَلِك فَلَمَّا اكثروا اللَّغْو وَالِاخْتِلَاف قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم قومُوا فَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول إِن الرزية كل الرزية مَا حَال بَين رَسُول الله (ص) وَبَين أَن يكْتب لَهُم ذَلِك الْكتاب لاختلافهم ولغطهم وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دَعَا النَّبِي (ص) فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام فِي شكواه الَّذِي قبض فِيهِ فسارها بشئ فَبَكَتْ ثمَّ دَعَاهَا فسارها بِشَيْء فَضَحكت فسألناها عَن ذَلِك فَقَالَت سَارَّنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه يقبض فِي وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ فَبَكَتْ ثمَّ سَارَّنِي فَأَخْبرنِي إِنِّي أول أَهله لُحُوقا بِهِ فَضَحكت وَلما ثقل وجع النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَهُ بِلَال يُؤذنهُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ مروا أَبَا بكر أَن يُصَلِّي النَّاس فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا يَا رَسُول الله أَن أَبَا بكر رجل أسيف وَإنَّهُ مت يقوم مقامك لَا يسمع النَّاس فَلَو أمرت عمر فَقَالَ مروا أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَقَالَت عَائِشَة لحفصة قولي لَهُ إِن أَبَا بكر رجل أسيف وَإنَّهُ مَتى يقوم مقامك لَا يسمع النَّاس فَلَو أمرت عمر قَالَ إنكن لأنتن صَوَاحِب يُوسُف مروا أَبَا بكر فليصلي بِالنَّاسِ فَلَمَّا دخل فِي الصَّلَاة وجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَفسه خفَّة فَقَامَ يتهادى بَين رجلَيْنِ وَرجلَاهُ يخطان فِي الأَرْض حَتَّى دخل الْمَسْجِد فَلَمَّا سمع أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ حسنه ذهب أَبُو بكر يتَأَخَّر فَأَوْمأ إِلَيْهِ رَسُول الله (ص) فجَاء إِلَى رَسُول الله (ص) حَتَّى جلس عَن يسَاره فَكَانَ أَبُو بكر يُصَلِّي قَائِما وَكَانَ رَسُول الله (يُصَلِّي قَاعِدا يَقْتَدِي

يَقْتَدِي أبوبكر رَضِي الله عَنهُ بِصَلَاة رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس يقتدون بِصَلَاة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَت تَقول إِن من نعم الله عَليّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي فِي بَيْتِي وَبَين سحرِي وَنَحْرِي وَإِن الله جمع بَين ريقي وريقه عِنْد مَوته دخل عبد الرَّحْمَن وَبِيَدِهِ السِّوَاك وَأَنا مُسندَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرأيته ينظر إِلَيْهِ وَعرفت إِنَّه يحب السِّوَاك فَقلت آخذه لَك فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نعم فناولته لَهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَقلت ألينه لَك فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نعم فلينته وَبَين يَدَيْهِ ركوة أَو علبة وفيهَا مَاء فَجعل يدْخل يَده فِي المَاء فيمسح بهَا وَجهه وَيَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله أَن للْمَوْت سَكَرَات ثمَّ نصب يَده الْكَرِيمَة فَجعل يَقُول فِي الرفيق الْأَعْلَى حَتَّى قبض ومالت يَده وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول - وَهُوَ صَحِيح - إِنَّه لم يقبض نَبِي حَتَّى يرى مقَامه فِي الْجِنّ ثمَّ يُخَيّر فَلَمَّا نزل بِهِ وَرَأسه عل فَخذي غشي عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق فأشخص بَصَره إِلَى سقف الْبَيْت ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى فَقلت إِذا لَا يختارنا فَعرفت إِنَّه الحَدِيث الَّذِي كَانَ يحدثنا بِهِ وَهُوَ صَحِيح قَالَت وَكَانَ آخر كلم تكلم بهَا اللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى وَتُوفِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنّ وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبعا وَعشْرين أل مرّة وَلما مَاتَ قَالَت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَا أبتاه أجَاب رَبًّا دَعَاهُ وَا أبتاه من جن الفردوس مَأْوَاه وَا أبتاه أَتَى جِبْرِيل ينعاه فَلَمَّا دفن قَالَت يَا أنس أطابت نفوسكم أَن تحثوا عل نَبِيكُم التُّرَاب وَلما توفّي دهش النَّاس وطاشت عُقُولهمْ وَاخْتلفت أَحْوَالهم فِي ذَلِك فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من قَالَ إِن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ

عَلَوْت بِرَأْسِهِ بسيفي هَذَا وَإِنَّمَا ارْتَفع إِلَى السَّمَاء فَقَرَأَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ (وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أفأن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يضر الله شَيْئا وسيجزي الله الشَّاكِرِينَ) فَرجع الْقَوْم إِلَى قَوْله وَبَادرُوا إِلَى سَقِيفَة بني سَاعِدَة فَبَايع عمر أَبَا بكر ثمَّ بَايعه النَّاس خلا جمَاعَة وغسله صل الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ وَالْعَبَّاس وأبناه الْفضل وَقثم وغسلوه وَعَلِيهِ قَمِيصه لم ينْزع وَكَانَ عَليّ بن أبي طَالب يحضنه إِلَى صَدره وَالْعَبَّاس يصب المَاء وكفن فِي ثَلَاث أَثوَاب بيض سحُولِيَّة وَصلى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أفراداً لم يؤمهم أحد وحفر لَهُ أَبُو طلح الْأنْصَارِيّ وَدفن فِي الْموضع الَّذِي توفاه الله فِيهِ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ وَفرغ من جهازه يَوْم الثُّلَاثَاء وَدفن فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى عشر من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَكَانَ مَرضه ثَلَاثَة عشر لَيْلَة قَالَ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي الْمَدِينَة - أَضَاء مِنْهَا كل شئ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أظلم مِنْهَا كل شئ ورثاه جمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر وَعلي وَفَاطِمَة وَعَمَّته صَفِيَّة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (ذكر صِفَاته صل الله عَلَيْهِ وَسلم ونبذة من معجزاته) كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مليح الْوَجْه حسن الْخلق معتدل الْقَامَة لَيْسَ الْقصير وَلَا بالطويل أَبيض اللَّوْن مشربً بحمرة يتلألأ وَجهه كتلألؤ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر كث اللِّحْيَة وَاسع الجبين بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ لم يبلغ الشيب فِي رَأسه ولحيته عشْرين شَعْرَة إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سما وعلاه

الْبَهَاء أجمل النَّاس وأبهاهم من بعيد وأحلاهم وَأَحْسَنهمْ من قريب بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة ريح عره أطيب من ريح الْمسك الأذفر يَقُول ناعته لم أر قبله وَلَا بعده مثله وَأما معجزاته صل الله عَلَيْهِ وَسلم فأفضلها الْقرن الْكَرِيم الَّذِي أعجز الفصحاء وأخرس البلغاء وَمِنْهَا انْشِقَاق الصَّدْر والتئامه وَمِنْهَا انْشِقَاق الْقَمَر فرْقَتَيْن وَمِنْهَا نبع المَاء من بَين أَصَابِعه وتكثر الطَّعَام ببركته وَكَلَام الشّجر وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وإجابتها دَعوته وَسَلام الْحجر وَالشَّجر عَلَيْهِ وجنين الْجذع إِلَيْهِ وتسبيح الْحَصَا فِي كَفه وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يعد وَلَا يحص وَلَا يحاط بِهِ وَلَا يستقصي وَمن ذَا يُحِيط بالبحر الزاخر وَلَو أجهد نَفسه أناء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَكَانَ صل الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْتَقم لنَفسِهِ وَلَا يغْضب لَهَا وَإِلَّا أَن تنتهك حرمات الله تَعَالَى فينتقم لله وَكَانَ أحسن النَّاس خلقا وأرجحهم علما وأعظمهم عفوا وأسخاهم كفا أوسعهم صَدرا وأصدقهم لهجة وَكَانَ أَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها وَإِذا كره شَيْئا عرف فِي وَجهه وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئ وَلَكِن يعْفُو ويصفح وَكَانَ يخصف النَّعْل ويرقع الثَّوْب ويخدم فِي مهنة أَهله ويجيب الدعْوَة وَيقبل الْهَدْي ويكافئ عَلَيْهَا وَيَأْكُل مِنْهَا وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَيعود الْمَرِيض وَيشْهد الْجَنَائِز متواضعاً يمزح وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا يضْحك من غير قهقه وَمَا خير بَين شَيْئَيْنِ إِلَّا اخْتَار أيسرهما إِلَّا أَن يكون فِيهِ أَثم أَو قطيع رحم فَيكون أبعد النَّاس عَن ذَلِك مولده بِمَكَّة هجرته بِطيبَة وَملكه بِالشَّام ارأف وَخَيرهمْ وَلَا ترْتَفع فِي مَجْلِسه الْأَصْوَات؟ ؟ إِذا قَامَ من مَجْلِسه قَالَ سُبْحَانَهُ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت استغفرك وَأَتُوب إِلَيْك طَوِيل الصمت لَا يتَكَلَّم فِي غير حَاج وَأحب الطَّعَام إِلَيْهِ مَا كثرت عَلَيْهِ الْأَيْدِي وَإِذا وضعت الْمَائِدَة قَالَ بِسم الله اللَّهُمَّ

اجْعَلْهَا نعْمَة مشكورة نصل بهَا نعيم الْجنَّة وَإِذا فرغ قَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمد أطعمت وأسقيت وأريت لَك الْحَمد غير مكفور وَلَا مد ودع وَلَا مُسْتَغْنى عَنهُ رَبنَا وَكَانَ يشرب فِي ثَلَاث دفعات لَهُ فِيهَا ثَلَاث تسميات وَفِي آخرهَا ثَلَاث تحميدات وَكَانَ يُعجبهُ الثِّيَاب الْخضر وَأكْثر ثِيَابه الْبيَاض وَيَقُول ألبسوها أحياءكم وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه وَكَانَ زاهداً فِي الدُّنْيَا مَاتَ وَلم يخلف دِينَارا وَلَا درهما وَلَا شَاة وَلَا بَعِيرًا وَعرض عَلَيْهِ أَن تجْعَل لَهُ بطحاء مَكَّة ذَهَبا فَقَالَ لَا يَا رب أجوع يَوْمًا؟ ً وَأَشْبع يَوْمًا فَأَما الْيَوْم الَّذِي أجوع فِيهِ فأتضرع إِلَيْك وأدعوك وَأما الْيَوْم الَّذِي أشْبع فِيهِ فأحمدك وأثني عَلَيْك وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتم النَّبِيين وَسيد الْمُرْسلين وتاه الله علم الْأَوَّلين والآخرين وفضله عل سَائِر الْخلق أَجْمَعِينَ وَلَا يحص أحد مناقبه من الْعَالمين صل الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وعل أَزوَاجه الطاهرات أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ صَلَاة دائمة إِلَى يَوْم الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين (ذكر أَزوَاجه صل الله عَلَيْهِ وَسلم) أول من تزوج خَدِيجَة بنت خويلد رَضِي الله عَنْهَا ثمَّ سَوْدَة بنت زَمعَة ثمَّ عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ زَيْنَب بنت خُزَيْمَة وَكَانَت تدعى أم الْمَسَاكِين لرأفتها بهم وَمَكَثت عِنْده ثَمَانِيَة أشهر وَتوفيت وَقد بلغت ثَلَاثِينَ سنة ودفنت بِالبَقِيعِ وَلم يمت من أَزوَاجه فِي حَيَاته إِلَّا هِيَ وَخَدِيجَة رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ أم سَلمَة وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة ثمَّ زَيْنَب بنت جحش وَكَانَ إسمها بره فسماها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب وَكَانَت قبله عِنْد زيد بن حارثه مَوْلَاهُ فَطلقهَا فَلَمَّا زَوجهَا الله تعال إِيَّاه من السَّمَاء وَهِي الَّتِي قَالَ الله تعال فِيهَا (فَلَمَّا قضي زيد مِنْهَا وطرأ زوجناكما) وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا وَأطْعم الْمَسَاكِين خبْزًا وَلَحْمًا

وفها نزلت آيَة الْحجاب وَكَانَت كَثِيرَة الصَّدَقَة والإيثار رَضِي الله عَنْهَا ثمَّ جوَيْرِية بنت الْحَارِث وَكَانَ اسْمهَا بره فسماها جوَيْرِية ثمَّ أم حبيب وَاسْمهَا رَملَة بنت أبي سُفْيَان أصدقهَا عَنهُ النَّجَاشِيّ - كَمَا تقدم - ثمَّ صَفِيَّة بنت حَيّ من سبي خَبِير اصطفاها لنَفسِهِ وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا - كَمَا تقدم - ثمَّ مَيْمُون بنت الْحَارِث وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها مَيْمُونَة وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَؤُلَاءِ نساؤه الْمَدْخُول بِهن إِحْدَى عشرَة امْرَأَة وَمَات عَن تسع مِنْهُنَّ وَتزَوج وخطب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسَاء غير هَؤُلَاءِ وَلَكِن لم يدْخل بِهن فمنهن أَسمَاء بنت النُّعْمَان الْجَوْنِية تزوج بهَا ثمَّ فَارقهَا فَقيل إِن سَبَب فراقها إِنَّه لما دخلت عَلَيْهِ قَالَت أعوذ بِاللَّه مِنْك فَقَالَ لَهَا قد عذت بعظيم أَو بمعاذ إلحقي بأهلك وَطَلقهَا فَكَانَت تسمى نَفسهَا بالشقية وَقيل إِن صَاحِبَة هَذِه الْقِصَّة امْرَأَة غير أَسمَاء هَذِه وَخَوْلَة بنت الْهُذيْل زَوجهَا رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَاتَتْ فِي الطَّرِيق قبل وصولها إِلَيْهِ وَأم شريك هِيَ عَرَفَة بنت دودان تزَوجهَا وَلم يدْخل بهَا وَصفِيَّة بنت هِشَام العبدية وشراف الْكَلْبِيَّة أُخْت دحْيَة والعالية الْكلابِيَّة رُوِيَ إِنَّهَا مكثت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ الله ثمَّ طَلقهَا وسبا السّلمِيّ مَاتَت قبل أَن يصل إِلَيْهَا وَقتيلَة بنت قيس الكندية قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل خُرُوجهَا إِلَيْهِ من الْيمن وَعمرَة بنت يزِيد الْكلابِيَّة طَلقهَا وضباعة بنت عَامر القسيرية خطبهَا ثمَّ أمسك وليلى بنت الْحطيم الاوسية تخطت مَنْكِبه وَهُوَ غافل فَقَالَ من هَذِه أكلهَا الْأسد؟ فَقَالَت أَنا ليلى بنت الْحطيم بن مطعم الطير قد جئْتُك أعرض عَلَيْك نَفسِي فَقَالَ قد قبلتك فَرَجَعت إِلَى أَهلهَا فَقَالُوا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير الضرائر وَأَنت امْرَأَة غيورة ولسنا نَأْمَن أَن تغيظيه فيدعوا عَلَيْك فاستقيليه فَأَتَتْهُ فأقالها فَدخلت بعد ذَلِك حيطان الْمَدِينَة فَشد عَلَيْهَا الْأسد فَأكلهَا

وَأما سراريه فَكُن أَرْبعا مَارِيَة بنت شمعمون الْقبْطِيَّة أهداها لَهُ الْمُقَوْقس صَاحب مصر وَرَيْحَانَة بنت شَمْعُون النضيرية وَأُخْرَى جميلَة أَصَابَهَا فِي السَّبي وَجَارِيَة وهبتها لَهُ زَيْنَب بنت جحش وَتقدم ذكر أَوْلَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ذكر الْأسود العنسى ومسيلمة وسجاح وطليحة وَمَا جرى مِنْهُم) أما الْأسود فاسمه عبهلة وَهُوَ مِمَّن ارْتَدَّ وتنبأ وَكَانَ من الْكَذَّابين وَكَانَ بِالْيمن وَادّعى النُّبُوَّة قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأَرْبعَة أشهر فَلَمَّا بلغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك أرسل إِلَى نفر من الْيمن يَأْمُرهُم بقتْله فَقَتَلُوهُ وَأَرْسلُوا إِلَى رَسُول الله (ص) بِخَبَرِهِ فَسبق خبر السَّمَاء فَأخْبر النَّاس بذلك قبل وَفَاته بِقَلِيل وَوصل الْكتاب الْأسود فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ كَمَا أخبر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ قَتله قبل وَفَاة النَّبِي (ص) بِيَوْم وَلَيْلَة وَأما مُسَيْلمَة فَإِنَّهُ عل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد بني حنيفَة ثمَّ ارْتَدَّ وَادّعى النُّبُوَّة وَتسَمى رحمان الْيَمَامَة وَخَافَ أَن لَا يتم لَهُ مُرَاده فَقَالَ إِن مُحَمَّدًا قد أشركني مَعَه وَشرع يسجع لِقَوْمِهِ ويضاهي الْقُرْآن وَذَلِكَ فِي حَيَاة النَّبِي (ص) وَكَانَت لَهُ فتْنَة فَاحِشَة وَقَتله أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته وَكَانَ وَحشِي قَاتله بالحربة الَّتِي قتل بهَا حَمْزَة عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشاركه فِي قَتله رجل من الْأَنْصَار وَأما سجَاح بنت الْحَارِث النميمية كَانَت قد ادَّعَت النُّبُوَّة فِي اردة وتبعها جمَاعَة وقصدت قتال أبي بكر ثمَّ ذهبت إِلَى الْيَمَامَة وَاجْتمعت بمسيلمة وَتَزَوَّجت بِهِ وتنقلت بهَا الْأَحْوَال إِلَى زمن مُعَاوِيَة فَأسْلمت وَحسن إسْلَامهَا وانتقلت إِلَى الْبَصْرَة وَمَاتَتْ بهَا

واما طليحة الْأَسدي فَإِنَّهُ ادْع النُّبُوَّة وَتَبعهُ وقوى أمره وقاتله خَالِد بن الْوَلِيد فِي اردة ثمَّ أسلم وَخرج نَحْو مَكَّة مُعْتَمِرًا فِي خلَافَة أبي بكر (رض) وَقَاتل فِي الفتوحات فَقتل يَوْم وقْعَة نهاوند مَعَ الْأَعَاجِم فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ (فضل الصَّلَاة على رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وكيفيتها) رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول ثمَّ صلوا عَليّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ مرّة وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا ثمَّ سلوا لي الْوَسِيلَة فَإِنَّهَا منزلَة لَا تنبغي إِلَّا لعبد وَاحِد وَأَرْجُو أَن أكون أَنا فَمن سَأَلَ الْوَسِيلَة حلت لَهُ الشَّفَاعَة وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِن الدُّعَاء مَوْقُوف بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَا يصعد مِنْهُ شئ حَتَّى تصل عل نبيك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا فعلت اخرقت الْحجب وَدخل الدُّعَاء وَإِن لم تفعل ذَلِك رَجَعَ الدُّعَاء وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ إِن أنجاكم يَوْم الْقِيَامَة من أهوالها ومواطنها أَكْثَرَكُم عَليّ صَلَاة وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ حَدثنِي رَسُول الله (ص) وعدهن فِي يَدي قَالَ عدهن فِي يَدي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ جِبْرِيل هَكَذَا أنزلت بِهن من عِنْد رب الْعِزَّة اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ وترحم على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا ترحمت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك أَنْت حميد مجيد اللَّهُمَّ وتحنن على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا تحننت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ وَسلم عل مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا سلمت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد

وَعَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ الصَّلَاة على النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم أمحق للذنوب من المَاء الْبَارِد للنار وَالسَّلَام عَلَيْهِ أفضل من عتق الرّقاب قَالَ ابْن الْفَاكِهَانِيّ قلت إِنَّمَا كَانَ أفضل من عتق الرّقاب - وَالله أعلم - لِأَن عتق الرّقاب فِي مُقَابلَة الْعتْق من النَّار وَدخُول الْجنَّة وَالسَّلَام عَلَيْهِ فِي مُقَابلَة سَلام الله تعال وَسَلام من الله أفضل من مائَة ألف جنَّة فناهيك بهَا من فنسأل الله تَعَالَى أَن يرزقنا مرافقته فِي الْجنَّة بمنه وَكَرمه وجوده وإحسانه آمين (ذكر دَاب زِيَارَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَمَا يستجب أَن يَفْعَله الزائر وَيَدْعُو بِهِ يسْتَحبّ لمن قدم الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أَن يغْتَسل قبل دُخُوله إِلَيْهَا ويتطيب ويلبس أحسن ثِيَابه وَيدخل بسكينة ووقار وَيَقُول بِسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا وَيكرهُ لَهُ الرّكُوب فِي أزقتها إِلَّا لعذر فَإِذا وصل إِلَى أحد أَبْوَاب الْمَسْجِد الشريف قَالَ اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وأغفر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك وكف عني أَبْوَاب سخطك الْحَمد لله الَّذِي بَلغنِي هَذَا الْموضع الشريف وَجَعَلَنِي أَهلا لحضور هَذَا الْمَسْجِد الْعَظِيم وزيارة قبر رَسُوله الْكَرِيم فَالْحَمْد لله على ذَلِك عدد نعمه الَّتِي لَا تحصى وافضاله الَّذِي لَا يستقصي وَلَا يفنى ثمَّ يقدم رجله الْيُمْنَى قللا وَيَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بِسم الله وَبِاللَّهِ وَمن الله وَالِي الله وَفِي سَبِيل الله وعل مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا وَكَذَا يَتْلُو إِذا خرج وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَأْتِي الْمِنْبَر مستديماً للذّكر وَالثنَاء وَالصَّلَاة عل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي عِنْده رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّة الْمَسْجِد ويتحرى لصلاته جَانب الْمِنْبَر تجاه صندوق

الْمَصَاحِف وَيجْعَل عَمُود الْمِنْبَر حذاء مَنْكِبه الْأَيْمن وَيسْتَقْبل السارية الَّتِي إِلَى جَانبهَا الصندوق وَتَكون الدائرة الَّتِي فِي قبْلَة الْمَسْجِد بَين عَيْنَيْهِ فَذَلِك موقف النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كَانَ يؤم النَّاس فِيهِ ثمَّ يَقُول بعد فراغهما الْحَمد لله الَّذِي بَلغنِي هَذَا الْمَكَان ووفقني لاتيانه وأوصلنيه فِي يسر وعافية اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت وَتَعَالَيْت يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام والطول والأنعام فلك الْحَمد ملئ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وملئ مَا شِئْت من شَيْء بعد وَيَأْتِي الْقَبْر الشريف من بَاب الْمَقْصُورَة الْقبل فَإِذا وصل الْمَقْصُورَة اسْتقْبل وَجهه الْكَرِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ بِأَن يستدير الْقبْلَة وَيسْتَقْبل جِدَار الْقَبْر الشريف عل نَحْو أَرْبَعَة أَذْرع من السارية الَّتِي فِي زَاوِيَة الْمَقْصُورَة وَيجْعَل الْقنْدِيل على رَأسه وَلَا يمس الْجِدَار بِيَدِهِ وَلَا بِشَيْء من بدنه وَيقف متأدباً بَين يَدَيْهِ كَمَا لَو كَانَ حَيا مظْهرا لاحترامه ويستحضر فِي نَفسه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَالم بِحُضُورِهِ وقيامه تجاهه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَإنَّهُ يُجيب من سلم عَلَيْهِ من بعيد فَكيف من قريب وَيسلم على رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُصلي عَلَيْهِ وَقد ورد أَشْيَاء كَثِيرَة فِي صفة السَّلَام عَلَيْهِ فأيها فعل أجزاءه ثمَّ يتَقَدَّم يَسِيرا فيقف وَيسلم على خَلِيفَته سيدنَا أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ثمَّ يتَقَدَّم يَسِيرا فَيسلم عل أَمِير الْمُؤمنِينَ سيدنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ثمَّ يَأْتِي الرَّوْضَة فَيصَلي فِيهَا مَا يسر الله لَهُ وَيُصلي عِنْد الْمِنْبَر أَيْضا ثمَّ يَدْعُو عِنْد انْصِرَافه فَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أتيت قبر نبيك صل الله عَلَيْهِ وَسلم متقرباً إِلَيْك بزيارته متوسلاً لديك بِهِ وَأَنت قلت وقولك الْحق وَلَا تخلف الميعاد (وَلَو إِنَّهُم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما) اللَّهُمَّ أجعلها زِيَارَة مَقْبُول وسعياً مشكوراً وَعَملا منقبلا مبروراً وَدُعَاء تُدْخِلنَا بِهِ جنتك وتسبغ علينا رَجَمْتُك اللَّهُمَّ اجْعَل سيدنَا مُحَمَّدًا انجح السَّائِلين

وَأكْرم الْأَوَّلين والآخرين اللَّهُمَّ كَمَا آمنا بِهِ وَلم نره وصدقناه وَلم نلقه فأدخلنا مدخله واحشرنا محشره وأوردنا حَوْضه واسقنا بكأسه مشرباً روياً سائغاً هنياً لَا نظمأ بعْدهَا أبدا وَيسْتَحب لَهُ زِيَارَة البقيع فَيبْدَأ بِقَبْر سيدنَا إِبْرَاهِيم بن رَسُول الله (ص) فيزوره ويزور قبر الْعَبَّاس وَعُثْمَان بن عَفَّان وَالْحسن بن عَليّ وَبَنَات رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم وَيسْتَحب زِيَارَة مَا بِتِلْكَ الأَرْض الشَّرِيفَة من الْأَمَاكِن الْمَشْهُورَة ثمَّ إِذا قصد الذّهاب إِلَى وَطنه اغْتسل وَلبس أحسن ثِيَابه واتى الْمَسْجِد الشريف مكرراً للصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَأْتِي الْقَبْر الشريف وَيسلم عل رَسُول الله (ص) وعَلى ضجيعيه وَيكثر من الصَّلَاة عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا وَيَدْعُو بِمَا أحب من خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ يخرج غير مستدبر الْقَبْر الشريف وَيبدأ بِرجلِهِ الْيُسْرَى قَائِلا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَافْتَحْ لي أَبْوَاب فضلك وَحط عني أوزاري بزيارة نبيك وَأحسن منقلبي إِلَى أَهلِي ووطني ببركته صلي الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رب الْعَالمين يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ أدخلنا فِي شَفَاعَته أَجْمَعِينَ (ذكر فَضَائِل الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَمَا ورد فِي ذَلِك) من الْآيَات وَالْأَحَادِيث قد تقدم فِي أول الْكتاب الْكَلَام على أول سُورَة الْإِسْرَاء فَلَو لم يكن لَهُ من الْفَضِيلَة غير هَذِه الْآيَة لكَانَتْ كَافِيَة فِيهِ لِأَنَّهُ إِذا بورك حوله فالبركة فِيهِ مضاعفة وَقَالَ الله تَعَالَى - أَخْبَار عَن نبيه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام - (وغذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة) أَي المطهرة وَالتَّقْدِيس هُوَ التَّطْهِير وسم بَيت الْمُقَدّس مقدساً لِأَنَّهُ يتَطَهَّر فِيهِ من الذُّنُوب , وَتقدم ذَلِك عِنْد أَسمَاء بَيت الْمُقَدّس

قَالَ ابْن عَبَّاس بَيت الْمُقَدّس عَلَيْهِ الطل والمطر مذ خلق الله السنين وَالْأَيَّام وَرُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى (ونجيناه ولوطاً إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين) قَالَ هِيَ الأَرْض المقدسة بَارك الله فِيهَا للْعَالمين لِأَن كل مَاء فِي الأَرْض عذب يخرج مِنْهَا من أصل الصَّخْرَة الشَّرِيفَة ثمَّ يتفرق فِي الأَرْض وَقَالَ تَعَالَى (إِن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون) قيل فِي أحد الْأَقْوَال إِنَّهَا الأَرْض المقدسة يَرِثهَا أمة مُحَمَّد صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ تَعَالَى (وآويناهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين) قَالَ ابْن عَبَّاس هِيَ بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ قَول قَتَادَة وَكَعب وَقَالَ كَعْب هِيَ اقْربْ الأَرْض إِلَى السَّمَاء بِثمَانِيَة عشر ميلًا يَعْنِي لِأَن الربوة الْمَكَان الْمُرْتَفع من الأَرْض وَقَالَ تَعَالَى (واستمع يَوْم يُنَادي الْمُنَادِي من مَكَان قريب) الْمُنَادِي هُوَ اسرافيل عَلَيْهِ السَّلَام يُنَادي من صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس بالحشر وَهِي وسط الأَرْض وَرُوِيَ أَن الْمَكَان الْقَرِيب هُوَ صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَقَالَ تعال (قي بيُوت اذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه) يَعْنِي بِهِ بَيت الْمُقَدّس وَقَالَ تَعَالَى (فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب) يَعْنِي بَين الْمُؤمنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَهُوَ حَائِط بَين الْجنَّة وَالنَّار لَهُ - أَي لذَلِك السُّور - بَاب فِيهِ الرَّحْمَة وَهِي الْجنَّة وَظَاهره - أَي من خَارج ذَلِك السُّور - من قبله - أَي من قبل ذَلِك الظَّاهِر الْعَذَاب - وَعَن أبي الْعَوام قَالَ سَمِعت عبد الله بن عمر يَقُول إِن السُّور الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن بقوله (فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب) هُوَ سور بَيت الْمُقَدّس الشَّرْقِي بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة الْمَسْجِد وَظَاهره من قبْلَة الْعَذَاب وَادي جَهَنَّم ورو الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ فِي مُسْنده من حَدِيث أَمَامه قَالَ قَالَ

رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال طَائِفَة من أمتِي عل الْحق ظَاهِرين لعدوكم قاهرين لَا يضرهم من خالفهم وَلَا مَا أَصَابَهُم من اللأواء حَتَّى يَأْتِيهم أنمر الله وهم كَذَلِك قَالُوا يَا رَسُول الله وَأَيْنَ هم؟ قَالَ بِبَيْت الْمُقَدّس وأكناف بَيت الْمُقَدّس وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع من مَدَائِن الْجنَّة مَكَّة وَالْمَدينَة ودمشق وَبَيت الْمُقَدّس وَعَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تَعَالَى يَا شام أَنْت صفوتي من بلادي وَأَنا سائق إِلَيْك صفوتي من عبَادي من كَانَ مولده فِيك فَاخْتَارَ عَلَيْك غَيْرك فبذنب يُصِيبهُ وَمن كَانَ مولده فِي غَيْرك فاختارك فبرحمة مني يَا شام اتسعي لأهْلك بالرزق كَمَا يَتَّسِع الرَّحِم للْوَلَد وعيني عَلَيْك بالطل والمطر مذ خلقت السنين وَالْأَيَّام من يعْدم فِيك المَال لَا يعْدم فِيك الْخَيْر يَا أورشلم أَنْت مُقَدَّسَة بنوري وفيك الْمَحْشَر والمنشر أزفك يَوْم الْقيام كَمَا تزف الْعَرُوس إِلَى بَعْلهَا وَمن دَخلك استغن عَن الزَّيْت والقمح وَعَن معَاذ قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معَاذ أَن الله عز وَجل سيفتح عَلَيْكُم الشَّام من بعدِي من الْعَريش إِلَى الْفُرَات رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ وإمارؤهم مرابطون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَمن اخْتَار مِنْكُم ساحلا من سواحل الشَّام أَو بَيت الْمُقَدّس فَهُوَ فِي جِهَاد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَعَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ قَالَ تَعَالَى لبيت الْمُقَدّس أَنْت جنتي وقدسي وصفوتي من بلادي من يسكنك فبرحمة مني وَمن خرج مِنْك فبسخط مني عَلَيْهِ (فضل الصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس) رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ إِن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه ثَلَاثًا فَأعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَنحن نرجو أَن يكون قد أعطَاهُ الثَّالِثَة سَأَلَهُ حكما يُصَادف حكمه فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَسَأَلَهُ ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَسَأَلَهُ أَيّمَا

رجل من بَيته لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَسْجِد أَن يخرج من خطيئته كَيَوْم وَلدته أمه فَنحْن نرجو أَن يكون قد أعطَاهُ إِيَّاه وَعَن مَكْحُول قَالَ من خرج إِلَى بَيت الْمُقَدّس لغير حَاج إِلَّا الصَّلَاة فصلى فِيهِ خمس صلوَات صبحاً وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاء خرج من خطيئته كَيَوْم وَلدته أمه وَعَن كَعْب قَالَ شكا بَيت الْمُقَدّس إِلَى ربه الخراب فأوح الله إِلَيْهِ لأملأنك خدوداً سجدا يزفون إِلَيْك زفيف النسور إِلَى أوكارها ويحنون إِلَيْك حنين الْحمام إِلَى بيضها فَقَالَ رجل اتَّقِ الله يَا كَعْب وَإِن لَهُ لِسَانا؟ قَالَ نعم وَقَلْبًا كقلب أحدكُم وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم من زار بَيت الْمُقَدّس محتسباً أعطَاهُ الله أجر ألف شَهِيد وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زار عَالما فَكَأَنَّمَا زار بَيت الْمُقَدّس وَمن من صلى فِي بَيت الْمُقَدّس غفوت ذنُوبه كلهَا وَعَن كَعْب الْأَحْبَار من أَتَى بَيت الْمُقَدّس فصلى عَن يَمِين الصَّخْرَة وَعَن شمالها ودعا عِنْد مَوضِع السلسلة وَتصدق بِمَا قل أَو كثر اسْتُجِيبَ لَهُ دعاؤه وكشف الله حزنه وَخرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه وَإِن سَأَلَ الله الشَّهَادَة أعطَاهُ الله إِيَّاهَا وَالله أعلم (مضاعفة الصَّلَاة فِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس) رُوِيَ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فضلت الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام عل غَيره بِمِائَة ألف صلا وَفِي مَسْجِدي بِأَلف صَلَاة

وَفِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس بِخَمْسِمِائَة صَلَاة رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ (مضاعفة الْحَسَنَات والسيئات فِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس) رُوِيَ عَن جرير بن عُثْمَان وَصَفوَان بن عَمْرو أَنَّهُمَا قَالَا الْحَسَنَة فِي بَيت الْمُقَدّس بِأَلف والسيئة بِأَلف وَعَن اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع قَالَ قَالَ لي ابْن عمر - وَنحن بِبَيْت الْمُقَدّس - يَا نَافِع اخْرُج بِنَا من هَذَا الْبَيْت فَإِن السَّيِّئَات تضَاعف فِيهِ كَمَا تضَاعف الْحَسَنَات وَأحرم وَخرج من بَيت الْمُقَدّس قَالَ الْعلمَاء معنى ذَلِك أَن عُقُوبَة من اقْتَرَف ذَنبا فِي أحد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة اعظم عُقُوبَة مِمَّن اقترفه فِي غَيرهَا لشرف هَذِه الْمَسَاجِد وفضلها والذنب الْوَاحِد فِي أَحدهَا أعظم من ذنُوب كَثِيرَة فِي غَيرهَا من الْمَوَاضِع وَلذَلِك تضَاعف فِيهِ السَّيِّئَات وَمَعْنَاهُ تَغْلِيظ عقوبتها لَا أَن الْإِنْسَان يعْمل ذَنبا وَاحِدًا فَيكْتب عَلَيْهِ عشرَة ذنُوب وَالله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه الْعَزِيز (من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا) فقد غلظت الدِّيَة عل من قتل فِي الْحرم أَو الْإِحْرَام أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو قتل ذَا رحم محرم لحُرْمَة هَذِه الْأَشْيَاء وَعظم محلهَا فالتعدد فِي الْمَعْنى من حَيْثُ إِنَّه انتهك حُرْمَة بيُوت الله وَقد قَالَ الله تَعَالَى (فِي بيُوت إِذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال لَا تليهم تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وَأقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة يخَافُونَ يَوْمًا تتقلب فِيهِ الْقُلُوب والأبصار لِيَجْزِيَهُم الله أحسن مَا علمُوا ويزيدهم من فَضله) وَقد ارْتكب الْمعْصِيَة فِيهَا فَهَذَا معنى التَّضْعِيف (شدّ الرّحال إِلَيْهِ) عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام الْمَسْجِد ألاقى ومسجدي هَذَا (كَرَاهِيَة اسْتِقْبَال الصَّخْرَة ببول أَو غَائِط) رو أَبُو دَاوُد رَحمَه الله فِي سنَنه إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يسْتَقْبل القبلتان ببول أَو غَائِط وَعَن نَافِع ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تستقبلوا وَاحِدَة من الْقبْلَتَيْنِ ببول أَو غَائِط وَرُوِيَ تَحْرِيم ذَلِك عَن الشّعبِيّ (فضل الإهلال بِالْحَجِّ والعمر من بَيت الْمُقَدّس) عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سَمِعت رَسُول الله (ص) يَقُول من أهل بِحَجّ أَو عمْرَة من الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة وَقد أحرم مِنْهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ثمَّ قَالَ لَوَدِدْت إِنِّي مَا جِئْت بَيت الْمُقَدّس واحرم مِنْهُ ابْنه عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَيْضا وَالْمَاء والرياح يخرجَانِ من تَحت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ الْمِيَاه العذبة والرياح اللواقح تخرج من تَحت صَخْر بَيت الْمُقَدّس وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ ولسم الْأَنْهَار أَرْبَعَة سيحان وجيحان والنيل والفرات فَأَما سيحان فنهر بَلخ وَأما جيحان فدجلة وَأما النّيل مصر وَأما الْفُرَات ففرات الْكُوفَة وكل مَاء يشربه ابْن دم فَهُوَ من هَذِه الْأَرْبَعَة وَيخرج من تَحت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَقد نقل فِي فضل مَاء بَيت الْمُقَدّس وَمَا فِيهِ من الْمَنْفَعَة وَإِن من أَرَادَ

إِن يشرب مَاء فِي جَوف اللَّيْل فَلْيقل يَا مَاء مَاء بَيت الْقُدس يُقْرِئك السَّلَام ثمَّ يشرب فَإِنَّهُ أَمَان بِإِذن الله عز وَجل (بَيت الْمُقَدّس أَرض الْمَحْشَر والمنشر) عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قلت يَا رَسُول الله الصَّلَاة فِي مسجدك أفضل من الصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس؟ قَالَ الصَّلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من أَربع صلوَات فِيهِ ولنعم هُوَ أَرض الْمَحْشَر والمنشر وَعَن كَعْب قَالَ إِن الكعب بميزان الْبَيْت الْمَعْمُور فِي السَّمَاء السَّابِعَة الَّذِي تحجه مَلَائِكَة الله تعال لَو وَقعت مِنْهُ أَحْجَار لوقعت عل أَحْجَار الْبَيْت الْحَرَام وَإِن الْجنَّة فِي السَّمَاء السَّابِع بميزان بَيت الْمُقَدّس لَو وَقع مِنْهَا حجر لوقع عل الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَلذَلِك دعيت أورشلم ودعيت الْجنَّة دَار السَّلَام وَقَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان عَن بَيت الْمُقَدّس مَا فِيهِ مَوضِع شبر إِلَّا وَقد صل عَلَيْهِ نَبِي مُرْسل أَو قَامَ عَلَيْهِ ملك مقرب وَقَالَ وهب بن مُنَبّه أهل بَيت الْمُقَدّس جيران الله وَحقّ عل الله أَن لَا يعذب جِيرَانه وَعَن عبد الله بن عمر إِنَّه قَالَ إِن الْحرم لمحرم فِي السَّمَاوَات السَّبع بمقداره فِي الأَرْض وَأَن بَيت الْمُقَدّس فِي السَّمَاوَات السَّبع بمقداره فِي الأَرْض (توكل الْمَلَائِكَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى) عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ ثَلَاث أَمْلَاك ملك مُوكل بالكعب وَملك مُوكل بمسجدي وَملك مُوكل بِالْمَسْجِدِ الأقص فَأَما الْمُوكل بالكعب فينادي فِي كل يَوْم من ترك فَرَائض الله خرج من أَمَان الله وَأما الْمُوكل بمسجدي هَذَا فينادي فِي كل يَوْم من ترك سنة رَسُول الله صل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما الْملك الْمُوكل بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فينادي

فِي كل يَوْم من كَانَت طعمته جواماً عمله مَضْرُوبا بِهِ وَجهه (فضل أسراج بِبَيْت الْمُقَدّس الشريف عِنْد الْعَجز عَن الْوُصُول إِلَيْهِ) فَإِنَّهُ يقوم مقَام الصَّلَاة فِيهِ وَفضل عِمَارَته رُوِيَ عَن مَيْمُونَة بنت سعد مولا رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله افتنا فِي بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ أرضالمحشر والمنشر ائتون فصلوا فِيهِ فَإِن كل صَلَاة فِيهِ كألف صَلَاة قُلْنَا يَا رَسُول الله فَمن لم يَسْتَطِيع أَن يصل إِلَيْهِ؟ قَالَ فَمن لم يَسْتَطِيع أَن يَأْتِيهِ فليهد إِلَيْهِ زيتاً يسرج فِي قناديله فَإِن من أهد إِلَيْهِ زيتاً كَانَ كمن أَتَاهُ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَسْرج فِي بَيت الْمُقَدّس سِرَاجًا لم تزل الْمَلَائِكَة تستغفر لَهُ مَا دَامَ ضوؤه فِي الْمَسْجِد وَفِي نبوة يحيى عَلَيْهِ السَّلَام من بني فِي بَيت الْمُقَدّس بِنَاء أَو أثر فِيهِ أثرا حسنا أَو عمر فِيهِ شَيْئا زَاد الله فِي عمره خَمْسَة عشر سنة وراد الله لَهُ من المَال وَالْولد وَإِن كَانَ ملكا ملكه الله إِيَّاهَا - يَعْنِي الأَرْض (وَصفَة الدَّجَّال قَاتله الله - الدَّجَّال لَا يدْخل بَيت الْمُقَدّس) رُوِيَ عَن الضَّحَّاك إِنَّه قَالَ الدَّجَّال لَيْسَ لَهُ لحية وافر الشَّارِب طول وَجهه ذراعان وقامته فِي السَّمَاء ثَمَانُون ذِرَاعا وَعرض مَا بَين مَنْكِبَيْه ثَلَاثُونَ ذِرَاعا ثِيَابه وخفاه وسرجه ولجامه بِالذَّهَب والجواهر على رَأسه تَاج مرصع بِالذَّهَب والجوهر فِي يَده طبرزن هَيئته الْمَجُوس ترسه فارسية وَكَلَامه الفارسية تطو لَهُ الأَرْض ولأصحابه طياً طياً يطَأ مجامعها وَيرد مناهلها غلا الْمَسَاجِد الْأَرْبَع مَسْجِد مَكَّة وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَمَسْجِد الطّور وَعَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ يدْخل الدَّجَّال الأَرْض كلهَا إِلَّا أَرْبَعَة مَسَاجِد وَأَرْبع قرى مَكَّة وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس وطور سيناء

وَرُوِيَ نَحوه عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وروى ثَوْر عَن خَالِد بن صَفْوَان قَالَ عصمَة الْمُؤمنِينَ من المسيخ الدَّجَّال بَيت الْمُقَدّس وَعَن ربيعَة بن زيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزالون تقاتلون الْكفَّار حَتَّى تقَاتل بَقِيَّتكُمْ جنود الدَّجَّال بِبَطن الْأُرْدُن بَيْنكُم النَّهر أَنْتُم غَرِيبَة وهم شرقية قَالَ ربيعَة فَقَالَ الْمُحدث من أَصْحَاب رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا سَمِعت بنهر الْأُرْدُن إِلَّا من رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَرُوِيَ إِن نَبِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَأْخُذ من حِجَارَة بَيت الْمُقَدّس ثَلَاثَة أَحْجَار الأول مِنْهَا يَقُول بِسم إِلَه إِبْرَاهِيم وَالثَّانِي يَقُول بِسم إِلَه إِسْحَاق وَالثَّالِث يَقُول بِسم إِلَه يَعْقُوب ثمَّ يخرج بِمن مَعَه من الْمُسلمين إِلَى الدَّجَّال فَإِذا رَآهُ انهزم عَنهُ فيدركه عِنْد بَاب لد فيرميه بِأول حجر فَيُصِيبهُ بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث فَيَقَع فيضربه سيدنَا عيس عَلَيْهِ السَّلَام فيقتله وَيقتل الْيَهُود حَتَّى إِن الْحجر وَالشَّجر ليقولان يَا مُؤمن تحتي يَهُودِيّ فأته فاقتله قَالَ صل الله عَلَيْهِ وَسلم يُوشك أَن ينزل فِيكُم ابْن مَرْيَم إِمَامًا مقسطاً فيكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير (فضل الْأَذَان فِي بَيت الْمُقَدّس) رُوِيَ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ إِن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أَي الْخلق أول دُخُولا إِلَى الْجنَّة؟ قَالَ الْأَنْبِيَاء قَالَ ثمَّ من؟ قَالَ الشُّهَدَاء قَالَ ثمَّ قَالَ مؤذنو بَيت الْمُقَدّس قَالَ ثمَّ من؟ قَالَ مُؤذن الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ ثمَّ من؟ قَالَ مؤذنو مَسْجِدي قَالَ ثمَّ من؟ قَالَ سَائِر المؤذنين وَعَن الْعَلَاء بن هَارُون قَالَ بَلغنِي أَن الشُّهَدَاء يسمعُونَ أَذَان مؤذني بَيت الْمُقَدّس لصَلَاة الْغَدَاة يَوْم الْجُمُعَة وَعَن كَعْب قَالَ لم يستشهد عبد قطّ فِي بر وَلَا بَحر إِلَّا وَهُوَ يسمع أَذَان مؤذني بَيت الْمُقَدّس وَإنَّهُ يسمعع أَذَان مؤذني بَيت الْمُقَدّس من السَّمَاء (فضل الصَّدَقَة فِي بَيت الْمُقَدّس) رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رضيالله عَنهُ إِنَّه قَالَ من تصدق فِي بَيت الْمُقَدّس بدرهم كَانَ لَهُ بَرَاءَة من النَّار وَمن تصدق برغيف كَانَ كمن تصدق بجبال الأَرْض ذَهَبا (فضل الصّيام فِيهِ والإستغفار) رُوِيَ عَن كَعْب إِنَّه قَالَ من صَامَ يَوْمًا بِبَيْت الْمُقَدّس أعطَاهُ الله برَاء من النَّار وَمن اسْتغْفر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات فِي بَيت المقدسس ثلاثمرات كتب لَهُ مثل جَمِيع حَسَنَات الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَدخل عل كل مُؤمن ومؤمنة من دُعَائِهِ فِي كل يَوْم وَلَيْلَة سَبْعُونَ مغْفرَة (فضل الدّفن فِي بَيت الْمُقَدّس) قد سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ربه أَن يدينه من الأَرْض المقدسة رمية حجر وَتقدم ذكر ذكل عِنْد ذكره عَلَيْهِ السَّلَام وَعَن كَعْب أَن بِبَيْت الْمُقَدّس ألف قبر من قُبُور الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ من مَاتَ بِبَيْت الْمُقَدّس فَكَأَنَّمَا مَاتَ فِي السَّمَاء (فضل الصَّخْرَة) رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّه قَالَ صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس من صخور الْجنَّة وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم

صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس على نَخْلَة والنخلة عل نهر من أَنهَار الْجنَّة وَتَحْت النَّخْلَة آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن وَمَرْيَم ابْن عمرَان ينظمان سموط أهل الْجنَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول سيد الْبِقَاع بَيت الْمُقَدّس وَسيد الصخور صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَعَن أم عبد الله ابْنة خَالِد بن سَعْدَان عَن أَبِيهَا لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تزف الْكَعْبَة إِلَى الصَّخْرَة فَيتَعَلَّق بهَا جَمِيع من حَجهَا واعتمرها فَإِذا رأتها الصَّخْرَة قَالَت مرْحَبًا بالزائرة والمزورة وَرُوِيَ إِن الله عز وَجل يَجْعَل الصَّخْرَة يَوْم الْقِيَامَة مرجانه بَيْضَاء ثمَّ يبسطها عرض السَّمَاء وَالْأَرْض (فضل الصَّلَاة عَن يَمِين الصَّخْرَة) عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صليت لَيْلَة اسري بِي إِلَى بَيت الْمُقَدّس عَن يَمِين الصَّخْرَة قَالَ المشرف وَلم يخْتَلف اثْنَان إِنَّه عرج بِهِ من عِنْد الْقبَّة الَّتِي يُقَال لَهَا قبَّة الْمِعْرَاج (البلاطة السَّوْدَاء) (وَهِي الَّتِي من دَاخل الْبَاب الشَّامي من أَبْوَاب الصَّخْرَة وَيعرف هَذَا الْبَاب بِبَاب الْجنَّة) حُكيَ إِنَّه رُؤِيَ الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّي هُنَاكَ وَالله أعلم وَيُقَال إِن قبر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِهَذَا الْبَاب وَتقدم عِنْد ذكر وَفَاته مَا قيل إِن قَبره بِبَيْت الْمُقَدّس عِنْد الجيسمانية وَإنَّهُ هُوَ وَأَبوهُ دَاوُد فِي قبر وَاحِد (الْيَمين عِنْد الصَّخْرَة) حُكيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ إِنَّه أَمر أَن يحمل عُمَّال سُلَيْمَان بن

عبد الْملك يستخلفون عِنْد الصَّخْرَة فَحَلَفُوا إِلَّا رجلا وَاحِدًا افذى يَمِينه بِأَلف دِينَار يُقَال لله أهيب بن جُنْدُب فَمَا حَال عَلَيْهِم الْحول حَتَّى مَاتُوا وَالله أعلم (فضل الصَّخْرَة لَيْلَة الرجفة) روى أَبُو عُمَيْر عَن جُنْدُب عَن رستم الْفَارِس يُقَال أَتَت الرجفة فَقيل لي قُم فَإِذن فاستهنت بذلك ثمَّ أَتَت الثَّانِيَة فَقيل لي قُم فَإِذن فاستهنت بذلك ثمَّ أَتَت الثَّالِثَة فانتهزت انتهاز شَدِيدَة وَقيل لي قُم فَإِذن فَأتيت الْمَسْجِد فَإِذا الدّور قد تهدمت قَالَ فَخرج لي بعض حراس الصَّخْرَة فَقَالَ لي إذهب فأتني بِخَير أَهلِي وتعال حَتَّى أخْبرك بالعجب قَالَ فَأتيت منزله فَإِذا هُوَ قد هدم فَرَجَعت فأعلمته فَقَالَ لي لما كَانَ من الْأَمر مَا كَانَ أُتِي إِلَيْهَا فَحملت حَتَّى ى نَظرنَا إِلَى السَّمَاء والنجوم ثمَّ أُعِيدَت فسمعناهم يَقُولُونَ ساووها عدلوها حَتَّى أُعِيدَت على حَالهَا وَرَوَاهُ عبيد الله بن مُحَمَّد القرماني عَن ضَمرَة عَن رستم بِنَحْوِهِ وَفِيه أَنا لذِي خرج إِلَيْهِ رجل متن حراس الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَكَانَ على كل بَاب عشرَة وَفِيه لما أخيره عَن أَهله قَالَ لم نعلم فِي أول اللَّيْل إِلَّا وَقد قلعت الْقبَّة من موضعهَا حَتَّى بَدَت لنا الْكَوَاكِب فَلَمَّا كَانَ قبل مجيئك سمعنَا حفيفاً وحبكة ثمَّ سمعنَا قَائِلا يَقُول ساووها عدلوها ثَلَاث مَرَّات فأعيدت على حَالهَا ورو الْوَلِيد بن حَمَّاد عَن عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن ثَابت قَالَ حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن جده أَن أَبَا عُثْمَان الْأنْصَارِيّ كَانَ يحيي اللَّيْل بعد انْصِرَافه من الْقيام فِي شهر رَمَضَان عل البلاطة السَّوْدَاء قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِم فِي الصَّلَاة حَتَّى سمع صَوت الهد فِي الْمَدِينَة وصراخ النَّاس واستغاثتهم وَكَانَت لَيْلَة بَارِدَة مظْلمَة كَثِيرَة الرِّيَاح والأمطار قَالَ سَمِعت قَائِلا يَقُول - اسْمَع الصَّوْت وَلَا أرى الشَّخْص - ارفعوها رويداً بِسم الله فَقلعت الْقبَّة عليا حَتَّى تبدي لنا بَيَاض السَّمَاء والنجوم

فَأصَاب وَجهه من رش الْمَطَر حَتَّى أذن رستم الْفَارِسِي فَسمع قَائِلا يَقُول ردوهَا رويداً بِسم الله ساووها عدلوها فَردَّتْ الْقبَّة على مَا كَانَت عَلَيْهِ وَكَانَ هَذَا فِي الرجفة الأولى وَكَانَت هَذِه الرجفة فِي شهر رَمَضَان سنّ ثَلَاثِينَ وَمِائَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (نبذة مِمَّا ذكر من فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس الشريف الْمُعظم) قد تقدم مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ أَربع من مَدَائِن الْجنَّة مَكَّة وَالْمَدينَة ودمشق وَبَيت الْمُقَدّس وروى المشرف بِسَنَدِهِ عَن عمرَان بن الْحصين قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا أحسن الْمَدِينَة قَالَ لَو رَأَيْت بَيت الْمُقَدّس قَالَ قلت أَهِي أحسن مِنْهَا؟ فَقَالَ كَيفَ لَا تكون أحسن مِنْهَا وكل من فِيهَا يزار وَلَا يزور وتهدي إِلَيْهِ الْأَرْوَاح وَلَا يهدي روح بَيت الْمُقَدّس لغَيْرهَا إِلَّا أَن الله أكْرم الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وطيبها بِي وَأَنا فِيهَا حَيّ وَأَنا فِيهَا ميت وَلَوْلَا ذَلِك مَا هَاجَرت من مَكَّة فَإِنِّي مَا رَأَيْت الْقَمَر فِي بِلَاد قطّ إِلَّا وَهُوَ بِمَكَّة أحسن وَرُوِيَ أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام نظر وَهُوَ بِبَيْت الْمُقَدّس إِلَى نور رب الْعِزَّة ينزل ويصعد إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَعَن كَعْب قَالَ بَاب مَفْتُوح من السَّمَاء من أَبْوَاب الْجنَّة ينزل مِنْهُ النُّور وَالرَّحْمَة على بَيت الْمُقَدّس كل صباح حَتَّى تقوم السَّاعَة والطل الَّذِي على بَيت الْمُقَدّس شِفَاء من كل دَاء لِأَنَّهُ من الْجنَّة وَعَن مقَاتل بن سُلَيْمَان إِن كل لَيْلَة ينزل سَبْعُونَ ألف ملك من السَّمَاء إِلَى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس يهللون الله ويسبحون ويقدسونه ويحمدونه لَا يعودون إِلَيْهِ حَتَّى تقوم السَّاعَة وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّه قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم

من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى بقْعَة من بقع الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَقَالَ كَعْب إِن الله ينظر إِلَى بَيت الْمُقَدّس كل يَوْم مرَّتَيْنِ وَقَالَ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ إِن الْجنَّة لتحن شوقاً إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَبَيت الْمُقَدّس من جنَّة الفردوس والفردوس بالسُّرْيَانيَّة الْبُسْتَان وَقيل الْكَرم وَعَن خَالِد بن معدان إِن حَذْو بَيت الْمُقَدّس بَاب من السَّمَاء يهْبط مِنْهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك يَسْتَغْفِرُونَ لمن يجدونه يُصَلِّي فِيهِ وَقَالَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا بَيت الْمُقَدّس بنته الْأَنْبِيَاء وعمرته وَمَا فِيهِ مَوضِع شبر إِلَّا وَقد سجد عَلَيْهِ نَبِي أَو قَامَ عَلَيْهِ ملك وَقَالَ مقَاتل إِن اله تَعَالَى تكفل لمن سكن بَيت الْمُقَدّس بالرزق إِن فَاتَهُ المَال وَمن مَاتَ مُقيما محتسباً فِي بَيت الْمُقَدّس فَكَأَنَّمَا مَاتَ فِي السَّمَاء وَمن مَاتَ حول بَيت الْمُقَدّس فَكَأَنَّمَا مَاتَ فِي بَيت الْمُقَدّس وَأول أَرض بَارك الله فِيهَا بَيت الْمُقَدّس وَالْأَرْض المقدسة الَّتِي ذكرهَا الله فِي الْقُرْآن فَقَالَ (إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين) هِيَ أَرض بَيت الْمُقَدّس وكلم الله مُوسَى فِي أَرض بَيت الْمُقَدّس وَتَابَ الله عل دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام فِي أَرض بَيت الْمُقَدّس ورد الله على سُلَيْمَان ملكه فِي بَيت الْمُقَدّس وَبشر الله زَكَرِيَّا بيحي فِي بَيت الْمُقَدّس وسخر الله لداود الْجبَال وَالطير فِي بَيت الْمُقَدّس وَكَانَت الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم يقربون القرابين بِبَيْت الْمُقَدّس وتتغلب يَأْجُوج على الأَرْض كلهَا غير بَيت الْمُقَدّس ويهلكهم الله فِي أَرض بَيت الْمُقَدّس وَينظر الله كل يَوْم بِخَير إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَأوصى إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام لما مَاتَا أَن يدفنا بِأَرْض بَيت الْمُقَدّس

أولي الْعَزْم والتمكن وَشد عضده ببقائهم وأقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم اللَّهُمَّ كَمَا أجريت على يَده فِي الْإِسْلَام هَذِه الْحَسَنَة الَّتِي تبقى عل الْأَيَّام وتتجدد عل ممر الشُّهُور والأعوام فارزقه الْملك الأبدي الَّذِي لَا ينْفد فِي دَار الْمُتَّقِينَ وَأوجب دعاءه فِي قَوْله (رب أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعل وَالِدي وَأَن أعمل صَالحا ترضاه وأدخلني بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين) ثمَّ دَعَا بِمَا جرت بِهِ الْعَادة وَنزل وَصلى وَلما قضيت الصَّلَاة انْتَشَر النَّاس وَكَانَ قد نصب سَرِير الْوَعْظ تجاه الْقبْلَة فَجَلَسَ عَلَيْهِ الشَّيْخ زين الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن نجا الْأنْصَارِيّ الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن نجية وَعقد مَجْلِسا للوعظ وَكَانَ واعظاً حسنا بليغاً وصل السُّلْطَان الْجُمُعَة فِي قبَّة الصَّخْرَة وَكَانَت الصُّفُوف ملئ الصحن ثمَّ رتب فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف خَطِيبًا وَكَانَ الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد قد عزم على فتح بَيت الْمُقَدّس وَعمل منبراً بحلب وتعب عَلَيْهِ مُدَّة وَقَالَ هَذَا لأجل الْقُدس فَأَدْرَكته الْمنية وَكَانَ الْفَتْح عل يَد من أَرَادَ الله فَأرْسل السُّلْطَان صَلَاح الدّين من أحضر الْمِنْبَر من حلب وَجعله فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهُوَ الْمَوْجُود فِي عصرنا هَذَا وَأما الصَّخْرَة فقد كَانَ الإفرنج بنوا عَلَيْهَا كَنِيسَة ومذبحاً وَجعلُوا فِيهَا الصُّور والتماثيل فَأمر السُّلْطَان بكشفها وَنقض الْبناء الْمُحدث فِيهَا وأعادها كَمَا كَانَت ورتب لَهَا إِمَامًا حسن الْقِرَاءَة ووقف عَلَيْهَا دَارا وأرضاً وَحمل إِلَيْهَا وَإِلَى محراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى مصاحف وختمات وربعات شريفة ورتب للصخرة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى خدمَة وَكَانَ الإفرنج قد قطعُوا من الصَّخْرَة قِطْعَة وحملوا مِنْهَا إِلَى قسطنطينية ونقلوا مِنْهَا إِلَى صقلية قيل باعوها بوزنها ذَهَبا وَلما فتح السُّلْطَان الْقُدس كَانَ عل رَأس قبَّة الصَّخْرَة صَلِيب كَبِير مَذْهَب فتسلق الْمُسلمُونَ وقلعوه فَسمع لذَلِك ضجة لم يعْهَد مثلهَا من الْمُسلمين للفرح وَالسُّرُور

وَأوصى آدم عَلَيْهِ السَّلَام لما مَاتَ بِأَرْض الْهِنْد إِن يدْفن بِبَيْت الْمُقَدّس وَأُوتِيت مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء فِي بَيت الْمُقَدّس وَولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَتكلم فِي المهد فِي بَيت الْمُقَدّس أنزلت عَلَيْهِ الْمَائِدَة فِي أَرض بَيت الْمُقَدّس وَرَفعه الله إِلَيّ السَّمَاء من بَيت الْمُقَدّس وَينزل من السَّمَاء إِلَى الأَرْض بِبَيْت الْمُقَدّس وَمَاتَتْ مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام بِبَيْت الْمُقَدّس وَهَاجَر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من كوثا إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَمَانا إِلَى بَيت الْمُقَدّس وأسري بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَتَكون الْهِجْرَة فِي آخر الزَّمَان إِلَى بَيت الْمُقَدّس والمحشر والمنشر إِلَى بَيت الْمُقَدّس والحساب يَوْم الْقِيَامَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَينصب الصِّرَاط على جَهَنَّم إِلَيّ الْجنَّة بِبَيْت الْمُقَدّس وينفخ اسرافيل فِي الصُّور بِبَيْت الْمُقَدّس والحوت الَّذِي الأرضون عل ظَهره رَأسه فِي مطلع الشَّمْس وذنبه بالمغرب ووسطه تَحت بَيت الْمُقَدّس وَمن صلى فِي بَيت الْمُقَدّس فَكَأَنَّمَا صل فِي سَمَاء الدُّنْيَا وتخرب الأَرْض كلهَا وتعمر بَيت الْمُقَدّس وَمن صَبر فِي بَيت الْمُقَدّس سنة على لأوائها وشدتها جَاءَهُ الله برزقه من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَمن تَحْتَهُ وَمن فَوْقه يَأْكُل رغداً وَيدخل الْجنَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأول بقْعَة بنيت من الأَرْض كلهَا مَوضِع صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَتظهر عين مُوسَى فِي آخر الزَّمَان بِبَيْت الْمُقَدّس وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن خِيَار أمتِي من هَاجر هِجْرَة بعد هِجْرَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَمن بِبَيْت الْمُقَدّس بعد أَن تَوَضَّأ واسبغ الْوضُوء رَكْعَتَيْنِ

أَو أَرْبعا غفر لَهما كَانَ قبل ذَلِك وَقَالَ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ النَّجَاء النَّجَاء إِلَى بَيت الْمُقَدّس إِذا ظَهرت الْفِتَن قَالَ يَا رَسُول الله فَإِن لم أدْرك بَيت الْمُقَدّس قَالَ فابذل أحرز دينك وَفِي لفظ آخر فابذل مَالك واحرز دينك وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ لصعصعة نعم الْمسكن عِنْد ظُهُور الْفِتَن بَيت الْمُقَدّس الْقَائِم فِيهِ كالمجاهد فِي سَبِيل الله وليأتين على النَّاس زمَان يَقُول أحدهم لَيْتَني تبنة فِي لبنة من لبنات بَيت الْمُقَدّس أحب الشَّام إِلَى الله تعال بَيت الْمُقَدّس أحب جبالها إِلَيْهِ الصَّخْرَة وَهِي خر الأَرْض خراباً بِأَرْبَعِينَ عَاما قَالَ وَهِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَرُوِيَ عَن يحي بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ إِنَّه قَالَ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يضْرب على بَيت الْمُقَدّس سَبْعَة أحياط حَائِط من فضَّة وحائط من ذهب وحائط من لُؤْلُؤ وحائط من ياقوت وحائط من زمرد وحائط من غمام وَأما مَا يُقَال أَن بَيت الْمُقَدّس طشت من ذهب مَمْلُوء عقارب وَإنَّهُ كأجمة الْأسد فداخله أما أَن يسلم وَأما أَن يُدْرِكهُ العطب فقد حمل ذَلِك عل زمَان بني إِسْرَائِيل الَّذين كَانُوا يعْملُونَ فِيهِ بمعاصي الله تعال فَإِن اللَّفْظ الْمَذْكُور قيل إِنَّه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة قَالَ بعض الْعلمَاء وَظَاهر الْخطاب يدل عل إِنَّهُم - يَعْنِي العقارب - كَانُوا موجودين فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَو أَرَادَ قوما من هَذِه الْأمة قَالَ املؤها عقارب جتى يكون للمستقبل وَالله أعلم وَأما الْيَوْم فَالْحَمْد لَهُ فَإِنَّمَا وبأ فنائه الطَّائِفَة المنصورة - كَمَا تقدم _ وَعَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ لَيْسَ يعد من الْخُلَفَاء إِلَّا من ملك المسجدين الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس الشريف وَقد أَجمعت الطوائف كلهَا على تَعْظِيم بَيت الْمُقَدّس مَا عدا السامرة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ إِن الْقُدس جبل نابلس وخالفوا جَمِيع الْأُمَم فِي ذَلِك وَقد كَانَ بَنو إِسْرَائِيل إِذا نزل بهم خوف من عَدو أَو أجدبوا صوروا الْقُدس

وجعلوه هيكلاً وصوروا أبوابه ومحاربيه واستقبلوا بِهِ الْعَدو فيهزمه الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ فِي الجدب إِذا صوروه واستقبلوا بِهِ فَلَا تزَال السَّمَاء تمطر عَلَيْهِم حَتَّى يرفعوا الهيكل وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي كل أَمر مُهِمّ يدهمهم وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (ذكر مَا يسْتَحبّ أَن يدعى بِهِ عِنْد دُخُول الْمَسْجِد الشريف) والصخرة الشريف وآداب دُخُولهَا وَمن أَي بَاب يدخلهَا يسْتَحبّ لمن أَرَادَ دُخُول الْمَسْجِد أَن يبْدَأ بِرجلِهِ الْيمن وَيُؤَخر الْيُسْرَى وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك , وَإِذا خرج صل على النَّبِي (ص) وَقَالَ اللَّهُمَّ أَغفر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب فضلك وَيسْتَحب لمن أَرَادَ الدُّخُول للصخرة الشَّرِيفَة أَن يَجْعَلهَا عَن يَمِينه حَتَّى يكون بِخِلَاف الطّواف حول الْبَيْت الْحَرَام وَيقدم النِّيَّة ويعقد التَّوْبَة بالإخلاص مَعَ الله تَعَالَى وَإِن أحب أَن ينزل تَحت الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فِي المغارة فَلْيفْعَل فَإِذا نزل يكون بأدب وخشوع وَيُصلي مَا بدا لَهُ وَيَدْعُو بِدُعَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي دَعَا بِهِ لما فرغ من بنائِهِ وَقرب القربان وَهُوَ قَوْله اللَّهُمَّ من أَتَاهُ من ذِي ذَنْب فَاغْفِر ذَنبه أَو ذِي ضرّ فاكشف ضره ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ من خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ويجتهد فِي الدُّعَاء تَحت الصَّخْرَة فَإِن الدُّعَاء فِي ذَلِك الْموضع مَقْطُوع لَهُ بالإجابة إِن شَاءَ الله تعال وَحكي جمَاعَة من الْعلمَاء إِن الْأَدْعِيَة الَّتِي يَدعِي بهَا لَيْسَ فِيهَا خُصُوصِيَّة بِهَذَا الْموضع فَإِن الْإِنْسَان مَأْمُور بِالدُّعَاءِ مَوْعُود عَلَيْهِ بالاستجابة لقَوْله تَعَالَى (وَقَالَ ربكُم أدعوني اسْتُجِيبَ لكم) وَقَوله تعال (وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان) وَالْمرَاد من الْأَدْعِيَة مَا وَردت بِهِ السّنة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة فَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ لأبي عَيَّاش زيد بن الصَّامِت الزرقي حِين رَآهُ يُصَلِّي وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي

أَسأَلك يَا ذَا الْحَمد لَا إِلَه إِلَّا أَنْت المنان بديع السَّمَاوَات والأرضي اذا الْجلَال وَالْإِكْرَام فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لقد دَعَا الله باسمه الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ عبيد الله بن زيد عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بأنك أَنْت الله الْأَحَد الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم تولد وَلم يكن لَك كفوا أحد فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لقد دَعَا الله باسمه الْأَعْظَم الَّذِي إِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى وَإِذا دعِي بِهِ أجَاب وَمن ذَلِك مَا رُوِيَ عَنهُ صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه كَانَ يَدْعُو بِهِ وَيَقُول إِنَّه لن يَدْعُو بِهِ ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَلَا عبد صَالح إِلَّا كَانَ من الدُّعَاء المستجاب اللَّهُمَّ بعلمك الْغَيْب وبقدرتك على الْخلق أحيني مَا علمت أَن الْحَيَاة خير لي وتوفني مَا علمت أَن الْوَفَاة خير لي وَأَسْأَلك خشيتك فِي الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَكلمَة الْحق فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَالْقَصْد فِي الْفقر والغنى أَسأَلك نعيماً لَا ينْفد وقرة عين لَا تَنْقَطِع وَبرد الْعَيْش بعد الْمَوْت أَسأَلك النّظر إِلَى وَجهك والشوق إِلَى لقائك من غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة اللَّهُمَّ زينا بزينة الْإِيمَان واجعلنا هداة مهتدين وَرُوِيَ أَن إِدْرِيس النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الدعْوَة وَيَأْمُر أَن لَا يعلموها السُّفَهَاء فيدعوا بهَا فَكَانَ يَقُول يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام يَا ذَا الطول لَا إِلَه إِلَّا أَنْت ظهر اللاجيئن وجار المستجيرين ومأ من الْخَائِفِينَ اللَّهُمَّ إِن كنت كنبتني عنْدك فِي أم الْكتاب شقياً أَو محروماً أَو مقتراً عَليّ فِي رِزْقِي فامح اللَّهُمَّ فضلك شقاوتي وحرماني وإقتار رِزْقِي وأثبتني عنْدك فِي أم الْكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً لِلْخَيْرَاتِ مَسْتُورا مكفياً مُؤنَة من يُؤْذِينِي إِنَّك قلت وقولك الْحق فِي كتابك الْمنزل عل لِسَان نبيك الْمُرْسل (يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب) وَقد رَأَيْت مَنْقُولًا إِنَّه يستجيب الدُّعَاء بِهَذَا فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَقد

ورد فِي الْأَخْبَار وَالْأَحَادِيث غير ذَلِك وَالْمرَاد هُنَا الِاخْتِصَار وَالله الْمُوفق المهدى للصَّوَاب (ذكر الْفَتْح الْعمريّ) الَّذِي يسره تَعَالَى على يَد أَمِير الْمُؤمنِينَ سيدنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَعمارَة الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف عل يَده رُوِيَ عَوْف بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم أعدد سِتا بَين يَدي السَّاعَة موتِي قَالَ فوجمت عِنْدهَا وجمة قَالَ قل إِحْدَى ثمَّ فتح بَيت الْمُقَدّس ثمَّ موتان يكون فِيكُم كقصاع الْغنم واستفاضة المَال فِيكُم حَتَّى يُعْطي الرجل مائَة دِينَار فيظل لَهَا ساخطاً ثمَّ تكون فِيكُم فتْنَة فَلَا يبْقى بَيت من بيُوت الْعَرَب إِلَّا دَخلته ثمَّ هدنة تكون بَين بني الْأَصْفَر فيغدرون بكم ثمَّ يأتونكم فِي ثَمَانِينَ غَايَة كل غَايَة اثْنَا عشر ألفا قَوْله فوجمت وجمة قَالَ الْجَوْهَرِي الرَّجْم الَّذِي اشْتَدَّ حزنه حَتَّى أمسك عَن الْكَلَام والموتان - بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو - وَهُوَ الْمَوْت الْكثير السَّرِيع وُقُوعه وَلذَلِك شبهه النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم بقعاص الْغنم فَهُوَ دَاء يَأْخُذهَا لَا يلبثها أَن تَمُوت والقعص عَن يضْرب الْإِنْسَان فَيَمُوت مَكَانَهُ سَرِيعا فَقيل لهَذَا الدَّاء قعاص لسرعة الْمَوْت ثمَّ شبه بِهِ الموتان وَعَن عَوْف قَالَ أتيت صل الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك وَهُوَ فِي قبَّة من أَدَم فَقَالَ لي يَا عَوْف أعدد سِتا بَين يَدي السَّاعَة موتى ثمَّ فتح بَيت الْمُقَدّس وروى إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لشداد بن أَوْس أَلا أَن الشَّام ستفتح وَبَيت الْمُقَدّس سيفتح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَتَكون أَنْت وولدك من بعْدك أَئِمَّة بهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ إِن السِّت الْمَذْكُورَة قد وَقع بَعْضهَا فموته صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَفتح

بَيت الْمُقَدّس قد وجد وَوَقع الطَّاعُون وهم بالجابية وَيُقَال إِنَّه الطَّاعُون عموس الْوَاقِع فِي سنة ثَمَانِيَة عشر من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ثمَّ استفاض المَال فِي خلَافَة عُثْمَان ابْن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ سعيد بن عبد الْعَزِيز زَاد عُثْمَان للنَّاس عَامَّة الدِّيوَان مائَة دِينَار بِزِيَادَة دِينَار فِي عطائهم وَكَانَت الْفِتْنَة وَهِي قتل الْوَلِيد وَمَا وَقع بَين النَّاس بِالشَّام وَالْعراق وخراسان من الْفرْقَة والعصبة وَلَا تزَال متتابعة حَتَّى تقع هدنة الرّوم وَلما توفّي رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَقر الامام أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بعده فِي الْخلَافَة واسْمه عبد الله ولقبه عَتيق الله بن أبي قُحَافَة عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب الْقرشِي التَّمِيمِي يلتقي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرّة بن كَعْب بن لؤَي ابْن غَالب الْقرشِي وَهُوَ أول خَليفَة فِي الْإِسْلَام وَكَانَ يدعى خَليفَة رَسُول الله (ص) لَهُ المواقف الرفيعة فِي الْإِسْلَام ثمَّ ختم ذَلِك بمهم من أحسن مناقبه وَأجل فضائله وَهُوَ استخلافه على الْمُسلمين عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فمهد بِهِ الْإِسْلَام وأعز بِهِ الدّين وَذَلِكَ أَنه لما حَضرته الْوَفَاة شاور الصَّحَابَة فِي ذَلِك فأشاروا بِهِ ثمَّ دَعَا أَبُو بكر عُثْمَان ابْن عَفَّان رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ اكْتُبْ باسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة فِي خر عَهده بالدنيا خَارِجا مِنْهَا وَعند أول عَهده بِالآخِرَة دَاخِلا فِيهَا حِين يُؤمن الْكَافِر ويوقن الْفَاجِر وَيصدق الْكَاذِب إِن مستخلف عَلَيْكُم عمر بن الْخطاب فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا فَإِن عدل فَذَلِك ظَنِّي بِهِ وَعلمِي فِيهِ وَإِن بدل فَلِكُل امْرِئ مَا اكْتسب وَالْخَيْر أردْت وَلَا أعلم الْغَيْب (وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون) وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ أمره فختم الْكتاب وَخرج بهَا إِلَى النَّاس فَبَايعُوا عمر وَرَضوا بِهِ

وَلما أَرَادَ أَبُو بكر أَن يُقَلّد عمر الْخلَافَة قَالَ لَهُ عمر اعفني يَا خَليفَة رَسُول الله فَإِنِّي غَنِي عَنْهَا قَالَ بل هِيَ فقيرة إِلَيْك قَالَ لَيْسَ لي بهَا حَاجَة قَالَ هِيَ محتاجة إِلَيْك فقلده الْخلَافَة على كره مِنْهُ ثمَّ أوصاه بِمَا أوصاه فَلَمَّا خرج رفع أَبُو بكر يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أرد بذلك إِلَّا إصلاحهم وَخفت عَلَيْهِم الْفِتْنَة فوليت عَلَيْهِم خيارهم وَقد حضرني من أَمرك مَا حضرني فَاخْلُفْنِي فيهم عِبَادك وَنَوَاصِيهمْ فِي يدك وَأصْلح لَهُم ولاتهم واجعله من خلفائك الرَّاشِدين يتبع هدى نَبِي الرَّحْمَة وَأصْلح لَهُ رَعيته ثمَّ توفّي أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء لثمان لَيَال بَقينَ من جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاثَة عشر من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَدفن عِنْد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت خِلَافَته سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر وَعشر ليَالِي وبويع عمر بن الْخطاب (رض) بالخلافة فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو بكر (رض) وَهُوَ أول من سمي بأمير الْمُؤمنِينَ وَأما نسبه فَهُوَ أَبُو حَفْص عمر بن الْخطاب ابْن نفَيْل بن عبد الْعِزّ بن رَبَاح بن عبد الله بن قرط بن رواح بن عدي بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب وَفِي كَعْب نسبه مَعَ نسب رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم الْقرشِي الْعَدوي وَأول خطْبَة خطبهَا قَالَ يَا أَيهَا النَّاس وَالله مَا فِيكُم أحد أقوى من الضَّعِيف عِنْدِي حَتَّى خُذ الْحق لَهُ وَلَا أَضْعَف عِنْدِي من الْقوي حَتَّى خُذ الْحق مِنْهُ ثمَّ أول شَيْء أَمر بِهِ أَن عزل خَالِد بن الْوَلِيد عَن الإمرة وَولى أَبَا عُبَيْدَة ابْن الْجراح على الْجَيْش وَالشَّام وَأرْسل بذلك إِلَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا كَانَا قبل وَفَاة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِي وقْعَة اليرموك وفرغا مِنْهَا وقصدا دمشق فَلَمَّا ورد عَلَيْهِمَا كتاب عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ سَار أَبُو عُبَيْدَة وَنزل دمشق الشَّام من جِهَة بَاب الْجَابِيَة وَنزل خَالِد بن الْوَلِيد من جِهَة الْبَاب الشَّرْقِي

وَنزل عَمْرو بن الْعَاصِ من جِهَة بَاب توما وَيزِيد بن أبي سُفْيَان من جِهَة الْبَاب الصَّغِير إِلَى بَاب كيسَان وحاصروها قَرِيبا من سبعين لَيْلَة وَفتح خَالِد مَا يَلِيهِ بِالسَّيْفِ فَخرج أهل دمشق وبذلوا الصُّلْح لأبي عُبَيْدَة من الْجَانِب الآخر وفتحوا لَهُ الْبَاب فَأَمنَهُمْ وَدخل والتقى مَعَ خَالِد فِي وسط الْبَلَد وَبعث أَبُو عُبَيْدَة بِالْفَتْح إِلَى عمر ثمَّ بعد دمشق بِيَسِير فتح حمص بعد حِصَار طَوِيل ثمَّ فتح حماه صلحا وَكَذَلِكَ المعرة ثمَّ فتح اللاذقيه عنْوَة وَفتح جبلة والطرطوس ثمَّ فتح حلب وإنطاكية وَفتح بلاداً أخر مِنْهَا قيساوية وسبسطية وَيُقَال أَن قبر يحيى وزكرياء ونابلس ولد ويافا وَتلك الْبِلَاد جَمِيعًا حَتَّى دخلت سنة خَمْسَة عشر من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ثمَّ سَار أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ حَتَّى أَتَى الْأُرْدُن فَعَسْكَرَ بهَا وَبعث الرُّسُل إِلَى أهل ايليا وَكتب إِلَيْهِم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من أبي عُبَيْدَة ابْن الْجراح إِلَى بطارقة أهل ايليا وسكانها سَلام عل من اتبع الهد وآمن بِاللَّه وبالرسول وَأما بعد فَأَنا ندعوكم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور فَإِن شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وَأَمْوَالكُمْ وذراريكم وَكنت لنا إخْوَانًا وَإِن أَبَيْتُم فأقروا لنا بأَدَاء الْجِزْيَة عَن يَد وَأَنْتُم صاغرون وَإِن أَبَيْتُم سرت إِلَيْكُم يقوم هم أَشد حبا للْمَوْت مِنْكُم لشرب الْخمر وَأكل لحم الْخِنْزِير ثمَّ لَا أرجع عَنْكُم إِن شَاءَ الله تعال أبدا حَتَّى اقْتُل مقاتليكم واسي ذَرَارِيكُمْ وَكتب إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِسم الله الحمن الرَّحِيم لعبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ من أبي عُبَيْدَة بن الْجراح سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد الله تعال إِلَيْك الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَالْحَمْد لله الَّذِي أهلك الْمُشْركين وَنصر الْمُسلمين وَقد نما مَا تولى الله أَمرهم وَأظْهر فلاحهم وأعز دعوتهم فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين أخبر أَمِير الْمُؤمنِينَ أكْرمه الله أَنا لَقينَا الرّوم وهم جموع لم تلق الْعَرَب مثلهَا جموعاً

فأتونا وهم يرَوْنَ لَا غَالب لَهُم من النَّاس أحد فَقَاتلُوا الْمُسلمين قتالاً شَدِيدا مَا قوتل الْمُسلمُونَ مثله فِي موطن قطّ ورزق الله الْمُؤمنِينَ النَّصْر وَأنزل عَلَيْهِم الصَّبْر فَقَتلهُمْ الله تعال فِي كل قَرْيَة وَفِي كل شعب وواد وجبل وَسَهل وغنم الله الْمُسلمين عَسْكَرهمْ وَمَا كَانَ فيهم من أَمْوَالهم ومتاعهم ثمَّ إِنِّي تبعتهم بِالْمُسْلِمين حَتَّى بلغت أقْصَى بِلَاد الشَّام وَقد بعثت إِلَى أهل الشَّام عمالي وَقد بعثت إِلَى أهل ايليا أدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فَإِن قبلوا وَإِلَّا فليؤدوا الْجِزْيَة إِلَيْنَا عَن يَد وهم صاغرون فَإِن أَبَوا سرت إِلَيْهِم حَتَّى أنزل بهم ثمَّ لَا ازيلهم حَتَّى يفتح الله تعال عل الْمُسلمين إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة - حِين جَاءَهُ الْكتاب - ليتركنها خلوفاً ثمَّ دَعَا يزِيد بن أبي سُفْيَان وَقَالَ اكْفِنِي دمشق فَقَالَ لَهُ يزِيد اكفيكها إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَسَار إِلَيْهَا فولاها لَهُ وَلما حصر أَبُو عُبَيْدَة أهل ايليا وَأوجب عل نَفسه إِنَّه غير مقلع وَلم يَجدوا لَهُم طَاقَة بحريّة قَالُوا نُصَالِحُكَ قَالَ وَإِنِّي قَابل مِنْكُم قَالُوا فَأرْسل إِلَى خليفتكم فَيكون هُوَ الَّذِي يُعْطِينَا هَذَا الْعَهْد وَيكْتب لنا الْأمان فَقبل أَبُو عُبَيْدَة ذَلِك وَهُوَ أَن يكْتب وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قد بعث معَاذ بن جبل عل الْأُرْدُن وَلم يكن سَار فَقَالَ معَاذ لأبي عُبَيْدَة أتكتب لأمير الْمُؤمنِينَ تَأمره بالقدوم عَلَيْك فَلَعَلَّهُ يقدم ثمَّ يَأْتِي هَؤُلَاءِ الصُّلْح فَيكون مَجِيئه فضلا وعناء فَلَا تكْتب حَتَّى يُوثقُوا إِلَيْك واستحلفهم بِالْإِيمَان الْمُغَلَّظَة والمواثيق الْمُؤَكّدَة إِن أَنْت بعثت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقدم عَلَيْهِم وَأَعْطَاهُمْ أَمَانًا عل أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَكتب عَلَيْهِم بذلك كتابا ليقبلن وليؤدن الْجِزْيَة وليدخلن فِيمَا دخل فِيهِ أهل الشَّام فَبعث بذلك إِلَيْهِم أَبُو عُبَيْدَة فَأَجَابُوهُ إِلَيْهِ فَلَمَّا فعلوا ذَلِك كتب أَبُو عُبَيْدَة إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لعبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ من أبي عُبَيْدَة بن الْجراح سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد الله إِلَيْك الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَأَنا أَقَمْنَا عل أهل ايليا فظنوا إِن لَهُم فِي مطاولتهم فرجا فَلم يزدهم الله بِهَذَا إِلَّا ضيقا ونقصاً وهزالاً وذلا فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك سَأَلُوا أَن يقدم عَلَيْهِم أَمِير الْمُؤمنِينَ فَيكون هُوَ الموثوق لَهُم وَالْكَاتِب

فَخَشِينَا أَن يقدم أَمِير الْمُؤمنِينَ فيغدر الْقَوْم ويرجعوا فَيكون مسيرك - أصلحك الله - عناء وفضلا فأخذنا عَلَيْهِم المواثيق الْمُغَلَّظَة بإيمَانهمْ ليقبلن وليؤدن الْجِزْيَة وليدخلن فِيمَا دخل فِيهِ أهل الذِّمَّة فَفَعَلُوا فَإِن رَأَيْت أَن يقدم فافعل فَإِن فِي مسيرك أجرا وصلاحاً آتاك الله رشدك وَيسر أَمرك وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَبعث الْمُسلمُونَ إِلَيْهِ وَفْدًا وَبعث الرّوم وَفْدًا مَعَ الْمُسلمين حَتَّى أَتَوا الْمَدِينَة فَجعلُوا يسْأَلُون عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الرّوم لترجمانهم عَمَّن يسْأَلُون فَقَالَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِم وَقَالُوا هَذَا الَّذِي غلب فَارس وَالروم وَأخذ كنوز كسْرَى وَقَيْصَر لَيْسَ لَهُ مَكَان مَعْرُوف بِهَذَا غلب الْأُمَم فوجدوه وَقد ألْقى نَفسه حِين أَصَابَهُ الْحر نَائِما فازدادوا تَعَجبا فَلَمَّا قدم الْكتاب عل عمر رَضِي الله عَنهُ دَعَا برؤساء الْمُسلمين إِلَيْهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب أبي عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ واستشارهم فِي الَّذِي كتب إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ إِن الله تَعَالَى قد أذلّهم وحصرهم وضيق عَلَيْهِم وَهُوَ فِي كل يَوْم يزدادون نقصا وهزالا وضعفاً ورعباً فَإِن أَنْت أَقمت وَلم تسر إِلَيْهِم رَأَوْا إِنَّك بأمرهم مستخف ولشأنهم حاقر غير مُعظم فَلَا يلبثُونَ إِلَّا قَلِيلا حَتَّى ينزلُوا عل الحكم ويعطوا الْجِزْيَة فَقَالَ عمر مَا ترَوْنَ هَل عِنْد أحدكُم رَأْي غير هَذَا؟ فَقَالَ عَليّ ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ نعم عِنْدِي غير هَذَا الرَّأْي قَالَ مَا هُوَ؟ قَالَ إِنَّهُم قد سَأَلُوا الْمنزلَة الَّتِي فِيهَا الذل الصغار وَهُوَ عل الْمُسلمين فتح وَلَهُم فِيهِ عز وهم يعطونكها الْآن فِي العاجل فِي عَافِيَة لَيْسَ بَيْنك وَبَين ذَلِك إِلَّا أَن تقدم عَلَيْهِم وَلَك فِي الْقدوم عَلَيْهِم الْأجر فِي كل ظمأ ومخمصة وَفِي قطع كل وَاد وَفِي كل نَفَقَة حَتَّى تقدم عَلَيْهِم فَإِذا قدمت عَلَيْهِم كَانَ الْأَمْن والعافية وَالصَّلَاح وَالْفَتْح وَلست آمن إِن أيسوا من قبولك الصُّلْح مِنْهُم أَن يَتَمَسَّكُوا بحصنهم فيأتيهم عَدو لنا ويأتيهم مِنْهُم مدد فَيدْخل على الْمُسلمين بلَاء وَيطول بهم حِصَار فَيُصِيب الْمُسلمين من الْجهد والجوع مَا يصيبهم وَلَعَلَّ الْمُسلمين يدنون من حصنهمْ فيرشقونهم بالنشاب

أَو يقذفونهم بالمناجيق فَإِن أصَاب بعض الْمُسلمين تمنيتم إِنَّكُم افتديتم قتل رجل من الْمُسلمين بمشرك إِلَى مُنْقَطع التُّرَاب وَكَانَ الْمُسلم لذَلِك من إخوانه أَهلا فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ قد أحسن عُثْمَان النّظر فِي مكيدة الْعَدو وَأحسن عَليّ بن أبي طَالب النّظر لأهل الْإِسْلَام سِيرُوا على اسْم الله فَإِنِّي سَائِر فَخرج فَعَسْكَرَ خَارج الْمَدِينَة وَنُودِيَ فِي النَّاس بالعسكر والمسير فَعَسْكَرَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بأصحاب النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم ووجوه قُرَيْش وَالْأَنْصَار وَالْعرب رَضِي الله عَنْهُم حَتَّى إِذا تَكَامل عِنْده النَّاس اسْتخْلف عل الْمَدِينَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَسَار فَقل غَدا إِلَّا وَهُوَ يقبل عل الْمُسلمين بِوَجْهِهِ وَيَقُول الْحَمد الَّذِي أعزنا بِالْإِسْلَامِ وَأَكْرمنَا بِالْإِيمَان ورحمنا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهدانا بِهِ من الضَّلَالَة وجمعنا بِهِ من بعد الشتات وَألف بَين قُلُوبنَا ونضرنا بِهِ على الْأَعْدَاء وَمكن لنا فِي الْبِلَاد وَجَعَلنَا إخْوَانًا متحابين فاحمدوا الله عباد الله على هَذِه النِّعْمَة واسألوه الْمَزِيد مِنْهَا وَالشُّكْر عَلَيْهَا وَتَمام مَا أَصْبَحْتُم متقلبين فِيهِ مِنْهَا فَإِن الله يزِيد المزيدين من الراغبين وَيتم نعْمَته عل الشَّاكِرِينَ وَكَانَ لَا يدع هَذَا القَوْل فِي كل غَدَاة فِي سَفَره كُله فَلَمَّا دنا من الشَّام عَسْكَر حَتَّى قدم إِلَيْهِ من تخلف من الْعَسْكَر فَمَا هُوَ إِلَّا أَن طلعت الشَّمْس فَإِذا الرَّايَات والرماح والجنود قد اقْبَلُوا عل الْخُيُول يستقبلون عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ الرَّاوِي فَكَانَ أول مقنب لَقينَا من النَّاس سَأَلنَا عَن الْمَدِينَة وأخبرناه بصلاح النَّاس فَنَادوا هَل لكم بأمير الْمُؤمنِينَ من علم؟ فسكننا ومضوا فَأقبل مقنب آخر فَسَلمُوا ثمَّ سَأَلُوا عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل لنا بِهِ علم فَقَالَ لنا أَلا تخبرون الْقَوْم عَن صَاحبكُم؟ فَقُلْنَا هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَذَهَبُوا يرجعُونَ ويقتحمون

عَن خيولهم فناداهم عمر رَضِي الله عَنهُ لَا تَفعلُوا وَرجع الْآخرُونَ الَّذين مضوا فَسَارُوا مَعنا وَأَقْبل الْمُسلمُونَ يصفونَ الْخَيل ويشرعون الرماح فِي طَرِيق عمر حَتَّى طلع أَبُو عبيد فِي عَظِيم النَّاس فَإِذا هُوَ على قلُوص اكفها بعباءة خطامها من شعر لابس سلاحه متنكب قوسه فَلَمَّا نظر إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنَاخَ قوصه وأناخ أَمِير الْمُؤمنِينَ بعيره فَنزل أَبُو عبيد وَأَقْبل إِلَى عمر وَاقْبَلْ إِلَى أبي عُبَيْدَة فَلَمَّا دنا عمر من أبي عبيد مد أَبُو عبيد يَده إِلَى عمر ليصافحه فَمد عمر يَده فَأَخذهَا أَبُو عبيد وأهو ليقبلها يُرِيد أَن يعظمه فِي الْعَام فأهو عمر إِلَى رجل أبي عُبَيْدَة ليقبلها فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تنحى فَقَالَ عمر مَه يَا أَبَا عُبَيْدَة فتعانق الشَّيْخَانِ ثمَّ ركبا يتسامران وسارا وَسَار النَّاس أمامهما وَحكي إِنَّهُم تلقوا عمر بيرذون وَثيَاب بيض وكلموه أَن يركب البرذون ليراه الْعَدو فَهُوَ أهيب لَهُ عِنْدهم وَأَن يلبس الثِّيَاب الْبيض ويطرح الفروة عَنهُ فَأبى ثمَّ لجوا عَلَيْهِ فَركب البرذون بفروته وثيابه فهملج بِهِ البرذون وخطام نَاقَته بِيَدِهِ بعد فَنزل وَركب رَاحِلَته وَقَالَ لقد غيرني هَذَا حَتَّى خفت أَن أتكبر وَأنكر نَفسِي فَعَلَيْكُم يَا معشر الْمُسلمين فالقصد وَإِنَّمَا أعزكم الله عز وَجل بِهِ وَرُوِيَ عَن طَارق بن شهَاب قَالَ لما قدم عمر الشَّام عرضت لَهُ مَخَاض فَنزل عَن بعيره وَنزع جرموقيه فَأَمْسكهَا بِيَدِهِ وخاض المَاء وَمَعَهُ بعيره فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لقد صنعت الْيَوْم صنعا عَظِيما عِنْد أهل الأَرْض فَصَكَّهُ عمر فِي صَدره وَقَالَ لَهُ لَو غَيْرك يَقُولهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة انكم كُنْتُم أذلّ النَّاس وأحقر النَّاس وَأَقل النَّاس فَأَعَزكُم الله بِالْإِسْلَامِ وَمهما تَطْلُبُوا الْعِزّ بِغَيْرِهِ يذلكم الله تَعَالَى وَرُوِيَ إِنَّه لما قدم عمر من الْمَدِين ناهضوهم الْقِتَال بعد قدومه فَظهر الْمُسلمُونَ عل أَمَاكِن لم يَكُونُوا ظهوراً عَلَيْهَا قبل ذَلِك وظهروا يَوْمئِذٍ على كرم كَانَ

فِي أَيْديهم لرجل من النَّصَارَى لَهُ ذمَّة مَعَ الْمُسلمين فِي كرمه عِنَب فَجعلُوا يَأْكُلُونَهُ فأت الذِّمِّيّ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كرمي كَانَ فِي أَيْديهم فَلم يستبيحوه وَلم يتَعَرَّضُوا لي وَأَنا رجل ذمَّة مَعَ الْمُسلمين فَلَمَّا ظهر عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَقَعُوا فِيهِ فَدَعَا عمر رَضِي الله عَنهُ ببرذون لَهُ فَرَكبهُ عُريَانا من العجلة ثمَّ خرج يرْكض فِي أَعْرَاض الْمُسلمين فَكَانَ أول من لقِيه أَبُو هُرَيْرَة يحمل فَوق رَأسه عنباً فَقَالَ لَهُ أَنْت أَيْضا يَا أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أصابتنا مَخْمَصَة شَدِيدَة فَكَانَ أَحَق من أكلنَا من مَاله من قاتلنا فَتَركه عمر ثمَّ أَتَى الْكَرم فنظره فَإِذا هُوَ قد أسرعت النَّاس فِيهِ فَدَعَا عمر رَضِي الله عَنهُ الذِّمِّيّ فَقَالَ لَهُ كم كنت ترجو من غلَّة كرمك هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ شَيْئا قَالَ فَخَل سَبيله ثمَّ أخرج عمر رَضِي الله عَنهُ ثمنه الَّذِي قَالَ لَهُ فَأعْطَاهُ إِيَّاه ثمَّ أَبَاحَهُ للْمُسلمين وَعَن سيف عَن أبي حَازِم وَأبي عُثْمَان عَن خَالِد وَعبادَة قَالَا صَالح عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أهل ايليا بالجابية وَكتب لَهُم فِيهَا الصُّلْح لكل كورة كتابا وَاحِدًا مَا خلا أهل ايليا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا أعْط عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر أهل ايليا من الْأمان أَعْطَاهُم أَمَانًا لأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالهمْ ولكنائسهم ولصلبانهم ومقيمها وبريها وَسَائِر ملتها إِنَّهَا لَا تسكن كنائسهم وَلَا تهدم وَلَا ينتقص مِنْهَا وَلَا من حَدهَا وَلَا من صليبهم وَلَا شئ من أَمْوَالهم وَلَا يكْرهُونَ عل دينهم وَلَا يضار أحد مِنْهُم وَلَا يسكن بايليا مَعَهم أحد من الْيَهُود وعل أهل ايليا أَن يُعْطوا الْجِزْيَة كَمَا يُعْطي أهل الْمَدَائِن وعَلى أَن يخرجُوا مِنْهَا الرّوم واللصوص فَمن خرج مِنْهُم فَهُوَ آمن على نَفسه وَمَاله حَتَّى يبلغُوا مأمنهم وَمن أَقَامَ مِنْهُم آمن وَعَلِيهِ مثل مَا على أهل ايليا من الْجِزْيَة وَمن أحب من أهل ايليا أَن يسير بِنَفسِهِ وَمَاله مَعَ الرّوم ويخلي بيعتهم وصليبهم فَإِنَّهُم آمنون على أنفسهم وعَلى بيعتهم وصليبهم حَتَّى يبلغُوا مأمنهم وَمن كَانَ فِيهَا من أهل الأَرْض فَمن شَاءَ مِنْهُم قعد وَعَلِيهِ مثل مَا على أهل ايليا من

الْجِزْيَة وَمن شَاءَ سَار مَعَ الرّوم وَمن شَاءَ رَجَعَ إِلَى أرضه فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ مِنْهُ شئ حَتَّى يحصد حصادهم وعَلى مَا فِي هَذَا الْكتاب عهد الله وذمته وَذمَّة رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَذمَّة الْخُلَفَاء وَذمَّة الْمُؤمنِينَ إِذا أعْطوا الَّذِي عَلَيْهِم من الْجِزْيَة شهد على ذَلِك خَالِد بن الْوَلِيد وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ كتب لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حِين صَالح نصار أهل الشَّام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب لعبد الله عمر بن الْخطاب أَمِير الْمُؤمنِينَ من نصار مَدِينَة كَذَا كَذَا انكم لما قدمتم علينا سألناكم الْأمان لأنفسنا وذرارينا واموالنا وَأهل ملتنا وشرطنا لكم عل أَنْفُسنَا أَن لَا نُحدث فِي مدينتنا وَلَا فِيمَا حولهَا ديراً وَلَا كَنِيسَة وَلَا قلاية وَلَا صومعة رَاهِب وَلَا نحيي مِنْهَا مَا كَانَ فِي خطط الْمُسلمين وَلَا نمْنَع كنائسها أَن ينزلها أحد من الْمُسلمين ثَلَاث لَيَال نطعمهم وَلَا نواري فِي كنائسنا وَلَا فِي مَنَازلنَا جاسوساً وَلَا نكتم غشاً للْمُسلمين وَلَا نعلم أَوْلَادنَا الْقرَان وَلَا نظهر شركا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أحدا وَلَا نمْنَع أحدا من ذَوي قرابتنا الدُّخُول فِي الْإِسْلَام أَن أَرَادَهُ وَأَن نوقر الْمُسلمين ونقوم لَهُم من مجالسنا إِذا أَرَادوا الْجُلُوس وَلَا نتشبه بهم فِي شَيْء من لباسهم فِي قلنسوة وَلَا عِمَامَة وَلَا نَعْلَيْنِ وَلَا فرق شعر وَلَا نتكلم بكلامهم وَلَا نتكي بكناهم وَلَا نركب السُّرُوج وَلَا نتقلد السيوف وَلَا نتَّخذ شَيْئا من السِّلَاح وَلَا نحمله مَعنا وَلَا ننقش عل خواتمنا بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا نبيع الْخُمُور وَأَن نجز مقادم رؤسا وَأَن نلزم زينا حَيْثُمَا مَا كُنَّا وَأَن نَشد زنانير على أوساطنا وَلَا نظهر الصَّلِيب على كنائسنا وَلَا نظهر صلباننا وَلَا كتبنَا فِي شَيْء من طرق الْمُسلمين وَلَا فِي أسواقهم وَلَا نضرب نواقيسنا فِي كنائسنا إِلَّا ضربا خَفِيفا وَلَا نرفع أصواتنا مَعَ مَوتَانا وَلَا نتَّخذ من الرَّقِيق مَا جرت عَلَيْهِ سِهَام الْمُسلمين وَلَا نطلع عَلَيْهِم فِي مَنَازِلهمْ

قَالَ فَلَمَّا أتيت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِالْكتاب زَاد فِيهِ وَلَا نضر بِأحد من الْمُسلمين شرطنا لكم ذَلِك على أَنْفُسنَا وَأهل ملتنا وَقَبلنَا عَلَيْهِ الْأمان فَإِن نَحن خَالَفنَا شَيْئا مِمَّا شرطناه لكم وضمناه لكم وضمناه عل أَنْفُسنَا فَلَا ذمَّة لنا وَقد حل لكم منا مَا حل من أهل المعاندة والشقاق رَوَاهُ الإِمَام الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَقد اعْتمد أَئِمَّة الْإِسْلَام هَذِه الشُّرُوط وَعمل بهَا الْخُلَفَاء الراشدون وَرُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَمر فِي أهل الذِّمَّة أَن تجز نواصيهم وَأَن يركبُوا على الاكف عرضا وَلَا يركبُوا كَمَا يركب الْمُسلمُونَ وَأَن يُوثقُوا المناطق أَي الزنانير وَلما قدم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِبَيْت الْمُقَدّس نزل على الْجَبَل الشَّرْقِي وَهُوَ طور زيتا وأتى رَسُول - بطريقها إِلَيْهِ - بالترحيب وَقَالَ أَنا سنعطي بحضورك مَا لم نَكُنْ نُعْطِيه لَا حد دُونك وَسَأَلَهُ أَن يقبل مِنْهُ الصُّلْح والجزية وَأَن يُعْطِيهِ الْأمان عل دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وكنائسهم فأنعم لَهُ عمر بذلك فَسَأَلَهُ الرَّسُول الْأمان لصَاحبه ليتول مصالحته ومكاتبته فأنعم وَخرج إِلَيْهِ بطريقها فِي جمَاعَة فَصَالحهُمْ وَأشْهد عل ذَلِك والبطريق هُوَ الْأَمِير وَأما البطرك فَهُوَ الكاهن وَكَانَ اسْم البطرك يَوْم ذَلِك صقريوس وَكَانَ قد أخبر النَّصَارَى أَن الله يفتح بَاب الْمُقَدّس عل يَد عمر من غير قتال فَلَمَّا فرغ عمر من كتاب الصُّلْح بَينه وَبَين أهل بَيت الْمُقَدّس قَالَ لبطريقها دلَّنِي على مَسْجِد دَاوُد قَالَ نعم وَخرج عمر مُقَلدًا بِسَيْفِهِ فِي أَرْبَعَة آلَاف من الصَّحَابَة الَّذين قدمُوا مَعَه متقلدين بسيوفهم وَطَائِفَة مِمَّن كَانَ عَلَيْهَا لَيْسَ عَلَيْهِم من السِّلَاح إِلَّا السيوف والبطريق بَين يَدي عمر فِي أَصْحَابه حَتَّى دخلُوا بَيت الْمُقَدّس فأدخلهم الْكَنِيسَة الَّتِي يُقَال لَهَا الْقِيَامَة وَقَالَ هَذَا مَسْجِد دَاوُد فَنظر عمر وَتَأمل وَقَالَ لَهُ كذبت وَلَقَد وصف رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَسْجِد دَاوُد بِصفة

مَا هِيَ هَذِه فَمضى بِهِ إِلَى كَنِيسَة يُقَال لَهَا صهيون وَقَالَ لَهُ هَذَا مَسْجِد دَاوُد فَقَالَ لَهُ كذبت فَمضى بِهِ إِلَى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس حَتَّى انته بِهِ غل الْبَاب الَّذِي يُقَال لَهُ بَاب مُحَمَّد (ص) وَقد انحدر مَا فِي الْمَسْجِد من الزبالة على درج الْبَاب حَتَّى خرج إِلَى الزقاق الَّذِي فِيهِ الْبَاب وَكثر على الدرج حَتَّى كَاد أَن يلصق بسقف الرواق فَقَالَ لَهُ لَا نقدر أَن ندخل إِلَّا حبوا فَقَالَ عمر وَلَو حبواً فحبا بَين يَدي عمر وحبا عمر وَمن مَعَه خَلفه حَتَّى ظَهَرُوا إِلَى صحنه واستووا فِيهِ قيَاما فَنظر عمر وَتَأمل مَلِيًّا وَنظر يَمِينا وَشمَالًا ثمَّ قَالَ الله أكبر هَذَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَسْجِد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه اسري بِهِ إِلَيْهِ وَوجد على الصَّخْرَة زبلا كثيرا مِمَّا طرحته الرّوم غيظاً لبني إِسْرَائِيل فَبسط عمر رِدَاءَهُ وَجعل يكنس ذَلِك الزبل وَجعل الْمُسلمُونَ يكنسون مَعَه الزبل وَمضى نَحْو محراب دَاوُد وَهُوَ الَّذِي على بَاب الْبَلَد فِي القلعة فصلى فِيهِ ثمَّ قَرَأَ سُورَة ص وَمَسْجِد وَرُوِيَ إِنَّه لما جلا المزبلة عَن الصَّخْرَة قَالَ لَا تصلوا فِيهَا حَتَّى يُصِيبهَا ثَلَاث مطرات وَرُوِيَ إِنَّه لما فتح عمر رَضِي الله عَنهُ بَيت الْمُقَدّس قَالَ لكعب يَا أَبَا اسحاق أتعرف مَوضِع الصَّخْرَة؟ فَقَالَ اذرع من الْحَائِط الَّذِي يَلِي وَادي جَهَنَّم كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا ثمَّ احْفِرْ فانك تجدها وَكَانَت يَوْمئِذٍ مزبلة فَحَفَرُوا فظهرت لَهُم فَقَالَ عمر لكعب أَيْن تَرَ أَن نجْعَل الْمَسْجِد - أَو قَالَ الْقبْلَة -؟ فَقَالَ اجْعَلْهُ خلف الصَّخْرَة فتجمع القبلتان قبْلَة مُوسَى وقبلة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ ضاهيت الْيَهُودِيَّة يَا أَبَا إِسْحَاق خير الساجد مقدمها فبناها فِي مقدم الْمَسْجِد وَرُوِيَ أَن عمر قَالَ لكعب أَيْن تَرَ نجْعَل الْمصلى؟ قَالَ إِلَى الصَّخْرَة فَقَالَ ضاهيت وَالله يَا كَعْب الْيَهُودِيَّة بل نجْعَل قبلته صَدره كَمَا جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبْلَة مَسَاجِدنَا صدورها اذْهَبْ إِلَيْك فَأَنا لم نؤمر بالصخرة وَلَكِن امرنا بِالْكَعْبَةِ

وَلما فرغ عمر من فتح ايليا وعزل الصَّخْرَة من القمامة وأبق النَّصَارَى على حَالهم بأَدَاء الْجِزْيَة فَسمى الْمُسلمُونَ كَنِيسَة النَّصَارَى الْعظم عِنْدهم قمامة تَشْبِيها بالمزابل وتعظيماً للصخرة الشَّرِيفَة ثمَّ ارتحل من الْقُدس إِلَى الأَرْض فلسطين وَكَانَ هَذَا الْفَتْح فِي سنة خَمْسَة عشر من الْهِجْرَة الشريف قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره من المؤرخين وَقيل كَانَ فِي سنة سِتَّة عشر فِي ربيع الأول وَقيل لخمس خلون من ذِي الْقعدَة وَالله أعلم وَوجد على رَأس بعض التصاوير الَّتِي كَانَت فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى عقب مَا استنقذه الْمُسلمُونَ مِنْهُم هَذِه الأبيات - وَيُقَال إِنَّهَا لِابْنِ ضامر الضبعِي بعكا - (أَدَم الْكَنَائِس أنتكن عَبث بكم ... أَيدي الْحَوَادِث أَو تغير حَال) (فلطالما سجدت لَكِن شماس ... شم الانوف ضراغم أبطال) (بعدا على هَذَا الْمُصَاب لِأَنَّهُ ... يَوْم بِيَوْم والحروب سِجَال) وَرُوِيَ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر لما فتح بَيت الْمُقَدّس وَكتب كتاب الْأمان وَالصُّلْح وقبضوا كِتَابهمْ وأمنوا دخل النَّاس بَعضهم فِي بعض وَأقَام عمر أَيَّامًا ثمَّ قَالَ لأبي عُبَيْدَة لم يبْق أَمِير من الْأُمَرَاء الأجناد غَيْرك إِلَّا استزارني فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أَخَاف أَن استزيرك فتعصب عَيْنَيْك فِي بَيْتِي قَالَ فزرني فَلَمَّا أَتَاهُ عمر فِي بَيته فَإِذا لَيْسَ فِيهِ شَيْء إِلَّا لبد فرسه وَإِذا هُوَ فرَاشه وسرجه وَإِذا هُوَ وسادته وَإِذا كسر يابسة فِي كوَّة بَيته فجَاء بهَا فوضعها على الأَرْض بَين يَدَيْهِ وَأَتَاهُ بملح جريش وكوز خزف فِيهِ مَاء فَلَمَّا نظر عمر إِلَى ذَلِك بَكَى ثمَّ الْتَزمهُ وَقَالَ أَنْت أخي وَمَا من أحد من صَحَابِيّ إِلَّا وَقد نَالَ من الدُّنْيَا ونالت مِنْهُ غَيْرك فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَة ألم أخْبرك إِنَّك ستعصب عَيْنَيْك ثمَّ إِن عمر قَامَ فِي النَّاس فَحَمدَ الله واثن عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ يَا أهل الْإِسْلَام إِن الله تعال قد صدقكُم الْوَعْد

ونصركم عل الْأَعْدَاء واورثكم الْبِلَاد وَمكن لكم فِي الأَرْض فَلَا يكون جَزَاؤُهُ مِنْكُم إِلَّا الشُّكْر وَإِيَّاكُم وَالْعَمَل بِالْمَعَاصِي فَإِن الْعَمَل بِالْمَعَاصِي كفر للنعم وقلما كفر قوم بِمَا أنعم الله عَلَيْهِم ثمَّ لم يفزعوا إِلَى التَّوْبَة إِلَّا سلبوا عزهم وسلط عَلَيْهِم عدوهم ثمَّ نزل وَحَضَرت الصَّلَاة فَقَالَ يَا بِلَال أَلا تؤذن لنا رَحِمك الله قَالَ بِلَال يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله مَا أردْت أَن أؤذن لأحد بعد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن سأطيعك إِذا أَمرتنِي فِي هَذِه الصَّلَاة وَحدهَا فَلَمَّا أذن بِلَال وَسمعت الصَّحَابَة صَوته ذكرُوا نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبكوا بكاء شَدِيدا وَلم يكن من الْمُسلمين يَوْمئِذٍ أطول بكاء من أبي عُبَيْدَة ومعاذ ابْن جبل حَتَّى قَالَ لَهما عمر حسبكما رحمكما الله فَلَمَّا قضى صلَاته انْصَرف أَمِير الْمُؤمنِينَ رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة واجتهد فِيمَا هُوَ بصدده من إِقَامَة شَعَائِر الْإِسْلَام وَالنَّظَر فِي مصَالح الْمُسلمين وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى توفّي رَضِي الله عَنهُ ونفعنا بِهِ وَجمع بَيْننَا وَبَينه فِي دَار كرامته إِنَّه ولي الْحَسَنَات وغافر السَّيِّئَات عَنهُ وَكَرمه وَقد حكى المصنفون لفضائل بَيت الْمُقَدّس قصَّة الْفَتْح من طرق كَثِيرَة بروايات وألفاظ مُخْتَلفَة فَأحْسن مَا رَأَيْته مِنْهَا مَا نقتلته هُنَا وَالله الْمُوفق (ذكر وَفَاة عمر رَضِي الله عَنهُ) رُوِيَ أَنه خرج لصَلَاة الصُّبْح فِي جمَاعه فضر بِهِ أَبُو لؤلؤة غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة _ لما وقف يُصَلِّي _ بخنجر برأسين وطعنه ثَلَاث طعنات إِحْدَاهمَا تَحت سرته وَهِي الَّتِي قتلته وَطعن اثن عشر رجلا من أهل الْمَسْجِد فَمَاتَ مِنْهُم سِتَّة ثمَّ نحر نَفسه بخنجره فَمَاتَ لعنة الله وَلما طعنه أَبُو لؤلؤة وَقع عل الأَرْض ثمَّ قَالَ أَفِي النَّاس عبد الرَّحْمَن بن عَوْف؟ قَالُوا نعم قَالَ مروه يصل بالناسي وَقَالَ لوَلَده عبد الله انْظُر من الَّذِي

قتلني فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ذَلِك أَبُو لؤلؤة غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل قَتْلِي على يَد رجل سجد الله سَجْدَة وَاحِدَة ثمَّ بعث ابْنه عبد الله عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ قل لَهَا يقْرَأ عَلَيْك عمر السَّلَام - وَلَا تقل أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي لست الْيَوْم أَمِير الْمُؤمنِينَ - وَيَقُول لَك إِنَّه لَاحق بربه أفتأذنين لَهُ أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ فجَاء عبد الله إِلَى عَائِشَة فإستأذن عَلَيْهَا فَأَذنت لَهُ فبلغها رِسَالَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رَضِي الله عَنهُ فتأوهت وبكت وَقَالَت لقد كنت أَشمّ رَائِحَة رَسُول الله صل اله عَلَيْهِ وَسلم فِي أبي بكر فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بكر كنت أَشمّ رَائِحَته فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر مَا لي وَالدُّنْيَا افقد فِيهَا الأحباب وَاحِدًا بعد وَاحِد ثمَّ قَالَت لَهُ بلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ مني السَّلَام وَقل لَهُ أَلا إِنَّهَا كَانَت قد أدخرت ذَلِك لنَفسهَا وَلكنهَا آثرتك الْيَوْم عل نَفسهَا فَلَمَّا رَجَعَ عبد الله قَالَ لَهُ عمر مَا وَرَاءَك يَا عبد الله؟ قَالَ الَّذِي تحب قد أَذِنت لَك عَائِشَة قَالَ الْحَمد لله مَا كَانَ شَيْء أهم إِلَيّ من ذَلِك فَإِذا أَنا قبضت فَارْجِع إِلَيّ عَائِشَة فاستأذنها ثَانِيًا فَرُبمَا تكون استحيت مني وَأَنا حَيّ فَلَا تَسْتَحي مني وَأَنا ميت وأوصاهم أَن يقتصروا فِي كنفه وَلَا يتغالوا وَتُوفِّي يَوْم السبت سلخ ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَدفن يَوْم الْأَحَد هِلَال الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين وغسله ابْنه عبد الله وَحمل عل سَرِير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصلي عَلَيْهِ فِي مَسْجده وَصلي بهم عَلَيْهِ صُهَيْب وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا ونزله فِي قَبره ابْنه عبد الله وَعُثْمَان بن عَفَّان وَسَعِيد ابْن زيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَكَانَت خِلَافَته رَضِي الله عَنهُ عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ عل الصَّحِيح الْمَشْهُور وَالصَّحِيح أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَعمر وَعلي وَعَائِشَة ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة

وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ طَويلا أصلع أَبيض تعلوه حمرَة وَقيل كَانَ دم شَدِيد الآدمة كث اللِّحْيَة وَعَلِيهِ أَكثر أهل الْعلم وفضائله أشهر من أَن تذكر وَأكْثر من أَن تحصر جَاهد فِي الله حق جهاده فجيش الجيوش وَفتح الْبِلَاد ومصر الْأَمْصَار وأعز الْإِسْلَام وأذل الْكفْر وَأجل الْيَهُود وَالنَّصَارَى من بِلَاد الْحجاز وَفِي أَيَّامه فتح الْعرَاق والموصل ومصر والإسكندرية وَغَيرهَا وَهُوَ الَّذِي اختط الْكُوفَة ووسع فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَعمر مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهُوَ أول من جمع النَّاس لصَلَاة التَّرَاوِيح وَأول من كتب التَّارِيخ وأرخ من السّنة الَّتِي هَاجر فِيهَا رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَأول من عس بِاللَّيْلِ وَأول من نه عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَأول من جمع النَّاس فِي صَلَاة الْجِنَازَة على أَربع تَكْبِيرَات وَكَانُوا يكبرُونَ أَرْبعا وخمساً وستاً وَأول من حمل الدرة وَضرب بهَا وَدون الدَّوَاوِين وَلَو لم يكن من فضائله إِلَّا فتح هَذَا الْبَيْت الْمُقَدّس وتطهيره من الشّرك لكفاه رَضِي الله عَنهُ ونفعنا ببركته وبركات علومه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة واما من دخل بَيت الْمُقَدّس من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فهم خلق كثير لَا يحصيهم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وتعال ولنذكر جمَاعَة من أعيانهم تبركاً بذكرهم ونجعل تَرْتِيب أسمائهم عل الوفيات من غير استقصاء فِي ذكر تراجمهم فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح واسْمه عَامر بن عبد الله بن الْجراح توفّي فِي طاعون عمواس سنة ثَمَانِيَة عشر من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وقبره فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا عُثْمَان تَحت جبل عجلون بَين فقارس والعادلية بزاوية دير علا من الْغَوْر الغربي ووفاته فِي خلَافَة عمر وَله ثَمَان وَخَمْسُونَ سنة معَاذ بن جبل الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ اسْتَخْلَفَهُ أَبُو عُبَيْدَة على النَّاس عِنْد مَوته فَمَاتَ أَيْضا بالطاعون بِنَاحِيَة الْأُرْدُن فِي سنة ثَمَان عشرَة وَله ثَمَان وَثَلَاثُونَ

سنة وَقيل ثَلَاثُونَ وَثَلَاثُونَ سنة وقبره بِالْقصرِ الَّذِي من الْغَوْر وَمَات من الْعَسْكَر فِي هَذَا الطَّاعُون خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف نفس وَطَالَ مكثه شهرا وطمع الْعَدو فِي الْمُسلمين بِلَال بن رَبَاح مول أبي بكر الصّديق وَهُوَ مُؤذن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم شهد فتح بَيت الْمُقَدّس مَعَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَلم يُؤذن بعد رَسُول الله (ص) سو مرّة وَاحِدَة لما أَمر عمر بِالْأَذَانِ بعد الْفَتْح - كَمَا تقدم - توفّي بِدِمَشْق فِي سنة تِسْعَة عشر من الْهِجْرَة وَدفن عِنْد الْبَاب الصَّغِير وَهُوَ ابْن بضع وَسِتِّينَ سنة وَقيل مَاتَ بحلب سنة عشْرين وَقيل ثَمَانِيَة عشر وَالله أعلم عِيَاض بن غنم رَضِي الله عَنهُ ابْن عَم أبي عُبَيْدَة دخل بَيت الْمُقَدّس وبن فِيهَا حَماما وَله رِوَايَة عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَتُوفِّي فِي سنة عشْرين مكن الْهِجْرَة خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ سيف الله المسلول توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَاخْتلف فِي مَوضِع قَبره فَقيل بحمص وَقيل بِالْمَدِينَةِ أَبُو ذُو الْغِفَارِيّ واسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة دخل بَيت الْمُقَدّس وَكَانَت وَفَاته بالربذة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَالله أعلم أَبُو الدَّرْدَاء عُوَيْمِر رَضِي الله عَنهُ توفّي بِدِمَشْق فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقيل إِحْدَى وَثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ عبَادَة بن الصَّامِت الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ وَجهه عمر إِلَى الشَّام قَاضِيا ومعلماً وَأقَام بحمص ثمَّ انْتقل إِلَى فلسطين وَهُوَ أول ولي قَضَاهَا سكن بَيت الْمُقَدّس وَمَات بفلسطين وَدفن بِبَيْت الْمُقَدّس وَقيل بالرملة وَالْأول أشهر وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ لِلْهِجْرَةِ والآن قَبره لَا يعرف بِبَيْت الْمُقَدّس وَلَا بالرملة واندرس لاستيلاء الإفرنج على تِلْكَ النَّاحِيَة سُلَيْمَان الْفَارِسِي توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَدفن بِالْمَدَائِنِ عَن مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة وَيُقَال أَكثر ذكره النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب والكرماني

وَابْن الْجَوْزِيّ فِي صفوة الصفوة قَالَ أهل الْعلم بالسير كَانَ سُلَيْمَان من المعمرين أدْرك وَصِيّ عِيسَى بن مَرْيَم ورد بعض الْعلمَاء هَذَا القَوْل وَقَالَ إِنَّه لم يبلغ الْمِائَة وَالله أعلم أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ عقبَة بن عَمْرو البدري سكن بَدْرًا وَلم يشهدها عل الرَّاجِح وَتُوفِّي فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَقيل سنة أَرْبَعِينَ تَمِيم الدَّارِيّ بن أَوْس رَضِي الله عَنهُ وفدهو وَأَخُوهُ نعيم عل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم سنة تسع واسلما صحب تَمِيم رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وغزا مَعَه ورو عَنهُ وَلم يزل بِالْمَدِينَةِ حَتَّى تحول إِلَى الشَّام بعد قتل عُثْمَان وَكَانَ أَمِيرا على بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ الَّذِي اقطعه النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم أَرض حبرون وَسَنذكر نُسْخَة الإقطاع فِيمَا بعد عِنْد ذكر بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة عَمْرو بن الْعَاصِ السَّهْمِي توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة فِي خلَافَة مُعَاوِيَة عبد الله بن سَلام أَبُو الْحَارِث الإِمَام الحبر الإسرائيلي الْمَشْهُود لَهُ بِالْجنَّةِ قدم بَيت الْمُقَدّس من خَواص الصَّحَابَة كَانَ اسْمه الْحصين فَغَيره النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَبْد الله شهد فتح بَيت الْمُقَدّس توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ قدم بَيت الْمُقَدّس زمن الْفَتْح توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين من الْهِجْرَة بالعقيق وَقيل بِالْكُوفَةِ وَله بضع وَسَبْعُونَ سنة أَبُو إِسْحَاق سعد بن أبي وَقاص اسْمه مَالك بن وهب رَضِي الله عَنهُ قدم بَيت الْمُقَدّس واحرم مِنْهُ بِعُمْرَة إِحْدَى الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ مَاتَ فِي قصره بالعقيق عل أَمْيَال من الْمَدِينَة فَحمل إِلَى الْمَدِينَة وصلت عَلَيْهِ أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجرهن وَدفن بِالبَقِيعِ فِي سنة خمس - وَقيل سِتّ - وَخمسين من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن بضع وَسبعين سنة

مرّة بن كَعْب الفِهري رَضِي الله عَنهُ نزل بِالشَّام وَتُوفِّي سنة سبع وَخمسين من الْهِجْرَة بالأردن شَدَّاد بن أَوْس ابْن أخي حسان بن ثَابت نزل بِالشَّام نَاحيَة فلسطين وَكَانَ مِمَّن أُوتِيَ الْعلم والحلم وَالْحكمَة يروي إِنَّه لما دنت وَفَاة النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ ثمَّ جلس ثمَّ قَامَ ثمَّ جلس فَقَالَ رَسُول الله (ص) يَا شَدَّاد مَا سَبَب قلقك؟ فَقَالَ يَا رَسُول الله ضَاقَتْ بِي الأَرْض فَقَالَ أَلا أَن الشَّام ستفتح وَبَيت الْمُقَدّس سيفتح أَن شَاءَ الله تَعَالَى وَتَكون أَنْت وولدك من بعْدك أَئِمَّة بهَا إِن شَاءَ الله فَكَانَ كَمَا أخبر صل اله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ذَا عبَادَة واجتهاد توفّي سنة ثَمَان وَخمسين من الْهِجْرَة وَله خمس وَسَبْعُونَ سنة وَقيل مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وقبره ظَاهر بِبَيْت الْمُقَدّس يزار فِي مقبره بَاب الرَّحْمَة تَحت سور الْمَسْجِد الْأَقْصَى رَضِي الله عَنهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ واسْمه عبد الرَّحْمَن بن صَخْر قدم بَيت الْمُقَدّس وَشهد فَتحه مَاتَ بِمَدِينَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة تسع وَخمسين من الْهِجْرَة وَهُوَ مِمَّن لَازم خدمَة النَّبِي (ص) وروى عَنهُ الْكثير وَلَيْسَ هُوَ المدفون بقرية يبْنى الَّتِي هِيَ من أَعمال مَدِينَة غَزْوَة وَإِنَّمَا بهَا بعض وَلَده مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَمِير الْمُؤمنِينَ قدم بَيت الْمُقَدّس وَقدم عَلَيْهِ عَمْرو بن الْعَاصِ فَبَايعهُ عل طلب عُثْمَان وكتباً كتابا بَينهمَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا تعاهد عَلَيْهِ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعَمْرو بن الْعَاصِ بِبَيْت الْمُقَدّس بعد مقتل عُثْمَان وَحمل كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه الْأَمَانَة أَن بَيْننَا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح فِي أَمر الله وَالْإِسْلَام وَلَا يخذل أَحَدنَا صَاحبه بِشَيْء وَلَا يتَّخذ من دونه وليجة وَلَا يحول بَيْننَا ولد وَلَا وَالِد أبدا مَا حيينا فِيمَا استطعنا توفّي بِدِمَشْق فِي النّصْف من رَجَب فِي سِتَّة سِتِّينَ من الْهِجْرَة وَله ثَمَان وَسَبْعُونَ سنة وَقيل سِتّ وَثَمَانُونَ سنة وَقيل غير ذَلِك وَصلى عَلَيْهِ الضَّحَّاك وَدفن بمقبرة دمشق

عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ اسْلَمْ قبل أَبِيه وَلم يكن أَصْغَر من أَبِيه إِلَّا باثنتي عشرَة سنة وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن والتوراة ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا توفّي فِي سنة خمس وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مولده قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين ودعا لَهُ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل فَكَانَ كَذَلِك وَكَانَ يسم الحبر لِكَثْرَة علومه وَأهل من بَيت الْمُقَدّس فِي الشتَاء توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة بِالطَّائِف بقرية تدعى السَّلامَة وقبره ظَاهر مَعْرُوف بهَا عَلَيْهِ قبَّة مَبْنِيَّة وحولها مَسْجِد جَامع عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا قدم بَيت الْمُقَدّس وَأهل مِنْهُ بِعُمْرَة توفّي سنة وَسبعين من الْهِجْرَة بعد قتل ابْن الزبير بِثَلَاثَة أشهر وَله سبع وَثَمَانُونَ سنة عَوْف بن مَالك بن عَوْف الْأَشْجَعِيّ أَبُو مُحَمَّد شهد فتح بَيت الْمُقَدّس وَنزل بحمص وَهُوَ صَحَابِيّ جليل توفّي سنة ثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة بَايع رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم عل أَن يعبد الله وَلَا يُشْرك بِهِ شَيْئا والصلوات الْخمس وَإِن لَا يسْأَل النَّاس شَيْئا أَبُو جُمُعَة الْأنْصَارِيّ واسْمه جُنْدُب بن سِبَاع وَقيل جُنَيْد بن سِبَاع وَقيل ابْن وهب وَقيل ابْن فديك قدم بَيت الْمُقَدّس ليُصَلِّي فِيهِ يعد من الشاميين مَاتَ بِالشَّام أول الْمحرم سنة سبع وَسبعين من الْهِجْرَة وَاثِلَة بن الاسقع الهوازني أسلم وَالنَّبِيّ صل الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَوَجّه إِلَى تَبُوك وَيُقَال إِنَّه خدمَة ثَلَاث سِنِين وَهُوَ من أهل الضفة سكن الْبَصْرَة ثمَّ الشَّام وَشهد الْمَغَازِي بِدِمَشْق وحمص ثمَّ تحول إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَمَات بِهِ وَهُوَ ابْن مائَة سنة وَقيل مَاتَ بِدِمَشْق فِي خر خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان سنة خمس - أَو سِتّ - وَثَمَانِينَ من الْهِجْرَة رَضِي الله عَنهُ

أَبُو أُمَامَة صدى بن عجلَان الْبَاهِلِيّ سكن بَيت الْمُقَدّس ودمشق الشَّام وَكَانَ آخر من أَتَى الشَّام من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنهُ شهد حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة توفّي سنة ثَمَان - وَقيل سِتّ - ثَمَانِينَ من الْهِجْرَة مَحْمُود بن الرّبيع نعيم وَقيل أَبُو مُحَمَّد فِي الصَّحِيح من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن مَحْمُود بن الرّبيع كَانَ يزْعم أَنه أدْرك رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن خمس سِنِين وَزعم إِنَّه عقل مجة مجها رَسُول الله (ص) فِي وَجهه نزل بَيت الْمُقَدّس وَأهل مِنْهُ بِحَجّ وَعمرَة وَهُوَ ختن عبَادَة بن الصَّامِت مَاتَ شنة تسع وَتِسْعين من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة يزِيد بن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب كَانَ أَمِيرا بِالشَّام عل جند من الأجناد وَلما مَاتَ أَمر عمر مَكَانَهُ أَخَاهُ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَبُو رَيْحَانَة واسْمه شَمْعُون - بشين مُعْجمَة وَقيل بِالْمُهْمَلَةِ - شَمْعُون الْقرظِيّ من بني قُرَيْظَة يُقَال من بني النَّضِير وَيُقَال لَهُ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت ابْنَته رَيْحَانَة سَرِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسكن أَبُو رَيْحَانَة بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ يعظ فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريد بن سُوَيْد قدم بَيت الْمُقَدّس لِأَنَّهُ كَانَ قد نذر أَن يُصَلِّي فِيهِ أَن فتح الله مَكَّة على رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم واستأذنه فِي ذَلِك فَأذن لَهُ ابْن أبي الجدعا وَهُوَ عبد الله بن أبي الجدعا التَّمِيمِي وَيُقَال لَهُ الْكِنَانِي وَيُقَال لَهُ الْعَبْدي فَيْرُوز الديلمي أَبُو عبد الله وَيُقَال أَبُو عبد الرَّحْمَن وَيُقَال أَبُو الضَّحَّاك وَيُقَال الْحِمْيَرِي لنوله بحمير وَهُوَ من أَبنَاء فَارس من فرس صنعاء فَيْرُوز من الَّذين بَعثهمْ كسْرَى إِلَى الْيمن فنفوا الْحَبَشَة مِنْهَا وغلبوا عَلَيْهَا سكن بَيت الْمُقَدّس وَيُقَال إِنَّه مَاتَ بهَا وقبره بِهِ مَاتَ فِي خلَافَة عُثْمَان

ذُو الْأَصَابِع التَّمِيمِي يُقَال الْخُزَاعِيّ وَيُقَال الْجُهَنِيّ سكن بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ من أهل الْيمن من المدد الَّذين نزلُوا بِبَيْت الْمُقَدّس أَبُو مُحَمَّد النجاري - بِالْجِيم - الْأنْصَارِيّ البدري قَالَ صَاحب (مثير الغرام) أَظُنهُ مَسْعُود بن أويس بن زيد بن أَصْرَم بن زيد بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك النجاري كَذَا نسبه الْوَاقِدِيّ وَغَيره وَهُوَ الَّذِي زعم أَن الْوتر وَاجِب فَقَالَ عبَادَة بن الصَّامِت كذب أَبُو مُحَمَّد قيل توفّي فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَقيل شهد صفتين مَعَ عَليّ سَلام بن قَيْصر قيل سَلامَة لَهُ صُحْبَة وَكَانَ والياً لمعاوية على بَيت الْمُقَدّس وَله عقب بِهِ وَأنكر بَعضهم صحبته وَالله أعلم أَبُو أبي بن أم حرَام وَيُقَال أبي وَيُقَال عبد الله بن أبي وَقيل عبد الله ابْن كَعْب وَقيل عبد الله بن عَمْرو بن شَمْعُون بن خَليفَة بن قيس وَأمه أم حرَام بنت ملْحَان أُخْت أم سليم أسلم قَدِيما ويعد فِي الشاميين سكن بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ ربيب عبَادَة بن الصَّامِت وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِيمَن ذكر إِنَّه كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَات بِهِ عبَادَة بن الصَّامِت وَشَدَّاد بن أَوْس وَأَبُو أبي بن أم حرَام وَأَبُو رَيْحَانَة وسلامة بن قَيْصر وفيروز الديلمي وَذُو الْأَصَابِع وَأَبُو مُحَمَّد النجاري وَالله أعلم عصيف بن الْحَارِث وَهُوَ الصَّوَاب فِي اسْمه قدم بَيت الْمُقَدّس هُوَ وَأَهله فصلى فِيهِ وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة صَفِيَّة بنت حَيّ أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قدمت بَيت الْمُقَدّس فصلت فِيهِ وصعدت عل طور زيتا فصلت وَقَامَت طرف الْجَبَل فَقَالَت من هَاهُنَا يتفرق

النَّاس يَوْم الْقيام إِلَى الْجنَّة وَإِلَى النَّار توفيت فِي سنة خمسين وَقيل اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَقيل سِتّ وَثَلَاثِينَ ودفنت بِالبَقِيعِ رَضِي الله عَنْهَا وَحكى صَاحب (مثير الغرام) أَن حبرًا من الْأَحْبَار بَيت الْمُقَدّس قدم الْمَدِينَة بعد موت النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما توفّي رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لثنتي عشرَة خلت من ربيع الأول فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَة الْخَمِيس إِذا نَحن بشيخ أَبيض الرَّأْس واللحية متلثم بعمامة على قعُود لَهُ فجَاء فَنزل فعقل بعيره بِبَاب الْمَسْجِد فَنَادِ السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله هَل فِيكُم مُحَمَّد رَسُول الله؟ فَقَالَ عَليّ مَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ أَنا حبر من أَحْبَار بَيت الْمُقَدّس قَرَأت التَّوْرَاة ثَمَانِينَ سنة وتدبرتها أَرْبَعِينَ سنة صفاحاً فَوجدت فِيهَا ذكر مُحَمَّد وَإنَّهُ لَيْسَ بكاذب وَلَا أَقْوَال لكذب وَقد جِئْت أطلب الْإِسْلَام على يَدَيْهِ فَذكر أثرا طَويلا مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ (ذكر المهدى الَّذِي يكون فِي آخر الزَّمَان بالقدس الشريف) رو صَاحب (مثير الغرام) عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله (ص) ينزل بأمتي فِي آخر الزَّمَان بلَاء شَدِيد من سلطانهم لم يسمع النَّاس ببلاء أَشد مِنْهُ حَتَّى تضيق عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَحَتَّى تملأ الأَرْض جوراً وظلماً ثمَّ إِن الله يبْعَث رجلا يمْلَأ بِهِ الأَرْض قسطاً وعدلاً كَمَا ملئت ظلما وجراً يرضى عَنهُ سَاكن السَّمَاء وَسَاكن الأَرْض لَا تدخر الأَرْض من بذرها شَيْئا إِلَّا أخرجته وَلَا السَّمَاء من قطرها شَيْئا إِلَّا صبه الله عَلَيْهِم مدراراً يعِيش فيهم سبع سِنِين أَو ثَمَانِي سِنِين أَو تسعا يتَمَنَّى الْأَحْيَاء الْأَمْوَات بِمَا صنع الله بِأَهْل الأَرْض من الْخَيْر وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ بِنَحْوِهِ وَفِيه وَينزل بَيت الْمُقَدّس وَرُوِيَ عَن عَليّ قَالَ الْمهْدي يُولد بِالْمَدِينَةِ من أهل بَيت النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وأسمه اسْم نَبِي ويهاجر بِبَيْت الْمُقَدّس

وَعَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ تخرج راية سَوْدَاء لبني الْعَبَّاس ثمَّ تخرج من خُرَاسَان أخر سَوْدَاء وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يُقَال لَهُ شُعَيْب بن صَالح مولى بني تَمِيم يهزمون أَصْحَاب السفياني حَتَّى ينزل بَيت الْمُقَدّس يوطئ للمهدي سُلْطَانه ويفد إِلَيْهِ ثَلَاثمِائَة من الشَّام يكون بَين خُرُوجه وَبَين أَن يسلم إِلَيْهِ الْأَمر ثَلَاث وَسَبْعُونَ شهرا وَعَن شُرَيْح بن عبيد عَن رَاشد بن سعد وضمرة بن حبيب ومشايخهم قَالُوا يخرج شُعَيْب بن صَالح مول بني تَمِيم مختفياً إِلَيّ بَيت الْمُقَدّس يوطئ للمهدي منزله إِذا بلغه خُرُوجه إِلَى الشَّام وَعَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ إِذا سمع العابد الَّذِي بِمَكَّة بالخسف خرج مَعَ اثْنَي عشر ألفا فيهم الْإِبْدَال حَتَّى ينزلُوا بايليا - يَعْنِي بَيت الْمُقَدّس - الْأَثر وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَأَيْتُمْ خليفتين خَليفَة بَيت الْمُقَدّس يقتل الَّذِي هُوَ دونه يَعْنِي بالخليفة الَّذِي بِبَيْت الْمُقَدّس الْمهْدي وَالَّذِي دونه السفياني وَعَن سُلَيْمَان بن عيس قَالَ بَلغنِي إِنَّه عل يَد الْمهْدي تَابُوت السكينَة من بحيرة طبرية حَتَّى يحمل فَيُوضَع بَين يَدَيْهِ فِي بَيت الْمُقَدّس فَإِذا نظرت إِلَيْهِ الْيَهُود أَسْلمُوا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم ثمَّ يَمُوت الْمهْدي وَأما مَا رُوِيَ عَن انس بن مَالك عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ لَا يزْدَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وَلَا النَّاس غلا شحا وَلَا الدُّنْيَا إلاأدباراً وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار الْخلق وَلَا مهْدي إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم فَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد إِنَّه حَدِيث أَمر جدا لَا يُعَارض مَا تقدم وَعَن هِشَام بن عمار قَالَ سَمِعت أَن رجلا انْتقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَقيل لَهُ مَا نقلك إِلَيْهَا؟ قَالَ بَلغنِي إِنَّه لَا يزَال فِي بَيت الْمُقَدّس رجل يعْمل عمل آل دَاوُد وَالله أعلم

(ذكر بناء عبد الملك بن مروان لقبه الصخرة الشريفة)

(ذكر بِنَاء عبد الْملك بن مَرْوَان لقبه الصَّخْرَة الشَّرِيفَة) وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَمَا وَقع فِي ذَلِك لما توفّي أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وعهد بالخلافة إِلَى النَّفر الَّذين مَاتَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم راضوهم عُثْمَان وَعلي وطلح وَالزُّبَيْر وَسعد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنْهُم وَشرط أَن يكون ابْنه عبد الله شَرِيكا فِي الرَّأْي وَلَا يكون لَهُ حَظّ فِي الْخلَافَة بُويِعَ بعده بالخلافة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله وَاسْتقر فِيهَا لثلاث مَضَت من الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين من الْهِجْرَة وَاسْتمرّ إِلَى أَن اسْتشْهد فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لثماني عشر لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَكَانَت خِلَافَته اثْنَتَيْ عشرَة سنة إِلَّا اثْنَي عشر يَوْمًا وفضائله ومناقبه مَشْهُورَة ثمَّ اسْتَقر بعده فِي الْخلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وبويع لَهُ بِالْخِلَافِ فِي يَوْم الْجُمُعَة لخمس بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَوَقع بَينه وَبَين مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان مَا هُوَ مَشْهُور مِمَّا لَيْسَ فِي ذكره فَائِدَة وَالسُّكُوت عَنهُ أولى وَاسْتمرّ إِلَيّ أَن اسْتشْهد بِالْكُوفَةِ وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وَكَانَت خِلَافَته أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر ثمَّ اسْتَقر بعده فِي الْخلَافَة وَلَده الْحسن رَضِي الله عَنهُ بُويِعَ لَهُ يَوْم وَفَاة وَالِده وَاسْتمرّ فِي الْخلَافَة نَحْو سِتَّة أشهر وَهِي تَمام ثَلَاثِينَ لوفاة رَسُول الله (ص) وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ يعود ملكا عَضُوضًا وَكَانَ آخر ولَايَة الْحسن تَمام ثَلَاثِينَ سنّ وَسلم الْأَمر لمعاوية فاستقر فِي الْخلاف فِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة

وَاسْتمرّ فِي الْخلَافَة نَحْو عشْرين سنة إِلَى أَن توفّي بِدِمَشْق فِي النّصْف من رَجَب سنة سِتِّينَ من الْهِجْرَة وَكَانَ يلقب بالناصر لحق الله تَعَالَى فَلَمَّا توفّي اسْتَقر بعده فِي الْخلَافَة وَلَده يزِيد ولقب نَفسه بالمنتصر عل أهل الزيغ وَكَانَ قد بُويِعَ لَهُ بالخلافة قبل وَفَاة أَبِيه ثمَّ جددت لَهُ الْبيعَة بعد وَفَاته فأساء السِّيرَة وجار على الرّعية وتجاهر بِالْمَعَاصِي فَلَمَّا اشْتهر جوره كثر ظلمه وَقتل ل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْتمع أهل الْمَدِينَة على إِخْرَاج عَامله عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان ومروان بن الحكم وَسَائِر بني أُميَّة وَذَلِكَ بِإِشَارَة عبد الله بن الزبير فَلَمَّا بلغ ذَلِك يزِيد بن مُعَاوِيَة سير الجيوش إِلَى أهل الْمَدِينَة وجهز عَلَيْهِم مُسلم ابْن عقبَة الْمُزنِيّ فانتهب الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَقتل أَهلهَا ثمَّ قصد مَكَّة فَمَاتَ قبل وُصُوله إِلَيْهَا واستخلف على الْجَيْش الْحصين بن نمير فَأتى مَكَّة وحاصر ابْن الزبير أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَنصب المناجيق وَهدم الْكَعْبَة الشَّرِيفَة واحرقها وَكَانَ ذَلِك قبل موت يزِيد بِأحد عشر يَوْمًا فَأهْلك الله يزِيد وَمَات وَكَانَ مَوته بحوارين من عمل حمص لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَكَانَت سيرته أقبح السّير وَلَو لم يكن مِنْهَا إِلَّا قتل الْحُسَيْن فِي أَيَّامه وَمَا وَقع مِنْهُ فِي حق ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكفاه ذَلِك فِي قبح السِّيرَة وَاسْتقر بعده فِي الْخلَافَة بِدِمَشْق وَلَده مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة ولقب بالراجع إِلَى الله وَكَانَ صَالحا فَلم يعتن بالخلافة وَلَا بَاشَرَهَا وَأقَام ثَلَاثَة أشهر وَقيل دون ذَلِك وَتُوفِّي رَحمَه الله وَكَانَ النَّاس حِين موت يزِيد بَايعُوا عبد الله بن الزبير بِمَكَّة وتلقب خَادِم بَيت الله

وَكَانَ مَرْوَان بن الحكم بالمدين فقصد الْمسير إِلَى عبد الله بن الزبير ومبايعته ثمَّ توجه من بني أُميَّة إِلَى الشَّام وَبَايع أهل الْبَصْرَة ابْن الزبير وَاجْتمعَ لَهُ الْحجاز وَالْعراق واليمن وَبعث إِلَى مصر فَبَايعهُ أَهلهَا وَبَايع لَهُ فِي الشَّام نمر الضَّحَّاك بن قيس وَبَايع لَهُ بحمص النُّعْمَان بن بشر الْأنْصَارِيّ وَبَايع لَهُ بقلسرين بشر بن دفر بن الْحَارِث الْكلابِي وَكَاد يتم لَهُ الْأَمر بِالْكُلِّيَّةِ وَشرع ابْن الزبير فِي بِنَاء الْكَعْبَة شرفها الله تَعَالَى وَكَانَ ذَلِك فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَكَانَت حيطانها قد مَالَتْ من ضرب المنجنيق فَهَدمهَا وحفر أساسها وَشهد عِنْده سَبْعُونَ من شُيُوخ قُرَيْش وَذَلِكَ أَن قُريْشًا حِين بنوا الْكَعْبَة عجزت نَفَقَتهم فنقصوا من سَعَة بِنَاء الْبَيْت سَبْعَة أَذْرع من أساس إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذِي أسسه هُوَ وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام فبناه عبد الله بن الزبير وَزَاد فِيهِ السَّبْعَة أَذْرع وَأدْخل الْحجر فِي الْكَعْبَة وأعادها عل مَا كَانَت عَلَيْهِ أَولا وَجعل لَهَا بَابَيْنِ بَاب يدْخل مِنْهُ وَبَاب يخرج مِنْهُ فَلم يزل الْبَيْت على ذَلِك حَتَّى قتل الْحجَّاج ابْن الزبير - كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تعال - فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة بِالشَّام بُويِعَ بالخلافة لمروان بن الحكم ولقب بالمؤتمن بِاللَّه وافترق النَّاس فرْقَتَيْن فرقة تهوي بني أُميَّة وَفرْقَة تهوي ابْن الزبير وَوَقع بَينهم خلاف وَجرى بَينهم وقائع وحروب ثمَّ اسْتَقر أَمر الشَّام لمروان وَدخلت مصر تَحت طَاعَته ثمَّ أَمر النَّاس بالبيعة لوَلَده عبد الْملك وَمن بعده لِأَخِيهِ عبد الْعَزِيز فَمَا كَانَ بأسرع من أَن انْقَضتْ مُدَّة مَرْوَان فَمَاتَ بالطاعون بِدِمَشْق فَجْأَة لثلاث خلون من رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَته تِسْعَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة

فَلَمَّا مَاتَ بُويِعَ لوَلَده عبد الْملك بالخلافة فِي ثَالِث شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ ولقب بالموفق لأمر الله وَهُوَ أول من سمي عبد الْملك فِي الْإِسْلَام وَأول من ضرب الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فِي الْإِسْلَام وَكَانَ النقش عل الْجَانِب الْوَاحِد الله أحد وعل الآخر الله الصَّمد وَكَانَت الدَّرَاهِم قبل ذَلِك رُومِية وكسروية وَلما ولي الْخلَافَة وعد النَّاس - يَوْم بُويِعَ - بِخَير ودعاهم إِلَى إحْيَاء الْكتاب وَالسّنة وَإِقَامَة الْعدْل فَلَمَّا دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ ابْتَدَأَ بِبِنَاء قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَعمارَة الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَذَلِكَ لِأَنَّهُ منع النَّاس عَن الْحَج لِئَلَّا يميلوا مَعَ ابْن الزبير فضجوا فقصد أَن يشغل النَّاس بعمارة هَذَا الْمَسْجِد عَن الْحَج فَكَانَ ابْن الزبير يشنع على عبد املك بذلك وَكَانَ من خبر الْبناء أَن عبد الْملك بن مَرْوَان حِين حضر إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَأمر بِبِنَاء الْقبَّة عل الصَّخْرَة الشَّرِيفَة بعث الْكتب فِي جَمِيع عمله وَالِي سَائِر الامصار إِن عبد الْملك قد أَرَادَ أَن يَبْنِي قبَّة على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس تَقِيّ الْمُسلمين من الْحر وَالْبرد وَأَن يَبْنِي الْمَسْجِد وَكره أَن يفعل ذَلِك دون رَأْي رَعيته فلتكتب الرّعية إِلَيْهِ برأيهم وَمَا هم عَلَيْهِ فوردت الْكتب عَلَيْهِ من سَائِر عُمَّال الْأَمْصَار نر رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ مُوَافقا رشيدا إِن شَاءَ الله يتم لَهُ نوى من بِنَاء بَيته وصخرته ومسجده وَيجْرِي ذَلِك على يَدَيْهِ ويجعله تذكرة لَهُ لمن مضى من سلفه فَجمع الصناع لعمله وأرصد للعمارة مَالا كثيرا يُقَال إِنَّه خراج مصر سبع سِنِين وَوَضعه بالقبة الكائنة أَمَام الصَّخْرَة من جِهَة الشرق بعد أَن أَمر ببنائها وَهِي من جِهَة الزَّيْتُون وَجعلهَا حَاصِلا وشحنها بالأموال ووكل على صرف المَال فِي عمَارَة الْمَسْجِد والقبة وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ أَبَا الْمِقْدَام رَجَاء بن حَيَاة بن جود الْكِنْدِيّ وَكَانَ من الْعلمَاء الْأَعْلَام وَمن جلساء عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وَضم

إِلَيْهِ رجلا يدع يزِيد بن سَلام مول عبد الْملك بن مَرْوَان من أهل بَيت الْمُقَدّس وولديه وَيُقَال إِن عبد الْملك وصف مَا يختاره من عمَارَة الْقبَّة وتكوينها للصناع فصنعوا لَهُ وَهُوَ بِبَيْت الْمُقَدّس الْقبَّة الصَّغِيرَة الَّتِي هِيَ شَرْقي قبَّة الصَّخْرَة الَّتِي يُقَال لَهَا قبَّة السلسلة فأعجبه تكوينها وَأمر ببنائها كهيئتها وَأمر رَجَاء وَيزِيد بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَالْقِيَام بأمرها وَإِن يفرغا المَال عَلَيْهَا افراغاً دون أَن ينفقاه انفاقاً وَأخذُوا فِي الْبناء والعمارة عِنْد الْقبَّة من شَرْقي الْمَسْجِد إِلَى غربيه حَتَّى أكملوا الْعَمَل وَفرغ الْبناء وَلم يبْق للمتكلم فِيهِ كَلَام وَكَانَ الْبناء الَّذِي هُوَ فِي صدر الْمَسْجِد إِلَى غربيه من السُّور الَّذِي عِنْد مهد عيس إِلَى الْمَكَان الْمَعْرُوف الْآن بِجَامِع المغاربة فَكتب رَجَاء وَيزِيد إِلَى عبد الْملك بِدِمَشْق قد أتم الله مَا أَمر بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ من بِنَاء قبَّة صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَلم يبْق لمتكلم فِيهِ كَلَام وَقد بقى مِمَّا أَمر بِهِ امير الْمُؤمنِينَ من النَّفَقَة عَلَيْهِ - بعد أَن فرغ الْبناء وَأحكم - مائَة ألف فيصرفها أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا أحب فَكتب إِلَيْهِمَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أمرت بهَا لَكمَا جَائِزَة لما وليتما مكن عمَارَة الْبَيْت الشريف الْمُبَارك فكتبا إِلَيْهِ نَحن أولى أَن نزيده من حلي نسائنا فضلا عَن أَمْوَالنَا فاصرفها فِي أحب الْأَشْيَاء إِلَيْك فَكتب إِلَيْهِمَا بِأَن تسبك وتفرغ عل الْقبَّة فسبكت وأفرغت عَلَيْهَا فَمَا كَانَ أحد يقدر أَن يَتَأَمَّلهَا مِمَّا عَلَيْهَا من الذَّهَب وهيأ لَهَا جلالا من لبود وأدم تُوضَع من فَوْقهَا فَإِذا كَانَ الشتَاء ألبستها لتكنها من الأمطار والرياح والثلوج ثمَّ بعد انْتِقَال الْخلَافَة إِلَى المنتقم لله الْوَلِيد بن عبد الْملك انْهَدم شَرْقي الْمَسْجِد وَلم يكن فِي بَيت المَال حَاصِل فَأمر بِضَرْب ذَلِك وإنفاقه عل مَا انْهَدم مِنْهُ وَكَانَت ولَايَة الْوَلِيد فِي شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمَات فِي جماد الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين من الْهِجْرَة

وَكَانَ رَجَاء بن حَيَاة وَيزِيد بن سَلام قد حفا الصَّخْرَة بدر ابزين ساسم وَمن خلف الدرابزين ستور الديباج مرخاة بَين الْعمد وَكَانَ كل يَوْم اثْنَيْنِ وخميس يأمران بالزعفران فَيدق أَو يطحن ثمَّ يعْمل من اللَّيْل بالمسك والعبر والماورد الْجُورِي ويخمر بِاللَّيْلِ ثمَّ يَأْمر الخدم بِالْغَدَاةِ فَيدْخلُونَ حمام سُلَيْمَان يغتسلون ويتطهرون ثمَّ يأْتونَ إِلَى الخزانة الَّتِي فِيهَا الخلوق فيلقون أثوابهم عَنْهُم ثمَّ يخرجُون أثواباً جدداً من الخزانة مروية وهروية وشيئاً يُقَال لَهُ العصب ومناطق محلاة يشدون بهَا أوساطهم ثمَّ يَأْخُذُونَ الخلوق ويأتون بِهِ إِلَى الصَّخْرَة فيلطخون مَا قدرُوا أَن تناله أَيْديهم حَتَّى يغمروه كُله وَمَا لَا تناله أَيْديهم غسلوا أَقْدَامهم ثمَّ يصعدون على الصَّخْرَة حَتَّى يلطخوا مَا بَقِي مِنْهَا وتفرغ آنِية الخلوق ثمَّ يأْتونَ بمجامر الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْعود القماري والند مطري بالمسك والعنبر فترخى الستور حول الأعمدة كلهَا ثمَّ يَأْخُذُونَ البخور ويدورون حولهَا حَتَّى يحول البخور بَينهم وَبَين الْقبَّة من كثرته ثمَّ تشمر الستور فَيخرج البخور ويفوح من كثرته حَتَّى يبلغ إِلَى رَأس السُّوق فيشم الرّيح من يمر من هُنَاكَ وَيَنْقَطِع البخور من عِنْدهم ثمَّ يناد مُنَاد فِي صف البرازين وَغَيرهم أَلا أَن الصَّخْرَة قد فتحت للنَّاس فَمن أَرَادَ الصَّلَاة فِيهَا فليأت فَتقبل النَّاس مبادرين إِلَى الصَّلَاة فِي الصَّخْرَة فَأكْثر النَّاس من يدْرك أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَقلهمْ أَرْبعا فَمن شم رَائِحَته قَالَ هَذَا مِمَّن دخل الصَّخْرَة ثمَّ تغسل آثَار أَقْدَامهم بِالْمَاءِ وتمسح بالآس الْأَخْضَر وتنشف بالمناديل وتغلق الْأَبْوَاب وعَلى كل بَاب عشرَة من الحجبة وَلَا تفتح إِلَّا يَوْم الِاثْنَيْنِ وَيَوْم الْخَمِيس وَلَا يدخلهَا فِي غَيرهمَا إِلَّا الخدم وَعَن أبي بكر بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت أسرجها فِي الْخلاف عبد الْملك كلهَا باللبان والزنبق الرصاصي قَالَ كَانَت الحجبة يَقُولُونَ لَهُ يَا أَبَا بكر مر لنا بقنديل ندهن بِهِ ونتطيب بِهِ فَكَانَ يجبهم إِلَى ذَلِك وَكَانَ يفعل بهَا ذَلِك فِي أَيَّام خلاف عبد الْملك بن مَرْوَان كلهَا

قَالَ الْوَلِيد وَحدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن ثَابت قَالَ حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ كَانَ فِي السلسلة الَّتِي فِي وسط الْقبَّة على الصَّخْرَة درة ثمينة وقرنا كَبْش إِبْرَاهِيم وتاج كسْرَى معلقات فِي أَيَّام عبد الْملك بن مَرْوَان فَلَمَّا صَارَت الْخلَافَة إِلَى بني هَاشم حولوها إِلَى الكعب حرسها الله تعال وَكَانَ الْفَرَاغ من عمَارَة قبَّة الصَّخْرَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي سنة ثَلَاث وَسبعين من الهجر الشَّرِيفَة وَهِي السّنة الَّتِي قتل فِيهَا عبد الله بن الزبير وَكَانَ من خَبره أَن عبد الْملك بن مَرْوَان لما صفا لَهُ الْوَقْت وَثَبت أمره فِي الْخلَافَة بعث الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ إِلَى حَرْب عبد الله بن الزبير بِمَكَّة فَأتى الْحجَّاج الطَّائِف فَأَقَامَ بهَا شهرا ثمَّ زحف إِلَى مَكَّة فحاصر ابْن الزبير فِي هِلَال ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين ودام الْحصار حَتَّى غلت الأسعار وَأصَاب النَّاس مجاعَة وَزَاد الْحجَّاج فِي الْحصار والقتال وَرمى الْكَعْبَة بالمنجنيق فَلَمَّا رمبها رعدَتْ السَّمَاء وأبرقت وَجَاءَت صَاعِقَة تتبعها أخر فقتلت من أَصْحَاب الْحجَّاج اثْنَي عشر رجلا وَاشْتَدَّ الْقِتَال وَخرج ابْن الزبير فقاتل قتالاً شَدِيدا وتكاثرت أهل الشَّام الوفاً من كل جَانب فشدخوه بِالْحِجَارَةِ فانصرع فأكب عَلَيْهِ موليان لَهُ فَقتلُوا جَمِيعًا وتفرق أَصْحَابه وَأمر بِهِ الْحجَّاج فصلب وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم الثُّلَاثَاء لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة الشريف بعد قتال سَبْعَة أشهر وَكَانَ لَهُ من الْعُمر حِين قتل نَحْو ثَلَاث وَسبعين سنة وَهُوَ أول من ولد للمهاجرين بعد الْهِجْرَة لِأَنَّهُ بُويِعَ لَهُ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَكَانَ سُلْطَانه بالحجاز وَالْعراق وخراسان وأعمل الشرق وَكَانَ كثير الْعِبَادَة مكث أَرْبَعِينَ سنلم ينْزع ثَوْبه عَن ظَهره وَكَانَت خِلَافَته تسع سِنِين؟ وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ لَهُ جمة مفروقة طَوِيلَة

وَلما صلب علق الْحجَّاج إِلَى جَانِبه كَلْبا مَيتا وَمنع والدته من دَفنه وَكَانَ لَهَا من الْعُمر مائَة سنة وَهِي أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَت تدعى بِذَات النطاقين ثمَّ كتب الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك يُخبرهُ بصلبه فَكتب إِلَيْهِ يلومه وَيَقُول هلا خليت بَينه وَبَين أمه فَأذن لَهَا فدفنته وَمَاتَتْ بعده بِقَلِيل وَبعث الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك يُعلمهُ بِمَا زَاده ابْن الزبير فِي الْكَعْبَة فَأمر عبد الْملك بهدمه ورده إِلَيّ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاة رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن يَجْعَل لَهُ بَابا وَاحِدًا فَفعل الْحجَّاج ذَلِك وَهُوَ الْبناء الْمَوْجُود فِي عصرنا وَقد تقدم ذكر مَا وَقع من الْبناء وَالْهدم فِي الْكَعْبَة وخلاصة الْأَمر إِن سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بني الْكَعْبَة وَهِي بَيت الله الْحَرَام - كَمَا تقدم عِنْد ذكره - بعد مُضِيّ مائَة سنة من عمره وَاسْتمرّ بِنَاؤُه نَحْو ألفي سنة وَسَبْعمائة وَخمْس وَسبعين سنة إِلَى أَن هدمته قُرَيْش فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ من مولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَنوهُ - كَمَا تقدم - وَهُوَ الْبناء الثَّانِي وَاسْتمرّ نَحْو اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة ثمَّ هَدمه الْحصين وَأحرقهُ فِي أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة - كَمَا تقدم - وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة ثمَّ بناه عبد الله بِمَ الزبير عل قَوَاعِد إِبْرَاهِيم وَهُوَ الْبناء الثَّالِث وَاسْتمرّ نَحْو تسع سِنِين , ثمَّ هَدمه الْحجَّاج وَقتل ابْن الزبير فِي سنة ثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة ثمَّ بناه الْحجَّاج وَأخرج الْحجر من الْبَيْت وَجعله على مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاة رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الْبناء الرَّابِع وَكَانَ فِي سنة أَربع وَسبعين من الْهِجْرَة وَاسْتمرّ عل مَا هُوَ عَلَيْهِ إِلَى هَذَا التَّارِيخ وَهُوَ آخر سنة تِسْعمائَة وَكَانَت الْكَعْبَة تُكْسَى الْقبَاطِي ثمَّ كُسِيت البرود وَأول من كساها الديباج الْحجَّاج بن يُوسُف وَأما ذرع جدران الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فطول جدارها الشَّرْقِي من أعلا

الشاخص إِلَى أَرض المطاف ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا وَثلث ذِرَاع بِذِرَاع الْحَدِيد وَكَذَلِكَ جدرانها الثَّلَاث سوى الشَّامي فَإِنَّهُ ينقص عَن الشَّرْقِي ربع ذِرَاع والجدار الغربي ينقص عَن الْجِدَار الشَّرْقِي ثمن ذِرَاع والجدار الْيَمَانِيّ كالشرقي سَوَاء بِسَوَاء ذكر ذَلِك الْفَارِسِي فِي تَارِيخه الْمُخْتَصر وَذكر هُوَ وَغَيره من المؤرخين عرض الْبَيْت الشريف من كل جِهَة وحرروا ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا مَحل ذكره خشيَة الإطالة وَأما أَخْبَار توسعه الْمَسْجِد الْحَرَام وعمارته فَأول من وَسعه عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بدور اشْتَرَاهَا ودور هدمها عل من أبي البيع وَترك ثمنهَا لأربابها فِي خزان الكعب وَذَلِكَ فِي خمس عشر من الْهِجْرَة وَكَذَلِكَ فعل عُثْمَان فِي سنة سِتّ وَعشْرين من الْهِجْرَة ثمَّ وسع عبد الله بن الزبير من جَانِبه الشَّرْقِي والشامي واليماني ثمَّ وسع الْمَنْصُور العباسي من جَانِبه الشمالي والغربي وَكَانَ مَا زَاده مثل مَا كَانَ من قبل وابتدأ فِي الْعَمَل فِي الْمحرم سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَفرغ فِي ذِي الْحجَّة سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة ثمَّ إِن الْخَلِيفَة الْمهْدي - هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور العباسي - حج فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَة وجرد الْكَعْبَة وطلى جدرانها بالمسك والعنبر من أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلهَا ووسع الْمَسْجِد من جانبيه الْيَمَانِيّ والغربي حَتَّى صَار عل مَا هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْم خلا الزيادتين فَإِنَّهُمَا احدثا بعده وَكَانَت الكعب الشريف فِي جَانب الْمَسْجِد وَلم تكن متوسطة فهدم حيطان الْمَسْجِد واشتر الدّور والمنازل وأحضر المهندسين وصير الكعب فِي الْوسط وَكَانَت توسعته فِي نوبتين الأول فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَالثَّانيَِة فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَهِي السّنة الَّتِي عمر فِيهَا مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ لأحد من الْأُمَرَاء فِي عمار الْمَسْجِد الْحَرَام من النَّفَقَة مثل مَا للمهدي رَحمَه الله

وَمِمَّنْ عمره من غير توسعه عبد الْملك بن مَرْوَان رفع جدرانه وسقفه بالساج وعمره ابْنه الْوَلِيد وسقفه بالساج المزخرف وازره من دَاخله بالرخام وَزيد فِيهِ بعد الْمهْدي زِيَادَة دَار الندوة بالجانب الشَّامي والزيادات الْمَعْرُوفَة بِزِيَادَة بَاب إِبْرَاهِيم بالجانب الغربي وَكَانَت إنْشَاء زِيَادَة دَار الندوة فِي زمن المعتضد العباسي وَابْتِدَاء الْكِتَابَة إِلَيْهِ فِيهَا فِي سنّ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ عمل الزِّيَادَة الَّتِي بِبَاب إِبْرَاهِيم فِي سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة وَوَقع فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بعد ذَلِك عمارات كَثِيرَة وَأما ذرع الْمَسْجِد الْحَرَام غير الزيادتين فَذكره بعض المؤرخين بِاعْتِبَار ذِرَاع الْيَد وحرره بَعضهم بِذِرَاع الْعَمَل الجدير فَكَانَ طوله من جِدَاره الغربي إِلَى جِدَاره الشَّرْقِي الْمُقَابل لَهُ ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَسِتَّة وَخمسين ذِرَاعا وَثمن ذِرَاع بالذراع الْحَدِيد فَيكون ذَلِك بِذِرَاع الْيَد أَرْبَعمِائَة وَسَبْعَة أَذْرع وَذَلِكَ من وسط جِدَاره الغربي الَّذِي هُوَ جِدَار رِبَاط الْجَوْزِيّ إِلَى وسط جِدَاره الشَّرْقِي عِنْد بَاب الْجَنَائِز ثمَّ يمر بِهِ فِي الْحجر ملاصقاً جِدَار الْكَعْبَة الشَّامي وَكَانَت عرضه من جِدَاره الشَّامي إِلَى جِدَاره الْيَمَانِيّ مِائَتي ذِرَاع وستاً وَسِتِّينَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْحَدِيد فَيكون بِذِرَاع الْيَد ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَأَرْبَعَة أَذْرع وَذَلِكَ مِمَّن وسط جِدَاره الْقَدِيم عِنْد الْعُقُود إِلَى وسط جِدَاره الْيَمَانِيّ الَّذِي فِيمَا بَين بَاب الصَّفَا وَبَاب أجياد يمر بِهِ فِيمَا بَين مقَام إِبْرَاهِيم والكعبة وَهُوَ إِلَى الْمقَام أقرب وَأما ذرع زِيَادَة دَار الندوة فَهُوَ أَرْبَعَة وَسَبْعُونَ ذِرَاعا إِلَّا ربع ذِرَاع بالحديد وَذَلِكَ مِمَّن جِدَار الْمَسْجِد الْحَرَام الْكَبِير إِلَى الْجِدَار الْمُقَابل لَهُ الشَّامي مِنْهَا وَعِنْده بَاب مناوتها هَذَا ذرعها طولا وَأما عرضا فسبعون ذِرَاعا وَنصف ذِرَاع وَذَلِكَ من وسط جدارها الشَّرْقِي إِلَى وسط جدارها الغربي وَأما زِيَادَة بَاب إِبْرَاهِيم فذرعها طولا تسع وَخَمْسُونَ ذِرَاعا إِلَّا سدس ذِرَاع وَذَلِكَ من الأساطين الَّتِي هِيَ فِي موازاة الْمَسْجِد الْكَبِير إِلَى العتبة الَّتِي هِيَ فِي بَاب

هَذَا الزِّيَادَة وَأما ذرعها عرضا فاثنان وَخَمْسُونَ ذِرَاعا وَربع ذِرَاع وَذَلِكَ من صدر بَاب الْجَوْزِيّ إِلَى جِدَار رِبَاط رامشت وَأما عدد أَبْوَاب الْمَسْجِد الْحَرَام فتسعة عشر بَابا تفتح على ثَمَان وَثَلَاثِينَ طَاقَة فَمِنْهَا فِي الْجَانِب الشَّرْقِي بَاب بني شيبَة بِثَلَاث طاقات وَبَاب السَّلَام وَبَاب الْجَنَائِز طاقتان وَبَاب الْعَبَّاس ثَلَاث طاقات وَبَاب عَليّ ثَلَاث طاقات وَفِي الْجَانِب الْيَمَانِيّ بَاب بازان وَبَاب البغلة وَبَاب الصَّفَا وَبَاب أجياد الصَّغِير وَبَاب الْمُجَاهدين وَبَاب مدرسة الشريف عجلَان وَبَاب أم هاني وكل من أَبْوَاب هَذَا الْجَانِب طاقتان إِلَّا بَاب الصَّفَا فخمسة وَفِي الْجَانِب الغربي بَاب غرورة وهم تَصْحِيف الخروزة وَهُوَ طاقتان وَبَاب إِبْرَاهِيم نِسْبَة لإِبْرَاهِيم الْخياط كَانَ عِنْدهم وَبَعْضهمْ نِسْبَة لإِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ بعيد وَهُوَ طَاقَة وَاحِدَة وَبَاب الْعمرَة طَاقَة وَاحِدَة وَفِي الْجَانِب الشمالي بَاب السدة وَبَاب دَار العجلة وَبَاب الزِّيَادَة وَاحِدَة وَبَاب السكينَة وكل مِنْهَا طاقتان لَا بَاب الزِّيَادَة فَهُوَ طَاقَة وعدة مَا فِيهِ من المنائر خمس منارات وزيدت مَنَارَة سادسة لمدرسة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباي نَصره الله تَعَالَى وَمِمَّا وَقع فِي الْكَعْبَة الشريف فِي سنة سبع عشرَة وثلاثمائة فِي أَيَّام الْمهْدي بِاللَّه عبيد الله أول خلفاء الفاطميين وَكَانَ خَليفَة بَغْدَاد فِي ذَلِك الْعَصْر المقتدر بِاللَّه أَبُو الْفضل جَعْفَر العباسي أَن أَبَا طَاهِر سُلَيْمَان القرمطي صَاحب الْبَحْرين قصد مَكَّة ودخلها يَوْم التَّرويَة وَهُوَ ثامن ذِي الْحجَّة فنهب أَمْوَال الْحجَّاج وَقتل النَّاس فِي رحاب مَكَّة وشعابها حَتَّى فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي جَوف الْكَعْبَة وَدفن الْقَتْلَى فِي بِئْر زَمْزَم وَفِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَأمر بقلع الْكَعْبَة وَنزع كسوتها عَنْهَا وشققها بَين أَصْحَابه وَهدم قبَّة زَمْزَم وَأمر بقلع الْحجر الْأسود وَأَخذه إِلَى هجر وَاسْتمرّ ببلادهم ثِنْتَيْنِ وَعشْرين سنة وَلم يرد إِلَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَلما صنف الإِمَام أَبُو الْقَاسِم عمر بن الْحُسَيْن الْخرقِيّ الْحَنْبَلِيّ كتاب الْخُلَاصَة

فيفقه مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي كتاب الْحَج - فِي بَاب ذكر الْحَج وَدخُول مَكَّة - وَإِذا دخل الْمَسْجِد الْحَرَام فالمستحب أَن يدْخل من بَاب بني شيبَة فَإِذا رأى الْبَيْت رفع يَدَيْهِ وَكبر الله تَعَالَى ثمَّ أَتَى الْحجر الْأسود إِن كَانَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن تصنيفه الْكتاب كَانَ حَال كَون الْحجر الْأسود بأيدي القرامطة حِين أَخَذُوهُ من مَكَانَهُ فَإِن أَبَا الْقَاسِم رَحمَه الله توفّي بِدِمَشْق المحروسة فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة قبل إِعَادَة الْحجر إِلَى مَكَانَهُ بِخَمْسِينَ سنة (ذكر صفة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زمن عبد الْملك وَبعده) رو الْحَافِظ بهاء الدّين بن عَسَاكِر إِنَّه كَانَ فِيهِ فِي ذَلِك الْوَقْت من الْخشب المسقف سوى أعمدة خشب سِتَّة آلَاف خشبه وَفِيه من الْأَبْوَاب خَمْسُونَ بَابا قَالَ الْقُرْطُبِيّ مِنْهَا بَاب دَاوُد وَبَاب سُلَيْمَان وَبَاب حطة وَبَاب مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَاب التَّوْبَة الَّذِي تَابَ الله عز وَجل عل دَاوُد فِيهِ وَبَاب الرَّحْمَة وأبواب الأسباط أَبْوَاب وَبَاب الْوَلِيد وَبَاب الْهَاشِمِي وَبَاب الْخضر وَبَاب السكينَة) وَكَانَ فِيهِ من الْعمد سِتّمائَة عَمُود من رُخَام وَفِيه من المحاريب سَبْعَة وَمن السلَاسِل لقناديل أَرْبَعمِائَة سلسلة إِلَّا خَمْسَة عشر مِنْهَا مِائَتَا سلسلة وَثَلَاثُونَ سلسل فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَالْبَاقِي فِي قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وذرع السلَاسِل أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع ووزنها ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ ألف رَطْل بالشامي وَفِيه من الْقَنَادِيل خَمْسَة آلَاف شقفة وَسَبْعمائة وَوزن الشقفة سَبْعُونَ رطلا بالشامي غير الَّذِي على قبَّة الصَّخْرَة وكل ذَلِك عمل فِي أَيَّام عبد الْملك بن مَرْوَان ورتب لَهُ من الخدم القوام

ثَلَاثمِائَة خَادِم اشْتريت لَهُ من خمس بَيت المَال كلما مَاتَ مِنْهُم وَاحِد قَامَ مَكَانَهُ وَلَده أَو ولد وَلَده أَو من أهلهم يجْرِي عَلَيْهِم ذَلِك أبدا مَا تَنَاسَلُوا وَفِيه من الصهاريج أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ صهريجاً كبارًا وَفِيه من المنابر أَرْبَعَة ثَلَاثَة مِنْهَا صف وَاحِد غربي الْمَسْجِد وَوَاحِدَة على بَاب الأسباط وَكَانَ لَهُ من الخدم الْيَهُود الَّذين لَا يُؤْخَذ مِنْهُم جِزْيَة عشرَة رجال وتوالدوا فصاروا عشْرين لكنس أوساخ الْمَسْجِد النَّاشِئ فِي المواسم والشتاء والصيف ولكنس الْمَطَاهِر الَّتِي حول الْجَامِع وَله من الخدم النَّصَارَى عشرَة أهل بَيت يتوارثون خدمته لعمل الْحصْر ولكنس حصر الْمَسْجِد وكنس الْقَنَاة الَّتِي يجْرِي فِيهِ المَاء إِلَى الصهاريج وكنس الصهاريج أَيْضا وَغير ذَلِك وَله من الخدم الْيَهُود جمَاعَة يعْملُونَ الزّجاج الْقَنَادِيل والأقداح والثريات وَغير ذَلِك لَا يُؤْخَذ مِنْهُم جِزْيَة وَلَا من الَّذين يقومُونَ بالقش لفتائل الْقَنَادِيل جَارِيا عَلَيْهِم وعَلى أَوْلَادهم أبدا مَا تَنَاسَلُوا من عهد عبد الْملك بن مَرْوَان وهلم جرا وَتُوفِّي عبد الْملك بن مَرْوَان بِدِمَشْق فِي يَوْم الْخَمِيس لخمس عشرَة ليل مَضَت من رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ من الْهِجْرَة الشريف وعمره سِتُّونَ سنة وَكَانَت خِلَافَته مُنْذُ قتل ابْن الزبير واجتماع النَّاس لَهُ ثَلَاث عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر تنقص سبع لَيَال وَكَانَ بِالشَّام وَمَا والاها قبل قتل ابْن الزبير بِسبع سِنِين وَنَحْو تِسْعَة أشهر وَمَات الْحجَّاج فِي شهر رَمَضَان - وَقيل شَوَّال - خمس وَتِسْعين لِلْهِجْرَةِ وَله ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة وَكَانَ مَوته بواسط وَهُوَ الَّذِي بناها وأخفي قَبره واجري عَلَيْهِ المَاء وَمَات رَجَاء بن حَيَاة الَّذِي تولى بِنَاء الصَّخْرَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي سنة اثْنَتَيْ وَتِسْعين من الْهِجْرَة أَتَى بَيت الْمُقَدّس واتته الْوُفُود بالبيعة فَلم ير وفادة كَانَت أهنئ من الْوِفَادَة إِلَيْهِ فَكَانَ يجلس فِي قبَّة فِي صحن مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس مِمَّا يَلِي الصَّخْرَة ولعلها الْقبَّة الْمَعْرُوفَة بقبة سُلَيْمَان عِنْد بَاب الدويدارية ويبسط الْبسط بَين يَدي قُبَّته عَلَيْهَا النمارق والكراسي فيجلس وَيَأْذَن للنَّاس فَيَجْلِسُونَ عل الكراسي والوسائد والى جَانِبه الْأَمْوَال وَكتاب الدَّوَاوِين وَقد هم بِالْإِقَامَةِ بِبَيْت الْمُقَدّس واتخذها منزلا وَجمع الْأَمْوَال وَالنَّاس بهَا وَكَانَ رَحمَه الله نعال يعظم الْعلمَاء قَالَ ابْن سِيرِين رَحمَه الله يرحم الله سُلَيْمَان بن عبد الْملك افْتتح خِلَافَته بِخَير فصلى الصَّلَوَات لمواقيتها وختمها بِخَير فاستخلف عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ يلقب بالمهدي بِاللَّه الدَّاعِي إِلَى الله توفّي سنة 99 هـ تسع وَتِسْعين من الْهِجْرَة وَله خمس وَأَرْبَعُونَ سنة رَحمَه الله وَعَن عَطاء عَن أَبِيه قَالَ كَانَت الْيَهُود تسرج بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا ولي عمر ابْن عبد الْعَزِيز أخرجهم وَجعل فِيهِ من الْخمس فَأَتَاهُ رجل من أهل الْخمس وَقَالَ لَهُ اعتقني فَقَالَ كَيفَ أعتقك وَلَو ذهبت انْظُر مَا كَانَ لي شعر من شعر جسدك وَكَانَت ولَايَة عمر بن عبد الْعَزِيز فِي صفر سنة تسع وَتِسْعين من الْهِجْرَة وَكَانَ يلقب بالمعصوم بِاللَّه وخلافته سنتَانِ وَخَمْسَة أشهر وَتُوفِّي بدير سمْعَان من أَعمال حمص يَوْم الْجمع لخمس بَقينَ من رَجَب سنة إِحْدَى وَمِائَة رَضِي الله عَنهُ وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن ثَابت عَن أَبِيه عَن جده أَن الْأَبْوَاب كلهَا كَانَت ملبسة بصفائح الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان فَلَمَّا قدم أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور العباسي - وَكَانَ شَرْقي الْمَسْجِد وغربيه قد وَقعا - فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد وَقع شَرْقي الْمَسْجِد وغربيه من الرجفة فِي سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة وَلَو أمرت بِبِنَاء هَذَا الْمَسْجِد وعمارته فَقَالَ مَا عِنْدِي شَيْء من المَال ثمَّ أَمر بقلع الصفائح الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّتِي كَانَت عل الْأَبْوَاب فَقلعت وَضربت دَنَانِير ودراهم أنفقت عَلَيْهِ حَتَّى فرغ وَكَانَت خلَافَة الْمَنْصُور فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَهُوَ ثَانِي الْخُلَفَاء من

بني الْعَبَّاس وَهُوَ الَّذِي بنى مَدِينَة بَغْدَاد وَكَانَ الِابْتِدَاء فِي بنائها فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَتُوفِّي يَوْم السبت لست لَيَال خلت من ذِي الْحَج سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة وَله خمس وَسِتُّونَ سنة وَدفن بِمَكَّة ثمَّ كَانَت الرجفة الثَّانِيَة فَوَقع الْبناء الَّذِي كَانَ أَمر بِهِ أَبُو جَعْفَر ثمَّ قدم الْمهْدي من بعده وَهُوَ خراب فَرفع ذَلِك إِلَيْهِ فَأمر ببنائه وَقَالَ ارث هَذَا الْمَسْجِد وَطَالَ وخلا من الرِّجَال انقصوا مِمَّن طوله وزيدوا فِي عرضه فتم الْبناء فِي خِلَافَته وَهُوَ أ [وَعبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْمَنْصُور الملقب بالمهدي بُويِعَ بالخلافة لست خلون من ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَلما قدم الْمهْدي يُرِيد بَيت الْمُقَدّس دخل مَسْجِد دمشق وَمَعَهُ أَبُو عبد الله الْأَشْعَرِيّ كَاتبه فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله سبقنَا بَنو أُميَّة بِثَلَاث فَقَالَ وَمَا هِيَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ بِهَذَا الْبَيْت - يَعْنِي الْمَسْجِد - لَا أعلم عل ظهر الأَرْض مثله ونيل الموَالِي فَإِن لَهُم موَالِي لَيْسَ لنا مثلهم ويعمر بن عبد الْعَزِيز لَا يكون فِينَا وَالله مثله أبدا ثمَّ أَتَى بَيت الْمُقَدّس وَدخل الصَّخْرَة فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله وَهَذِه رَابِعَة وَتُوفِّي الْمهْدي فِي يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من الْمحرم سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَله ثَمَان وَأَرْبَعُونَ سنة قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر طول الْمَسْجِد الْأَقْصَى سَبْعمِائة ذِرَاع وَخَمْسَة وَخَمْسُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْملك وَعرضه أَرْبَعمِائَة ذِرَاع وَخَمْسَة وَسِتُّونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْملك وَكَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي المشرف قَالَ صَاحب (مثير الغرام) أتيت إِلَى زِيَارَة الْقُدس وَالشَّام وَلَكِن رَأَيْت قَدِيما بِالْحَائِطِ الشمالي الَّتِي فَوق الْبَاب مِمَّا يَلِي بَاب الدويدارية من دَاخل السُّور بلاطة فِيهَا طول الْمَسْجِد وَعرضه وَذَلِكَ مُخَالف لما ذَكرْنَاهُ فَالَّذِي فِيهَا أَن طوله سَبْعمِائة ذِرَاع وَأَرْبع وَثَمَانُونَ ذِرَاعا وَعرضه أَرْبَعمِائَة ذِرَاع وَخَمْسَة وَخَمْسُونَ ذِرَاعا

قَالَ وَوصف فِيهَا الذِّرَاع لكني لم أتحقق ذَلِك هَل هُوَ الذِّرَاع الْمَذْكُور أم غَيره لتشعث الْكِتَابَة قَالَ وَقد ذرع بالحبال طوله وَعرضه فِي وقتنا هَذَا فجَاء قدر طوله من الْجِهَة الشرقية سِتّمائَة ذِرَاع وَثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ذِرَاعا وَمن الغربية سِتّمائَة ذِرَاع وَخمسين ذِرَاعا وَجَاء قدر عرضه أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِية وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا خَارِجا عَن عرض سُورَة انْتهى وَأما طوله وَعرضه فِي عصرنا هَذَا - وَهُوَ أَوَاخِر سنة تِسْعمائَة - فسأذكرهما مُسْتَوْفيا فِيمَا بعد عِنْد ذكر صفة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا هُوَ عَلَيْهِ فِي عصرنا فأذكر طوله من جِهَة الْقبْلَة إِلَى جِهَة الشمَال وَعرضه من جِهَة الشرق إِلَى جِهَة الغرب وَكَذَلِكَ دَاخل الْجَامِع الْأَقْصَى من عِنْد الْمِحْرَاب المجاور للمنبر إِلَى بَاب الدُّخُول لَهُ وَعرضه وصحن الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وارتفاع الْقبَّة واستوفي ذكر ذَلِك طولا وعرضاً بِذِرَاع الْعَمَل الَّذِي تذرع بِهِ الْأَبْنِيَة فِي عصرنا واحرر ذَلِك حسب الْإِمْكَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِمَّا وجد فِي بَيت الْمُقَدّس على بعض الصخرات مَا نفله أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فِي كتاب " الْعُزْلَة عَن ذِي النُّون " إِنَّه قَالَ وجدت صَخْرَة بِبَيْت الْمُقَدّس عَلَيْهَا أسطر مكتتبة فَحَيْثُ ترجمتها فَإِذا عَلَيْهَا مَكْتُوب كل عَاص مستوحش وكل مُطِيع مستأنس وكل خَائِف هارب وكل راج طَالب وكل قَانِع غَنِي وكل محب ذليل وَعَن أبي بكر الطرطوسي رَحمَه الله قَالَ كنت ليل قَائِما فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَلم يرعني إِلَّا صَوت كَاد يصدع الْقلب وَهُوَ يَقُول شعر (أخوف وَأمن إِن ذَا لعجيب ... تكلتك من قلب فَأَنت كذوب) (أما وجلال الله لَو كنت صَادِقا ... لما كَانَ للاغماض فِيك نصيب) فوَاللَّه لقد أبكى الْعُيُون وأشج الْقُلُوب وَقَالَ سهل بن حَاتِم - وَكَانَ من العابدين - حَدثنِي أَبُو سعيد - رجل من الْإسْكَنْدَريَّة - قَالَ كنت أَبيت فِي بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ قَلِيلا مَا يَخْلُو من المتهجدين

قَالَ فَقُمْت ذَات لَيْلَة بعد مَا مضى من اللَّيْل طَوِيل فَنَظَرت فَلم أر فِي الْمَسْجِد متهجداً وَذكر إِنَّه سمع قَائِلا ينشد شعرًا (أيا عجبا للنَّاس لذت عيونهم ... مطاعم غمض بعده الْمَوْت ينْتَصب) قَالَ فَسَقَطت على وَجْهي وَذهب عَقْلِي فَلَمَّا أَفَقْت نظرت وَإِذا لم يبْق متهجد إِلَّا قَامَ وَقيل إِنَّه دخل بَيت الْمُقَدّس فِي زمن بني إِسْرَائِيل خَمْسمِائَة عذراء لباسهن الصُّوف يتذاكرن ثَوَاب الله تعال وعقابه فمتن جَمِيعًا من الْخَوْف وروى الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب إِنَّه صَبِيحَة قبل الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ لم يرفع حجر فِي بَيت الْمُقَدّس إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم وَكَذَلِكَ يَوْم قتل وَالِده عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ قتل الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ بكر بلَاء يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة (ذكر جمَاعَة من أَعْيَان التَّابِعين) وَالْعُلَمَاء والزهاد مِمَّن دخلُوا بَيت الْمُقَدّس بعد الْفَتْح الْعمريّ وَعمارَة عبد الْملك بن مَرْوَان فَمنهمْ من دخله زَائِرًا وَمِنْهُم من دخله مستوطناً وَذَلِكَ قبل اسْتِيلَاء الإفرنج عَلَيْهِ فَمنهمْ جمَاعَة لم أطلع على تَارِيخ وفاتهم وهم أويس بن عَامر الْقَرنِي من بني قرن صَحَّ عَن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه أَمر عمر أَن يسْأَله أَن يسْتَغْفر لَهُ قيل إِنَّه اجْتمع بعمر رَضِي الله عَنهُ بِبَيْت الْمُقَدّس وَقيل إِنَّمَا لقِيه فِي الْمَوْسِم فَقَالَ لعمر قد حججْت واعتمرت وَصليت فِي مَسْجِد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم ووددت لَو إِنِّي صليت فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى فجهزه عمر وَأحسن جهازه وأتى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فصلى فِيهِ ثمَّ أُتِي الْكُوفَة وَخرج غازياً رَاجِلا إِلَى بَغْدَاد فَأَصَابَهُ الْبَطن والتجأ إِلَى أهل خيمة فَمَاتَ عِنْدهم وَمَعَهُ

جراب وقضيب فَقَالُوا لِرجلَيْنِ مِنْهُم اذْهَبَا فاحفرا لَهُ قبراً قَالُوا فَنَظَرْنَا فِي جرابه فَإِذا فِيهِ ثَوْبَان ليسَا من ثِيَاب أهل الدُّنْيَا وَجَاء الرّجلَانِ فَقَالَا أصبْنَا قبراً محفوراً فِي صَخْرَة كَأَنَّمَا رفعت عَنهُ الْأَيْدِي السَّاعَة فكفنوه ثمَّ دفنوه ثمَّ التفتوا فَلم يرَوا شَيْئا وَيُقَال قتل بصفتين سنة سبع وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة الشريف , وَيُقَال مَاتَ بِدِمَشْق وَدفن بهَا وَالله أعلم وَعبيد عَامل عمر رَضِي الله عَنهُ على بَيت الْمُقَدّس لما وَقع الطَّاعُون فِي بَيت الْمُقَدّس كَانَ عمر اسْتَعْملهُ عَلَيْهِ فَجعلت الْجَنَائِز تَغْتَسِل وَهُوَ يُصَلِّي عَلَيْهَا وَجعل لَا يحمل الْجَنَائِز إِلَّا الشَّبَاب وَعُمَيْر بن سعد من عُمَّال عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ على حمص ويعلى بن شَدَّاد بن ثَابت من الطَّبَقَة الثَّانِيَة من تَابِعِيّ أهل الشَّام حضر فتح بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ ثِقَة روى عَنهُ جمَاعَة وَأَبُو نعيم الْمُؤَذّن أول مِمَّن أذن بِبَيْت الْمُقَدّس فَكَانَ عبَادَة بن الصَّامِت والياً على ايليا فَأَبْطَأَ بصلا الصُّبْح فَأَقَامَ أَبُو نعيم الصَّلَاة فصلى فَحَضَرَ عبَادَة وَهُوَ يُصَلِّي فصلى بِصَلَاتِهِ أَبُو الزبير الْمُؤَذّن الدَّارَقُطْنِيّ مُؤذن بَيت الْمُقَدّس قَالَ جَاءَنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِذا أَذِنت فترسل وَإِذا أَقمت فاحدر أَبُو سَلام الجيشي وأسمه محضور وَيُقَال الْبَاهِلِيّ الدِّمَشْقِي كَانَ يقدم بَيت الْمُقَدّس وَيقْرَأ على عباد بن الصَّامِت ويروى عَنهُ أَبُو جَعْفَر الجرشِي رُوِيَ عَنهُ قَالَ دخلت مَعَ عباد بن الصَّامِت مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس فَرَأى رجلا يُصَلِّي وَاضِعا نَعله عَن يَمِينه - أَو عَن شِمَاله - فَقَالَ لَهُ لَوْلَا إِنَّك تناجي رَبك لعلوت رَأسك بِهَذِهِ الْعَصَا تفعل كَفعل أهل الْكتاب وخَالِد بن معدان الكلَاعِي العَبْد الصَّالح الْفَقِيه الْكَبِير كَانَ يسبح فِي الْيَوْم

أَرْبَعِينَ ألف تَسْبِيح أَتَى بَيت الْمُقَدّس وَنزل من عل سِتَّة أَمْيَال وَلم يصل فِيهِ غير خمس صلوَات أم الدَّرْدَاء هجيمة وَيُقَال جهيمة خطبهَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَأَبت وَقَالَت سَمِعت أَبَا الدَّرْدَاء يَقُول سَمِعت رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْمَرْأَة لآخر أزواجها فَإِن أردْت أَن تَكُونِي زَوْجَتي فِي الْجِنّ فَلَا تتخذي من بعدِي زوجا وَكَانَت تَأتي من دمشق إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَإِذا مرت عل الْجبَال قَالَت لقائدها أسمع الْجبَال مَا وعدها رَبهَا فَيقْرَأ (ويسألونك عَن الْجبَال فَقل ينسفها رَبِّي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لَا تَرَ فِيهَا عوجا وَلَا امتاً وَيَوْم تسير الْجبَال وتر الأَرْض بارزة وحشرناهم فَلم نغادر مِنْهُم أحدا) وَكَانَت تجَالس الْمَسَاكِين بِبَيْت الْمُقَدّس وتقيم بِهِ نصف سنة وبدمشق نصف سنة وَأَبُو الْعَوام مُؤذن بَيت الْمُقَدّس رو عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ إِن السُّور الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن هُوَ سور بَيت الْمُقَدّس الشَّرْقِي وقبيض بن دويب عبد الله بن محيريز وهاني بن كُلْثُوم كل هَؤُلَاءِ كَانُوا عباداً زهاداً فقبيصة كَانَ عَالما ربانياً مَاتَ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة وَابْن محيريز قرشي جمحي مكي نزل بَيت الْمُقَدّس قَالَ رَجَاء بن حَيَاة إِن فَخر علينا أهل الْمَدِينَة بعابدهم ابْن عمر فَأَنا نفتخر بعابدنا ابْن محيريز إِنَّمَا كنت أعد بَقَاءَهُ أَمَانًا لأهل الأَرْض مَاتَ قبل الْمِائَة وهاني عرضت عَلَيْهِ إِمَارَة فلسطين فَامْتنعَ وَكَانَ الثَّلَاث يقصرون الصَّلَاة من الرمل إِلَى بَيت الْمُقَدّس ومحارب بن دثار وَكَانَ قَاضِيا وَهُوَ من الْعلمَاء الزهاد وَحَدِيثه مخرج فِي كتب الْإِسْلَام قَالَ صبحنا الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن إِلَى بَيت الْمُقَدّس فغلبنا عل ثَلَاث عل قيام اللَّيْل والبسط فِي النَّفَقَة والكف عَن النَّاس وَعبد الله بن فَيْرُوز الديلمي مقدسي ثق خرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَله أَخ يُقَال لَهُ الضَّحَّاك بن فَيْرُوز ثِقَة أَيْضا

وَزِيَاد بن أبي سَوْدَة مقدسي رو عَن عبَادَة بن الصَّامِت وَأبي هُرَيْرَة وَهُوَ من الثِّقَات وَأَبُو الْحسن الزُّهْرِيّ الأندلسي كَانَ مُقيما بِبَيْت الْمُقَدّس سَمعه أَبُو عبد الله مُحَمَّد الصورى فِي بَقِي بمسمع مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْعَيْنِيّ قَالَ سَمِعت الشبلي وَقد سَأَلَهُ رجل فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بكر مَا تَقول فِي رجل كَانَ لَهُ حَظّ فِي قيام اللَّيْل فَتَركه ثمَّ عَاد وَهُوَ مُجْتَهد أَن يَنَالهُ فَلَا يقدر؟ قَالَ فَأَنْشَأَ يَقُول (تشاغلتموا عَنَّا بِصُحْبَة غَيرنَا ... وأظهرتموا الهجران مَا هَكَذَا كن) وروى عَن جمَاعَة وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف العرياني نزلت بِبَيْت الْمُقَدّس ورو عَن جمَاعَة وروى عَنهُ جمَاعَة حَدِيثه فِي كتاب ابْن ماجة وَأَبُو عتبَة الْخَواص عباد الارسوفي قدم بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ ثِقَة قَالَ رَأَيْت بِبَيْت الْمُقَدّس شَيخا كَأَنَّهُ محترق بِنَار عَلَيْهِ مدرع سَوْدَاء وعمامة سَوْدَاء طَوِيل الصمت كريه المنظر كثير الشّعْر شَدِيد الْحزن فَقلت يَرْحَمك الله لَو غيرت لباسك هَذَا فقد علمت مَا جَاءَ فِي الْبيَاض فَبكى وَقَالَ هَذَا أشبه بلباس الْمُصَاب وَإِنَّمَا نَحن فِي الدُّنْيَا فِي حداد وكأنا قد دعينا ثمَّ غشي عَلَيْهِ وعابد بِبَعْض قرى بَيت الْمُقَدّس فِي زمن ثَوْر بن يزِيد قَالَ مُحَمَّد بن المعتصم سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت مُنَبّه بن عُثْمَان اللَّخْمِيّ يَقُول كَانَ ثَوْر بن يزِيد قد سكن بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ رجل متعبد فِي بعض قر بَيت الْمُقَدّس يجلس إِلَى ثَوْر ابْن يزِيد وَكَانَ يَغْدُو من قريته مَعَ الْفجْر فَيصَلي الصَّلَوَات كلهَا فِي بَيت الْمُقَدّس وينصرف بعد الْعشَاء الْآخِرَة إِلَى قريته وَقد سمع ثوراً يحدث أَن خَالِد بن معدان حَدثهُ بِحَدِيث رَفعه إِلَى النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من رأى شَيْئا يهوله أَو يفزعه فَلْيقل إِن الله هُوَ الَّذِي لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ الْوَاحِد القهار مَا قَالَهَا أحد إِلَّا فرج الله عَنهُ وَلَو كَانَ بَين يَدَيْهِ سور من حَدِيد وَانْصَرف ذَلِك الرجل

لَيْلَة من اللَّيَالِي إِلَيّ الطَّرِيق فَإِذا بأسود بَين يَدَيْهِ قد مَنعه من الْمسير فَذكر حَدِيث خَالِد فقاله ففرح الله عَنهُ فَمضى فلق حمَار وَحش فاتحاً فَاه يُرِيد ليَأْكُل يَده فَذكر حَدِيث ثَوْر فقاله فولى الْحمار وَهُوَ يَقُول لَا يرحم الله ثوراً كَمَا علمك وَعبد الله بن عَامر العامري قَالَ سَأَلت رَاهِبًا بِبَيْت الْمُقَدّس فَقلت لَهُ يَا رَاهِب مَا أول الدُّخُول فِي الْعِبَادَة؟ قَالَ الْجُوع قلت وَمَا دَلِيل ذَلِك؟ قَالَ لِأَن الْجَسَد خلق من تُرَاب وَالروح من ملكوت السَّمَاوَات فَإِذا شبع الْجَسَد ركن إِلَى الأَرْض وَإِذا لم يشْبع اشتاق إِلَى ملكوت قلت مَا سَبَب الْجُوع؟ قَالَ مُلَازمَة الذّكر والخضوع وَأَبُو عبد الله بن خصيف خرج من شيراز إِلَى مَكَّة ثمَّ أُتِي بَيت الْمُقَدّس ثمَّ دخل الشَّام رَحمَه الله وقاسم الزَّاهِد قَالَ رَأَيْت رَاهِبًا عل بَاب بَيت الْمُقَدّس كالولهان لَا يرقأ لَهُ دمع فهالني أمره فَقلت يَا أَيهَا الراهب أوصني وَصِيَّة أحفظها عَنْك فَقَالَ كن كَرجل احتوشته السبَاع والهوام فَهُوَ خَائِف مذعور يخَاف أَن يسهو فتفترسه أَو يلهو فتنهشه فليله ليل مَخَافَة إِذا أَمن فِيهِ المغترون ونهاره نَهَار حزن إِذا فَرح فِيهِ البطالون ثمَّ ول وَتَرَكَنِي فَقلت لَو زدتني شَيْئا عَسى الله أَن يَنْفَعنِي بِهِ فَقَالَ يَا هَذَا أَن الظمآن يَكْفِيهِ من المَاء أيسره وَمُحَمّد بن حَاتِم بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الطَّائِي أَبُو الْحسن الطوسي تفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ صَدُوقًا خَبِيرا فَقِيها صوفياً دخل بَيت الْمُقَدّس وَسمع بِهِ الحَدِيث أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْوَلِيد بن سعد بن بكر الْأنْصَارِيّ الْفَقِيه الْمَالِكِي سكن مصر ورو بهَا عَن أبي مُحَمَّد عبد الله بن أبي زيد القيرواني وَغَيره قَالَ ابْن الْوَلِيد أَنبأَنَا أَبُو مُحَمَّد بن أبي زيد قَالَ جماع أداب الْخَيْر وأزمته فِي أَرْبَعَة أَحَادِيث قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو ليصمت وَقَوله من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه وَقَوله - للَّذي

اختصر لَهُ فِي الْوَصِيَّة - لَا تغْضب قَوْله الْمُؤمن يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ توفّي ابْن الْوَلِيد بِبَيْت الْمُقَدّس ووفاة ابْن أبي زيد فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة فَيعلم من ذَلِك الْعَصْر الَّذِي كَانَ فِيهِ ابْن الْوَلِيد وجعفر بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي قدم بَيت الْمُقَدّس فِي سنة سبعين وثلاثمائة وَقَالَ سَمِعت الْحسن بن الصّباغ البرَاز يَقُول سَمِعت الْوَلِيد بن مُسلم يَقُول سَمِعت بِلَال بن سعد يَقُول لَا ينظر إِلَى صغر الْخَطِيئَة وَأنْظر من عصيت وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم وَمِنْهُم جمَاعَة أرخت وفاتهم وذكرتهم عل تَرْتِيب الوفيات وهم كَعْب الْأَحْبَار ابْن مَانع الْحِمْيَرِي أَبُو إِسْحَاق كَانَ يَهُودِيّا فَأسلم فِي خلَافَة أبي بكر وَقيل عمر قَالَ لَهُ الْعَبَّاس مَا مَنعك الْإِسْلَام إِلَيّ عهد عمر؟ فَقَالَ إِن أبي كتب لي كتابا من التَّوْرَاة وَدفعه إِلَيّ وَقَالَ أعمل بِهَذَا وَختم عل سَائِر كتبه وَأخذ عَليّ بِحَق الْوَالِدين لَا أفض الْخَاتم فَلَمَّا رَأَيْت الْإِسْلَام يظْهر قَالَت لي نَفسِي لَعَلَّ أَبَاك غيب عَنْك علم كتبك فَلَو قرأته ففضت الْكتاب فَوجدت فِيهِ صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته فَأسْلمت الْآن سكن الشَّام ورو عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة كَأبي هُرَيْرَة وَتقدم إِنَّه دخل بَيت الْمُقَدّس واستشاره عمر فِي مَوضِع الْقبْلَة وَتُوفِّي بحمص سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة فِي زمن خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَإِبْرَاهِيم بن أبي عبلة الْعقيلِيّ الْمَقْدِسِي رو عَنهُ الإمامان مَالك وَابْن الْمُبَارك توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين من الْهِجْرَة وَجبير بن نصير الْحَضْرَمِيّ الْحِمصِي فِي الطَّبَقَة الأولى من التَّابِعين أدْرك زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم زمن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَتَى بَيت الْمُقَدّس للصَّلَاة ورو عَن خَالِد بن الْوَلِيد وَأبي الدَّرْدَاء وَعباد بن الصَّامِت والنواس بن سمْعَان قَالَ جُبَير خمس خِصَال قبيحة الحدة فِي السُّلْطَان والحرص فِي الْعلمَاء والشره فِي الشُّيُوخ وَالشح فِي الْأَغْنِيَاء وَقلة الْحيَاء فِي ذَوي الأحساب

توفّي جُبَير سنة خمس وَسبعين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَعبد الرَّحْمَن بن غنم الْأَشْعَرِيّ كَانَ مُسلما فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلكنه لم يفد إِلَيْهِ لكنه لَازم معَاذ بن جبل مُنْذُ بَعثه رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن حَتَّى مَاتَ معَاذ وَسمع عمر بن الْخطاب قَالَ صَاحب (مثير الغرام) أَظُنهُ قدم بَيت الْمُقَدّس فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فقه عَامَّة التَّابِعين بِالشَّام وَتُوفِّي سنة تسع وَسبعين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وخَالِد كَانَ بصخرة بَيت الْمُقَدّس فجَاء عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنهُ فَأخذ بِيَدِهِ وَقَالَ يَا خَالِد مَا علينا؟ قَالَ عَلَيْكُم من الله إِذن سميع وَعين بَصِيرَة فإرتعد عمر خوفًا من الله وَنزع يَده فَقَالَ خَالِد يُوشك أَن يكون هَذَا إِمَامًا عادلاً وَلزِمَ خَالِد بَيته فِي خر أمره وَقَالَ مَا بَقِي من النَّاس إِلَّا حَاسِد أَو شامت وَتُوفِّي سنة تسعين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَمَالك بن دِينَار من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام روى عَن أنس وَأخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة وَمُحَمّد بن وَاسع ثِقَة زاهد من أهل الْبَصْرَة من الأزد روى عَن أنس بن مَالك وَغَيره أخرج لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَجمعته الطَّرِيق وَمَالك بن دِينَار وَعبد الْوَاحِد بن زيد وَسَارُوا إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَتُوفِّي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة أم الْخَيْر رَابِعَة بنت اسماعيل العدوية البصرية مولاة آل عقيل الصَّالِحَة الْمَشْهُورَة كَانَت من أَعْيَان عصرها وأخبارها فِي الصّلاح وَالْعِبَادَة مَشْهُورَة وَكَانَت تَقول فِي مناجاتها إلهي أتحرق بالنَّار قلباً يحبك فَهَتَفَ بهَا مرّة هَاتِف مَا كُنَّا نَفْعل هَذَا فَلَا تظني بِنَا ظن السوء وَمن وصاياها اكتموا حسناتكم كَمَا تكتمون سَيِّئَاتكُمْ وَأورد لَهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي فِي كتاب عوارف المعارف (إِنِّي جعلتك فِي الْفُؤَاد محدثي ... وأبحت جسمي من أَرَادَ جلوسي)

(فالجسم مني للحبيب مؤانس ... وحبِيب قلبِي فِي الْفُؤَاد أنيسي) توفيت سنّ خمس وَثَلَاثِينَ - قيل ثَمَانِينَ - وَمِائَة قبرها عل رَأس جبل طور زيتا شَرْقي بَيت الْمُقَدّس بجوار مصعد السَّيِّد عيس عَلَيْهِ السَّلَام من جِهَة الْقبْلَة وَهُوَ فِي زَاوِيَة ينزل إِلَيْهَا من درج وَهُوَ مَكَان مأنوس يقْصد للزيارة وَمن النِّسَاء العابدات بِبَيْت الْمُقَدّس امْرَأَة تسم طافية كَانَت تَأتي بَيت الْمُقَدّس تتعبد فِيهِ وَامْرَأَة أُخْرَى تسمى لبَابَة ذكرهمَا ابْن الْجَوْزِيّ وَذكر عدَّة من العابدات المجهولات الْأَسْمَاء وَلم يؤرخ وَفَاة وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَسليمَان بن طرخان الهيثمي التَّمِيمِي نزل بالبصر وَسمع أنسا وَكَانَ يَقُول إِذا دخلت بَيت الْمُقَدّس كَأَن لأتدخل معي حَتَّى أخرج مِنْهُ توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان الْمُفَسّر قدم بَيت الْمُقَدّس فصل فِيهِ وَجلسَ عِنْد بَاب الصَّخْرَة القبلي وَاجْتمعَ إِلَيْهِ خلق كثير من النَّاس يَكْتُبُونَ عَنهُ ويسمعون مِنْهُ فَأقبل بدوي يطَأ بنعليه عل البلاط وطأ شَدِيدا فَسمع مقَاتل فَقَالَ لمن حوله انفرجوا فانفرج النَّاس عَنهُ فأهو بِيَدِهِ يُشِير إِلَيْهِ ويزيده بِصَوْتِهِ أَيهَا الْوَاطِئ أرْفق بوطئك فوالذي نفس مقَاتل بِيَدِهِ مَا تطَأ إِلَّا على اجاجين الْجنَّة وَفِي كَلَام آخر قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ النَّاس كلهم عِيَال عل ثَلَاثَة مقَاتل بن سُلَيْمَان فِي التَّفْسِير وَذكر الآخرين توفّي مقَاتل سنة خمسين وَمِائَة والاوزاعي عبد الرَّحْمَن بن عمر وَاحِد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام فَقِيه الشَّام كَانَ رَأْسا فِي الْعلم وَالْعِبَادَة قدم بَيت الْمُقَدّس فصلى فِيهِ ثَمَان رَكْعَات والصخرة وَرَاءه ثمَّ صل فِيهِ الْخمس وَقَالَ هَكَذَا فعل عمر بن عبد الْعَزِيز وَلم يَأْتِ شَيْئا من المزارات وَتُوفِّي فِي الْحمام سنة سبع وَخمسين وَمِائَة وسُفْيَان الثَّوْريّ هُوَ ابْن سعيد بن مَسْرُوق الامام الْعَالم الْمجمع عل جلالته

وزهده وورعه أَتَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فصل فِيهِ بِموضع الْجَمَاعَة واتى قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَختم فِيهَا الْقُرْآن وروى إِنَّه اشْترى ى موزاً بدرهم فأكلمنه فِي ظلها ثمَّ قَالَ إِن الْحمار إِذا وَفِي عليقه - أَو قَالَ علفه - زيد فِي عمله ثمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى رَحمَه من رأه توفّي بِالْبَصْرَةِ سنة إِحْدَى ى وَسِتِّينَ وَمِائَة وَإِبْرَاهِيم بن أدهم بن إِسْحَاق من كور بَلخ أحد الزهاد وَهُوَ من ثِقَات اتِّبَاع التَّابِعين وَمن أَبنَاء الْمُلُوك خرج يَوْمًا يتصيد وأثار ثعلباً - أَو أرنبا؟ ؟ ً - وأسرع فِي طلبه فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف أَلِهَذَا خلقت أم بِهَذَا أمرت؟ ثمَّ هتف بِهِ من قربوس سَرْجه وَالله مَا هَذَا خلقت وَلَا بِهَذَا أمرت فَنزل عَن دَابَّته وَترك الْإِمَارَة وَدخل الْبَادِيَة وتزهد وَصَحب الإِمَام أَبَا حنيفَة وَله متن الكرامات مَا هُوَ مَشْهُور بهَا قدم بَيت الْمُقَدّس وَقَامَ بالصخرة الشَّرِيفَة وَسكن الشَّام وَتُوفِّي بِمَدِينَة جبلة من أَعمال طرابلس وقبره مَشْهُور بهَا قَالَ صَاحب (مثير الغرام) إِنَّه مَاتَ بِبِلَاد الرّوم ووفاته فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة اللَّيْث بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الفهمي مَوْلَاهُم عَالم أهل مصر كَانَ نَظِير مَالك فِي الْعلم قيل إِنَّه كَانَ دخله فِي سنة ثَمَانِينَ ألف دِينَار فَمَا وجببت عَلَيْهِ زَكَاة وَفِي رِوَايَة لَا ينقصني عَلَيْهِ عَام إِلَّا وَعَلِيهِ دين من كَثْرَة جوده وبره وَقدم بَيت الْمُقَدّس قَالَ اللَّيْث لما ودعت أَبَا جَعْفَر - يَعْنِي الْخَلِيفَة - بِبَيْت الْمُقَدّس قَالَ أعجبني مَا رَأَيْت من شدَّة عقلك فَالْحَمْد لله الَّذِي جعل فِي رعيتي مثلك وَيُقَال إِنَّه كَانَ حَنَفِيّ الْمَذْهَب وَإنَّهُ ولي الْقَضَاء بِمصْر ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين من الْهِجْرَة الشريف وَتُوفِّي يَوْم الْخَمِيس منتصف شعْبَان سنة خمس وَسبعين وَمِائَة وَدفن يَوْم الْجُمُعَة بالرافة الصُّغْرَى وقبره أحد المزارات قَالَ بعض أَصْحَابه لما دفن اللَّيْث ابْن سعد سمعنَا صَوتا يَقُول ذهب اللَّيْث فَلَا لَيْث لكم وَمضى الْعلم غَرِيبا وفتر

قَالَ فالتفتنا فَلم نرا أحدا وترجمة الشَّافِعِي رَحمَه الله تَرْجَمَة عَظِيمَة وَكَانَ أُتِي إِلَى قَبره بالقرافة كل عَشِيَّة جُمُعَة وَيسْتَمر حَتَّى يقْرَأ على قَبره ختماً كَامِلا ستمر أهل مصر يَفْعَلُونَ ذَلِك بقبره فِي عَشِيَّة كل جمعه إِلَى يَوْمنَا هَذَا ويختلفون لَك وَلَهُم فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَله شهرة ظَاهِرَة وأحوال بارزة نفعنا الله بِهِ ووكيع بن الْجراح بن مليح أَبُو سُفْيَان الرواسِي مولده سنة تسع وَعشْرين مائَة وَكَانَ من أَعْلَام وَهُوَ من الروَاة عَن الامام أَحْمد بن حنبلة رَضِي الله عَنهُ روى عَنهُ الامام أَحْمد أَيْضا وَقَالَ عَنهُ مَا رَأَيْت أوعى للْعلم مِنْهُ وَلَا أحفظ قدم بَيت الْمُقَدّس وَأحرم مِنْهُ إِلَى مَكَّة وَتُوفِّي يَوْم عَاشُورَاء وَدفن رَاجعا مِمَّن الْحَج سنة تسع - قيل سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة الامام الْأَعْظَم والحبر الأكرم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي المطلبي أحد الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين الْأَعْلَام وَإِمَام أهل السن ركن الْإِسْلَام ولد بغزة من بِلَاد الشَّام على الْأَصَح سنة خمسين وَمِائَة وَهِي الَّتِي توفّي فِيهَا الإِمَام الْأَعْظَم أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَقيل فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ خرج كتاب الام وَكتاب السّنَن وَأَشْيَاء كَثِيرَة كلهَا فِي أَربع سِنِين قدم الْمُقَدّس فصلى فِيهِ وَقَالَ سلوني عَمَّا شِئْتُم أخْبركُم من كتاب الله وسعة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ مَا تَقول فِي محرم قتل زنبوراً؟ فَقَالَ قَالَ الله تَعَالَى (وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا) وَحدثنَا ابْن عُيَيْنَة بن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بعدِي بِأبي بكر وَعمر حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن مَسْعُود عَن قيس بن مُسلم بن طَارق بن شهَاب أَن عمر أَمر الْمحرم بقتل الزنبور وَتُوفِّي الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِمصْر يَوْم الْجُمُعَة وَدفن من يَوْمه بعد الْعَصْر آخر يَوْم من رَجَب سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ بالقرافة الصُّغْرَى وقبره مَشْهُور يزار مَعنا الله بِهِ

وَأما الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة رَضِي الله عَنْهُم فَلم أطلع عل شئ يدل عل قدوم أحد مِنْهُم بَيت الْمُقَدّس والمؤمل بن اسماعيل الْبَصْرِيّ صَدُوق وَكَانَ شَدِيدا فِي السّنة قدم بَيت الْمُقَدّس واعطى بِهِ قوما شَيْئا وداروا بِهِ تِلْكَ الْأَمَاكِن توفّي سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ وَبشر بن الْحَرْث الحافي أحد رجال الطَّرِيقَة من كبار الصَّالِحين وأعيان الأتقياء المتورعين أَصله من مرو من قَرْيَة من قراها وَسكن بَغْدَاد وَإِنَّمَا لقب الحافي لِأَنَّهُ جَاءَ إلاسكاف يطْلب مِنْهُ شسعاً لأحد نَعْلَيْه وَكَانَ قد انْقَطع فَقَالَ الله الاسكاف مَا أَكثر كلفتكم على النَّاس؟ فَألْقى النَّعْل من رجله وَحلف لَا يلبس نعلا بعْدهَا ولد سنة خمسين وَمِائَة قيل لَهُ لم يفرح الصالحون بِبَيْت الْقُدس؟ قَالَ لِأَنَّهَا تذْهب الْهم وَلَا تشتغل النَّفس بهَا وَقَالَ مَا بَقِي عِنْدِي من لذات الدُّنْيَا إِلَّا أَن استلقي على جَنْبي تَحت السَّمَاء بِجَامِع بَيت الْمُقَدّس توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة سِتّ - قيل سبع - وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بِبَغْدَاد وَقيل بمرو وَذُو النُّون الْمصْرِيّ أَبُو الْفَيْض ثَوْبَان بن إِبْرَاهِيم الصَّالح الْمَشْهُور أحد رجال الطَّرِيقَة قدم بَيت الْمُقَدّس وَقَالَ وجدت على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس كل عَاص مستوحش وكل مُطِيع مستأنس وكل خَائِف هارب وكل راج طَالب وكل قَانِع غَنِي وكل محب ذليل قَالَ فَرَأَيْت هَذِه الْكَلِمَات أصُول مَا استعبد الله بِهِ الْخلق توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَالسري بن الْمُغلس السَّقطِي قدم بَيت الْمُقَدّس وروى عَنهُ جمَاعَة قَالَ خرجت من الرملة إِلَى بَيت الْمُقَدّس الشريف فمررت بمشرفة وغدير مَاء وعشب نابت فَجَلَست آكل من العشب واشرب من المَاء فَقلت فِي نَفسِي إِن كنت أكلت أَو شربت فِي الدُّنْيَا حَلَالا فَهُوَ هَذَا فَسمِعت هاتفاً يَقُول يَا سري فالنفقة الَّتِي بلغتك من أَيْن؟ توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ

وَمُحَمّد بن كرام الْمُتَكَلّم الَّتِي تنْسب إِلَيْهِ الْفرْقَة الكرامية الَّذِي ينْسب إِلَيْهِم تَجْوِيز وضع الْأَحَادِيث للترغيب والترهيب وكرام - بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الرَّاء - على وزن جمال أَبُو عبد الله السجسْتانِي العابد وَمِنْهُم من يَقُول مُحَمَّد بن كرام - بِكَسْر الْكَاف وَتَخْفِيف الرَّاء - روى عَن جمَاعَة وَكَانَ حَبسه طَاهِر بن عبد الله فَلَمَّا أطلقهُ ذهب إِلَى ثغور الشَّام ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور فحبسه مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبد الله فطال حَبسه وَكَانَ يتأهب لصَلَاة الْجُمُعَة فيمنعه السجان فَيَقُول اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم إِن الْمَنْع من غَيْرِي أَقَامَ بِبَيْت الْمُقَدّس وَكَانَ يجلس للوعظ عِنْد العمود الَّذِي عِنْد مهد عِيسَى وَاجْتمعَ عَلَيْهِ خلق كثير ثمَّ تبين لَهُم إِنَّه يَقُول إِن الْأَيْمَان قَول فَتَركه أهل بَيت الْمُقَدّس توفّي بِبَيْت الْمُقَدّس لَيْلًا وَدفن بِبَاب أرِيحَا عِنْد قُبُور الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَله بِبَيْت الْمُقَدّس نَحْو عشْرين سنة وَكَانَت وَفَاته فِي صفر سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ قلت وَالْبَاب الْمَعْرُوف بِبَاب أرِيحَا قد اندرس لطول الْمَدّ واستيلاء الإفرنج وَلم يبْق لَهُ أثر وَالظَّاهِر إِنَّه كَانَ عِنْد انْتِهَاء الَّذِي كَانَ يدْخل بادية تَبُوك على التَّجْرِيد والتوكل توفّي بِمَدِينَة الرملة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ حكى إِنَّه يستشفي بقبره ويستجاب الدُّعَاء عِنْده قلت وَلم يعلم الْآن قَبره لطول الزَّمَان واستيلاء الإفرنج عل تِلْكَ الْأَرَاضِي مُدَّة طَوِيلَة رَحمَه الله تَعَالَى وَبكر بن سهل الدمياطي الْمُحدث قدم إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَجمعُوا لَهُ ألف دِينَار حَتَّى روى لَهُم التَّفْسِير توفّي فِي ربيع الأول سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ

وَأحمد بن يحي البرَاز الْبَغْدَادِيّ حُكيَ عَنهُ أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْجلَال الْبَغْدَادِيّ إِنَّه أخبرهُ إِنَّه قدم من مَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس فندم عل مَجِيئه وَقَالَ تركت الصَّلَاة بِمَكَّة بِمِائَة ألف صَلَاة وَهنا بِخمْس وَعشْرين ألف صَلَاة وبمكة تنزل مائَة وَعِشْرُونَ ألف رَحمَه للطائفين والمصلين والناظرين وَأَرَادَ الْخُرُوج إِلَى مَكَّة فَرَأى النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر لَهُ مَا خطر بِبَالِهِ من الْفضل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم هُنَاكَ تنزل الرَّحْمَة نزولا وَهنا تنصب الرَّحْمَة صبا وَلَو لم يكن لهَذَا الْموضع شَأْن - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مَوضِع الْإِسْرَاء عِنْد قبَّة الْمِعْرَاج - لما اسري بِي إِلَيْهِ فَأَقَامَ الرجل بالقدس إِلَى أَن مَاتَ بِهِ وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَالشَّيْخ سَلامَة بن اسماعيل بن جمَاعَة الْمَقْدِسِي الضَّرِير صَاحب شرح الْمِفْتَاح لِابْنِ الْقَاص وَله أَيْضا مُصَنف مُفْرد فِي التقاء الختانين كَانَ عديم النظير فِي زَمَانه لأجل مِمَّا خصّه الله بِهِ من حُضُور الْقلب وصفاء الذِّهْن وَكثر الْحِفْظ وَقد ذكره جمَاعَة وأثنوا عَلَيْهِ توفّي سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَشَيخ الْإِسْلَام الإِمَام الْعَالم الحبر أَبُو الْفرج عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن أَحْمد الشِّيرَازِيّ ثمَّ الْمَقْدِسِي الْأنْصَارِيّ الْحَنْبَلِيّ شيخ الشَّام فِي وقته وَهُوَ من أَصْحَاب القَاضِي أبي يعلي بن الْفراء أَمَام الْحَنَابِلَة قدم الشَّام فسكن بِبَيْت الْمُقَدّس وَهُوَ الَّذِي نشر مَذْهَب الامام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ فِيمَا حوله ثمَّ أَقَامَ بِدِمَشْق فنشر الْمَذْهَب بهَا وَكَانَ لَهُ اتِّبَاع وتلامذة وَيُقَال إِنَّه اجْتمع مَعَ الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام دفعتين وَكَانَ يتَكَلَّم فِي عدَّة أَوْقَات عل الخاطر كَمَا كَانَ يتَكَلَّم ابْن الْقزْوِينِي الزَّاهِد لَهُ تصانيف مِنْهَا الْمُبْهِج والإيضاح والتنصرة فِي أصُول الدّين ومختصر فِي الْحُدُود فِي أصُول الْفِقْه ومسائل الامتحان وَيُقَال إِن لَهُ كتاب الْجَوَاهِر فِي التَّفْسِير وَهُوَ ثَلَاث مجلدات توفّي يَوْم الْأَحَد ثامن عشر من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بِدِمَشْق وَدفن بمقبرة الْبَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى وَالشَّيْخ الْعَلامَة أَبُو الْفَتْح نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي النابلسي الشَّافِعِي شيخ

الْمَذْهَب بِالشَّام صَاحب التصانيف مَعَ الزّهْد وَالْعِبَادَة سمع الحَدِيث وأمل وَحدث أَقَامَ بالقدس مُدَّة طَوِيلَة بالزاوية الَّتِي على ياب الرَّحْمَة الْمَعْرُوفَة بالناصرية وَالظَّاهِر أَن تَسْمِيَتهَا بالناصرية نِسْبَة للشَّيْخ نصر ثمَّ عرفت بالغزالية لاقامة الْغَزالِيّ بهَا ثمَّ قدم دمشق فسكنها وَعظم شَأْنه وحك بعض أهل الْعلم قَالَ صبحت إِمَام الْحَرَمَيْنِ ثمَّ صبحت الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق فَرَأَيْت طَرِيقَته أحسن ثمَّ صبحت الشَّيْخ نصر فَرَأَيْت طَرِيقَته أحسن مِنْهُمَا وَلما قدم الْغَزالِيّ إِلَى دمشق اجْتمع بِهِ واستفاد مِنْهُ وَمن تصانيفه التَّهْذِيب وَكتاب التَّقْرِيب وَكتاب الْفُصُول وَكتاب الْكَافِي وَله شرح متوسط عل مُخْتَصر شَيْخه سُلَيْمَان بن أَيُّوب الرَّازِيّ سَمَّاهُ الاشارة وَكتاب الْحجَّة لتارك المحجة توفّي يَوْم عَاشُورَاء سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة بِدِمَشْق وَدفن بِالْبَابِ الصَّغِير - رَحمَه الله والفقيه أَبُو الْفضل عَطاء شيخ الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف فقهاً وعلماً وَشَيخ الصُّوفِيَّة طَريقَة كَانَ فِي زمن الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي رحمهمَا اله تَعَالَى وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي المشرف بن المرجا بن ابراهيم الْمَقْدِسِي كَانَ من عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس لَهُ كتاب فَضَائِل الْبَيْت الْمُقَدّس والصخرة وَمَا اتَّصل بذلك من أَخْبَار وآثار وفضائل الشَّام وَهُوَ كتاب مُفِيد رَوَاهُ بِالْأَسَانِيدِ عَنهُ أَبُو الْقَاسِم مكي الرميلي - الْآتِي ذكره بعده - وَلم اطلع لأبي الْمَعَالِي عل تَرْجَمَة وَلَا تَارِيخ وَفَاة وَلكنه كَانَ فِي عصر أبي الْقَاسِم الْمَذْكُور وَالشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم مكي بن عبد السَّلَام بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ الرميلي الشَّافِعِي الْحَافِظ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة كَانَت الْفَتَاوَى تَأتي إِلَيْهِ من مصر وَالشَّام وَغَيرهمَا وَكَانَ من الجوالين فِي الْآفَاق كثير التَّعَب وَالنّصب والسهر وَكَانَ ورعاً سمع بالقدس وبلاد كَثِيرَة وَشرع فِي تَارِيخ بَيت الْمُقَدّس وفضائله وَجمع فِيهِ أَشْيَاء كَثِيرَة وَلما أَخذ الإفرنج بَيت الْمُقَدّس فِي سنّ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة أَخَذُوهُ

أَسِيرًا وبعثوه إِلَى الْبِلَاد يُنَادي فِي فكاكه بِأَلف دِينَار لما علمُوا إِنَّه عُلَمَاء الْمُسلمين فَلم يستفكه أحد فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ عل بَاب إنطاكية حَتَّى قَتَلُوهُ رَحمَه الله وَقَالَ السُّبْكِيّ فِي (طَبَقَات الشَّافِعِيَّة) إِنَّهُم بِبَيْت الْمُقَدّس فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة ابو الْقَاسِم عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن يُوسُف الرَّازِيّ الشَّافِعِي تفقه على الخجندي بأصبهان ثمَّ استوطن بَغْدَاد مد ثمَّ انْتقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وسلك سَبِيل الْوَرع والانقطاع إِلَى الله تعال إِلَى أَن اسْتشْهد عل يَد الإفرنج لعنهم الله تعال حِين أَخذهم الْقُدس فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَالْغَزالِيّ الإِمَام زين الدّين حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْغَزالِيّ الطوسي الشَّافِعِي ولد سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَلم يكن للطائفة الشَّافِعِيَّة فِي آخر عصره مثله واشتغل فِي مبدأ أمره بطوس ثمَّ قدم نيسابور وَصَارَ من الْأَعْيَان الْمشَار إِلَيْهِم وَارْتَفَعت مَنْزِلَته أَقَامَ بِدِمَشْق ثمَّ انْتقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة وَالطَّاعَة وزيارة الْمشَاهد والمواضع الْعَظِيمَة وَأخذ فِي التصانيف الْمَشْهُورَة بِبَيْت الْمُقَدّس فَيُقَال إِنَّه صنف فِي الْقُدس أَحيَاء عُلُوم الدّين وَأقَام بالزاوية الَّتِي على بَاب الرَّحْمَة الْمَعْرُوفَة قبل ذَلِك بالناصرية شَرْقي بَيت الْمُقَدّس فسميت بالغزالية نِسْبَة إِلَيْهِ وَقد خرجت ودثرت توفّي بطوس يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر جمادي الْآخِرَة سنة خمس وَخَمْسمِائة رَحمَه الله وَالْقَاضِي مُحَمَّد بن حسن بن مُوسَى بن عبد الله البلاشاعوني التركي الْحَنَفِيّ وَيعرف بالاشتلي ولي قَضَاء بَيت الْمُقَدّس فشكوا مِنْهُ فعزل ثمَّ ولي قَضَاء دمشق وَكَانَ عَالما فِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَهُوَ الَّذِي رتب الْإِقَامَة مثنى وَكَانَ شَدِيد التعصب توفّي فِي جمادي الْآخِرَة سنة سِتّ وَخَمْسمِائة والأمام الْحَافِظ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر بن عَليّ بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن القيسراني كَذَا اسْمه فِي تَارِيخ ابْن خلكان وَقيل اسْمه عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن طَاهِر

الْقُدسِي الجوال فِي الْآفَاق الْجَامِع بَين الذكاء وَالْحِفْظ وَحسن التصنيف وجودة الْخط ولد بِبَيْت الْمُقَدّس فِي سادس شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَحدث سنة سِتِّينَ وَأول من سَمعه الْفَقِيه نصر الْمَقْدِسِي وَكَانَ من الْمَشْهُورين بِالْحِفْظِ لمعْرِفَة بعلوم الحَدِيث وَله فِي ذَلِك مصنفات مجموعات تدل عل غزارة علمه وجودة مَعْرفَته وصنف تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا أَطْرَاف الْكتب السِّتَّة وَهِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وأطراف الغرائب تصنيف الدَّارَقُطْنِيّ وَكتاب الْأَنْسَاب فِي جُزْء لطيف وَهُوَ الَّذِي ذيله الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ وَغير ذَلِك من الْكتب وَله شعر حسن وَكتب عَنهُ غير وَاحِد من الْحفاظ مِنْهُم أَبُو مُوسَى الْمَذْكُور رَحل إِلَى بَغْدَاد فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَحرم مِنْهُ إِلَى مَكَّة وَتُوفِّي بِبَغْدَاد يَوْم الْجُمُعَة لليلتين بَقِيَتَا من شهر ربيع الآخر سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بالمقبرة العتيقة بالجانب الغربي وَكَانَ وَلَده زرْعَة طَاهِر من الْمَشْهُورين بعلو الْإِسْنَاد وَكثر السماع قدم بَغْدَاد لِلْحَجِّ وَحدث بهَا بِأَكْثَرَ مسموعاته وَسمع مِنْهُ الْوَزير أَبُو المظفر يحي بن هُبَيْرَة القيسراني - بِفَتْح الْقَاف وَالسِّين الْمُهْملَة بَينهمَا يَاء مثناة من تحتهَا ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة بعد الْألف نون - هَذِه النِّسْبَة إِلَى قيسري بَلْدَة عل سَاحل الْبَحْر بِبِلَاد الشَّام وَأَبُو الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ بن مَيْمُون الْقرشِي الْكُوفِي الْحَافِظ كَانَ دينا خَبِيرا رَحل إِلَى الشَّام وَسمع الحَدِيث بِبَيْت الْمُقَدّس وَتُوفِّي سنة عشر وَخَمْسمِائة بجبلة وَحمل إِلَى الْكُوفَة وَأَبُو روح ياسين بن سُهَيْل الْقَابِسِيّ الخشاب توفّي بنيسابور سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة وَأَبُو الْفَتْح سُلْطَان بن إِبْرَاهِيم بن مُسلم الْمَقْدِسِي الْفَقِيه الشَّافِعِي صَاحب الذَّخَائِر ولد بالقدس سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه عل الْفَقِيه نصر حَتَّى برع

فِي الْمَذْهَب وَدخل مصر بعد السّبْعين والأربعمائة وَكَانَ من الْفُقَهَاء بِمصْر وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَكْثَرهم روى عَنهُ السلَفِي وَغَيره وصنف كتابا فِي أَحْكَام التقاء الختانين توفّي سنة ثَمَانِيَة عشر أَو فِي الَّتِي بعْدهَا وَقيل فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الطرطوشي الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن مُحَمَّد بن خلف بن سُلَيْمَان بن أَيُّوب الْقرشِي الفِهري الأندلسي الْمَالِكِي قدم بَيت الْمُقَدّس وَحج على نَفَقَة الإِمَام أبي بكر الشَّاشِي المستظهر وَكَانَ إِمَامًا عَالما زاهداً سكن الشَّام ودرس بهَا مولده سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة تَقْرِيبًا وَتُوفِّي لَيْلَة السبت لأَرْبَع بَقينَ من جمادي الأولى سنة عشْرين وَخَمْسمِائة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة والطرطوشي نِسْبَة إِلَى طرطوشة وَهِي مَدِينَة بالأندلس فِي آخر بِلَاد الْمُسلمين فِي شَرْقي الأندلس على سَاحل الْبَحْر وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى الْأمَوِي العثماني الْمَقْدِسِي النابلسي نزل بَغْدَاد وتفقه على الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي وَكَانَ يُفْتِي ويدرس وَهُوَ من أهل الْعلم وَالْعَمَل وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة عَن خمس وَسِتِّينَ سنة وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَقْدِسِي العثماني الْمَشْهُور بالديباجي من أَوْلَاد الديباجي بن عبد الله بن عمر بن عُثْمَان بن عَفَّان وَمُحَمّد الديباجي أمه فَاطِمَة بنت الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب سمي الديباجي لحسنه وَلِأَن ديباجة وَجهه كَانَت تشبه ديباجة وَجه رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم أَصله من مَكَّة وَأقَام بِبَيْت الْمُقَدّس وَكتب الْأَحَادِيث بهَا وسمعها وَسكن بَغْدَاد بدرب السلسلة وَهُوَ فَقِيه فَاضل حسن السِّيرَة قَوَّال بِالْحَقِّ كَانَ يُقَال لَهُ سمي النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وشبيهه توفّي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر من صفر سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَدفن بالوردية وَأَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله الربعِي الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي اشْتغل عل الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَسمع الحَدِيث من الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي والحافظ أبي بكر

الْخَطِيب ثمَّ دخل الغرب وَسكن الْبَريَّة توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَأَبُو عَليّ الْحسن بن فرج بن حَاتِم الْمَقْدِسِي الْوَاعِظ الشَّافِعِي رو عَن القَاضِي الرشيد الْمَقْدِسِي توفّي فِي نصف شعْبَان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَالْإِمَام أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ مُحَمَّد بن عبد الله المغربي الْمعَافِرِي الأندلسي الاشبيلي الْحَافِظ الْمَشْهُور دخل مَعَ أَبِيه إِلَى الْمشرق سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَلَقي الإِمَام الطرطوشي وتفقه عَلَيْهِ وَصَحب الشَّاشِي وَالْغَزالِيّ قدم بَيت الْمُقَدّس وروى عَنهُ خلق كثير من الْعلمَاء توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَأَبُو بكر الْجِرْجَانِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر من أهل جرجان من عمل نيسابور قصد هُوَ وَأَبُو سعيد السَّمْعَانِيّ زِيَارَة بَيت الْمُقَدّس فذهبا وَلم يفترقا حَتَّى رجعا إِلَى الْعرَاق وَكَانَ شَيخا صَالحا قيمًا بِكِتَاب الله دَائِم الْبكاء كثير الْحزن مولده سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وتاج الْإِسْلَام أَبُو سعيد عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ الشَّافِعِي صَاحب كتاب الذَّلِيل لتاريخ مَدِينَة السَّلَام عدَّة مجلدات وَله تَارِيخ مُرُور الْأَسْبَاب وطراز الْمَذْهَب فِي آدَاب الطّلب وتحفة الْمُسَافِر وَعز الْعُزْلَة والمناسك والتخيير فِي المعجم الْكَبِير والأماني وَغير ذَلِك قدم بَيت الْمُقَدّس زَائِرًا لَهُ وَهُوَ فِي أَيدي الْكفَّار وَتُوفِّي فِي غرَّة ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَمن عباد بَيت الْمُقَدّس الْمَشْهُورين بالصلاح إِدْرِيس بن أبي خَوْلَة الانطاكي وَعبد الْعَزِيز الْمَقْدِسِي وَكَانَا صالحين ذكرهمَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفوة الصفوة وَذكر لَهما كرامات وَلم يؤرخ وفاتهما وَأما من دخل بَيت الْمُقَدّس واستوطنه من الزهاد وَالصَّالِحِينَ مِمَّن لم يعرف اسْمه فكثير وَلَهُم أَخْبَار ومناقب لم نذكرها لعدم معرفَة أسمائهم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقد انْتهى ذكر مَا قصدته من تراجم الْأَعْيَان بالقدس الشريف مِمَّن كَانَ بِهِ فِي الزَّمن السالف قبل اسْتِيلَاء الإفرنج عَلَيْهِ وَلم اظفر بِغَيْر ذَلِك لطول الْأَزْمِنَة

وَانْقِطَاع أَخْبَار السّلف باستيلاء الْكفَّار عل الأَرْض المقدسة وسأذكر مَا تيَسّر من أَسمَاء الْعلمَاء والأعيان بالقدس الشريف مِمَّن كَانَ بِهِ بعد الْفَتْح الصلاحي - كَمَا تقدم الْوَعْد بِهِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى ولنذكر الْآن نبذة يسيرَة مِمَّا وَقع بِبَيْت الْمُقَدّس من الْحَوَادِث وَالْأَخْبَار فِي ذَلِك الزَّمَان فَمن ذَلِك مَا وَقع فِي شهور سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلاثمائة إِن الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو عَليّ الْمَنْصُور بن الْعَزِيز الفاطمي خَليفَة مصر أَمر بتخريب كَنِيسَة القمامة من بَيت الْمُقَدّس وأباح للعامة مَا كَانَ بهَا من الْأَمْوَال وامتعة وَغير ذَلِك وَكَانَ ذَلِك بِسَبَب مَا انهي إِلَيْهِ من الْفِعْل الَّذِي تتعاطاه النَّصَارَى يَوْم الفصح من النَّار الَّتِي يحتالون بهَا بِحَيْثُ يتَوَهَّم الاغمار من جهلتهم إِنَّهَا تنزل من السَّمَاء وَإِنَّهَا مصبوغة بدهن البيلسان فِي خيوط الابريسم الرفاع المدهونة بالكبريت وَغَيره بالصنعة اللطيفة الَّتِي تروج عل الْعِظَام مِنْهُم والعوام وهم إِلَى الْآن يستعملونها فِي القمامة وَيُسمى ذَلِك الْيَوْم عِنْدهم سبت النُّور وَيَقَع فِيهِ من الْمُنكر بِحُضُور الْمُسلمين مَا لَا يحل سَمَاعه وَلَا رُؤْيَته من جهرهم بالْكفْر وَرفع أَصْوَاتهم يَقُولُونَ يَا لدين الصَّلِيب وَإِظْهَار كتبهمْ وَرفع الصلبان على رُؤْسهمْ غير ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي تقشعر مِنْهَا الأجساد ثمَّ لما توفّي الْحَاكِم بِأَمْر الله فِي شَوَّال سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة ولي بعده الظَّاهِر لَا عزاز دين الله أَبُو الْحسن عَليّ وَاسْتمرّ إِلَى أَن توفّي فِي شعْبَان سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ تولى بعده الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو تَمِيم معد فهادن ملك الرّوم على أَن يُطلق خَمْسَة آلف أَسِير ليمكن من عمَارَة قمامة الَّتِي كَانَ خربها جده الْحَاكِم فِي أَيَّام خِلَافَته فَأطلق الأسرى وَأخرج ملك الرّوم عَلَيْهَا أَمْوَالًا عَظِيمَة (قلت) وَالَّذِي يظْهر أَن تخريبها لم يكن تخريباً كلياً بل كَانَ فِي غالبها وَالله أعلم

وَرَأَيْت فِي بعض التواريخ إِنَّه فِي سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة فِي ربيع الأول احْتَرَقَ مشْهد الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ بشرارة وَقعت من بعض الشعالين من حَيْثُ لم يشْعر وَورد الْخَبَر بتشعب الرُّكْن الْيَمَانِيّ من الْمَسْجِد الْحَرَام وَسُقُوط جِدَار بَين يَدي قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإنَّهُ سَقَطت الْقبَّة الْكَبِيرَة الَّتِي عل صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس قَالَ النَّاقِل وَهَذَا من أغرب الاتفاقات وأعجبها (قلت) وَلم اطلع عل حَقِيقَة الْحَال فِي سُقُوط الْقبَّة الَّتِي عل الصَّخْرَة وَلَا إِعَادَتهَا وَالظَّاهِر أَن السُّقُوط كَانَ فِي بَعْضهَا لَا فِي كلهَا وَالله أعلم وَفِي سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة كثرت الزلازل بِمصْر وَالشَّام فهدمت أَشْيَاء كَثِيرَة وَمَات تَحت الرَّدْم خلق كثير وانهدم من الرمل ثلثهَا وتقطع جَامعهَا تقطعا وَخرج أَهلهَا مِنْهَا فأقاموا بظاهرها ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ سكن الْحَال فعادوا إِلَيْهَا وَسقط بعض حيطان بَيت الْمُقَدّس وَوَقع من محراب دَاوُد قِطْعَة كَبِيرَة وَمن مَسْجِد ابراهيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قِطْعَة وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة سقط تنور قبَّة الصَّخْرَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَفِيه خَمْسمِائَة قنديل فتطير المقيمون بِهِ من الْمُسلمين وَقَالُوا لَيَكُونن فِي الْإِسْلَام حَادث عَظِيم فَكَانَ أَخذ التفرنج لَهُ على مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي جمادي الأولى سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة كَانَت زَلْزَلَة بِأَرْض فلسطين أهلكت بِلَاد الرملة ورمت شرافتين من مَسْجِد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وانشقت الأَرْض عَن كنوز من المَال وَهلك مِنْهَا خَمْسَة عشر ألف نسمَة وانشقت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس ثمَّ عَادَتْ فالتأمت بقدرة الله تَعَالَى وغار الْبَحْر مسيرَة يَوْم وَدخل النَّاس فِي أرضه يلتقطون مِنْهُ فَرجع عَلَيْهِم فَأهْلك خلقا كثيرا مِنْهُم فسبحان من يتَصَرَّف بِعبَادة بِمَا شَاءَ

وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فِي أَيَّام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه العبيدي خَليفَة مصر استولى عل الْقُدس والرمل آتسز بن أوق الْخَوَارِزْمِيّ صَاحب دمشق وَفِي سنة خمس وَسِتِّينَ أُقِيمَت الدعْوَة العباسية بِبَيْت الْمُقَدّس وَقطعت دَعْوَة الفاطميين ثمَّ استولى آتسز عل دمشق بعد استيلائه عل الْقُدس والرملة وَقطع الْخطْبَة العلوية من دمشق فَلم يخْطب بعْدهَا لَهُم بهَا وَأقَام الْخطْبَة العباسية يَوْم الْجُمُعَة لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فَلَمَّا قتل آتسز فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة استولى بعده عل دمشق تَاج الدولة الْأَمِير تتش بن السُّلْطَان البارسلان السلجوقي وَكَانَ الْقُدس من مضافاته عل عَادَة من تقدمه فقلده للأمير أرتق بن اكسك التركماني جد الْمُلُوك أَصْحَاب ماردين وَاسْتمرّ ارتق مَالِكًا للقدس إِلَى أَن توفّي فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ اسْتَقر الْأَمر بعده فِي الْقُدس لِوَلَدَيْهِ ايلغازي وسقمان ابْني ارتق وَاسْتمرّ عل ذَلِك إِلَى أَن قتل تتش صَاحب دمشق فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ سَار الْأَفْضَل بن بدر الجمالي أَمِير الجيوش من مصر بعسكر الْخَلِيفَة الْعلوِي وَهُوَ المستعلي بِأَمْر الله فاستولى عل الْقُدس بالأمان فِي شعْبَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسَار سقمان وَأَخُوهُ ايلغازي من الْقُدس وَأقَام سقمان بِبَلَد الرها وَسَار أَخُوهُ ايلغازي إِلَى الْعرَاق وَبَقِي الْقُدس فِي يَد المصريين (ذكر تغلب الإفرنج عل بَيت الْمُقَدّس واستيلائهم عَلَيْهِ) لما فتح الله الْبَيْت الْمُقَدّس عل يَد أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَعمر عل يَده ثمَّ عل يَد عبد الْملك بن مَرْوَان وَغَيره من الْخُلَفَاء - كَمَا سبق شَرحه - اسْتمرّ بأيدي الْمُسلمين الْخُلَفَاء من حِين الْفَتْح الْعمريّ فِي سنة خمس وَعشْرين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة فِي خلَافَة المستظهر بِاللَّه هُوَ أَبُو الْعَبَّاس

أَحْمد بن الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله العباسي خَليفَة بَغْدَاد وَكَانَ لبثه بأيدي الْمُسلمين أَرْبَعمِائَة سنة وَسبعا وَسبعين سنة وَكَانَ الفاطميون قد تغلبُوا عل بني الْعَبَّاس وأدعوا الْخلَافَة بالمغرب من أَوَاخِر سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فِي أَيَّام المقتدر بِاللَّه أبي الْفضل جَعْفَر بن الْمُسْتَنْصر العباسي خَليفَة بَغْدَاد ثمَّ بنوا الْقَاهِرَة واستولوا عل الديار المصرية وَالشَّام وَمَكَّة واليمن وَبَيت الْمُقَدّس وأولهم عبيد الله الْمهْدي بِاللَّه الَّذِي ينسبون إِلَيْهِ ثمَّ ابْنه أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد الْقَائِم بِأَمْر الله ثمَّ ابْنه أَبُو الطَّاهِر اسماعيل الْمَنْصُور بنصر الله ثمَّ أَبِيه أَبُو تَمِيم معد الْمعز الدّين بِأَنِّي الْقَاهِرَة المحروسة عل يَد الْقَائِد أبي الْحسن جَوْهَر الْمَعْرُوف بالكاتب الرُّومِي فَإِنَّهُ جهزه من الْمغرب لأخذ الديار المصرية فَأَخذهَا فِي سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة وبن الْقَاهِرَة المحروسة وَالْجَامِع الْأَزْهَر ثمَّ أرسل يَسْتَدْعِي مخدومه الْمعز الدّين الله فَحَضَرَ إِلَى الْقَاهِرَة واستوطنها فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَاسْتمرّ إِلَى أَن توفّي بهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع عشر من ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَهُوَ الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ الْقَاهِرَة فَيُقَال الْقَاهِرَة المعزية وَلما بناها جَوْهَر سَمَّاهَا المنصورية فَلَمَّا قدم الْمعز لدين الله إِلَيْهَا سَمَّاهَا الْقَاهِرَة وَقيل إِن سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك إِنَّهَا تقهر من شدّ عَلَيْهَا ورام مُخَالفَة أمرهَا وَلما توفّي اسْتَقر بعده فِي الْخلَافَة بِمصْر ابْنه الْمَنْصُور نزار الْعَزِيز بِاللَّه ثمَّ ابْنه أَبُو عَليّ الْمَنْصُور الْحَاكِم بِأَمْر الله الَّذِي أَمر بتخريب كَنِيسَة القمامة - كَمَا تقدم - ثمَّ ابْنه أَبُو الْحسن عل الظَّاهِر لَا عزاز دين الله ثمَّ ابْنه أَبُو تَمِيم معد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الَّذِي مكن الْكفَّار من إِعَادَة كَنِيسَة القمامة - كَمَا تقدم _ ثمَّ ابْنه أَبُو الْقَاسِم أَحْمد المستعلي بِأَمْر الله وَسَيَأْتِي ذكر من بقى مِنْهُم عِنْد ابْتِدَاء ذكر الْفَتْح الصلاحي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَلَمَّا آل الْأَمر إِلَى المستعلي بِأَمْر الله وَكَانَت وَفَاة أَبِيه الْمُسْتَنْصر فِي ذِي الْحجَّة

سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة ولي الْأَمر بعد أَبِيه بالديار المصرية وَكَانَ الْمُتَوَلِي لتدبير دولته الْأَفْضَل أَبُو الْقَاسِم شاهنشاه بن بدر الجمالي أَمِير الجيوش وَفِي أَيَّام المستعلي بِأَمْر الله اخْتلفت دولتهم وَضعف أَمرهم وانقطعت من أَكثر مدن الشَّام دعوتهم وانقسمت الْبِلَاد الشامية بَين الأتراك والإفرنج وكتان مُدبر دولته الْأَفْضَل أَبُو الْقَاسِم شاهنشاه بن بدر الجمالي أَمِير الجيوش وَفِي أَيَّام المستعلي بِأَمْر الله اخْتلفت دولتهم وَضعف أَمرهم وانقطعت من أَكثر مدن الشَّام دعوتهم وانقسمت الْبِلَاد الشامية بَين الأتراك والإفرنج وَكَانَ مُدبر دولته الْأَفْضَل قد استولى عل بَيت الْمُقَدّس فِي شعْبَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة - كَمَا تقدم - وَكَانَ الفاطميون يخَافُونَ من الإفرنج خوفًا شَدِيدا فَلَا يُطِيقُونَ مقاتلهم بِخِلَاف الدولة الأيوبية فَلَمَّا دخلت سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة سَار الإفرنج إِلَى الشَّام وَأخذُوا إنطاكية بعد أَن حاصروها تِسْعَة أشهر وملوكها فِي ذِي الْقعدَة وَحصل بَينهم وَبَين الْمُسلمين وقعات وحروب وَولى الْمُسلمُونَ هاربين وَكثر الْقَتْل فيهم وَنهب الإفرنج خيامهم وتقووا بأسلحتهم ثمَّ سَار الإفرنج إِلَى معمرة النُّعْمَان فاستولوا عَلَيْهَا وَوَضَعُوا السَّيْف فِي أَهلهَا فَقتلُوا فِيهَا مَا يزِيد على ألف إِنْسَان وَسبوا السَّبي الْكثير وَأَقَامُوا بالمعرة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَسَارُوا إِلَيّ حمص وصالحهم أَهلهَا وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين فَلَمَّا دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة قصد الإفرنج بَيت الْمُقَدّس وهم فِي نَحْو ألف ألف مقَاتل لعنهم الله وحاصروا بَيت الْمُقَدّس نيفاً وَأَرْبَعين يَوْمًا وملكوه فِي ضحى نَهَار الْجُمُعَة لسبع بَقينَ من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة ولبث الإفرنج يقتلُون فِي الْمُسلمين بالقدس الشريف أسبوعا قتا فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى مَا يزِيد عل سبعين ألف نفس مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرَة من أَئِمَّة الْمُسلمين وساداتهم وعباداتهم وزهادهم مِمَّن جاور فِي هَذَا الْموضع الشريف وغنموا مَا لَا يَقع عَلَيْهِ الْحصْر وجاسوا خلال الديار وَكَانَ وَعدا مَفْعُولا ثمَّ حصروا جَمِيع من فِي الْقُدس من الْمُسلمين بداخل الْمَسْجِد الشريف واشترطوا عَلَيْهِم إِنَّهُم مَتى تَأَخَّرُوا عَن الْخُرُوج بعد ثَلَاثَة أَيَّام قتلوهم عَن أخرهم فشرع

الْمُسلمُونَ فِي الْإِسْرَاع والمبادرة إِلَى الْخُرُوج فَمن شدَّة إزدحامهم بِأَبْوَاب الْمَسْجِد قتل مِنْهُم خلق كثير لَا يحصيهم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأخذ الإفرنج من عِنْد الصَّخْرَة أَلفَيْنِ وَأَرْبَعين قِنْدِيلًا من فضَّة زنة كل مِنْهُم ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة وتنوراً من فضَّة وَزنه أَرْبَعُونَ رطلا بالشامي وَثَلَاثَة وَعشْرين قِنْدِيلًا من الذَّهَب وَهزمَ الْأَفْضَل بن بدر الجمالي أَمِير الجيوش بِظَاهِر عسقلان أقبح هزيمَة وَكَانَ عِنْد الإفرنج شَاعِر منتجع إِلَيْهِم فَقَالَ - يُخَاطب ملك الإفرنج وأسمه صنجلي - نصرت بسيفك دين الْمَسِيح فَلهُ دَرك من صنجلي وَمَا سمع النَّاس فِيمَا رُوِيَ بأقبح من كسرة الْأَفْضَل فتوصل الْأَفْضَل إِلَى ذبح هَذَا الشَّاعِر وَذهب النَّاس هاربين عل وُجُوههم من الشَّام إِلَى الْعرَاق وَوصل المستنفرون إِلَى بَغْدَاد فِي رَمَضَان مستغيثين إِلَى الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان مِنْهُم القَاضِي بِدِمَشْق أَبُو سعد الْهَرَوِيّ وَاجْتمعَ أهل بَغْدَاد فِي الْجَوَامِع واستغاثوا وَبكوا حَتَّى إِنَّهُم افطروا من عظم مَا جر عَلَيْهِم وَندب الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد - وَهُوَ المستظهر بِأَمْر الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد العباسي - الْفُقَهَاء إِلَى الْخُرُوج فِي الْبِلَاد ليحرضوا الْمُلُوك عل الْجِهَاد فَخرج الإِمَام أَبُو الْوَفَاء ابْن عقيل الْحَنْبَلِيّ وَغير وَاحِد من أَعْيَان الْفُقَهَاء وَسَارُوا فِي النَّاس فَلم يفد ذَلِك شَيْئا فَأَنا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَوَقع الْخلف بَين السلاطين السلجوقية فَتمكن الافرنج فِي الْبِلَاد وانزعج الْمُسلمُونَ فِي سَائِر ممالك الْإِسْلَام بِسَبَب أَخذ بَيت الْمُقَدّس غَايَة الانزعاج ثمَّ استولى الافرنج على أَكثر بِلَاد السواحل فِي أَيَّام المستعلي بِأَمْر الله فملكوا يافا وقيسارية وَغَيرهمَا من القلاع والحصون وَكَانَت محنة فَاحِشَة فَالْحكم لله الْعلي

الْكَبِير وَكَانَ الْآخِذ لهَذِهِ الْبِلَاد بَيت الْمُقَدّس وَغَيره بردويل الإفرنجي ثمَّ فِي سنة إِحْدَى عشرَة - وَقيل أَرْبَعَة عشرَة - وَخَمْسمِائة قصد الديار المصرية ليأخذها فَانْتهى إِلَى غَزَّة ودخلها وخربها واحرق مساجدها ورحل عَنْهَا وَهُوَ مَرِيض فَهَلَك فِي الطَّرِيق قبل وُصُوله إِلَى الْعَريش فشق أَصْحَابه بَطْنه ورموا حشوته هُنَاكَ فَهِيَ ترْجم إِلَى الْيَوْم ورحلوا بجثته فدفنوها بكنيسة قمامة بالقدس الشريف وسبخة بردويل هِيَ الَّتِي فِي سبخَة الرمل عل طَرِيق الشَّام وَهِي مِمَّا يَلِي الْعَريش إِلَى جِهَة مصر منسوبة إِلَى بردويل الْمَذْكُور وَالْحِجَارَة الملقاة هُنَاكَ وَالنَّاس يَقُولُونَ هَذَا قبر بردويل وَإِنَّمَا هِيَ الحشوة لعنة الله عَلَيْهِ وَلما أَخذ بَيت الْمُقَدّس وَغَيره من الْمُسلمين قَالَ فِي ذَلِك مظفر الابيورديل أبياتاً مِنْهَا مزجنا دِمَاء بالدموع السواجم فَلم يبْق منا عرضه للمزاحم وَشر سلَاح الْمَرْء دمع يفيضه إِذا الْحَرْب شبت نارها بالصوارم فأيهاً بني الْإِسْلَام إِن وراءكم وقائع يلحقن الذري بالمناسم وَكَيف تنام الْعين مَلأ جفونها على هفوات أيقظت كل نَائِم فإخوانكم بِالشَّام يُضحي قتيلهم ظُهُور المذاكي أَو بطُون القشاعم تسومهم الرّوم الهوان وَأَنْتُم تجرون ذيل الْخَفْض فعل المسالم وَكم من دِمَاء قد أبيحت وَمن دمي توار حَيَاء حسنها بالمعاصم وَبَين اختلاس الطعْن وَالضَّرْب وقْعَة يظل لَهَا الْولدَان شيب القوادم وَتلك حروب من يغب عَن غمارها ليسلم يقرع بعْدهَا سنّ نادم سللنا بأيدي الْمُشْركين قواضباً ستعمل مِنْهُم فِي الطلى والجماجم يكَاد لَهُنَّ المستكن بِطيبَة يُنَادي بِأَعْلَى الصَّوْت يَا آل هَاشم أرى أمتِي لَا يشرعون إِلَى العدى رماحهم وَالدّين واهي الدعائم وتجتنبون النَّار خوفًا من الردى وَلَا تحسبون الْعَار ضَرْبَة لَازم

أترضي صَنَادِيد الأعارب بالأذى وتغضي عل صماة الْأَعَاجِم فليتهموا إِذْ لم يذودوا حمية عَن الدّين شنوا غيرَة للمحارم وَإِن زهدوا فِي الْأجر إِذْ حمي الوغى فَهَلا أَتَوْهُ رَغْبَة فِي الْمَغَانِم وَاسْتمرّ بَيت الْمُقَدّس وَمَا جاوره من السواحل بيد الإفرنج إِحْدَى وَتِسْعين سنة فَلم ير فِي الْإِسْلَام مُصِيبَة أعظم من ذَلِك وَعجز مُلُوك الأَرْض عَن انْتِزَاعه مِنْهُم حَتَّى أذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقدر فَتحه على يَد من اخْتَارَهُ من عبَادَة فِي شهر شَوَّال سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَأَقُول - وَبِاللَّهِ استعين وَعَلِيهِ أتوكل فَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل - (ذكر الْفَتْح الصلاحي) الَّذِي يسره الله تَعَالَى على يَد السُّلْطَان النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب تغمده الله برحمته قد تقدم ذكر تغلب الفاطميين عل غَالب المملكة واستيلائهم عَلَيْهَا وَتقدم إِن أَوَّلهمْ الْمهْدي بِاللَّه عبيد الله وَتقدم ذكر من بعده إِلَى المستعلي بِأَمْر الله الَّذِي أَخذ الإفرنج الْقُدس فِي أَيَّامه فَلَمَّا مَاتَ المستعلي بِأَمْر الله اسْتَقر بعده فِي خلَافَة مصر ابْنه أَبُو مَنْصُور إِسْمَاعِيل الظَّاهِر بِأَمْر الله ثمَّ ابْنه أَبُو الْقَاسِم عيس الفائز بنصر الله ثمَّ ابْن عَمه أَبُو مُحَمَّد عبد الله العاضد لدين الله وَهُوَ آخِرهم وَكَانَ استقراره فِي خلَافَة مصر فِي سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة وَكَانَ صَاحب دمشق فِي ذَلِك الزَّمَان السُّلْطَان الْملك الْعَادِل نور الدّين أَبَا الْقَاسِم مَحْمُود بن زنكي الملقب بالشهيد رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة تمكن الإفرنج من الْبِلَاد المصرية وتحكموا على الْمُسلمين بهَا وملكوا بلبيس قهرا فِي مستهل شهر صفر ونهبوها وَقتلُوا

أَهلهَا وَأسرُوهُمْ ثمَّ سَارُوا من بلبيس ونزلوا عل الْقَاهِرَة عَاشر صفر وحاصروها وَكَانَ وَزِير العاضد أَمِير الجيوش شاور فَأحرق شاور مَدِينَة مصر خوفًا من أَن يملكهَا الإفرنج وَأمر أَهلهَا بالانتقال إِلَى الْقَاهِرَة فَبَقيت النَّار تحرقها أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا وَأرْسل العاضد الْعلوِي خَليفَة مصر إِلَى السُّلْطَان نور الدّين الشَّهِيد يستغيث بِهِ وَأرْسل فِي الْكتب شُعُور النِّسَاء وَصَالح شاور الإفرنج عل ألف ألف دِينَار يحملهَا إِلَيْهِم فَحمل إِلَيْهِم مائَة ألف دِينَار وسألهم أَن يرحلوا عَن الْقَاهِرَة ليقدر عل جمع المَال وَحمله فرحلوا وَلما وصل إِلَى السُّلْطَان نور الدّين كتب العاضد جهز الْأَمِير أَسد الدّين شيركوه بن شادي إِلَى الديار المصرية وَمَعَهُ العساكر النورية وَأنْفق فيهم الْأَمْوَال وَأعْطى شيركوه مِائَتي ألف دِينَار سوى الثِّيَاب وَالدَّوَاب والأسلحة وَغير ذَلِك وَأرْسل مَعَه عدَّة أُمَرَاء مِنْهُم ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب الَّذِي تسلطن فِيمَا بعد وَكَانَ مسير صَلَاح الدّين عل كره مِنْهُ أحب نور الدّين مسير صَلَاح الدّين وَفِيه ذهَاب الْملك من بَين يَدَيْهِ وَكره صَلَاح الدّين الْمسير وَفِيه سعادته وَملكه (وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم) فَإِن نور الدّين أمره بِالْمَسِيرِ مَعَ عَمه شيركوه وَكَانَ شيركوه قد قَالَ بِحَضْرَة نور الدّين تجهز يَا يُوسُف فَقَالَ وَالله لَو أَعْطَيْتنِي ملك مصر مَا سرت إِلَيْهَا فَلَقَد قاسيت بالإسكندرية مَا لَا أنساه أبدا فَقَالَ شيركوه لنُور الدّين لَا بُد من مسيره معي فَأمره نور الدّين وَهُوَ يسْتَقْبل فَقَالَ نور الدّين لَا بُد من مسيرك مَعَ عمك فَشكى الضيقة فَأعْطَاهُ مِمَّا تجهز بِهِ فَكَأَنَّمَا يساق إِلَى الْمَوْت وَلما قرب شيركوه من مصر رَحل الإفرنج من ديار مصر عل أَعْقَابهم إِلَى بِلَادهمْ فَكَانَ هَذَا الْمصر فتحا شَدِيدا وَوصل أَسد الدّين شيركوه إِلَى الْقَاهِرَة فِي رَابِع ربيع الآخر وَاجْتمعَ

بالعاضد وخلع عَلَيْهِ وَعَاد إِلَى خيامه بالخليعة العاضدية وَشرع شاور يماطل شيركوه فِيمَا كَانَ بذلة لنُور الدّين قبل ذَلِك من تَقْرِير المَال وإفراد ثلث الْبِلَاد لَهُ وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ شاور يركب كل يَوْم إِلَى أَسد الدّين شيركوه ويعده ويمنيه (وَمَا يَعدكُم الشَّيْطَان إِلَّا غرُورًا) ثمَّ إِن شاور عزم على أَن يعْمل دَعْوَة لشيركوه وامرائه وَيقبض عَلَيْهِم فَمَنعه ابْنه الْكَامِل بن شاور من ذَلِك وَلما رأى عَسْكَر نور الدّين من شاور ذَلِك عزموا عل الفتك بشاور وَاتفقَ على ذَلِك صَلَاح الدّين يُوسُف وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وَعرفُوا شيركوه بذلك فنهاهم عَنهُ وَاتفقَ أَن شاور قصد شيركوه على عَادَته فَلم يجده فِي المخيم وَكَانَ قد مضى لزيارة قبر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فلقى صَلَاح الدّين شاور وأعلمه برواح شيركوه إِلَى زِيَارَة الشَّافِعِي فسارا وَمن مَعَهُمَا جَمِيعًا إل شيركوه فَوَثَبَ صَلَاح الدّين وَمن مَعَه عل شاور وألقوه عل الأَرْض عَن فرسه امسكوه فِي سَابِع عشر ربيع الآخر سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فهرب أَصْحَابه عَنهُ وأعلموا شيركوه بِمَا فعلوا فَحَضَرَ وَلم يُمكنهُ الْإِتْمَام لذَلِك وَسمع العاضد الْخَبَر فَأرْسل إِلَى شيركوه يطْلب مِنْهُ إِنْفَاذ رَأس شاور فَقتله وَأرْسل رَأسه إِلَى العاضد وَدخل بعد ذَلِك شيركوه إِلَى الْقصر عِنْد العاضد فَخلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة ولقبه الْملك الْمَنْصُور أَمِير الجيوش وَاسْتقر فِي الْأَمر وَكتب لَهُ منشوراً بالوزارة وتفويض أُمُور الْخلَافَة إِلَيْهِ وَلما لم يبْق لَهُ مُنَازع أَتَاهُ أَجله (حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة وَهُوَ لَا يَشْعُرُونَ) وَتُوفِّي فِي يَوْم السبت الثَّانِي وَالْعِشْرين من جمادي الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فَكَانَت ولَايَته شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام وَهِي ابْتِدَاء الدولة الأيوبية وَكَانَ شيركوه وَأَيوب ابْني شادي من بلددون وأصلهما من الأكراد وخدما عماد الدّين زنكي ثمَّ وَلَده نور الدّين مَحْمُود وبقيا مَعَه إِلَى أَن أرسل

شيركوه إِلَى مصر مرّة بعد أُخْرَى حَتَّى ملكهَا وَتُوفِّي فِي هَذِه السّنة على مَا ذَكرْنَاهُ وَلما توفّي شيركوه طلب جمَاعَة من الْأُمَرَاء النورية التَّقَدُّم عل الْعَسْكَر وَولَايَة الوزارة العاضدية فأحضر العاضد صَلَاح الدّين وولاه الوزارة ولقبه الْملك النَّاصِر وَثَبت قدمه عل إِنَّه نَائِب لنُور الدّين يخْطب لَهُ عل المنابر بالديار المصرية وَكَانَ نور الدّين يكْتب لصلاح الدّين الاسفهسلار وَيكْتب علامته عل رَأس الْكتاب تَعْظِيمًا عَن أَن يكْتب اسْمه وَكَانَ لَا يفرده بِكِتَاب بل إِلَى الْأَمِير صَلَاح الدّين وكافة الْأُمَرَاء بالديار المصرية يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا ثمَّ أرسل صَلَاح الدّين يطْلب من نور الدّين أَبَاهُ أَيُّوب وَأَهله ليتم لَهُ السرُور وَتَكون قَضيته مشاكلة لقضي يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام فأرسلهم إِلَيْهِ نور الدّين فوصل وَالِده إِلَيْهِ فِي جماد الْآخِرَة سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وسلك مَعَ وَالِده من الدب مَا جرت بِهِ عَادَته وَألبسهُ الْأَمر كُله فَأبى أَن يلْبسهُ فَحكمه فِي الخزائن كلهَا وَأعْطى صَلَاح الدّين أَهله الاقطاعات بِمصْر وَتمكن من الْبِلَاد وَضعف أَمر العاضد وَفِي هَذِه السّنة وَهِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة سَار الإفرنج إِلَى دمياط وحاصروهم وشحنها صَلَاح الدّين بِالرِّجَالِ وَالسِّلَاح فحاصروها خمسين يَوْمًا وَخرج نور الدّين فَأَغَارَ عل بِلَادهمْ بِالشَّام فرحلوا عائدين على أَعْقَابهم وَلم يظفروا بِشَيْء مِنْهَا وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة سَار صَلَاح الدّين من مصر فغزا بِلَاد الإفرنج قريب عسقلان والرملة وَعَاد إِلَى مصر ثمَّ خرج إِلَى ايلة وحاصرها وَهِي للإفرنج عل سَاحل الْبَحْر الشَّرْقِي وَنقل إِلَيْهَا المراكب وحاصرها برا وبحراً وَفتحهَا فِي الْعشْر الأول من ربيع الآخر واستباح أَهلهَا وَمَا فِيهَا وَعَاد إِلَى مصر وعزل قُضَاة المصريين وَكَانُوا شيعَة ورتب قُضَاة شافعية وَذَلِكَ فِي الْعشْرين من جمادي الْآخِرَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ

ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة أُقِيمَت الْخطْبَة العباسية بِمصْر وَقطعت خطْبَة العاضد لدين الله وانقرضت الدولة العلوية الفاطمية وَكَانَ سَبَب الْخطْبَة العباسية بِمصْر إِنَّه لما تكن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين من مصر وَحكم عل الْقصر وَأقَام فِيهِ قراقوش الْأَسدي وَكن خَصيا أَبيض وَبلغ نور الدّين ذَلِك أرسل إِلَى صَلَاح الدّين يَأْمُرهُ حتما جزما بِقطع خطْبَة العلويين وَإِقَامَة الْخطْبَة العباسية فَرَاجعه صَلَاح الدّين فِي ذَلِك خوف الْفِتْنَة فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ نور الدّين وأصر عل ذَلِك وَكَانَ العاضد قد اشْتَدَّ مَرضه فَلم يعلم أحد من أَهله بِقطع خطبَته فَتوفي العاضد يَوْم عَاشُورَاء سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَلم يعلم بِقطع خطبَته وَاسْتولى صَلَاح الدّين عل قصر الْخلَافَة وعَلى جَمِيع مَا فِيهِ وَكَانَت كثرته تخرج عَن الإحصاء وَنقل أهل العاضد إِلَى مَوضِع من الْقصر ووكل بهم من يحفظهم وخلا الْقصر من سكانه (كَأَن لم يغن بالْأَمْس) وَهَذَا العاضد هُوَ آخر خلفاء الفاطميين وَجُمْلَة مدتهم من حِين ظُهُور جدهم الْمهْدي بِاللَّه عبيد الله بجلماسة فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى أَن توفّي العاضد فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور مِائَتَان وَسَبْعُونَ سنة وَنَحْو شهر وَهَذَا دأب الدُّنْيَا لم تعط إِلَّا واستردت وَلم تحل إِلَّا وتمررت وَلم تصف إِلَّا وتكررت بل صفوها لَا يَخْلُو من الكدر وانقرضت دولتهم فِي خلَافَة المستضئ بِأَمْر الله العباسي - كَمَا تقدم -

وَلما وصل خبر الْخطْبَة العباسية بِمصْر إِلَى بَغْدَاد ضربت لَهَا البشائر عدَّة أَيَّام وسيرت الْخلْع مَعَ عماد الدّين صندل وَهُوَ من خَواص الخدام المنسوبة إِلَى نور الدّين وَصَلَاح الدّين والخطباء وسيرت الْأَعْلَام السود ثمَّ توفّي وَالِد الْملك صَلَاح الدّين وَهُوَ الْملك الْأَفْضَل نجم الدّين أَبُو الشُّكْر أَيُّوب وَكَانَ وَلَده غَائِبا عَن الْقَاهِرَة فِي جِهَة الكرك لِأَنَّهُ كَانَ قاصدها لغزو الإفرنج فَلَمَّا عَاد وجد أَبَاهُ قد مَاتَ وَسبب مَوته إِنَّه ركب بِمصْر فنفرت بِهِ فرسه فَوَقع فَحمل إِلَى قصره وَبَقِي أَيَّامًا وَمَات فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ خيرا عَاقِلا حسن السِّيرَة كَرِيمًا كثير الْإِحْسَان وَدفن إِلَى جَانب أَخِيه شيركوه ثمَّ نقلا بعد سنتَيْن إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة عل ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فَتوفي فِيهَا الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد هُوَ أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بن الْملك الْمَنْصُور عماد الدّين أبي الْجُود زنكي بن أق سنقر تغمده الله برحمته ومولده فِي شَوَّال سنة إِحْدَى عشرَة وَخَمْسمِائة وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ ملكه لدمشق فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بعد أَن ملك حلب وَغَيرهمَا من قبل ذَلِك وَكَانَ ملكا عادلاً مُجَاهدًا خيرا فتح الفتوحات واتسع ملكه وخطب لَهُ بالحرمين واليمن ومصر وخطب لَهُ فِي الدُّنْيَا عل جَمِيع مَنَابِر الْإِسْلَام وبن السبل وَالْمكَاتب وأكمل سور الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وطبق ذكره الأَرْض بِحسن سيرته وعدله وزهده رَضِي الله عَنهُ وَاسْتقر بعده فِي الْملك بِدِمَشْق وَلَده الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل فقصد الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دمشق وَأَخذهَا وَكَانَ الصَّالح توجه إِلَى حلب ليقيم بهَا وَثبتت قدم الْملك صَلَاح الدّين وَقرر أَمر دمشق وَكَانَ دُخُوله إِلَيْهَا فِي سلخ ربيع الأول سنة سبعين وَخَمْسمِائة ثمَّ سَار إِلَى حمص وحماه وملكهما ثمَّ إِلَى حلب وحاصرها فَلم يقدر على أَخذهَا لِأَن أَهلهَا صدوه عَنْهَا محبَّة فِي الْملك الصَّالح

وَآخر الْأَمر وَقع الِاتِّفَاق أَن يكون للْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين مَا بِيَدِهِ من الشَّام وللملك الصَّالح مَا بَقِي بِيَدِهِ مِنْهُ فَصَالحهُمْ عل ذَلِك ورحل عَن حلب وَأخذ عدَّة أَمَاكِن وقلاع مِمَّن هِيَ بِيَدِهِ ثمَّ عَاد إِلَى مصر فَلَمَّا توفّي الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين فِي سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة اسْتَقر بعده فِي الْملك بحلب عَمه عز الدّين مَسْعُود ثمَّ اسْتَقر بحلب عماد الدّين زنكي بن مودود صَاحب سنجار وَاسْتقر مَسْعُود بسنجار بتراضيهما ثمَّ فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة فِي خَامِس الْمحرم سَار الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين عَن مصر إِلَى الشَّام وَلم يعد بعد ذَلِك إِلَى مصر الْآن توفّي وَسَار فِي طَرِيقه عل بِلَاد الإفرنج وغنم وَوصل إِلَى دمشق فِي صفر ثمَّ سَار فِي ربيع الأول وَنزل قرب طبرية وَشن الإغارة عل بِلَاد الإفرنج مثل بيسان وجيبين والغور فغنم وَقتل ثمَّ سَار إِلَى بيروت وحاصرها وأغار عل بلادها ثمَّ سَار إِلَى عدَّة بِلَاد وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة قصد الإفرنج المقيمون بالكرك والشوبك الْمسير لمدينة رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم لينبشوا قَبره الشريف وينقلوا جسده الْكَرِيم إِلَى بِلَادهمْ ويدفنوه عِنْدهم وَلَا يمكنوا الْمُسلمين من زيارته إِلَّا بِجعْل فَأَنْشَأَ الْبُرْنُس ارباط صَاحب الكرك سفناً حملهَا عل الْبر إِلَى بَحر القلزم وَركب فِيهَا الرِّجَال وسارت الإفرنج ومضوا يُرِيدُونَ الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَكَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين على حوران فَلَمَّا بلغه ذَلِك بعث إِلَى سيف الدولة بن منقذ نَائِبه بِمصْر يَأْمُرهُ بتجهيز حسام الدّين لُؤْلُؤ الْحَاجِب خلف الْعَدو فاستعد لذَلِك وَسَار فِي طَلَبهمْ حَتَّى أدركهم وَلم يبْق بَينهم وَبَين الْمَدِينَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة إِلَّا مَسَافَة يَوْم وَكَانُوا نيفاً وثلاثمائة وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِم عدَّة من العربان الْمُرْتَدَّة ففرت العربان والتجأ الإفرنج إِلَى رَأس جبل صَعب المرتقى فَصَعدَ إِلَيْهِم فِي نَحْو

عشرَة أنفس وضايقهم فِيهِ فخارت قواهم بعد مَا كَانُوا معدودين من الشجعان وَقبض عَلَيْهِم وقيدوهم وَحَملهمْ إِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَ لدخولهم يَوْم مشهود وَتَوَلَّى قَتلهمْ الصُّوفِيَّة وَالْفُقَهَاء وأرباب الدّيانَة بعد مَا سَاق رجلَيْنِ من أَعْيَان الإفرنج إِلَى منى ونحرهما هُنَاكَ كَمَا تنحر الْبدن الَّتِي تساق هَديا إِلَى الْكَعْبَة ثمَّ فِي سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة ملك حمص وآمد وعنتاب وَغَيرهمَا ثمَّ سَار إِلَى حلب وحاصرها وَأَخذهَا من صَاحبهَا عماد الدّين زنكي ابْن مودود بن عماد الدّين وعوضه عَنْهَا سنجار وَمَا مَعهَا وتسلم حَلَبِيّ فِي صفر من هَذِه السّنة وَمن الاتفاقات العجيبة أَن محيي الدّين ابْن الزكي قَاضِي دمشق مدح السُّلْطَان بقصيدة مِنْهَا وفتحكم حَلبًا بِالسَّيْفِ فِي صفر مُبشر بفتوح الْقُدس فِي رَجَب فَوَافَقَ فتح الْقُدس فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ على مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة غزا السُّلْطَان الكرك وضيق عل أَهلهَا من الإفرنج وَملك ربض الكرك وَبقيت القلعة وَحصل بَين الْمُسلمين والإفرنج الْقِتَال فَرَحل عَنْهَا وَسَار إِلَى نابلس وأحرقها وَنهب مَا بِتِلْكَ النواحي وَقتل وَأسر وسي وَعَاد إِلَى دمشق وَفِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة ملك ميافارقين وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة أحضر السُّلْطَان وَلَده الْملك الْأَفْضَل من مصر فأقطعه دمشق ثمَّ أحضر أَخَاهُ الْعَادِل من حلب وَجعل وَلَده الْعَزِيز عُثْمَان نَائِبا عَنهُ بِمصْر واستدع نَائِبه بِمصْر - هُوَ ابْن أَخِيه الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر ابْن شاهنشاه - وزاده على حماه سنج والمعرة وَكفر طَابَ وميافارقين وَاسْتقر الْعَزِيز عُثْمَان والعادل أَبُو بكر فِي مصر وَاسْتمرّ الْحَال عل ذَلِك إِلَى أَن دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فِيهَا كَانَت الْوَقْعَة الْعَظِيمَة الَّتِي فتح الله بهَا بَيت الْمُقَدّس وَغَيره على يَد السُّلْطَان الْأَعْظَم

وَاللَّيْث الْهمام الْمُقدم سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين محيي الْعدْل فِي الْعَالمين قَاتل الْكَفَرَة وَالْمُشْرِكين قاهر والمتمردين جَامع كلمة الْأَيْمَان قامع عَبدة الصلبان رَافع علم الْعدْل وَالْإِحْسَان خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين منقذ الْبَيْت الْمُقَدّس من أهل الزيغ والطيغان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين هُوَ أَبُو المظفر يُوسُف بن أَيُّوب بن شادي تغمده الله برحمته وَأَسْكَنَهُ فسيح جنته وجزاه عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خيرا وَذَلِكَ فِي أَيَّام الإِمَام الْأَعْظَم والخليفة الاكرم أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْن عَم سيد الْمُرْسلين وأرث الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الإِمَام النَّاصِر لدين الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الإِمَام المستضيء بِاللَّه بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام المستنجد بِاللَّه أبي المظفر يُوسُف بن الإِمَام المقتفي لأمر الله أبي عبد الله أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن الإِمَام المستظهر بِاللَّه أَحْمد بن الإِمَام الْمُقْتَدِي بِاللَّه أبي الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الذَّخِيرَة بن الإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله أبي جَعْفَر عربد الله بن الإِمَام الْقَادِر عبد الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْأَمِير إِسْحَاق بن الإِمَام المقتدر بِاللَّه أبي الْفضل جَعْفَر بن الإِمَام المعتضد بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْمُوفق بِاللَّه أبي أَحْمد طَلْحَة بن الإِمَام المتَوَكل عل أبي الْفضل جَعْفَر بن الإِمَام المعتصم بِاللَّه أبي إِسْحَاق مُحَمَّد بن الإِمَام الرشيد أبي جَعْفَر هَارُون بن الإِمَام الْمهْدي أبي عبد الله مُحَمَّد بن الإِمَام الْمَنْصُور أبي جَعْفَر عبد الله باني مَدِينَة السَّلَام بَغْدَاد ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ وَعَن أسلافه الطاهرين وَقد حُكيَ إِن السُّلْطَان لما كثرت فتوحاته فِي السواحل واوجع فيهم بسهامه وسطوته وَكَانَ لَا يتجاسر عل فتح بَيت الْمُقَدّس لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الْأَبْطَال وَالْعدة لكَونه كرْسِي دين النَّصْرَانِيَّة وَكَانَ فِي بَيت الْمُقَدّس شَاب مأسور من أهل دمشق كتب هَذِه الأبيات وَأرْسل بهَا إِلَى الْملك صَلَاح الدّين عل لِسَان الْقُدس فَقَالَ يَا أَيهَا الْملك الَّذِي لمعالم الصلبان نكس جَاءَت إِلَيْك ظلامة تسع من الْبَيْت الْمُقَدّس

كل الْمَسَاجِد طهرت وَأَنا على شرفي منجس فَكَانَت هَذِه الأبيات هِيَ الداعية لَهُ إِلَى فتح بَيت الْمُقَدّس وَيُقَال إِن السُّلْطَان وجد فِي ذَلِك الشَّاب أَهلِي فولاه خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَكَانَ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر رَحمَه الله لما عزم عل الْفَتْح كتب يَسْتَدْعِي للْجِهَاد من جَمِيع الْبِلَاد وبرز من دمشق يَوْم السبت مستهل شهر الله الْمحرم الْحَرَام سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة قبل اجْتِمَاع العساكر عَلَيْهِ وَحُضُور من استنفره للْجِهَاد إِلَيْهِ وسافر بِمن مَعَه من عسكره وخيم على قصر سَلامَة من بصر عل سمت الكرك خوفًا على الْحَاج من صَاحب الكرك الْبُرْنُس أرباط فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيد الْعَدَاوَة للْمُسلمين مقداماً عل الشَّرّ وإثارة الحروب وَكَانَ قد عزم عل أٍ ر الْحجَّاج فَلَمَّا أحس بنزول السُّلْطَان قَرِيبا مِنْهُ عَاد وَأقَام بحصنه خشيَة على نَفسه فوصل الْحَاج فِي أول صفر إِلَى وطنهم بِدِمَشْق اطمأنت فكرة السُّلْطَان عَلَيْهِم وانتظر السُّلْطَان وُصُول الْعَسْكَر الْمصْرِيّ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَأمر وَلَده الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عليا أَن يُقيم بِرَأْس المَاء وَيجمع العساكر الْوَاصِلَة إِلَيْهِ وَتوجه السُّلْطَان وَمن مَعَه إِلَى الكرك وضياعه فَأحرق فِيهَا وَنهب وَأسر وَسَار إِلَى الشوبك فَفعل كَذَلِك وَوصل إِلَيْهِ عَسْكَر مصر وَاسْتمرّ عل هَذَا الْحَال شَهْرَيْن وَالْملك الْأَفْضَل مُقيم بِرَأْس المَاء فِي جمع عَظِيم ينْتَظر مَا يَأْمُرهُ بِهِ وَالِده ثمَّ قوى عزمه على طبرية فَسَار بِمن مَعَه وَوصل إِلَى صفورية فَخرج إِلَيْهِم الإفرنج فِي جمع كَبِير والتقى الْفَرِيقَانِ فنصر الله الْمُسلمين وظفرهم بالمشركين فَقتلُوا مِنْهُم واسروا وعد ذَلِك من حسن تَدْبِير الْملك الْأَفْضَل فوردت البشائر عل السُّلْطَان بالكرك ثمَّ سَار السُّلْطَان وَاجْتمعَ بِهِ وَلَده وَقد كثر عَسْكَر الْإِسْلَام وَاجْتمعَ وَاشْتَدَّ عزمهم على الْجِهَاد وقوى وَسمع الإفرنج بِمَا هم فِيهِ من الْكَثْرَة وتحققوا انهم

مأخوذون وَكَانَ بَينهم خلف وتنافر فشرعوا حِينَئِذٍ فِي الصُّلْح وتوافقوا عل اجْتِمَاع الْكَلِمَة ثمَّ إِن السُّلْطَان سَار بالعسكر إل ديار الإفرنج بعد أَن رتب الْعَسْكَر واستعرضه ورحل عل هَيْئَة عَظِيمَة يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر ربيع الآخر وخيم على جيبين ثمَّ أصبح سائراً وَنزل عل الْأُرْدُن وَهُوَ نهر الشَّرِيعَة والإفرنج قد تأهبوا للحرب بصفورية ورتبوا جيوشهم وَرفعُوا صلبانهم وَكَانُوا نَحْو خمسين ألفا وَأكْثر وَالسُّلْطَان فِي كل صباح يسير إِلَيْهِم ويراميهم (فتح طبرية) ثمَّ قوى عزمه على طبري فَسَار إِلَيْهَا وَنزل عَلَيْهَا وأحضر الحجارين والنقابين وَأمرهمْ بالهدم والنقب وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس فَنقبُوا فِي برج فهدموه وتسلقوا فِيهِ وتسلموه وَدخل اللَّيْل فَلَمَّا بلغ الإفرنج ذَلِك اعتدوا وشدوا عزمهم وَعَلمُوا أَن طبرية مَتى أخذت تُؤْخَذ مِنْهُم جَمِيع الْبِلَاد فَاجْتمع الإفرنج مَعَ مُلُوكهمْ وَسَارُوا بفارسهم وراجلهم نَحْو السُّلْطَان ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة فَمَا كذب الْخَبَر واستخار لله تَعَالَى وَسَار بعسكره وَجَاء يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر ربيع الآخر والإفرنج سائرون إِلَى طبرية فرتب السُّلْطَان الاطلاب فِي مُقَاتلَتهمْ فحال اللَّيْل بَين الْفَرِيقَيْنِ (وقْعَة حطين - وَهِي الْوَقْعَة الْعُظْمَى) فَلَمَّا أَسْفر الصُّبْح ثار الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ وَصَاح الْمُسلمين صبحة رجل وَاحِد فَألْقى الله الرعب فِي قُلُوب الْكَافرين وَوَقع الْبَطْش فِي الإفرنج وَمكن الله الْمُسلمين مِنْهُم فأووا إِلَى جبل حطين - وَهِي قَرْيَة عِنْدهَا قبر النَّبِي شُعَيْب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَانْهَزَمَ القمس حِين أحس بالكسرة وَذَلِكَ قبل اضْطِرَاب الْجمع فدهمهم الْمُسلمُونَ

ومالوا عَلَيْهِم من كل جَانب فتثبتوا فأحاط بهم عَسْكَر الْإِسْلَام واوقدوا حَولهمْ النيرَان فَإِنَّهُ كَانَ تَحت أَقْدَام خيولهم حشيش فَأمر السُّلْطَان بإلقاء النَّار فِيهِ فَاجْتمع عَلَيْهِم حر الشَّمْس وحر النَّار وَاشْتَدَّ بهم الْعَطش وضاق بهم الْأَمر وَوَقع السَّيْف فيهم وَاشْتَدَّ الْقِتَال فنصر الله الْمُسلمين وأطلقوا عَلَيْهِم السِّهَام وحكموا فيهم السيوف وأبادوا الإفرنج قتلا وأسراً وأسروا ملكهم وَمن مَعَه وَسميت هَذِه الْوَقْعَة وقْعَة حطين وَهِي من الوقعات الْمَشْهُورَة وَقتل من الإفرنج ثَلَاثُونَ ألفا من شجعانهم وفرسانهم رُؤِيَ بعض الفلاحين وَهُوَ يَقُود نيفاً وَثَلَاثِينَ أَسِيرًا قد ربطهم فِي طُنب خيمته وَبَاعَ مِنْهُم وَاحِدًا بنعل لبسه فِي رجله فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أَحْبَبْت أَن يُقَال بَاعَ أَسِيرًا بمداس وَجلسَ السُّلْطَان لعرض أكَابِر الاساري فَأول من قدم إِلَيْهِ مقدم الرِّوَايَة وعدة كَثِيرَة مِنْهُم وَمن الاستبارية وأحضر الْملك كي وأخاه جقرى وأود صَاحب جبيل وهنقري والبرنس أرباط صَاحب الكرك وَهُوَ أول من أسر وَكَانَ السُّلْطَان قد نذر دَمه وَأقسم إِنَّه إِذا ظفر بِهِ يعجل بإتلافه لِأَنَّهُ كَانَ قد عبر بِهِ بالشوبك قوم من الديار المصرية فِي حَال الصُّلْح فغدر بهم وقتلهم فناشدوه الصُّلْح الَّذِي بَينه وَبَين الْمُسلمين فَقَالَ مَا يتَضَمَّن الاستخفاف بِالنَّبِيِّ صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقصد الْمسير إِلَى الْمَدِينَة وَمَكَّة المشرفة - كَمَا تقدم ذكره - وَبلغ ذَلِك السُّلْطَان فَحَملته الحمية الدِّينِيَّة عل أَن نذر دَمه وَلما فتح الله عَلَيْهِ بنصره وَجلسَ فِي دهليز الْخَيْمَة لِأَنَّهَا لم تكن نصبت بعد وَعرضت عَلَيْهِ الاساري فَلَمَّا حضر بَين يَدَيْهِ أجلسه إِلَى جنب الْملك وَالْملك بِجنب السُّلْطَان وقرعه على غدره وقصده الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَذكره بِذَنبِهِ من حلفه وحنثه ونقضه العهود والمواثيق فَقَالَ الترجمان إِنَّه يَقُول قد جرت بذلك عَادَة الْمُلُوك وَكَانَ الْملك كي يَلْهَث من الظمأ فآنسه السُّلْطَان وَسمن رعبه وَأتي بِمَاء

مثلوج فَشرب مِنْهُ ثمَّ نَاوَلَهُ الْبُرْنُس فَأَخذه من يَده فشربه الملعون فَقَالَ السُّلْطَان للْملك إِن هَذَا الملعون لم يشرب المَاء بادني فَيكون أَمَانًا لَهُ ثمَّ نصبت لَهُ الْخيام ففلما جلس فِي خيمته أحضر الْبُرْنُس فَلَمَّا أقبل عَلَيْهِ أوقفهُ بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ هَا أَنا انتصر لمُحَمد مِنْك ثمَّ عرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَلم يقبل فبادره وضربه بِالسَّيْفِ فصرعه ثمَّ أَمر بِرَأْسِهِ فَقطع وجر بِرجلِهِ قُدَّام الْملك فارتاع وانزعج فَعرف السُّلْطَان مِنْهُ ذَلِك فاستدعاه وأمنه وطمنه وَقَالَ لما غدر غدرنا بِهِ لِأَنَّهُ تجَاوز الْحَد وتجرأ على الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه وَكَانَت هَذِه النُّصْرَة للْمُسلمين فِي يَوْم السبت لخمس بَقينَ من ربيع الآخر وَبَات النَّاس فِي تِلْكَ اللَّيْلَة عل أتم ترفع أَصْوَاتهم سرُور بِحَمْد الله تعال وشكره وتهليله وتكبيره حَتَّى طلع الْفجْر وَأما الصَّلِيب الْأَعْظَم عِنْدهم فَإِن الْمُسلمين استولوا عَلَيْهِ يَوْم المصاف وَلم يؤسر الْملك حَتَّى أَخذ صَلِيب الصلبوت وَهُوَ الَّذِي إِذا رفع وَنصب سجد لَهُ كل نَصْرَانِيّ وَركع وهم يَزْعمُونَ إِنَّه من الْخَشَبَة الَّتِي صلب عَلَيْهَا معبودهم وَقد غلفوه بِالذَّهَب وكللوه بالجوهر وَكَانَ أَخذه عِنْدهم أعظم من أسر الْملك وعظمت مصيبتهم بِأَخْذِهِ ثمَّ نزل السُّلْطَان على صحراء طبرية وَندب إِلَى حصنها من تَسْلِيمه بالأمان وَكَانَت السِّت صَاحِبَة طبرية قد حمته ونقلت إِلَيْهِ كل مَا تملكه فَأَمَّنَهَا على أَصْحَابهَا وأموالها وَخرجت بِمن مَعهَا إِلَى طرابلس بلد زَوجهَا القمس وَصَارَت طبرية للْمُسلمين وَعين لولايتها صارم الدّين قيمًا زاصنجي وَكَانَ من الأكابر وَالسُّلْطَان نَازل ظَاهر طبرية فَلَمَّا أصبح يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر من ربيع الآخر طلب السُّلْطَان الاسارى من الرِّوَايَة والاستبارية فأحضر الْعَسْكَر مِنْهُم فِي الْحَال مِائَتَيْنِ وَأمر بِضَرْب أَعْنَاقهم وَكَانَ عِنْده جماع من أهل الْعلم والتصوف فَسَأَلَ كل وَاحِد فِي قتل وَاحِد فَقَتَلُوهُ بِحَضْرَة السُّلْطَان ثمَّ سير ملك الإفرنج وأخاه وهنقرى وَصَاحب جبيل

ومقدم الرِّوَايَة وَجَمِيع أكابرهم المأسورين إِلَى دمشق وسجنهم (فتح عكا) ورحل السُّلْطَان ظهر يَوْم الثُّلَاثَاء بِمن مَعَه من العساكر الإسلامية وَنزل عَشِيَّة بِأَرْض لوبيا فَلَمَّا أصبح سَار وَكَانَ فِي صبيحه الْأَمِير عز الدّين أَبُو فليسة الْقَاسِم ابْن المهنى الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عل ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ حضر تِلْكَ السن صُحْبَة الْحجَّاج وَهُوَ ذُو شيبَة نيرة وَحضر مَعَ السُّلْطَان هَذَا الْفَتْح جَمِيعه فَأقبل السُّلْطَان عل عكا وخيم قَرِيبا مِنْهَا وَأصْبح يَوْم الْخَمِيس ركب لحربها فَخرج أهل الْبَلَد يطْلبُونَ الْأمان فَأَمنَهُمْ وَخَيرهمْ بَين الْمقَام والانتقال وأمهلهم أَيَّامًا حَتَّى ينْتَقل من يخْتَار النقلَة فأسرع الإفرنج فِي الْخُرُوج مِنْهَا وَدخل الْجند واستولوا عل الدّور ونزلوا بهَا وغنموا مِنْهَا شَيْئا كثيرا وَكَانَ السُّلْطَان جعل للفقيه ضِيَاء الدّين عِيسَى الهكاري كل مَا يتَعَلَّق بالزاوية من منَازِل وضياع فَأَخذهَا بِمَا فِيهَا ووهب عكا لوَلَده الْملك الْأَفْضَل ودخلها الْمُسلمُونَ مستهل جُمَادَى الأول وَصليت الْجُمُعَة بهَا وَجعلت الْكَنِيسَة الْعظم مَسْجِدا جَامعا ورتب فِيهِ الْقبْلَة والمنبر وخطب جمال الدّين عبد اللَّطِيف بن الشَّيْخ أبي نجيب السهروردى وَتَوَلَّى بهَا الْقَضَاء والخطابة وَأقَام السُّلْطَان فِي خيمة بِبَاب عكا عل التل وَكتب لِأَخِيهِ الْملك الْعَادِل سيف الدّين أبي بكر وَهُوَ بِمصْر يُعلمهُ بِالْفَتْح فوصلت البشائر للسُّلْطَان بوصوله وَإنَّهُ فتح فِي طَرِيق حصن مجدل يابا ومدينة يافا عنْوَة وغنم مَا فِيهَا فَتوجه إِلَيْهِ القصاد من أَخِيه السُّلْطَان الْملك وأنعم عَلَيْهِم مِمَّا غنمه وسباه بِشَيْء كثير وَاسْتمرّ السُّلْطَان مُقيما بمخيمه وَفرق الْأُمَرَاء لفتح الْبِلَاد الْمُجَاورَة وأمدهم بالعساكر

(فتح الناصرة وصفورية)

(فتح الناصرة وصفورية) فَسَار مظفر الدّين كو كبوري صَاحب أَرْبَد الملقب بِالْملكِ الْمُعظم إِلَى الناصرة وَمَعَهُ حسام الدّين ابْن طومان وَفتحهَا وَأخذ مَا فِيهَا وسبى نساءها وَأسر رجالها وَأما صفورية فهرب أَهلهَا فَلم يَجدوا بهَا أحدا وَكَانَ بهَا من الْأَمْوَال والذخائر مَا لَا يُحْصى (فتح قيسارية) وَتوجه بدر الدّين دلدرم وغرس الدّين فلج وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى قيسارية ففتحوها بِالسَّيْفِ واستولوا عل مَا فِيهَا ثمَّ تسلموا أرسوف (فتح نابلس) وَسَار حسام الدّين مُحَمَّد بن عمر بن لاجين عل سمت نابلس وَوصل إِلَى سبسطية فتسلمها وَوجد مشْهد زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام قد اتَّخذهُ القسوس كَنِيسَة فَأَعَادَهُ مشهداً كَمَا كَانَ ثمَّ قصد نابلس ونازلها وحاصرها وَلم يزل مُقيما عَلَيْهَا حَتَّى استأمنوه ووثقوا بأمانة ثمَّ سلموها وخلصت لَهُ نابلس وأعمالها وَكَانَ مُعظم أَهلهَا وَجَمِيع سكان نَوَاحِيهَا مُسلمين وَكَانُوا فِي شدَّة عَظِيمَة من الإفرنج (فتح الفولة وَغَيرهَا) وَكَانَت الفولة من أحسن الْحُصُون وفيهَا من الْعدَد وَالْأَمْوَال شَيْء كثير وَكَانَت مجمعهم فَلَمَّا كَانَ يَوْم المصاف خَرجُوا بأجمعهم وَحصل لَهُم مَا حصل من الْقَتْل والحصر والأسر وَلم يبْق فِيهَا إِلَّا الأراذل فَسَلمُوا الْحصن بِمَا فِيهِ إِلَى السُّلْطَان وتسلموا جَمِيع مَا بِتِلْكَ النَّاحِيَة مثل دبورية وجيبيين ودرعين والطوالية واللجون وبيسان والقيمون وَجَمِيع مَا لطبرية وعكا من الولايات والزيب ومعليا والبعثة وإسكندرية

(فتح تبين)

(فتح تبين) ثمَّ أَمر السُّلْطَان ابْن أَخِيه الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بِقصد حصن تبنين فقصده وَأخذ فِي مضايقته وَطَالَ حصاره فأرسلوا إِلَى السُّلْطَان وسألوه الْأمان واستمهلوا خَمْسَة أَيَّام فأمهلوا بعد أَن بذلوا رهائن وأطلقوا مَا عِنْدهم من الأسرى فسر السُّلْطَان بذلك وَأحسن إِلَى المأسورين وَكَانَ هَذَا دأبة فِي كل بلد يَفْتَحهُ فخلص فِي تِلْكَ السّنة من الأسرى أَكثر من عشْرين ألف أَسِير وأخلوا القلعة ثمَّ سَارُوا إِلَى صور صُحْبَة جمَاعَة من عَسْكَر السُّلْطَان ورتب فِي الْموضع مَمْلُوكه سنقرر الدوري وأوصاه بحفظها وَكَانَ النُّزُول على تبنين يَوْم الْأَحَد حادي عشر جمادي الأولى وتسلمها يَوْم ألحد الثَّامِن عشر مِنْهُ (فتح صيدا) نزل السُّلْطَان عَلَيْهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من جمادي الأولى وَهِي مَدِينَة لَطِيفَة على السَّاحِل بهَا أَنهَار وبساتين وأشجار فَجَاءَت رسل صَاحبهَا بمفاتيحها وَقد أخلاها وتسلمها السُّلْطَان ونصبت عَلَيْهَا رايات الْإِسْلَام أُقِيمَت بهَا الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة (فتح بيروت) ثمَّ سَار السُّلْطَان إِلَى بيروت وَكَانَ النُّزُول عَلَيْهَا يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جمادي الأول وَوَقع الْقِتَال وَاشْتَدَّ ثمَّ نقب السُّور حَتَّى كَاد يَقع البرج وضاق الْأَمر بهم فطلبوا الْأمان وَأَن يكْتب لَهُم السُّلْطَان مِثَالا بذلك فَكتب لَهُم وأمنهم وتسلم السُّلْطَان بيروت يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع وَالْعِشْرين من جمادي الأولى

(فتح جبيل)

(فتح جبيل) وَلما كَانَ السُّلْطَان على بيروت وصل إِلَيْهِ كتاب الصفي بن الْقَابِض من دمشق يتَضَمَّن أَن صَاحب جبيل أذعن بتسليمها وَيُطلق فرسم السُّلْطَان بإحضاره وَهُوَ مُقَيّد فأحضر بَين يَدَيْهِ وسمح بِتَسْلِيم بَلَده وتسلمها السُّلْطَان وَأطْلقهُ وَلم تكن عَاقِبَة إِطْلَاقه حميدة فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن أعظم الإفرنج وأشدهم عَدَاوَة للْمُسلمين وَكَانَ مُعظم أهل صيدا وبيوت وجبيل مُسلمين وَكَانُوا فِي ذل كَبِير من مساكنه الإفرنج فَفرج اله عَنْهُم وَكَانَ تَسْلِيم جبيل يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر من جمادي الأولى وَالسُّلْطَان يَوْمئِذٍ عل بيروت وَكَانَ كل من استأمن من الْكفَّار مضى إِلَى صور وَصَارَت منزلهم وَهِي الَّتِي فر القمس إِلَيْهَا يَوْم كسرتهم على حطين (هَلَاك القمس وَدخُول المر كيس إِلَى صور) لما عرف القمس السُّلْطَان مِنْهَا أخلاها وَتوجه إِلَى طرابلس فَهَلَك بهَا وَكَانَ المركيس من أكبر طواغيت الْكفْر وَلم يكن وصل إِلَى بِلَاد السَّاحِل قبل هَذَا الْعَام وَاتفقَ وُصُوله إِلَى ميناء عكا وَلم يعلم بِفَتْحِهَا وَلَا مَا فِيهَا من الْمُسلمين فَلَمَّا قدم عَلَيْهَا تعجب من أَهلهَا لكَوْنهم لم يتلقوه وَرَأى من فِيهَا غير هَيْئَة النَّصَارَى فارتاب لذَلِك وَسَأَلَ عَن الْحَال فأخبروه بِمَا وَقع ففكر فِي النجَاة وَقصد الْفِرَار فَلم تهب لَهُ ريح وَسَأَلَ عَن الْبَلَد وَمن إِلَيْهِ أمره فَقيل لَهُ الْملك الْأَفْضَل فَقَالَ خُذُوا لي مِنْهُ أَمَانًا حَتَّى أَدخل فجيء إِلَيْهِ بالأمان فَقَالَ مَا أَثِق غلا بِخَط يَده فَمَا زَالَ يردد الرُّسُل وَيُدبر الْحِيَل حَتَّى وافقته الرّيح فأقلع وَتوجه إِلَى صور وضبطها بِمن فِيهَا وَأرْسل رسله إل الجزائر يَسْتَعْدِي ويستنفر وَثَبت فِي صور وَبَقِي كلما فتح السُّلْطَان بَلَدا بالأمان يسير أَهلهَا فِي حفظ السُّلْطَان إِلَى صور فَاجْتمع إِلَيْهِ أهل

الْبَلَد الْمَفْتُوحَة بأجمعهم وَشرع المركيس يحْفر الخَنْدَق ويحكمه وَسَنذكر مَا كَانَ من أمره إِن شَاءَ الله تَعَالَى (فتح عسقلان وغزة والرملة والداروم وَغَيرهَا) وَكَانَ النُّزُول عل عسقلان يَوْم الْأَحَد سادس عشر جمادي الْآخِرَة وَلما فرغ السُّلْطَان من فتح بيروت وجبيل عَاد عابراً عل صيدا وصرفند وَجَاء إِلَى صور وَلم يكثرث بأمرها وَكَانَ قد استحضر ملك الإفرنج ومقدم الراوية وَشرط مَعَهُمَا واستوثق مِنْهُمَا إِنَّه يطلقهما من الْأسر إِذا تمكن من بَقِيَّة الْبِلَاد فانزعج المركيس صور وَاشْتَدَّ خَوفه وَاجْتمعَ السُّلْطَان بأَخيه الْملك الْعَادِل واتفقا عل السّير وَنزل عل عسقلان وحاصرها ورماها بالمناجيق وَاشْتَدَّ الْقِتَال وراسلهم عِنْد ذَلِك الْملك المأسور وَأَشَارَ عَلَيْهِم بِعَدَمِ مُخَالفَته وترددت الرُّسُل ثمَّ اذعنوا بِأَنَّهُم يسلمُونَ عسقلان عل أَن يخرجُوا بِأَمْوَالِهِمْ بعد أَخذهم الْمِيثَاق وَالْيَمِين وَذَلِكَ فِي السبت سلخ جمادي الْآخِرَة فَكَانَ حصارها أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَكَانَ بَين فتح عسقلان وَأخذ الإفرنج لَهَا من الْمُسلمين خمس وَثَلَاثُونَ سنة فَإِنَّهُم كَانُوا أخذوها من الْمُسلمين فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَمِمَّنْ اسْتشْهد عل عسقلان من الْأُمَرَاء الْكِبَار إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن المهراني وَهُوَ أول أَمِير اسْتشْهد وَكَانَ السُّلْطَان قد أَخذ فِي طَرِيقه إِلَيْهَا الرملة ويبنا وَبَيت لحم والخليل وَأقَام بهَا حَتَّى تسلم حصون الداروم وغزة والنطرون وَبَيت جِبْرِيل وَاجْتمعَ بالسلطان وَلَده صَاحب مصر الْملك الْعَزِيز عُثْمَان بعسقلان فقرت عينه بقدومه واعتضد بِهِ وَكَانَ قد استدعى الأساطيل فَحَضَرت والحاجب لُؤْلُؤ مقدمها وَشرع يقطع الطَّرِيق عل سفن الْعَدو ومراكبه وَيقف لَهُ فِي جزائر الْبَحْر وَسَنذكر ذَلِك فِي مَحَله إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(فتح بيت المقدس)

(فتح بَيت الْمُقَدّس) ثمَّ رَحل السُّلْطَان من عسقلان إِلَى الْقُدس الشريف وَسمع خَبره من فِي الْقُدس فَاشْتَدَّ رعبهم وَكَانَ بهَا من مقدمي الإفرنج باليان بن بارزان والبطرك الْأَعْظَم ومنكلا الطَّائِفَتَيْنِ الاستبارية والراوية وَضَاقَتْ بهم مَنَازِلهمْ فَأخذُوا فِي تَدْبِير أنفسهم وَأَيِسُوا وصاروا فِي هرج ومرج وَاشْتَدَّ بهم الكرب وَأَقْبل السُّلْطَان بعساكر الْإِسْلَام وَهُوَ فِي أبهته وهيئته المرهب وَنزل عل الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر رَجَب وَكَانَ فِي الْقُدس يَوْمئِذٍ سِتُّونَ ألف مقتل من الإفرنج وَقد وقفُوا دون الْبَلَد للمارزة وقاتلوا أَشد الْقِتَال وَاسْتمرّ الحربين الْفَرِيقَيْنِ فانتقل السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة لعشرين من رَجَب إِلَى الْجَانِب الشمالي وخيم هُنَاكَ وضيق على الإفرنج وَنصب المناجيق وَرمى بهَا حَتَّى تهدم غَالب السُّور ثمَّ أَخذ الْمُسلمُونَ فِي نقب السُّور مِمَّا يَلِي وَادي جَهَنَّم وَاشْتَدَّ الْقِتَال وتباشر أهل الْإِسْلَام بِالْفَتْح (وَكَانَ يَوْمًا عسيراً عل الْكَافرين غير يسير) فبرز من الإفرنج ابْن بارزان ليطلب الْأمان من السُّلْطَان فَلم يجبهُ السُّلْطَان إِلَى ذَلِك وَقَالَ لَا خُذْهَا إِلَّا بِالسَّيْفِ مثل مَا أَخذهَا الإفرنج من الْمُسلمين فتعرضوا للتضرع وعاودوه فِي طلب الْأمان وعرفوه مَا هم عَلَيْهِ من الْكَثْرَة وَإِنَّهُم إِن ايسوا من الْأمان قَاتلُوا خلاف ذَلِك وَلَا يحرج أحد مِنْهُم حَتَّى يجرح عشرَة ويخربوا الدّور وقبة الصَّخْرَة ويقتلوا كل من عِنْدهم من أُسَارَى الْمُسلمين - وهم أُلُوف - ويعدموا مَا عِنْدهم من الْأَمْوَال وَكَذَلِكَ الذَّرَارِي فعقد السُّلْطَان محضراً للمشورة وأحضر أكَابِر دولته وَأكْثر عساكره وشاورهم فِي الْأَمر وَدَار الْكَلَام بَينهم وَاجْتمعَ رَأْيهمْ على الصُّلْح بِشَرْط أَن يُؤَدِّي كل من بهَا من الرِّجَال عشرَة دَنَانِير وَمن النِّسَاء خَمْسَة وَيُؤَدِّي عَن الطِّفْل دِينَارَانِ وَأي من عجز عَن الْأَدَاء كَانَ أَسِيرًا

فَأجَاب الإفرنج إِلَى ذَلِك وَدخل ابْن بارزان والبطرك ومقدم الرِّوَايَة والاستبارية فِي الضَّمَان وبذل ابْن بارزان ثَلَاثِينَ ألف دِينَار عَن الْفُقَرَاء وسلموا الْبَلَد يَوْم الْجُمُعَة قبيل الظّهْر وَقت الصَّلَاة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب عل هَذَا الشَّرْط وَلم تتفق يَوْمئِذٍ صَلَاة الْجُمُعَة لضيق الْوَقْت وَكَانَ فِيهِ أَكثر من مائَة ألف إِنْسَان من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان وأغلقت أَبْوَاب الْمَدِينَة ورتب النواب لعرضهم واستخراج المَال مِنْهُم ووكل بِكُل بَاب أَمِين ومقدم كَبِير يضْبط من بدخل وَيخرج فَمن أدّى مَا عَلَيْهِ مكن من الْخُرُوج وَمن لم يؤد قعد فِي الْحَبْس وَحصل التَّفْرِيط من الْعمَّال فِي المَال وشرعوا يواطئون الإفرنج فِي ذَلِك لارتشائهم مِنْهُم فَمنهمْ من دُلي من السُّور بالحبال وَمِنْهُم من ظهر مختفياً وَمِنْهُم من وَقعت فِيهِ شَفَاعَة وَكَانَت فِي الْقُدس ملكة مترهبة وَلها مَال كثير فَمن عَلَيْهَا السُّلْطَان بالإفرنج وَلم يتَعَرَّض مِنْهَا إِلَى شَيْء وَكَانَت زَوْجَة الْملك المأسور ابْنة الْملك أيادي فخلصت بِمن مَعهَا وَمن تبعها وَكَذَلِكَ الابرنسانية ابْنة فليب أم هنقرى أعفيت من الْوَزْن واستطلق صَاحب البيرة زهاء خَمْسمِائَة أرمني ادْع إِنَّهُم من بَلَده وَإِنَّهُم حَضَرُوا للزيارة وَطلب مظفر الدّين كوكبوري ألف أرمني ادّعى إِنَّهُم من الزهاد فَأَطْلَقَهُمْ السُّلْطَان وَكَانَ السُّلْطَان قد رتب عدَّة دواوين فِي كل ديوَان مِنْهَا عدَّة من النواب المصريين وَمِنْهُم من الشاميين فَمن أَخذ من أحد من الدَّوَاوِين خطا بِالْأَدَاءِ انْطلق مَعَ الطُّلَقَاء بعد عرض خطه عل من الْبَاب من الْأُمَنَاء والوكلاء وَحصل من الْأُمَنَاء مواطأة واختلاس كثير فِي المَال وَمَعَ ذَلِك حصل لبيت المَال مَا يُقَارب مائَة ألف دِينَار وَبَقِي من الإفرنج جمَاعَة فِي الْأسر لعدم الْقيام بِمَا عَلَيْهِم

(ذكر يوم الفتح)

(ذكر يَوْم الْفَتْح) وَهُوَ يَوْم سَابِع عشري رَجَب - كَمَا تقدم - وَاتفقَ فتح بَيت الْمُقَدّس فِي يَوْم كَانَ مثل لَيْلَة مِعْرَاج النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَرفعت الْأَعْلَام الإسلامية عل أسواره وَجلسَ السُّلْطَان للقاء الأكابر والأمراء والمتصوفة وَالْعُلَمَاء وَهُوَ جَالس عل هَيْئَة التَّوَاضُع وَعَلِيهِ الابهة وَالْوَقار وَحَوله أهل الْعلم وَالْفُقَهَاء وَعَلَيْهِم السكينَة والجلال وَقد ظهر السرُور عل أهل الْإِسْلَام بنصرتهم عل عدوهم المخذول وزينت بِلَاد الآلام لفتح بَيت الْمُقَدّس وتسامع النَّاس بِهَذَا النَّصْر وَالْفَتْح فوفدوا للزيارة من سَائِر الْبِلَاد واما الإفرنج فشرعوا فِي بيع أمتعتهم واستخراج ذخائرهم وباعوها بالهوان وتقاعد النَّاس فِي الشِّرَاء فابتاعوها بأرخص ثمن وَكَانَ مَا يُسَاوِي عشرَة دَنَانِير يُبَاع بِأَقَلّ من دِينَار وَأخذُوا مَا فِي كنائسهم من أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة والستور وَجمع البطرك كل من كَانَ عل الْقَبْر من صَفَائِح الذَّهَب وَالْفِضَّة وَجَمِيع مَا كَانَ فِي القمامة فَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب للسُّلْطَان هَذِه أَمْوَال جزيلة تبلغ مِائَتي ألف دِينَار والأمان فِي أَمْوَالهم لَا على أَمْوَال الْكَنَائِس والديارات فَلَا نتركها لَهُم فَقَالَ السُّلْطَان إِذا تأولنا عَلَيْهِم نسبونا إِلَى الْغدر فَنحْن نجزيهم عل ظَاهر الْأمان وَلَا ندعهم يَتَكَلَّمُونَ فِي حق الْمُسلمين وينسبوهم إِلَى الْغدر والنكث بل ندعهم يثنون عَنَّا الْجَمِيل أَخذ الإفرنج مَا خف حمله وَتركُوا مَا ثقل وانتقل بَعضهم إِلَى صور وَبَقِي مِنْهُم زهاء خَمْسَة ألفا لم يؤدوا مَا شَرط عَلَيْهِم فَدَخَلُوا فِي الرّقّ وَكَانَ الرِّجَال نَحْو سَبْعَة آلَاف فاقتسمهم الْمُسلمُونَ وأحصيت النِّسَاء وَالصبيان ثَمَانِيَة لاف نسمَة وَمَا أُصِيب الإفرنج من حِين خَرجُوا إِلَى الشَّام فِي سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة إِلَى أَن بمصيبة مثل هَذِه الْوَاقِعَة وَوصل المستنفرون من الْكفَّار إِلَى أقْصَى بِلَاد الإفرنج

ومثلوا صُورَة الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وَصُورَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِيَدِهِ عَصا وَهُوَ يقْصد الْمَسِيح ليضربه والمسيح مُنْهَزِم مِنْهُ وَأَقَامُوا الشناع والغوغا فِي بِلَادهمْ لذَلِك وَاشْتَدَّ مُلُوكهمْ واعتدوا وجهزوا العساكر لقصد بِلَاد الْإِسْلَام ومحاربة الْملك صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَلما اسْتَقر بَيت الْمُقَدّس مَعَ الْمُسلمين وطهره الله من الْمُشْركين سَأَلَ النَّصَارَى فِي الْإِقَامَة بِهِ ببذل الْجِزْيَة وَأَن يدخلُوا فِي الذِّمَّة فأجيبوا إِلَى ذَلِك وَلما تسلم السُّلْطَان الْقُدس أَمر بِإِظْهَار الْمِحْرَاب وَكَانَ الراوية قد بنوا فِي جِهَة جداراً وتركوه هوياً وَقيل اتخذوه مستراحاً وبنوا غربي الْقبْلَة دَارا وسيعة وكنيسة فهدم مَا قُدَّام الْمِحْرَاب من الْأَبْنِيَة وَنصب الْمِنْبَر وَأظْهر الْمِحْرَاب وَنقض مَا أحدثوه بَين السَّوَارِي وفرش الْمَسْجِد بالبسط وعلقت الْقَنَادِيل وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ظهر فِيهِ عز الْإِسْلَام وعلت كلمة الْإِيمَان وَبَطلَت نغمات القسس والرهبان وعلت أصوات أهل التَّوْحِيد بالقرن وخرس الناقوس وَسمع الْأَذَان وعزل الْإِنْجِيل وتول الْقرن وَبَطل مَا كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى من الْكفْر والطغيان وَعبد فِيهِ الْملك الديَّان وَقد تقدم أَن من الاتفاقات العجيبة أَن محيي الدّين زكي قَاضِي دمشق لما فتح السُّلْطَان صَلَاح الدّين حلب فِي صفر سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة مدحه بقصيدة مِنْهَا وفتحكم حَلبًا بِالسَّيْفِ فِي صفر مُبشر بفتوح الْقُدس فِي رَجَب فَكَانَ كَمَا قَالَ وَفتح الْقُدس فِي رَجَب - كَمَا تقدم - فَقيل لمحيي الدّين من أَيْن لَك هَذَا؟ فَقَالَ أَخَذته من تَفْسِير ابْن برجان فِي قَوْله تَعَالَى؟ (ألم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين) وَكَانَ الإِمَام أَبُو الحكم ابْن برجان الأندلسي قد صنف تَفْسِيره الْمَذْكُور فِي سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَبَيت الْمُقَدّس إِذْ ذَاك فِي يَد الإفرنج لعنهم الله تَعَالَى قَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه - فِي تَرْجَمَة ابْن الزكي - وَلما وقفت أَنا على

هَذَا الْبَيْت وَهَذِه الْحِكَايَة لم أزل أطلب تَفْسِير ابْن برجان حَتَّى وجدته عل هَذِه الصُّورَة قَالَ وَلَكِن رَأَيْت هَذَا الْفَصْل مَكْتُوبًا عل الْحَاشِيَة بِخَط غير الأَصْل وَلَا أَدْرِي هَل كَانَ من أصل الْكتاب أم هُوَ مُلْحق وَذكر لَهُ حسابا طَويلا وطريقاً فِي اسْتِخْرَاج ذَلِك حَتَّى حَرَّره من قَوْله (فيبضع سِنِين) انْتهى (ذكر أول خطْبَة بعد الْفَتْح) وَلما فتح السُّلْطَان الْقُدس تطاول إِلَى الخطابة يَوْم الْجُمُعَة كل وَاحِد من الْعلمَاء الَّذين كَانُوا فِي خدمته حاضرين وجهز كل وَاحِد مِنْهُم خطْبَة بليغة طَمَعا فِي أَن يكون هُوَ الَّذِي يعين لذَلِك وَالسُّلْطَان لَا يعين الْخطْبَة لأحد فَلَمَّا دخل يَوْم الْجُمُعَة رَابِع شعْبَان وَاجْتمعَ النَّاس لصَلَاة الْجُمُعَة حَتَّى امْتَلَأَ الْجَامِع ونصبت الْأَعْلَام عل الْمِنْبَر وَتكلم النَّاس فِيمَن يخْطب وَالْأَمر مُبْهَم حَتَّى حَان الزَّوَال وَأذن الْمُؤَذّن للْجُمُعَة فرسم السُّلْطَان وَهُوَ بقبة الصَّخْرَة للْقَاضِي محيي الدّين مُحَمَّد بن زكي الدّين عَليّ الْقرشِي أَن يخْطب وَهِي أول جُمُعَة صليت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف بعد الْفَتْح وأعاره الْعِمَاد الْكَاتِب اهبة سَوْدَاء كَانَت عِنْده من تشريف الْخلَافَة لبسهَا فِي الْحَال فَلَمَّا رقى عل الْمِنْبَر استفتح بِسُورَة الْفَاتِحَة فقرأها إِلَى آخرهَا ثمَّ قَالَ (فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين) ثمَّ قَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام (الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ هُوَ الَّذِي خَلقكُم من طين ثمَّ قضى أَََجَلًا وَأجل مسم عِنْده ثمَّ أَنْتُم تمترون وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض يعلم سركم وجهركم وَيعلم مَا تكسبون) ثمَّ قَرَأَ من سُورَة سُبْحَانَ الَّذِي أسرى (وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا)

ثمَّ قَرَأَ من سُورَة الْكَهْف - أَولهَا - (الْحَمد الله الَّذِي أنزل عل عَبده الْكتاب وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا قيمًا لينذر بَأْسا شَدِيدا من لَدنه ويبشر الْمُؤمنِينَ الَّذين يعْملُونَ الصَّالِحَات إِن لَهُم أجرا حسنا مَا كثين فِيهِ أبدا وينذر الَّذين قَالُوا اتخذ الله ولدا مَا لَهُم بِهِ من علم وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبرت كلمة تخرج من أَفْوَاههم إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا فلعلك باخع نَفسك على آثَارهم إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الحَدِيث أسفا) ثمَّ قَرَأَ من سُورَة النَّمْل (وَقل الْحَمد لله وَسَلام عل عبَادَة الَّذين اصْطفى الله خير مِمَّا يشركُونَ) ثمَّ قَرَأَ من سور ة سبأ (الْحَمد لله الذيله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَله الْحَمد فِي الْآخِرَة وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير) ثمَّ قَرَأَ من سُورَة فاطر (الْحَمد لله فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا أولي أجنح مثنى وَثَلَاث وَربَاع يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء إِن الله على كل شَيْء قدير مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم) ثمَّ شرع فِي الْخطْبَة فَقَالَ الْحَمد لله معز الْإِسْلَام بنصره ومذل الشّرك بقهره ومصرف الْأُمُور بأَمْره ومديم النعم بشكره ومستدرج الْكفَّار بمكره الَّذِي قدر الْأَيَّام دولا بعدله وَجعل الْعَاقِبَة لِلْمُتقين بفضله وأفاء عل عبَادَة من ظله وَأظْهر دينه عل الدّين كُله القاهر فَوق عباده فَلَا يمانع وَالظَّاهِر عل خَلِيفَته فَلَا يُنَازع والآمر بِمَا يَشَاء فَلَا يُرَاجع وَالْحَاكِم بِمَا يُرِيد فِيمَا يدافع أَحْمَده عل إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه وَنَصره لأنصاره وتطهير بَيته الْمُقَدّس من أدناس الشّرك وأوضاوه حمد من استشعر الْحَمد بَاطِن سره وَظَاهر جهاره واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْأَحَد الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد شَهَادَة من طهر بِالتَّوْحِيدِ قلبه وَأَرْض بِهِ ربه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رَافع الشَّك وداحض الشّرك ورافض الافك الَّذِي أسرى بِهِ لَيْلًا

من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الْأَقْصَى وعرج بِهِ مِنْهُ إِلَى السَّمَاوَات العلى (إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى عِنْدهَا جنَّة المأوى إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى) صل الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى خَلِيفَته أبي بكر الصّديق السَّابِق إِلَى الْإِيمَان وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب أول من رفع عَن هَذَا الْبَيْت شَعَائِر الصلبان وعل أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان ذِي النورين جَامع الْقُرْآن وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب مزلزل الشّرك ومكسر الْأَوْثَان وعل لَهُ وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان أَيهَا النَّاس أَبْشِرُوا برضوان اله الَّذِي هُوَ الْغَايَة القصوى والدرجة الْعليا لما يسره الله عل أَيْدِيكُم من اسْتِرْدَاد هَذِه الضَّالة من الأنة الضَّالة وردهَا إِلَى مقرها من الْإِسْلَام بعد ابتذالها فِي أَيدي الْمُشْركين قَرِيبا من مائَة عَام وتطهير هَذَا الْبَيْت الَّذِي أذن الله أَن يرفع وَيذكر فِيهِ اسْمه وإماطة الشّرك عَن طرقه بعد أَن امْتَدَّ عَلَيْهَا رواقه وَاسْتقر فِيهَا رسمه وَرفع قَوَاعِده بِالتَّوْحِيدِ فَإِنَّهُ بني عَلَيْهِ وَسيد بُنْيَانه بالتمجيد فَإِنَّهُ أسس على التَّقْوَى من خَلفه وَمن بَين يَدَيْهِ فَهُوَ موطن أبيكم إِبْرَاهِيم ومعراج نَبِيكُم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وقبلتكم الَّتِي كُنْتُم تصلونَ إِلَيْهَا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام وَهُوَ مقرّ الْأَنْبِيَاء ومقصد الْأَوْلِيَاء ومدفن الرُّسُل ومهبط الْوَحْي ومنزل بِهِ الْأَمر وَالنَّهْي وَهُوَ أَرض الْمَحْشَر وصعيد المنشر وَهُوَ فِي الأَرْض المقدسة الَّتِي ذكرهَا الله فِي كِتَابه الْمُبين وَهُوَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي صل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَلَائِكَةِ المقربين وَهُوَ الْبَلَد الَّذِي بعث اله إِلَيْهِ عَبده وَرَسُوله وكلمته الَّتِي أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروحه عِيسَى الَّذِي أكْرمه برسالته وشرفه بنبوته وَلم يزحزحه عَن رُتْبَة عبوديته فَقَالَ تَعَالَى (لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكون عبدا لله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون كذب الْعَادِلُونَ بِاللَّه وَضَلُّوا ضلالا بَعيدا مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فتعالى

عَمَّا يشركُونَ لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم قل فَمن يملك من الله شَيْئا إِن أَرَادَ أَن يهْلك الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَأمه وَمن الأَرْض جَمِيعًا وَللَّه ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا يخلق مَا يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم بذنوبكم بل أَنْتُم بشر مِمَّن خلق يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء وَللَّه ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَإِلَيْهِ الْمصير يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة من الرُّسُل أَن تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير وَلَا نَذِير فقد جَاءَكُم بشير ونذير وَالله عل كل شَيْء قدير) وَهُوَ أول الْقبْلَتَيْنِ وَثَانِي المسجدين وثالث الْحَرَمَيْنِ لَا تشد الرّحال بعد المسجدين إِلَّا إِلَيْهِ وَلَا تعقد الخناصر بعد الموطنين إِلَّا عَلَيْهِ فلولا إِنَّكُم مِمَّن اخْتَارَهُ الله من عباده واصطفاكم من سكان بِلَاده لما خصكم الله بِهَذِهِ الْفَضِيلَة الَّتِي لَا يجاريكم فِيهَا مجار وَلَا يباريكم فِي شرفها مبار فطوبى لكم من جَيش ظَهرت عل أَيْدِيكُم المعجزات النَّبَوِيَّة والوقعات البدرية والعزمات الصديقية والفتوحات العمرية والجيوش العثمانية والفتكات العلوية جددتم لِلْإِسْلَامِ أَيَّام الْقَادِسِيَّة والملاحم اليرموكية والمنازلات الْخَيْبَرِية والهجمات الخالدية فجزا كم الله عَن نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْجَزَاء وشكر لكم مَا بذلتموه من مهجكم فِي مقارعة الْأَعْدَاء وَتقبل مِنْكُم مَا تقربتم بِهِ إِلَيْهِ من إهراق الدِّمَاء وأثابكم الْجنَّة فَهِيَ دَار السُّعَدَاء فاقدروا رحمكم الله هَذِه النِّعْمَة حق قدرهَا وَقومُوا لله قَانِتِينَ بِوَاجِب شكرها فَلهُ تَعَالَى الْمِنَّة عَلَيْكُم بتخصيصكم بِهَذِهِ النِّعْمَة وترشيحكم لهَذِهِ الْخدمَة فَهَذَا هُوَ الْفَتْح الَّذِي فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء وتبلجت بأنوارها وجوده الظلماء وابتهج بِهِ الْمَلَائِكَة المقربون وقر بِهِ عينا الْأَنْبِيَاء والمرسلون فَمَاذَا عَلَيْكُم من النِّعْمَة أَن جعلكُمْ الْجَيْش الَّذِي يفتح عل يَدَيْهِ الْبَيْت الْمُقَدّس فِي آخر الزَّمَان والجند الَّذِي تقوم بسيوفهم بعد فَتْرَة من النُّبُوَّة أَعْلَام الْإِيمَان فيوشك

أَن يفتح الله عل أَيْدِيكُم أَمْثَاله وَأَن يكون التهاني لأهل الخضراء أَكثر من التهاني لأهل الغبراء أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي ذكره الله فِي كِتَابه وَنَصّ عَلَيْهِ فِي مُحكم خطابه فَقَالَ تعال (سُبْحَانَ الَّذِي أسر بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي باركنا حوله لنريه من آيَاتنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير) ؟ أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي عَظمته الْملَل وأثنت عَلَيْهِ الرُّسُل وتليت فِيهِ الْكتب الْأَرْبَعَة الْمنزلَة من الله عز وَجل؟ أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي امسك الله تَعَالَى لأَجله الشَّمْس على يُوشَع أَن تغرب وباعد بَين خطواتها ليتيسر فَتحه وَيقرب؟ أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي أَمر الله عز وَجل مُوسَى أَن يَأْمر قومه باستنقاذه فَلم يجبهُ إِلَّا رجلَانِ وَغَضب الله عَلَيْهِم لأَجله فألقاهم فِي التيه عُقُوبَة للعصيان؟ فاحمدوا الله الَّذِي أمض عزائمكم لما نكلت عَنهُ بَنو إِسْرَائِيل وَقد فضلت على الْعَالمين ووفقكم لما خذلت فِيهِ أُمَم كَانَت قبلكُمْ من الْأُمَم الماضين وَجمع لأَجله كلمتكم وَكَانَت شَتَّى وأغناكم بِمَا امضته كَانَ وَقد عَن سَوف وَحَتَّى فليهنكم إِن الله قد ذكركُمْ بِهِ فِيمَن عِنْده وجعلكم بعد أَن كُنْتُم جُنُودا لَا هويتكم جنده وشكر لكم الْمَلَائِكَة المنزلون عل مَا اهديتم لهَذَا الْبَيْت من طيب التَّوْحِيد وَنشر التَّقْدِيس والتمجيد وَمَا أمطتم عَن طرقهم فِيهِ من أَذَى الشّرك والثليث والاعتقاد الْفَاجِر الْخَبيث فَالْآن تستغفر لكم أَمْلَاك السَّمَاوَات وَتصلي عَلَيْكُم الصَّلَوَات المباركات فاحفظوا رحمكم الله هَذِه الموهبة فِيكُم واحرسوا هَذِه النِّعْمَة عنْدكُمْ بتقوى الله الَّتِي من تمسك بهَا وَسلم وَمن اعْتصمَ بعروتها نجا وعصم وأحذروا من أَتبَاع الْهوى ومواقعة الردى وَرُجُوع الْقَهْقَرِي والنكول عَن العدى وَأخذُوا فِي انتهاز الفرصة وَإِزَالَة مَا بَقِي من الغصة وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده وبيعوا عباد الله أَنفسكُم فِي رِضَاهُ إِذْ جعلكُمْ من خِيَار عباده وَإِيَّاكُم أَن يستزلكم الشَّيْطَان وَأَن يتداخلكم الطغيان فيخبل لكم إِن هَذَا النَّصْر بسيوفكم الْحداد وخيولكم الْجِيَاد وبجلادكم فِي مَوَاطِن الجلاد لَا وَالله مَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله الْعَزِيز الْحَكِيم فاحذروا

عباد الله بعد أَن شرفكم الله بِهَذَا الْفَتْح الْجَلِيل والمنح الجزيل وخصكم بنصره الْمُبين واعلق أَيْدِيكُم بحبله المتين إِن تقترفوا كَبِيرا من مناهيه وَإِن تَأْتُوا عَظِيما من مَعَاصيه (فتكونوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة انكاثاً وكالذي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا فَأتبعهُ الشَّيْطَان فَكَانَ من الغاوين) وَالْجهَاد الْجِهَاد فَهُوَ من أفضل عباداتكم وأشرف عاداتكم انصروا الله ينصركم احْفَظُوا الله يحفظكم أذكروا الله يذكر كم اشكروا الله يزدكم ويشكركم خُذُوا فِي حسم الدَّاء وَقطع شأفة الْأَعْدَاء وطهروا بَقِي الأَرْض من هَذِه الأنجاس الَّتِي أغضبت الله وَرَسُوله وأقطعوا فروع الْكفْر واجتثوا أُصُوله فقد نادت الْأَيَّام بالثارات الإسلامية وَالْملَّة المحمدية الله أكبر فتح الله وَنصر غلب الله وقهر أذلّ الله من كفر وأعلموا رحمكم الله إِن هَذِه فرْصَة فانتهزوها فريسة فناجزوها وغنيمة فحوزوها ومهمة فأخرجوا لَهَا هممكم وأبرزوها وسيروا إِلَيْهَا سَرَايَا عزماتكم وجهزوها فالأمور بأواخرها والمكاسب بذخائرها فقد أَظْفَرَكُم الله بِهَذَا الْعَدو المخذول وَهُوَ مثلكُمْ أَو يزِيدُونَ فَكيف وَقد أضحى قبالة الْوَاحِد مِنْهُم مِنْكُم عشرُون فقد قَالَ تعال (إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ وَإِن يكن مِنْكُم مائَة يغلبوا ألفا من الَّذين كفرُوا بِأَنَّهُم قوم لَا يفقهُونَ الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا فَإِن يكن مِنْكُم مائَة صابرة يغلبوا مِائَتَيْنِ وَإِن يكن مِنْكُم ألف يغلبوا أَلفَيْنِ بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين) أعاننا الله وَإِيَّاكُم عل اتِّبَاع أوامره والازدجار بزواجره وأيدنا معاشر الْمُسلمين بنصر من عِنْده (إِن ينصركم الله فَلَا غَالب لكم وَإِن يخذلكم فَمن ذَا الَّذِي ينصركم من بعده) إِن أشرف مقَال يُقَال فِي مقَام وأنفذ سِهَام تمزق عَن قس الْكَلَام وامض قَول تحل بِهِ الإفهام كَلَام الْوَاحِد الْفَرد الْعَزِيز العلام قَالَ الله تعال (وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا لَعَلَّكُمْ ترحمون) أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر

مَا ظننتم أَن تخْرجُوا وظنوا إِنَّهُم مَا نعتهم حصوتهم من الله فَأَتَاهُم الله من حَيْثُ لم يحتسبوا وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار) ثمَّ قَالَ آمركُم وإياي عباد الله بِمَا أَمر الله بِهِ من حسن الطَّاعَة فأطيعوه وأنهاكم وإياي عَمَّا نه الله عَنهُ من قبح الْمعْصِيَة فَلَا تعصوه أَقُول قولي هَذَا واستغفر الله الْعَظِيم لي وَلكم ولسائر الْمُسلمين فاستغفروه ثمَّ خطب الْخطْبَة الثَّانِيَة عل عَادَة الخطباء مقتصرة ثمَّ دَعَا للْإِمَام النَّاصِر خَليفَة الْعَصْر ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ وأدم سُلْطَان عَبدك الخاضع لهيبتك الشاكر لنعمتك الْمُعْتَرف بموهبتك سَيْفك الْقَاطِع وشهابك اللامع والمحامي عَن دينك المدافع والذاب عَن حَرمك الممانع السَّيِّد الْأَجَل الْملك النَّاصِر جَامع كلمة الْإِيمَان وقامع عَبدة الصلبان صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين مطهر الْبَيْت الْمُقَدّس من أَيدي الْمُشْركين أبي المظفر يُوسُف بن أَيُّوب محيي دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ اللَّهُمَّ عَم بدولته البسيطة وَاجعَل ملائكتك براياته مُحِيطَة وَأحسن عَن الدّين الحنيفي جزاءه وأشكر عَن الْملَّة المحمدية عزمه ومضاءه اللَّهُمَّ ابق لِلْإِسْلَامِ مهجته ووف للْإيمَان حوزته وانشر فِي الْمَشَارِق والمغارب دَعوته اللَّهُمَّ كَمَا فتحت على يَدَيْهِ الْبَيْت الْمُقَدّس بعد أَن ظَنَنْت الظنون وابتلى الْمُؤْمِنُونَ فافتح على يَدَيْهِ داني الأَرْض وقاصيها وَملكه صياصي الْكَفَرَة ونواصيها فَلَا تَلقاهُ مِنْهُم كَتِيبَة إِلَّا مزقها وَلَا جماع إِلَّا فرقها وَلَا طَائِفَة بعد طَائِفَة إِلَّا ألحقها بِمن سبقها اللَّهُمَّ أشكر عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَعْيه وأنفذ فِي الْمَشَارِق والمغارب أمره وَنَهْيه اللَّهُمَّ وَأصْلح بِهِ أوساط الْبِلَاد أطرافها وأرجاء المماليك وأكنافها اللَّهُمَّ ذلل بِهِ معاطس الْكفَّار وأرغم بِهِ أنوف الْفجار وأنشر ذوائب ملكه عل الْأَمْصَار وابثث سَرَايَا جُنُوده فِي سبل الأقطار اللَّهُمَّ أثبت الْملك فِيهِ وَفِي عقبه إِلَى يَوْم الدّين واحفظه فِي بنيه الغر الميامين وإخوانه

ثمَّ شرع السُّلْطَان فِي الْعِمَارَة وَأمر بترخيم محراب الاقصى وَكتب عَلَيْهَا بالفصوص المذهبة مَا قِرَاءَته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَمر بتجديد هَذَا الْمِحْرَاب الْمُقَدّس وَعمارَة الْمَسْجِد الاقصى الَّذِي هُوَ على التقى مؤسس عبد الله ووليه يُوسُف بن أَيُّوب أَبُو المظفر الْملك النَّاصِر صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين عِنْدَمَا فَتحه الله عل يَدَيْهِ فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَهُوَ يسْأَل الله ايزاعه شكر هَذِه النِّعْمَة وأجزال حَظه من الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَشرع مُلُوك بني أَيُّوب فِي فعل الْآثَار الجميلة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مِنْهُم الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر أَخُو السُّلْطَان وَأما الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه فَإِنَّهُ فعل فعلا حسنا وَهُوَ إِنَّه حضر فِي قبَّة الصَّخْرَة مَعَ جمَاعَة وتول بِيَدِهِ كنس أرْضهَا ثمَّ غسلهَا بِالْمَاءِ مرَارًا ثمَّ اتبع المَاء بِمَاء الْورْد وطهر حيطانها وَغسل جدرانها وبخرها ثمَّ فرق مَالا عَظِيما عل الْفُقَرَاء وَكَذَلِكَ الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ وَالْملك الْعَزِيز عُثْمَان فعلا فِيهِ أنواعاً من الْبر وَالْخَيْر وَوضع الأسلحة برسم الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله (محراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيره من الْمشَاهد) أما محراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَهُوَ خَارج الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي حصن عِنْد بَاب الْمَدِينَة وَهُوَ القلعة وَكَانَ الْوَالِي يُقيم بِهَذَا للحصن وَيعرف هَذَا الْبَاب قَدِيما بِبَاب الْمِحْرَاب والآن بِبَاب الْخَلِيل فاعتني السُّلْطَان بأحواله ورتب لَهُ إِمَامًا ومؤذنين وقواماً وَأمر بعمارة جَمِيع الْمَسَاجِد والمشاهد وَكَانَ مَوضِع هَذِه القلعة دَار دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ الْملك الْعَادِل نازلاً فِي كَنِيسَة صهيون وأجناده فِي خيامهم عل بَابهَا وفاوض السُّلْطَان جلساءه من الْعلمَاء فِي مدرسة للفقهاء الشَّافِعِي ورباط للصلحاء الصُّوفِيَّة فعين للمدرسة الْكَنِيسَة الْمَعْرُوفَة بصندحة فَيُقَال إِن فِيهَا قبر حنة أم

مَرْيَم وَهِي عِنْد بَاب الأسباط وَعين لرباط دَار البطرك وَهِي بِقرب كَنِيسَة قمامة وَبَعضهَا رَاكب عل ظهر قمامة ووقف عَلَيْهِمَا أوقافاً حَسَنَة وَأمر بإغلاق كَنِيسَة قمامة وَمنع النَّصَارَى من زيارتها وَأَشَارَ عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه بهدمها وَمِنْهُم من أَشَارَ بِعَدَمِ الْهدم لِأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لما فتح بَيت الْمُقَدّس أقرهم عَلَيْهَا وَلم يَهْدِمهَا وَأقَام السُّلْطَان عل الْقُدس عل تسلم مَا بَقِي بهَا من الْحُصُون ورحل الْملك الْأَفْضَل إِلَى عكا ثمَّ تبعه الْملك المظفر إِلَى عكا أَيْضا ثمَّ أَن السُّلْطَان فرق مَا جمعه عل مستحقيه من الْجند وَالْفُقَهَاء والفقراء وَالشعرَاء فَقيل لَهُ لَو ادخرت هَذَا المَال لأمر يحدث فَقَالَ أملي بِاللَّه قوي وَجمع الاساري - كَانُوا الوفا من الْمُسلمين - فكساهم وَأحسن إِلَيْهِم وَذهب كل مِنْهُم إِلَى وَطنه وَمكث السُّلْطَان عل الْقُدس ينظر فِي مَصَالِحه وَكَانَ فِي خدمته الْأَمِير عَليّ بن أَحْمد المشطوب وَكَانَ مَعَه (أهل) صيدا وبيروت وهما بِقرب صور وَخَافَ أَن يفوتهُ فتحهَا وَكَانَ يحث السُّلْطَان عل المسي إِلَيْهَا وَكَانَ المركيس عِنْد اشْتِغَال الْمُسلمين بالقدس شرع فِي أَحْكَام سور حصنها وَجعل لَهَا خَنْدَقًا وضيق طريقها وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله يُعلمهُ بِالْفَتْح وَكتب أَيْضا إِلَى الْآفَاق رسائل من إنْشَاء الْعِمَاد الْكَاتِب فِيهَا من البلاغة والألفاظ الفائقة مَا لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره (ذكر رِسَالَة السُّلْطَان للخليفة) وَكَانَت الرسَالَة إِلَى الْخَلِيفَة عل يَد ضِيَاء الدّين بن الشهرزوري يخط القَاضِي الْفَاضِل من إنشائه وَهِي أدام الله أَيَّام الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ وَلَا زَالَ مظفر الْجد بِكُل جَاحد غَنِيا بالتوفيق عَن رَأْي كل رائد مَوْقُوف المساعي عل اقتناء مطلقات

المحامد مستيقظ النَّصْر والنصل فِي جفْنه رَاقِد واراد الْجُود والسحاب عل الأَرْض غير وَارِد مُتَعَدد مساعي الْفضل وَإِن كَانَ لَا يلقى إِلَّا بشكر وَاحِد ماضي حكم الْعدْل بعزم لَا يمْضِي إِلَّا بنبل غوى وَرِيش رَاشد وَلَا زَالَت غيوث فَضله إِلَى الْأَوْلِيَاء أنواء إِلَى المرابع وأنوار إِلَى الْمَسَاجِد وبعوث رعبه إِلَى الْأَعْدَاء خيلاً إِلَى المراقب وخيالاً إِلَى المراقد كتب الْخَادِم هَذِه الْخدمَة تلو مَا صدر عَنهُ مِمَّا كَانَ يجْرِي مجر التباشير لصبح هَذِه الْخدمَة والعنوان لكتاب وصف هَذِه النِّعْمَة فَإِنَّهَا بَحر فِيهِ للأقلام سبح طَوِيل ولطف لتحمل الشُّكْر فِيهِ عبء ثقيل وَبشر للخواطر فِي شرحها مآرب وَيسر للأسرار فِي إِظْهَار مشارب وَالله تَعَالَى فِي إِعَادَة شكره رضَا وللنعمة الراهنة بِهِ دوَام لَا يُقَال مَعَه هَذَا مُضِيّ وَلَقَد صَارَت أُمُور الْإِسْلَام إِلَى أحسن مصائرها واستثبتت عقائد أَهله على أبين بصائرها وتقلص ظلّ رَجَاء الْكَافِر الْمَبْسُوط وَصدق الله أهل دينه فَلَمَّا وَقع الشَّرْط وَقع الْمَشْرُوط وَكَانَ الدّين غَرِيبا فَهُوَ الْآن فِي وَطنه والفوز معروضاً فقد بذلت الْأَنْفس فِي ثمنه وَأمر امْر الْحق وَكَانَ مستضعفاً وَأهل ربعه وَكَانَ قد عيف حِين عَفا وحجاء أَمر أَمر الله وأنوف أهل الشّرك راغمة وادلجت السيوف إِلَى الْآجَال وَهِي نَائِمَة وَصدق وعد الله فِي إِظْهَار دينه عل كل دين واستطارت لَهُ أنوار أبانت أَن الصَّباح عِنْدهَا حسان الجبين واسترد الْمُسلمُونَ تراثاً كَانَ عَنْهُم آبقاً وظفروا يقظة بِمَا لم يصدقُوا إِنَّهُم يظفرون بِهِ طيفاً عل النأي طَارِقًا واستقرت على الْأَعْلَام أَقْدَامهم وخفقت على الْأَقْصَى أعلامهم وتلاق عل الصَّخْرَة قبيلهم وشفيت بهَا وَأَن كَانَت صَخْرَة كَمَا يشفى بِالْمَاءِ غليلهم وَلما قدم الدّين عَلَيْهَا عرق مِنْهَا سويداء قلبه وَهنا كفؤها الْحجر الْأسود بَيت عصمتها من الْكَافِر بحربه وَكَانَ الْخَادِم لَا يسْعَى سَعْيه إِلَّا لهَذِهِ الْعُظْمَى وَلَا يقاسي تِلْكَ البؤسى إِلَّا رَجَاء هَذِه النعمى وَلَا يحارب من يستظلمه فِي حربه وَلَا يُعَاتب بأطراف القنا من يتفادى فِي عَتبه إِلَّا لنكون الْكَلِمَة مَجْمُوعَة فَتكون كلمة الله هِيَ الْعليا وليفوز بجوهر الْآخِرَة لَا بِالْعرضِ الْأَدْنَى

مِمَّن الدُّنْيَا وَكَانَت الألسن رُبمَا سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار وَكَانَت الخواطر رُبمَا غلت عَلَيْهِ مراجلها فأطفأها بِالِاحْتِمَالِ والاصطبار وَمن طلب خطيراً خاطر وَمن رام صَفْقَة رابحة جاسر وَمن سما لِأَن يجلي غمرة غامر وَإِلَّا فَإِن الْعُقُود تلين تَحت نيوب الْأَعْدَاء المعاجم فيعظها وتضعف فِي أيديها مهز القوائم فيفضها هَذَا إِلَى كَون الْقعُود لَا يقْضِي بِهِ فرض الله فِي الْجِهَاد وَلَا يُرَاعى بِهِ حق الله فِي الْعباد وَلَا يُوفي بِهِ وَاجِب التَّقْلِيد الَّذِي تطوقه الْخَادِم من أَئِمَّة قضوا بِالْحَقِّ وَكَانُوا بِهِ يعدلُونَ خلفاء الله كَانُوا فِي مثل هَذَا الْيَوْم لله يسْأَلُون لَا جرم إِنَّهُم أورثوا أسرارهم وسريرهم خَلفهم الأطهر ونجلهم الْأَكْبَر وبقيتهم الشَّرِيفَة وطليعتهم المنيفة وعنوان صحيفَة فَضلهمْ لَا عدم سَواد الْقَلَم وَبَيَاض الصَّحِيفَة فَمَا غَابُوا لما حضر وَلَا غضوا لما نظر بل وصلهم الاجر لما كَانَ بِهِ مَوْصُولا وشاطروه الْعَمَل لما كَانَ عَنهُ مسؤلاً وَمِنْه مَقْبُولًا وخلص إِلَيْهِم إِلَى الْمضَاجِع مَا اطمأنت بِهِ جنوبه وَإِلَى الصفائح مَا عبقت بِهِ جيوبها وفاز مِنْهَا بِذكر لَا يزَال اللَّيْل بِهِ سميراً وَالنَّهَار بِهِ بَصيرًا والشرق يَهْتَدِي بأنواره بل أَن أبدي نورا فِي ذَاته هتف بِهِ الغرب بِأَن واره فَإِنَّهُ لَا تكنه اغساق السدف وَذكر لَا توازيه أوراق الصُّحُف وَكتب الْخَادِم هَذَا وَقد أظفر الله بالعدو الَّذِي تشظت قناته شققا وطارت من فرقة فرقا وفل سَيْفه فَصَارَ عَصا وصدعت حصاته وَكَانَ الْأَكْثَر عددا وحصا وكلت حملاته وَكَانَ قدرا يضْرب فِيهِ الْعَنَان بالعنان وعقوبة من الله لَيْسَ لصَاحب بدنهَا يدان عثرت قدمه وَكَانَت الأَرْض لَهَا حليفة وغضت عينه وَكَانَت عُيُون السبوف دونهَا كثيفة ونام جفن سَيْفه وَكَانَت يقظته تريق لطف الْكرَى من الجفون وجدعت أنوف رماحه وطالما كَانَت شامخة بالمنا أَو راعفة بالمنون وأصبحت الأَرْض المقدسة الطاهرة وَكَانَت الطامث والرب الْفَرد الْوَاحِد وَكَانَ عِنْدهم الثَّالِث وبيوت الْكفْر مهدومة ونيوب الشّرك مهتومة وطوائفه المحامية مجمعة عل تَسْلِيم القلاع الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة لبذل القطائع الوافية

لَا يرَوْنَ فِي مَاء الْحَدِيد لَهُم عصره وَلَا فِي نَار الأنفة لَهُم نَصره قد ضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة وَبدل الله مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة وَنقل بَيت عِبَادَته من أَيدي أَصْحَاب المشئمة إِلَى أَيدي أَصْحَاب الميمنة وَكَانَ الْخَادِم لَقِيَهُمْ اللقاءه الأولى فأمده الله بمداركته وانجده بملائكته فكسرهم كسرة مَا بعدهمْ جبر وصرعهم صرعة لَا ينتعش بعْدهَا بِمَشِيئَة الله كفر وَأسر مِنْهُم مِمَّن أسرت بِهِ السلَاسِل وَقتل مِنْهُم من فتكت بِهِ المناصل وأجلت المعركة عَن صرع من الْخَيل وَالسِّلَاح وَالْكفَّار وَعَن المصاف بخيل فَإِن قَتلهمْ بِالسُّيُوفِ الأفلاق والرماح الاكسار فنيلوا بثار من السِّلَاح ونالوه أَيْضا بثار فكم أهلة سيوف تقارض الضراب بهَا حَتَّى عَادَتْ كالعراجين وَكم انجم قِنَا تبادلت الطعان حَتَّى صَارَت كالمطاعين وَكم فارسية ركض عَلَيْهَا فارسها الشهم إِلَى أجل فاختلسه وفغرت تِلْكَ الْقوس فاها فَإِذا قوها قد نهش الْقرن عل بعد الْمسَافَة وافترسه وَكَانَ الْيَوْم مشهوداً وَكَانَت الْمَلَائِكَة شُهُودًا وَكَانَ الصَّلِيب صَارِخًا وَكَانَ الْإِسْلَام مولوداً وَكَانَت ضلوع الْكفَّار لنار جَهَنَّم وقوداً واسر الْملك وَبِيَدِهِ أوثق وثَاقه وآكد وَصله بِالدّينِ وعلائقه وَهُوَ صَلِيب الصلبوت وقائد أهل الجبروت مَا دهموا قطب أَمر إِلَّا وَقَامَ بَين دهمائهم يبسط لَهُم بَاعه فَكَانَ مد الْيَدَيْنِ فِي هَذِه الوقع وداعه لَا جرم إِنَّه تتهافت على ناره فراشهم ويجتمع فِي ظلّ ظلاله خشاشهم ويقاتلون تَحت ذَلِك الصَّلِيب أَصْلَب قتال وأصدقه ويرونه ميثاقاً يبنون عَلَيْهِ أَشد عقد وأوثقه ويعدونه سوراً تحفر حوافر الْخَيل خندقه وَفِي هَذَا الْيَوْم أسرت سراتهم ودهيت دهاتهم وَلم يفلت مِنْهُم مَعْرُوف إِلَّا القومص وَكَانَ لَعنه الله ملباً يَوْم الظفر بِالْقِتَالِ وملياً يَوْم الخذلان بالاحتيال فنجا وَلَكِن كَيفَ وطار خوفًا من أَن يلْحقهُ منسر الرمْح أَو جنَاح السَّيْف ثمَّ أَخذه الله بعد أَيَّام بِيَدِهِ وأهلكه لموعده فَكَانَ لعدتهم فَذا لَك وانتقل من ملك الْمَوْت إِلَى مَالك وَبعد الكسرة مر الْخَادِم على الْبِلَاد فطواها بِمَا نشر عَلَيْهَا من الرَّايَة العباسية السَّوْدَاء صبغا الْبَيْضَاء

صنعا الخافقة هِيَ وَقُلُوب أعدائها الْغَالِبَة هِيَ وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إِذا فتح عينهَا النشر وأشارت بأنامل العذبات إِلَى وَجه النَّصْر فَافْتتحَ بِلَاد كَذَا وَكَذَا وَهَذِه كلهَا أَمْصَار ومدن وَقد تسمى الْبِلَاد بلاداً وَهِي مزارع وفدن وكل هَذِه ذَوَات معاقل ومعاقر وبحار وجزائر وجوامع ومنابر وجموع وعساكر يتجاوزها الْخَادِم بعد أَن يحرزها وَيَتْرُكهَا وَرَاءه بعد أَن ينتهزها ويحصد مِنْهَا كفرا ويزرع إِيمَانًا ويحطمن مَنَابِر جوامعها صلباناً وَيرْفَع أذانا ويبدل المذابح مَنَابِر وَالْكَنَائِس مَسَاجِد ويبوئ أهل الْقرن بعد أهل الصلبان لِلْقِتَالِ عَن دين الله مقاعد ويقر عينه وعيون أهل الْإِسْلَام أَن يعلق النَّصْر مِنْهُ وَمن عسكره بجار ومجرور وَإِن يظفر بِكُل سور مَا كَانَ يخَاف زلزاله وَلَا زياله إِلَى يَوْم النفخ فِي الصُّور وَلما لم يبْق غلا الْقُدس وَقد اجْتمع إِلَيْهِ كل شريد مِنْهُم وطريد واعتصم بمنعته كل قريب مِنْهُم وبعيد وظنوا إِنَّهَا من الله مَا نعتهم وَأَن كنيستها إِلَى الله شافعتهم فَلَمَّا نزلها الْخَادِم رأى بَلَدا كبلاد وجمعاً كَيَوْم التناد وعزائم قد تألت وتألفت عل الْمَوْت فَنزلت بعرصته وَهَان عَلَيْهَا مورد السَّيْف وَأَن تَمُوت بغصته فداور الْبَلَد من جَانب فَإِذا أَوديَة عنيقة ولجج وعر غريقة وسور قد انعطف عطف السوار وابرجة قد نزلت مَكَان الْوَاسِطَة من عقد الدَّار فَعدل إِلَى جِهَة أُخْرَى كَانَ للمطامع عَلَيْهَا معرج وللخيل فِيهَا متولج فَنزل عَلَيْهَا وأحاط بهَا وَقرب مِنْهَا وَضرب خيمته بِحَيْثُ يَنَالهُ السِّلَاح بأطرافه ويزاحمه السُّور بأكتافه وقابلها ثمَّ قاتلها ونزلها ثمَّ نازلها وبرز إِلَيْهَا ثمَّ بارزها وحاصرها ثمَّ ناجزها وَضمّهَا ضمة ارتقب بعْدهَا الْفَتْح وصدء جمعهَا فَإِذا هم لَا يبصرون عل عبودية الْحَد عَن عنق الصفح فراسلوه ببذل فطيعة إِلَى مُدَّة وقصدوا نظرة من شدَّة وانتظار النجدة فعرفهم الْخَادِم فِي لحن القَوْل وأجابهم بِلِسَان الطول وَقدم المنجنيقات الَّتِي تتول عقوبات الْحُصُون عصيها وحبالها وأوتر لَهُم قسيها الَّتِي ترمي وَلَا تفارقها سهامها وَلَكِن تفارق سهامها نصالها فصافحت السُّور فَإِذا

سهمها فِي ثنايا شرفاتها سواك وَقدم النَّصْر نسراً من المنجنيق يخلد إخلاده إِلَى الأَرْض ويعلو علوه إِلَى السماك فَأَنَاخَ مرابع أبراجها واسمع صَوت عجيجها صم أعلاجها وَرفع المدارع مَا بَين الْعُنُق إِلَى الْمرْفق مثار عجاجها فأجل السُّور من السيارة وَالْحَرب من النظارة فَأمكن النقاب أَن يسفر للحرب النقاب وَإِن يُعِيد الْحجر إِلَى سيرته الأولى من التُّرَاب فَتقدم إِلَى الصَّخْرَة فمضغ سرده بأنياب معوله وَحل عقده بضربه الأخرق الدَّال على لطافة أنمله واسمع الصَّخْرَة الشَّرِيفَة أنينه باستقالته أل أَن كَادَت ترق لمقالته وتبرأ بعض الْحِجَارَة من بعض وَأخذ الحراب عَلَيْهَا موثقًا فَلَنْ يبرح الأَرْض وَفتح من السُّور بَابا سد من نجاتهم أبواباً وَأخذ يفت فِي حجرَة فَقَالَ عِنْده الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا فَحِينَئِذٍ يئس الْكَافِر من أَصْحَاب الدّور كَمَا يئس الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور وَجَاء أَمر الله وغرهم بِاللَّه الْغرُور وَفِي الْحَال خرج طاغية كفرهم وزمام أَمرهم ابْن بارزان سَائِلًا أَن تُؤْخَذ الْبَلَد بالسلم لَا بالعنوة وبالأمان لَا بالسطوة وألق بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة وعلاه ذل الهلكة بعد عز المملكة وَطرح جنبه عل التُّرَاب وَكَانَ جنبا لَا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لَا يطمح جنبه على التُّرَاب وَكَانَ جنبا لَا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لَا يطمح إِلَيْهِ أمل طامح وَقَالَ هَاهُنَا أسَارِي مُسلمُونَ يتجاوزون الألوف وَقد تعاقد الإفرنج عل إِنَّه أَن هجمت عَلَيْهِم الدَّار وحملت الحروب عل ظُهُورهمْ الأوزار بُدِئَ بهم فعجلوا وثن بنساء الافرنج وأطفالهم فَقتلُوا ثمَّ استقلوا بعد ذَلِك فَلَا يقتل خصم إِلَّا بعد أَن ينتصف وَلَا يفك سيف من يَد إِلَّا بعد أَن تقطع أَو ينقصف فَأَشَارَ الامراء بِأخذ الميسور من الْبَلَد المأسور فَإِنَّهُ لَو أَخذ حَربًا فَلَا بُد أَن يقتحم الرِّجَال الأنجاد وتبذل نفوسها فِي آخر أَمر قد نيل من أَوله المُرَاد وَكَانَت الْجراح فِي العساكر قد تقد مِنْهَا مَا اعتقل الفتكات وأثقل الحركات فَقبل مِنْهُم المبذول عَن يدوهم صاغرون وَانْصَرف أهل الْحَرْب عَن قدرَة وهم ظاهرون وَملك الْإِسْلَام خطة كَانَ عَهده بهَا دمنة سكان فخدمها الْكفْر إِلَى أَن صَارَت رَوْضَة جنان لَا جرم أَن الله أخرجهم

مِنْهَا وأهبطهم وَأَرْض أهل الْحق وأسخطهم فَإِنَّهُم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح وأودعوا الْكَنَائِس بهَا وبيوت الديوبة والاستبارية فِيهَا كل غَرِيبَة من الرخام الَّذِي يطرد مَاؤُهُ وَلَا ينطرد لألاؤه قد لطف الْحَدِيد فِي تجزيعه وتفتن فِي توسيع إِلَى أَن صَار الْحَدِيد الَّذِي فِيهِ بَأْس شَدِيد كالذهب الَّذِي فِيهِ نعيم عتيد فَمَا تَرَ إِلَّا مقاعد كالرياض لَهَا من بَيَاض التَّرْخِيم رقراق وعمداً كالأشجار لَهَا من التنبيت أوراق وأذعن الْخَادِم برد الْأَقْصَى إِلَى عَهده الْمَعْهُود وَأقَام لَهُ من الْأَئِمَّة من يُوفيه ورده المورود وأقيمت الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة رَابِع شهر شعْبَان فَكَادَتْ السَّمَاوَات يتفطرن للنجوم لَا للوجوم وَالْكَوَاكِب مِنْهَا ينتثرن للطرب لَا المرجوم وَرفعت إِلَى الله كلمة التَّوْحِيد وَكَانَ طريقها مسدودة فظهرت قُبُور الْأَنْبِيَاء وَكَانَت بالنجاسات مكدودة وأقيمت الْخمس وَكَانَ التثبيت يقعدها وجهرت الألسن بِاللَّه أكبر وَكَانَ سحر الْكفْر يقعدها وجهر باسم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي وَطنه الْأَشْرَف من الْمِنْبَر فَرَحَّبَ بِهِ ترحيب من بر لمن بر وخفق علماه فِي حافتيه فَلَو طَار سرُور الطَّائِر بجناحيه وَكتاب الْخَادِم وَهُوَ مجد فِي استفتاح بَقِيَّة الثغور واستشراح مَا ضَاقَ بتمادي الْحَرْب من الصُّدُور فَإِن قوى العساكر قد استنفدت مواردها وَأَيَّام الشتَاء قد قربت مواردها والبلاد الْمَأْخُوذَة الْمشَار إِلَيْهَا قد جاست العساكر خلالها ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها فَهِيَ بِلَاد ترفد وَلَا تسترفد وتجم وَلَا تستنفد ينْفق عَلَيْهَا وَلَا ينْفق مِنْهَا وتجهز الأساطيل لبحرها وتقام المرابط لساحلها ويدأب فِي عمَارَة أسوارها ومرمات معاقلها وكل مشقة بِالْإِضَافَة إِلَى نعْمَة الْفَتْح مُحْتَملَة وأطماع الفرنج بعد ذَلِك مراهبها غير مرجئة وَلَا معتزلة فَإِن يدعوا دَعْوَة يَرْجُو الْخَادِم من الله إِنَّهَا لَا تسمع وَلنْ يفكوا أَيْديهم مِمَّن أَطْرَاف الْبِلَاد حَتَّى تقطع وَهَذِه الْأَلْفَاظ لَهَا تفاصيل لَا تكَاد من غير الْأَلْسِنَة تتشخص وَلَا بِمَا سوى المشافهة تتلخص فَلذَلِك نفذ الْخَادِم لِسَانا شارحاً وَمُبشرا صادحاً يطالع بِالْخَيرِ على سياقته ويعرض بِجَيْش المسرة من

طليعته إِلَى ساقته وَهُوَ فلَان فليسمع مِنْهُ وولير وَعنهُ والرأي أَعلَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله الْمُوفق هَذَا خر الرسَالَة الْفَاضِلِيَّةِ ورحل السُّلْطَان عَن الْقُدس يَوْم الْجُمُعَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من شهر شعْبَان وودعه وَلَده الْملك الْعَزِيز وَسَار مَعَه قدر مرحلة ثمَّ وصاه وشيعته وَصَحب أَخَاهُ الْملك الْعَادِل فوصل إِلَى عكا فِي أول شهر رَمَضَان فخيم بظاهرها ثمَّ سَار فوصل إِلَى صور تَاسِع شهر رَمَضَان يَوْم الْجُمُعَة فَنزل بَعيدا من سورها وَمكث حَتَّى ورد عَلَيْهِ الْعَسْكَر وتكمل ثمَّ تقدم إِلَيْهَا يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَمَضَان وحاصرها وَحضر إِلَيْهِ وَلَده الْملك الظَّاهِر غياث الدّين غَازِي فَشد أزره وزحفوا على الْكفَّار وَقطعت الْأَشْجَار وَرمى عَلَيْهِم بالمناجيق وَاشْتَدَّ الْأَمر وتعسر الْفَتْح (ذكر مَا تمّ على الأسطول) وَكَانَ السُّلْطَان قد تقدم من صور وأحضر إِلَيْهَا من عكا مَا كَانَ بهَا من مراكب الأسطول فوصلت مِنْهَا عشر شواني مشحونة بِالرِّجَالِ وَالْعدَد واتصلت بهَا مراكب الْمُسلمين من بيروت وجبيل فاستشعر المركيس الضَّرَر مِنْهَا وَعمر الآخر مراكب وَكَانَت مراكب الْمُسلمين بالسَّاحل مَحْفُوظَة بالعسكر وَلَا يتَمَكَّن الفرنج مِنْهَا وكل من الْفَرِيقَيْنِ يعالج الآخر فاطمأن الْمُسلمُونَ واغتروا بالسلامة وَبَات لَيْلَة خَامِس شَوَّال وربطوا بِقرب ميناء صور وسهروا إِلَى قريب الصُّبْح فغلب عَلَيْهِم النّوم فِيمَا انتبهوا إِلَّا وسفن الفرنج مُحِيطَة بهم فَأخذت شواني الْمُسلمين وأسروا مِنْهَا جمَاعَة فاغتنم السُّلْطَان لذَلِك وَكَانَت هَذِه أول حَادِثَة حدثت للْمُسلمين فأزعج الْعَسْكَر الإسلامي وَاشْتَدَّ حزن الْمُسلمين وَأَشَارَ النَّاس بإبعاد بَقِيَّة

الشواني فسيرت إِلَى بيروت وَركب الْعَسْكَر فِي السَّاحِل مباريها وَهِي بحذائه فِي الْبَحْر فَظهر عَلَيْهَا شواني الفرنج فَخرج الْمُسلمُونَ إِلَى الْبر على وُجُوههم وتوقعوا إِلَى المَاء خوفًا عل أنفسهم وَكَانُوا لَا معرف لَهُم بِالْقِتَالِ وَكَانَ فِي جملَة الشواني قِطْعَة رئيسها لَهُ خبْرَة بالأمور فأسرع وَفَاتَ الفرنج وَلم يدركوه فنجا بالمركب وَمن فِيهِ وَبقيت المراكب الْبَاقِيَة خَالِيَة مِمَّن كَانَ فِيهَا فَدَفعهَا الْمُسلمُونَ إِلَى الْبر وَهَذَا والقتال مشتد بَين الْفَرِيقَيْنِ وَلما عبر الفرنج عل تِلْكَ المراكب ظنُّوا عجز الْمُسلمين وَخَرجُوا لِلْقِتَالِ فِي جمع كَبِير وَاشْتَدَّ الْأَمر وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وَوَقع الْمُسلمُونَ فِي الفرنج فَوَلوا مُدبرين وعادوا إِلَى الْبِلَاد وَأسر مِنْهُم مقدمان وَأسر قمص عَظِيم عِنْدهم وَكَانَ الْملك الظَّاهِر غَازِي لم يحضر شَيْئا مِمَّا تقدم من الوقعات فبادر وَضرب عُنُقه وَكَانَ القمص يشبه المركيس فظنوا إِنَّه هُوَ فَلَمَّا رأى الْمُسلمُونَ هَذَا الْحَال وَأَن السُّلْطَان مصمم عل مَا هُوَ فِيهِ وَله قدرَة وثبات عل الْقِتَال اجْتمع بعض الْأُمَرَاء وشرعوا فِي تَدْبِير أَمر يعرض عل السُّلْطَان يتَضَمَّن أَن الْأَمر أَمر عسير والأولي تَركه والرحيل عَن هَذَا الْمَكَان فَأطلع السُّلْطَان عل مَا هم فِيهِ فتلطف بهم ووعظهم وَقَالَ كَيفَ نخلي هَذَا الْمَكَان وَنَذْهَب؟ وَإِذا سئلنا عَنهُ فَمَاذَا نجيب؟ ثمَّ أخرج الْأَمْوَال وفرقها عل الْعَسْكَر وَأمرهمْ بالثبات فامتثلوا أمره (فتح حصن هرنين) كَانَ السُّلْطَان قد وكل بهَا بعض أمرائه فاستمر يحاصرها حَتَّى طلب أَهلهَا الْأمان فورد الْخَبَر عل السُّلْطَان بذلك وَهُوَ عل محاصرة صور فندب بدر الدّين ويدرم البارزني - وَهُوَ من أكبر عظمائه - فَمضى إِلَيْهِم وتسلمت هرنين بِمَا فِيهَا وتسلمها بيرم أَخُو صَاحب بانياس

وَأقَام السُّلْطَان عل صور يحاصرها فَدخل الشتَاء وضجر الْعَسْكَر وَكَثُرت الْجَرْحى وتوالت الأمطار وَالسُّلْطَان يحرضهم عل الْقِتَال والثبات وَكثر الْقِتَال وَاشْتَدَّ الْأَمر وَمَا زَالُوا يراجعون السُّلْطَان ويشيرون عَلَيْهِ بالرحيل وَكَانَ السُّلْطَان انفق فِي تِلْكَ الْمدَّة أَمْوَالًا كَثْرَة عل آلَة الْقِتَال وَلَا يُمكن نقلهَا , إِن تَركهَا تقو بهَا الْكفَّار فنقضها وَفك بَعْضهَا وأحرق مَا تعذر حمله وَحمل بَعْضهَا إِلَى صيدا وَبَعضهَا إِلَى عكا وَتَأَخر السُّلْطَان عَن قرب صور فشرع الْعَسْكَر فِي الِانْصِرَاف وواعد فِي المعاودة إِلَى أَوَان الرّبيع وودع الْملك المظفر تَقِيّ الدّين من هُنَاكَ وَبَقِي السُّلْطَان يتأسف على الْفَتْح فَسَار إِلَى عكا وخيم عل بَابهَا ثمَّ اشْتَدَّ الْبرد فَدخل السُّلْطَان الْمَدِينَة وَسكن بهَا وَشرع فِي التأهب إِلَى الْجِهَاد وَإِصْلَاح الْعدَد وإكرام من يَغْدُو إِلَيْهِ وَكَانَت رسل الْآفَاق من الرّوم وخراسان وَالْعراق عاكفين على بَابه فِيمَا مر يَوْم وَلَا شهر إِلَّا ويصل إِلَيْهِ رَسُول ورتب أَحْوَال عكا وأمورها ووقف نصف دَار الاستبار رِبَاطًا للصوفية وَنِصْفهَا مدرسة للفقهاء وَجعل دَار الأسقف بيمارستان للضعفاء وَدخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مُقيم بعكا فَلَمَّا دخل فصل الرّبيع سَار وَنزل عل سمت حصن كَوْكَب فِي الْعشْر الْأَوْسَط من الْمحرم قبل تَكَامل الْعَسْكَر وحاصره فَرَأى أَن فِيهِ صعوبة وَيطول أمره ثمَّ وكل بهَا قَائِما النجمي فِي خَمْسمِائَة مقَاتل ورتب عل صفد خَمْسمِائَة فَارس وجهزهم إِلَيْهَا (ذكر حَال الكرك من أول الْفَتْح) قد مضى ذكر ابرنس الكرك وَقَتله وَكَانَت زَوجته ابْنة فليب صَاحب الكرك مُقِيمَة بالقدس وَمِمَّنْ أسر وَلَدهَا هنقرى ابْن هنري فَلَمَّا فتح بَيت الْمُقَدّس حضرت إِلَى السُّلْطَان وتخضعت لَهُ وتذللت وَسَأَلت فِي فك وَلَدهَا من الْأسر وصحبتها

زَوْجَة ابْنهَا ابْنة الْملك وَحَضَرت الملكة مَعَ صَاحِبَة الكرك تسْأَل فِي زَوجهَا الْملك فأكرمهن السُّلْطَان وَأحسن إلَيْهِنَّ واما الملكة فَجمع شملها بِالْملكِ وتقرر مَعَ صَاحِبَة الكرك إِطْلَاق ابْنهَا على تَسْلِيم قلعتي الشوبك والكرك فأستحضر هنقرى من دمشق وَاجْتمعَ بوالدته وسارا مَعَ جمَاعَة من الْأُمَرَاء لتسليم القلعتين فَلَمَّا وصلت هِيَ وَوَلدهَا لم يطعها أهل الكرك وَلم يسلمُوا وأفحشوا فِي الْخطاب لَهَا ثمَّ وَقع لَهَا كَذَلِك بالشوبك فَرَجَعت إِلَى السُّلْطَان فَقبل عذرها وطمن قَلبهَا على وَلَدهَا فتوجهت إِلَى عكا ثمَّ انْتَقَلت إِلَى صور وجهز السلطتان العساكر لحصار الكرك والشوبك ثمَّ وصل إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ على كَوْكَب بهاء الدّين قراقوش فندبه لعمارة عكا لعلمه بكفاءته وأمده بالأموال وَالرِّجَال فَسَار إِلَى عكا وَشرع فِي عمارتها وتحصين أسوارها وَورد على السُّلْطَان الرُّسُل من مُلُوك الرّوم وَغَيرهَا وَأقَام السُّلْطَان عل كَوْكَب إِلَى آخر صفر فتعسر فتحهَا ثمَّ رَحل السُّلْطَان إِلَى دمشق وَدخل إِلَيْهَا فِي يَوْم الْخَمِيس سادس شهر ربيع الأول فنثر الْعدْل وَفصل الحكومات فوصل الْخَبَر بوصول الْعَسْكَر من الشرق وَأصْبح السُّلْطَان بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر ربيع الأول عل الرحيل ثمَّ سَار إِلَى بعلبك ورحل عل سمت اللبوة وَوصل إِلَيْهِ عماد الدّين صَاحب سنجار بالعسكر فَتَلقاهُ السُّلْطَان أحسن لِقَاء وأكرمه واجمعوا على دُخُول بِلَاد السَّاحِل وتجردوا عَن الأثقال وَسَارُوا فَنزل السُّلْطَان على حصن غور وفتحه وغنم مَا فِيهِ ثمَّ عَاد إِلَى مخيمه وانقضى شهر ربيع الآخر وَقد وصل قَاضِي جبلة يحث عل قَصدهَا وَكَانَ بهَا خلق كثير من الْمُسلمين ورحل السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الأولى إِلَى جِهَة السَّاحِل فوصل إِلَى انطرسوس وحاصرها ونهبها وسبأ أَهلهَا فاحتمى جمَاعَة ببرجين هُنَاكَ فهدم أَحدهمَا وَامْتنع الآخر وَنقض أسوار انطرسوس وَترك البرج الْمُمْتَنع ورحل الْعَسْكَر عَنْهَا وَنزل

عل مرقبة وَقد اخلاها أَهلهَا وَكَانَ الفرنج قد صفوا المراكب فِي الْبَحْر وَسَار السُّلْطَان بالعسكر وَوَقع بَين الْمُسلمين والأفرنج وقعات وَأُمُور يطول شرحها وَقصد جبلة (فتح جبلة) أشرف السُّلْطَان عل جبلة بكرَة يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر جمادي الأولى وأحاط بهَا العساكر فطلبوا الْأمان على أَن يُعِيدُوا مَا استرهنوه فِي إنطاكية من أَهلهَا ويسلموا كل مَا لَهُم من السِّلَاح وَالْعدة وَالْخَيْل وَكَانَ قاضيجبلة هُوَ الْمُتَوَسّط لَهُم فِي أخذالأمان وسلمت إل المسلمينيوم الْخَمِيس وَأقَام السُّلْطَان بهَا أَيَّامًا يُقرر أمورها وَكَانَ يعظم قَاضِي جبلة وَيحسن إِلَيْهِ ووقف عَلَيْهِ ملكا نفيساً واقره على ولَايَته بِمنْصب الْقَضَاء وَكَانَ حصن بكرائل قد سلم من قبل (فتح اللاذقية) ورحل السُّلْطَان ثَالِث عشر جُمَادَى الأول يَوْم الْأَرْبَعَاء وَتَابَ تِلْكَ اللَّيْلَة بِالْقربِ من اللاذقية بجبل عَاصِم فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس كَانَ حصارها وَاشْتَدَّ الْقِتَال ونقب أسوارها فطلبوا الْأمان فِي يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من جمادي الأولى وَصعد إِلَيْهِم قَاضِي جبلة يَوْم السبت وَفتحت صلحا وسلموا القلاع بِمَا فِيهَا ورحل مِنْهَا جمَاعَة وَدخل جمَاعَة فِي عقد الذِّمَّة ورتب السُّلْطَان فِيهَا جمَاعَة من مماليكه وَركب السُّلْطَان وَطَاف بِالْبَلَدِ وَقرر أمورها ورحل عَنْهَا (فتح حصن صهيون وَغَيره) رَحل السُّلْطَان من اللاذقية ظهر يَوْم الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من جمادي الأولى وَأخذ على سمت صهيون وخيم عَلَيْهَا يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين

وأحاط الْعَسْكَر بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء وحاصرها فملكوا ثَلَاثَة أسوار بِمَا فِيهَا فطلبوا الْأمان وسلموا الْبَلَد ثمَّ سلم حصن صهيون بِجَمِيعِ أَعماله وَمَا فِيهِ من الذَّخَائِر وتسلم يَوْم السبت قلعة العَبْد وَيَوْم الْأَحَد قلعة الجماهريين وَيَوْم الِاثْنَيْنِ حصن بلاطنس وَسَار السُّلْطَان فِي ثَانِي يَوْم فتح صهيون وَنزل عل العَاصِي وتسلم حصن بكاس يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة ثمَّ حاصر قلعة الشّعْر وَطَالَ الْقِتَال حَتَّى أيس مِنْهُ فَخرج من الْحصن من يطْلب الْأمان فِي ثَالِث عشر الشَّهْر يَوْم الثُّلَاثَاء وتسلم قلع الشّعْر ثمَّ سَار ولد السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر القلعة سرمانية فحاصرها وخربها وَفتحهَا يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة (فتح حصن برزية) وَسَار السُّلْطَان إِلَى قلعة برزية وَهِي من أحصن القلاع فنازلها يَوْم السبت رَابِع عشري الشَّهْر ثمَّ تجرد الْأَحَد ورق الْجَبَل فرآها قلعة على سنّ من الْجَبَل عالية فأدق بهَا وبالجبل وزحف عَلَيْهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر ورتب عَلَيْهَا الامراء نوبا فَقَاتلُوا وَاشْتَدَّ الْقِتَال وَتقدم السُّلْطَان بِنَفسِهِ فِي النّوبَة الثَّانِيَة فَلَمَّا أيقنوا بِأَنَّهُم ملكوا طلبُوا الْأمان وسلموا الْحصن فَلَمَّا حصل الْفَتْح عَاد السُّلْطَان إِلَى خيامه وَكَانَت صَاحِبَة حصن برزية أُخْت زَوْجَة الابرنس صَاحِبَة إنطاكية قد سبيت فَأمر بإحضارها واعتقها وَكَذَلِكَ زَوجهَا وأحضر أَيْضا ابْنة لَهما زَوجهَا وعدة من أَصْحَابهَا وأدخلهم مَعَهم فِي الْإِطْلَاق وقلد الْحصن لأمير من جماعته وَكَانَ فتح هَذَا الْحصن من آيَات الله تعال لحصانته وَعدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ فيسر الله فَتحه فِي أيسر وَقت

(فتح حصن دريساك)

(فتح حصن دريساك) رَحل السُّلْطَان وَأقَام أَيَّامًا على جسر الْحَدِيد ثمَّ قصد دريساك وَهُوَ حصن مُرْتَفع وَكَانَ عش الراوية نزل عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة ثامن رَجَب وحصره وَرمى برجاً من السُّور بالنقب فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشر رَجَب طلبُوا الْأمان وتسلم الْحصن بِمَا فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشري الشَّهْر (فتح حصن بقراس) توجه بكرَة السبت إِلَى بقراس وَهِي قلعة قريبَة من إنطاكية وَهِي عل رَأس جبل عالية حَصِينَة وَهِي للراوية فخيم بِقُرْبِهِ فِي المرج وَتقدم جمع كثير من الْعَسْكَر بَينهَا وَبَين إنطاكية وَصَارَ يركب كل يَوْم وَيقف تجاه إنطاكية وَصعد السُّلْطَان متجرداً فِي جمَاعَة من عسكره إِلَى الْجَبَل بازاء الْحصن وَنصب عَلَيْهِ المناجيق من جَمِيع جهاته ورم عَلَيْهِ وحاصره فطلبوا الْأمان وتسلم القلعة فِي ثَانِي شعْبَان وحزر مَا فِي بقراس من الْغلَّة فَكَانَ تَقْديرا اثْنَي عشر ألف غرارة (عقد الْهُدْنَة مَعَ إنطاكية) وَلما فرغ السُّلْطَان من فتح هَذِه الْحُصُون قصد إنطاكية وَكَانَت قد تلاشت أحوالها وَقل مَا فِيهَا من الْقُوت وَكَانَ الابرنس صَاحبهَا قد أرسل أَخا زَوجته يسْأَل فِي عقد الْهُدْنَة وَطلب الْأمان على مَاله وَولده لثمانية أشهر من تشرين إِلَى آخر أيار وأجابه السُّلْطَان إِلَى ذَلِك وهادنه وَشرط عَلَيْهِ إِطْلَاق من عِنْده من الاساري وَسَار رَسُول السُّلْطَان وَمَعَهُ شمس الدولة بن منقذ لأجل الاساري ورحل السُّلْطَان ثَالِث شعْبَان إِلَى سمت حلب وَلما رَحل السُّلْطَان من بقراس

ودع عماد الدّين بن زنكي وعساكر الْبِلَاد وخلع عَلَيْهِ ومنحه بالتحف النفيسة وأنعم عل الْعَسْكَر بأَشْيَاء خلاف مَا غنموه وَسَار فِي عسكره وَوصل حلب ثمَّ سَار مِنْهَا وَوصل إِلَى حماه وَبَات بهَا لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ سَار عل طَرِيق بعلبك فَجَاءَهَا قبل رَمَضَان بأيام وَكَانَ الْعَسْكَر قصدهم الصَّوْم فِي أوطانهم بِدِمَشْق فَلَمَّا وصل السُّلْطَان إِلَى دمشق اشْتَدَّ عزمه وتحرك للْجِهَاد مكن أجل صفد وكوكب وَغَيرهمَا وَخرج من دمشق فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان (فتح الكرك وحصونه) ووردت البشائر بِتَسْلِيم حصن الكرك فَإِن السُّلْطَان لما كَانَ فِي بِلَاد إنطاكية لم يزل الْحصار عل الكرك وَكَانَ أَخُوهُ الْملك الْعَادِل بِمن مَعَه عل تبنين لحفظ الْبِلَاد وَكَانَ صهره سعد الدّين كمشه بالكرك موكلا بحصاره فراسل الافرنج الْملك الْعَادِل فِي الْأمان فَامْتنعَ ثمَّ صَالحهمْ وسلموا الْحصن (محاصر صفد وَفتحهَا) ثمَّ سَار السُّلْطَان حَتَّى نزل عل صفد وَجَاء الْملك الْعَادِل وشرعوا فِي حِصَار القلعة ورميها بالمناجيق وَاسْتمرّ الْحَال عل ذَلِك إِلَى ثامن شَوَّال وصعب فتحهَا حَتَّى أذن الله تعال وَسَهل فأذعنوا وأخرجوا من عِنْدهم من أسرى الْمُسلمين ليشفعوا لَهُم فِي طلب الْأمان وسلمت للْمُسلمين وَخرج من فِيهَا من الْكفَّار إِلَى صور وَلما أشرفت صفد على الْفَتْح شرع الافرنج فِي تَقْوِيَة قلعة كَوْكَب وَأَجْمعُوا عل تسيير مِائَتي رجل من الْأَبْطَال الْمَعْدُودين ليمكنوا للْمُسلمين فِي الطَّرِيق فعثر بِوَاحِد مِنْهُم بعض جند الْمُسلمين فأمسكه وَأتي بِهِ إِلَى صارم الدّين قايماز فَأخْبرهُ بِالْحَال وَأَن الكمين بالوادي فَركب إِلَيْهِم فِي أَصْحَابه والتقتطهم عَن آخِرهم وأحضرهم إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ عل صفد وَكَانَ فيهم مقدمان من الاستبارية فاحضرا عِنْد السُّلْطَان وأنطقهما

الله تَعَالَى وَقَالا مَا نظن أننا بعد مَا شاهدناك يلحقنا سوء فَمَال إِلَى كَلَامهمَا وَأمر بإعتاقهما فَإِن تِلْكَ الْكَلِمَة أوجببت عدم قَتلهمَا فَإِنَّهُ كَانَ لَا يبقي عل أحد من الاستبارية وَالرِّوَايَة وَفتح الله صفد فِي ثامن شَوَّال (حِصَار كَوْكَب وَفتحهَا) وَسَار السُّلْطَان إِلَى كَوْكَب وَهِي فِي غَايَة الحصانة فحاصرها وَقَاتل من فِيهَا أَشد قتال وَحصل الضّيق الزَّائِد لوُقُوع الْبرد الشَّديد وَقُوَّة الشتَاء وَمَا زَالَ السُّلْطَان ملازماً للحصن بِالرَّمْي حَتَّى تهدم غَالب بنائِهِ وَنصر الله الْمُسلمين وملكوا كَوْكَب وأخرجوا الْكفَّار وغنموا أَمْوَالهم وَكَانَ هَذَا الْفَتْح فِي منتصف ذِي الْقعدَة وَعرض السُّلْطَان القلعة على جماعته فَلم يقبلوها فولاها قايماز النجمي عل كره مِنْهُ ثمَّ تحول السُّلْطَان إِلَى أَرض بيسان وَأذن لِلْأُمَرَاءِ والجند فِي الِانْصِرَاف وَسَار مَعَه أَخُوهُ الْملك الْعَادِل فِي مستهل ذِي الْحجَّة إِلَى الْقُدس الشريف وَوصل يَوْم الْجُمُعَة ثامن الشَّهْر وَصلى فِي قبَّة الصَّخْرَة وَعِيد بهَا يَوْم الْأَحَد الْأَضْحَى وَنحر الْأُضْحِية وَسَار يَوْم الِاثْنَيْنِ إِلَى عسقلان للنَّظَر فِي مصالحها وتدبير أحوالها وَأقَام أَيَّامًا ثمَّ ودعه أَخُوهُ الْملك الْعَادِل وَسَار بعسكره إِلَى مصر ورحل السُّلْطَان إِلَى عكا وَدخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مُقيم بعكا يرتب أمورها ويحصنها إِلَى أَن وصل جمَاعَة من مصر فَأَمرهمْ بِالْإِقَامَةِ فِيهَا وَأمر بهاء الدّين قراقوش بإتمام بِنَاء سورها ثمَّ سَار إِلَى طبرية وَدخل دمشق مستهل شهر صفر ثمَّ خرج مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث ربيع الأول مُتَوَجها إِلَى شقيف أرنون وأتى مرج عُيُون وخيم فِيهِ بِقرب الشقيف

واعتد لِلْقِتَالِ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر رَبِّي الأول وَكَانَ الشقيف فِي يَد أرناط صَاحب صيدا فَنزل إل خدمَة السُّلْطَان يسْأَله أَن يمهله ثَلَاث أشهر لينقل أَهله من صور وَأظْهر إِنَّه يخَاف أَن يعلم المركيس بِحَالهِ فَلَا يُمكنهُ من أَهله فَأَجَابَهُ السُّلْطَان لذَلِك وَشرع أرناط فِي تحصين نَفسه واستعداده للحرب فَعلم السُّلْطَان بِحَقِيقَة حَاله فتقرب السُّلْطَان من الشقيف فَلَمَّا علم صَاحب الشقيف بذلك حضر إِلَى خدمَة السُّلْطَان وَشرع فِي الاستعطاف لَهُ وإزال مَا عِنْده وَعَاد إِلَى حصنه ثمَّ حضر وأنهى تخوفه على أَهله وَسَأَلَ الْمُهْملَة سنة فَأرْسل السُّلْطَان من كشف الْحصن فَوَجَدَهُ قد تحصن زِيَادَة على مَا كَانَ فِيهِ فَأمْسك صَاحب الْحصن وَقيد وَحمل إِلَى قلع بانياس ثمَّ استحضره فِي سادس رَجَب وهدده ثمَّ سيره إِلَى دمشق وسجنه وحاصر الْحصن فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن رَجَب ورتب عَلَيْهِ عدَّة من الْأُمَرَاء لمحاصرته إِلَى أَن تسلمه بعد سنة وَأطلق صَاحبه وَلما كَانَ السُّلْطَان بمرج عُيُون اجْتمع الافرنج وَاتَّفَقُوا عل إِقَامَة المركيس بِصُورَة واجمعوا عل حَرْب الْمُسلمين والمر كيس يمدهُمْ من صور فَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر جُمَادَى الأولى وَإِنَّهُم عل قصد صيدا فَركب فِي الْحَال والتقى بعسكره مَعَ الافرنج فَهَزَمَهُمْ بِإِذن الله تَعَالَى وَنصر الله الْمُسلمين وَأسر من أعيانهم سَبْعَة وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مخيمه وَأقَام إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى ثمَّ ركب فِي ذَلِك الْيَوْم وتواقع هُوَ والإفرنج وَاشْتَدَّ الْقِتَال فاستشهد جماع من الْمُسلمين وَقتل خلق كثير من الْمُشْركين ثمَّ قوم عزم السُّلْطَان عل قصدهم فِي مخيمهم وشاع هَذَا الْخَبَر فخاف الافرنج وذهبوا إِلَى صور فَاقْتضى الْحَال التَّأْخِير وَسَار السُّلْطَان إِلَى تبنين صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى عكا ورتب أمورها وَعَاد إِلَى المعسكر وَأقَام إِلَى يَوْم السبت سادس

جُمَادَى الْآخِرَة فَبَلغهُ أَن الافرنج ينتشرون فِي الأَرْض فَأمر السُّلْطَان بتكمين كمائن لَهُم وَإِذا رَأَوْهُمْ يطاردونهم وَسَار السُّلْطَان يَوْم الِاثْنَيْنِ فتواقعوا بَين يَدي الافرنج فِي وَاد لَا ينفذ فحصرهم الافرنج فَلم يقدروا عل السلوك من الْوَادي فاستشهدوا رَحِمهم الله تَعَالَى (مسير الافرنج إِلَى عكا) وصل الْخَبَر يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن رَجَب أَن الْعَدو عل قصد عكا وَأَن جمَاعَة مِنْهُم سبقوا إِلَى النوافير ونزلوا باسكندرونة وتوقعوا مَعَ جمَاعَة من الْمُسلمين فَكتب السُّلْطَان للعسكر يجمعهُمْ ورحل الافرنج يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشر رَجَب ونزلوا عل عين عبد فَأصْبح السُّلْطَان عل الرحيل وَجَاء عصر يَوْم الثُّلَاثَاء وَالسُّلْطَان نَازل بِأَرْض كفر كُنَّا ثمَّ أصبح يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر الشَّهْر وَنزل على جبل الخروبة وَترك الأثقال بِأَرْض صفورية وَنزل الافرنج عل عكا من الْبَحْر إِلَى الْبَحْر محتاطين بهَا يحاصرونها وَاجْتمعت العساكر فَصَارَ الْعَدو حول الْبَلَد وأحاط الْمُسلمُونَ بالإفرنج ومنعوهم من الطّرق وَاشْتَدَّ الْقِتَال واستدارت الافرنج بعكا وَمنعُوا من الدُّخُول وَالْخُرُوج وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء وَالْخَمِيس سلخ رَجَب فَأصْبح السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة مستهل شعْبَان عل عكا وتباشر الْمُسلمُونَ بالنصر وثار الْحَرْب وَأَصْبحُوا يَوْم السبت عل ذَلِك وَحمل النَّاس من جَانب الْبَحْر شمَالي عكا حَملَة شَدِيدَة وَانْهَزَمَ الافرنج إِلَى تل الصياصية وأخلوا ذَلِك الْجَانِب وَانْفَتح للْمُسلمين طَرِيق عكا وَدخل الْعَسْكَر إِلَيْهَا وَخرج واستطرقت إِلَيْهَا الجيوش وأطلع السُّلْطَان عل الافرنج من سورها وَخرج عَسْكَر الْبَلَد لِلْقِتَالِ وتشاور الْمُسلمُونَ فِيمَا بَينهم ودبروا الْحِيَل فِي الْقِتَال الْعَدو المخذول فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن شعْبَان ركب الافرنج خر النَّهَار بأجمعهم

وتقدموا وحملوا عل الْمُسلمين فصدمهم الْمُسلمُونَ فول الْكفَّار هاربين مُدبرين وَقتل وجرح مِنْهُم وَدخل اللَّيْل وَبَات الْحَرْب على حَاله وانتقل السُّلْطَان لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشر الشَّهْر إِلَى تل الصياصية لِأَنَّهُ مشرف عَلَيْهِم للعلو وَبلغ السُّلْطَان أَن الافرنج يخرجُون للاحتشاش وينتشرون فِي الأَرْض فَانْتدبَ جمَاعَة من العربان فَأَغَارُوا عَلَيْهِم وحالوا بَينهم وَبَين خيامهم وحشروهم وأبادوهم قتلا وَقَطعُوا رُؤْسهمْ وأحضروها عِنْد السُّلْطَان وَذَلِكَ يَوْم السبت سادس عشر شهر شعْبَان وسر الْمُسلمُونَ وتباشروا هَذَا والقتال عل عكا مُتَّصِل ((نادرة)) وَمن النَّوَادِر الْوَاقِعَة إِنَّه أفلت من بعض مراكب الافرنج حصان من الْخُيُول الموصوفة عِنْدهم فَلم يقدروا على إِمْسَاكه وَمَا زَالَ فِي الْبَحْر وهم حوله إِلَى أَن دخل ميناء الْبَلَد فَتسَارع الْمُسلمُونَ إِلَيْهِ وأخذوه وأهدوه إِلَى السُّلْطَان فتبباشر الْمُسلمُونَ بالنصر وَرَآهُ الافرنج من إمارات خذلانهم (الْوَقْعَة الْكُبْرَى) واصبح الافرنج يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشرين من شعْبَان وَقد رفعوا صلبانهم وتقدموا وزحف أبطالها وَقد عبى السُّلْطَان الميمنة والميسرة وَشرع يمر بالصفوف وَيُقَوِّي عزم العساكر وَاشْتَدَّ الْقِتَال وَاسْتشْهدَ جمَاعَة من الْمُسلمين وول الْعَسْكَر الإسلامي مُنْهَزِمًا فَمنهمْ من وصل طبرية وَمِنْهُم من وصل دمشق وَبَقِي الْمُسلمُونَ فِي شدَّة عَظِيمَة حَتَّى أدركهم الله تعال بالنصر وَهُوَ إِنَّه لما تمت الكسرة على الْمُسلمين وصل جمَاعَة من الافرنج إِلَى خيمة السُّلْطَان وَلم يتبعهُم من يعضدهم فهابوا الْوُقُوف هُنَاكَ فانحدروا عَن التل فَاسْتَقْبَلَهُمْ الْمُسلمُونَ وتبعوهم وظفروا بهم فَقتلُوا مِنْهُم وضربوا رقابهم وَاشْتَدَّ الْحَرْب وَثَبت الْمُسلمُونَ فمالوا عل ميسرَة الإفرنج قفلوها وَوَضَعُوا فيهم السيوف فأبادوهم قتلا وَمِمَّنْ قتل مقدم عَسْكَرهمْ وتبعهم الْمُسلمُونَ حَتَّى كلت سيوفهم وَقتل من الإفرنج خَمْسَة لاف فَارس وَقتل مقدم الراوية وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ عرضنَا فِي مائَة ألف وَعشرَة لاف وَمن الْعجب أَن الَّذين ثبتوا من الْمُسلمين لم يبلغُوا ألفا فَردُّوا مائَة ألف فَكَانَ الْوَاحِد من الْمُسلمين يقتل من الْكفَّار ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعين وَأرْسل السُّلْطَان بِهَذِهِ النُّصْرَة البشائر إِلَى دمشق وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مَكَانَهُ وعزم على إِنَّه يُصَالح الْعَدو وتفقد الْعَسْكَر فَإِذا هُوَ قد غَابَ وَذَلِكَ أَن بعض الغلمان والأوباش لما وَقعت الوقع ظنُّوا أَن عَسْكَر الْإِسْلَام انهزم فنهبوا الأثقال وانهزموا وَانْهَزَمَ جمَاعَة من الْجند فَمضى الْعَسْكَر وَرَاء الغلمان فَتَأَخر من أجل ذَلِك الْعَزْم على الْمسير وانتعش الإفرنج لذَلِك وَكَثُرت جيف الإفرنج المقتولين فَشك الْمُسلمُونَ نَتن رائحتها فرسم السُّلْطَان بحملها عل الْعجل ورميها فِي النَّهر فَحمل أَكثر من خَمْسَة آلَاف جثة ثمَّ فِي يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع وَالْعِشْرين من شعْبَان حضرا أكَابِر الْأُمَرَاء عِنْد السُّلْطَان وَدَار الْكَلَام بَينهم فِي المشورة فأشاروا بالانصراف لهجوم الْبرد والشتاء وَإِن أبدانهم وخيولهم قد ضعفت وَإِن السُّلْطَان يراسل الْبِلَاد وَيجمع الجموع ثمَّ يحضر للْجِهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى هَذَا وَالسُّلْطَان متكره من هَذِه المقالات وَلَيْسَ عِنْده ملل وَفِي كل يَوْم عل الْعَسْكَر وَيُقَوِّي عزمهم فانتقل لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع شهر رَمَضَان إِلَى الخروبة عِنْد الأثقال وَأمر من بعكا بغلق الْبَاب وَشرع الإفرنج فِي حفر خَنْدَق على معسكرهم حوالي عكا من الْبَحْر إِلَى الْبَحْر وتحصنوا وتستروا وَأقَام السُّلْطَان بالخيم وَهُوَ متوعك فَمن الله تَعَالَى عَلَيْهِ بالعافية وَصرف الأجناد الغرباء ليرجعوا فِي الرّبيع وَأقَام بمماليكه فَمَا مضى يَوْم إِلَّا وَفِيه وقْعَة والمماليك ظافرون بالإفرنج

وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شهر رَمَضَان أَخذ الْمُسلمُونَ بعكا مركبا للإفرنج مقلعاً إِلَى صور فِيهِ ثَلَاثُونَ رجلا وَامْرَأَة وَاحِدَة ورزمة من الْحَرِير فغنموه وتباشروا وَاشْتَدَّ أزرهم بذلك (وُصُول ملك الألمان) ورد اخبر بوصول ملك الألمان إِلَى قسطنطينية فِي عدد كثير عل قصد العبور إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وَإنَّهُ فِي ثَلَاثمِائَة ألف مقَاتل وَقد قطع الرّوم إِلَى جِهَة الشَّام فإنزعج الْمُسلمُونَ لذَلِك وَندب السُّلْطَان الرُّسُل إِلَى جَمِيع الْأَمْصَار يستنفر للْجِهَاد فوصل الْملك الْعَادِل سيف الدّين من مصر فِي نصف شَوَّال فِي جَيش عَظِيم فَحصل بِهِ السرُور وقو الْمُسلمُونَ وَنزل فِي مخيمه وَأرْسل السُّلْطَان إِلَى رجال دمشق والبلاد فَحَضَرُوا وَشرع الْمُسلمُونَ فِي كل يَوْم يعالجون الإفرنج وَلَهُم مَعَهم فِي كل لَيْلَة كبسة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة وصل الأسطول من مصر وعدته خَمْسُونَ شونة (1) فَإِن السُّلْطَان لما وصل الإفرنج إِلَى عكا كتب إِلَى مصر بتجهيز وتكثير رِجَاله وعدده فصادف مراكب الإفرنج فِي الْبَحْر فَأول مَا ظفر الأسطول بشونة للإفرنج فَقتل مُقَاتِلِيهِ وَوَقعت بَينهم وقْعَة كبر وَتَفَرَّقَتْ سفن الإفرنج وَصَارَت البشائر للْمُسلمين بوصول الأسطول وَلما اشْتَدَّ الْبرد وَكَثُرت الأمطار وَاسْتظْهر الْبَلَد بِرِجَال الأسطول وَكَانُوا زهاء عشرَة لاف بحري فَامْتَلَأَ الْبَلَد وشرعوا يتلصصون على الْكفَّار وكبسوا لَيْلَة سوق الخمارات وَسبوا عد من النِّسَاء الحسان فَكَانَ فِي ذَلِك نكاية عَظِيمَة للْكفَّار وَأمكن الله الْمُسلمين مِنْهُم وشرعوا فِي نهبهم وأسرهم فِي كل وَقت

_ - _ (1) الشونة الْمركب الْمعد للْجِهَاد فِي الْبَحْر انته (قَامُوس)

(ذكر نساء الإفرنج)

(ذكر نسَاء الإفرنج) ثمَّ وصلت مركب فِيهَا ثَلَاثمِائَة امْرَأَة إفرنجية من النِّسَاء الحسان اجْتَمعْنَ من الجزائر الْإِسْعَاف العزبان وسبلن أَنْفسهنَّ وفروجهن للعزبان ورأين أَن هَذِه قربَة مَا ثمَّ أفضل مِنْهَا وَعند الإفرنج أَن العزباء إِذا مكنت الأعزب لَا حرج عَلَيْهَا وتسامع عَسْكَر الْإِسْلَام بِهَذِهِ الْقَضِيَّة فأبق من المماليك والجهال جمَاعَة وذهبوا إلَيْهِنَّ ووصلت أَيْضا فِي الْبَحْر امْرَأَة كَبِيرَة الْقدر وَهِي ملكة بَلَدهَا وَفِي خدمتها خَمْسمِائَة فَارس وَفِي الإفرنج نسَاء يلبس هَيْئَة الرِّجَال ويقاتلن وَفِي يَوْم الْوَقْعَة أسر جمَاعَة مِنْهُنَّ فَلم يعرفن حَتَّى سلبن وعرين وَأما الْعَجَائِز فَحَضَرَ مِنْهُنَّ جمَاعَة وَهن ينشدن تَارَة ويحرصن وبنخين الرِّجَال لعنة الله عَلَيْهِنَّ وَفِي هَذِه السّنة ندب السُّلْطَان الرُّسُل إل الْبِلَاد لاستنفار الْمُجَاهدين وَتُوفِّي الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عيس الهكاري بِمَنْزِلَة الخروبة سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَكَانَ من الْأَعْيَان وَله منزلَة عِنْد السُّلْطَان وَحمل من يَوْمه إِلَى الْقُدس وَدفن بِهِ وَدخلت سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مُقيم بعسكره بِمَنْزِلَة الخروبة وعكا محصورة وَخرجت هَذِه السّنة والحصر مُسْتَمر وَوَقعت وقائع وَهلك من الإفرنج عدد لَا يَقع عَلَيْهِ الْحصْر (وَقع الرمل) وَكَانَ السُّلْطَان يركب أَحْيَانًا للصَّيْد وَهُوَ لَا يبعد من المخيم فَركب يَوْمًا فِي صفر فأبعد والكركبة عل الرمل وساحل الْبَحْر فَخرج الإفرنج وَقت الْعَصْر 363 فتسامع الْمُسلمُونَ يهم فَخَرجُوا إِلَيْهِم وزحفوا عَلَيْهِم وطردوهم وَأَحَاطُوا بهم ورموهم حَتَّى فرغ النشاب فَلَمَّا علم الإفرنج بذلك تجاسروا وحملوا حَملَة وَاحِدَة حَتَّى ردوا الْمُسلمين إِلَى النَّهر فَثَبت جمَاعَة وستشهد جمَاعَة وَدخل اللَّيْل وَحَال بَين الْفَرِيقَيْنِ (فتح شقيف أرنون) وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر ربيع الأول تسلم بالأمان شقيف أرنون وَكَانَ صَاحب صيدا معتقلاً بِدِمَشْق لأَجله فسلمه بِمَا فِيهِ وَأخرج عَنهُ وَسَار إِلَى صور ورحل السُّلْطَان وَنزل عل تل كيسَان يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر ربيع الأول (مقَاتل الإفرنج عكا) وَكَانَ السُّلْطَان قد رتب طيوراً البطاقات مِنْهُ إِلَى من بعكا وتعيد إِلَيْهِ الْجَواب مِنْهُم وَكَانَ يَأْتِي إِلَيْهِ الْخَبَر أَيْضا عل يَد العوامين فِي الْبَحْر وَكَانَ الإفرنج شرعوا فَفِي عمل أبراج من خشب وأتقنوها وزحفوا فِيهَا إِلَى السُّور وتساعدوا على طم الْخَنَادِق فوصل إِلَى السُّلْطَان عوام يُخبرهُ بِالْحَال فَركب وزحف إِلَى الإفرنج فِي عشْرين من ربيع الأول يَوْم الْجُمُعَة وَسَار إِلَى الْقِتَال بخيلة وَرجله وضايقهم حَتَّى دخل اللَّيْل فَلَمَّا أصبح يَوْم السبت صبحهمْ بِالْحَرْبِ وَاسْتمرّ إِلَى آخر النَّهَار وَأصْبح يَوْم الْأَحَد عل الْقِتَال وأيده الله تعال بالنصر وَاسْتمرّ الْقِتَال فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر بعد الظّهْر وَإِذا بِنَار فِي أحد الأبراج موقدة فأحقت النَّار بِالْبرِّ حَتَّى أحرقته ثمَّ أحرقت البرج الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث وَسَقَطت الثَّلَاثَة أبراج بقدرة الله تَعَالَى فَحصل للْمُسلمين السرُور بذلك وَدَمرَ الله الْكَافرين

وَالْعجب أَن الأبراج كَانَت متباعدة وَقد أبعدها الإفرنج بمسافات وكل وَاحِد مِنْهَا عل جَانب من الْبَلَد فاحترقت فِي وَاحِد وَكَانَ سَبَب حرقها إِن رجلا يعرف بعلي بن عريف الْحُسَيْن بِدِمَشْق كَانَ اسْتَأْذن السُّلْطَان فِي دُخُول عكا للْجِهَاد وَأقَام بهَا وَشرع يعْمل النفط ويركب عقاقيره وَالنَّاس يسخرون مِنْهُ فَلَمَّا قدمت الأبراج إِلَى الْبَلَد رمي عَلَيْهَا بالنفوط وَغَيرهَا فَلم يفد فَحَضَرَ ابْن العريف إِلَى بهاء الدّين قراقوش واستأذنه فِي الرَّمْي فَأذن لَهُ على كره فَإِن الصناع قد أيسوا فَلَمَّا إِذن لَهُ بهاء الدّين قراقوش رمى أحد الأبراج فأحرقه وانتقل إِلَى الثَّالِث فأحرقه وَلم يكن ذَلِك بصنعه بل وَفقه اله تَعَالَى لَهُ وَخرج الْمُسلمُونَ من الْبَلَد فَحَفَرُوا الخَنْدَق وجاؤا إِلَى مَوضِع الْحَرِيق وَاسْتَخْرَجُوا الْحَدِيد من مَوضِع الْحَرِيق وَمَا وجدوا من الزرديات وَغَيرهَا وَللَّه الْحَمد والْمنَّة (وُصُول الأسطول من مصر) كَانَ السُّلْطَان أَمر بتعمير أسطول آخر من مصر فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثامن جمادي الأولى ظهر الأسطول فَركب السُّلْطَان ليشغل الإفرنج عَن قتال الأسطول فعمر الإفرنج أسطولاً وتلاقى هُوَ وأسطول الْمُسلمين فَجَاءَت مراكب الْمُسلمين ونطحت مراكبهم وَأخذ الْمُسلمُونَ مركبا للإفرنج واخذ الإفرنج مركبا للْمُسلمين وأتصل الْحَرْب فِي الْبَحْر إِلَى غرُوب الشَّمْس فَقتل من الإفرنج عدَّة كَثِيرَة وَسلم الْمُسلمُونَ (قصَّة ملك الألمان) صَحَّ الْخَبَر أَن ملك الألمان عبر من قسطنطينية بجُنُوده فَقيل إِنَّهُم أَقَامُوا

فِي قفار ومواضع مُدَّة شهر لَا يَجدونَ الطَّعَام فصاروا يذبحون خيلهم ويأكلونها ويكسرون قنطارياتهم لعدم الْحَطب ويشعلونها فِي الْبرد الشَّديد وزمان الثَّلج وَحصل لَهُم من الشدَّة مَا لَا يكَاد يُوصف وَضعف حَالهم وَذَلِكَ من لطف الله بِالْمُسْلِمين فَلَمَّا وصل إِلَى بِلَاد قلج أرسلان بن مَسْعُود حصل بَينه وَبَين الْكفَّار طراد وقتال ثمَّ أرسلا وإصطلحا وتهاديا وَاقْتضى الْحَال بَينهمَا أَن ملك الألمان يدْخل إِلَى الْبِلَاد الشامية وَإنَّهُ يسير فِي بِلَاده وَأَعْطَاهُ عشْرين مقدما من أكَابِر امرائه ليكونوا مَعَه حَتَّى يصل المأمن فَلَمَّا وصل إِلَى بِلَاد الأرمن غدر بالرهائن وَتَأَول عَلَيْهِم بِأَن التركمان سرقوا مِنْهُ فِي طَرِيقه وَنزل على طرطوس وَهُنَاكَ نهر فتواردت عَلَيْهِ العساكر وازدحموا فقصد ملك الألمان النُّزُول إِلَى النَّهر ليغتسل فَقَالَ هَل تعرفُون موضعا يُمكن العبور مِنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ وَاحِد هُنَا مخاضة ضيقَة لَا يدْخل فِيهَا إِلَّا وَاحِد بعد وَاحِد فَدخل فِي تِلْكَ المخاضة فقوى عَلَيْهِ المَاء فصدمته شَجَرَة فِي وَجهه شجت جَبينه وتورط فِي المَاء فتعبوا فِي إِخْرَاجه فَلَمَّا خرج بَقِي مَرِيضا ثمَّ لَك لعنة الله وخلقه وَلَده فَقيل إِنَّهُم سلقوه فِي قدر حَتَّى تخلص عظمه وانهرى لَحْمه وجمعوا عِظَامه فِي كيس ليدفن فِي كَنِيسَة قمامة بالقدس حَسْبَمَا أوصى بِهِ وَوصل الْخَبَر إِلَى السلطتان بِهَلَاك الْكَافِر وَأَن وَلَده خَلفه وَهُوَ وَاصل فِي جمع كَبِير فعزم السُّلْطَان على استقباله وصده ثمَّ تثبت وَأرْسل العساكر إِلَى الْبِلَاد الَّتِي هِيَ فِي طَرِيق هَذَا الْكَافِر القادم وَوَقع الْمَرَض فِي الإفرنج وَأمر السُّلْطَان بهدم سور طبرية وَهدم يافا وأرسوف وقيسارية وَهدم صور وصيدا وجبيل وَنقل أَهلهَا إِلَى بيروت وَأما ولد ملك الألمان فَمَرض أَيَّامًا فِي بِلَاد الأرمن وَهلك أَصْحَابه من الْجُوع وَوَقع الْمَوْت فِي خيلهم ثمَّ سَارُوا من بِلَاد الأرمن وَحصل لَهُ ولعسكره شدَّة عَظِيمَة

كَانَ الإفرنج لما صَحَّ عِنْدهم وُصُول ملك الألمان إِلَى الْبِلَاد فِي جَمِيع كَبِير قَالُوا إِذا جَاءَ صَار الْأَمر لَهُ وَلَا يبْقى لنا كَلَام مَعَه فَنحْن نهجم على الْمُسلمين ونظفر بهم قبل قدومه فَخَرجُوا ظهر يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشرين من جُمَادَى الْآخِرَة فِي جمع كَبِير وقصدوا مخيم الْملك الْعَادِل فَوقف الْملك الْعَادِل وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وَحمل مَعَه الْعَسْكَر الْحَاضِر قبل أَن تتصل بِهِ بَقِيَّة العساكر فَكسر الإفرنج كسرة فَاحِشَة وَركبت العادلية أكتافهم وحكموا فيهم السيوف وَكَانَ السُّلْطَان قد ركب مَعَ جمَاعَة من المماليك فوصل وَشَاهد مَا سره وَقتل من الإفرنج زهاء عشرَة لاف وَلم يبلغ من اسْتشْهد من الْمُسلمين عشرَة أنفس وَكتب السُّلْطَان إِلَى بَغْدَاد ودمشق وَغَيرهمَا يبشر بذلك (ذكر مَا تجدّد للإفرنج بوصول الكندهرى) وَمَا زَالَ الإفرنج فِي وَهن وَضعف حَتَّى وصل من الْبَحْر رجل يُقَال لَهُ كندهرى وَهُوَ عِنْدهم عَظِيم الْقدر أَفَاضَ عَلَيْهِم الْأَمْوَال فَوق أهل الْكفْر وشاع هَذَا الْخَبَر فتشاور السُّلْطَان وأكابره ورحل يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من جمادي الْآخِرَة إِلَى منزله الأول بالخروبة واشتغل بتدبير أمره وَالْأَخْبَار متواردة من عكا مَعَ السباحين وبطاقات الْحمام وأخبار ملك الألمان متواصلة بِضعْف حَاله وتلاشي أَحْوَاله (حريق المنجنيقات) وَفِي رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة انفق الكندهري على الرِّجَال فأعط عشرَة آلَاف رجل فِي يَوْم وَاحِد ليجدوا مَعَه فِي الْقِتَال وضايق عكا وَنصب عَلَيْهَا المناجيق

فَاشْتَدَّ عزم الْمُسلمين مِمَّن بعكا وَخَرجُوا بالفارس والراجل وحالوا بَين الإفرنج وَبَينهمَا وَخرج الزراقونمن الْبَلَد ورموا النَّار فِيهَا فَاحْتَرَقَ جَمِيعهَا وَقتل فيذلك الْيَوْم من اففرنج سَبْعُونَ فَارِسًا وَأسر مِنْهُم خلق كثير فخمد الافرنج بذلك وَكَانَ من جُمْلَتهَا منجيقان كبيران مَصْرُوف أَحدهمَا ألف وَخَمْسمِائة دِينَار وَكَانَ ذَلِك فِي الللة الأولى من شعْبَان (وثصول ولد ملك الالمان الَّذِي قَامَ مقَام أَبِيه إل الإفرنج بعكا) وصل إل السُّلْطَان خبر وُصُوله فِي سادس شعْبَان وحذرهم من شاهدهم بِخَمْسَة ألفا وَوصل فِي الْبَحْر إل عكا آخر النَّهَار سادس شهر رَمَضَان فَرَآهُ الإفرنج وليسله وَقع فَقَالُوا ليته لم يصل إِلَيْنَا فَأخذ يحرضهم ويقوى عزمهم فعرفوه قُوَّة بأسس الْمُسلمين فأظهر لَهُم قُوَّة وعزماً فَلَمَّا عرفُوا جَهله قَالُوا لَهُ نخرج للْمُسلمين لَعَلَّنَا نظفر بهم فَاجْتمعُوا وَسَارُوا إل مخيم السُّلْطَان فَركب من خيمته وَتقدم إِلَى تل كيسَان ووقف ينْهض الْعَسْكَر وَحَال بَينهم اللَّيْل وَحصل للألمان مشقة فَلَمَّا لم يبلغُوا قصدهم من الْعَسْكَر أخذُوا فِي الْقِتَال الْبَلَد وحصاره (ذكر برج الذبان) وَعند ميناء عكا فِي الْبَحْر برج يعرف ببرج الذبان مُنْفَرد عَن الْبَلَد قصد الإفرنج حصاره قبل مَجِيء ملك الألمان فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من شعْبَان بمراكب جهزوها من الْبَحْر وشحنوها بالآلات وَالْعدَد وَمِنْهَا مركب عَظِيم لما قرب من البرج رميت عَلَيْهِ النَّار فَاحْتَرَقَ بِكُل مَا فِيهِ وملؤا بطة أُخْرَى بالأحطاب فسر فِيهَا النفط فأحرقها وَكَانَ الإفرنج فِي مراكب من وَرَائِهَا فَانْقَلَبَ الرّيح عل الإفرنج وتطاير الشرر من بطة الْحَطب وَعَاد الإفرنج فالتهبوا وانقلب بهم السَّفِينَة فاحترقوا وغرقوا وأحتم برج الذبان فَلم يظفروا مِنْهُ بِشَيْء

(ذكر الكبش وحريقه)

(ذكر الْكَبْش وحريقه) واستأنف الإفرنج عمل ذُبَابَة فِي رَأسهَا شكل عَظِيم يُقَال لَهُ الْكَبْش وَقد سقفوها مَعَ كبشها بأعمدة الْحَدِيد وألبسوا رَأس الْكَبْش بعد الْحَدِيد بِالنُّحَاسِ خشيَة عَلَيْهَا من النَّار وسحبوها فأنزعج الْمُسلمُونَ لذَلِك وَقَالُوا لَيْسَ فِي هَذِه حِيلَة ثمَّ نصب الْمُسلمُونَ مناجيق ورموا بِالْحِجَارَةِ فنفر من حولهَا من الرِّجَال ثمَّ قذفوها بالنَّار فَدخلت من بَاب الذبابة فاشتعلت النَّار فِيهَا وَخرج مِنْهَا الإفرنج واحترقت تِلْكَ الذبابة ورموها بالمناجيق حَتَّى انْهَدَمت وَخرج الْمُسلمُونَ من الثغر وَقَطعُوا رَأس الْكَبْش وَاسْتَخْرَجُوا مَا تَحت الرماد من الْحَدِيد وحملوا مِنْهُ مَا اسْتَطَاعُوا وَحصل بذلك النُّصْرَة للْمُسلمين والخذلان للْمُشْرِكين وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر رَمَضَان واحترقت البطة يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر وَاتفقَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ هَذَا من الْعَدو وعل الْبَلَد الزَّحْف الشَّديد ورموا بالمناجيق وَخرج الْمُسلمُونَ فطردوهم إِلَى خيامهم (ذكر غير ذَلِك من الْحَوَادِث) وصل الْخَبَر أَن صَاحب إنطاكية تحرّك عل الْمُسلمين فسربت لَهُ الكمائن فَخَرجُوا عَلَيْهِ وَقتلُوا أكبر رِجَاله وَفِي هَذَا التَّارِيخ أَلْقَت الرّيح بساحل الذيب بطتين خرجتا من عكا بِجَمَاعَة من الرِّجَال وَالصبيان وَالنِّسَاء وَحصل بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وقائع وغنم الْمُسلمُونَ من الْكفَّار وَفِي عَشِيَّة الِاثْنَيْنِ تَاسِع رَمَضَان رَحل السُّلْطَان إِلَى منزل يعرف بشعزعم لما بلغه من تحرّك الإفرنج فخيم هُنَاكَ وَشرع يتواقع هُوَ والإفرنج فِي كل وَقت وغلت الأسعار عِنْد الإفرنج وَاشْتَدَّ بهم الْبلَاء وَخرج مِنْهُم جمَاعَة ولجؤا إِلَى السُّلْطَان مِمَّا أَصَابَهُم من الْجُوع فقبلهم وَأحسن إِلَيْهِم فَمنهمْ من اعتذر وَمِنْهُم من أسلم وَصَارَ فِي خدم السُّلْطَان

(نوبة رأس الماء)

(نوبَة رَأس المَاء) وَلما ضَاقَ بالإفرنج الْأَمر تشاوروا وعزموا عل المصادمة فَخَرجُوا فِي عدد كثير وَذَلِكَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشر شَوَّال بعد أَن رتبوا عل الْبَلَد من يحصرها وَكَانَ اليزك عل تل الصياصة وَنزل الْعَدو تِلْكَ اللَّيْلَة واتصل خبرهم بالسلطان فَرَحل الثّقل وَبَقِي النَّاس على جرائد الْخَيل وَسَار الْعَدو يَوْم الثُّلَاثَاء والعساكر فِي أحسن أهبة وامتد الْجَيْش فِي الميمنة إِلَى الْجَبَل وَفِي الميسرة إِلَى النَّهر بِقرب الْبَحْر وَالسُّلْطَان فِي الْقلب فَسَار حَتَّى وقف عل تل عِنْد الخروبة وَحَوله أَوْلَاده وَأَخُوهُ وخواص امرائه وأمراء الْقَبَائِل من الأكراد وَسَار الإفرنج شَرْقي النَّهر مواجهين حَتَّى وصلوا إِلَى رَأس النَّهر فانقلبوا الغربية ونزلوا التل بَينه وَبَين الْبَحْر وَالسُّلْطَان فِي خيمة لَطِيفَة يُشَاهد الْقَوْم وَأصْبح الإفرنج يَوْم الْأَرْبَعَاء راكبين إِلَى صحوة النَّهَار والمسلمون قد قربوا مِنْهُم فأحس الإفرنج بالخذلان فساورا وولوا مُدبرين فَتَبِعهُمْ عَسْكَر الْإِسْلَام ورموهم بِالسِّهَامِ وهم مجتمعون فِي سيرهم وَكلما صرع مِنْهُم قَتِيل حملوه ودفنوه حَتَّى لَا يظْهر للْمُسلمين كسرهم ونزلوا لَيْلَة الْخَمِيس فَقطعُوا الجسر وَأَصْبحُوا بكرَة الْخَمِيس وَقد دخلُوا إِلَى مخيمهم فَعَاد السُّلْطَان إِلَى مَحَله وَكَانَ مَعَ مَعَ الإفرنج الخارجين المركيس والكندهرى وَأقَام مللك الالمان على عكا (وقْعَة الكمين) اقْتضى رَأْي السُّلْطَان أَن يرتب كميناً لِلْعَدو فَجمع يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِي وَالْعِشْرين من شَوَّال رِجَاله وأبطاله وانتخت مِنْهُم من عرف بالشجاعة وامرعهم أَن يكمنوا على سَاحل الْبَحْر فَمَضَوْا وكمنوا لَيْلَة السبت وَخرجت مِنْهُم عدَّة يسيرَة بعد الصَّباح

ودنوا من الإفرنج فطمعوا فيهم وحملوا عَلَيْهِم وطردوهم فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ أمامهم حَتَّى وقفُوا على الكمين فَخَرجُوا عَلَيْهِم فَلم يَسْتَطِيع فَارس مِنْهُم أَن يفر فَقتل معظمهم وَوَقع فِي الْأسر خَازِن الْملك وعدة من الافرنسيسية ومقدمهم وَجَاء الْخَبَر للسُّلْطَان فَركب بِمن مَعَه ووقف عل تل كيسَان وَشَاهد النَّصْر وجاءه مماليكه بالأسر وَترك السُّلْطَان الأسلاب والخيول لآخذيها وَكَانَت الْأَمْوَال عَظِيمَة وَجلسَ السُّلْطَان فِي خيمته وَحَوله جنده وأنصاره وأحضر الْأسر بَين يَدَيْهِ وأحس وأطعمهم وألبسهم وألبس الْمُقدم الْكَبِير فروته الْخَاصَّة وَأذن لَهُم أَن يَسِيرُوا غلمانهم لإحضار مَا يُرِيدُونَ ثمَّ جهزهم إِلَى دمشق للاعتقال (ذكر غير ذَلِك من الْحَوَادِث) ثمَّ هجم الشتَاء فصرف السلطتان الْعَسْكَر للاستراحة إِلَى الرّبيع وَأقَام هُوَ على الْجِهَاد ثمَّ نقل الإفرنج سفنهم خوفًا عَلَيْهَا إِلَى صور وأخلوا سَاحل عكا وَأقَام الْملك الْعَادِل عل الْبَحْر فوصل يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي ذِي الْحجَّة من مصر سَبْعَة مراكب فِيهَا الْغلَّة فَخرج أهل الْبَلَد لمشاهدتها والمساعدة فِي نقلهَا فَعلم الإفرنج بِخُرُوج أهل الْبَلَد إِلَى جَانب الْبَحْر فزحفوا زحفاً شَدِيدا وَأَحَاطُوا بعكا وَأتوا بسلالم فنصبوها عل السُّور وتزاحموا على الطُّلُوع فِي سلم وتصادموا فاندف بهم السّلم فتساقطوا فتداركهم الْمُسلمُونَ وفتكوا فيهم وَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة وردوهم عل أَعْقَابهم فَلَمَّا اشْتغل النَّاس بأمرهم تركُوا المراكب وَمَا فِيهَا من الغلال فهاج الْبَحْر فَكسرت المراكب وَتلف مَا فِيهَا وغرق مَا كَانَ فِيهَا من الْأَمْتِعَة وَهلك بهَا زهاء سِتِّينَ نفسا وَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير وَفِي لَيْلَة السبت سَابِع ذِي الْحجَّة وَقعت قِطْعَة عَظِيمَة من سور عكا فهدمت مِنْهُ جانباً فبادر الإفرنج طَمَعا فِي الهجوم فجَاء أهل الْبَلَد وصدوهم حَتَّى عمر الْهدم وجرح من الْعَدو خلق كثير كل ذَلِك بهمة بهاء الدّين قراقوش

وَفِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة هلك ابْن ملك الألمان فَحصل الوهن فِي الإفرنج بِمَوْتِهِ وَهلك مِنْهُم عدد كثير وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشري ذِي الْحَج عَاد المستأمنون من الإفرنج الَّذين انهضهم السُّلْطَان ليغزوا فِي الْبَحْر ويكونوا جواسيس فَرَجَعُوا وَقد غنموا أَشْيَاء كثير فوهبهم السُّلْطَان ذَلِك وَلم يتَعَرَّض لشَيْء مِنْهَا فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك أسلم مِنْهُم شطرهم وَفِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْحَج أَخذ من الإفرنج مركوسين فيهمَا نَيف وَخَمْسُونَ نَفرا وَفِي الْخَامِس وَالْعِشْرين مِنْهُ أَخذ أَيْضا مركوساً فِيهِ جمَاعَة من أَعْيَان الإفرنج وَمَعَهُمْ ملوطة مكللة بِاللُّؤْلُؤِ بأزرار من جَوْهَر قيل إِنَّهَا من ثِيَاب ملك الألمان وَأسر فِيهِ رجل كَبِير قيل إِنَّه ابْن أَخِيه وأستشهد فِي هَذِه السّنة جمَاعَة بعكا مِمَّن الْأُمَرَاء وَدخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة والشتاء مَوْجُود والمسلمون مَعَ الْكفَّار فِي وقعات وَفِي أول لَيْلَة من شهر ربيع الأول خرج الْمُسلمُونَ عل الْعَدو فكبسوه فِي مخيمه وأسروا من الإفرنج وَقتلُوا وعادوا سَالِمين وَمَعَهُمْ اثْنَتَا عشرَة امْرَأَة فِي السَّبي وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث الشَّهْر الْمَذْكُور ثار الْحَرْب بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار فنصر الله الْمُسلمين وَهلك من الإفرنج خلق كثير وَقتل مِنْهُم مقدم كَبِير وَلم يفقد من الْمُسلمين إِلَّا خَادِم صَغِير وَكَمن الْمُسلمُونَ كمائن وَوصل إِلَى السُّلْطَان من بيروت خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ أَسِيرًا من الإفرنج وَقدم عل السُّلْطَان جمَاعَة من عَسْكَر الْإِسْلَام (وُصُول ملك الافرنسيس - وأسمه فليب - لنجدة الإفرنج بعكا) وَفِي ثَانِي عشر ربيع الأول يَوْم السبت وصل ملك الإفرنسيس إِلَى الإفرنج فِي عدد قَلِيل وَمن النَّوَادِر إِنَّه كَانَ مَعَ هَذَا الْملك بازي أَشهب ففارقه يَوْم وُصُوله وطار وَوَقع عل سور عكا فأمسكه الْمُسلمُونَ وأحضروه للسُّلْطَان فسر بذلك وبذل الْملك فِيهِ ألف دِينَار فَمَا أُجِيب

وَمِمَّا وَقع إِنَّه كَانَ المستأمنون إِلَيْنَا من الإفرنج تسلموا مرا كيس يغزون فِيهَا ووصلوا إِلَى نَاحيَة من جَزِيرَة قبرص يَوْم عيدهم وَقد اجْتَمعُوا فِي كَنِيسَة فصلوا مَعَهم وَأَغْلقُوا بَاب الْكَنِيسَة وَأسرُوهُمْ بأسرهم وسبوهم وَأخذُوا جَمِيع مَا فِي الْكَنِيسَة وحملوهم إِلَى اللاذقية وَبَاعُوا بهَا كل مَا أَخَذُوهُ وَمن جملَته سبع وَعِشْرُونَ امْرَأَة سَبَايَا وصبيان فَبَاعُوهَا واقتسموا أثمانها وَفِي سادس عشري ربيع الآخر هجم جمَاعَة مِمَّن الْعَسْكَر وَأخذُوا قطيعاً من غنم الإفرنج وخالطوهم فِي خيامهم وَركب الإفرنج بأسرهم فِي أَثَرهم فَلم يظفروا بهم وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع جُمَادَى الأول زحف الْعَدو إِلَى الْبَلَد وَكَاد يَأْخُذهَا فاستنفروا العساكر فَأصْبح السُّلْطَان وَركب وسير من كشف حَال الْعَدو وَهل لَهُم كمين فَكلما شَاهد الإفرنج عَسْكَر الْمُسلمين قد أقبل تركُوا الزَّحْف وتأخروا فَإِذا عَاد عَادوا (قصَّة الرَّضِيع) كَانَ لصوص الْمُسلمين فِي اللَّيْل استلبوا طفْلا من الإفرنج من يَد أمه لَهُ ثَلَاثَة أشهر فَخرجت والدته وآلهة عَلَيْهِ فَلم يشْعر السُّلْطَان إِلَّا وَهِي بِبَابِهِ واقفة فأحضرها السُّلْطَان وَهِي باكية فَأَخْبَرته الْخَبَر فَطلب الرَّضِيع فَقيل لَهُ إِن من أَخذه بَاعه بِثمن بخس فَمَا زَالَ يبْحَث عَنهُ حَتَّى جِيءَ بِهِ فِي قماطه وَدفعه لامه وشيع مَعهَا من أوصلها إِلَى مَكَانهَا وَمَا رد الطِّفْل إِلَّا بعد مَا اشْتَرَاهُ مِمَّن هُوَ فِي يَده بِثمن يرضيه رَحمَه الله عَلَيْهِ (انْتِقَال السُّلْطَان إِلَى تل الصياصة) لما صر الإفرنج عل مضايقة عكا انْتقل السُّلْطَان إِلَى تل الصياصة بعساكره وأثقاله وَاشْتَدَّ الْحَرْب بَينه وَبَين الْكفَّار فِي كل وَقت وضاق الْأَمر عل من عكا وَجرى فُصُول وحروب يطول شرحها

(وصول ملك الانكثير)

(وُصُول ملك الانكثير) وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشر الشَّهْر أشاع الْكفَّار وُصُول ملك الانكثير فِي عدد كثير وَوَقع الارجاف فِي النَّاس وَالسُّلْطَان قوي الْجنان لَا يرهبه ذَلِك وَهُوَ مُعْتَمد عل الله فِي أُمُوره وَأعلم ملك الانكثير أَن أهل التَّوْحِيد لَهُم قُوَّة وَإِنَّهُم لَا يبالون بِهِ (غرق البطة) كَانَ السُّلْطَان قد عمر فِي بيروت بطة وشحنها بِالْعدَدِ والآلات وفيهَا نَحْو سَبْعمِائة رجل مقَاتل توسطت فِي الْبَحْر صادفها ملك الانكثير وأحاطت بهَا مراكبه وَحصل الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ وَقتل من الإفرنج خلق كثير وعجزوا عَن أَخذهَا فَلَمَّا رأى مقدمها اشْتَدَّ الْأَمر نزل فخرقها حَتَّى غرقت فِي الْبَحْر وَوصل خَبَرهَا للسُّلْطَان فِي السَّادِس عشر من جماد ى الأولى وَكَانَت هَذِه الوقع أول حَادِثَة حصل بهَا الوهن للْمُسلمين (حريق الذبابة) وَكَانَ الإفرنج قد اتَّخذُوا ذُبَابَة عَظِيمَة وَلها أَربع طَبَقَات وَهِي خشب ورصاص وحديد ونحاس وقربها إِلَى أَن بَقِي بَينهَا وَبَين الْبَلَد خَمْسَة أَذْرع وَكَانَت هَذِه الذبابة على الْعجل وانزعج الْمُسلمُونَ بذلك ورموا عَلَيْهَا النفط وَهُوَ لَا يُفِيد فِيهَا حَتَّى قدر الله تَعَالَى وجاءها سهم صائب فأحرقها الله تَعَالَى وَحصل للْمُسلمين السرُور وَزَالَ عَنْهُم مَا كَانَ من الْغم بِسَبَب غرق البطة فَإِن حريق الذبابة كَانَ يَوْم وُصُول خبر غرق البطة ثمَّ وَقع وقعات فِي هَذَا الشَّهْر وَكَانَت الْعَلامَة بَين عَسْكَر السُّلْطَان وَبَين المقيمين بعكا عِنْد زحف الْعَدو دق الكؤس فَإِذا سَمِعت أدركهم الْعَسْكَر فَوَقع

لَهُم عدَّة وقعات فَمن ذَلِك وقْعَة فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرالشهراشتد فِيهَا الْقِتَال إل وَقت الظّهْر حت حمى الْحر فافترق الْفَرِيقَانِ وَرجع كل إل مخيمه ووقعة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّالِث وَالْعِشْرين من الشَّهْر حصر الْعَدو الْبَلَد وَاسْتشْهدَ إثنان من الْمُسلمين وَقتل جمَاعَة من الْمُشْركين ووقعة فِي الْيَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر خرج الْعَدو فأرسلا وراجلا وَركب السُّلْطَان وَاشْتَدَّ الأمرواستشهد من الْمُسلمين بدوي وكرديوهلك خلق كثير من الْمُشْركين وَأسر مِنْهُم فارسبفرسه ووقعة فِي يَوْم الْأَحَد التَّاسِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر طَال فِيهَا الْقِتَال وَأسر الْكفَّار من الْمُسلمين وَاحِدًا فَأَحْرقُوهُ وَأسر الْمُسلمُونَ مِنْهُم وَاحِدًا وأحرقوه قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب وشاهدنا البارين فِي حَالَة وَاحِدَة يشتعلان والصفان واقفان يقتتلان (ذكر المر كيس ومفارقته) وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ الشَّهْر ذكر عَن المر كيس إِنَّه هرب إِلَى صور فَإِنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين هنقرى عَدَاوَة وأحقاد باطنية لأمور كَانَت بَينهمَا فَلَمَّا جَاءَ ملك الانكثير تظلم إِلَيْهِ هنقرى واستعداده عل المر كيس فَلَمَّا علم المر كيس بذلك فر مِنْهُ (فصل) وَوصل العساكر إِلَى السُّلْطَان من سنجار وَمن مصر وَحضر رَسُول من عِنْد بعض مُلُوك الإفرنج إِلَى السُّلْطَان بِكَلَام مهمل لَا طائل تَحْتَهُ ثمَّ حضر رسل ثَلَاثَة فأكرمهم السُّلْطَان وَأحسن إِلَيْهِم وَكَانَ غَرَض الإفرنج بتكرير الرسلات الخداع حَتَّى يشْتَغل الْمُسلمُونَ عَنْهُم وَضعف الثغر من قُوَّة الْحصْر وَلما علم السُّلْطَان يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع جماد الْآخِرَة بِمَا عَلَيْهِ الْبَلَد من غَلَبَة

الْبلَاء زحف بعسكره ودهم الإفرنج وَنهب من خيامهم وأمس تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ أَمر بدق الكؤس سحرًا حَتَّى ركب الْعَسْكَر فجر ذَلِك الْيَوْم من الْقِتَال أَشد مَا كَانَ من أمس وَوصل إِلَى السُّلْطَان مطلعة من الْبَلَد إِنَّهُم عجزوا وَلم يبْق إِلَّا تَسْلِيم الْبَلَد فمعظم الْأَمر عل السُّلْطَان وَفِي هَذَا الْيَوْم بعث العساكر وزحف إِلَى خنادقهم وخالطوهم وَحصل بَينهم قتال شَدِيد وَلما تكاثر الإفرنج عل عكا وَقل الْمُسلمُونَ لِكَثْرَة من اسْتشْهد خرج سيف الدّين عل المشطوب غل ملك الافرنسيس بِأَمَان وَقَالَ لَهُ قد علمْتُم مَا عاملنا كم بِهِ عِنْد أَخذ بِلَادكُمْ من الْأمان لأَهْلهَا وَنحن نسلم إِلَيْك الْبَلَد عل أَن تُعْطِينَا الْأمان ونسلم فَقَالَ إِن أُولَئِكَ الْمُلُوك كَانُوا عَبِيدِي وَأَنْتُم مماليكي أفعل بكم مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيِي فَقَامَ المشطوب من عِنْده مغتاضاً وَأَغْلظ لَهُ فِي القَوْل وَقَالَ نَحن لَا نسلم الْبَلَد حَتَّى نقْتل بأجمعنا ونقتلكم قبلنَا وَلَا يقتل منا وَاحِد حَتَّى يقتل خمسين وَلما رَجَعَ المشطوب وَعلم حَاله هرب جماع من الْأُمَرَاء والأجناد مِمَّن بِالْبَلَدِ وَغَضب عَلَيْهِم السُّلْطَان وَأخرج إقطاعتهم ثمَّ رَجَعَ بَعضهم إِلَى الْبَلَد فَحصل لَهُ الرِّضَا وَوَقع فِي بَعضهم شَفَاعَة واستمروا عل المقت عِنْد السُّلْطَان وَفِي يَوْم الْخَمِيس حصلت وقْعَة عَظِيمَة وَاشْتَدَّ فِيهَا الْحَرْب وَأصْبح الْعَسْكَر يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الشَّهْر عل أهبة الْقِتَال فَلم يحصل شَيْء وَاقْتضى النَّهَار والعسكر مُحِيط بالعدو والعدو مُحِيط بِالْبَلَدِ واصبح يَوْم السبت والإفرنج قد ركبُوا وَخرج مِنْهُم أَرْبَعُونَ فَارِسًا واستدعوا بِبَعْض المماليك الناصرية فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم أَخْبرُوهُ أَن الْخَارِج صَاحب صيدا فِي أَصْحَابه وَهُوَ يَسْتَدْعِي نجيب الدّين أحد أُمَنَاء السُّلْطَان لِأَنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد فِي الرسالات للإفرنج فَلَمَّا حضر أرْسلهُ إِلَى السُّلْطَان ليتحدث فِي خُرُوج من بعكا بِأَنْفسِهِم بِحكم الْأمان وطلبوا فِي مُقَابلَة ذَلِك أَشْيَاء لَا يُمكن وُقُوعهَا وتعنتوا فِي الِاشْتِرَاط فتردد من عِنْد السُّلْطَان نجيب الدّين مرَارًا وَكَانَ الإفرنج اشترطوا إِعَادَة جَمِيع الْبِلَاد وَإِطْلَاق أساراهم فبذل السُّلْطَان لَهُم عكا بِمَا فِيهَا وَإِن يُطلق فِي مُقَابلَة كل شخص أَسِيرًا فَلم يقبلُوا وسمح لَهُم برد صَلِيب الصلبوت وانفصل الْأَمر على غير اتِّفَاق وَضعف الْبَلَد وَعجز من فِيهِ (اسْتِيلَاء الإفرنج على عكا) وَفِي يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع عشر من جُمَادَى الْآخِرَة اجْتمعت الإفرنج بجموعها وهجمت وطلعت فِي السُّور المهدوم فثار عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ وصدوهم وحصلت الْوَقْعَة حَتَّى كلت الرِّجَال فَخرج سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المشطوب وحسام الدّين حُسَيْن بازيك وَأخذ أَمَان الإفرنج عل أَن يخرجُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم عل تَسْلِيم الْبَلَد ومائتي ألف دِينَار وَخَمْسمِائة أَسِير من المجهولين وَمَا اسر من المعروفين وصليب الصلبوت وَأَشْيَاء ذكرَاهَا غير ذَلِك فَلم يشعرا إِلَّا بالرايات الإفرنجية قد نصبت على عكا وَمَا عِنْد السُّلْطَان علم بِمَا جر عَلَيْهِ الْحَال فانزعج السُّلْطَان والمسلمون لذَلِك وَنقل الثّقل تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى منزلَة الأول بشغرعم وَأقَام فِي خيمة لَطِيفَة ثمَّ انْتقل سحر لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشر الشَّهْر إِلَى المخيم وَهُوَ فِي غم عَظِيم فسلاه أَصْحَابه واستعطفوا بخاطره وَخرج رَسُول بهاء الدّين قراقوش لطلبا قدروه من القطيعة وَقَالَ أد ركونا بِنصْف المَال وَجَمِيع الاساري وصليب الصلبوت قبل خُرُوج الشَّهْر وَإِن تَأَخّر شَيْء من ذَلِك أسرنا وَنصف المَال يصبرون بِهِ إِلَى شهر آخر فأحضر الأكابر وفاوضهم فأشاروا باستنقاد إخْوَانهمْ من الْمُسلمين فشرع السُّلْطَان فِي تَحْصِيله وَكتب إِلَى الأقطار يعلمهُمْ بِالْحَال ويستنفرهم للْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخ جماد الْآخِرَة خرج الإفرنج وانتشروا فَضربت الكاسات السُّلْطَانِيَّة فَانْتدبَ الْعَسْكَر وَاشْتَدَّ الْحَرْب وَانْهَزَمَ الإفرنج فَجَاءَت

الْعَرَب وحالت بَينهم وَبَين أسوارهم وصرعوا زهاء خمسين رجلا وكروا عَلَيْهِم ثمَّ كرّ الإفرنج عل الْمُسلمين كرة عَظِيمَة فتثبتوا ثمَّ عَادوا عَلَيْهِم حَتَّى طردوهم إِلَى خنادقهم وانتصف الْإِسْلَام فِي ذَلِك الْيَوْم بعض الانتصاف وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي رَجَب جَاءَت الرُّسُل فِي تَقْرِير القطيعة المقرة بخلاص الْجَمَاعَة وأخبروا أَن ملك الافرنسيس توجه إِلَى صور لترتيب أُمُوره ووكل المر كيس فِي قبض مَا يَخُصُّهُ فَجهز السُّلْطَان رَسُولا لكشف خَبره وعَلى يَدَيْهِ هَدِيَّة لَهُ وَنقل خيمته يَوْم السبت إِلَى تل بازاء شغرعم وَرَاء التل الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَمَا زَالَت الرُّسُل تَتَرَدَّد حَتَّى أحضر مائَة ألف دِينَار والاساري المطلوبين وصليب الصلبوت ليوصل ذَلِك إِلَى الإفرنج فِي الْأَجَل الْمعِين وَوَقع الْخلف فِي كَيْفيَّة التَّسْلِيم فَقَالَ السُّلْطَان اسلمه إِلَيْكُم عل أَن تطلقوا جَمِيع أَصْحَابنَا وتأخذوا بباقي المَال قوما رهائن فَأَبَوا إِلَّا أَخذ الْجَمِيع بسرع ويسلموا ويحلفون للْمُسلمين عل تَسْلِيم من عِنْدهم فَقيل لَهُم تضمنكم الرِّوَايَة فَلم يضمنوا فتحير السُّلْطَان وَقَالَ مت سلمن إِلَيْهِم من غير احْتِيَاط بِالشّرطِ كَانَ عل الْإِسْلَام غبن وعار فَلَو ايقنا بخلاص أَصْحَابنَا سمحنا لَهُم فِي الحجال بصليب الصلبوت والاساري وَالْمَال ووقف الْأَمر إِلَى أَن مضى الْأَجَل وَجَاء الرُّسُل وَرَأَوا الاسارى قد حَضَرُوا وَالْمَال مَوْزُونا فظنوا أَن صَلِيب الصلبوت قد أرسل إِلَى دَار الْخلَافَة فسألوا إِحْضَاره لينظروه فَلَمَّا أحضر خروا لَهُ ساجدين اطمأنوا وَظهر للسُّلْطَان مِنْهُم إمارات الْغدر وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من رَجَب أخرج الإفرنج إِلَى ظَاهر المرج خياماً نصبوها وَجلسَ فِيهَا ملك الانكثير وَمَعَهُ خلق من جماعته (غدر ملك الانكثير وَقتل الْمُسلمين المأخوذين بعكا) وَفِي عصر يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشري رَجَب ركب الافرنج بأسرهم وجاؤا

إِلَى المرج الَّذِي بَين تل الصياصية وتل كيسَان فَعلم السُّلْطَان بذلك فركبت العساكر نحوهم وَكَانُوا قد أحضروا أسَارِي الْمُسلمين وهم واقفون فِي الْجبَال وحملوا عَلَيْهِم وقتلوهم جَمِيعهم فَحمل عَلَيْهِم الْعَسْكَر وَقتل مِنْهُم خلقا كثيرا وَانْصَرف الْعَدو إل خيامه فَلَمَّا وَقع هَذَا الْغدر تصرف السُّلْطَان فِي ذَلِك المَال وَأعَاد أسَارِي الإفرنج إِلَى دمشق وَأعَاد صَلِيب الصلبوت (رحيل الإفرنج صوب عسقلان) وَفِي سحر الْأَحَد غرَّة شعْبَان عزم الإفرنج عل التَّوَجُّه إِلَى عسقلان وَسَارُوا فَعلم السُّلْطَان بذلك وَكنت نوبَة اليزك فِي ذَلِك الْيَوْم للْملك الْأَفْضَل فَوقف فِي طريقهم وشتت شملهم وَأرْسل يستنجد وَالِده أَن يمده بعسكر حَتَّى يقاتلهم فَاسْتَشَارَ من حضر عسكره فَقيل للسُّلْطَان إِن الْعَسْكَر لم يتأهب لِلْقِتَالِ والإفرنج قد فَأتوا وَالْحَرب قَائِم عِنْد قيسارية وقصده أولى فصرف السُّلْطَان عزمه وَتوجه نَحْو قيسارية وَنزل عل النَّهر الَّذِي يجْرِي إِلَى قيسارية وَأقَام هُنَاكَ وَأي مرَارًا باساري فَأمر بإراقة دمهم (وقْعَة قيسارية) وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع شعْبَان وصل الْخَبَر للسُّلْطَان برحيل الافرنج وَإِنَّهُم سائرون فِي جمع فَركب السُّلْطَان وَمن مَعَه وَسَار الْعَدو بازائه وَكَانَت هُنَاكَ بركَة كَبِيرَة مَمْلُوءَة بِالْمَاءِ والإفرنج عل عزم وُرُودهَا فصدهم عَسْكَر الْإِسْلَام عَنْهَا وطردوهم فَوَلوا مُدبرين وَانْصَرفُوا نَحْو السَّاحِل ونزلوا عل نهر يُقَال لَهُ نهر الْقصب بعد مشق حصلت لَهُم من الْمُسلمين وَنزل الْعَسْكَر بعد انْقِضَاء الْحَرْب عل الْبركَة ثمَّ رَحل وَنزل على نهر الْقصب فِي أَوله وَهُوَ الَّذِي نزل الْعَدو فِي أَسْفَله فقربت الْمسَافَة

وَكَانَ شخص من الْأُمَرَاء اسْمه عز الدّين ابْن الْمُقدم أبْصر جمَاعَة من الإفرنج مُقْبِلين لكشف حَال الْعَسْكَر فَعبر إِلَيْهِم النَّهر وَقتل مِنْهُم عدَّة وَأسر ثَلَاثَة فَركب الافرنج وحملوا عَلَيْهِ وَكَانَت وقْعَة عَظِيمَة وأحضر الاساري عِنْد السُّلْطَان ورحل وَقت الظّهْر قَاصِدا نَحْو أرسوف وَنزل عل قَرْيَة بقربها وَأقَام بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء والعدو فِي مَكَانَهُ الأول (اجْتِمَاع الْملك الْعَادِل وَملك الانكثير) كَانَ فِي اليزك علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر فراسله الْعَدو أَن يتحدث مَعَ الْملك الْعَادِل فاجتمعا يَوْم الْخَمِيس فتكلما فِي الصُّلْح وإخماد الْفِتْنَة فَقَالَ لَهُ الْملك الْعَادِل مَا الَّذِي تريده؟ فَقَالَ رد الْبِلَاد فَقَالَ الْعَادِل هَذَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ وَأَغْلظ لَهُ فِي القَوْل وَكَانَ الترجمان بَينهمَا هنفرى بن هنفرى فَلَمَّا سمع ملك الانكثير ذَلِك غضب وتفرقا على غير شَيْء (وقْعَة أرسوف) لما عرف السُّلْطَان من أَخِيه الْملك الْعَادِل مَا جر بَينه وَبَين ذَلِك الملعون جمع يَوْم الْجُمُعَة العساكر وسير الثّقل وَركب فَلَمَّا أَسْفر صباح السبت رَابِع عشر شعْبَان ركب الْعَدو عل صوب أرسوف فهجم عَلَيْهِم عَسْكَر الْإِسْلَام وأحاط بهم وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَينهم فحملوا على اطلاب الْمُسلمين حَملَة وَاحِدَة فاستشهد جمَاعَة من الْمُسلمين ثمَّ كرّ الْعَسْكَر على الْكفَّار فصدوهم وكسروهم وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَأسر جمَاعَة وهرب الإفرنج ودخلوا أرسوف ونزلوا قَرِيبا من المَاء وَبَات السُّلْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة عل نهر العوجاء وَأقَام الْعَدو يَوْم الْأَحَد فِي مَوْضِعه ثمَّ رَحل يَوْم الثُّلَاثَاء سائراً إِلَى يافا فعارضهم الْعَسْكَر فِي طريقهم ثمَّ رَحل السُّلْطَان يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر شعْبَان وَنزل بالرملة وَاجْتمعَ عِنْده

الأثقال كلهَا ثمَّ رَحل وَنزل بِظَاهِر عسقلان بعد الْعَصْر (خراب عسقلان) لما نزل السُّلْطَان بالرملة أحضر عِنْده أَخَاهُ الْملك الْعَادِل وأكابر الْأُمَرَاء أشاورهم فِي أَمر عسقلان فَأَشَارَ بَعضهم بخرابها للعجز عَن حفظهَا فَإِن الإفرنج نزلُوا بيافا وَهِي مَدِينَة الْقُدس وعسقلان متوسطة وَلَا سَبِيل إِلَى حفظ المدينتين إِلَّا بِعَدَد كثير وتيقن إِنَّهُم إِذا وصلوا إِلَى عسقلان تسلموها كَمَا وَقع فِي عكا وَاقْتضى الْحَال هدمها وَوصل السُّلْطَان إِلَى عسقلان وَشرع فِي هدمها بكرَة يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر شعْبَان فنقض أسوارها وَهدم منازلها وَكَانَت مِمَّن أحس المدن وأظرفها فَصَارَت خراباً داثرة وَحصل لأَهْلهَا مشقة زَائِدَة بهدمها وَبَاعُوا أمتعتهم بأنجس الْأَثْمَان وتشتتوا فِي الْبِلَاد (فصل) فَلَمَّا هدمها رَحل يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر رَمَضَان وَنزل على يبنا وَنزل يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث الشَّهْر بالرملة ثمَّ خرج إِلَى لد وأشرف عَلَيْهَا وَأمر بإخرابها وإخراب قلع الرمل فَفعل ذَلِك ثمَّ توجه إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَأَتَاهُ يَوْم الْخَمِيس وَخرج مِنْهُ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن شهر رَمَضَان بعد الظّهْر وَبَات فِي بَيت نوبَة وَعَاد إِلَى المخيم يَوْم الثُّلَاثَاء ضحوة وَفِي هَذَا التَّارِيخ خرج ملك الانكثير متنكراً فَخرج عَلَيْهِ الكمين وَجرى قتال عَظِيم حَتَّى كَاد يؤسر الْملك وَقد أسر مِنْهُ جمَاعَة وَجرى يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الشَّهْر بَين اليزكية وَأهل الْكفْر وقْعَة قتل مِنْهُم مقدم كَبِير

ورحل السُّلْطَان يَوْم السبت ثَالِث عشره وَنزل على تل عَال عِنْد النطرون وَهِي قلعة منيعة فَهَدمهَا وأشاع الْإِقَامَة هُنَاكَ وأفاض الانعام على الْعَسْكَر (ذكر مَا تجدّد لملك الانكثير) وصلت رسل ملك الانكثير إِلَى الْعَادِل بالمصالحة وترددت الرُّسُل وانتظم الْحَال على أَن الْعَادِل يتَزَوَّج أُخْت ملك الانكثير وَيحكم الْعَادِل فِي الْبِلَاد وَتَكون الْمَرْأَة مُقِيمَة بالقدس ويوطن الْعَادِل مقدم يالافرنج وَالرِّوَايَة والاستبار بِبَعْض الْقرى وَلَا يُمكنهُم من الْحُصُون وَلَا يُقيم مَعهَا فِي الْقُدس إِلَّا قسس وَرُهْبَان فاستدع الْعدْل جمَاعَة من الْأَعْيَان مِنْهُم الْعِمَاد الْكَاتِب وَغَيره سَأَلَهُمْ فِي الْمُضِيّ إِلَى السُّلْطَان وإعلامه بذلك وسؤاله فِي ذَلِك فَحَضَرُوا إِلَى السُّلْطَان وَأَخْبرُوهُ بِالْحَال فسمح ورضى وَذَلِكَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشري رَمَضَان وَعَاد الرَّسُول إِلَى ملك الانكثير ثمَّ أَن أكَابِر الإفرنج عرضوا ذَلِك قسسهم فَلم يرضوه وخبثوا الْمَرْأَة وند موها وعنفوها بتزويجها بِالْمُسلمِ فانثنى عزمها عَن التَّزْوِيج وَقَالَت أتزوجه بِشَرْط أَن يوافقني عل ديني فَأَنف الْعَادِل من ذَلِك وَاعْتذر الْملك بامتناع أُخْته وَبَطل الِاتِّفَاق وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْعِيد وَفِي يَوْم الْعِيد خلع السُّلْطَان عل أكابره وَمد لَهُم سماطاً وَنزل السُّلْطَان بالرملة ليقرب من الْعَدو وتواتر الْخَبَر بِأَن الإفرنج عل عزم الْخُرُوج فَسَار يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع شَوَّال وخيم خَارج الرملة وَجَاء الْخَبَر أَن الْعَدو قد خرج إِلَى باروز فَتسَارع الْعَسْكَر إِلَيْهِم وقربوا من خيامهم وَأَحَاطُوا بهم فَركب الإفرنج وحملوا على النَّاس حَملَة فاندفعوا بَين أَيْديهم فاستشهد ثَلَاثَة وَكَانَ السُّلْطَان فِي كل يَوْم يركب وَلَا يَخْلُو من وقْعَة يقتل فِيهَا من الْكفَّار

(وقعة الكمين)

(وقْعَة الكمين) وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس عشر شَوَّال أَمر السُّلْطَان رجال الْحلقَة المنصورة بِأَن يكمنوا فِي جِهَة عينهَا وَخرج الافرنج للاحتشاش ولقيهم إِعْرَاب فتواقعوا مَعَهم وَخرج الكمين واقتتلوا مَعَهم وَقتل جمَاعَة من الْكفَّار وَاسْتشْهدَ ثَلَاثَة من المماليك الْخَواص وَأسر من الإفرنج فارسان وأحضرا للسُّلْطَان وانفصل الْحَرْب وَقت الظّهْر (اجْتِمَاع الْملك الْعَادِل بِملك الانكثير) وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر شَوَّال ضرب الْملك الْعَادِل بِقرب اليزك لأجل ملك الانكثير ثَلَاث خيام وجهز فَاكِهَة وحلو وَطَعَامًا وَحضر ملك الانكثير وطالت بَينهمَا المحادثة وافترقا عَن غير مُوَافقَة وَمضى الْملك وَكَانَ قد وصل صَاحب صيدا من صور برسالة المر كيس لطلب الصُّلْح مَعَ السُّلْطَان حَتَّى يقو يَده عل ملك الانكثير وَبلغ ذَلِك ملك الانكثير فوصل رَسُوله أَيْضا بنظير هَذَا الْأَمر ومض القَوْل مَعَ صَاحب صيدا إِلَى المر كيس على شَرَائِط شرطت عَلَيْهِ وَأما مراسل الْملك فَلم ينْتج مِنْهَا أَمر وَكلما حصل الِاتِّفَاق مَعَه عل شَيْء نَقصه وَكلما قَالَ قولا رَجَعَ عَنهُ فلعنه الله عَلَيْهِ وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشري شَوَّال عَاد السُّلْطَان إِلَى المخيم بالنطرون ورحل الإفرنج يَوْم السبت ثَالِث ذِي الْقعدَة وتقدموا إل الرملة ونزلوا بهَا وَلم يشك إِنَّهُم على قصد الْقُدس وَأقَام السُّلْطَان فِي كل يَوْم لَهُ سَرَايَا وَصَارَ لَهُم فِي كل يَوْم وَقع وَمَا يَخْلُو من أسر تقاد إِلَيْهِ ثمَّ هجم الشتَاء وتوالت الأمطار فعزم على الرحيل (رحيل السُّلْطَان إِلَى الْقُدس) وَفِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة ركب السُّلْطَان والغيث نَازل وَسَار بِمن مَعَه حَتَّى وصل إِلَى الْقُدس قبل الْعَصْر وَنزل بدار الاقساء الْمُجَاورَة

لكنيسة قمامة وَشرع فِي تحصين الْمَدِينَة وَصلى يَوْم الْجُمُعَة مستهل ذِي الْحجَّة وصل إِلَيْهِ عَسْكَر من مصر وَتَتَابَعَتْ العساكر المصرية وَوصل الْخَبَر بنزول الإفرنج بالنطرون فَوَقع الارجاف فِي النَّاس وَجَرت يَوْم الْخَمِيس سَابِع الشَّهْر وقْعَة قرب بَيت نوبَة من سَرِيَّة جهزها السُّلْطَان فوقعوا عل سَرِيَّة الإفرنج فأسروها وقتلوها ووصلوا بزهاء خمسين أَسِيرًا إِلَى الْقُدس وَكَانَت بشرى عَظِيمَة ثمَّ وَقعت وقْعَة أخر قتل من الْكفَّار سِتَّة وَأسر أَرْبَعَة وَصلى السُّلْطَان عيد الْأُضْحِية بالقدس يَوْم الْأَحَد وَكَانَت الوقفة بِمَكَّة يَوْم الْجُمُعَة لَكِن لم ير الْهلَال بالقدس لَيْلَة الْخَمِيس وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر ذِي الْحجَّة وقْعَة بالرمل من أميرين أغارا عل الافرنج وأخذا أَمْوَالًا وأغناما وخيلا وجمالا وبغالا وأسرا مِمَّن كَانَ فِي الْقَافِلَة ثَلَاثِينَ وأحضراهم للسُّلْطَان وأحاط الإفرنج الْبلَاء وَكَثُرت عَلَيْهِم الغارات فرحلوا وعادوا إِلَى الرملة وَطَابَتْ قُلُوب الْمُسلمين (ذكر مَا اعْتَمدهُ السُّلْطَان فِي عمَارَة الْقُدس) وصل مِمَّن الْموصل جمَاعَة للْعَمَل فِي الخَنْدَق جهزهم صَاحب الْموصل صُحْبَة بعض حجابه وسير مَعَه مَالا يفرقه عَلَيْهِم فِي رَأس كل شهر وَأَقَامُوا نصف سنة فِي الْعَمَل وَأمر السُّلْطَان بِحَفر خَنْدَق عميق وَأَنْشَأَ سوراً وأحضر من أسرى الإفرنج قَرِيبا من أَلفَيْنِ ورتبهم فِي ذَلِك وجدد أبراجاً حربية من بَاب العمود إل بَاب الْمِحْرَاب وَبَاب الْمِحْرَاب هُوَ الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب الْخَلِيل وَأنْفق عَلَيْهَا أَمْوَالًا جزيلة وبناها بالأحجار الْكِبَار وَكَانَ الْحجر يقطع من الخَنْدَق وَيسْتَعْمل فِي بِنَاء السُّور وَقسم بِنَاء السُّور على أَوْلَاده وأخيه الْعَادِل وامرائه وَصَارَ يركب كل يَوْم ويحضر على بنائِهِ

وَكَانَ يحمل الْحجر على قربوس سَرْجه وَيخرج النَّاس لموافقته على حمل الْحجر إِلَى مَوضِع الْبناء ويتولى ذَلِك بِنَفسِهِ وبجماعة خواصه والأمراء ويجتمع لذَلِك الْعلمَاء والقضاة والصوفية والأولياء وحواشي العساكر والاتباع وعوام النَّاس فيني فِي أقرب مُدَّة مَا يتَعَذَّر بِنَاؤُه فِي سِنِين وَأرْسل السُّلْطَان لصَاحب الْموصل يشكره عل تجهيز الرِّجَال لحفر الخَنْدَق بمكاتبة أَنْشَأَهَا الْعِمَاد الْكَاتِب رَحمَه الله تَعَالَى وَدخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مُقيم بالقدس فِي دَار الاقسا بجوار قمامة لتقوية الْبَلَد وتشييد أسواره وجد فِي عمَارَة الصَّخْرَة المقدسة وأكمل السُّور وَالْخَنْدَق وَصَارَ فِي غَايَة الإتقان وَاطْمَأَنَّ أهل الْإِسْلَام (ذكر الْحَوَادِث مَعَ الإفرنج) رَحل الإفرنج يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث الْمحرم من الرملة إِلَى بلد عسقلان ونزلوا بظاهرها يَوْم الْأَرْبَعَاء وَتَشَاوَرُوا فِي إِعَادَة عمارتها وَكَانَ اثْنَان من الْأُمَرَاء نازلين فِي بعض أَعمالهَا فَركب ملك الانكثير عصر يَوْم الْخَمِيس فشاهد دخاناً على الْبعد فساق مُتَوَجها إِلَى تِلْكَ الْجِهَة فَمَا شعر الْمُسلمُونَ إِلَّا بالكبسة عَلَيْهِم فَلم ينزعجوا فَإِنَّهُ كَانَ وَقت الْمغرب وهم مجتمعون وَلم ير الْعَدو إِلَّا أحد الْقسمَيْنِ من الْمُسلمين فقصده فَعرف الْقسم الآخر هجوم الْعَدو فَرَكبُوا إِلَى الْعَدو فدفعوه حَتَّى ركب رفقاؤهم المقصودون واجتمعوا وردوا الْعَدو ثمَّ تكاثر الإفرنج وتواصلوا وَوَقعت الْوَقْعَة فَلم يفقد من الْمُسلمين إِلَّا أَرْبَعَة وَنَجَا الْبَاقُونَ وَكَانَت نوبَة عَظِيمَة وَلَكِن الله سلم فِيهَا وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر الْمحرم ركب السُّلْطَان على عَادَته فِي نقل الْحِجَارَة والعمارة وَمَعَهُ الْمُلُوك والأمراء والقضاة وَالْعُلَمَاء والصوفية والزهاد والأولياء وَخرج

كل بِالْبَلَدِ وَهُوَ قد حمل على سَرْجه وَالنَّاس ينقلون مَعَه وَلما دخل الظّهْر نزل فِي خيمة بالصحراء وَمد السماط ثمَّ صلى الظّهْر وَانْصَرف المنزله وَأما سراياه فَكَانَت لَا تزَال تغير عل الْكفَّار فَمن ذَلِك سَرِيَّة أغارت يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي عشر من الْمحرم عل يبنا وفيهَا الافرنج فَغنِمت اثْنَي عشر أَسِيرًا وخيلاً ودواب وأثاثاً كثيرا وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي صفر أغارت السّريَّة عل ظَاهر عسقلان وغنمت ثَلَاثِينَ أَسِيرًا سو الْخَيل وَالْبِغَال وَفِي لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشر صفر صبحت سَرِيَّة على يبنا وَظَهَرت على قافلة الافرنج فأخذتها بأسرها مَعَ رجالها وبغالها وأحمالها ثمَّ أغارت عل يافا فقتلت وفتكت وعادت بِالْغَنِيمَةِ والسبايا وَعجز جمَاعَة من الاساري عَن الْمَشْي فَضربت أَعْنَاقهم وَأوجب ذَلِك عتق البَاقِينَ وَلما خرج سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالمشطوب من الْأسر قرر على نَفسه قطيعة خمسين ألف دِينَار فأد مِنْهَا ثَلَاثِينَ ألفا وَأعْطى رهائن عل عشْرين ألفا وَوصل إِلَى الْقُدس وَاجْتمعَ بالسلطان يَوْم الْخَمِيس مستهل شهر ربيع الآخر فَقَامَ إِلَيْهِ واعتنقه وتلقاه واقطعه نابلس وأعمالها وعاش إِلَى آخر شَوَّال من هَذِه السّنة وَتُوفِّي رَحمَه الله فعين السُّلْطَان ثلث نابلس وأعمالها لمصَالح الْبَيْت الْمُقَدّس وَعمارَة سُورَة وَأبقى بَاقِيهَا لوَلَده (هَلَاك المركيس بِصُورَة) أضَاف الأسقف بصور يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر ربيع الآخر فَأكل وَخرج وَركب فَوَثَبَ عَلَيْهِ رجلَانِ وقتلاه بالسكاكين فامسكا وسئلا من هُوَ الْأَمر لَكمَا بقتْله؟ فَقَالَا ملك الانكثير فقتلا شَرّ قتلة

وَلما هلك المركيس تحكم ملك الانكثير فِي صور وولاها الكندهرى وَأرْسل الْملك يطْلب من السُّلْطَان نصف الْبِلَاد سوى الْقُدس فَإِنَّهُ يبْق للْمُسلمين بمدينته وقلعته سوى كنيستهم قمامة فَأبى السُّلْطَان وَلم يرض (اسْتِيلَاء الإفرنج عل قلعة الداروم) وقلعة الداروم هَذِه على حد مصر خلف غَزَّة وَكَانَت مِنْهَا مضرَّة كَبِيرَة فَلَمَّا شرع الإفرنج فِي عمَارَة عسقلان ترددوا إِلَيْهَا مرَارًا ثمَّ نزلت الإفرنج عَلَيْهَا وَاشْتَدَّ زحفهم إِلَيْهَا عَشِيَّة السبت تَاسِع جماد الأولى بعد أَن نقبوها وَطلب أَهلهَا الْأمان فَلم يُؤمنُوا وَلما عرف الْوَالِي بهَا إِنَّهُم مأخوذون عمد إِلَى الْخَيل وَالْجمال وَالدَّوَاب فعرقبها والى الذَّخَائِر فأحرقها وفتحوها بِالسَّيْفِ وَقتلُوا من بهَا وأسروا مِنْهُم عدَّة يسيرَة وَكَانَت نوبَة كَبِيرَة على الْإِسْلَام ثمَّ رَحل الإفرنج عَنْهَا ونزلوا عل مَاء يُقَال لَهُ الْحسي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر الشَّهْر ثمَّ تركُوا خيامهم وَسَارُوا على قصد قلعة يُقَال لَهَا مجدل الجبان فَخرج عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ وقاتلوهم قتالاً شَدِيدا وَقتل مِنْهُم خلق كثير وانهزموا ثمَّ رحلوا من الْحسي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر لشهر وَتَفَرَّقُوا فِي يَقِين فبعضهم عَاد إِلَى عسقلان وَبَعْضهمْ جَاءَ إِلَى بَيت جِبْرِيل فَتقدم السُّلْطَان إِلَى العساكر بمبارزتهم وَفِي يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين نزلُوا بتل الصافية ونزلوا يَوْم الثُّلَاثَاء السَّادِس وَالْعِشْرين بالنطرون فارجف بقصدهم الْقُدس ثمَّ ضربوا خيامهم يَوْم الْأَرْبَعَاء على بَيت نوبَة واظهر السُّلْطَان الاقامة بالقدس وَفرق الْأُمَرَاء عل الأبراج وَجَرت وقعات وكبسات وَفِي يَوْم السبت نزل النَّاس إِلَيْهِم وقاتلوهم فِي خيامهم وَركب الْعَدو وسَاق إِلَى قلونية وَهِي ضَيْعَة من الْقُدس عل فرسخين وَعَاد مُنْهَزِمًا

وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة خرج كمين فِي طَرِيق يافا عل قافلة فَأَخَذُوهَا وأسروا من فِيهَا (كبسة الإفرنج على عَسْكَر مصر الْوَاصِل) كَانَ السُّلْطَان يستحث عَسْكَر مصر بكتبه وَرُسُله ويدعوه نجد لأهل الْقُدس فَضرب خيامه على بلبيس مُدَّة حَتَّى اجْتَمعُوا وانضم إِلَيْهِم التُّجَّار فاغتروا بكثرتهم والعدو منتظر قدومهم وَجَاء الحبر للسُّلْطَان ليل الِاثْنَيْنِ تَاسِع جُمَادَى الآخر إِن ملك الانكثير ركب فِي جمع كَبِير وَسَار عصر يَوْم الْأَحَد فَجرد السُّلْطَان أَمِيرا وَجَمَاعَة لتلقي الْوَاصِل وَأمرهمْ بِأَن يَأْخُذُوا بِالنَّاسِ فِي طَرِيق الْبَريَّة فعبروا عُلَمَاء الْحسي قبل وُصُول الْعَدو إِلَيْهِ وَكَانَ مقدم الْعَسْكَر الْمصْرِيّ فلك الدّين أَخُو الْعَادِل فَلم يسْأَل عَن الْمنزلَة وَقصد الطَّرِيق الْأَقْرَب وَترك الْأَحْمَال عل طَرِيق أُخْرَى وَنزل عل مَاء يعرف بالخويلفة وناد تِلْكَ اللَّيْلَة إِنَّه لَا رحيل إِلَى الصَّباح وناموا مُطْمَئِنين فصبحهم الْعَدو عِنْد انْشِقَاق الصُّبْح فِي الْغَلَس فَلَمَّا بغتهم ركب كل مِنْهُم عل وَجهه وَفِيهِمْ من ركب بِغَيْر عدَّة وانهزموا وَتركُوا الْعَدو وَرَاءَهُمْ فَوَقع الْعَدو فِي أمتعتهم وتفرق الْعَسْكَر فِي الْبَريَّة فَمنهمْ من رَجَعَ إِلَى مصر وَمِنْهُم من توجه عل طَرِيق الكرك فَأخذ الْكفَّار من الْجمال والأحمال مَا لَا يعدو وَلَا يُحْصى وَكَانَت نكبة عَظِيمَة وَوصل الْجند مسلوبين منكوبين فسلاهم السُّلْطَان وَوَعدهمْ بِكُل جميل واشتغل الْكفَّار بِالْمَالِ عَن الْقَتْل والقتال (رحيل ملك الانكثير صوب عكا مظْهرا إِنَّه عل قصد بيروت) لما تعذر عل الإفرنج قصد الْقُدس وَرَأَوا أَن بيروت فزع مِنْهُم وَقطع عَلَيْهِم طَرِيق الْبَحْر فَقَالُوا هَذَا الْبَلَد أَخذه هَين وَإِذا قصدناه جَاءَ السُّلْطَان وَعَسْكَره إِلَيْنَا وخلا الْقُدس فنبادر إِلَيْهِ من يافا وعسقلان ونملكه فَلَمَّا عرف السُّلْطَان مَا عزموا

عَلَيْهِ أَمر وَلَده الْملك الْأَفْضَل بمبادرتهم فِي الرحيل وسبقهم إِلَى مرج عُيُون حَتَّى إِذا تَيَقّن قصدهم سبقت العساكر إِلَى بيروت ودخلتها وَكتب السُّلْطَان إِلَى العساكر الْوَاصِلَة إِلَى دمشق أَن يَكُونُوا مَعَ وَله فَنزل بمرج عُيُون والافرنج بعكا لم تخرج مِنْهَا (نزُول السُّلْطَان على مَدِينَة يافا وَفتحهَا) لما رَحل ملك الانكثير وَترك فِي مدينتي يافا وعسقلان جمعا من الْعَسْكَر انتهز السُّلْطَان الفرصة لغيبته ونهض بعسكره الْحَاضِر وَنزل على يافا وحصرها ورماها بالمناجيق وزحف عَلَيْهَا وهجم على الْمَدِينَة وَقتل من بهَا وَوجدت الْأَحْمَال الْمَأْخُوذَة من قافلة مصر فَأخذت وامتلأت الْبَلَد من الْمُسلمين وَبقيت القلعة وَطلب أَهلهَا الْأمان ويسلمونها وَكَانَ قرب الِاسْتِيلَاء عَلَيْهَا فَلَمَّا طلبُوا الْأمان كف النَّاس عَنْهَا فَخرج البطرك الْكَبِير وَمَعَهُ جمَاعَة من المقدمين والأكابر عل أَن يدخلُوا تَحت طَاعَة السُّلْطَان وسلموا المَال والذخائر حَتَّى دخل اللَّيْل فاستمهلوا إِلَى الصَّباح وطلبوا من يحفظهم من الْمُسلمين وَمَا زَالَ يخرج من يَسْتَدْعِي زِيَادَة التوثقة حَتَّى وصل ملك الانكثير فِي الْبَحْر فِي مراكب فِي اللَّيْل وَدخل القلعة من الْجَانِب البحري وَنَادَوْا بشعار الْكفْر فَاكْتفى مكنهم بِمن أسر وَنَدم الْمُسلمُونَ عل مَا وَقع من الْأمان وَلَو أَن السُّلْطَان توقف فِي تأمينهم لأخذت القلعة وَكَانَ ذَلِك فتحا عَظِيما وَأخذ الْمُسلمُونَ من الْأَمْوَال والغنائم مَا لَا يُحْصى واستعادوا من الْكفَّار مَا نهبوه من الكبسة المصرية وَقتل من أَقَامَ بِالْبَلَدِ وَأسر وَحصل فِي أَيدي الْمُسلمين من مقدمي القلعة نَيف وَسَبْعُونَ وَكَانَ الْقَصْد فِي الأول رُجُوع الْكفَّار عَن قصد بيروت وَضعف الإفرنج من هَذِه الْوَقْعَة وَعَاد السُّلْطَان وخيم عل النطرون وَأقَام السُّلْطَان حَتَّى تكاملت العساكر ورحل السُّلْطَان وَنزل بالرملة وَقد اجْتمع العساكر من سَائِر الْبِلَاد وقوى وَاشْتَدَّ

عزم الْمُسلمين وَحصل لَهُم السرُور بِفَتْح يافا وَأخذ مَا فِيهَا وتباشروا بالنصر وخذلان الْعَدو (الْهُدْنَة الْعَامَّة) لما عرف ملك الانكثير اجْتِمَاع العساكر واتساع الْخرق عَلَيْهِ وَأَن الْقُدس قد امْتنع أَخذه قصر عَمَّا كَانَ فِيهِ وخضع وَأظْهر إِنَّه لم يهادن السُّلْطَان وَأقَام وجد فِي الْقِتَال ثمَّ طلب المهادنة وَكَاتب الْملك الْعَادِل يسْأَله الدُّخُول عل السُّلْطَان فِي الصُّلْح فَلم يجب السُّلْطَان لذَلِك وأحضر السُّلْطَان الْأُمَرَاء وشاورهم وَقَالَ لَهُم نَحن بِحَمْد الله فِي قُوَّة وَقد ألفنا الْجِهَاد وَمَا لنا شغل إِلَّا الْعَدو وحرضهم على التثبيت والتصميم وحثهم على الْجِهَاد فَقَالُوا لَهُ رَأْيك سديد والتوفيق فِي كل مَا تُرِيدُ غير أَن الْبِلَاد تشعثت وَقلت الأقوات وَإِذا حصلت الْهُدْنَة فَفِي مدَّتهَا نستريح ونستعد للحرب وَالصَّوَاب الْقبُول عملا بقول الله عز وَجل (وَإِن جنحوا للسلم فاجنح لَهَا) وتعود الْبِلَاد إِلَى الْعِمَارَة واستيطان أَهلهَا وتكثر فِي مُدَّة الْهُدْنَة الْغلَّة وَإِذا عَادَتْ أَيَّام الْحَرْب عدنا وَمَا زَالُوا بالسلطان حَتَّى رضى وَأجَاب ثمَّ حصل الصُّلْح والمهدنة بَين السُّلْطَان وَبَين الإفرنج بشفاعة جمَاعَة من أَعْيَان جمَاعَة السُّلْطَان وَعقد الْهُدْنَة عَامَّة فِي الْبَحْر وَالْبر وَجعل مدَّتهَا ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر أَولهَا يَوْم الثُّلَاثَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الْمُوَافق لأوّل أيلول وَحَسبُوا أَن وَقت الِانْقِضَاء يُوَافق وصولهم من الْبَحْر وَاسْتقر أَمر الْهُدْنَة وتحالفوا لذَلِك وَلم يحلف ملك الانكثير بل أخذُوا يَده وَعَاهَدُوهُ وأعتذر بِأَن الْمُلُوك لَا يحلفُونَ وقنع السُّلْطَان بذلك وَحلف الكندهرى أُخْته وخليفته فِي السَّاحِل وَحلف غَيره من عُظَمَاء الإفرنج وَوصل ابْن الهنفرى وماليان إِلَى خدمَة السُّلْطَان ومعهما جمَاعَة من المقدمين وَأخذُوا يَد السُّلْطَان على الصُّلْح واستحلفوا الْملك الْعدْل أَخا السُّلْطَان والملكين الْأَفْضَل وَالظَّاهِر ابْني السُّلْطَان

وَالْملك الْمَنْصُور صَاحب حماه مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عَمْرو الْملك الْمُجَاهِد شير كوه صَاحب حصن حمص وَالْملك الأمجد بهْرَام شاه صَاحب بعلبك والأمير بدر الدّين ولدرم البارفي صَاحب تل بَاشر والأمير سَابق الدّين عُثْمَان ابْن الداية صَاحب سرمين والأمير سيفالدين عَليّ بن أَحْمد المشطوب وَغَيرهم من الْمُتَقَدِّمين الْكِبَار وَكَانَت الْهُدْنَة على أَن يسْتَقرّ بيد الإفرنج من يافا القيسارية إِلَى عكا إِلَى صور وَأَن تكون عسقلان خراباً وَاشْتِرَاط السُّلْطَان دُخُول بِلَاد الإسماعيلية فِي عقد هدنته وَاشْتِرَاط الإفرنج دُخُول إنطاكية وطرابلس فِي عقد هدنتهم وَأَن تكون لد والرملة مُنَاصَفَة بَينهم وَبَين الْمُسلمين فاستقرت المهادنة عل ذَلِك وَحضر الْعِمَاد الْكَاتِب لإنشاء عقد الْهُدْنَة وكتبها ونادى الْمُنَادِي بانتظام الصُّلْح وَأَن الْبِلَاد النَّصْرَانِيَّة والإسلامية وَاحِدَة فِي الْأَمْن والمسالمة فَمن شَاءَ من كل طَائِفَة يترددوا إِلَى بِلَاد الطَّائِفَة الْأُخْرَى من غير خوف وَلَا مَحْذُور وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً نَالَ الطائفتان فِيهِ من المسرة مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى وَكَانَ ذَلِك مصلحَة فَيعلم الله تعال لِأَنَّهُ اتّفقت وَفَاة السُّلْطَان بعد الصُّلْح بِيَسِير فَلَو اتّفق ذَلِك فِي أثْنَاء وَفَاته الْإِسْلَام عل خطر (ذكر مَا جر بعد الصُّلْح) عَاد السُّلْطَان إِلَى الْقُدس واشتغل فِي إِكْمَال السُّور وَالْخَنْدَق وفسح للإفرنج كَاف فِي زِيَارَة قمامة فجاؤا وزاروا وَقَالُوا إِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِل عل هَذَا الْأَمر وَلَكِن ملك الانكثير أرسل للسُّلْطَان يسْأَله منع الإفرنج من الزِّيَارَة إِلَّا من وصل مَعَه كِتَابه أَو رَسُوله وَقصد بذلك ربوعهم إِلَى بِلَادهمْ بحسرة الزِّيَارَة ليشتد حنقهم على الْجِهَاد والقتال إِذا عَادوا فَاعْتَذر السُّلْطَان إِلَيْهِ بِوُقُوع الصُّلْح والهدنة وَقَالَ لَهُ أَنْت أول بردهمْ وردعهم فَإِنَّهُم إِذا جاؤا لزيارة كنيستهم مَا يَلِيق بنارهم

وَمرض ملك الانكثير وَركب الْبَحْر وأقلع وَسلم الْأَمر إل الكندهرى ابْن أُخْته من أمه وَهُوَ ابْن أُخْت ملك افرنسيس من أَبِيه وعزم السُّلْطَان على الْحَج وصمم عَلَيْهِ وَكتب إِلَى مصر واليمن بذلك فَمَا زَالَ الْجَمَاعَة بِهِ حَتَّى انثنى عزمه فشرع فِي تَرْتِيب قَاعِدَة الْقُدس فِي الْولَايَة والعمارة وَكَانَ الْوَالِي بالقدس حسام الدّين شاروخ وَهُوَ تركي وَفِيه دين وَخير وَكَانَ قد أحس السِّيرَة وفوض ولَايَة الْقُدس إِلَى عز الدّين جرد بك وَكَانَ أَمِيرا مُعْتَبرا شجعاً وَولى علم الدّين قنصو أَعمال الْخَلِيل وعسقلان وغزة والداروم وَمَا وَرَاءَهَا وَسَأَلَ الصُّوفِيَّة عَن أَحْوَالهم وَزَاد فِي أوقاف الْمدرسَة الصلاحية والخانقاه وَجعل الْكَنِيسَة الْمُجَاورَة لدار الاستبارية بِقرب قمامة بيمارستان للمرضى ووقف عَلَيْهِ مَوَاضِع وَوضع فِيهِ مَا يحْتَاج من الْأَدْوِيَة والعقاقير وفوض النّظر وَالْقَضَاء فِي هَذَا الْوَقْف إِلَى القَاضِي بهاء الدّين يُوسُف بن رَافع بن تَمِيم الْمَشْهُور بِابْن شَدَّاد لعلمه بكفاءته (رحيل السُّلْطَان إِلَى دمشق) وَخرج السُّلْطَان من الْقُدس ضحوة الْخَمِيس خَامِس شَوَّال وَنزل على نابلس ضحوة يَوْم الْجُمُعَة فَشك أَهلهَا على صَاحبهَا سيف الدّين عَليّ المشطوب إِنَّه ظلمهم فَأَقَامَ السُّلْطَان بهَا إِلَى ظهر يَوْم السبت حَتَّى كشف ظلا مُتَّهم ورحل بعد الظّهْر وَأصْبح على جبينين ثمَّ رَحل إِلَى بيسان ثمَّ إِلَى قلعة كَوْكَب ثمَّ سَار وَنزل بِظَاهِر طبرية ولقيه هُنَاكَ بهاء الدّين قراقوش وَقد أخرج مِمَّن الْأسر ثمَّ رَحل وَنزل بِقرب قلعة صفد تَحت الْجَبَل وَصعد السُّلْطَان إِلَيْهَا وَأمر بعمارتها ثمَّ سَار إِلَى أَن خيم عل مرج تبين وتفقد أحوالها وَأمر بِعَمَّار قلعتها ثمَّ سَار وَنزل على عين الذَّهَب ورحل وخيم بمرج عُيُون ثمَّ سَار وَعبر من عمل صيدا وَكلما نزل فِي مَكَان يدبر أمره ويرتب أَحْوَاله وَيَأْمُر بعمارته إِلَى أَن وصل بيروت فَتَلقاهُ وإليها عز الدّين أُسَامَة وَقدم للسُّلْطَان ولأركان دولته الْهَدَايَا والتحف النفيسة

(وصول الإبرنس صاحب إنطاكية)

(وُصُول الإبرنس صَاحب إنطاكية) لما أَرَادَ السُّلْطَان الرحيل من بيروت فِي يَوْم السبت الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال قيل لَهُ إِن الابرنس الانطاكي قد وصل إِلَى الْخدمَة فَأَقَامَ السُّلْطَان وَأذن للابرنس فِي الدُّخُول عَلَيْهِ فَلَمَّا تمثل بَين يَدَيْهِ أكْرمه وَأظْهر البشاشة وَسكن روعه وَكَانَ مَعَه من مقدمي فرسانه أَرْبَعَة عشر باروشا وخلع عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم وأجزل لَهُم الْعَطاء وودعه يَوْم الْأَحَد وفارقه وَهُوَ مسرور محبور (وُصُول السُّلْطَان إِلَى دمشق) لما خرج السُّلْطَان من بيروت يَوْم الْأَحَد بَات بالمخيم على الْبِقَاع ثمَّ سَار وَوصل إِلَيْهِ أَعْيَان دمشق لتلاقيه وجاءه فواكه دمشق وأطايبها وَأصْبح يَوْم الْأَرْبَعَاء فَدخل كل من فِي الْمَدِينَة وَفَرح النَّاس بِهِ وَكَانَ غيبَة السُّلْطَان عَن دمشق أَربع سِنِين فِي الْجِهَاد فَحصل لَهُم الْفَرح وَالسُّرُور وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لدُخُوله وَجلسَ السُّلْطَان فِي دَار الْعدْل وَنظر فِي أَحْوَال الرَّعْي وأزال الْمَظَالِم وَأقَام بهاء الدّين قراقوش إِلَى أَن أخْلص أَصْحَابه من الْأسر ثمَّ عَاد يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشر صفر وَوَافَقَ عود الْحَاج الشَّامي فَخرج لتلقيه فَلَمَّا رَآهُ فاضت عَيناهُ لفَوَات الْحَج وسألهم عَن أَحْوَال مَكَّة وأميرها وسر بسلامة

الْحَاج وَوصل إِلَيْهِ من الْيمن ولد أَخِيه سيف الْإِسْلَام فَتَلقاهُ وأكرمه وَتوجه الْملك الْعَادِل إِلَى الكرك (ذكر وَفَاة السُّلْطَان رَحْمَة الله عَلَيْهِ) جلس لَيْلَة السبت سادس عشر صفر فِي مَجْلِسه عل عَادَته وَحَوله خواصه مِنْهُم الْعِمَاد الْكَاتِب حَتَّى مضى من اللَّيْل ثلثه وَهُوَ يُحَدِّثهُمْ ويحدثونه ثمَّ صلى وَانْصَرفُوا فَلَمَّا بَات لحقه كسل عَظِيم وغشيه نصف اللَّيْل حم صفراوية وَأَصْبحُوا يَوْم السبت وجلسوا فِي الإيوان لانتظاره فَخرج بعض الخدام وَأمر الْملك الْأَفْضَل أَن يجلس مَوْضِعه على السماط وَتَطير النَّاس من تِلْكَ الْحَال ودخلوا إِلَيْهِ لَيْلَة الْأَحَد لعيادته وَأخذ الْمَرَض فِي التزايد وَحدث بِهِ السَّابِع رعشة وَغَابَ ذهنه وَاشْتَدَّ الارجاف فِي الْبَلَد الثَّانِي عشر من مَرضه فَتوفي رَحمَه الله تَعَالَى صبح تِلْكَ اللَّيْلَة وَهِي المسفرة عَن نَهَار الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة بعد صَلَاة الصُّبْح وغسله الْفَقِيه ضِيَاء الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الْملك بن يزِيد الدولقي الشَّافِعِي خطيب جَامع دمشق وَأخرج بعد صَلَاة الظّهْر من نَهَار الْأَرْبَعَاء فِي تَابُوت مسجى بِثَوْب وَجَمِيع مِمَّا احْتَاجَ إِلَيْهِ فِي تكفينه أحضرهُ القَاضِي الْفَاضِل من جِهَة حل عرفه وصل عَلَيْهِ النَّاس وَكثر عَلَيْهِ التأسف من خلق وَاشْتَدَّ حزنهمْ لفراقه وَدفن فِي قلعة دمشق فِي الدَّار الَّتِي كَانَ مَرِيضا فِيهَا وَكَانَ نُزُوله إِلَى قَبره وَقت صَلَاة الْعَصْر وَكَانَ يَوْم مَوته لم يصب الْإِسْلَام بِمثلِهِ مُنْذُ فقد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رَضِي الله عَنْهُم وَغشيَ القلعة وَالدُّنْيَا وَحْشَة لَا يعلمهَا إِلَّا الله قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب مَاتَ بِمَوْت السُّلْطَان رَجَاء الرِّجَال وَفَاتَ بفواته الِاتِّصَال وغاضت الأيادي وفاضت الأعادي وانقطعت الأرزاق وادلهمت الْآفَاق فجع

الزَّمَان بواحده وسلطانه ورزئ الْإِسْلَام بمشيد أَرْكَانه أرسل الْملك الْأَفْضَل الْكتب بوفاة وَالِده إِلَى أَخِيه الْعَزِيز عُثْمَان بِمصْر وَالِي أَخِيه الظَّاهِر الْغَازِي بحلب وَالِي عَمه الْملك الْعَادِل بالكرك ثمَّ أَن الْملك الْأَفْضَل عمل لوالده تربة بِالْقربِ من الْجَامِع الْأمَوِي - وَكَانَت دَارا لرجل صَالح - وَنقل إِلَيْهَا السُّلْطَان يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَمَشى الْأَفْضَل بَين يَدي تابوته وَأخرج من بَاب القلعة عل دَار الحَدِيث إِلَى بَاب الْبَرِيد وَأدْخل إِلَى الْجَامِع وَوضع قُدَّام السّتْر وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي محيي الدّين بن القَاضِي زكي الدّين بالجامع الْأمَوِي ثمَّ دفن وَجلسَ ابْنه الْملك الْأَفْضَل فِي الْجَامِع ثَلَاثَة أَيَّام للعزاء وأنفقت سِتّ الشَّام بنت أَيُّوب أُخْت السُّلْطَان فِي هَذِه النّوبَة أَمْوَالًا عَظِيمَة وَكَانَ عمر السُّلْطَان حِين وَفَاته قَرِيبا من سبع وَخمسين سنة لِأَن مولده بتكريت فِي شهور سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة لما كَانَ عَمه وَأَبوهُ بهَا وَكَانَ خُرُوجهمْ مِنْهَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا فتشاءموا بِهِ وتطيروا مِنْهُ فَقَالَ بَعضهم لَعَلَّ فِيهِ الْخيرَة وَمَا يعلمُونَ فَكَانَ كَمَا قَالَ وَاتفقَ أهل التَّارِيخ عل أَن اباه وَأمه من دوين - بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَبعدهَا نون - وَهِي بَلْدَة فِي خر عمل أذربيجان وَإِنَّهُم أكراد روادية وَلم يزل صَلَاح الدّين تَحت كنف أَبِيه حَتَّى ترعرع وَلما ملك نور الدّين مَحْمُود بن عماد الدّين زنكي دمشق لَازم نجم الدّين أَيُّوب خدمته وَكَذَلِكَ وَلَده الْملك صَلَاح الدّين وَلم تزل مخائل السَّعَادَة عَلَيْهِ لائحة والنجابة لَهُ مُلَازمَة تقدمه من حَالَة إِلَى حَالَة وَنور الدّين يرى لَهُ ويؤثره وَمِنْه تعلم صَلَاح الدّين طَرِيق الْخَيْر وَفعل الْمَعْرُوف وَالْجهَاد إِلَى أَن كَانَ من تَقْدِير الله مَا سبق شَرحه من أَمر سلطنته وَسيرَته وَكَانَت مد ملكه بالديار المصرية نَحْو أَربع وَعشْرين سنة وَملك الشَّام

قَرِيبا من سبع عشرَة سنة وَهُوَ أول الْمُلُوك بالديار المصرية بعد انْقِرَاض الدولة الفاطمية قَالَ الْعَيْنِيّ وَهُوَ أول من لقب بالسلطان وَالَّذِي يظْهر إِن مُرَاده أول من لقب بالسلطان من مُلُوك مصر وَالله أعلم فَإِنِّي رَأَيْت فِي التواريخ من لقب بالسلطان من مُلُوك الْعرَاق قبل الْملك صَلَاح الدّين وَخلف سَبْعَة عشر ولدا ذكرا وَابْنه صَغِيرَة وَلم يخلف فِي خزانته سو دِينَار وَاحِد وَسِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما ناصرية وَهَذَا من رجل لَهُ الديار المصرية وَالشَّام وبلاد الْمشرق واليمن دَلِيل قَاطع على فرط كرمه وَلم يخلف دَارا وَلَا عقارا وَلم يكن لَهُ فرس يركبه إِلَّا وَهُوَ موهوب أَو مَوْعُود بِهِ وَكَانَت مجالسه منزهة عَن الهزؤ والهزل وَلم يُؤَخر صَلَاة عَن وَقتهَا وَلَا صل إِلَّا فِي جمَاعَة وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب يكثر من سَماع الحَدِيث النَّبَوِيّ وَقَرَأَ مُخْتَصرا فِي الْفِقْه تصنيف سليم الرَّازِيّ وَكَانَ إِذا عزم عل أَمر توكل على الله وَكَانَ حسن الْخلق صبوراً عل مَا يكره كثير التغافل عَن ذنُوب أَصْحَابه يسمع من أحدهم مَا يكره وَلَا يُعلمهُ بذلك وَلَا يتَغَيَّر عَلَيْهِ وَكَانَ يَوْمًا جَالِسا فَرمى بعض المماليك بَعْضًا بسر موزة فأخطأته ووصلت إِلَى السُّلْطَان فأخطأته وَوَقعت بِالْقربِ مِنْهُ فَالْتَفت إِلَى الْجِهَة الْأُخْرَى ليتغافل عَنْهَا وَكَانَ طَاهِر الْمجْلس فَلَا يذكر أحد فِي مَجْلِسه إِلَّا بِخَير وطاهر اللِّسَان فَلَا يولع بشتم قطّ وَقد أخْبرت أَن الدُّعَاء عِنْد قَبره مستجاب وَكَذَلِكَ عِنْد قبر الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد رَحْمَة الله تعال عَلَيْهِمَا وَقد رثى الْملك صَلَاح الدّين الشُّعَرَاء وَأَكْثرُوا فِيهِ وَمن أحسن المراثي مرثية الْعِمَاد الْكَاتِب وَهِي مِائَتَان وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ بَيْتا فَمِنْهَا شَمل الهد وَالْملك عَم شتاته والدهر سَاءَ وأقلعت حَسَنَاته بِاللَّه أَيْن النَّاصِر الْملك الَّذِي لله خَالِصَة صفت نياته أَيْن الَّذِي مَا زَالَ سُلْطَانا لنا يرج نداه وتتق سطواته

أغلال أَعْنَاق العدى أسيافه أطواق أجياد الورى مناته من فِي الْجِهَاد صفاحه مَا أغمدت بالنصر حَتَّى أغمدت صفحاته من فِي صُدُور الْكفْر صدر قناته حَتَّى تَوَارَتْ بالصفاح قناته ألف المتاعب فِي الْجِهَاد فَلم يكن مذ عَاشَ قطّ لذاته لذاته مَسْعُود غدواته محمودة روحاته مَيْمُونَة ضحواته فِي نصْرَة الْإِسْلَام كَانَ محامياً أبدا إِلَى أَن أسلمته حماته قد أظلمت مذ غَابَ عَنْهَا نوره لما خلت من بدره داراته دفن السماح فَلَيْسَ ينتشر بعد مَا وورى إِلَى يَوْم النشور رفاته الدّين بعد أبي المظفر يُوسُف أقوت قواه وأقفرت ساحاته بَحر خلا من وارديه وَلم تزل محفوفة بوفوده حفاته من لليتامي والأرامل رَاحِم متعطف منضوضة صدقاته فعلى صَلَاح الدّين يُوسُف دَائِما رضوَان رب الْعَرْش بل صلواته من للثغور وَقد عَداهَا حفظه من للْجِهَاد وَلم تعد عاداته بَكت الصوارم والصواهل إِذْ خلت من سلها وركوبها غَزَوَاته يَا وَحْشَة الْإِسْلَام يَوْم تمكنت فِي كل قلب مُؤمن روعاته لم انس يَوْم السبت وَهُوَ لما بِهِ يُبْدِي السبات وَقد بَدَت غشياته والبشر مِنْهُ تبلجت أنواره وَالْوَجْه مِنْهُ تلألأت سبحاته ونقول لله المهين حِكْمَة فِي مرضة حصلت بهَا مرضاته هذي مناشير المماليك تَقْتَضِي توقيعه فِيهَا فَأَيْنَ دواته قد عَاد زرعك فِي الرّبيع بجمعها هَذَا الرّبيع وَقد دنا مِيقَاته

والجند فِي الدِّيوَان جدد عرضه وَإِذا أمرت تَجَدَّدَتْ نفقاته والقدس طامحة إِلَيْك عيونه عجل فقد طمحت إِلَيْهِ عداته والغرب منتظر طلوعك نَحوه حَتَّى تفيء إِلَى هداك بغاته والشرق يَرْجُو عز عزمك رَاضِيا فِي ملكه حَتَّى تطيع عصاته مغرى باسداء الْجَمِيل كَأَنَّمَا فرضت عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ صلَاته هَل للملوك مضاؤه فِي موقف شدت عل أعدائه شداته كم جَاءَهُ التَّوْفِيق فِي وقعاته من كَانَ بالتوفيق توقيعاته يَا رَاغِبًا فِي الدّين حِين تمكنت مِنْهُ الذئاب وأسلمته رعاته فَارَقت ملكا غير بَاقٍ متعباً ووصلت ملكا بَاقِيا راحاته أبني صَلَاح الدّين أَن أَبَاكُم مَا زَالَ يأبي مَا الْكِرَام بَاقِيا أباته لَا يقتدوا إلابسنة فَضله ليطيب فِي مهد النَّعيم سباته وردوا موارد عدله وسماحه لِترد عَن نهج الشمات شماته (ذكر مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال بعد وَفَاة الْملك صَلَاح الدّين) تغده الله برحمته وَاسْتقر فِي الْملك بِدِمَشْق وبلادها المنسوبة إِلَيْهَا الْملك الْأَفْضَل نور الدّين أَبُو الْحسن على أكبر أَوْلَاد السُّلْطَان بِعَهْد من أَبِيه وبالديار المصرية الْملك الْعَزِيز عماد الدّين أَبُو الْفَتْح عُثْمَان وبحلب الْملك الظَّاهِر غياث الدّين أَبُو الْفَتْح غَازِي وبالكرك والشوبك والبلاد الشرقية الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر بن أَيُّوب أَخُو السُّلْطَان وبحماه وسليمه والمعرة ومنبج الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد الدّين بهْرَام شاه ابْن فرخ شاه ابْن شاهنشاه بن أَيُّوب وبحمص والرحبة وتدمر الْملك الْمُجَاهِد شيركوه بن مُحَمَّد شيركوه ابْن شادي

وبيد الْملك الظافر خضر ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين بَصرِي وَهُوَ فِي خدمَة أَخِيه الْملك الْأَفْضَل وبيد الْملك الزَّاهِر مجير الدّين دَاوُد ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين البيرة وأعمالها وَاسْتقر إقليم الْيمن للْملك ظهير الدّين سيف الْإِسْلَام طغتكين بن أَيُّوب أخي السُّلْطَان وَلم يزل الْملك الْأَفْضَل بِالشَّام وَالْملك الْعَزِيز بِمصْر إِلَى أَن وَقع الْخلف بَينهمَا وجر بَينهمَا وقائع يطول شرحها تمّ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة اتّفق الْملك الْعَادِل وَابْن أَخِيه الْملك الْعَزِيز على أَن يأخذا دمشق وَأَن يُسَلِّمهَا الْعَزِيز إِلَى الْعَادِل لتَكون الْخطْبَة وَالسِّكَّة للعزيز كَسَائِر الْبِلَاد كَمَا كَانَت لِأَبِيهِ فَخَرَجَا وَسَارُوا من مصر إِلَى دمشق وأخذاها فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّادِس وَالْعِشْرين من رَجَب من هَذِه السّنة وَكَانَ الْملك الظافر خضر صَاحب بَصرِي مَعَ أَخِيه الْملك الْأَفْضَل معاضداً لَهُ فَأخذت مِنْهُ بصرى فلحق بأَخيه الْملك الظَّاهِر فَأَقَامَ عِنْده بحلب وَأعْطِي الْملك الْأَفْضَل صرخد فَسَار إِلَيْهَا بأَهْله واستوطنها وَسلم الْعَزِيز دمشق لِعَمِّهِ الْعَادِل عل حكم مَا وَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق ورحل الْعَزِيز من دمشق يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع شعْبَان فَكَانَت مُدَّة الْأَفْضَل بِدِمَشْق ثَلَاث سِنِين وأشهراً وَكَانَت وِلَادَته يَوْم الْفطر وَقت الْعَصْر سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة بِالْقَاهِرَةِ ووالده يَوْمئِذٍ وَزِير المصريين وَتُوفِّي فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة فَجْأَة بسميساط وَنقل إِلَى حلب وَدفن بتربته بظاهرها وَأما الْعَزِيز عُثْمَان فاستقر بِمصْر وَفِي أمه فِي شهور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وصل جمع عَظِيم مِمَّن الإفرنج إِلَى السَّاحِل واستولوا عل قلعة بيروت وَسَار الْملك الْعَادِل وَنزل بتل العجول واتته النجدة من مصر وَوصل إِلَيْهِ سنقر الْكَبِير صَاحب الْقُدس وَمَيْمُون القصري صَاحب بلبيس

ثمَّ سَار الْملك الْعَادِل إِلَى يافا وهجمها بِالسَّيْفِ وملكها وَقتل الرِّجَال الْمُقَاتلَة وَكَانَ هَذَا الْفَتْح ثَالِث فتح لَهَا ونازلت الإفرنج تبين فَأرْسل الْملك الْعَادِل إِلَى الْملك الْعَزِيز صَاحب مصر فَسَار بِنَفسِهِ بِمن بَقِي مَعَه من عَسَاكِر مصر فَاجْتمع بِعَمِّهِ الْملك الْعَادِل على تبنين فَرَحل الإفرنج على أَعْقَابهم إِلَى صور وَعَاد الْعَزِيز إِلَى مصر وَترك غَالب الْعَسْكَر مَعَ الْعَادِل وَجعل إِلَيْهِ أَمر الْجِزْيَة وَالصُّلْح وَمَات فِي هَذِه الْمدَّة سنقر الْكَبِير فَجعل الْملك الْعَادِل أَمر الْقُدس إِلَى صارم الدّين قطلو مَمْلُوك عز الدّين فرحشاه ابْن شاهنشاه بن أَيُّوب وَتُوفِّي الْملك الْعَزِيز صَاحب مصر فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الْحَادِيَة وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَت مُدَّة ملكه سِتّ سِنِين إِلَّا اشهراً وَكَانَ عمره سبعا وَعشْرين سنة وأشهراً وَكَانَ حسن السِّيرَة رَحمَه الله ثمَّ اسْتَقر بعده فَفِي السلطنة وَلَده الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد وعمره تسع سِنِين فتشاور الْأُمَرَاء وَاتَّفَقُوا على احضار الْملك الْأَفْضَل من صرخد ليقوم بِالْملكِ فَسَار محثاً وَوصل إِلَى مصر على إِنَّه اتابك ملك الْمَنْصُور فَخرج الْمَنْصُور للقائه فترجل لَهُ الْأَفْضَل وَدخل بَين يَدَيْهِ إِلَى دَار الوزارة وَكَانَت مقرّ السلطنة ثمَّ برز الْأَفْضَل من مصر وَسَار إِلَى الشَّام ليأخذها لاشتغال عَمه الْملك الْعَادِل بحصار ماردين فَبلغ الْعَادِل ذَلِك فَسَار إِلَى دمشق ودخلها قبل نزُول الْأَفْضَل عَلَيْهَا وَحصل بَينهمَا قتال ثمَّ سَار الْأَفْضَل مصر فَخرج الْملك الْعَادِل فِي أَثَره فَخرج إِلَيْهِ الْأَفْضَل واقتتلا فانكسر الْأَفْضَل وَانْهَزَمَ إِلَى الْقَاهِرَة وَنزل الْعَادِل الْقَاهِرَة وتسلمها وَدخل إِلَيْهَا فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ثمَّ سَار الْأَفْضَل صرخد وَأقَام الْعدْل بِمصْر عل إِنَّه اتابك الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْعَزِيز عُثْمَان مُدَّة يسيرَة ثمَّ أَزَال الْملك الْمَنْصُور وَاسْتقر الْملك الْعَادِل فِي السلطنة وخطب لَهُ بِالْقَاهِرَةِ ومصر يَوْم الْجُمُعَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال

سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وخطب لَهُ ابْن أَخِيه الْملك الظَّاهِر بحلب وَضرب السِّكَّة باسمه وانتظمت المماليك الشامية والشرقية والديار المصرية كلهَا فِي سلك ملكه وخطب لَهُ على منابرها وَفِي الشَّهْر الَّذِي دخل فِيهِ الْعَادِل الْقَاهِرَة توفّي القَاضِي الْفَاضِل أَبُو عَليّ عبد الرَّحِيم ابْن القَاضِي الْأَشْرَاف بهاء الدّين أبي الْمجد عَليّ اللَّخْمِيّ الْعَسْقَلَانِي الشَّافِعِي الملقب مجير الدّين وَزِير السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَكَانَ إِمَامًا فِي صناعَة الْإِنْشَاء وَسيرَته مَشْهُورَة وَكَانَت وَفَاته فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر وَقيل سادس عشر ربيع الآخر سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بِالْقَاهِرَةِ فَجْأَة وَدفن بتربية بسفح المقطم فِي القرافة الصُّغْرَى رَحمَه الله وَله نَحْو سبعين سنة وأرخ السُّبْكِيّ مولده فِي منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي الْعِمَاد الْكَاتِب هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن صفي الدّين الْأَصْفَهَانِي الشَّافِعِي الَّذِي كَانَ فِي خدمَة الْملك صَلَاح الدّين لَهُ (الفيح القسي فِي الْفَتْح الْقُدسِي) كُله رجز مسجع وَهُوَ من كتب الدُّنْيَا لما فِيهِ من البلاغة والصناعة ووفاته فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة وَقيل فِي شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَله نَحْو تسعين سنة وَكَانَ بَينه وَبَين القَاضِي الْفَاضِل مكاتبات ومحاورات لَطِيفَة فَمن ذَلِك مَا يحْكى عَنهُ إِنَّه لقِيه يَوْمًا وَهُوَ رَاكب على فرس فَقَالَ لَهُ الْعِمَاد سر فَلَا كبا بك الْفرس فَقَالَ الْفَاضِل دَامَ علا الْعِمَاد وَهَذَا مِمَّا يقْرَأ مقلوباً ومستقيماً بالسواء وَكَانَت وَفَاة الْعِمَاد بِدِمَشْق وَدفن فِي مَقَابِر الصُّوفِيَّة رَحمَه الله وَفِي سنة سِتّمائَة كَانَ الْملك الْعَادِل بِدِمَشْق وَاجْتمعَ الإفرنج لقصد بَيت الْمُقَدّس فَخرج السُّلْطَان الْملك الْعَادِل من دمشق وَجمع العساكر وَنزل على الطّور فِي قبالة التفرنج بِالْقربِ من نابلس ودام ذَلِك إِلَى آخر السّنة ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وسِتمِائَة فِيهَا كَانَت الْهُدْنَة بَين الْملك الْعَادِل الإفرنج

وَسلم إِلَى الإفرنج يافا وَنزل عَن مُنَاصَفَة لد والرملة ثمَّ سَار إِلَى مصر ثمَّ فِي سنة ثَلَاث وسِتمِائَة سَار الْملك الْعَادِل من مصر إِلَى الشَّام ونازل فِي طَرِيقَته عكا فَصَالحه أَهلهَا على إِطْلَاق جَمِيع من بهَا من الأسرى ثمَّ سَار إِلَى طرابلس وحصرها ورحل عَنْهَا ثمَّ فِي سنة أَربع وسِتمِائَة وَقعت الْهُدْنَة بَينه وَبَين صَاحب طرابلس وَعَاد الْعَادِل إِلَى دمشق وَلما كَانَ بتاريخ سنة أَربع عشر وسِتمِائَة وَالْملك الْعَادِل بالديار المصرية اجْتمع الإفرنج فِي دَاخل الْبَحْر ووصلوا إِلَى عكا فِي جمع عَظِيم فَلَمَّا بلغ الْملك الْعَادِل ذَلِك خرج بعساكر مصر وَسَار حَتَّى نزل عل نابلس فَسَار الإفرنج إِلَيْهِ وَلم يكن مَعَه من العساكر مَا يقدر بِهِ على ملتقاهم فَانْدفع قد امهم فَأَغَارُوا على بِلَاد الْمُسلمين ووصلت غارتهم إِلَى نوى من بلد السوَاد ونهبوا مَا بَين بيسان ونابلس وَمَشوا سراياهم فَقتلُوا وأسروا وغنموا من الْمُسلمين مَا يفوق الْحصْر وعادوا إِلَى مرج عكا وَكَانَت مُدَّة هَذَا النهب مَا بَين منتصف رَمَضَان وَعِيد الْفطر وَانْقَضَت السّنة والإفرنج بجموعهم فِي عكا ثمَّ دخلت سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وَالْملك الْعَادِل بمرج الصَّقْر وجموع الإفرنج بمرج عكا ثمَّ سَارُوا مِنْهَا إِلَى الديار المصرية ونزلوا عل دمياط وَسَار الْملك الْكَامِل بن الْعَادِل من مصر وَنزل قبالهم وَاسْتمرّ الْحَال عل ذَلِك أَرْبَعَة أشهر وَأرْسل الْعَادِل الْعَسْكَر الَّذِي عِنْده إِلَى ابْنه الْملك الْكَامِل فَلَمَّا اجْتمعت العساكر أَخذ فِي الْقِتَال الإفرنج ودفعهم عَن دمياط ثمَّ رَحل الْملك الْعَادِل من مرج الصفر إِلَى عالقين - قَرْيَة ظَاهر دمشق - فَنزل بهَا وَمرض وَاشْتَدَّ مَرضه وَتُوفِّي هُنَاكَ رَحمَه الله فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وَكَانَ لدمشق ثَلَاثًا وَعشْرين سنة ولمصر نَحْو تسع عشرَة سنة

وَكَانَ رَحمَه الله حازماً مستيقظاً غزير الْعقل سديد الآراء إِذا مكر وخديعة حَلِيمًا صبوراً واتته السَّعَادَة واتسع ملكه وَكَثُرت أَوْلَاده وَخلف سِتَّة عشر ولدا ذكرا غير الْبَنَات وَلم يكن أحد من أَوْلَاده حَاضرا عِنْده فَحَضَرَ إِلَيْهِ ابْنه الْملك الْمُعظم عيس وَكَانَ بنابلس فكتم مَوته وَأَخذه مَيتا فِي محفة وَعَاد بِهِ إِلَى دمشق واحتوى على جَمِيع مَا كَانَ مَعَ أَبِيه من الْجَوَاهِر وَالسِّلَاح فَلَمَّا وصل إِلَى دمشق حلف النَّاس وَأظْهر موت أَبِيه وَكتب إِلَى الْمُلُوك من أخوته وَغَيرهم يُخْبِرهُمْ بِمَوْتِهِ وَاسْتقر بعده فِي السلطنة بالديار المصرية وَلَده الْملك الْكَامِل أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد وَاسْتقر فِي الشَّام أَخُوهُ الْملك الْمُعظم عيس ابْن الْملك الْعَادِل أبي بكر وَكَانَت مَمْلَكَته من حُدُود بلد حمص إِلَى الْعَريش يدْخل فِي مَمْلَكَته بِلَاد السواحل الإسلامي وبلاد الْغَوْر وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وَغير ذَلِك (تخرب أسوار بَيت الْمُقَدّس) لما توفّي الْملك عَاد الإفرنج لجِهَة القاهر وملكوا دمياط وهجموها فِي عَاشر رَمَضَان سنة سِتّ عشر وسِتمِائَة وأسروا من بهَا وَجعلُوا الْجَامِع كَنِيسَة وَاشْتَدَّ طعمهم فِي الديار المصرية فَلَمَّا رأى الْملك الْمُعظم عِيسَى ذَلِك خشِي أَن يقصدو الْقُدس فَلَا يقدر على مَنعهم فَأرْسل الحجازين والنقابين وشرعوا فِي تخريبه فِي سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة فخرب أسواره وَكَانَت قد حصنت إِلَى الْغَايَة وانتقل مِنْهُ عَالم عَظِيم وهرب أَهله مِنْهُ خوفًا من الإفرنج أَن تهجم عَلَيْهِم لَيْلًا أَو نَهَارا وَتركُوا أَمْوَالهم وأثقالهم وتمزقوا فِي الْبِلَاد كل ممزق حَتَّى قيل إِنَّه بيع القنطار الزَّيْت بِعشْرَة دَرَاهِم والرطل النّحاس بِنصْف دِرْهَم وضج النَّاس وابتهلوا إِلَى الله تَعَالَى عِنْد الصَّخْرَة وَفِي الْأَقْصَى

وَكَانَ الْملك الْمُعظم عَالما فَاضلا وَكَانَ حنفياً متعصباً لمذهبه وَخَالف جَمِيع أهل بَيته فَإِنَّهُم كَانُوا شافعية وَله بالقدس مدرسة الحنيفية عِنْد بَاب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب الدويدارية وَبنى على آخر صحن الصَّخْرَة من جِهَة الْقبْلَة مَكَانا يُسمى النحوية للاشتغال بِعلم الْعَرَبيَّة ووقف عل ذَلِك أوقافاً حَسَنَة وَفِي أَيَّامه جددت عمَارَة القناطر الَّتِي على درج الصَّخْرَة القبلي عِنْد قبَّة الطومار وَغير ذَلِك بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وغالب الْأَبْوَاب الْخشب المركبة عل أَبْوَاب الْمَسْجِد عملت فِي أَيَّامه واسْمه مَكْتُوب عَلَيْهَا وَعمر مَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ووقف عَلَيْهِ قريتي دورا كفر بريك وَلما غَابَ عَن الْقُدس كتب إِلَيْهِ بعض أصدقائه غبت عَن الْقُدس فأوحشته لما غَدا بِاسْمِك مأنوسا وَكَيف لَا تلْحقهُ وَحْشَة وَأَنت روح الْقُدس يَا عِيسَى وَفِي سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فتح الْملك الْمُعظم قيسارية وهدمها وَفِي سنة ثَمَانِي عشرَة قو طمع الإفرنج المتملكين دمياط فِي ملك الديار المصرية وتقدموا عَن دمياط إِلَى جِهَة مصر ووصلوا إِلَى المنصورة وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ برا وبحراً وككتب السُّلْطَان الْملك الْكَامِل متواترة إِلَى اخوته وَأهل بَيته يستحثهم على انجاده فَسَار الْملك الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق بعسكره وَأَخُوهُ الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى صَاحب الْبِلَاد الشرقية بعساكره واستصحب حلب وَالْملك النَّاصِر قلج ارسلان صَاحب حماله وَصَاحب بعلبك الْملك الأمجد بهْرَام شاه وَصَاحب حمص أَسد الدّين شيركوه ووصلوا إِلَى الْملك الْكَامِل وَهُوَ فِي قتال الإفرنج على المنصورة فَركب والتقى مَعَ اخوته وَمن فِي صحبتهم من الْمُلُوك وَأكْرمهمْ فَقَوِيت نفوس الْمُسلمين وضعفت نفوس الإفرنج لما شاهدوه من كَثْرَة العساكر الإسلامية وتجمعهم وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ ورسل الْملك الْكَامِل واخوته مترددة إِلَى الإفرنج

فِي الصُّلْح وبذل لَهُم الْمُسلمُونَ تَسْلِيم الْقُدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وَجَمِيع مِمَّا فَتحه السُّلْطَان مِمَّن السَّاحِل مَا عدا الكرك والشوبك عل أَن يجيبوا إِلَى الصُّلْح ويسلموا دمياط للْمُسلمين فَلم يرض الإفرنج بذلك وطلبوا ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار عوضا عَن تخريب أسوار بَيت الْمُقَدّس وَقَالُوا لَا بُد من تَسْلِيم الكرك والشوبك وبينما الْأَمر مُتَرَدّد فِي الصُّلْح والإفرنج يمتنعون إِذْ عبر جمَاعَة من عَسْكَر الْمُسلمين فِي بَحر الْمحلة إِلَى الأَرْض الَّتِي عَلَيْهَا الإفرنج من بر دمياط ففتحوا فجوة عَظِيمَة من النّيل وَكَانَ ذَلِك فِي قُوَّة زيارته والإفرنج لَا خبْرَة لَهُم بِأَمْر النّيل فَركب المَاء تِلْكَ الأَرْض وَصَارَ حَائِلا بَين الإفرنج وَبَين دمياط وانقطعت عَنْهُم الْميرَة والمدد فهلكوا جوعا وبعثوا يطْلبُونَ الْأمان عل أَن ينزلُوا عَن جَمِيع مَا بذله الْمُسلمُونَ لَهُم ويسلموا دمياط ويعقدوا مُدَّة الصُّلْح وَكَانَ فيهم عد مُلُوك كبار نَحْو عشْرين ملكا وَاخْتلف الآراء فِي ذَلِك ثمَّ حصل الِاتِّفَاق عل إجابتهم لتضجر الْعَسْكَر وَطول الْمدَّة لأَنهم كَانَ لَهُم ثَلَاث سِنِين وَأشهر فِي الْقِتَال فأجابهم الْملك الْكَامِل وَطلب الإفرنج رهينة فَبعث ابْنه الْملك الصَّالح أَيُّوب وعمره يَوْمئِذٍ خمس عشرَة سنة إِلَى الإفرنج رهينة فَبعث ابْنه الْملك الصَّالح وعمره يَوْمئِذٍ خمس عشرَة سنة إِلَى الإفرنج وَحضر من الإفرنج رهينة ملك على وَصَاحب رومة الْكُبْرَى وَغَيرهمَا من الْمُلُوك وَكَانَ ذَلِك فِي سَابِع رَجَب سنة ثَمَانِي عشرَة وَجلسَ الْملك الْكَامِل مَجْلِسا عَظِيما ووقف بَين يَدَيْهِ الْمُلُوك من اخوته وَأهل بَيته جَمِيعهم وسلمت دمياط للْمُسلمين فِي تَاسِع عشر رَجَب وهنأت الشُّعَرَاء الْملك الْكَامِل بِهَذَا الْفَتْح الْعَظِيم ثمَّ دخل الْملك الْكَامِل إِلَى دمياط بِمن مَعَه وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة وَانْصَرف الْمُلُوك إِلَى بِلَادهمْ

(وفاة الخليفة الناصر الذي فتح القدس في أيامه)

(وَفَاة الْخَلِيفَة النَّاصِر الَّذِي فتح الْقُدس فِي أَيَّامه) وَتُوفِّي الإِمَام النَّاصِر لدين الله العباسي - الْمُتَقَدّم ذكره - فِي أول شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَت خِلَافَته نَحْو سبع وَأَرْبَعين سنة وَعمي فِي آخر عمره وَكَانَ عمره نَحْو سبعين سنة وَلما دخلت سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَقع تنافر بَين الْملك الْكَامِل صَاحب مصر وأخيه الْملك الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق لأمور بَينهمَا فكاتب الْملك الْكَامِل الانبرطون ملك الإفرنج فِي أَن يقدم إِلَى عكا ليشغل سرا أَخِيه الْملك الْمُعظم عَمَّا هُوَ فِيهِ ووعد الانبرطون بِأَن يُعْطِيهِ الْقُدس فَسَار الانبرطون إِلَى عكا وَبلغ الْملك الْمُعظم ذَلِك ثمَّ توفّي الْملك عيس فِي هَذِه السّنة يَوْم الْجُمُعَة مستهل ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَدفن بقلعة دمشق ثمَّ نقل إِلَى جبل الصالحية وَدفن فِي مدرسته هُنَاكَ الْمَعْرُوفَة بالمعظمية وَكَانَ نَقله لَيْلَة الثُّلَاثَاء مستهل الْمحرم سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَت مُدَّة ملكه دمشق تسع سِنِين وشهوراً ولمات وَفِي الْملك الْمُعظم ترَتّب فِي مَمْلَكَته بعده وَلَده الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد فَلَمَّا دخلت سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة أرسل الْملك الْكَامِل صَاحب مصر يطْلب من ابْن أَخِيه النَّاصِر دَاوُد حصن الشوبك فَلم يُعْطه إِيَّاه وَلَا أَجَابَهُ إِلَيْهِ فَسَار الْملك الْكَامِل من مصر إِلَى الشَّام فِي رَمَضَان هـ من هَذِه السّنة وَنزل عل تل العجول بِظَاهِر غَزَّة وَولى ابْن يُوسُف على نابلس والقدس وَغَيرهمَا من بِلَاد ابْن أَخِيه وَوَقع بَينهمَا أُمُور ومراسلات وَقدم الانبرطون إِلَى عكا بجموعه وَقد مَاتَ الْملك الْمُعظم فاستولى عل صيدا وَكَانَت مُنَاصَفَة بَين الْمُسلمين والإفرنج وسورها خراب فعمر الإفرنج سورها واستولوا عَلَيْهَا

والانبرطون مَعْنَاهُ ملك الْأُمَرَاء بالإفرنجية وَكَانَ صَاحب جَزِيرَة صقلية وَكَانَ فَاضلا يحسن الْحِكْمَة والمنطق والطب ويميل إل الْمُسلمين (ذكر تَسْلِيم بَيت الْمُقَدّس إِلَى الإفرنج) لما دخلت سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة واستهلت وملوك بني أَيُّوب متفرقون مُخْتَلفُونَ قد صَارُوا أحزاباً بعد أَن كَانُوا إخْوَانًا وأصحاباً فقوي الإفرنج بذلك وبموت الْمُعظم عِيسَى من وَفد إِلَيْهِم من الْبَحْر وَكَانَ الْملك الْكَامِل قد عزم عل انتزاع دمشق من ابْن أَخِيه النَّاصِر دَاوُد وسير الْملك الْكَامِل أَخَاهُ الْملك الْأَشْرَف مُوسَى لحصار دمشق والكامل مشتغل بمراسلة الانبرطون وَلما طَال الْأَمر وَلم يجد الْكَامِل بدا من المهادنة أجَاب الانبرطون إِلَى تَسْلِيم الْقُدس إِلَيْهِ على أَنْت ستمر أسواره خراباً وَلَا يعمره الإفرنج وَلَا يتَعَرَّضُوا إِلَى قبَّة الصَّخْرَة وَلَا الْجَامِع الْأَقْصَى وَيكون المرجوع فِي الرستاق إِلَى وَالِي الْمُسلمين وَيكون لَهُم من الْقرى مَا هُوَ عل الطَّرِيق من عكا إِلَى الْقُدس فَقَط وَوَقع الْأَمر عل ذَلِك وتحالفاً عَلَيْهِ وتسلم الانبرطون الْقُدس فِي ربيع الآخر عل الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة وَعظم ذَلِك عل الْمُسلمين وَحصل بِهِ وَهن شَدِيد وارجاف فِي النَّاس وَلما وَقع ذَلِك كَانَ النَّاصِر دَاوُد فِي الْحصار لانتزاع دمشق مِنْهُ فَأخذ فِي التشنيع عل عَمه الْكَامِل بذلك وككان بِدِمَشْق الشَّيْخ شمس الَّذين يُوسُف سبط أبي الْفرج الْجَوْزِيّ وَكَانَ واعظاً لَهُ قبُول عِنْد النَّاس فَأمره النَّاصِر دَاوُد أَن يعْمل مجْلِس وعظ يذكر فِيهِ فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس وَمَا حل بِالْمُسْلِمين من تَسْلِيمه إِلَى الإفرنج فَفعل ذَلِك فَكَانَ مَجْلِسا عَظِيما وَمن جمل مَا انشد قصيدة تائية ضمنهَا

فضل بَيت الْمُقَدّس مِنْهَا مدارس آيَات خلت من تِلَاوَة ومنزل وَحي مقفر العرصات وارتفع بكاء النَّاس وضجيجهم لذَلِك فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَلما عقد الْملك الْكَامِل الْهُدْنَة مَعَ الانبرطون وخلا سره من جِهَة الإفرنج سَار إِلَى دمشق فوصل إِلَيْهَا فِي جماد الأولى وَاشْتَدَّ الْحصار عل دمشق وَاسْتولى عَلَيْهَا الْملك الْكَامِل ولمها لِأَخِيهِ الْملك الاشرف مُوسَى وَعوض النَّاصِر دَاوُد عَنْهَا الكرك والشوبك والبلقا والصلت والأغوار ثمَّ نزل النَّاصِر دَاوُد عَن الشوبك وَسَأَلَ عَمه فِي قبُولهَا فقبلة وَاسْتمرّ الْأَشْرَف مُوسَى بِدِمَشْق إِلَى أَن توفّي فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وتملك دمشق بعده أَخُوهُ الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بِعَهْد مِنْهُ ثمَّ سَار الْملك الْكَامِل إِلَى دمشق وَمَعَهُ النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك وَنزلا عَلَيْهَا فِي جُمَادَى الأولى من هَذِه السّنة وحصلت أُمُور ووقائع ثمَّ سلم الصَّالح اسماعيل دمشق إِلَى أَخِيه الْكَامِل لاحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من جُمَادَى الأولى وتعوض عَنْهَا بعلبك وَلم يلبث الْكَامِل غير أَيَّام حَتَّى مرض وَاشْتَدَّ مَرضه وَمَات لتسْع بَقينَ من رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وعمره نَحْو سِتِّينَ سنة وَكَانَت مُدَّة ملكه مصر من حِين مَاتَ وَالِده عشْرين سنة وَكَانَ ملكا مهيباً حسن التَّدْبِير يحب الْعلمَاء وجالستهم وَهُوَ الَّذِي بني الْقبَّة على قبر الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَاسْتمرّ بعده فِي السلطنة بِمصْر وَلَده الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن الْكَامِل فَإِنَّهُ كَانَ نَائِبه بِمصْر وَاتفقَ الْأُمَرَاء بِدِمَشْق حِين وَفَاة وَالِده على تَحْلِيف الْعَسْكَر لَهُ وَأَقَامُوا فِي دمشق الْملك الْجواد يُونُس بن مودود بن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب نَائِبا عَن الْملك الْعدْل ابْن الْكَمَال

ورحل النَّاصِر دَاوُد إِلَى الكرك وَتَفَرَّقَتْ العساكر لما دخلت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة استولى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل على دمشق وأعمالها بِتَسْلِيم الْملك الْجواد يُونُس فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَدخلت سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ الْملك الصَّالح أَيُّوب سَار من دمشق واستخلف فِيهَا وَلَده الْملك المغيث فتح الدّين عَمْرو وَوصل الصَّالح أَيُّوب إِلَى نابلس لقصد الِاسْتِيلَاء على الديار المصرية فَسَار الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب بعلبك وَمَعَهُ شيركوه صَاحب حمص بجموعهما وهجموا على دمشق وحصروا القلعة وتسلمها الصَّالح إِسْمَاعِيل وَقبض على الْملك المغيث فِي صفر فَلَمَّا بلغ الصَّالح أَيُّوب ذَلِك رَحل من نابلس إِلَى الْغَوْر وتشتت عَنهُ عساكره وضاق بِهِ المر فقصد نابلس وَنزل بهَا بِمن مَعَه فَسَار إِلَيْهِ النَّاصِر دَاوُد بعسكره من الكرك وَأمْسك الصَّالح أَيُّوب وارسله إِلَى الكرك واعتقله بهَا وَأمر بِالْقيامِ فِي خدمته بِكُل مَا يختاره وَلما اعتقل بالكرك أرسل أَخُوهُ الْملك الْعَادِل أَبُو بكر صَاحب مصر يَطْلُبهُ من النَّاصِر دَاوُد فَلم يُسلمهُ النَّاصِر دَاوُد فَأرْسل الْعَادِل وتهدد النَّاصِر بِأخذ بِلَاده فَلم يلْتَفت إِلَى ذَلِك تمّ الْجُزْء الأول من تَارِيخ الْأنس الْجَلِيل ويليه الثَّانِي أَوله (الْفَتْح الناصري الدَّاودِيّ)

فهرس مواضيع كتاب (الْأنس الْجَلِيل بتاريخ الْقُدس والخليل) صفحة مواضيع الْكتاب مُقَدّمَة الْكتاب 1 مُقَدّمَة المؤلففيجمعه وترتيبوضعه بتضمن تَارِيخ الْبَيْت الْمُقَدّس 5 نبذة يسيرَة من تفسيرأول سُورَة الاسراء وذكرأسماء الْمَسْجِد الْأَقْصَى 9 ذكر أولما خلق الله سبحانهوتعالى " خلق الْعَرْش والكرسي وَالرِّيح 10 خلق الأرضيين وَالْجِبَال والبحار 11 الْعقل وَمَا جَاءَ عَن النَّبِي (ص) 12 خلق الله السَّمَوَات وسكانها وَصفَة الْمَلَائِكَة وَخلق الشَّمْس وَالْقَمَر 13 خلق الشَّمْس وَالْقَمَر " ذكر الْجنَّة وَالنَّار وَمَا فيهمَا 14 ذكر الْجِنّ والجان وَمَا كَانَ من ابْتِدَاء أَمرهم وَعبادَة إِبْلِيس 17 ذكر آدم عَلَيْهِ السَّلَام 19 ذكر نوح عَلَيْهِ السَّلَام 22 ذكر هود وَصَالح عَلَيْهِمَا السَّلَام 34 ذكر هِجْرَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام 36 قصَّة بِنَاء الْكَعْبَة المشرفة وَذكر سيدنَا إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام 39 ذكر قصَّة الذَّبِيح 41 ذكر شِرَاء المغارة 47 ذكر ختانه وتسروله عَلَيْهِ السَّلَام وشيبته 49 ذكر رأفته بِهَذِهِ الْأمة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

49 - ذكر ضيافته وإكرامه للضيف واخلاقه الْكَرِيمَة 52 معنى الْخلَّة والاستصفاء 53 ذكر وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام 54 ذكر قصَّة الاسكندر وَكَانَ فِي زمن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام 55 ذكر بِنَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الحير الَّذِي عَليّ المغارة بِوَحْي من الله تَعَالَى 56 ذكر فضل سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفضل زيارته 57 القَوْل فِي آدَاب الزِّيَارَة وزيارة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل " ع " 59 فصل فِي حكم السُّور السُّلَيْمَانِي " ذكر ذرعه طولا وعرضاً 64 ذكر إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام 65 ذكر سيدنَا يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام 66 ذكر يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام 70 ذكر لوط عَلَيْهِ السَّلَام 72 ذكر أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام 73 ذكر شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام 74 ذكر سيدنَا مُوسَى الكليم وأخيه هَارُون عَلَيْهِمَا السَّلَام 76 قصَّة التابوت والقائه فِي اليم 77 ذكر قصَّة الرَّضَاع 79 قصَّة القبطي 80 قصَّة أَرض مَدين 81 قصَّة رُجُوعه من أَرض مَدين 83 قصَّة دُخُوله إِلَى مصر

85 - قصَّة الْحَيَّة وَالْيَد الْبَيْضَاء " قصَّة السَّحَرَة 86 قصَّة الصرح 87 قصَّة الْآيَات التسع " قصَّة المسخ وَقتل آسِيَة 88 قصَّة النّيل وحكاية فِرْعَوْن " قصَّة غرق فِرْعَوْن وَخُرُوج مُوسَى من مصر 90 قصَّة السامري وحكاية بني إِسْرَائِيل 91 ذكر قصَّة الرُّؤْيَة 93 قصَّة الْجَبَل وقصة الْحجر " قصَّة طلب الرُّؤْيَة (فَقَالُوا أرنا الله جهرة) 94 قصَّة الجبارين والنيه والحطة 96 قصَّة قَارون بن مُصعب 97 قصَّة الْخضر واجتماعه مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام " قصَّة الْبَقَرَة وَأَيَّام مُوسَى 99 ذكر وَفَاة هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام 100 ذكر وَفَاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام 103 فَائِدَة والدنو من الأَرْض المقدسة " ذكر السَّبَب فِي ملك سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام 107 ذكر قصَّة أوريا وَعمر دَاوُود (ع) 113 ذكر بِنَاء سيدنَا دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس 117 ملك سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام

" بِنَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس ومسجدها 126 طلسم الْحَيَّات القاتلة " قصَّة بلقيس ملكة الْيمن 139 ذكر فتْنَة سُلَيْمَان (وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان) 144 ذكر وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام 145 ذكر خراب بَيت الْمُقَدّس عل يَد بخت نصر 151 ذكر عمَارَة بَيت الْمُقَدّس الثَّانِيَة 153 قصَّة أرميا عَلَيْهِ السَّلَام 155 فصل قصَّة ملك الاسكندر وعظمة مملكة اليونان 156 ذكر سيدنَا يُونُس بن مَتى عَلَيْهِ السَّلَام 158 ذكر سيدنَا زَكَرِيَّا وَيحيى وَعِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام 162 نزُول الْمَائِدَة ولباس عِيسَى الصُّوف 165 ذكر صعُود سيدنَا عِيسَى إِلَى السَّمَاء 168 ذكر خراب بَيت الْمُقَدّس الخراب الثَّانِي وهلاك الْيَهُود وَزَوَال دولتهم زوالاً لَا رُجُوع بعده 170 ذكر عمَارَة بَيت الْمُقَدّس الشريف الْمرة الثَّالِثَة 172 قصَّة النّيل وَملك الْحَبَشَة الْيمن بعد حمير 174 ذكر سيد الْأَوَّلين الآخرين وَخَاتم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وحبِيب رب الْعَالمين البشير النذير الدَّاعِي إِلَى الله بِإِذْنِهِ السراج الْمُنِير مُحَمَّد بن عبد الله (ص) 176 وَفَاة آمِنَة أم النَّبِي (ص) 177 ذكر مبعثه صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْتِدَاء الْوَحْي إِلَيْهِ 179 الْهِجْرَة الأولي وَخُرُوج أَصْحَابه إِلَى الْحَبَشَة

180 - أَمر الصَّحِيفَة واضمحلال الْمُشْركين 181 قصَّة الْمِعْرَاج وَمَا وَقع لنبينا مُحَمَّد (ص) لَيْلَة الْإِسْرَاء بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 186 ابْتِدَاء أَمر الْأَنْصَار وَإِرَادَة الله تَعَالَى لإِظْهَار دينه 187 بيعَة الْعقبَة الأولى " بيعَة الْعقبَة الثَّانِيَة " ذكر الْهِجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام 190 ذكر بِنَاء الْمَسْجِد الشريف النَّبَوِيّ عل صَاحبه أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام 203 عمْرَة الْقَضَاء سنة سبع مُعْتَمِرًا 204 نقض الصُّلْح وَفتح مَكَّة 214 حج أبي بكر (رض) بِالنَّاسِ " حجَّة الْوَدَاع 215 ذكر وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 218 ذكر صِفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونبذة من معجزاته 220 ذكر أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 220 ذكر الْأسود الْعَنسِي ومسيلمة وسجاح وطليحة وَمَا جرى مِنْهُم 223 فضل الصَّلَاة على رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم 224 ذكر آدَاب زِيَارَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يسْتَحبّ أَن يَفْعَله الزائر وَيَدْعُو بِهِ 226 ذكر فَضَائِل الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَمَا ورد فِي ذَلِك من الْآيَات وَالْأَحَادِيث 228 فضل الصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس 229 مضاعفة الصَّلَاة فِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس 230 مضاعف الْحَسَنَات والسيئات فِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس

230 - شدّ الرّحال إِلَيْهِ 231 كراه اسْتِقْبَال الصَّخْرَة ببول أَو غَائِط " فضل الإهلال بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة من بَيت الْمُقَدّس 232 بَيت الْمُقَدّس أَرض الْمَحْشَر والمنشر " توكل الْمَلَائِكَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى 233 فضل اسراج بَيت الْمُقَدّس الشريف عِنْد الْعَجز عَن الْوُصُول فَإِنَّهُ يقوم مقَام الصَّلَاة فِيهِ " صفة الدَّجَّال قَاتله الله - الدَّجَّال لَا يدْخل بَيت الْمُقَدّس 234 فضل الْأَذَان فِي بَيت الْمُقَدّس 235 فضل الصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس " فضل الصّيام فِيهِ وَالِاسْتِغْفَار " فضل الدّفن فِي بَيت الْمُقَدّس 236 فضل الصَّلَاة عَن يَمِين الصَّخْرَة " البلاطة السَّوْدَاء وأبواب الصَّخْرَة " الْيَمين عِنْد الصخر وَالْحلف عِنْدهَا 237 فضل الصَّخْرَة لَيْلَة الرجفة 238 نبذة مِمَّا ذكر من فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس الشريف الْمُعظم 242 ذكر مَا يستجب أَن يدعى بِهِ عِنْد دُخُول الْمَسْجِد الشريف 244 ذكر الْفَتْح الْعمريّ 258 ذكر وَفَاة عمر (رض) 267 ذكر الْمهْدي الَّذِي يكون فِي أخر الزَّمَان بالقدس الشريف 269 ذكر بِنَاء عبد الْملك بن مَرْوَان لقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة

280 - ذكر صفة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زمن عبد الْملك وَبعده 285 ذكر جمَاعَة من أَعْيَان التَّابِعين وَالْعُلَمَاء والزهاد " أويس بن عَامر الْقَرنِي من بني قرن 286 عبيد عَامل عمر (رض) " عُمَيْر بن سعد " يعلي بن شَدَّاد بن ثَابت " أَبُو نعيم الْمُؤَذّن " أَبُو الزبير الْمُؤَذّن الدَّارَقُطْنِيّ " أَبُو سَلام الجيشي وأسمه مَحْصُور " أَبُو جَعْفَر الجرشِي " خَالِد بن معدان الكلَاعِي 287 أم الدَّرْدَاء هجيمة وَيُقَال جهمية " أَبُو الْعَوام مُؤذن بَيت الْمُقَدّس " قبيصَة بن دويب وَعبد الله بن محيريز وهانيبن كُلْثُوم كل هَؤُلَاءِ عباداً " محَارب بن دثار كَانَ قَاضِيا " عبد الله بن فَيْرُوز الديلمي مقدسي 288 زِيَاد بن أبي سَوْدَة مقدسي " أَبُو الْحسن الزُّهْرِيّ الأندلسي " إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف العرباني " أَبُو عتبَة الْخَواص عباد بن عباد الارسوفي " عَابِد بِبَعْض قرى بَيت الْمُقَدّس زمن ثَوْر بن يزِيد 289 عبد الله بن عَامر العامري

289 - أَبُو عبد الله بن خصيف من شيراز " قَاسم الزَّاهِد بِبَيْت الْمُقَدّس " مُحَمَّد بن حَاتِم بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الطافي أَبُو الْحسن الطوسي " مُحَمَّد بن عبد الله بن الْوَلِيد بن سعد بن بكر الْأنْصَارِيّ 290 جَعْفَر بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي " كَعْب الاحبار ابْن مَانع الْحِمْيَرِي أَبُو إِسْحَاق " إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة الْعقيلِيّ الْمَقْدِسِي " جُبَير بن نصر الْحَضْرَمِيّ الْحِمصِي 291 عبد الرَّحْمَن بن غنم الْأَشْعَرِيّ " خَالِد كَانَ بصخرة بَيت الْمُقَدّس " مَالك بن دِينَار من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام " مُحَمَّد بن وَاسع زاهد من أهل الْبَصْرَة " أم الْخَيْر رَابِعَة بنت إِسْمَاعِيل العدوية البصرية 292 وَمن النِّسَاء العابدات امْرَأَة تسمى طافية وَامْرَأَة تسمى لبَابَة " سُلَيْمَان بن طرخان الهيثمي التَّمِيمِي " مقَاتل بن سُلَيْمَان الْمُفَسّر " الأوزعي عبد الرَّحْمَن بن عمر " سُفْيَان الثَّوْريّ بن سعيد بن مَسْرُوق 292 إِبْرَاهِيم بن أدهم بن إِسْحَاق من بَلخ " اللَّيْث بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الفهمي 293 وَكِيع بن الْجراح بن مليح أَبُو سُفْيَان الرواسِي " مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي المطلبي

294 - المؤمل بن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ " بشر بن الْحَارِث الحافي " ذُو النُّون الْمصْرِيّ أَبُو الْفَيْض ثَوْبَان بن إِبْرَاهِيم " السّري بن الْمُغلس السَّقطِي 269 مُحَمَّد بن كرام الْمُتَكَلّم تنْسب إِلَيْهِ الْفرْقَة الكرامية " صَالح بن يُوسُف أَبُو شُعَيْب الْمقنع الوَاسِطِيّ " بكر بن سهل الدمياطي الْمُحدث 297 أَحْمد بن يحيى البرَاز الْبَغْدَادِيّ " الشَّيْخ سَلامَة بن إِسْمَاعِيل بن جمَاعَة الضَّرِير " شيخ الْإِسْلَام أَبُو الْفرج عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الشِّيرَازِيّ " الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي 298 الْفَقِيه أَبُو الْفضل عَطاء شيخ الشَّافِعِيَّة " الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي بن المرجا بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي " الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم مكي بن الْقَاسِم الرميلي الشَّافِعِي 299 أَبُو الْقَاسِم عبد الْجَبَّار بن أَحْمد الرَّازِيّ " الْغَزالِيّ حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْغَزالِيّ الطوسي " القَاضِي مُحَمَّد بن حسن بن مُوسَى بن عبد الله البلاشاعوني " الْحَافِظ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن القيسراني 300 أَبُو الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ بن مَيْمُون الْقرشِي الْكُوفِي " أَبُو روح ياسين بن مسهل الْقَابِسِيّ الخشاب " أَبُو الْفَتْح سُلْطَان بن إِبْرَاهِيم بن مُسلم 301 الطرطوشي أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن أَيُّوب الْقرشِي الفِهري

301 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحي الْأمَوِي العثماني " أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَقْدِسِي الْمَشْهُور بالديباجي " أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله الربعِي 302 أَبُو الْحسن بن فرج بن حَاتِم الْوَاعِظ " الإِمَام أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ مُحَمَّد بن عبد الله " أَبُو بكر الْجِرْجَانِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد من جرجان نيسابور " تَاج الْإِسْلَام أَبُو سعيد عبد الْكَرِيم السَّمْعَانِيّ " من عباد بَيت الْمُقَدّس إِدْرِيس بن أبي خَوْلَة الانطاكي وَعبد الْعَزِيز الْمَقْدِسِي 303 الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو عَليّ الْمَنْصُور بن الْعَزِيز الفاطمي " الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو تَمِيم معد 304 سُقُوط جِدَار بَين يَدي قبر النَّبِي (ص) " كَثْرَة الزلازل بِمصْر وَالشَّام سنة 425 " سُقُوط تنور قبَّة الصَّخْرَة سنة 452 " فِي سنة 460 حُدُوث زَلْزَلَة بِأَرْض فلسطين والرملة 305 فِي سنة 463 استولى على الْقُدس والرملة آتسر بن اوق الْخَوَارِزْمِيّ " فِي سنة 465 أُقِيمَت الدعْوَة العباسية بِبَيْت الْمُقَدّس " قتل تسر فِي سنة 471 واستيلاء تَاج الدولة أَمِير تتش " ذكر تغلب الإفرنج عل بَيت الْمُقَدّس واستيلائهم عَلَيْهِ 306 تغلب الفاطميين عل بني الْعَبَّاس وبدء الدعْوَة بالمغرب " وأولهم عبيد الله الْمهْدي بِاللَّه ثمَّ ابْنه أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد الْقَائِم بِأَمْر الله " أَبُو تَمِيم الْمعز لدين الله باني الْقَاهِرَة المحروسة 311 إرْسَال العاضد الْعلوِي خَليفَة مصر

311 - وُصُول أَسد الدّين شيركوه إِلَى الْقَاهِرَة 312 عزم شاور على دَعْوَة شيركوه وَالْقَبْض عَلَيْهِ " وَلما لم يبْق لَهُ مُنَازع أَتَاهُ أَجله (حَتَّى إِذا فرحوا بِمَ أُوتُوا) الْآيَة 313 إرْسَال صَلَاح الدّين يطْلب من نور الدّين أَبَاهُ أَيُّوب وَأَهله " فِي سنة 565 سارالإفرنج إِلَى دمياط وحاصروها " فِي سنة 566 سَار صَلَاح الدّين من مصر فغزا بِلَاد الإفرنج 314 أُقِيمَت الْخطْبَة العباسية بِمصْر وانقراض الدولة الفاطمية " سَبَب الْخطْبَة العباسية بِمصْر وَتمكن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين " قطع الْخطْبَة لبني العباسسنة 359 فِي خلَافَة الْمُطِيع لله العباسي " وَفَاة العاضد يَوْم عَاشُورَاء سنة 567 " اسْتِيلَاء صَلَاح الدّين عل قصر الْخلَافَة وعَلى جَمِيع مَا فِيهِ " ظُهُور الْمهْدي بِاللَّه عبيد الله بجلماسة سنة 296 315 وُصُول خبر الْخطْبَة العباسية بِمصْر إِلَى بَغْدَاد وَضربت لَهَا البشائر عدَّة أَيَّام " وَفَاة وَالِد الْملك صَلَاح الدّين وَهُوَ نجم الدّين أَبُو الشُّكْر أَيُّوب " وَفَاة الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد سنة 569 " اسْتِقْرَار الْملك بِدِمَشْق وَولده الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل " تثبيت قدم الْملك صَلَاح الدّين وقرار أَمر دمشق 316 اسْتِقْرَار عماد الدّين زنكي بن مودود بحلب وَاسْتقر مَسْعُود بسنجار " سفر صَلَاح الدّين عَن مصر إِلَى الشَّام سنة 570 " قصد الإفرنج الْمسير لمدينة الرَّسُول لنبش قَبره الشريف وَنقل جسده الْكَرِيم إِلَى بِلَادهمْ ليدفنوه عِنْدهم وَلَا يمكنوا الْمُسلمين من زيارته إِلَّا بِجعْل

359 - الْوَقْعَة الْكُبْرَى مَعَ الإفرنج 360 وُصُول الْملك الألمان إِلَى قسطنطينية 361 ذكر نسَاء الافرنج ووصول المراكب " وقْعَة الرملة وَكَانَ السُّلْطَان فِي الصَّيْد 362 فتح شقيف وأرنون بالأمان " مقاتلة الإفرنج عكا وَحمل الطُّيُور البطاقات 363 وُصُول الأسطول من مصر " قصَّة ملك الألمان وعبوره بجُنُوده 366 الْوَقْعَة العادلية ووصول ملك الألمان " ذكر مَا تجدّد للإفرنج بوصول الكندهري " حريق المنجنيقات ومضايقة عكا 367 وُصُول ابْن ملك الألمان الَّذِي قَامَ مقَام أَبِيه إِلَى الإفرنج بعكا " ذكر برج الذبان قرب ميناء عكا 368 ذكر الْكَبْش وحريقه " ذكر غير ذَلِك من الْحَوَادِث 369 نوبَة رَأس المَاء ومضايقة الإفرنج " وقْعَة الكمين لِلْعَدو 370 ذكر غير ذَلِك من الْحَوَادِث " قصَّة الرَّضِيع واللصوص فِي اللَّيْل 372 انْتِقَال السُّلْطَان إِلَى تل الصياصة 373 وُصُول ملك الانكثير " غرق البطة فِي وسط الْبَحْر

373 - حريق الذبابة وَهِي من خشب ورصاص 374 ذكر المر كيس ومفارقته " فصل فِي وُصُول العساكر من سنجار وَمن مصر 376 اسْتِيلَاء الإفرنج عل عكا 377 غدر ملك الانكثير وَقتل الْمُسلمين المأخوذين بعكا 378 رحيل الإفرنج صوب عسقلان " وقْعَة قيسارية ووصول الْخَبَر برحيل الإفرنج 379 اجْتِمَاع الْملك الْعَادِل وَملك الانكثير " وقْعَة أرسوف وَمَا جرى بَين العسكرين 380 خراب عسقلان ونزول السُّلْطَان بالرملة " فصل فِي هروب ملك الانكثير متنكراً 381 ذكر مَا تجدّد لملك الانكثير إِلَى الْعَادِل بالمصالحة 382 وقْعَة الكمين وَأمر السُّلْطَان لرجال الْحلقَة بِأَن يكمنوا " اجْتِمَاع الْملك الْعَادِل بِملك الانكثير " رحيل السُّلْطَان إِلَى الْقُدس الشريف 383 ذكر مَا اعْتَمدهُ السُّلْطَان فِي عمَارَة الْقُدس 384 ذكر الْحَوَادِث مَعَ الإفرنج ورحيلهم من الرملة 385 هَلَاك المر كيس بصور وَقَتله بالسكاكين 386 اسْتِيلَاء الإفرنج على عَسْكَر مصر الْوَاصِل 387 كبسة الإفرنج على عَسْكَر مصر الْوَاصِل 388 نزُول السُّلْطَان على مَدِينَة يافا وَفتحهَا 389 الْهُدْنَة الْعَامَّة بَين السُّلْطَان وَبَين الإفرنج

390 - ذكر مَا جر بعد الصُّلْح 391 رحيل السُّلْطَان إِلَى دمشق 392 وُصُول الابرنس صَاحب إنطاكية " وُصُول السُّلْطَان إِلَى دمشق 393 ذكر وَفَاة السُّلْطَان رَحمَه لله عَلَيْهِ 394 رثاء الْملك صَلَاح الدّين ومرثية الْعِمَاد الْكَاتِب 397 ذكر مَا اسْتَقر عَلَيْهَا الْحَال بعد وَفَاة الْملك صَلَاح الدّين 402 تخريب أسوار بَيت الْمُقَدّس 405 وَفَاة الْملك النَّاصِر الَّذِي فتح مَدِينَة الْقُدس فِي أَيَّامه 406 ذكر تَسْلِيم بَيت المقدسسنة 626 408 خَاتِمَة الْجُزْء الأول من تَارِيخ الْأنس الْجَلِيل (تمّ الْكتاب)

ذكر الْفَتْح الناصري الدَّاودِيّ بعد أَن جرى مَا ذكر من اعتقال الْملك الصَّالح أَيُّوب بالكرك قصد الْملك النَّاصِر دَاوُد الْقُدس - وَكَانَ الافرنج قد عمروا قلعتها بعد موت الْملك الْكَامِل - فحاصرها وَفتحهَا وَخرب القلعة وَخرب برج دَاوُد أَيْضا فَإِنَّهُ لما خربَتْ الْقُدس أَولا لم يخرب برج دَاوُد فخربه فِي هَذِه الْمرة وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بعد أَن بَقِي فِي أَيدي الافرنج نَحْو احدى عشرَة سنة من حِين تَسْلِيم الْكَامِل لَهُ فِي سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة فَأَنْشد فِيهِ جمال الدّين بن مطروح - وَكَانَ عَلامَة فَاضلا - الْمَسْجِد الْأَقْصَى لَهُ آيَة سَارَتْ فَصَارَت مثلا سائرا إِذا غَدا للكفر مستوطنا أَن يبْعَث الله لَهُ ناصرا فناصر ظُهُوره أَولا وناصر ظُهُوره آخرا وَفِي أَوَاخِر رَمَضَان فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة أفرج النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك عَن ابْن عَمه الْملك الصَّالح أَيُّوب وَاجْتمعت عَلَيْهِ مماليكه وَسَار هُوَ والناصر دَاوُد إِلَى قبَّة الصَّخْرَة وتحالفا على أَن تكون ديار مصر للصالح ودمشق للناصر وَلما ملك النَّاصِر لم يَفِ لَهُ بذلك وَكَانَ يتَأَوَّل فِي يَمِينه إِنَّه كَانَ مكْرها ثمَّ سَار إِلَى غَزَّة فَلَمَّا بلغ الْملك الْعَادِل صَاحب مصر ظُهُور أَخِيه الصَّالح عظم عَلَيْهِ وبرز بعسكر مصر وَنزل على بلبيس لقصد أَخِيه الصَّالح والناصر دَاوُد وَأرْسل إِلَى عَمه الصَّالح اسماعيل الْمُتَوَلِي على دمشق ان يبرز ويقصدهما من جِهَة الشَّام فَسَار الصَّالح اسماعيل بعساكر دمشق فَبَيْنَمَا الصَّالح أَيُّوب والناصر دَاوُد وهما بَين عسكرين قد احاطا بهما إِذْ ركب جمَاعَة من المماليك الأشرفية ومقدهم ايبك الأسمر واحاطوا بدهليز الْملك الْعَادِل أبي بكر ابْن الْكَامِل وقبضوا عَلَيْهِ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن

ذِي الْقعدَة وَأَرْسلُوا إِلَى الْملك الصَّالح ايوب يستدعونه فَأَتَاهُ فرج لم يسمع بِمثلِهِ وَسَار وَمَعَهُ النَّاصِر دَاوُد إِلَى مصر وَصَارَ يلتقيه فِي كل يَوْم فرج من العساكر إِلَى أَن دخل إِلَى قلعة الْجَبَل بكرَة يَوْم الْأَحَد لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة وزينت لَهُ الْبِلَاد وَفَرح النَّاس بقدومه وَلما اسْتَقر فِي ملك مصر خَافَ النَّاصِر دَاوُد أَن يقبض عَلَيْهِ فَطلب دستورا وَتوجه إِلَى بِلَاد الكرك وَفِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة قوى خوف الصَّالح اسماعيل صَاحب دمشق من ابْن اخيه الصَّالح أَيُّوب صَاحب مصر فَسلم صفد والشقيف إِلَى الافرنج ليعضدوه ويكونوا مَعَه على ابْن اخيه الصَّالح ايوب فَعظم ذَلِك على الْمُسلمين " ذكر تَسْلِيم الْقُدس الشريف إِلَى الإفرنج " لما دخلت سنة إِحْدَى واربعين وسِتمِائَة حصلت فِيهَا المراسلة بَين الْملك الصَّالح أَيُّوب صَاحب مصر وَالْملك الصَّالح اسماعيل صَاحب دمشق بِالصُّلْحِ وان صَاحب دمشق يُطلق الْملك المغيث فتح الدّين عمر بن الصَّالح أَيُّوب وحسام الدّين بن عَليّ الهدماني وَكَانَا معتقلين عِنْد الصَّالح اسماعيل فَأطلق حسام الدّين وجهزه إِلَى مصر وَاسْتمرّ الْملك المغيث فِي الاعتقال وَاتفقَ الصَّالح اسماعيل مَعَ النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك واعتضدا بالافرنج وسلما اليهم طبرية وعسقلان فعمر الافرنج قلعتهما وسلما أَيْضا اليهم الْقُدس بِمَا فِيهِ من المزارات قَالَ القَاضِي جمال الدّين ومررت إِذْ ذَاك بالقدس مُتَوَجها إِلَى مصر وَرَأَيْت القسس قد جعلُوا على الصَّخْرَة قناني الْخمر للقربان فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير وَكَانَ النَّاصِر دَاوُد فتح بَيت الْمُقَدّس - كَمَا تقدم - فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ ثمَّ فعل هَذِه الفعلة القبيحة فأبدل حَسَنَة بسيئة وَقد انتقم الله مِنْهُ فِيمَا بعد على مَا سَنذكرُهُ عِنْد وَفَاته فنعوذ بِاللَّه من سوء الخاتمة والضلال بعد الْهِدَايَة

(ذكر الفتح الصلاحي النجمي)

(ذكر الْفَتْح الصلاحي النجمي) (الَّذِي يسره الله تَعَالَى على يَد السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين) (أَيُّوب بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْملك الْعَادِل أبي بكر) (ابْن أَيُّوب تغمده الله تَعَالَى برحمته واسكنه فسيح جنته) لما وَقع مَا تقدم ذكره من تَسْلِيم الْقُدس للإفرنج فِي سنة إِحْدَى واربعين وسِتمِائَة استدعى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب الخوارزمية لينصروه على عَمه الصَّالح اسماعيل فَسَار الخوارزمية ووصلوا إِلَى غَزَّة فِي سنة اثْنَتَيْنِ 642 هـ واربعين وسِتمِائَة وَوصل اليهم عدَّة كَثِيرَة من العساكر المصرية مَعَ ركن الدّين بيبرس مَمْلُوك الصَّالح ايوب وَكَانَ اكبر مماليكه وارسل الصَّالح اسماعيل عَسْكَر دمشق مَعَ الْملك الْمَنْصُور ابراهيم ابْن شيركوه صَاحب حمص وَسَار صَاحب حمص جَرِيدَة وَدخل عكا واستدعى الافرنج على مَا كَانَ قد وَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق مَعَهم وَوَعدهمْ بِجُزْء من بِلَاد مصر فَخرج الافرنج واجتمعوا بالفارس والراجل وَلم يحضر للناصر دَاوُد والتقى الْفَرِيقَانِ بِظَاهِر غَزَّة فولى عَسْكَر دمشق وَصَاحب حمص والافرنج منهزمين وتبعهم عَسْكَر مصر والخوارزمية فَقتلُوا مِنْهُم خلقا عَظِيما وَاسْتولى الْملك الصَّالح ايوب صَاحب مصر على غَزَّة والسواحل والقدس الشريف وَللَّه الْحَمد ووصلت الأسرى والرؤس إِلَى مصر ودقت بهَا البشائر عدَّة أَيَّام ثمَّ ارسل الصَّالح ايوب صَاحب مصر الْعَسْكَر وَسَار إِلَى دمشق وحاصروها وَخرجت السّنة وهم فِي حصارها وَتُوفِّي الْملك المغيث فتح الدّين عمر فِي حبس عَمه اسماعيل وَبلغ وَالِده الصَّالح ايوب ذَلِك فَاشْتَدَّ حزنه عَلَيْهِ وحنقه على اسماعيل فَلَمَّا دخلت سنة ثَلَاث واربعين وسِتمِائَة تسلم عَسْكَر الصَّالح ايوب دمشق من الصَّالح اسماعيل ثمَّ استولى الصَّالح ايوب على بعلبك فِي سنة ارْبَعْ واربعين سِتّمائَة 644 هـ وَفِي هَذِه السّنة مَاتَ الْملك الْمَنْصُور ابراهيم بن شيركوه صَاحب حمص وَفِي سنة

خمس واربعين فتحت قلعة عسقلان وقلعة طبرية وَالْملك الصَّالح ايوب بِالشَّام بعد محاصرتها مُدَّة وَاسْتولى الصَّالح ايوب على الكرك فِي سنة سبع واربعين قبل فَاتَهُ بِيَسِير وَهَذَا الْفَتْح الْوَاقِع فِي سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وسِتمِائَة لبيت الْمُقَدّس هُوَ آخر فتوحاته فانه اسْتمرّ بأيدي الْمُسلمين الى عصرنا والمرجو من كرم الله تَعَالَى استمراره كَذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بحول الله وقوته وَتُوفِّي الْملك الصَّالح نجم الدّين ايوب لَيْلَة الْأَحَد لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة مَضَت من شعْبَان سنة سبع واربعين وسِتمِائَة وَكَانَت مُدَّة ملكة تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَعشْرين يَوْمًا وعمره نَحْو ارْبَعْ واربعين سنة وَكَانَ مهيبا عالي الهمة عفيفا طَاهِر اللِّسَان شَدِيد الْوَقار وَلَو لم يكن من علو همته إِلَّا مبادرته لاستنقاذ الْبَيْت الْمُقَدّس من أَيدي الْكفَّار فِي اسرع وَقت لكفى رَحمَه الله وَعَفا عَنهُ وعوضه الْجنَّة وتسلطن بعده وَلَده الْملك الْمُعظم توران شاه وَكَانَ الافرنج قد استولوا على دمياط قبل وَفَاة الْملك الصَّالح فِي سنة سبع اربعين وَوَقع بَين الْمُسلمين والافرنج بِأَرْض دمياط وقعات وارسلوا يطْلبُونَ الْقُدس وَبَعض السواحل وَأَن يسلمُوا دمياط الى الْمُسلمين فَلم تقع الاجابة بذلك وَفتح الله دمياط بعد ذَلِك فِي الْمحرم سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة وَقتل الْمُعظم توران شاه عقب ذَلِك فِي آخر الْمحرم وَأما الصَّالح اسماعيل فَإِنَّهُ بعد انتزاع دمشق مِنْهُ انْتَمَى الى الْملك النَّاصِر يُوسُف صَاحب حلب وَاسْتمرّ عِنْده الى ان ملك دمشق بعد الصَّالح ايوب وَتوجه مَعَه حِين مسيره الى الْقَاهِرَة فِي سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة وَلما قصد أَخذ الديار المصرية من صَاحبهَا الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن يُوسُف صَاحب الْيمن الْمَعْرُوف باقسيس ابْن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل ابي بكر ابْن ايوب فانكسر النَّاصِر يُوسُف وَانْهَزَمَ وَقبض على الصَّالح اسماعيل واعتقله بقلعة الْجَبَل بالديار المصرية ثمَّ قتل فِي لَيْلَة الاحد السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وعمره قريب من خمسين سنة

واما النَّاصِر دَاوُد فَإِنَّهُ لما ضَاقَتْ عَلَيْهِ الامور سَار الى النَّاصِر يُوسُف صَاحب حلب مستجيرا بِهِ وَكَانَ قد بَقِي عِنْده من الْجَوْهَر مِقْدَار كثير يُسَاوِي مائَة الف دِينَار اذا بيع بالهوان فَلَمَّا وصل الى حلب سير الْجَوْهَر الْمَذْكُور الى بَغْدَاد وأودعه عِنْد الْخَلِيفَة المستعصم وَوصل اليه خطّ الْخَلِيفَة بِتَسْلِيمِهِ ثمَّ فِي مستهل شعْبَان سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة قبض عَلَيْهِ الْملك النَّاصِر يُوسُف وَبعث بِهِ الى حمص واعتقله بهَا لامور بلغته عَنهُ ثمَّ أفرج عَنهُ بشفاعة الْخَلِيفَة المستعصم وامره أَن لَا يسكن فِي بِلَاده فَرَحل الى جِهَة بَغْدَاد فَلم يمكنوه من الْوُصُول اليها وَطلب وديعته الْجَوْهَر فمنعوه إِيَّاهَا وَكتب الْملك النَّاصِر يُوسُف الى مُلُوك الْأَطْرَاف أَنهم لَا يأوونه فَبَقيَ مشتتا ثمَّ نزل الأنبار - وَبَينهَا وَبَين بَغْدَاد ثَلَاثَة ايام - وَهُوَ يتَضَرَّع للخليفة المستعصم فَلَا يُجيب ضراعته وَيطْلب وديعته فَلَا يرد لهفته وَلَا يجِيبه إِلَّا بالمماطلة ثمَّ أرسل الْخَلِيفَة يشفع فِيهِ عِنْد الْملك النَّاصِر فَأذن لَهُ فِي العودة الى دمشق ورتب لَهُ شَيْئا يصل اليه ثمَّ فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة طلب من النَّاصِر يُوسُف دستورا الى الْعرَاق بِسَبَب طلب وديعته من الْخَلِيفَة وَهُوَ الْجَوْهَر وَأَن يمْضِي الى الْحَج فَأذن لَهُ فَسَار الى كربلاء ثمَّ مضى مِنْهَا الى الْحَج وَلما رأى قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعلق فِي أَسْتَار الْحُجْرَة الشَّرِيفَة بِحُضُور النَّاس وَقَالَ اشْهَدُوا ان هَذَا مقَامي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَاخِلا عَلَيْهِ مستشفعا بِهِ الى ابْن عَمه المستعصم فِي أَن يرد عَليّ وديعتي فأعظم النَّاس ذَلِك وَجَرت عبراتهم وارتفع بكاؤهم وَكتب بِصُورَة مَا جرى مشروح وَدفع الى أَمِير الْحَاج وَذَلِكَ فِي يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة فَتوجه النَّاصِر دَاوُد مَعَ الْحَاج الْعِرَاقِيّ وَأقَام بِبَغْدَاد فَلَمَّا أَقَامَ بهَا بعد وُصُوله من الْحجاز واستشفاعه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رد وديعته فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وسِتمِائَة أرسل

الْخَلِيفَة المستعصم من حاسب النَّاصِر دَاوُد على مَا وَصله فِي تردده الى بَغْدَاد من المضيف مثل اللَّحْم وَالْخبْز والحطب والعليق والتبن وَغير ذَلِك وَثمن عَلَيْهِ بأغلى الاثمان وارسل إِلَيْهِ شَيْئا نزرا وألزمه أَن يكْتب خطه بِقَبض وديعته وانه مَا بَقِي ستحق عِنْد الْخَلِيفَة شَيْئا فَكتب خطه بذلك كرها وَسَار عَن بَغْدَاد وَأقَام مَعَ الْعَرَب ثمَّ ارسل اليه النَّاصِر يُوسُف صَاحب دمشق فطيب قلبه وَحلف لَهُ فَقدم الى دمشق وَأقَام بالصالحية وَكَانَت وَفَاة النَّاصِر دَاوُد فِي لَيْلَة السبت السَّادِس وَالْعِشْرين من جمادي الأولى سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة بالطاعون بِظَاهِر دمشق فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا البويضا ومولده سنة ثَلَاث وسِتمِائَة وَكَانَ عمره نَحْو ثَلَاث وَخمسين سنة وَمَات بعد محن كَثِيرَة حصلت لَهُ وَدفن بالصالحية فِي تربة وَالِده الْمُعظم عِيسَى وَفِي هَذِه السّنة وَهِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة استولى التتر على بَغْدَاد وخربوها وَقتلُوا الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه أَبَا احْمَد عبد الله بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَهُوَ آخر خلفاء بَغْدَاد وبقتله انقرضت دولة بني الْعَبَّاس ثمَّ فِي سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة قتل الْملك النَّاصِر يُوسُف ابْن الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الْملك الظَّاهِر غَازِي ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب دمشق وحلب فِي بِلَاد تبريز من ملك الْعَجم فَإِنَّهُ لما ورد عَسْكَر التتر الى جِهَة دمشق خرج لقصده فاسر وجهز الى هولاكو ملك التتر فَقتله هُوَ وَمن مَعَه وَعقد عزاهُ فِي جَامع دمشق فِي سَابِع جمادي الأولى سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة وَقد انْتهى ذكر مَا وَقع فِي بَيت الْمُقَدّس من الفتوحات على ايدي مُلُوك الاسلام وَمَا ذكرته فِي ذَلِك من تواريخ لَا تتَعَلَّق بِالْفَتْح فَلَا بُد فِيهَا من شَيْء مُتَعَلق بِالْحَال وَلَا يَخْلُو من فَائِدَة لمن تَأمله ولنرجع الى ذكر مَا يتَعَلَّق بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فاقول - وَالله الْمُوفق للصَّوَاب -

(ذكر صفة المسجد الأقصى وما هو عليه في عصرنا)

(ذكر صفة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا هُوَ عَلَيْهِ فِي عصرنا) اعْلَم وفقك الله ان الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف - شرفه الله وعظمه - لَيْسَ لَهُ نضير تَحت أَدِيم السَّمَاء وَلَا بني فِي الْمَسَاجِد صفته وَلَا سعته وَكَانَ فِي الزَّمَان الأول على الصِّفَات العجيبة الَّتِي تقدم شرحها عِنْد ذكر بِنَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَكَذَلِكَ عِنْد ذكر بِنَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْملك بن مَرْوَان وَأما صفته فِي هَذَا الْعَصْر فَهِيَ أَيْضا من الصِّفَات العجيبة لحسن بنائِهِ واتقانه فالجامع الَّذِي هُوَ فِي صَدره عِنْد الْقبْلَة الَّتِي تُقَام فِيهَا الْجُمُعَة وَهُوَ الْمُتَعَارف عِنْد النَّاس انه الْمَسْجِد الْأَقْصَى يشْتَمل على بِنَاء عَظِيم بِهِ قبَّة مُرْتَفعَة مزينة بالفصوص الملونة وَتَحْت الْقبَّة الْمِنْبَر والمحراب وَهَذَا الْجَامِع ممتد من جِهَة الْقبْلَة الى جِهَة الشمَال وَهُوَ سبع اكوار متجاورة مُرْتَفعَة على الْعمد الرخام والسواري فَعدَّة مَا فِيهِ من الْعمد خَمْسَة واربعون عمودا مِنْهَا ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ من الرخام وَمِنْهَا اثْنَا عشر مَبْنِيَّة بالأحجار وَهِي الَّتِي تَحت الجملون وعمود ثَالِث عشر مَبْنِيّ عِنْد الْبَاب الشَّرْقِي تجاه محراب زَكَرِيَّا وعدة مَا فِيهَا من السَّوَارِي المبنية بالأحجار اربعون سَارِيَة وسقفه فِي غَايَة الْعُلُوّ والارتفاع فالسقف مِمَّا يَلِي الْقبْلَة من جهتي الْمشرق وَالْمغْرب مسقف بالخشب وَمِمَّا يَلِي الْقبَّة من جِهَة الشمَال ثَلَاثَة أكوار مسقفة بالخشب الاوسط مِنْهَا هُوَ الجملون وَهُوَ اعلاها وَاثْنَانِ وهما إِلَى جَانب الجملون من الْمشرق وَالْمغْرب دونه وَبَقِيَّة الأكوار وَهِي ارْبَعْ اثْنَان من جِهَة الْمشرق وَاثْنَانِ من جِهَة الْمغرب مَعْقُود ذَلِك بِالْحجرِ والشيد وعَلى الْقبَّة والجملون والسقف الْخشب رصاص من ظَاهرهَا وَصدر الْجَامِع القبلي وَبَعض الشَّرْقِي مبنيان بالرخام الملون والمحراب الْكَبِير الَّذِي هُوَ فِي صَدره الى جَانب الْمِنْبَر من جِهَة الشرق يُقَال أَنه محراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَيُقَال ان محراب دَاوُد انما هُوَ الَّذِي بِظَاهِر الْجَامِع الْمَبْنِيّ فِي السُّور القبلي من جِهَة الشرق بِالْقربِ من مهد عِيسَى وَهُوَ مَوضِع مَشْهُور

وَقد تقدم ان محراب دَاوُد فِي الْحصن الَّذِي بِظَاهِر الْبَلَد الْمَعْرُوف بالقلعة فان هُنَاكَ كَانَ مَسْكَنه ومتعبده فِيهِ وَيحْتَمل أَن يكون محرابه الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فِي الْحصن فِي مَكَان بعيد مِنْهُ وَمَكَان الْمِحْرَاب الْكَبِير الَّذِي فِي دَاخل الْمَسْجِد كَانَ مَوضِع مُصَلَّاهُ اذا دخل الْمَسْجِد وَلما جَاءَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ اقتفى أَثَره وَصلى فِي مَكَان متعبده فَسُمي محراب عمر لكَونه أول من صلي فِيهِ يَوْم الْفَتْح وَهُوَ فِي الأَصْل محراب دَاوُد ويعضد هَذَا مَا تقدم من حَدِيث عمر لما قَالَ لكعب ايْنَ نجْعَل مصلانا فِي هَذَا الْمَسْجِد؟ فَقَالَ فِي مؤخره مِمَّا يَلِي الصَّخْرَة فَقَالَ بل نجْعَل قبلته صَدره ثمَّ خطّ الْمِحْرَاب فِي ذَلِك المتعبد وَأما الْمِحْرَاب الصَّغِير الَّذِي الى جَانب الْمِنْبَر من جِهَة الغرب بداخل الْمَقْصُورَة الْحَدِيد بجوار الْبَاب المتوصل مِنْهُ ألى الزاوية الخنثنية فَيُقَال انه محراب مُعَاوِيَة وذرع هَذَا الْجَامِع فِي الطول من الْمِحْرَاب الْكَبِير الى عتبَة الْبَاب الْكَبِير الْمُقَابل لَهُ مائَة ذِرَاع محررا بِذِرَاع الْعَمَل غير جَوف الْمِحْرَاب وَغير الأروقة الَّتِي يظاهر الْأَبْوَاب الشمالية وَعرضه من الْبَاب الشَّرْقِي الَّذِي يخرج مِنْهُ الى جِهَة مهد عِيسَى الى الْبَاب الغربي سِتَّة وَسَبْعُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل وبداخل هَذَا الْجَامِع فِي صَدره من جِهَة الشرق مجمع مَعْقُود بِالْحجرِ والشيد بِهِ محراب وَيُقَال لهَذَا الْمجمع جَامع عمر وتسميته بِجَامِع عمر لِأَن هَذَا الْبناء من بَقِيَّة بِنَاء عمر رَضِي الله عَنهُ الَّذِي كَانَ جعله عِنْد الْفَتْح وَيُقَال ان الْمِحْرَاب الَّذِي بداخل هَذَا الْمجمع هُوَ محراب عمر وَالْأَكْثَرُونَ على أَن محراب عمر إِنَّمَا هُوَ الْمِحْرَاب الْكَبِير المجاور للمنبر الْمُقَابل للباب الْكَبِير الَّذِي من جِهَة الشمَال كَمَا تقدم قَرِيبا والى جَانب هَذَا الْمجمع الْمَعْرُوف بِجَامِع عمر من جِهَة الشمَال ايوان كَبِير مَعْقُود سمي مقَام عُزَيْر وَبِه بَاب يتَوَصَّل مِنْهُ الى جَامع عمر وبجوار هَذَا الايوان من

جِهَة الشمَال ايوان لطيف بِهِ محراب يُسمى محراب زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ بجوار الْبَاب الشَّرْقِي وبداخل الْجَامِع الْمَذْكُور ايضا من جِهَة الغرب مجمع كَبِير مَعْقُود بالأحجار الْكِبَار وَهُوَ كوران ممتدان شرقا بغرب وَيُسمى هَذَا الْمجمع جَامع النِّسَاء وَهُوَ عشر قناطر على تسع سواري فِي غَايَة الْأَحْكَام وَقد أخْبرت انه من بِنَاء الفاطميين وبصدر الْجَامِع من وَرَاء الْقبْلَة الزاوية الخنثينية - وَيَأْتِي ذكرهَا - وَهِي بداخل الْمَقْصُورَة الْحَدِيد الملاصقة للمنبر وبجوار الزاوية الخنثنية من جِهَة الغرب دَار الخطابة والمنبر الْمَوْضُوع بصدر الْجَامِع من الْخشب وَهُوَ مرصع بالعاج والابنوس وَهُوَ الَّذِي عمله السُّلْطَان الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد رَحمَه الله بحلب - كَمَا تقدم - وَكَانَ عمله فِي شهور سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَقَالَ هَذَا برسم الْقُدس فَلَمَّا فتح الله الْبِلَاد على يَد الْملك صَلَاح الدّين احضره من حلب وَهُوَ مَوْجُود الى عصرنا وَعَلِيهِ مَكْتُوب تَارِيخ عمله وَهَذَا لحسن نِيَّة نور الدّين الشَّهِيد فانه بلغه الله مُرَاده بعد وَفَاته عَفا الله عَنهُ وَمُقَابِله دكة المؤذنين على عمد من رُخَام فِي غَايَة الْحسن وَلِهَذَا الْجَامِع عشرَة ابواب يدْخل مِنْهَا اليه من صحن الْمَسْجِد فسبعة ابواب مِنْهَا فِي جِهَة الشمَال وكل بَاب مِنْهَا يَنْتَهِي الى كور من الاكوار السَّبْعَة - الْمُتَقَدّمَة ذكرهَا - وبظاهر الابواب السَّبْعَة رواق على سبع قناطر كل بَاب قبال قنطرة وَبهَا اربعة عشر عمودا من الرخام مَبْنِيَّة فِي السَّوَارِي وَبَاب من جِهَة الشرق وَهُوَ الَّذِي يَنْتَهِي الى جِهَة مهد عِيسَى وَبَاب من جِهَة الْمغرب وَالْبَاب الْعَاشِر وَهُوَ الَّذِي يدْخل مِنْهُ الى الْمَكَان الْمَعْرُوف بِجَامِع النِّسَاء (بِئْر الورقة) وبداخل هَذَا الْجَامِع بِئْر عَن يسرة الدَّاخِل من الْبَاب الْكَبِير يُسمى بِئْر الورقة وَقد ورد فِي أَمر الورقة حكايات وأخبار واحاديث كَثِيرَة مُخْتَلفَة فَمن ذَلِك

مَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم عَن عَطِيَّة بن قيس ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليدخلن الْجنَّة رجل من امتي يمشي على رجلَيْهِ وَهُوَ حَيّ فَقدمت رفْقَة بَيت الْمُقَدّس يصلونَ فِيهِ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ فَانْطَلق رجل من بني تَمِيم يُقَال لَهُ شريك ابْن حَيَّان يَسْتَقِي لأَصْحَابه فَوَقع دلوه فِي الْجب فَنزل ليأخذه فَوجدَ بَابا فِي الْجب يفتح الى الْجنان فَدخل من الْبَاب الى الْجنان فَمشى فِيهَا واخذ ورقة من شَجَرهَا فَجَعلهَا خلف اذنه ثمَّ خرج الى الْجب فارتقى فَأتى صَاحب بَيت الْمُقَدّس فَأخْبرهُ بِمَا رأى من الْجنان ودخوله فِيهَا فارسل مَعَه الى الْجب وَنزل الْجب وَمَعَهُ اناس فَلم يَجدوا بَابا وَلم يصلوا الى الْجنان فَكتب بذلك الى عمر فَكتب عمر يصدق حَدِيثه فِي دُخُول رجل من هَذِه الامة الْجنَّة يمشي على قَدَمَيْهِ وَهُوَ حَيّ وَكتب عمر أَن انْظُرُوا الى الورقة فان هِيَ يَبِسَتْ وتغيرت فَلَيْسَ هِيَ من الْجنَّة فان الْجنَّة لَا يتَغَيَّر مِنْهَا شَيْء وَذكر فِي حَدِيثه ان الورقة لم تَتَغَيَّر وَورد فِي ذَلِك احاديث بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ وَيُقَال ان الْجب هُوَ هَذَا الَّذِي بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَن يسرة الدَّاخِل للجامع 0 - كَمَا قَدمته - وبجوار هَذَا الْجَامِع القبلي من جِهَة الشرق قبو كَبِير مَعْقُود يُسمى النجارة يوضع فِيهِ آلَة الْمَسْجِد وَلَعَلَّه من بِنَاء الفاطميين وَالله أعلم وَبِه فَم ثَان لبئر الورقة (محراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام) وبظاهر الْجَامِع فِي صحن الْمَسْجِد من جِهَة الشرق فِي السُّور القبلي محراب كَبِير وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد النَّاس انه محراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ بِالْقربِ من مهد عِيسَى وَتقدم ذكره وَنقل ان الدُّعَاء عِنْده مستجاب وَقد جربت ذَلِك ودعوت الله هُنَاكَ وسالته فِي اشياء فَاسْتَجَاب لي بفضله وَكَرمه (سوق الْمعرفَة) وبآخر الْمَسْجِد من جِهَة الشرق مِمَّا يَلِي محراب دَاوُد مَكَان مَعْقُود بِهِ محراب

وَقد عرف هَذَا الْمَكَان بسوق الْمعرفَة وَلَا اعرف سَبَب تَسْمِيَته بذلك وَالظَّاهِر انه من اختراعات الخدام لترغيب من يرد اليهم من الزوار وَنقل بعض المؤرخين ان بَاب التَّوْبَة كَانَ فِي هَذَا الْمَكَان وان بني اسرائيل كَانُوا اذا أذْنب احدهم ذَنبا اصبح مَكْتُوبًا على بَاب دَاره فَيَأْتِي الى هَذَا الْمَكَان ويتضرع وَيَتُوب الى الله وَلَا يبرح الى ان يغْفر الله لَهُ وأمارة الغفران أَن يمحي ذَلِك الْمَكْتُوب عَن بَاب دَاره وان لم يمح لم يقدر ان يتَقرَّب من اُحْدُ وَلَو كَانَ اقْربْ النَّاس اليه وَكَانَ هَذَا الْمَكَان جعل قَدِيما مصلى للحنابلة افرده لَهُم السُّلْطَان الْملك الْمُعظم عِيسَى بن أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب دمشق وَأذن لَهُم فِي الصَّلَاة فِيهِ (مهد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام) وسفل هَذَا الْمَكَان الْمَعْرُوف بسوق الْمعرفَة مَسْجِد تَحت الأَرْض يعرف بمهد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَيُقَال انه محراب مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام وَهُوَ مَوضِع متعبدها وَهُوَ مَوضِع مأنوس وَيُقَال ان الدُّعَاء فِيهِ مستجاب فَيَنْبَغِي لمن صلى هُنَاكَ ان يقْرَأ سُورَة مَرْيَم وَيسْجد كَمَا فعل عمر رَضِي الله عَنهُ فِي محراب دَاوُد فَإِنَّهُ قَرَأَ فِي صلَاته بِسُورَة ص وَسجد وَيَدْعُو فِي هَذَا الْمَكَان بِدُعَاء عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين رَفعه الله من طور زيتا وَقد سبق ذكره عِنْد السَّيِّد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام (جَامع المغاربة) وبظاهر الْجَامِع من جِهَة الغرب فِي صحن الْمَسْجِد مَكَان مَعْقُود يعرف بِجَامِع المغاربة وَهُوَ مأنوس مهيب وَفِيه صَلَاة الْمَالِكِيَّة وَالَّذِي يظْهر انه من بِنَاء عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لما رُوِيَ عَن شَدَّاد أَن عمر لما دخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى مضى الى مُقَدّمَة مِمَّا يَلِي الغرب فَحَثَا فِي ثَوْبه من الزبل وحثونا مَعَه فِي ثيابنا وَمضى ومضينا مَعَه حَتَّى ألقيناه فِي الْوَادي الَّذِي يُقَال لَهُ وَادي جَهَنَّم ثمَّ عَاد فعدنا بِمِثْلِهَا حَتَّى صلينَا فِيهِ فِي مَوضِع يُصَلِّي فِيهِ جمَاعَة فصلى بِنَا عمر فِيهِ

وَعَن شَدَّاد أَيْضا ان عمر رَضِي الله عَنهُ لما دخل الْمَسْجِد يَوْم الْفَتْح تقدم الى مقدمه مِمَّا يَلِي الغرب فَقَالَ نتَّخذ هَا هُنَا مجدا فَهَذَا الْجَامِع هُوَ فِي مقدم الْمَسْجِد مِمَّا يَلِي الغرب فَيحْتَمل أَن يكون بناه عمر وَيحْتَمل أَن يكون من اثر الْبناء الْأمَوِي الَّذِي تقدم انه كَانَ فِي صدر الْمَسْجِد من جِهَة الشرق الى جِهَة الغرب وَالله اعْلَم (الصَّخْرَة الشَّرِيفَة) واما الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فَهِيَ فِي وسط الْمَسْجِد على الصحن الْكَبِير الْمُرْتَفع عَن ارْض الْمَسْجِد وَعَلَيْهَا بِنَاء فِي غَايَة الْحسن والاتقان وَهِي قبَّة مُرْتَفعَة علوها أحد وَخَمْسُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل الَّذِي تذرع بِهِ الابنية وَهَذَا الِارْتفَاع من فَوق الصحن واما علو الصحن من ارْض الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة عِنْد قبَّة النحوية فَهُوَ سَبْعَة اذرع فَيكون ارْتِفَاع الْقبَّة من ارْض الْمَسْجِد ثَمَانِيَة وَخمسين ذِرَاعا وَهِي مُرْتَفعَة على عمد من رُخَام وسواري مَبْنِيَّة فِي غَايَة الْأَحْكَام والاتقان وعدة الْعمد الرخام اثْنَا عشر عمودا والسواري ارْبَعْ والصخرة الشَّرِيفَة تَحت هَذِه الْقبَّة يحوطها درابزين من خشب ويحوط بالعمد والسواري الحاملة للقبة درابزين من حَدِيد وخارج الْقبَّة سقف مستدير من الْخشب المدهون الْمَذْهَب على عمد من رُخَام وسواري عدَّة الْعمد سِتَّة عمودا والسواري ثَمَان وَارْضَ الْقبَّة وحيطانها مَبْنِيَّة بالرخام بَاطِنا وظاهرا وَمُزَيْنَة بالفصوص الملونة فِي الْعُلُوّ من الْبَاطِن وَالظَّاهِر وَالْبناء الَّذِي حول الْقبَّة على حكم التثمين وذرع دائره فِي سعته من الْبَاطِن مِائَتَا ذِرَاع واربعة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا وَمن الظَّاهِر مِائَتَا ذِرَاع واربعون ذِرَاعا بِالْعَمَلِ وان كَانَ فِيهِ نقص اَوْ زِيَادَة فَهُوَ يسير وَالله أعلم بِالصَّوَابِ (الْقدَم الشريف) وَمَوْضِع الْقدَم الشريف فِي حجر مُنْفَصِل عَن الصَّخْرَة محاذ لَهَا آخر جِهَة (صُورَة)

الغرب من جِهَة الْقبْلَة وَهِي على عمد من رُخَام (المغارة) وَتَحْت الصَّخْرَة مغارة من جِهَة الْقبْلَة يتَوَصَّل اليها من سلم حجر ينزل فِيهِ الى المغارة وَعند وسط السّلم صفة صغرى مُتَّصِلَة بِهِ من جِهَة الشرق يقف عَلَيْهَا الزوار لزيارة لِسَان الصَّخْرَة وَهُنَاكَ عَمُود من رُخَام ملقى طرفه الْأَسْفَل على طرف الصّفة من جِهَة الْقبْلَة مُسْندًا الى جِدَار المغارة القبلي وطرفه الآخر الْأَعْلَى مُسْندًا الى طرف الصَّخْرَة كَأَنَّهُ مَانع لَهَا من الْميل الى جِهَة الْقبْلَة اَوْ لغير ذَلِك وَهَذِه المغارة من الْأَمَاكِن المأنوسة عَلَيْهَا الابهة وَالْوَقار وَحكى صَاحب (مثير الغرام) قَالَ رَأَيْت فِي كتاب (القبس فِي شرح موطأ الامام مَالك بن أنس) تأليف الامام ابي بكر بن الْعَرَبِيّ انه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى (وانزلنا من السَّمَاء مَاء بِقدر) فَذكر اقوالا اربعة الرَّابِع مِنْهَا قيل ان مياه الارض كلهَا تخرج من تَحت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَهِي من عجائب الله تَعَالَى فِي ارضه فانها صَخْرَة شعثاء فِي وسط الْمَسْجِد الْأَقْصَى قد انْقَطَعت من كل جِهَة لَا يمْسِكهَا الا الَّذِي يمسك السَّمَاء ان تقع على الأَرْض إِلَّا باذنه فِي اعلاها من جِهَة الْجنُوب قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ركب الْبراق وَقد مَالَتْ من تِلْكَ الْجِهَة لهيبته وَفِي الْجِهَة الاخرى أثر اصابع الْمَلَائِكَة الَّتِي أَمْسَكتهَا اذ مَالَتْ بِهِ وَمن تحتهَا الْغَار الَّذِي انفصلت عَنهُ من كل جِهَة عَلَيْهِ بَاب يفتح للنَّاس للصلوات وَالِاعْتِكَاف فهبتها مُدَّة ان ادخل تحتهَا لِأَنِّي كنت اخاف ان تسْقط عَليّ بِالذنُوبِ ثمَّ رَأَيْت الظلمَة والمجاهرين بِالْمَعَاصِي يدْخلُونَهَا ثمَّ يخرجُون مِنْهَا سَالِمين فهممت ان ادخلها ثمَّ قلت ولعلهم امهلوا واعاجل فتوقفت مُدَّة ثمَّ عزم عَليّ فدخلتها فَرَأَيْت الْعجب العجاب يمشي فِي جوانبها من كل جِهَة فتراها مُنْفَصِلَة عَن الأَرْض لَا يتَّصل بهَا من الأَرْض شَيْء وَبَعض الْجِهَات اشد انفصالا من بعض

قَالَ صَاحب (مثير الغرام) هَذَا كَلَامه وَهُوَ عَجِيب جدا قلت وَالْمَشْهُور عِنْد النَّاس ان الصَّخْرَة معلقَة بَين السَّمَاء والارض وَحكى انها استمرت على ذَلِك حَتَّى دخلت تحتهَا حَامِل فَلَمَّا توسطت تحتهَا خَافت فَأسْقطت حملهَا فَبنى حولهَا هَذَا الْبناء المستدير حَتَّى استتر امرها عَن اعين النَّاس وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة ابْن الْعَرَبِيّ انه دخل الْمشرق فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ واربعمائة وَالظَّاهِر ان قدومه بِبَيْت الْمُقَدّس كَانَ فِي ذَلِك الْعَصْر فعلى هَذَا يكون الْبناء المستدير حول الصَّخْرَة بعد ذَلِك التَّارِيخ وَالله اعْلَم وللقبة الَّتِي على الصَّخْرَة وللبناء المستدير حولهَا سقفان احدهما من خشب وَهُوَ المدهون الْمَذْهَب وفوقه سقف آخر يعلوه الرصاص وَبَين السقفين خَال متسع ولقبه الصَّخْرَة الشَّرِيفَة اربعة ابواب من الْجِهَات الاربع فالباب القبلي هُوَ الْمُقَابل للجامع الَّذِي فِي صدر الْمَسْجِد الْمُتَعَارف بَين النَّاس انه الْأَقْصَى وَعَن يمنة الدَّاخِل مِنْهُ الْمِحْرَاب ويقابله دكة المؤذنين على عمد من رُخَام فِي غَايَة الْحسن وَالْبَاب الشَّرْقِي تجاه درج الْبراق قبال قبَّة السلسلة وَيُسمى بَاب اسرافيل وَالْبَاب الشمالي هُوَ الْمَعْرُوف بِبَاب الْجنَّة وَعِنْده البلاطة السَّوْدَاء الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَالْبَاب الغربي هُوَ الَّذِي يُقَابل بَاب القطانين (قبَّة السلسلة) وَهِي قبَّة فِي غَايَة الظّرْف على عمد من رُخَام وَقد تقدم ذكرهَا عِنْد بِنَاء عبد الْملك بن مَرْوَان وانها على صفة قبَّة الصَّخْرَة وَهِي شرقيها بَين الْبَاب الشَّرْقِي ودرج الْبراق وعدة مَا فِيهَا من الْعمد الرخام سَبْعَة عشر عمودا غير عمودي الْمِحْرَاب وَرُوِيَ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة اسري بِهِ رأى الْحور الْعين مَكَان قبَّة السلسلة والصحن مُحِيط بقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة على حكم التربيع لَكِن طوله من الْقبْلَة

الى الشمَال أَكثر من عرضه من الْمشرق الى الْمغرب على مَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد عِنْد ذكر ذرعه طولا وعرضا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وعَلى ظَاهر كل بَاب من ابواب قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة الْأَرْبَعَة عضائد وَعمد من رُخَام وسقف يعلوه والصحن مفروش بالبلاط الْأَبْيَض ويتوصل اليه من عدَّة أَمَاكِن من صحن الْمَسْجِد كل مَكَان بِهِ سلم من حجر وعَلى رَأس السّلم قناطر مُرْتَفعَة على عمد فَمن ذَلِك سلمَان من جِهَة الْقبْلَة احدهما مُقَابل بَاب الْجَامِع الْمَشْهُور عِنْد النَّاس بالأقصى وعَلى رَأس هَذَا السّلم مِنْبَر من رُخَام والى جَانِبه محراب يصلى فِي هَذَا الْمَكَان الْعِيد وَالِاسْتِسْقَاء وَهَذَا الْمِنْبَر أخْبرت ان الَّذِي عمره قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ابْن جمَاعَة - الْآتِي ذكره - وانه كَانَ قبل ذَلِك من خشب يحمل على الْعجل وَالسّلم الثَّانِي يَلِيهِ من جِهَة قبَّة الطومار وَهِي على طرف صحن الصَّخْرَة من جِهَة الزَّيْتُون وَهَذَا السّلم مُقَابل لسور الْمَسْجِد الْأَقْصَى القبلي وَمن ذَلِك سلم من جِهَة الشرق يعرف بدرج الْبراق يَنْتَهِي الى أَشجَار الزَّيْتُون المغروسة شَرْقي الْمَسْجِد عِنْد بَاب الرَّحْمَة وَمن ذَلِك سلمَان من جِهَة الشمَال احدهما مُقَابل بَاب حطة وَالثَّانِي مُقَابل بَاب الدويداريه وَمن ذَلِك ثَلَاثَة سلالم من جِهَة الغرب احدها مُقَابل بَاب النَّاظر وَهُوَ منحرف عَنهُ وَالثَّانِي مُقَابل لباب القطانين والمتوضأ وَالثَّالِث مُقَابل بَاب السلسلة وَهَذَا السّلم مُحدث فِي عصرنا على مَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد فِي حوادث سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وبجوار هَذَا السّلم الْقبَّة الْمَعْرُوفَة بالنحوية الَّتِي أَنْشَأَهَا الْملك الْمُعظم عِيسَى تغمده الله برحمته (قبَّة الْمِعْرَاج) وَعَن يَمِين الصَّخْرَة والصحن من جِهَة الغرب قبَّة الْمِعْرَاج وَهِي مَشْهُورَة مَقْصُودَة

للزيارة وَهَذَا الْبناء الموحود عمره الْأَمِير الاستفهسالار عز الدّين سعيد السُّعَدَاء ابو عَمْرو عُثْمَان بن عَليّ بن عبد الله الزنجيلي مُتَوَلِّي الْقُدس الشريف فِي سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ قبل ذَلِك ثمَّ قبَّة قديمَة ودثرت فجددت هَذِه الْقبَّة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور (مقَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلام) وَيُقَال أَنه كَانَ الى جَانب قبَّة الْمِعْرَاج فِي صحن الصَّخْرَة قبَّة لَطِيفَة فَلَمَّا بلط صحن الْمَسْجِد ازيلت تِلْكَ الْقبَّة وَجعل مَكَانهَا محراب لطيف مخطوط فِي الأَرْض بالرخام الْأَحْمَر فِي دَائِرَة على سمت بلاط الصَّخْرَة وَهُوَ مَوْجُود الى يَوْمنَا وَيُقَال ان مَوضِع لَك الْمِحْرَاب مَوضِع صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأنبياء وَالْمَلَائِكَة لَيْلَة الاسراء ثمَّ تقدم أَمَام ذَلِك الْموضع فَوضعت لَهُ مرقاة من ذهب ومرقاة من فضَّة وَهُوَ الْمِعْرَاج وَلم يخْتَلف اثْنَان انه عرج بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن يَمِين الصَّخْرَة وَيسْتَحب لمن صلى عِنْد قبَّة الْمِعْرَاج ومقام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء وَهُوَ اللَّهُمَّ اقْسمْ لنا من خشيتك مَا تحول بِهِ بَيْننَا وَبَين مَعَاصِيك وَمن طَاعَتك مَا تبلغنَا بِهِ جنتك وَمن الْيَقِين مَا تهون بِهِ علينا مصائب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اللَّهُمَّ متعنَا بأسماعنا وابصارنا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا واجعله الْوَارِث منا وَاجعَل ثَأْرنَا على من ظلمنَا وَانْصُرْنَا على من عَادَانَا وَلَا تجْعَل مُصِيبَتنَا فِي ديننَا وَلَا تجْعَل الدُّنْيَا أكبر هَمنَا وَلَا مبلغ علمنَا وَلَا تسلط علينا بذنوبنا من لَا يَرْحَمنَا (مقَام الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام) وروى المشرفي أَن تَحت الْمقَام الغربي مِمَّا يَلِي قبَّة الصَّخْرَة صَخْرَة تسمى بج بج وَأَنَّهَا مَوضِع الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام وانه سمع وَهُوَ يُصَلِّي هُنَاكَ وَيَدْعُو وَهَذَا الْمَكَان قد ترك فِي عصرنا وَصَارَ حَاصِلا لِلْمَسْجِدِ وَهُوَ سفل صحن الصَّخْرَة تجاه

بَاب الْحَدِيد بلسق السّلم المتوصل مِنْهُ لصحن الصَّخْرَة وَهُوَ مَكَان مأنوس وعَلى ظهر هَذَا الْمَكَان محراب من رُخَام مخطوط فِي صحن الصَّخْرَة يعرف بمغارة الْأَرْوَاح يَقْصِدهُ النَّاس للزيارة وَفِي مُؤخر الْمَسْجِد من جِهَة الشمَال مِمَّا يَلِي الْمغرب صخور كَثِيرَة ظَاهِرَة يُقَال انها من زمن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا ظَاهر لِأَنَّهَا ثَابِتَة فِي الأَرْض وَلم يطْرَأ عَلَيْهَا مَا يغيرها (قبَّة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام) وَفِي تِلْكَ الْجِهَة بِالْقربِ من بَاب الدويدارية قبَّة محكمَة الْبناء بداخلها صَخْرَة ثَابِتَة وتعرف هَذِه الْقبَّة بقبة سُلَيْمَان والصخرة الثَّابِتَة فِيهَا يُقَال إِنَّهَا الَّتِي وقف عَلَيْهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بعد انهاء الْبناء ودعا الله بالدعوات الْمُتَقَدّم ذكرهَا فَاسْتَجَاب الله لَهُ وَهَذَا الْبناء الَّذِي عَلَيْهَا من عهد بني أُميَّة (قبَّة مُوسَى) وَأما الْقبَّة الَّتِي تجاه بَاب السلسلة الْمَعْرُوفَة بقبة مُوسَى لَيْسَ هُوَ مُوسَى النَّبِي وَلم يَصح خبر فِي نسبتها بذلك وَالَّذِي أَمر بعمارتها هُوَ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل فِي سنة وَفَاته وَهِي سنة تسع واربعين وسِتمِائَة وَكَانَت تعرف قَدِيما بقبة الشَّجَرَة وَفِي الْمَسْجِد من جِهَة الغرب الأروفة مَبْنِيَّة بِالْبِنَاءِ الْمُحكم وَهِي ممتدة من جِهَة الْقبْلَة الى جِهَة الشمَال اولها عِنْد بَاب الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِبَاب المغاربة وَآخِرهَا عِنْد الْبَاب الْمَعْرُوف بِبَاب النَّاظر وفوقه الى قرب بَاب الغوانمة وَهَذِه الأروقة كلهَا عمرت فِي سلطنة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فالرواق الممتد من بَاب المغاربة الى بَاب السلسلة عمر فِي سنة ثَلَاث عشر وَسَبْعمائة والرواق الممتد مِمَّا يَلِي مَنَارَة بَاب السلسلة الى قريب من بَاب النَّاظر عمر فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة والرواق الممتد من بَاب النَّاظر الى قرب بَاب الغوانمة عمر فِي سنة سبع وَسَبْعمائة

وَفِي صحن الْمَسْجِد من جِهَة الغرب بَين الأروقة وصحن الصَّخْرَة عدَّة محاريب على مساطب مَبْنِيَّة للصَّلَاة واشجار كَثِيرَة تشْتَمل على ميس وتين وَغَيرهمَا وَأما الأرقة من جِهَة الشمَال فَهِيَ ممتدة شرقا بغرب من بَاب الأسباط الى الْمدرسَة الجاولية وَهِي الْمَعْرُوفَة يَوْمئِذٍ بدار النِّيَابَة والرواق الممتد من بَاب الأسباط الى الْمدرسَة القادرية لم اطلع على حَقِيقَة أمره وقرينة الْحَال تدل على انه بني مَعَ المنارات الَّتِي هُنَاكَ وَكَانَ بناؤها فِي سلطنة الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة والرواق الَّذِي فِي سفل القادرية بني مَعهَا وَكَذَلِكَ مجمع الْمدرسَة الكريمية وَمَا الرواق الممتد من بَاب حطة الى بَاب الدويدارية فَالظَّاهِر ان الَّذِي عمره الْملك الأوحد مَعَ تربته الَّتِي بِبَاب حطة فانه شَرط فِي وَقفهَا مَا يَقْتَضِي ذَلِك والرواق الممتد من بَاب الدويدارية الى آخِره من جِهَة الغرب وعَلى ظَهره خمس مدارس قبعضه وَهُوَ الَّذِي سفل الْمدرسَة الامينية والمدرسة الفارسية كَانَ قَدِيما ثمَّ جددت عِمَارَته فِي دولة الْملك الْمُعظم عِيسَى فِي سنة عشرَة وسِتمِائَة وباقية وَهُوَ الَّذِي سفل ثَلَاث مدارس وَهِي الملكية والاسفردية والصبيبية فَكل مدرسة بنى مَعهَا مَا تحتهَا من الرواق والمشاهدة تدل على ذَلِك فان كل مدرسة من هَؤُلَاءِ بناؤها مُنَاسِب لما سفلها من الرواق وَسَنذكر تَارِيخ كل مدرسة فَيعلم مِنْهُ تَارِيخ بِنَاء الرواق الَّذِي سفلها وَأما الرواقان السفليان اللَّذَان سفل دَار النِّيَابَة فانهما عمرا مَعَ مَنَارَة الغوانمة وَكتب عَلَيْهِمَا تَارِيخ عمارتهما وَعمارَة المنارة فتشعثت الْكِتَابَة لطول الزَّمَان وعلوها أَيْضا رواقان مستجدان بعدهمَا بدهر وَسَنذكر تَارِيخ من عمر المنارة فَيعلم مِنْهُ الْحَال تَقْرِيبًا وَالله أعلم وَفِي الْمَسْجِد من جِهَة الشرق بَين صحن الصَّخْرَة والسور الشَّرْقِي أَشجَار زيتون كَثِيرَة قديمَة من عهد الرّوم وآثار اروقة مستهدمة عِنْد مهد عِيسَى لَعَلَّهَا من آثَار الْبناء الاموي وَالله أعلم

(قبة الطومار)

(قبَّة الطومار) وَهِي قبَّة على طرف صحن الصَّخْرَة من جِهَة الْقبْلَة مِمَّا يَلِي الشرق وَقد اخبرت قَدِيما ان سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك ان بعض الْمُلُوك الْأَعْيَان حضر الى الْقُدس الشريف وَصعد الى جبل طور زيتا وَرمى بالطومار فَسقط فِي مَوضِع هَذِه الْقبَّة فَأمر ببنائها فسميت قبَّة الطومار لذَلِك وَلِلنَّاسِ فِي ذَلِك حكايات مُخْتَلفَة لَا اصل لَهَا وَالله أعلم (حاكورة القاشاني) وَهِي مَكَان بجوار قبَّة الطومار الى جَانب صحن الصَّخْرَة من جِهَة الْقبْلَة وَبِه خلْوَة وَكَانَ يجلس فِيهَا الشَّيْخ عبد الْملك الْموصِلِي وَكَانَ عمل فِي حيطانها وزرة من القاشاني فَعرفت بذلك (زَاوِيَة البسطامية) سفل صحن الصَّخْرَة من جِهَة الشرق عِنْد الزَّيْتُون وَهِي مَكَان مأنوس كَانَ يجْتَمع فِيهِ الْفُقَرَاء البسطامية لذكر الله تَعَالَى وَقد سد بَابهَا فِي عصرنا (زَاوِيَة الصمادية) بجوار زَاوِيَة البسطامية من جِهَة الشمَال وَهِي بلصق درج الْبراق وَقد سد بَابهَا ايضا كالبسطامية وَفِي الْمَسْجِد من الْآبَار الْمعدة لجمع مَاء الاشتية اربعة وَثَلَاثُونَ بِئْرا مِنْهَا بِئْر الورقة بداخل الْجَامِع الْمُتَقَدّم ذكره وَمِنْهَا فِي صحن الصَّخْرَة سَبْعَة وَالْبَاقِي فِي أَرض الْمَسْجِد حول صحن الصَّخْرَة من الْجِهَات الْأَرْبَع فَمِنْهَا مَا لَهُ فمان وَمِنْهَا مَا لَهُ ثَلَاثَة افواه فَعدَّة الافواه نَيف واربعون فَمَا وَمن الْآبَار مَا هُوَ خراب وَبَعضهَا قد سد

(ذرع المسجد طولا وعرضا)

(ذرع الْمَسْجِد طولا وعرضا) واما ذرع الْمَسْجِد فقد اجتهدت فِي تحريره وتوليت ذَلِك بنفسي وَقيس بحضوري بالحبال فَكَانَ طوله قبْلَة بشمال من السُّور القبلي عِنْد الْمِحْرَاب الْمَعْرُوف بمحراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام الى صدر الرواق الشمالي عِنْد بَاب الأسباط سِتّمائَة وَسِتِّينَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل الَّتِي تذرع الابنية بِهِ فِي عصرنا غير عرض السورين وان كَانَ فِيهِ زِيَادَة اَوْ نقص نَحْو ذراعين اَوْ ثَلَاثَة فَهِيَ لاضطراب الْقيَاس لبعد الْمسَافَة فَإِنِّي احتطت فِي تحريره وَقيس بحضوري مرَّتَيْنِ حَتَّى تحققت صِحَة الْقيَاس وَعرضه شرقا بغرب من السُّور الشَّرْقِي المطل على مَقَابِر بَاب الرَّحْمَة الى صدر الرواق الغربي الَّذِي هُوَ سفل مجمع الْمدرسَة التنكزية اربعمائة ذِرَاع وَسِتَّة اذرع بِذِرَاع الْعَمَل غير عرض السورين (تَنْبِيه) قد تقدم عِنْد ابْتِدَاء ذكر صفة الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَن الْمُتَعَارف عِنْد النَّاس أَن الْأَقْصَى من جِهَة الْقبْلَة الْجَامِع الْمَبْنِيّ فِي صدر الْمَسْجِد الَّذِي بِهِ الْمِنْبَر والمحراب الْكَبِير وَحَقِيقَة الْحَال ان الْأَقْصَى اسْم لجَمِيع الْمَسْجِد مِمَّا دَار عَلَيْهِ السُّور وَذكر قِيَاسه هُنَا طولا وعرضا فان هَذَا الْبناء الْمَوْجُود فِي صدر الْمَسْجِد وَغَيره من قبَّة الصَّخْرَة والأروقة وَغَيرهَا محدثة وَالْمرَاد بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى هُوَ جمع مَا دَار عَلَيْهِ السُّور - كَمَا تقدم - وَأما صحن الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فطوله قبْلَة بشام من السُّور القبلي الَّذِي هُوَ بَين الدرجتين القبليتين يمر بِالْقِيَاسِ فِيمَا بَين بَاب الصَّخْرَة الشَّرْقِي وقبة السلسلة الى السُّور الشمالي المشرف على جِهَة بَاب حطة مِائَتَان وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَعرضه شرقا بغرب من السُّور الشَّرْقِي المشرف على الزَّيْتُون عِنْد قبَّة الطومار الى السُّور الغربي الْمُقَابل للمدرسة الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة مائَة وَتِسْعَة وَثَمَانُونَ ذِرَاعا كل ذَلِك بِذِرَاع

الْعَمَل وَتقدم ذكر ذرع الْجَامِع الْأَقْصَى وارتفاع قبَّة الصَّخْرَة ودائرها قبل وان كَانَ فِي الْقيَاس نقص اَوْ زِيَادَة فَهُوَ يسير وَهَذَا الْقيَاس الْمَذْكُور هُنَا مُخَالف لما تقدم عِنْد ذكر صفة الْمَسْجِد الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَقد تقدم هُنَاكَ ذكر قِيَاسه على انواع مُخْتَلفَة لَيْسَ فِي احدها مَا يُوَافق الآخر وَالظَّاهِر ان الأذرعة المقاس بهَا مُخْتَلفَة بِحَسب اصْطِلَاح كل زمَان وَيحْتَمل ان يكون بَعْضهَا بِذِرَاع الْحَدِيد وَبَعضهَا بِذِرَاع الْيَد وَالله اعْلَم وَفِي الْمَسْجِد أَمَاكِن كَثِيرَة من الحواصل والأبنية والمخازن الَّتِي يطول شرح وصفهَا فان هَذَا الْمَسْجِد الشريف صِفَاته عَظِيمَة لَا يتصورها إِلَّا من شَاهدهَا عيَانًا وَهَذَا الَّذِي ذكرته هُنَا انما هُوَ على سَبِيل التَّقْرِيب وَمن اعظم محاسنه انه اذا جلس انسان فِيهِ فِي أَي مَوضِع مِنْهُ ان يرى ذَلِك الْموضع هُوَ احسن الْمَوَاضِع وأبهجها وَلِهَذَا قيل ان الله تَعَالَى نظر اليه بِعَين الْجمال وَنظر الى الْمَسْجِد الْحَرَام بِعَين الْجلَال فَهَذَا الْمَسْجِد فِي غَايَة الْبَهْجَة وَالسعَة والمنظر الْحسن وَالْمَسْجِد الْحَرَام فِي غَايَة الابهة وَالْوَقار والهيبة قَالَ الصاحب الا كمل تَاج الدّين احْمَد بن الصاحب امير الدّين ابي مُحَمَّد عبد الله الْحَنَفِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب (العسجد فِي صفة الْأَقْصَى وَالْمَسْجِد) وَأما مَا شاهدته فِيهِ بالعيان إِنَّنِي جَلَست وقتا فِي بقْعَة مِنْهُ مكللة بأزاهر من الشقائق والاقحوان والى جَانِبي فَقير عَلَيْهِ اطمار رثَّة يُبْدِي تسبما وَتارَة يعلن صَوته بالتسبيح وَالتَّكْبِير ترنما وَيَقُول سُبْحَانَ من جمع فِيك المحاسن وكساك هَذِه الْحلَل الفاخرة وجعلك تحتوي على كنوز الدُّنْيَا والاخرة فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي أما فَضله وبركته فقد صدق العيان فِيهَا الْخَبَر لَكِن مَا كنوز الدُّنْيَا وَالْآخِرَة؟ فَقَالَ مَا مِنْهُ زهرَة ترَاهَا إِلَّا وَلها فِي النَّفْع والضر خَواص يعرفهَا أهل الِاخْتِصَاص فَقلت لَعَلَّك تظهر للعيان شَيْئا مِمَّا عَرفته فَيَزْدَاد بِهِ الْيَقِين تبصرة وَتَكون هَذِه الجلسة مَعَك عَن صباح النجاح مسفرة

فَأخذ بيَدي وَمَشى خطوَات الى جِهَة من جِهَات الْحرم وَمد يَده واخذ قَبْضَة من ذَلِك الْكلأ وَقَالَ هَل مَعَك خَاتم اَوْ دِرْهَم؟ فَقلت نعم فأخرجت درهما فَمَا معي وعركه بذلك الْكلأ فَعَاد كالدينار فِي صفرته ثمَّ اخذ حشيشة اخرى وعركه بهَا فَصَارَ ابيض انقى مِمَّا كَانَ اولا وَقَالَ هَذِه رموز احتوت على كنوز فسبحان الْقَادِر على مَا يَشَاء (الْأَقْصَى الْقَدِيمَة) وسفل الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة كَانَ كَبِير مَعْقُود وَبِه اسوار حاملة للسقف وَهِي تَحت الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الْمِحْرَاب والمنبر وَيُسمى هَذَا الْمَكَان السفلي الْأَقْصَى الْقَدِيمَة وَلَعَلَّه من أثر الْبناء السُّلَيْمَانِي فان اتقان بنائِهِ وإحكامه يدل على ذَلِك (اصطبل سُلَيْمَان) والى جَانب هَذَا الْمَكَان ايضا سفل الْمَسْجِد تَحت الْجِهَة الَّتِي بهَا الْأَشْجَار وَالزَّيْتُون مَكَان عَظِيم مَعْقُود يُقَال لَهُ اصطبل سُلَيْمَان وَهُوَ دَاخل تَحت غَالب الْمَسْجِد نَوعه من الْبناء السُّلَيْمَانِي وَهُوَ الظَّاهِر ويتوصل الى كل من المكانين الْمَذْكُورين من تَحت سور الْمَسْجِد القبلي وَأما المنائر فقد تقدم فِي ذكر وصف الْمَسْجِد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَبعده أَن فِيهِ من المنائر اربعة ثَلَاثَة مِنْهَا صف وَاحِد غربي الْمَسْجِد وَوَاحِدَة على بَاب الاسباط وَفِي عصرنا الْأَمر كَذَلِك لَكِن المنائر الَّتِي بِهِ الان بناؤها متجدد بعد ذَلِك الْبناء وَالظَّاهِر انه على الأساس الْقَدِيم فالمنارة الاولى على مقدم الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة مِمَّا يَلِي الغرب على الْمدرسَة الفخرية وَهِي ألطفها بِنَاء لكَونهَا على غير أساس وَإِنَّمَا هِيَ على ظهر مجمع الْمدرسَة الفخرية ولعلها بِنَاء صَاحب الفخرية وَالله أعلم وَالثَّانيَِة على بَاب السلسلة على الْجَانِب الغربي من الْمَسْجِد وَهِي المختصة بالامائل

من المؤذنين وَعَلَيْهَا عمل الْمَسْجِد واعتماد بَقِيَّة المنائر وَقد أخْبرت انها من بِنَاء تنكز نَائِب الشَّام حِين بنائِهِ لمدرسته الْمَشْهُورَة بِهِ بِخَط بَاب السلسلة وَالثَّالِثَة على مُؤخر الْمَسْجِد من جِهَة الشمَال مِمَّا يَلِي الغرب وَتسَمى مأذنة الغوانمة لكَونهَا عِنْد بَاب الغوانمة وَهِي اعظمها بِنَاء واتقنها عمَارَة وَهِي بِنَاء القَاضِي شرف الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن الصاحب الْوَزير فَخر الدّين الخليلي نَاظر اوقاف الْحَرَمَيْنِ الشريفين مَكَّة وَالْمَدينَة شرفهما الله تَعَالَى وحرمي الْقُدس الشريف والخليل عَلَيْهِ السَّلَام وَقد رَأَيْت توقيعه بذلك من السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين وَفِيه أَن يُعَاد الى الْوَظِيفَة الْمَذْكُورَة فَدلَّ على انه بَاشَرَهَا قبل ذَلِك بتاريخ التوقيع الَّذِي وقفت عَلَيْهِ الثَّالِث وَالْعِشْرين من جمادي الْآخِرَة سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة وَلَعَلَّه عمر المنارة فِي ذَلِك الْعَصْر وَقد أخْبرت ان عمارتها فِي دولة بني قلاوون وَهُوَ مُمكن وَالرَّابِعَة على الْجِهَة الشمالية من الْمَسْجِد بَين بَاب الأسباط وَبَاب حطة وَهِي اظرفها شكلا وأحسنها هَيْبَة وَهِي بِنَاء السيفي قطلوبغا نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين بناها فِي سلطنة الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَأما أَبْوَاب الْمَسْجِد فأولها بَابَانِ متحدان فِي السُّور الشَّرْقِي الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهِ (فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب) فان الْوَادي الَّذِي وَرَاءه وَادي جَهَنَّم وهما من دَاخل الْحَائِط مِمَّا يَلِي الْمَسْجِد احدهما يُسمى بَاب الرَّحْمَة وَالثَّانِي يُسمى بَاب التَّوْبَة وهما الْآن غير مشروعين وَعَلَيْهِمَا من دَاخل الْمَسْجِد مَكَان مَعْقُود بِالْبِنَاءِ السُّلَيْمَانِي وَلم يبْق فِي الْمَسْجِد من الْبناء السُّلَيْمَانِي سوى هَذَا الْمَكَان وَهُوَ مَقْصُود للزيارة وَعَلِيهِ الابهة وَالْوَقار وَقد اخبرت قَدِيما من شخص من القدماء ان الَّذِي اغلقهما امير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وانهما لَا يفتحان حَتَّى ينزل السَّيِّد عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَالَّذِي يظْهر أَن سَبَب غلقهما خشيَة على الْمَسْجِد وَالْمَدينَة من الْعَدو المخذول فَإِنَّهُمَا ينتهيان الى الْبَريَّة وَلَيْسَ فِي فتحهما كَبِير فَائِدَة

وَكَانَ على علو هَذَا الْمَكَان الَّذِي على بَاب الرَّحْمَة زَاوِيَة تسمى الناصرية وَكَانَ بهَا الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي يقْرَأ الْعلم مُدَّة طَوِيلَة وتسميتها بالناصرية نِسْبَة للشَّيْخ نصر ثمَّ اقام بهَا الامام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ فسميت الغزالية ثمَّ عمرها الْملك الْمُعظم بعد ذَلِك على مَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد وَقد خربَتْ وَلم يبْق الْآن لَهَا أثر سوى بعض بِنَاء مهدوم وبالسور الشَّرْقِي أَيْضا بِقرب الْبَابَيْنِ الْمَذْكُورين من جِهَة الْقبْلَة بَاب لطيف مسدود بِالْبِنَاءِ وَهُوَ مُقَابل درج الصَّخْرَة الْمَعْرُوف بدرج الْبراق وَيُقَال ان هَذَا الْبَاب هُوَ بَاب الْبراق الَّذِي دخل مِنْهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الاسراء وَيُسمى بَاب الْجَنَائِز لخروجها مِنْهُ قَدِيما وَبَاب الأسباط نِسْبَة لأسباط بني اسرائيل وهم يُوسُف وروبيل وشمعون ويهودا عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ فِي مُؤخر الْمَسْجِد فِي آخر جِهَة الشمَال من جِهَة الشرق وَهُوَ قريب من بَاب الرَّحْمَة وَالتَّوْبَة وَيُقَال ان بَين بَاب الرَّحْمَة وَبَاب الأسباط مسكن الْخضر والياس عَلَيْهِمَا السَّلَام والياس من أَنْبيَاء بني اسرائيل وَرفع الله الياس من بَين أظهرهم وَقطع عَنهُ لَذَّة الْمطعم وَالْمشْرَب وكساه الريش فَكَانَ انسيا ملكيا ارضيا سماويا وَقيل انه مُوكل بالبنيان وَالْخضر مُوكل بالبحار قد ذهب جمَاعَة من الْعلمَاء الى أَن الْخضر نَبِي وَذهب آخَرُونَ الى انه ولي وَكثير مِنْهُم ذهب الى انه حَيّ وَهُوَ يُصَلِّي الْجُمُعَة فِي خَمْسَة مَسَاجِد فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَمَسْجِد قبا وَمَسْجِد الطّور فِي كل مَسْجِد جُمُعَة وَيَأْكُل اكلتين من كمأ وكرفس وَيشْرب مرّة من مَاء زَمْزَم وَمرَّة من جب سُلَيْمَان الَّذِي بِبَيْت الْمُقَدّس ويغتسل من عين سلوان قَالَ الشَّيْخ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد نصر الْبَنْدَنِيجِيّ سَأَلت الْخضر ايْنَ تصلي الصُّبْح فَقَالَ عِنْد الرُّكْن الْيَمَانِيّ قَالَ واقضي بعد ذَلِك شَيْئا كلفني الله قَضَاءَهُ ثمَّ

اصلي الظّهْر بِالْمَدِينَةِ واقضي شَيْئا كلفني الله قَضَاءَهُ واصلي الْعَصْر بِبَيْت الْمُقَدّس حكى ذَلِك صَاحب 0 (مثير الغرام) وَغَيره وَسبب حَيَاته - على مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ - انه شرب من عين الْحَيَاة ثمَّ قَالَ عِنْد مجمع الْبَحْرين عين تسمى عين الْحَيَاة لَا يُصِيب ذَلِك المَاء شَيْئا إِلَّا حييّ وروى المشرف بِسَنَدِهِ وَحَكَاهُ غَيره ان الْخضر والياس عَلَيْهِمَا السَّلَام يصومان شهر رَمَضَان بِبَيْت الْمُقَدّس ويوافيان الْمَوْسِم كل عَام وَبَاب حطة فِي جِهَة الشمَال من الْمَسْجِد وَهُوَ الَّذِي ورد فِيهِ عَن ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قل لبني اسرائيل (ادخُلُوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم) فبدلوا ودخلوا الْبَاب يزحفون على أستاههم وَقَالُوا حبا فِي شَعْرَة وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى (وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة - يُرِيد بَيت الْمُقَدّس - فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُم رغدا - يُرِيد لَا خساب عَلَيْكُم 0 - وادخلوا الْبَاب - يُرِيد بَاب بَيت الْمُقَدّس - سجدا - لله تَعَالَى - وَقُولُوا حطة - يُرِيد لَا إِلَه إِلَّا الله لِأَنَّهَا كلمة تحط الذُّنُوب - فبدل الَّذين ظلمُوا قولا غير الَّذِي قيل لَهُم - قَالُوا بالعبرانية حَبَّة سمراء يُرِيدُونَ الْحِنْطَة - فأنزلنا على الَّذين ظلمُوا رجزا من السَّمَاء - أَي عذَابا - بِمَا كَانُوا يفسقون) وَيُقَال ان من صلى عِنْد بَاب حطة رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ من الثَّوْب بِعَدَد من قيل لَهُ من بني اسرائيل ادخل الْبَاب فَلم يدْخل وَإِنَّمَا سمي بَاب حطة لِأَن الله تَعَالَى أَمر بني اسرائيل أَن يدخلُوا مِنْهُ ويقولوا حطة وَهُوَ فعلة من الْحَط وَهُوَ وضع الشَّيْء من أَعلَى الى أَسْفَل يُقَال حط الْحمل عَن الدَّابَّة وَعَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى وقولا حطة - أَي مغْفرَة - فَقَالُوا حِنْطَة

وَقَالَ مقَاتل انهم اصابوا خَطِيئَة بابائهم على مُوسَى دُخُول الأَرْض الَّتِي فِيهَا الجبارون فَأَرَادَ الله ان يغْفر لَهُم وَقيل لَهُم قُولُوا حطة قَالَ الزّجاج مَعْنَاهُ حط عَنَّا ذنوبنا وَقَوله تَعَالَى (وادخلوا الْبَاب مَسْجِدا) قَالَ ابْن عَبَّاس ركعا وَهُوَ شدَّة الانحناء وَالْمعْنَى منحنين متواضعين قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة هُوَ بَاب حطة من بَيت الْمُقَدّس طوطيء لَهُم الْبَاب ليخفظوا رؤوسهم فَلم يخفظوا وَكَانَ فِي زمن بني اسرائيل أذا اذنب اُحْدُ ذَنبا كتب على بَابه اَوْ على جَبينه خطيئت وعَلى عتبَة بَابه أَلا أَن فلَانا قد اذنب فِي لَيْلَة كَذَا وَكَذَا فيبعدونه ويدرحونه فَيَأْتِي بَاب التَّوْبَة وَهُوَ الَّذِي عِنْد محراب مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام الَّذِي كَانَ يَأْتِيهَا رزقها مِنْهُ فيبكي ويتضرع وَيُقِيم حينا فان تَابَ الله عَلَيْهِ ينمحي ذَلِك عَن جَبينه اَوْ بَابه فيقربه بَنو اسرائيل وان لم يتب عَلَيْهِ أبعدوه ودحروه بَاب شرف الْأَنْبِيَاء فِي جِهَة الشمَال من الْمَسْجِد وَلَعَلَّه الَّذِي دخل مِنْهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْفَتْح وَالله أعلم وَيعرف الْآن بِبَاب الدويدارية نِسْبَة الى مدرسة بنيت الى جَانِبه وسنذكرها إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذِه الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة وَهِي بَاب الاسباط وَبَاب حطة وَبَاب الدويدارية فِي الْجِهَة الشمالية بَاب الغوانمة فِي آخر الْجِهَة الغربية من جِهَة الشمَال بِالْقربِ من المنارة الْمَعْرُوفَة الْآن بمنارة الغوانمة وَسمي الْبَاب بذلك لِأَنَّهُ يَنْتَهِي الى حارة بني غَانِم وَيعرف قَدِيما بِبَاب الْخَلِيل وَبَاب النَّاظر وَهُوَ بَاب قديم وجددت عِمَارَته فِي زمن الْملك الْمُعظم عِيسَى رَحمَه الله فِي حُدُود الستمائة وَيعرف قَدِيما بِبَاب مِيكَائِيل وَيُقَال انه الْبَاب الَّذِي ربط بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام الْبراق لَيْلَة الاسراء وَبَاب الْحَدِيد وَهُوَ بَاب لطيف مُحكم الْبناء استجده ارغون الكاملي نَائِب الشَّام وَبَاب القطانين سمي بذلك لِأَنَّهُ يَنْتَهِي الى سوق القطانين مَكْتُوب

عَلَيْهِ ان السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون جدد عِمَارَته فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فَدلَّ على أَنه كَانَ قَدِيما وَهُوَ بَاب عَظِيم بِنَاؤُه فِي غَايَة الاتقان وبالقرب مِنْهُ بَاب المتوضأ الَّذِي يخرج مِنْهُ الى متوضأ الْمَسْجِد كَانَ قَدِيما واستهدم ثمَّ جدد عِمَارَته عَلَاء الدّين الْبَصِير لما عمر المتوضأ وَبَاب السلسلة وَبَاب السكينَة وهما متحدان ومنهما يخرج الى الشَّارِع الْأَعْظَم الْمَعْرُوف بِخَط اسيدنا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وهما عُمْدَة أَبْوَاب الْمَسْجِد وغالب استطراق النَّاس الى الْمَسْجِد مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا ينتهيان الى مُعظم اسواق الْبَلَد وشوارعها وَيعرف بَاب السلسلة قَدِيما بِبَاب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَبَاب المغاربة وَسمي بذلك لمجاورته لباب جَامع المغاربة الَّذِي تُقَام فِيهِ الصَّلَاة الاولى وَلِأَنَّهُ يَنْتَهِي الى حارة المغاربة وَهَذَا الْبَاب فِي اواخر الْجِهَة الغربية من الْمَسْجِد مِمَّا يَلِي الْقبْلَة وَيُسمى بَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثمَّ انْطلق بِي - يَعْنِي جِبْرِيل - حَتَّى دخلت الْمَدِينَة من بَابهَا الْيَمَانِيّ فَأتى قبْلَة الْمَسْجِد فَربط فِيهَا الدَّابَّة - يَعْنِي الْبراق - وَدخلت الْمَسْجِد من بَاب تميل فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ موقتوا بَيت الْمُقَدّس لَا نعلم بِالْمَسْجِدِ بَابا بِهَذِهِ الصّفة إِلَّا بَاب المغاربة فَهَذِهِ الْأَبْوَاب الثَّمَانِية من بَاب الغوانمة الى بَاب المغاربة فِي الْجِهَة الغربية من الْمَسْجِد وَثَلَاثَة ابواب فِي الْجِهَة الشمالية فجملتها أحد عشر بَابا يتَوَصَّل مِنْهَا الى الْمَسْجِد غير بَابي الرَّحْمَة وَالتَّوْبَة وَالْبَاب المسدود فِي السُّور الشَّرْقِي وَأما الابواب الَّتِي يتَوَصَّل مِنْهَا الى الْمَسْجِد مِمَّا حوله من الْمدَارِس والمنازل فنذكرها فِيمَا بعد عِنْد انْتِهَاء ذكر مَا حول الْمَسْجِد من الْمدَارِس إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْمَسْجِد فَهُوَ من جهتي الْقبْلَة والشرق يَنْتَهِي الى الْبَريَّة فالجهة الْقبلية مشرفة على عين سلوان وَغَيرهَا والجهة الشرقية مشرفة على طور زيتا ووادي جَهَنَّم وَغَيرهمَا والمنازل مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ من جِهَة الغرب وَالشمَال فَقَط

وَقد تقدم ان الْمَسْجِد كَانَ فِي الزَّمَان السالف فِي وسط الْمَدِينَة والمنازل مُحِيطَة بِهِ من الْجِهَات الْأَرْبَع فَلَمَّا خرب الْبناء الْقَدِيم وَلم يعتن اُحْدُ باعادته وتلاشت احوال الدُّنْيَا صَار الْأَمر على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي عصرنا وَأما الْأَئِمَّة المرتبون فِيهِ فأولهم إِمَام الْمَالِكِيَّة يُصَلِّي فِي الْجَامِع الَّذِي غربي الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة وَقد تقدم ذكره ثمَّ يُصَلِّي بعده إِمَام الشَّافِعِيَّة بالجامع الْكَبِير القبلي الْمُتَعَارف عِنْد النَّاس بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ثمَّ يُصَلِّي بعده إِمَام الْحَنَفِيَّة بقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة ثمَّ يصي بعده إِمَام الْحَنَابِلَة وَكَانَ قَدِيما يُصَلِّي إِمَام الْحَنَابِلَة بالرواق الغربي خلف مَنَارَة بَاب السلسلة من جِهَة الشمَال وَمضى الزَّمَان على ذَلِك وَتركت الْوَظِيفَة وَاسْتقر فِيهَا غير مستحقها لعدم الْحَنَابِلَة بِبَيْت الْمُقَدّس فَلَمَّا بنيت مدرسة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف وتكاملت عمارتها ترَتّب إِمَام الْحَنَابِلَة للصَّلَاة فِي الْمجمع الَّذِي هُوَ سفل الْمدرسَة وَكَانَ مَكَان الرواق الْمَذْكُور وَذَلِكَ فِي شهور سنة تسعين وَثَمَانمِائَة مَعَ اسْتِمْرَار تِلْكَ الْوَظَائِف الْقَدِيمَة بيد غير مستحقها وَهَذَا التَّرْتِيب فِي الصَّلَوَات يُوَافق تَرْتِيب مَسْجِد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا عدا صَلَاة الْحَنَابِلَة فان مَسْجِد الْخَلِيل يُصَلِّي فِيهِ أَولا إِمَام الْمَالِكِيَّة بالرواق الغربي الَّذِي خلف الْحُجْرَة الشَّرِيفَة الخليلية ثمَّ إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي الْمِحْرَاب الْكَبِير الَّذِي الى جَانب الْمِنْبَر ثمَّ إِمَام الْحَنَفِيَّة عِنْد مقَام آدم وَهَذَا التَّرْتِيب خلاف التَّرْتِيب بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فَإِن هُنَاكَ اولا يُصَلِّي إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي مقَام ابراهيم تجاه بَاب الْكَعْبَة ثمَّ إِمَام الْحَنَفِيَّة مُقَابل حجر اسماعيل تجاه الْمِيزَاب ثمَّ إِمَام الْمَالِكِيَّة بَين الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيّ والشامي ثمَّ إِمَام الْحَنَابِلَة مُقَابل الْحجر الْأسود وقبلة أهل بَيت الْمُقَدّس وَمَا جاوره من غَزَّة والرملة وَمَا وَرَاء ذَلِك من السواحل جِهَة ميزاب الْكَعْبَة وَحجر اسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام فهم يستقبلون الْجِهَة الَّتِي

يُصَلِّي اليها إِمَام الْحَنَفِيَّة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وللمسجد الْأَقْصَى ايضا عدَّة أَئِمَّة بداخل الْجَامِع الْأَقْصَى وبمغارة الصَّخْرَة وَعند أَبْوَاب الْمَسْجِد يصلونَ التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان فَقَط وَبَقِيَّة الايام لايصلون شَيْئا وَلَكِن الْعُمْدَة على الائمة الاربعة الْمُتَقَدّم ذكرهم وَأما مَا يُوقد فِيهِ من المصابيح فِي كل لَيْلَة وَقت الْعشَاء وَوقت الصُّبْح فَفِي دَاخل الْجَامِع الْمُتَعَارف عِنْد النَّاس انه الْأَقْصَى وعَلى ابوابه سَبْعمِائة قنديل وَنَحْو خمسين قِنْدِيلًا وَفِي قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَمَا حولهَا خَمْسمِائَة قِنْدِيلًا وَنَحْو اربعين قِنْدِيلًا وَذَلِكَ خَارج عَمَّا فِي الأروقة وغيرهامن الْأَمَاكِن بِالْمَسْجِدِ وَهَذِه الْعدة لَا توقد فِي مَسْجِد من مَسَاجِد الدُّنْيَا فِي مملكتنا وَالله أعلم وَأما فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فيوقد بالجامع الْأَقْصَى وبقبة الصَّخْرَة مَا يزِيد على عشْرين الف قنديل وَهَذِه اللَّيْلَة من اللَّيَالِي الْمَشْهُورَة الَّتِي من عجائب الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ فِي لَيْلَة الْمِعْرَاج وَهِي المسفرة عَن السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب وَفِي لَيْلَة المولد الشريف وَفِي لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان يُوقد فِيهَا التنانير من المصابيح وَغَيرهَا مِمَّا لَا يُوجد فِي مَسْجِد من الْمَسَاجِد وَأما الْوَظَائِف الْمرتبَة فِيهِ والمدرسين والمعيدين والخدام والمؤذنين والقراء وَغَيرهم فكثير جدا وَلم يكن فيهم من يُبَاشر وَمَا وَجب عَلَيْهِ إِلَّا بعض النَّاس وَالله أعلم (ذكر غَالب مَا فِي بَيت الْمُقَدّس من الْمدَارِس والمشاهد) مِمَّا هُوَ بجوار سور الْمَسْجِد الْأَقْصَى 1 الفارسية بداخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى عِنْد الْمَكَان الَّذِي يجلس فِيهِ النِّسَاء بِالْقربِ من بِئْر الورقة منسوبة لوقف الْمدرسَة الفارسية الَّتِي شمال الْمَسْجِد وسنذكرها وَنَذْكُر واقفها والحاكورة الَّتِي بلصقها من ظَاهر الْجَامِع عِنْد الْبَاب الشَّرْقِي تعرف بحاكورة الفارسية

2 - النحوية على طرف صحن الصَّخْرَة من جِهَة الْقبْلَة الى الغرب وَتقدم ذكرهَا عِنْد تَرْجَمَة بانيها الْملك الْمُعظم عِيسَى وَكَانَ بناؤها فِي سنة ارْبَعْ وسِتمِائَة 3 الناصرية وَكَانَ على برج بَاب الرَّحْمَة مدرسة تعرف بالناصرية نِسْبَة للشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي ثمَّ عرفت بالغزالية نِسْبَة لأبي حَامِد الْغَزالِيّ ثمَّ انشأها الْملك الْمُعظم عِيسَى وَجعلهَا زَاوِيَة لقِرَاءَة الْقُرْآن والاشتغال بالنحو ووقف عَلَيْهَا كتبا من جُمْلَتهَا إصْلَاح الْمنطق لأبي يُوسُف يَعْقُوب بن اسحاق ابْن السّكيت وَقد وقفت على كراسة مِنْهُ بِخَط ابْن الخشاب وعَلى ظهر الكراسة الْوَقْف وَهُوَ مؤرخ فِي التَّاسِع من ذِي الْحجَّة سنة عشر وسِتمِائَة وَقد دثرت الزاوية الْمَذْكُورَة فِي عصرنا وَلم يبْق لَهَا نظام وَصَارَت من المهملات وَأما مَا حول الْمَسْجِد من الْمدَارِس والزوايا فأولها 4 الزاوية الخنثنية بجوار الْمَسْجِد الْأَقْصَى خلف الْمِنْبَر وَقفهَا الْملك صَلَاح الدّين تغمده الله برحمته على رجل من أهل الصّلاح وَهُوَ الشَّيْخ الْأَجَل الزَّاهِد العابد الْمُجَاهِد جلال الدّين مُحَمَّد بن احْمَد بن مُحَمَّد جلال الدّين الشَّاشِي المجاور فِي بَيت الْمُقَدّس ثمَّ من بعده على من يحذو حذوه وَقد وَليهَا جمَاعَة من الْأَعْيَان وبناؤها قديم من زمن الرّوم وَلَكِن بِنَاء الدَّار الَّتِي بداخل الزاوية مستجد وتاريخ كتاب وَقفهَا فِي ثامن عشر ربيع الآول سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَأما الْمدَارِس الْمُجَاورَة للسور من جِهَة الغرب - وسنذكرها على التَّرْتِيب - فأولها (1) الخانقاه الفخرية وَهِي مجاورة لجامع المغاربة الَّذِي تُقَام فِيهِ صَلَاة الْمَالِكِيَّة من جِهَة الغرب وَهِي بداخل سور الْمَسْجِد وبابها من دَاخل الْمَسْجِد عِنْد الْبَاب الَّذِي يخرج مِنْهُ الى حارة المغاربة واقفها الْمقر العالي القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن فضل الله نَاظر الجيوش الاسلامية أَصله قبْطِي فَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَكَانَت لَهُ اوقاف كَثِيرَة وبر وإحسان لأهل الْعلم وَكَانَ صَدرا كَبِيرا مُعظما توفّي فِي منتصف رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَقد جَاوز السّبْعين رَحمَه الله

(2) الْمدرسَة التنكزية واقفها الْأَمِير تنكز الناصري نَائِب الشَّام وَهِي مدرسة عَظِيمَة لَيْسَ فِي الْمدَارِس أتقن من بنائها وَهِي بِخَط بَاب السلسلة وَلها مجمع رَاكب على الأروقة الغربية فِي الْمَسْجِد ولواقفها مآثر خير فِي الْمَسْجِد وعمائر كَثِيرَة مِنْهَا الرخام الَّذِي فِي قبْلَة الْمَسْجِد عِنْد الْمِحْرَاب وَمِنْهَا جَانب الْجَامِع الْأَقْصَى الغربي وَهُوَ الَّذِي عمر قناة المَاء الْوَاصِلَة الى مَدِينَة الْقُدس الشريف وَكَانَ ابْتِدَاء عمارتها فِي شَوَّال سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة ووصلت الى الْقُدس الشريف وَدخلت الى وسط الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي أَوَاخِر ربيع الآول سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَعمل الْبركَة الرخام بَين الصَّخْرَة والأقصى وَله الْحمام الْكَائِن بِبَاب القطانين الْمَعْرُوف بالجديد وَغير ذَلِك وعَلى بَاب الْمدرسَة تاريخها فِي سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَتُوفِّي تنكز فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة احدى واربعين وَسَبْعمائة بقلعة اسكندرية مسموما عَفا الله عَنهُ وَدفن بالاسكندرية ثمَّ نقل الى تربته بِدِمَشْق وَقد جَاوز السِّتين وَكَانَ نَقله بِدِمَشْق لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس رَجَب سنة ارْبَعْ واربعين وَسَبْعمائة (3) الْمدرسَة البلدية بَاب السكينَة بجوار بَاب السلسلة واقفها الْأَمِير منكلي بغا الأحمدي نَائِب حلب توفّي وَدفن بهَا فِي جمادي الاخرة سنة ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وبجوارها (4) الْمدرسَة الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة الاشرفية دَاخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف بِالْقربِ من بَاب السلسلة وَسبب بنائها هُوَ أَن الْأَمِير حسن الظَّاهِرِيّ كَانَ قد بنى الْمدرسَة الْقَدِيمَة للْملك الظَّاهِر خشقدم ثمَّ بعد وَفَاته سَأَلَ الْملك الْأَشْرَف قايتباي قبُولهَا فقبلها مِنْهُ ونسبت اليه ورتب لَهَا شَيخا وصوفية وفقهاء وَصرف لَهُم المعاليم ثمَّ حضر الْملك الاشرف قايتباي الى الْقُدس الشريف فِي سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فَلم تعجبه فَلَمَّا كَانَ فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ جهز خاصكي بهدمها وتوسيعها بِمَا يُضَاف اليها من العمائر فَكَانَ الِابْتِدَاء فِي حفر اساس الْمدرسَة الْمَوْجُودَة الْآن فِي رَابِع

عشر شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَعمل على ظَاهرهَا الرصاص الْمُحكم كظاهر الْمَسْجِد الْأَقْصَى واعظم محاسنها كَونهَا فِي هَذِه الْبقْعَة الشَّرِيفَة وَصَارَت جَوْهَرَة ثَالِثَة وَهِي قبَّة الصَّخْرَة وقبة الاقصى وَهَذِه الْمدرسَة وَمن جملَة مَا عمره الْملك الاشرف قايتباي السَّبِيل الْمُقَابل لَهَا بداخل الْمَسْجِد فَوق الْبِئْر الْمُقَابل لدرج الصَّخْرَة الغربي وَكَانَ قَدِيما على الْبِئْر الْمَذْكُورَة قبَّة مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ كَغَيْرِهَا من الْآبَار وَكَذَلِكَ الفسقية الَّتِي تقرب مِنْهُ قبلي المسطبة الْمُجَاورَة والفسقية الَّتِي بَين السلسلة وَبَاب السكينَة وَكَانَ قَدِيما مَكَانهَا حوانيت فازليت (5) الْمدرسَة العثمانية بِبَاب المتوضأ واقفتها امْرَأَة من أكَابِر الرّوم اسْمهَا اصفهان شاه خاتون وتدعى خانم وَعَلَيْهَا اوقاف بِبِلَاد الرّوم وَغَيرهَا فِي هَذِه الْبِلَاد وعَلى بَابهَا تاريخها فِي سنة اربعين وَثَمَانمِائَة ودفنت الواقفة لَهَا بالتربة الْمُجَاورَة لسور الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف رَحمهَا الله تَعَالَى (6) الرِّبَاط الزمني بِبَاب المتوضأ تجاه الْمدرسَة العثمانية واقفه الخواجا شمس الدّين مُحَمَّد بن الزَّمن اُحْدُ خَواص الْملك السُّلْطَان الْأَشْرَف قايتباي وَكَانَ بِنَاؤُه فِي سنة احدى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي واقفه فِي سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة (7) الْمدرسَة الخاتونية بِبَاب الْحَدِيد واقفتها اغل خاتون بنت شمس الدّين مُحَمَّد بن سيف الدّين القازانية البغدادية ووقفت عَلَيْهِ المزرعة الْمَعْرُوفَة بِظهْر الْجمل واشتهرت فِي عصرنا وَقَبله بباطن الْجمل تَارِيخ وقف الْجِهَة المذكوره فِي خَامِس ربيع الآخر سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة ثمَّ أكملت عمَارَة الْمدرسَة الْمَذْكُورَة ووقفت عَلَيْهَا المرحومة اصفهان شاه بنت الامير قازان شاه تَارِيخ وَقفهَا فِي الْعشْر الآخر من جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الْمدرسَة الارغونية (8) بِبَاب الْحَدِيد واقفها ارغون الكاملي نَائِب الشَّام وَهُوَ الَّذِي استجد بَاب الْحَدِيد اُحْدُ ابواب الْمَسْجِد وَكَانَ الْبَاب قَدِيما يعرف

بِبَاب ارغون توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس السَّادِس وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة بالقدس الشريف وَدفن بهَا وأكملت عمارتها بعد وَفَاته سنة تسع وَخمسين (9) الْمدرسَة المزهرية بِبَاب الْحَدِيد واقفها الْمقر المرحوم الزيني أَبُو بكر بن مزهر الانصاري الشَّافِعِي صَاحب ديوَان الانشاء بالديار المصرية تغمده الله برحمته وَبَعضهَا رَاكب على ظهر الارغونية وَلها مجمع على أروقة الْمَسْجِد وَكَانَ الْفَرَاغ من بنائها فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَحضر واقفها الى جِهَة نابلس فِي سنة وَفَاته فِي جمادي الأولى لتجهيز الرِّجَال لتجريده ابْن عُثْمَان ملك الرّوم وَقصد الْحُضُور الى بَيت الْمُقَدّس للزيارة ورؤية مدرسته فَحصل لَهُ توعك فِي رَجَب وَتوجه الى الْقَاهِرَة وَلم يقدر حُضُوره الى الْقُدس توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس سادس رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة (10) رِبَاط كرد بِبَاب الْحَدِيد بجوار السُّور تجاه الْمدرسَة الارغونية واقفه الْمقر السيفي كرد صَاحب الديار المصرية فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة (11) الْمدرسَة الجوهرية بِبَاب الْحَدِيد وَبَعضهَا على رِبَاط كرد واقفها الصفوي جَوْهَر زِمَام الآدر الشَّرِيفَة فِي سنة ارْبَعْ واربعين وَثَمَانمِائَة (12) الزاوية الوفائية بِبَاب النَّاظر تجاه الْمدرسَة المنجكية وعلوها دَار من معاليمها تعرف بدار الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن الهائم ثمَّ عرفت ببني ابي الوفا لسكنهم بهَا وتعرف قَدِيما بدار مُعَاوِيَة (13) الْمدرسَة المنجكية بِبَاب النَّاظر واقفها الامير منجك نَائِب الشَّام وَكَانَ رسم لَهُ بالاقامة بالقدس الشريف طرخان فَدخل اليها فِي شهر صفر سنة احدى ورابعين وَسَبْعمائة وَفِي بعض التواريخ انه وصل الى الْقُدس الشريف ليتبني الْمدرسَة للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن فَكَانَ قَصده نباءها لَهُ فَلَمَّا قبل السُّلْطَان فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ

وَسَبْعمائة بناها لنَفسِهِ ونسبت اليه ووقف عَلَيْهَا ورتب لَهَا فُقَهَاء وارباب وظائف ثمَّ تلاشت احوالها فِي عصرنا وَالله الْمُوفق فَهَذِهِ الْمدَارِس فِي الْجِهَة الغربية من الْمَسْجِد وَمَا هُوَ فِي جِهَة الشمَال فنذكره على التَّرْتِيب ايضا (14) الْمدرسَة الجاولية واقفها الامير علم الدّين سنجر الجاولي نَائِب غَزَّة ومولده فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ من اهل الْعلم وَله مصنفات وترجمته فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة توفّي فِي رَمَضَان سنة خمس واربعين وَسَبْعمائة وَقد صَارَت الْمدرسَة فِي هَذِه الْأَزْمِنَة سكنا لنواب الْقُدس وفيهَا مدفن بِهِ الشَّيْخ درياس الْكرْدِي الهكاري وَكَانَ صَالحا مُعْتَقدًا نفع الله بِهِ (15) الْمدرسَة الصبيبية واقفها الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد نَائِب القلعة الصبيبية ولي نِيَابَة الْقُدس وَعمر بهَا الْمدرسَة وَتُوفِّي بِالشَّام فِي الْمحرم سنة تسع وَثَمَانمِائَة بالقبيبات ثمَّ نقل الى الْقُدس بعد مُدَّة وَدفن بمدرسته (16) لمدرسة الاسعردية واقفها الخواجا مجد الدّين عبد الْغَنِيّ بن سيف الدّين أبي بكر ابْن يُوسُف الاسعردي تَارِيخ وَقفهَا فِي الْعشْرين من ربيع الاول سنة سبعين وَسَبْعمائة (17) الْمدرسَة الملكية عمرها الْحَاج ملك الجوكندار وَكَانَ بناؤها فِي سلطنة الناصرمحمد بن قلاوون فِي مستهل الْمحرم سنة احدى واربعين وَسَبْعمائة كَذَا مَكْتُوب تاريخها فِي حائطها القبلي فَوق الرواق الشمالي بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَأما الْوَقْف عَلَيْهَا فَإِنَّهُ من زَوْجَة ملك بنت السيفي قلطلقتم الناصري وتاريخ وَقفهَا فِي السَّادِس عشر من ربيع الآخر من سنة خمس واربعين وَسَبْعمائة وَالظَّاهِر ان زَوجهَا عمرها لَهَا من مَالهَا وَالله أعلم (18) الْمدرسَة الفارسية واقفها الْأَمِير فَارسي البكي ابْن الْأَمِير قطلو ملك ابْن عبد الله نَائِب السلطنة بِالْأَعْمَالِ الساحلية والجبلية ونائب غَزَّة وَهُوَ الْمَنْسُوب اليه

الفارسية بداخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى - الْمُتَقَدّم ذكرهَا فِي أول الْفَصْل - وقفت على كتاب وقف الْحصَّة من قَرْيَة طوركرم على الْمدرسَة الْمَذْكُورَة تَارِيخه ثَالِث شعْبَان سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة (19) الْمدرسَة الامينية بِبَاب شرف الْأَنْبِيَاء الْمَعْرُوف بِبَاب الدويدارية واقفها الصاحب أَمِين الدّين عبد الله فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة (20) الْمدرسَة الدويدارية بِبَاب شرف الْأَنْبِيَاء وَهِي الَّتِي سمي بَاب الْمَسْجِد بِسَبَبِهَا بَاب الدويدارية وَقد رَأَيْت فِي كتاب الْوَقْف الْمَنْسُوب لواقفها انهاتعرف بدار الصَّالِحين وَهُوَ مَكَان مأنوس واقفها الْأَمِير الْكَبِير الْغَازِي الْمُجَاهِد علم الدّين ابو مُوسَى سنجر بن عبد الله الدويدار الصَّالِحِي النجمي وعمارتها فِي سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وتاريخ وَقفهَا فِي سَابِع شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة (21) الْمدرسَة الباسطية بَعْضهَا على الْمدرسَة الدويدارية واقفها القَاضِي زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل الدِّمَشْقِي نَاظر الجيوش المنصورة وعزيز المملكة وَأول من أختط أساسها وَقصد عمارتها شيخ الاسلام شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ شيخ الصلاحية وناظر الْحَرَمَيْنِ فَأَدْرَكته الْمنية قبل عمارتها فعمرها عبد الباسط ووقفها وَشرط على الصُّوفِيَّة قِرَاءَة الْفَاتِحَة عقب الْحُضُور وإهداء ثَوَابهَا للهروي ووقفها فِي شهر جمادي الأولى فِي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي واقفها فِي سنة نَيف وَخمسين وَثَمَانمِائَة (22) التربة الأوحدية بَاب حطة واقفها الْملك الأوحد نجم الدّين يُوسُف ابْن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد بن الْملك الْمُعظم عِيسَى تَارِيخ وَقفهَا فَفِي الْعشْرين من ربيع الآخر سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة (23) الْمدرسَة الكريمية بِبَاب حطة واقفها الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الْمعلم هبة الله بن مكانس نَاظر الْخَواص الشَّرِيفَة بالديار المصرية تَارِيخ كتاب

وَقْفَة فِي لَيْلَة الثَّامِن من شهر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَانِي عشرَة وَسَبْعمائة (24) الْمدرسَة الغادرية بداخل الْمَسْجِد واقفها الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر بعد أَن عمرتها زَوجته مصر خاتون وَلم يُوجد لَهَا كتاب وقف فَكتب محْضر من مَاله يوقفها وَثَبت فِي عصرنا فِي سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وبناؤها فِي سلطنة الْملك الْأَشْرَف برسباي فِي شهر ربيع الآخر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة (25) الْمدرسَة الطولونية بداخل الْمَسْجِد على الرواق الشمالي يصعد اليها من السّلم المتوصل مِنْهُ الى مَنَارَة بَاب الاسباط وَهِي الَّتِي انشأها شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الناصره مُحَمَّد الطولوني الظَّاهِرِيّ فِي زمن الْملك الظَّاهِر برقوق على يَد مَمْلُوكه اقبغا قبل الثَّمَانمِائَة وَلم يكْتب لَهَا كتباب وقف إِلَّا فِي شهر رَجَب سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة (26) الْمدرسَة الفنزية مُقَابل الطولونية من جِهَة الشرق يصعد اليها من السّلم المتوصل مِنْهُ الى مَنَارَة بَاب الاسباط ايضا وَهِي من إنْشَاء شهَاب الدّين الطولوني عمرها مَعَ مدرسته الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَجعلهَا للْملك الظَّاهِر برقوق فَلَمَّا توفّي الظَّاهِر برقوق وَآل الْأَمر لوَلَده الْملك النَّاصِر فرج رتب لَهَا قرى واقام نظامها وَجعل لَهَا معاليم تصرف وَلما توفيت اخته خوند سارة ابْنة الْملك الظَّاهِر برقوق زَوْجَة نوروز نَائِب الشَّام دفنت بهَا فِي شهور سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة ثمَّ لما توفّي النَّاصِر فرج لم يكن لَهَا كتاب وقف فاشتراها بعد وَفَاته رجل من الرّوم يُقَال لَهُ مُحَمَّد شاه بن الفنرى القرومي ووقفها ونسبت اليه وَسميت الفنرية واخبرت ان الَّذِي بَاعهَا ولد منشيها ابْن الطولوني الْمُتَقَدّم ذكره (27) الحسنية على بَاب الاسباط وَهِي آخر الْمدَارِس وَلم اطلع لَهَا على كتاب وقف وَلم اتحقق امرها وَلَكِن اخبرت انها وقف شاهين الحسني الطواشي وانه من دولة الْملك النَّاصِر حسن الْمُتَوفَّى فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلم يكن لَهَا

حكم الْمدَارِس فِي النظام والشعائر وَإِنَّمَا صَارَت منزلا تتَّخذ للسكن وَهِي من جملَة جِهَات الْمَسْجِد الْأَقْصَى يسْتَوْفى ريعها لجِهَة وَقفه وَالظَّاهِر ان واقفها توفّي قبل انبرام أمرهَا وَالله أعلم فَهَذِهِ الْمدَارِس الَّتِي فِي الْجِهَة الشمالية من الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف ويتوصل الى الْمَسْجِد من عدَّة أَبْوَاب من الْمدَارِس ولمنازل الْمُجَاورَة لَهُ وَتقدم الْوَعْد بِذكر ذَلِك فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - الْأَمَاكِن المتوصل مِنْهَا الى الْمَسْجِد وَلها أَبْوَاب من خَارج الْمَسْجِد أَولهَا الزاوية الخنثنية وَدَار الخطابة والفخرية والمدرسة التنكزية والمدرسة البلدية والرباط الزمني والمدرسة الخاتونية والمدرسة الارغونية والزاوية الوفائية والمدرسة المنجكية وَدَار الشَّيْخ جمال الدّين ابْن غَانِم شيخ الْحرم وَدَار بني جمَاعَة الْمُجَاورَة لمنارة الغوانمة والمدرسة الصبيبية والمدرسة الاسعردية والمدرسة الملكية والزاوية الامينية والمدرسة الباسطية والمدرسة الكريمية والمدرسة الفنرية وَكَانَ بالحسنية بِبَاب الأسباط بَاب وَقد سد وَأما مَا فِي الْمَدِينَة من الْمدَارِس والمشاهد فَمن ذَلِك مَا حول الْمَسْجِد غير ملاصق للسور وَلكنه بِالْقربِ مِنْهُ من جِهَة الشمَال (1) الْمدرسَة الصلاحية بِبَاب الاسباط وقف الْملك صَلَاح الدّين رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَتقدم ذكرهَا عِنْد تَرْجَمته وَهِي كَنِيسَة من زمن الرّوم تعرف بِقَبْر حنه فانه يُقَال ان فِيهَا قبر حنة ام مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام تَارِيخ وَقفهَا ثَالِث عشر رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة ووظيفة مشيختها من الْوَظَائِف السّنيَّة بمملكة الاسلام (2) الزاوية الشيخونية بِالْقربِ مِنْهَا عِنْد سويقة بَاب حطة واقفها الْأَمِير سيف الدّين قطيشا بن عَليّ بن مُحَمَّد من رجال حَلقَة دمشق كَانَ مجاورا بالقدس الشريف وَجعل نظرها لنَفسِهِ ثمَّ من بعده لوَلَده شيخون فسميت بالشيخونية نِسْبَة لولد الْوَاقِف

تَارِيخ وَقفهَا مستهل صفر سنة احدى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (3) الْمدرسَة الكاملية بِخَط بَاب حطة بجوار الكريمية من جِهَة الشمَال واقفها الْحَاج كَامِل من أهل طرابلس وَلم يُوجد لَهَا كتاب وقف فَكتب محْضر يوقفها مؤرخ فِي شهور سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة (4) رِبَاط المارديني بِبَاب حطة مُقَابل الكاملية وَهِي بجوار التربة الاوحدية وَقفه مَنْسُوب لامرأتين من عُتَقَاء الْملك الصَّالح صَاحب ماردين وَشَرطه ان يكون لمن يرد من ماردين وَقد وقفت على محْضر ثَابت بوقفه تَارِيخه فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (5) الْمدرسَة المعظمية وقف الْملك الْمُعظم عِيسَى - وَتقدم ذكرهَا عِنْد تَرْجَمته وَهِي مُقَابل بَاب شرف الْأَنْبِيَاء الْمَعْرُوف بَاب الدويدارية تَارِيخ وَقفهَا فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من جمادي الأولى سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة وَقد وقفت على كتاب الْوَقْف وَفِيه جِهَات كَثِيرَة من الْقرى وَقد اخذ غالبها وَصَارَ بأيدي النَّاس إقطاعا وملكا (6) الْمدرسَة السلامية بِبَاب شرف الْأَنْبِيَاء تجاه المعظمية وَهِي بجوار الْمدرسَة الدويدارية من جِهَة الشمَال واقفها الخواجا مجد الدّين ابو الفدا اسماعيل السلَامِي وَلم اطلع على تَارِيخ وَقفهَا وَالظَّاهِر انه بعد السبعمائة (7) الزاوية المهمازية بِالْقربِ من المعظمية من جِهَة الغرب منسوبة للشَّيْخ كَمَال الدّين المهمازي ووقفت على مربع من الْملك الصَّالح اسماعيل ابْن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يشْهد انها وقف على الْمَشَايِخ المقيمين بهَا قَرْيَة بَيت القيا من عمل الْقُدس الشريف تَارِيخ الرَّابِع فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة خمس واربعين وَسَبْعمائة وَبهَا قبر رجل من ذُريَّته اسْمه الشَّيْخ خير الدّين خضر المهمازي وَفَاته فِي شَوَّال سنة سبع واربعين وَسَبْعمائة (8) الْمدرسَة الوجيهية بِخَط درج المولة وقف الشَّيْخ وجيه الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن اِسْعَدْ ابْن النجا الْحَنْبَلِيّ الْمُتَوفَّى فِي شعْبَان سنة احدى وَسَبْعمائة

(9) الْمدرسَة المحدثية بِالْقربِ من الوجيهية عِنْد قبو بَاب الغوانمة واقفها رجل من أهل الْعلم كَانَ مُحدثا واسْمه عز الدّين ابو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز العجمي الاردبيلي تَارِيخ وَقفهَا فِي رَابِع الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فَهَذِهِ الْمدَارِس الَّتِي بِقرب الْمَسْجِد وَهِي من جِهَة الشمَال وَمَا هُوَ بِالْقربِ من الْمَسْجِد من جِهَة الغرب (10) الرِّبَاط المنصوري بِبَاب النَّاظر وقف السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون الصَّالِحِي فِي سنة احدى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَسَنذكر تَارِيخ وَفَاته عِنْد تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى (11) رِبَاط عَلَاء الدّين الْبَصِير تجاه الرِّبَاط المنصوري واقفه الْأَمِير عَلَاء الدّين آيدغدى الْآتِي ذكره فِيمَا بعد وَقفه فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَلم يظْهر لَهُ كتاب وقف فَكتب محْضر بوقفه وَثَبت لَدَى حَاكم الشَّرْع الشريف تَارِيخ الْمحْضر الثَّابِت بوقفه يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَهُوَ مدفون بالرباط الْمَذْكُور وَكَانَ صَالحا وَيَأْتِي ذكر وَفَاته عندترجمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى (12) الْمدرسَة الحسنية بِبَاب النَّاظر على رِبَاط عَلَاء الدّين الْبَصِير واقفها الْأَمِير حسن الكشكيلي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وَكَانَ بناؤها فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَسَنذكر تَرْجَمَة واقفها فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمُقَابل هَذِه الْمدرسَة تربة بهَا ضريح يُقَال انه قبر السيدة فَاطِمَة بنت مُعَاوِيَة (13) الْمدرسَة التشتمرية بِبَاب النَّاظر بِالْقربِ من الحسنية واقفها الْأَمِير تشتمر السيفي الْملك الناصري حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون تَارِيخ وَقفهَا فِي الثَّانِي عشر من ذِي الْقعدَة سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة (14) الْمدرسَة الباوردية بِبَاب النَّاظر بِالْقربِ من التشتمرية واقفتها السِّت الْحَاجة سفرى خاتون ابْنة شرف الدّين أبي بكر بن مَحْمُود الْمَعْرُوف والدها بالباوردي تَارِيخ وَقفهَا فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس شهر رَجَب سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (15) الزاوية المحمدية بجوار الباوردية من جِهَة الغرب واقفها مُحَمَّد بك زَكَرِيَّا الناصري تَارِيخ وَقفهَا فِي الْعَاشِر من شهر رَجَب سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة (16) اليونسية زَاوِيَة مُقَابل الباوردية ونسبتها للْفُقَرَاء اليونسية (17) الْمدرسَة الجهاركسية بجوار اليونسبة من جِهَة الشمَال وَهِي واليونسية كَنِيسَة من بِنَاء الرّوم قسمت نِصْفَيْنِ الأول جعل للمدرسة الجهاركسية وَالثَّانِي جعل لزاوية اليونسية والجهاركسية نِسْبَة لواقفها الْأَمِير جهاركس الخليلي أَمِير آخور الْملك الظَّاهِر برقوق توفّي قَتِيلا بِدِمَشْق فِي شهر ربيع الآخر فِي سنة احدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة (8) الْمدرسَة الحنبيلية بِبَاب الْحَدِيد واقفها الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وَكَانَ مُتَوَلِّيًا نِيَابَة دمشق فِي سلطنة الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ بناؤها فِي الْعشْر الآخر من جمادي الْآخِرَة وَفرغ الْبناء فِي سلخ شَوَّال سنة احدى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة (19) التربة السعدية بِبَاب السلسلة تجاه الْمدرسَة التنكزية وَبَاب الْمَسْجِد واقفها الْأَمِير سعدالدين مَسْعُود بن الْأَمِير الاسفهلار بدر الدّين سنقر بن عبد الله الجاشنكير الرُّومِي الْحَاجِب بِالشَّام المحروسة فِي دولة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون تَارِيخ كتاب وَقفه فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر ربيع الاخر سنة احدى عشر وَسَبْعمائة (20) التربة الجالقية بِرَأْس درج الْعين بِبَاب السلسلة وقف ركن الدّين الْكَبِير العجمي الْمَعْرُوف بالجالق وَهُوَ مدفون بهَا توفّي فِي عَاشر جمادي الآولى سنة سبع وَسَبْعمائة وَكَانَ من جملَة الْأُمَرَاء بِالشَّام فِي دولة الْملك الْمَنْصُور قلاوون وَبعده (21) دَار الحَدِيث بجوار التربة الجالقية من جِهَة الغرب واقفها الْأَمِير شرف الدّين عِيسَى بن بدر الدّين أبي الْقَاسِم الهكاري تَارِيخ وَقفهَا فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين

من رَجَب سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة (22) دَار الْقُرْآن السلامية تجاه دَار الحَدِيث واقفها سراج الدّين عمر بن أبي بكر أبي الْقَاسِم السلَامِي تَارِيخ وَقفهَا فِي الْعشْرين من ربيع الآخر سنة احدى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (23) الْمدرسَة الطازية بِخَط دَاوُد بِالْقربِ من بَاب السلسلة وقف الْأَمِير طاز الْمُتَوفَّى فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (24) تربة الْملك حسام الدّين بركَة خَان مُقَابل الْمدرسَة الطازية تَارِيخ عمارتها فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وعمرت بعد مَوته (25) التربة الكيلانية بجوار الطازية من جِهَة الغرب منسوبة الى الْحَاج جمال الدّين بهلوان ابْن الْأَمِير شمس الدّين قرادشاه ابْن شمس الدّين مُحَمَّد الكيلاني اللاهجي الْمَشْهُور بِابْن الصاحب كيلان وَهُوَ أَنه أوصى الى وَلَده الْأَمِير نظام الدّين كهشروان بِأَن يصرف من ثلث مَاله مائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَيدْفَع ذَلِك الى ابْن اخي الْمُوصى الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن بهاء الدّين سلار ابْن شير ملك الكيلاني ليبتاع بذلك مَكَانا ويعمره تربة بالقدس الشريف أَن تهَيَّأ نَقله وَدَفنه هُنَاكَ تَارِيخ الْوَصِيَّة فِي الْعَاشِر من شعْبَان سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة فعمرت هَذِه التربة وَبهَا ضريحه وَنقل اليها كَمَا أوصى بِهِ (26) التربة الطشتمرية بِالْقربِ من الكيلانية وقف الْأَمِير طشتمر العلائي أَنْشَأَهَا فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي وَدفن بهَا فِي شعْبَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة (27) زَاوِيَة الطواشية بحارة الشريف وتعرف قَدِيما بحارة الاكراد واقفها الشَّيْخ الصَّالح شمس الدّين مُحَمَّد بن جلال الدّين عرب بن فَخر الدّين أَحْمد المجاور بالقدس فِي تَاسِع عشر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة (28) زَاوِيَة المغابة بأعلا حارتهم وقف الشَّيْخ عمر بن عبد الله بن عبد النَّبِي المغربي المصمودي الْمُجَرّد وَكَانَ رجلا صَالحا عمر الزاوية وأنشأها من مَاله ووقفها

على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين بتاريخ ثَالِث شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة وَتُوفِّي بالقدس الشريف وَدفن بِمَاء ملا عِنْد حوش البسطامية وَقد وهم بعض المؤخين فَظَنهُ الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وَاقِف الزاوية بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام لاشْتِرَاكهمَا فِي الِاسْم والشهرة وَالْأَمر بِخِلَافِهِ وَسَنذكر كلا مِنْهُمَا فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تراجم الْأَعْيَان (29) الْمدرسَة الْأَفْضَلِيَّة وتعرف قَدِيما بحارة المغاربة وقف الْملك الْأَفْضَل نور الدّين أبي الْحسن عَليّ ابْن الْملك صَلَاح الدّين تغمده الله برحمته وَقفهَا على فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف ووقف أَيْضا حارة المغاربة على طَائِفَة المغاربة على اخْتِلَاف اجناسهم ذكورهم واناثهم وَكَانَ الْوَقْف حِين سلطنته على دمشق وَكَانَ الْقُدس من مضافاته وَلم يُوجد لَهَا كتاب فَكتب محْضر بِالْوَقْفِ لكل جِهَة وَثَبت مضمونه لَدَى حكام الشَّرْع الشريف بعد وَفَاة الْوَاقِف وَتقدم ذكر تَارِيخ سلطنته ووفاته قبل ذَلِك وَمن جملَة اوقافه المسجدالكائن عِنْد قمامة علو سجن الشرطة فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَهِي السّنة الَّتِي توفّي وَالِده فِيهَا وَبِه مَنَارَة استجدت قبل السّبْعين والثمانمائة وَأما مَا هُوَ من الزوايا والمدارس بالقدس الشريف غير قريب من الْمَسْجِد فَمِنْهَا 30 - زَاوِيَة البلاسي بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الْقبْلَة وَهِي قديمَة نسبتها للشَّيْخ أَحْمد البلاسي وَكَانَ من الصَّالِحين وقبره بهَا وَهُوَ مَشْهُور يَقْصِدهُ الزوار وَلم اطلع على تَارِيخ وَفَاته 31 - زَاوِيَة الْأَزْرَق بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الْقبْلَة وَهِي شَرْقي زَاوِيَة البلاسي نسبتها للشَّيْخ ابراهيم الْأَزْرَق وَهِي قديمَة وَبهَا قُبُور جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ اسحاق ابْن الشَّيْخ ابراهيم ووفاته فِي سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ورايت فِي مستندات تتَعَلَّق بهَا انها تعرف بزاوية السرائي 32 - الْمدرسَة اللؤلؤية بِخَط مرزبان بجوار حمام عَلَاء الدّين الْبَصِير من جِهَة

الشمَال واقفها الْأَمِير لُؤْلُؤ غَازِي عَتيق الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن وَكَانَت الْمدرسَة مَوْجُودَة فِي سنة احدى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَتوفى الْوَاقِف فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة 33 - الْمدرسَة البدرية بِخَط مرزبان بِالْقربِ من اللؤلؤية وَمن زَاوِيَة ولي الله تَعَالَى الشَّيْخ محمدالعرمي واقفها بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم الهكاوي اُحْدُ امراء الْملك الْمُعظم وَقفهَا فِي سنة عشر وسِتمِائَة على فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَكَانَ يتَمَنَّى ان يستشهد فرزقه الله الشَّهَادَة بالغور بِالْقربِ من نابلس فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وسِتمِائَة وَحمل الى تربته بالقدس الشريف 34 - زَاوِيَة الدركاه بجوار البيمارستان الصلاحي وَكَانَت فِي زمن الافرنج دَار الاسبيتار وَهِي من بِنَاء هيلانة ام قسطنطين الَّتِي عمرت كَنِيسَة قمامة وَعَلَيْهَا مَنَارَة استهدم بَعْضهَا وَكَانَ قَدِيما ينزل بهَا نواب الْقُدس الشريف واقفها الْملك المظفر شهَاب الدّين غَازِي ابْن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل ابي بكر بن أَيُّوب صَاحب ميافارقين وَمَا مَعهَا فِي سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة 35 - زَاوِيَة الشَّيْخ يَعْقُوب العجمي بِالْقربِ من القلعة وَهِي كَنِيسَة من بِنَاء الرّوم وَقد اشتهرت فِي عصرنا بزاوية الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الشَّيْخ عبد الله الْبَغْدَادِيّ اُحْدُ الْعُدُول بالقدس الشريف كَانَ سكنه بهَا وتلاشت احوالها بعد 36 - مَسْجِد الْحَيَّات وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِهِ طلسم الْحَيَّات - وَتقدم ذكره - وَهُوَ بِقرب كَنِيسَة قمامة وَهُوَ مَسْجِد عَظِيم من الْمَسَاجِد العمرية مَنْسُوب الى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ 37 - الخانقاه الصلاحية علو كَنِيسَة قمامة وقف الْملك صَلَاح الدّين على الصُّوفِيَّة وَتقدم ذكر تَارِيخ وَقفهَا فِي الْخَامِس من شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 38 - الزاوية الْحَمْرَاء بِالْقربِ من الخانقاه الصلاحية وَهِي منسوبة للْفُقَرَاء الوفائية 39 - الزاوية اللؤلؤية بِبَاب العمود - اُحْدُ أَبْوَاب الْمَدِينَة - وَهِي وقف

بدر الدّين لُؤْلُؤ غَازِي وَاقِف للؤلؤية الْمُتَقَدّم ذكرهَا 40 - الزاوية البسطامية بحارة المشارقة واقفها الشَّيْخ عبد الله البسطامي وَكَانَت الزاوية مَوْجُودَة قبل سنة سبعين وَسَبْعمائة وَسَنذكر تَرْجَمته 41 - الْمدرسَة الميمونية عِنْد بَاب الساهرة وَهِي كَنِيسَة من بِنَاء الرّوم واقفها الْأَمِير فَارس الدّين أَبُو سعيد مَيْمُون ابْن عبد الله القصري خازندار الْملك صَلَاح الدّين تَارِيخ وَقفهَا فِي جمادي الأولى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلم يبْق لَهَا نظام فِي عصرنا بل صَارَت من المهملات 42 - التربة الهمازية واقفها الْأَمِير نَاصِر الدّين المهمازي وَلم اطلع لَهَا على كتاب وقف وَلَا تَارِيخ وَصَارَت فِي عصرنا مسكنا كبقة الْمنَازل 43 - زَاوِيَة الهنود بِظَاهِر بَاب الأسباط وَهِي قديمَة وَكَانَت للْفُقَرَاء الرفاعية ثمَّ نزل بهَا طَائِفَة الهنود فغرفت بهم 44 - الجراحية زَاوِيَة بِظَاهِر الْقُدس من جِهَة الشمَال وَلها وقف ووظائف مرتبَة ونسبها لواقفها الْأَمِير حسام الدّين الْحُسَيْن بن شرف الدّين عِيسَى الجراحي أحد أُمَرَاء الْملك صَلَاح الدّين ووفاته فِي صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَدفن بزاويته الْمَذْكُورَة رَحمَه الله وبظاهر الزاوية من جِهَة الْقبْلَة قُبُور جمَاعَة من الْمُجَاهدين يُقَال انهم من جمَاعَة الجراحي وَالله أعلم 45 - القيمرية قبَّة محكمَة الْبناء بِظَاهِر الْقُدس الشّرف من جِهَة الشمَال مِمَّا يَلِي الغرب نسبتها لجَماعَة من الشُّهَدَاء الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله قُبُورهم بهَا وهم الْأَمِير الشَّهِيد حسام الدّين أَبُو الْحسن بن أبي الفوارس القيمري ووفاته فِي الْعشْر الْأَوْسَط من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة والأمير ضِيَاء الدّين مُوسَى ابْن ابي الفوارس ووفاته فِي عَاشر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة والأمير حسام الدّين خضر القيمري ووفاته فِي رَابِع عشر ذِي الْحجَّة سنة احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة والأمير نَاصِر الدّين أبي الْحسن القيمري ووفاته فِي عشري صفر

سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وبالقبة الْمَذْكُورَة قبر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد جَابر بك أحد أُمَرَاء الطبلخانة بِالشَّام وناظر الْحَرَمَيْنِ بالقدس الشريف والخليل عَلَيْهِ السَّلَام ووفاته لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشر الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وبظاهر الْقبَّة الْمَذْكُورَة تربة بهَا قُبُور جمَاعَة من الْمُجَاهدين رحمهمَا الله تَعَالَى وَفِي الْمَدِينَة عدَّة أَمَاكِن من الزوايا والربط والترب لَا فَائِدَة فِي ذكرهَا وَإِنَّمَا ذكرت مَا هُوَ الْمَشْهُور وَأما مَا فِي الْقُدس من المنائر فقد تقدم أَن بِالْمَسْجِدِ ارْبَعْ منائر وبظاهر الْمَسْجِد مَنَارَة على الْمدرسَة المعظمية وَهِي صَغِيرَة جدا وعَلى الخانقاه الصلاحية مَنَارَة وَهِي إنْشَاء المرحوم الشَّيْخ برهَان الدّين بن غَانِم شيخ الخانقاه رَحمَه الله قبل الْعشْرين والثمانمائة وَقد حكى لي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الله الْبَغْدَادِيّ انه لما قصد الشَّيْخ برهَان الدّين بن غَانِم بِنَاء المنارة الْمَذْكُورَة شقّ ذَلِك على النَّصَارَى بالقدس لكَونهَا على كَنِيسَة القمامة فَاجْتمع رَأْيهمْ على دفع مَال كثير للشَّيْخ برهَان الدّين على أَن يتْرك بناءها فَلم يلْتَفت الى ذَلِك وزجرهم زجرا بليغا وَعمر المنارة ورتب لَهَا من يقو م بشعائرها فَرَأى رجل من النَّاس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ سلم على برهَان الدّين بن غَانِم وَقل لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقريك السَّلَام وَيَقُول لَك أَنْت دَاخل فِي عُمُوم شَفَاعَته يَوْم الْقِيَامَة ببنائك هَذِه المنارة على رُؤْس الْكفَّار ومنارة على الْمَسْجِد - الْمُتَقَدّم ذكره عِنْد ذكر الْمدرسَة الفضلية - الْكَائِن علو سجن الشرطة تجاه قمامة من جِهَة الْقبْلَة وَالظَّاهِر ان بناءها على اساس قديم ومنارة علو زَاوِيَة الدركاه وَقد هدم بَعْضهَا من زَلْزَلَة وَقعت فِي الْمحرم سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ومنارة على مَسْجِد ملاصق لكنيسة الْيَهُود من جِهَة الْقبْلَة وَهِي مستجدة بعد

الثَّمَانمِائَة اعتصب اهل الْخَيْر وجمعوا مَالا وبنوها وأوقفوا عَلَيْهَا وَأما مَدِينَة الْقُدس الشريف فِي عصرنا فَهِيَ مَدِينَة عَظِيمَة محكمَة الْبناء بَين جبال وأودية وَبَعض بِنَاء الْمَدِينَة مُرْتَفع على علو وَبَعضه منخفض فِي وَاد وغالب الابنية الَّتِي فِي الْأَمَاكِن الْعَالِيَة مشرفة على مَا دونهَا من الْأَمَاكِن المنخفضة وشوارع الْمَدِينَة بَعْضهَا سهل وَبَعضهَا وعر وَفِي غَالب الْأَمَاكِن يُوجد سفله ابنية قديمَة وَقد بني فَوْقهَا بِنَاء مستجد على بِنَاء قديم وَالْبناء مشحون بِحَيْثُ لَو تفرق على حكم غَالب مدن مملكة الاسلام لَكَانَ حجم الْمَدِينَة ضعف مَا هُوَ الْآن وَهِي كَثِيرَة الْآبَار الْمعدة لخزن المَاء لِأَن ماءها يجمع من الأمطار وَأما مَا فِي الْقُدس الشريف من الْأَمَاكِن المحكمة الْبناء فَمن ذَلِك سوق القطانين المجاور لباب الْمَسْجِد من جِهَة الغرب وَهُوَ سوق فِي غَايَة الِارْتفَاع والاتقان لم يُوجد مثله فِي كثير من الْبِلَاد وايضا الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة الْمُجَاورَة بِالْقربِ من بَاب الْمِحْرَاب الْمَعْرُوف بِبَاب الْخَلِيل وَهِي من بِنَاء الرّوم ممتدة قبْلَة بشام وَمن بَعْضهَا الى بعض منافذ فَالْأول مِنْهَا وَهُوَ الغربي سوق العطارين وقف الْملك صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى على مدرسته الصلاحية وَالَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ الْأَوْسَط لبيع الخضراوات وَالَّذِي يَلِيهِ لجِهَة الشرق لبيع القماش وهما وقف على مصَالح الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَقد ذكر المسافرون انهم لم يرَوا مثل الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة فِي التَّرْتِيب وَالْبناء فِي بَلْدَة من الْبلدَانِ وان ذَلِك من المحاسن الَّتِي لبيت الْمُقَدّس (وَرُوِيَ) عَن سَلامَة ابْن قَيْصر - وَكَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خَلفه بِبَيْت الْمُقَدّس ييصلي بِالنَّاسِ - ان عمر رَضِي الله عَنهُ لما فتح بَيت الْمُقَدّس وقف على راس السُّوق فِي أَعْلَاهُ فَقَالَ لمن هَذَا الصَّفّ - يَعْنِي صف سوق البزازين -؟ فَقَالُوا لِلنَّصَارَى فَقَالَ لمن الصَّفّ الغربي الَّذِي فِيهِ حمام السُّوق؟ فَقَالُوا لِلنَّصَارَى فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا هَذَا لَهُم وَهَذَا لَهُم - يَعْنِي النَّصَارَى - وَهَذَا لنا مُبَاح - يَعْنِي السُّوق الْأَوْسَط الَّذِي بَين الصفين يَعْنِي السُّوق الْكَبِير الَّذِي كَانَ فِيهِ قبَّة الرصاص

قلت وَالَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بِتِلْكَ الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة الْمَوْجُودَة الْآن وان تِلْكَ الْأَوْصَاف الْقَدِيمَة ذهبت واستجد مَكَانهَا الْبُنيان الْمَوْجُود فِي عصرنا وَالله أعلم وَفِي الْقُدس الشريف عدَّة من الْكَنَائِس والديارات من زمن الرّوم نَحْو عشْرين مَكَانا وعمدة النَّصَارَى مِنْهَا كَنِيسَة قمامة فَإِنَّهَا عِنْدهم بمَكَان عَظِيم وبناؤها فِي غَايَة الاحكام والاتقان ويقصدونها فِي كل سنة فِي عدَّة اوقات من بِلَاد الرّوم والافرنج وَمن بِلَاد الارمن وَمن الديار المصرية والمملكة الشامية وَسَائِر الاقطار ويسمونها الْقِيَامَة ويزعمون ان حجهم اليها وَقد تقدم ذكر طرف من اخبارها وَمَا وَقع فِيهَا من الْهدم وَالْبناء قبل اسْتِيلَاء الافرنج على بَيت الْمُقَدّس ويليها كَنِيسَة صهيون المختصة بالافرنج وَهِي فِي آخر مَدِينَة الْقُدس من جِهَة الْقبْلَة ثمَّ كَنِيسَة مار يَعْقُوب وتعرف بدير الأرمن وَهِي بِالْقربِ من صهيون وكنيسة المصلبية المختصة بطَائفَة الكرج وَهِي ظَاهر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب فَهَذِهِ الاربع كنائس وَهِي عُمْدَة النَّصَارَى وَالنِّهَايَة عِنْدهم كَنِيسَة قمامة وَكَانَت كَنِيسَة المصلبية قد اخذت من النَّصَارَى فِي دولة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاوون وَجعل فِيهَا مَسْجِدا فَلَمَّا كَانَ فِي سنة خمس وَسَبْعمائة وصلت رِسَالَة من جِهَة ملك الكرج ورسل من جِهَة صَاحب قسطنطينية الى نَائِب الْملك النَّاصِر الْمشَار اليه وسألوا فِي إِعَادَة الْكَنِيسَة لَهُم فَلَمَّا توصلوا وتشفعوا فِي ذَلِك اعيدت لَهُم وسلمت الى رسلهم وَلَو شرعنا نذْكر مَا فِي بَيت الْمُقَدّس من الابنية والأماكن لطال الْكَلَام وَخَرجْنَا عَن حد الِاخْتِصَار وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة فان كل من صنف فِي فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس وفتحه لم يتَعَرَّض لشَيْء من ذَلِك وَالله أعلم وَأما مَا فِي الْقُدس الشريف من الحارات الْمَشْهُورَة فَمِنْهَا حارة المغاربة

وَهِي بجوار سور الْمَسْجِد من جِهَة الغرب ونسبتها الى المغاربة لكَونهَا مَوْقُوفَة عَلَيْهِم وسكنهم بهَا وحارة الشّرف وَهِي بجوارها من جِهَة الغرب ونسبتها لرجل من اكابر الْبَلَد اسْمه شرف الدّين مُوسَى وَله ذُرِّيَّة معروفون يُقَال لَهُم بَنو الشّرف وَكَانَت تعرف قَدِيما بحارة الاكراد وحارة الْعلم نِسْبَة لرجل اسْمه علم الدّين سُلَيْمَان وَكَانَ يعرف بِابْن الْمُهَذّب ووفاته فِي حُدُود السّبْعين والسبعمائة وَله ذُرِّيَّة مَشْهُورُونَ مِنْهُم وَلَده عمر الَّذِي كَانَ نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَأَخُوهُ شرف الدّين مُوسَى المدفون بالحارة الْمَذْكُورَة وَهِي بجوار حارة الشّرف من جِهَة الشمَال وضمنها حارة الحيادرة نِسْبَة لزاوية بهَا لطائفة الحيادرة وحارة الصلتين بجوار حارة الشّرف من جِهَة الْقبْلَة الى الغرب وحارة الْيَهُود بجوار حارة الصلتين من جِهَة الغرب وضمنها حارة الريشة وحارة صهيون الجوانية وَهِي غربي حارة الْيَهُود وحارة الضوية وَهِي بجوار حارة صهيون من الشمَال وحارة بني الْحَارِث وَهِي خَارج الْبَلَد عِنْد القلعة (خطّ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام) هُوَ الشَّارِع الْأَعْظَم وابتداؤه من بَاب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الْمَعْرُوف بِبَاب سلسلة الى بَاب الْمِحْرَاب وَهُوَ بَاب الْمَدِينَة الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب الْخَلِيل وَهَذَا المنط على اقسام مَعْرُوفَة فَمن بَاب الْمَسْجِد الى دَار الْقُرْآن السلامية يعرف بسوق الصاغة وَمن بَاب السلامية الى بَاب حارة الشّرف يعرف بسوق القشاش وَمِنْه الى سوق الفحم يعرف بسوق المبيضين وَمن بَاب الخان الى قنطرة الجبيلي يعرف بسوق الفحم وَمن قنطرة الجبيلي الى درج الخرافيش يعرف بسوق الطباخين وَمِنْه بَاب حارة الْيَهُود يعرف بِخَط الْوكَالَة وَهُوَ خَان عَظِيم وقف على مصَالح الْمَسْجِد الْأَقْصَى يُؤجر فِي السّنة بِنَحْوِ اربعمائة دِينَار يُبَاع فِيهِ اصناف البضائع وَمن

بَاب حارة الْيَهُود الى خَان الْمصرف يعرف بسوق الحريرية وَمن خَان الْمصرف الى بَاب الْمَدِينَة يعرف بِخَط عَرصَة الغلال فَهَذَا كُله دَاخل فِي عُمُوم خطّ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَالسَّبَب فِي تَسْمِيَته بِخَط دَاوُد هُوَ ان سيدنَا دَاوُد كَانَ لَهُ سرداب تَحت الأَرْض من بَاب الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِبَاب السلسلة الى القلعة الَّتِي تعرف قَدِيما بمحراب دَاوُد وَكَانَ منزله بهَا وَهَذَا السرداب مَوْجُود وَفِي بعض الْأَوْقَات يكْشف بعضه ويشاهد وَهُوَ اقبية معقودة بِالْبِنَاءِ الْمُحكم كَانَ يمشي فِيهِ من منزلَة الى الْمَسْجِد (خطّ مرزبان) وَصَارَ على أَقسَام فَمن سويقة بَاب القطانين الى آخر الْعقبَة يعرف بعقبة القطانين وَمن رَأس الْعقبَة الى خَان الجبيلي يعرف بحارة حمام عَلَاء الدّين ويليه من جِهَة الغرب شَارِع يعرف بحارة الشَّيْخ مُحَمَّد القرمي ويليه من جِهَة الشمَال شَارِع يعرف بحارة الحصرية ويليه من جِهَة الشرق شَارِع يعرف بحارة ابْن الشنتير لسكنه بهَا وَهَذَا كُله يدْخل فِي عُمُوم خطّ مرزبان وَلم أدر نسبته لماذا وَلكنه يكْتب فِي المستندات الشَّرْعِيَّة هَكَذَا وبجوار حارة مرزبان من الغرب خطّ المربعة وسوق القماش ويليه سوق الْخضر ويليه سوق العطارين ويليه خطّ الدركاه وَبِه البيمارستان الصلاحي وكنيسة قمامة ويليه حارة النَّصَارَى من جِهَة الغرب ممتدة قبْلَة بشام من بَاب الْخَلِيل الى بَاب السرب وَضمن حارة النَّصَارَى حارة الرحبة وحارة الجوالقة تلِي حارة النَّصَارَى من جِهَة الغرب وَهِي خَارج الْمَدِينَة (خطّ وَادي الطواحين) وَهُوَ الشَّارِع الْأَعْظَم الممتد قبْلَة بشام من درج الْعين الى بَاب العامود أحد ابواب الْمَدِينَة وَفِي هَذَا الْخط عدَّة شوارع مَعْرُوفَة فَمِنْهَا حارة بَاب القطانين وَهُوَ بَاب الْمَسْجِد ونسبته لبيع الْقطن بِالسوقِ الَّذِي عِنْده وحارة بَاب الْحَدِيد

أحد أَبْوَاب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَهُوَ بجوار بَاب القطانين من جِهَة الشمَال وحارة بَاب النَّاظر - أحد أَبْوَاب الْمَسْجِد - يقابلها من جِهَة الغرب عقبَة السُّوق الْمَعْرُوفَة الان بعقبة السِّت ونسبتها لعمارة عَظِيمَة بهَا عمرتها السِّت طنشق المظفرية وَكَانَت السِّت طنشق مَوْجُودَة فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة ويليها من جِهَة الغرب سوق الزَّيْت وَبِه زقاق من جِهَة الشرق يعرف بِأبي شامة وبخط وَادي الطواحين من جِهَة الشرق حارة الغوانمة الْمُجَاورَة لِلْمَسْجِدِ من جِهَة الغرب نسبتها لسكن بني غَانِم ويقابلها من جِهَة الغرب عقبَة الظَّاهِرِيَّة نسبتها لزاوية قديمَة هُنَاكَ تسمى الظَّاهِرِيَّة وبعقبة الظَّاهِرِيَّة من جِهَة الْقبْلَة عقبَة تسمى السودَان وفيهَا ايضا من جِهَة الشمَال زقاق يعرف بقناطر خضير وبآخر الْعقبَة من جِهَة الغرب سوق الْفَخر نِسْبَة لفخر الدّين صَاحب الْمدرسَة الفخرية وَبِه المصابن الَّتِي يعْمل فِيهَا الصابون ويلي سوق الْفَخر من جِهَة الغرب الى الشمَال حارة بني مرّة ويليها من جِهَة الغرب حارة الزراعنه وحارة الملاط وَهِي بِظَاهِر الْبَلَد بلصق حارة النَّصَارَى من جِهَة الغرب وحارة بَاب العامود وَهِي انْتِهَاء خطّ وَادي الطواحين وَهِي آخر الْمَدِينَة من جِهَة الشمَال الى الغرب وضمنها حارة بني سعد وحارة القصيلة وَهِي شَرْقي وَادي الطواحين ويليها من جِهَة الشمَال حارة عقبَة الشُّيُوخ ويليها من جِهَة الشمَال حارة بني زيد وضمنها زقاق يعرف بالسعديين وحارة بَاب الزاهرة وَهِي آخر الْمَدِينَة من الشمَال وحارة درج المولوية وَهِي بجوار حارة القصيلة من الشرق ويليها من الْقبْلَة حارة شرف الْأَنْبِيَاء وتعرف الْآن بحارة بَاب الدويدارية وضمنها عقبَة المهمازية وَيَنْتَهِي الى بَاب الساهرة وحارة بَاب حطة وَهِي شمال الْمَسْجِد ويليها من الشمَال حارة المشارقة وانتهاؤها إِلَى سور الْمَدِينَة الشمالي وحارة الغورية من بَاب الاسباط وتنهي إِلَى سور الْمَدِينَة الشمالي وَإِلَى حوش هُنَاكَ يعرف بالصامت وَفِي الْقُدس الشريف عدَّة شوارع وخطط لَا فَائِدَة لذكرها فَإِن غالبها يدْخل فِي عُمُوم مَا ذكرته وَإِنَّمَا ذكرت مَا هُوَ مَشْهُور

وَمن أعظم الحارات وأكبرها حارة بَاب حطة وَهَذِه الحارات مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ من جِهَة الغرب وَالشمَال - كَمَا تقدم ذكره - وَأما من جِهَة الْقبْلَة والشوق من الْمَسْجِد فهما مشرفان على الْبَريَّة - كَمَا تقدم القَوْل فِي ذَلِك - (القلعة) وَهِي حصن عَظِيم الْبناء بِظَاهِر بَيت الْمُقَدّس من جِهَة الغرب - وَقد تقدم ذكره - وَكَانَ قَدِيما يعرف بمحراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ سكنه بهَا وَيُقَال ان بِنَاء القلعة كَانَ مُتَّصِلا الى دير صهيون وَفِي هَذَا الْحصن برج عَظِيم الْبناء يُسمى برج دَاوُد وَهُوَ من الْبناء الْقَدِيم السُّلَيْمَانِي وروى المشرف بِسَنَدِهِ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ظهر على بَيت الْمُقَدّس لَيْلَة اسرى بِهِ فَإِذا عَن يَمِين الْمَسْجِد وَعَن يسَاره نوران ساطعان فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَا هَذَانِ النوران؟ فَقَالَ أما هَذَا الَّذِي عَن يمنيك فَإِنَّهُ محراب اخيك دَاوُد وَأما هَذَا الَّذِي عَن يسارك فعلي قبر اختك مَرْيَم وَقد جدد الرّوم والافرنج عمَارَة بَقِيَّة القلعة غير برج دَاوُد حِين استيلائهم على بَيت الْمُقَدّس وللقلعة نَائِب غيرنائب الْقُدس وَكَانَت تدق فِيهِ الطبلخانة فِي كل لَيْلَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء على عَادَة القلاع بالبلاد وَقد تلاشت أحوالها فِي عصرنا وتشعثت وَبَطل مِنْهَا دق الطبلخانة وَصَارَ نائبها كآحاد النَّاس لتلاشي الْأَحْوَال وَعدم إِقَامَة النظام وَتقدم ان الْوَالِي بالقدس الشريف كَانَ قَدِيما ينزل بالقلعة الْمَذْكُورَة وَأما بِنَاء بَيت الْمُقَدّس فَهُوَ فِي غَايَة الإحكام والاتقان جَمِيعه بالأحجار الْبيض النحت وسقفه مَعْقُود وَلَيْسَ فِي بنائِهِ لبن وَلَا فِي سقفه خشب وَقد ذكر المسافرون انه لم يكن فِي جَمِيع المملكة أتقن عمَارَة وَلَا أحسن رُؤْيَة من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس وَفِي مَعْنَاهُ بِنَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام لَكِن بِنَاء الْقُدس أمكن

وأتقن وبقرب مِنْهُ بِنَاء مَدِينَة نابلس فَهَذِهِ المدن الثَّلَاث بناءها متقن لكَونهَا فِي الْجَبَل وَالْحِجَارَة فِيهَا كَثِيرَة متيسرة وَأما رُؤْيَة بَيت الْمُقَدّس من بعد فَمن الْعَجَائِب الْمَشْهُورَة فِي نورانيتها وَحسن منظرها من جِهَة الشرق اذا كَانَ الانسان على جبل طور زيتا وَكَذَلِكَ من جِهَة الْقبْلَة وَأما من جِهَة الغرب وَالشمَال فَلَا يرى مِنْهَا من بعد إِلَّا الْقَلِيل لمواراة الْجبَال لَهَا فَإِن بَيت الْمُقَدّس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي جبال كَثِيرَة الأوعار والأحجار وَالسير فِيهَا مشق والمسافة فِيهَا بعيدَة فَإِن الْجبَال المحيطة بالبلدتين مسافتها تَقْرِيبًا ثَلَاثَة أَيَّام طولا وَمثلهَا عرضا بسير الأثقال وَلَكِن اذا من الله على قَاصد الزِّيَارَة بالوصول الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف والى الْمقَام الشريف الخليلي فَمن حِين رُؤْيَته لتِلْك الْأَمَاكِن المشرفة يحصل لَهُ من الانس والبهجة مَا لَا يكَاد يُوصف ويسلو مَا حصل لَهُ من الْمَشَقَّة وَالنّصب وَقد أنْشد الْحَافِظ ابْن حجر عِنْد قدومه لزيارة بَيت الْمُقَدّس فِي معنى ذَلِك الى الْبَيْت الْمُقَدّس جِئْت أَرْجُو (1) جنان الْخلد نزلا من كريم قَطعنَا فِي محبته عقَابا وَمَا بعد الْعقَاب سوى النَّعيم (2) وَأما الْأَبْوَاب الَّتِي للمدينة فأولها من جِهَة الْقبْلَة بَاب حارة المغاربة وَبَاب صهيون الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب حارة الْيَهُود وَمن جِهَة الغرب بَاب سرّ صَغِير لصق دير الأرمن وَبَاب الْمِحْرَاب وَهُوَ الْمُسَمّى الْآن بِبَاب الْخَلِيل وروى المشرف بِسَنَدِهِ عَن عَليّ بن سَلامَة قَالَ سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت ان بَاب لد الَّذِي جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يقتل عَلَيْهِ عِيسَى بن مَرْيَم " ع " الدَّجَّال لَيْسَ هُوَ بَاب الْكَنِيسَة الَّتِي عِنْد الرملة وَإِنَّمَا هُوَ بَاب دَاوُد الغربي الَّذِي عِنْد محراب دَاوُد وَيُسمى بَاب لد وَبَاب يعرف بِبَاب الرحبة وَمن جِهَة الشمَال بَاب دير السرب وَبَاب العامود وَبَاب الداعية المتوصل مِنْهُ الى حارة نَبِي زيد وَبَاب الساهرة وَمن جِهَة الشرق بَاب الاسباط

فَهَذِهِ عشرَة أَبْوَاب لمدينة الْقُدس الشريف وَكَانَ قبل ذَلِك بَاب عِنْد الزاوية الْمُتَقَدّم ذكرهَا الْمَعْرُوفَة بِابْن الشَّيْخ عبد الله تجاه القلعة وَبَاب بحارة الطورية يَنْتَهِي الى ميدان العبيد خَارج بَاب الاسباط وَقد سد (ذكر عين سلوان وَغَيرهَا مِمَّا هُوَ بِظَاهِر الْقُدس الشريف) أما عين سلوان فَهِيَ بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الْقبْلَة بالوادي يشرف عَلَيْهَا سور الْمَسْجِد القبلي وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الله اخْتَار من الْمَدَائِن أَرْبعا مَكَّة وَهِي الْبَلدة وَالْمَدينَة وَهِي النَّخْلَة وَبَيت الْمُقَدّس وَهِي الزيتونة ودمشق وَهِي التِّين وَاخْتَارَ من الثغور اربعة اسكندرية مصر وقزوين خُرَاسَان وعبدان الْعرَاق وعسقلان الشَّام وَاخْتَارَ من الْعُيُون اربعا فَيَقُول فِي مُحكم كِتَابه الْعَزِيز (فيهمَا عينان تجريان) وَقَالَ (فيهمَا عينان نضاحتان) فَأَما اللَّتَان تجريان فعين بيسان وَعين سلوان وَأما النضاحتان فعين زَمْزَم وَعين عكا وَاخْتَارَ من الانهار أَرْبعا سيحان وجيحان والنيل والفرات وَعَن خَالِد بن معدان انه قَالَ زَمْزَم وَعين سلوان الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس من عُيُون الْجنَّة وَعنهُ انه قَالَ من أَتَى بَيت الْمُقَدّس فليأت محراب دَاوُد وَليصل فِيهِ وليسبح فِي عين سلوان فَإِنَّهَا من الْجنَّة وَلَا يدْخل الْكَنَائِس وَلَا يشتر فِيهَا فَإِن الْخَطِيئَة فِيهَا مثل ألف خَطِيئَة والحسنة مثل ألف حَسَنَة (عين المقذوقات) عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ كَانَ فِي زمن بني اسرائيل فِي بَيت الْمُقَدّس عِنْد عين سلوان عين وَكَانَت الْمَرْأَة اذا قذفت اثوابها اليها فَشَرِبت مِنْهَا فَإِن كَانَت برئية لم يَضرهَا وَإِن كَانَت غير بريئة طعنت فَمَاتَتْ فَلَمَّا حملت مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام

أَتَوا بهَا وَحملُوهَا على بغلة فَعَثَرَتْ بهَا فدعَتْ الله أَن يعقم رَحمهَا فعقمت من يَوْمئِذٍ فَلَمَّا أتتها وشربت مِنْهَا لم تَزْدَدْ إِلَّا خيرا فدعَتْ الله أَن لَا يفضح بهَا أمْرَأَة مُؤمنَة فغارت تِلْكَ الْعين من يؤمئذ (بِئْر ايوب) وَهُوَ بِالْقربِ من عين سلوان نسبته الى سيدنَا أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام وَحكى صَاحب كتاب الانس فِي معنى هَذِه الْبِئْر قَالَ قَرَأت بِخَط ابْن عمي أبي مُحَمَّد الْقَاسِم واجازه لي قَالَ قَرَأت فِي بعض التواريخ إِنَّه ضَاقَ المَاء فِي الْقُدس بِالنَّاسِ فاحتاجوا الى بِئْر هُنَاكَ فنزلوها طولهَا ثَمَانُون ذِرَاعا وسعة رَأسهَا بضعَة عشر ذِرَاعا وعرضها اربعة أَذْرع وَهِي مطوية بحجارة عَظِيمَة كل حجر مِنْهَا خَمْسَة اذرع واقل واكثر فِي سمك ذراعين وذراع فعجبت كَيفَ نزلت هَذِه الْحِجَارَة الى ذَلِك الْمَكَان وَمَاء الْعين بَارِد خَفِيف ويستقى مِنْهَا المَاء طول السّنة من ثَمَانِينَ ذِرَاعا واذا كَانَ فِي الشتَاء فاض مَاؤُهَا وفار حَتَّى يسيح على وَجه الأَرْض فِي بطن الْوَادي وتدور عَلَيْهِ ارحية تطحن الدَّقِيق فَلَمَّا احْتِيجَ اليه وَإِلَى عين سلوان نزلت الى قَرَار الْبِئْر وَمَعِي جمَاعَة من الصناع لأثقبها فَرَأَيْت المَاء يخرج من حجر يكون قدره نَحْو ذراعين فِي مثلهَا وَبهَا مغارة فتح بَابهَا ثَلَاثَة أَذْرع فِي ذِرَاع وَنصف يخرج مِنْهَا ريح بَارِد شَدِيد الْبرد وَأَنه حط فِيهِ الضَّوْء فَرَأى المغارة مطوية السّقف بِحجر وَدخل الى قريب مِنْهَا وَلم يثبت لَهُ الضَّوْء فِيهَا من شدَّة الرّيح الَّذِي يخرج مِنْهَا وَهَذِه الْبِئْر فِي بطن الْوَادي والمغارة فِي بَطنهَا وَعَلَيْهَا وحولها من الْجبَال الْعَظِيمَة الشاهقة مَا لَا يُمكن لانسان ان يرتقي عَلَيْهَا إِلَّا بِمَشَقَّة وَهِي الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام (اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب) انْتهى كَلَامه وَهَذِه الْبِئْر مَشْهُورَة مَعْرُوفَة فِي كل سنة عِنْد قُوَّة الشتَاء وَكَثْرَة الأمطار

يفور المَاء مِنْهَا حَتَّى يصير كالنهر الْجَارِي ويسيح الى مَسَافَة بعيدَة وَيسْتَمر على هَذِه الْحَالة عدَّة أَيَّام كالشهر وَنَحْوه وَهُوَ من الْعَجَائِب وَكَانَ فِي بَيت الْمُقَدّس سِتّ برك عَملهَا حزقيل أحد مُلُوك بني اسرائيل مِنْهَا ثَلَاثَة فِي الْمَدِينَة بركَة بني اسرائيل وبركة سُلَيْمَان وبركة عِيَاض وَثَلَاثَة خَارج الْمَدِينَة بركَة ماملا وبركتا المرجيع جعل ذَلِك خَزَائِن للْمَاء لأهل بَيت الْمُقَدّس قلت اما بركَة بني اسرائيل فَهِيَ مَوْجُودَة مَشْهُورَة وَهِي شمَالي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بلصق سُورَة بَين بَاب الأسباط وَبَاب حطة ومنظرها مهول وَهِي من الْعَجَائِب وَأما بركَة سُلَيْمَان وبركة عِيَاض فَلَا أَعْرفهُمَا وَلم اطلع على شَيْء يدل عَلَيْهِمَا وَلَكِن بداخل الْقُدس بركتان أحداهما بِخَط مرزبان وَهِي لجمع المَاء المتحصل لحمام عَلَاء الدّين الْبَصِير وَهِي بجواره وَالثَّانيَِة بحارة النَّصَارَى لجمع المَاء المتحصل لحمام البترك وقف الخانقاه الصلاحية فَيحْتَمل انهما البركتان المذكورتان وَالله أعلم وَأما بركَة ماملا فَهِيَ مَوْجُودَة مَشْهُورَة وَهِي الَّتِي فِي وسط مَقْبرَة مَا ملا وَأما بركتا المرجيع مِنْهَا بِالْقربِ من قَرْيَة ارطاس وهما موجودتان ينْتَفع بهما فِي خزن المَاء الْوَاصِل من قناة السَّيْل الى الْقُدس الشريف ومسافتهما عَن الْقُدس نَحْو نصف بريد وَالله اعْلَم وَسبب تَسْمِيَة مكانهما بالمرجيع ان سيدنَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لما أَخذه اخوته والقوه فِي الْجب مروا بِهِ على قبر امهِ وَهُوَ بِالْقربِ من المرجيع فَلَمَّا رأى قبرها وهم طالعون ألْقى نَفسه عَن النَّاقة وَقَالَ يَا أُمَّاهُ ارفعي رَأسك وانظري مَا حل بولدك من الْبلَاء وفقدوه فَرَجَعُوا فَسُمي المرجيع من ذَلِك الْيَوْم فَلَمَّا رجعُوا لطموا وَجهه وَحَمَلُوهُ والقوه فِي الْجب كَمَا هُوَ مَشْهُور فِي الْقِصَّة وَالله أعلم وبظاهر مَدِينَة الْقُدس الشريف من كل جِهَة كروم بهَا من أَنْوَاع الْفَوَاكِه من الْعِنَب والتين والتفاح وَغَيره وَأحسن الْأَمَاكِن أَرض تعرف بالبقعة ظَاهر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب الى جِهَة الْقبْلَة وقف الْملك صَلَاح الدّين على خانقاه

الصُّوفِيَّة وَفِي هَذِه الْبقْعَة وَغَيرهَا أَيْضا قُصُور مَبْنِيَّة بِالْبِنَاءِ الْمُحكم وملاكها فِي كل سنة يُقِيمُونَ بهَا فِي زمن الصَّيف مُدَّة أشهر اقامة استيطان وينفقون أَمْوَالًا كَثِيرَة وَلم يكن فِي الزَّمن السالف بِبَيْت الْمُقَدّس من شجر النّخل إِلَّا نَخْلَة وَاحِدَة وَيُقَال إِنَّهَا هِيَ الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن الْعَظِيم فِي شَأْن مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام وَهِي منحنية قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَيُقَال انها غرست مُنْذُ الف سنة وَزِيَادَة وَأما فِي عصرنا فَكَانَ فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى ثَلَاث نخلات مِنْهَا وَاحِدَة كَانَت عِنْد المسطبة الَّتِي الى جَانب سَبِيل السُّلْطَان غربي الصَّخْرَة زَالَت بعد الثَّمَانِينَ والثمانمائة وَاثْنَتَانِ باقيتان الى الْيَوْم احداهما عِنْد بَاب الرَّحْمَة وَالثَّانيَِة قبلي صحن الصَّخْرَة تعرف بنخلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل أَنه رُؤِيَ عِنْدهَا وَالله أعلم (دير أبي ثَوْر) وَإِلَى جَانب الْبقْعَة من جِهَة الشمَال قَرْيَة تعرف بدير أبي ثَوْر وَهِي قَرْيَة صَغِيرَة بهَا دير من بِنَاء الرّوم يعرف قَدِيما بدير مارقوص ثمَّ عرف بدير أبي ثَوْر نِسْبَة للشَّيْخ أَحْمد الشهير بِأبي ثَوْر وَكَانَ صَالحا وَقد وقف الدَّيْر عَلَيْهِ وعَلى ذُريَّته الْملك الْعَزِيز أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن الْملك صَلَاح الدّين فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلما توفّي الشَّيْخ أَحْمد ابو ثَوْر دفن بهَا وقبره مَوْصُوف يزار ويتبركون بِهِ وَله قَرْيَة معروفون وَبَعْضهمْ مُقيم بالقرية الْمَذْكُورَة وَهِي قريبَة من بَاب الْمَدِينَة الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب الْخَلِيل وَيَأْتِي ذكر الشَّيْخ أَحْمد ابي ثَوْر وَسبب تَسْمِيَته بذلك فِي تَرْجَمته بَين الاعيان ان شَاءَ الله تَعَالَى (طور زيتا) وَهُوَ الْجَبَل الشَّرْقِي عِنْد بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ جبل عَظِيم مشرف على الْمَسْجِد الْأَقْصَى

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ أقسم رَبنَا بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون وطور زيتا وَفِي رِوَايَة عَنهُ أقسم رَبنَا عز وَجل بأَرْبعَة أجبل فَقَالَ (والتين الزَّيْتُون وطور سينين وَهَذَا الْبَلَد الْأمين) فالتين مَسْجِد دمشق الزَّيْتُون طور زيتا مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وطور سِنِين حَيْثُ كلم الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا الْبَلَد الْأمين مَكَّة وَتقدم عنذ ذكر الصَّحَابَة ان صَفِيَّة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمت بَيت الْمُقَدّس فصلت بِهِ وصعدت طور زيتا فصلت وَقَامَت على طرف الْجَبَل فَقَالَت من هَا هُنَا يتفرق النَّاس يَوْم الْقِيَامَة الى الْجنَّة والى النَّار وَهَذَا الْجَبَل هُوَ الَّذِي صعد مِنْهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الى السَّمَاء حِين رَفعه الله اليه وعَلى رَأس كَنِيسَة من هيلانة وَفِي وَسطهَا قبَّة وَيُقَال انها مصعد عِيسَى " ع " وَقد استهدمت الْكَنِيسَة وَالنَّصَارَى يعظمون هَذَا الْمَكَان تَعْظِيمًا زَائِدا وبطور زيتا شَجَرَة خرنوب عِنْدهَا مَسْجِد لطيف وَتَحْت الْمَسْجِد مغارة مأنوسة ويقصد النَّاس هَذَا الْمَكَان للزيارة وَتسَمى هَذِه الشَّجَرَة خزنوبة الْعشْرَة وَلَا أَدْرِي مَا السَّبَب فِي تَسْمِيَتهَا بذلك وَلَكِن اشْتهر هَذَا الِاسْم عندالناس وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَيُسمى جبل بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ طور زيتا جبل الْخمر - بِفَتْح الْخَاء وَالْمِيم - وَهُوَ كثير الشّجر والظل وَلما فتح الْملك صَلَاح الدّين بَيت الْمُقَدّس وقف أَرض طور زيتا على الشَّيْخ الصَّالح ولي الدّين ابي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله بن دَاوُد الهكاري وعَلى الشَّيْخ الامام الزَّاهِد ابي الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله الهكاري سوية بَينهمَا ثمَّ على ذريتهما تَارِيخ كتاب وَقفه فِي السَّابِع عشر من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة (قبر مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام) وَهُوَ فِي كَنِيسَة فِي دَاخل جبل طور زيتا تسمى الجيسمانية بِخَارِج بَاب

الأٍ سباط وَهُوَ مَكَان مَشْهُور يَقْصِدهُ النَّاس للزيارة من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى وَهَذِه الْكَنِيسَة من بِنَاء هيلانة أم قسطنطين كَمَا تقدم وَتقدم عِنْد ذكر القلعة لفظ الْأَثر الْوَارِد فِي قبر مَرْيَم حِين اسري بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورووي ان عمر رَضِي الله عَنهُ لما فتح بَيت الْمُقَدّس مر بكنيسة مَرْيَم الَّتِي فِي الادي فصلى بهَا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ نَدم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا وَاد من اودية جَهَنَّم ثمَّ قَالَ وَمَا كَانَ اغنى عمر أَن يُصَلِّي فِي وَاد جَهَنَّم وَعَن كَعْب الْأَحْبَار أَنه قَالَ لَا تَأْتُوا كَنِيسَة مَرْيَم الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس - أَي كَنِيسَة الجيسمانية - والعمودين اللَّذين فِي كَنِيسَة الطّور فَإِنَّهُمَا طواغيت وَمن اتاهما حَبط عمله وبالقرب من قبر مَرْيَم فِي الْوَادي الْمَعْرُوف بوادي جَهَنَّم بذيل جبل طور زيتا قبَّة من بِنَاء الرّوم يسميها النَّاس طرطور فِرْعَوْن ويرجمونها بالأحجار وبالقرب مِنْهَا بذيل الْجَبَل أَيْضا قبَّة أُخْرَى من الصخر يُقَال لَهَا كوفية زَوْجَة فِرْعَوْن واشتهر عِنْد النَّاس ذَلِك وَقد قيل ان الْقبَّة الأولى قبر زَكَرِيَّا وان الثَّانِيَة قبر يحيى عَلَيْهِمَا السَّلَام وَرَأَيْت مَنْقُولًا بِخَط بعض الْعلمَاء ان يحيى وزَكَرِيا عَلَيْهِمَا السَّلَام مدفونان بِبَيْت الْمُقَدّس بذيل جبل طور زيتا بمقابر الْأَنْبِيَاء وَهُوَ مِمَّا يعضد هَذَا القَوْل وَقيل إِن قبر يحيى وزَكَرِيا بقرية سبسطية من ارْض نابلس وَقيل بِجَامِع دمشق وَالله أعلم (الساهرة) وَهُوَ البقيع الَّذِي الى جَانب طور زيتا من جِهَة الغرب وَعَن ابراهيم بن ابي عبلة فِي قَوْله تَعَالَى (فَإِذا هم بالساهرة) قَالَ البقيع الَّذِي الى جَانب طور زيتا قَرِيبا من مصلى عمر مَعْرُوف بالساهرة وَفِي حَدِيث ابْن عمر ان ارْض الْمَحْشَر

تسمى الساهرة وَاصل الساهرة الفلاة وَوجه الأَرْض وَقيل الأَرْض العريضة البسيطة والساهرة عِنْد الْعَرَب الأَرْض الَّتِي تبْعَث سالكها على السهر للسرى فِيهَا لينجو مِنْهَا وَمعنى الساهرة ارْض لَا ينامون عَلَيْهَا ويسهرون قلت وَهَذَا البقيع الْمَعْرُوف بالساهرة ظَاهر مَدِينَة الْقُدس الشريف من جِهَة الشمَال وَبِه مَقْبرَة يدْفن فِيهَا موتى الْمُسلمين وَبهَا جمَاعَة من الصَّالِحين والمقبرة مُرْتَفعَة على جبل عَال (الأدهمية) وسفل هَذَا الْجَبَل كَهْف من الْعَجَائِب وَهُوَ زَاوِيَة للْفُقَرَاء الأدهمية دَاخل تَحت هَذَا الْجَبَل فِي صَخْرَة عَظِيمَة وَتسَمى مغارة الْكَتَّان والمقبرة الَّتِي هِيَ الساهرة علو سقف هَذِه المغارة بِحَيْثُ أَنه لَو أمكن حفر الْقُبُور من اسفلها لنفذ الى الْكَهْف الَّذِي هُوَ زَاوِيَة الأدهمية وَلَكِن الْمسَافَة بعيدَة فَإِن الصَّخْرَة سَمَكَة ضخمة جدا ويلغز فِي هَذَا بِأَن يُقَال احياء تَحت أموات وَهَذَا لأمر مشَاهد عيَانًا وَقد عمر هَذِه الزاوية الْأَمِير منجك نَائِب الشَّام ووقف عَلَيْهَا هُوَ وَغَيره من اهل الْخَيْر وفيهَا قُبُور جمَاعَة من الصَّالِحين وَعَلَيْهَا الْأنس وَالْوَقار (مغارة الْكَتَّان) وَمُقَابل الساهرة من جِهَة الْقبْلَة تَحت سور الْمَدِينَة الشمالي مغارة كَبِيرَة مستطيلة وَتسَمى مغارة الْكَتَّان أَيْضا يُقَال إِنَّهَا تصل الى تَحت الصَّخْرَة الشَّرِيفَة ودخلها جمَاعَة وحكوا عَنْهَا أَشْيَاء من الْأُمُور المهولة وَأما مَا بِظَاهِر بَيت الْمُقَدّس من المقابرة والمغائر الْمعدة لدفن أموات الْمُسلمين فأولها مَقْبرَة بَاب الرَّحْمَة وَهِي بجوار سور الْمَسْجِد الشَّرْقِي فَوق وَادي جَهَنَّم وَهِي مأنوسة لقربها من الْمَسْجِد وَهِي أقرب الترب الى الْمَدِينَة وفيهَا قبر شَدَّاد ابْن أَوْس الانصاري مَشْهُور وَغَيره من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وَقد جدد فِيهَا تربة

فِي أَولهَا من جِهَة الشمَال عمرها الْأَمِير فانصوه اليحياوي كافل المملكة الشامية حِين كَانَ مجاورا بالقدس الشريف وبناؤها يشْتَمل على ايوان وَبِه مدفنان من جهتي الشرق والغرب وَدفن بهَا من توفّي من أَوْلَاده ثمَّ أفرج عَنهُ وسافر من الْقُدس الشريف فِي مستهل شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَلم تكمل عمارتها فَلَمَّا اسْتَقر فِي نِيَابَة الشَّام ثَانِيًا جهز مَالا لعمارتها فأكملت بِبِنَاء الحوش الشمالي والبوابة وحفر الصهريج وَبنى المتوضأ وكملت عمارها فِي سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَصَارَت مَشْهُورَة ومقبرة الساهرة - وَتقدم ذكرهَا - وَهِي شمَالي الْبَلَد ومقبرة الشُّهَدَاء بِالْقربِ من مَقْبرَة الساهرة الى جِهَة الشرق وَهِي مَقْبرَة لَطِيفَة لقلَّة من يقْصد الدّفن فهيا فَإِنَّهُ لَا يدْفن فِيهَا من أهل الْبَلَد إِلَّا قَلِيل من النَّاس ومقبرة ماملا وَهِي بِظَاهِر الْقُدس من جِهَة الغرب وَهِي أكبر مَقَابِر الْبَلَد وفيهَا خلق من الْأَعْيَان وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ وَالشُّهَدَاء وتسميتها بماملا قيل إِنَّمَا اصله مِمَّا من الله وَقيل بَاب الله وَيُقَال زيتون الْملَّة وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَالَ من دفن فِي بَيت الْمُقَدّس فِي زيتون الْملَّة فَكَأَنَّمَا دفن فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَاسْمهَا عِنْد الْيَهُود بَيت لمواء وَعند النَّصَارَى بابيلا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة النَّاس مَا ملا القلندرية وبوسط هَذِه الْمقْبرَة زَاوِيَة تسمى القلندرية بهَا ابنية عَظِيمَة وَكَانَت هَذِه الزاوية كَنِيسَة وَهِي من بِنَاء الرّوم وتعرف بالدير الْأَحْمَر وَلِلنَّصَارَى فِيهَا اعْتِقَاد فَقدم الى بَيت الْمُقَدّس رجل اسْمه الشَّيْخ ابراهيم القلندري وَأقَام بهَا جمَاعَة من الْفُقَرَاء فنسبت اليه وَسميت بالقلندرية وَكَانَت فِي عصره السِّت طنشق بنت عبد الله المظفرية الَّتِي عمرت الدَّار الْكُبْرَى الْمَعْرُوفَة بدار السِّت بِالْعقبَةِ الَّتِي بِالْقربِ من بَاب النَّاظر فَكَانَت تحسن الى الشَّيْخ ابراهيم وعمرت فِي الزاوية الْمَذْكُورَة قبَّة محكمَة الْبناء على قبر أَخِيهَا بهادر وَهِي بَاقِيَة الى يَوْمنَا (صُورَة)

وعمرت الحوش الْمُحِيط بهَا وَكَانَت عِمَارَته فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَتوفيت بالقدس الشريف فِي يَوْم السبت فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَانمِائَة ودفنت بتربتها الَّتِي أنشأتها بعقبة السِّت تجاه الدَّار الْكُبْرَى رحمهمَا الله تَعَالَى وَكَانَ بالزاوية القلندرية جمَاعَة مقيمون وَلَا وقف لَهَا وَقد خربَتْ الزاوية وَسَقَطت فِي زمن قريب فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة واستمرت خرابا الى يَوْمنَا وَبهَا يدْفن الاعيان من الْأُمَرَاء مِمَّن يرد الى بِبَيْت الْمُقَدّس وَغَيرهم وَأَرْض هَذِه القلندرية ومعظم أَرض ماملا صَخْر أَصمّ وحفر الْقُبُور فِيهَا بِمَشَقَّة زَائِدَة زَاوِيَة الكبكية وبمقبرة ماملا قبَّة محكمَة الْبناء تعرف بالكبكية نسبتها للأمير عَلَاء الدّين آيد غدى ابْن عبد الله الكبكي المدفون بهَا ووفاته فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة (بَيت لحم) قريبَة من الْقُدس وَهِي عَنْهَا نَحْو ربع بريد من جِهَة الْقبْلَة وَبهَا ولد سيدنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقد ورد فِي حَدِيث الْمِعْرَاج الشريف ان جِبْرِيل " ع " قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أسرى بِهِ انْزِلْ فصل فَنزل فصلى قَالَ أَتَدْرِي أَيْن صليت؟ صليت بِبَيْت لحم حَيْثُ ولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ يبْعَث بِزَيْت يسرج فِي بَيت لحم حَيْثُ ولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذِه الْقرْيَة غَالب سكانها فِي عصرنا نَصَارَى وَبهَا كَنِيسَة محكمَة الْبناء بهَا ثَلَاث محاريب مُرْتَفعَة أَحدهَا موجه الى جِهَة الْقبْلَة الشَّرِيفَة وَالثَّانِي الى جِهَة الشرق وَالثَّالِث الى جِهَة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وسقفها خشب مُرْتَفع على خمسين عمودا من الصخر الْأَصْفَر الصلب غير السَّوَارِي المبنية بالأحجار وأرضها مفروشة بالرخام وعَلى ظَاهر سقفها رصاص فِي غَايَة الْأَحْكَام وَهَذِه الْكَنِيسَة من بِنَاء هيلانة

وَالِدَة قسطنطين - كماتقدم - وفيهَا مَكَان مولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فِي مغارة بَين المحاريب الثَّلَاثَة وَلِلنَّصَارَى فِيهَا اعْتِقَاد وَيرد اليها من بِلَاد الافرنج وَغَيرهَا الْأَمْوَال لَهَا وللرهبان المقيمين بالدير المجاور للكنيسة (قبَّة راحيل) وَبَين بَيت الْمُقَدّس وَبَيت لحم قبَّة راحيل وَالِدَة سيدنَا يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ الى جَانب الطَّرِيق بَين بَيت لحم وَبَيت جالا فِي قبَّة موجهة لجِهَة الصَّخْرَة وَهِي مَشْهُورَة تزار وَقد قيل إِن تَسْمِيَة بَيت لحم وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْقرى مِمَّا حول بَيت الْمُقَدّس كبيت جالا وَبَيت نوبَة وكل مَكَان أَوله بَيت إِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ مسكنا لبي من أَنْبيَاء لنَبِيّ اسرائيل فَيُقَال بَيت فلَان نِسْبَة لساكنه وَالله أعلم وبظاهر بَيت الْمُقَدّس عدَّة أَمَاكِن ومشاهد مَشْهُورَة مَقْصُودَة للزيارة يطول ذكرهَا ويخرجنا عَن حد الِاخْتِصَار وَفِيمَا ذكر كِفَايَة وَالله الْمُوفق وَهُوَ حسبي وَكفى (ذكر رَملَة فلسطين) قد تقدم فِي أول الْكتاب عِنْد الْكَلَام على تَفْسِير سُورَة الاسراء مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى (باركنا حوله) فلسطين والأردن وَتقدم ذكر الاردن وَهُوَ النَّهر الْمُسَمّى بالشريعة شَرْقي بَيت الْمُقَدّس مسافته عَنهُ نَحْو يَوْم وَرُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب وَمُقَاتِل فِي قَوْله تَعَالَى (وآويناهما الى ربوة ذَات قَرَار ومعين) قيل هِيَ الرملة وَقَالَ السّديّ هِيَ ارْض فلسطين وَتقدم قَول ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَكَعب إِنَّهَا بَيت الْمُقَدّس وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اكرموا الرملة - يَعْنِي فلسطين - فَإِنَّهَا الربوة الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا (وآويناهما الى ربوة ذَات قَرَار

ومعين) وَفِي حَدِيث الْمِعْرَاج قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَخَذَنِي جِبْرِيل وَلم نزل نسير من سَمَاء الى سَمَاء فَمَا مَرَرْت بِشَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاوَات إِلَّا ومكتوب عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله حَتَّى انْتَهَيْت الى سَمَاء الدُّنْيَا فَفتح لنا بَابهَا وَإِذا اللَّيْل على حَاله لم ينقص مِنْهُ شَيْء ثمَّ نظرت الى الأَرْض وَإِذا بروضتين خضراوين ونكتتين سوداوين فَقلت يَا أخي يَا جِبْرِيل مَا هَاتَانِ الروضتان الخضراوان والنكتتان السوداوان؟ قَالَ يَا مُحَمَّد أما الروضتان الخضراوان فَإِنَّهُمَا دمشق وفلسين وَأما النكتتان السوداوان فأرمينية واذربيجان ثمَّ حَملَنِي حَتَّى انزلني على جبل بَيت الْمُقَدّس وَإِذا أَنا بِالْبُرَاقِ وَاقِف على حَاله فِي مَوْضِعه الَّذِي تركته فِيهِ لم يتَقَدَّم وَلم يتَأَخَّر وَذكر تَمام الْقِصَّة وَقسمت الْأَوَائِل الشَّام خَمْسَة أَقسَام الشَّام الأولى فلسطين واوسط بَلَدهَا الرملة وَالشَّام الثَّانِيَة حوران ومدينتها الْعُظْمَى طبرية وَالشَّام الثَّالِثَة الغوطة ومدينتها الْعُظْمَى دمشق وَالشَّام الرَّابِعَة حمص وَالشَّام الْخَامِسَة قنسرين ومدينتها الْعُظْمَى حلب وفلسطين - بِكَسْر الْفَاء وَفتح اللَّام - وَسميت بذلك لِأَن أول من نزلها فلسطين بن كيسوحين بن لقطين بن يونان بن يافث بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأول حُدُود فلسطين من طَرِيق مصر أمج قَالَ أَبُو مَحْمُود لَعَلَّه رمخ وَهُوَ الْعَريش ثمَّ يَليهَا غَزَّة ثمَّ رَملَة فلسطين وَمن مدن فلسطين ايليا وَهِي مَدِينَة بَيت الْقُدس الشريف بَينهَا وَبَين الرملة سِتَّة فراسخ ثَمَانِيَة عشر ميلًا صخار ووهاد وَمن مدنها أَيْضا عسقلان ولد وسبسطية ونابلس ومدينة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ومسافة فلسطين طولا من أمج الى حد اللجون للراكب الْمجد يَوْمَانِ وَأما سير الأثقال فَأكْثر من أَرْبَعَة أَيَّام وعرضها من يافا الى اريحا مَسَافَة يَوْمَيْنِ وَأما مَدِينَة الرملة وَهِي وَاسِطَة بلد فلسطين فانها فِي أَرض سهلة وَهِي كَثِيرَة

الْأَشْجَار وَالنَّخْل وحولها كثير من الْمزَارِع والمغارس وفيهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه وظاهرها حسن المنظر وَهِي من جملَة الثغرو فَإِن الْبَحْر المالح قريب مِنْهَا مسافته عَنْهَا نَحْو نصف بريد من جِهَة الغرب وَكَانَت فِي الزَّمن السالف فِي عهد بني اسرائيل مَدِينَة عَظِيمَة الْبناء متسعة وَكَانَ جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ملكه بِجَانِب فلسطين - كَمَا تقدم عِنْد ذكر سيدنَا دَاوُد عيه السَّلَام - وَتقدم ان سيدنَا يُونُس " ع " أَقَامَ بالرملة ثمَّ توجه إِلَى بَيت الْمُقَدّس يعبد الله تَعَالَى وَأما صفة مَدِينَة الرملة قَدِيما قبل الإٍ سَلام وَبعده الى حُدُود الْخَمْسمِائَةِ فَكَانَ بهَا سور مُحِيط بهَا وَكَانَ لَهَا قلعة وَاثنا عشر بَابا مِنْهَا بَاب الْقُدس وَبَاب عسقلان وَبَاب يافا وَبَاب نابلس وَلها أَرْبَعَة أسواق مُتَّصِلَة من أَرْبَعَة أَبْوَاب الى وَسطهَا وَهُنَاكَ مَسْجِد جَامعهَا فَمن بَاب يافا يدْخل فِي سوق القماحين وَهُوَ مُتَّصِل بسوق البصالين حَتَّى يتَّصل بِمَسْجِد جَامعهَا وَهِي أسواق كَانَت حَسَنَة يُبَاع فِيهَا أَنْوَاع السّلع ويتصل بِبَاب الْقُدس سوق القطانين الى سوق المشاطين للكتان الى سوق العطارين الى الْمَسْجِد الْجَامِع ويتصل بسوق الحبابين من بَاب يازور ثمَّ سوق الخرازين ثمَّ البقالين الى الْمَسْجِد الْجَامِع ويتصل بِبَاب آخر من ابوابها سوق الصياقلة ثمَّ سوق السراجين الى الْمَسْجِد الْجَامِع وَيُقَال أَن الرملة كَانَت أَرْبَعَة آلَاف ضَيْعَة وَتقدم ان السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين هدم قلعتها وَهدم مَدِينَة اللد فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَأما فِي عصرنا فَلم يبْق أثر لتِلْك الْأَوْصَاف الَّتِي بالرملة وَقد زَالَت أسوارها وأسواقها الْقَدِيمَة لاستيلاء الافرنج عَلَيْهَا نَحْو مائَة سنة وَلم يبْق من الْمَدِينَة ثلثهَا بل وَلَا بعها وَبني فِيهَا مَسَاجِد ومنابر مستجدة من زمن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَبعده وَالْمَوْجُود الْآن من الابنية فِي الْمَدِينَة معظمه خراب مستهدم وَقد صَار الْمَسْجِد الْجَامِع الْقَدِيم بِظَاهِر الْمَدِينَة من جِهَة الغرب وَصَارَ حوله مَقْبرَة وَقد بنى فِيهِ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون مَنَارَة وَهِي من عجائب الدُّنْيَا فِي الْهَيْئَة والعلو وَذكر

المسافرون انها من الْمُفْردَات لَيْسَ لَهَا نَظِير وَكَانَ الْفَرَاغ من بناءها فِي نصف شعْبَان سنة ثَمَانِيَة عشر وَسَبْعمائة وَلم يبْق حول الْجَامِع الْمَذْكُور من الابنية الْقَدِيمَة سوى حارة بجواره من جِهَة الشمَال حكمهَا حكم الْقرى وَأما الْمَدِينَة فَصَارَت مُنْفَصِلَة عَنهُ وَهَذَا الْجَامِع بِنَاء بعض الْخُلَفَاء الامويين وَهُوَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك - الْمُتَقَدّم ذكره - لما ولي الْخلَافَة فِي سنة سِتّ وَتِسْعين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَهُوَ جَامع متسع مأنوس عَلَيْهِ الابهة وَالْوَقار والنورانية وَيعرف فِي عصرنا وَقَبله بالجامع الْأَبْيَض وَفِي صحنه السماوي مغارة تَحت الأَرْض مهيبة يُقَال أَن بهَا دفن سيدنَا صَالح النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَتقدم ذكر ذَلِك ثمَّ جدد عمَارَة الْجَامِع الْأَبْيَض فِي زمن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين على يَد رجل من دولته اسْمه الياس بن عبد الله اُحْدُ جمَاعَة الْأَمِير علم الدّين قَيْصر عين الْأُمَرَاء بالدولة الصلاحية كَانَت عِمَارَته فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ لما فتح الْملك الظَّاهِر بيبرس يافا فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة عمر الْقبَّة الَّتِي على الْمِحْرَاب وَالْبَاب الْمُقَابل للمحراب وَهُوَ المجاور للمنبر الَّذِي يخْطب عَلَيْهِ للعيد وَعمر المنارة الْقَدِيمَة وَقد زَالَت وَبنى عوضهَا المنارة الْمَوْجُودَة الْآن وَأما الْمَدِينَة يَوْمئِذٍ فقد تقهقرت ونقصت جدا وَقل ساكنها وَمَعَ ذَلِك فَهِيَ مَقْصُودَة للْبيع وَالشِّرَاء وَلَا تَخْلُو من بركَة فِي معيشتها ببركة أرْضهَا وسكانها من الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء والأولياء فَإِن فِيهَا السَّيِّد الْجَلِيل الْفضل بن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ وَالِده الْعَبَّاس يكنى بِهِ وَهُوَ الَّذِي غسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما توفّي - كَمَا تقدم - ووفاته فِي طاعون عمواس فِي سنة ثَمَانِيَة عشر من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَهُوَ فِي مشْهد يقْصد للزيارة وَقد بنى عَلَيْهِ الْأَمِير شاهين الكمالي استادا الرملة مَنَارَة وَجعل فِيهَا مَسْجِدا جَامعا تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة ووقف عَلَيْهِ أَمَاكِن ورتب فِيهِ وظائف وَكَانَت عِمَارَته

سنة أَربع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَقد تلاشت أَحْوَال الْمَسْجِد فِي عصرنا وَخرب مُعظم الْوَقْف وَتقدم ان عبَادَة بن الصَّامِت رَحمَه الله كَانَ قَاضِيا بهَا وَهُوَ أول من ولي قَضَاء فلسطين وَمَات بهَا وَاخْتلف فِي قَبره فَقيل بالرملة وَقيل حمل الى الْقُدس فَدفن بِهِ وَهُوَ أشهر ووفاته فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة - كَمَا تقدم - وفيهَا الإِمَام الْمُحدث أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بدحيم أحد أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ كَانَ قَاضِيا من قبل الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله العباسي خَليفَة بَغْدَاد تغمده الله تَعَالَى برحمته ثمَّ عينه لقَضَاء مصر وَأمره بالتوجه اليها فعاجلته الْمنية فَتوفي بالرملة وَلم يعرف قَبره ووفاته فِي رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وفيهَا الإِمَام الْمُحدث الْحَافِظ أَبُو عبد الرَّحْمَن ابْن شُعَيْب النساي أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا فِي الحَدِيث مولده فِي سنة اربعة عشر وَمِائَتَيْنِ ووفاته بالرملة فِي ثَالِث عشر صفر سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَهُوَ الَّذِي قدمه السُّبْكِيّ فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الْوُسْطَى وقبره يُقَال انه بِظَاهِر الْجَامِع الْأَبْيَض بلصق حَائِطه من جِهَة الشرق فِي حوش هُنَاكَ وَقيل أَنه فِي عكا وَالله أعلم وَتُوفِّي وَله ثَمَان وَثَمَانُونَ سنة وفيهَا من الْأَوْلِيَاء الشَّيْخ الْقدْوَة الزَّاهِد العابد ولي الله تَعَالَى أَبُو عبد الله مُحَمَّد البطائحي صَالح مَشْهُور للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد ووفاته فِي يَوْم الْجُمُعَة الْعَاشِر من شهر صفر سنة سبع وَخمسين وثلاثمائة وقبره فِي مشْهد بحارة الباشقردي وَعَلِيهِ من الْأنس والهيبة وَالْوَقار مَا لَا يكَاد يُوصف وَالدُّعَاء عِنْده مستجاب وَقد جربت ذَلِك وَكَانَ الضريح قبل ذَلِك تَحت السَّمَاء فَبنِي عَلَيْهِ ايوان فِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَقد وهم كثير من النَّاس فِي أمره فَظن انه الشَّيْخ عبد الله البطائحي صَاحب السَّيِّد عبد الْقَادِر الكيلاني وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن السَّيِّد عبد الْقَادِر رَحمَه الله مولده فِي سنة احدى وَسبعين واربعمائة بعد وَفَاة الشَّيْخ عبد الله هَذَا بِمِائَة

وَأَرْبَعَة عشر سنة فَظهر من ذَلِك أَن صَاحب السَّيِّد عبد الْقَادِر غير هَذَا بِلَا إِشْكَال وَالشَّيْخ مَحْمُود الْعَدوي صَالح مَشْهُور لَهُ كرامات ظَهرت وَكَانَ مَوْجُودا فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وقبره فِي مشْهد بحارة العنابة يقْصد للزيارة وَالشَّيْخ الْقدْوَة صَاحب الكرامات الْمَشْهُورَة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الأشموني الْمَشْهُور بالغني صَالح مَشْهُور من أَوْلِيَاء الله كَانَ مَوْجُودا فِي سنة خمس عشر وَثَمَانمِائَة وقبره فِي مشْهد عِنْد سوق الفاكهين وَعَلِيهِ الْوَقار وَالْجَلالَة وَفِي الرملة عدَّة من الْأَوْلِيَاء وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ يطول الْفَصْل بذكرهم وَالله الْمُوفق (ذكر لد) رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الدَّجَّال فَقَالَ يقْتله عِيسَى ابْن مَرْيَم بِبَاب لد فَفِي هَذَا الحَدِيث فَضِيلَة تِلْكَ الأَرْض المقدسة لأَنهم يُقَاتلُون مَعَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْوَر الدَّجَّال وَتقدم عِنْد ذكر الْفَضَائِل صفة الدَّجَّال وَمَا ورد فِي أمره وَقتل الْمَسِيح لَهُ عِنْد بَاب لد بأبسط من هَذَا وَكَانَت لد فِي الزَّمن السالف منزلا جميلا فِيهِ نَاس يعمرونه وَفِيه كَانَت تنزل الرفاق والقافلة الْوَاصِلَة من مصر الى الشَّام وَكَانَت بلد كَنِيسَة محكمَة الْبناء وَاسِعَة الفناء عَلَيْهَا لِلنَّصَارَى أوقاف كَثِيرَة وَلَهُم فِيهَا اعْتِقَاد الى يَوْمنَا وَقد خربها الْملك صلا ح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ وَقد صَارَت الْبَلَد يؤمئذ قَرْيَة كَبَقِيَّة الْقرى وَلكنهَا حَسَنَة المنظر وظاهرها بهيج وَهِي بِظَاهِر الرملة من جِهَة الشمَال على مَسَافَة قريبَة وفيهَا جَامع مأنوس وَكَانَ كَنِيسَة وَهُوَ من بِنَاء الرّوم وَعَلِيهِ الابهة والنورانية وَبِه مَنَارَة مُرْتَفعَة وبظاهر لد من جِهَة الشرق مشْهد يُقَال أَن بِهِ قبر أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ ووفاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة

وَقد تقدم أَنه توفّي بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَأَن قَبره بِالبَقِيعِ وَلَكِن الْمَشْهُور عِنْد أهل تِلْكَ النواحي انه بلد فِي المشهد الْمَعْرُوف وَالله أعلم وبظاهر الرملة من جِهَة الغرب بِالْقربِ من الْبَحْر المالح مشْهد يُقَال أَن بِهِ ضريح سيدنَا روبيل بن يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام وَهُوَ مَكَان مأنوس يقْصد للزيارة وَفِي كل سنة لَهُ موسم يجْتَمع النَّاس فِيهِ من الرملة وغزة وَغَيرهمَا ويقيمون أَيَّامًا وينفقون أَمْوَالًا كَثِيرَة وَيقْرَأ هُنَاكَ الْقُرْآن الْعَظِيم والمولد الشريف وَالَّذِي عمر المشهد سيدنَا ومولانا ولي الله تَعَالَى الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن رسْلَان تغمده الله برحمته وَمن الاولياء الْمَشْهُورين بِأَرْض فلسطين السَّيِّد الْجَلِيل الْكَبِير وسلطان الاولياء وقدوة العارفين وَسيد أهل الطَّرِيقَة الْمُحَقِّقين صَاحب القمامات والمواهب والكرامات والخوارق الباهرات الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله الملازم لطاعة الله أَبُو الْحسن عَليّ بن عليل وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد النَّاس بِابْن عليم - بِالْمِيم - وَأما نسبه الصَّحِيح الثَّابِت عليل - بَالَام - صَاحب الكرامات الْمَشْهُورَة والمناقب الظَّاهِرَة وشهرته تغني عَن الاطناب فِي ذكره وَالِاسْتِقْصَاء فِي تَرْجَمته فَإِن صيته كضوء النَّهَار لَا يخفى على أحد وَنسبه مُتَّصِل بأمير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَهُوَ عَليّ بن عليل بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن السَّيِّد الْجَلِيل الزَّاهِد العابد الصوام القوام الصَّحَابِيّ عبد الله ابْن مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ابي حَفْص عمر بن الْخطاب الْقرشِي رَضِي الله عَنهُ وَعَن اصحاب رَسُول الله أَجْمَعِينَ وضريح السَّيِّد عَليّ بن عليل بشاطيء الْبَحْر المالح بساحل أرسوف وَعَلِيهِ مشْهد عَظِيم مأنوس وَبِه مَنَارَة مُرْتَفعَة وَأهل تِلْكَ النواحي بأسرها فِي حفظه وبركة سره وَمن مناقبه أَن الأفرنج يَعْتَقِدُونَ فِيهِ ويعترفون بصلاحه وَقد أخْبرت أَن الأفرنج اذا اقْبَلُوا على ضريحه وهم فِي الْبَحْر كشفوا رُؤْسهمْ ونكسوها نَحوه رَضِي الله عَنهُ وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم السبت لاثني عشرَة خلت من ربيع الأول سنة أَربع وَسبعين واربعمائة وَلما نزل الْملك الظَّاهِر بيبرس يَوْم فتح يافا وأرسوف زَارَهُ وَنذر النذور والأوقاف ودعا عِنْد قَبره فيسر الله لَهُ فتح الْبِلَاد وَفِي كل سنة لَهُ موسم فِي زمن الصَّيف يَقْصِدهُ النَّاس من الْبِلَاد الْبَعِيدَة والقريبة ويجتمع هُنَاكَ خلق لَا يحصيهم إِلَّا الله تَعَالَى وينفقون الْأَمْوَال الجزيلة وَيقْرَأ عِنْده المولد الشريف وَفِي عصرنا ولي النّظر عَلَيْهِ سيدنَا ومولانا وَشَيخنَا ولي الله تَعَالَى قدوة الْعباد وَإِمَام الزهاد وبركة الْوُجُود والعباد شمس الدّين أَبُو العون مُحَمَّد الْغَزِّي الْقَارِي الشَّافِعِي نزيل جلجوليا شيخ السَّادة القادرية بالمملكة الاسلامية متع الله الانام بِوُجُودِهِ فعمر المشهد وَأقَام نظامه وشعاره وَفعل آثارا حَسَنَة مِنْهَا الرخام الْمركب على الضريح الْكَرِيم عمله فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ قبله يعْمل عَلَيْهِ ضريح من خشب وحفر الْبِئْر الَّذِي بِصَحْنِ الْمَسْجِد حَتَّى وصل الى المَاء الْمعِين ثمَّ عمر برجا على ظهر الايوان من جِهَة الغرب للْجِهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَوضع فِيهِ آلَات الْحَرْب لقِتَال الافرنج - خذلهم الله - وَكَانَت عِمَارَته بعد التسعين والثمانمائة وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْعِمَارَة وَالْخَيْر أثابه الله تَعَالَى ثَوابًا جزيلا وَمد فِي حَيَاته أمدا طَويلا وَتُوفِّي شَيخنَا ابو العون الْغَزِّي فِي ربيع الآخر سنة عشر وَتِسْعمِائَة بِمَدِينَة الرملة وبأرض فلسطين عدَّة من الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ والأماكن الْمَقْصُودَة للزيارة وَالْمَقْصُود هُنَا الِاخْتِصَار وَالله يهدي من يَشَاء الى صِرَاط مُسْتَقِيم (ذكر عسقلان) عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ جَاءَ رجل الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنِّي أُرِيد الْغَزْو فِي سَبِيل الله فَقَالَ عَلَيْك بِالشَّام فَإِن الله تَعَالَى قد تكفل بِالشَّام وَأَهله والزم من الشَّام عسقلان فَإِنَّهَا اذا دارت الرحا

فِي أمتِي كَانَ أَهلهَا فِي عَافِيَة وَقد ورد فِيهَا أَحَادِيث غير هَذَا ضعفها الْحَافِظ ابو مُحَمَّد وأكذب رواتها وَتقدم أَن عسقلان كَانَت من احسن المدن وأظرفها وَقد خربها الْملك صَلَاح الدّين فِي شهر شعْبَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة واستمرت الى يَوْمنَا لم تعمر وَبهَا مشْهد عَظِيم بناه بعض الفاطميين من خلفاء مصر على مَكَان زَعَمُوا أَن رَأس الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا بِهِ وبسعقلان أَمَاكِن تقصد للزيارة وَهِي على شاطيء الْبَحْر المالح وَقد ألف الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر جُزْءا فِي فَضلهَا (ذكر غَزَّة) عَن مُصعب بن ثَابت عَن ابْن الزبير يرفعهُ طُوبَى لمن سكن احدى القريتين عسقلان وغزة وَهِي من أحسن المدن الْمُجَاورَة لبيت الْمُقَدّس وفيهَا ولد سيدنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَهِي من الثغور فَإِن الْبَحْر قريب مِنْهَا وَبهَا كثير من الْأَشْجَار وَالنَّخْل وحولها كثير من المغارس والمزارع وفيهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه وَهِي من أحسن مدن فلسطين وفيهَا خلق مِمَّن سلف من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وَتقدم أَن الإِمَام الْأَعْظَم مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ولد بهَا وَمَوْضِع مولده مَعْرُوف يقْصد للزيارة وَلَو لم يكن لغزة من الْفَخر إِلَّا مولد النَّبِي سُلَيْمَان وَالْإِمَام الشَّافِعِي بهَا لكفاها (ذكر أرِيحَا) قَالَ الله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن رَسُوله مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم) قَالَ ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَالسُّديّ هِيَ أرِيحَا وَهِي مَدِينَة الجبارين الَّتِي تقدم ذكرهَا عِنْد قصَّة سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام - كَمَا تقدم ذكره - وَهِي شَرْقي بَيت الْمُقَدّس بِالْقربِ من

نهر الاردن وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أخرج الْيَهُود من الْمَدِينَة فَخَرجُوا الى الشَّام وَإِلَى أَذْرُعَات واريحا ثمَّ أجلى آخِرهم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي إمارته من أَرض الْحجاز الى تيما واريحا وَقد صَارَت أرِيحَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة قَرْيَة من قرى بَيت الْمُقَدّس وَهِي إقطاع لمن يكون نَائِبا بالقدس الشريف وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق انها كَانَت من زمن بني اسرائيل سكن الجبارين وَفِي زمن الاسلام مُخْتَصَّة بحاكم الشرطة (ذكر نابلس) روى المشرف بِسَنَدِهِ عَن كَعْب قَالَ أحب الْبِلَاد الى الله الشَّام وَأحب اشام الى الله تَعَالَى الْقُدس وَأحب الْقُدس الى الله تَعَالَى جبل نابلس ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان يتماسحونه بالحبال بَينهم ونابلس مَدِينَة بِالْأَرْضِ المقدسة مُقَابل بَيت الْمُقَدّس من جِهَة الشمَال مسافتها عَنهُ نَحْو يَوْمَيْنِ بسير الاثقال خرج مِنْهَا كثير من الْعلمَاء الْأَعْيَان وَهِي كَثِيرَة الْأَعْين وَالْأَشْجَار والفواكه ومعظم الاشجار بضواحيها الزَّيْتُون وَبهَا كثير من السامرة فَإِنَّهُم يَعْتَقِدُونَ أَن الْقُدس جبل نابلس وَقد كذبُوا وخالفوا جَمِيع الامم فِي ذَلِك لعنهم الله وَقد قيل إِن سيدنَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَبره بِالْقربِ من نابلس وَتقدم ذَلِك عِنْد ذكره عَلَيْهِ السَّلَام وبمدينة نابلس مشْهد يُقَال إِن بِهِ أَوْلَاد يَعْقُوب عَلَيْهِم السَّلَام أَجْمَعِينَ وبضواحيها مشَاهد كَثِيرَة تنْسب الى جمَاعَة من الانبياء عَلَيْهِم السَّلَام وَمن الْأَنْبِيَاء الْمَشْهُورين حول بَيت الْمُقَدّس السَّيِّد عازر وَلَعَلَّه الْعيزَار بن هَارُون عَلَيْهِمَا السَّلَام قَبره بقرية العازرية بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الشرق بِالْقربِ من طور زيتا على طَرِيق الْمَار الى سيدنَا مُوسَى الكليم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ظَاهر فِي مشْهد بالقرية يقْصد للزيارة

وَيُقَال ان الْعيزَار بن هَارُون إِنَّمَا هُوَ بقرية عورنا من أَعمال نابلس وَقيل انه عازر الَّذِي أَحْيَاهُ الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَالله أعلم وَأما شمويل عَلَيْهِ السَّلَام فَتقدم ذكره عِنْد ذكر سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وقبره بقرية ظَاهر الْقُدس الشريف من جِهَة الشمَال على طَرِيق السالك الى رَملَة فلسطين على رَأس جبل هُنَاكَ وَهُوَ مَشْهُور وَاسم الْقرْيَة عِنْد الْيَهُود رامة وَلَو شرعنا نذْكر الانبياء مِمَّن كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس وَحَوله من بني اسرائيل وَغَيرهم لطال الْفَصْل فَإِن بَعضهم لم يعرف لَهُ مَكَان معِين وَبَعْضهمْ يخْتَلف فِيهِ وَإِنَّمَا ذكرت من اشْتهر وَصَارَ لَهُ مَوضِع يقْصد بالتواتر فَإِنَّهُ لم يثبت قبر نَبِي من الْأَنْبِيَاء سوى قبر نَبينَا وَسَيِّدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بداخل الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وابراهيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بداخل السُّور السُّلَيْمَانِي وَمَا عداهما فَهُوَ بِالظَّنِّ لَا بِالْقطعِ وَقد رُوِيَ عَن كَعْب الاحبار رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي بَيت الْمُقَدّس من قُبُور الانبياء الف قبر قَالَ صَاحب (مثير الغرام) يَعْنِي هِيَ وَمَا حولهَا فَإِن ثمَّ قبورا ومعالم يرى أَثَرهَا وَلَا تعلم وَكثير مِنْهَا قد درس وخفي لاستيلاء الافرنج على الْبِلَاد مُدَّة طَوِيلَة وَالله أعلم (ذكر نبذة من أَخْبَار مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) قد تقدم ذكر صفة الْمَسْجِد الشريف الخليلي وَمَا هُوَ مُشْتَمل عَلَيْهِ وَأما الْمَدِينَة وَاسْمهَا جبرون وَهِي تجاه بَيت الْمُقَدّس مِمَّا يَلِي الْقبْلَة فمنظرها فِي غَايَة الْحسن والنورانية وَهِي مستديرة حول الْمَسْجِد من الْجِهَات الاربع وبناؤها مُحدث بعد بِنَاء السُّور السُّلَيْمَانِي وَهُوَ الْمَسْجِد بِزَمن طَوِيل فَإِن فِي زمن سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَت المغارة فِي صحراء وَلم يكن هُنَاكَ بِنَاء وَكَانَ الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُقيما بنمرى فِي مخيمه وَهِي بِالْقربِ من بلد

سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من جِهَة الشمَال وَهِي أَرض بهَا عين مَاء وكروم وأستمر الْحَال على ذَلِك بعد وَفَاة الْخَلِيل وابنائه الأكرمين عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام الى أَن بني سيدنَا سُلَيْمَان السُّور على الْقَبْر الشريف ثمَّ اختطت الْمَدِينَة بعد ذَلِك وَكَانَ من أمرهَا مَا حُكيَ أَن امْرَأَة من بني اسرائيل تسمى دبورا زَوْجَة العبدوق من سبط أقرام ملكت تِلْكَ الأَرْض وَادعت النُّبُوَّة واطاعها النَّاس وعمرت الرامة وَكَانَت تجْلِس بَين الرامة وايلة وتحكم فِي بني اسرائيل وَكَانَ بالرامة رجل من ذَوي الْأَمْوَال من بني اسرائيل اسْمه يُوسُف الرَّامِي أدْرك زمن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وآمن بِهِ فَبنى بِالْقربِ من السُّور السُّلَيْمَانِي بُيُوتًا للسكن تبركا بِقرب الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهُوَ أول من اختط الْبناء حول السُّور ثمَّ تتَابع الْبناء قَلِيلا قَلِيلا فَصَارَت هُنَاكَ مَدِينَة وَهِي مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ من الْجِهَات الْأَرْبَع - كَمَا تقدم - فبعضها مُرْتَفع على رَأس جبل وَهِي شَرْقي الْمَسْجِد تسمى يسلون وَبَعضهَا منخفض فِي وَادي وَهِي غربي الْمَسْجِد والأماكن الَّتِي فِي الْعُلُوّ غالبها مشرف على الْأَمَاكِن المنخفظة وشوارع الْمَدِينَة بَعْضهَا سهل وَبَعضهَا وعر وبناؤها حكم بِنَاء بَيت الْمُقَدّس بالاحجار الفص النحيت وسقفها عُقُود لَيْسَ فِي بنائها لبن وَلَا فِي سقفها خشب وَقد تقدم أَن الْمَاضِي من زمن رفع سيدنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الى السَّمَاء الى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة المحمدية ألف واربعمائة سنة وَثَمَانِية وَتسْعُونَ سنة فَيعلم من ذَلِك التَّارِيخ بِنَاء مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام تَقْرِيبًا لِأَن الْبَانِي لَهَا وَهُوَ يُوسُف الرَّامِي أدْرك زمن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا تقدم وَالله أعلم وَأما السُّور السُّلَيْمَانِي فَتقدم أَنه بني عقب بِنَاء بَيت الْمُقَدّس فَيعلم تَارِيخه من تَارِيخ بِنَاء بَيت الْمُقَدّس وَأما الحارات الْمَشْهُورَة فَمِنْهَا حارة الشَّيْخ عَليّ البكا وَهِي مُنْفَصِلَة عَن الْبَلَد من جِهَة الشمَال وحارة

الأكراد وَهِي مُرْتَفعَة على علو فِي سفح الْجَبَل وحارة الجبارية وتعرف قَدِيما بحارة الفستقة وحارة المشرفية وحارة السواكنة وحارة الحدابنة وضمنها حارة النَّصَارَى وحارة الشمابنة وحارة رَأس قيطون وَهِي مُنْفَصِلَة عَن الْبَلَد من جِهَة الغرب وحارة الدارية وَمن جُمْلَتهَا حارة القصاروة وحارة الْيَهُود وحارة الزجاجين وَهَذِه الحارات مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ - كَمَا تقدم - فحارتان مِنْهَا معتمدتان وهما حارة الدواية وَهِي غربي الْمَسْجِد وفيهَا اسواق الْبَلَد ومنافعها وَهِي أحسن الحارات وحارة الأكراد وَهِي شَرْقي الْمَسْجِد وَفِي الْبَلَد شوارع غير ذَلِك وَإِنَّمَا ذكرت الْمَشْهُور مِنْهَا وَأما مَا فِيهَا من الْمدَارِس والزوايا والمشاهد فأحسنها زَاوِيَة الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وَهِي بحارة الأكراد وَسَنذكر تَرْجَمَة واقفها وتاريخ وَفَاته فِيمَا بعد والمدرسة القيمرية عِنْد بَاب الْمَسْجِد الشمالي بِالْقربِ من عين الطواشي وزاوية المغاربة بجوار عين الطواشي الْمَذْكُورَة والقلعة وَهِي حصن من بِنَاء الرّوم بلصق الْمَسْجِد من جِهَة الغرب وينسب وَقفهَا الى الْملك النَّاصِر حسن جعلهَا مدرسة وَقد صَارَت فِي عصرنا مسَاكِن لبَعض أهل الْبَلَد وضريح السَّيِّد يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام بداخلها كَمَا تقدم القَوْل فِيهِ ووفاة واقفها الْملك النَّاصِر حسن فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع جمادي الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة قَتِيلا وزاوية الشَّيْخ عَليّ البكا بالحارة الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَسَنذكر تَارِيخ بنائها ووفاة الشَّيْخ عَليّ الْمُجَرّد عِنْد ذكر تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى وزاوية القواسمهة بِالْقربِ مِنْهَا نِسْبَة للشَّيْخ أَحْمد القاسمي الجنيدي من ذُرِّيَّة ابي الْقَاسِم الْجُنَيْد وَهُوَ مدفون بهَا

وَمَسْجِد بِخَط سوق الحصرية والزياتين وَيعرف بِمَسْجِد ابْن عُثْمَان وَعَلِيهِ مَنَارَة وَهُوَ مأنوس ومشهد بِالْقربِ من بَاب الْمَسْجِد بِخَط سوق الْغَزل عِنْد عين الطواشي بِهِ ضريح الشَّيْخ يُوسُف النجار صَالح مَشْهُور والمدرسة الفخرية بِالْقربِ من حارة الشعابنة وَقد صَارَت مُهْملَة وَالَّذِي يظْهر أَن نسبتها لصَاحب الفخرية بالقدس الشريف وَالله أعلم والرباط المنصوري تجاه بَاب القلعة وقف الْملك الْمَنْصُور قلاوون عمره فِي سنة تسع وسبيعين وسِتمِائَة والبيمارستان المنصوري وقف الْملك الْمَنْصُور قلاوون ايضا عمره فِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وفيهَا عدَّة من الزوايا فَمَتَى ذَلِك زَاوِيَة الشَّيْخ ابراهيم المري وَهِي بَين حارتي الأكراد والدارية وَمَا هُوَ بحارة الأكراد زَاوِيَة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الأرزرومي وزاوية البسطامية بجوار الْمَسْجِد الجاولي من جِهَة الشمَال وزاوية السمانية بجوار زَاوِيَة الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وَمَسْجِد الشَّيْخ بهاء الدّين الوفائي وزاوية أبي عقامة ورباط الطواشي وزاوية شيخون ورباط مكي وَهُوَ بحارة رَأس قيطون وَهِي الْمُنْفَصِلَة عَن الْبَلَد من جِهَة الغرب - كَمَا تقدم - وزاوية الشَّيْخ رضوَان وزاوية الشَّيْخ خضر وزاوية الصلاطقة بجوار الْبركَة وَهِي دَاخل زَاوِيَة الأدهمية وزاوية الرَّامِي وزاوية الشَّيْخ عَليّ كنعوش الأدهمي وَمَسْجِد مَسْعُود وزاوية الشَّيْخ مُحَمَّد الْبَيْضَة وزاوية الْموقع وزاوية الشَّيْخ ابراهيم الْحَنَفِيّ وَغير ذَلِك وَمَسْجِد رعونة بحارة الزجاجين وزاوية أبي كَمَال ظَاهر الْمَدِينَة ورباط الحماعيلي بحارة النَّصَارَى زَاوِيَة الْخضر بِالْقربِ من متوضأ الْمَسْجِد زَاوِيَة الاعنص بحارة الحدابنة زَاوِيَة القادرية بِظَاهِر الْبَلَد وقبة الزَّاهِد بَين حارة الشَّيْخ عَليّ

البكا وَالْمَدينَة وَقد تفحصت عَن معرفَة اسماء الواقفين لذَلِك وَمَعْرِفَة تواريخ أوقافهم لأذكرها كَمَا وَقع لي فِي مدارس بَيت الْمُقَدّس فَلم اظفر بذلك لعدم وجود كتب وَقفهَا وَلعدم شَيْء يدل على الِاطِّلَاع على ذَلِك فَإِن غَالب مَا ذكرته قد صَار مهملا لَا نظام لَهُ وَإِنَّمَا ذكرته لاحاطة الْعلم بِهِ وَالله الْمُوفق (مشْهد الْأَرْبَعين) وبظاهر الْبَلَد من جِهَة الغرب على رَأس جبل هُنَاكَ مَسْجِد يُسمى مشْهد الْأَرْبَعين يُقَال ان بِهِ اربعين شَهِيدا وَلم أطلع على نقل لذَلِك وَالنَّاس يقصدوه للزيارة وَهُوَ مَوضِع مأنوس وَفِي الْمَدِينَة من أعين المَاء عين الطواشي على بَاب الْمَسْجِد الشمالي بِالْقربِ من السُّور ومنعها من قَرْيَة مجدل فصيل بِقرب مَدِينَة سيدنَا ابراهيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والقرية وقف على مصَالح قناة الْعين والحوض الَّذِي عَليّ بَاب الْمَسْجِد ووقفها مَنْسُوب الى الْأَمِير بكتمر الجوكندار وَله ذُرِّيَّة بِالْقَاهِرَةِ لَهُم التَّكَلُّم عَلَيْهَا وَهِي أحسن الْأَعْين واطيبها مَاء وَعين الخد أم وَهِي عِنْد الْبَاب الَّذِي تدق عِنْده الطبلخانة منبعها من مَكَان يُقَال لَهُ خلة الْعُيُون بِالْقربِ من زَاوِيَة الشَّيْخ عَليّ البكا وَعين سارة بِظَاهِر الْبَلَد بَين الكروم ومنبعها قريب من حَوْضهَا وَعين السميقة ومنبعها من وَادي سارة وَعين الْحمام ومنبعها من وَادي التفاح وماؤها يجْتَمع مَعَ مَاء السميقة لحاصل الْحمام بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعين حبرى ظَهرت قَرِيبا من نَحْو عشْرين سنة عِنْد الْمقْبرَة السُّفْلى ومنبعها من تَحت الْجَبَل الَّذِي على رَأس مشْهد الْأَرْبَعين وبالقرب من زَاوِيَة الشَّيْخ عَليّ البكا بِئْر معِين وَإِلَى جَانِبه حَوْض سَبِيل أنشأ

الْأَمِير سيف الدّين ابْن سلار نَائِب السلطنة بالديار المصرية والممالك الشامية بِمُبَاشَرَة الْأَمِير كبكلدي النجمي فِي دولة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة حِين بِنَاء المنارة على زَاوِيَة الشَّيْخ عَليّ البكا وبظاهر الْبَلَد من الْمَقَابِر الْمعدة لدفن اموات الْمُسلمين الْمقْبرَة السُّفْلى وَهِي الْقَدِيمَة وَهِي غربي الْبَلَد مِمَّا يَلِي حارة الدارية بِالْقربِ من مشْهد الْأَرْبَعين ومقبرة تسمى تربة الرَّأْس وَهِي من جِهَة الشرق مِمَّا يَلِي حارة الاكراد ومقبرة ثَالِثَة بحارة سَيِّدي الشَّيْخ عَليّ البكا تعرف بِالبَقِيعِ وَأما الكروم بِظَاهِر الْمَدِينَة فَهِيَ مُحِيطَة بهَا من كل جَانب وفيهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه أعظمها الْعِنَب وَهِي على صفة كروم بَيت الْمُقَدّس فِي غالبها قُصُور مَبْنِيَّة بِالْبِنَاءِ الْمُحكم وَأَهْلهَا فِي كل سنة يُقِيمُونَ بهَا فِي زمن الصَّيف مُدَّة اشهر وبظاهر الْبَلَد أَمَاكِن وَجها ت لَا فَائِدَة لذكرها وَقد اقتصرت على مَا ذكرته طلبا للاختصار وَالله الْمُوفق (إقطاع تَمِيم الدَّارِيّ الَّذِي أقطعه لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَهِي الأَرْض الَّتِي بهَا بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا حولهَا من الأَرْض وَكتب لَهُ فِي ذَلِك فِي قِطْعَة أَدِيم من خف أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ بِخَطِّهِ وَقد حكى المؤرخون لفظ الاقطاع على وُجُوه مُخْتَلفَة وَقد رَأَيْت عِنْد التَّكَلُّم على الاقطاع الْمشَار اليه الْقطعَة الاديم الَّتِي يُقَال أَنَّهَا من خف أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَقد صَارَت رثَّة وفيهَا بعض أثر الْكِتَابَة ورايت مَعهَا ورقة مَكْتُوبَة فِي الصندوق الَّذِي فِيهِ الْقطعَة الاديم مَنْسُوب خطّ هَذِه الورقة الى أَمِير المؤنين المستنجد بِاللَّه العباسي تغمده الله برحمته كتب فِيهَا نُسْخَة الاقطاع وَصُورَة مَا كتبه المستنجد بِخَطِّهِ

الْحَمد لله هَذِه نُسْخَة كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه لتميم الدَّارِيّ واخوته فِي سنة تسع من الْهِجْرَة بعد مُنْصَرفه من غَزْوَة تَبُوك فِي قِطْعَة أَدِيم من خف أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ وبخطه نسخته كَهَيْئَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعَن جَمِيع الصَّحَابَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا انطاه مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتميم الدَّارِيّ وأخوته حبرون والمرطوم وَبَيت عينون وَبَيت ابراهيم وَمَا فِيهِنَّ نطية بت بَينهم ونفذت وسلمت ذَلِك لَهُم ولأعقابهم فَمن آذاهم آذاه الله فَمن آذاهم لَعنه الله شهد عَتيق ابْن أبي قُحَافَة وَعمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَكتب عَليّ بن ابي طَالب وَشهد وَقد نسخت ذَلِك من خطّ المستنجد بِاللَّه كَهَيْئَته وَلَعَلَّ هَذَا اصح مَا قبل فِيهِ وَالله اعْلَم وَاسْتمرّ هَذَا الاقطاع بيد ذُرِّيَّة تَمِيم الدَّارِيّ يأكولونه الى يَوْمنَا وهم مقيمون بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وهم طَائِفَة كَثِيرَة يُقَال لَهُم الدارية وَهَذَا ببركات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقدم عِنْد ذكر الصَّحَابَة أَن تَمِيم الدَّارِيّ كَانَ أَمِيرا على بَيت الْمُقَدّس وَقد تعرض بعض الْوُلَاة لآل تَمِيم واراد انتزاع الأَرْض مِنْهُم وَرفع أَمرهم الى القَاضِي أبي حَاتِم الْهَرَوِيّ الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُدس الشريف فاحتج الداريون بِالْكتاب فَقَالَ القَاضِي هَذَا الْكتاب لَيْسَ بِلَازِم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقطع تميما مَا لم يملك فاستفتى الْوَالِي الْفُقَهَاء وَكَانَ الامام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ رَضِي الله عَنهُ حِينَئِذٍ بِبَيْت الْمُقَدّس قبل اسْتِيلَاء الافرنج عَلَيْهِ فَقَالَ هَذَا القَاضِي كَافِر فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ زويت لي الأَرْض كلهَا وَكَانَ يقطع فِي الْجنَّة فَيَقُول قصر كَذَا لفُلَان فوعده صدق وعطاؤه حق فخري القَاضِي والوالي وَبَقِي آل تَمِيم على مَا بِأَيْدِيهِم وَكَانَت هَذِه الْحَادِثَة حِين كَانَ اللقاضي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ بِالشَّام وَتقدم فِي تَرْجَمته أَنه دخل الى الشرق فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ واربعمائة وَقدم الى الشَّام وَبَيت الْمُقَدّس

وَأما حُدُود الأَرْض المقدسة فَمن الْقبْلَة أَرض الْحجاز الشريف يفصل بَينهمَا جبال الشورى وَهِي جبال منيعة بَينهَا وَبَين ايلة نَحْو مرحلة وسطح أَيْلَة هُوَ حد الْحجاز وَهِي من تيه بني اسرائيل وَبَينهَا وَبَين بَيت الْمُقَدّس نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام بسير الاثقال وَمن الشرق من بعد دومة الجندل بَريَّة السماوة وَهِي كَبِيرَة ممتدة الى الْعرَاق ينزلها عرب الشَّام ومسافتها عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو مَسَافَة ايلة وَمن الشمَال مِمَّا يَلِي الشرق نهر الْفُرَات على قَول الْحَافِظ شمس الدّين مُحَمَّد الذَّهَبِيّ مؤرخ الشَّام رَحمَه الله ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو عشْرين يَوْمًا بسير الاثقال فَتدخل فِي هَذَا الْحَد المملكة الشامية بكمالها وَمن الغرب بَحر الرّوم وَهُوَ الْبَحْر المالح ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس من جِهَة رَملَة فلسطين نَحْو يَوْمَيْنِ وَمن الْجنُوب رمل مصر والعريش ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو خَمْسَة أَيَّام بسير الاثقال ثمَّ يَلِيهِ تيه بني اسرائيل وطور سيناء ويمتد من تِلْكَ الْجِهَة الَّتِي تَبُوك ثمَّ دومة الجندل الْمُتَّصِلَة بِالْحَدِّ الشَّرْقِي وَأما الْحُدُود المنسوبة لبيت الْمُقَدّس عرفا مِمَّا يَلِي الْقبْلَة يُطلق عَلَيْهَا عمل الْقُدس الشريف ويسوغ لقضاة الْقُدس الحكم فِيهِ فَمن الْقبْلَة عمل بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يفصل بَينهمَا قَرْيَة سعير وَمَا حاذاها وَهِي من عمل الْقُدس وَمن الشرق نهر الْأُرْدُن وَهُوَ الْمُسَمّى بالشريعة وَمن الشمَال عمل مَدِينَة نابلس يفصل بَينهمَا قَرْيَة سنجل وعرزن وهما من أَعمال الْقُدس وتتمة الْحَد رَأس وَادي بني زيد وَهُوَ من اعمال الرملة وَمن الغرب مِمَّا يَلِي رَملَة فلسطين قَرْيَة بَيت نوبَة وَهِي من أَعمال الْقُدس وَمِمَّا يَلِي مَدِينَة غَزَّة قَرْيَة عجور وَهِي من أَعمال غَزَّة وَأما الْحُدُود المنسوبة عرفا لبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَمن الْقبْلَة منزلَة الْملح على درب الْحجاز الشريف وقباب الساوية وَهِي قَرْيَة

منسوبة لبني ساوة وأمراء عرب جرن وَمن الشرق قَرْيَة عين جدي من عمل بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وبحرة لوط وَهَذَا الْحَد هُوَ الْفَاصِل بَين عمل بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعمل مَدِينَة الكرك وَمن الشمَال عمل الْقُدس الشريف يفصل بَينهمَا قَرْيَة سعير وَمَا حاذاها - كَمَا تقدم - وَمن الغرب من الْجِهَة المحاذية لرملة فلسطين قَرْيَة زَكَرِيَّا وَهِي من أَعمال الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمن جملَة الْوَقْف الشريف المبرور وَمن الْجِهَة المحاذية لمدينة غَزَّة قَرْيَة سيمح الْمُجَاورَة لقرية السكرية وبلاد بني عبد وَهِي من أَعمال الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأما الْمسَافَة من بَيت الْمُقَدّس الى بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهِيَ تقرب من بريد فَقيل انها ثَلَاثَة عشر ميلًا وَقيل ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَالله أعلم وَقد تقدم فِي أول الْكتاب عِنْد الْكَلَام على تَسْمِيَة الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَنه سمي بذلك لِأَنَّهُ وسط الدُّنْيَا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَتقدم عِنْد ذكر الْفَضَائِل أَن قَوْله تَعَالَى (واستمع يَوْم يُنَادي الْمُنَادِي من مَكَان قريب) الْمُنَادِي هُوَ اسرافيل عَلَيْهِ السَّلَام يُنَادي من صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس بالحشر وَهِي وسط الدُّنْيَا وَرُوِيَ عَن عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أَوسط الارضين بَيت الْمُقَدّس وارفع الْأَرْضين كلهَا الى السَّمَاء بَيت الْمُقَدّس وَعَن ابْن عَبَّاس ومعاذ بن جبل أقرب السَّمَاء الى الأَرْض بَيت الْمُقَدّس بِاثْنَيْ عشر ميلًا وَعَن قَتَادَة عَن كَعْب بَيت الْمُقَدّس أقرب الأَرْض الى السَّمَاء بِثمَانِيَة عشر ميلًا وَالْقَوْل بِأَن بَيت الْمُقَدّس وسط الأَرْض ظَاهر فَإِن بَيت الْمُقَدّس اذ اعْتبر امْرَهْ وجد فِي وسط الأَرْض وَسَائِر الممالك مُحِيطَة بِهِ من كل جِهَة فَإِنَّهُ يُقَابله من جِهَة الْقبْلَة اقليم الْحجاز الشريف وبلاد الْيمن ومملكة الْهِنْد وَمَا والاها وَمن جِهَة الشرق بَغْدَاد وَالْعراق ومملكة الْعَجم وَمَا والاها وَمن جِهَة الشمَال الْبِلَاد الشامية ومملة الرّوم وَمَا والاها وَمن جِهَة الغرب الديار المصرية ومملكة الغرب

وَمَا والاها فَظهر من هَذَا ان بَيت الْمُقَدّس فِي وسط الدُّنْيَا وَالله أعلم (ذكر جمَاعَة من أَعْيَان مُلُوك الاسلام مِمَّن ولي على بَيت الْمُقَدّس) (وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفعل فيهمَا الْخَيْر) (وأنواع الْبر والعمارة) وَقد تقدم ذكر جمَاعَة مِمَّن ولي على بَيت الْمُقَدّس من الْخُلَفَاء أعظمهم وأجلهم أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الَّذِي فَتحه وانفذه من أَيدي الْكفَّار وَذكر بعض من كَانَ بعده من بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس وَجَمِيع الفاطميين وَتقدم ذكر جمَاعَة من السلاطين بِمصْر أمثلهم واعلاهم الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف ابْن ايوب تغمده الله برحمته وَهُوَ أول الْمُلُوك بالديار المصرية بعد انْقِرَاض دولة الفاطميين وَمن بعده من مُلُوك بني ايوب بِمصْر وَغَيرهَا وَذكر مَا فعل كل مِنْهُم من الْخَيْر والعمارة وَفعل الْمَعْرُوف الى زمن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب الَّذِي فتح الْقُدس الْفَتْح الْأَخير ثمَّ بعد الْملك الصَّالح ولي جمَاعَة على الديار المصرية فلنذكرهم بأجمعهم من غير إخلال بِأحد مِنْهُم وكل من لَهُ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِد الْخَلِيل فعل خير وآثار حَسَنَة ذكرت تَارِيخ ولَايَته والخليفة الَّذِي كَانَ فِي زَمَنه وتاريخ وَفَاته وَمَا فعل فِي أَيَّامه من الْخَيْر فيهمَا أَو فِي الأَرْض المقدسة مِمَّا حولهَا وَمن لم أطلع لَهُ على شَيْء من أَفعَال القربات ذكرت اسْمه فَقَط لكَونه ولي أَمر بَيت الْمُقَدّس ودعى لَهُ على منبره من غير تعرض الى ذكر تَارِيخه فَإِنَّهُ تَطْوِيل بِلَا فَائِدَة فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والمستعان - وَمِمَّنْ ولي الْملك بالديار المصرية بعد الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَلَده الْملك الْمُعظم توران شاه وَتقدم ذكره ثمَّ ولي بعده الْملك الْمعز ايبك التركماني أول مُلُوك التّرْك بِمصْر فِي سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة فَأَقَامَ خَمْسَة ايام ثمَّ خلع

وَولي بعده الْملك الْأَشْرَف مُوسَى وَهُوَ آخر مُلُوك بني أَيُّوب بِمصْر ثمَّ خلع فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة وأعيد الْملك الْمعز ايبك ثمَّ توفّي قَتِيلا وَولي بعده وَلَده الْمَنْصُور نور الدّين عَليّ ثمَّ خلع وَولي بعده الْملك المظفر قطز ثمَّ قتل وَولي بعده السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس وَهُوَ ركن الدّين أَبُو الْفَتْح بيبرس الصَّالِحِي النجمي " البندقداري كَانَ مَمْلُوكا لَا يدكين البندقداري الصَّالِحِي ثمَّ أَخذه الْملك الصَّالح من البندقداري فانتسب اليه دون استاذه اسْتَقر فِي السلطنة فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَ من الْمُلُوك المعتبرين وتلقب اولا بِالْملكِ القاهر فَقيل لَهُ أَنه لقب غير مبارك مَا تلقب بِهِ أحد فطالت مدَّته فَغَيره وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر وَهُوَ الَّذِي اقر الْخُلَفَاء من بني الْعَبَّاس بالديار المصرية فِي سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة واولهم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بعد انْقِرَاض دولتهم من بَغْدَاد وخرابها فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَفِي سنة احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة أرسل عسكرا هدموا كَنِيسَة الناصرة وَهِي من أكبر مَوَاطِن عبادات النَّصَارَى لِأَن مِنْهَا خرج دين النَّصْرَانِيَّة وأغاروا على عكا ثمَّ ركب بِنَفسِهِ وأغار عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهدم برجا خَارج الْبَلَد وَفتح قيسارية بِنَفسِهِ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي تَاسِع جمادي الأولى وَفتح ارسوف فِي جمادي الْآخِرَة مِنْهَا وَفِي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة خرج بعسكره من الديار المصرية وَفتح صفد وَغَيرهَا وَكَانَ فتح صفد فِي تَاسِع عشر شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة بالآمان بعد حصرها ثمَّ قتل اهلها عَن آخِرهم وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة توجه بعساكره الى الشَّام وَفتح يافا فِي شهر رَجَب وَأَخذهَا من الافرنج وَفتح انطاكية بِالسَّيْفِ فِي يَوْم السبت رَابِع رَمَضَان مِنْهَا وَقتل أَهلهَا

وَفِي سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة حج الى بَيت الله الْحَرَام وزار الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة حضر الى الْقُدس الشريف وَعمر مقَام سيدنَا مُوسَى الكليم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا تقدم عِنْد ذكر قصَّته فانه توجه لزيارته وَمر فِي طَرِيقه على دير السيق ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو نصف بريد وَهُوَ لِلنَّصَارَى فَوجدَ حول الدَّيْر قلالي للرهبان عامرة مسكونة واحضروا لَهُ ضِيَافَة فاستكثرها فَقيل لَهُ ان هَا هُنَا جمَاعَة من الرهبان فِي القلالي الْمَذْكُورَة نَحْو ثلثمِائة رَاهِب فَأمر بهدم القلالي خوفًا على بَيت الْمُقَدّس من الْعَدو المخذول وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فتح حصن الأكراد وحصن عكا والقرى وَغير ذَلِك وَله بالقدس حَسَنَات مِنْهَا أَنه اعتنى بعمارة الْمَسْجِد وجدد فصوص الصَّخْرَة الشَّرِيفَة الَّتِي على الرخام من الظَّاهِر وَعمر الخان الْكَائِن بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب الى الشمَال الْمَعْرُوف بخان الظَّاهِر وَكَانَ بِنَاؤُه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَنقل اليه بَاب قصر الْخُلَفَاء الفاطميين ووقف عَلَيْهِ نصف قَرْيَة لفتا وَغَيرهَا من الْقرى بأعمال دمشق وَجعل بالخان فرنا وطاحونا وَجعل لِلْمَسْجِدِ الَّذِي فِيهِ إِمَامًا وَشرط فِيهِ اشياء من فعل الْخَيْر من تفرقه الْخبز على بَابه وَإِصْلَاح حَال النازلين بِهِ وأكلهم وَغير ذَلِك وَقد أَخذ الْوَقْف الَّذِي بِالشَّام وَانْقطع مَا كَانَ شَرط فِيهِ من الْخبز وَغَيره لفساد الزَّمَان وتلاشي الاحوال وَهُوَ الَّذِي جدد الْقُضَاة الثَّلَاث بالمملكة بعد أَن لم يكن بهَا سوى القَاضِي الشَّافِعِي فَقَط وَكَانَ يسْتَخْلف من بَقِيَّة الْمذَاهب وَكَانَت ولَايَته الْقُضَاة الثَّلَاثَة بِمصْر فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَفِي الشَّام فِي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَكَانَ ملكا جَلِيلًا شجاعا أبطل الْمَظَالِم واسقط تشفع الْأَمْلَاك وَكَانَ جملَة مَا يحمل مِنْهَا الى الدِّيوَان الف الف دِينَار واهتم بعمارة الْمَسْجِد الشريف النَّبَوِيّ

حِين احْتَرَقَ وَوضع الدرابزين حول الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَعمل فِيهَا منبرا وسقفه بِالذَّهَب واهتم بكسوة الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَفتح الفتوحات وجدد قبر سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَزَاد فِي رواتبه مَا يصرف على المقيمين وَبنى على الْمَكَان الْمَنْسُوب لسيدنا مُوسَى الكليم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَّة - كَمَا تقدم - وجدد بالقدس الشريف اشياء حَسَنَة من ذَلِك قبَّة السلسلة ورمم شعث الصَّخْرَة وَغَيرهَا وَبنى على قبر أبي عُبَيْدَة بن الْجراح مشهدا ووقف عَلَيْهِ شَيْئا للواردين وَتُوفِّي رَحمَه الله بِدِمَشْق يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة وَدفن بهَا وَكَانَت مُدَّة ملكه نَحْو سَبْعَة عشر سنة وشهرين وَعشرَة ايام رَحمَه الله تَعَالَى وَعَفا عَنهُ وَولي الْملك بعده وَلَده الْملك السعيد مُحَمَّد بركَة ثمَّ خلع وَولي أَخُوهُ الْملك الْعَادِل سلامش ثمَّ خلع وَولي بعده السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون الصَّالِحِي هُوَ سيف الدّين قلاوون الالفي وجنسه قبجاقي وَهُوَ أول مَمْلُوك بيع بِأَلف دِينَار وَاسْتقر فِي السلطنة فِي يَوْم الْأَحَد الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد العباسي وَأقَام منار الْعدْل وَفتح الفتوحات فَفتح حصن المرقب وَهُوَ حصن الاستبار وَهُوَ فِي غَايَة الْعُلُوّ والحصانة فحصره ثمَّ فَتحه بالأمان فِي ربيع الأول سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَفتح صهيون فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَفتح طرابلس بعد ان نازلها بعسكره يَوْم الْجُمُعَة مستهل ربيع الأول سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة ويحيط الْبَحْر بغالبها وَلَيْسَ عَلَيْهَا قتال فِي الْبر إِلَّا من جِهَة الشرق وَهُوَ مِقْدَار قَلِيل فحصرها حَتَّى فتحهَا يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ربيع الآخر بالسف فَدَخلَهَا الْعَسْكَر عنْوَة وَقتل غَالب رجالها وسبى ذَرَارِيهمْ وَكَانَ الأفرنج قد استولوا عَلَيْهَا فِي سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة فَبَقيت فِي ايديهم وَكَانَ الأفرنج قد استولوا عَلَيْهَا فِي سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة فَبَقيت فِي أَيّدهُم

الى هَذَا التَّارِيخ فَتكون مُدَّة لبثها بيد الافرنج نَحْو مائَة وَخمْس وَثَمَانِينَ سنة وشهروا وَلم يَجْسُر أحد من الْمُلُوك مثل صَلَاح الدّين وَغَيره على التَّعَرُّض لَهَا وَإِلَى المرقب فيسر الله تَعَالَى على يَده وَمن حَسَنَاته بالقدس الشريف أَنه عمر سقف الْمَسْجِد الْأَقْصَى من جِهَة الْقبْلَة مِمَّا يَلِي الغرب عِنْد جَامع الانبياء وَله الرِّبَاط المنصوري الْمَشْهُور بِبَاب النَّاظر وَهُوَ رِبَاط فِي غَايَة الْحسن وَالْبناء الْمُحكم ورخم دَاخل الْحُجْرَة الخليلية فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَعمر بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الرِّبَاط والبيمارستان وَله غير ذَلِك توفّي رَحمَه الله فِي سادس ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَمُدَّة ملكه نَحْو احدى عشرَة سنة وَثَلَاثَة اشهر وأياما وَكَانَ ملكا مهيبا حَلِيمًا قَلِيل سفك الدِّمَاء شجاعا عَفا الله عَنهُ ثمَّ تسلطن بعده وَلَده السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد العباسي وَفتح عكا بِالسَّيْفِ وَقتل أَهلهَا وأخربها ودكها دكا وَفتح عدَّة حصون ومدن واخلى الافرنج من صيدا وبيروت وتسلمها السُّلْطَان الْأَشْرَف وَكَذَلِكَ هرب أهل مَدِينَة صور فَأرْسل السُّلْطَان وتسلمها وتسلم عثليث وانطرسوس وَذَلِكَ جَمِيعه فِي سنة تسعين وسِتمِائَة وَاتفقَ لهَذَا السُّلْطَان من السَّعَادَة مَا لم يتَّفق لغيره فتح هَذِه الْبِلَاد الْعَظِيمَة الحصينة من غير قتال وَلَا تَعب وَأمر بهَا فخربت عَن آخرهَا وتكملت بِهَذِهِ الفتوحات جَمِيع الْبِلَاد الساحلية الاسلامية وَكَانَ الْأَمر لَا يطْمع فِيهِ وَلَا يرام وتطهرت الشَّام والسواحل من الافرنج بعد أَن كَانُوا اشرفوا على الديار المصرية وعَلى ملك دمشق وَغَيرهَا من الشَّام وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَكَانَ انْقِطَاع الافرنج وَزَوَال دولتهم من بِلَاد الاسلام والسواحل زوالا لَا رُجُوع بعده فِي هَذِه السّنة وَهِي سنة تسعين وسِتمِائَة على يَد الْملك الْأَشْرَف

خَلِيل بن قلاوون تغمده الله برحمته وَكَانَ ابْتِدَاء تغلبهم على مملكة الشَّام وتسلطهم على بِلَاد الاسلام من سنة تسعين واربعمائة - كَمَا تقدم - وَاسْتمرّ الى هَذَا التَّارِيخ فَكَانَت مدتهم جُمْلَتهَا مِائَتَا سنة كَامِلَة لعنة الله عَلَيْهِم ثمَّ فتح قلعة الرّوم فِي سنة احدى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَقتل الْملك الأِشرف صَلَاح الدّين خَلِيل بن قلاوون رَحمَه الله تَعَالَى فِي ثامن عشر الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة بِظَاهِر الْقَاهِرَة قَتله جمَاعَة من مماليك وَالِده والأمراء ثمَّ حمل الى الْقَاهِرَة وَدفن بهَا فِي تربته وانتقم الله من قَاتله عَاجلا وآجلا فأمسكوا وَقتل بَعضهم عَاجلا واحرقت جثته وَبَعْضهمْ حبس ثمَّ قطعت أَيْديهم وارجلهم وصلبوا على الْجمال وطيف بهم وايديهم معلقَة فِي أَعْنَاقهم جَزَاء بِمَا كسبوا وشنق بَعضهم فسبحان المنتقم بعدله وتسلطن بعده الْملك القاهر بيدرا يَوْمًا وَاحِدًا وَقتل وَولي بعده الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون سلطنته الأولى ثمَّ خلع ثمَّ ولي بعده السُّلْطَان الْملك الْعَادِل كتبغاهو زين الدّين كتبغا المنصوري وَاسْتقر فِي السلطنة فِي يَوْم الاربعاء تَاسِع الْمحرم سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله ابا الْعَبَّاس أَحْمد العباسي وَفِي أَيَّامه جدد عمل فصوص الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وجدد عمَارَة السُّور الشَّرْقِي المطل على مَقْبرَة بَاب الرَّحْمَة فِي شهور سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وخلع من السلطنة فِي الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَهُوَ بِأَرْض الشَّام عِنْد نهر العوجا وَكَانَت مدَّته نَحْو سنتَيْن واعطاه حسام الدّين لاجين الَّذِي تسلطن بعده صرخد فَسَار اليها وَاسْتقر فِيهَا ثمَّ فِي سلطنة النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون اسْتَقر فِي نِيَابَة حماه فِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي بهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة عَاشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة وَلما خلع الْعَادِل كتبغا ولي بعده السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور لاجين هُوَ

حسام الدّين لاجين المنصوري اسْتَقر فِي السلطنة بعد خلع الْعَادِل كتبغا وَهُوَ بدهليزه على نهر العوجا ثمَّ سَار الى الديار المصرية وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله - الْمُتَقَدّم ذكره - وَفِي ايامه جددت عمَارَة محراب دَاوُد الَّذِي بالسور القبلي عِنْد مهد عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَفتح عدَّة بِلَاد مِنْهَا سيس وَغَيرهَا من بِلَاد الأرمن وَقتل فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حاي عشر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وثب عَلَيْهِ جمَاعَة من المماليك الصّبيان فَقَتَلُوهُ وَهُوَ يلْعَب بالشطرنج وَكَانَت مُدَّة ملكه سنتَيْن وَثَلَاثَة اشهر ثمَّ ولي بعده الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون سلطنته الثَّانِيَة ثمَّ خلع وَولي بعده الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير ثمَّ خلع وَولي بعده السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهُوَ نَاصِر الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن الْملك الْمَنْصُور قلاوون مولده فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة اسْتَقر فِي السلطنة ثَلَاث مَرَّات الأولى فِي الْعشْر الاوسط من الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وعمره نَحْو تسع سِنِين وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد فَأَقَامَ سنة وخلع وتسلطن بعده الْعَادِل كتبغا ثمَّ الْمَنْصُور لاجين - الْمُتَقَدّم ذكرهمَا - 0 ثمَّ تسلطن ثَانِيًا فِي يَوْم السبت رَابِع عشر جمادي الأولى سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة والخليفة الْحَاكِم بِأَمْر الله - الْمُتَقَدّم ذكره - واقام عشر سِنِين واربعة أشهر وَعشرَة أَيَّام ثمَّ نزل عَن السلطنة بِاخْتِيَارِهِ وَتوجه الى الكرك وتسلطن بعده الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير - الْمُتَقَدّم ذكره - واقام أحد عشر شهرا وخلع واعيد بعده الى السلطنة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهِي سلطنته الثَّالِثَة الَّتِي ثَبت قدمه فِيهَا وَصفا لَهُ الْوَقْت وَجلسَ على سَرِير الْملك بعد الْعَصْر من نَهَار الاربعاء مستهل شَوَّال سنة تسع وَسَبْعمائة وَكَانَ الْخَلِيفَة المستكفي بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الرّبيع

سُلَيْمَان وَكَانَ الْملك النَّاصِر من الْمُلُوك المعتبرين أَصْحَاب التواريخ حج الى بَيت الله الْحَرَام ثَلَاث مَرَّات الاولى فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة وَالثَّانيَِة فِي سنة تِسْعَة عشر وَالثَّالِثَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَوَقع لَهُ وقعات كَثِيرَة مَعَ التتر وَغَيرهم وَله غارات على بِلَاد سيس وَفتح جَزِيرَة أرواد وَهِي فِي بَحر الرّوم قبالة انطرسوس وَفتح ملطية وَغير ذَلِك وَله بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى خيرات كَثِيرَة مِنْهَا أَنه عمر فِي أَيَّامه السُّور القبلي الَّذِي عِنْد محراب دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ورخم صدر الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِإِشَارَة تنكز نَائِب الشَّام وَفتح بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشباكين اللَّذين عَن يَمِين الْمِحْرَاب وشماله وَكَانَ فتحهما فِي سنة أحدى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وجدد تذهيب القبتين قبَّة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وقبة الصَّخْرَة وَمن الْعجب أَن تذهيب قبَّة الصَّخْرَة كَانَ قبل الْعشْرين والسبعمائة وَقد مضى عَلَيْهِ ألى عصرنا هَذَا أَكثر من مائَة وَثَمَانِينَ سنة وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن والنورانية من رَآهُ يظنّ ان الصَّانِع قد فرغ مِنْهُ الْآن وَعمر القناطر على الدرجتين الشماليتين بِصَحْنِ الصَّخْرَة الَّتِي أحداهما مُقَابل بَاب حطة والاخرى مُقَابل بَاب الدويدارية وَعمر بَاب القطانين بِالْبِنَاءِ الْمُحكم - وَتقدم ذكر ذَلِك - وكل مَكَان من هَذِه الْأَمَاكِن مَكْتُوب عَلَيْهِ تَارِيخ عِمَارَته وَعمر قناة السَّبِيل الَّتِي عِنْد بركَة السُّلْطَان بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب وَله غير ذَلِك من العمارات والقربات بالقدس الشريف وَغَيره من الْبِلَاد من عماره الْحُصُون والقلاع فَإِن سطنته الثَّالِثَة أَقَامَ فِيهَا اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة وشهرين وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَكَانَت مُدَّة ملكه فِي ولاياته الثَّلَاثَة ثَلَاثًا ورابعين سنة وَسَبْعَة اشهر وتخلل بَين ولاياته ولَايَة الْعَادِل كتبغا والمنصور لاجين والمظفر بيبرس نَحْو خمس سِنِين وشهرين فَكَانَت الْمدَّة من حِين ابْتِدَاء سلطنته الى حِين وَفَاته تسعا واربعين سنة

وَتُوفِّي فِي يَوْم الاربعاء تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة سنة احدى واربعين وَسَبْعمائة بالقلعة وَصلى عَلَيْهِ عز الدّين ابْن جمَاعَة إِمَامًا وَانْزِلْ لَيْلَة الْخَمِيس الى الْمدرسَة المنصورية بِخَط بَين القصرين وَدفن بهَا مَعَ ابيه قلاوون رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا وَكَانَ ملكا مُعْتَبرا اخباره مَشْهُورَة عَفا الله عَنهُ وَلما توفّي تسلطن بعده ثَمَانِيَة من أَوْلَاده لصلبه فأولهم الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر وخلع ثمَّ الْأَشْرَف كجك وخلع ثمَّ النَّاصِر أَحْمد وخلع ثمَّ الصَّالح اسماعيل وَتُوفِّي ثمَّ الْكَامِل شعْبَان وخلع ثمَّ المظفر حاجي وَقتل ثمَّ الْملك النَّاصِر حسن وخلع ثمَّ الْملك الصَّالح صَالح وخلع وأعيد النَّاصِر حسن وَتُوفِّي قَتِيلا وَتقدم ذكر تَارِيخ وَفَاته فِي أَخْبَار مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَولي بعده ابْن أَخِيه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْملك المظفر حاجي وخلع ثمَّ ولي بعده السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان ابْن الْأَمِير حسن بن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون مولده فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وَسَبْعمائة وَاسْتقر فِي السلطنة فِي نصف شعْبَان سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَله من الْعُمر عشر سِنِين وَكَانَ الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد وَفِي أَيَّامه عمرت المنارة الَّتِي عِنْد بَاب الأسباط وَتقدم أَن عمارتها بِمُبَاشَرَة السيفي قطلوبغا نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وعمارتها فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وجددت الابواب الْخشب المركبة على أَبْوَاب الْجَامِع الْأَقْصَى وجددت عمَارَة القناطر الَّتِي على الدرجَة الغربية فِي صحن الصَّخْرَة الْمُقَابل لباب النَّاظر فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَتُوفِّي قَتِيلا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ رَحمَه الله من حَسَنَات الدَّهْر هينا لينًا حَلِيمًا محبا لأهل الْخَيْر مقربا للْعُلَمَاء والفقراء معتنيا بالأمور الشَّرْعِيَّة عَفا الله عَنهُ

ثمَّ ولي بعده وَلَده الْملك الْمَنْصُور عَليّ ثمَّ توفّي ثمَّ ولي أَخُوهُ حاجي سلطنته الأولى الملقب فِيهَا بِالْملكِ الصَّالح ثمَّ خلع وَاسْتقر فِي السلطنة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق وَهُوَ أَبُو سعيد برقوق ابْن أنس بن عبد الله الجاركسي الأَصْل وَهُوَ أول دولة الجهاركسية وَهُوَ من مماليك بلبغا الْعمريّ الناصري حسن ابْن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَاسْتقر فِي السلطنة يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد وخلع فِي شهر جمادي الْآخِرَة سنة احدى وَتِسْعين وتوى الْملك الْمَنْصُور حاجي ابْن الْأَشْرَف شعْبَان وَهِي سلطنته الثَّانِيَة الملقب فِيهَا بِالْملكِ الْمَنْصُور ثمَّ خلع وأعيد برقوق الى السلطنة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة فِي خلَافَة المتَوَكل على الله أَيْضا وَفِي ايامه عمرت دكة المؤذنين الَّتِي بالصخرة الشَّرِيفَة تجاه الْمِحْرَاب الى جَانب بَاب المغارة بِمُبَاشَرَة نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس الشريف الناصري مُحَمَّد بن السيفي بهادر الظَّاهِرِيّ فِي مستهل شهر شَوَّال سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَعمر الْبركَة الَّتِي بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب الْمَعْرُوفَة ببركة السُّلْطَان وعمارتها فِي سنة وَفَاته وَهِي سنة احدى وَثَمَانمِائَة وَهِي الْآن خراب لَا ينْتَفع بهَا ووقف قَرْيَة ديراسطيا من أَعمال نابلس على سماط سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَشرط أَن لَا يصرف ريعها إِلَّا إِلَى السماط الْكَرِيم فَقَط وَكتب الْوَقْف على عتبَة بَاب مَسْجِد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ الْبَاب الشَّرْقِي من الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة الَّتِي بداخل السُّور وَهُوَ خلف مقَام السيدة سارة من جِهَة الشرق وَفِي أَيَّامه فِي شهر رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة ورد الْأَمِير شهَاب الدّين احْمَد بن اليغموري نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف

وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الى الْقُدس الشريف وأبطل المكوس والمظالم والرسوم الَّتِي أحدثها النواب قبله بالقدس الشريف وَنقش بذلك رخامة والصقت على بَاب الصَّخْرَة من جِهَة الغرب وَله غير ذَلِك من الْحَسَنَات توفّي بقلعة الْجَبَل فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شَوَّال سنة احدى وَثَمَانمِائَة عَن سِتِّينَ سنة أَو قريب مِنْهَا ثمَّ ولي بعده وَلَده السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج وَهُوَ زين الدّين أَبُو السعادات فرج بن الْملك الظَّاهِر برقوق اسْتَقر فِي السلطنة وعمره اثْنَتَا عشرَة سنة فِي صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة لِلنِّصْفِ من شَوَّال سنة احدى وَثَمَانمِائَة والخليفة المتَوَكل على الله وَفِي أَيَّامه كَانَت وقْعَة تيمورلنك الْمَشْهُورَة فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وخلع من السلطنة بأَخيه الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز فِي سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة وَأقَام اخوه نَحْو شَهْرَيْن وَتِسْعَة أَيَّام وخلع ثمَّ اعيد النَّاصِر فرج الى السلطنة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة وَنزل الشَّام مرَارًا وَوصل الى حلب مرَّتَيْنِ وَدخل بَيت الْمُقَدّس وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية وَفرق مَالا كثير على النَّاس وَمن جملَة مَا رسم بِهِ بالقدس الشريف أَن نَائِب الْقُدس لَا يكون نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَلَا يتَكَلَّم على النّظر بِالْجُمْلَةِ الكافية وَنقش بذلك بلاطه والصقت بحائط بَاب السلسلة عَن يمنة الدَّاخِل من الْبَاب وعلق بِمَسْجِد سيدنَا ابراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الستائر الْحَرِير على الاضرحة الشَّرِيفَة وَتُوفِّي قَتِيلا لَيْلَة السبت سَابِع عشر صفر سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقابر الْمُسلمين بِدِمَشْق رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَولي الْملك الْمُؤَيد شيخ وَتُوفِّي وَولي بعده وَلَده الْملك المظفر أَحْمد وخلع وَولي بعده الْملك الظَّاهِر ططر وَتُوفِّي

وَولي بعده الْملك الصَّالح مُحَمَّد وخلع وَولي بعده السُّلْطَان الْملك الأِشرف برسباي هُوَ أَبُو النَّصْر برسباي الدقمامقى الظَّاهِرِيّ من عُتَقَاء الظَّاهِر برقوق اسْتَقر فِي السلطنة فِي سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فِي شهر ربيع الأول وَكَانَ الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد وَفِي أَيَّامه كَانَ نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة بالقدس الشريف الْأَمِير اركاس الجلباني وَكَانَ حَاكما مُعْتَبرا عمر الْأَوْقَاف ونماها وَصرف المعاليم وَاشْترى للْوَقْف مِمَّا أرصده من المَال جِهَات من الْقرى والمسقفات وَورد مرسوم الْأَشْرَف بِصَرْف معاليم الْمُسْتَحقّين مِنْهَا وإرصاد مَا بَقِي لمصَالح الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَنقش بذلك رخامة والصقت بحائط الصَّخْرَة الشَّرِيفَة تجاه قبَّة الْمِحْرَاب فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَمن حَسَنَات الْملك الْأَشْرَف بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف الْمُصحف الشريف الَّذِي وَضعه بداخل الْجَامِع تجاه الْمِحْرَاب بِإِزَاءِ دكة المؤذنين وَهُوَ مصحف كَبِير عَظِيم أهدي اليه بِدِمَشْق حِين سَافر الى آمد فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة فجهزه صُحْبَة خازنداره الى الْقُدس الشريف ووقف عَلَيْهِ جِهَة للقارئ وَالْخَادِم وَشرط النّظر لمن يكون شيخ الْمدرسَة الصلاحية بالقدس الشريف وَقرر فِي الْقِرَاءَة فِيهِ الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن قطلوبغا الرَّمْلِيّ الْمقري وَكَانَ من الْقُرَّاء الْمَشْهُورين فِي الْحِفْظ وَحسن الصَّوْت وَله محَاسِن كَثِيرَة توفّي رَحمَه الله يَوْم السبت ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثممانمائة وَولي بعده وَلَده الْعَزِيز يُوسُف وخلع وَولي بعده الْملك الظَّاهِر وَهُوَ أَبُو سعيد جقمق العلائي الظَّاهِرِيّ نِسْبَة الى الْملك الظَّاهِر برقوق تسلطن وَجلسَ على سَرِير الْملك تَاسِع عشر شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد وَكَانَ الظَّاهِر على قدم عَظِيم من الصيانة والديانة والعفة والشجاعة ومحبة الْعلمَاء وأنعم على الوقفين الْقُدس والخليل فِي زمن شمس الدّين الْحَمَوِيّ الظَّاهِرِيّ

النَّاظر بمبلغ الفي دِينَار وَخَمْسمِائة دِينَار ذَهَبا وَمِائَة وَعشْرين قِنْطَارًا من الرصاص برسم الْعِمَارَة ثمَّ فِي أَيَّام القَاضِي أَمِين الدّين عبد الرَّحْمَن الديري أنعم بِمِائَة وَعشْرين غراره من الْقَمْح الْقيمَة عَنْهَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وسِتمِائَة دِينَار وَلما توفّي ابْن الديري تحمل على الْوَقْف ثمن أغلال فأنعم بتوفية الثّمن وَهُوَ أَرْبَعَة آلَاف وَسَبْعمائة دِينَار وَكَانَ فِي أَيَّامه نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين بالقدس الشريف والخليل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام القَاضِي عز الدّين خَلِيل السخاوي وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ نظام الْحَرَمَيْنِ الشريفين ورتب فيهمَا الْوَظَائِف وَكَانَ المؤذنون قبل ذَلِك نوبتين فزادهما نوبَة ثَالِثَة وَعمر الاوقاف ونماها وَكَانَ سماط سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يعْمل فِيهِ لَيْلَة الْجُمُعَة الْأرز المفلفل وَالْحب رمان والعدس فِي كل يَوْم وَفِي الأعياد تعْمل الْأَطْعِمَة المفتخرة وَفِي أَيَّامه - أَعنِي الْملك الظَّاهِر - فِي شهر رَجَب سنة احدى وَخمسين وَثَمَانمِائَة حرق جَانب من سقف الصَّخْرَة الشَّرِيفَة بصاعقة نزلت من السَّمَاء وَدخلت من بَاب الصَّخْرَة القبلي فاحرقت بعض السّقف من جِهَة الغرب من جَانب الْقبَّة وَاجْتمعَ النَّاس لاطفاء الْحَرِيق فَحصل بذلك ضجة عَظِيمَة وَيُقَال ان الْحَرِيق لم يكن بصاعقة وَإِنَّمَا بعض اولاد الاكابر دخل بَين السّقف ليتصيد طيورا من الْحمام وَمَعَهُ شمعة موقودة فتعلقت النَّار من ضوء الشمعة فِي الْخشب فَكَانَ سَببا للحريق وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال ثمَّ عمر السّقف بِأَحْسَن مِمَّا كَانَ وَمن حَسَنَات الْملك الظَّاهِر الْمُصحف الشريف الَّذِي وَضعه بالصخرة الشَّرِيفَة تجاه الْمِحْرَاب ورتب لَهُ قَارِئًا وَهُوَ مَوْجُود الى عصرنا ورسم بابطال الْمَظَالِم من الْقُدس الشريف وَنقش بذك بلاطة والصقت بحائط الْمَسْجِد الغربي عِنْد بَاب السلسلة وَفِي أَيَّامه جهز خَاص كيا اسْمه اينال باي وَكَانَ السَّاعِي فِي أمره الشَّيْخ مُحَمَّد المشمر أحد جمَاعَة الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن ارسلان فَحَضَرَ الى الْقُدس الشريف بمرسوم الْملك الظَّاهِر بالكشف على الديورة وبهدم مَا استجد بدير صهيون وَغَيره وانتزاع

قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام من أَيدي النَّصَارَى فهدم الْبناء المستجد بصهيون وَأخرج قبر دَاوُد من أَيدي النَّصَارَى ونبشت عِظَام الرهبان المدفونين بِالْقربِ من قبر السَّيِّد دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر جمادي الْآخِرَة سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَفِي تِلْكَ السّنة وَقع الْبَطْش فِي النَّصَارَى وَأخرج الْمَسْجِد من دير السريان وَسلم للشَّيْخ مُحَمَّد المشمر وَصَارَ زَاوِيَة وَهدم الْبناء المستجد بِبَيْت لحم وبالقمامة وَقلع الدرابزين الْخشب المستجد بالقمامة وَأخذ الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِالتَّكْبِيرِ والتهليل وكشف جَمِيع الديورة وَهدم جَمِيع مَا استجد بهَا وَكَانَ ذَلِك فِي أَوَاخِر عمر السُّلْطَان فختم الله أَعماله بالصالحات وَإِزَالَة الْمُنْكَرَات وَسَنذكر مَا وَقع فِي أَمر قبر دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وصهيون فِي عصرنا فِيمَا بعد فِي تَرْجَمَة الْملك الْأَشْرَف قايتباي فِي حوادث سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَتُوفِّي الْملك الظَّاهِر فِي لَيْلَة يسفر صباحها عَن يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّالِث من صفر سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى صَلَاة الْغَائِب فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر صفر وَتُوفِّي بعد أَن خلع نَفسه من الْملك وعهد الى وَلَده الْملك الْمَنْصُور أبي السعادات عُثْمَان وَاسْتقر بعده فِي الْملك ثمَّ خلع وَولي بعده السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف اينال وَهُوَ أَبُو النَّصْر أينال الناصري نسبته الى النَّاصِر فرج بن برقوق وَاسْتقر فِي السلطنة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن ربيع الأول سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله أَبُو الْبَقَاء حَمْزَة وَولي نظ الْحَرَمَيْنِ الشريفين فِي السّنة الْمَذْكُورَة الْأَمِير عبد الْعَزِيز الْعِرَاقِيّ الْمَشْهُور بِابْن المعلاق فَحصل للأوقاف والمستحقين مَا لم يحصل لَهُم قبل ذَلِك من الْعِمَارَة وَصرف المعاليم كَامِلَة من غير قطع وَلَا محاصصة واقام نظام السماط الْكَرِيم الخليلي وَمن حَسَنَات الْملك الْأَشْرَف اينال الْمُصحف الشريف الَّذِي وَضعه بِالْمَسْجِدِ

الْأَقْصَى بِالْقربِ من جَامع عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ تجاه الشباك المطل على عين سلوان ورتب لَهُ قَارِئًا ووقف عَلَيْهِ جِهَة وكسى الأضرحة الشَّرِيفَة وَهِي ضريح سيدنَا الْخَلِيل وَأَوْلَاده وَسَيِّدنَا مُوسَى الكليم وَسَيِّدنَا لوط وَسَيِّدنَا يُونُس عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام الستور المزركشة وجهزها على يَد زوج ابْنَته بردبك الدويدار الثَّانِي وَحصل مِنْهُ صدقَات وإسحان وأنعم الْأَشْرَف اينال على جِهَة الوقفين بِأَلف ومائتي أردب قَمح الْقيمَة عَنْهَا أَرْبَعَة آلَاف دِينَار وَثَمَانِية دَنَانِير وَعمر الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي أَيَّامه وَتُوفِّي فِي تَاسِع جمادي الأولى سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بعد أَن خلع نَفسه من الْملك وعهد الى وَلَده الْملك الْمُؤَيد أَحْمد وَاسْتقر بعده فِي الْملك ثمَّ خلع وَولي السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر خشقدم هُوَ أَبُو سعيد خشقدم المؤيدي من عُتَقَاء الْمُؤَيد شيخ اسْتَقر فِي السلطنة يَوْم الْأَحَد ثامن عشر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المستنجد بِاللَّه ابو المظفر يُوسُف وَمن حَسَنَاته بالقدس الشريف عمَارَة قناة السَّبِيل الْوَاصِلَة الى الْقُدس الشريف من عين العروب وَعمارَة الْبركَة الشرقية من بركتي المرجيع وَكَانَت الْعِمَارَة على يَد الْأَمِير دولات وَكَانَ باي الخاصكي جهز الى الْقُدس الشريف اهتم بعمارته واقام فِي ذَلِك اعظم قيام وأنعم الظَّاهِر خشقدم على جِهَة الْوَقْف الخليلي بستين غرارة قَمح الْقيمَة عَنْهَا ثَمَانمِائَة واربعون دِينَارا وجدد عمَارَة رُخَام الْمَسْجِد الجاولي بالخليل فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بِمُبَاشَرَة الْأَشْرَف نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْهمام نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَله فِي الصَّخْرَة الشَّرِيفَة مصحف كَبِير وَضعه بِإِزَاءِ مصحف الْملك الظَّاهِر جقمق من جِهَة الغرب وَفِي أَيَّامه ولي الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن الْهمام نظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ثمَّ عزل وَولي بعده الْأَمِير حسن الظَّاهِرِيّ وَهُوَ الَّذِي بنى الْمدرسَة بجوار بَاب السلسلة برسم الْملك الظَّاهِر خشقدم وَآل امرها الى مَوْلَانَا الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَكَانَ

من خَبَرهَا مَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ الظَّاهِر خشقدم رسم بِإِبْطَال الْمَظَالِم من الْقُدس الشريف وَنقش بذلك رخامتين وجهزهما الى الْقُدس الشريف فِي أَوَاخِر عمره والصقتا بحائط الْمَسْجِد الْأَقْصَى من جِهَة الغرب وَتُوفِّي فِي حادي عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وتسلطن بعده الْملك الظَّاهِر بيلباي وَاسْتمرّ سنة وَخمسين يَوْمًا ثمَّ تسلطن الْملك الظَّاهِر تمر بغا وَاسْتمرّ سَبْعَة وَخمسين يَوْمًا وخلع وتسلطن مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَسَنذكر تَرْجَمته فِيمَا بعد كَمَا تقدم الْوَعْد بِهِ فِي اول الْكتاب وَالله حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل وَمِمَّنْ فعل الْآثَار الْحَسَنَة بالصخرة الشريفه من مُلُوك الرّوم السُّلْطَان مُرَاد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد بن السُّلْطَان بايزيد خَان رتب قراء يقرؤن لَهُ فِي الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فِي ربعَة شريفة بتاريخ ثامن عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَالسُّلْطَان ابراهيم بن السُّلْطَان مُحَمَّد بن قرمان رتب أَيْضا قراء يقرؤن لَهُ فِي ربعَة شريفة بتاريخ التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَغَيرهمَا من الْمُلُوك والأعيان رتبوا أسباعا تقْرَأ لَهُم ووقفوا أوقافا على مصَالح الْمَسْجِد الْأَقْصَى وخدمته طلبا لثواب الله تَعَالَى رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَأكْثر من فعل الْخَيْر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ومقام سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْمُلُوك السالفة الْملك الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق ثمَّ الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون رحمهمَا الله تَعَالَى وَقد ذكرت جَمِيع الْمُلُوك بالديار المصرية واولهم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب تغمده الله برحمته وَمن بعده الى عصرنا من غير إخلال باحد مِنْهُم غير من ذكرته من بني أَيُّوب من مُلُوك الشَّام وَغَيرهَا - كَمَا تقدم القَوْل فِي أول الْفَصْل - ولنذكر الْآن أَسمَاء الْعلمَاء فاقول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -

(ذكر ما تيسر من أعيان العلماء بالقدس الشريف وبلد سيدنا)

(ذكر مَا تيَسّر من أَعْيَان الْعلمَاء بالقدس الشريف وبلد سيدنَا) (الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَمن ولي فِيهَا المناصب الْحكمِيَّة والوظائف الدِّينِيَّة وَمن عرف بالزهد وَالصَّلَاح وَبَعض مَا وَقع فيهمَا من الْحَوَادِث وَالْأَخْبَار فأذكر طَائِفَة من الْمذَاهب الاربعة على حِدة ليسهل على الْمطَالع إِذا اراد الْكَشْف وَيقرب عَلَيْهِ الِاطِّلَاع فَكل من وقفت لَهُ على تَرْجَمَة أَو تَارِيخ مولد أَو وَفَاة ذكرت مَا تيَسّر من ذَلِك على وَجه الِاخْتِصَار وَاقْتصر فِي تَرْجَمَة الرجل على مَا عرف من محاسنه وأحواله المحمودة من غير تعرض الى شَيْء فِيهِ انتقاصه أَو مذمته فَإِن ذَلِك اثم لَا فَائِدَة فِيهِ وَقد اعْتمد هَذَا الْفِعْل الْقَبِيح غَالب المؤرخين وَهُوَ خطأ كَبِير وَلَا أرى فِي ذَلِك إِلَّا غيبَة للأموات يَأْثَم مرتكبها خُصُوصا فِي حق الْعلمَاء وطلبة الْعلم الشريف وَالله أعلم وَمن لم أطلع لَهُ على تَرْجَمَة ذكرت اسْمه وَالْعصر الَّذِي كَانَ فِيهِ مَوْجُودا إِن عَلمته فأبدأ أَولا بِذكر الْعلمَاء الشَّافِعِيَّة فاقول قد تقدم أَن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن ايوب تغمده الله برحمته كَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ الشَّافِعِيَّة بالديار المصرية وَولي مِنْهُم الْقُضَاة بعد أَن كَانَ الْقُضَاة بِمصْر شيعَة على مَذْهَب الفاطميين وَلما فتح الله بَيت الْمُقَدّس عليى يَدَيْهِ وقف الْمدرسَة الصلاحية - الْمُتَقَدّم ذكرهَا - وَجعلهَا للشَّافِعِيَّة فأبدأ اولا بِمن ولى مشيختها فأذكر مشائخ الْمدرسَة الصلاحية واذكرهم على تَرْتِيب ولاتهم من زمن الْملك صَلَاح الدّين الى عصرنا فَأَقُول - وَالله الْمُوفق - قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام بهاء الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن رَافع ابْن تَمِيم الاسدي الْموصِلِي المولد والحلبي المنشأ الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن شَدَّاد ولد فِي لَيْلَة الاربعاء الْعَاشِر من شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي وَالِده وَهُوَ

صَغِير السن فَنَشَأَ عِنْد أَخْوَاله بني شَدَّاد وَنسب اليهم وَكَانَ شَدَّاد دده لأمه وَكَانَ يكنى اولا أَبَا الْعِزّ ثمَّ غير كنيته وَجعلهَا ابا المحاسن وتفقه وَحصل وتفنن وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا وجيها فِي الدِّينَا وَكَانَ يشبه بِالْقَاضِي ابي يُوسُف فِي زَمَانه من نَفاذ الْكَلِمَة وسعة المَال وَحج الى بَيت الله الْحَرَام سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَهِي السّنة الَّتِي فتح الله فِيهَا بَيت الْمُقَدّس وزار الْقُدس والخليل بعد الْحَج وزيارة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واتصل بِخِدْمَة الْملك صَلَاح الدّين فِي مستهل جمادي الأولى سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وحظي عِنْده وولاه قَضَاء الْعَسْكَر وَبَيت الْمُقَدّس وَالنَّظَر على أوقافه - كَمَا تقدم ذكره - وَتوجه رَسُولا مِنْهُ الى الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد وفوض اليه تدريس الْمدرسَة الصلاحية وَجعل النّظر فِيهَا وَفِي اوقافها اليه وَنَصّ على ذَلِك فِي كتاب وَقفه وَقَالَ فِيهِ رِضَاء بأمانته واعتقادا فِي كِفَايَته واعتمادا على ديانته وَتقدم أَن تَارِيخ كتاب وَقفهَا فِي ثَالِث عشر شهر رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وصنف ابْن شَدَّاد للسُّلْطَان كتابا فِي فضل الْجِهَاد وَلما توفّي السُّلْطَان رَحل من الْقُدس بعد مُدَّة واتصل بولده الْملك الظَّاهِر غياث الدّين ابي الْفَتْح غَازِي صَاحب حلب وولاه قَضَاء حلب وَالنَّظَر على أوقافها وَعظم شَأْن الْفُقَهَاء فِي زَمَانه لعظم قدره وارتفاع مَنْزِلَته وَكَانَ ذَا صَلَاح وَعبادَة وَاجْتمعت الألسن على مدحه وَالثنَاء عَلَيْهِ وَهُوَ شيخ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان صَاحب التَّارِيخ وَقد اطنب فِي تَرْجَمته فِي وفيات الْأَعْيَان توفّي بحلب فِي نَهَار الاربعاء رَابِع عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بعد ان ظهر عَلَيْهِ اثر الْهَرم وَمن تصانيفه دَلَائِل الْأَحْكَام على النبيه فِي مجلدين وَكتاب الموجز الباهر فِي الْفِقْه وَكتاب ملْجأ الْحُكَّام فِي الْأَقْضِيَة فِي مجلدين وسيرة الْملك صَلَاح الدّين أَجَاد فِيهَا وَأفَاد رَحمَه الله شيخ الْإِسْلَام مجد الدّين طَاهِر بن نصر الله بن جهبل - بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء

الْمُوَحدَة - الْحلَبِي الشَّافِعِي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه والحساب والفرائض صنف للسُّلْطَان نور الدّين الشَّهِيد كتاب فِي فضل الْجِهَاد درس بحلب بالنورية قَالَ الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن شُهْبَة فِي تَرْجَمته فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة وَهُوَ أول من درس بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية بالقدس الشريف هُوَ وَالِد بني جهبل الْفُقَهَاء الدمشقيين توفّي بالقدس فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة عَن ارْبَعْ وَسِتِّينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى وَقد وهم بعض المؤرخين فِيهِ فَظَنهُ أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن المظفر بن الْحُسَيْن الدِّمَشْقِي وَذكر أَنه أول من درس بالصلاحية وَذكر تَارِيخ وَفَاته وَمِقْدَار عمره كَمَا هُنَا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن ذَلِك يعرف بِابْن زين النجار وَكَانَ مدرس الْمدرسَة الصلاحية الناصرية الْمُجَاورَة للجامع الْعَتِيق بِمصْر وَبِه تعرف الْمدرسَة ذكره السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى وأرخ وَفَاته فِي ذِي الْقعدَة سنة أحدى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فَاشْتَبَهَ الْحَال على بعض المؤرخين بِكَوْنِهِ مدرس الْمدرسَة الصلاحية بِمصْر فظنها الَّتِي بالقدس وَالله اعْلَم شيخ الْإِسْلَام فَخر الدّين أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي شيخ الشَّافِعِيَّة بِالشَّام ولد فِي رَجَب سنة خمسين وَخَمْسمِائة ولي تدريس الصلاحية بالقدس الشريف ثمَّ التقوية بِدِمَشْق فَكَانَ يُقيم بِدِمَشْق أشهرا وبالقدس اشهرا وَكَانَ لَا يَخْلُو لِسَانه عَن ذكر الله تَعَالَى فِي قِيَامه وقعوده وَكَانَ زاهدا عابدا ورعا مُنْقَطِعًا الى الْعلم وَالْعِبَادَة حسن الْخلق قَلِيل الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا مشتغل أَكثر اوقاته بنشر الْعلم كثير التهمد قَلِيل الْغَضَب مطرح للتكلف عرضت عَلَيْهِ مناصب وولايات دينية فَتَركهَا توفّي بِدِمَشْق فِي رَجَب سنة عشْرين وسِتمِائَة وَدفن بِطرف مَقَابِر الصُّوفِيَّة الشَّرْقِي رَحمَه الله

وَمن شعره خف اذا اصبحت ترجو وارج إِن اصبحت خَائِف كم اتى الدَّهْر بعسر فِيهِ لله لطائف شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين ابو عَمْرو عُثْمَان ابْن الامام البارع صَلَاح الدّين ابي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى بن أبي النَّصْر النصري - بالنُّون وَالصَّاد الْمُهْملَة - نِسْبَة الى جده ابي النَّصْر الشهرزوري الأَصْل الْموصِلِي المربي الدِّمَشْقِي الدَّار والوفاة الْمَشْهُور بِابْن الصّلاح ولد سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة بشهرزور وَسمع الْكثير من الْخَلَائق ولي التدريس بالصلاحية فَلَمَّا خرب الْمُعظم اسوار بَيت الْمُقَدّس قدم دمشق وَكَانَ الْعُمْدَة فِي زَمَانه على فَتَاوِيهِ وَكَانَ أحد فضلاء عصره فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وَكَانَ من الدّين وَالْعلم على قدم حسن واجهد نَفسه فِي الطَّاعَة وَالْعِبَادَة وَكَانَ عديم النظير فِي زَمَانه حسن الِاعْتِقَاد على مَذْهَب السّلف يرى الْكَفّ عَن التَّأْوِيل ويؤمن بِمَا جَاءَ من عِنْد الله وَرَسُوله على مرادهما وَلَا يَخُوض وَلَا يتعمق وَكَانَ كثير الْعِبَادَة كَبِير الهيبة يتأدب مَعَه السُّلْطَان فَمن دونه وَمن تصانيفه مُشكل الْوَسِيط فِي مُجَلد كَبِير نكت على مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة واكثرها فِي الرّبع الأول وَكتاب الْفَتَاوَى كثير الْفَائِدَة وعلوم الحَدِيث وَكتاب أدب الْمُفْتِي والمستفتي ونكت على الْمُهَذّب وفوائد الرحلة وَهِي أَجزَاء كَثِيرَة مُشْتَمِلَة على فَوَائِد غَرِيبَة من أَنْوَاع الْعُلُوم نقلهَا فِي رحلته الى خُرَاسَان عَن كتب غَرِيبَة وطبقات الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَاخْتَصَرَهُ النَّوَوِيّ واستدرك عَلَيْهِ وأهملا فِيهِ خلائق من الْمَشْهُورين فَإِنَّهُمَا كَانَا يتبعان التراجم الغريبة وَأما الْمَشْهُورَة فالحاقها فاخترمتهما الْمنية رَضِي الله عَنْهُمَا قبل اكمال الْكتاب وَشرح قِطْعَة من صَحِيح مُسلم اعتمدها النَّوَوِيّ فِي شَرحه وَله مصنفات على مسَائِل مُفْردَة توفّي رَحمَه الله بِدِمَشْق فِي حِصَار الخوارزمية فِي ربيع الآخر سنة ثَلَاث

واربعين وسِتمِائَة وَدفن بماقبر الصُّوفِيَّة وَمن مَشَايِخ الصلاحية بعد أبي عَمْرو ابْن الصّلاح القَاضِي محيي الدّين قَاضِي غَزَّة وَهُوَ الامام الْعَالم الْفَاضِل الْوَرع محيي الدّين أَبُو حَفْص عمر ابْن القَاضِي السعيد عز الدّين مُوسَى بن عمر الشَّافِعِي وَكَانَ مَوْجُودا مُتَوَلِّيًا قَضَاء غَزَّة وَمَا مَعهَا والأعمال الساحلية فِي شهور سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة وَكَانَ قَضَاء الْقُدس من مضافاته وَكَانَ يسْتَخْلف عَنهُ فِيهِ وَلم اطلع لَهُ على تَرْجَمَة وَلَا تَارِيخ وَفَاة وَولي بعده قَضَاء غَزَّة وتدريس الصلاحية الشَّيْخ جمال الدّين الباجربقي الْآتِي ذكره وَهُوَ شيخ الْإِسْلَام جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرحمان بن عُثْمَان الباجربقي - بِالْبَاء الْمُوَحدَة قبل الْقَاف - الْموصِلِي الامام الْمُفْتِي الزَّاهِد اشْتغل بالموصل وفاد ثمَّ قدم دمشق فِي سنة سبع وسعبين وسِتمِائَة فَخَطب بِجَامِع دمشق نِيَابَة ودرس بالمنجقية والدولقية وَحدث بِجَامِع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير عَن وَالِده عَن المُصَنّف وَفِي شهر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة ولاه القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان قَاضِي الممالك الشامية والحلبية الحكم بغزة وتدريس الصلاحية بالقدس عوضا عَن القَاضِي محيي الدّين قَاضِي غَزَّة - الْمُتَقَدّم ذكره - وَكَانَ شَيخا فَقِيها محققا نقالا مهيبا سَاكِنا كثير الصَّلَاة ملازما لشأنه حَافِظًا لِلِسَانِهِ منقبضا عَن النَّاس على طَريقَة وَاحِدَة وَله نظم ونثر وسجع وَوعظ وَقد نظم كتاب التَّعْجِيز وَعَمله برموز توفّي فِي شَوَّال سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة رَحمَه الله وَمِنْهُم الشَّيْخ نجم الدّين دَاوُد الْكرْدِي كَانَ مدرس الْمدرسَة الصلاحية نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَلم اطلع لَهُ على تَرْجَمَة وَولي بعده الشَّيْخ شهَاب الدّين بن جهبل - الَّاتِي ذكره - وَهُوَ شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ محيي الدّين ابْن يحيى بَان الشَّيْخ الامام تَاج الدّين اسماعيل ابْن طَاهِر ابْن نصر الله ابْن جهبل الْحلَبِي الأَصْل الدِّمَشْقِي المنشأ

ولد سنة سبعين وسِتمِائَة وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء وفضلائهم وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة عين لتدريس الصلاحية عوضا عَن الشَّيْخ نجم الدّين دَاوُد الْكرْدِي - الْمُتَقَدّم ذكره - وسافر اليها بعد عيد الْأَضْحَى فِي أَوَاخِر السّنة ودرس بهَا مُدَّة ثمَّ تَركهَا فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وانتقل الى دمشق وتفوي بهَا فِي يَوْم الْخَمِيس بعد الْعَصْر التَّاسِع من جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بماقبر الصُّوفِيَّة شيخ الاسلام عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن أَيُّوب بن مَنْصُور الْمَقْدِسِي الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة البارع ولد فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة تَقْرِيبًا اشْتغل بالعوم وَسمع الحَدِيث وَكتب الْكثير من الْفِقْه وَالْعلم بِخَطِّهِ المتقن وَولي التدريس بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية بعد الشَّيْخ شهَاب الدّين بن جهبل فِي شهر ربيع الآخر سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَقد صَار عَالما كَبِيرا واشتغل عَلَيْهِ فضلاء بَيت الْمُقَدّس ثمَّ نزل عَن الصلاحية وَاسْتقر فِيهَا العلائي لأمور وَقعت وَفِي آخر عمره تغير وجف دماغه فِي سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَكَانَ اذا سمع عَلَيْهِ فِي حَال تغيره يحضر ذهنه وَكَانَ يستحضر الْعلم جيدا توفّي بالقدس الشريف فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان واربعين وَسَبْعمائة شيخ الاسلام صَلَاح الدّين ابو سعيد خَلِيل بن كبكلدي نبن عبد الله العلائي الدِّمَشْقِي ثمَّ الْمَقْدِسِي الإِمَام البارع الْمُحَقق بَقِيَّة الْحَافِظ ولد بِدِمَشْق فِي ربيع الأول سنة ارْبَعْ وستعين وسِتمِائَة وَسمع الْكثير ورحل وَبلغ عدَّة شُيُوخه بِالسَّمَاعِ سَبْعمِائة وَأخذ عَن مَشَايِخ الدُّنْيَا واجيز بالفتوى وجد واجتهد حَتَّى فاق أهل عصره ودرس بِدِمَشْق ثمَّ انْتقل الى الْقُدس مدرسا بالصلاحية سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة انتزعها من الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن أَيُّوب - الْمَذْكُور قبله - واضيف اليه درس الحَدِيث بالتنكزية بالقدس الشريف وَحج مرَارًا

وَأقَام بالقدس مُدَّة طَوِيلَة يدرس ويفتي وبحدث ويصنف الى آخِره عمره وَمن تصانيفه الْقَوَاعِد مَشْهُورَة ووهو كتاب نَفِيس يشْتَمل على علمي الاصول وَالْفُرُوع والوشى الْمعلم فِيمَن روى عَن ابيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُجَلد وعقيلة الطَّالِب فِي ذكر أشرف الصِّفَات والمناقب فِي مُجَلد لطيف وَجمع الاحاديث الْوَارِدَة فِي زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمراسيل وَالْكَلَام على حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ فِي مُجَلد ومنحة الرائض بعلوم آيَات الْفَرَائِض وَكتاب فِي المدلسين وَكتاب سَمَّاهُ تَنْقِيح الْمَفْهُوم فِي صِيغ الْعُمُوم وَشرع فِي أَحْكَام كبرى علق مِنْهَا قِطْعَة نفيسة وَغير ذَلِك من المصنفات النفيسة المحررة توفّي بالقدس الشريف فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن بمقبرة بَاب الرَّحْمَة الى جَانب سور الْمَسْجِد وَنزل عَن الصلاحية لزوج ابْنَته الشَّيْخ تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي عَلامَة الزَّمَان فَلم يتم لَهُ ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم ابْن الْخَطِيب زين الدّين أبي مُحَمَّد عبد الرَّحِيم ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن ابراهيم ابْن سعد الله ابْن جمَاعَة الْكِنَانِي قَاضِي مصر وَالشَّام وخطيب الخطباء وَشَيخ الشُّيُوخ وكبير طَائِفَة الْفُقَهَاء وَبَقِيَّة رُؤَسَاء الزَّمَان ولد بِمصْر فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَقدم دمشق صَغِيرا فَنَشَأَ عِنْد اقاربه بالمزة وَسمع وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ واشتغل فِي فنون الْعلم وَتُوفِّي وَالِده وَهُوَ صَغِير فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فَكتب خطابة الْقُدس باسمه واستنيب لَهُ مُدَّة ثمَّ بَاشر بِنَفسِهِ وَهُوَ صَغِير وَانْقطع بِبَيْت الْمُقَدّس ثمَّ أضيف اليه تدريس الصلاحية بعد وَفَاة العلائي ثمَّ خطب الى قَضَاء الديار المصرية فِي جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسبعين وباشر بنزاهة وعفة وديانة وَحُرْمَة وعزل نَفسه فَسَأَلَهُ السُّلْطَان وترضاه حَتَّى عَاد ثمَّ عزل نَفسه ثَانِيًا وَعَاد الى الْقُدس على وظائفه ثمَّ أُعِيد الى الْقَضَاء بِمصْر ثمَّ عزل نَفسه وَعَاد الى الْقُدس ثمَّ ولي قَضَاء دمشق والخطابة بهَا وأضيف اليه مشيخة الشُّيُوخ

وَكَانَ محببا الى النَّاس وَلم يكن اُحْدُ يدانيه فِي سَعَة الصَّدْر وَكَثْرَة الْبَذْل وَقيام الْحُرْمَة والصدع بِالْحَقِّ وردع أهل الْفساد وَله مجاميع وفوائد بِخَطِّهِ وَجمع تَفْسِيرا فِي نَحْو عشر مجلدات وَكَانَ لَا ينظر باحدى عَيْنَيْهِ وَقد أخْبرت أَنه الَّذِي عمر الْمِنْبَر الرخام بالصخرة الشَّرِيفَة الَّذِي يخْطب عَلَيْهِ للعيد وَأَنه كَانَ قبل ذَلِك من خشب يحمل على عجل توفّي شبه الْفجأَة فِي شعْبَان سنة تسعين وَسَبْعمائة وَدفن بتربة اقاربه بالمزة ظَاهر دمشق رَحمَه الله تَعَالَى وَولي بعده تدريس الصلاحية وخطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَلَده محب الدّين أَحْمد وَهُوَ دون الْبلُوغ وناب عَنهُ ابْن عَمه شيخ الْإِسْلَام نجم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن الْخَطِيب برهَان الدّين إِبْرَاهِيم ابْن الشَّيْخ زين الدّين أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ برهَان الدّين ابراهيم بن سعد الله ابْن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي ومولده بحماه سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ نَائِبا عَن ابْن عَمه قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ابْن جمَاعَة فِي الخطابة وتدريس الصلاحية مُدَّة طَوِيلَة وفوض اليه نظرها وتدريسها وَكتب فِي توقيع وَلَده قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ان ولد عَمه الشَّيْخ نجم الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة يكون نَائِبا عَنهُ فِي حَيَاته مُسْتقِلّا بعد وَفَاته وَكَانَ صَالحا ناسكا كثير الْعِبَادَة أخبر عَنهُ بعض خدام الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَنه كَانَ يخرج فِي اللَّيْل من دَار الخطابة هُوَ وَزَوجته فيصليان بِجَامِع النِّسَاء طول اللَّيْل فَإِذا قرب الشعل دخلا وَهُوَ الَّذِي قلع عين قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة وهما صغيران يلعبان من شقّ الْبَاب فَلَمَّا توفّي قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة وَاسْتقر بعده فيهمَا وَلَده محب الدّين بَاشر نِيَابَة عَنهُ الى أَن توفّي محب الدّين فِي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة فَتوجه الشَّيْخ نجم الدّين الى الْقَاهِرَة ليسعى فِي الوظيفتين لنَفسِهِ فرسم لَهُ بهما ووليهما

فَتوفي فِي الْقَاهِرَة قبل خُرُوجه مِنْهَا فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَبُو عِيسَى أَحْمد بن القَاضِي شرف الدّين عِيسَى بن مُوسَى العامري الْأَزْرَقِيّ الكركي الشَّافِعِي ولد بالكرك فِي شعْبَان سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة واشتغل بهَا وَحفظ الْمِنْهَاج قَرَأَ على وَالِده وَغَيره وَكَانَ أَبوهُ من تلاميذ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَمَات فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ورحل الى الشَّام والقاهرة فِي طلب الحَدِيث وَأخذ عَن جمَاعَة وَولي قَضَاء الكرك بعد وَالِده وَعظم قدره وَصَحب الْملك الظَّاهِر برقوق حِين سجن بالكرك فَلَمَّا عَاد الى السلطنة ولاه قَضَاء الديار المصرية عوضا عَن بدر الدّين ابْن أبي الْبَقَاء فباشر بصرامة وانفاذ للحق وَحكم بِالْعَدْلِ ثمَّ صرف عَن الْقَضَاء فِي ثامن الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة ثمَّ اسْتَقر فِي تدريس الْمدرسَة الصلاحية وخطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وإمامته فِي سَابِع عشر رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَتُوفِّي فِي صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة سادس عشري ربيع الأول سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة وَدفن بِمَا ملا عِنْد الشَّيْخ أبي بكر الْموصِلِي رَحمَه الله شيخ الاسلام شمس الدّين أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْجَزرِي الدِّمَشْقِي الْمقري الشَّافِعِي مولده فِي لَيْلَة السبت سادس عشر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة اعتنى بالقراآت فأتقنها وَمهر فِيهَا وَله مصنفات جليلة مِنْهَا كتاب النشر فِي القراآت الْعشْر ونظم الْعشْرَة وذيل على طَبَقَات الْقُرَّاء للذهبي والحصن الْحصين فِي الادعية والأذكار والتوضيح فِي شرح المصابيح وَغير ذَلِك وَجَمِيع مصنفاته مفيدة نافعة وَعين لقَضَاء الشَّام فَلم يتم لَهُ ذَلِك ولي تدريس الصلاحية بعد الشَّيْخ نجم الدّين بن جمَاعَة - الْمُتَقَدّم ذكره - وَأقَام بهَا نَحْو السّنة ثمَّ توجه من الْقُدس الى بِلَاد الرّوم ثمَّ سَار الى بِلَاد فَارس وَولي قَضَاء شيراز وَحضر الى الْقَاهِرَة

سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة ثمَّ سَافر رَسُولا من سُلْطَان مصر الى سُلْطَان شيراز فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَتُوفِّي بشيراز نَهَار عيد الاصحى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة رَضِي الله عَنهُ ورحمه الشَّيْخ الْعَلامَة زين الدّين أَبُو بكر بن عمر بن عَرَفَات القمني الْمصْرِيّ الخزرجي اصله من قمن من الرِّيف وَقدم مصر واشتغل على الشَّيْخ سراج الدّين البُلْقِينِيّ وَغَيره وَلما سَافر الشَّيْخ شمس الدّين الْجَزرِي الى بِلَاد الرّوم ولي تدريس الْمدرسَة الصلاحية عوضا عَنهُ فِي سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة واستمرت بِيَدِهِ مُدَّة وَهُوَ مُقيم بِالْقَاهِرَةِ واستناب الشَّيْخ شهَاب الدّين بن الهائم فِيهَا وَاسْتمرّ الامر على ذَلِك الى حُدُود سنة عشر وَثَمَانمِائَة وَولي نوروز نَائِب الشَّام فِيهَا شخصا كَانَ مشد الدَّوَاوِين عِنْده يُسمى بدر الدّين مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود وَلم يخرج من الشَّام فَسمع ابْن الهائم فَبعث يسْعَى لنَفسِهِ وَسكت الشَّيْخ زين الدّين القمني عَنهُ فِي ذَلِك لما بلغه ان الْغَيْر استطال لَهَا وَقَالَ أَنْت أَحَق بهَا من غَيْرك توفّي القمني فِي ثَالِث عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة شَهِيدا بالطاعون وَقد قَارب الثَّمَانِينَ أَو جاوزها وَكَانَت لَهُ جَنَازَة عَظِيمَة مَشْهُورَة رَحمَه الله شيخ الاسلام شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عماد الدّين بن عَليّ الْمصْرِيّ ثمَّ الْمَقْدِسِي الْمَشْهُور بِابْن الهائم ولد سنة ثَلَاث أَو سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة اشْتغل بِالْقَاهِرَةِ وَمهر فِي الْفَرَائِض والحساب وَلما ولي القمني تدريس اصلاحية أحضرهُ الى الْقُدس واستنابه فِي التدريس وَصَارَ من شُيُوخ المقادسة ثمَّ اسْتَقل بتدريس الصلاحية وَاسْتمرّ الى أَن جَاءَ الشَّيْخ شمس الدّين الْهَرَوِيّ من هراة وَكَانَ حنفيا فَرَأى هَذِه الْوَظِيفَة ومعلومها وَلم ير للحنفية شَيْئا فسعى فِيهَا وَأَخذهَا من ابْن الهائم

ثمَّ سعى ابْن الهائم جهده حَتَّى اشركوا بَينهمَا فِي سنة اربعة عشر وَولي الْأَمِير نوروز نَائِب الشَّام الِاثْنَيْنِ وَجمع ابْن الهائم فِي الْفَرَائِض والحساب تصانيف وَله العجالة فِي اسْتِحْقَاق الْفُقَهَاء أَيَّام البطالة وَكَانَ قد نَشأ لَهُ ولد نجيب اسْمه محب الدّين كَانَ نادرة الدَّهْر فَتوفي قبله فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَانمِائَة فصر واحتسب وَكَانَت لَهُ محَاسِن كَثِيرَة وَعِنْده ديانَة متينة وَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ولكلامه وَقع فِي الْقُلُوب توفّي بالقدس الشريف فِي شهر رَجَب سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وقبره مَشْهُور رَحمَه الله تَعَالَى قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَطاء الله بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الأَصْل من ذُرِّيَّة الْفَخر الرَّازِيّ وَكَانَ يقْتَصر عَلَيْهِ الْهَرَوِيّ ثمَّ الْمَقْدِسِي الامام الْعَلامَة ولد بهراة فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة واشتغل بِالْعلمِ ببلاده ثمَّ دخل بِلَاد الشَّام غير مرّة وَسكن الْقُدس فَأكْرمه الْأَمِير نوروز نَائِب الشَّام وفوض اليه تدريس الصلاحية بالقدس سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة ودرس بهَا وتصدى للأخذ عَنهُ ثمَّ ولي قَضَاء الديار المصرية من قبل الْملك الْمُؤَيد عَن الشَّيْخ جلال الدّين البُلْقِينِيّ ثمَّ ولي نظر الْقُدس والخليل وتدريس الصلاحية وَغَيرهَا ثمَّ ولي من الأشِرف برسباي كِتَابَة السِّرّ بالديار المصرية مُدَّة يسيرَة ثمَّ الْقَضَاء عَن شيخ الاسلام ابْن حجر مُدَّة يسيرَة ثمَّ رَجَعَ الى الْقُدس على تدريس الصلاحية وَحج فِي تِلْكَ السّنة وَعَاد الى الْقُدس وَأقَام بِهِ ملازما للاشتغال وَالْفَتْوَى والتصنيف وَكَانَ إِمَامًا عَالما رَئِيسا مهابا حسن الشكالة ضخما لين الْجَانِب على مَا فِيهِ من طبع الاعاجم وَكَانَ يقْرَأ المذهبين مَذْهَب ابي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ صنف شرح مُسلم وَشرح تَلْخِيص الْجَامِع للحنفية فَإِنَّهُ لما دخل الى الْقُدس كَانَ حنفيا قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت الرياسة بِهَذِهِ الْبِلَاد للشَّافِعِيَّة صرت شافعياً وانتزع من الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن الهائم تدرس الصلاحية بجاه نوروز وَتخرج بِهِ جمَاعَة بِبَيْت الْمُقَدّس

توفّي بالقدس فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا بالبسطامية وَكَانَ شرع فِي بِنَاء الْمدرسَة فَلم يُتمهَا فأكملها القَاضِي عبد الباسط وَهِي الْمَشْهُورَة يَوْمئِذٍ بالباسطية عِنْد بَاب الدويدارية أحد ابواب الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَشرط عبد الباسط فِي وَقفه على الصُّوفِيَّة اذا فرغوا من الْحُضُور قِرَاءَة الْفَاتِحَة وإهداء ثَوَابهَا فِي صَحَائِف الْهَرَوِيّ شيخ الاسلام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الدَّائِم بن مُوسَى الْعَسْقَلَانِي الاصل الْبرمَاوِيّ الْمصْرِيّ الشَّيْخ الامام الْعَالم المتفنن مولده فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة أَخذ عَنهُ أَئِمَّة الاسلام وَفضل وتميز وَحج من مصر سنة ثَمَان وَعشْرين وجاور بِمَكَّة وَرجع الى مصر فِي سنة ثَلَاثِينَ وَقد عين لتدريس الصلاحية ونظرها بمساعدة القَاضِي نجم الدّين بن حجر فجَاء الى الْقُدس فَأَقَامَ يَسِيرا وتعلل وَمَات فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شهر جمادي الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ يَقُول فِي مَرضه عِنْدَمَا عِشْنَا متْنا فَإِنَّهُ كَانَ فَقِيرا فَلَمَّا اسْتَقر فِي هَذِه الْوَظِيفَة وَحصل لَهُ سَعَة الرزق ادركته الْمنية وَدفن بمقبرة ماملا عِنْد الشَّيْخ أبي عبد الله الْقرشِي وَكتب شرحا على البُخَارِيّ وَلم يبيضه وَجمع شرحا على الْعُمْدَة سَمَّاهُ جمع الْعدة لفهم الْعُمْدَة وافرد أَسمَاء رجال الْعُمْدَة وَله الألفية فِي الاصول وَشَرحهَا وَله منظومة فِي الْفَرَائِض وَشرح خطْبَة الْمِنْهَاج للنووي فِي مُجَلد كَبِير ونظم ثلاثيات البُخَارِيّ وَغير ذَلِك رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ نزل عَن تدريس الصلاحية للخطيب جمال الدّين ابْن جمَاعَة وَحكم بذلك القَاضِي شهَاب الدّين ابْن عوجان الْمَالِكِي فِي ظهر كتاب الْوَقْف فَلم يفد ذَلِك كَمَا وَقع للعلائي وَاسْتقر فِيهَا الشَّيْخ عز الدّين الْمَقْدِسِي وَسَنذكر تَرْجَمته فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَاسْتمرّ الشَّيْخ عز الدّين بهَا إِلَى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن الصّلاح

مُحَمَّد بن عُثْمَان الاموي الْمصْرِيّ الْمَشْهُور بِابْن المجمرة الامام الْعَالم الْعَلامَة الْجَامِع بَين اشتات الْعُلُوم بَقِيَّة الْعلمَاء الأجلاء مولده فِي صفر سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة سمع الْكثير وَكتب الطباق والأجزاء وخطه حسن حُلْو وَأخذ عَن مَشَايِخ الاسلام وتفنن ودرس وَأفْتى وناب فِي الْقَضَاء وَحج وجاور ثمَّ ولي قَضَاء دمشق مسؤلا فِي ذَلِك فِي جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وباشر بعفة وَسَار سيرة مرضية وعزل فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَرجع الى بَلَده ثمَّ فِي آخر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ ولي تدريس الصلاحية عوضا عَن الشَّيْخ عز الدّين الْمَقْدِسِي وَأقَام بهَا الى أَن توفّي فِي سنة اربعين وَكَانَ شكلا حسنا فَاضلا حسن المحاضرة لطيف المفاكهة يكْتب على الْفَتَاوَى كِتَابَة مليحة وَله أوراد من صَدره وَذكر وَغَيرهمَا توفّي نَهَار السبت سادس عشر ربيع الآخر سنة اربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَخلف دنيا طائلة رَحمَه الله شيخ الْإِسْلَام رحْلَة الْآفَاق والمحقق على الاطلاق عز الدّين بن عبد السَّلَام بن دَاوُد بن عُثْمَان بن عبد السَّلَام السَّعْدِيّ الْمَقْدِسِي مولده بقرية كفر المَاء من عجلون فِي سنة إِحْدَى اَوْ اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة وَحفظ كتبا من فنون شَتَّى واشتغل وَحصل وبرع فِي الْعُلُوم وارتحل واشتغل وناظر الفحول وَقدم الْقُدس وَتوجه الى دمشق وَسمع الْكثير وَأَجَازَهُ جمَاعَة ودرس وَأفْتى وَحدث وَحج الى بَيت الله الْحَرَام واستنابه الْجلَال البُلْقِينِيّ فِي الحكم بالديار المصرية فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَولي تدريس الصلاحية فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بعد الْبرمَاوِيّ ثمَّ عزل بقاضي الْقُضَاة شهَاب الدّين ابْن المحمرة الْمَذْكُور قبله فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ وَليهَا بعده فِي سنة اربعين وَاسْتمرّ الى ان توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس شهر رَمَضَان سنة خمسين وَثَمَانمِائَة رَحمَه الله وَولي بعده شيخ الْإِسْلَام جمال الدّين ابْن جمَاعَة وَسَنذكر ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى

قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين أَبُو حَفْص عمر بن مُوسَى بن مُحَمَّد الْحِمصِي المَخْزُومِي الشَّافِعِي مولده تَقْرِيبًا فِي مباديء سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَقد رَأَيْت فِي طَبَقَات الحَدِيث مولده فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة بمدية حمص سمع الْحَافِظ ابْن الْجَزرِي وَأَجَازَهُ الْجلَال البُلْقِينِيّ والحافظ بن حجر وَكَانَ رجلا زكيا فصيحا ولي قَضَاء دمشق وَغَيرهَا ثمَّ ولي تدريس الصلاحية عوضا عَن الشَّيْخ جمال الدّين ابْن جمَاعَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ عزل وأعيد الشَّيْخ جمال الدّين وَولي الْحِمصِي تدريس الشفعي ثمَّ عزل بالشيخ شرف الدّين يحيى الْمَنَاوِيّ قَاضِي الْقُضَاة لما ولي هُوَ دمشق ثمَّ عزل وَقدم بَيت الْمُقَدّس وَأقَام بِهِ إِلَى أَن توفّي نَهَار الثُّلَاثَاء ثَانِي عشي صفر سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة بِقرب سَيِّدي شَدَّاد بن أَوْس الصَّحَابِيّ رَحمهَا الله تَعَالَى قَاضِي الْقُضَاة وَشَيخ الاسلام أحد الْأَئِمَّة العلام جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن الامام الْعَلامَة نجم الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْخَطِيب زين الدّين عبد الرحمان ابْن ابراهيم بن عبد الرحمان بن ابراهيم بن سعد الله ابْن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي من ولد مَالك بن كنَانَة مولده بِبَيْت الْمُقَدّس فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة نَشأ فِي عفة وصيانة وَانْقطع عَن النَّاس واشتغل فِي الْعُلُوم على الشَّيْخ شمس الدّين القرقشندي وَغَيره ورحل الى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن مشايخها وَمن أجل شُيُوخه شيخ الاسلام سراج الدّين البُلْقِينِيّ أَخذ عَنهُ الْعلم وَأذن لَهُ فِي الافتاء والتدريس ولازم الِاشْتِغَال ودرس وَأفْتى فَصَارَت الْفَتَاوَى تَأتي اليه من ضواحي الْقُدس وبلاد الصَّلْت وعلجون والكرك وَصَارَ مشارا اليه لعفته وديانته لم تضبط لَهُ صبوة قَلِيل الْكَلَام فِي الْمجَالِس بَاشر الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف فِي سنة تسع وَثَمَانمِائَة ثمَّ سعى عَلَيْهِ الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن القرقشندي فاشرك بَينهمَا ثمَّ ولي قَضَاء الشَّافِعِيَّة

بالقدس الشريف فِي خَامِس عشر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة فِي سلطنة النَّاصِر فرج بن برقوق وعزل نَفسه مرَارًا ثمَّ يسال ويعاد ثمَّ بعد وَفَاة القَاضِي نَاصِر الدّين البصروي ولي الْقَضَاء بالقدس الشَّرِيفَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَثَمَانمِائَة فباشر بعفة ونزاهة وصيانة وديانة الى أَن عزل بِابْن السابح فِي سنة ارْبَعْ واربعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ ولي تدريس الصلاحية فِي سنة خمسين وَثَمَانمِائَة بعد وَفَاة الشَّيْخ عز الدّين الْمَقْدِسِي وَكَانَ تقدم لَهُ تَفْوِيض من وَالِده لَيْلَة وَفَاته بِالْقَاهِرَةِ االمحروسة وَهُوَ صَغِير فِي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَكتب لَهُ إِشْهَاد بذلك ثمَّ فوض اليه الْبرمَاوِيّ فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة - كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته - فَلم يتم لَهُ ذَلِك إِلَّا فِي سنة خمسين وَثَمَانمِائَة فباشر على أحسن الْوُجُوه وحمدت سيرته وَاتفقَ ان بعض الحسدة أغرى الشَّيْخ سراج الدّين الْحِمصِي على السَّعْي عَلَيْهِ فبذل مَالا لبَعض مباشري السُّلْطَان وَطلب الشَّيْخ جمال الدّين الى مصر وَعقد لَهُ مجْلِس للمناظرة بَينه وَبَين الْحِمصِي فغيب الْحِمصِي وَاسْتمرّ الشَّيْخ جمال الدّين فِي المشيخة وأكرمه الظَّاهِر جقمق وَعَاد الى الْقُدس معاملا بالجميل ثمَّ سعى الْحِمصِي فِي المشيخة فاعطيها وباشر مُدَّة يسيرَة ثمَّ عزل واعيد الشَّيْخ جمال الدّين وَاسْتمرّ بهَا الى أَن توفّي وَكَانَ عِنْده ورع وَظَهَرت لَهُ كرامات وَكَانَ مجاب الدعْوَة توفّي بِمَدِينَة الرملة ضحى نَهَار الْجُمُعَة حادي عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَنقل الى الْقُدس الشريف فِي نَهَار السبت وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَدفن بتربة ماملا بجوار ابي عبد الله الْقرشِي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أرسلان وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم حضر جنَازَته شخص من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وتألم عَلَيْهِ رَحمَه الله وَلما ولي الخطابة عوضا عَن الْحَمَوِيّ بعد عَزله مدحه الْعَلامَة زين الدّين عبد الرَّحْمَن القرقشندي فَقَالَ وخطابة الْأَقْصَى محاسنها بَدَت لما أَتَاهَا ذُو الْجمال الباهي

واستبشر الْمِحْرَاب بعد أَن انحنى بِالْعودِ لما قَامَ عبد الله قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام خطيب الخطبا حَسَنَة اللَّيَالِي وَالْأَيَّام نجل الْعلمَاء نجم الدّين أَبُو الْبَقَاء مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ابي اسحاق ابراهيم بن القَاضِي جمال الدّين ابي مُحَمَّد عبد الله ابْن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي شَيخنَا الامام الْعَالم الْعَلامَة الحبر الفهمامة سبط قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام سعد الدّين الديري الْحَنَفِيّ مولده فِي أَوَاخِر صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَنَشَأ بِهِ وَهُوَ من بَيت علم ورياسة واشتغل بِالْعلمِ من صغره على جده وَغَيره ودأب وَحصل وَأخذ عَن الْعلمَاء وَفضل وَتعين فِي حَيَاة جده الشَّيْخ جمال الدّين وَأذن لَهُ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة بالافتاء والتدريس مشافهة حِين قدومه الى الْقُدس الشريف فتميز وَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس وساد على أقرانه وَلم تعلم لَهُ صبوة وباشر الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف فَلَمَّا توفّي جده شيخ الاسلام جمال الدّين كَانَ وَالِده قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين حِين ذَاك مُتَوَلِّيًا قَضَاء الشَّافِعِيَّة فَتكلم لَهُ فِي تدريس الصلاحة عبد الْملك الظَّاهِر خشقدم فأنعم لَهُ بذلك وَكتب لَهُ التوقيع بولايتها ثمَّ عَن للْقَاضِي برهَان الدّين أَن يكون التدريس لوَلَده الشَّيْخ نجم الدّين لاشتغاله هُوَ بِمنْصب الْقَضَاء وَالنَّظَر فِي أَحْوَال الرّعية فروجع السُّلْطَان فِي ذَلِك فاجاب وَولي الشَّيْخ نجم الدّين وَكتب توقيعه بذلك فباشرها أحسن مُبَاشرَة وَحضر مَعَه يَوْم جُلُوسه قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين ابْن الْعِمَاد الْحَنَفِيّ قَاضِي دمشق وَكَانَ فِي ذَلِك الْعَصْر بِبَيْت الْمُقَدّس جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء وشيوخ الاسلام الْمُعْتَمد عَلَيْهِم مِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدّين القرقشندي وَالشَّيْخ كَمَال الدّين بن أبي شرِيف وَأَخُوهُ الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَالشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الْمَقْدِسِي وَالشَّيْخ ماهر الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ برهَان الدّين العجلوني وَغَيرهم من الأماثل المعتبرين وَحضر غالبهم الدَّرْس واعادوا عِنْده وأثنوا عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا وَلم تزل الْوَظِيفَة بِيَدِهِ الى أَن توفّي وَالِده قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين فِي شهر

صفر سنة اثْنَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة فاستقر بعده فِي وَظِيفَة قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس وَاجْتمعَ لَهُ منصب الْقَضَاء وتدريس الصلاحية وخطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَذَلِكَ فِي دولة الظَّاهِر خشقدم فِي شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة فباشر الْقَضَاء بالقدس الشريف بعفة وصيانة ونزاهة مَعَ لين جَانب وَلم يلْتَمس على الْقَضَاء الدِّرْهَم الْفَرد حَتَّى تنزه عَن معاليم النظار مِمَّا يسْتَحقّهُ شرعا ثمَّ فِي أَوَاخِر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين صرف عَن تدريس الصلاحية وَقَضَاء الشَّافِعِيَّة وَاسْتقر فيهمَا قَاضِي الْقُضَاة غرس الدّين خَلِيل بن عبد الله أَخُو الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس الْمَقْدِسِي فَانْقَطع فِي منزله بِالْمَسْجِدِ يُفْتِي ويدرس ويشغل الطّلبَة ويباشر وَظِيفَة الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَقد عرضت عَلَيْهِ فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الققه وأجازني وَاسْتمرّ القَاضِي غرس الدّين إِلَى سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة فَوَقَعت حَادِثَة أوجبت عَزله وسنذكرها فِيمَا بعد فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف نَصره الله تَعَالَى فِي حوادث السّنة الْمَذْكُورَة وَاسْتقر بعده فِي تدريس الصلاحية شيخ الاسلام كَمَال الدّين ابْن ابي شرِيف وَسَنذكر تَرْجَمته فِيمَا بعد - كَمَا تقدم الْوَعْد بِهِ فِي أول الْكتاب - وَكَانَت ولَايَته فِي شهر صفر سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَاسْتمرّ بهَا الى سنة ثَمَان وَسبعين ثمَّ أُعِيد شيخ الْإِسْلَام النجمي ابْن جمَاعَة إِلَى تدريس اصلاحية فِي ربيع الآخر فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَوصل اليه التوقيع الشريف والتشريف السلطاني فِي جمادي الأولى وَقُرِئَ توقيعه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى حِين دُخُوله وَهُوَ لابس التشريف وَكَانَ يَوْم الْخَمِيس سَابِع جمادي الأولى وَلم يجر بذلك عَادَة لِأَن المصطلح قِرَاءَة التوقيع عقب صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ جلس للتدريس بعد ذَلِك وَحضر مَعَه خلق كثير وَكنت حَاضرا ذَلِك الْمجْلس فَقَرَأَ خطْبَة بليغة بالفاظ فائقة من مَعْنَاهَا أَن هَذِه الْوَظِيفَة كَانَت بِيَدِهِ وَخرجت عَنهُ فَمن الله بعودها وَالْعود أَحْمد ثمَّ تكلم على قَوْله تَعَالَى (وَلما فتحُوا مَتَاعهمْ وجدوا بضاعتهم ردَّتْ اليهم قالو يَا أَبَانَا مَا نبغي هَذِه بضاعتنا ردَّتْ

الينا) والقى درسا مطولا ثمَّ انْصَرف إِلَى منزله بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَالنَّاس فِي خدمته وَمن جُمْلَتهمْ الشَّيْخ سعد الله الْحَنَفِيّ إِمَام الصَّخْرَة الشَّرِيفَة ثمَّ تنزه عَن منصب الْقَضَاء فَلم يلْتَفت اليه بعد ذَلِك وَلم يكن بعده من الْقُضَاة من هُوَ فِي مَعْنَاهُ فِي الصّفة والحشمة ثمَّ تنزل عَن صِحَّته فِي الخطابة وانجمع عَن النَّاس فَلم يتَكَلَّم فِي شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا لفساد الزَّمَان وَله شرح على جمع الْجَوَامِع فِي الاصول سَمَّاهُ النَّجْم اللامع فِي شرح جمع الْجَوَامِع فِي مجلدين وَتَعْلِيق على الرَّوْضَة إِلَى اثناء الْحيض فِي ملجدات وَتَعْلِيق على المهاج فِي مجلدات وَلم يكمل والدر النظيم فِي أَخْبَار مُوسَى الكليم وَغير ذَلِك وَهُوَ مُسْتَمر فِي تدريس الصلاحية الى يَوْمنَا عَامله الله بِلُطْفِهِ وَختم لنا وَله بِخَير بمنه وَكَرمه (الْقَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل) (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) وَقد تقدم ذكر القَاضِي بهاء الدّين ابْن شَدَّاد الَّذِي ولاه الْملك صَلَاح الدّين قَضَاء بَيت الْمُقَدّس بعد الْفَتْح وَرَأَيْت أَيْضا على كتاب وقف الْمدرسَة الصلاحية خطّ القَاضِي الْمُثبت لَهُ واسْمه احْمَد بن عد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الْحباب وأرخ خطه بالحكم فِي تَاسِع عشري رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالظَّاهِر أَنه كَانَ نَائِبا عَن ابْن شَدَّاد وَالله أعلم فَإِن ابْن شَدَّاد كَانَ قَاضِيا فِي ذَلِك الْوَقْت بِلَا خلاف وَتقدم ذكر بعض الْقُضَاة من مَشَايِخ الْمدرسَة الصلاحية وَيَأْتِي ذكر بَعضهم أَيْضا فِي خطباء الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَقد كَانَ الْقُضَاة فِي الزَّمن السّلف بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والرملة ونابلس وَهَذِه الْمُعَامَلَة يوليهم قَاضِي دمشق وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك الى بعد الثَّمَانمِائَة ثمَّ صَار الْأَمر من الديار المصرية وَلم يكن

قَدِيما بالقدس الشريف سوى قَاض شَافِعِيّ فَقَط فَأول مَا تجدّد منصب قَضَاء الْحَنَفِيَّة فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ولي القَاضِي جمال الدّين الْحَنَفِيّ من الْملك الظَّاهِر برقوق ثمَّ تجدّد منصب الْمَالِكِيَّة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة فَوَلِيه القَاضِي جمال الدّين ابْن الشحاذة ثمَّ تجددمنصب الْحَنَابِلَة فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ فَوَلِيه القَاضِي عز الدّين قَاضِي الاقاليم وَكِلَاهُمَا بتولية النَّاصِر فرج بن برقوق وَسَنذكر ترجمتهم فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد ولي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جمَاعَة فَمنهمْ من اطَّلَعت على تَرْجَمته وتاريخ وَفَاته فأذكر من اطَّلَعت عَلَيْهِ على وَجه الِاخْتِصَار وَمِنْهُم من لم اطلع لَهُ على تَرْجَمَة وَإِنَّمَا عرفت اسْمه من اطلاعي على اسجاله فِي المستندات الشَّرْعِيَّة أَو غير ذَلِك فاذكر اسْمه وَالْعصر الَّذِي كَانَ مُتَوَلِّيًا فِيهِ وكل من رَأَيْت لَهُ فِي اسجاله قَاضِي الْقُضَاة أَو تَرْجَمَة بذلك أحد من المؤرخين كتبت لَهُ ذَلِك وَمن لم أر فِي اسجاله وَلَا فِي تَرْجَمته كتبت لَهُ القَاضِي فاقول - وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان - قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم بن عَم الشهرزوري الشَّافِعِي وَهُوَ الْمُثبت لكتاب وقف الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف حِين مُبَاشَرَته الحكم نِيَابَة عَن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين بن شَدَّاد فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشري رَمَضَان سنة تسعين وَخَمْسمِائة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو الْغَنَائِم سَالم بن يُوسُف بن صاعد الْبَاهِلِيّ الْحَاكِم بالقدس الشريف خلَافَة عَن قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين أبي الْعَبَّاس طَاهِر بن مُحَمَّد بن عَليّ الْقرشِي الْحَاكِم للدولة الْقَاهِرَة النَّبَوِيَّة الامامية المقدسة المكرمة العباسية الامام النَّاصِر لدين الله خَليفَة بَغْدَاد وَكَانَ مُتَوَلِّيًا مِنْهُ فِي سنة سبع وسِتمِائَة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو النَّصْر مُحَمَّد بن هبة الله بن يحيى بن بنْدَار بن مميل

بِفَتْح الْمِيم الاولى وَكسر الثَّانِيَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَآخره لَام - الشِّيرَازِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ولد سنة تسع واربعين وَخَمْسمِائة وَأَجَازَ لَهُ ابو الْوَقْت السَّحَرِيِّ وَغَيره وَسمع من جمَاعَة وَحدث بِمصْر والقدس ودمشق كَانَ مُتَوَلِّيًا بالقدس فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَقبلهَا نِيَابَة عَن قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين ابي الْمَعَالِي مُحَمَّد ابْن الزكي قَاضِي دمشق وَطَالَ عمره وَتفرد فِي زَمَانه ولي قَضَاء دمشق بعد الْقُدس وَكَانَ رَئِيسا نبيلا فَاضلا ماضي الْحُكَّام عديم الْمُحَابَاة يَسْتَوِي عِنْده الخصمان سَاكِنا وقورا يذهب غَالب زَمَانه فِي نشر الْعلم وإلقاء الدُّرُوس على اصحابه توفّي فِي جمادي الْآخِرَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة رَحمَه الله قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو البركات يحيى بن هبة الله بن الْحسن بن يحيى بن مُحَمَّد الثَّعْلَبِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن سي الدولة وَهُوَ لقب جده الْحسن ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة وتفقه على ابْن عصرون واشتغل بِالْخِلَافِ على القطب النَّيْسَابُورِي وَسمع من جمَاعَة وَولي قَضَاء الْقُدس من قبل قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد ابْن الزكي وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس من قبل قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين أبي الْعَبَّاس طَاهِر الْقرشِي وَكَانَ مُتَوَلِّيًا عَنهُ فِي سنة إِحْدَى وسِتمِائَة وَبعدهَا ولي قَضَاء دمشق وحمدت سيرته وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا مهيبا جَلِيلًا حدث بِمَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس وحمص وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة القَاضِي الامام سديد الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن صاعد بن السّلم الْقرشِي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سِتّ واربعين وسِتمِائَة قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابي الْغَنَائِم سَالم ابْن يُوسُف بن صاعد قَاضِي الْقُدس الشريف ونابلس كَانَ مُتَوَلِّيًا من أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعصم بِاللَّه آخر خلفاء بَغْدَاد فِي سنة خمسين وسِتمِائَة القَاضِي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن القَاضِي سديد الدّين أبي عبد الله

مُحَمَّد بن صاعد بن السّلم الْقرشِي الشَّافِعِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْقُدس الشريف من قبل القَاضِي شمس الدّين بن خلكان قَاضِي دمشق فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَبعدهَا القَاضِي صفي الدّين بن مُحَمَّد بن عبد الله بن يُوسُف ابْن مَكْتُوم الْقَيْسِي الشَّافِعِي ولي قَضَاء الْقُدس خلَافَة عَن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أبي المفاخر مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي قَاضِي دمشق وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سبعين وسِتمِائَة القَاضِي شهَاب الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن نَاصِر الانصاري الشَّافِعِي وَيعرف بِابْن العالمة ولد فِي سنة سِتّمائَة وَكَانَ من الْفُضَلَاء الادباء الْفُقَهَاء رَحل فِي طلب الْعلم وَولي قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَت أمه عَالِمَة كَبِيرَة الْقدر تحفظ الْقُرْآن وشيئا من الْفِقْه والخطب ولولدها اشعار مليحة روى عَنهُ وَلَده قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين قَاضِي حلب وَتُوفِّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة القَاضِي شرف الدّين مُوسَى بن جِبْرِيل الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف والرملة وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة نِيَابَة عَن القَاضِي محيي الدّين عمر بن مُوسَى بن عمر الشَّافِعِي الْحَاكِم بِمَدِينَة غَزَّة والاعمال الساحلية القَاضِي الامام الْعَلامَة تَاج الدّين أَبُو مُحَمَّد بن ابي حَامِد الجعبري الشَّافِعِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْقُدس الشريف فِي سنة احدى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة القَاضِي جلال الدّين ابو مُحَمَّد عبد الْمُنعم ابْن الشَّيْخ جمال الدّين ابي الْفرج ابي بكر بن رشيد الدّين ابي الْعَبَّاس أَحْمد الْخُزَاعِيّ الانصاري الشَّافِعِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْقُدس فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة قَاضِي الْقُضَاة صدر الْعلمَاء شهَاب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابي الْعَبَّاس أَحْمد بن خَلِيل بن سَعَادَة بن جَعْفَر الخويي الشَّافِعِي قَاضِي دمشق وَابْن قاضيها ولد فِي شَوَّال سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة بِدِمَشْق مَاتَ وَالِده وَله إِحْدَى عشرَة سنة فحفظ عدَّة كتب وَحدث ودرس بِمصْر وَالشَّام وَهُوَ شَاب ولي قَضَاء الْقُدس الشّرف فِي سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة ثمَّ ولي قَضَاء الْمحلة وبهنسة

ثمَّ قَضَاء حلب ثمَّ قَضَاء الديار المصرية ثمَّ نقل الى قَضَاء الشَّام وَكَانَ أحد الائمة الْفُضَلَاء كثير التَّوَاضُع حسن الْخلق شَدِيد الْمحبَّة لأهل الْعلم عَلامَة وقته وفريد عصره أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام جَامعا لفنون الْعلم صنف كتابا فِي مُجَلد كَبِير يشْتَمل على عشْرين فَنًّا من الْعلم وَشرح الْفُصُول لِابْنِ معطي ونظم عُلُوم الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح والفصيح لثعلب وكفاية المتحفظ وَشرح منن أول الملخص للقابسي خَمْسَة عشر حَدِيثا فِي مُجَلد توفّي يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَدفن عِنْد وَالِده بسفح قاسيون رحمهمَا الله تَعَالَى والخويي - بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْوَاو بعْدهَا ثمَّ الْيَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ الْيَاء أَيْضا آخر الْحُرُوف - وَهِي نِسْبَة الى خوى من اعمال اذربيجان القَاضِي جمال الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابي الْغَنَائِم سَالم بن يُوسُف ابْن صاعد بن السّلم الْقرشِي الشَّافِعِي ولي الحكم بالقدس الشريف ونابلس وفاقون وجنين وأعمالها من قبل قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن جمَاعَة الْحَاكِم بِدِمَشْق المحروسة وضواحيها والبلاد الشامية والحلبية من الْعَريش الى الْفُرَات كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَ يَنُوب عَنهُ أَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين مُوسَى رحمهمَا الله تَعَالَى القَاضِي شرف الدّين منيف بن سُلَيْمَان بن كَامِل السّلمِيّ الشَّافِعِي الامام الْعَالم الْعَامِل الصَّدْر الامام الْكَبِير قَاضِي بَيت الْمُقَدّس مولده فِي يَوْم الاربعاء الرَّابِع عشر من صفر سنة ثَلَاث واربعين وسِتمِائَة بزرع كَانَ مشكور السِّيرَة فَقِيها من اصحاب الشَّيْخ تَاج الدّين الْفَزارِيّ بَاشر قَضَاء الْقُدس الشريف وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَبعدهَا وَتُوفِّي لَيْلَة السبت ثَانِي عشر جمادي الاولى سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة

وَدفن بماملا عِنْد أبي عبد الله الْقرشِي القَاضِي فَخر الدّين عُثْمَان بن علم الدّين بن عَليّ الْهِلَالِي الشَّافِعِي قَاضِي بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وعشين وَسَبْعمائة القَاضِي نجم الدّين أَحْمد بن القَاضِي شمس الدّين مجمد بن القَاضِي جلال الدّين الانصاري الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف توفّي فِي شهر الْمحرم سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بماملا عِنْد القلندرية القَاضِي شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن القَاضِي جلال الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن جمال الدّين ابي الْفرج أبي بكر بن أَحْمد الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة خلَافَة عَن قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن صقرى الثَّعْلَبِيّ الشَّافِعِي قَاضِي دمشق والفتوحات الساحلية والعساكر المنصورة وَتُوفِّي فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بماملا عِنْد القلندرية القَاضِي نجم الدّين أَحْمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ولد سنة تسع واربعين وسِتمِائَة اشْتغل وَحصل وبرع وَولي الْقَضَاء بالقدس الشريف وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَلَاث وثمنين وسِتمِائَة خلَافَة عَن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين ابي الْفضل يُوسُف الْقرشِي الشَّافِعِي قَاضِي دمشق ثمَّ عَاد الى دمشق وناب فِي الحكم بهَا وَتُوفِّي فِي يَوْم الْأَحَد الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بِالْبَابِ الصَّغِير القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن كَمَال الدّين بن حَامِد بن بدر الدّين تَمام الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ كَمَال الدّين كَامِل التدمري الشَّافِعِي ولي الخطابة والامامة بحرم سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سنة خمس

وَعشْرين وَسَبْعمائة وباشر نِيَابَة الحكم بِدِمَشْق ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس الشريف من دمشق وسافر الى الْقُدس مُتَوَلِّيًا فِي مستهل شهر ربيع الأول سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَله مصنفات مِنْهَا شرح الاربعين والفروق والاشباه والنظائر وَغير ذَلِك فَكَانَ مَوْجُودا مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْقُدس الشريف فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة القَاضِي شهَاب الدّين ابو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن كَامِل بن شرف الدّين تَمام التدمري الشَّافِعِي ولي قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أبي المحاسن السُّبْكِيّ الشَّافِعِي قَاضِي دمشق بِمُقْتَضى توقيع وقفت عَلَيْهِ مؤرخ فِي الْعشْر الْأَوَائِل من جمادي الاخرة سنة ثَلَاث واربعين وَسَبْعمائة القَاضِي زين الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن اميريس بن مُحَمَّد الْقَمُولِيّ الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف ولي عَن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَلَاث واربعين وَسَبْعمائة القَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ أَبُو الْحسن بن الشَّيْخ شهَاب الدّين أبي الْمَعَالِي شرِيف ابْن الشَّيْخ جمال الدّين أبي المحاسن يُوسُف بن الوحيد الشَّافِعِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء بَيت الْمُقَدّس فِي سنة احدى واربعين وَسَبْعمائة وَتُوفِّي قبل الْخمسين والسبعمائة القَاضِي أَمِين الدّين ابو عبدا الله مُحَمَّد بن ابراهيم بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن الشَّافِعِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء بَيت الْمُقَدّس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سنة خمسين وَسَبْعمائة القَاضِي بدر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن القَاضِي برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم ابْن الشَّيْخ جمال الدّين هبة لله قَاضِي الْقُدس كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن أَمِين الدّين بن سَالم بن نَاصِر الدّين عبد النَّاصِر الْكِنَانِي الفوي الشَّافِعِي سمع الحَدِيث من جمَاعَة وَأفْتى ودرس وَولي قَضَاء الْقُدس

وَحدث وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَمَات سنة بضع وَخمسين وَسَبْعمائة رَحمَه الله تَعَالَى القَاضِي علم الدّين ابو الرّبيع سُلَيْمَان بن أَمِين الدّين أبي الْغَنَائِم سَالم الشَّافِعِي قَاضِي بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَيت جِبْرِيل كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة القَاضِي علم الدّين سُلَيْمَان بن عبد الْقَادِر بن سَالم بن مُحَمَّد الْغَزِّي الشَّافِعِي ولد فِي حُدُود التسعين والستمائة وَسمع على عَليّ بن مُحَمَّد بن برهَان الدّين الثَّعْلَبِيّ وَزَيْنَب بنت احْمَد بن عمر بن شكر والتقى سُلَيْمَان والمطعم وَحفظ الْمِنْهَاج وَدَار الى ان مهر وَأفْتى ودرس ولي قَضَاء غَزَّة ثمَّ قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة القَاضِي تَاج الدّين أَبُو الانفاق أَبُو بكر عَليّ بن أَحْمد بن كَمَال الدّين بن مُحَمَّد الْأمَوِي الْمَقْدِسِي ابْن تَقِيّ الْمَعْرُوف بالمعيد حفظ الْمِنْهَاج وتفقه وَأعَاد ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس الشريف ودرس وَكَانَ يسمع من الحجار وَزَيْنَب بنت شكر وَغَيرهمَا سمع صَحِيح البُخَارِيّ على الْملك الأوحد نجم الدّين يُوسُف بِسَمَاعِهِ لَهُ عَن ابْن اللَّيْثِيّ بِسَنَدِهِ فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَسمع عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الديري الصَّحِيح بِسَمَاعِهِ على الْملك الأوحد سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة توفّي بالقدس الشريف فِي رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة علم الدّين سُلَيْمَان الحكري الشَّافِعِي ولي الحكم والخطابة بِمَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ولي الْقَضَاء بالقدس الشريف وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ شرف الدّين أبي البركات مُوسَى بن زين الدّين الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة

القَاضِي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن كَمَال الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين ابْن الْعَبَّاس أَحْمد الْأمَوِي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ زين الدّين أبي مُحَمَّد حَامِد ابْن الشَّيْخ شهَاب الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمَقْدِسِي الانصاري الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف مولده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة ولي تدريس الْمدرسَة الطازية بالقدس الشريف وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ابْن جمَاعَة وناب فِي الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَكَانَ مُتَوَلِّيًا للْحكم بالقدس فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة القَاضِي زين الدّين ابو المكارم عبد الرَّحْمَن ابْن القَاضِي شسمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد الزرعي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بماملا عِنْد بَاب الفلندرية القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن جلال الدّين ابْن القَاضِي نجم الدّين أَحْمد الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس توفّي فِي سادس شَوَّال سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد الهكاري الصلتي الشَّافِعِي الامام الْعَالم الْعَلامَة الْفَاضِل قَاضِي حمص اشْتغل بالقدس الشريف وَكتب وَقَرَأَ وَولي قَضَاء الصَّلْت وَلم يزل ينْتَقل فِي قَضَاء الْبر وَولي قَضَاء الْقُدس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ونابلس وَآخر مَا ولي حمص وَبهَا توفّي فِي رَجَب سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَلم يبلغ الْخمسين سنة اختصر ميدان الفرسان فِي ثَلَاث مجلداترحمه الله القَاضِي بدر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن القَاضِي جمال الدّين أبي بكر بن شَجَرَة التدمري الأَصْل الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْمُفْتِي اشْتغل وَتقدم واشتهر ولي الْقَضَاء بأعمال الشَّام وَآخر مَا ولي قَضَاء الْقُدس الشريف وَرَأَيْت اسجاله فِي بعض المستندات

مؤرخا فِي شهور سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ثمَّ عزل وَقدم دمشق وَتُوفِّي بهَا فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فِي عشر السّبْعين ظنا وَدفن بسفح قاسيون القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن شرف الدّين ابي عُثْمَان سعيد بن الشَّيْخ تَاج الدّين أبي حمد عبد الرحمان الانصاري الزواري الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الْخَطِيب زين الدّين أبي مُحَمَّد عبد الرحمان ابْن مُحَمَّد التدمري الشَّافِعِي قَاضِي بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة القَاضِي عماد الدّين أَبُو الفدا اسماعيل ابْن الْعدْل شهَاب الدّين أبي الْعَبَّاس احْمَد بن نور الدّين أبي الْحسن عَليّ البارزيني الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَبعدهَا القَاضِي تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد اللَّطِيف بن بهاء الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن علم الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد الْبُرُلُّسِيّ الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَسَبْعمائة القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن القَاضِي شرف الدّين ابي مُحَمَّد عبد الله السُّلَيْمَانِي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة القَاضِي شرف الدّين ابو الرّوح عِيسَى بن شيخ الشُّيُوخ جمال الدّين ابي الْجُود غَانِم الانصاري الخزرجي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف وَشَيخ الخانفاه الصلاحية وَهُوَ الَّذِي حكر أَرض الْبقْعَة ظَاهر الْقُدس الشريف الْجَارِيَة فِي وقف الخانقاه الْمَذْكُورَة فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَصَارَت كروما وَزَاد بذلك ريعها لجِهَة الْوَقْف وَرغب النَّاس فِيهَا وَكثر الِانْتِفَاع بهَا بعد ان كَانَت أَرضًا مزدرعة توفّي فِي شَوَّال سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة شبه الْفجأَة القَاضِي تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو الْبَقَاء صَالح بن الشَّيْخ صَلَاح الدّين ابي الصَّفَا

خَلِيل بن الشَّيْخ أَمِين الدّين ابي الْغَنَائِم سَالم الْكِنَانِي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَقبلهَا القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ فَخر الدّين أبي عَمْرو عُثْمَان قَاضِي بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ مُتَوَلِّيًا قبل الثَّمَانمِائَة القَاضِي شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد السلاوي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة القَاضِي تَقِيّ الدّين أَبُو الأيادي أَبُو بكر بن جمال الدّين أبي اسحاق إِبْرَاهِيم البصروي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة القَاضِي زين الدّين ابو مُحَمَّد عبد اللَّطِيف بن بدر الدّين ابي مُحَمَّد الْحسن ابْن خلف البلبيسي الشَّافِعِي ولي قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَيت جِبْرِيل وَنظر الْأَوْقَاف والمساجد من قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين أبي الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي قَاضِي دمشق بِمُقْتَضى توقيع كتب لَهُ وقفت عَلَيْهِ وَهُوَ مؤرخ فِي لَيْلَة يسفر صباحها عَن السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَكَانَ وَالِده بدر الدّين حسن ابْن خلف البلبيستي رجلا صَالحا زاهدا وَكَانَ مَوْجُودا فِي سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة القاضيي سعدالدين سعد بن اسماعيل بن يُوسُف النواري الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام مولده فِي سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة قدم دمشق صَغِيرا ولازم الشَّيْخ تَاج الدّين المراكشي وتفقه لى شمس الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة وَقَرَأَ على الشَّيْخ عماد الدّين ابْن كثير كتاب عُلُوم الحَدِيث الَّذِي أَلفه واذن لَهُ بالفتوى واشتغل بالجامع الْأمَوِي وَأعَاد بالناصرية والقيمرية وَكتب فِي الاجازات وعَلى الْفَتَاوَى ودرس فِي آخرعمره وناب فِي الْقَضَاء ولي قَضَاء بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام مُدَّة يسيرَة وَتُوفِّي بهَا فِي ربيع الآخر سنة خمس وَثَمَانمِائَة القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ سعدالدين أبي الصَّفَا سعد

ابْن قرموز الزرعي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة القَاضِي بدر الدّين ابو مُحَمَّد الْحسن بن الشَّيْخ شرف الدّين أبي البركات مُوسَى ابْن مكي الشَّافِعِي ولي قَضَاء الْقُدس الشريف مرَارًا وَرَأَيْت اسجاله فِي ظَاهر كتاب وقف الْمدرسَة الصلاحية مؤرخ فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَمَانمِائَة وَكَانَ مُتَوَلِّيًا قبل التَّارِيخ الْمَذْكُور وَبعده القَاضِي جمال الدّين ابو مُحَمَّد عبد الله بن الشَّيْخ شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة القَاضِي شرف الدّين ابو المناقب مُوسَى بن شيخ الاسلام مفتي الْعرَاق برهَان الدّين أبي اسحاق ابراهيم بن القرقشندي الشَّافِعِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْقُدس الشريف فِي سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَقد أخْبرت قَدِيما انه كَانَ هُوَ وَالْقَاضِي شهَاب الدّين ابْن الْحِكْمَة فِي عصر وَاحِد وكل مِنْهُمَا كَانَ مُتَوَلِّيًا للْقَضَاء مشاركا للاخر فَكَانَ القَاضِي شرف الدّين القرقشندي يجلس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة وَالْقَاضِي شهَاب الدّين بن الْحِكْمَة يجلس بدار الحَدِيث رحمهمَا الله تَعَالَى توفّي القَاضِي شرف الدّين القرقشندي مطعونا فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ المسفر صباحها عَن الْعشْرين من شعْبَان سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا القَاضِي برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بن شمس الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الصَّلْت الشَّافِعِي وقفت على توقيعه بِقَضَاء الْقُدس من الْملك الْمُؤَيد شيخ مؤرخ فِي ثَانِي عشري جمادي الأولى سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة القَاضِي شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ بدر الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن الْقَاسِم الْمَشْهُور بِابْن الْحِكْمَة قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة القَاضِي شهَاب الدّين ابو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ برهَان الدّين ابراهيم ابْن رَشِيدَة السَّعْدِيّ الحسائي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَت الْوَظِيفَة بَينه

وَبَين القَاضِي بدر الدّين ابْن مكي دولا وَوَقع بَينهمَا أُمُور لَا فَائِدَة فِي ذكرهَا وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَرَأَيْت اسجاله فِي مُسْتَند بِخَط نَفسه فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة كتب فِيهِ خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف فَالظَّاهِر أَنه بعد استقلاله بِالْقضَاءِ بَاشرهُ نِيَابَة وَالله أعلم القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ ابي الثَّنَاء مَحْمُود بن الشَّيْخ صفي الدّين أبي الانفاق أبي بكر الشَّافِعِي خطب بِمَدِينَة قارا كَانَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْقُدس الشريف فِي شهر شعْبَان سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة القَاضِي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن الشَّيْخ برهَان الدّين أبي اسحاق ابراهيم الرماوي الشَّافِعِي كَانَ مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْقُدس الشريف فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَبعدهَا الى سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن شرف الدّين أبي الفدا اسحاق ابْن شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد التَّمِيمِي الشَّافِعِي قَاضِي بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي شهر شَوَّال سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَبعدهَا ثمَّ ولي قَضَاء بَيت الْمُقَدّس مُضَافا لقَضَاء بلد الْخَلِيل فِي دولة الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق فِي سنة خمس وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من المعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية بالقدس الشريف فِي زمن الشَّيْخ شمس الدّين الْهَرَوِيّ توفّي فِي سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد النقوعي الصُّوفِي الشَّافِعِي كَانَ قد بَاشر قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل قبل الثَّمَانمِائَة ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد البصروي الانصاري الشَّافِعِي ولي قَضَاء الْقُدس الشريف بعد القَاضِي عَلَاء الدّين الرماوي وَكَانَت لَهُ سطوة وهيبة وَوَقع لَهُ وقائع بالقدس الشريف لَا فَائِدَة فِي ذكرهَا وَكَانَ اركان الدولة بِالْقَاهِرَةِ يهابونه ويخشون عاقبته وَيُقَال أَنه كَانَ وَزِير نوروز وَتعين لكتابة السِّرّ بِمصْر وأنعم لَهُ بهَا فَلم يتم لَهُ ذَلِك توجه من الْقُدس الشريف الى الديار المصرية بعد محنة حصلت لَهُ فسعى المباشرون بِالْقَاهِرَةِ فِي تَوليته للقدس وَعوده اليه إتقاء لشره فاستقر فِي الْوَظِيفَة وَعَاد حَتَّى وصل الى مَدِينَة غَزَّة فَأكل طَعَاما مسموما مِمَّن كَانَ يَثِق بِهِ وَهُوَ مقرب عِنْده فَمَاتَ بغزة وَحمل الى الْقُدس الشريف وَدفن بماملا فِي سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَثَمَانمِائَة عَفا الله عَنهُ وَكَانَت مُدَّة ولَايَته بالقدس الشريف نَحْو سبع سِنِين وَالله أعلم قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين ابو الْحسن عَليّ بن القَاضِي نجم الدّين ابي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحسن بن عَليّ بن ايوب بن عبد الْعَزِيز بن عُثْمَان بن سُلْطَان بن عَسَاكِر ابْن عبد الله بن السائح والسائح من أجداده الْمَذْكُورين هُوَ ايوب على مَا أخبر بِهِ القَاضِي عَلَاء الدّين وَيعرف قَدِيما بالشامي الرَّمْلِيّ الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي مولده - أَعنِي القَاضِي عَلَاء الدّين - فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي وَالِده وَله سِتّ سِنِين فاستجاز لَهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين بن رسْلَان وزين الدّين عبد الرَّحْمَن القرقشندي مَشَايِخ ذَلِك الزَّمَان فَمن بعدهمْ وَسمع وَقَرَأَ وَفضل بَاشر قَضَاء الرملة نِيَابَة عَن عَمه جمال الدّين أَكثر من عشْرين سنة ثمَّ اسْتَقل بِالْقضَاءِ بهَا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ اسلافه قُضَاة بمدية الرملة من زمن الْملك الظَّاهِر بيبرس وَقد وقفت على أسجال من اسجالات أسلافه ذكر فِيهِ الموثق اسْم القَاضِي وَقَالَ الْحَاكِم بِمَدِينَة الرملة نِيَابَة عَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن خلكان الْحَاكِم بالمملكة الشامية مؤرخ بعد السِّتين والستمائة وَاسْتمرّ منصب الْقَضَاء بالرملة بِأَيْدِيهِم من ذَلِك الْعَصْر يتلقونه وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن وصل إِلَى القَاضِي عَلَاء الدّين فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم ذكره فباشره بعفة ونزاهة وَحسنت سيرته وحمدت طَرِيقَته ثمَّ قدر الله تَعَالَى تَوليته وَظِيفَة الْقَضَاء بالقدس الشريف عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة

جمال الدّين ابْن جمَاعَة فاستقر فِيهَا فِي دولة الْملك الظَّاهِر جقمق فِي صفر سنة ارْبَعْ واربعين وصادفت تَوليته تَوْلِيَة القَاضِي عز الدّين خَلِيل السخاوي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين فدخلا الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم وَاحِد وَهُوَ مستهل ربيع الأول سنة ارْبَعْ واربعين وَثَمَانمِائَة فاستمر عل مَا هُوَ مَعْهُود مِنْهُ من الْعِفَّة والسيرة الْحَسَنَة وَالْأَحْكَام المرضية الى أَن توفّي فِي شهور سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا بحوش البسطامية وَكَانَ من قُضَاة الْعدْل وَقد رأى بَعضهم فِي مَنَامه الشَّيْخ دَاوُد الْهِنْدِيّ وَهُوَ يَقُول لَهُ قل لِابْنِ السائح اني رَسُول الله رَسُول الله اليه ابشره انه من قُضَاة الْعدْل الناجين رَحمَه الله تَعَالَى قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الشَّيْخ فَخر الدّين عُثْمَان السَّعْدِيّ الشَّافِعِي ابْن أخي شيخ الاسلام عز الدّين الْمَقْدِسِي وَكَانَ يعرف بِابْن أخي شيخ الصلاحية ولي الْقَضَاء بالقدس الشريف عوضا عَن القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن السائح مُدَّة يسيرَة فِي شهور سنة ارْبَعْ وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ عزل وأعيد القَاضِي عَلَاء الدّين وَلم يل بعدذلك ولحقه صمم وَكَانَ النَّاس سَالِمين من يَده وَلسَانه وَعمر وَكَانَت وَفَاته فِي خَامِس عشر صفر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن القَاضِي الْمُفْتِي عَلَاء الدّين أبي الْحسن عَليّ ابْن القَاضِي شرف الدّين اسحاق التَّمِيمِي الدَّارِيّ الخليلي الشَّافِعِي مولده فِي ثامن عشر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة سمع الحَدِيث على جمَاعَة واشتغل قَدِيما وَحصل ولي قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ حسن الْمُلْتَقى مشكور السِّيرَة فِي الْقَضَاء عفيفا فِي الْأَحْكَام ثمَّ ولي قَضَاء الرملة ثمَّ غَزَّة ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس الشريف عوضا عَن القَاضِي برهَان الدّين بن جمَاعَة فِي مستهل شهر جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وانفصل فِي رَابِع عشر شعْبَان مِنْهَا

وَتُوفِّي بالقدس الشريف فِي نَهَار الِاثْنَيْنِ الْعشْرين من رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَأَخُوهُ القَاضِي زين الدّين عبد الرحمان التَّمِيمِي الشَّافِعِي النَّاظِم مولده فِي إِحْدَى الجمادين من سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة سمع على جمَاعَة وَقَرَأَ الصَّحِيح على جده لأمه الْمُحدث برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن مَحْمُود الْحَنَفِيّ وَسمع المسلسل بالأولية على سَبْعَة وَعشْرين شَيخا مُجْتَمعين وَلبس خرقَة التصوف واشتغل فِي النَّحْو على الشَّيْخ شهَاب الدّين بن الهائم وَفِي الْفِقْه على وَالِده وَغَيره وَحصل وَفضل وَمهر ونظم وَله مُصَنف سَمَّاهُ بمدد الرَّحْمَن فِي اسباب نزُول الْقُرْآن نظمه نظما جيدا وَولي الْقَضَاء بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ونابلس وَمن جملَة ولَايَته لبلد الْخَلِيل مرّة فِي سلطنة الْملك الْأَشْرَف اينال فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ ثمَّ ولي فِي زمن الظَّاهِر خشقدم فِي رَمَضَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَولي ايضا فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى القَاضِي شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن القَاضِي شهَاب الدّين ابي الْعَبَّاس احْمَد التَّمِيمِي الشَّافِعِي - الْمُتَقَدّم ذكر وَالِده - ولي الْقَضَاء بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد وَفَاة وَالِده وَكَانَ لَهُ حُرْمَة وشهامة وَمَعْرِفَة تَامَّة وَاسْتمرّ على الْقَضَاء إِلَى أَن كف بَصَره بعد سنة سبعين وَثَمَانمِائَة وَانْقطع فِي منزله وَمَعَ ذَلِك كَانَت كَلمته نَافِذَة توجه إِلَى الْقَاهِرَة مَطْلُوبا لحادثة وَقعت فَتوفي بِالْقَاهِرَةِ فِي شهور سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف صَلَاة الْغَائِب فِي شهر ربيع الاخر عَفا الله عَنهُ قَاضِي الْقُضَاة خطيب الخطباء برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام جمال الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله بن الامام الْعَلامَة نجم الدّين أبي عبد الله

مُحَمَّد بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي مولده بالقدس الشريف فِي إِحْدَى الجمادين سنة خمسين وَثَمَانمِائَة أجَازه جمَاعَة وَأدْركَ أَصْحَاب الْحجاز وَلم يَأْخُذ عَنْهُم وَقَرَأَ بِنَفسِهِ على مَشَايِخ عصره ودرس فِي مدرسة الدويدارية وباشر خطابه الْمَسْجِد الْأَقْصَى نِيَابَة عَن وَالِده وَكَانَ يخْطب من إنشائه بفصاحة لفظ وَصَوت عَال صقل وناب فِي الحكم عَن وَالِده حِين ولي قَضَاء الْقُدس الشريف ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس اسْتِقْلَالا بعد وَفَاة القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن السائح فِي دولة الْملك الأِشرف اينال فِي سادس عشري شعْبَان سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة فباشر بشهامة وَحُرْمَة زَائِدَة وحشمة وافرة وعلت كَلمته وَنفذ أمره وَكَانَ شكلا حسنا بسيط الْيَد مَعَ قلَّة المَال وَله اعْتِقَاد فِي الْفُقَرَاء على طَريقَة آبَائِهِ الْمُتَقَدِّمين وَهُوَ آخر قُضَاة بَيت الْمُقَدّس المعتبرين فِيمَا أدركناه توفّي رَحمَه الله وَهُوَ بَاقٍ على الْقَضَاء بعد الْعشَاء الْآخِرَة من لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربة ماملا بالحوش الَّذِي بِهِ الشَّيْخ ابو عبد الله الْقرشِي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن ارسلان وَكَانَت جنَازَته حافلة عَفا الله عَنهُ وَسَنذكر من ولي بعده قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباي إِن شاءالله تَعَالَى (الخطباء بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف ومقام سيدنَا الْخَلِيل) (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) قد تقدم عِنْد ذكر فتح بَيت الْمُقَدّس ان الَّذِي خطب بِهِ عقب الْفَتْح ابْن الزكي وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين ابو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الزكي الْقرشِي الشَّافِعِي وَنسبه مُتَّصِل بسيدنا عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ مولده فِي سنة خمسين وَخَمْسمِائة ولي قَضَاء دمشق فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ وَالِده وَحده أَيْضا قاضيين بهَا وعلت مَنْزِلَته عِنْد الْملك صَلَاح الدّين وَكَانَ عَالما حازما

حسن الْخط والتلفظ شهد فتح بَيت الْمُقَدّس وخطب بِهِ الْخطْبَة الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَهِي من إنشائه وَأثْنى عَلَيْهِ الْعلمَاء توفّي فِي سَابِع شعْبَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بِدِمَشْق وَدفن بقاسيون رَحمَه الله وَتقدم ذكر جمَاعَة من الخطباء من مَشَايِخ الصلاحية وَمِمَّنْ ولي الخطابة بالقدس الشريف الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن حميد بن سعد الدّين المغافري المالقي كَانَ مُحدثا مجيدا سمع كتاب الْجَامِع المستقصى فِي فضل الْمَسْجِد الْأَقْصَى على مُصَنفه الْحَافِظ بهاء الدّين الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي الْعشْر الْأَوْسَط من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ خطيب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف بعد فَتحه وَلم اطلع على تَارِيخ وَفَاته رَحمَه الله ووفاة ابْن عَسَاكِر فِي سنة سِتّمائَة وَمن خطباء مقَام سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْخَطِيب مُحَمَّد بن بكران بن مُحَمَّد وَكَانَ قَاضِيا بالرملة فِي ايام الراضي بِاللَّه مُحَمَّد ابْن المقتدر العباسي خَليفَة بَغْدَاد فِي سنة نَيف وَعشْرين وثلاثمائة وَبعدهَا وَله رِوَايَة فِي الحَدِيث سمع جمَاعَة وَحدث عَنهُ جمَاعَة من أهل الْعلم رَحمَه الله وَمن خطباء بَيت الْمُقَدّس الشَّيْخ الامام الزاهدالورع شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أَحْمد بن جَعْفَر النابلسي الْمَقْدِسِي مولده بنابلس فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة سمع الحَدِيث من الْحَافِظ أبي مُحَمَّد بن عَليّ بن عَسَاكِر وَغَيره خطب مُدَّة طَوِيلَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَحكم بِهِ ودرس توفّي بِدِمَشْق فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَولده الْعَلامَة القَاضِي شرف الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد خطيب الشَّام ولد بالقدس الشريف فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ من أهل الْعلم وَمن محَاسِن الزَّمَان وَله تصانيف عديدة وَتُوفِّي بِدِمَشْق فِي شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَدفن بِبَاب كيسَان عِنْد وَالِده

الشَّيْخ الامام الْخَطِيب أَبُو الذكا عبد الْمُنعم بن ابي الْفَهم يحيى بن ابراهيم الْقرشِي الزُّهْرِيّ النابلسي الشَّافِعِي خطيب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف مكث بِهِ خَطِيبًا وإماما ومفتيا اكثر من اربعين سنة وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا لَهُ ذكر ومنزلة واشتغل بالفقه وَشَيْء من الْعَرَبيَّة وَكَانَ يحفظ كثيرا من تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم وَكَانَ النَّاس يقصدونه لاعتقادهم فِي علمه وَدينه ويتلمسون دعاءه وبركته سمع الحَدِيث وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة من شُيُوخ دمشق وحلب والموصل وبغداد وواسط وهمدان وَحدث فِي سنة ارْبَعْ وخسمين وسِتمِائَة وَكتب عَنهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة الْفُضَلَاء بالديار المصرية والبلاد الشامية مولده فِي سنة ثَلَاث وسِتمِائَة تَقْرِيبًا بنابلس وَتُوفِّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بالقدس الشريف وَدفن من الْغَد بمقبرة ماملا رَحمَه الله قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو الْيُسْر مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الانصاري الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد مولده فِي الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة وَكَانَ إِمَامًا قدوة عابدا كثير المحاسن جَاءَهُ التَّقْلِيد بِقَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فِي سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة فَامْتنعَ واصر على الِامْتِنَاع فاعفي ثمَّ ولي خطابة الْقُدس الشريف ثمَّ تَركهَا توفّي بِدِمَشْق فِي جمادي الأولى سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام بدر الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله ابْن جمَاعَة الْكِنَانِي الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي ولد بحماة فِي ربيع الآخر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ولي الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وإمامته وَقَضَاء الْقُدس الشريف جمع لَهُ بَين ذَلِك فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بعد موت قطب الدّين خطيب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف ثمَّ نقل من الْقُدس الشريف إِلَى قَضَاء الديار المصرية فِي سنة تسعين وسِتمِائَة وَجمع لَهُ بَين الْقَضَاء ومشيخة الشُّيُوخ وَتَوَلَّى خطابة الْقُدس الشريف عوضا عَن جمال الدّين ابي البقا ثمَّ نقل إِلَى قَضَاء دمشق

وخطابتها ومشيخة الشُّيُوخ ثمَّ أُعِيد الى قَضَاء الديار المصرية ثمَّ عزل مِنْهَا ثمَّ أُعِيد إِلَيْهَا وعمى فِي اثناء سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة فصرف عَن الْقَضَاء ووليه بعد مُدَّة وَلَده قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز وَانْقطع بمنزله ليسمع عَلَيْهِ ويتبرك بِهِ وَكَانَ حسن السِّيرَة لَهُ الْجَلالَة والخلق الرضي وَله النّظم والنثر والخطب والتصانيف مِنْهَا التِّبْيَان لمهمات الْقُرْآن وغرر التِّبْيَان والفوائد اللائحة من سُورَة الْفَاتِحَة والمنهل الروي فِي عُلُوم الحَدِيث النَّبَوِيّ والفوائد الغزيرة فِي أَحَادِيث بَرِيرَة وتنقيح المناظرة فِي تَصْحِيح المخابرة وتحرير الْأَحْكَام فِي تَدْبِير جَيش الاسلام ومستند الأجناد فِي آلَات الْجِهَاد وَالطَّاعَة فِي فَضِيلَة صَلَاة الْجَمَاعَة وَحجَّة السلوك فِي مهاداة الْمُلُوك وكشف الْغُمَّة فِي أَحْكَام أهل الذِّمَّة وَله غير ذَلِك توفّي فِي جمادي الأولى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن قَرِيبا من الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَبُو حَفْص عمر بن الْخَطِيب ظهير الدّين عبد الرَّحِيم ابْن يحيى الْقرشِي الزُّهْرِيّ النابلسي الشَّافِعِي تفقه بِدِمَشْق واذن لَهُ فِي الْفَتْوَى وَولي خطابة الْقُدس الشريف مُدَّة طَوِيلَة وَقَضَاء نابلس مَعهَا ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس فِي آخر عمره وَله اشْتِغَال وفضيلة وَشرح صَحِيح مُسلم فِي مجلدات وَكَانَ سريع الْحِفْظ وَالْكِتَابَة توفّي بالقدس فِي الْمحرم سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بمقبرة ماملا وَولي الخطابة عوضه زين الدّين عبد الرَّحِيم ابْن جمَاعَة وَهُوَ الْخَطِيب الْعَلامَة زين الدّين عبد الرَّحِيم بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام بدر الدّين مُحَمَّد بن ابراهيم ابْن سعد الله بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي ولي الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف فِي ثَالِث شهر ربيع الأول سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وخلع عَلَيْهِ بذلك من دمشق وَاسْتمرّ الى أَن توفّي فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين ابو الْبَقَاء

المائح قَاضِي الرملة بِمِائَة الف دِرْهَم وَلم يقم بهَا غير ثَلَاثَة اشهر وعزل بالباعوني توفّي ابْن غَانِم بِدِمَشْق وَدفن بمقبرة الْأَشْرَاف وَهُوَ سبط الشَّيْخ تَقِيّ الدّين القرقشندي رحمهمَا الله تَعَالَى قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن نَاصِر بن خَليفَة الناصري الباعوني الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام الْعَالم المتفنن خطيب الخطباء إِمَام البلغاء نَاصِر الشَّرْع ولد بقرية الناصرية من الْبِلَاد الصفدية فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة وَحفظ الْقُرْآن وَله عشر سِنِين والمنهاج فِي مُدَّة يسيرَة وَقدم دمشق وَعرض كتبه على جمَاعَة من الْعلمَاء وَمهر فِي الْعُلُوم ولي الخطابة بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق ثمَّ ولي الْقَضَاء بهَا مُدَّة فباشر بعفة ومهابة زَائِدَة وتصميم فِي الْأُمُور مَعَ نُفُوذ كلمة ثمَّ ولي خطابة بَيت الْمُقَدّس مُدَّة طَوِيلَة وتداولها هُوَ وَالْقَاضِي جمال الدّين بن السائح وَأخذ كل مِنْهُمَا عَن الاخر غير مرّة ثمَّ ولي خطابة دمشق وَغَيرهَا توفّي فِي أواسط الْمحرم سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَكَانَت جنَازَته مَشْهُورَة وَدفن بسفح قاسيون رَحمَه الله الشَّيْخ الْعَلامَة شرف الدّين عبد الرحمان بن الشَّيْخ الْعَلامَة شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي الشَّافِعِي سبط الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي أَخذ عَن وَالِده وَفضل وانْتهى إِلَى أَن صَار عين الشَّافِعِيَّة بالقدس وَبِيَدِهِ الخطابة مشاركا لغيره توفّي فِي صفر سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة عَن نَحْو خمسين سنة وَكَانَ إشتراك بني القرقشندي وَبني جمَاعَة فِي الخطابة بالقدس الشريف من زمن الْملك الْمُؤَيد شيخ قبل الْعشْرين والثمانمائة الْخَطِيب تَاج الدّين اسحاق بن الْخَطِيب برهَان الدّين ابراهيم بن احْمَد بن مُحَمَّد بن كَامِل التدمزي الشَّافِعِي خطيب مقَام سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صنف كتاب (مثير الغرام الى زِيَارَة الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) وَهُوَ كتاب

عبد الرحمان خطيب الْمَسْجِد الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم بن الامام الْعَلامَة زين الدّين عبد الرحمان بن ابراهيم بن سعد الله بن جمَاعَة الككناني الشَّافِعِي ولد سنة سِتّ أَو ثَمَان وَسَبْعمائة وَبِالثَّانِي جزم أَبُو جَعْفَر بن الْكَوْكَب فِي مشيخته سمع من الشريف ابْن عَسَاكِر وَغَيره وجلور بالمساجد الثَّلَاثَة زماما وَيُقَال أَنه كَانَ يَأْتِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي جَوف اللَّيْل فَيفتح لَهُ وَكَانَ كَبِير الْقدر زاهد وقته وَكَانَ عِنْده الْخِرْقَة عَن وَالِده عَن أَبِيه عَن عَمه الشَّيْخ ابي الْفَتْح نصر الله بن جمَاعَة عَن مُحَمَّد بن الْعِزّ عَن ابي الْبَيَان وَكَانَ يَقُول لَا ألبسها من يحضر السماع وَقد خطب زَمَانا بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَقد ثقل سَمعه وَتُوفِّي وَالِده الإِمَام الْخَطِيب الْعَلامَة عبد الحميد فِي يَوْم الْجُمُعَة مستهل شعْبَان سنة إِحْدَى واربعين وَسَبْعمائة وَكَانَ ذَا علم وَدين وزهد وورع وَصَلَاح ظَاهر رَحمَه الله الْخَطِيب الْعَلامَة عماد الدّين أَبُو الفدا اسماعيل بن ابراهيم بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي خطيب الْمَسْجِد الْأَقْصَى مولده فِي شَوَّال سنة عشر وَسَبْعمائة نَاب فِي الْقَضَاء بِمصْر عَن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة مُضَافا لنظر الْأَوْقَاف ثمَّ توجه الى الْقُدس وَتَوَلَّى الخطابة بِهِ لما ولي ابْن عَمه برهَان الدّين قَضَاء الديار المصرية وَكَانَ يدرس عَن ابْن عَمه فِي الصلاحية نِيَابَة توفّي فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَمن خطباء بَيت الْمُقَدّس قَاضِي الْقُضَاة سري الدّين والخطيب أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ وَلم أطلع لَهما على تَرْجَمَة قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف بن غَانِم بن أَحْمد بن غَانِم الْمَقْدِسِي النابلسي ولي قَضَاء نابلس مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ ولي قَضَاء صفد ثمَّ ولي خطابة الْقُدس فِي شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة بِمَال بذله ثمَّ سعى عَلَيْهِ القَاضِي جمال الدّين عبد الله بن

حسن فِيهِ فَوَائِد جليلة توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة عَن غير ولد وَتقدم ذكر جده الشَّيْخ شمس الدّين بن كَامِل خطيب الْمقَام الْمشَار اليه فِي تراجم الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة الْخَطِيب عماد الدّين اسماعيل بن الْخَطِيب برهَان الدّين ابراهيم بن الْخَطِيب شهَاب الدّين أَحْمد بن الْخَطِيب شمس الدّين مُحَمَّد بن كَامِل التدمري الشَّافِعِي خطيب مقَام سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي صفر سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة زين الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ الْأَدْنَى الشهير بالحموي الْوَاعِظ الْخَطِيب الْمُفَسّر ولي خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي دولة الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق وَفِيه قَالَ الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن القرقشندي إمامنا لما قَرَأَ هيمنا وأطربا تيمنا بنطقه وعندما قرا سبا كَانَ خَطِيبًا جيدا فَاضلا حبرًا لَهُ سماعات كَثِيرَة على مَشَايِخ الشَّام وحلب اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس للوعظ وَالتَّفْسِير وَقِرَاءَة الحَدِيث وَبعد صيته وَصَارَ لَهُ سمعة وَلما عمر الْأَشْرَف برسباي جَامعه الْمَسْجِد بِالْقَاهِرَةِ اسْتَقر خَطِيبه وَكَانَ يقْرَأ الحَدِيث بِمَجْلِس أَمِير الْمُؤمنِينَ وأتابك الديار المصرية والأمراء توفّي فَجْأَة فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان واربعين وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَولي خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف بعد الْحَمَوِيّ أَخُو جمال الدّين الاستادار فناب عَنهُ الْخَطِيب جمال الدّين بن جمَاعَة ثمَّ اسْتَقل بهَا وَتقدم ذكره عِنْد ذكر مَشَايِخ الصلاحية الْخَطِيب شهَاب الدّين أَبُو حَامِد بن الشَّيْخ شرف الدّين عبد الرَّحِيم بن القرقشندي الشَّافِعِي مولده فِي سَابِع عشر رَمَضَان سنة ثَمَانمِائَة سمع الحَدِيث

واشتغل وَأعَاد بالصلاحية وَحدث وروى عَنهُ الرحالون وَولي الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مشاركا لغيره فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ حبرًا متواضعا توفّي فِي رَابِع عشر رَجَب سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بالقلندرية بماملا رَحمَه الله الْحَافِظ الْعَلامَة شيخ الاسلام شهَاب الدّين المكنى بِأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله الْكِنَانِي الشَّافِعِي الْوَاعِظ نزيل الْقُدس الشريف مولده بقرية مجدل حمامة بِالْقربِ من عسقلان من أَعمال غَزَّة فِي اوائل سنة تسع وَثَمَانمِائَة وَنَشَأ بهَا ثمَّ استوطن بَيت الْمُقَدّس واشتغل بِالْعلمِ فَفتح عَلَيْهِ وانتمى الى الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن أرسلان وَهُوَ الَّذِي كناه واشتهر بكنيته دأب وَحصل فِي ابْتِدَاء أمره وَفضل وتميز وَصَارَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء والمعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَجلسَ للوعظ فاشتهر أمره حَتَّى قيل عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ زَمَانه وَأما حفظه فَكَانَ من الْعَجَائِب وكتابته على الْفَتْوَى نِهَايَة فِي الْحسن وفصاحته وطلاقة لِسَانه لَا يجارى فيهمَا ولي الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن القرقشندي وباشر عَنهُ وَلَده قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد قَاضِي الرملة وخطب فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة فَلم يتم لَهُ ذَلِك وعزل بعد مُدَّة يسيرَة بالخطيب عَلَاء الدّين القرقشندي ثمَّ توجه الشَّيْخ ابو الْعَبَّاس الى الْقَاهِرَة لضَرُورَة لَهُ فَدخل الْحمام فَوَقع وَكسر فَخذه وَمرض إِلَى أَن مَاتَ فِي يَوْم الاربعاء سادس عشري جمادي الاخرة سنة سبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالقرافة رَحمَه الله الْخَطِيب عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن الشَّيْخ شرف الدّين عبد الرَّحِيم القرقشندي الشَّافِعِي مولده فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانمِائَة اسْتَقر فِي نصف وَظِيفَة الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ النّصْف الَّذِي كَانَ بيد أَخِيه الْخَطِيب شهَاب الدّين احْمَد وَاسْتمرّ بِيَدِهِ إِلَى أَن توفّي وَكَانَ من المعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية توفّي

يَوْم السبت وَصلي عَلَيْهِ بعد الْعَصْر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ثَانِي شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة ارْبَعْ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا بالقلندرية عِنْد اقاربه رَحمَه الله الْخَطِيب برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم بن الْخَطِيب عَلَاء الدّين ابي الْحسن عَليّ القرقشندي اسْتَقر فِي نصف خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى بعد وَفَاة وَالِده وَكَانَ من المعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية حج الى بَيت الله الْحَرَام فَقضى مَنَاسِكه وَخرج من مَكَّة فَتوفي بِبَطن مر فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة عَفا الله عَنهُ الْخَطِيب مجد الدّين عبد الْوَهَّاب بن الْخَطِيب عماد الدّين اسماعيل التدمري الأَصْل الخليلي الشَّافِعِي خطيب مقَام سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَاشر الخطابة بعد وَالِده دهرا طَويلا إِلَى أَن توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة تسعين وَثَمَانمِائَة بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شيخ الشُّيُوخ الْخَطِيب محب الدّين ابو الْبَقَاء أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ابي اسحاق ابراهيم بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام جمال الدّين ابي مُحَمَّد عبد الله ابْن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي ولي الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مشاركا لبَقيَّة الخطباء ثمَّ اسْتَقر فِيمَا كَانَ بيد الْخَطِيب برهَان الدّين القرقشندي وَهُوَ نصف الخطابة مُضَافا لما بِيَدِهِ وَهُوَ الثّمن ثمَّ عزل من النّصْف الْمَذْكُور ثمَّ أُعِيد اليه الرّبع مِنْهُ وَولي نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية ثمَّ عزل مِنْهَا ثمَّ أُعِيد اليها وَسَنذكر تَفْصِيل ذَلِك فِيمَا بعد فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباي فِي الْحَوَادِث الْوَاقِعَة فِي أَيَّامه وَتُوفِّي الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَبِيَدِهِ الرّبع وَالثمن من الخطابة وَنصف مشيخة الخانقاه الصلاحية واعادة الْمدرسَة الصلاحية وَكَانَت وَفَاته فِي شهر رَمَضَان من شهور سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا عِنْد اسلافه وَاسْتقر بعده فِيمَا بِيَدِهِ من ذَلِك وَلَده الْخَطِيب جلال الدّين مُحَمَّد فباشر الخطابة والخانقاه الصلاحية أحسن مُبَاشرَة إِلَى أَن توفّي بالطاعون فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ شَابًّا حسنا بلغ من الْعُمر نَحْو

اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَلم يحصل مِنْهُ ضَرَر لأحد وَكَانَ متأدبا سالكا طرق الحشمة لم يصدر مِنْهُ مَا يشينه وتأسف النَّاس عَلَيْهِ وَدفن عِنْد أسلافه بماملا عِنْد الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان رَحمَه الله وَعَفا عَنهُ وعوضه عَن شبابه الْجنَّة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة خطيب الخطباء شرف الدّين أَبُو اسحاق مُوسَى ابْن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام جمال الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله بن شيخ الاسلام نجم الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي عين خطباء الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف ومعيد الْمدرسَة الصلاحية مولده فِي حادي عشري رَجَب سنة خمس واربعين وَثَمَانمِائَة وَنَشَأ فِي عفة وصيانة لم تعلم لَهُ صبوة واشتغل بِالْعلمِ الشريف على وَالِده وَغَيره وخطب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَله نَحْو خَمْسَة عشر سنة وَاسْتقر فِي الخطابة مشاركا لبَقيَّة الخطباء هُوَ وَأَخُوهُ الْخَطِيب بدر الدّين مُحَمَّد وَأعَاد الْخَطِيب شرف الدّين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَفضل وتميز واشتغل عَلَيْهِ الطّلبَة فَصَارَ من أَعْيَان بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ رجل خير من أهل الْعلم وَالدّين لَا يخْتَلط بِأحد وَلَا يتَكَلَّم بَين النَّاس فِي أُمُور الدُّنْيَا وَعِنْده فصاحة فِي الْخطْبَة وعَلى صَوته الانس والخشوع وَالنَّاس سَالِمُونَ من يَده وَلسَانه كَانَ الله فِي عونه وَسَنذكر بَقِيَّة الخطباء فِيمَا بعد فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان فِي الْحَوَادِث الْوَاقِعَة فِي أَيَّامه إِن شَاءَ الله تَعَالَى (ذكر فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم من الْأَعْيَان ومشايخ الصُّوفِيَّة والزهاد) (بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) الْفَقِيه ضِيَاء الدّين ابو مُحَمَّد عِيسَى بن مُحَمَّد الهكاري الشَّافِعِي أحد الْأُمَرَاء بالدولة الصلاحية كَانَ كَبِير الْقدر وافر الْحُرْمَة معولا عَلَيْهِ فِي الآراء والمشاورات وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره يشْتَغل بالفقه بِمَدِينَة حلب فاتصل بالأمير أَسد الدّين شيركوه عَم السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَصَارَ إِمَامه وَلما توجه إِلَى الديار المصرية

وَولي الوزارة كَانَ فِي صحبته فَلَمَّا توفّي أَسد الدّين اتّفق الْفَقِيه عِيسَى والطواشي بهاء الدّين قراقوش على تَرْتِيب السُّلْطَان صَلَاح الدّين مَوْضِعه فِي الوزارة ودققا الْحِيلَة فِي ذَلِك حَتَّى بلغا الْمَقْصُود فَلَمَّا ولي صَلَاح الدّين رأى لَهُ ذَلِك وَاعْتمد عَلَيْهِ وَلم يكن يخرج عَن رَأْيه وَكَانَ كثير الادلال عَلَيْهِ يخاطبه بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره من الْكَلَام وَفِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة سَار الْملك صَلَاح الدّين لغزو الافرنج فَأسر الْفَقِيه عِيسَى فافتداه بعد سِنِين بستين الف دِينَار وَكَانَ وَاسِطَة خير للنَّاس نفع بجاهه خلقا كثيرا وَلم يزل على مكانته وتوفر حرمته الى أَن توفّي سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة بالمخيم بِمَنْزِلَة الخروبة - مَوضِع بِالْقربِ من عكا - وَحمل من يَوْمه الى الْقُدس الشريف وَدفن بظاهرة بتربة ماملا وَكَانَ يلبس زِيّ الأجناد ويعتم بعمائم الْفُقَهَاء فَيجمع بَين اللباسين رَحمَه الله الشَّيْخ الْأَجَل الزَّاهِد العابد الْمُجَاهِد جلال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الشَّاشِي شيخ الزاوية الختنية بداخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَقفهَا عَلَيْهِ الْملك صَلَاح الدّين فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَتقدم ذكر ذَلِك الشَّيْخ الْفَقِيه ابو عبد الله مُحَمَّد بن ابي بكر بن خضر الْقُدسِي وَكيل بَيت المَال بالقدس الشريف وَهُوَ الَّذِي فوض اليه الْملك صَلَاح الدّين بيع الْملاك المختصة بِبَيْت المَال بالقدس الشريف ثمَّ اشْترى مِنْهُ كَنِيسَة صندحنا وَهِي الْمدرسَة الصلاحية والجهات الَّتِي وَقفهَا عَلَيْهَا من بَيت المَال وَتصرف فِي ذَلِك الْوَقْف وسطر ذَلِك فِي كتاب وَقفه المؤرخ فِي ثَالِث عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الشَّيْخ الامام الزَّاهِد العابد الْمُجَاهِد شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار الْمَعْرُوف بالقدسي وَالْمَشْهُور بِأبي ثَوْر كَانَ من عباد الله الصَّالِحين وَسبب تكنيته بِأبي ثَوْر أَنه حضر بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ يركب ثورا وَيُقَاتل عَلَيْهِ فِي الْغُزَاة فَسمى بذلك

وَقد وقف عَلَيْهِ الْملك الْعَزِيز أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن الْملك صَلَاح الدّين يُوسُف ابْن أَيُّوب الْقرْيَة الَّتِي بِالْقربِ من بَاب الْخَلِيل - أحد أَبْوَاب مَدِينَة الْقُدس - وَهِي قَرْيَة صَغِيرَة بهَا دير من بِنَاء الرّوم يعرف قَدِيما بدير مارفيوس وَيعرف الْآن بدير أبي ثَوْر نِسْبَة اليه وَكَانَ الْوَقْف من الْملك الْعَزِيز فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر رَجَب الْفَرد سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلما توفّي دفن بالقرية الْمَذْكُورَة وقبره بهَا ظَاهر يزار وَله ذُرِّيَّة وهم مقيمون هُنَاكَ وَمِمَّا يحْكى عَنهُ أَنه كَانَ مُقيما بالدير الْمَذْكُور وَكَانَ إِذا قصد إبتياع شَيْء من الْمَأْكُول كتب ورقة بِمَا يُريدهُ ووضعها فِي رَقَبَة ثوره وسيره فيحضر الثور الى الْقُدس إِلَى أَن يَأْتِي إِلَى حَانُوت رجل كَانَ يتعاطى حوائج الشَّيْخ فيقف عِنْده فَيَأْخُذ ذَلِك الرجل الورقة ويقرأها وَيَأْخُذ للشَّيْخ مَا طلب فِيهَا ويحمله للثور فَيرجع الثور إِلَى الشَّيْخ بمكانه وَهَذَا من جملَة كراماته رَضِي الله عَنهُ الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْقرشِي الْهَاشِمِي الصَّالح الناسك صَاحب الكرامات الظَّاهِرَة كَانَ من السادات الاكابر والطراز الأول وَأَصله مغربي من الجزيرة الخضراء من بر الاندلس وَهِي مَدِينَة قبالة سبتة قدم إِلَى مصر وانتفع بِهِ من صَحبه أَو شَاهده وَكَانَ يعد جماعته الَّذين صحبوه بأَشْيَاء من الولايات والمنصب الْعَالِيَة وَصحت كلهَا وَنقل عَنهُ إِن الانسان إِذا خَافَ من التُّخمَة من كَثْرَة الاكل وَقَالَ عقب رفع الْمَائِدَة وفراغه من الْكل (الْحَمد لله لم يضرّهُ ذَلِك) قَالَ أَبُو عبد الله الْقرشِي الْيَوْم يَوْم عيد لم يضرّهُ ذَلِك وَكَانَ أهل مصر يحكون عَنهُ اشياء خارقة وَله كَلَام مدون قدم بَيت الْمُقَدّس واقام بِهِ الى أَن توفّي فِي سادس ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَله خمس وَخَمْسُونَ سنة وَدفن بماملا وقبره ظَاهر يزار وَقد جدد عمَارَة ضريحه الشَّيْخ أَبُو بكر الصَّفَدِي فِي شهور سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَإِلَى جَانِبه دفن الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد

اشْتهر عِنْد النَّاس أَن من جلس عِنْد القبرين ودعا الله بِشَيْء اسْتُجِيبَ لَهُ وَقد جربت ذَلِك فصح نفع الله بهما وجمعنا مَعَهُمَا فِي دَار كرامته بمنه وَكَرمه الشَّيْخ شرف الدّين مُحَمَّد بن عُرْوَة الْموصِلِي الْمَنْسُوب اليه مشْهد بن عُرْوَة بالجامع الْأمَوِي لِأَنَّهُ أول من فَتحه وَقد كَانَ مشحونا بالحواصل الجامعية وَبنى قبَّة الْبركَة ووقف وَقفا على درس حَدِيث فِيهِ ووقف فِيهِ خَزَائِن كتب وَكَانَ مُقيما بالقدس الشريف وَكَانَ من خَواص الْملك الْمُعظم عِيسَى انْتقل الى دمشق حِين خرب سور بَيت الْمُقَدّس وَتُوفِّي بهَا فِي سنة عشْرين وسِتمِائَة وقبره عِنْد قباب اتابك طغتكين قبلي الْمصلى الشَّيْخ الْقدْوَة الْمُحَقق الْملك غَانِم بن عَليّ بن حُسَيْن الانصاري الخزرجي الْمَقْدِسِي مولده بقرية بورين من عمل نابلس فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ولاه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب المشيخة بالخانقاه الصلاحية المنسوبة اليه بالقدس الشريف وَالنَّظَر عَلَيْهَا ورايت توقيعه بذلك وَعَلِيهِ خطّ السُّلْطَان لما قرأته الْحَمد لله على نعمائه وَقد قطع تَارِيخه لطول الزَّمَان وَهُوَ أول من وَليهَا وَسكن الْقُدس من ذَلِك التَّارِيخ وتناسل مِنْهُ ذُرِّيَّة معروفون مَشْهُورُونَ وَسَنذكر مَا تيَسّر مِنْهُم إِن شَاءَ الله تَعَالَى صحب الشَّيْخ غَانِم مَشَايِخ أهل زَمَانه وَأخذ مِنْهُم مَكَارِم الْأَخْلَاق وَحسن المآثر توفّي بِدِمَشْق فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة السَّيِّد بدر الدّين بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن بدران بن يَعْقُوب بن مطر بن سَالم أخي السَّيِّد تَاج العارفين أبي الوفا مُحَمَّد لِأَبِيهِ وهما ولدا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زين بن الْحسن بن المرتضى الْأَكْبَر عوض بن زيد بن زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم اجمعين كَانَ السَّيِّد بدر قطبا عَارِفًا مُتَمَكنًا خضعت لَهُ أَوْلِيَاء زَمَانه وهرع اليه الْخَاص وَالْعَام وَقصد بالزيارة وزارته الوحوش وَالسِّبَاع وترددت إِلَى زيارته وزيارة اولاده المدفونين بضريح شرفات ومرغت

وجوهها عِنْد بَاب ضريحه وَله كَلَام عَال على لِسَان أهل الدقائق وكرامات مَشْهُورَة توفّي فِي سنة خمسين وسِتمِائَة وَدفن بزاويته بوادي النسور ظَاهر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو ثلث بريد وَهُوَ مَقْصُود بالزيارة نفع الله بِهِ وَأما وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد فَإِنَّهُ كَانَ من ذَوي المجاهدات وَالْأَحْوَال والاشارات والعزم السيديد فِي الْعِبَادَات ومعانقة الطَّاعَات تخرج بِهِ جمع كثير وَظَهَرت لَهُ أَحْوَال خارقة توفّي فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَأما ولد السَّيِّد مُحَمَّد الْمشَار اليه هُوَ السَّيِّد عبد الْحَافِظ كَانَ من أجلاء العارفين المتصرفين الأخيار الْعلمَاء بِأُمُور الدّين المتوجهين الى الله تَعَالَى المتوكلين عَلَيْهِ تخرج بِهِ جمَاعَة وانتهت اليه رياسة أهل هَذِه الطَّرِيقَة فِي زَمَانه وَكَانَ اول امْرَهْ ارتحل من وَادي النسور حِين ضَاقَتْ منازلها بذرية السَّيِّد بدر إيثارا لَهُم واعرض عَن الَّذِي يتَحَصَّل مِنْهَا واقام بقرية شفرات ظَاهر الْقُدس الشريف وَهِي الْمَشْهُورَة فِي عصرنا بشرفات وَحَقِيقَة ذَلِك أَن الاول هُوَ اسْم هَذِه الْقرْيَة وَإِنَّمَا اطلق الِاسْم الثَّانِي عَلَيْهَا من حِين مصيرها إِلَى السَّادة الْأَشْرَاف اولاد السَّيِّد أبي الوفا اشتقاقا من سكانها الشرفا توفّي السَّيِّد عبد الْحَافِظ فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَأما وَلَده السَّيِّد دَاوُد فَكَانَ من الْأَوْلِيَاء اصحاب الكرامات وَمن كراماته أَن قَرْيَة شرفات الْمَذْكُورَة كَانَ بهَا قَلِيل نَصَارَى يزرعون ارضها وَلَيْسَ فِيهَا مُسلم غَيره وَغير اتِّبَاعه وَعِيَاله وَكَانَ يتستر بالعبادات حَتَّى أظهره الله تَعَالَى وَكَانَ أول اسباب ظُهُوره ان النَّصَارَى بالقرية الْمَذْكُورَة كَانُوا يعصرون الْخُمُور ويبيعونها للفساق من الْمُسلمين وَغَيرهم فشق ذَلِك على السَّيِّد دَاوُد فَتوجه فيهم إِلَى الله تَعَالَى فَكَانُوا بعْدهَا لَا يعصرون الْخمر إِلَّا انقلبت خلا وَقيل مَاء فَقَالَ النَّصَارَى هَذَا سَاحر وَارْتَحَلُوا فشق ذَلِك على مقطعها فَبلغ السَّيِّد دَاوُد ذَلِك

فَأرْسل إِلَيْهِ وإستأجرها مِنْهُ وَبنى بهَا زَاوِيَة وقبة وَهِي مدفنه ومدفن اولاده وَذريته وَاتفقَ أَن الْقبَّة لما عقدت اتاها رجل طَائِر فِي الْهَوَاء فَأَشَارَ اليها بِيَدِهِ فَسَقَطت فَظن الْبناء أَنه طَائِر فَذكر ذَلِك للسَّيِّد دَاوُد فَسكت ثمَّ أمره ببنائها ثَانِيًا فَلَمَّا انْتَهَت اتاها الطَّائِر فَسَقَطت ثَانِيًا فَأخْبر السَّيِّد دَاوُد بذلك فَأمر ببنائها فَلَمَّا انْتَهَت حضر السَّيِّد دَاوُد فَأَتَاهَا الطَّائِر فَأَشَارَ اليه السَّيِّد دَاوُد بِيَدِهِ فَسقط مَيتا فِي دَار خلف الزاوية فَأمر أَصْحَابه باحضاره اليه فَاحْضُرْ فَإِذا هُوَ رجل كَامِل الْخلقَة نير الْوَجْه شعر رَأسه مسدول طَوِيل فَغسل وكفن وَصلى عَلَيْهِ وَدفن فِي الْقبَّة الْمَذْكُورَة ثمَّ قَالَ السَّيِّد دَاوُد بَعثه الله لحتفه فَقيل لَهُ هَل تعرفه؟ قَالَ نعم هُوَ ابْن عمي اسْمه احْمَد الطير غارت همته من همتنا واراد ان يطفيء الشُّهْرَة بهدم الْقبْلَة فَلم يرد الله إِلَّا الشُّهْرَة وَجعله الله أول من يدْفن فِي الْقبَّة توفّي السَّيِّد دَاوُد فِي سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة وَأما وَلَده السَّيِّد أَحْمد الملقب بالكبريت الْأَحْمَر الشهير بالكريدي كَانَ من أجلاء الْمَشَايِخ الكاملين الْمُحَقِّقين المتمكنين انْتَهَت اليه رياسة هَذَا الشَّأْن وَوضع الله لَهُ الْقبُول عِنْد كل إِنْسَان واوضح على يَدَيْهِ الْبُرْهَان وَسَماهُ رجال عصره بالكبريت الْأَحْمَر لقلَّة وجود مثله فِي زَمَانه وَكَانَ وَالِده قد خرجه وتكمل فِي زَمَانه وَكَانَ يُشِير فِي بعض الْحَوَادِث اليه فخلفه من يعده وَتخرج بِهِ جمَاعَة لَا يحسون كَثْرَة من ذَوي الاحوال وانتمى اليه خلق كثير وَكَانَ مِمَّن تخرج بِهِ أَخُوهُ السَّيِّد شمس الْمُتَوفَّى قبله وَالشَّيْخ الْعَارِف أَحْمد الصلتي الشهير بِابْن الموله وَالشَّيْخ الْعَارِف أَبُو المحاسن يُوسُف البربراوي نِسْبَة الى قَرْيَة بربر من أَعمال غَزَّة قريبَة من عسقلان وقبره فِيهَا ظَاهر يزار وَالشَّيْخ الصَّالح سَيِّدي عَليّ المومني وَغَيرهم توفّي السَّيِّد أَحْمد الكبريت الْأَحْمَر سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ لَهُ خَمْسَة أَوْلَاد ذكران وَثَلَاث اناث أحد الذُّكُور السَّيِّد عَليّ وَالثَّانِي

السَّيِّد مُحَمَّد البها وَكَانَ من رجال الْوَقْت وعارفيه وَكَانَ لَهما خوارق وَمَكَارِم اخلاق وبر وَكَانَا عُمْدَة الأَرْض المقدسة وَمَا حولهَا يخشاهما السبَاع والمناحيس وتأوي اليهما الْفُقَرَاء ويحضر على موائدهما الْخَاص وَالْعَام ويقصد بركاتهما فِي الْمُهِمَّات الجم الْغَفِير وَكَانَ الْغَالِب على السَّيِّد عَليّ الصحو والحضور وعَلى الشَّيْخ البها الِاسْتِغْرَاق والغيبة ثمَّ توفّي السَّيِّد البها عَن وَلدين فرباهما السَّيِّد عَليّ وَفِي أيامهم وقف منجك نَائِب الشَّام عَلَيْهِم قَرْيَة شرفات الْمَذْكُورَة فتوقف السَّيِّد عَليّ فِي قبُولهَا ثمَّ قبلهَا اليصيرها مرعي اغنامهم وَيكون من أشجارها احطابهم وَلم تؤرخ وَفَاة السَّيِّد مُحَمَّد البها وَأما السَّيِّد عَليّ فوفاته فِي سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة وَله نَيف وَخَمْسُونَ سنة وَأما ولد السَّيِّد عَليّ وَهُوَ السَّيِّد تَاج الدّين أَبُو الوفا مُحَمَّد كَانَ لَا يقطع التَّرَدُّد الى الْقُدس فيأتيه أَكثر مَا كَانَ يَأْتِيهِ وَالِده وجده الكبريت الْأَحْمَر فَاشْترى بالقدس دَارا وَبنى فَوْقهَا وَهُوَ أول من استوطن الْقُدس الشريف بعد موت ابيه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي فِي يَوْم الْجُمُعَة السَّادِس عشر من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا شَرْقي الْبركَة وَهُوَ وَالِد الشَّيْخَيْنِ الصَّالِحين الشَّيْخ ابي بكر وَالشَّيْخ عَليّ الْآتِي ذكرهمَا فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن اقاربهم الشَّيْخ الكمالي كَانَ من أجلاء الرِّجَال ذَوي الْأَحْوَال والمكاشفات وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الجذب ومحاسبة النَّفس غضب يَوْمًا على إِنْسَان فَنظر اليه نظرة غضب فَمَاتَ لوقته وَله تَصَرُّفَات وحالات لَا تسعها الأفهام توفّي وَله نَيف وَخَمْسُونَ سنة واخبرت أَن وَفَاته بعد الثَّمَانمِائَة وَدفن بِظَاهِر الْقُدس عِنْد برج الْعَرَب على طَرِيق الْمَار الى قَرْيَة لفتا وَأما ضريح شرفات فقد حوى من البدرية الْمشَار اليهم عدَّة أَرْبَعِينَ لَا تكَاد تحصى مناقبهم لكثرتها رَحِمهم الله تَعَالَى وَرَضي عَنْهُم ونفعنا بهم بمنه وَكَرمه الشَّيْخ عَليّ الْبكاء صَاحب الزاوية بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

كَانَ مَشْهُورا بالصلاح وَالْعِبَادَة وإطعام من يجتاز بِهِ من الْمَارَّة وَالزُّوَّارِ وَكَانَ الْملك الْمَنْصُور قلاوون يتثني عَلَيْهِ وَيذكر انه اجْتمع بِهِ وَهُوَ أَمِير وَأَنه كاشفه فِي أَشْيَاء وَقعت لَهُ وَسبب بكائه الْكثير أَنه صحب رجلا كَانَت لَهُ أَحْوَال وَخرج عه من بَغْدَاد فوصلا فِي سَاعَة وَاحِدَة الى بَلْدَة بَينهَا وَبَين بَغْدَاد مسيرَة سنة فَقَالَ لَهُ ذَلِك الرجل أَنِّي سأموت فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ فاشهدني فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْوَقْت حضر عِنْده وَهُوَ فِي السِّيَاق وَقد اسْتَدَارَ الى الشرق فحو لَهُ الشَّيْخ عَليّ فَقَالَ لَهُ لَا تتعب فَأَنِّي لَا أَمُوت إِلَّا على هَذَا الْوَجْه وَجعل يتَكَلَّم بِكَلَام الرهبان حَتَّى مَاتَ فَحَمله الشَّيْخ عَليّ وَجَاء بِهِ الى دير هُنَاكَ فَوجدَ أهل الدَّيْر فِي حزن عَظِيم فَقَالَ مَا شَأْنكُمْ؟ قَالُوا كَانَ عندنَا شيخ كَبِير ابْن مائَة سنة فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم مَاتَ على دين الاسلام فَقَالَ الشَّيْخ عَليّ خذو هَذَا بدله وسلموه اليه فَوَلِيه وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه توفّي الشَّيْخ عَليّ البكا فِي جمادي الْآخِرَة سنة سبعين وسِتمِائَة وَدفن بزاويته الْمَشْهُورَة وَهِي بحارة مُنْفَصِلَة عَن مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من جِهَة الشمَال وَالَّذِي بنى الزاوية والايوان وَمَا مَعَه الْأَمِير عز الدّين أيدمر فِي دولة الْملك الظَّاهِر بيبرس فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة قبل وَفَاة الشَّيْخ ثمَّ بنى قبَّة الزاوية من الساحة وَمَا مَعهَا الْأَمِير الاسفهسلار حسام الدّين طريطاي نَائِب الْقُدس الشريف فِي دولة الْملك الْمَنْصُور قلاوون فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة ثمَّ بنى البوابة والمنارة علوها وهما فِي غَايَة الاتقان وَالْحسن الْأَمِير سيف الدّين سلار نَائِب السلطنة بالديار المصرية والممالك الشامية بِمُبَاشَرَة الْأَمِير كيكلدى النجمي فِي دولة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي مستهل رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة الْخَطِيب الْقدْوَة الزَّاهِد برهَان الدّين ابو إِسْحَاق ابراهيم بن أبي الْفضل سعد الله بن جمَاعَة بن عَليّ بن جمَاعَة ابْن حَازِم بن صَخْر بن

عبد الله بن جمَاعَة الْكِنَانِي الْحَمَوِيّ المولد الشَّافِعِي من ولد مَالك بن كنَانَة ولد بحماه فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَمَات أَبوهُ وَهُوَ صَغِير ثمَّ انْتقل الى دمشق وتفقه على الشَّيْخ ابي مَنْصُور بن عَسَاكِر ثمَّ اشْتغل بِالْحَدِيثِ ودرس بعدة أَمَاكِن وَكَانَ كثير التهمد ملازما للاشتغال بِالْحَدِيثِ وَالصِّيَام عَارِفًا بِعلم اهل الطَّرِيق حسن الْكَلَام فِيهِ لَهُ قبُول عِنْد النَّاس وَلَهُم فِيهِ اعْتِقَاد وَحج مرَارًا آخرهَا فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة ثمَّ قصد من حماة زِيَارَة الْبَيْت الْمُقَدّس فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة واستصحب مَعَه كَفنه وودع أهل الْبَلَد وَأخْبرهمْ أَنه يَمُوت بِبَيْت الْمُقَدّس فوصل اليه وَأقَام بِهِ اياما ثمَّ مرض يَوْمَيْنِ وَتُوفِّي فِي الثَّالِث وَكَانَت وَفَاته بكرَة يَوْم عيد الاضحى من سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة وَصلي عَلَيْهِ ضحوة النَّهَار بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَدفن بماملا عِنْد سَيِّدي الشَّيْخ ابي عبد الله الْقرشِي وَهُوَ أول من استوطن بَيت الْمُقَدّس من بني جمَاعَة وَكَانَ يلقب بِصَاحِب عَرَفَة لِأَنَّهُ رَآهُ جمَاعَة من النَّاس بِعَرَفَة واصبح خطب عيد الْأَضْحَى بِمَدِينَة حماة فَلَمَّا ظَهرت لَهُ هَذِه الْكَرَامَة توجه لزيارة بَيت الْمُقَدّس وَتُوفِّي بِهِ - كَمَا تقدم - رَحمَه الله الشَّيْخ الْعَالم الْكَبِير الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْعَارِف غَانِم الْمَقْدِسِي الانصاري وقفت على مرسوم السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون ان يُقرر لَهُ برسم زاويته فِي كل شهر غِرَارَتَانِ قمحا بِالْكَيْلِ النابلسي إنعاما مستمرا مؤرخ المرسوم فِي الثَّالِث من الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَلم أطلع لَهُ على تَرْجَمَة وَلَا تَارِيخ وَفَاة رَحمَه الله عمر بن إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان بن كَعْب الوَاسِطِيّ توفّي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شعْبَان سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَدفن بماملا وقبره عَلَيْهِ بِنَاء عَظِيم وَهُوَ على جَانب الطَّرِيق قبلي قبَّة الكبكية وَلَا أعرف لَهُ تَرْجَمَة

(قبر وجدنا)

(قبر وجدنَا) بِالْقربِ من قبر الوَاسِطِيّ - الْمَذْكُور من جِهَة الْقبْلَة قبر على جَانب الطَّرِيق السالك يعرف بِقَبْر وجدنَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك انه مر اثْنَان وَهُوَ رَاكب فَقَرَأَ عِنْده قَوْله تَعَالَى (ووجوا مَا عمِلُوا حَاضرا وَلَا يظلم رَبك أحدا) فَأجَاب من الْقَبْر بقوله وجدنَا وجدنَا حَتَّى سَمعه ذَلِك الرجل وَهُوَ قبر مَشْهُور عَلَيْهِ أَحْجَار كبار وَلَا يعرف اسْم صَاحبه وَإِنَّمَا يعرف بِقَبْر وجدنَا وَقد وهم بعض النَّاس فَظَنهُ قبر الوَاسِطِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن ذَاك اسْمه مَكْتُوب على الْقَبْر وَهَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ كِتَابَة وَحكي ان بعض النَّاس اخذ الْأَحْجَار الَّتِي على قبر وجدنَا ونقلها الى مَكَان آخر فَأصْبح وَقد وجدهَا على الْقَبْر كَمَا كَانَت فعد ذَلِك من كراماته رَحمَه الله الْفَقِيه شرف الدّين قَاسم بن الشَّيْخ الْقدْوَة علم الدّين سُلَيْمَان بن شرف الدّين قَاسم الحوراني نزيل الْقُدس الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَهُوَ جد بني قَاسم الْمَشْهُورين بالقواسمه وَكَانَ لَهُ وصلَة بالأمير سنجر الدويدار وَاقِف الدويدارية بِبَاب شرف الْأَنْبِيَاء وَجعله مشارفا لمدرسته وأشركه فِي النّظر مَعَ وَلَده جمال الدّين مُوسَى وَعين ذَلِك فِي كتاب وَقفه - الْمُتَقَدّم ذكر تَارِيخه عِنْد ذكر الْمدرسَة الشَّيْخ أَبُو يَعْقُوب المغربي الْمُقِيم بالقدس الشريف كَانَ النَّاس يَجْتَمعُونَ بِهِ وَهُوَ مُنْقَطع بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى توفّي فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة الشَّيْخ الصَّالح العابد الزَّاهِد جلال الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم بن الصَّدْر زين الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد الْعقيلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن القلانسي ولد سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة سمع على جمَاعَة واشتغل بصناعة الْكِتَابَة ثمَّ انْقَطع وَترك ذَلِك كُله وَاقْبَلْ على الْعِبَادَة والزهادة وَبنى لَهُ الْأُمَرَاء بِمصْر زَاوِيَة وترددوا اليه وَكَانَ فِيهِ بشاشة وَقَضَاء حَاجَة وَكَانَ ثقيل السّمع ثمَّ انْتقل الى الْقُدس وَقدم دمشق وَحدث بهَا ثمَّ عَاد الى الْقُدس وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد الثَّالِث من ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بماملا رَحمَه الله الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ابراهيم الْمصْرِيّ الْقصرى توفّي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بماملا رَحمَه الله الشَّيْخ الْعَلامَة نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله بن مُحَمَّد الشَّيْخ الدّين سُلَيْمَان بن غَانِم شيخ حرم الْقُدس الشريف رَأَيْت توقعاً لَهُ من قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين ابي الْحسن عَليّ القونوي الشَّافِعِي قَاضِي دمشق بمشيخة الْحرم بالقدس الشريف تَارِيخ التوقع فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن شَوَّال سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة الشَّيْخ ابراهيم الهدمة اصله كردِي من بِلَاد الشرق قدم الشَّام وَأقَام بَين الْقُدس والخليل فِي أَرض اخْتَارَهَا وعنى بهَا وَزرع فِيهَا وَكَانَ يقْصد للزيارة وَظَهَرت لَهُ كرامات وَقد بلغ مائَة سنة وَتزَوج فِي آخر عمره ورزق اولادا صالحين وَحكي عَنهُ انه كَانَ يصرف لَهُ من سماط سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي كل يَوْم عشرَة أرغفة فَكَانَت تجمع لَهُ من أول الاسبوع إِلَى آخِره فيحضر فِي آخر يَوْم من الاسبوع وَيدْفَع لَهُ الْخبز عَن جَمِيع ذَلِك الاسبوع ويفت فِي وعَاء وَيُوضَع عَلَيْهِ الحشيشة من السماط الْكَرِيم فيأكله جَمِيعه وَيسْتَمر بَقِيَّة الاسبوع لَا يَأْكُل شَيْئا توفّي فِي جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بِالْقربِ من قَرْيَة سعير بَين الْقُدس والخليل رَحمَه الله الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة الْقدْوَة الْمُحَقق برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم ابْن عمر بن ابراهيم بن خَلِيل الْمقري الجعبري الخليلي الشَّافِعِي وَكَانَ يُقَال لَهُ شيخ الْخَلِيل ولد بجعبر فِي حُدُود سنة اربعين وسِتمِائَة وتلا بالسبع وبالعشر ثمَّ قدم دمشق ثمَّ رَحل الى بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأقَام بِهِ مُدَّة طَوِيلَة نَحْو اربعين سنة ورحل النَّاس اليه وروى عَنهُ خلائق وصنف نزهة البررة فِي القراآت الْعشْرَة وَشرح الشاطبية والرائية وَاخْتصرَ مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ومقدمته فِي النَّحْو وكمل شرح التَّعْجِيز فَإِن صَاحبه لم يكمله وَله مُصَنف فِي عُلُوم الحَدِيث ومناسك إِلَى غير ذَلِك من التصانيف المختصرة الَّتِي تقَارب الْمِائَة وَكَانَ منور الشيبة ولي مشيخة مَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى أَن توفّي فِي يَوْم الْأَحَد الْخَامِس من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بِظَاهِر الْبَلَد تَحت الزيتونة وَله ثِنْتَانِ وَتسْعُونَ سنة رَحمَه الله الشَّيْخ سيف الدّين أَبُو بكر بن الشَّيْخ الْقدْوَة حسن بن الشَّيْخ الْقدْوَة غَانِم الانصاري كَانَ مَوْجُودا فِي الْمحرم سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَولده الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد وَالشَّيْخ عبد الرَّحِيم كَانَا موجودين فِي شهر رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَمِمَّنْ كَانَ فِي عصر الشَّيْخ سيف الدّين الشَّيْخ شرف الدّين عِيسَى بن مُوسَى ابْن الشَّيْخ غَانِم وَلم أطلع لأحد مِنْهُم على تَرْجَمَة ولاتاريخ وَفَاة رَحِمهم الله تَعَالَى الشَّيْخ فَخر الدّين عُثْمَان بن برهَان الدّين ابراهيم العجمي الشَّافِعِي كَانَ من الْفُقَهَاء والعدول بالقدس الشريف وَكَانَ مَوْجُودا فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الْأَمِير جلال الدّين الْعشي بن عز الدّين بن حسام الدّين اتابك الكيلاني الْمَغَازِي من ذُرِّيَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة القَاضِي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الصَّالِحِي الشَّافِعِي خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الْفَاضِل شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ابراهيم بن خَلِيل بن ابي الْعَبَّاس الجعبري الشَّافِعِي ولد فِي حُدُود التسعين والستمائة وَسمع الحَدِيث على جمَاعَة مِنْهُم وَالِده واستجاز لَهُ أَبوهُ جمعا وَولي مشيخة حرم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة

وَالسَّلَام بعد وَالِده وانفصل مِنْهَا ثمَّ اعيد وَاسْتمرّ الى أَن مَاتَ فِي ثَالِث عشر صفر سنة تسع واربعين وَسَبْعمائة وَكَانَ قد زوجه وَالِده بِالْمَرْأَةِ الصَّالِحَة زهراء بنت الشَّيْخ زين الدّين عمر بن أخي الشَّيْخ عَليّ البكا فَولدت لَهُ عدَّة أَوْلَاد يعرف مِنْهُم خَمْسَة مُحَمَّد وَأحمد وَعمر وَعلي وابراهيم فَأَما مُحَمَّد فَلم يعرف من حَاله إِلَّا أَنه استجيز لَهُ جمع كَبِير من الْعلمَاء وَكَأَنَّهُ مَاتَ صَغِيرا وَأما أَحْمد فَإِنَّهُ عَاشَ وَحدث لَهُ أَوْلَاد وَلَكِن لَا تعرف لَهُ تَرْجَمَة وَأما عمر فَالظَّاهِر أَنه الْأَكْبَر وَله تَرْجَمَة هُوَ الشَّيْخ الْفَاضِل الصَّالح ولد سنة ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة واستجاز لَهُ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد البرزالي جمعا كَبِيرا من الْعلمَاء وَولي مشيخة حرم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد وَالِده مُسْتقِلّا بهَا وَكَانَ يقاسم اخوته الْمَعْلُوم الْمُتَعَلّق بهَا وَأخذ طَريقَة السَّادة الصُّوفِيَّة البكائية عَن خَاله الشَّيْخ عَليّ بن الشَّيْخ عمر فَكَانَ شيخ الطَّائِفَة الْمَذْكُورَة وَشَيخ الزاوية الكائنة على ضريح الشَّيْخ عَليّ البكا والناظر عَلَيْهَا وَكَانَ مُعْتَقدًا فِيهِ الصّلاح وَالْخَيْر توفّي فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَأَخُوهُ عَليّ هُوَ الشَّيْخ الصَّالح الْفَاضِل نور الدّين وَيُقَال عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن ولد فِي حُدُود سنة عشْرين وَسَبْعمائة واستجاز لَهُ جده الامام برهَان الدّين الْعَلامَة شرف الدّين الْبَارِزِيّ وَسمع عَليّ الْمَيْدُومِيُّ وَغَيره وَولي مشيخة حرم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد أَخِيه الشَّيْخ عمر وَتُوفِّي بعد أَن فوض المشيخة إِلَى وَلَده - الْآتِي ذكره - سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَأَخُوهُ الشَّيْخ برهَان الدّين ابراهيم لم يعرف لَهُ تَرْجَمَة وَوجدت وَصيته فِي سنة خمس وَثَمَانمِائَة وَأما ولد الشَّيْخ نور الدّين - الْمَوْعُود بِذكرِهِ - هُوَ الشَّيْخ الصَّالح الْفَاضِل

شمس الدّين أبوعبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ نور الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن ابراهيم الجعبري ولد سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة وَسمع من ابيه وَعَمه الشَّيْخ عمر وَغَيرهمَا وَكَانَت عِنْده الْخِرْقَة البكائية عَن عَمه ووالده وَتفرد بروايتها وقصده جمَاعَة لأخذها عَنهُ وَولى مشيخة الزاوية البكائية بعد عَمه الشَّيْخ عمر ومشيخة الْحرم بعد أَبِيه بتفويض مِنْهُ وَتزَوج بنت عَمه الشَّيْخ برهَان الدّين ابراهيم وَحدث لَهُ مِنْهَا أَوْلَاد مِنْهُم الشَّيْخَانِ الشمسي والسراجي المعروفان وَسَنذكر ترجمتهما فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى الشَّيْخ الْعَالم الْفَاضِل زين الدّين عبد الْقَادِر توفّي بعد ان اشْتغل بِالْعلمِ وَالْقِرَاءَة والْحَدِيث وَسمع عَليّ الْمَيْدُومِيُّ وَغَيره وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة عَن ازيد من اربعين سنة وَتُوفِّي الشَّيْخ شمس الدّين الجعبري - الْمشَار اليه - فِي إِحْدَى واربعين وَثَمَانمِائَة مطعونا وَزَوجته سِتّ الْمَشَايِخ بنت برهَان الدّين مولدها سنة ارْبَعْ وَخمسين وَسَبْعمائة وَتوفيت فِي سنة ثَلَاث واربعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بدر الدّين حسن بن عَلَاء الدّين ابي الْحسن عَليّ الصَّفَدِي الشَّافِعِي كَانَ من اعيان الْفُقَهَاء بالقدس الشريف وَكَانَ يتَحَمَّل الشَّهَادَة عِنْد الْقُضَاة وَكَانَ مَوْجُودا فِي حُدُود الْخمسين والسبعمائة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعدْل المعمر شرف الدّين قَاسم بن سُلَيْمَان بن قَاسم الْأَذْرَعِيّ الْقُدسِي إِمَام قبَّة مُوسَى بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف مولده فِي سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة وَأَجَازَ للشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر النابلسي الْحَنْبَلِيّ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَتُوفِّي بالقدس الشريف فِي سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَامِل البارع الْمُحدث المعمر صدر الاكابر قطب الدّين ابو بكر مُحَمَّد بن الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الامام الْعَالم جلال الدّين أبي الْعَزْم مكرم الانصاري الخزرجي نزيل الْحَرَمَيْنِ الشريفين والقدس الشريف مولده فِي سنة سبعين وسِتمِائَة وَله سَنَد عَال فِي الحَدِيث أجَاز للشَّيْخ شمس الدّين عبد الْقَادِر

النابلسي الْحَنْبَلِيّ بالقدس الشريف فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة الشَّيْخ الامام الْعدْل المرتضى أَمِين الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرحمان الْجَزرِي أحد اصحاب الْفَخر البُخَارِيّ قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر النابلسي الْحَنْبَلِيّ الحَدِيث واجازه بقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فِي ثَالِث عشر جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة الْمسند شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن خطاب بن الْيُسْر الْقُدسِي الموقت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف ولد فِي الْمحرم سنة ارْبَعْ وعشين وَسَبْعمائة سمع من الْحجاز وَمن العلائي وَحدث سمع مِنْهُ الْفُضَلَاء واجاز لأبي الْفَتْح المراغي فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَامِل الصَّالح الْقدْوَة الْكَبِير الزَّاهِد مربي الطالبين مرشد السالكين ولي الله فِي الْعَالمين الشَّيْخ عَليّ الصفي البسطامي شيخ فُقَرَاء البسطامية بالقدس الشريف كَانَ من الْأَوْلِيَاء الْمَشْهُورين توفّي فِي عصر يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر صفر سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن بالبسطامية بماملا قدس الله روحه الشَّيْخ الصَّالح الشَّهِيد المرحوم عَليّ بن أَحْمد المذكوري توفّي فِي سَابِع عشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الْحَافِظ الْمُحدث جمال الدّين أَبُو مَحْمُود أَحْمد بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن هِلَال الْقُدسِي الخواصي الشَّافِعِي ولد فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة ضبط وافاد ورحل ودرس بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية بالقدس الشريف بعد وَفَاة العلائي صنف الْمِصْبَاح فِي الْجمع بَين الْأَذْكَار وَالسِّلَاح ومثير الغرام إِلَى زِيَارَة الْقُدس وَالشَّام وكل فَرَاغه مِنْهُ فِي يَوْم الاربعاء الثَّالِث وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة بِبَيْت الْمُقَدّس وَصَارَ رحْلَة وَمن نظمه قد صَحَّ عِنْد النَّاس اني مغرم أَتَرَى تجود بِمَا أَدْعُوهُ وتنعم

فَلَقَد شهدتك دوتهم بدر الدجى لبليتي ومنيتي وَلَقَد عموا كم ذَا اوري والعوذل حضر واصد عَن ذكراك كي يتوهموا واذا ذكرت ارى الرَّقِيب تجلدا وأخو الصبابة مَا عساه يكتم غدر الْهوى من بعد مَا سالمته وَمن الَّذِي يهون وَمِنْه يسلم توفّي الشَّيْخ أَبُو مَحْمُود بِمصْر فِي ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن يَعْقُوب بن الياس الانصاري الخزرجي البيساني الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن إِمَام الصَّخْرَة ولد فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَحضر على الْفَخر بن البُخَارِيّ وَسمع على جمَاعَة واجاز لَهُ جمَاعَة توفّي بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ سراج الدّين أَبُو حَفْص عمر بن الشَّيْخ الصَّالح أبي الْقَاسِم العدلي الشَّافِعِي خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الْعَالم الصَّالح غَانِم بن عِيسَى بن غَانِم الْمَقْدِسِي الصُّوفِي كَانَ شَيخا للصوفية بالخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف وَله نظم رائق وَهُوَ ولد القَاضِي شرف الدّين عِيسَى بن غَانِم قَاضِي الْقُدس الشريف - الْمُتَقَدّم ذكره - توفّي الشَّيْخ غَانِم سنة سبعين وَسَبْعمائة بالقدس الشريف الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة جمال الدّين عبد الله بن الشَّيْخ الامام الْعَلامَة نَاصِر الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن حسام الدّين ابي الرّبيع سُلَيْمَان بن غَانِم الشَّافِعِي شيخ حرم الْقُدس الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة القَاضِي بدر الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن القَاضِي تَقِيّ الدّين أبي الْفَتْح مُحَمَّد بن القَاضِي قطب الدّين عبد اللَّطِيف بن الشَّيْخ صدر الدّين يحيى السُّبْكِيّ الانصاري الامام الْعَالم البارع الأوحد مولده بِالْقَاهِرَةِ قيل سنة ارْبَعْ وَقيل خمس وَقيل سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة سمع من جمَاعَة بِمصْر وَالشَّام ودرس وافتى وعمره خمس عشرَة سنة

فِي حَيَاة جده لأمه قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وناب فِي الحكم بِدِمَشْق لخاله القَاضِي تَاج الدّين السُّبْكِيّ ثمَّ ولي قَضَاء الْعَسْكَر بِدِمَشْق وَكَانَ حسن الخطابة كثير الْأَدَب والحشمة وَالْحيَاء وَالنَّاس مجمعون على محبته توفّي بالقدس الشريف فِي شَوَّال سنة احدى وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بمقابر بَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الصَّالح عبد الله الْهِنْدِيّ كَانَ من الْأَوْلِيَاء الْمَشْهُورين توفّي بالقدس الشريف لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشري ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بماملا عِنْد أبي عبد الله الْقرشِي الْمسند بدر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير سيف الدّين قلنجد بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ابْن أخي الْحَافِظ ابي سعيد العلائي ولد فِي ثَالِث شعْبَان سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَسمع من جمَاعَة وَحدث سَمعه الْفُضَلَاء وَكَانَ رجلا حسنا لَهُ أوراد وَفِيه خير توفّي بالقدس الشريف يَوْم الْجُمُعَة حادي عشري شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين أَبُو الفدا اسماعيل بن عَليّ بن الْحسن بن سعيد بن صَالح القرقشندي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي نزيل الْقُدس الشريف وفقهيه مولده فِي سنة اثْنَيْنِ وَسَبْعمائة بِمصْر وَقَرَأَ بهَا وَحصل ثمَّ قدم دمشق وَقَرَأَ على الشَّيْخ فَخر الدّين الْمصْرِيّ فَأَجَازَهُ بالافتاء ثمَّ أَقَامَ بالقدس مثابرا على نشر الْعلم وَتزَوج بنت مدرس الصلاحية العلائي وَأعَاد عِنْده واشتهر أمره وَبعد صيته ورحل اليه وَكَثُرت تلامذته توفّي بالقدس الشريف فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بالقلندرية بماملا وَهُوَ أول من استوطن بَيت الْمُقَدّس من بني القرقشندي وَله ذُرِّيَّة معروفون سنذكر تراجمهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى الشَّيْخ الْعَلامَة سراج الدّين أَبُو حَفْص عمر الزَّيْلَعِيّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي أحد عُلَمَاء الْقُدس الأخيار توفّي فِي سادس رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة

بالقدس الشريف وَدفن بالقلندرية بماملا الشيد الشريف الحسيب النسيب الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْخَيْر بادار بن عبد الله القرنوي الْبَصِير نزيل الْقُدس الشريف كَانَ يتَكَلَّم على النَّاس بقبة السلسلة بِصَحْنِ الصَّخْرَة قَالَ الشَّيْخ بدر الدّين مَحْمُود العجلوني مَا عرفت الله إِلَّا بملازمة مجالسه وقبره ظَاهر الْقُدس الشريف بِالْقربِ من خَان الظَّاهِر وَهُوَ مَعْرُوف يزار وَعِنْده ايوان بِهِ محراب على جَانب الطَّرِيق توفّي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر شعْبَان سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الْقدْوَة شمس الدّين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حسن بن مُوسَى بن غَانِم الْمَقْدِسِي شيخ بَيت الْمُقَدّس ولد فِي رَمَضَان سنة سبع وَسَبْعمائة وَسمع من هَدِيَّة بنت عَسَاكِر الأول من حَدِيث الْهَاشِمِي وَالْأول من شَيْخه العيسوي وَمن زَيْنَب بنت شكر ثلاثيات الدَّارمِيّ وَمن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الجرائدي السَّفِينَة الجرائدية وَهِي سَبْعَة أَجزَاء وَحدث بِبَيْت الْمُقَدّس وَغَيره وَمَات فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الأوحد الْعَالم بدر الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الامام الْعَالم جمال الدّين عبد الله بن الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن غَانِم شيخ حرم الْقُدس الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْخَطِيب الشَّافِعِي فَقِيه الْقُدس ومفتيه انْتفع عَلَيْهِ فُقَهَاء بَيت الْمُقَدّس وَأخذ عَنهُ الشَّيْخ سعد الدّين الديري الاصول واخذ عَنهُ غَيره من الْعلمَاء علوما كَثِيرَة توفّي بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَدفن بِالبَقِيعِ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الامام الْعَالم شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن حَامِد الانصاري الْقُدسِي الشَّافِعِي ولد فِي شهر ربيع الأول سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة سمع الحَدِيث واشتغل بِالْعلمِ وَصَارَ من الْفُضَلَاء توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الصَّالح الزَّاهِد قطب زَمَانه شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد

ابْن عُثْمَان بن عمر التركماني الأَصْل الْمَعْرُوف بالقرمي الشَّافِعِي مولده فِي سَابِع عشر ذِي الْحجَّة سنة عشْرين وَسَبْعمائة كَانَ اُحْدُ افراد زَمَانه عبَادَة وزهدا وورعا متصديا لزيارة الْأَوْلِيَاء القادمين من الْبِلَاد على الْقُدس وَتَأْتِي الْمُلُوك إِلَى بَابه وَلم يكن فِي زَمَانه اشهر بالصلاح مِنْهُ وَله خلوات ومجاهدات وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن كثيرا يقْرَأ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ثَلَاث ختمات وَلما احْتضرَ حضر عِنْده الشَّيْخ عبد الله البسطامي فَقَالَ لَهُ ان النَّاس قد أَكْثرُوا فِيك القَوْل فِيمَا تقْرَأ من الْخَتْم فِي الْيَوْم فَأَخْبرنِي قَالَ أَنا لَا أضبط ذَلِك وَلَكِن ثمَّ من ضبط اني قَرَأت من الصُّبْح الى الْعَصْر خمس ختمات وَكَانَ نَشأ بِدِمَشْق ثمَّ أَقَامَ بِبَيْت الْمُقَدّس وَبنى لَهُ زَاوِيَة وَكَانَ يُقيم فِي الْخلْوَة اربعين يَوْمًا لَا يخرج إِلَّا للْجُمُعَة وَسمع الصَّحِيح من الْحجاز بالجامع الْأمَوِي تَحت النسْر سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَمن غَيره ايضا وَكَانَ يسئل فِي الحَدِيث فَيمْتَنع ثمَّ حدث فِي آخر عمره وَسمع مِنْهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان وَغَيره توفّي بالقدس الشريف فِي نَهَار الْأَحَد التَّاسِع من صفر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَحمل جنَازَته الْعلمَاء والمشايخ والصلحاء وَلم يتَأَخَّر من مَدِينَة الْقُدس أحد عَن دَفنه وَدفن بزاويته بِخَط مرزبان بِالْقربِ من حمام عَلَاء الدّين الْبَصِير وَله كرامات ظَاهِرَة وَكَانَ فِي عصر الشَّيْخ مُحَمَّد القرمي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين شاه بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد الجيلي كَانَ من أُمَرَاء العشرات بغزة المحروسة وَهُوَ مُقيم بالقدس الشريف وَله أوقاف كَثِيرَة وعمارات من جُمْلَتهَا زَاوِيَة الشَّيْخ مُحَمَّد القرمي - الْمُتَقَدّم ذكرهَا - وَغَيرهَا بالخط الْمَذْكُور وَغَيره ووكان لَهُ اعْتِقَاد فِي الشَّيْخ مُحَمَّد القرمي ووقف عَلَيْهِ وعَلى ذُريَّته ثلث جهاته واخبرت أَنه توفّي فِي حَيَاة الشَّيْخ ووقف على غسله وَدفن بماملا بِالْقربِ من أبي عبد الله الْقرشِي شيخ الاسلام برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بن شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين

أبي الفدا اسماعيل القرقشندي الشَّافِعِي ولد سنة ثَمَان واربعين وَسَبْعمائة كَانَ من الْعلمَاء الْأَعْلَام سمع على وَالِده وجده العلائي وتفقه بهما وَسمع على الْبَهَاء والتاج السبكيين وأذنا لَهُ فِي الافتاء والتدريس وَأخذ عَن خلق كثير من الْعلمَاء وَكَانَ من عجائب الدَّهْر حفظا وذكاء واستحضارا للعلوم حَتَّى قيل انه كَانَ يحفظ فردة كتب توفّي فِي سنة تسعين وَسَبْعمائة وَكَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله وَحكي عَنهُ انه قبل مَوته بِقَلِيل نظر إِلَى أَخِيه الْعَلامَة شمس الدّين ثمَّ أنْشد بِلِسَان منطلق مُحَمَّد صبرا فقبلك قد بَكت عين النَّبِي وَمَات ابراهيم وَدفن بماملا بتربة اقاربه إِلَى جَانب أَبِيه القَاضِي بدر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مزهر اشْتغل بِالْعلمِ وَنَشَأ على طَريقَة حَسَنَة ولي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق مرَّتَيْنِ عشر سِنِين وَنَحْو ثَمَانِيَة أشهر وباشر بعفة ونزاهة وَكَانَ شكلا حسنا توفّي بالقدس الشريف فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة عبد الله بن خَلِيل بن عَليّ الاسد آبادي البسطامي كَانَ من اولياء الله تَعَالَى العارفين وَله أَحْوَال ظَاهِرَة وَهُوَ صَاحب الزاوية البسطامية بحارة المشارفة توفّي بالقدس الشريف فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَدفن بحوش البسطامية بماملا عِنْد شَيْخه الشَّيْخ عَليّ الصفي - الْمُتَقَدّم ذكره - المسندة الصَّالِحَة الْبركَة أَسمَاء بنة الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن العلائي ولدت فِي سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَسمعت على والدها وَغَيره وَحدثت الْكثير من مسموعاتها وَهِي زَوْجَة الْعَلامَة تَقِيّ الدّين اساعيل القرقشندي وَأم ولديه الشمسي والبرهاني اجازت بالفتوى لحفيدها شَيخنَا القرقشندي - الْآتِي ذكره - وَتوفيت سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة ودفنت بماملا بالقلندرية بجوار زَوجهَا واولادها

الشَّيْخ الْقدْوَة أَبُو حَفْص عمر بن نجم الدّين يَعْقُوب الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بالمجرد ولد بِبَغْدَاد سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة وَسمع البُخَارِيّ بِدِمَشْق سنة سِتّ وَعشْرين وَأقَام بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سنة خمس وَسبعين وَسَبْعمائة وَبنى بِهِ زَاوِيَة فِي غَايَة الْحسن بِنَاء ومنظرا وَبنى اماكن بِأَعْلَاهَا ورتب فِيهَا من يتَعَلَّم الْقُرْآن وأجرى لَهُم المعاليم وَكَانَ اذا قَرَأَ الْقُرْآن عِنْده أحد يخيره بَين الاقامة عِنْده بِشَرْط أَن يشْتَغل بِالْعلمِ وَيُعْطِيه كتابا أَو يذهب الى بَلْدَة أُخْرَى وَلَا يدع أحدا يقْعد عِنْده بطالا وَكَانَ فِي فعل الْخَيْر من الْعَجَائِب لَا يقْصد فِي حَاجَة إِلَّا قَضَاهَا ويضيف من يَقْصِدهُ بِمَا حضر عِنْده وَكَانَ يُوجد عِنْده من الماكولات اطيبها وَكَانَ شَيخا طَويلا يلبس على رَأسه قبعا من غير عِمَامَة توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَدفن بزاويته بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقد وهم بعض المؤرخين فِيهِ فَظَنهُ الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وَاقِف زَاوِيَة المغاربة بالقدس لاشْتِرَاكهمَا فِي الِاسْم والشهرة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن صَاحب زَاوِيَة المغاربة بالقدس الشريف الشَّيْخ عمر بن عبد الله بن عبد النَّبِي المغربي المصمودي الْمُجَرّد وتاريخ وَقفه لزاويته فِي ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة قبل مولد الشَّيْخ عمر صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة بتسع سِنِين وَلما توفّي الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد صَاحب الزاوية بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ قد فوض أَمر زاويته الى الشَّيْخ الْعَلامَة جمال الدّين عبد الله المراكشي الهنتاني الْمَالِكِي فِي خَامِس شهر جمادي الآولى سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَأقَام بهَا وَفعل من كل حَسَنَة وَجَمِيل ثمَّ فِي الْعشْر الأول من شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة قرر الشَّيْخ جمال الدّين الْمَذْكُور ولديه مُحَمَّد وَأحمد فِي المشيخة بالزاوية وَالتَّصَرُّف فِيهَا وَكتب مُسْتَندا بذلك عَلَيْهِ خطّ شيخ الاسلام شهَاب الدّين أَحْمد بن الهائم وَالشَّيْخ خَليفَة الْمَالِكِي

الشَّيْخ عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن الشهير بالغوري المجذوب الْخَيْر الصَّالح كَانَ من صلحاء بَيت الْمُقَدّس يَقُولُونَ انه خفيرها وَلما مَاتَ قطعُوا عباءته قطعا صغَارًا وحمولها فِي عمائهم وَمِمَّنْ كَانَ يعْتَقد فِيهِ قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين الديري توفّي بالقدس الشريف فِي سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف عِنْد جَامع الْمَالِكِيَّة خلف المسطبة الشَّيْخ الامام الْقدْوَة الزَّاهِد العابد الخاشع الناسك ابو بكر بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ الْموصِلِي ثمَّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْعَالم الْمُفِيد بَقِيَّة مَشَايِخ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة وحيد عصره قدم من الْموصل وَهُوَ شَاب وعلاذكره وَصَارَ يتَرَدَّد اليه نواب الشَّام ويمتثلون أوامره وَحج غير مرّة وَكَانَ من كبار الْأَوْلِيَاء جمع بَين علمي الشَّرِيعَة والحقيقة ورزق الْعلم وَالْعَمَل وَقد زَارَهُ السُّلْطَان برقوق فِي منزله بالأمينية بجوار سور الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف من جِهَة الشمَال توفّي بالقدس فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشري شَوَّال سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَدفن بماملا وَله مصنفات كَثِيرَة فِي التصوف وَغَيره وَله منسك صَغِير فِي نَحْو كراسين ذكر فِيهِ الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي جوز رجل صَالح من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى توفّي بعد الثَّمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بماملا قبلي الْبركَة بِالْقربِ من بَاب القلندرية وَنقل ان الدُّعَاء عِنْد قَبره مستجاب المسندة خَدِيجَة بنت أبي بكر بن يُوسُف بن عبد الْقَادِر بن يُوسُف بن مَسْعُود بن سعد الله الْخَلِيفَة سَمِعت الحَدِيث وَحدثت واجازت لأبي الْفَتْح المراغي والحافظ ابْن حجر توفيت فِي أَوَاخِر سنة أحدى وَثَمَانمِائَة الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن علم الدّين سُلَيْمَان الْمَشْهُور بِابْن الْعلم نِسْبَة لوالده وَهُوَ الْمَنْسُوب اليه حارة الْعلم وَله ذُرِّيَّة معروفون وَيعرف وَالِده بِابْن الْمُهَذّب وَكَانَت وَفَاة الْعلم فِي حُدُود التسعين والسبعمائة وَكَانَ شرف الدّين مُوسَى أحد رجال الخليفية الشامية وَهُوَ مُقيم بالقدس الشريف توفّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة وَدفن بالحارة الْمَذْكُورَة فِي تربة هُنَاكَ مَعْرُوفَة بِهِ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدى العلائي ولد فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَبكر بِهِ وَالِده الى السماع وَهُوَ آخر من حدث عَن ابي حَيَّان بالبلاد الشامية توفّي بالقدس الشريف فِي ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَقيل فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع عشري ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة وَدفن من الْغَد بِجَانِب قبر أَبِيه بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الناصح الْمصْرِيّ الصَّالح الْمُحدث كَانَ من الْمَشْهُورين بالصلاح وَحكى الشَّيْخ خَليفَة الْمَالِكِي أَنه شَاهده وَقد خرج من الْمدرسَة الفخرية إِلَى الأٌ قصى وَرَأى الأَرْض تطوى تَحْتَهُ ولد سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَثَمَانمِائَة الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الخليلي الْقُدسِي نزيل غَزَّة ولد سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة سمع من ابي الْفَتْح الْمَيْدُومِيُّ والعلائي وَغَيرهمَا وَمن تصانيفه القَوْل الْحسن فِي بعث معَاذ الى الْيمن وَتَحْقِيق المُرَاد فِي أَن الرَّأْي يَقْتَضِي الْفساد وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة وَكَانَ فَاضلا دينا صَالحا توفّي فِي صفر سنة خمس وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الْمسند زين الدّين عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن حَامِد سمع عَليّ الْمَيْدُومِيُّ والعلائي وَغَيرهمَا وَسمع عَلَيْهِ شَيخنَا التَّقْوَى القرقشندي واجازه توفّي سنة سبع وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الصَّالح العابد الزَّاهِد الشَّيْخ صَامت الأدهمي شيخ الزاوية الادهمية توفّي سلخ رَجَب سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَدفن بالزاوية الْمَذْكُورَة سفل الساهرة وَكَانَ قبله شيخ الزاوية الأدهمية الشَّيْخ دَاوُد بدر الأدهمي واخبرت أَن وَفَاته قبل وَفَاة الشَّيْخ صَامت بِثَلَاثِينَ سنة وَدفن بالزاوية الْمَذْكُورَة القَاضِي جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن القَاضِي شمس الدّين أبي عبد الله

مُحَمَّد بن الشَّيْخ زين الدّين أبي المحامد حَامِد الشَّافِعِي خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة المستندة آمِنَة ابْنة الْعَلامَة تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي ولدت فِي بضع واربعين وَسَبْعمائة سَمِعت على والدها وجدهَا لأمها الْعَلامَة المسلسل بالأولية وَغَيره وَسمعت على الْمَيْدُومِيُّ وَجَمَاعَة وَحدثت بالقدس الشريف وَتوفيت فِي ربيع الآخر سنة تسع وَثَمَانمِائَة ودفنت بالزاوية القلندرية من ماملا بجوار أَبِيهَا شيخ الاسلام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شيخ مَدِينَة الْقُدس وعالمها ولد سنة خمس واربعين وَسَبْعمائة وَسمع على الْمَيْدُومِيُّ واخذ عَن ابيه وجده لأمه الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي واشتغل وَمهر وساد حَتَّى صَار شيخ الْقُدس فِي الْفَتْوَى والتدريس توفّي فِي رَجَب سنة تسع وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بمقبرة ماملا عِنْد وَالِده واخته بالقلندرية وَمن نظمه لم أر مثلي مذنبا عَاصِيا على معاصي ربه أجْرى (1) نَفسِي حرون فَإِذا شَهْوَة لاحت فَمَا ريح الصِّبَا أجْرى (2) اني على هَذَا وامثاله أنال من رب العلى أجرا (3) المسندة غزال عتيقة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي أم عبد اللَّطِيف سَمِعت من الْمَيْدُومِيُّ وأجازت لشَيْخِنَا التَّقْوَى القرقشندي توفيت بالقدس الشريف فِي سنة تسع وَثَمَانمِائَة ودفنت بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الْعَلامَة زين الدّين عبد الرَّحِيم بن شيخ الاسلام نجم الدّين مُحَمَّد بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي أَخُو الْخَطِيب جمال الدّين أبن جمَاعَة - (1) من الجراءة (2) من الجري (3) من الْأجر

مولده فِي سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ من الْفُضَلَاء أعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية توفّي فِي سنة تسع وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الصَّالح عبد الله بن مصطفى الرُّومِي الْمَشْهُور بالدالي كَانَ رجلا صَالحا وَلأَهل بَيت الْمُقَدّس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم واشتهر أمره حج الى بَيت الله الْحَرَام فَمَاتَ بطرِيق مَكَّة فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَثَمَانمِائَة وَكَانَ الْأَمِير حسن الكنكلي نَاظر الْحَرَمَيْنِ بنى لَهُ تربة بِبَاب الرَّحْمَة ليدفن فِيهَا مَعَه فَلَمَّا مَاتَ بطرِيق مَكَّة أوصى النَّاظر حسن أَن يدْفن عِنْد الشَّيْخ أبي عبد الله الْقرشِي بماملا الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد الصَّفَدِي مفتي الشَّافِعِيَّة ومدرسهم ومعيد الْمدرسَة الصلاحية كَانَ فرضيا وَيعرف النَّحْو والحساب وَإِنَّمَا أَخّرهُ تعَاطِي الشَّهَادَة توفّي فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة ابراهيم الْمزي نفع الله بِهِ توفّي بالقدس الشريف وَدفن بتربة الساهرة وَقد عمر على قَبره شعْبَان اليغموري فِي سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَالظَّاهِر أَنه توفّي فِي ذَلِك التَّارِيخ الشَّيْخ المعمر ابراهيم بن أَحْمد بن فلاح السَّعْدِيّ من خَان بني سعد ظَاهر الْقُدس الشريف يروي بالاجازة الْعَامَّة عَن الْفَخر بن البُخَارِيّ مَاتَ فِي رَجَب سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَله من الْعُمر فِيمَا ذكر - وَالله أعلم - نَحْو مائَة واربعين سنة كَذَا رَأَيْته مَنْقُولًا بِخَط بعض الْفُقَهَاء قلت إِن صَحَّ أَنه رُوِيَ عَن الْفَخر بن البُخَارِيّ فَهُوَ يحْتَمل ان يكون عمر هَذَا الْمِقْدَار فَإِن الْفَخر وَفَاته فِي سنة تسعين وسِتمِائَة الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن يُوسُف الخليلي ثمَّ الدِّمَشْقِي ولد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أوفي الَّتِي بعْدهَا سمع من جمَاعَة وَحدث توفّي فِي الْمحرم سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة الْمسند شرف الدّين مُوسَى بن نجم الدّين مُحَمَّد بن الهائم الْمَقْدِسِي سمع على الْمَيْدُومِيُّ وَكَانَ خيرا سَاكِنا سمع عَلَيْهِ شَيخنَا التقوي القرقشندي واجاز لَهُ

توفّي فِي سنة بضع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْمسند برهَان الدّين ابراهيم بن الْحَافِظ شهَاب الدّين ابي مَحْمُود أَحْمد بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن هِلَال بن تَمِيم الخواصي الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي مولده فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة سمع على وَالِده وَغَيره وَهُوَ سبط الْحَافِظ عَلَاء الدّين الْمَقْدِسِي مدرس الصلاحية وَكَانَ خيرا صَالحا يتكسب بِالشَّهَادَةِ الى أَن توفّي فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَأَجَازَ يمؤلفات وَالِده رحمهمَا الله الْمسند اسماعيل بن ابراهيم بن مَرْوَان الخليلي ولد سنة ثَمَان واربعين وَسَبْعمائة سمع على الْمَيْدُومِيُّ وَسمع عَلَيْهِ شَيخنَا التَّقْوَى القرقشندي وَأَجَازَ لَهُ توفّي بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ زين الدّين عبد الرحمان بن الشَّيْخ شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي الشَّافِعِي مولده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة سمع من ابيه وَجَمَاعَة ورحل الى دمشق والقاهرة مرَارًا وعلق بِخَطِّهِ أَشْيَاء وَكَانَ حسن الْخط صَادِقا توفّي فِي مستهل ذِي الْقعدَة سننة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة الزَّاهِد مُحَمَّد بن الشَّيْخ عِيسَى الصمادي لَهُ كرامات مَشْهُورَة توفّي فِي ثَانِي عشري جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بالساهرة عِنْد الشَّيْخ عبد الله الصَّامِت وَالشَّيْخ ابراهيم الْمزي وقبره ظَاهر يقْصد للزيارة الشَّيْخ شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن نصر الله بن جِبْرِيل الكركي الشَّافِعِي خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَمن أَعْيَان فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة الْمَوْجُودين بالقدس الشريف فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ والثمانمائة كَانُوا من المعيدين وَالْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية الشَّيْخ علم الدّين قَاضِي الجزيرة وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد البوتنجي الشَّيْخ زين الدّين عبد الرحمان الناصري وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف بن كريم وَالشَّيْخ

شمس الدّين مُحَمَّد المازوني وَالشَّيْخ جمال الدّين العجلوني وَالشَّيْخ شهَاب الدّين احْمَد بن مَحْمُود وَالشَّيْخ شمس الدّين بن شهَاب الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأَكْل الْحَيَّات وَغَيرهَا من الْهَوَام كالخنافس وَمَا فِي معنى ذَلِك فَيرى الخنافس زبيبا والحية قثاء وَنَحْو ذَلِك وَكَانَ من أكَابِر الصَّالِحين مِمَّن تنْقَلب لَهُ الْأَعْيَان وَظَهَرت لَهُ كرمات ومكاشفات وَحكي عَنهُ أَنه كَانَ يرى على جبل عَرَفَات مَعَ الْحجَّاج وَيُصْبِح بالقدس الشريف فِي يَوْم عيد الْأَضْحَى توفّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَإِلَى جَانِبه دفن الشَّيْخ ماهر رحمهمَا الله تَعَالَى الشَّيْخ الصَّالح العابد عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن الشَّيْخ العابد المسلك صدر الدّين بن الشَّيْخ الصَّالح صفي الدّين الاردبيلي العجمي الزَّاهِد العابد الْحجَّة شيخ الصُّوفِيَّة وَابْن شيخهم كَانَ وَالِده من اعيان الصَّالِحين بِبَلَدِهِ وَله كرامات ظَاهِرَة وَكَذَلِكَ كَانَ وَلَده الشَّيْخ عَليّ الْمشَار اليه وَذكر عَنهُ من الكرامات والمناقب مَا يطول شَرحه قدم الى دمشق فِي سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قَاصِدا الْحَج وَمَعَهُ خلق كثير من أَصْحَابه واتباعه وجاور بِمَكَّة ثمَّ قدم الى بَيت الْمُقَدّس وَيُقَال انه شرِيف علوي توفّي بالقدس الشريف فِي أَوَاخِر جمادي الآولى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة عَن نَحْو سِتِّينَ سنة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة بلصق سور الْمَسْجِد وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدفنه وَبنى اصحابه على قَبره قبَّة كَبِيرَة وَهِي مَشْهُورَة تقصد للزيارة وَهُوَ شيخ للشَّيْخ مُحَمَّد بن الصَّائِغ الْمَشْهُور بخليفة الاردبيلي - الْآتِي ذكره مَعَ فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى - الشَّيْخ الْعَالم العابد الْوَاعِظ شهَاب الدّين أَحْمد الْمَعْرُوف بشكر الرُّومِي قدم من بِلَاد الرّوم قبل فتْنَة تيمورلنك ثمَّ عَاد إِلَى الرّوم ثمَّ رَجَعَ وَوعظ بِبَيْت الْمُقَدّس وبالشام بالتركي والعربي والعجمي وَكَانَ للنَّاس فِيهِ إعتقاد توفّي بالقدس

الشريف وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَبني على قَبره قبَّة فَلَيْسَ بمقبرة بَاب الرَّحْمَة قبَّة سواهَا وقبة الشَّيْخ عَلَاء الدّين الاردبيلي وارخ ابْن رَوْحَة أَبُو عذيبة وَفَاته فِي يَوْم الْأَحَد عَاشر ربيع الآخر وَلم يذكر السّنة وَلَا شكّ انه توفّي بعد الثَّمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عُثْمَان بن الْحوَاري الخليلي الشَّافِعِي مولده بِبَلَد الْخَلِيل فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وَسَبْعمائة سمع الحَدِيث واشتغل بِالْعلمِ وَقدم من بَلْدَة الْخَلِيل الى بَيت الْمُقَدّس وناب فِي التدريس بالصلاحية عَن الْهَرَوِيّ وناب فِي الْقَضَاء وَأعَاد بالصلاحية وصنف فِي الْفَرَائِض وَكَانَ فَاضلا خيرا توفّي فِي إِحْدَى الجمادين سنة ثَلَاثِينَ وثمامائة الخواجا مُحَمَّد بن احْمَد بن حاجي الْمَشْهُور بمولانا شمس الدّين وَيعرف بِأبي عذيبة لملازمته العذبة اتبَاعا للسّنة وَبِه عرف ربيبه شهَاب الدّين أَحْمد المؤرخ مولده قبيل سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة بتبريز واشتغل قَدِيما وَسمع الحَدِيث ورحل الى الْبِلَاد وَدخل الى الْقُدس فِي سنة خمس وَتِسْعين وَكَانَ يتجر مَعَ الِاشْتِغَال بالفقه والعربية وَقَرَأَ عَلَيْهِ ربيبة شهَاب الدّين المؤرخ فِي الْعَرَبيَّة والقراآت ورحل مَعَه للمجاورة بِمَكَّة وَكَانَ لَهُ دنيا وَاسِعَة وَتردد الى مَكَّة فَتوفي بهَا فِي رَابِع عشري الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الْعَالم الْمُحدث الضَّابِط تَاج الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْعَالم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُسلم بن عَليّ بن ابي الْجُود الشهير بِابْن الغرابيلي الكركي الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي مولده فِي سنة ارْبَعْ أَو خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة اشْتغل وَحفظ كتبا من المختصرات وَلزِمَ مَشَايِخ بَيت الْمُقَدّس كالشيخ شمس الدّين الْهَرَوِيّ وَالشَّيْخ شمس الدّين الْبرمَاوِيّ وَالشَّيْخ شمس الدّين الديري الْحَنَفِيّ وَولده الشَّيْخ سعد الدّين واشتهر بِمَعْرِِفَة الحَدِيث وَرِجَاله مَعَ مُشَاركَة فِي الْفِقْه وأصوله والنحو وَكَانَ دينا خيرا متعففا لم يقبل الْوَظَائِف حسن الشكل ذَا سمت حسن وَيكْتب خطا حلواً

توجه الى الْقَاهِرَة لزيارة الْحَافِظ ابْن حجر فَعَظمهُ كثيرا واثنى عَلَيْهِ وَقصد الْحَج فَأَدْرَكته الْمنية بِالْقَاهِرَةِ فِي عَاشر جمادي الْآخِرَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بالصوفية بِبَاب النَّصْر وشيعه جم غفير رَحمَه الله وَولده الشَّيْخ الْعَالم الامام نَاصِر الدّين مُحَمَّد مولده فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة وَنَشَأ فِي نعْمَة كَامِلَة وَولي نِيَابَة قلعة الكرك ثمَّ صرف وَسكن بَيت الْمُقَدّس وَتُوفِّي فِي ثَالِث عشري رَجَب سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الْمسند المعمر الامام شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن الْخَطِيب شهَاب الدّين أَحْمد بن الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن كَامِل التدمري الخليلي الشَّافِعِي مولده فِي سنة خمسين وَسَبْعمائة سمع عَليّ صدر الدّين الْمَيْدُومِيُّ وَكَانَ رجلا صَالحا أضرّ فِي آخر عمره وَحدث بمسموعه وَتحمل عَنهُ الْعلمَاء توفّي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء قبل الْعشَاء المسفرة عَن مستهل ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة شيخ الشُّيُوخ الْقدْوَة برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بن الشَّيْخ نجم الدّين احْمَد بن غَانِم الانصاري الشَّافِعِي شيخ الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف مولده فِي سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي وَالِده نجم الدّين فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ هُوَ وَولده نَاصِر الدّين فِي يَوْم وَاحِد وَكَانَ نَاصِر الدّين شكلا حسنا قل أَن ترى الْعُيُون مثله فَنَشَأَ الشَّيْخ برهَان الدّين بعده وَولي مشيخة الخانقاه فِي سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَكَانَ من الْأَعْيَان المعتبرين لم يل أحد مشيخة الخانقاه أمثل مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي عمرها وَأقَام نظامها فعمر المنارة والبوابة الْكُبْرَى والدركاه الَّتِي بداخلها والايوان الْكَائِن بصدر الدركاه والمحراب السفلي وَعمر غَالب المسقفات وباشر بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ حُرْمَة وشهامة ثمَّ فوض لوَلَده الشَّيْخ نجم الدّين - الْآتِي ذكره - مشيخة الخانقاه وَالنَّظَر عَلَيْهَا فِي خَامِس عشر شعْبَان سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف

وَأَخُوهُ الشَّيْخ شرف الدّين غَانِم كَانَ مَوْجُودا بعد الثَّلَاثِينَ والثمانمائة وَالشَّيْخ بهاء الدّين احْمَد بن غَانِم من أَقَاربه كَانَ مَوْجُودا فِي سنة إِحْدَى واربعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الصَّالح أَبُو بكر بن عبد الله الدِّمَشْقِي الأَصْل الْقُدسِي الْمَعْرُوف بالعداس مولده فِي سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة تَقْرِيبًا ورباه الشَّيْخ عبد الله الذاكر لما قدم من الرّوم وسلكه وَكَانَ للنَّاس فِيهِ وَفِي شَيْخه اعْتِقَاد زَائِد وَكَانَ مُنْقَطِعًا عَن النَّاس زاهدا صَالحا خيرا فَلَمَّا مَاتَ شَيْخه الذاكر فِي سنة أاحدى عشرَة صَار من مَشَايِخ الْقُدس الْمشَار اليهم بالصلاح توفّي فِي رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة القَاضِي برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بن بدر الدّين حسن بن ابراهيم العرابي الشَّافِعِي مولده فِي سنة خمسين وَسَبْعمائة كَانَ من أَعْيَان فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وناب فِي الْقَضَاء بالقدس الشريف توفّي سنة إِحْدَى واربعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْمُحدث الْمسند شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بهاء الدّين ابي الْحَيَاة الْخضر بن علم الدّين سُلَيْمَان بن دَاوُد الشهير بِابْن الْمصْرِيّ الْحلَبِي الأَصْل ثمَّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي نزيل الْقُدس الشريف وَشَيخ الْمدرسَة الباسطية مولده بحلب فِي احدى الجمادين سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة سمع من جمَاعَة وَأَجَازَهُ جمع وَكَانَ رجلا خيرا دينا انْقَطع فِي آخر عمره بِالْمَدْرَسَةِ الباسطية بالقدس الشريف يحدث بهَا إِلَى أَن توفّي فِي منتصف رَجَب سنة إِحْدَى واربعين وَثَمَانمِائَة وكف بَصَره فِي آخر عمره وَدفن بالساهرة الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة زين الدّين عبد الْقَادِر بن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى شمس الدّين مُحَمَّد القرمي الشَّافِعِي - الْمُتَقَدّم ذكر وَالِده - كَانَ رجلا صَالحا وَمن الْأَعْيَان بِبَيْت الْمُقَدّس توفّي فِي سنة ثَلَاث واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن عِنْد وَالِده بالزاوية بِخَط مرزبان

الشَّيْخ الامام الْعَالم الْقدْوَة الخاشع تَقِيّ الدّين أَبُو الصدْق ابو بكر بن الشَّيْخ شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله الْحلَبِي الطولوني البسطامي شيخ الْمدرسَة الطولونية بالقدس الشريف ولد فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن ربيع الأول سنة ثَمَان واربعين وَسَبْعمائة كَانَ من أهل الْعلم وَالْعَمَل وَمن أَعْيَان الْمَشَايِخ قدم الى الْقُدس فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَولي مشيخة الطولونية وَكَانَ خطه فِي غَايَة الْحسن بلغ من الْعُمر فَوق خمس وَتِسْعين سنة توفّي بالقدس الشريف فِي التَّاسِع عشر من رَمَضَان سنة ثَلَاث واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بحوش البسطامية بماملا وَعند رَأسه بلاطة مَكْتُوب عَلَيْهَا من نظمه - وَكَانَت لَهَا عِنْده مُدَّة بالطولونية فِي حَيَاته جهزها لذَلِك - رحم الله فَقِيرا زار قَبْرِي وقرا لي سُورَة السَّبع المثاني بخشوع ودعا لي ومكتوب أَيْضا على قَبره من نظمه من زار قَبْرِي فَلْيَكُن عَالما ان الَّذِي لاقيت يلقاه فرحم الله فَتى زارني وَقَالَ لي يَرْحَمك الله وَله نظم غير هَذَا ومحاسنه ومناقبه كَثِيرَة وَقد كَانَ من أجلاء الْمَشَايِخ الأخيار الشَّيْخ مُحَمَّد فولاد بن عبد الله أَصله من الْعَرَب وَقدم الى بَيت الْمُقَدّس فِي حُدُود التسعين والسبعمائة وَانْقطع بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِلْعِبَادَةِ فَقَط وَاخْتَارَهُ عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس وجهزوه بمفاتيح الصَّخْرَة الى تيمور لما بَلغهُمْ أَخذه دمشق فَتوجه اليه فَلَمَّا كَانَ بِالطَّرِيقِ بلغه رُجُوعه فَرجع وَحج سِتِّينَ حجَّة غالبها مَاشِيا على قَدَمَيْهِ وَصَارَ من أَعْيَان الصلحاء المتورعين الْمشَار اليهم بالصلاح بالقدس وَمَكَّة وَغَيرهمَا وَحكي عَنهُ كرامات كَثِيرَة ومكاشفات وَكَانَ بوابا بالخانقاه الصلاحية وَكَانَ لَهُ هَيْبَة زَائِدَة على الصُّوفِيَّة بالخانقاه بِحَيْثُ تضرب الْأَمْثَال بسطوته عَلَيْهِم وَحكى هُوَ أَنه رأى الْملك صَلَاح الدّين

فِي النّوم وَقد وقف لَهُ على الْبَاب وَقبض على يَده وَقَالَ لَهُ أَنْت شَرِيكي فِي هَذَا الْوَقْف وَلم تفته حجَّة وَلَا صَلَاة فِي جمَاعَة نَحْو سِتِّينَ سنة وَكَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الحصني إِذا قدم الى الْقُدس لَا ينزل إِلَّا عِنْده وَلَا يَأْكُل لأحد طَعَاما إِلَّا لَهُ وَقَالَ فِي بعض مصنفاته وَحكى لي السَّيِّد الْجَلِيل فولاد وَهُوَ مِمَّن يشْهد لَهُ بالصلاح توفّي بعد رُجُوعه من الْحَج فِي شهر صفر سنة ارْبَعْ واربعين وَثَمَانمِائَة وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ سنة وَدفن بماملا شيخ الاسلام بركَة الانام القطب الرباني شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن الْفَقِيه أَمِين الدّين حُسَيْن بن حسن بن عَليّ بن يُوسُف بن عَليّ بن أرسلان الرَّمْلِيّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام الحبر الْعَالم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى ذُو الكرامات الظَّاهِرَة والعلوم والمعارف مولده بالقرية بالرملة تَقْرِيبًا فِي سنة ثَلَاث أَو خمس وَسبعين وَسَبْعمائة كَمَا كتب بِخَطِّهِ وَأَصله من الْعَرَب من كتانه اشْتغل فِي كبره وَحصل بِقُوَّة ذكائه وفهمه وَكَانَ مُقيما بالرملة بجامعة الْمَشْهُور بحارة الباشقردي وانتفع بِهِ خلق كثير وَمَا اشْتغل عَلَيْهِ أحد ولازمه إِلَّا وَأثر نَفعه فِيهِ وَكَانَ يكنى جماعته بكنى ينتخبها لَهُم وَصَارَت علما عَلَيْهِم كَأبي طَاهِر وَأبي مَدين وَأبي الْعَزْم وَأبي طَلْحَة وَغير ذَلِك وَمن مشايخه الَّذين أَخذ مِنْهُم الْعلم الشَّيْخ شمس الدّين القرقشندي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن الهائم وقاضي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ واذن لَهُ بالافتاء وَولي تدريس الخاصكية بالرملة ودرس بهَا مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ ترك تدريسها وَترك الافتاء وَأَقْبل على الله تَعَالَى رَحل من الرملة الى الْقُدس الشريف وَأقَام بالزاوية الختنية وَرَاء قبْلَة الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَألف كتبا فِي الْفِقْه والنحو وَغير ذَلِك مِنْهَا صفوة الزّبد وَشَرحهَا شرحين ومختصر الاذكار وَشرح سنَن أبي دَاوُد وعلق على الشِّفَاء تعليقة جَيِّدَة لضبط أَلْفَاظه وَقطعَة من تَفْسِير الْقُرْآن وَشرح جمع الْجَوَامِع ومنهاج الْبَيْضَاوِيّ ومختصر ابْن الْحَاجِب ونظم فِي علم القراآت واعرب الالفية

وَشرح الملحة وَشرح البُخَارِيّ فِي ثَلَاث مجلدات وَاخْتصرَ الْمِنْهَاج بِحَذْف الْخلاف وَصحح الْحَاوِي وَشرح قِطْعَة من نظم ابْن الوردي على الْحَاوِي وَاخْتصرَ الرَّوْضَة ونظم القرآت الثَّلَاث الزَّائِدَة على السَّبْعَة ثمَّ القراآت الثَّلَاث الزَّائِدَة على الْعشْرَة واعربها اعرابا جيدا ونظم فِي عُلُوم الْقُرْآن فصولا تصل الى سِتِّينَ نوعا وَجمع طَبَقَات الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَغير ذَلِك من الْكتب المفيدة وَكَانَ متواضعا زاهدا لَهُ قدم عَال فِي التَّهَجُّد وَالْعِبَادَة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَاتفقَ من امْرَهْ ان كاشف الرملة ضرب شخصا من جماعته يُقَال لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد المشمر فاستغاث بالشيخ فَقَالَ لَهُ الكاشف أَن كَانَ لشيخك برهَان يظهره فِي هَذِه النَّخْلَة - وَكَانَت نَخْلَة قَائِمَة على سَاقهَا امامه - فَفِي الْحَال وَقعت الى الأَرْض فترجل الكاشف واتى اليه وَوَقع على قَدَمَيْهِ وَكَانَ يُخَاطب الشَّيْخ نجم الدّين بن جمَاعَة ب (يَا شيخ الصلاحية) وَهُوَ صَغِير فوليها وَلما من الله على الشَّيْخ شهَاب الدّين بالاقامة بالقدس الشريف وَالسُّكْنَى بالزاوية الختنية انشد حباني إلهي بالتصافي لقبلة بمسجده الْأَقْصَى الْمُبَارك حوله فحمدا وشكرا دائمين وانني اريد لاخواني المحبين مثله وَقد عمر الشَّيْخ برجا على جَانب الْبَحْر المالح بثغر يافا وَكَانَ كثير الرِّبَاط بِهِ وَكَانَ شَيخا طوَالًا تعلوه صفرَة حسن المأكل والملبس والمتلقى لَهُ مكاشفات ودعوات مستجابات توفّي بالزاوية الختنية فِي ثَانِي عشرى شعْبَان كَذَا ارخه بعض الْفُقَهَاء وأرخ ابْن رَوْحَة ابو عذيبة وَفَاته يَوْم الاربعاء رَابِع عشري شعْبَان سنة ارْبَعْ واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن الى جَانب ابي عبد الله الْقرشِي بماملا وَحكى أَنه لما اخذه الحفار وأنزله قَبره سَمعه يَقُول رب انزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين ورؤى لَهُ عدَّة منامات صَالِحَة ومناقبه كَثِيرَة يطول شرحها وَيُقَال ان من

دَعَا الله بَين قَبره وقبر أبي عبد الله الْقرشِي بِأَمْر يُريدهُ اسْتَجَابَ الله لَهُ وَقد جربت ذَلِك فصح رَضِي الله عَنْهُمَا وَفِي الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ توفّي الشَّيْخ الصَّالح ابو بكر مُحَمَّد المجيدي البسطامي وَكَانَ صَالحا وَحكي لي انه لما توفّي الشَّيْخ شهَاب الدّين كَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد المجيدي فِي حَال صِحَّته فَقيل لَهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَخُوك توفّي فَقَامَ يتأهب لحضور جنَازَته فَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ سنة الْوضُوء فَلَمَّا سجد توفّي فِي سُجُوده ثمَّ غسل من وقته وَجِيء بِهِ إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَصلي عَلَيْهِمَا مَعًا وحملا إِلَى ماملا ودفنا فِي وَقت وَاحِد وَقد جَاوز الشَّيْخ مُحَمَّد السّبْعين الشَّيْخ الْقدْوَة الزَّاهِد عبد الْملك بن الشَّيْخ الامام الناسك الْقدْوَة الْعَالم الْعَلامَة ابي بكر عبد الله الْموصِلِي الشَّيْبَانِيّ الشَّافِعِي اُحْدُ أَعْيَان الْمَشَايِخ الزهاد بالقدس الشريف مولده فِي سنة تسعين وَسَبْعمائة وَتقدم ذكر وَالِده كَانَ الشَّيْخ عبد الْملك من أهل الْعلم وَمن مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَكَانَ شكلا حسنا قَالَ الشَّيْخ عمر بن حَاتِم العجلوني - وَقد سُئِلَ عَنهُ - هُوَ رجل ينْطق بالحكمة وَكَانَت لَهُ كَلِمَات حكمِيَّة ولطائف صوفية وفقهية وَكَانَ ذَا ابهة وحشمة وَكلمَة نَافِذَة وسماعات واجازات وفقراء ومريدين وَكَانَ كثيرا مَا ينشد لَا وَالَّذِي قد من بالايمان يثلج فِي فُؤَادِي مَا كَانَ يخْتم بالاساءة وَهُوَ بالاحسان بَادِي وَكَانَ ينشد ايضا فان امت بعد بُلُوغ المنى فَذَاك من فضل الْعَزِيز المليك وَإِن أمت قبل بُلُوغ المنى فكم لنا تَحت الثرى من شريك توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر رَمَضَان سنة أَربع واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الشَّيْخ الْقدْوَة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن الشَّيْخ تَاج الدّين أبي الوفا مُحَمَّد بن الشَّيْخ عَليّ ابي الوفا البدري الزَّاهِد الصَّالح مولده فِي حُدُود سنة تسعين وَسَبْعمائة وَكَانَ من الصَّالِحين حَافِظًا لكتاب الله كثير التِّلَاوَة وَكَانَت لَهُ شهرة عَظِيمَة بالصلاح وَالتَّصَرُّف بِالْحَال وَكَانَ كثير السيارات وَعرض لَهُ فِي بعض سياراته قطاع الطَّرِيق فصاح بهم فانصرعوا وَلم يفيقوا حَتَّى سَأَلَهُ أهل تِلْكَ النَّاحِيَة واستعطفوه فنفل فِي مَاء ورش على وجوهم فأقاقوا تَائِبين وكشف الله عَن قُلُوبهم حجاب الْغَفْلَة ولزموا خدمته وَظَهَرت لَهُم أَحْوَال وماتوا على ذَلِك وَلَهُم قُبُور تزار وَله غير ذَلِك من التَّصَرُّفَات والبركات مِنْهَا إِن جمَاعَة أوقدوا لَهُ نَارا وسألوه ان يبين لَهُم من حَاله فَأَشَارَ الى عَبده فَدخل النَّار ذَاكِرًا متواجدا وَلَا زَالَ يمشي عَلَيْهَا يَمِينا وَشمَالًا حَتَّى صَارَت رَمَادا وَأكْثر تَصَرُّفَاته كَانَت فِي الْبر بِخِلَاف أَخِيه السَّيِّد ابي بكر توفّي فِي ثَانِي عشر شَوَّال سنة ارْبَعْ واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة زين الدّين عبد الْمُؤمن بن عمر بن أَيُّوب بن مُحَمَّد الرهاوي الأَصْل الْحلَبِي ثمَّ الْقُدسِي الشَّافِعِي الْوَاعِظ معيدالمدرسة الصلاحية وَهُوَ واعظ مَدِينَة الْقُدس الشريف ومفتيها وعالمها مولده فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة بِمَدِينَة الرها قدم الى بَيت الْمُقَدّس فِي سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة فَأكْرمه الشَّيْخَانِ شمس الدّين الْهَرَوِيّ وشمس الدّين الديري ووجدا فِيهِ اهلية الْعلم فولاه الْهَرَوِيّ اعادة الصلاحية وَجلسَ للوعظ يعظ النَّاس وَكَانَ لَهُ اشْتِغَال قديم وَفضل وَسَمَاع للْحَدِيث رؤى صَحِيح البُخَارِيّ عَن جمَاعَة من أَصْحَاب ابْن الشّحْنَة وَكَانَ خيرا عَالما فَاضلا مفتيا واعظا متفننا يعظ بلطافة ومجون وجد وهزل ولسماع مواعيده الْتِفَات وَيَأْتِي بِغَرَائِب ونوادر وأشعار مليحة توفّي بالقدس الشريف فِي يَوْم عَرَفَة من سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الشَّيْخ الصَّالح عمر بن حَاتِم العجلوني الزَّاهِد العابد القانت الْعَارِف الْعَالم الْفَاضِل الأوحد بركَة الْوَقْت صَاحب الكرامات والمجاهدات والمكاشفات خرج من بَلَده عجلون وَورد الى بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَنزل عِنْد الشَّيْخ عمر

الْمُجَرّد فِي زاويته وَعقد الايمان على نَفسه أَنه لَا يَأْخُذ من شعره وَلَا من ظفره وَلَا يغسل ثَوْبه وَلَا بدنه إِلَّا من ضَرُورَة شَرْعِيَّة الى ان يحفظ الْقُرْآن الْعَزِيز وبر قسمه فَلَمَّا حفظ الْقُرْآن رَجَعَ الى عجلون ثمَّ توجه الى حلب واقام بهَا وَأخذ فِي الْقيام بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَوَقع لَهُ كرامات وَكَانَ الشَّيْخ عز الدّين الْمَقْدِسِي يتأسف على عدم لقِيه كثيرا وَكَانَ يَقُول مَا تأسفت على أحد مَا تأسفت عَلَيْهِ ويحكى عَنهُ لطائف كَثِيرَة ومكاشفات وأخبار عَجِيبَة ومحاسن عديدة وَكَانَ يحفظ الاحياء والقوت ورسالة الْقشيرِي وعوارف المعارف وَيَقُول لَا يصير الصُّوفِي صوفيا حَتَّى يحفظ هَذِه الْكتب الاربعة وَكَانَ ضعف بَصَره ثمَّ أَنه جاور بِمَكَّة وَخرج مِنْهَا مُتَوَجها الى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَمَاتَ ببدر منصرفا من الْحَج فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة خمس واربعين وَثَمَانمِائَة وَقد جَاوز السّبْعين سنة الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الانصاري الشَّافِعِي مولده فِي سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة سمع الحَدِيث هُوَ والخطيب جمال الدّين بن جمَاعَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة على الْجلَال عبد الْمُنعم بن النجمي أَحْمد بن مُحَمَّد الانصاري وَكَانَ مباشرا لوقف التنكزية وللوقف الشريف النَّبَوِيّ وَغير ذَلِك توفّي فِي سنة سِتّ واربعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الزَّاهِد العابد الْعَارِف الْوَرع المسلك الْقدْوَة عبد الله الزرعي الدِّمَشْقِي الأَصْل نزيل بَيت الْمُقَدّس كَانَ رجلا خيرا زاهدا متورعا متقللا من الدُّنْيَا لَهُ حَظّ من الصَّلَاة وَالْعِبَادَة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد كَبِير وَكَانَ من الْمَشَايِخ الصلحاء اشْتغل قَدِيما بِدِمَشْق وَصَحب جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد القرمي وَالشَّيْخ عبد الله البسطامي وَالشَّيْخ أَبُو بكر الْموصِلِي وَغَيرهم وَسمع الحَدِيث وأسن وَطَالَ عمره وَكَانَ سَاكِنا قَلِيل الْكَلَام والاختلاط بِالنَّاسِ مُعظما الى النُّفُوس يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر حسنا فِي وعظه وَكَانَ ينْسَخ وَيَأْكُل من عمل يَده ثمَّ

عجز عَن ذَلِك فَتَركه فَيُقَال انه كَانَ ينْفق من الْغَيْب وَكَانَ يَقُول انه مَا اغْتسل قطّ من احْتِلَام وَلَا حصل لَهُ وَلَا يعرفهُ ومحاسنه كَثِيرَة ومناقبه جمة توفّي بالقدس الشريف فِي خَامِس رَمَضَان من سنة ثَمَان واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَقد بلغ ثَمَانِينَ سنة وَصلي عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب بِمصْر وَالشَّام وَغَيرهم وتأسف النَّاس عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُم بِهِ حَاجَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَاتِم الْمَقْدِسِي سمع الحَدِيث فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ متكلما بالقدس على الايتام والغياب مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ نَاظرا على وقف الْأَمِير بركه خَان فَخرج عَنهُ وَتوجه الى الْقَاهِرَة للسعي فِيهِ فَتوفي هُنَاكَ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان واربعين وَثَمَانمِائَة عَن نَحْو سبعين سنة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْمُحدث شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن خَلِيل بن أبي بكر القباقبي الْحلَبِي ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي شيخ الْمُسلمين مولده فِي سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة اشْتغل فِي القراآت وفَاق الْمَشَايِخ وانتهت اليه رياسة هَذَا الْفَنّ أَخذ الحَدِيث عَن الْحَافِظ ابي الْفضل بن الْعِرَاقِيّ وَغَيره وَكَانَ رجلا خيرا دينا منكبا على الاقراء والتصنيف مُنْقَطِعًا عَن النَّاس مشاركا فِي عدَّة فنون قدم الْقُدس للزيارة فَأَشَارَ عَلَيْهِ الشَّيْخ شهَاب الدّين بن ارسلان بالاقامة بِبَيْت الْمُقَدّس فَأَقَامَ بِهِ وَحصل لَهُ الْخَيْر وكف بَصَره فِي إِحْدَى الجمادين سنة ثَمَان واربعين وَتُوفِّي عصر يَوْم الْجُمُعَة لعشرين من شهر رَجَب سنة تسع واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا بجوار الشَّيْخ شهَاب الدّين بن ارسلان رحمهمَا الله تَعَالَى وَمن مصنفاته منظومته الْمُسَمَّاة بِجمع السرُور ومطلع البدور وايضاح الرموز ومفتاح الْكُنُوز وَغير ذَلِك من النّظم والنثر عَفا الله عَنهُ وَكتب لناظر الْحَرَمَيْنِ قصيدة لصرف معلومه من نظمه أَولهَا يَا نَاظر الْحَرَمَيْنِ أَنْت وَعَدتنِي بِالْخَيرِ يَا من وعده لَا يخلف تالله لم ابرح ببابك وَاقِفًا حَتَّى تقرر لي وتكتب يصرف

ثمَّ بعد وَفَاته خَلفه وَلَده الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة شيخ الاسلام الْقدْوَة الْمُحَقق برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم اُحْدُ أَعْيَان عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس فِي الْعلم والقراآت رجل عَالم صَالح لم تعلم لَهُ صبوة اسْتَقر فِيمَا بيد وَالِده من الْقِرَاءَة بمصحف الْملك الظَّاهِر جقمق بالصخرة الشَّرِيفَة وتدريس القراآت بِالْمَدْرَسَةِ الجوهرية واشتغل وَحصل وَفضل وتميز وَصَارَ من أَعْيَان بَيت الْمُقَدّس وتصدر للافتاء والتدريس ونفع الْمُسلمين وَهُوَ سالك طَريقَة السّلف الصَّالِحين وَعبارَته فِي الْفَتْوَى نِهَايَة فِي الْحسن وَالنَّاس سَالِمُونَ من يَده وَلسَانه يَتْلُو كتاب الله بِحسن صَوت وَطيب نَغمَة وَله مصنفات مِنْهَا شرح جمع الْجَوَامِع فِي الْأَصْلَيْنِ ونظم الارشاد فِي الْفِقْه وألفية الْمعَانِي وَالْبَيَان وَشَرحهَا وَشرح ألفية ابْن مَالك فِي النَّحْو وَالصرْف وَشرح التَّقْرِيب والتيسير فِي عُلُوم الحَدِيث للامام الْكَبِير محيي الدّين النَّوَوِيّ رَضِي الله عَنهُ وَشرح الْقَوَاعِد نظم الْعَلامَة شهَاب الدّين بن الهائم والأسئلة فِي الْبَسْمَلَة وَالْعقد المنضد فِي شُرُوط حمل الْمُطلق على الْمُقَيد وَشَرحه وَغير ذَلِك وَهُوَ حَيّ يرْزق الى يَوْمنَا ابقاه الله تَعَالَى ونفع بِهِ الْمُسلمين الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن الأوتاري الشَّافِعِي نِسْبَة لأوتارية - قَرْيَة من عمل جلجوليا - رَحل الى مصر صَغِيرا واشتغل على الْعلمَاء وَسمع الصَّحِيح على الْبُرْهَان الشَّامي مُسْند الْقَاهِرَة فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة لسماعه على الْحجاز بِسَنَدِهِ وَسمع على جمَاعَة واشتغل وَفضل وَكَانَ يعْمل بِمَسْأَلَة ابْن سُرَيج وَيُصَرح بِالْجَوَازِ فِيهَا وَقد اتنابه قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين بن جمَاعَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى حكم بهَا لبَعض المقادسة وَله مؤلف سَمَّاهُ فتح الخلاق فِي تَنْبِيه ابي اسحاق وتكسب بِالشَّهَادَةِ دهرا طَويلا ألى ان توفّي فِي اثناء سنة تسع واربعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَالم الصَّالح شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يحيى بن سعيد بن عبد الله الْمَقْدِسِي القادري الْمَشْهُور بجده الْأَعْلَى سعيد شيخ القادرية وَصَاحب الذّكر والأوراد كَانَ لَهُ حَلقَة عَظِيمَة يجْتَمع فِيهَا خلق كثير بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى

صبحية كل يَوْم وَكَانَ يحصل بِهِ خير كثير مولده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة توفّي وَالِده الشَّيْخ الصَّالح صَاحب الْأَحْوَال والأوراد الشَّيْخ مُحَمَّد فِي حادي عشري شعْبَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي هُوَ يَوْم الاربعاء رَابِع عشري صفر سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَله أقَارِب فشهرتهم اولاد الشَّيْخ سعيد كَانُوا شُيُوخ زَاوِيَة الدركاه الشَّيْخ الصَّالح الْعَالم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الزولعة الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي مولده فِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وَسَبْعمائة سمع الحَدِيث وَكَانَ عَالما فَاضلا واعظا مَشْهُورا قدم من حماة الى بَيت الْمُقَدّس للزيارة فَتوفي بِهِ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة عماد الدّين اسماعيل بن ابراهيم بن شرف الشَّافِعِي معيد الصلاحية وَعين فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف مولده تَقْرِيبًا فِي سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَهُوَ رَفِيق الْعَلامَة الشَّيْخ ماهر الْمصْرِيّ وَكَانَ خصيصا بِهِ اشْتغل عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَعْيَان وانتفعوا بِهِ وَله مصنفات مِنْهَا شرح الْبَهْجَة فِي مجلدين وابتدأ فِي شرح آخر اطول مِنْهُ وَله على ألفية الْبرمَاوِيّ توضيح حسن مُفِيد وَشرح تَهْذِيب التَّنْبِيه وَشرح مصنفات شَيْخه ابْن الهائم وَكَانَ قَلِيل النّظر الى الدُّنْيَا مكبا على الِاشْتِغَال الى ان توفّي فِي ثَالِث عشر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْمُحدث شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابراهيم بن مُفْلِح القلقيلي الشَّافِعِي قَارِئ الحَدِيث الشريف بِبَيْت الْمُقَدّس نِسْبَة لقرية قليقلة - من اعمال جلجوليا - مولده فِي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ شَيخا صَالحا عَالما فَاضلا حسن المذاكرة جيد التِّلَاوَة كثير الْعِبَادَة عَلَيْهِ أنس كَبِير وَكَانَ يقرئ الاطفال بجلجوليا دهرا ثمَّ قدم الى بَيت الْمُقَدّس فِي حُدُود سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة وانتمى الى الشَّيْخ برهَان الدّين بن غَانِم فَكَانَ يقرئ أَوْلَاده وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ ولازم

الِاشْتِغَال واعتقده النَّاس وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه شهَاب الدّين أَحْمد حسن الصَّوْت وَكَانَ ناظما كَاتبا مجموعا حسنا إِلَى الْغَايَة من نظمه يُخَاطب شهَاب الدّين أَحْمد موقع الْأَمِير جاني بك داوادار الْملك الْأَشْرَف يَا شهابا رقى الْعلَا لَا تخن قطّ صَاحبك زادك الله رفْعَة ورعى الله جَانِبك توفّي قبل وَالِده فِي ثامن عشري شعْبَان سنة تسع واربعين وَثَمَانمِائَة فَجْأَة فَحصل لوالده عَلَيْهِ الوجدالعظيم وَلم يزل مهموما عَلَيْهِ الى ان توفّي وَكَانَ كلما سُئِلَ عَن حَاله يَقُول شَيْئَانِ لَو بَكت الدِّمَاء عَلَيْهِمَا عَيْنَايَ حَتَّى يؤذنا بذهاب لم يبلغَا المعشار من عشريهما فقد الشَّبَاب وَفرْقَة الأحباب ويبكي حَتَّى يبكي من حضر لبكائه توفّي الشَّيْخ شمس الدّين فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشري شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة بعلة الاسْتِسْقَاء وَقد رَأَيْت كثيرا من المسندات الشَّرْعِيَّة بِخَط وَلَده وَعبارَته فِيهَا دَالَّة على فَضله ومعرفته رَحمَه الله الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد الصلتي الشَّافِعِي ولد سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَله اشْتِغَال قديم وَكَانَ رجلا مُبَارَكًا بَاشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف مُدَّة طَوِيلَة وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشري شعْبَان من سنة اثْنَتَيْنِ وخمسن وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي عبد الله مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الشهير بِابْن الْبُرْهَان الخليلي الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي الْخَطِيب بالقدس الشريف هُوَ ووالده من قبله مولده بِمَدِينَة الْخَلِيل فِي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة سمع الحَدِيث واشتغل بِالْعلمِ واتقن علم الْوَقْت وَلم يتَزَوَّج قطّ وَكَانَت وَفَاة وَالِده فِي سنة عشر وَثَمَانمِائَة وَكَانَ هُوَ فَقِيها فرضيا نحويا أعَاد بالصلاحية نِيَابَة وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة

اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الامام الْعَالم الزَّاهِد شهَاب الدّين أَبُو الْبَقَاء أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الزبيرِي الشَّافِعِي مولده فِي حُدُود السّبْعين والسبعمائة بصعيد مصر سمع الحَدِيث واشتغل بِالْعلمِ وَقدم بَيت الْمُقَدّس بعد الثَّلَاثِينَ والثمانمائة وَصَحب الشَّيْخ شهَاب الدّين احْمَد بن أرسلان وَنزل بمدارس الْفُقَهَاء ثمَّ انْقَطع بالطولونيا لِلْعِبَادَةِ لَا يخرج مِنْهَا توفّي بالقدس الشريف فِي حادي عشر ربيع الأول سنة ارْبَعْ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَحضر جنَازَته نَائِب السلطنة مبارك شاه والقضاة والأعيان رَحِمهم الله الشَّيْخ الصَّالح الرحلة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ مُحَمَّد بن حَامِد الانصاري الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي مولده تَقْرِيبًا سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة اشْتغل فِي الْعُلُوم وَحصل الْفَوَائِد وَأدْركَ الْمُتَقَدِّمين وَسمع عَلَيْهِم وَعرض محفوظاته على قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة توفّي وَقت الظّهْر فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري ذِي الْقعدَة سنة ارْبَعْ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا عِنْد عَمه عَلَاء الدّين عَليّ بن حَامِد الْمُتَوفَّى فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حسان الشَّافِعِي مولده فِي صفر سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي وَالِده بِدِمَشْق قَتِيلا فِي سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة فَنَشَأَ هُوَ بعده واشتغل بِالْعلمِ وجد واجتهد بِبَيْت الْمُقَدّس ثمَّ انْتقل الى مصر فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة فَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء الْقَاهِرَة وَسُئِلَ لمشيخة الصلاحية فَأبى مُفَارقَة الديار المصرية وَولي مشيخة سعيد السُّعَدَاء توفّي فِي سلخ صفر سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد النحال - بحاء مُهْملَة - البرموني الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي مولده فِي سنة سبعين وَسَبْعمائة بالبرمون اشْتغل قَدِيما على الْمَشَايِخ وَسمع الحَدِيث على أبي الْخَيْر بن العلائي وَغَيره وَحدث

وَكَانَ رجلا خيرا انجمع عَن النَّاس وَضعف بَصَره فِي آخر عمره توفّي بالقدس الشريف فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد التَّمِيمِي الموقت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف كَانَ من أهل الحذق فِي فنه بَاشر التَّأْقِيت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ مَوْجُودا فِي سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي بعْدهَا بِقَلِيل الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الشَّافِعِي المؤرخ الْمَشْهُور بِابْن رَوْحَة أبي عذيبة نِسْبَة لزوج والدته الخواجا مُحَمَّد الْمَشْهُور بِأبي عذيبة - الْمُتَقَدّم ذكره - وَبَعض النَّاس يَظُنّهُ ابْن ابي عذيبة وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ بيبه مولده فِي لَيْلَة يسفر صباحها عَن يَوْم الْأَحَد ثَالِث شهر شعْبَان المكرم سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف قَرَأَ الْقُرْآن واشتغل بِالْعلمِ وَكَانَ من الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية واعتنى بِعلم التَّارِيخ وَكتب تاريخين احدهما مطولا وَالْآخر مُخْتَصرا وَقد وقفت على مُعظم الْمُخْتَصر وَهُوَ مُرَتّب على حُرُوف المعجم وَلم يظْهر تَارِيخه الْكَبِير بعد وَفَاته وَقد أخْبرت انه لما توفّي اطلع بعض النَّاس عَلَيْهِ فَوجدَ فِيهِ أَشْيَاء فَاحِشَة من ثلب أَعْرَاض النَّاس فاعدمه فَلم يُوجد إِلَّا بعض كراريس مُتَفَرِّقَة من التَّارِيخ الْمُخْتَصر توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر ربيع الآخر سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة عَفا الله عَنهُ الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة الْمُحدث زين الدّين عبد الْكَرِيم بن الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد القرقشندي الشَّافِعِي كَانَ من اعيان الْعلمَاء بالقدس الشريف وَله يَد طولى فِي علم الحَدِيث وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْأَعْيَان وَله أَحَادِيث مخرجة توفّي فِي سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالقلندرية بماملا شيخ الاسلام شمس الدّين أَبُو اللطف مُحَمَّد بن عَليّ الحصكفي الشَّافِعِي الامام الْعَلامَة مولده بحصن كيفا سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة فَتخرج هُنَاكَ فِي فن الْأَدَب

ثمَّ قدم بَيت الْمُقَدّس فَلَزِمَ الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان واشتغل عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي وجد وَحصل وشارك فِي الْعُلُوم وتميز وَصَارَ من أَعْيَان الْعلمَاء وَكَانَ ذكيا حسن النّظم والنثر يكْتب الْخط الْمليح وَعِنْده تودد وحلاوة لِسَان وَهُوَ دين خير لَهُ مؤلفات مفيدة فِي النَّحْو وَالصرْف وَغير ذَلِك توفّي فِي لَيْلَة يسفر صباحها عَن نَهَار الثُّلَاثَاء عَاشر جمادي الْآخِرَة سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الى جَانب وَالِده ووفاة وَالِده فِي سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَترك الشَّيْخ أَبُو اللطف وَلدين احدهما الشَّيْخ الْعَلامَة عَلَاء الدّين أَبُو الْفضل عَليّ توفّي وَالِده وَهُوَ صَغِير فَنَشَأَ بعده واشتغل على عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو مساعد وَغَيره ورحل الى الديار المصرية واخذ عَن علمائها وَفضل وتميز وَصَارَ من الْأَعْيَان وَلما توفّي شيخ الاسلام كَمَال الدّين بن أبي شرِيف مدرس الْمدرسَة الصلاحية قَرَّرَهُ من المعيدين بهَا ثمَّ استوطن دمشق المحروسة وَصَارَ من اعيان الْفُقَهَاء بهَا وَهُوَ حَيّ يرْزق وَالثَّانِي الشَّيْخ الْعَلامَة سيف الدّين القرقشندي توفّي وَالِده وَهُوَ حمل فَنَشَأَ بعده واشتغل بِالْعلمِ الشريف على عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس مِنْهُم شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَغَيره ثمَّ رَحل الى الديار المصرية واخذ عَن علمائها مِنْهُم الشَّيْخ شمس الدّين الْجَوْجَرِيّ وَغَيره وَسمع الحَدِيث وقرأه وَصَارَ من أَعْيَان الْعلمَاء الأخيار الموصوفين بِالْعلمِ وَالدّين والتواضع وَعِنْده تودد ولين جَانب وسخاء نفس وإكرام لمن يرد عَلَيْهِ لَا يحب الْفَخر وَلَا الْخُيَلَاء وَالنَّاس سَالِمُونَ من يَده وَلسَانه وَقد أذن لَهُ الْعلمَاء بالديار المصرية وَغَيرهَا بالافتاء والتدريس مُدَّة طَوِيلَة وَالنَّاس مجمعون على محبته لعلمه وَدينه وَهُوَ مِمَّن احبه الله عَامله الله بِلُطْفِهِ الْخَفي ونفعنا الله بِعُلُومِهِ الشَّيْخ الْعَالم المسلك السَّيِّد الشريف الحسيب النسيب تَقِيّ الدّين أَبُو بكر بن الشَّيْخ تَاج الدّين أبي الوفا مُحَمَّد بن الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الوفا الْحُسَيْنِي

الشَّافِعِي شيخ الوفائية بالقدس الشريف مولده فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَتِسْعين وَسَبْعمائة اخذ عَن اصحاب الْمَيْدُومِيُّ وَجَمَاعَة واشتغل قَدِيما وانتفع وَكَانَ رجلا كَرِيمًا مُعظما للواردين اليه كثير التودد للنَّاس مستجلب للقلوب لَهُ حَظّ من صِيَام وَصَلَاة وتلاوة واعتكاف وانتهت اليه رياسة الْفُقَرَاء بالقدس الشريف وألبس خرقَة الوفائية عَن وَالِده قدم عَلَيْهِ بعض اقاربه وَهُوَ الشَّيْخ سلار فِي سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَقد ثَبت نسب شرفه بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَلم ينتسب قبل ذَلِك بهَا توفّي شَهِيدا بالبطن فِي نَهَار الْجُمُعَة سَابِع عشري شَوَّال سنة تسع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَصلي عَلَيْهِ عقب صَلَاة الْجُمُعَة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَكَانَت جنَازَته حافلة وتأسف عَلَيْهِ النَّاس من الْفُقَرَاء وَغَيرهم وَدفن بماملا بحوش الْأَمِير طوغان العلائي الملاصق لزاوية القلندرية من جِهَة الشرق الْمعدل نور الدّين عَليّ بن يحيى الايدوني الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي نزيل الْقُدس الشريف قدم من دمشق الى بَيت الْمُقَدّس فَأَقَامَ بِهِ دهرا طَويلا يحترف بِالشَّهَادَةِ وخطه حسن وَله معرفَة بمصطلح الوثائق ورزق الْقبُول التَّام فِي هَذَا الْفَنّ وَكَانَ قُضَاة بَيت الْمُقَدّس يعظمونه ويحتفلون بأَمْره وَكَانَ مَوْجُودا فِي حُدُود السِّتين والثمانمائة ووفاته فِي ذَلِك الْعَصْر الرئيس علم الدّين سُلَيْمَان الصَّفَدِي رَئِيس المؤذنين بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف كَانَ حسن الصَّوْت وَعِنْده حسمة زَائِدَة ويلبس القماش الْحسن ويسلك طرفا لراسه وَكَانَ صَوته حسنا يضْرب بِهِ الْمثل توفّي بعد السِّتين والثمانمائة بالقدس الشريف الْعدْل زين الدّين الْخضر بن جُمُعَة بن خَلِيل الدَّارِيّ النقوعي من ذُرِّيَّة سيدنَا تَمِيم الدَّارِيّ كَانَ يحترف بِالشَّهَادَةِ وَرُبمَا بَاشر فِي دَار النِّيَابَة وخطه حسن وَكَانَ من ذَوي المروآت توفّي فِي شَوَّال سنة سِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا فِي الْقُدس الشَّيْخ الْحَافِظ الْمُحدث الْعَلامَة عماد الدّين أَبُو الفدا اسماعيل بن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ابي اسحاق ابراهيم بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين ابي مُحَمَّد عبد الله بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي مولده فِي رَمَضَان سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة حفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن تسع وَصلى بِالنَّاسِ وَحفظ عدَّة من الْكتب فِي الْفِقْه وَغَيره وَعرض على جمَاعَة من شُيُوخ الاسلام مِنْهُم جده الجمالي بن جمَاعَة وجده السَّعْدِيّ الديري الْحَنَفِيّ ورحل الى الديار المصرية وَأخذ عَن الْحَافِظ بن حجر وَأَجَازَهُ بالتدريس والافادة وَسمع الحَدِيث وَطلب العالي من الاسناد وَقَرَأَ الْكتب السِّتَّة والشفاء وَالتَّرْغِيب والترهيب وأجزاء حَدِيثِيَّةٌ وَشرح الألفية فِي علم الحَدِيث للزين الْعِرَاقِيّ شرحا حسنا أدمج الأَصْل فِي الشَّرْح وَبِذَلِك سهل مأخذه وَشرح تصريف الْعزي وَشرح أَلْفَاظ الشِّفَاء ذكر الْغَرِيب مِنْهُ وَرُبمَا تعرض لتخريج الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِيهِ ودرس الدُّرُوس الْعَامَّة والخاصة وَلما ولي جده الشَّيْخ جمال الدّين تدريس الصلاحية سنة خمسين وَثَمَانمِائَة اسْتَقر معيدا بهَا وَصَارَ ينْقل الْغَرِيب الْحسن والفوائد الجمة وَكَانَ خَطِيبًا فصيحا زاهدا متواضعا نحيف الْجِسْم خطب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف نِيَابَة عَن جده وَولي مشيخة الخانقاه الصلاحية مشاركا لبني غَانِم (نادرة) وَوَقعت لَهُ كَرَامَة وَهِي ان والدته حصل لَهَا ضعف فَحَضَرَ عِنْدهَا وسألها عَن حَالهَا فتأوهت وَشَكتْ شدَّة الْحمى فَقَالَ لَهَا فِي الْجَواب قد تحملت عَنْك مَا انت فِيهِ فَمَا قَامَ من مَجْلِسه إِلَّا وَهُوَ مَحْمُوم فَلم يزل يتزايد بِهِ الضعْف ووالدته تقوى الى ان قَبضه الله تَعَالَى توفّي بعد صَلَاة الْعَصْر من نَهَار الِاثْنَيْنِ سادس شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة احدى وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا عِنْد اقاربه الشَّيْخ الْفَقِيه جمال الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن مَنْصُور بن أَحْمد الْمَشْهُور بِابْن النَّائِب الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي مولده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة اشْتغل قَدِيما فِي الْفِقْه والنحو وَسمع الحَدِيث بِقِرَاءَة الْعَلامَة شمس الدّين القرقشندي على الْمسند ابي الْخَيْر العلائي وتفقه على الشَّيْخ بن الهائم وَعمل المواعيد توفّي بالقدس الشريف فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة الْعدْل زين الدّين عبد الرَّحِيم بن حسن بن قَاسم الْمَشْهُور بجده - أحد الْعُدُول بالقدس الشريف - احترف بِالشَّهَادَةِ دهرا طَويلا وَكَانَ رَفِيقًا للشَّيْخ برهَان الدّين الكتبي وسيرتهما محمودة توفّي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي رَجَب الْفَرد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد القرمي الشَّافِعِي كَانَ من أَعْيَان بَيت الْمُقَدّس وفقهاء الْمدرسَة الصلاحية وباشر الامامة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَكَانَ حسن الْقِرَاءَة منور الشيبة توفّي نَهَار السبت تَاسِع عشر ربيع الأول سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن عِنْد وَالِده وجده بالزاوية بِخَط مرزبان وَتُوفِّي وَالِده الْعدْل زين الدّين عمر - أحد الْعُدُول بالقدس الشريف وَالْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية - فِي سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن عِنْد اسلافه بالزاوية الشَّيْخ الْعَلامَة الْقدْوَة الْمُحَقق زين الدّين أَبُو الْجُود ماهر بن عبد الله بن نجم الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي شيخ الْمُسلمين مولده فِي سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة اشْتغل بالعلوم الْفِقْه والنحو والفرائض والحساب وَأَجَازَ لَهُ جمع من الْمَشَايِخ المسندين وَلَقي جمَاعَة من الْعلمَاء وَأخذ عَنْهُم وَأَصله من بِلَاد مصر وَقدم بَيت الْمُقَدّس واستوطنها فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَعْيَان وانتفع بِهِ الطّلبَة بصلاحه ونصحه وَكَانَ حسن التَّقْرِير أفتى ودرس وَمن تلامذته شيخ الاسلام الْكَمَال بن أبي شرِيف وَكَانَ مُنْقَطِعًا عَن ابناء الدُّنْيَا كثير التِّلَاوَة وَالْعِبَادَة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد وَكَانَ ورعا زاهدا متواضعا توفّي بالقدس الشريف فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سلخ ربيع الأول سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الى جَانب الشَّيْخ مُحَمَّد أكال الْحَيَّات نفع الله بهما وَرَضي عَنْهُمَا شيخ الاسلام عَلامَة الزَّمَان أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو بكر عبد الله ابْن شيخ الاسلام شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين

اسماعيل القرقشندي الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي سبط الْحَافِظ ابي سعيد العلائي عَالم الارض المقدسة شَيخنَا الامام الْعَلامَة الحبر الفهمامة مولده بالقدس الشريف فِي لَيْلَة الثَّالِث عشر من شهر ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة اشْتغل فِي صغره على وَالِده وَغَيره وَسمع على الْمَشَايِخ وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَسمع من لفظ البُلْقِينِيّ المسلسل بالأولية وَسمع على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر النابلسي الملقب بالحبة شَيْخه ابْن الْجَوْزِيّ عَليّ الْمَيْدُومِيُّ وَأَجَازَهُ جمع من الْعلمَاء والحفاظ افتى ودرس وناظر وَحدث وَسمع عَلَيْهِ الرحالون وساد بِبَيْت الْمُقَدّس وَلما عمر القَاضِي زين الدّين عبد الباسط الدِّمَشْقِي رَئِيس المملكة مدرسته الباسطية شمال الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف قرر فِي مشيختها الشَّيْخ شمس الدّين بن الْمصْرِيّ - الْمُتَقَدّم ذكره - وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن توفّي ثمَّ قرر بعده فِيهَا الشَّيْخ شرف الدّين يحيى بن الْعَطَّار الْحَمَوِيّ الأَصْل ثمَّ الْمصْرِيّ فباشرها مُدَّة ثمَّ تنزه عَنْهَا وَسَأَلَ الْوَاقِف أَن يُقرر فِيهَا شَيخنَا التَّقْوَى القرقشندي فقرره بهَا فانتهت اليه الرياسة بالقدس وَعظم عِنْد أكَابِر المملكة وَكَانَ عِنْده ملاطفة واستمالة للقلوب وَحسن سياسة وَكَثْرَة تواضع وفصاحة لفظ وَكَانَ حسن الشكل منور الشيبة لَهُ سمت إِذا رَآهُ من لَا يعرفهُ علم انه من أهل الْعلم بِرُؤْيَة شكله وَأما سخاؤه وَبسط يَده فَلَا يكَاد يُوصف وكتابته على الْفَتْوَى نِهَايَة فِي الْحسن وفصاحة اللَّفْظ وترتيب الْعبارَة وَقد عرضت عَلَيْهِ ملحة الاعراب فِي ثَانِي جمادي الأولى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بمنزله بجوار الْمدرسَة الصلاحية ولي دون سِتّ سِنِين فَإِن مولدِي بالقدس الشريف فِي لَيْلَة يسفر صباحها عَن يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشري ذِي لقعدة سنة سِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَهُوَ أول شيخ عرضت عَلَيْهِ وتشرفت بِالْجُلُوسِ بَين يَدَيْهِ وأجازني بالمحلة بِسَنَدِهِ الْمُتَّصِل الى المُصَنّف وبغيرها من كتب الحَدِيث الشريف وَمَا يجوز رِوَايَته وَكتب وَالِدي الاجازة بِخَطِّهِ وَكتب الشَّيْخ خطه الْكَرِيم عَلَيْهَا

وَكن للْأَرْض المقدسة بل ولسائر الممالك بِوُجُودِهِ الْجمال وَلَو شرعت أذكر مناقبه ومحاسنه لطال الْفَصْل وَخرجت عَن حد الِاخْتِصَار فَإِن تَرْجَمته وَذكر مشايخه تحْتَمل الافراد بالتأليف وَهُوَ أعظم من ان يُنَبه مثلي على فَضله وعلو مرتبته فَلَقَد كَانَ من اعظم محَاسِن الدَّهْر توفّي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشر شهر جمادي الْآخِرَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بداخل الايوان الْكَائِن بالزاوية القلندرية بتربة ماملا وَكَانَ يَوْمًا كثير الْمَطَر القَاضِي جمال الدّين عبد الله بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الصاحب التَّمِيمِي الخليلي من ذُرِّيَّة سيدنَا تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ نَاظرا على وَقفه وَهُوَ أَرض بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَله مُرُوءَة ومحبة لأَصْحَابه كَانَ يُبَاشر بدار النِّيَابَة وَلم يحصل مِنْهُ ضَرَر لأحد توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس جمادي الْآخِرَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة شيخ الشُّيُوخ نجم الدّين مُحَمَّد بن شيخ الشُّيُوخ شهَاب الدّين ابراهيم بن شهَاب الدّين أَحْمد بن غَانِم الانصاري الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي شيخ الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف اسْتَقر فِيهَا بعد وَفَاة وَالِده الشَّيْخ برهَان الدّين ثمَّ نزل عَن نصفهَا للشَّيْخ عماد الدّين بن جمَاعَة وَحصل بَينه وَبَين بني جمَاعَة نزاع ثمَّ أستقر فِيهَا بكمالها وَتوجه الى الْقَاهِرَة فَأَدْرَكته الْمنية بهَا فِي مستهل شعْبَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ومولده فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الْعَالم شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بدر الدّين حسن بن دَاوُد الْمَشْهُور بِابْن الناصري الشَّافِعِي ولد بالقدس الشريف وَنَشَأ بِهِ واشتغل بِالْعلمِ الشريف وَأخذ عَن عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ من أَعْيَان الْقُدس ولي مشيخة الْمدرسَة الجوهرية وَكَانَ شكلا حسنا منور الشيبة يسْلك طرق الرياسة توفّي فِي شهر جمادي الاولى سنة سبعين وَثَمَانمِائَة وَقد قَارب السّبْعين وَدفن بماملا الشَّيْخ الصَّالح الْعَالم زين الدّين عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن حسن النواوي الشَّافِعِي

مولده فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة توجه الى الْيمن فِي سنة عشر وَرجع فِي سنة خمس عشرَة وَقد قَرَأَ وَسمع بِالْيمن بزبيد وَتلك الْبِلَاد وَارْضَ الْحجاز واشتغل وتلا بالسبع وَفضل وَانْقطع عَن النَّاس وَكَانَ رجلا صَالحا صوفيا مقرئا عَالما فَاضلا لَهُ حَظّ من صَلَاة وَصَوْم وَعبادَة يمشي اليه الْخَواص ويسألونه الدُّعَاء يتبركون بِهِ والأهل بَيت الْمُقَدّس فِيهِ اعْتِقَاد وَكَانَ مِمَّن يقوم بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر توفّي فِي خَامِس شهر شعْبَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَحمل تابوته على الرؤس وَدفن بماملا وَكَانَت جنَازَته حافلة الْعدْل تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم بن القَاضِي الصَّلْت الشَّافِعِي كَانَ من اعيان الْعُدُول بالقدس الشريف وَكَانَت الْقُضَاة والحكام يعظمونه وباشر تحمل الشَّهَادَة دهرا طَويلا وَقد توجه الى مَدِينَة الرملة فَتوفي بهَا فِي شهر صفر سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة بِالْمَدْرَسَةِ الخاصكية وَدفن عِنْد قبَّة الجاموس الشَّيْخ الْعَلامَة زين الدّين عمر بن الشَّيْخ عبد الْمُؤمن الْحلَبِي الأَصْل الشَّافِعِي شَيخنَا بالاجازة كَانَ رجلا صَالحا لَهُ سَنَد عَال فِي الحَدِيث الشريف أَخذ عَن جمَاعَة من فُقَهَاء بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ منور الشيبة عَلَيْهِ الابهة وَالْوَقار وَقد حضرت ختم البُخَارِيّ عَلَيْهِ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة بالصخرة الشَّرِيفَة وأجازني توفّي فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَكَانَ مشهود الْجِنَازَة الْعدْل تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد الْمُؤَدب كَانَ رجلا خيرا احترف بِالشَّهَادَةِ دهرا طَويلا وَكَانَ ينْسَخ الْكتب وخطه حسن وَعِنْده تواضع توفّي فِي رَابِع شعْبَان سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالساهرة الشَّيْخ أَحْمد جعارة كَانَ مجذوبا وَله كرامات ظَاهِرَة وَأهل بَيت الْمُقَدّس يَعْتَقِدُونَ صَلَاحه وَحكي عَنهُ أَشْيَاء تدل على ولَايَته توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا بِالْقربِ من القلندرية نفع الله بِهِ الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة الْمُحَقق شيخ الْمُسلمين شمس الدّين أَبُو مساعد

مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الشَّافِعِي شَيخنَا أحد جمَاعَة الْعَلامَة شهَاب الدّين بن أرسلان وَهُوَ الَّذِي كناه كَانَ من اعيان عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس والمعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَكَانَ يكْتب على الْفَتْوَى عبارَة حَسَنَة انْتفع النَّاس بِهِ وَقد عرضت عَلَيْهِ قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وأجازني توفّي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة بالطاعون وَدفن بالساهرة وَكَانَت جنَازَته حافلة الْعدْل شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الخليلي الشَّافِعِي رَئِيس المؤذنين بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى كَانَ حسن الصَّوْت فِي الاذان اسْتَقر فِي رياسة الاذان بعد وَفَاة علم الدّين الصَّفَدِي وَكَانَ يحترف بِالشَّهَادَةِ رَفِيقًا للْقَاضِي عماد الدّين التركستاني وَعِنْده حشمة زَائِدَة ويلبس القماش الفاخر وَله مُرُوءَة تَامَّة توفّي فِي الْمحرم سنة أَربع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَلم يبْق بعده من هُوَ فِي مَعْنَاهُ من حسن الصَّوْت فِي الاذان والمديح وَنَحْوهمَا السَّيِّد الشريف الشَّيْخ عز الدّين حَمْزَة الدِّمَشْقِي أحد عُلَمَاء دمشق توفّي بالقدس الشريف فِي سنة أَربع وسبيعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا القَاضِي زين الدّين أَبُو حَفْص عمر بن الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ الْحوَاري الشَّافِعِي أحد اعيان الْفُقَهَاء بالقدس الشريف والمعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية كَانَ من أهل الْفضل وناب فِي الْقَضَاء بالقدس الشريف وَكَانَ خيرا متواضعا مولده فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي فِي يَوْم الاربعاء الْعشْرين من شهر ربيع الأول سنة أَربع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَتقدم ذكر وَالِده الشَّيْخ غرس الدّين خَلِيل بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ الخليلي الشَّافِعِي أَخُو الشَّيْخ برهَان الدّين - الْآتِي ذكره - كَانَ الشَّيْخ غرس الدّين من أهل الْفضل وَذَوي المروآت وَعِنْده تواضع وباشر نِيَابَة الحكم بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وناب فِي الخطابة بِالْمَسْجِدِ الشريف الخليلي توفّي فِي شهر ربيع

الاول سنة أَربع وَسبعين وَثَمَانمِائَة بِبَلَدِهِ الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن احْمَد بن مُحَمَّد بن حَامِد الْأنْصَارِيّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي شيخ الْمدرسَة الفخرية مولده فِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من أهل الْفضل وَمن اعيان بَيت الْمُقَدّس توجه الى دمشق فَتوفي بهَا فِي سَابِع ربيع الآخر سنة ارْبَعْ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِالْقربِ من المذهبية وَصلي عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن الأوتاري الْمُقْرِئ الشَّافِعِي مولده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة كَانَ رَئِيس الْقُرَّاء بالقدس الشريف حفظ الْقُرْآن حفظا جيدا ويؤديه بِحسن صَوت وَطيب نَغمَة وينظم الشّعْر وخطه حسن وَرُبمَا احترف بِالشَّهَادَةِ فِي بعض الْأَوْقَات وَكَانَ عِنْده بشاشة وتودد للنَّاس توفّي فِي الاربعاء سَابِع شهر رَجَب سنة ارْبَعْ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الْقدْوَة برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بن الشَّيْخ الْقدْوَة عَلَاء الدّين ابي الْحسن عَليّ بن الشَّيْخ ابي الوفا البدري الْحُسَيْنِي الشَّافِعِي أحد مَشَايِخ الوفائية بالقدس الشريف نَشأ فِي خدمَة وَالِده وخرجه ثمَّ تكمل بِعَمِّهِ الشَّيْخ ابي بكر فِي حَيَاة ابيه وَلزِمَ خدمَة عَمه الى ان توفّي وَمن تَخْرِيج وَالِده لَهُ أَنه كَانَ رَاكِبًا يخدمته فِي سفر وَمَعَهُمْ رجل صَالح يمشي أَمَام الْفرس الَّتِي تَحْتَهُ فَلَمَّا أحس وَالِده ان الرجل تَعب وَلم يتفكر وَلَده فِي ذَلِك أَمر وَلَده بنزوله واركب فرسه لذَلِك الرجل الْمَاشِي وَأمر وَلَده أَن يمشي أَمَام الْفرس فَمشى حَتَّى تَعب كثيرا فَنزل الْفُقَرَاء وكشفوا رؤوسهم وَاسْتَغْفرُوا عَنهُ فَقَالَ لَا حَتَّى يعرف ألم التَّعَب ثمَّ عَفا عَنهُ وَمن هُنَالك نشطت همته جدا وَصَارَ لَا يماثل فِي الْمُهِمَّات والاقدام على الامور المشكلات وَالْكَرم الزَّائِد الى النِّهَايَة وتلقى الواردين وتربية المريدين حفظ الْقُرْآن

والمنهاج والجرجانية فِي النَّحْو وَعرض الْمِنْهَاج على الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام الْمَقْدِسِي شيخ الصلاحية وَقَررهُ بهَا وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَأَجَازَهُ بِهِ وَسمع أَيْضا من الشَّيْخ ماهر وَمن الشَّيْخ عضد الدّين الصيرامي بِمصْر وَغَيره واخذ عَن مَشَايِخ الصُّوفِيَّة صُحْبَة الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن قرا فِي طَرِيق السَّيِّد عبد الْقَادِر الكيلاني اعاد الله علينا من بركاته وَكَذَلِكَ من سَيِّدي مُحَمَّد البرموني وَغَيرهمَا وَكَانَ عَمه السَّيِّد أَبُو بكر يندبه فِي الْمُهِمَّات ويصرفه فِي كثير من الْأَحْوَال دون غَيره من الْأَوْلَاد والأقارب لعلمه بهمته وشجاعته وعزمه واقدامه توفّي فِي شهر شَوَّال يَوْم مسير الْحَاج من الْقُدس الْقُدس الشريف فِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا على جَانب الْبركَة من جِهَة الشرق وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لجنازته الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى البسطامي الشَّافِعِي الشهير بأخي زرع كَانَ رجلا صوفيا من فُقَرَاء البسطامية وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن ويقرىء الاطفال بِالْمَدْرَسَةِ الطازية وَهُوَ رجل خير اسْتَقر فِي أَوَاخِر عمره فِي بوابة الخانقاه الصلاحية وَهُوَ من جملَة الصُّوفِيَّة بهَا وبالجوهرية وَمن الْفُقَهَاء بالصلاحية توفّي فِي خَامِس رَمَضَان سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَأَخُوهُ الشَّيْخ مُحَمَّد زرع - الَّذِي اشْتهر بِهِ - كَانَ صَالحا ووفاته قبل أَخِيه بِنَحْوِ عشْرين سنة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عقبَة الْمُقْرِئ الْمُؤَذّن الشَّافِعِي كَانَ حسن الصَّوْت فِي الْقِرَاءَة وَالْأَذَان وَاسْتقر من جملَة الْفُقَهَاء بالصلاحية وَتعين حَتَّى صَار يقْرَأ المراسيم الشَّرِيفَة الْوَارِدَة من السُّلْطَان على دكة الْمَسْجِد الْأَقْصَى توفّي خَامِس عشري رَمَضَان سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَيَأْتِي ذكر وَالِده وجده مَعَ فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة إِن الله تَعَالَى الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّزَّاق بن نَاصِر الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي الشهير بِابْن شيخ السُّوق اشْتغل وَحصل وَصَارَ من الْفُضَلَاء وتقرر من الْفُقَهَاء

بالصلاحية والصوفية بالخانقاه وَكَانَ من جمَاعَة شيخ الاسلام النجمي ابْن جمَاعَة وباشر النقابة عَنهُ حِين ولي الْقَضَاء وَكَانَ يحترف بِالشَّهَادَةِ ثمَّ ترك ذَلِك وَتوجه الى مَكَّة سنة أَربع وَسبعين وجاور فَتوفي بهَا فِي سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن الْمُقْرِئ كَانَ من الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وقارئ الْعشْر بهَا وَمن الصُّوفِيَّة بالخانقاه وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن حفظا جيدا وَهُوَ رجل خير منجمع عَن النَّاس لَا يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه توفّي بالقدس الشريف فِي شهر شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة الْوَرع الزَّاهِد شهَاب الدّين أَبُو الأسباط أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الرَّمْلِيّ الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام الْقدْوَة شَيخنَا مولده فِي حُدُود سنة عشر وَثَمَانمِائَة ظنا كَانَ من أَعْيَان الْعلمَاء وَمن تلامذه الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان وَهُوَ الَّذِي كناه ولي قَضَاء الرملة بعد القَاضِي عَلَاء الدّين بن السائح فِي سنة نَيف واربعين فباشر بعفة ونزاهة وَكَانَ من قُضَاة الْعدْل لَا يحابي أحدا وَلَا يلْتَمس على الْقَضَاء الدِّرْهَم وَكَانَ شكلا حسنا منور الشيبة رُؤْيَة شكله تدل على علمه وصلاحه استوطن بَيت الْمُقَدّس دهرا طَويلا وَكَانَ من اعيان المنتهين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَعرضت عَلَيْهِ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه وأجازني ثمَّ فِي آخر عمره توجه إِلَى الرملة لضَرُورَة لَهُ فَأَدْرَكته الْمنية بهَا فِي سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالجامع الْأَبْيَض الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن أبي عمر الشَّافِعِي كَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء بالقدس الشريف وَله وجاهة وَكَانَ قَدِيما يحترف بِالشَّهَادَةِ ثمَّ ترك ذَلِك توفّي فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالساهرة الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو البركات مُحَمَّد بن الشَّيْخ نجم الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ برهَان الدّين بن غَانِم الانصاري الشَّافِعِي شيخ الخانقاه الصلاحية اسْتَقر فِيهَا بعد

وَفَاة وَالِده فِي سنة سبعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ نزل عَن النّصْف للشَّيْخ جمال الدّين بن غَانِم شيخ الْحرم فَلَمَّا ولي الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة نصف المشيخة فِي سنة ثَمَان وَسبعين بمرسوم السُّلْطَان اعْترف الشَّيْخ جمال الدّين أَن النّصْف الَّذِي اسْتَقر فِيهِ الْخَطِيب محب الدّين هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ وَاسْتمرّ الشَّيْخ أَبُو البركات فِيمَا بِيَدِهِ من النّصْف مشاركا للخطيب محب الدّين بن جمَاعَة وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو البركات فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عَاشر شهر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَله اربعون سنة القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بدر الدّين حسن الجلجولي الشَّافِعِي ولد بجلجوليا وَنَشَأ بهَا واخذ الْعلم عَن الشَّيْخ شهَاب الدّين القباقي وباشر الْقَضَاء بجلجوليا وَكَانَ من أهل افضل وَعِنْده تواضع توفّي يَوْم السبت خَامِس عشري ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بحوش البسطامية بماملا القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ اللدي الشَّافِعِي سبط الْعَلامَة شيخ الاسلام جمال الدّين بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي كَانَ من أَعْيَان الرؤساء بِبَيْت الْمُقَدّس وَله اشْتِغَال وَرِوَايَة فِي الحَدِيث وَكَانَ يقْرَأ صَحِيح البُخَارِيّ فِي كل سنة بالصخرة الشَّرِيفَة ويختمه بالجامع الْأَقْصَى وَله شهامة ومروءة ومساعدة لأَصْحَابه وَقد حضرت مرّة خَتمه لصحيح البُخَارِيّ بالأقصى تجاه الشباك الَّذِي عِنْد جَامع عمر فِي أَوَاخِر شهر رَمَضَان سنة بضع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ بِالْمَجْلِسِ رجل لَا يحضرني من هُوَ فَأخذت الرجل سنة من النّوم وَقت الْخَتْم فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ حَاضر فِي الْمجْلس فَاسْتَيْقَظَ الرجل وقص الرُّؤْيَا على من حضر - وَكَانَ مَجْلِسا حافلا - فَحصل للْقَاضِي شهَاب الدّين اللدي السرُور بذلك وَبكى هُوَ وَمن حضر بِالْمَجْلِسِ وَكَانَت سَاعَة عَظِيمَة توفّي فِي شهور سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بالقلندرية بماملا وَفِي هَذِه السّنة توفّي القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد

الشَّافِعِي أَمِين الحكم الْعَزِيز والمتكلم على الايتام بالقدس الشريف وَكَانَ من الرؤساء بِبَيْت الْمُقَدّس وَعِنْده تواضع وتودد للنَّاس ولين الْجَانِب وَتُوفِّي ابْن عَمه القَاضِي محب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَامِد وَكَانَ من اعيان المباشرين على أوقاف الْقُدس والخليل توفّي الشَّيْخ محب الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن عوجان الْعمريّ الشَّافِعِي وَكَانَ قد اشْتغل بِالْعلمِ على مَذْهَب الامام الشَّافِعِي وَخَالف فِي ذَلِك وَالِده وجده - الْآتِي ذكرهمَا مَعَ فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة - وَصَارَ من المعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية ووفاته فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة عَن خمس واربعين سنة وَدفن بماملا الشَّيْخ الْفَاضِل يُوسُف الْكرْدِي الشَّافِعِي كَانَ من أهل الْفضل وَمن الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَله مُشَاركَة جَيِّدَة وَكَانَ يبْحَث فِي درس الصلاحية بحثا جيدا غير أَن لِسَانه فِيهِ ثقل فَكَانَ كَلَامه لَا يفهمهُ إِلَّا من لَهُ بِهِ خبْرَة وَمن اقرانه الشَّيْخ الْفَاضِل بدر الدّين حسن الْجَزرِي النَّحْوِيّ الشَّافِعِي كَانَ يحسن الْعَرَبيَّة واشتغل عَلَيْهِ كثير من الطّلبَة وانتفعوا بِهِ وَكَانَ من الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَالشَّيْخ الْفَاضِل عُثْمَان الحصني الشَّافِعِي الفرضي كَانَ من اهل الْفضل وَله يَد طولى فِي الْفَرَائِض وَكَانَ اشْتِغَاله ببلاده فِي جِهَة الشرق واستوطن بِبَيْت الْمُقَدّس واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة وانتفعوا بِهِ وَكَانَت وَفَاته هُوَ وَالشَّيْخ حسن الْجَزرِي وَالشَّيْخ يُوسُف الْكرْدِي - الْمُتَقَدّم ذكرهمَا - فِي مُدَّة مُتَقَارِبَة بعد الثَّمَانِينَ والثمانمائة بالقدس الشريف الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْكرْدِي الْحلَبِي البسطامي الشَّافِعِي شيخ البسطامية بالقدس الشريف كَانَ صوفيا مُبَارَكًا وَكَانَ ينْسَخ الْكتب وخطه جيد وَهُوَ من جملَة الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية والصوفية بالخانقاه وَكَانَ متواضعا قَلِيل الْكَلَام فِيمَا لَا يعنيه وَصَحب الشَّيْخ ابا بكر الطولوني وَكَانَ يُصَلِّي بِهِ ثمَّ صحب بعده الشَّيْخ كَمَال الدّين إِمَام الكاملية ثمَّ اسْتَقر فِي مشيخة الزاوية البسطامية

بالقدس الشريف وَاسْتمرّ بهَا إِلَى ان توفّي بالقدس الشريف فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بالطاعون الشَّيْخ الْعَلامَة الْفَقِيه عَلَاء الدّين أَبُو مَدين عَليّ بن ابراهيم الرَّمْلِيّ الشَّافِعِي نزيل الْقُدس الشريف كَانَ من تلامذة الشَّيْخ شهَاب الدّين بن ارسلان وَهُوَ الَّذِي كناه فاشتهر يكنيته وَكَانَ يعرف فِي الرملة بِابْن قطيط استوطن بَيت الْمُقَدّس وباشر الحكم بِهِ نِيَابَة عَن القَاضِي عَلَاء الدّين بن السائح وَصَارَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية والخانقاه وَغَيرهمَا وان يجلس للوعظ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَكَانَ مطرحا للتكلف وَعِنْده تواضع وتقشف على طَريقَة السّلف توفّي فِي آخر رَجَب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا تَحت الْقبَّة الَّتِي بحوش الشَّيْخ خَليفَة الْمَالِكِي الْعدْل عَلَاء الدّين عَليّ بن عمر المرداوي كَانَ يحفظ الْقُرْآن وَبِيَدِهِ مَال يتجر فِيهِ ثمَّ نفذ مِنْهُ المَال وَصَارَ فَقِيرا فاحترف بِالشَّهَادَةِ وَفتح عَلَيْهِ ولازم مجَالِس الْقُضَاة وقصده النَّاس وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة تقرب من عشْرين سنة توفّي فِي سادس شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن عُثْمَان السَّعْدِيّ الشَّافِعِي بن أخي شيخ الاسلام عز الدّين بن عبد السَّلَام الْمَقْدِسِي شيخ الصلاحية وَبِه كَانَ يعرف كَانَ من أهل الْفضل وَمن جملَة فُقَهَاء الْمدرسَة الصلاحية بَاشر نِيَابَة الحكم بالرملة فِي أَوَاخِر عمره مُدَّة يسيرَة وَحصل لَهُ توعك فَحمل الى الْقُدس الشريف فَمَاتَ فِي الطَّرِيق وَدفن بالقدس الشريف بِبَاب الرَّحْمَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة القَاضِي برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم بن القَاضِي شهَاب الدّين ابي الْعَبَّاس احْمَد بن الْقَاسِم الشَّافِعِي الْمَشْهُور بِابْن الْحِكْمَة كَانَ وَالِده قَاضِي بَيت الْمُقَدّس وَتقدم ذكره وَولي هُوَ قَضَاء نابلس ثمَّ قَضَاء الرملة مَرَّات آخرهَا فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وعزل فِي سنة أَربع وَسبعين واقام بوطنه بالقدس الشريف وَكَانَ

شكلا حسنا لَهُ مُرُوءَة وَعِنْده سخاء توفّي بالقدس لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْعشْرين من شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن اسحاق الْمقري الشَّافِعِي نزيل الْقُدس الشريف كَانَ من أهل الْفضل واستوطن بَيت الْمُقَدّس دهرا طَويلا وَكَانَ يتكسب بِالشَّهَادَةِ وَسيرَته محمودة وَعِنْده تواضع وَدين توفّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة أَبُو الْعَزْم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحلاوي الشَّافِعِي النَّحْوِيّ كَانَ من اهل الْعلم وَالدّين وَهُوَ من تلامذة الشَّيْخ شهَاب الدّين بن ارسلان وكناه بِأبي الْعَزْم فاشتهر بكنيته وَكَانَ لَهُ يَد طولى فِي الْعَرَبيَّة وصنف شرحا على الجرومية وَكَانَ يقرئ الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف انْتفع عَلَيْهِ كثير من الْفُقَهَاء بِبَيْت الْمُقَدّس ونابلس وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية فِي زمن شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَبعده فِي ولَايَة شيخ الاسلام النجمي بن جمَاعَة وَكَانَ عِنْده قيام فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى وَقعت الْفِتْنَة بِسَبَب كَنِيسَة الْيَهُود بالقدس الشريف وَطلب السُّلْطَان أهل بَيت الْمُقَدّس على مَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ هُوَ بِالْقَاهِرَةِ فاختفى وَتوجه الى الْحجاز الشريف وجاور بِمَكَّة حَتَّى توفّي بهَا فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَت جنَازَته حافلة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو زرْعَة مُحَمَّد بن برهَان الدّين بن أبراهيم الزرعي الشَّافِعِي الْمقري أحد جمَاعَة الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان وَهُوَ الَّذِي كناه كَانَ شيخ الْقُرَّاء بِمَدِينَة الرملة وَمن أهل الْعلم ولي قَضَاء الرملة بعد الْخمسين والثمانمائة مُدَّة ثمَّ بَاشر الحكم بهَا نِيَابَة عَن القَاضِي غرس الدّين أخي ابي الْعَبَّاس ثمَّ اشْتغل بِالْقضَاءِ فِي سنة خمس وَسبعين بِولَايَة السَّيِّد الشريف وَكيل السُّلْطَان فَإِنَّهُ كَانَ فوض اليه السُّلْطَان أَمر الْقَضَاء بالمملكة فعزل وَولي بِالشَّام وجلب وَغَيرهمَا وَمن جملَة من ولاه القَاضِي شمس الدّين ابو زرْعَة الْمَذْكُور فاستمر إِلَى سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة

وعزل بِالْقَاضِي شمس الدّين بن يُونُس النابلسي ثمَّ استوطن بَيت الْمُقَدّس وَصَارَ من المعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَكَانَ شكلا حسنا منور الشيبة وَعند تواضع وتودد للنَّاس توفّي بالقدس الشريف فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بالقلندرية بماملا الشَّيْخ الْقدْوَة أَبُو طَاهِر خَلِيل بن مُوسَى الرَّمْلِيّ الشَّافِعِي الْمَشْهُور بِابْن الطِّبّ الصَّالح الناسك بركَة الْمُسلمين كَانَ من أَعْيَان جمَاعَة الشَّيْخ شهَاب الدّين بن ارسلان وَهُوَ الَّذِي كناه استوطن بَيت الْمُقَدّس دهرا طَويلا وَكَانَ يحترف بيع القماش فِي سوق التُّجَّار وَكَانَ فَقِيرا جدا وَلِلنَّاسِ فِيهِ إعتقاد وَكَانَ كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ يحْكى عَنهُ فِي ذَلِك الْعَجَائِب من سرعَة تِلَاوَته حَتَّى قيل عَنهُ أَنه كَانَ يشمي من منزله إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف فَيقْرَأ ختما كَامِلا وَقد أَخْبرنِي من جلس الى جَانِبه فِي صَلَاة الْجُمُعَة انه سَمعه ابْتَدَأَ فِي الْقُرْآن حِين صعد الْخَطِيب الْمِنْبَر فَلَمَّا أكمل الْخطْبَة وَنزل للصَّلَاة سَمعه يقْرَأ سُورَة الرَّحْمَن فسبحان المتفضل بِمَا شَاءَ على من شَاءَ وَكَانَ شكله عَلَيْهِ الابهة وَالْوَقار منور الشيبة على طَريقَة السّلف الصَّالح توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرى شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بماملا وَفِي ذَلِك الْيَوْم توفّي الشَّيْخ شمسي الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد الله الغدادي الشَّافِعِي الْعدْل كَانَ وَالِده من الْفُقَرَاء الصُّوفِيَّة وَمَات وَهُوَ صَغِير فَنَشَأَ بعده واشتغل الْعلم وَحفظ كتاب التَّنْبِيه فِي الْفِقْه وَقرر فِي الخانقاه والمدرسة الصلاحية وَتحمل الشَّهَادَة عِنْد الْقُضَاة وَكَانَ ينظم الشّعْر وينقل التَّارِيخ وَله محاضرة لَطِيفَة وَكَانَ شكلا حسنا فصيح الْعبارَة لَهُ خبْرَة بأحوال النَّاس والمتقدمين وَكتب كثيرا وَكَانَ خطه قرب أَن يشبه الْخط الْكُوفِي وَسكن بالزاوية الكائنة بِقرب القلعة ظَاهر الْقُدس الشريف الْمَعْرُوفَة قَدِيما بالشيخ يَعْقُوب العجمي فَعرفت بِهِ لسكنه بهَا فَصَارَ يُقَال لَهَا زَاوِيَة بن الشَّيْخ عبد الله وَعمر على ظَاهرهَا طبقَة مُرْتَفعَة وَكَانَ الرؤساء والقضاة

من أَصْحَابه يقصدونه بالزاوية ويجلسون عِنْده ويأنسون بِهِ وبمجالسته وَكَانَ لَهُ مُرُوءَة وَحسن عشرَة توفّي فِي يَوْم وَفَاة الشَّيْخ ابي طَاهِر - وَتقدم ذكره - وَدفن بماملا الشَّيْخ زين الدّين عبد الْقَادِر بن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن قطلوشاه الْمقري الرَّمْلِيّ الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي كَانَ وَالِده من أَعْيَان الْقُرَّاء حسن الصَّوْت طيب اسْتَقر فِي وَظِيفَة الْقِرَاءَة بمصحف الْملك الْأَشْرَف برسباي الَّذِي وَضعه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَلما توفّي اسْتَقر بعده فِي الْوَظِيفَة وَلَده هَذَا وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن وَله وظائف ويتجر وَله دنيا وَاسِعَة توفّي بالقدس فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الْعدْل شمس الدّين مُحَمَّد بن ابراهيم الحريري كَانَ رجلا خيرا احترف بِالشَّهَادَةِ دهرا طَويلا وَكَانَ يكْتب خطا حسنا وَعِنْده تواضع توفّي فِي سنة سِتّ وثمانمين وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف القَاضِي عماد الدّين اسماعيل بن الشَّيْخ الصَّالح ابراهيم التركماني الشَّافِعِي الْعدْل كَانَ عين موقعي الحكم بالقدس الشريف وانتهت اليه الرياسة فِي فن الشَّهَادَة وَكِتَابَة المستندات وخطه حسن وَله معرفَة تَامَّة بالمصطلح وأوتي من الْحَظ والاقبال مَا لم ينله غَيره وَكَانَ الْقُضَاة يعظمونه ويكرمونه وَكَانَ يلبس القماش الفاخر ويتوسع فِي النَّفَقَة وبترفه فِي المأكل وَله مُرُوءَة تَامَّة وإكرام لأَصْحَابه وَقيام بحقوقهم وَقَضَاء لحوائجهم توفّي فِي نصف شهر شعْبَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَلم يبْق من هُوَ فِي مَعْنَاهُ الشَّيْخ الْعَلامَة شمس الدّين ابو الْفضل مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر النجار الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي ولد فِي حُدُود سنة اربعين وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وتفقه على شيخ الاسلام الكمالي ابْن أبي شرِيف وَالشَّيْخ أبي مساعد وَغَيرهمَا وَكن من أَعْيَان أهل الْعلم بِبَيْت الْمُقَدّس وَمن أماثل الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَكَانَ دينا خيرا عِنْده تواضع وتودد للنَّاس وَله نظم رائق وَيَد طولى فِي الألغاز وَكَانَ يدرس بِالْمَسْجِدِ

الْأَقْصَى وانتفع عَلَيْهِ كثير من الطّلبَة وَلم يعلم مِنْهُ مَا يشينه وَتُوفِّي فِي نصف شعْبَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الشَّيْخ الْقدْوَة برهَان الدّين أَبُو الصَّفَا ابراهيم بن عَليّ بن أبي الوفا الاسعردي شَافِعِيّ الصُّوفِي الزَّاهِد مولده باسعرد فِي سنة خمس أَو سِتّ وَثَمَانمِائَة وَنَشَأ بهَا اشْتغل على علمائها ورحل الى تبريز الْعَجم واشتغل بهَا ثمَّ قدم الى بَيت الْمُقَدّس واستوطنه وَقَررهُ الْملك الظَّاهِر جقمق فِي الْمدرسَة الحنبلية بِبَاب الْحَدِيد وَأقَام فِي الْقُدس دهرا طَويلا وَتزَوج ورزق الْأَوْلَاد ثمَّ استوطن دمشق وَبَقِي يتَرَدَّد إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ شكلا حسنا منور الشيبة لَهُ مُرُوءَة وَحسن لِقَاء لمن يرد عَلَيْهِ توفّي بِدِمَشْق فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الْعَلامَة برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم العجلوني الشَّافِعِي كَانَ من أهل الْعلم وَعِنْده تَحْقِيق وَيكْتب على الْفَتْوَى عبارَة حَسَنَة وَكَانَ من اعيان شافعية بِبَيْت الْمُقَدّس رَحل إِلَى الديار المصرية قبل الثَّمَانِينَ والثمانمائة وَأقَام بهَا ثمَّ استوطن دمياط مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة فَتوفي بهَا فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شعْبَان بن سَالم بن شعْبَان من بَيت ساحور المعمر أَبُو سَالم ولد كَمَا اقْتضى كَلَامه - سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ يذكر أَنه لَقِي الْبُرْهَان بن جمَاعَة والقرقشندي وَأَنه كَانَ يحضر عِنْدهمَا فِي حَالَة الْقِرَاءَة فَأخذ عَنهُ بعض الطّلبَة قَالَ بَعضهم انه رأى لَهُ سَمَاعا على الشهَاب بن العلائي وَحدث بالاجازة الْعَامَّة من أبي حَفْص عمر بن أُميَّة وَصَلَاح الدّين بن عمر توفّي فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بِبَيْت ساحور خَارج الْقُدس الشريف وَدفن بهَا فَكَانَ عمره - على مَا اقْتَضَاهُ كَلَامه - مائَة سنة وَخَمْسَة عشر سنة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْمُحدث شمس الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْعَالم زين الدّين عمر بن الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة المسلك المربى تَقِيّ الدّين أبي بكر السَّعْدِيّ البسطامي الشَّافِعِي الخليلي الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاجة مولده فِي رَابِع عشر ربيع الآخر سنة

سِتّ وَقيل ارْبَعْ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام توفّي فِي سادس عشر شهر جمادي الْآخِرَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وثمامائة بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَدفن بمقبرة الرَّأْس الْحَافِظ الْعَلامَة شيخ الْمُسلمين شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن القَاضِي زين الدّين عمر العميري الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام الْوَاعِظ الْمُحدث شَيخنَا ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة بالقدس الشريف وتفقه على الشَّيْخ ماهر وَغَيره وَهُوَ من جمَاعَة الشَّيْخ شهَاب الدّين بن ارسلان اشْتغل ودأب وَحصل وَأخذ الحَدِيث عَن الْحَافِظ بن حجر وَلَقي جمَاعَة من أهل الْعلم وَأخذ عَنْهُم وباشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف عَن القَاضِي شهَاب الدّين قَاضِي الْخَلِيل حِين ولي الْقُدس فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ حَافِظًا فصيحا لَهُ مُشَاركَة فِي كثير من الْعُلُوم جلس للوعظ واشتهر امْرَهْ فِي المملكة وَعظم عِنْد النَّاس وَصَارَ لَهُ قبُول فِي الْوَعْظ وَكن خَاشِعًا مأنوس النِّعْمَة والشكل ذَا سُكُون ووقار مَعْرُوفا بالديانة لَا يغتاب أحدا وَإِن وَقع فِي مَجْلِسه استغابه منع مِنْهَا ودرس وافتى وَأعَاد بالصلاحية وَكَانَ قرر فِي الْمدرسَة الْمَشْهُورَة لمولانا الْملك الْأَشْرَف قايتباي الَّتِي هدمت وَبنى مَكَانهَا الْمدرسَة الْمَشْهُورَة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف بجوار بَاب السلسلة وَلما عمرت الْمدرسَة الْمَذْكُورَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآن وانتهت عمارتها أَدْرَكته الْمنية فَتوفي وَكَانَ متواضعا حسن اللِّقَاء كثير الْبشر عِنْده إكرام لمن يرد عَلَيْهِ وَقد عرضت عَلَيْهِ فِي حَيَاة الْوَالِد قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه وأجازني فِي شهور سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ لما توفّي الْوَالِد لازمته للاشتغال فَكنت اقْرَأ عَلَيْهِ فِي الْمقنع واحضر مجْلِس وعظه ودرسه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وحصلت الاجازة مِنْهُ غيرمرة خَاصَّة وَعَامة توفّي فِي لَيْلَة السبت ثامن أَو سَابِع شهر ربيع الأول سنة تسعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا ظَاهر الْقُدس الشريف وَقد كتب على قَبره تَارِيخ وَفَاته فِي ربيع الأول

سنة تسع وَثَمَانِينَ وَهُوَ خطأ فَإِنِّي اجْتمعت بِهِ بعد قدومي من الْقَاهِرَة فِي شَوَّال سنة تسع وَثَمَانِينَ ثمَّ علمت بوفاته وَأَنا مُقيم بالرملة فِي شهر ربيع الأول سنة تسعين وَثَمَانمِائَة وَصليت عَلَيْهِ بالرملة القَاضِي زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَامِد الانصاري الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي كَانَ من اعيان بَيت الْمُقَدّس وَعِنْده حشمة وتواضع لَهُ رِوَايَة فِي الحَدِيث توفّي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر رَمَضَان سنة تسعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا شيخ الشُّيُوخ جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الشَّيْخ الْقدْوَة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن غَانِم الانصاري الخزرجي الشَّافِعِي شيخ حرم الْقُدس الشريف والخانقاه الصلاحية مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ وَالِده شيخ حرم الْقُدس الشريف وَمن أَعْيَان بني غَانِم توفّي وَالشَّيْخ جمال الدّين صَغِير فَنَشَأَ بعده وَولي مَا كَانَ بيد وَالِده من مشيخة الْحرم ثمَّ ولي مشيخة الخانقاه الصلاحية شركَة واستقلالا وَعمر وَكَانَ كَرِيمًا حسن الْأَوْصَاف لَهُ مُرُوءَة تَامَّة ومحبة لأَصْحَابه توفّي فِي شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة تسعين وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة عِنْد سلفه الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة الْقدْوَة الْمُحَقق السَّيِّد الشريف تَاج الدّين أبي الوفا مُحَمَّد بن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أبي بكر بن أبي الوفا الْحُسَيْنِي الشَّافِعِي البدري شيخ فُقَرَاء الوفائية بِالْأَرْضِ المقدسة كَانَ من أهل الْعلم وَله وجاهة عِنْد النَّاس وَله تصانيف التصوف وَغَيره سكن مصر مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه بالقدس الشريف وَقدر أَنه زوج بِمَدِينَة الرملة وَكَانَ يتَرَدَّد اليها فَتوفي بهَا فِي يَوْم عَاشُورَاء وَحمل إِلَى الْقُدس الشريف فَغسل وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يَوْم الْحَادِي عشر من الْمحرم سنة إِحْدَى تسعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا عِنْد وَالِده بجوار الزاوية القلندرية الشَّيْخ الْعَلامَة زين الدّين عبد الرَّزَّاق بن شمس الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين يُوسُف بن الْمصْرِيّ الخليلي الشَّافِعِي كَانَ من أهل الْعلم وَمن أَعْيَان فُقَهَاء بلد سيدنَا

الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ استوطن بَيت الْمُقَدّس مُدَّة وَصَارَ من المعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده وَتُوفِّي فِي يَوْم الاربعاء حادي عشري شعْبَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالمقبرة السُّفْلى على أَبِيه الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن يُوسُف الْأَزْرَقِيّ الشَّافِعِي الشهير بمذهبه ولد سنة ثَمَانمِائَة تَقْرِيبًا وَسمع على جمَاعَة وَكَانَ حَافِظًا لكتاب الله حسن الْخط بَاشر العمالة بأوقاف سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالشَّهَادَة وَحدث قَلِيلا توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشري ذِي الْقعدَة سنة احدى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مَنْصُور الْأَزْرَق الشَّافِعِي ولد فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة ظنا وَقَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ على الشَّيْخ جمال الدّين بن جمَاعَة بالقدس الشريف وَسمع على غَيره وتفقه على جمَاعَة مِنْهُم شيخ الاسلام الكمالي ابْن أبي شرِيف وَأَجَازَهُ الْعلم البُلْقِينِيّ وَغَيره ودرس يَسِيرا توفّي فِي يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِمَدِينَة الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الشَّيْخ الصَّالح عُثْمَان الْحطاب الْمصْرِيّ الزَّاهِد كَانَ من أَعْيَان الصَّالِحين بِالْقَاهِرَةِ المحروسة وَله زَاوِيَة عَظِيمَة بِخَط البندقيين بِالْقربِ من السُّوق الَّذِي يُبَاع فِيهِ الرَّقِيق وَعِنْده خلق كثير من المريدين يَتلون كتاب الله وهم عاكفون على الذّكر والاوراد لَيْلًا وَنَهَارًا وَلِلنَّاسِ فِيهِ إعتقاد فَقدر حُضُوره إِلَى بَيت الْمُقَدّس زَائِرًا وَأقَام بِهِ مُدَّة يسيرَة ثمَّ توجه لزيارة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعَاد الى بَيت الْمُقَدّس فَتوفي بِهِ فِي شهور سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَكَانَت جنَازَته حافلة حضرها خلق من الْأَعْيَان وَغَيرهم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل بن أَحْمد بن عِيسَى بن الصّلاح خَلِيل القيمري الخليلي ولد فِي سنة احدى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

وَحفظ الْقُرْآن وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وَكَانَ خيرا حَافِظًا لِلْقُرْآنِ كثير التِّلَاوَة لَهُ وَيُؤذن بمقام الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحدث بالقدس والخليل ووالده مِمَّن سمع الحَدِيث وَحدث وجده صَلَاح الدّين بن خَلِيل بن عِيسَى القيمري مولده سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وَهُوَ مِمَّن قَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ برهَان الدّين الجعبري وَسمع عَلَيْهِ وعَلى الْحجاز توفّي الشَّيْخ شمس الدّين فِي رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِمَدِينَة الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَدفن بهَا شيخ الاسلام برهَان الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم بن زين الدّين عبد الرَّحْمَن الانصاري الخليلي الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام الْعَالم الْمُحَقق شَيخنَا مولده فِي عَاشر الْمحرم سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل لَقِي جمَاعَة من الْعلمَاء وَأخذ عَنْهُم وَسمع الحَدِيث بِبَلَدِهِ على جمَاعَة ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ الحَدِيث عَن جمَاعَة أَجلهم الْحَافِظ ابْن حجر واخذ الفقة عَن جمَاعَة مِنْهُم تَقِيّ الدّين أَبُو بكر بن قَاضِي شُهْبَة وَأذن لَهُ فِي الافتاء والتدريس والقاياني والوفائي وشمس الدّين بن الْمَالِكِي الرَّمْلِيّ وَآخَرُونَ مِنْهُم الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان أفتى ودرس وناظر ورحل من بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الْقُدس الشريف واستوطنه وباشر نِيَابَة الحكم عَن القَاضِي برهَان الدّين بن جمَاعَة قبل السِّتين والثمانمائة وَبعدهَا ثمَّ ترك الحكم وَتعين وَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس وَقد عرضت عَلَيْهِ قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه بالزاوية الختنية فِي شهر جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وأجازني بِمَا يجوز لَهُ رِوَايَته وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة شَيْخه ابْن ارسلان أَنه أنْشد - حِين سكن الزاوية الختنية - حباني آلهي بالتصافي لقبلة بمسجده الْأَقْصَى الْمُبَارك حوله فحمدا وشكرا دائمين وانني أود لاخواني المحبين مثله

ثمَّ قدر الله تَعَالَى أَن الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري لما استوطن بَيت الْمُقَدّس قرر فِيهَا وَسكن بهَا فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة فأنشده كَذَاك إلهي قد حباني بِمَا حبا بِهِ الشَّيْخ استاذي لقد نَالَ سؤله فحمدا وشكرا يَا إلهي وانه دَلِيل على أَنِّي محب أَخ لَهُ وَلم يزل مُقيما بهَا إِلَى سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة فَوَقَعت الْفِتْنَة الَّتِي بِسَبَب كَنِيسَة الْيَهُود - وسنذكرها فِيمَا بعد فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان - فَطلب الى الْقَاهِرَة وامتحن وَمنع من سُكْنى الْقُدس وَاسْتمرّ مُقيما بِالْقَاهِرَةِ إِلَى سنة ثَمَان وثلامانين ثمَّ قدم بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأقَام بهَا متصديا لاشتغال الطّلبَة إِلَى أَن توفّي فِي سادس عشري شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة شَهِيدا بالبطن وَصلي عَلَيْهِ بالحضرة الشَّرِيفَة الخليلية وَدفن بزاوية الشَّيْخ عَليّ البكا وَترك الشَّيْخ برهَان الدّين وَلدين احدهما الشَّيْخ الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو الْجُود مُحَمَّد مولده بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة ووالسلام فِي شعْبَان سنة خمس واربعين وَثَمَانمِائَة حفظ الْقُرْآن والمنهاج وألفيه من مَالك والجزرية وَبَعض الشاطبية واشتغل على وَالِده ثمَّ أخذعن جمَاعَة من الْعلمَاء بالديار المصرية أَجلهم شيخ الاسلام قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين يحيى الْمَنَاوِيّ وَمِنْهُم الشَّيْخ كَمَال الدّين إِمَام الكاملية وَأخذ الْعُلُوم عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الشمني الْحَنَفِيّ وَفضل وتميز وأجيز بالافتاء والتدريس وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية فِي زمن شيخ الاسلام كَمَال الدّين ابْن أبي شرِيف وَله تصانيف مِنْهَا شرح الجرومية وَشرح الْمُقدمَة الجزرية وَشرح مُقَدّمَة الْهِدَايَة فِي عُلُوم الرِّوَايَة للجزري وَشرح مَعُونَة الطالبين فِي معرفَة إصطلاح المعربين وَقطعَة من شرح تَنْقِيح اللّبَاب لشيخ الاسلام ولي الدّين الْعرَاق وَغير ذَلِك من التَّعَالِيق والفوائد ودرس وَأفْتى فِي حَيَاة وَالِده وَبعده مَعَ وجود أَعْيَان الْعلمَاء وَهُوَ مُسْتَمر على ذَلِك إِلَى يَوْمنَا

وَالثَّانِي القَاضِي شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس احْمَد مولده فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ واربعين وَثَمَانمِائَة حفظ الْقُرْآن واشتغل بِالْعلمِ على وَالِده وعَلى شيخ الاسلام كَمَال الدّين بن أبي شرِيف وَغَيرهمَا وَسمع الحَدِيث وَفضل وتميز وَأعَاد بالصلاحية فِي زمن شيخ الاسلام بن أبي شرِيف ثمَّ بَاشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف فِي حَيَاة وَالِده وَهُوَ رجل خير متواضع ولي مشيخة الزاوية الختنية ينزول صدر لَهُ من وَالِده قبل وَفَاته وَهُوَ مُسْتَمر بهَا إِلَى يَوْمنَا الشَّيْخ غرس الدّين خَلِيل بن اسحاق الخليلي الشهير بِابْن قازان ولد فِي حُدُود عشر وَثَمَانمِائَة ظنا وَسمع على جمَاعَة وَحدث وَكَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم خيرا ظريفا حسن المحاضرة يستحضر غَالب مقامات الحريري فِي رجلَيْهِ إعوجاج وَصَحب الْأَمِير أَبَا بكر بن فضل أَمِير عرب جرم فَلَمَّا قتل وشي بِهِ إِلَى السُّلْطَان وَأَنه أودع عِنْده مَالا فَطَلَبه إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ اطلق وَجَاء إِلَى بَلَده فَلَمَّا وصل إِلَى قَرْيَة عجلَان - بَين غَزَّة وبلده - توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي جمادي الأولى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَنقل إِلَى بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَصلي عَلَيْهِ وَدفن بهَا شيخ الشُّيُوخ الْعَلامَة سراج الدّين أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن عَليّ الجعبري الأَصْل الخليلي الشَّافِعِي شيخ حرم سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ولد فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَقيل خمس وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وتلي بعضه بروايات السَّبع على جمَاعَة من الْقُرَّاء وأذنوا لَهُ فِي الاقراء وتفقه بِبَلَدِهِ على الْخَطِيب تَاج الدّين اسحاق التدمري وَغَيره وبالقدس على الشَّيْخ شمس الدّين الْبرمَاوِيّ وَالشَّيْخ عز الدّين الْقُدسِي وَغَيرهمَا وبالقاهرة على القاياتي وَغَيره وَأخذ عَن ابْن حجر وَأذن لَهُ فِي الافادة للفقه وَسمع عَلَيْهِ وعَلى جمَاعَة وَأَجَازَ لَهُ الجم الْغَفِير درس وافتى وَحدث بِبَلَدِهِ وبالقدس والقاهرة وَسمع عَلَيْهِ الْفُضَلَاء وَولي

نصف مشيخة حرم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنظر وقف عَم جده الشَّيْخ عَليّ البكا رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ رَأس الْفُقَهَاء بِبَلَدِهِ ثمَّ انجمع وَترك ذَلِك وَكَانَ عَالما خيرا متواضعا لطيفا حسن النادرة شجاعا مقداما طلق اللِّسَان فصيح الْعبارَة محبا للْعلم وَأَهله وَكَانَت وَفَاته بعد أَن خرج عَن جَمِيع املاكه ووظائفه لأولاده فِي ضحى يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَصلى عَلَيْهِ فِي يَوْمه وَتقدم للصَّلَاة عَلَيْهِ ابْن أَخِيه الْعَلامَة عبد الباسط وشيع الى مَقْبرَة الراس وَكَانَ خلق كثير وَدفن بحذاء التربة الَّتِي زين الدّين أَنْشَأَهَا وَلَده الشَّيْخ زين الدّين الشَّيْخ الْعَلامَة القَاضِي حميد الدّين أَبُو الْحَمد مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمصْرِيّ الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي الْمَشْهُور بكنيته كَانَ من أهل الْفضل وَله يَد طولى فِي الْفِقْه أعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَأفْتى ودرس وباشر نِيَابَة الحكم بالرملة عَن القَاضِي غرس الدّين أخي ابي الْعَبَّاس ثمَّ بَاشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف وعزل مِنْهَا وأعيد اليها مرَارًا توفّي فِي الْعشْر الثَّانِي من شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن عجور الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي ولد سنة خمس وَعشْرين وثمنمائة تَقْرِيبًا وَنَشَأ بالقدس الشريف بالختنية ايام الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن أرسلان ثمَّ خدم القَاضِي برهَان الدّين بن جمَاعَة وَكَانَ نَقِيبًا عِنْده فِي زمن ولَايَته الْقَضَاء وَسمع الحَدِيث على الشَّيْخ جمال الدّين بن جمَاعَة وَغَيره وَأَجَازَهُ شيخ الاسلام ابْن حجر وَقَرَأَ الْقُرْآن على الشَّيْخ شمس الدّين بن عمرَان وَكَانَ يحفظه وَيكثر التِّلَاوَة وَنزل فَقِيها بالصلاحية وصوفيا بالخانقاه ثمَّ فِي آخر عمره انجمع عَن النَّاس وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الْعدْل محب الدّين مُحَمَّد بن الناصري الْمَشْهُور بالبرسني الشَّافِعِي كَانَ

من جملَة الْعُدُول بالقدس الشريف وَله همة عالية فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَسيرَته حَسَنَة فِي تحمل الشَّهَادَة توفّي فِي أَوَائِل سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ زين الدّين عبد الْكَرِيم بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن المغربي الخليلي ثمَّ الْمَقْدِسِي الْمُقْرِئ الشَّافِعِي ولد فِي حُدُود سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وتلا بالروايات السَّبع على وَالِده وَالشَّمْس بن عمرَان وَغَيرهمَا واشتغل بالميقات على شمس الدّين مُحَمَّد بن الفقاعي موقت الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمهر فِي أوضاعه وباشر التَّأْقِيت بالقدس الشريف مُدَّة وَقرر من الْفُقَهَاء بالصلاحية والصوفية بالخانقاه وَكَانَ يُؤَدِّي الْقِرَاءَة بِحسن صَوت وَطيب نَغمَة وناب فِي الخطابة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وأقرأ وَحج وَكَانَ خيرا فَاضلا فِي الْقرَاءَات توفّي فِي صفر سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَتُوفِّي شَيْخه شمس الدّين مُحَمَّد بن الفقاعي موقت الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَكن لَهُ معرفَة تَامَّة بِعلم التَّأْقِيت وباشره مُدَّة طَوِيلَة الشَّيْخ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن ابراهيم القلانسي الخليلي الشهير بِابْن الموقت وَهُوَ أَيْضا موقت مَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ولد سنة إِحْدَى وَعشْرين وثمنمائة بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل وَسمع الحَدِيث على جمَاعَة وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة وَكَانَ خيرا سَاكِنا منجمعا متعبدا حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى كثير التِّلَاوَة لَا يكَاد يفتر عَنْهَا وَعِنْده خير وَصَلَاح وَكَثْرَة صَلَاة وَتعبد وخشوع أدب الْأَطْفَال بِبَلَدِهِ مُدَّة ثمَّ تحول إِلَى الْقُدس الشريف أدب بهَا أَيْضا وَحدث بِكُل من البلدتين توفّي بالقدس الشريف فِي سَابِع عشري ربيع الآخر سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَولده الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد وَكَانَ يعرف بالقزازي كَانَ من طلبة الْعلم وَكَانَ يتَحَمَّل الشَّهَادَة بِبَلَد الْخَلِيل ثمَّ بالقدس واستوطن بَيت الْمُقَدّس مُدَّة وَقرر

من الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية والصوفية بالخانقاه ثمَّ أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة وَتُوفِّي بهَا قبل وَالِده ينحو سنتَيْن وَالله أعلم الشَّيْخ الْعَالم المسندكريم الدّين أَبُو المكارم عبد الْكَرِيم بن الشَّيْخ زين الدّين دَاوُد بن سُلَيْمَان بن أبي الوفا البدري الْمُقْرِئ الشَّافِعِي شيخ الْقُرَّاء وَإِمَام الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف ولد سنة سِتّ أَو سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ وَالِده الشَّيْخ دَاوُد من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح توفّي وَالشَّيْخ عبد الْكَرِيم صَغِير لَهُ نَحْو السّنة فَنَشَأَ بعده بالقدس الشريف وَسمع بهَا على جمَاعَة أعلاهم الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن عمر القباقبي الْحَنْبَلِيّ وَكَانَ من أهل الْفضل وشيوخ الْقِرَاءَة أعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وباشر الامامة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف اربعين سنة من سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ سخيا وَعِنْده حسن لِقَاء للواردين عَلَيْهِ وَكَانَ يُؤَدِّي الْقِرَاءَة على أوضاعها وَله همة ومروءة وَعِنْده تواضع وتودد للنَّاس وروى عَنهُ جمَاعَة توفّي عَشِيَّة يَوْم السبت وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد صَلَاة الظّهْر من يَوْم الْأَحَد سَابِع جمادي الأولى سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَكَانَ يَوْمًا مشهودا شهده الْخَاص وَالْعَام من الْعلمَاء والقضاة وناظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة الْأَمِير دقماق وَغَيرهم وتأسف النَّاس عَلَيْهِ الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله المراكشي القادري الشَّافِعِي شيخ زَاوِيَة الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ رجلا مُبَارَكًا وَعِنْده فضل توفّي فِي شهر شَوَّال سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالزاوية الْمَذْكُورَة عِنْد وَالِده الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَمِين الصُّوفِي الوفائي التَّاجِر سمع الحَدِيث على الشَّيْخ جمال الدّين بن جمَاعَة وَأَجَازَ لَهُ فِي سنة أَربع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَمَا بعْدهَا قَاضِي الْقُضَاة سعدالدين الْحَنَفِيّ وَغَيره وَكَانَ خيرا مُبَارَكًا مثابرا على الْخَيْر والاعمال الصَّالِحَة والاحسان إِلَى الْفُقَرَاء وَكَانَ شيخ الطَّائِفَة الوفائية وَيتَعَاطَى

التَّسَبُّب بالبزازة بسوق التِّجَارَة بالقدس وسافر الى دمشق ثمَّ عَاد فَتوفي بالرملة فِي يَوْم الاربعاء وَنقل الى الْقُدس الشريف وَدفن بماملا يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر صفر سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت جنَازَته حافلة الشَّيْخ الْعَلامَة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن قَاسم الاردبيلي البطائحي الشَّافِعِي ولد بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن والمنهاج والشاطبية وألفية بن مَالك ولامية التصريف لَهُ وَغير ذَلِك وَعرض على جمَاعَة وَقَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ شمس الدّين بن عمرَان الْحَنَفِيّ وَأخذ فِي الْعُلُوم عَن جمَاعَة مِنْهُم شيخ الاسلام الكمالي بن أبي شرِيف وَغَيره واخبرني أَنه تفقه على الشَّيْخ شمس الدّين الْجَوْهَرِي بِالْقَاهِرَةِ وَأَقْبل على المطالعة والتدريس والاقراء وَمهر وبرع فِي القراآت وَكَانَ يدرس بِمَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد الْمغرب تجاه الْمِحْرَاب بِعِبَارَة فصيحة وَصَارَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء بِبَلَدِهِ توفّي فِي يَوْم الاربعاء ثامن شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَدفن بالمقبرة السُّفْلى الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْعَلامَة الْمُقْرِئ عمادالدين اسماعيل بن خَلِيل الشهير بالمرزوقي الخليلي ولد سنة خمس وَثَمَانمِائَة ظنا وَسمع الحَدِيث على جمَاعَة وَحدث وَأخذ النَّاس عَنهُ وَكَانَ رجلا خيرا حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى كثير التِّلَاوَة توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَدفن بمقابر الرَّأْس الشَّيْخ زين الدّين أَبُو المفاخر عبد الْقَادِر بن الْعَلامَة الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن مُحَمَّد الجعبري الأَصْل الخليلي الشَّافِعِي شيخ حرم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ولد فِي ثامن عشري شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وَأَجَازَ لَهُ شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر وَالشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن القاياتي وَكَانَ صَدُوقًا كَرِيمًا رَئِيسا

مفضالا حسنا شجاعا اجْتمع فِيهِ من مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَوْصَاف مَا قل وجوده فِي غَيره وَولي نِيَابَة النّظر على الْوَقْف الخليلي فباشره أتم مُبَاشرَة بِأَحْسَن سيرة ثمَّ صرف نَفسه وَولي حِصَّة بمشيخة حرم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد وَالِده وَمرض بالحمى نَحْو ثَلَاث سِنِين وَقدر الله توجهه الى الرملة فَتوفي بهَا فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر شهر الله الْمحرم سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَنقل الى بلد الْخَلِيل وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد وَدفن بمقبرة الرَّأْس جوَار أَبِيه بالتربة الَّتِي انشأها وَكثر التأسف عَلَيْهِ وَترك اولادا أكبرهم وامثلهم الشَّيْخ الْعَالم الْمُحدث غرس الدّين أَبُو سعيد خَلِيل مولده فِي الْمحرم سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَهُوَ سبط الْخَطِيب شهَاب الدّين القرقشندي خطيب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف حفظ الْقُرْآن واشتغل بِالْعلمِ على جمَاعَة مِنْهُم شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَغَيرهمَا واعتنى بِعلم الحَدِيث الشريف ورحل إِلَى مصر وَالشَّام فِي طلبه وَأخذ عَنهُ جمَاعَة وَجمع معجما لأسماء شُيُوخه وَهُوَ رجل خير من أهل الْعلم وَالدّين والتواضع ولي حِصَّة فِي مشيخة حرم سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِمَّا كَانَ بيد وَالِده وَالنَّاس سَالِمُونَ من يَده وَلسَانه وَهُوَ مِمَّن أحبه فِي الله عَامله الله بِلُطْفِهِ الشَّيْخ الامام الْعَلامَة زين الدّين أَبُو الْفضل عبد الله بن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن عمر بن ابراهيم بن خَلِيل الجعبري الأَصْل الخليلي الشَّافِعِي ولد فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنَشَأ بهَا واشتغل بِالْعلمِ عقليا ونقليا وَأخذ عَن جمَاعَة واجازه قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح البُلْقِينِيّ بالافتاء والتدريس وَسمع على إِمَام الكاملية واجاز لَهُ شيخ الاسلام ابْن حجر وَجَمَاعَة درس وافتى وَحدث قَلِيلا وَولي نصف مشيخة حرم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ فَاضلا دَقِيق النّظر خيرا متفننا شجاعا

ماهرا فِي الرَّمْي توفّي فِي يَوْم السبت الثَّامِن من شهر صفر سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِبَلَد الْخلَل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَدفن بمقابر الرَّأْس بِالْقربِ من أَهله الشَّيْخ الْمسند شمس الدّين أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن الْحَافِظ زين الدّين أبي هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن بن شيخ الاسلام شمس الدّين مُحَمَّد بن فَقِيه الْمَذْهَب تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي الأَصْل الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي ولد بِبَيْت الْمُقَدّس فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة واعتنى بِهِ ابوه فَأحْضرهُ على جمَاعَة واستجاز لَهُ آخَرين ولي مشيخة الكريمية والملكية والطازية واعاد بالصلاحية وَحدث وَتفرد بغالب محضوراته واجازاته الْقَدِيمَة بالقدس الشريف توفّي بعد الْعشَاء من لَيْلَة السبت الْعشْرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بالكاملية وَدفن من الْغَد بَاب الرَّحْمَة جوَار جده لأمه الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مكي الشَّافِعِي نقيب الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَأحد الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية والصوفية بالخانقاه توفّي فِي سلخ ربيع الآخر سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالساهرة الشَّيْخ زين الدّين ابو حَفْص عمر بن القَاضِي زين الدّين عبد الرحمان بن القَاضِي عَلَاء الدّين أبي الْحسن عَليّ التَّمِيمِي الدَّارِيّ الشَّافِعِي الْفَقِيه الْفَاضِل كَانَ من أهل الْفضل وَعِنْده تواضع توفّي بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي قَرِيبه الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الطّيب عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرحمان التَّمِيمِي الشَّافِعِي - وَكَانَ من أهل الْفضل - فِي ثَانِي ربيع الأول سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي وَالِد الشَّيْخ ابو الطّيب الْمَذْكُور - وَهُوَ الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرحمان التَّمِيمِي الشَّافِعِي - قبل ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ فِي رَابِع عشري شعْبَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من أهل الْفضل

الشَّيْخ الْعَالم الْمسند الصَّالح الخاشع الصُّوفِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن عَليّ الجعبري الأَصْل الخليلي الشَّافِعِي شيخ حرم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ولد فِي سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَثَمَانمِائَة بقرية الحطمان خَارج بلد الْخَلِيل حِين انجفل النَّاس من تيمورلنك وَنَشَأ بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحفظ الْقُرْآن وَمجمع الْبَحْرين فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ تأليف جده وَلبس خرقَة التصوف عَن جمَاعَة وَسمع على شيخ الْقُرَّاء ابْن الْجَزرِي وَغَيره وَأَجَازَ لَهُ خلق كثير ونظم وَجمع شَيْئا فِي التصوف وأشتهر بالصلاح وَرُبمَا وَقعت لَهُ كرامات وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد وَنَشَأ على خير فِيهِ وَصَلَاح وخشوع وَعبادَة وَقُوَّة على مُلَازمَة الصَّلَوَات والاوراد مَعَ السن الطَّوِيل وعسر الطَّرِيق من منزله الى الْمَسْجِد بِحَيْثُ لَا يكَاد تفوته صَلَاة الصُّبْح بِالْمَسْجِدِ وَلَو شتاء وَلَا يفتر من النّظر فِي الْعلم وَكَلَام الصَّالِحين وَلَا يُصَلِّي إِلَّا قَائِما ومتع بحواسه وَحدث بِبَلَدِهِ والقدس الشريف والقاهرة توفّي فِي يَوْم السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَصلي عَلَيْهِ من صبيحته بالْمقَام الخليلي على سكنه الصَّلَاة وَالسَّلَام وَدفن بمقابر الرَّأْس القَاضِي كَمَال الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عمرَان الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي حفظ الْقُرْآن واتقنه على وَالِده وقلد مَذْهَب الشَّافِعِي خلاف وَالِده واخوته وَكَانَ يكْتب خطا حسنا وَنَشَأ وَتزَوج بالقدس الشريف ورزق الْأَوْلَاد ثمَّ فِي سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة استوطن الْقَاهِرَة واتصل بالأمير جَوْهَر الزِّمَام وَحصل لَهُ الْقبُول وَكثر مَاله واتسعت دُنْيَاهُ وَصَارَ مباشرا على الاوقاف المشمولة بِنَظَر الزِّمَام ثمَّ تنقلت بِهِ الْأَحْوَال حَتَّى ولي مُبَاشرَة بديوان السُّلْطَان وَارْتَفَعت مَنْزِلَته ثمَّ غضب السُّلْطَان عَلَيْهِ وامتحنه بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس فَمَاتَ فِي المحنة فِي الْمحرم سنة تِسْعمائَة الشَّيْخ المعمر شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد الْعمريّ الشَّافِعِي

مولده فِي سنة احدى عشرَة وَثَمَانمِائَة وَنَشَأ بالقدس الشريف وَحفظ الْقُرْآن وَقرر من الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية ثمَّ تَركهَا بِاخْتِيَارِهِ من زمن طَوِيل وَكَانَ لَهُ اتِّصَال بأكابر المملكة مِنْهُم القَاضِي زين الدّين عبد الباسط الدِّمَشْقِي رَئِيس المملكة وَمِنْهُم القَاضِي كَمَال الدّين ابْن المبارزي وَالْقَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف وَغَيرهم من الْأَعْيَان وَآخر من صحب ملك الْأُمَرَاء قانصوه اليحياوي نَائِب الشَّام وَكَانَ مقدما عِنْدهم لما فِيهِ من الْمُرُوءَة وعلو الهمة وَكَانَ عِنْده سخاء وخدمة لمن يلوذ بِهِ وعاش غَالب عمره منعما مترفها بِحسن المأكل والملبس وَعمر ومتع بحواسه وَلم ينقص مِنْهُ سوى سَمعه فَإِنَّهُ ثقل قبل وَفَاته بِنَحْوِ سنتَيْن أَو ثَلَاث وَهُوَ من ذُرِّيَّة السَّيِّد الْجَلِيل عَليّ بن عليل الْمَشْهُور عِنْد النَّاس بِابْن عليم - بِالْمِيم - وَالصَّحِيح انه عليل - بِاللَّامِ - مُتَّصِل نسبه بأمير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة تِسْعمائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَكَانَت جنَازَته حافلة شيخ الاسلام عَلامَة الزَّمَان برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن أبي شرِيف الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام الحبر الْهمام الْعَالم الْعَلامَة الْمُحَقق الفهامة ولد فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَنَشَأ بِهِ واشتغل بفنون الْعلم على أَخِيه شيخ الاسلام الكمالي ورحل بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة فَأخذ الْفِقْه عَن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح البُلْقِينِيّ والاصول عَن الشَّيْخ جلال الدّين الْمحلي وَسمع عَلَيْهِ ايضا فِي الْفِقْه وَأخذ عَن عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر وجد ودأب وتميز وَصَارَ من اعيان الْعلمَاء وَحج الى بَيت الله الْحَرَام ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة المحروسة وَتزَوج ابْنة قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شرف الدّين يحيى الْمَنَاوِيّ قَاضِي الديار المصرية وناب عَنهُ فِي الْقَضَاء ودرس وَأفْتى وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية بالقدس الشريف وصنف نظما ونثرا وَولي الْوَظَائِف السّنيَّة من التداريس وَغَيرهَا من الانظار بِالْقَاهِرَةِ المحروسة وَعظم أمره واشتهر صيته وَصَارَ الْآن الْمعول

عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى بالديار المصرية وَهُوَ رجل عَظِيم الشَّأْن كثير التَّوَاضُع حسن اللِّقَاء فصيح الْعبارَة ذُو ذكاء مفرط وَحسن نظم وَنظر وثقة نفس وكتابته على الْفَتْوَى نِهَايَة فِي الْحسن ومحاسنه كَثِيرَة وترجمته وَذكر مشايخه يحْتَمل الْأَفْرَاد بالتأليف وَلَو ذكرت حَقه فِي التَّرْجَمَة لطال الْفَصْل فَإِن المُرَاد هُنَا الِاخْتِصَار قدم شيخ الاسلام برهَان الدّين من الْقَاهِرَة المحروسة الى بَيت الْمُقَدّس فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين بعد غيبَة طَوِيلَة ثمَّ عَاد الى وَطنه بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ حضر إِلَى الْقُدس فِي سنة تِسْعمائَة وَحصل للْأَرْض المقدسة وسكانها بِوُجُودِهِ الْجمال وانتفع بِهِ النَّاس فِي الْفَتْوَى فَإِن أَخَاهُ شيخ الاسلام الكمالي من حِين يقدم الْمشَار اليه الْقُدس ير اليه أَمر الْفَتَاوَى وَلَا يكْتب هُوَ إِلَّا على قَلِيل مِنْهَا مَا دَامَ حَاضرا وَهُوَ حَيّ يرْزق متع الله بِوُجُودِهِ الْأَنَام وحماه من غير اللَّيَالِي وَالْأَيَّام (ذكر فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء وطلبة الْعلم الشريف) الشَّيْخ الامام الْعَالم الزَّاهِد الْمُفَسّر جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْحسن بن الْحُسَيْن الْبَلْخِي ثمَّ الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب مولده فِي النّصْف من شعْبَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وَقيل إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة بالقدس الشريف واشتغل بِالْقَاهِرَةِ وَأقَام مُدَّة بِجَامِع الْأَزْهَر ودرس فِي بعض الْمدَارِس هُنَاكَ ثمَّ انْتقل إِلَى الْقُدس الشريف واستوطنه إِلَى أَن مَاتَ بِهِ وَكَانَ شَيخا فَاضلا فِي التَّفْسِير لَهُ فِيهِ مُصَنف حافل كَبِير جمع فِيهِ خمسين مصنفا من التفاسير بلغ تِسْعَة وَتِسْعين مجلدا وَكَانَ النَّاس يقصدون زيارته بالقدس ويتبركون بدعائه توفّي فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وَقيل سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الأوحد سراج الدّين أبي حَفْص عمر بن الشَّيْخ الصَّالح بدر الدّين حُسَيْن الْحَنَفِيّ إِمَام قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة كَانَ مَوْجُودا فِي سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة

الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة الْمُحَقق كَمَال الدّين اسماعيل الشريحي الْحَنَفِيّ شيخ الْمدرسَة المعظمية الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف أَخذ عَنهُ قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام سعد الدّين الديري الْحَنَفِيّ فَسمع عَلَيْهِ كثيرا من كتاب الْهِدَايَة فِي الْفِقْه بتدريسه فِي سِنِين عديدة أَولهَا سنة سبع وَسبعين وَآخِرهَا فِي جمادي الْآخِرَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَأَجَازَ لَهُ فِي إقراء الْقُرْآن الْعَزِيز وَتَصْحِيح بعض مَا حفظه من الْكتب وَهُوَ كتاب الكنى فِي الْفِقْه للعلامة حَافظ الدّين النَّسَفِيّ والكافية فِي النَّحْو لابي عَمْرو ابْن الْحَاجِب وَغير ذَلِك مِمَّا علمه من فَوَائِد لم يَأْخُذهَا عَن غَيره وَمن عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف فِي عصر الشَّيْخ كَمَال الدّين الشريحي الشَّيْخ كريم الدّين عبد الْكَرِيم القرماني الرُّومِي أَخذ عَنهُ قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين الديري وَأذن لَهُ فِي رِوَايَة كتاب الْهِدَايَة وَغَيره من الْكتب الَّتِي يَرْوِيهَا ككتاب المصابيح للامام الْبَغَوِيّ ومشارق الْأَنْوَار للصاغاني وَغَيرهمَا من الْكتب وَلم اطلع لَهما على تَرْجَمَة وَلَا تَارِيخ وَفَاة الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين ابو الْعَبَّاس احْمَد بن حسن بن الرصاص الْحَنَفِيّ النَّحْوِيّ شَارِح الألفية كَانَ إِمَامًا كَبِيرا فِي فقه ابي حنيفَة وَغير ذَلِك وَعَلِيهِ انْتفع الشَّيْخ شمس الدّين الديري توفّي بِدِمَشْق فِي سنة تسعين وَسَبْعمائة القَاضِي تَقِيّ الدّين أَبُو الانصاف وَأَبُو بكر بن الشَّيْخ فَخر الدّين أبي عَمْرو عُثْمَان بن الشَّيْخ صَلَاح الدّين أبي الْخيرَات خَلِيل الْحَنَفِيّ خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف كَانَ مَوْجُودا مُتَوَلِّيًا نِيَابَة الحكم فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَبعدهَا القَاضِي شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ عَلَاء الدّين أبي الْحسن عَليّ ابْن المرحوم شادكام الْحَنَفِيّ خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف كَانَ مَوْجُودا مُتَوَلِّيًا نِيَابَة الحكم فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الصَّالح الْوَرع الزَّاهِد شمس الدّين مُحَمَّد بن المرحوم شهَاب الدّين أَحْمد بن جمال الدّين عبد الله الْحَنَفِيّ من أَصْحَاب سيدنَا الشَّيْخ مُحَمَّد القرمي

كَانَ مَوْجُودا فِي سنة احدى وَسبعين وَسَبْعمائة الشَّيْخ خَلِيل بن مقبل بن عبد الله العلقمي مولدا والحلبي منشأ والحنفي مذهبا شرح مُقَدّمَة أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي شرحا نَافِعًا جيدا وَفرغ من تبييضه قبيل الْعَصْر مستهل جمادي الْآخِرَة سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة بالقدس الشريف قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين أَبُو الْمَوَاهِب خَلِيل بن عِيسَى بن عبد الله العجمي البايرتي الْحَنَفِيّ الامام الْعَلامَة كَانَ من أهل الْعلم وَالدّين قدم من بِلَاده وَاخْتَارَ الاقامة بِبَيْت الْمُقَدّس وَولي قَضَاء الْقُدس من الْملك الظَّاهِر برقوق فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَهُوَ أول من ولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف بعد الْفَتْح الصلاحي ثمَّ ولي تدريس المعظمية وَكَانَت سيرته حَسَنَة توفّي بالقدس الشريف فِي صفر سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن زين الدّين ابي البركات مصطفى الْحَنَفِيّ خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف كَانَ مَوْجُودا فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين أَبُو عبد الله الياس بن سعدالدين أبي الصَّفَا سعيد ابْن نور الدّين أبي الْحسن عَليّ الكاشهري الْحَنَفِيّ قَاضِي الْعَسْكَر بِمصْر ولي قَضَاء الْقُدس بعد قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين الْحَنَفِيّ - الْمُتَقَدّم ذكره - وَرَأَيْت بعض اسجالاته مؤرخا فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة وَبعد ذَلِك سقِِي السم مَعَ بكلش بِالْمَدْرَسَةِ البلدية فَمَاتَ مَعَه وَسقي شمس الدّين الديري لكنه لم يكثر فَمَرض طَويلا وعوفي وَكَانَ شهَاب الدّين بن النَّقِيب حَاضرا فَاعْتَذر بِالصَّوْمِ الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن أَحْمد السوداني الْحَنَفِيّ كَانَ شيخ المقاولة ومعيد الْمدرسَة المعظمية توفّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة وَهُوَ من مَشَايِخ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الديري قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن تَقِيّ الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله ابْن نور الدّين أبي الْحسن عَليّ الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي شهر

ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَفِي اسجاله عَن ولَايَته مُتَّصِلَة بالمواقف الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة الملكية الناصرية - يَعْنِي فرج بن برقوق - قَاضِي الْقُضَاة الامام الْعَلامَة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن شرف الدّين عِيسَى بن الرصاص الْحَنَفِيّ سمع عَليّ العلائي وانتفع بِهِ وَسمع من غَيره وَأَجَازَ لَهُ خلق وتصدر وافتى ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المعظمية الْحَنَفِيَّة وَولي قَضَاء صفد أجَاز لَهُ شَيخنَا التَّقْوَى القرقشندي بِرِوَايَاتِهِ توفّي بالقدس الشريف فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقابر الشُّهَدَاء القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد الْحَنَفِيّ خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف وَالْعدْل عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن الافتخار الْحَنَفِيّ كِلَاهُمَا كَانَ مَوْجُودا فِي سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الانفاق أَبُو بكر بن شرف الدّين أبي الرّوح عِيسَى بن الرصاص الْحَنَفِيّ بَاشر نِيَابَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة ثمَّ ولي اسْتِقْلَالا وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَولي قَضَاء غَزَّة ودرس بالنحوية وَكَانَ مشكور السِّيرَة فِي الْقَضَاء عفيفا دينا سمع كثيرا وَكَانَ فَقِيها توفّي بِدِمَشْق فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة عَن نَحْو سبعين سنة وَمن الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن الشَّيْخ شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن السَّيِّد بدر الدّين أبي مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الْحَنَفِيّ ولي عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين بن خير الدّين مُدَّة يسيرَة وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي جمادي الأولى سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ عزل وأعيد القَاضِي شمس الدّين بن خير الدّين الشَّيْخ الْعَلامَة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن النَّقِيب الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ كَانَ

من أهل الْعلم أَخذ هُوَ وَالشَّيْخ شمس الدّين الديري عَن الشَّيْخَيْنِ الامامين صدر الدّين وَشرف الدّين ابْني مَنْصُور الحنفيين شيخ الْحَنَفِيَّة بِالشَّام المحروسة وَأخذ عَن الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن النَّقِيب قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين الديري قَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا من الْهِدَايَة فِي الْفِقْه بِالْمَدْرَسَةِ الارغونية بالقدس الشريف وَرَأَيْت خطّ قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين بذلك وَترْجم الشَّيْخ عَلَاء الدّين بالشيخ الامام وَلم اطلع لَهُ على تَرْجَمَة غير ذَلِك وَأما وَلَده الْعَلامَة الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد فمولده فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة وَكَانَ اُحْدُ عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالصَّلَاح توفّي فِي الْمحرم أَو صفر سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَولده قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة كَمَال الدّين مُحَمَّد كَانَ من اعيان الْعلمَاء وَكَانَ يدعى خزانَة الْعلم ولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالرملة مُدَّة طَوِيلَة وباشر بشهامة وَكلمَة نَافِذَة وَاسْتمرّ على الْقَضَاء الى ان توفّي بالرملة فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ والثمانمائة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة الصَّالح الزَّاهِد عمر بن عبد الله الْبَلْخِي الْحَنَفِيّ كَانَ الهائم بِهِ بِبَيْت الْمُقَدّس الشَّيْخ شمس الدّين الْهَرَوِيّ توفّي فِي جمادي الْآخِرَة سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بحوش البسطامي بماملا وَإِلَى جَانِبه دفن الْهَرَوِيّ بِوَصِيَّة مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن جمال الدّين ابْن عبد الله بن سعد بن عبد الله بن مصلح بن الديري الخالدي الْعَبْسِي الْحَنَفِيّ الشَّيْخ الامام الْعَالم الْمُحَقق نسبته الى قَرْيَة يُقَال لَهَا الدَّيْر بِالْقربِ من مردى من بِلَاد نابلس والعبسي نِسْبَة الى طَائِفَة بني عبس من عرب الْحجاز مولده فِي حُدُود الْخمسين والسبعمائة استوطن بَيت الْمُقَدّس واشتغل بِالْعلمِ فلاحظته الْعِنَايَة الربانية وَفتح عَلَيْهِ من قبل الله تَعَالَى فَصَارَ من أَعْيَان الْعلمَاء المعتبرين ولي مشيخة الْمدرسَة المنجكية ودرس بالمعظمية الْحَنَفِيَّة وافتى ودرس وَحدث وَجلسَ للمواعيد يُفَسر الْقُرْآن الْعَظِيم

وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرحمان القرقشندي فِيهِ يَا شمس دين الله يَا وَاحِدًا فِي عصره أفديه من وَاحِد فسر كتاب الله نلْت المنى لَا يُنكر التَّفْسِير لِلْوَاحِدِيِّ واشتهر اسْمه وشاع ذكره وَلم يبْق فِي هَذِه الْبِلَاد فِي الْحَنَفِيَّة نَظِيره الشَّيْخ محب الدّين بن الشّحْنَة وَله مُصَنف جيد أكمل مِنْهُ ارْبَعْ مجلدات سَمَّاهُ (الْمسَائِل اشريفة فِي أَدِلَّة أبي حنيفَة) وَلم يكمل واتصل بِالْملكِ الْمُؤَيد شيخ بِسَبَب وَاقعَة جرت وَهِي ان الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق لما كَانَ سُلْطَانا وَكَانَ الْملك الْمُؤَيد شيخ من جملَة أَرْكَان دولته قصد الْعِصْيَان عَلَيْهِ وَالْخُرُوج عَن طَاعَته فاستفتى الْملك النَّاصِر عَلَيْهِ الْعلمَاء وَمن جُمْلَتهمْ الشَّيْخ شمس الدّين الديري فأفتاه ان من خرج على الامام وحاربه يترتيب عَلَيْهِ كَذَا ويترتيب عَلَيْهِ كَذَا وسوغ لَهُ مَا يَقْتَضِي قَتله فَمَا كَانَ بأسرع من أَن قتل الْملك النَّاصِر وَولي الْمُؤَيد شيخ السلطنة فَلَمَّا نزل الْمُؤَيد شيخ إِلَى الشَّام وَقدم بَيت الْمُقَدّس تخوف مِنْهُ الشَّيْخ شمس الدّين الديري فاستدعاه الْملك الْمُؤَيد فَحَضَرَ اليه بقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَحصل بنهما كَلَام يتَضَمَّن عتب السُّلْطَان عَلَيْهِ بِسَبَب مَا أفتى بِهِ عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ بِجَوَاب حسن مَعْنَاهُ انه لم يفت عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أفتى على من حَارب الامام الْأَعْظَم وَخرج عَن طَاعَته وَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان لَو استفتيتني انت على من حاربك وَخرج عَن طَاعَتك لأفتيتك بقتاله وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شرعا فَقبل مِنْهُ السُّلْطَان ذَلِك وقربه اليه وَكَانَ يعتبره ويعظمه تَعْظِيمًا زَائِدا وَلما مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين بن العديم جِيءَ بِهِ من بَيت الْمُقَدّس على الْبَرِيد وَولي قَضَاء الديار المصرية فِي جمادي الأولى سنة تسع عشرَة وَثَمَانمِائَة فَعظم أمره ونفذت كَلمته وشاع ذكره وَهُوَ أول الرؤساء من بني الديري ثمَّ لما عمر السُّلْطَان الْمُؤَيد شيخ جَامعه بِبَاب زويلة بِالْقَاهِرَةِ قَرَّرَهُ شَيخا فِيهِ فِي مستهل ذِي الْقعدَة سنة اثتين وَعشْرين ثومانمائة

ثمَّ صرف عَن الْقَضَاء بِاخْتِيَارِهِ وَاعْتذر بعلو سنة وَاسْتمرّ بمنزله بالمؤيدية مُعظما فَقدر الله حُضُوره الى بَيت الْمُقَدّس فِي سنة سبع وَعشْرين وَصَامَ بِهِ رَمَضَان وَعمل المواعيد التفسيرية وَهُوَ فِي همة الرُّجُوع إِلَى مصر فَمَرض وأدركه أَجله فَتوفي بالقدس فِي يَوْم الاربعاء تَاسِع شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام عِنْد النفرة وَصلي عَلَيْهِ عقب صَلَاة الْعِيد من سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بالصخرة الشَّرِيفَة وَدفن بماملا إِلَى جَانب ابي عبد الله الْقرشِي وَهُوَ وَالِد قَاضِي الْقُضَاة سعدالدين الديري - الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَكَانَ لقَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الديري أَخ يُسمى عبد الله كَانَ فَاضلا عَالما ويحترف بِالشَّهَادَةِ توفّي فِي سنة عشر وَثَمَانمِائَة عَن نَحْو خمسين سنة الشَّيْخ بدر الدّين حسن بن أبي بكر بن البقيرة السوداني الْحَنَفِيّ مولده فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ من الْعلمَاء توفّي فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة جمال الدّين عبد الله بن الصَّامِت القادري الْحَنَفِيّ كَانَ من أكَابِر الصَّالِحين اصحاب الكرامات الْمَشْهُورَة توفّي فِي لَيْلَة الاربعاء سلخ ربيع الآخر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربة الساهرة وَولده الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد كَانَ من الصَّالِحين توفّي بعد الْأَرْبَعين والثمانمائة وَدفن عِنْد وَالِده الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الامام تَقِيّ الدّين ابي بكر ابْن الشَّيْخ شهَاب الدّين احْمَد بن البقيرة الشهير بِابْن السوداني الْحَنَفِيّ مولده فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ خيرا دينا عفيفا توفّي فِي رَمَضَان سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة القَاضِي نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن السكاكيني الْغَزِّي الْحَنَفِيّ خَليفَة الحكم الْعَزِيز بالقدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا نِيَابَة الحكم فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث واربعين وَتُوفِّي بغزة فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة سنة ارْبَعْ

واربعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من اهل الْعلم وَالدّين حسن السمت والهيئة والشيبة شيخ الاسلام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الديري الْعَبْسِي الْحَنَفِيّ مولده بالقدس الشريف فِي سادس عشر الْمحرم سنة سبعين وَسَبْعمائة واشتغل بالعلوم وبرع ودرس وَأفْتى وانتفع النَّاس بفتياه ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المعظمية بالقدس وَسمع الحَدِيث على الشهَاب بن العلائي وَكَانَ كريم النَّفس قَلِيل الْحَظ من الدُّنْيَا قنوعا لين الْجَانِب شكلا حسنا فَارِسًا شجاعا توفّي فِي يَوْم السبت ثَالِث عشري جمادي الْآخِرَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الى جَانب الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان من جِهَة الْقبْلَة وَهُوَ وَالِد قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الديري وأخيه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين - الْآتِي ذكرهمَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى - القَاضِي شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد بن غضية الْحَنَفِيّ كَانَ من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وباشر نِيَابَة الحكم بالقدس عَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن خير الدّين الْحَنَفِيّ وَكَانَ مَوْجُودا قبل الْخمسين والثمانمائة قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين ابي الْمَوَاهِب خَلِيل بن عِيسَى الْحَنَفِيّ البايرتي الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي ولد بالقدس الشريف فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة أَخذ الْعلم عَن وَالِده وَجَمَاعَة وَله رِوَايَة فِي الحَدِيث وباشر الحكم فِي الْقُدس الشريف نِيَابَة عَن القَاضِي موفق الدّين قَاضِي الْعَسْكَر - الْمُتَقَدّم ذكره - ثمَّ ولي الْقَضَاء اسْتِقْلَالا وطالت مدَّته وَكَانَت نيفا واربعين سنة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المعظمية الْحَنَفِيَّة مشاركا لبني الديري وباشر الحكم بشهامة وَكَانَ لَهُ إقدام وشجاعة وَله هَيْبَة عِنْد النَّاس والحكام وَنفذ أمره حَتَّى تكلم فِي الأسعار فَكَانَ يطْلب اللحامين والخبازين وَغَيرهم من أَرْبَاب الْحَرْف وَيَأْمُرهُمْ بِبيع بضائعهم بِسعْر معِين فَلَا يسعهم مُخَالفَته وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى ان صرف

عَن الْقَضَاء بقاضي الْقُضَاة تَاج الدّين الديري فِي حادي عشر الْمحرم سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي مسموما فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشر جمادي الأولى سنة خمس وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن عِنْد وَالِده بماملا وَتُوفِّي قبله أَخُوهُ القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم وَكَانَ من اهل الْفضل وباشر نِيَابَة الحكم عَن أَخِيه بالقدس وَكَانَت وَفَاته فِي شهور سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن عِنْد وَالِده القَاضِي أَمِين الدّين عبد الرَّحْمَن بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن الديري الْحَنَفِيّ مولده قبل الْعشْرين والثمانمائة اشْتغل وَحصل الْعُلُوم وفَاق وَتقدم وَكَانَ مفرط الذكاء سريع الْحِفْظ بَاشر الْقَضَاء نِيَابَة عَن أَخِيه قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين بالديار المصرية وافتى ودرس بالمعظمية بالقدس الشريف ولي نظر الْحَرَمَيْنِ الْقُدس والخليل وَعين لَهُ كتب السِّرّ بِمصْر وَكَانَ ينظم الشّعْر وَسَار بِبَيْت الْمُقَدّس وَعظم أمره فِي دولة الْملك الظَّاهِر جقمق توفّي فِي لَيْلَة السبت المسفر صباحها عَن رَابِع ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة مبطونا وفدن بماملا الى جَانب وَالِده وَهُوَ وَالِد شيخ الاسلام بدر الدّين الديري أحد عُلَمَاء الديار المصرية فسح الله فِي مدَّته ونفع بِعُلُومِهِ وَفِي أَيَّام ولَايَته - النّظر - أنعم السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق على جهتي الوقفين المبرورين بِمِائَة وَعشْرين غرارة قَمح الْقيمَة عَنْهَا ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة دِينَار وَلما توفّي تجمد على الْوَقْف ثمن غلال فأنعم الْملك الظَّاهِر بتوفية الثّمن وَهُوَ أَرْبَعَة آلَاف وَسَبْعمائة دِينَار الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن محسن بن حسن اليمني الْهَاشِمِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بخجا يمني شيخ الْمدرسَة الجوهرية بالقدس الشريف كَانَ رجلا خيرا وَله هَيْبَة وَكَانَ مَوْجُودا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي بعد ذَلِك بِيَسِير وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة

القَاضِي برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بن عَلَاء الدّين عَليّ الخزرجي الْحَنَفِيّ الْمَشْهُور بِابْن نسيبة مولده فِي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة كَانَ من أَعْيَان بَيت الْمُقَدّس وباشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف عَن القَاضِي تَاج الدّين الديري الْحَنَفِيّ وَتُوفِّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا عِنْد الْقبَّة الكبكية وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق وَفَاة اربعة بِبَيْت الْمُقَدّس مولدهم فِي سنة وَاحِدَة وَهِي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة ووفاتهم فِي سنة وَاحِدَة وَهِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وهم الشَّيْخ شمس الدّين القلقيلي وَالشَّيْخ شمس الدّين ابْن ابي عبد الله الخليلي وَالْقَاضِي شهَاب الدّين الصلتي الشَّافِعِي - وَتقدم ذكرهم - وَالْقَاضِي برهَان الدّين بن نسيبة القَاضِي شمس الدّين ابو الْفضل مُحَمَّد بن الشَّيْخ شهَاب الدّين ابي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله الْحلَبِي الْحَنَفِيّ بَاشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف عَن الشَّيْخ تَاج الدّين الديري فِي سنة أَربع وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ بَاشر بعده النِّيَابَة القَاضِي عماد الدّين بن الشَّيْخ تَاج الدّين بن عبد الْوَهَّاب بن الأخرم النابلسي أحد خلفاء الحكم الْعَزِيز بالديار المصرية يَوْمئِذٍ وَكَانَت مُبَاشَرَته للقدس فِي سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة الْعدْل نجم الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بقيرة السوداني الْحَنَفِيّ كَانَ من فضلاء الْحَنَفِيَّة وأعيان الْعُدُول بالقدس الشريف توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وانقرض بِمَوْتِهِ بَيت السوداني القَاضِي زين الدّين عمر بن خَلِيل العميري الْحَنَفِيّ وَالِد شَيخنَا الْعَلامَة شهَاب الدّين العميري الشَّافِعِي - الْمُتَقَدّم ذكره - كَانَ يتَحَمَّل الشَّهَادَة عِنْد الْقُضَاة وباشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف عَن قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين الديري وَتُوفِّي قبل السِّتين والثمانمائة وَدفن بماملا بِالْقربِ من حوش البسطامية السَّيِّد الشريف بدر الدّين حسن بن حُسَيْن الْحُسَيْنِي الْحَنَفِيّ الشهير بخال إِمَام

الصَّخْرَة الشَّرِيفَة كَانَ رجلا خيرا من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة حسن الشكل منور الشيبة توفّي بعد السِّتين والثمانمائة الْعدْل برهَان الدّين ابراهيم بن اسحاق الكتبي العنابوسي الْحَنَفِيّ مولده فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَكَانَ من أهل الْفضل وَمن أَعْيَان الْعُدُول وَيتَعَاطَى عُقُود الْأَنْكِحَة وَكَانَ رجلا خيرا توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة عشري الْمحرم سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الْعَالم الصَّالح شمس الدّين مُحَمَّد بن خضر الرُّومِي الْحَنَفِيّ كَانَ من أهل الْعلم وَالصَّلَاح اشْتغل عَلَيْهِ جمَاعَة وانتفعوا بِهِ وَكَانَ يتَصَدَّى للتدريس بِالْمَسْجِدِ الأقضى الشريف توفّي فِي سنة بضع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بحوش البسطامية بماملا قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام ملك الْعلمَاء الْأَعْلَام سعد الدّين أَبُو السعادات سعد بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الديري الْعَبْسِي الْحَنَفِيّ الامام الْعَلامَة والحبر الفهامة ومولده بالقدس الشريف فِي سَابِع عشر رَجَب سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة اشْتغل بِالْعلمِ الشريف وَتفرد بِعلم التَّفْسِير وَأخذ الحَدِيث عَن جمَاعَة ودرس وَأفْتى وَولي مشيخة المنجكية وتدريس المعظمية بالقدس ثمَّ استوطن مصر وانتهت اليه الرياسة بالديار المصرية وَاسْتقر فِي مشيخة الْمدرسَة المؤيدية بِبَاب زويلة بعد وَفَاة وَالِده ثمَّ ولي الْقَضَاء بالديار المصرية فِي خَامِس عشر الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَثَمَانمِائَة فِي ايام الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن الْأَشْرَف بن برسباي بتسببب الْملك الظَّاهِر جقمق حِين كَانَ نظام الْملك ثمَّ لما اسْتَقر الظَّاهِر جقمق فِي السلطنة عظم أمره وعلت رتبته ونفذت كَلمته وَاسْتمرّ فِي الْقَضَاء نَحْو خمس وَعشْرين سنة إِلَى ايام الْملك الظَّاهِر خشقدم ثمَّ ضعف بَصَره وَطعن فِي السن وَصَارَ عمره نَحْو مائَة سنة فصرف عَن الْقَضَاء بِاخْتِيَارِهِ فِي شَوَّال سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَولي عوضه قَاضِي الْقُضَاة محب الدّين

ابْن الشّحْنَة فَعظم ذَلِك على قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين وشق عَلَيْهِ ثمَّ توفّي بعدمدة يسيرَة وَكَانَت وَفَاته فِي لَيْلَة الْجُمُعَة عَاشر ربيع الآخر سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربة الْملك الظَّاهِر خشقدم وَكَانَ شكلا حسنا بهي المنظر منور الْوَجْه وَمن نظمه مَا كتبه لِابْنِ زَوْجَة ابي عذيبة المؤرخ فِي اجازة وَنَقله فِي تَرْجَمته فِي تَارِيخه يَا مقتدرا جلّ عَن الاشباه من لَيْسَ سواهُ آمُر وناهي الطف بعبدك الضَّعِيف الساهي سعد بن مُحَمَّد بن عبد الله وَسَأَلَهُ السُّلْطَان مرّة عَن سَبَب وُقُوع الطَّاعُون فَقَالَ لما خالفوا فِي وضع مَا هم عوقبوا بِأخذ مَا هم وَله لطائف كَثِيرَة وَأَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بَاشر الْوَظَائِف السّنيَّة بِالْقَاهِرَةِ مِنْهَا نظر الاسطبل وَنظر الجيوش وَكِتَابَة السِّرّ وَلم تطل مدَّته فِيهَا وَولي قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية فِي سنة سبعين وَثَمَانمِائَة وَأقَام سَبْعَة أشهر وَصرف وَاسْتقر فِي مشيخة المؤيدية وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن توفّي فِي الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ من الرؤساء الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَامِل الصَّالح سراج الدّين سراج بن مُسَافر بن زَكَرِيَّا ابْن يحيى بن اسلام بن يُوسُف الرُّومِي الْحَنَفِيّ عَالم الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف وسراج هُوَ نفس اسْمه وَيُسمى ايضا عوض وضيا وَلم يشْتَهر إِلَّا بالشيخ سراج بالروم وبهذه الْبِلَاد مولده فِي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَقدم الى الْقُدس فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وأقرأ النَّاس الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَالتَّفْسِير وَكَانَ من أهل الْعلم وَالدّين والورع وَالصَّلَاح ولي مشيخة الْمدرسَة العثمانية بالقدس الشريف ثمَّ صرف عَنْهَا ياختياره لاطلاعه على شَرط الواقفة ان يكون الشَّيْخ أعلم زَمَانه فَقَالَ لست أَنا بِهَذِهِ الصّفة فتنزه عَنْهَا كَذَا أخْبرت وَهَذَا دَلِيل على كَمَال دينه

وورعه وَكَانَ حسن الشكل منور الشيبة شكله يدل على علمه وصلاحه وَمن تلامذته الْأَعْيَان من الْعلمَاء توفّي بعد أَذَان الظّهْر من يَوْم السبت حادي عشري رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة تغمده الله برحمته الشَّيْخ الامام الْعَالم الْمُحَقق شرف الدّين أَبُو الأسباط يَعْقُوب بن يُوسُف الرُّومِي الْحَنَفِيّ المتفنن فِي الْعُلُوم كَانَ من أكَابِر الْعلمَاء الْحَنَفِيَّة حَتَّى قيل فِي حَقه مَا تريدي زَمَانه ولي مشيخة الْمدرسَة القادرية بالقدس الشريف واشتغل عَلَيْهِ الطّلبَة وانتفعوا بِهِ وافتى ودرس وَمن تلامذت الْأَعْيَان المعتبرون وَكَانَ من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَله وجاهة وَهُوَ منجمع عَن النَّاس لَا يخالط ابناء الدُّنْيَا توفّي بِالْمَدْرَسَةِ القادرية فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة القَاضِي زين الدّين عبد اللَّطِيف بن شيخ الاسلام شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام كَمَال الدّين بن عبد الله مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ كَانَ من أَعْيَان الْعُدُول بالقدس الشريف وباشر نِيَابَة الحكم بِهِ عَن ابْن عَمه قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين الديري توفّي فِي شهرو سنة سبعين وَثَمَانمِائَة وَله ارْبَعْ وَسَبْعُونَ سنة وَدفن بماملا وَولده الشَّيْخ شرف الدّين يُونُس كَانَ من الْفُضَلَاء وَكَانَ مَوْجُودا فِي حُدُود السِّتين والثمنمائة توفّي قبل وَالِده وَولده الثَّانِي الْعدْل زين الدّين عبد الْقَادِر كَانَ رجلا خيرا متواضعا احترف بِالشَّهَادَةِ دهرا طَويلا لم يضْبط عَلَيْهِ مَا يشينه توفّي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الشَّيْخ الامام الْعَلامَة الْمقري الْمُحدث شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى ابْن عمرَان الغزى ثمَّ الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ شَيخنَا بركَة الْوُجُود والعباد وَشَيخ الْقُرَّاء بالقدس الشريف وبجميع الْبِلَاد مولده فِي لَيْلَة سادس عشر شعْبَان سنة

ارْبَعْ وَتِسْعين وَسَبْعمائة بغزة سمع الحَدِيث عَليّ الْحَافِظ شمس الدّين الْجَزرِي وَأخذ عَنهُ علم القرآت وَأَجَازَهُ وَلبس مِنْهُ خرقَة التصوف وَكَانَ رجلا صَالحا ملازما لاقراء الْقُرْآن انْتفع بِهِ النَّاس وَتخرج عَلَيْهِ جمَاعَة وَعرف هَذَا الْفَنّ معرفَة جَيِّدَة وَكَانَ خيرا قنوعا طارحا للتكلف وَلم يكن بَقِي فِي الْقُدس شيخ متقن لفن الْقِرَاءَة سواهُ وَقد سَمِعت عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ بِقِرَاءَة القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيد الشَّافِعِي فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَمَانمِائَة وأجازني بروايته وبرواية غَيره من الاحاديث العشارية والمسلسل بالأولية والمصافحة والتشبيك وَوضع الْيَد على الْكَتف وَاسْتشْهدَ بِاللَّه واشهد لله واني أحبك ومسلسل سُورَة الصَّفّ وَقِرَاءَة الْقُرْآن الْعَظِيم على الْمَشَايِخ وَلبس الْخِرْقَة القادرية والأحمدية والرفاعية والسهر وردية والصحبة وَمَا يجوز لَهُ وَعنهُ رِوَايَته وَكَانَ شَيخا بهي المنظر منور الشيبة توفّي فِي يَوْم الْأَحَد قبيل الْعَصْر الْخَامِس من شهر رَمَضَان الْمُعظم سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن من الْغَد بمقبرة ماملا الشَّيْخ ابراهيم بن مُحَمَّد بن مبارك السبرتي الْحَنَفِيّ شيخ الْفُقَرَاء السطوحية بالقدس الشريف كَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي فقه الْحَنَفِيَّة واستحصار فِيهِ وَعِنْده مُرُوءَة وَقيام مَعَ أَصْحَابه توفّي فِي شهر صفر سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَكَانَت جنَازَته حافلة الامام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحَافِظ الْقدْوَة حسام الدّين ابي مُحَمَّد الْحُسَيْن الْمَشْهُور بِابْن حَافظ الْحَنَفِيّ إِمَام الصَّخْرَة الشَّرِيفَة كَانَ من أهل الْفضل حسن الشكل منور الشيبة ولي نصف إِمَامَة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة مشاركا لِأَخِيهِ وباشرها دهرا طَويلا إِلَى أَن توفّي فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشري الْمحرم يَوْم دُخُول الْحجَّاج الى الْقُدس الشريف فِي سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَاسْتقر أَخُوهُ الامام شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد فِي نصف الامامة عوضا

عَنهُ مُضَافا لما بِيَدِهِ من النّصْف وَكَانَ رجلا خيرا سَاكِنا قَلِيل الْكَلَام فِيمَا لَا يعنيه توفّي فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن عِنْد اخيه وَكَانَ والدهما إِمَام الصَّخْرَة الشَّرِيفَة قبلهمَا وَكَانَ مَوْجُودا فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَالظَّاهِر ان وَفَاته بعد ذَلِك بِقَلِيل وَالله أعلم الشَّيْخ الْفَاضِل أَبُو يزِيد العجمي الْحَنَفِيّ كَانَ من أهل الْفضل خُصُوصا فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَله مُشَاركَة جَيِّدَة وَكَانَ رجلا صَالحا الْغَالِب عَلَيْهِ التغفل توفّي فِي شهور سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين ابي بكر بن الْعلم الْحَنَفِيّ الْمَشْهُور بسبط قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الديري كَانَ أَمِيرا حاجبا بالقدس الشريف ثمَّ ترك الأمرة وتخلق بأخلاق الْفُقَهَاء وَحفظ كتاب الْكَنْز فِي فقه مَذْهَب الامام ابي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال الى ان اسْتَخْلَفَهُ خَاله قَاضِي الْقُضَاة سعدالدين الديري فِي الحكم بالديار المصرية ثمَّ بَاشر نِيَابَة الحكم بالقدس عَن وَالِده قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين وبالرملة عَن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الديري وَكَانَ لَهُ شهامة ومروءة توفّي فِي شهور سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الْعَلامَة زين الدّين عبد الرَّحِيم بن النَّقِيب الْحَنَفِيّ شيخ الْمدرسَة التنكزية كَانَ من الْفُضَلَاء الْمَشْهُورين كَانَ يُفْتِي ويدرس بِبَيْت الْمُقَدّس أثنى على علمه وفهمه الْحَافِظ تَاج الدّين الغرابيلي وَغَيره توفّي فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة عَن نَيف وَخمسين سنة وَولده الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الْمَشْهُور بالعجمي اسْتَقر فِي مشيخة التنكزية مشاركا لغيره وَكَانَ شكلا حسنا كثير التودد للنَّاس لين الْجَانِب توفّي فِي شهر شَوَّال سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَولده الشَّيْخ الْفَاضِل زين الدّين عبد الرَّحِيم اشْتغل فِي حَيَاة وَالِده وَحفظ مجمع الْبَحْرين وَولي مَا كَانَ بيد وَالِده من مشيخة التنكزية بعد وَفَاته ودرس

الشَّافِعِي فِي وَظِيفَة قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف والرملة ونابلس عوضا عَن القَاضِي محيي الدّين بن جِبْرِيل بن الْغَزِّي والبس التشريف من حَضَره السُّلْطَان فِي ثامن صفر وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع ربيع الأول وَقُرِئَ توقيعه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر ربيع الأول وَفِي يَوْم الاحد رَابِع ربيع الاخر دخل الْأَمِير جانم نَائِب مَدِينَة الْقُدس اليها بخلعة السُّلْطَان وأوقد لَهُ السُّوق وَكَانَ يَوْمًا حافلا وَقُرِئَ توقيعه فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع الشَّهْر بِحُضُور نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَشَيخ الصلاحية والقضاة وَهُوَ مؤرخ فِي ثَانِي الْمحرم وفيهَا فِي نَهَار الاحد خَامِس عشري ربيع الآخر ورد مِثَال القَاضِي زين الدّين ابْن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف إِلَى نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين النشاشيبي بِمَنْع القَاضِي زين الدّين عبد الباسط الْحَنْبَلِيّ من تعَاطِي الْحُكَّام الشَّرْعِيَّة فَخَالف أمره وَاسْتمرّ يحكم اياما فَأنْكر عَلَيْهِ ذك فَامْتنعَ من الحكم وَاسْتمرّ معزولا الى ان تشفع بناظر الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي فَخر الدّين ابْن نسيبة وَكتب لَهُ توقيع شرِيف بالاستمرار وَوصل اليه فِي شهر شَوَّال وفيهَا فِي الْعشْرين من شهر رَجَب دخلت عين العروب الى الْقُدس الشريف وخلع الامير قانصوه اليحياوي على المعلمين وزينت الْمَدِينَة ثَلَاثَة أَيَّام وَكتب الامير قانصوه محَاضِر وعلهيا خطوط الاعيان لتعرض على المسامع الشَّرِيفَة وجهزها على يَد وَلَده الشهابي احْمَد ودواداره وَكَانَت مُدَّة عمارتها خَمْسَة أشهر وخمشة عشر يَوْمًا وَقد انفق السُّلْطَان فِي عمارتها مبلغا كَبِيرا وفيهَا فِي شهر شَوَّال قدم شيخ الاسلام الكمالي من الْقَاهِرَة المحروسة الى الْقُدس الشريف لقصد الزِّيَارَة بعد غيبته عَنهُ من سنة إدى وَثَمَانِينَ - كَمَا تقدم ذكر ذَلِك - ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِي

بهَا وَحضر مَعَه فِي يَوْم جُلُوسه التدريس شيخ الاسلام الكمالي بالقدس الشريف ويغره وَكَانَ يَوْمًا حافلا فِي شهر شَوَّال سنة ة سبع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو الْعَزْم عبد الله بن شيخ الاسلام شمس الدّين اببي عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام كَمَال الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد الديري الْعَبْسِي الْحَنَفِيّ مولده فِي سنة خمس وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من ذَوي المروءآت وَله حشمة وشهامة ولي قَضَاء الْقُدس الشريف والرملة فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ اضيف اليه قَضَاء بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام وَهُوَ أول من ولي قَضَاء الْخَلِيل من الْحَنَفِيَّة وَوَقع التشاجر بَينه وَبَين قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين هبة الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين الديري وَشرع كل مِنْهُمَا يسْعَى على الآخر والوظيفة بَينهمَا دولا ثمَّ اسْتَقر الْأَمر آخرا للْقَاضِي جمال الدّين وَاسْتمرّ فِي المنصب الى أَن عزل فِي سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ اسْتَقر بعده فِي الْوَظِيفَة قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين بن عمرَان فِي صفر سنة سِتّ وَسبعين وَاسْتمرّ نَحْو سنتَيْن ثمَّ توجه القَاضِي جمال الدّين إِلَى الْقَاهِرَة فِي ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وَولي الْقَضَاء فِي سَابِع ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وَهِي ولَايَته الرَّابِعَة والبس التشريف بقلعة الْجَبَل المنصورة من حَضْرَة الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَعَاد إِلَى الْقُدس الشريف فَلَمَّا وصل الى الرملة حصل لَهُ توعك فَلم يسْتَطع ركُوب الْفرس فَحمل فِي محفة الى الْقُدس وَنزل بقصر ابْن عَمه الشَّيْخ تَاج الدّين الديري عِنْد خَان الظَّاهِر وَدخل الى الْقُدس الشريف صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس ثامن شهر ربيع الآخر وَركب النَّاس للقائه من الْقُضَاة والأعيان وناظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين النشاشيبي ونائب السلطنة الْأَمِير جقمق وَركب لَهُ شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف لكنه لم يدْخل مَعَه فِي الموكب وَإِنَّمَا سلم عَلَيْهِ بِالْقصرِ وَانْصَرف زينت لَهُ الاسواق واوقدت وَكَانَ يَوْمًا مشهودا والبس التشريف من الْقصر وَركب وَهُوَ منزعج من التوعك

الْحَاصِل لَهُ وَبَقِي فِي الموكب وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع التثبت على الْفرس لشدَّة الضعْف وَلَقَد شاهدته فِي تِلْكَ الْهَيْئَة فخطر لي ان سَكَرَات الْمَوْت لائحة عَلَيْهِ فَلَمَّا دخل منزله اشْتَدَّ بِهِ الْأَلَم وَلم يقدر انه حكم حكما وَلَا جلس فِي مجْلِس الحكم وَاسْتمرّ اربعة عشر يَوْمًا وَتُوفِّي فِي صَبِيحَة يَوْم الاربعاء حادي عشري ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَقد بلغ من الْعُمر نَحْو ارْبَعْ وَسبعين سنة وَدفن بِجَانِب وَالِده بماملا عِنْد الشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان الشَّيْخ الْعَلامَة جمال الدّين بن شرف الدّين الرُّومِي الْحَنَفِيّ كَذَا كَانَ يكْتب بِخَطِّهِ اسْمه وَاسم ابيه وَهُوَ أَبُو المحاسن يُوسُف كَانَ من أهل الْفضل ولي مشيخة الْمدرسَة العثمانية بعد الشَّيْخ سراج الدّين - الْمُتَقَدّم ذكره - وَكَانَ يكْتب على الْفَتْوَى عبارَة حَسَنَة مَعَ كَونه روميا وَمن الْعجب أَنه كَانَ يَأْتِي اليه السُّؤَال فَلَا يحسن قِرَاءَته بِالْعَرَبِيَّةِ فَيَقُول لمن يَأْتِي بِهِ أَو غَيره اعلمني بِمَعْنى هَذَا السُّؤَال فيذكر لَهُ مَعْنَاهُ فَيكْتب عَلَيْهِ بِعِبَارَة وَاضِحَة مُطَابقَة للْحَال فِي غَايَة الْحسن توفّي فِي الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الْفَقِيه شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن غضية الْمقري الْحَنَفِيّ الْمُؤَذّن كَانَ وَالِده من أهل الْفضل بَاشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف وَتقدم ذكره وَكَانَ هُوَ رجلا خيرا سَاكِنا يحفظ الْقُرْآن وَيُؤذن بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ويؤدب الْأَطْفَال بالجوهرية وَالنَّاس سَالِمُونَ من يَده وَلسَانه وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه مُحَمَّد توفّي قبله فِي سنة خمس وَسبعين وَتقدم ذكره مَعَ الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة فَصَبر واحتسب وَتُوفِّي فِي سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين ابو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ الْقدْوَة تَقِيّ الدّين ابي بكر بن ابي الوفا الْحُسَيْنِي الْحَنَفِيّ شيخ الوفائية بالقدس الشريف وَتقدم ذكر أسلافه مَعَ فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة كَانَ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَولا على مَذْهَب الشَّافِعِي

وَتُوفِّي وَالِده وَهُوَ صَغِير فَنَشَأَ بعده وانتقل إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة وَكَانَ لَهُ ذكاء مفرط ينظم الشّعْر الْحسن وَكَانَ حسن الشكل طيب النغمة فِي الذّكر توجه إِلَى بِلَاد الرّوم فِي شَوَّال سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَاجْتمعَ بالشيخ شهَاب الدّين الكوراني وأركان دولة السُّلْطَان ابْن عُثْمَان فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وأعلموا بِهِ السُّلْطَان فَأحْسن اليه إحسانا بليغا ثمَّ اجْتمع بالسلطان فَأكْرمه وَبَالغ فِي تَعْظِيمه ورتب لَهُ مَا يقوم بكفايته وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ وانتظم لَهُ الْحَال وَتعين فِي بِلَاد الرّوم وَصَارَ لَهُم فِيهِ إعتقاد وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن توفّي فِي شهر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بِمَدِينَة اسطنبول وَهِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أبي بكر بن عِيسَى بن الرصاص الْحَنَفِيّ مولده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ من أهل الْعلم وَيكْتب خطا حسنا افتى ودرس وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وَكَانَ منجمعا عَن النَّاس وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ من فقه وَتَفْسِير وَكَانَ يتجمل بالملبوس الْحسن وَيُقِيم نظامه على طَريقَة الرؤساء مَعَ قلَّة مَاله توفّي بالقدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بَين الظّهْر وَالْعصر وَدفن بماملا بعد صَلَاة الظّهْر من يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد الْمَشْهُور بقرًا عَليّ العجمي الْحَنَفِيّ كَانَ رجلا مُبَارَكًا منور الشيبة وَعِنْده سُكُون اشْتغل بِالْعلمِ على نَاصِر الدّين مُحَمَّد شاه بن الفنري وَكَانَ شيخ الْمدرسَة الفنرية الكائنة علو رواق بَاب الأسباط بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى حج إِلَى بَيت الله الْحَرَام فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فَقضى مَنَاسِكه وَفرغ من الْحَج وَتُوفِّي بِمَكَّة المشرفة فِي شهر ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن بِبَاب المعلاة الشَّيْخ شُجَاع الدّين الياس بن عمرَان الرُّومِي الْحَنَفِيّ كَانَ من أهل الْفضل فِي مذْهبه وَهُوَ رجل خير متواضع سليم الْفطْرَة لَا يعرف شَيْئا من احوال النَّاس بَاشر نِيَابَة الْقَضَاء بالقدس الشريف عَن قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين بن عمرَان فِي سنة

سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَلم يتصد لتعاطي الْأَحْكَام وَإِنَّمَا اثْبتْ لبس مستندات شَرْعِيَّة تزوج ابْنة الشَّيْخ الْعَلامَة سراج الدّين الْحَنَفِيّ - الْمُتَقَدّم ذكره - ورزق مِنْهَا ولدا يُسمى شهَاب الدّين أَحْمد ففضل الْوَلَد وتميز وَصَارَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَتُوفِّي فِي حَيَاة وَالِده بالطاعون فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة فَوجدَ عَلَيْهِ وَالِده وتأسف النَّاس عَلَيْهِ وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَعمر وَالِده بعده مُدَّة وَتُوفِّي فِي لَيْلَة السبت حادي عشر شَوَّال سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن عِنْد وَلَده بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الْمقري شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد اللَّطِيف الْحَنَفِيّ كَانَ من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَرَئِيس الْقُرَّاء بالقدس الشريف وَهُوَ رجل خير عِنْده تواضع ولين جَانب ومحبة لأَصْحَابه وَكَانَ يرقى للخطيب يَوْم الْجُمُعَة وَله وجاهة عِنْد النَّاس والأكابر توفّي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْعشْرين من شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة وَدفن بماملا الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حبشِي الْحَنَفِيّ الْمَشْهُور بِابْن الشنتير مفتي الْحَنَفِيَّة بالقدس أَخذ الْعلم عَن الشَّيْخ نَاصِر الدّين الاياسي الْغَزِّي وَفضل وتميز وَصَارَ من أَعْيَان بَيت الْمُقَدّس أفتى ودرس وانتفع بِهِ الطّلبَة وَكَانَ عِنْده سُكُون قَلِيل الْكَلَام فِيمَا لَا يعنيه وَعِنْده تواضع توجه إِلَى الْحجاز الشريف فِي الْبَحْر فَلَمَّا وصل إِلَى جدة وَقع عَن الْجمل فَكسر فَخذه وَطَاف للقدوم مَحْمُولا وَتُوفِّي بِمَكَّة قبل الْحَج وَدفن بالمعلاة فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَأَخُوهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد كَانَ من أهل الْقُرْآن ويلبس ملبوس الاتراك وَكَانَ حسن الْقِرَاءَة طيب النغمة فِيهَا اسْتَقر إِمَامًا عِنْد الْأَمِير قراجا بِدِمَشْق ثمَّ عَاد إِلَى بَيت الْمُقَدّس بعد السّبْعين والثمانمائة وَلما توفّي شهَاب الدّين أَحْمد بن حَافظ إِمَام الصَّخْرَة الشَّرِيفَة قَرَّرَهُ نَاظر الْحَرَمَيْنِ

الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي فِي نصف وَظِيفَة إِمَامَة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة مشاركا للْقَاضِي خير الدّين بن عمرَان فَلم يتم ذَلِك وَأخذت الْوَظِيفَة مِنْهُمَا بِأَمْر السُّلْطَان الشَّيْخ سعد الله الْحَنَفِيّ ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة فَأَدْرَكته الْمنية بهَا فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَشْهُور بِابْن الصَّائِغ الصُّوفِي الْحَنَفِيّ من أهل قلعة الرّوم كَانَ من أهل الدّين وَالصَّلَاح وَعِنْده فضل وَهُوَ خير متواضع منجمع عَن النَّاس منور الشيبة عَلَيْهِ ابهة الصَّالِحين وَكَانَ يعرف بخليفة الاردبيلي نِسْبَة لشيخه الشَّيْخ عَليّ الاردبيلي المدفون بِبَاب الرَّحْمَة توفّي فِي شهور سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الْفَاضِل شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن جمال الدّين يُوسُف الشهير بِابْن جمال الْأَشْقَر الْحَنَفِيّ اشْتغل ودأب وَحصل وَفضل فِي مَذْهَب الامام ابي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وسافر إِلَى دمشق وَأذن لَهُ الشَّيْخ نور الدّين عبد الرَّحْمَن بن الْعَيْنِيّ عَالم دمشق بالافتاء وَأذن لَهُ قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين بن عمرَان بالقدس الشريف توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بماملا وَتُوفِّي وَالِده الشَّيْخ جمال الدّين يُوسُف بعده فِي سنة نَيف وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ رجلا خيرا أُصِيب بولده - الْمَذْكُور - فَصَبر الشَّيْخ الْعَلامَة سعد الدّين سعد الله بن حُسَيْن الْفَارِسِي الْحَنَفِيّ شيخ الْقُرَّاء اشْتغل ببلاده وَحفظ الْقُرْآن وأتقنه بالروايات وَكَانَ على مَذْهَب الامام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأخبرت أَنه كَانَ قبل ذَلِك على مَذْهَب الامام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ قدم من بِلَاده إِلَى دمشق وَهُوَ على مَذْهَب الامام الشَّافِعِي فِي سنة نَيف وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب الامام الْأَعْظَم ابي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَفضل فِيهِ وباشر نِيَابَة الحكم بِدِمَشْق وَكَانَ لَهُ حُرْمَة فِي مُبَاشَرَته ثمَّ قدم بَيت الْمُقَدّس فِي سنة سبع وَسبعين وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بالسلطان فَأكْرمه وَقَررهُ فِي إِمَامَة

الصَّخْرَة الشَّرِيفَة والبسه خلعة وَدخل إِلَى الْقُدس فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسبعين صُحْبَة قَاصِدا ابْن عُثْمَان ملك الرّوم وَكَانَ يَوْمًا حافلا وتصدر بالصخرة الشَّرِيفَة لاشتغال الطّلبَة والتدريس وَالْفَتْوَى وانتفع بِهِ جمَاعَة من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن توفّي فِي أَوَائِل جمادي الأولى سنة تسعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الْفَقِيه عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد الْغَزِّي الْمقري الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن قَامُوا شَيخنَا ذكر أَنه لما نزل الْأَشْرَف برسباي إِلَى آمد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة كَانَ مراهقا حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وتلى بالسبع على شَيخنَا الْعَلامَة شمس الدّين بن عمرَان وَغَيره وَأقَام بِبَيْت الْمُقَدّس دهرا وأدب بِهِ الْأَطْفَال وَسمع الحَدِيث وأقرأ الْقُرْآن وَكَانَ جيد الْحِفْظ لَهُ سريع الْقِرَاءَة وَقد قَرَأت عَلَيْهِ الْقُرْآن - ولي نَحْو عشر سِنِين - بمكتب بَاب الناظرة فأقرأني من سُورَة الْأَنْبِيَاء الى الْفَاتِحَة ثمَّ كررت ختم الْقُرْآن عَلَيْهِ مَرَّات كَثِيرَة وقرأت بعضه عَلَيْهِ بِرِوَايَة عَاصِم وأحضرني مجْلِس شَيخنَا ابْن عمرَان لسَمَاع الحَدِيث واعتنى بتحصيل الاجازة لي مِنْهُ توفّي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة سنة تسعين وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف القَاضِي زين الدّين مَحْمُود بن بدر الدّين حسن بن الدويك الْحَنَفِيّ الفرضي كَانَ من أَعْيَان المباشرين على أوقاف الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَله يَد طولى فِي علم الْفَرَائِض والحساب وسافر من الْقُدس إِلَى جِهَة بِلَاد الْهِنْد حَتَّى وصل إِلَى بِلَاد الشعشاع وطالت غيبته ثمَّ قدم الى الْقُدس الشريف بعد السّبْعين والثمانمائة وباشر على الْأَوْقَاف على عَادَته وَكَانَ لَهُ وجاهة عِنْد الْأَمِير نَاصِر الدّين النشاشيبي نَاظر الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ رجلا خيرا كثير التَّوَاضُع لين الْجَانِب توفّي فِي خَامِس عشر الْمحرم سنة احدى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقابر الشُّهَدَاء الشَّيْخ خير الدّين خضر بن اسماعيل الرُّومِي القرماني الْحَنَفِيّ كَانَ رجلا مُبَارَكًا يحفظ الْقُرْآن وَكَانَ يصنع المسابح بِيَدِهِ وَهُوَ منجمع عَن النَّاس توفّي

فِي سنة نَيف وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة قَاضِي الْقُضَاة شيخ الشُّيُوخ تَاج الدّين سعد بن قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن الديري الْعَبْسِي الْحَنَفِيّ وَتقدم ذكر وَالِده وجده ولد فِي ثَانِي عشر ربيع الأول سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة بالقدس الشريف وَنَشَأ بِهِ وَحفظ الْقُرْآن وَسمع الحَدِيث واشتغل بِالْعلمِ على وَالِده وجده وَفضل وتميز وانتهت اليه الرياسة بالقدس الشريف ودرس بالمعظمية نِيَابَة عَن وَالِده وناب عَنهُ فِي الْقَضَاء بالديار المصرية ثمَّ ولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف فِي الْمحرم سنة أحدى وَخمسين وَثَمَانمِائَة عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين بن خير الدّين الْحَنَفِيّ ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المعظمية الْحَنَفِيَّة اسْتِقْلَالا ونفذت كَلمته وَعظم أمره بِاعْتِبَار وَالِده وَعمر عمَارَة هائلة بِظَاهِر الْقُدس بِأَرْض كرمه عِنْد خَان الظَّاهِر مصرفها يقرب من عشرَة آلَاف دِينَار وَاسْتمرّ إِلَى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ تنزه عَن الْقَضَاء وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة وفوض اليه وَالِده مشيخة المؤيدية وَاسْتقر وَلَده قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين هبة الله فِي قَضَاء الْقُدس الشريف فَلَمَّا توفّي وَالِده قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة نزل عَن المؤيدية لِعَمِّهِ برهَان الدّين واستوطن الْقُدس ثمَّ سَافر إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر فِي مشيخة المؤيدية فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَشرع يتَرَدَّد من الْقَاهِرَة إِلَى الْقُدس ذَهَابًا وإيابا الى ان نفد جَمِيع مَا مَعَه من المَال وَصَارَ فَقِيرا ثمَّ حضر الى الْقُدس الشريف فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَنزل بعمارته الَّتِي بكرمه عِنْد خَان الْملك الظَّاهِر بيبرس وَأقَام بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ قصد التَّوَجُّه الى الْقَاهِرَة فوصل الى مَدِينَة غَزَّة فَأَدْرَكته الْمنية بهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس شهر شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بالجامع الجاولي وَدفن بتربة هُنَاكَ بجوار الْجَامِع وَقد تلاشت احوال عِمَارَته الَّتِي بِظَاهِر الْقُدس وَخرب عاليها فِي هَذِه الْمدَّة الْيَسِيرَة الَّتِي هِيَ دون تسع سِنِين بعد وَفَاته وَصَارَت من المهملات بعد مَا كَانَ فِيهَا

من الْعِزّ وَالْوَقار مَا لَا يُمكن شَرحه وَكَانَ الْقيَاس يَقْتَضِي أَنه اذا توفّي صَاحبهَا وَمضى عَلَيْهِ أزمنة ودهور لَا يؤول أمرهَا الى هَذَا التلاشي الْفَاحِش فِي هَذِه الْمدَّة الْيَسِيرَة فسبحان الْقَادِر على مَا يَشَاء والمتصرف فِي عباده بِمَا يُرِيد قَاضِي الْقُضَاة الامام الْعَلامَة خير الدّين أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن الشَّيْخ الامام الْمقري الْمُحدث شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن عمرَان الْغَزِّي الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ ولد بغزة فِي لَيْلَة الْعشْر من شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قَرَأَ الْقُرْآن بالروايات على وَالِده واجازه وسافر الى الديار المصرية واشتغل من ابْتِدَاء أمره ودأب وَحصل وتفقه بِالْقَاهِرَةِ على الشَّيْخ قَاسم الْحَنَفِيّ واذن لَهُ بالافتاء والتدريس وَلَقي الْعلمَاء وَأخذ عَن جمَاعَة الْفِقْه والْحَدِيث وبرع فِي مَذْهَب الامام الْأَعْظَم ابي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وتميز وَصَارَ من الْأَعْيَان المعتبرين ولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الديري وَكَانَت ولَايَته فِي يَوْم ولَايَة شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف مشيخة الصلاحية وَالْقَاضِي شهَاب الدّين بن عبيد قَضَاء الشَّافِعِيَّة وخلع على الثَّلَاثَة بِحَضْرَة السُّلْطَان بالحوش وَكنت حَاضرا ذَلِك الْمجْلس فِي صَبِيحَة يَوْم السبت فِي شهر صفر سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وسافروا جَمِيعًا من الْقَاهِرَة ودخلوا الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشري ربيع الأول وباشر قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين الْقَضَاء بعفة وشهامة وَكَانَت سيرته حَسَنَة واحكامه مرضية ثمَّ فِي أَوَاخِر سنة سِتّ وَسبعين اسْتَقر فِي نصف الامامة بالصخرة الشَّرِيفَة بِحكم وَفَاة الامام شهَاب الدّين أَحْمد بن حَافظ مشاركا للشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الشنتير بِالنِّصْفِ الثَّانِي بتقرير صدر لَهما من نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن النشاشيبي فَلم يتم لَهما ذَلِك واخذت مِنْهُمَا الامامة للشَّيْخ سعد الدّين الْحَنَفِيّ بِأَمْر السُّلْطَان بعد مباشرتهما مُدَّة يسيرَة وَاسْتمرّ القَاضِي خير الدّين على الْقَضَاء الى ان عزل بِالْقَاضِي جمال الدّين

الديري فِي ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين فَدخل القَاضِي جمال الدّين الى الْقُدس وَهُوَ متوعك فَأَقَامَ اربعة عشر يَوْمًا وَتُوفِّي - كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته - واعيد القَاضِي خير الدّين الى وَظِيفَة الْقَضَاء فِي شهر جمادي الأولى وَوصل اليه التوقيع الشريف والبس خلعة السُّلْطَان فِي محراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَشى النَّاس فِي خدمته الى منزله بِبَاب الْحَدِيد وَذَلِكَ فِي أَوَائِل جمادي الْآخِرَة وَاسْتمرّ نَحْو تِسْعَة أشهر ثمَّ عزل بقاضي الْقُضَاة شمس الدّين أخي القَاضِي جمال الدّين وَوصل المرسوم بذلك فِي سلخ صفر سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة فتنزه عَن الْقَضَاء وَلم يتَكَلَّم فِيهِ بعد ذَلِك وَانْقطع فِي منزله لِلْعِبَادَةِ والاشتغال بِالْعلمِ وَقِرَاءَة الْقُرْآن والْحَدِيث وانتهت اليه رياسة مَذْهَب ابي حنيفَة بالقدس وتصدر للافتاء والتدريس وَحج الى بَيت الله الْحَرَام وَعظم أمره عِنْد النَّاس وَصَارَ لَهُ الهيبة وَالْوَقار ودرس بالمعظمية نِيَابَة وَنسخ بِخَطِّهِ الْكثير من الْمَصَاحِف الشَّرِيفَة وَالْبُخَارِيّ وَكتب الحَدِيث وَالْفِقْه وغري ذَلِك وَكَانَ فِي سرعَة الْكِتَابَة والملازمة لَهَا من الْعَجَائِب وَعمل طَريقَة فِي الْمُصحف الشريف لم يسْبق اليها فِي مُقَابلَة الأحرف وَهِي أَنه إِذْ كَانَ أول حرف من أول سطر من الصَّحِيفَة الْفَا يكون أول حرف من أول السطر الْأَخير مِنْهَا كَذَلِك وَأول السطر الثَّانِي مثلا واوا فَيكون الَّذِي يُقَابله قبل السطر الْأَخير كَذَلِك وهلم جرا واحرف الْمُقَابلَة كتبهَا بالأحمر وَيكون أول الصفحة أول الْآيَة وَآخر الصفحة آخر الْآيَة وكل جُزْء فِي كراس كَامِل فَيكون الْمُصحف ثَلَاثِينَ كراسا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَهَذِه الطَّرِيقَة من الْعَجَائِب وَفِي الْحَقِيقَة هِيَ طَريقَة فِي غَايَة الْمَشَقَّة وَقد سهلها الله لَهُ فعملها فِي اسرع وَقت وَهُوَ تيسير من قبل الله تعال وَقد اشْتهر هَذَا الْمُصحف بِهَذِهِ الطَّرِيقَة بِخَطِّهِ فِي غَالب المملكة حَتَّى وصل الى الْحجاز وَالْعراق وَالروم وَله ربعَة شريفة بِالْحرم الشريف النَّبَوِيّ على ساكنه افضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ خيرا متواضعا حسن اللَّفْظ والشكل منور الشيبة وَعِنْده تودد

للنَّاس ولين جَانب وَلَقَد أحسن إِلَيّ فِي زمن ولَايَته الْقَضَاء وَبعده توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس الثَّلَاثِينَ من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَله سِتّ وَخَمْسُونَ سنة وَصلي عَلَيْهِ من يَوْمه بعد صَلَاة الْعَصْر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَدفن الى جَانب وَالِده بتربة ماملا وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لجنازته شيعه شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَشَيخ الاسلام النجمي ابْن جمَاعَة وناظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة الْأَمِير دقماق والقضاة والأإعيان وَغَيرهم تغمده الله برحمته وعوضه الْجنَّة الْعدْل عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سعيد الْحَنَفِيّ الْمَشْهُور بِابْن نَائِب النَّاظر نِسْبَة لوالده الْحَاج مُحَمَّد فَإِنَّهُ كَانَ يُبَاشر نِيَابَة النّظر على الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَعرف بِهِ وَكَانَ عَلَاء الدّين رجلا خيرا يحترف بِالشَّهَادَةِ بَاشَرَهَا دهرا طَويلا نَحْو سِتّ وَخمسين سنة على خير وعفاف لم يضْبط عَلَيْهِ مَا يشينه ثمَّ اذن لَهُ فِي عُقُود الانكحة فباشرها نَحْو سِتَّة عشر سنة وَكَانَ لَهُ مُرُوءَة وَعِنْده تواضع وتودد توفّي فِي عَاشر الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بدر الدّين مَحْمُود الْحَنَفِيّ شيخ الْمدرسَة الفنرية بالقدس الشريف قدم الى بَيت الْمُقَدّس وَأقَام بِهِ مُدَّة يسيرَة وَتُوفِّي فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث شهر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَبني على قَبره مسطبة كَبِيرَة بِبِنَاء مُحكم الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة زين الدّين عبد السَّلَام بن ابي بكر بن الرضي الكركي الْحَنَفِيّ ولد بِمَدِينَة الكرك وَنَشَأ بهَا وَكَانَ على مَذْهَب الامام الشَّافِعِي ثمَّ قدم الى بَيت الْمُقَدّس فِي شهور سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وانتقل الى مَذْهَب الامام الْأَعْظَم ابي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وتفقه على الشَّيْخ نَاصِر الدّين بن الشنتير - الْمُتَقَدّم ذكره - وبرع فِي مَذْهَب ابي حنيفَة وَأذن لَهُ فِي الافتاء ودأب وَحصل وتفنن فِي الْعُلُوم وتصدر للافتاء والتدريس وَكتب على الْفَتَاوَى كثيرا وانتفع النَّاس بِهِ واشتغل عَلَيْهِ الطّلبَة وَكَانَ من اهل الْعلم وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار وَالنَّاس

سَالِمُونَ من يَده وَلسَانه وَعبارَته فِي الْفَتْوَى نِهَايَة فِي الْحسن درس بالمعظمية نِيَابَة الى أَن توفّي وَلما انْتقل من مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَى مَذْهَب ابي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا لامه بعض النَّاس على ذَلِك فَأَنْشد أَخذ السَّفِيه يلومني بِجَهَالَة لم لَا ثَبت على الطَّرِيق الأعرف فأجبته دع عَنْك لومي يَا فَتى واسلك طَريقَة ذَا الامام الْأَشْرَف ان الْمذَاهب خَيرهَا وأصحها مَا قَالَه النُّعْمَان حَقًا فاقتف انسان عين للأئمة كلهم وَالْكل عَنهُ للطريقة مقتفي فاخترت مذْهبه وَقلت بقوله وَجَعَلته يَوْم الْقِيَامَة مسعفي توفّي رَحمَه الله فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشري شهر رَجَب سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بالطاعون وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد صَلَاة الْعَصْر وَحمل تابوته على الرؤوس وَدفن بماملا وَمَات فَقِيرا لم يتْرك من الدُّنْيَا سوى نَحْو عشرَة دَنَانِير وَكتبه عَفا الله عَنهُ ودرس بعده فِي المعظمية الشَّيْخ الْعَلامَة القَاضِي شمس الدّين أَبُو اللطف مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين خَلِيل الْحَنَفِيّ نِيَابَة بعد أَن كَانَت الْوَظِيفَة لَهُ اسْتِقْلَالا فَإِنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ حِصَّة مِنْهَا قدرهَا الخمسان تلقاها عَن وَالِده وباشرها مُدَّة فِي زمن الشَّيْخ تَاج الدّين الديري بمشاركته لَهُ فِيهَا وَنزل عَن الْحصَّة للْقَاضِي فَخر الدّين الخزرجي فَنزل عَنْهَا للشَّيْخ تَاج الدّين الديري فكملت الْوَظِيفَة ثمَّ تلقاها عَنهُ وَلَده قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين هبة الله ثمَّ نزل عَنْهَا للشَّيْخ رَضِي الدّين بن القَاضِي عماد الدّين بن الأحزم الْمُقِيم بِالْقَاهِرَةِ فاستناب قَاضِي الْقُضَاة خير الدّين بن عمرَان الْحَنَفِيّ إِلَى أَن توفّي ثمَّ استناب الشَّيْخ عبد السَّلَام بن الرضي الى ان توفّي ثمَّ استناب القَاضِي شمس الدّين خير الدّين وَالْأَمر مُسْتَمر على ذَلِك إِلَى يَوْمنَا هَذَا اللَّهُمَّ اختم بِخَير

الشَّيْخ الصَّالح الناسك العابد الخاشع الْقدْوَة شرف الدّين مُوسَى بن الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة جمال الدّين عبد الله بن الصَّامِت القادري الْحَنَفِيّ شيخ الشُّيُوخ القادرية بالقدس الشريف وَتقدم ذكر وَالِده وجده كَانَ الشَّيْخ مُوسَى من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَله عبَادَة وملازمة على ذكر الله تَعَالَى وَكَانَ مُقيما بِالْمَدْرَسَةِ الصبيبية شمَالي الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَيُقِيم فهيا الْأَوْقَات الْمَشْهُورَة بِالذكر خُصُوصا فِي ليَالِي الْجُمُعَة وَكَانَ يذكر الله تَعَالَى فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بصدر جَامع الْأَنْبِيَاء عقب صَلَاة كل جُمُعَة وَعَلِيهِ الانس وَالْوَقار وَكَانَ منجمعا عَن النَّاس لَا يخالط ابناء الدُّنْيَا وَلَا يتَرَدَّد اليهم وَهُوَ من ذُرِّيَّة قوم صالحين وَقد اضر فِي بَصَره وَضعف بدنه قبل وَفَاته بسنين وَمَعَ ذَلِك لَا يفتر عَن ذكر الله تَعَالَى وَلَا عَن مُلَازمَة الطَّاعَة على عَادَته وَالنَّاس سَالِمُونَ من يَده وَلسَانه وَالصَّلَاح ظَاهر عَلَيْهِ توفّي فِي لَيْلَة الْأَحَد وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد الظّهْر من يَوْم الْأَحَد سادس عشري صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَحمل تابوته على الرؤوس وَدفن بتربة الساهرة عِنْد أسلافه وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لجنازته لم ير مثله فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وشيعه شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وقضاة الشَّرْع وَالْعُلَمَاء وَالْخَاص وَالْعَام وَبلغ من الْعُمر نَحْو ثَلَاث وَسبعين سنة (ذكر فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء وطلبة الْعلم الشريف) الشَّيْخ الصَّالح عمر بن عبد الله بن عبد النَّبِي المغربي المصمودي الْمُجَرّد كَانَ رجلا صَالحا عمر الزاوية الْمَعْرُوفَة بزاوية المغاربة وَهِي بأعلا حارتهم وأنشأها من مَاله ووقفها على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فِي ثَالِث ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة وَتُوفِّي بالقدس الشريف وَدفن بماملا عِنْد حوش البسطامية من جِهَة الغرب وَقد وهم بعض المؤرخين فَظَنهُ الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وَاقِف الزاوية بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام لاشْتِرَاكهمَا فِي الِاسْم والشهرة والامر بِخِلَاف ذَلِك وَتَقَدَّمت

تَرْجَمَة ذَلِك فِي تراجم الشَّافِعِيَّة الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن حزب الله الْمَالِكِي كَانَ يسْتَحْلف فِي الثُّبُوت بِالشَّهَادَةِ على الْخط بالقدس الشريف وَرَأَيْت اسجاله فِي بعض المستندات مؤرخا فِي شهر صفر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة زين الدّين عبد الرحمان الكردبيسي المغربي الْمَالِكِي كَانَ من أَوْلِيَاء الله الصَّالِحين وَله كرامات ظَاهِرَة توفّي بالقدس الشريف وَدفن بماملا قبل الثَّمَانمِائَة وَمن كراماته ان بعض المعتقدين فِيهِ قصد بِنَاء قبَّة على قَبره فَأصْبح وَلم يجد الْقَبْر نفعنا الله بِهِ وَدفن الى جَانِبه جمَاعَة من شُيُوخ الدركاه أَوْلَاد الشَّيْخ سعيد الشَّيْخ مُوسَى المغربي الْمَالِكِي كَانَ رجلا صَالحا من ذَوي الكرامات وَهُوَ الَّذِي كَانَ سَببا لترتيب صَلَاة الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف توفّي بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَدفن عِنْد الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد بزاويته فِي حُدُود الثَّمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله الْهِلَالِي الانصاري الْمَالِكِي الْمَشْهُور بِابْن الشحاذة أول من ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة اسْتِقْلَالا بالقدس الشريف كَانَ من أهل الْعلم ويدرس بِالْمَدْرَسَةِ الْمَالِكِيَّة بالقدس وَكَانَ يسْتَحْلف فِي الثُّبُوت بِالشَّهَادَةِ على الْخط ثمَّ اشْتغل بِالْقضَاءِ وَلم اطلع لَهُ على تَرْجَمَة وَإِنَّمَا أَخْبرنِي قَدِيما بعض الأكابر الثِّقَات الْمُعْتَمد على نقلهم انه كَانَ يَتِيما فَقِيرا وان والدته كَانَت تسْأَل النَّاس فَكَانَت تذْهب الى بعض الْفُقَهَاء بالمكتب وَتقول لَهُ يَا وَلَدي اشْتغل بِالْقُرْآنِ وانا اقوم بكفايتك فِيمَا تحتاجه فَكَانَ يقْرَأ وَتذهب هِيَ تسْأَل النَّاس وَتَأْتِي لَهُ بِمَا يقوته فحفظ الْقُرْآن واشتغل بِالْعلمِ فِي مَذْهَب الامام مَالك رَضِي الله عَنهُ وانْتهى بِهِ الْحَال إِلَى أَن ولي الْقَضَاء بِبَيْت الْمُقَدّس فَكَانَ أول قُضَاة الْمَالِكِيَّة

وَقد وقفت على مُسْتَند ثَابت عَلَيْهِ واسجاله فِي ذَلِك الْمُسْتَند بِخَط نَفسه وَهُوَ مؤرخ فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَلَا شكّ انه كَانَ فِي ذَلِك التَّارِيخ مستخلفا وان استقلاله بِالْقضَاءِ كَانَ بعد الثَّمَانمِائَة واني وقفت على بعض اسجالاته نِيَابَة فِي سنة ثَمَانمِائَة ثمَّ رَأَيْت فِي اسجالاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة يذكر فِيهَا ان ولَايَته مُتَّصِلَة بالمواقف الشَّرْعِيَّة السُّلْطَانِيَّة الْمَالِكِيَّة الناصرية - يَعْنِي بِهِ فرج بن برقوق - ولعلها السّنة الَّتِي أشتغل فِيهَا بِالْقضَاءِ وَأَخْبرنِي شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف أَن جده لأمه القَاضِي شهَاب الدّين ابْن عوجان الْمَالِكِي ولي قَضَاء الْقُدس الشريف بعد وَفَاة القَاضِي جمال الدّين ابْن الحشاذة فِي سنة خمسين وَثَمَانمِائَة وان وَفَاته فِي تِلْكَ السّنة أَو الَّتِي قبلهَا وَالله أعلم الشَّيْخ الْعَالم الْمسند شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مغيث الأندلسي الْمَالِكِي مقرئ بَيت الْمُقَدّس سمع من العلائي وَجَمَاعَة سمع عَلَيْهِ شَيخنَا التَّقْوَى القرقشندي وَأَجَازَ لَهُ توفّي فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة وَهُوَ وَالِد الْأَخَوَيْنِ عَلَاء الدّين وشهاب الدّين إمامي الْمَالِكِيَّة بِبَيْت الْمُقَدّس قَاضِي الْقُضَاة فَخر الدّين عُثْمَان بن سراج الدّين عمر بن علم الدّين سلميان الْمُقْرِئ الجاناتي الْمَالِكِي بَاشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف فِي سنة خَمْسَة عشر وَثَمَانمِائَة ثمَّ ولي الْقَضَاء بعد ذَلِك اسْتِقْلَالا وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَانِي عشر وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابي الانفاق ابي بكر الزرعي الْمَالِكِي قَاضِي الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي شهر رَمَضَان سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الامام عبد الْوَاحِد بن جبارَة المغربي الأَصْل الْمَالِكِي إِمَام الْمَالِكِيَّة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف الشَّاعِر الأديب الْمُقْرِئ وَهُوَ سبط ابْن مغيث مقرئ بَيت الْمُقَدّس كَانَ الشَّيْخ شمس الدّين يقْرَأ بالسبع وَيعرف الْفَرَائِض معرفَة جَيِّدَة والحساب والنحو وَكَانَ يحترف بِالشَّهَادَةِ فِي أول عمره فَلَمَّا مَاتَ خَاله شهَاب الدّين

ابْن مغيث كَانَ قد نزل لَهُ عَن إِمَامَة الْمَالِكِيَّة وَعَن تصديره بِالْمَسْجِدِ وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَمن نظمه - وَقد بعث الى بلد الْخَلِيل يطْلب من ابْن نصف الدُّنْيَا سَاعَات رملية فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَكتب اليه وأجاد - إِذا كَانَت الدُّنْيَا جَمِيعًا بأسرها غَدَتْ سَاعَة لَا شكّ فِيهَا وَلَا مرا فَمن يطْلب السَّاعَات من نصفهَا يكن جهولا وَفِي هَذَا الفعال قد افترى الشَّيْخ الامام الْعَالم الصَّالح الزَّاهِد الْعَارِف الْمُقْرِئ عبد الله بن ابراهيم السكرِي المغربي الْمَالِكِي المجاور بالقدس الشريف كَانَ شيخ دَار القراآت السلامية يقرئ النَّاس بهَا انْتفع بِهِ خلق كثير وَكَانَ يستحضر من الْمُدَوَّنَة كثيرا وَيعرف القراآت وَغير ذَلِك وَلِلنَّاسِ فِيهِ إعتقاد ويحكى عَنهُ مكاشفات وَأُمُور عَجِيبَة لَا تحكى إِلَّا عَن كبار الْأَوْلِيَاء وأسن حَتَّى صَار يحمل فِي بِسَاط وَلَعَلَّه قَارب التسعين أَو جاوزها وَرَأى رجل من الصَّالِحين الْمَشْهُورين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول من قَرَأَ الْفَاتِحَة على الشَّيْخ عبد الله السكرِي دخل الْجنَّة فاشتهر ذَلِك وقصده النَّاس من الْبِلَاد وَمن لم يلْحقهُ توجه إِلَى قَبره وَقرأَهَا عَلَيْهِ وفضائله ومناقبه كَثِيرَة توفّي فِي ثَانِي جمادي الأولى سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا بِالْقربِ من حوش البسطامية من جِهَة الغرب الشَّيْخ الْقدْوَة خَليفَة بن مَسْعُود المغربي الجابري الْمَالِكِي من بني جَابر الْعَالم الصَّالح صَاحب الكرامات مولده فِي سنة تسع واربعين وَسَبْعمائة اشْتغل ببلاده وَقدم الى بَيت الْمُقَدّس على طَرِيق السياحة فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فحج الى بَيت الله الْحَرَام وَرجع وَظَهَرت لَهُ مكاشفات ثمَّ ولي مشيخة المغاربة بالقدس وإمامة الْمَالِكِيَّة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَحكى القَاضِي شهَاب الدّين بن عوجان الْمَالِكِي أَنه لما حج وزار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

رَآهُ فِي النّوم وَقَالَ لَهُ سلم على خفير ايليا اذا رجعت اليها فَقَالَ وَمن هُوَ يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ خَليفَة واشتهر أمره وَكَانَ أسود بصاصا توفّي فِي يَوْم السبت مستهل ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وقبره ظَاهر يزار نفعنا الله بِهِ قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة شهَاب الدّين ابو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ علم الدّين ابي الرّبيع سُلَيْمَان بن أَحْمد بن عمر بن عبد الرَّحْمَن الْعمريّ الْمَالِكِي الْمَشْهُور بِابْن عوجان مولده فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة اشْتغل بِالْعلمِ وَحصل وَفضل وتميز وَكَانَ من أهل الْعلم وَالدّين يُفْتِي ويدرس عَارِفًا بمذهبه وبصناعة الْقَضَاء ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس بعد القَاضِي جمال الدّين بن الشحاذة - الْمُتَقَدّم ذكره - فِي سنة خمس وَثَمَانمِائَة فَهُوَ ثَانِي مالكي حكم بالقدس وَوَقع لَهُ الْعَزْل وَالْولَايَة مَرَّات وكل مرّة تكون مُدَّة يسيرَة وطالت مدَّته وَحسنت سيرته فِي ولَايَته واثنى عَلَيْهِ أهل عصره وَكَانَت أَحْكَامه مرضية وأموره مسددة توفّي فِي شهر جمادي الأولى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَولده قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد مولده فِي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة ولي الْقَضَاء بعد وَالِده مُدَّة ثمَّ عزل وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَثَمَانمِائَة وَولي بعد عَزله قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين ابو الْحسن عَليّ بن الشَّيْخ غرس الدّين ابي البركات خَلِيل الطرابلسي الْمَالِكِي وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَبعدهَا الى سنة ارْبَعْ واربعين ثمَّ ولي بعده قَاضِي الْقُضَاة امين الدّين سَالم بن ابراهيم المغربي الصنهاجي الْمَالِكِي مولده - بالتخمين - بعد السّبْعين والسبعمائة اشْتغل فِي الْفِقْه بِبِلَاد الْمغرب وَقدم الى هَذِه الْبِلَاد عَالما فَاضلا وَوَقع فِي أسر الْكفَّار فِي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وناظر الاساقفة ببلادهم وافحمهم وَأقَام عِنْدهم مُدَّة ثمَّ أَنْجَاهُ الله

وَقدم الى دمشق وَولي قضاءها ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس وَكَانَت ولَايَته فِي سنة خمس واربعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ اعيد الى قَضَاء الشَّام فَسَار سيرة حَسَنَة بِحرْمَة وعفة ونزاهة وَكَانَ يحفظ الشِّفَاء غَائِبا توفّي فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي وَكَانَ من أهل الْعلم وولايته فِي سنة سِتّ واربعين وَثَمَانمِائَة واقام مُدَّة يسيرَة قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أَبُو الرّوح عِيسَى بن شمس الدّين مُحَمَّد المغربي الشحيني الْمَالِكِي الشَّيْخ الامام الْعَلامَة الْمُحَقق كَانَ من اكابر أهل الْعلم ولي قَضَاء بَيت الْمُقَدّس بعد الْبِسَاطِيّ وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سبع واربعين وباشر بعفة وشهامة وَلم يَلِي الْقَضَاء مثله فِي الْعِفَّة وَالتَّقوى وَالْعلم وَكَانَ لَهُ هَيْبَة زَائِدَة وَوَقع فِي الْقُلُوب وَكَانَ من قُضَاة الْعدْل وَالْعَالمِينَ العاملين لَا يحابي احدا فِي الحكم وَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَمِمَّا وَقع لَهُ ان نَائِب الْقُدس مبارك شاه حِين ولي النِّيَابَة وَدخل الْقُدس ركب الْقُضَاة للقائه على الْعَادة وألبس خلعة السُّلْطَان وَكَانَ قد أمسك جمَاعَة من الفلاحين فَلَمَّا وصل بهم الى بَاب الْخَلِيل قصد شنقهم أَو شنق وَاحِد مِنْهُم فَأمر بذلك فَتقدم اليه القَاضِي شرف الدّين عِيسَى الْمَالِكِي وَقَالَ لَهُ مَا الَّذِي تُرِيدُ تفعل بحضورنا؟ فَقَالَ لَهُ اشنق هَؤُلَاءِ قَالَ بِأَيّ طَرِيق؟ قَالَ لصوص قاتلون للنَّفس فَقَالَ لَهُ هَل ثَبت هَذَا عَلَيْهِم بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ؟ قَالَ النَّائِب نَحن لَا نحتاج الى ثُبُوت فَقَالَ لَهُ القَاضِي تقتل مُسلما عمدا بحضوري بِغَيْر حق هَذَا لَا سَبِيل اليه وَلَكِن تدخل الى الْمَدِينَة وَتنظر فِي أَمرهم فَإِن ثَبت عَلَيْهِم مَا يَقْتَضِي قَتلهمْ قتلناهم وَإِلَّا فَلَا سَبِيل الى قَتلهمْ فَشدد النَّائِب فِي أَمرهم وَقَالَ لَا بُد من قَتلهمْ فَقَالَ لَهُ القَاضِي وَالله لَو قَتلتهمْ بحضوري لَكُنْت اقتلك بيَدي واعلقك الى جانبهم كَمَا انت بخلعة السُّلْطَان فَلم يقدر النَّائِب على مرجعته لهيبته وَدخل الى الْمَدِينَة وَلم يسْتَطع قَتلهمْ

وَله مثل ذَلِك أَخْبَار كَثِيرَة عَفا الله عَنهُ وَاسْتمرّ على الْقَضَاء بالقدس الى ان توفّي فِي سنة أَربع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَمِمَّنْ ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف القَاضِي برهَان الدّين ابو اسحاق ابراهيم بن زين الدّين ابي الْمَعَالِي مَنْصُور التلمساني الْمَالِكِي وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَمِنْهُم السَّيِّد الشريف القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الصَّفَا ابراهيم ابْن أبي الوفا كَانَ على مَذْهَب الامام ابي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ ثمَّ انْتقل الى مَذْهَب الامام مَالك وَولي الْقَضَاء بالقدس الشريف وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ عزل وانتقل الى مذْهبه الأول وناب فِي الحكم بالديار المصرية عَن قَاضِي الْقُضَاة محب الدّين بن الشّحْنَة الْحَنَفِيّ مُدَّة ولَايَته ثمَّ بعد عزل ابْن الشّحْنَة من الْقَضَاء اسْتمرّ هُوَ معزولا من النِّيَابَة وَهُوَ حَيّ يرْزق الى يَوْمنَا هَذَا وَمِنْهُم القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن شَدَّاد الشَّافِعِي الْمَالِكِي كَانَ من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وباشر الحكم نِيَابَة عَن قَاضِي الْقُضَاة الشَّيْخ برهَان الدّين بن جمَاعَة الشَّافِعِي ثمَّ انْتقل الى مَذْهَب الامام مَالك وَولي الْقَضَاء بالقدس الشريف فِي حُدُود السّبْعين والثمانمائة أَو بعْدهَا بِيَسِير وَدخل الى الْقُدس الشريف فَلم يقم الا مُدَّة يسيرَة نَحْو شهر أَو دون ذَلِك فتعصب جمَاعَة من الْمَالِكِيَّة والمغاربة وَغَيرهم فِي أمره وشنعوا عَلَيْهِ وَأشيع عَزله فَتوجه الى الْقَاهِرَة واقام أَيَّامًا يسيرَة وَتُوفِّي بهَا وأظن ان وَفَاته فِي سنة احدى وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَالله أعلم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ المغربي الْمَالِكِي الْمَشْهُور بالفلاح وَكَانَ يكْتب لَهُ فِي تَرْجَمته المطغر - بطاء مُهْملَة ثمَّ غين مُعْجمَة مَفْتُوحَة - كَانَ ينْسب هَكَذَا واشتهر بالقدس الشّرف بالفلاح لِأَنَّهُ كَانَ أول قدومه يُقيم بالقرى ويلبس لِبَاس الفلاحين فَسُمي بالقلاح كَانَ من أهل الْعلم وباشر الحكم بالقدس الشريف نِيَابَة عَن القَاضِي شمس الدّين المغراوي وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة

وَمِمَّنْ بَاشر نِيَابَة الحكم بالقدس الشريف القَاضِي جمال الدّين يُوسُف المارديني وَلم أطلع لَهُ على تَرْجَمَة قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن زين الدّين ابي الْفرج عبد الرَّحْمَن التلمساني الْمَالِكِي الْمَشْهُور بالحريري ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف وَورد الْأَمر بولايته فِي مستهل ربيع الآخر سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وعزل فِي أَوَاخِر رَمَضَان مِنْهَا وإعيد القَاضِي شمس الدّين المغراوي قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد المغراوي الْمَالِكِي مولده فِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَكَانَ رجلا مُبَارَكًا يحفظ الْقُرْآن قدم من بِلَاده الى الرملة واقام بهَا ثمَّ ولي قضاءها مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس الشريف فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَوَقع لَهُ الْعَزْل فِي الْولَايَة مَرَّات وَتُوفِّي وَهُوَ بَاقٍ على الْقَضَاء فِي نصف شعْبَان سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة الْعدْل شهَاب الدّين أَحْمد بن محد بن الرباحي المغربي الأَصْل الْمَالِكِي كَانَ من الْعُدُول بالقدس الشريف وَمن طلبة الْعلم وَكَانَ يُؤذن بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَعِنْده مُرُوءَة زَائِدَة ومحبة لأَصْحَابه توجه الى الْحجاز الشريف فِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وجاور بِمَكَّة سنة خمس وَسبعين فَلَمَّا قضى مَنَاسِكه ووقف بجبل عَرَفَات وَدخل الى مَكَّة ثمَّ عَاد الى منى توفّي بهَا وَدفن عِنْد مَسْجِد الْخيف فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة ووالده هُوَ الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الرباحي من فضلاء المغاربة الْمَالِكِيَّة توفّي قبله بسنين بِبَيْت الْمُقَدّس وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّيْخ خَليفَة - الْمُتَقَدّم ذكره - قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين ابو الْحسن عَليّ بن ابراهيم البدرشي البحري الْمَالِكِي المضري الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة شَيخنَا كَانَ من أهل الْعلم وَله معرفَة تَامَّة بِالْعَرَبِيَّةِ وَعلم الْفَرَائِض والحساب والْحَدِيث الشريف النَّبَوِيّ وَكَانَ من جلساء القَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف وأخصائه وَمن جملَة قراء الحَدِيث

الشريف بقلعة الْجَبَل المنصورية بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يحترف بِالشَّهَادَةِ بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ بَاشر نِيَابَة الحكم بهَا وَدخل اليها فِي اوائل الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين فباشر بعفة ونزاهة وَحُرْمَة وشهامة وَنشر الْعلم وانتفع بِهِ الطّلبَة وعلت كَلمته وَبعد أمره لعفته وشهامته وَمَعَ ذَلِك كَانَ متواضعا لين الْجَانِب يحب الْعلم ونشره وَله مُصَنف فِي النَّحْو وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن حفظا جيدا وَيكثر من التِّلَاوَة وَقد قَرَأت عَلَيْهِ قِطْعَة من آخر كتاب الخرقى فِي فقه مَذْهَب الامام رَضِي الله عَنهُ قِرَاءَة بحث وَفهم ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ قِطْعَة من أول الْمقنع قِرَاءَة بحث وَفهم فَكَانَ يُقرر فِي الْعبارَة تقريرا حسنا لَعَلَّ كثيرا من اهل الْمَذْهَب لَا يقرره وقرأت عَلَيْهِ فِي النَّحْو ولازمت مُجَالَسَته وترددت اليه كثيرا وَحصل لي مِنْهُ غَايَة الْخَيْر والنفع وَلَكِن اخترمته الْمنية بِسُرْعَة قبل بُلُوغ المُرَاد مِنْهُ وَلما توفّي قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الديري الْحَنَفِيّ فِي حادي عشري ربيع الآخر حضر ضبط تركته ثمَّ مرض اياما وَتُوفِّي فِي صَبِيحَة يَوْم السبت ثَانِي جمادي الأولى سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة فَكَانَ بَين وَفَاته ووفاة القَاضِي جمال الدّين الديري عشرَة أَيَّام وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة وَكَانَت جنَازَته حافلة عَفا الله عَنهُ وعوضه الْجنَّة قَاضِي الْقُضَاة حميد الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن بدر الدّين ابي عبد الله الْحُسَيْنِي الْبكْرِيّ الْمَالِكِي الْقرشِي الخليلي الْمَشْهُور بِابْن المغربي كَانَ يحفظ الْقُرْآن ويتقنه بالروايات وَولي قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ أول من وليه من الْمَالِكِيَّة توفّي فِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وَثَمَانمِائَة ولي قَضَاء الْقُدس الشريف وأضيف اليه قَضَاء بلد الْخَلِيل ثمَّ عزل فِي أَوَاخِر سنة ارْبَعْ وَسبعين وَتوجه الى الْقَاهِرَة فولي قَضَاء طرابلس وَتوجه اليها وَتُوفِّي بهَا فِي شهرو سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن شمس الدّين مُحَمَّد الْهَاشِمِي الْمَالِكِي الكركي الأَصْل الْمَشْهُور بِابْن المزوار ولي قَضَاء الْقُدس فِي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ عزل وَولي قَضَاء الكرك وَقَضَاء غَزَّة

وَلما توفّي القَاضِي نور الدّين البدرشي ولي الْقَضَاء بعده بالقدس الشريف فِي مستهل شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَلم يدْخل الْقُدس إِلَّا فِي شهر صفر سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَاسْتمرّ الى جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ ثمَّ توجه الى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا وَهُوَ مُسْتَمر على الْولَايَة الى ان توفّي فِي يَوْم الاحد تَاسِع عشر جمادي الأولى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَصلي عَلَيْهِ بِجَامِع المارديني وَكَانَ عفيفا فِي مُبَاشَرَته لَا يتَنَاوَل غير معلومه الْمُرَتّب على وقف الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهُوَ فِي كل يَوْم عشرَة دَرَاهِم فضَّة السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الْمَالِكِي المغربي كَانَ من اهل الْفضل وبحفظ الْقُرْآن وَكتب على الْفَتْوَى قَلِيلا وباشر الحكم بالقدس الشريف نِيَابَة عَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الْعَيْنِيّ حِين كَانَ القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن المزوار بِالْقَاهِرَةِ - كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته - وَكَانَ رجلا مُبَارَكًا خيرا متواضعا توجه الى الْحجاز الشريف فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ ثمَّ توجه الى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فَتوفي بهَا فِي شهور سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الْعدْل شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد المصطاوي المغربي الْمَالِكِي كَانَ من أهل الْقُرْآن واحترف بِالشَّهَادَةِ دهرا طَويلا توفّي فِي اواخر سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الشَّيْخ الناسك شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الصَّالح الْقدْوَة خَليفَة ابْن مَسْعُود المغربي الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي الْمَالِكِي ولد بالقدس الشريف فِي لَيْلَة ثَانِي عشر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة وَحفظ الرسَالَة فِي فقه مَذْهَب الامام مَالك رَضِي الله عَنهُ وَلَقي جمَاعَة من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَأخذ الحَدِيث عَن جمَاعَة وَاسْتقر فِي إِمَامَة الْمَالِكِيَّة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ومشيخة القادرية بالقدس بعد وَفَاة وَالِده بَرَكَات وَكَانَ ذَا همة ومروءة وَعِنْده سخاء وَمَكَارِم اخلاق ثمَّ صرف عَن مشيخة المغاربة فِي سنة اثتين وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَفِي أَوَاخِر عمره اقبل على الْعِبَادَة وَترك النِّسَاء وتعزب من التَّارِيخ الْمَذْكُور

الى حِين وَفَاته وَكَانَت لَيْلَة الْخَامِس عشر من شهر جمادي الْآخِرَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَدفن عِنْد وَالِده بماملا وَولده الشَّيْخ الصَّالح شمس الدّين مُحَمَّد خَليفَة كَانَ عبدا صَالحا وَأهل بَيت الْمُقَدّس يعتقدونه وَرُوِيَ لَهُ كرامات توفّي فِي لَيْلَة الْخَمِيس وَصلي عَلَيْهِ بعد الظّهْر من يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَدفن بماملا عِنْد وَالِده وجده وَكَانَ لجنازته مشْهد عَظِيم شهده الْخَاص وَالْعَام الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن المغربي الأَصْل الخليلي ثمَّ الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي ثمَّ الْمَالِكِي الشهير بِابْن المغربي ولد سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة سمع الحَدِيث على جمَاعَة وَكَانَ حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى يكثر تِلَاوَته وجاور بالقدس الشريف مُدَّة ثمَّ تحول إِلَى مَذْهَب الامام مَالك وباشر إِمَامَة الْمَالِكِيَّة بالأقصى نِيَابَة وَحدث توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شهر ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فِي بيمارستان الْقُدس الشريف وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة شرف الدّين يحيى بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ المغربي الاندلسي الْمَالِكِي ولد سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَسمع ببلاده وَكَانَ من أهل الْعلم ماهرا فِي الْعَرَبيَّة اشْتغل بِالْعلمِ بالاندلس على قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين بن الْأَزْرَق الَّذِي ولي قَضَاء الْقُدس بعده وَقدم من بِلَاد الغرب وَأقَام بحلب وبالقدس ثمَّ دخل الْقَاهِرَة فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِي أول رَمَضَان فَحَضَرَ مجْلِس قَاضِي الْقُضَاة قطب الدّين الحصري الشَّافِعِي قَاضِي دمشق وَهُوَ بالجامع الْأَزْرَق وَتكلم فِي درسه فَظهر لَهُ فَضله فسعى لَهُ فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس فولاه السُّلْطَان فِي أَوَاخِر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ من غير بذل وَلَا كلفة ثمَّ حضر الى الْقُدس فِي صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَاسْتمرّ الى شهر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فورد كتاب القَاضِي زين الدّين بن مزهر

صَاحب ديوَان الانشاء بعزله فَتوجه من الْقُدس الشريف الى الْقَاهِرَة واقام بهَا اياما ثمَّ توجه الى الْحجاز الشريف وسافر الى بِلَاد جازان فَتوفي بهَا فِي شَوَّال سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت ولَايَته قَضَاء الْقُدس بعد شغوره عَن القَاضِي عَلَاء الدّين بن المزوار نَحْو سبع سِنِين فان القَاضِي عَلَاء الدّين توجه من الْقُدس فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ وَهُوَ بَاقٍ على الْولَايَة الى حِين وَفَاته فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَلم يسْتَخْلف احدا عَنهُ فِي الحكم ثمَّ استمرت الْوَظِيفَة على الشغور نَحْو ارْبَعْ سِنِين بعد وَفَاته الى ان اسْتَقر بهَا القَاضِي شرف الدّين فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم ذكره السَّيِّد الشريف شرف الدّين عِيسَى بن عمر الْحُسَيْنِي المغربي الشحيني الْمَالِكِي قدم من بِلَاده الى الْقُدس الشريف واقام بهَا مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن وَله مُشَاركَة فِي فقه الْمَالِكِيَّة ولي مشيخة المغاربة بالقدس الشريف فَحصل لَهُ ضعف فِي بدنه وَتوجه من الْقُدس الى جِهَة حلب فَتوفي فِي سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي فِي هَذِه السّنة القَاضِي تَقِيّ الدّين أَبُو بكر بن القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْعلم الْمَالِكِي الْمَشْهُور وَالِده بعرق وَتقدم ذكره مَعَ فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَكَانَ القَاضِي تَقِيّ الدّين اولا حَنَفِيّ الْمَذْهَب كأبيه ثمَّ انْتقل الى مَذْهَب الامام مَالك رَضِي الله عَنهُ وَولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالرملة فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَاسْتمرّ الى سنة خمس وَسبعين وَتوجه الى الْقَاهِرَة للسعي فِي قَضَاء الْقُدس فَلم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك فَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّة وَعَاد الى الْقُدس بعد وَفَاة وَالِده فِي شهور سنة ثَمَان وَسبعين وَكَانَ يحترف بِالشَّهَادَةِ ثمَّ اسْتَخْلَفَهُ القَاضِي شمس الدّين بن مارب الْعَزِيز فِي الحكم بالقدس حِين توجه الى وَطنه بغزة من اوائل شَوَّال سنة خمس وَتِسْعين الى ان قدم الى الْقُدس فِي مستهل ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وَلم يقدر لَهُ ولَايَة بعد ذَلِك توفّي

القَاضِي تَقِيّ الدّين بن الْعلم فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا وَأما مستخلفه القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن ابراهيم مارب الْعَزِيز الْمَالِكِي فَإِنَّهُ كَانَ على مَذْهَب الامام الشَّافِعِي وباشر نِيَابَة الحكم بغزة وَهُوَ شَافِعِيّ ثمَّ انْتقل الى مَذْهَب الامام مَالك وَولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بغزة فِي سنة احدى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فَأَقَامَ نَحْو سِتَّة أشهر ثمَّ عزل ثمَّ ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف فِي شهر شَوَّال سنة ثَلَاث وَتِسْعين بعد شغوره عَن القَاضِي شرف الدّين يحيى الْمغرب الاندلسي - الْمُتَقَدّم ذكره - وَكَانَ يتَرَدَّد الى الْقُدس وَيعود الى وَطنه بغزة ثمَّ عزل فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَتوجه الى مَدِينَة غَزَّة وَأقَام بهَا وَلم يقدر لَهُ ولَايَة الى حِين وَفَاته بِمَدِينَة غَزَّة فِي اواخر ذِي الْحجَّة سنة تِسْعمائَة وَسَنذكر قدومه الى الْقُدس وتردده الى غَزَّة فِيمَا بعد فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَاضِي الْقُضَاة الامام الْعَلامَة الْمُحَقق شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن الازرق المغربي الاندلسي الْمَالِكِي كَانَ من أهل الْعلم وَالصَّلَاح حسن الشكل منور الشيبة عَلَيْهِ الابهة وَالْوَقار وَكَانَ قَاضِيا بِمَدِينَة غرناطة بالاندلس فَلَمَّا استولى عَلَيْهَا الافرنج خرج مِنْهَا يستنفر مُلُوك الأَرْض فِي نجدة صَاحب غرناطة فَتوجه لملوك الْمغرب فَلم يحصل مِنْهُم نتيجة فَحَضَرَ الى السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباي نَصره الله تَعَالَى - وَكَانَ مشتغلا بِقِتَال سُلْطَان الرّوم ابي يزِيد بن عُثْمَان - فَتوجه الى مَكَّة المشرفة وجاور بهَا وزار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجع الى الْقَاهِرَة المحروسة فِي أول سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فَتكلم لَهُ فِي شَيْء يحصل مِنْهُ مَا يَسْتَعِين بِهِ على الْقُوت فولاه السُّلْطَان قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف فِي رَابِع رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مَازِن الْغَزِّي وَقدم الى الْقُدس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر شَوَّال سنة سِتّ وَتِسْعين واقام بِهِ نَحْو الشَّهْر وَهُوَ يتعاطى الْأَحْكَام بعفة ونزاهة من غير تنَاول شَيْء من النَّاس

ثمَّ حصل لَهُ توعك وَاسْتمرّ الى ان توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة بعد فرَاغ الصَّلَاة سَابِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَصلي عَلَيْهِ فِي يَوْمه بعد صَلَاة الْعَصْر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَدفن بماملا الى جَانب حوش البسطامي من جِهَة الْقرب فَكَانَت إِقَامَته بالقدس إِحْدَى وَسِتِّينَ وَيَوْما توفّي وَله خمس وَسِتُّونَ سنة عَفا الله عَنهُ وَهُوَ شيخ القَاضِي شرف الدّين يحيى الاندلسي - الْمُتَقَدّم ذكره - وَقد كَانَ من قُضَاة الْعدْل وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ على حسن خاتمته سرعَة وَفَاته قبل توغله فِي الْأَحْكَام ودخوله فِي الْأُمُور المشكلة فَإِنَّهُ بَاشر الحكم دون الشَّهْر بعفة وتقوى وسيرة محمودة ثمَّ لحق بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَالنَّاس راضون عَنهُ (ذكر فُقَهَاء الْحَنَابِلَة من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء وطلبة الْعلم الشريف) قد تقدم عِنْد ذكر الْفَتْح الصلاحي انه لما خطب القَاضِي محيي الدّين بن الزنكي اول جُمُعَة بعد الْفَتْح وقضيت الصَّلَاة انْتَشَر النَّاس وَكَانَ قد نصب سَرِير الْوَعْظ تجاه الْقبْلَة فَجَلَسَ عَلَيْهِ الشَّيْخ زين الدّين بن نجية وَعقد مَجْلِسا للوعظ وَهُوَ الشَّيْخ الامام الْفَقِيه الْوَاعِظ الْمُفَسّر زين الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن رَضِي الدّين ابي الطَّاهِر ابراهيم بن نجا بن غَانِم الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن منجة الْحَنْبَلِيّ نزيل مصر سبط الشَّيْخ ابي الْفرج الشِّيرَازِيّ الْحَنْبَلِيّ الَّذِي نشر مَذْهَب الامام احْمَد رَضِي الله عَنهُ بالقدس الشريف وَمَا حوله وَتقدم ذكره فِيمَن كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس قبل اسْتِيلَاء الافرنج عَلَيْهِ ولد الشَّيْخ شمس الدّين بن منجه بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَقيل عشر وَخَمْسمِائة وَكَانَ من اعيان اهل الْعلم وَله رَأْي صائب وَكَانَ الْملك صَلَاح الدّين يُسَمِّيه عَمْرو بن الْعَاصِ وَيعْمل بِرَأْيهِ ويكاتبه ويحضر مَجْلِسه وَله جاه عَظِيم وَحُرْمَة زَائِدَة حضر فتح بَيت الْمُقَدّس مَعَ الْملك صَلَاح الدّين وَجلسَ للوعظ عقب صَلَاة الْجُمُعَة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى - كَمَا تقدم - وَكَانَ مَجْلِسا حافلا حصل لَهُ الانس والبهجة

والخشوع وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان فِي سابعه وَقيل ثَانِيه سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن من الْغَد بسفح المقطم الْفَقِيه الْمُحدث تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله يُوسُف بن عبد الْمُنعم بن نعْمَة بن سُلْطَان بن سرُور بن رَافع بن حسن بن جَعْفَر الْمَقْدِسِي ثمَّ النابلسي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة تَقْرِيبًا بالقدس الشريف وَسمع بِدِمَشْق من جمَاعَة وتفقه وَولي الامامة بالجامع الغربي بنابلس وَحدث وَهُوَ ابْن عَم الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَكَانَ على طَريقَة حَسَنَة توفّي فِي عَاشر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بنابلس الشَّيْخ الْعَلامَة نجم الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن عبد الله الطوخي الصرصري ثمَّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ الْفَقِيه الأصولي المتفنن ولد سنة بضع وَسبعين وسِتمِائَة بقرية طوخى من أَعمال صَرْصَر ثمَّ دخل بَغْدَاد فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة فحفظ الْمُحَرر فِي الْفِقْه وبحثه على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الشِّيرَازِيّ وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة والتصريف والاصول والفرائض وشيئا من الْمنطق وجالس فضلاء بَغْدَاد فِي أَنْوَاع الْفُنُون وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وسافر الى دمشق سنة ارْبَعْ وَسَبْعمائة وَلَقي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية بن عفرَة ثمَّ سَافر الى مصر وجاور الْحَرَمَيْنِ الشريفين واقام بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة وَولي الاعادة بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية والمنصورية وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا بغية السَّائِل فِي امهات الْمسَائِل فِي أصُول الدّين وقصيدة فِي العقيدة الْكَبِيرَة وَشَرحهَا ومختصر الرَّوْضَة فِي اصول الْفِقْه وَشَرحه فِي ثَلَاث مجلدات ومختصر الْحَاصِل فِي اصول الْفِقْه وَالْقَوَاعِد الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِد الصُّغْرَى والاكسير فِي وقاعد التَّفْسِير والرياض النواضر فِي الْأَشْبَاه والنظائر وبغية الْوَاصِل الى معرفَة الفواصل ومصنف فِي الجدل وَآخر صَغِير وَدَرَأَ القَوْل الْقَبِيح فِي التحسين والتقبيح ومختصر الْمَحْصُول وَدفع التَّعَارُض عَمَّا يُوهم التَّنَاقُض فِي الْكتاب وَالسّنة ومعراج الْأُصُول الى علم الْأُصُول فِي أصُول الْفِقْه والرسالة

العلوية فِي الْقَوَاعِد الْعَرَبيَّة وعناية المجتاز فِي علم الْحَقِيقَة وَالْمجَاز والباهر فِي أَحْكَام الْبَاطِن وَالظَّاهِر يرد على الايجادية ومختصر الْعَالمين جزءين فِيهِ ان الْفَاتِحَة متضمنة لجَمِيع الْقُرْآن والذريعة الى معرفَة اسرار الشَّرِيعَة والرحيق المسلسل فِي الْأَدَب المسلسل وتحفة أصل الْأَدَب فِي معرفَة لِسَان الْعَرَب والانتصارات الاسلامية فِي دفع شبه النَّصْرَانِيَّة وتعاليق على الرَّد على جمَاعَة من النَّصَارَى وتعاليق على الاناجيل وتناقضها وَشرح نصف مُخْتَصر الخرقى فِي الْفِقْه ومقدمة فِي علم الْفَرَائِض ومختصر التبريزي وَشرح مقامات الحريري فِي مجلدا وموائد الحيس فِي شعر امْرِئ الْقَيْس وَشرح الاربعين للنواوي وَاخْتصرَ كثيرا من كتب الاصول وَمن كتب الحَدِيث ايضا وَلَكِن لم يكن لَهُ فِيهِ يَد فَفِي كَلَامه فِيهِ تخبيط كثير وَله نظم كثير رائق وقصائد فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقصيدة طَوِيلَة فِي مدح الامام احْمَد رَضِي الله عَنهُ أَولهَا أَلد من الصَّوْت الرخيم إِذا شدا وَأحسن من وَجه الحبيب إِذا بدا ثَنَاء على الحبر الْهمام ابْن حَنْبَل إِمَام التقى محيي الشَّرِيعَة أحمدا وسافر الى الصَّعِيد وَلَقي بهَا جمَاعَة وَيُقَال ان لَهُ بقوص خزانَة كتب من تصانيفه فَإِنَّهُ أَقَامَ بهَا مُدَّة وَقد حصل لَهُ محنة فِي آخر عمره وَحج الى بَيت الله الْحَرَام فِي أَوَاخِر سنة أَربع عشرَة وَجَاوَزَ سنة خمس عشرَة ثمَّ حج وَنزل الى الشَّام الى الأَرْض المقدسة واقام بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتُوفِّي بهَا فِي شهر رَجَب سنة عشر وَسَبْعمائة عَفا الله عَنهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن عبد الْوَلِيّ بن جبارَة الْمَقْدِسِي الْمقري الْحَنْبَلِيّ الْفَقِيه الأصولي النَّحْوِيّ ولد سنة سبع أَو ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وارتجل الى مصر فَقَرَأَ بهَا القراآت وَالْأُصُول والعربية وبرع فِي ذَلِك وتفقه فِي الْمَذْهَب

ثمَّ استوطن بَيت الْمُقَدّس فتصدر لإقراء الْقُرْآن والعربية وصنف شرحا يَسِيرا للشاطبية وشرحا آخر للرائية فِي الرَّسْم وشرحا لألفية بن معطي وصنف تَفْسِيرا وَأَشْيَاء فِي الْقرَاءَات وَكَانَ صَالحا متعففا خشن الْعَيْش جم الْفَضَائِل ماهرا متفنا مقرئا بارعا فَقِيها نحويا نَشأ فِي صَلَاح وَدين وزهد وانتهت اليه مشيخة بَيت الْمُقَدّس وَحج وجاور بِمَكَّة وَكَانَ يعد من الْعلمَاء الصَّالِحين الأخيار توفّي بالقدس الشريف فَجْأَة سحر يَوْم الْأَحَد رَابِع رَجَب سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن فِي الْيَوْم الْمَذْكُور بماملا وَصلي عَلَيْهِ بِجَامِع دمشق صَلَاة الْغَائِب فِي سادس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور الشَّيْخ الامام سراج الدّين عمر بن الشَّيْخ نجم الدّين عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن القباقبي الْحَنْبَلِيّ سمع الحَدِيث وَكَانَ مَشْهُورا بالصلاح كريم النَّفس كَبِير الْقدر جَامعا بَين الْعلم وَالْعَمَل اشْتغل وانتفع بالشيخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية وَلم ير على طَرِيقه فِي الصّلاح مثله وَخرج لَهُ الْحُسَيْنِي شَيْخه وَحدث بهَا توفّي بالقدس الشريف فِي سنة خمس وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الشَّيْخ الْمُحدث المتقن الضَّابِط شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن احْمَد بن مُحَمَّد بن المندس الْمدرس الْحَنْبَلِيّ مولده فِي سنة ارْبَعْ واربعين وَسَبْعمائة رَحل وَكتب وَسمع على الْحَافِظ وروى عَنهُ جمَاعَة من الْأَعْيَان مِنْهُم قَاضِي الْقُضَاة سعد الدّين الديري الْحَنَفِيّ توفّي بالقدس الشريف فِي شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَقيل ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربته بِبَاب القطانين عَن يَمِين الْخَارِج من بَاب الخوخة وَلم تبع تركته إِلَّا فِي سنة تسع بَاعهَا وَصِيّه شمس الدّين بن حسان وَكَانَ فِي عصر الشَّيْخ شهَاب الدّين بن المهندس جمَاعَة من الْحَنَابِلَة بالقدس الشريف وهم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن شيخ الوجيهية وَولده الشَّيْخ اسماعيل وَالشَّيْخ ابو عبد الله المرداوي وَالشَّيْخ عَليّ بن عبد الله بن ابي الْقَاسِم المرداوي وشمس الدّين مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ وَالشَّيْخ خير الدّين الراس عَيْني وَالشَّيْخ عَليّ الهيئتي وَالشَّيْخ

مُحَمَّد بن المهندس وَلم أطلع على تَرْجَمَة أحد مِنْهُم وَلَا تَارِيخ وَفَاته وَلَكِن وَقعت على ورقة ضبط اسماء الْحَنَابِلَة بالقدس الشريف ذكر فِيهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين وَهَؤُلَاء الْجَمَاعَة وزين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ سراج الدّين القياتي - الْآتِي ذكره - وان قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين الْعَسْقَلَانِي الْحَنْبَلِيّ قَاضِي دمشق عين لَهُم مَعْلُوما يصرف لَهُم من وقف المرحوم شمس الدّين مُحَمَّد بن معمر رَحمَه الله تَعَالَى بِشَرْط مُلَازمَة الِاشْتِغَال والاجتماع فِي الْأَيَّام الْمُعْتَادَة للدرس بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف عمره الله بِذكرِهِ تَارِيخ الورقة الْمَذْكُورَة فِي الْعشْر الْأَوْسَط من شهر رَمَضَان الْمُعظم قدره سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن الشَّيْخ الامام الْعَالم شهَاب الدّين ابي الْعَبَّاس احْمَد بن الشَّيْخ الامام الأوحد فَخر الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان الْحَنْبَلِيّ بَاشر الحكم بالقدس الشريف فِي سنة تسع وَثَمَانمِائَة وَالظَّاهِر انه كَانَ نَائِبا عَن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين الْبَغْدَادِيّ قَاضِي الأقاليم - الْآتِي ذكره - وَبَقِي الى بعد الْعشْر والثمانمائة وَلم أطلع على تَارِيخ وَفَاته الشَّيْخ الْمسند المعمر زين الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن الشَّيْخ نجم الدّين عبد الرَّحْمَن بن حُسَيْن بن عبد المحسن القياتي ثمَّ الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ ولد فِي لَيْلَة يسفر صباحها عَن ثَالِث عشري شعْبَان سنة تسع واربعين وَسَبْعمائة وَكَانَ من الْفُقَهَاء المعتبرين روى عَن خلق كثير من أَئِمَّة الحَدِيث ورورى عَنهُ خلق وَخرج لَهُ الْحَافِظ شيخ الاسلام قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين بن حجر اسماء شُيُوخه واضاف الى ذَلِك بَيَان مرويات الشُّيُوخ الَّذين اجازوا للمسندة المعمرة الاصلية فَاطِمَة بنت الشَّيْخ صَلَاح الدّين بن ابي الْفَتْح وَهِي بنت أخي قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله بن احْمَد الْحَنْبَلِيّ لكَونهَا شاركته فِي الْكثير مِنْهُم فِي استدعاء مؤرخ بِشَهْر ربيع الأول سنة ارْبَعْ وَخمسين وَسَبْعمائة ولخص فِي ذَلِك مصنفا لطيفا سَمَّاهُ المشيخة السامية للقياتي وَفَاطِمَة

وَكَانَ الشَّيْخ زين الدّين مُحدثا بالقدس وَكَانَ شيخ الْمدرسَة الفارسية الْمُجَاورَة للملكية شمَالي الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَقد أجَاز لشيخ الاسلام كَمَال الدّين ابْن ابي شرِيف الشَّافِعِي متع الله بِوُجُودِهِ الْأَنَام وَتُوفِّي الشَّيْخ زين الدّين فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع ربيع الآخر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس الشريف وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة الى جَانب وَالِده وعتيقه بِلَال كَانَ روى الحَدِيث وَأخذ عَنهُ جمَاعَة توفّي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع جمادي الْآخِرَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن عِنْده سَيّده بِبَاب الرَّحْمَة تَحت العامود الْخَارِج من سور الْمَسْجِد الْأَقْصَى الملاصق للأروقة بسوق الْمعرفَة قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة عز الدّين أَبُو البركات عبد الْعَزِيز بن الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة عَلَاء الدّين أبي الْحسن عَليّ بن الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن عبد الْمَحْمُود الْبَغْدَادِيّ الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي منشأ الْبكْرِيّ الْحَنْبَلِيّ الشَّيْخ الْعَالم الْمُفَسّر قَاضِي الأقاليم مولده بِبَغْدَاد فِي سنة سبعين وَسَبْعمائة واشتغل بهَا ثمَّ قدم الى دمشق وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن اللحام شيخ الْحَنَابِلَة فِي وقته وَعرض عَلَيْهِ الخرقى واعتنى بالوعظ وَكَانَ يستحضر كثيرا من تَفْسِير الْبَغَوِيّ واعتنى بِعلم الحَدِيث وَله مُشَاركَة فِي الْفِقْه وَالْأُصُول اشْتغل ودرس وَكتب على الْفَتَاوَى يَسِيرا وَله مصنفات مِنْهَا مُخْتَصر الْمُغنِي وَشرح الشاطبية وصنف فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان وَجمع كتابا سَمَّاهُ الْقَمَر الْمُنِير فِي أَحَادِيث البشير النذير ولي قَضَاء بَيت الْمُقَدّس بعد فتْنَة تيمورلنك سنة ارْبَعْ وَثَمَانمِائَة وَلم يعلم ان حنبليا قبله ولي الْقُدس وطالت مدَّته وَاسْتمرّ مُدَّة تبلغ عشْرين سنة ثمَّ ولي قَضَاء دمشق فِي صفر سنة ثَلَاث وَعشْرين مُدَّة يسيرَة ثمَّ صرف عَنْهَا فولي تدريس المؤيدية بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ ولي قَضَاء الديار المصرية بعد عزل قَاضِي الْقُضَاة محب الدّين ابْن نصر الله وَكَانَت ولَايَته فِي ثَالِث عشر جمادي الْآخِرَة سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة ثمَّ عزل بِالْقَاضِي محب الدّين بن نصر الله فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر صفر سنة ثَلَاثِينَ

ثمَّ ولي قَضَاء دمشق فِي دفعات يكون مجموعها ثَمَانِي وَسِتِّينَ وَالسَّبَب فِي تَسْمِيَته بِالْقَاضِي انه ولي قَضَاء بَغْدَاد وَالْعراق ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس ومصر وَالشَّام وَكَانَ فَقِيها دينا متقشفا عديم التَّكَلُّف فِي ملبسه ومركبه وَله معرفَة تَامَّة وَلما ولي الْقَضَاء بالديار المصرية صَار يمشي لِحَاجَتِهِ فِي الاسواق ويردف عَبده على بغلته وشيئا من هَذَا النسق وَكَانَت جَمِيع ولَايَته من غير سعي توفّي فِي لَيْلَة الْأَحَد مستهل ذِي الْقعدَة سنة سِتّ واربعين وَثَمَانمِائَة بِدِمَشْق وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد بالجامع الْأمَوِي وَحضر جنَازَته الْقُضَاة وَبَعض أَرْكَان الدولة وَدفن عِنْد قبر وَالِده بمقابر بَاب كيسَان إِلَى جَانب الطَّرِيق الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الشحام الْحَنْبَلِيّ الْمُؤَذّن بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق مولده فِي خَامِس عشري الْمحرم سنة احدى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة سمع من جمَاعَة وروى عَنهُ جمَاعَة من الْأَعْيَان توفّي بالقدس الشريف فِي نَهَار الثُّلَاثَاء تَاسِع جمادي الْآخِرَة سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو عبيد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ زين الدّين ابي هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ شمس الدّين ابي عبد الله محمدالعمري العليمي الْحَنْبَلِيّ الْخَطِيب الْفَقِيه الْمُحدث ولد فِي سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة بالرملة وَنَشَأ بهَا ثمَّ توجه الى مَدِينَة صفد فَأَقَامَ بهَا وَقَرَأَ الْقُرْآن وَحفظه بِرِوَايَة عَاصِم واتقنها وأجيز بهَا من مَشَايِخ الْقِرَاءَة ثمَّ عَاد الى الرملة واشتغل بِالْعلمِ فِي مَذْهَب الامام احْمَد رَضِي الله عَنهُ وَحفظ مُخْتَصر الخرقى وكل أسلافه شافعية لم يكن فيهم من هُوَ على مَذْهَب احْمَد سواهُ ولأسلافه مآثر وصدقات وَكَانَ يحترف بِالشَّهَادَةِ ثمَّ بَاشر الحكم بالرملة على قَاعِدَة مذْهبه نِيَابَة عَن الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة ثمَّ اجْتهد فِي تَحْصِيل الْعلم وسافر الى الشَّام ومصر وَبَيت الْمُقَدّس وَأخذ عَن عُلَمَاء الْمَذْهَب وأئمة الحَدِيث وَفضل فِي فنون من الْعلم وتفقه بالشيخ شهَاب الدّين بن يُوسُف المرداوي وبرع فِي الْمَذْهَب وافتى وناظر وَقَرَأَ البُخَارِيّ

والشفاء مرَارًا وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير من نسخ البُخَارِيّ كِتَابَة جَيِّدَة مضبوطة قَائِمَة الْأَعْرَاب وَكَانَ بارعا فِي الْعَرَبيَّة وَكَانَ خَطِيبًا بليغا وصنف فِي الْخطب ولي قَضَاء الرملة اسْتِقْلَالا فِي سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة وَلم يعلم ان حنبليا قبله وَليهَا ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس الشريف فِي أَوَاخِر دولة الْملك الْأَشْرَف برسباي فِي شهر رَمَضَان سنة احدى واربعين وَثَمَانمِائَة بعد شغوره تحو تسع عشرَة سنة عَن شَيْخه قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين الْبَغْدَادِيّ - الْمُتَقَدّم ذكره - فَهُوَ ثَانِي حنبلي حكم بالقدس ثمَّ لما توفّي الْأَشْرَف عزل عَن قَضَاء الْقُدس وَولي قَضَاء الرملة ثمَّ اعيد الى قَضَاء الْقُدس فِي دولة الْملك الظَّاهِر جقمق فِي أحد الجمادين سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة واقام بِهِ عشْرين سنة مُتَوَالِيَة وأضيف اليه قَضَاء الرملة ثمَّ أضيف اليه قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَهُوَ أول حنبلي ولي بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وباشر الحكم نِيَابَة بِدِمَشْق المحروسة وَولي قَضَاء صفد مُضَافا الى قَضَاء الرملة فِي دولة الْملك الْأَشْرَف اينال وَامْتنع من مباشرتها وَاخْتَارَ الاقامة بِبَيْت الْمُقَدّس وَكَانَ خيرا متواضعا حسن الشكل مُتبعا للسّنة كثير التَّعْظِيم للأئمة الاربعة لَيْسَ عِنْده تعصب وَكَانَ سخيا مَعَ قلَّة مَاله مكرما لمن يرد عَلَيْهِ لَا يحب الْفَخر وَلَا الْخُيَلَاء وَيدخل الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف فِي أَوْقَات الصَّلَاة بمفرده مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الهيبة وَالْوَقار وَله معرفَة تَامَّة بالمصطلح فِي الاحكام وَكِتَابَة المستندات وباشر الْقَضَاء بالاعمال الْمَذْكُورَة وافتى نَحْو أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَت احكامه مرضية وأموره مسددة وَمَات وَهُوَ بَاقٍ على ابهته ووقاره لم يمْتَحن وَلم يهن وَمن أعظم محاسنه الَّتِي ذكرت لَهُ فِي الدُّنْيَا ويرجى لَهُ بهَا الْخَيْر فِي الْآخِرَة أَن بالقدس الشريف كَنِيسَة النَّصَارَى مجاورة لكنيسة قمامة بلصق الصومعة من جِهَة الْقبْلَة وبناؤها مُحكم وَلها قبَّة عالية الْبناء وَكَانَ النَّصَارَى يَجْتَمعُونَ فِيهَا

يقرؤن كِتَابهمْ ويرفعون اصواتهم حَتَّى كَانَ فِي بعض الْأَوْقَات يسمع ضجيجهم من قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فينزعج المسملون من ذَلِك فَقدر الله تَعَالَى حُصُول زَلْزَلَة وَقعت فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس الْمحرم سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة فهدمت قبَّة الْكَنِيسَة الْمَذْكُورَة فَتوجه النَّصَارَى لنائب السلطنة وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ بالقدس الشريف ودفعوا لَهما مَالا فَأذن لَهُم القَاضِي الْحَنَفِيّ فِي إِعَادَتهَا بِالْبِنَاءِ الْقَدِيم فَحصل للْقَاضِي شمس الدّين العليمي الْحَنْبَلِيّ غَايَة الانزعاج وَاشْتَدَّ غَضَبه لذَلِك حضر اليه النَّصَارَى واحضروا لَهُ مَالا على أَن لَا يعارضهم فزجرهم زجرا بليغا ثمَّ بَارِد بِالْكِتَابَةِ للْملك الاشرف اينال ورتب قصَّة أنهى فِيهَا مَا كَانَ يَقع من النَّصَارَى بالكنيسة الْمَذْكُورَة وَأَن الله تَعَالَى قد غَار لدينِهِ وهدمها بالزلزلة وَسَأَلَ فِي بروز مرسوم شرِيف بِأَن ينظر فِي ذَلِك على مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَب إِمَامه المبجل أَحْمد بن حَنْبَل فبرزله الْأَمر بذلك فَحَضَرَ قاصده الى الْقُدس الشريف وَقد شرع النَّصَارَى فِي الْبناء حَتَّى كَادَت الْعِمَارَة تَنْتَهِي كَمَا كَانَت عَلَيْهِ اولا فَاجْتمع الْخَاص وَالْعَام ونائب السلطنة وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ - الْآذِن فِي الْبناء - وَبَقِيَّة الْقُضَاة وصدرت الدَّعْوَى من الشَّيْخ تَاج الدّين ابي الوفا بن ابي الوفا - الْمُتَقَدّم ذكره - عِنْد ذكر القَاضِي شمس الدّين العليمي وَسَأَلَهُ الحكم بِمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع الشريف فَحكم بِعَدَمِ اعادة الْكَنِيسَة الْمَذْكُورَة وبهدم الْبناء الْجَدِيد فهدم فِي الْحَال الْبناء الْجَدِيد وَبَعض الْقَدِيم وَلم يزل الْعَوام يهدمون حَتَّى نَهَاهُم القَاضِي واستمرت مهدومة الى يَوْمنَا هَذَا وَقد نقلت هَذِه الْحَادِثَة عَن الشَّيْخ ابي الوفا - الْمشَار اليه - من لَفظه وَمِنْهَا انه كَانَ النَّصَارَى بِبَيْت لحم احدثوا بِنَاء فِي الْكَنِيسَة وَورد مرسوم شرِيف بِالنّظرِ فِي ذَلِك فَتوجه نَائِب السلطنة وَشَيخ الصلاحية والقضاة والمشايخ والصوفية الى بَيت لحم وَسُئِلَ الْحَاكِم بِمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع الشريف فَحكم بهدم مَا استجد من الْبناء وَلم يخف فِي الله لومة لائم وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري صفر سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ توجه جمَاعَة من الْفُقَرَاء والنائب وَهدم الْبناء فِي يَوْم

الْأَحَد رَابِع ربيع الأول وَكَانَ يَوْمًا كثير الْمَطَر ثمَّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر جمادي الأولى توجه القَاضِي شمس الدّين الى كَنِيسَة قمامة وَهدم الدرابزين الْخشب المستجد بهَا وَنقل اخشابه الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف بِالتَّكْبِيرِ والتهليل وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَمِنْهَا ان نَصْرَانِيّا من طَائِفَة الْحَبَش وَقع فِي حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع اليه أمره واعترف عِنْده بِمَا صدر مِنْهُ فخوفه بعض النَّاس وَقَالَ لَهُ ان هَذِه الطَّائِفَة للدولة بهَا اعتناء ونخشى عَاقِبَة هَذَا من جِهَة السُّلْطَان فَلم يلْتَفت لذَلِك وَحكم بسفك دَمه وَضرب عُنُقه ثمَّ اخذه الْعَوام واحرقوه فِي صحن كَنِيسَة قمامة وَمِنْهَا انه كَانَ يُبَادر الى اطفال من يَمُوت من أهل الذِّمَّة وَيحكم باسلامهم على قَاعِدَة الْمَذْهَب فعارضه قَاض شَافِعِيّ بالقدس وَحكم لجَماعَة من أَوْلَاد الذِّمَّة ببقائهم على دينهم وتعارض الحكمان وَرفع الْأَمر للْملك الظَّاهِر جقمق وَاجْتمعَ بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية للنَّظَر فِي ذَلِك وَاتفقَ عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر على صِحَة الحكم بالاسلام وانه هُوَ الْمَعْمُول بِهِ وان مَا حكم بِهِ الشَّافِعِي غير صَحِيح وَطلب الْحَاكِم الشَّافِعِي للديار المصرية ورتب عَلَيْهِ التَّعْزِير وَمنع من الحكم بالقدس الشريف منعا مُؤَبَّدًا وَشرع أهل الذِّمَّة فِي الانتماء الى من لَهُ شَوْكَة من أَرْكَان الدولة لينقذهم من الحكم باسلام من مَاتَ من اولادهم فَلم يلْتَفت الى ذَلِك وَلم يزل مصمما على الحكم بذلك كلما رفع اليه الى ان لحق بِاللَّه تَعَالَى وَاسْتمرّ بالقدس الى ان عزل عَن الْقَضَاء فِي شهر جمادي الأولى سنة ثَلَاث وَسبعين وَورد عَلَيْهِ توقيع السُّلْطَان بِقَضَاء الرملة فَتوجه اليها فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس رَمَضَان واقام بهَا تِسْعَة وَخمسين يَوْمًا وَتُوفِّي بالطاعون بعد أَذَان الظّهْر من يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة بِالدَّار الكائنة بداخل مَسْجِد شَيْخه الْعَلامَة شهَاب الدّين بن أرسلان رَضِي الله عَنهُ بحارة الباشقردي وَصلي عَلَيْهِ من يَوْمه بعد الْعَصْر بِجَامِع السُّوق وَدفن على بَاب الْجَامِع الْأَبْيَض

ظَاهر مَدِينَة الرملة من جِهَة الغرب الى جَانب الحوش الملاصق لحائط الْجَامِع بِهِ قُبُور الْجَمَاعَة من الصَّالِحين وَيُقَال ان الحوش قبر الامام الْحَافِظ احْمَد النَّسَائِيّ صَاحب السّنَن فِي الحَدِيث وَكَانَت جنَازَته حافلة وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى صَلَاة الْغَائِب فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع ذِي الْقعدَة وَكثر التأسف عَلَيْهِ وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق ان القَاضِي شمس الدّين العليمي الْحَنْبَلِيّ وَالْقَاضِي شمس الدّين المغراوي الْمَالِكِي - الْمُتَقَدّم ذكرهمَا - مولدهما فِي سنة وَاحِدَة وَهِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَكَانَا قاضيين بِمَدِينَة الرملة ثمَّ صَارا قاضيين بالقدس الشريف وكل مِنْهُمَا ولي قضا صفد وتوفيا فِي سنة وَاحِدَة وَهِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَلما توفّي المغراوي فِي نصف شعْبَان أخبر القَاضِي شمس الدّين العليمي ان القَاضِي الْمَالِكِي قد توفّي وَصلي عَلَيْهِ وَحمل الى ماملا فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله النَّاس الْيَوْم يَقُولُونَ توفّي القَاضِي الْمَالِكِي وَعَن قريب يَقُولُونَ توفّي الْحَنْبَلِيّ فَمَا مضى على ذَلِك إِلَّا دون عشرَة ايام وَورد عَلَيْهِ توقيع بِقَضَاء الرملة فَتوجه اليها فِي خَامِس رَمَضَان وَتُوفِّي رَابِع ذِي الْقعدَة بعد المغراوي بِنَحْوِ ثَمَانِينَ يَوْمًا رَحمَه الله وَعَفا عَنهُ وعوضه الْجنَّة والعمري نِسْبَة الى سيدنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ والعليمي نِسْبَة الى سيدنَا ولي الله تَعَالَى عَليّ بن عليل الْمَشْهُور عِنْد النَّاس بعلي بن عليم وَالصَّحِيح انه عليل - بِاللَّامِ - كَذَا فِي نِسْبَة الثَّابِت (سلسلة النّسَب الْعمريّ) فلنذكر سلسلة النّسَب فِي هَذِه التَّرْجَمَة تبركا بهَا فَأَقُول هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عِيسَى بن تَقِيّ الدّين عبد الْوَاحِد ابْن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن عبيد المجير بن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عبد السَّلَام بن ابراهيم

ابْن ابي الْفَيَّاض بن الشَّيْخ الرباني الْقدْوَة الْعَارِف أبي الْحسن عَليّ المدفون بشاطيء الْبَحْر المالح بساحل أرسوف صَاحب المناقب الْمَشْهُورَة والكرامات الظَّاهِرَة قدس الله روحه وَنور ضريحه ابْن الشَّيْخ عليل بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن ابْن السَّيِّد الْجَلِيل الزَّاهِد العابد الصوام القوام الصَّحَابِيّ عبد الله رَضِي الله عَنهُ ابْن مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب الْعَدوي الْقرشِي رَضِي الله عَنهُ وَعَن سَائِر أَصْحَاب رَسُول الله أَجْمَعِينَ وَهَذَا النّسَب ثَابت لهَذَا القَاضِي شمس الدّين الْمشَار اليه الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف مَحْكُوم بِهِ لَدَى قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين قَاضِي الْجَبَل ابْن قدامَة الْحَنْبَلِيّ بِالشَّام المحروس فِي شهور سنة سبعين وَسَبْعمائة رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ الشَّيْخ عمر بن اسماعيل الْحَنْبَلِيّ مؤدب الْأَطْفَال كَانَ رجلا صَالحا يحفظ الْقُرْآن ويؤدب الاطفال بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِالْمَكَانِ المجاور لجامع المغاربة من جِهَة الْقبْلَة وَالنَّاس سَالِمُونَ من يَده وَلسَانه توفّي فِي شهر رَجَب سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بالقدس قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين ابي حَاتِم عبد الْقَادِر بن شيخ الاسلام شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد الْجَعْفَرِي النابلسي الْحَنْبَلِيّ ولد فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَقيل احدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة بنابلس وَنَشَأ على طَريقَة حَسَنَة وَهُوَ من بَيت علم ورياسة سمع من جده وَابْن العلائي وَجَمَاعَة واشتغل بِالْعلمِ ودأب وَحصل وباشر الْقَضَاء بنابلس نِيَابَة ثمَّ وَليهَا اسْتِقْلَالا بعد الْأَرْبَعين والثمانمائة ثمَّ اضيف اليه قَضَاء الْقُدس الشريف بعد عزل القَاضِي شمس الدّين العليمي قبل الْخمسين والثمانمائة ثمَّ عزل من الْقُدس وَاسْتمرّ بنابلس ثمَّ بَاشر قَضَاء الْقُدس مرَّتَيْنِ عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين العليمي الاولى فِي شهور سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَالثَّانيَِة فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وكل مرّة يُقيم مُدَّة يسيرَة ثمَّ يُعَاد الى قَضَاء نابلس وَولي قَضَاء الرملة ونيابة الحكم بالديار المصرية

وَكَانَ حسن السِّيرَة عفيفا فِي مُبَاشرَة الْقَضَاء مهيبا عندالناس وَكَانَ حسن الشكل منور الشيبة عَلَيْهِ الابهة وَالْوَقار ونورانية الْعلم وَالتَّقوى وَعمر ورزق الْأَوْلَاد وَالْحق الاحفاد بالاجداد ومتع بدنياه ثمَّ عزل عَن قَضَاء نابلس فِي أَوَاخِر عمره فَلم يلْتَفت اليه بعد ذَلِك وَاسْتمرّ الى أَن توفّي بنابلس فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شهر رَمَضَان سنة احدى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَله نَحْو تسعين سنة وَكَانَ لَهُ عدَّة أَوْلَاد أمثلهم قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد ولد سنة نَيف وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة دأب وَحصل وسافر الى الْبِلَاد واشتغل بِالْعلمِ واخذ عَن الْمَشَايِخ وَفضل وبرع فِي الْمَذْهَب وَأذن لَهُ الشَّيْخ عَلَاء الدّين المرداوي عَالم الْحَنَابِلَة فِي وقته ومصحح مَذْهَب الامام احْمَد ومنقحه بالافتاء والتدريس فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ اذن لَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن قندس أَيْضا فتميز وَصَارَ من ايعان الْحَنَابِلَة وافتى وناظر وَكَانَ عِنْده معرفَة بطرق الْأَحْكَام وباشر الْقَضَاء نِيَابَة عَن وَالِده بنابلس ثمَّ بَاشر نِيَابَة الحكم بالديار المصرية عَن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين الْكِنَانِي ثمَّ ولي قضا الْقُدس والرملة فِي شهر جمادي الأولى سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين العليمي - الْمُتَقَدّم ذكره - ثمَّ اضيف اليه بعد وَفَاته قَضَاء الرملة ثمَّ قَضَاء نابلس وعزل عَن الْقَضَاء فِي شهر شعْبَان سنة ثَمَان وَسبعين وَاسْتمرّ سنة كَامِلَة واعيد فِي سنة تسع وَسبعين ثمَّ عزل فِي جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتوجه الى دمشق فَأَقَامَ بهَا نَحْو ثَلَاث سِنِين ثمَّ توجه الى ثغر دمياط وباشر بِهِ نِيَابَة الحكم ثمَّ سَافر من دمياط وَانْقطع خَبره وَلم يعلم مقره ثمَّ ورد الى الْقَاهِرَة خبر وَفَاته بِمَدِينَة الاسكندرية فِي شهرو سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَلم تعلم حَقِيقَة الْحَال فِي وَفَاته

(ذكر ما تيسر من أسماء ومن ولي النظر والنيابة بالقدس الشريف)

(ذكر مَا تيَسّر من أَسمَاء وَمن ولي النّظر والنيابة بالقدس الشريف) (وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام) وَلم استوعب اسماءهم وَلَا تراجمهم فَإِن ذَلِك تَطْوِيل لَا طائل تَحْتَهُ خُصُوصا حكام الشرطة من النواب لَيْسَ فِي الاعتناء بذكرهم كَبِير فَائِدَة وَإِنَّمَا أذكر من النظار والنواب من اشْتهر من أعيانهم وَمن عرف لَهُ فعل بر أَو مَعْرُوف فَأَقُول - وَالله الْمُوفق - الشَّيْخ الْقدْوَة مُوسَى بن غَانِم الْأنْصَارِيّ قَرَّرَهُ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فِي مشيخة الْحرم بالقدس الشريف وَالنَّظَر عَلَيْهِ وَالتَّصَرُّف فِي أوقافه وَرَأَيْت توقعيه بذلك وَعَلِيهِ عَلامَة السُّلْطَان الْحَمد لله على نعمائه وَقد قطع تَارِيخه وَلم أطلع للشَّيْخ مُوسَى على تَرْجَمَة وَلَا تارخ وَفَاة الْأَمِير حسام الدّين ساروج التركي اُحْدُ أُمَرَاء الْملك صَلَاح الدّين كَانَ دينا خيرا حسن السِّيرَة ولي أَمر بَيت الْمُقَدّس بعد الْفَتْح وَاسْتمرّ على ولَايَته الى حِين وُقُوع الْهُدْنَة بَين السُّلْطَان والافرنج فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الْأَمِير عز الدّين جردبك اُحْدُ أُمَرَاء السُّلْطَان الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد كَانَ أَمِيرا مُعْتَبرا شجاعا واتصل بِخِدْمَة الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين وَكَانَ من اعيان جماعته فَلَمَّا حصل الصُّلْح بَين السُّلْطَان والافرنج بالهدنة فوض الى الْأَمِير جردبك ولَايَة الْقُدس الشريف بعد الْأَمِير حسام الدّين الْمَذْكُور قبله - فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَولي الْأَمِير علم الدّين قَيْصر أَعمال الْخَلِيل وعسقلان وغزة والداروم وَمَا رواءها وَذَلِكَ فِي السّنة الْمَذْكُورَة الْأَمِير سنقر الْكَبِير صَاحب الْقُدس كَانَ مُتَوَلِّيًا عَلَيْهِ فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي السّنة الْمَذْكُورَة

وَاسْتقر بعده فِي الْقُدس الْأَمِير صارم الدّين قطلو مَمْلُوك عز الدّين فرخشاه ابْن شاهنشاه بن أَيُّوب الْأَمِير الاسفهلار عز الدّين سعيد السُّعَدَاء أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عَليّ بن عبد الله الزنجيلي كَانَ مُتَوَلِّيًا على الْقُدس الشريف وَهُوَ الَّذِي عمر قبَّة الْمِعْرَاج بِصَحْنِ الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فِي سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَتقدم ذكر ذَلِك الْأَمِير حسام الدّين ابو سعيد عُثْمَان بن عبد الله العظمي مُتَوَلِّي الْقُدس الشريف وَهُوَ الَّذِي تولى عمَارَة قبَّة النحوية بِصَحْنِ الصَّخْرَة الشَّرِيفَة بِأَمْر الْملك الْمُعظم عِيسَى فِي سنة أَربع وسِتمِائَة الْأَمِير رشيد الدّين فرج بن عبد الله المعظمي مُتَوَلِّي بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي زمن الْملك الْمُعظم عِيسَى وَهُوَ الَّذِي تولى عمَارَة المنارة بمقام السَّيِّد يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام بقرية جلجول فِي شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة الْأَمِير الْكَبِير عَلَاء الدّين الْأَعْمَى هُوَ أيدغدى بن عبد الله الصَّالِحِي النجمي كَانَ من أكَابِر الْأُمَرَاء فَلَمَّا أضرّ أَقَامَ بالقدس الشريف وَولي نظره فعمره وثمره وَكَانَ نَاظر الْحَرَمَيْنِ فِي أَيَّام الظَّاهِر بيبرس الى أَيَّام الْمَنْصُور قلاوون وَكَانَ مهيبا لَا تخَالف مراسيمه وَهُوَ الَّذِي بنى المطهرة قَرِيبا من الْمَسْجِد الشريف النَّبَوِيّ فَانْتَفع النَّاس بهَا فِي الْوضُوء وتيسيره أثابه الله تَعَالَى وانشأ بالقدس الشريف رِبَاطًا بِبَاب النَّاظر وآثارا حَسَنَة وبلط صحن الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَعمر المغلق بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على بَاب الْمَسْجِد الشريف الَّذِي بداخله الافران والطواحين وَهُوَ مَكَان من الْعَجَائِب يغلق عَلَيْهِ بَاب وَاحِد وَالْحَاصِل الَّذِي يوضع فِيهِ الْقَمْح وَالشعِير علوه وَكَانَ سماط الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي كل يَوْم خَمِيس كيالج قمحا وكيلجة عدسا فَمَا مَاتَ إِلَّا والسماط فِي كل يَوْم غِرَارَتَانِ قمحا وَهَذَا يعد من حسن سيرته وَطيب أَيَّامه وَكَانَ يُبَاشر الْأُمُور بِنَفسِهِ وَله حُرْمَة وافرة توفّي فِي شهر شَوَّال سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وَدفن برباطه بِبَاب النَّاظر بالقدس

الشريف وَصلي عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب بِدِمَشْق وَالدُّعَاء عِنْد قَبره مستجاب القَاضِي شرف الدّين عبد الرَّحْمَن بن الصاحب الْوَزير فَخر الدّين الخليلي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين مَكَّة وَالْمَدينَة وحرمي الْقُدس والخليل وقفت على توقيعه بذلك من الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين مؤرخا فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من جمادي الْآخِرَة سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَهُوَ الَّذِي عمر مَنَارَة الغوانمة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَتقدم ذكر ذَلِك الْملك الأوحد نجم الدّين وسف بن الْملك النَّاصِر دَاوُد بن الْملك الْمُعظم عِيسَى ولي نظر الْقُدس والخليل فِي رَجَب سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وسِتمِائَة سمع من ابْن السّني وَغَيره وروى عَنهُ الدمياطي فِي مُعْجَمه وَسمع مِنْهُ البرزالي والمقاتلي والذهبي وقاضي الْقُدس تَاج الدّين ابو بكر بن الْكَمَال - الْمَذْكُور - صَحِيح البُخَارِيّ بِسَمَاعِهِ لَهُ على الْملك الأوحد بِسَمَاعِهِ على ابي السخاء بِسَنَدِهِ توفّي الْملك الأوحد لَيْلَة الثُّلَاثَاء الرَّابِع من ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَدفن برباطه الْمَعْرُوف بِالْمَدْرَسَةِ الأوحيدية بِبَاب حطة عَن سبعين سنة وَحضر جنَازَته خلق كثير وَكَانَ من خِيَار ابناء الْمُلُوك دينا وفضيلة وإحسانا الى الْفُضَلَاء الْأَمِير ركن الدّين منكورس الجاشنكير نَائِب السلطنة بقلعة الْقُدس الشريف توفّي فِي شعْبَان سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَدفن بماملا الْأَمِير نَاصِر الدّين مشد الْأَوْقَاف وطي نظر الْقُدس والخليل فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة فعمر عمارات كَثِيرَة وَفتح فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشباكين اللَّذين عَن يَمِين الْمِحْرَاب وشماله وَعمل الرخام بصدر الْجَامِع الْأَقْصَى بمرسوم الْأَمِير تنكس نَائِب الشَّام فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الْأَمِير الْكَبِير علم الدّين أَبُو سعيد سنجر بن عبد الله الجاولي الشَّافِعِي ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة بآمد ثمَّ صَار لأمير من الظَّاهِرِيَّة يُسمى الجاولي

وانتقل بعد مَوته الى بَيت الْمَنْصُور وتنقلت بِهِ الاحوال الى ان صَار مقدما بِالشَّام وَفِي زمن المل النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون ولي نظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين والنيابة بالقدس الشريف وبلد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَولي نِيَابَة غَزَّة وَقبض عَلَيْهِ وامتحن ثمَّ اسْتَقر أَمِيرا مقدما بِمصْر ثمَّ ولي نِيَابَة حماه مُدَّة يسيرَة ثمَّ أُعِيد الى نِيَابَة غَزَّة ثمَّ عَاد الى مصر وَقد روى مُسْند الامام الشَّافِعِي عَن قَاضِي الشوبك اينال بن متكلمي وَحدث بِهِ غير مرّة ورتب مُسْند الشَّافِعِي ترتيبا حسنا وَشَرحه فِي مجلدات بمعاونة غَيره جمع بَين شرحيه لِابْنِ الاثير والرافعي وَزَاد عَلَيْهِمَا من شرح مُسلم للنووي وَبنى عِنْد مَسْجِد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بالجاولية - وَقد تقدم ذكره - وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن عمره من مَاله حِين كَانَ نَاظرا وَعمر جَامعا بغزة وخانقاه بِظَاهِر الْقَاهِرَة ومدرسة بالقدس الشريف وَهِي الَّتِي صَارَت فِي عصرنا مسكنا للنواب بالقدس الشريف ووقف اوقافا كَثِيرَة بغزة والخليل والقدس وَغَيرهَا وَكَانَ لَهُ معرفَة بِمذهب الشَّافِعِي وَكَانَ رجلا فَاضلا يستحضر كثيرا من نُصُوص الشَّافِعِي توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس واربعين وَسَبْعمائة وَدفن بالخانقاه الَّتِي أَنْشَأَهَا بِالْقَاهِرَةِ وَهِي عِنْد مَكَان يعرف بالكبش بِالْقربِ من جَامع ابْن طولون الْأَمِير ابو الْقَاسِم بن عُثْمَان بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد التَّمِيمِي البصروي الْحَنَفِيّ أحد أُمَرَاء الطبلخانة ولي نابلس وَنظر الْقُدس والخليل وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن بماملا الْأَمِير تمراز نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة الْأَمِير قطلوبغا نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي دولة الْملك الأِشرف شعْبَان بن خسين فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَهُوَ الَّذِي عمر مَنَارَة بَاب الاسباط

الْأَمِير بدر الدّين حسن بن عماد الدّين العسكري نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بهارد الْفَخر بن الظَّاهِر بن نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة فِي دولة الْملك الظَّاهِر برقوق كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَفِي هَذِه السّنة عمر دكة المؤذنين بالصخرة الشَّرِيفَة - كَمَا تقدم - الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن بدر الدّين حسن نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة الْأَمِير بلوى الظَّاهِرِيّ نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة وَهُوَ الَّذِي عمر الْمِحْرَاب والمسطبة الكائنة تَحت الشَّجَرَة الميس المحددة تجاه بَاب النَّاظر أحد ابواب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَالسَّبَب فِي عمل السلسلة الْحَدِيد عَلَيْهَا! انها شَجَرَة عَظِيمَة وتفسخت اغاصنها فِي زمن الامير أركماس - الَّاتِي ذكره - فَجعل عَلَيْهَا السلسلة الْحَدِيد صِيَانة لَهَا من التفسخ ثمَّ فِي زمن الامير طوفان تفسخت فَزَاد عَلَيْهَا سلسلة ثَانِيَة فَصَارَت تعرف بالميسة المحددة الْأَمِير جانتمر الركني الظَّاهِرِيّ نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد اليغموري ولي نظر الْحَرَمَيْنِ ونيابة السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي دولة الْملك الظَّاهِر برقوق فِي شهر رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وأبطل المكوس والمظالم والرسوم الَّتِي أحدثها النواب قبله وَعمر الْحرم الشريف الخليلي ومقام السَّيِّد يُوسُف الصّديق وَتقدم ذكر ذَلِك فِي تَرْجَمَة الْملك الظَّاهِر برقوق وَفِي ذكر الْمَسْجِد الشريف الخليلي الْأَمِير أصفهان بلاط نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانمِائَة

الْأَمِير زين الدّين عمر بن علم الدّين سُلَيْمَان الْمَشْهُور بِابْن الْعلم نِسْبَة لوالده وَكَانَ وَالِده يعرف بِابْن الْمُهَذّب ولي النِّيَابَة وَالنَّظَر بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتُوفِّي قَتِيلا فِي سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة وَمِمَّنْ ولي بعده الْأَمِير عَلَاء الدّين الكركي ثمَّ ولي شاهين المؤيدي وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن نَائِب الصبيبية نَاصِر الدّين مُحَمَّد ولي قلعة الصبيبية بعد وَالِده وَولي الحجوبية بِالشَّام غير مرّة وَولي نِيَابَة الْقُدس الشريف وَعمر بِهِ مدرسة على الْمَسْجِد بالصف الشمالي وَهِي مَشْهُورَة توفّي بِدِمَشْق بِخَط القبيبات فِي الْمحرم سنة تسع وثمامائة ثمَّ نقل الى الْقُدس بعد مُدَّة وَدفن بمدرسته الْمَذْكُورَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْعَطَّار نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين توفّي بالقدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر شَوَّال سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الْأَمِير شاهين الْمَشْهُور بالذباح نَائِب السلطنة بالقدس الشريف كَانَ اميرا مُعْتَبرا شجاعا وَسبب تَسْمِيَته بالذباح أَنه أمسك جمَاعَة من الْعَرَب وذبحهم عِنْد بَاب دَار النِّيَابَة بالقدس فَجرى الدَّم الى مَسَافَة بعيدَة لِكَثْرَة المذبوحين وَكَانَت ولَايَته فِي دولة الْملك الْأَشْرَف برسباي فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ والثمانمائة وَبعدهَا الْأَمِير سودون المغربي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي صفر سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة الْأَمِير شاهين الشجاعي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ولي بعد الْأَمِير سودون المغربي - الْمَذْكُور قبله - الْأَمِير شرف الدّين يحيى بن شلوه الْغَزِّي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة الْأَمِير اركماس الجلباني ولي نظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونيابة السلطنة فِي دولة الْملك الْأَشْرَف برسباي بعد شرف الدّين بن شلوه - الْمَذْكُور قبله - وَكَانَ حَاكما

مُعْتَبرا عمر الْأَوْقَاف ونماها وَصرف المعاليم وَاشْترى للْوَقْف مِمَّا أرصده من المَال جِهَات من الْقرى والمسقفات وَورد مرسوم السُّلْطَان بِصَرْف معاليم الْمُسْتَحقّين مِنْهَا وإرصاد مَا بَقِي لمصَالح الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَنقش ذَلِك برخامة والصقت بحائط الصَّخْرَة الشَّرِيفَة تجاه قبَّة الْمِعْرَاج فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ عزل وَتُوفِّي فِي ثَالِث جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا الْأَمِير حسن فجا نَاظر الْحرم الشريف ونائب السلطنة ولي بعد الْأَمِير أركماس وَكَانَ حَاكما مُعْتَبرا وَفِي أَيَّامه سرق مَال الْوَقْف الْمَوْضُوع بصندوق الصَّخْرَة الشَّرِيفَة واتهم بِهِ جمَاعَة من الخدام فَأَخذهُم الْأَمِير حسن فجا الى ديار دَار النِّيَابَة وَضرب بَعضهم بالمقارع وَحبس شيخ الْحرم جمال الدّين بن غَانِم وَكَانَت فتْنَة فَاحِشَة وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَبعدهَا الْأَمِير حسام الدّين ابو مُحَمَّد الْحسن بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين عبد الله الشهير بالكشكلي الْحَنَفِيّ نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة كَانَ من الْأُمَرَاء المعتبرين عمر الْمدرسَة الحسنية الْمَعْرُوفَة بِهِ بِبَاب النَّاظر ووقف عَلَيْهَا اوقافا ورتب فِيهَا وظائف من التصوف وَغَيره وَكَانَت عمارتها فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وتاريخ وَقفهَا فِي الاول من شهر رَجَب سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي بالقدس الشريف بعد انْفِصَاله عَن النِّيَابَة وَالنَّظَر فِي خَامِس عشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا عِنْد الشَّيْخ ابي عبد الله الْقرشِي الْأَمِير طوغان العثماني نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَاشف الرملة ونابلس ومتولي الصَّلْت وعجلون واستادار الاغوار وَغير ذَلِك من التَّكَلُّم على الْجِهَات السُّلْطَانِيَّة جمع لَهُ بَين هَذِه الْوَظَائِف فِي دولة الْملك الْأَشْرَف برسباي فِي سنة اربعين وَثَمَانمِائَة وَبعدهَا فِي دولة الْملك الظَّاهِر جقمق وَكَانَ من الْحُكَّام المعتبرين لَهُ محَاسِن كَثِيرَة بِبَيْت الْمُقَدّس من الْعِمَارَة وَإِقَامَة الْحُرْمَة

وَلما توفيت زَوجته السِّت زهرَة جعل لَهَا مُصحفا شريفا يقْرَأ فِيهِ بالصخرة الشَّرِيفَة ودفنها على رَأس جبل طور زينا فِي قبَّة عمرها لَهَا بِالْقربِ من خروبة الْعشْرَة وعزل فِي سنة بضع واربعين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي بغزة القَاضِي غرس الدّين خَلِيل بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله السخاوي جليس الحضرة الشَّرِيفَة الظَّاهِرِيَّة ومشيرها مولده فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ صحب الْملك الظَّاهِر جقمق قبل السلطنة فَلَمَّا تسلطن قدمه وولاه نظر الْحَرَمَيْنِ فِي أَوَاخِر سنة ثَلَاث واربعين وَثَمَانمِائَة وأفردها عَن نظر الْأَمِير طوغان وَاسْتمرّ طوغان نَائِبا وَقدم السخاوي الْقُدس فِي مستهل ربيع الأول سنة ارْبَعْ واربعين هُوَ وَالْقَاضِي عَلَاء الدّين بن السائح وَقد ولي قَضَاء الشَّافِعِيَّة وَكَانَ دخولهما فِي يَوْم وَاحِد وكل مِنْهُمَا عَلَيْهِ خلعة السُّلْطَان بطرحه فعمر الاوقاف ورتب الْوَظَائِف وَأقَام نظام الْحَرَمَيْنِ وَفعل فيهمَا من الْخَيْر مَا لم يَفْعَله غَيره وَتقدم ذكر ذَلِك فِي تَرْجَمَة الْملك الظَّاهِر جقمق ثمَّ توجه الى الْقَاهِرَة فَتوفي بهَا فِي إِحْدَى الجمادين سنة سبع واربعين وَثَمَانمِائَة الْأَمِير خشقدم نَائِب السلطنة بالقدس الشريف ولي النِّيَابَة فِي دولة الْملك الظَّاهِر جقمق وباشر بشهامة فَحصل مِنْهُ عسف للرعية وجار عَلَيْهِم فَوَثَبَ أهل بَيت الْمُقَدّس عَلَيْهِ وَشَكَوْهُ للسُّلْطَان فَعَزله وَطلب الى الْقَاهِرَة ثمَّ بذل مَالا وَولي مرّة ثَانِيَة وَحضر من الْقَاهِرَة وَهُوَ يهدد أهل بَيت الْمُقَدّس ويوعدهم بِكُل سوء فَدخل فِي يَوْم الْخَمِيس الى الْقُدس وَحصل لَهُ توعك عقب دُخُوله فَمَاتَ فِي يَوْم الْخَمِيس الْآتِي وَلم يُمكنهُ الله من اُحْدُ من اهل بَيت الْمُقَدّس وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة فِي سنة نَيف وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَقد ولي نِيَابَة الْقُدس الشريف جمَاعَة وَبَعْضهمْ اضيف اليه النّظر قبل الثَّمَانمِائَة وَبعدهَا إِلَى نَحْو الاربعين اَوْ الْخمسين والثمانمائة فَمنهمْ أَحْمد الْحِمصِي وَأحمد الهيدباني وَحسن بن باكيش وعلاء الدّين يلبغا العلائي وَأحمد حيدر وَمُحَمّد الشريف وأمير حَاج بن مسندر وأمير عَليّ بن

الْحَاجِب وجركس وكتبغاء الرماح وَصدقَة بن الطَّوِيل ومنكلي بغا وَيُونُس الرماح وَشَعْبَان بن اليغموري فِي دولة الْملك الْمُؤَيد شيخ وَعمر بن الطعان من الْملك الْمُؤَيد أَيْضا ويلبغا من الْملك الْمُؤَيد وخَالِد من الْملك الْمُؤَيد والياس ويلباي وَأَبُو يزِيد وقحقار ومغلباي وسودون الجاموس وَيَعْقُوب شاه وطيبغا وَأحمد بن بكتمر وَمُحَمّد بن مقبل واينال الزحبي واقبغا الهندباني وخليل بن الْحَاجِب وقرايغا وقوزي وبرسباي وَعلي بن قرا ويشبك طاز وَغَيرهم وقدتقدم فِي اول الْفَصْل أنني لم الْتزم استعيابهم وَلَا أذكر اخبارهم لعدم الْفَائِدَة فِي ذَلِك الْأَمِير تمراز المصارع نَائِب السلطنة كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي زمن الْملك الظَّاهِر جقمق فِي عصر القَاضِي أَمِين الدّين عبد الرحمان بن الديري نَاظر الْحرم الشريف وَوَقع بَينهمَا فتْنَة اتَّصل أمرهَا بالسلطان وَطلب النّظر الى الْقَاهِرَة وَكَانَ ذَلِك بعد الْخمسين والثمانمائة الْأَمِير مبارك شاه نَائِب الْقُدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي دولة الْملك الظَّاهِر جقمق فِي سنة نَيف وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ حَاكما مُعْتَبرا وَتقدم ذكر مَا وَقع لَهُ مَعَ القَاضِي شرف الدّين عِيسَى الْمَالِكِي فِي تَرْجَمته وَهُوَ وَالِد الْأَمِير أَحْمد بن مبارك شاه الَّذِي ولي النِّيَابَة فِيمَا بعد كَمَا سَنذكرُهُ فِي تَرْجَمَة الْملك الْأَشْرَف قايتباي إِن شَاءَ الله تَعَالَى القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن الصّلاح مُحَمَّد الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي الاديب المنشي البليغ النَّحْوِيّ الناطم الناثر الفضال مولده فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة بَاشر التوقيع بديوان الانشاء بالديار المصرية ثمَّ ولي فِي دولة الْملك الظَّاهِر جقمق نظر الْقُدس والخليل فِي جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَقدم الْقُدس فعمره وَفِي أَيَّامه أنعم الْملك الظَّاهِر على جِهَة الْوَقْف بمبلغ الفي دِينَار وَخَمْسمِائة دِينَار وَمِائَة

وَعشْرين قِنْطَارًا من الرصاص برسم الْعِمَارَة وَتُوفِّي بالقدس الشريف فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ المعظمية القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن محَاسِن النابلسي ولي النّظر فِي دولة الْملك الظَّاهِر جقمق فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَلم تطل مدَّته وعزل بعد محن حصلت عَلَيْهِ ثمَّ استوطن مَكَّة دهرا طَويلا إِلَى أَن توفّي بهَا بعد السّبْعين والثمانمائة الْأَمِير فَارس العثماني نَائِب السلطنة بالقدس الشريف كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة الْأَمِير اسنبغا الكلفكي ولي نظر الْحَرَمَيْنِ ونيابة السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أَوَاخِر دولة الْملك الظَّاهِر جقمق وَدخل متسلمة الى الْقُدس الشريف فِي نَهَار الْخَمِيس سلخ ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَفِي يَوْم الاحد مستهل صفر سنة سبع وخمين دخل وَلَده نَاصِر الدّين مُحَمَّد الى الْقُدس بخلعة السُّلْطَان وَقُرِئَ مرسوم السُّلْطَان لوالده باستقراره فِي النِّيَابَة وَالنَّظَر ومرسوم الْملك الْمَنْصُور عُثْمَان بن الْملك الظَّاهِر جقمق بالاعلام بِأَن وَالِده خلع نَفسه من الْملك وَأَنه اسْتَقر هُوَ فِي الْملك فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشري الْمحرم سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ دخل الامير اسنبغا الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل ربيع الاول يخلعة السُّلْطَان بالنيابة وَالنَّظَر وَقُرِئَ توقيعه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف فَلم تطل مدَّته وعزل بعد اربعين يَوْمًا فِي أول دولة الْملك الْأَشْرَف اينال وَاسْتقر فِي النِّيَابَة الْأَمِير حسن بن أَيُّوب وَدخل متسلمة بن أَخِيه عِيسَى بن ايوب الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر ربيع الآخر وَاسْتقر الامير عز الدّين عبد الْعَزِيز بن المعلاق الْعِرَاقِيّ فِي النّظر وَدخل وَلَده حسن متسلمه صُحْبَة النَّائِب الْأَمِير حسن بن أَيُّوب فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر ربيع الآخر ثمَّ دخل النَّاظر الى الْقُدس فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري ربيع الآخر سنة

سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَفِي أَيَّامه أنعم الْملك الْأَشْرَف اينال على جِهَة الْوَقْف بِأَلف ومائتي اردب قَمح الْقيمَة عَنْهَا أَرْبَعَة آلَاف دِينَار وَثَمَانِية دَنَانِير وَاسْتمرّ نَاظرا الى أَن توفّي الْملك الْأَشْرَف إينال فِي سنة خمس وَسِتِّينَ فَإِنَّهُ كَانَ خصيصا بِهِ وَله عِنْده وجاهة وَقد عمر الاوقاف وَصرف المعاليم كَامِلَة وَكَانَت مُبَاشَرَته حسنه فَلَمَّا توفّي الاشرف اينال حصل لَهُ من الظَّاهِر خشقدم محنة وصادره وعزله وَاسْتمرّ معزولا مُقيما بِبَلَد الرملة الى أَن توفّي بهَا بعد السّبْعين والثمانمائة وَأما الْأَمِير حسن بن أَيُّوب فَإِنَّهُ وَقع لَهُ الْعَزْل وبالولاية من النِّيَابَة مَرَّات إِلَى آخر دولة الظَّاهِر خشقدم وَأول ولَايَة الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَولي الكرك وعزل مِنْهَا وَآخر أمره انه اسْتمرّ معزولا بالقدس إِلَى أَن توفّي فِي يَوْم السبت عشري جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الْأَمِير قانصوه ولي نِيَابَة الْقُدس عوضا عَن الْأَمِير حسن بن ايوب فِي دولة الْملك الْأَشْرَف اينال وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر ربيع الآخر سنة سِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَقُرِئَ توقيعه فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم دُخُوله بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وعزل بِسُرْعَة واعيد ابْن ايوب وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم السبت تَاسِع عشر جمادي الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة الامير اياس البجاسي ولي نِيَابَة الْقُدس الشريف عوضا عَن الْأَمِير حسن ابْن ايوب وَدخل متسلمه الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر صفر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ فِي دولة الْملك الْأَشْرَف اينال طلب الامير حسن الى الْقَاهِرَة وامتحن من السُّلْطَان بِالضَّرْبِ وعزل اياس بعدمدة يسيرَة نَحْو الشَّهْر وَولي الامير شاه بكر مَنْصُور بن شَهْري وَدخل متسلمة الى الْقُدس فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر ربيع الأول وَدخل هُوَ الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن ربيع الآخر وعزل فِي شهر رَجَب وَولي الامير حسن بن أَيُّوب الْأَمِير ابو بكر امشهور بميزه اصله من بلادالمشرق يُقَال أَنه من الرها

ولي نِيَابَة الْقُدس الشريف فِي دولة الْملك الظَّاهِر خشقدم وَدخل الى الْقُدس يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَالسَّبَب فِي تلقيبه بميزه أَنه كَانَ لما يحضر الْخصم بَين يَدَيْهِ من ارباب الجرائم وَغَيرهم يُشِير الى اعوانه وَيَقُول ميزه يُرِيد بذلك ابراز الْخصم من بَين النَّاس ليتميز عَن غَيره وَأقَام مرّة فِي النِّيَابَة نَحْو سنة وعزل وتنقلت بِهِ الاحوال بعد ذَلِك وَصَارَ تأجرا بسوق الرميلة بِالْقَاهِرَةِ وَبَقِي الى بعد الثَّمَانِينَ والثمانمائة الْأَمِير ثغرى بردى وَالِي قطيا ولي النِّيَابَة بالقدس وَكَانَ يُقَال لَهُ أَبُو الْقُرُون وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ يلبس الْعِمَامَة على طَريقَة أُمَرَاء مصر وَلم يعْهَد لَك قبله بِبَيْت الْمُقَدّس فَظهر هَذَا اللقب عَلَيْهِ وَكَانَ يدق الكؤس فِي الطبلخانة فِي كل لَيْلَة على عَادَة الامراء بِمصْر وَغَيرهَا وَلم تجر بذلك عَادَة قبله بالقدس الشريف لم تطل مدَّته وعزل فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَولي بعده الْأَمِير حسن بن أَيُّوب وَاسْتمرّ فِي النِّيَابَة الى أول دولة الْملك الاشرف قايتباي وَسَنذكر من ولي النِّيَابَة بعده الى آخر وَقت فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى الامير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْهمام الشَّافِعِي كَانَ من اعيان بَيت الْمُقَدّس اسْتَقر فِي نظر الْحَرَمَيْنِ بعد عزل الامير عبد الْعَزِيز بن المعلاق الْعِرَاقِيّ فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة خمس وَسِتِّينَ وثمامائة وَفِي أَيَّامه انْعمْ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر خشقدم فِي جِهَة الْوَقْف بستين غرارة من الْقَمْح الْقيمَة عَنْهَا ثَمَانمِائَة واربعون دِينَارا ثمَّ طلب الى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر ربيع الاول سنة تسع وَسِتِّينَ عزل من النّظر وَاسْتمرّ معزولا الى أَن توفّي فِي الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالقلندرية بماملا وَكَانَ شكلا حسنا وَعِنْده تواضع مَعَ حشمة الزَّائِدَة الْأَمِير حسن بن ططر الظَّاهِرِيّ دويدار تمر نَائِب الشَّام ولي نظر الْحَرَمَيْنِ وعزل الْأَمِير نَاصِر الدّين بن الْهمام وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي جمادي الْآخِرَة سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَاسْتمرّ فِي النّظر الى أول دولة الْملك الْأَشْرَف قايتباي وعزل وَلم يتول بعد ذَلِك إِلَى أَن توفّي قبل الثَّمَانِينَ والثمانمائة وَسَنذكر من ولي النّظر بعده فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان الْمشَار اليه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَتقدم ذكر القَاضِي أَمِين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الديري الْحَنَفِيّ نَاظر الْحَرَمَيْنِ عِنْد ذكر فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة لكَونه من أهل الْعلم الشريف وَتقدم ذكر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خير بك نَاظر الْحَرَمَيْنِ عِنْد ذكر قبَّة القيمرية وَتقدم عِنْد ذكر القلعة مَا كَانَ لَهَا من النظام فِي نيابتها وتلاشي احوالها فِي عصرنا وَقد ذكرت وَاحِدًا من نوابها فِي هَذَا الْفَصْل وَمِمَّنْ ادركناه من نواب القلعة بدر الدّين حسن بن حشيم الْمَشْهُور بِابْن شمص وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قد أسن وَله همة ومروءة زَائِدَة ووفاته فِي سنة بضع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وبوفاته اخْتَلَّ نظام القلعة وَكَانَ بالقدس الشريف - فِيمَا تقدم - أَمِير حَاجِب على عَادَة غَيره من الْبِلَاد وَكَانَ يحكم بَين النَّاس وَيرْفَع اليه الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بأرباب الجرائم وَغَيرهَا مِمَّا يرفع الى حكام الشرطة وَكَانَ جملَة من وَليهَا الْأَمِير شاهين الْحَاجِب ثمَّ ولي بعده جمَاعَة مِنْهُم شهَاب الدّين أَحْمد بن شرف الدّين مُوسَى بن الْعلم وَكَانَ مُتَوَلِّيًا فِي سنة خمس وَثَمَانمِائَة ثمَّ ولي بعده وَلَده نَاصِر الدّين مُحَمَّد التركماني وَتُوفِّي فِي رجيب سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة ثمَّ ولي القَاضِي نَاصِر الدّين صرر العلمي - الْمُتَقَدّم ذكره عِنْد فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة - وَكَانَ فِي سلطنة الْملك الظَّاهِر جقمق ثمَّ لما ترك الامرة واشتغل بِالْعلمِ وَصَارَ من طَائِفَة الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَليهَا وَلَده عمر واقام نظامها مُدَّة فِي سلطنة الْأَشْرَف اينال ثمَّ بَطل هَذَا الْأَمر واختص الحكم

بنواب الْقُدس من نَحْو السِّتين والثمانمائة وَكَانَ فِي الزَّمن السالف تَوْلِيَة النِّيَابَة وَالنَّظَر من نواب الشَّام وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى نَحْو الثَّمَانمِائَة ثمَّ عَاد الْأَمر من السُّلْطَان بالديار المصرية وَهُوَ مُسْتَمر على ذَلِك إِلَى يَوْمنَا وَالله التَّوْفِيق (ذكر تَرْجَمَة ملك الْعَصْر مَوْلَانَا الْمقَام الْأَشْرَف الامام الْأَعْظَم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف سُلْطَان الاسلام وَالْمُسْلِمين محيي الْعدْل فِي الْعَالمين منصف المظلومين من الظاملين قَاتل الْكَفَرَة وَالْمُشْرِكين مبيد الطغاة والمارقين جَامع كلمة الايمان قامع الظُّلم والعدوان ظلّ الله الوارف وَرَحمته السابغة للبادي والعاكف وناصر دينه الَّذِي قطعت الآراء بتفضيله وَلَا مُخَالف ملك البرين والبحرين خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد الْخَلِيل النيرين هُوَ سيف الدّين أَبُو النَّصْر قايتباي ابْن عبد الله الظَّاهِرِيّ نِسْبَة الى الْملك الظَّاهِر جقمق رَحمَه الله وَنصر الله مَوْلَانَا السُّلْطَان - الْمشَار اليه - نصرا عَزِيزًا وَفتح لَهُ فتحا مُبينًا) مولده فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدخل الى الديار المصرية فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة فِي سلطنة الْملك الْأَشْرَف برسباي وَكَانَ من مماليكه ثمَّ انْتقل الى الْملك الظَّاهِر جقمق فَأعْتقهُ فنسب اليه ثمَّ رَفعه الله وساد على أقرانه الى ان ملكه الله الأَرْض وبويع لَهُ بالسلطنة بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المستنجد بِاللَّه ابي المظفر يُوسُف بن مُحَمَّد العباسي تغمده الله برحمته وقضاة الْقُضَاة ذَوي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة بالديار المصرية وهم قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد الأسيوطي الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة محب الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن الشّحْنَة الْحَنَفِيّ وقاضي الْقُضَاة حسام الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الْمَالِكِي الْمَشْهُور بِابْن حريز وقاضي الْقُضَاة عز الدّين أَبُو البركات أَحْمد الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الْحَنْبَلِيّ وأركان الدولة من الامراء والوزراء وَأَصْحَاب الْحل وَالْعقل فَكَانَ الْمُتَوَلِي لاسترعاء الْبيعَة لَهُ القَاضِي زين الدّين أَبُو بكر بن مزهر الانصاري الشَّافِعِي صَاحب ديوَان الانشاء الشريف بعد خلع الْملك الظَّاهِر تمربغا وَالْقَبْض عَلَيْهِ وَجلسَ على سَرِير الْملك الْأَشْرَف فِي بكرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس شهر رَجَب الْفَرد سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة فنشر الْعدْل فِي الرّعية وَاطْمَأَنَّ النَّاس بولايته وزين بَيت الْمُقَدّس ودقت بِهِ البشائرعند وُرُود الْخَبَر بسلطنته وَكَانَ فِي ذَلِك التَّارِيخ نَاظر الْحَرَمَيْنِ بالقدس الشريف والخليل الْأَمِير حسن بن ططر الظَّاهِرِيّ ونائب السلطنة بهما الْأَمِير حسن بن ايوب وَشَيخ الصلاحية وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة شيخ الاسلام نجم الدّين أَبُو الْبَقَاء مُحَمَّد بن جمَاعَة وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة جمال الدّين أَبُو الْعَزْم عبد الله بن الديري وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد المعزاوي وقاضي الْقُضَاة الحنبلية شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد العليمي وَتقدم ذكرهم فِي تراجمهم فَفِي السّنة الْمَذْكُورَة وَهِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين عقب سلطنته برز مرس 3 وم شرِيف بالافراج عَن الْأُمَرَاء المقمين بالقدس الشريف من زمن الْملك الظَّاهِر خشقدم وهم بيبرس خَال الْعَزِيز وبيبرس الطَّوِيل وجائي بك المشد وَغَيرهم وتوجههم الى الديار المصرية فتوجهوا الى أَن وصلوا بِالْقربِ من الْقَاهِرَة فرسم بعودهم الى الْقُدس الشريف فعادوا على مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَحضر أَيْضا الى الْقُدس الشريف جمَاعَة من الامراء الَّذين أَمر باخراجهم من الْقَاهِرَة مِنْهُم الْأَمِير يشبك الْفَقِيه الدوادار الْكَبِير وجائي بك كوهية الدوادار الثَّانِي ومغلباي الْمُحْتَسب وَغَيرهم فَمنهمْ من أَقَامَ بالقدس الى ان توفّي وَمِنْهُم من أفرج عَنهُ وَتوجه بعد ذَلِك من الْقُدس الشريف وفيهَا - أَعنِي السّنة الْمَذْكُورَة - اسْتَقر الْأَمِير برد بك التاجي فِي وَظِيفَة نظر الْحَرَمَيْنِ عوضا عَن حسن الظَّاهِرِيّ وَاسْتقر الْأَمِير مرداش العثماني فِي نِيَابَة السلطنة الشَّرِيفَة عوضا عَن الْأَمِير حسن بن أَيُّوب وَدخل كل مِنْهُمَا الى الْقُدس

وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة غرس الدّين ابو الصَّفَا خَلِيل بن عبد الله الْكِنَانِي الشَّافِعِي أَخُو الشَّيْخ ابي الْعَبَّاس الْوَاعِظ فِي مشيخة الصلاحية وَقَضَاء الشَّافِعِيَّة عوضا عَن الشَّيْخ نجم الدّين بن جمَاعَة وَدخل الى الْقُدس فِي ذِي الْقعدَة ثمَّ اضيف اليه قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والرملة وَكَانَ الْملك الظَّاهِر خشقدم قد شرع فِي عمَارَة الْعين الْوَاصِلَة من العروب الى الْقُدس الشريف وَمَات وَهِي محتاجة إِلَى إِكْمَال الْعِمَارَة فَلَمَّا ولي بعده الْملك الظَّاهِر يلباي ثمَّ الْملك الظَّاهِر تمر بغا رسم كل مِنْهُمَا بإكمال الْعِمَارَة فَلم تطل مُدَّة وَاحِد مِنْهُمَا فَكتب اهل بَيت الْمُقَدّس من الْمَشَايِخ والقضاة والاعيان استدعاء للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف يتَضَمَّن سُؤال صدقاته فِي إِكْمَال عِمَارَته فبرز مرسومه الشريف بذلك فعمرت وَوصل المَاء الى الْقُدس وأعيد الْجَواب للسُّلْطَان بذلك وَكَانَ الْأَمِير حسن الظَّاهِرِيّ النَّاظر قد عمر مدرسة للْملك الظَّاهِر خشقدم على ظهر الرواق المجاور لمنارة بَاب السلسلة من جِهَة الشمَال وَكَانَ الْمصرف من مَال الْأَمِير حسن فَتوفي الظَّاهِر خشقدم بعد إِكْمَال عقودها وَقبل انْتِهَاء أمرهَا من القصارة وَعمل الابواب الْخشب فَلَمَّا عزل الْأَمِير حسن من النّظر وَتوجه الى الديار المصرية انهى للسُّلْطَان انه عمر الْمدرسَة من مَاله وَهِي بَاقِيَة على ملكه وَسَأَلَ السُّلْطَان فِي قبُولهَا وَأَن تكون منسوبة اليه فقبلها مِنْهُ وَكتب اسْمه على بَابهَا وَكَانَ بناؤها على حكم الْمدَارِس الْمَوْجُودَة بِالْمَسْجِدِ ويتوصل اليها من الْبَاب الَّذِي يصعد مِنْهُ الى المنارة وَكَانَت عمارتها على هَيْئَة عمائر مدارس الْقُدس لَيْسَ فِيهَا كَبِير امْر فَإِنَّهَا كَانَت تشْتَمل على مجمع وطارقة وخلوة للشَّيْخ على ظهر رواق الْمَسْجِد ويقابل ذَلِك من جِهَة الغرب ساحة على ظهر ايوان الْمدرسَة البلدية وفيهَا بعض خلاوي وَكَانَ السّلم المتوصل مِنْهُ اليها وَإِلَى المنارة ضيقا عسرا وَكَانَ الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري الشَّافِعِي قد تعين لمشيختها من زمن الْملك الظَّاهِر

خشقدم فَلَمَّا آل أمرهَا الى مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف اسْتمرّ على مَا هُوَ عَلَيْهِ ثمَّ كَانَ من الْأَمر مَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وفيهَا احْتبسَ الْمَطَر بِبَيْت الْمُقَدّس حَتَّى دخل أَكثر الشتَاء وَحصل للنَّاس شدَّة من قلَّة المَاء ثمَّ حصل الغلاء الْعَظِيم فِي جَمِيع المملكة وَاشْتَدَّ الْأَمر بِبَيْت الْمُقَدّس وَقلت الأقوات مِنْهُ وَوصل سعر الْقَمْح كل مد بِدِينَار وَالشعِير كل مد بِعشْرين درهما وَوَقع الغلاء فِي كل الاصناف من الْأرز وَالزَّيْت والبصل وَغير ذَلِك حَتَّى فِي الخضروات وضج النَّاس الى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفيهَا كثرت الْفِتَن بَين نَاظر الْحَرَمَيْنِ بردبك التاجي ونائب السلطنة دمرداش العثماني وَوَقع الْخلف بَينهمَا وَكثر القيل والقال وانْتهى الْحَال الى أَن نَاظر الْحَرَمَيْنِ كَانَ يظاهر الْبَلَد عِنْد بركَة السُّلْطَان وَكَانَت قتاة السَّبِيل هُنَاكَ محتاجة الى عمَارَة وَقد شرع الصناع فِي الْعَمَل فِيهَا فَخرج النَّاظر للاشراف عَلَيْهِم وَهُوَ فِي جمع قَلِيل من حَاشِيَته فَسلط النَّائِب جمَاعَة من أعوانه فَخَرجُوا الى النَّاظر على بَغْتَة وضربوه ضربا مؤلما واغلظوا عَلَيْهِ وشتموه وأفحشوا لَهُ فِي القَوْل فاقيمت النائرة لذَلِك وَوصل المستنفرون إِلَى دَاخل الْمَدِينَة فبادر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ جمال الدّين بن عبد الله الديري وَركب مَعَه جمَاعَة الى ظَاهر الْبَلَد وَدخل النَّاظر الى الْمَدِينَة على هَيْئَة قبيحة مِمَّا حصل فِي حَقه وَعقد بِالْمَسْجِدِ مَجْلِسا فَكتب مَا وَقع وجهز الى السُّلْطَان فَحَضَرَ من الْقَاهِرَة خاصكي بالكشف على ذَلِك وَبَقِي بعض أهل الْقُدس فِي جِهَة النَّاظر وَبَعْضهمْ فِي جِهَة النَّائِب وَاشْتَدَّ الْأَمر فِي وُقُوع الْفِتَن وَالِاخْتِلَاف بَين الأكابر وَحصل للْقَاضِي الْحَنَفِيّ ضَرَر لكَونه ركب الى ظَاهر الْبَلَد فِي يَوْم ضرب النَّاظر وَغرم مَالا بِسَبَب ذَلِك ثمَّ حصل الْخلَل فِي نظام الوقفين المبرورين بالقدس والخليل لسوء تَدْبِير النَّاظر بردبك التاجي وَعدم توفيقه وتلاشت الاحوال وفحشت وَكَثُرت المناحس من السراق وقطاع الطَّرِيق

وفيهَا اسْتَقر القَاضِي كَمَال الدّين النابلسي الْحَنْبَلِيّ فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بالقدس الشريف والرملة عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين العليمي وَتقدم ذكر ذَلِك وَكتب توقيعه فِي ثَانِي جمادي الأولى وَدخل الى الْقُدس فِي أَوَاخِر جمادي الْآخِرَة وفيهَا اهتم الْأَمِير بردبك التاجي نَاظر الْحَرَمَيْنِ بإكمال عمَارَة الْمدرسَة الَّتِي نسبت للسُّلْطَان - كَمَا تقدم - وَعمل لَهَا الْأَبْوَاب وفرشت بالبسط وَجلسَ الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري فِيهَا بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي شهر رَجَب وَحضر مَعَه الْقَضَاء وَالْعُلَمَاء بالمجمع وَعمل درسا تكلم فِيهِ على قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ثمَّ عمل نَاظر الْحَرَمَيْنِ سماطا من الْحَلْوَى السكب وَأطْعم الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وفيهَا توفّي القَاضِي شمس الدّين المغراوي الْمَالِكِي قَاضِي الْقُدس الشريف فِي نصف شهر شعْبَان وَتقدم ذكر ذَلِك فِي تَرْجمهُ وفيهَا وَقع الوباء بالطاعون فِي جَمِيع المملكة وَدخل الى بَيت الْمُقَدّس فِي أَوَائِل شهر ذِي الْقعدَة وَاشْتَدَّ أمره وَكثر من الْعشْر الثَّالِث من ذِي الْقعدَة إِلَى أَوَاخِر ذِي الْحجَّة وَفِي لَيْلَة عيدالأضحى غسل الْأَمْوَات فِي اللَّيْل وحملوا وَقت الْقبْح الى صحن الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَصلي عَلَيْهِم عقب صَلَاة الصُّبْح وحملوا الى التربة قبل صَلَاة الْعِيد وَكَانَت سنة شَدِيدَة لما حصل فِيهَا من الحدب والغلا والوبا والفتن وَالْخلف بَين الْحُكَّام والاكابر وَحُصُول المحن فسبحان من يتَصَرَّف فِي عباده بِمَا يَشَاء وفيهَا توجه الْأَمِير بردبك التاجي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين من الْقُدس الشريف الى الديار المصرية وَهُوَ مُسْتَمر على الأولاية واستناب عَنهُ فِي النّظر القَاضِي فَخر الدّين ابْن نسيبة الخزرجي وَلم يقدر لَهُ بعد ذَلِك الرُّجُوع الى الْقُدس الشريف إِلَى أَن انْفَصل من النّظر ثمَّ دخلت سنة ارْبَعْ وَسبعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا سير السُّلْطَان الْأَمِير نَاصِر الدّين

مُحَمَّد النشاشيبي أحد الخزندارية بالخدم الشَّرِيفَة لكشف أوقاف الْحَرَمَيْنِ الشريفين بالقدس والخليل وتحرير أَمرهمَا واصلاح مَا اخْتَلَّ من نظامهما فِي أَيَّام الْأَمِير بردبك التاجي فَحَضَرَ الى الْقُدس وَدخل بخلعة السُّلْطَان وَنظر فِي مصَالح الْأَوْقَاف وَعمر الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَصرف المعاليم وباشر تَدْبِير الْأُمُور حَتَّى صلح مِنْهَا مَا فسد فِي زمن بردبك التاجي وتراجعت أَحْوَال بَيت الْمُقَدّس الى الْخَيْر وَحصل الرخا وتباشر النَّاس بالفرج بعد الشدَّة وَكَانَت الْعين الْوَاصِلَة الى الْقُدس قد قطعت فَدخلت الى الْقُدس فِي شهر جمادي الْآخِرَة وتباشر النَّاس بذلك وعد ذَلِك من بركَة الْأَمِير نَاصِر الدّين النشاشيبي ونقشت رخامة بذلك والصقت بِالْحَائِطِ الْكَائِن عِنْد درج الْعين بجوار التربة الجالقية وفيهَا اسْتَقر القَاضِي حميد الدّين أَبُو حَامِد الْمَالِكِي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَدخل الى الْقُدس فِي شهر رَجَب وَتقدم ذكر ذَلِك فِي تَرْجَمته وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير يُوسُف الجمالي الْمَشْهُور بِابْن فطيس خازندارجا ثمَّ نَائِب الشَّام فِي نِيَابَة السلطنة بالقدس الشريف عوضا عَن دمرداش العثماني وَدخل اليه فِي شهر شَوَّال فِي يَوْم خُرُوج الْحجَّاج وَكَانَ دُخُوله بعد الظّهْر وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ الشَّيْخ برهَان الدّين أَبُو الوفا ثمَّ توجه الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي الى الابواب الشَّرِيفَة فِي أَوَاخِر السّنة وفيهَا - فِي شهر رَمَضَان - اسْتَقر القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم بن القَاضِي شهَاب الدّين التَّمِيمِي الشَّافِعِي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام عوضا عَن شيخ الصلاحية القَاضِي غرس الدّين خَلِيل الْكِنَانِي ورسم بابطال مَا كتب للْقَاضِي أَبُو حَامِد الْمَالِكِي من قُضَاة الْمَالِكِيَّة بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن النشاشيبي فِي نظر الْحَرَمَيْنِ بالقدس والخليل اسْتِقْلَالا وَدخل الى الْقُدس الشريف

فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشري الْمحرم وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَقُرِئَ توقيعه بعد صَلَاة الْجُمُعَة وأوقد الْمَسْجِد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَشرع فِي عمَارَة الاوقاف وَصلح حَال سماط سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وباشر بعفة وشهامة وَحصل للْأَرْض المقدسة الْجمال بِوُجُودِهِ وَكَانَ يكثر من مجالسة الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء وَيحسن اليهم ويتلقاهم بالبشر وَالْقَبُول فعطف النَّاس عَلَيْهِ وابتهجوا بِهِ وفيهَا - فِي شهر شعْبَان - ورد مرسوم شرِيف بعزل القَاضِي جمال الدّين الديري - من قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف - وَتعين للولاية القَاضِي خير الدّين ابْن عمرَان (وَاقعَة أخي الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس) وفيهَا - فِي يَوْم السبت عَاشر شهر رَمَضَان - دخل الى الْقُدس الشريف القَاضِي شرف الدّين مُوسَى الانصاري وَكيل الْمقَام الشريف وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ الجوهرية بِخَط بَاب الْحَدِيد فَحَضَرَ عِنْده القَاضِي غرس الدّين خَلِيل الْكِنَانِي أَخُو الشَّيْخ ابي الْعَبَّاس الْوَاعِظ وَهُوَ شيخ الصلاحية وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة للسلام عَلَيْهِ فصادف حُضُوره عِنْده حُضُور الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري الْوَاعِظ فقصد الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري الْجُلُوس فَوق القَاضِي وَكَانَ غَلطا مِنْهُ لِأَن القَاضِي كَانَ شيخ الصلاحية وَالشَّيْخ شهَاب الدّين من المعيدين عِنْده ورتبته لَا تَقْتَضِي الْجُلُوس فَوْقه فَحصل بَينهمَا تشاجر وفحش القَوْل فَكَانَ من جملَة كَلَام الشَّيْخ شهَاب الدّين للْقَاضِي اخرق عمامتك فِي رقبتك فَقَالَ لَهُ القَاضِي وَالله مَا تعرف معنى الْعِمَامَة مَا هُوَ؟ ثمَّ خرجا من الْمجْلس وَقد انْتَشَر الْكَلَام بَينهمَا فَبلغ ذَلِك شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف فانتصر للشَّيْخ شهَاب الدّين العميري وانْتهى الْحَال الى ان اجْتمع بمحراب الصَّخْرَة الشَّرِيفَة جمَاعَة مَعَ الشَّيْخ كَمَال الدّين مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو الوفا وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن عتبَة الَّذِي ولي قَضَاء

الشَّافِعِيَّة فِيمَا بعد وَجَمَاعَة من الْعلمَاء والفقراء وَالْفُقَهَاء واقيمت الغوغا على القَاضِي وانْتهى الْحَال إِلَى أَن الْعَوام توجوا الى الْمدرسَة الصلاحية وهجموا على منزل القَاضِي وحريمه ونهبوا لَهُ بعض أَمْتعَة من منزله وَاشْتَدَّ الْأَمر وتفاحش وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وَكَانَ يَوْمًا مشهودا كثير الْمَطَر وَبَقِي النَّاس أحزابا وَكَانَت فتْنَة فَاحِشَة ثمَّ أَن الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن عتبَة بادرا وختما صَحِيح البُخَارِيّ قبل النّصْف من رَمَضَان وَشرع عشيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وهما فِي السّفر الى الْقَاهِرَة فتوجهوا من الْقُدس الشريف فِي سَابِع عشر رَمَضَان وَخرج النَّاس لوداعهم بِالذكر والتهليل وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَكَانَ القَاضِي قد جهز وَلَده ابراهيم الى الْقَاهِرَة وسعى فِي طلب الْجَمَاعَة الى الابواب الشَّرِيفَة فبرز الْأَمر بذلك فَكَانَ توجههم من الْقُدس الشريف قبل وُصُول الطّلب ووصلوا الى الْقَاهِرَة فِي أَوَاخِر شهر رَمَضَان واجتمعوا بالسلطان وَهُوَ اول اجْتِمَاع شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف بِهِ فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ انتهر الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري وَقَالَ لَهُ اخربت الْقُدس وَجئْت تخرب مصر فانزعج لذَلِك وَقَرَأَ الْفَاتِحَة وَانْصَرف وَاسْتمرّ الشَّيْخ كَمَال الدّين جَالِسا ثمَّ وَجه خطابه للسُّلْطَان وَقَالَ يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان تُرِيدُ أَن نتكلم بِكَلِمَات بَين يديكم وَلَكِن هَيْبَة مَوْلَانَا السُّلْطَان تَمْنَعنَا فان اذيتم تكلمنا فَقَالَ لَهُ تكلم فَقَالَ يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان تثبت فَحصل للسُّلْطَان سُكُون وَزَالَ مَا كَانَ عِنْده من الانزعاج وَأذن لَهُ فِي الْكَلَام فَتكلم مَعَه بِكَلَام كَانَ فِيهِ الْخَيْر وعرفه حَقِيقَة أَمر القَاضِي وَمَا هُوَ عَلَيْهِ ثمَّ انْصَرف وَلما وصل ابراهيم ولد القَاضِي الى الْقُدس وَوجد الْمَشَايِخ قد سافروا قبل وُصُول الطّلب خشِي القَاضِي على نَفسه من طلب يرد اليه فَتوجه هُوَ الى الْقَاهِرَة فِي شهر ذِي الْقعدَة وصحبته جمَاعَة من الْعَوام مطلوبون بِسَبَب شكواه من جُمْلَتهمْ رجل اسْمه عمر الزبال وَآخر يدعى زُرَيْق يحمل الْأَمْوَات وَآخر يدعى كحيله يدق الطبل مَعَ الحرافيش

فَلَمَّا وصلوا الى الْقَاهِرَة وقف القَاضِي لسلطان وأنهى مَا وَقع فِي حَقه فَقَالَ لَهُ من هُوَ غريمك؟ فَقَالَ مَا لي غَرِيم فانتهره السلطن لذَلِك وَقَالَ لَهُ من هُوَ غريمك؟ وتكرر ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ غريمي عمر الزبال وَهُوَ رجل من أقل الْعَوام يجمع الزبل للحمامات بالقدس فَأمر السُّلْطَان بِضَرْب عمر الْمَذْكُور فَضرب بالمقارع - وَهُوَ مظلوم فِي الْوَاقِع - وَبَقِي أهل الْقُدس يسخرون بِالْقَاضِي وَيَقُولُونَ غرماؤه عمر الزبال وزريق الْحمال وكحيله الطبال ثمَّ انْتهى الْحَال الى تلاشي احوال القَاضِي وانعكس أمره واختفى فتحقق السُّلْطَان باختفائه انه مُبْطل فَصرحَ بعزله وَخرجت سنة خمس وَسبعين وَالْأَمر على ذَلِك والاخبار وَارِدَة الى بَيت الْمُقَدّس على أَنْوَاع مُخْتَلفَة واصحاب الاهواء كل مِنْهُم يتَكَلَّم بِمَا يُوَافق هَوَاهُ ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا دخل القَاضِي نور الدّين البدرشي الْمَالِكِي الْقُدس الشريف مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْمَالِكِيَّة عوضا عَن القَاضِي حميدالدين ابي حَامِد بعد استقراره فِي الْوَظِيفَة من اواخر سنة خمس وَسبعين وَكَانَ دُخُوله الى الْقُدس فِي أَوَائِل الْمحرم فقمع المبتدعين وَنصر الشَّرِيعَة وفيهَا انْعمْ السُّلْطَان على شيخ الاسلام الكمالي ابْن أبي شرِيف باستقراره فِي مشيخة الْمدرسَة الصلاحية بالقدس الشريف من غير سعي مِنْهُ وَلَا بدل بل عينه السُّلْطَان لذَلِك فتوقف فِي الْقبُول ثمَّ الزم فَقبل وأنعم على القَاضِي شهَاب الدّين ابي - حَاتِم حَامِد بن عتبَة الشَّافِعِي بِقَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف وعَلى القَاضِي خير الدّين أبي الْخَيْر مُحَمَّد بن عمرَان الْحَنَفِيّ بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة وعَلى الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري بمشيخة الْمدرسَة الْقَدِيمَة الَّتِي كَانَ بناها النَّاظر حسن - كَمَا تقدم - وَهِي الَّتِي هدمت وَبنى مَكَانهَا الْمدرسَة الأشرفية الْمَوْجُودَة الْآن بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم السبت فِي شهر صفر والبس الثَّلَاثَة وهم شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَالْقَاضِي

الشَّافِعِي وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ التشريف السلطاني على الْعَادة وألبس الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري على الْعَادة صوف اخضر على سنجاب وَحصل لَهُم الْجَبْر والاكرام فَإِنَّهُم لما اقْبَلُوا على السُّلْطَان من بَاب الحوش ووصلوا الى قريب من سَرِير الْملك نزل السُّلْطَان عَن السرير فانتصب قَائِما وَسلم عَلَيْهِم ثمَّ أَمرهم القَاضِي زين الدّين بن مزهر كَانَت بالسر بِالْخرُوجِ من الْحلقَة ولبسهم الْخلْع فالبسوا عَن يَمِين السُّلْطَان تَحت السحابة ثمَّ عَادوا الى السُّلْطَان وَهُوَ وَاقِف لم يجلس واسترعى القَاضِي زين الدّين ابْن مزهر لَهُم الْولَايَة من السُّلْطَان فِي مشيخة الصلاحية وَقَضَاء الشَّافِعِيَّة وَقَضَاء الْحَنَفِيَّة فَصرحَ بتوليتهم فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان فوضم للملوك مشيخة مدرستكم الشَّرِيفَة؟ فَقَالَ نعم وَكنت حَاضرا ذَلِك الْمجْلس وَانْصَرفُوا من حَضْرَة السُّلْطَان الى مَنَازِلهمْ بالجامع الْأَزْهَر وسافر شيخ الاسلام وصحبته القَاضِي الشَّافِعِي والحنفي من الْقَاهِرَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن شهر ربيع الأول ودخلوا الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وقرئت التواقيع الشَّرِيفَة بعد صَلَاة الْجُمُعَة سادس عشري شهر ربيع الأول وفيهَا فِي نَهَار الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشري شعْبَان دخل الى الْقُدس الشريف الْأَمِير يُوسُف الجمالي التنائب عَائِدًا من لتجريدة فَإِنَّهُ كَانَ توجه الى التجريدة المجهزة لقِتَال شهسوار صُحْبَة الْأَمِير يشبك الدوادار وَأذن لَهُ فِي الانصارف الى مَحل ولَايَته فَحَضَرَ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وفيهَا فِي شهر شعْبَان ايضا ظهر نجم فِي السَّمَاء لَهُ ذَنْب مستطيل وَاسْتمرّ يطلع مُدَّة لَيَال وَتَطير النَّاس من ذَلِك وفيهَا فِي أَوَاخِر السّنة حضر الى الْقُدس الشريف القَاضِي برهَان الدّين بن ثَابت النابلسي وَكيل السُّلْطَان وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أَمر وكَالَته توجه للسلام عَلَيْهِ

قُضَاة بَيت الْمُقَدّس وأعيانه خشيَة سطوته وفيهَا فِي شهر ذِي الْقعدَة توفّي الامام شهَاب الدّين أَحْمد بن حَافظ إِمَام الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فقرر نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين النشاشيبي فِي الامامة القَاضِي خير الدّين بن عمرَان وَالشَّيْخ شهَاب الدّين الشنتير فَلم يتم ذَلِك وبرز مرسوم السُّلْطَان بعزلهما وان ييستمر شهَاب الدّين بن الشنتير يُبَاشر على ان يرد على النَّاظر مَا يعْتَمد عَلَيْهِ واشيع ان الْوَظِيفَة تعيّنت لامام السُّلْطَان الشَّيْخ نَاصِر الدّين الاخميمي الَّذِي ولي قَضَاء الديار المصرية فِيمَا بعد وَكَانَ غَائِبا بِمَكَّة فَلَمَّا حضر الى الْقَاهِرَة امْتنع من الْحُضُور الى الْقُدس بِمُبَاشَرَة الامامة وَاسْتمرّ الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن الشنتير يُبَاشر على صفة النَّائِب لصَاحب الْوَظِيفَة الى اواخر السّنة الْآتِيَة وَهِي سنة سبع وَسبعين 877 هـ ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي شهر الْمحرم ف شرع الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي فِي عمَارَة الدرجَة المتوصل مِنْهَا الى صحن الصَّخْرَة الشَّرِيفَة تجاه بَاب السلسلة الْمُجَاورَة لقبة النحوية وَكَانَ قبلهَا دَرَجَة ضيقَة عَلَيْهَا قبو مَعْقُود وَكَانَ يُسمى زقاق البوس فسده وَبنى فَوْقه الدرجَة الْمَوْجُودَة الْآن وَعمل لَهَا قناطر على عمد كَبَقِيَّة الدرج الَّتِي للصخرة وَكَانَ الْفَرَاغ من عمارتها فِي شهر جمادي الأولى وَحصل بهَا الابتهاج لكَونهَا تقَابل بَاب السلسلة وَهُوَ عُمْدَة أَبْوَاب الْمَسْجِد وفيهَا فِي شهر الْمحرم حضر الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري من الْقَاهِرَة وَدخل الى الْقُدس الشريف وَهُوَ لابس التشريف السلطاني بمشيخة الْمدرسَة الَّتِي هدمت فَإِنَّهُ لما توجه الشَّيْخ كَمَال الدّين بن ابي شرِيف وَمن مَعَه من الْقَاهِرَة اسْتمرّ هُوَ مُقيما الى ان حضر فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وفيهَا فِي عَاشر الْمحرم ورد الْخَبَر بِالْقَبْضِ على شهسوار على يَد الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير وَكَانَ قَبضه فِي أَوَاخِر السّنة الْمَاضِيَة وَهِي سنة سِتّ وَسبعين وَالَّذِي تولى إِمْسَاكه وَوَضعه فِي الْحَدِيد ملك الامراء برقوق نَائِب الشَّام

وَفِي مستهل شهر ربيع الأول توجه شيخ الاسلام كَمَال الدّين بن ابي شرِيف شيخ الْمدرسَة الصلاحية وصحبته الْقُضَاة الاربعة بالقدس الشريف وهم القَاضِي شهَاب الدّين بن عبِّيَّة الشَّافِعِي وَالْقَاضِي خير الدّين بن عمرَان الْحَنَفِيّ وَالْقَاضِي نور الدّين البدرشي الْمَالِكِي وَالْقَاضِي كَمَال الدّين النابلسي الْحَنْبَلِيّ وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء من الْقُدس للرملة لملاقاة الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير عِنْد قدومه من الْبِلَاد الشامية وصحبته شهسوار فِي الاعتقال وَكَانَ تقدمهم للملاقاة نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي ونائب السلطنة يُوسُف الجمالي وَدخل يشبك الدوادار وَمَعَهُ شهسوار والعساكر السُّلْطَانِيَّة الى مَدِينَة الرملة فِي رَابِع شهر ربيع الأول وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَنزل على قبَّة الْجُلُوس واحتمع بِهِ شيخ الاسلام الكمالي والقضاة وناظر الْحَرَمَيْنِ وسلموا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مخيمه فَتَلقاهُمْ بالاكرام وَكَانَ من خطاب شيخ الاسلام لَهُ المرجو من كرم الله تَعَالَى كَمَا جعلكُمْ سَببا لكشف هَذِه الْغُمَّة ان يلهمكم شكر هَذِه النِّعْمَة ثمَّ سَافر من ليلته الى جِهَة غرَّة وَتوجه شيخ الاسلام والقضاة الى بَيت الْمُقَدّس وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير دقماق الاينالي فِي نِيَابَة السلطنة بالقدس الشريف عوضا عَن يُوسُف الجمالي ولاه الْأَمِير يشبك الدوادار بِمَدِينَة غَزَّة عقب سفرة من الرملة وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي حادي عشر ربيع الأول وَحضر قِرَاءَة المولد الشريف فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وأوقد لَهُ الْمَسْجِد على الْعَادة وَكَانَت لَيْلَة مَشْهُودَة وباشر النِّيَابَة بِحرْمَة زَائِدَة وشهامة وقمع المناحيس لكنه كَانَ عسوفا فِي احكامه وَلم تطل مدَّته فَأَقَامَ بالقدس مائَة يَوْم واربعة أَيَّام وَتُوفِّي فِي خَامِس عشري جمادي الْآخِرَة وَدفن بالزاوية القلندرية بتربة ماملا وَاسْتقر بعده فِي النِّيَابَة الْأَمِير جقمق نَائِب دمياط الظَّالِم الْفَاجِر وَكَانَ - كَمَا قَالَ بَعضهم - لَا فَارس الْخَيل وَلَا وَجه الْعَرَب وَدخل متسلمه الى الْقُدس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري رَجَب وَدخل جقمق فِي اوائل شهر رَمَضَان وَكَانَ يَوْم دُخُوله

الْمَطَر وَلما ورد الْخَبَر بتوليته وَأَنه من جملَة من ترك الديار المصرية ظن النَّاس وشهامة فشرع الْعَوام يَقُولُونَ تولى جقمق من خَالفه شنق فَلَمَّا دخل فِي ذَلِك الْيَوْم الْكثير الأمطار تفاءل النَّاس ان لحيته بَارِدَة فَكَانَ وَشرع يكثر المزاح وَيتَكَلَّم بالْكلَام المهمل الْمُوجب لضحك النَّاس عَلَيْهِ صدر مِنْهُ ترهات وكلمات فشرية فِي الْمجَالِس والمحافل مِنْهَا انه كَانَ فِي عقد مجْلِس بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِحُضُور نَاظر الْحَرَمَيْنِ والقضاة وارتفع فشرع يتقلق من الْجُلُوس وَيَقُول انا الى الْآن مَا افطرت وَقد دخت من ثمَّ أَمر باحضار بقسماطة فأحضر لَهُ فشرع يَأْكُل مِنْهُ فَقدر أَن القيسماط كَانَ يَابسا فعسر عَلَيْهِ أكله وَشرع يعالجه وَالنَّاس ينظرُونَ اليه وَهُوَ يَقُول إِذا طلعت الشَّمْس على البرج حط يدك فِي الخرج وَالنَّاس يَضْحَكُونَ الْخَاص والعوام ثمَّ نَهَضَ وَتوجه الى حَال سَبيله وَتَبعهُ اعوانه فَقيل لَهُ ان الْمجْلس فتْنَة والاكابر جُلُوس فَلَو جَلَست مَعَهم فَقَالَ مَا يحْتَاج انا حضوري لَا فرض وَلَا سنة وَكَانَ يصدر مِنْهُ أَشْيَاء من هَذَا النسق فَكَانَت سَببا لتلاشي أَحْوَال الْبِلَاد وَفَسَاد النظام وَكَثْرَة السراق وقطاع الطّرق وفيهَا وَقع مطر كثير وَبرد بِبَيْت الْمُقَدّس وَهدم اماكن كَثِيرَة بِسَبَب ذَلِك قيل انها ثلثمِائة وَسِتُّونَ مَكَانا وَمن جُمْلَتهَا زَاوِيَة سيدنَا ولي الله الشَّيْخ مُحَمَّد رشي بِخَط مرزبان وَكَانَ هدم الزاوية فِي لَيْلَة مستهل رَمَضَان وَلم يحصل أحد من الْهدم ضَرَر سوى امْرَأَة وَاحِدَة مَاتَت من بَيت هدم عَلَيْهَا وفيهَا رتب السُّلْطَان لمدرسته بالقدس الشريف صوفية وفقهاء وَعين لَهَا أوقافا مَدِينَة غَزَّة وَجعل عدَّة الصُّوفِيَّة سِتِّينَ نَفرا لكل نفر فِي كل شهر خَمْسَة عشر درهما سامية وَجعل للطلبة لكل نفر فِي كل شهر خَمْسَة واربعين درهما وَجعل لَهَا أَرْبَاب لطائف من الْفراش والبواب وَنَحْو ذَلِك وَجعل للشَّيْخ فِي كل شهر خَمْسمِائَة دِرْهَم

وَحضر فِيهَا شَيخنَا الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري وَحضر مَعَه الصُّوفِيَّة واشتغل الطّلبَة وَكَانَ ذَلِك فِي شهر جمادي الْآخِرَة وَاسْتمرّ الْأَمر على ذَلِك مُدَّة ثمَّ قطع لما قصد السُّلْطَان هدمها كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وفيهَا ورد مرسوم شرِيف على يَد ساع بِطَلَب القَاضِي شهَاب الدّين بن عبِّيَّة الشَّافِعِي الى الابواب الشَّرِيفَة فَتوجه من الْقُدس فِي يَوْم الاحد خَامِس ذِي الْحجَّة الْحَرَام وَلم يسْتَخْلف أحدا عَنهُ فِي الحكم واستناب فِي النّظر فِي الاوقاف القَاضِي الْحَنْبَلِيّ كَمَال الدّين النابلسي وفيهَا اسْتَقر الشَّيْخ سعدالله الْحَنَفِيّ فِي إِمَامَة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة بعد منع القَاضِي خير الدّين بن عمرَان وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن الشنتير وَدخل الى الْقُدس فِي يَوْم الاحد سادس عشري ذِي الْحجَّة وَهُوَ لابس خلعة السُّلْطَان وَهِي تشريف وطرحة على الْعَادة وَدخل مَعَه قَاصِدا ابْن عُثْمَان ملك الرّوم الْوَارِد بالبشارة ان حسن بيك توجه الى بِلَاده وعَلى القاصد خلعة السُّلْطَان وَتقدم ذكر ذَلِك ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي يَوْم الاحد سَابِع عشر الْمحرم توجه نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين الامير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن النشاشيبي الى الْقَاهِرَة وصحبته جمَاعَة المباشرين بمرسوم شرِيف ورد بطلبهم وفيهَا فِي شهر الْمحرم ورد الْخَبَر الى الْقُدس الشريف صُحْبَة الْحجَّاج بوفاة الْخَطِيب برهَان الدّين ابراهيم بن عَلَاء الدّين عَليّ القرقشندي أحد خطباء الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَأَنه توفّي بعد فارغه من الْحَج وظهوره من مَكَّة بِمَنْزِلَة بطن مرو فِي خَامِس عشر ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة فَتوجه ابْن عَمه الْخَطِيب الْعَلامَة فتح الدّين أَبُو الْحرم مُحَمَّد بن شَيخنَا الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام التقوي القرقشندي الى الْقَاهِرَة المحروسة للسعي فِيمَا كَانَ بيد ابْن عَمه الْخَطِيب برهَان الدّين من نصف خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَغير ذَلِك من الْوَظَائِف الدِّينِيَّة فَوجدَ الشَّيْخ شهَاب الدّين ابا الْعَبَّاس احْمَد ابْن المحوجب الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي اُحْدُ أَصْحَاب الْمقر

الزيني ابي بكر بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف قد اسْتَقر فِي الْوَظَائِف الْمَذْكُورَة بمساعدة الْمقر الْمشَار اليه وبرز لَهُ الْأَمر بذلك وَكتب لَهُ توقيع شرِيف فَلَمَّا وصل الْخَطِيب فتح الدّين القرقشندي الى الْقَاهِرَة وَعلم بِهِ الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن المحوجب تنزه عَن الْوَظَائِف وَأسْقط حَقه مِنْهَا وَسَأَلَ فِي اسْتِقْرَار الْخَطِيب فتح الدّين ابي الْحرم فِيهَا فَعرض الْأَمر على السُّلْطَان ورسم لَهُ باستقراره فِي ذَلِك وانتظم الْحَال على ذَلِك فعارض فِي ذَلِك القَاضِي برهَان الدّين بن ثَابت وَكيل السُّلْطَان وسعى فِي الْوَظَائِف الْمَذْكُورَة للخطيب محب الدّين بن جمَاعَة - الْمُتَقَدّم ذكره - وارسل اليه فَتوجه من الْقُدس الى الْقَاهِرَة وقوى أمره ببذل المَال مَعَ مساعدة وَكيل السُّلْطَان فأخرجت الْوَظَائِف عَن الْخَطِيب ابي الْحرم وَاسْتقر الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة فِي نصف خطابة الْمَسْجِد الاقصى وَمَا مَعهَا من الْوَظَائِف الدِّينِيَّة عوضا عَن الْخَطِيب برهَان الدّين القرقشندي بِحكم وَفَاته وَرُجُوع شهَاب الدّين بن المحوجب وعزل الْخَطِيب ابي الْحرم واضيف اليه نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية مشاركا للشَّيْخ ابي البركات بن غَانِم وَكتب لَهُ بذلك توقيع شرِيف وَاسْتقر اخوه شيخ الاسلام نجم الدّين بن جمَاعَة فِي مشيخة الصلاحية عوضا عَن شيخ الاسلام الكمالي بن ابي شرِيف وَاسْتقر القَاضِي جمال الدّين الديري فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف عوضا عَن القَاضِي خير الدّين بن عمرَان ورسم للْقَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه باستمراره فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة وللأمير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي باستمراره فِي النّظر على عَادَته كل ذَلِك فِي مُدَّة مُتَقَارِبَة فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَسبعين وَكَانَ القَاضِي غرس الدّين خَلِيل الْكِنَانِي الَّذِي كَانَ شيخ الصلاحية وقاضي الْقُدس قد شكى القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه للسُّلْطَان بِسَبَب مَا وَقع فِي حَقه

من النهب وَمَا تقدم شَرحه فِي سنة خمس وَسبعين وَزعم ان غَرِيمه القَاضِي شهَاب الدّين ابْن عبيه وانه هُوَ الْآمِر بذلك وَشهد لَهُ بذلك الشَّيْخ جمال الدّين بن غَانِم شيخ الْحرم فِي حَضْرَة السُّلْطَان فِي وَجه القَاضِي شهب الدّين بن عبيه فرسم لَهُ السُّلْطَان بِأَلف دِينَار مِنْهَا مِائَتَا دِينَار على ناضر الْحَرَمَيْنِ الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي وَمِائَتَا دِينَار على شيخ الاسلام الكمالي بن ابي شرِيف وَمِائَتَا دِينَار على القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه وعَلى الخزائن الشَّرِيفَة واربعمائة دِينَار فَقبض مَا رسم لَهُ بِهِ من القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه وَلم يقبض من غَيره شَيْئا ثمَّ وَقع بعد ذَلِك مَا تقدم من اسْتِمْرَار القَاضِي الشَّافِعِي وناضر الْحَرَمَيْنِ وَولَايَة شيخ الصلاحية وأخيه وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ وَأذن لَهُم فِي السّفر فَدخل الى الْقُدس الشريف نَاظر الْحرم الشريف الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي وَالْقَاضِي شهَاب الدّين ابْن عبيه وعَلى كل مِنْهُمَا خلعة السُّلْطَان وَكَذَلِكَ الْأَمِير جقمق نَائِب السطنة البس خلعة الِاسْتِمْرَار وَردت عَلَيْهِ من الْقَاهِرَة وَدخل الثَّلَاثَة الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشري ربيع الاول وَكَانَ يَوْمًا حافلا ثمَّ دخل القَاضِي جمال الدّين الديري الْحَنَفِيّ الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن شهر ربيع الآخر وَهُوَ لابس تشريف الْولَايَة وَهُوَ ضَعِيف متوعك وَكَانَ حمل فِي محفة من الرملة الى قصر ابْن عَمه الشَّيْخ تَاج الدّين الديري عِنْد خَان الظَّاهِر ثمَّ البس الخلعة وَدخل وَهُوَ فِي غَايَة الانزعاج فَأَقَامَ اربعة عشر يَوْمًا وَتُوفِّي فِي يَوْم الاربعاء حادي عشر ربيع الآخر وَلم يقدر انه حكم حكما وَلَا جلس للْحكم بعد مَال كَبِير بذله فِي الْولَايَة وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَدفن بماملا الى جَانب وَالِده من جِهَة الْقبْلَة وَضبط موجوده وَكَانَ مِمَّن حَضَره قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي نور الدّين البدرشي ثمَّ توفّي بعده بِعشْرَة ايام فِي لَيْلَة السبت ثَانِي جمادي الأولى وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة

وَتقدم ذكر ذَلِك مفصلا عِنْد ذكر التراجم وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك هُنَا لينتظم ذكر الْحَوَادِث الْوَاقِعَة فِي زمن مَوْلَانَا السُّلْطَان وَفِي يَوْم الاربعاء سادس جمادي الأولى توفّي شمس الدّين مُحَمَّد بن قطيبا الانصاري الْمَشْهُور بالعجمي أحد أَعْيَان المباشرين بالقدس الشريف والخليل عَلَيْهِ السَّلَام وَدفن بماملا وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع جمادي الأولى وصل الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة وَدخل هُوَ وَأَخُوهُ شيخ الاسلام النجمي وعَلى كل مِنْهُمَا خلعة السُّلْطَان بِولَايَة مَا تقدم ذكره من شيخة الصلاحية وَنصف الخطابة وَمَا مَعهَا وَنصف مشيخة الخانقاه الصلاحية ودخلا الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَالنَّاس مَعَهُمَا وجلسا فِي الْمِحْرَاب وَقُرِئَ توقيع كل مِنْهُمَا وهما جالسان وَكَانَ الْقَارِي لَهما شمس الدّين بن عجور وَهَذَا خلاف المصطلح الْمَعْرُوف فَإِن الْعَادة جرت بِتَأْخِير قِرَاءَة التوقيع الى بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَاسْتقر القَاضِي خير الدّين بن عمرَان فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف والرملة بِحكم وَفَاة القَاضِي جمال الدّين الديري وَكتب توقيعه فِي خَامِس عشر جمادي الأولى وَورد عَلَيْهِ التوقيع والتشريف فَلبس من الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف فِي صَبِيحَة يَوْم الاربعاء حادي عشر جمادي الْآخِرَة وَمَشى النَّاس فِي خدمته الى منزله بِبَاب الْحَدِيد وَقُرِئَ توقيعه فِي يَوْم الْجُمُعَة (وَاقعَة بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) وفيهَا وَقعت فتْنَة بَين طَائِفَة الدارية وَطَائِفَة الاكراد فَحصل بَينهمَا تشاجر وانتشر الْكَلَام بَينهمَا فَقتل من الْفَرِيقَيْنِ ثَمَانِيَة عشر نَفرا واستنفر كل من الطَّائِفَتَيْنِ من ينتصر لَهَا من العشير فَدَخَلُوا الى الْمَدِينَة ونهبوا مَا فِيهَا عَن آخِره إِلَّا الْقَلِيل مِنْهَا وَخَربَتْ أَمَاكِن وَاجْتمعَ أهل الْبَلَد من الاكراد ودخلوا بأولادهم وَنِسَائِهِمْ

الى الْمَسْجِد الشريف وَأَغْلقُوا الابواب وَدخل جمَاعَة الدارية الى القلعة وتحصنوا بهَا وَكَانَت حَادِثَة فَاحِشَة لم يسمع بِمِثْلِهَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَرفع الْأَمر للسُّلْطَان فسير الْأَمِير عَليّ باي الخاصكي للكشف عَن ذَلِك وتحريره فَحَضَرَ الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الثُّلَاثَاء من عشر جمادي الْآخِرَة وَنزل بدار طوغان بِرَأْس دَرَجَة المولة وَكَانَ ظَالِما عسوفا جبارا عنيدا ميالا يقْرَأ وَلَا يحسن الْكَلَام بالعربي فَوَقع لَهُ انه صلى الصُّبْح بقبة الصَّخْرَة فِي يَوْم كثير الْمَطَر فَرَأى الشَّيْخ زين الدّين عبد الْقَادِر بن قطلوشاه الْمقري يمشي على صحن الصَّخْرَة بالقبقاب فَأَخذه وَتوجه بِهِ الى منزله وضربه ضربا مبرحا ورسم عَلَيْهِ وَلم يفلته إِلَّا بِمَشَقَّة بمساعدة نَاظر الْحَرَمَيْنِ ابْن النشاشيبي وَالْقَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه ثمَّ توجه الى بلد الْخَلِيل صُحْبَة النَّاظر ونائب السلطنة الْأَمِير جقمق وَالْقَاضِي الشَّافِعِي شهَاب الدّين بن عبيه وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ خير الدّين بن عمرَان وَالْقَاضِي الْحَنْبَلِيّ كَمَال الدّين النابلسي وَكَانَ القَاضِي نور الدّين الْمدرس الْمَالِكِي قد توفّي إِلَى رَحْمَة الله فتوجهوا الى بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وجلسوا وَمَعَهُمْ أكَابِر بلد الْخَلِيل وَكَتَبُوا محَاضِر بِمَا وَقع من النهب وَالْقَتْل والسبي فِي ذَلِك ثمَّ قبض الخاصكي على أكَابِر بلد الْخَلِيل من الْقُضَاة والمشايخ وَطلب مِنْهُم اثْنَي عشر الف دِينَار وَتوجه وهم مَعَه معتقلا عَلَيْهِم الى أَن وصل الى مَدِينَة غَزَّة فَقتله يشبك العلائي نَائِب غَزَّة بمرسوم شرِيف ورد عَلَيْهِ من السُّلْطَان خُفْيَة وأشاع أَنه دخل الى الاصطبل ليَأْخُذ فرسا طلبَهَا من النَّائِب فَوَقع عَلَيْهِ حَائِط فَمَاتَ وَكَانَ مَوته فِي يَوْم الاربعاء حادي عشر رَجَب وثارت فتْنَة بِسَبَبِهِ بِالْقَاهِرَةِ من المماليك الجلبان وَاعْتذر لَهُم السُّلْطَان وَأنكر ان يكون أَمر نَائِب غَزَّة بقتْله وَحلف على ذَلِك وَمِمَّا وَقع انه لما ضرب الشَّيْخ زين الدّين عبد الْقَادِر بن قطلوشاه - كَمَا تقدم - وَكَانَ من أهل الْقُرْآن وَضرب بِغَيْر حق وَكَانَ يتَضَرَّع الى الله وَيَدْعُو عَلَيْهِ فَبينا هُوَ ذَات لَيْلَة نَائِم فِي فرَاشه والى جَانِبه زَوجته وَهِي ابْنة عَمه إِذْ سمعته وَهُوَ نَائِم

يَقُول اللَّهُمَّ خلص حَقي عَاجلا فَإِنِّي لَا أَصْبِر إِلَى الْآخِرَة لَا أَصْبِر الى الْآخِرَة لَا اصبر الى الْآخِرَة كررها ثَلَاثًا ثمَّ اسْتَيْقَظَ من نَومه فَأَخْبَرته زَوجته بِمَا سَمِعت مِنْهُ فصدقها على أَنه تكلم بذلك فِي رُؤْيا رَآهَا فَفِي صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة ورد الْخَبَر الى الْقُدس بهلاكه بغزة فسبحان قاصم الْجَبَابِرَة ثمَّ توجه اهل الْخَلِيل الى حَضْرَة السُّلْطَان وَلم يحصل لَهُم إِلَّا الْخَيْر ببركة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وعادوا الى أوطانهم وتراجع أَمر مَدِينَة الْخَلِيل الى الْعِمَارَة وَصلح حَالهَا وَللَّه الْحَمد (وَاقعَة كَنِيسَة الْيَهُود) وفيهَا وَقعت حَادِثَة بالقدس الشريف وَهِي ان بحارة الْيَهُود مَسْجِدا للْمُسلمين عَلَيْهِ مَنَارَة وَهُوَ بلصق كَنِيسَة الْيَهُود من جِهَة الْقبْلَة ويتوصل الى الْمَسْجِد من زقاق مستطيل من جِهَة الْقبْلَة وبجوار الْمَسْجِد من جِهَة الغرب دَار من جملَة اوقاف الْيَهُود فَوَقع الْمَطَر فِي زمن الشتَاء وَلَعَلَّه فِي شهر جمادي الاخرة فهدمت الدَّار الْمَذْكُورَة فكشف بَاب الْمَسْجِد من جِهَة الشَّارِع المسلوك فقصد الْمُسلمُونَ الِاسْتِيلَاء على الدَّار المنهدمة وَأَن يكون الاستطراق الى الْمَسْجِد مِنْهَا لكَونهَا على الشَّارِع المسلوك فَيكون أقرب للمصلين من الاستطراق من ذَلِك الزقاق القبلي لبعده بِالنِّسْبَةِ الى هَذَا الْمَكَان فَامْتنعَ الْيَهُود من ذَلِك وَرفعُوا أَمرهم للقضاة واظهروا من ايديهم الْمُسْتَند الشَّاهِد لَهُم باستحقاقهم للدَّار الْمَذْكُورَة واتصل ثُبُوته بحكام الشَّرِيعَة فنازعهم السملمون فِي ذَلِك وَزَعَمُوا ان الدَّار الْمَذْكُورَة من حُقُوق الْمَسْجِد وانْتهى الْحَال الى ان الْقُضَاة توجهوا بِأَنْفسِهِم لكشف ذَلِك وتحريره فجلسوا بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُور وهم القَاضِي شهَاب بن عبيه الشَّافِعِي وَالْقَاضِي خير الدّين بن عمرَان الْحَنَفِيّ وَالْقَاضِي كَمَال الدّين النابلسي الْحَنْبَلِيّ وَكنت حَاضرا ذَلِك الْمجْلس فحرر أَمر

الدَّار الْمَذْكُورَة المهندسون وَقُرِئَ الْمَكْتُوب الْمحْضر من ايدي الْيَهُود فَتبين أَن الدَّار من جملَة أوقاف الْيَهُود وَأَن الْحق لَهُم فِيهَا وانفصل الْمجْلس على ذَلِك وَكَانَ ذَلِك فِي شهر رَجَب فَلم يرض الْمُسلمُونَ بذلك وتعصب بعض الْعَوام وَتوجه الى الْقَاهِرَة ووقف للسُّلْطَان وأنهى أَن الْكَنِيسَة الَّتِي للْيَهُود بالقدس محدثة وَأَن الدَّار الْمَذْكُورَة من جملَة حُقُوق الْمَسْجِد وَهِي بايدي الْيَهُود بِغَيْر حق فبرز مرسوم السُّلْطَان بِالنّظرِ فِي ذَلِك وتحريره وَورد الْأَمر بذلك الى الْقُدس الشريف فِي شهر رَمَضَان فعقد مجْلِس بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية بِمَجْلِس نَاظر الْحَرَمَيْنِ بن النشاشيبي بِحُضُور القَاضِي الشَّافِعِي شهَاب الدّين بن عبيه وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ خير الدّين بن عمرَان وَكَانَ الْمَالِكِي قدتوفي - كَمَا تقدم - والحنبلي قد عزل من شهر شعْبَان وَلزِمَ بَيته وَحضر بِالْمَجْلِسِ شيخ الاسلام نجم الدّين بن جمَاعَة شيخ الصلاحية وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَالشَّيْخ شهَاب الدّين العميري وَجمع من الْفُقَهَاء وَقُرِئَ المرسوم الشريف وَدَار الْكَلَام بَين الْحَاضِرين واقيمت بَينه شهِدت عِنْد القَاضِي الشَّافِعِي ان كَنِيسَة الْيَهُود محدثة فِي دَار الاسلام فاشهد عَلَيْهِ عِنْد القَاضِي انه منع الْيَهُود من اتخاذها كَنِيسَة لما صَحَّ عِنْده من انها محدثة فِي دَار الاسلام إِذْ لَا دَار لَهُم فَتكلم كَبِير الْيَهُود واسْمه يَعْقُوب بِكَلَام يقتضى العند لما امْر بِهِ القَاضِي فانتهره القَاضِي وَقَالَ لَهُ يَا مَلْعُون تنَازع فِي الاحكام الشَّرْعِيَّة وَالله أحضر لَك الجلاد يضْرب عُنُقك فهم الْمُسلمُونَ بالبطش باليهود فنهاهم القَاضِي عَن ذَلِك وَكَانَ من لَفظه يَا أمة التَّوْحِيد لَا يعارضهم أحد فَإِن هَؤُلَاءِ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَذمَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ كتب محضرا بِمَا وَقع وَكتب فِيهِ الْعلمَاء والمشايخ خطوطهم وَكتب الموثق فِيهِ مَا صدر من القَاضِي الشَّافِعِي من مَنعهم وَكتب أَن القَاضِي الْحَنَفِيّ نفذ الْمَنْع فَلَمَّا وقف القَاضِي الْحَنَفِيّ على الْمحْضر انكر أَن يكون نفذ ذَلِك وَلم يضع خطه على الْمحْضر

وأغلقت الْكَنِيسَة وَمنع الْيَهُود من دُخُولهَا والتعبد فِيهَا على عَادَتهم فَرفع الْيَهُود أَمرهم للسُّلْطَان وأنهوا مَا وَقع لَهُم بالقدس ومنعهم من كنيستهم فرسم السُّلْطَان بِعقد مجْلِس بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بِخَط بَين القصرين وَالنَّظَر فِي ذَلِك وتحريره فَجَلَسَ قُضَاة الْقُضَاة بالديار المصرية وهم قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين الاسيوطي الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين الامشاطي الْحَنَفِيّ وقاضي الْقُضَاة برهَان الدّين اللَّقَّانِيّ الْمَالِكِي وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين السَّعْدِيّ الْحَنْبَلِيّ وَمن الْعلمَاء الشَّيْخ سراج الدّين الْعَبَّادِيّ وَالشَّيْخ جلال الدّين الْبكْرِيّ وَالشَّيْخ جلال الدّين بن الامانة وَجمع من النواب وَالْفُقَهَاء وَقُرِئَ الْمحْضر المكتتب بالقدس الشريف وَدَار الْكَلَام بَينهم فِيهِ وتأملوا مَا صدر من القَاضِي الشَّافِعِي بالقدس من منع الْيَهُود من اتخاذها كَنِيسَة وَتكلم الْعلمَاء فِي ذَلِك فافاد كل من قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ ان الْمَنْع الْمَذْكُور لَيْسَ بكاف فِي رفع الْيَد وَوَافَقَهُمَا على ذَلِك كل من الْعلمَاء الثَّلَاثَة - الْمشَار اليهم - وَأما الْمَالِكِي والحنبلي فَإِنَّهُمَا قَالَا هَذَا أَمر يتَعَلَّق بالشافعية وَلَيْسَ لنا فِيهِ تكلم وَكتب على ظَاهر الْمحْضر المكتتب بالقدس صُورَة عقد الْمجْلس بالصالحية وَمَا وَقع من قُضَاة مصر وعلمائها على هَذِه الصُّورَة ثمَّ برز مرسوم السُّلْطَان إِلَى نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة بالقدس والقضاة بِعقد مجْلِس بالقدس الشريف وَالْعَمَل بِمَا افاده قُضَاة مصر وعلماؤها وجهز المرسوم والمحضر على يَد بشير السَّاعِي وَهُوَ عبد اسود فَحَضَرَ الى الْقُدس الشريف وَعرض الْأَمر على الْحُكَّام فعقد مجْلِس بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تجاه بَاب النَّاظر عِنْد شَجَرَة الميس الَّتِي عَلَيْهَا السلسلة الْحَدِيد وَجلسَ نَاظر الْحَرَمَيْنِ نَاصِر الدّين بن النشاشيبي ونائب السلطنة الْأَمِير جقمق وَالْقَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه الشَّافِعِي وَالْقَاضِي خير الدّين بن عمرَان الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَالشَّيْخ أَبُو الْعَزْم بن الحلاوي

وَهُوَ الَّذِي كَانَ قَائِما فِي هَذِه الْحَادِثَة وَجمع من الْفُقَهَاء والاعيان وَالْخَاص وَالْعَام وَكَانَ يَوْمًا مشهودا فقرئ المرسوم الشريف ثمَّ فتح الْمحْضر وَقُرِئَ مَا كتب على ظَاهره بالديار المصرية وَقَول الْعلمَاء بهَا أَن الْمَنْع الصَّادِر من الْحَاكِم الشَّافِعِي بالقدس الشريف لَيْسَ بكاف فِي رفع الْيَد فَلَمَّا سمع القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه هَذَا اللَّفْظ انتهر الْيَهُود وَكَانُوا قد دخلُوا الى الْمَسْجِد باذن لَهُم فِي ذَلِك ووقفوا فِي الْحلقَة بَين الْمُسلمين وَقَالَ القَاضِي اما قَول عُلَمَاء مصر ان هَذَا الْمَنْع لَيْسَ بكاف فِي رفع الْيَد فَأَنا مُوَافق على ذَلِك أَنا مَا رفعت ايديهم عَنْهَا وَإِنَّمَا منعتهم من اتخاذها كَنِيسَة وَهِي مستمرة فِي أَيْديهم وأذنت لَهُم ان يتصرفوا فِيهَا حانوتا وصمم على ذَلِك وَمن جملَة لَفظه أَنا منعتهم من اتخاذها كَنِيسَة وَأَنا بَاقٍ على هَذَا الْمَنْع الى ان القى الله وأحضر الشُّهُود بِالْمَجْلِسِ وهم الشَّيْخ ابو الْعَزْم بن الحلاوي وشمس الدّين مُحَمَّد بن نَاصِر الصبان وناصر الدّين مُحَمَّد بن الدِّمَشْقِي وَعلي بن نصير الْبَنَّا وخليل بن عليان وَغَيرهم وشهدوا عِنْد القَاضِي الشَّافِعِي ان الْكَنِيسَة محدثة فِي دَار الاسلام وَأشْهد عَلَيْهِ القَاضِي مرّة ثَانِيَة أَنه منع الْيَهُود من اتخاذها كَنِيسَة وَكتب الْجَواب للسُّلْطَان بذلك وَتوجه القاصد من الْقُدس الشريف بِالْجَوَابِ وَكَانَ ذَلِك فِي شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام وَتَأْتِي تَتِمَّة هَذِه الْحَادِثَة فِي السّنة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وفيهَا فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وَهُوَ شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام توفّي الشَّيْخ زين الدّين ابو البركات بن غَانِم شيخ الخانقاه الصلاحية وَاسْتقر بعده فِي نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية القَاضِي برهَان الدّين بن ثَابت وَكيل الْمقَام الشريف وَورد الى الْقُدس الشريف مرسوم السُّلْطَان فَحَضَرَ بالخانقاه الصلاحية نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة وَالْقَاضِي الشَّافِعِي والحنفي وَقُرِئَ المرسوم الشريف بعد فرَاغ الْمحْضر مَضْمُونَة ان الصَّدقَات الشَّرِيفَة شملت القَاضِي برهَان الدّين بن ثَابت

باستقراره فِي نصف مشيخة الخانقاه ونظرها عوضا عَن ابي البركات بن غَانِم وانه استناب عَنهُ فِي الْمُبَاشرَة شَرِيكه الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة فَتمكن من الْمُبَاشرَة مَعَ مساعدته وَشد عضده وَكَانَ الْمُتَوَلِي لقِرَاءَة المرسوم الْعدْل شمس الدّين مُحَمَّد ابْن عجور وفيهَا عمر سوق الطباخين بالقدس الشريف بِبِنَاء القناطر المعقودة على الحوانيت وَكَانَت ابْتِدَاء الْعِمَارَة من شهر رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وَكَانَ قبل ذَلِك يسقف على الحوانيت بالقواصر وَيحصل من ذَلِك مشقة فِي الشتَاء من الوحل وَسُقُوط المَاء من ظهر السّقف فَعمِلت القنطرة وابتداؤها من درج الحرافيش الى قنطرة خَان الجبيلي فَحصل الرِّفْق للنَّاس بذلك فِي زمن الشتَاء ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وفيهَا ورد مرسوم السُّلْطَان على الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي نَاظر الْحَرَمَيْنِ بتمكين الْيَهُود من كنستهم وَعدم معارضتهم على عَادَتهم فمكنوا مِنْهَا ودخلوا اليه الْعنَّة الله عَلَيْهِم وَحصل للْمُسلمين بذلك نكاية فَإِن الْيَهُود أظهرُوا السرُور بذلك وعلقوا بهَا الستور وأوقدوا الْقَنَادِيل وَمضى الْأَمر على ذَلِك وفيهَا فِي يَوْم السبت سَابِع عشر صفر ورد مرسوم السُّلْطَان بالترسيم على القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة فَأَخذه نَائِب السلطنة الْأَمِير جقمق عِنْده بِمَنْزِلَة وَأقَام مُدَّة ثمَّ ورد الْأَمر الشريف بالافراج عَنهُ وفيهَا فِي عَشِيَّة يَوْم الاربعاء تَاسِع عشري صفر ورد مرسوم شرِيف بِولَايَة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابي عبد الله مُحَمَّد بن شيخ الاسلام شمس الدّين مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ وَهُوَ أَخُو القَاضِي جمال الدّين الديري - الْمُتَقَدّم ذكره - وَظِيفَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام والرملة وعزل القَاضِي خير الدّين بن عمرَان واصبح القَاضِي شمس الدّين الديري فِي يَوْم الْخَمِيس سلخ صفر جلس باصطبل أَخِيه الْكَائِن بِرَأْس عقبَة السِّت عِنْد سوق الزَّيْت وَسلم النَّاس عَلَيْهِ

ثمَّ فِي نَهَار الِاثْنَيْنِ ارْبَعْ ربيع الأول البس التشريف من ظَاهر الْبَلَد وَقُرِئَ توقيعه فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن ربيع الأول بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَفِي نَهَار الِاثْنَيْنِ ثامن عشر ربيع الاول توجه القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة الى الْقَاهِرَة مَطْلُوبا وفيهَا فِي اُحْدُ الربعين توفّي الْأَمِير خير بك الظَّاهِرِيّ الخشقدمي الَّذِي تسلطن لَيْلَة وَاحِدَة من غير عهد وَلَا مبايعة وَكَانَ قدومه من مَكَّة فِي أول سنة ثَمَان وَسبعين وَاسْتمرّ الى ان توفّي فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور بِالْمَدْرَسَةِ الخاتونية وَدفن بالقلندرية بماملا وفيهَا فِي شهر ربيع الآخر ورد مرسوم السُّلْطَان الى نَاظر الْحَرَمَيْنِ نَاصِر الدّين ابْن النشاشيبي وَنَظِيره للأمير جقمق نَائِب السلطنة مَضْمُون كل مِنْهُمَا انه اتَّصل بمسامعنا الشَّرِيفَة ان بعض الْفُقَرَاء بالقدس الشريف كتب كتابا الى الْقَاهِرَة يذكر فِيهِ أَن كَنِيسَة الْيَهُود بالقدس الشريف محدثة وان عُلَمَاء الاسلام افتوا بِعَدَمِ ابقائها وان الْيَهُود قَامُوا بمبلغ لَهُ صُورَة للخزائن الشريفه حَتَّى مكنوا من كنيستهم وَالدُّخُول اليها بِسَبَب مَا بذلوه من المَال للخزائن الشَّرِيفَة فعز ذَلِك على خواطرنا الشَّرِيفَة ومرسومنا ان يتَقَدَّم الْمجْلس بتحرير هَذَا الْأَمر وَمن تكلم بِهِ وتجهيز القَاضِي الشَّافِعِي وَالشُّهُود الَّذين شهدُوا فِيهَا الى الابواب الشَّرِيفَة لنَنْظُر فِي ذَلِك وأحضر كل من المرسومين على يَد بشير السَّاعِي فعقد مجْلِس بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى على المسطبة الكائنة عِنْد بَاب جَامع المغاربة وَكَانَ إِذْ ذَاك عَلَيْهَا شَجَرَة ميس فَقلعت وَنبت مَكَانهَا الْآن شجرتين وَحضر بِالْمَجْلِسِ نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة وَشَيخ الصلاحية نجم الدّين بن جمَاعَة وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَالْقَاضِي الشَّافِعِي شهَاب الدّين بن عبيه وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ شمس الدّين الديري وَجمع من الْفُقَهَاء وَكنت حَاضرا ذَلِك الْمجْلس وَطلب جمَاعَة من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة مِنْهُم الشَّيْخ مُوسَى بن الصَّامِت وَغَيره وسئلوا عَن هَذَا الْكتاب

المحكي لَفظه فِي مرسوم السُّلْطَان فَأنْكر كل مِنْهُم أَنه كتب هَذَا الْكتاب وَحلف بِاللَّه الْعَظِيم أَنه لم يكن سَمعه إِلَّا من لفظ المرسوم الشريف وَكتب محْضر باعادة الْجَواب على السُّلْطَان وَكَانَ المسطر لَهُ القَاضِي كَمَال الدّين ابو البركات مُحَمَّد بن الشَّيْخ خَليفَة الْمَالِكِي الَّذِي ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة فِيمَا بعد وَكتب فِيهِ ان الْعلمَاء والفقراء حلفوا بِاللَّه الْعَظِيم انهم لم يَكُونُوا كتبُوا ذَلِك وَلَا علمُوا بِهِ وَكتب الْعلمَاء والقضاة خطوطهم على الْمحْضر وكل مِنْهُم يحلف بِاللَّه على ذَلِك وَمن جملَة لفظ شيخ الصلاحية فِيمَا كتبه انه يقسم بِاللَّه الَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة مَا كتبت ذَلِك وَلَا علمت من كتبه وَمن جملَة مَا كتبه القَاضِي الشَّافِعِي وَلَو علمت بِهَذَا الْقَائِل لعزرته تعزيرا ولأقعدت بِهِ من الدجالين خلقا كثيرا وجهز هَذَا الْمحْضر الى السُّلْطَان على يَد قاصده بشير السَّاعِي فَلم يرض السُّلْطَان بذلك ورسم بِطَلَب القَاضِي الشَّافِعِي الى الْقَاهِرَة فَحَضَرَ هجان بِطَلَبِهِ بِسَبَب ذَلِك وبطلب نَاظر الْحَرَمَيْنِ أَيْضا فتوجها من الْقُدس الشريفه فِي نَهَار الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر جمادي الْآخِرَة وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو الْعَزْم بن الحلاوي خَال القَاضِي الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ يتَكَلَّم فِي أَمر الْكَنِيسَة فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أثار هَذِه الْفِتْنَة من أَولهَا فَلَمَّا وصل نَاظر الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي الشَّافِعِي الى منزلَة بِئْر العَبْد قبل وصولهما الى قطية لقيهمَا الشَّيْخ أَبُو الْعَزْم وَالسَّيِّد الشريف مُحَمَّد بن عفيف الدّين الايجي الْحُسَيْنِي وهما متوجهان الى الْقُدس الشريف فتكلما مَعَ القَاضِي الشَّافِعِي وَقَالا لَهُ ان السُّلْطَان لم يطلبك وَقد فوض النّظر فِي أَمر الْكَنِيسَة للسَّيِّد الشريف - الْمشَار اليه - وَهُوَ مُتَوَجّه الى الْقُدس لتحرير أمرهَا فَرجع القَاضِي صحبتهما من بِئْر العَبْد ودخلوا الى الْقُدس فِي يَوْم السبت ثَانِي شهر رَجَب

(ذكر هدم الكنيسة)

(ذكر هدم الْكَنِيسَة) ثمَّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شهر رَجَب عقدمجلس بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية حَضَره شيخ الاسلام كَمَال الدّين بن ابي شرِيف وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري والأمير جقمق نَائِب السلطنة وَالْقَاضِي الشَّافِعِي شهَاب الدّين بن عبيه وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ شمس الدّين الديري وَالسَّيِّد الشّرف مُحَمَّد بن عفيف الدّين وَدَار الْكَلَام بَينهم وَحصل الْبَحْث بَين الشَّيْخ كَمَال الدّين بن ابي شرِيف وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري الخليلي وانتشر الْكَلَام بَينهمَا فَإِن شيخ الاسلام يَقُول لَا وَجه لمنع الْيَهُود من كنيستهم بِغَيْر مسوغ شَرْعِي وَيرى ان شَهَادَة من شهد بحدوثها بِغَيْر مُسْتَند شَرْعِي يسْتَند اليه فِي شَهَادَته لَا تقبل وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري كَانَ من جملَة القائمين فِي منع الْيَهُود بترجيح شَهَادَة من شهد بحدوثها فَلَمَّا حصل الْبَحْث بَينهمَا قصد الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري نصْرَة قَوْله فَكَانَ من جملَة لفظ شيخ الاسلام لَهُ لَا تبحث معي بحث خليلي وَكَانَ مَجْلِسا حافلا آخِره ان القَاضِي الشَّافِعِي اشْهَدْ عَلَيْهِ بِمَنْع الْيَهُود من اتخاذها كَنِيسَة كَمَا تقدم أَولا وَثَانِيا واتصل إشهاده بذلك بِالْقَاضِي الْحَنَفِيّ وَكتب محْضر بذلك ثمَّ فِي آخر ذَلِك الْيَوْم بعد الصعد توجه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عفيف الدّين وَمن مَعَه الى الْكَنِيسَة وَأمر بهدمها فشرع الْمُسلمُونَ فِي هدمها فهدم غالبها ثمَّ فِي ثَانِي ذَلِك الْيَوْم هدم بَاقِيهَا وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَشرع الشَّيْخ ابو الْعِزّ يحرض النَّاس على الْهدم وَيُقَوِّي عزمهم وَكلما ثار الْغُبَار من التُّرَاب على رُؤْس النَّاس واثوابهم ينفضه عَنْهُم بمنديل فِي يَده وَيَقُول هَذَا غُبَار الْجنَّة تثابون على هَذَا الْفِعْل فِي الْجنَّة ثمَّ توجه الشَّيْخ أَبُو الْعَزْم بالمحضر الى الْقَاهِرَة وَتوجه الْيَهُود للشكوى للسُّلْطَان فَلَمَّا علم السُّلْطَان بذلك وانهم افتاتوا عَلَيْهِ وهدموا الْكَنِيسَة بِغَيْر مرسومه غضب غَضبا شَدِيدا وَأمر بِالْقَبْضِ على الشَّيْخ أبي الْعَزْم وَكَانَ يَوْم وُصُوله للقاهرة

فَبَلغهُ الْخَبَر فاختفى من حِينه وَاسْتمرّ مختفيا الى أَن توجه الى مَكَّة المشرفة واقام بهَا بَقِيَّة عمره الى ان توفّي بهَا فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ رسم السُّلْطَان بِطَلَب القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه الشَّافِعِي وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَالشُّهُود الى الْقَاهِرَة فبادر القَاضِي الشَّافِعِي وسافر من الْقُدس قبل وُصُول المرسوم فَلَمَّا وصل الى مَدِينَة غَزَّة صَادف وُصُول المرسوم لنائب غَزَّة الْأَمِير يشبك العلائي وَعلم ان القَاضِي الشَّافِعِي وصل الى غَزَّة فَقبض عَلَيْهِ وَتَركه فِي الترسيم بغزة ثمَّ ركب وَحضر الى الْقُدس فِي يَوْم الاحد تَاسِع شعْبَان وَجلسَ بالرواق الْعلوِي الَّذِي عِنْد دَار النِّيَابَة بجوار مَنَارَة الغوانمة وارز من يَده المرسوم الشريف يتَضَمَّن اعلامه انه اتَّصل بالمسامع الشَّرِيفَة مَا وَقع من هدم كَنِيسَة الْيَهُود بالقدس الشريف فالجناب العالي يتَقَدَّم من فوره قبل وضع هَذَا الْمِثَال الشريف من يَده وَيتَوَجَّهُ بِنَفسِهِ الى الْقُدس الشريف وَيقبض على القَاضِي الشَّافِعِي وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وولديه وَأبي الْعَزْم وشمس الدّين بن نَاصِر وناصر الدّين الدِّمَشْقِي الحوراني ويجهزهم الى الابواب الشَّرِيفَة محتفظاً بهم فَطلب الْجَمَاعَة فهرب ابْن ابي الْعَزْم وَهُوَ المكنى بِأبي الْيمن وَقبض على بَقِيَّة الْجَمَاعَة وهم الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَمن ذكر فِي المرسوم وَوَضَعُوا فِي الْحَدِيد مَا عدا الشَّيْخ برهَان الدّين وَتوجه بهم من الْقُدس الشريف الى غَزَّة ثمَّ جهزهم وصحبهم القَاضِي الشَّافِعِي الى الْقَاهِرَة صُحْبَة قَاصد وَهُوَ رجل من اعوان الظلمَة اسْمه اسماعيل الكافري فوصلوا الى الْقَاهِرَة فِي أَوَاخِر شعْبَان ووقفوا للسُّلْطَان وَهُوَ جَالس بالحوش فِي مَحل خلْوَة فَأمر بضربهم فَضرب القَاضِي اولا ثمَّ الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَمن مَعَهُمَا ضربا مؤلما مَا عدا ابْن الدمقشي وَابْن عليان وَابْن نصير فَإِن السُّلْطَان رَآهُمْ من الشُّيُوخ الهرمين فَعَفَا عَنْهُم وَلما ضرب الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري شرع يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله اكبر لَا يزِيد على ذَلِك فألح عَلَيْهِ السُّلْطَان بقوله قل

لي الْحق فَقَالَ لَهُ الْحق مَا أَقُول وَشرع فِي التَّسْبِيح والتهليل على مَا هُوَ فِيهِ الى ان فرغ من ضربه ونهض وَهُوَ يذكر الله ثمَّ سلمهم للوالي الْأَمِير يشبك بن حيدر وتركهم عِنْده فِي الترسيم ثمَّ فِي اوائل شهر رَمَضَان عقد مجْلِس بِمَجْلِس الْأَمِير يشبك بن مهْدي الدوادار الْكَبِير وحضره قُضَاة الْقُضَاة الاربعة بالديار المصرية - الْمُتَقَدّم ذكرهم - وَحضر من الْعلمَاء الشَّيْخ أَمِين الدّين الاقصراني الْحَنَفِيّ وَهُوَ من المساعدين للْمُسلمين وَحضر جمَاعَة من الْعلمَاء مِمَّن افتى بِعَدَمِ جَوَاز هدم الْكَنِيسَة وتعزير من افتات على الامام بالهدم بِغَيْر اذن شرِيف مِنْهُم سراج الدّين الْعَبَّادِيّ الشَّافِعِي وَالشَّيْخ جلال الدّين الْبكْرِيّ الشَّافِعِي وَالْقَاضِي شهَاب الدّين المغربي الْمَالِكِي قَاضِي الْجَمَاعَة بالمغرب وَهُوَ الَّذِي تولى كبرها وَأظْهر التعصب للْيَهُود وافحش وَحضر خلق من الْفُقَهَاء وَغَيرهم وَكَانَ يَوْمًا مهولا بنصرة الْيَهُود على الْمُسلمين وَدَار الْكَلَام بَين الْعلمَاء وَحصل الْبَحْث بَينهم وَبَقِي الْفُقَهَاء احزابا مِنْهُم من ينتصر للْمُسلمين وَمِنْهُم من يساعداليهود واصحاب الاهواء كل يتَكَلَّم بِمَا يُوَافق هَوَاهُ وَكَانَ الْأَمر بالقدس الشريف كَذَلِك وَخرج الشَّيْخ أَمِين الدّين الاقصراني من الْمجْلس وَهُوَ مغضب فَلم يلْتَفت اليه وَتكلم رجلَانِ من طلبة الْعلم بِمَا فِيهِ اعانة للْمُسلمين فأشهرهما الدوادار الْكَبِير وَوَضعهمَا فِي زنجير ثمَّ سُئِلَ القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه عَن الْمَنْع الصَّادِر مِنْهُ مَا وَجهه وَمَا مُسْتَنده فِيهِ؟ فَقَالَ مَا أَدْرِي مَا اقول فَقَالَ لَهُ القَاضِي زين الدّين ابْن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف قطع الله يدك ورجلك وَأَغْلظ عَلَيْهِ فِي القَوْل وَشرع الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير يهدده وَطَالَ الْكَلَام والنزاع بَين الْفُقَهَاء وَآخر الامر ان قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بالديار المصرية ولي الدّين الاسيوطي اسْتخْلف القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه فِي الحكم وَرجع عَن الْمَنْع الصَّادِر مِنْهُ بالقدس الشريف لماتبين لَهُ من فَسَاده وَحكم بِصِحَّة الرُّجُوع الصَّادِر من نَفسه وَنفذ على

خلفاء الحكم الْعَزِيز بالديار المصرية من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَأفْتى جمَاعَة من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة بِمصْر بِجَوَاز إِعَادَة الْكَنِيسَة وَمن جملَة من أفتى قَاضِي الْجَمَاعَة المغربي فَأَنْشد فِيهِ بَعضهم تُفْتِي بِعُود كنيس وَكَانَ ذَلِك جهلا وتدعي فرط علم وَالله مَا أَنْت إِلَّا وَأنْشد النَّاس أبياتا كَثِيرَة فِي معنى ذَلِك وَوَقع الْقدح فِي حق الشَّيْخ سراج الدّين الْعَبَّادِيّ وأنشدوا فِيهِ ابياتا وأخبرت أَن بَعضهم كتب على بَاب منزله (وَلنْ ترْضى عَنْك الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تتبع ملتهم) وَكَانَت فتْنَة فَاحِشَة فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير وَاسْتمرّ الْمُسلمُونَ فِي الترسيم عِنْد الْوَالِي الى ان رُوجِعَ السُّلْطَان فِي أَمرهم فرسم باخراج القَاضِي الشَّافِعِي وَالشَّيْخ برهَان الدّين وانهما لَا يسكنان الْقُدس إِلَّا باذن شرِيف وافرج عَنْهُم اجمعين فَالْقَاضِي سَافر من الْقَاهِرَة بعد أَن صرح السُّلْطَان بعزله فِي وَجهه فوصل الى مَدِينَة الرملة فِي يَوْم السبت رَابِع عشري ذِي الْقعدَة وَتوجه الى دمشق وَأقَام بهَا الى يَوْمنَا وَهُوَ حَيّ يرْزق وَالشَّيْخ برهَان الدّين اسْتمرّ فِي الْقَاهِرَة الى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ سَافر الى مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام واقام بهَا الى ان توفّي فِي شهور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة - كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته - وَيَأْتِي ذكر إِعَادَة الْكَنِيسَة وبنائها وَمَا وَقع فِي ذَلِك فِي السّنة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وفيهَا - يَعْنِي سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة أعيدالقاضي كَمَال الدّين النابلسي الْحَنْبَلِيّ إِلَى قَضَاء الْقُدس والرملة ونابلس على عَادَته وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي شهر شعْبَان عَائِدًا من الْقَاهِرَة بعد كلفة مَال كَبِير بذله فِي المنصب لم تجر بِهِ عَادَة قبله فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة وَسَببه جور وَكيل السُّلْطَان ابْن ثَابت وفيهَا فِي ثامن رَمَضَان حضر خاصكي الى الْقُدس الشريف بتوجيه نَائِب غَزَّة

ونائب الْقُدس الى الرملة بِسَبَب غَازِي واولاد شبانه فَتوجه نَائِب الْقُدس الْأَمِير جقمق الى الرملة فوردعليه مرسوم السُّلْطَان وَهُوَ بهابان يحضر الى الابواب الشَّرِيفَة طيب الْقلب منشرح الصَّدْر فَتوجه الى الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة الْقُدس الشريف الْأَمِير جارقطلي الظَّاهِرِيّ وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشري رَمَضَان دخل القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة الى الْقُدس بخلعة السُّلْطَان وَفِي يَوْم الاربعاء مستهل شَوَّال حضر متسلم جارقطلي النَّائِب وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر ذِي الْقعدَة دخل الْأَمِير جارقطلي الى الْقُدس الشريف وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَقُرِئَ توقيعه يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم دُخُوله وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة دخل نَاظر الْحَرَمَيْنِ نَاصِر الدّين بن النشاشيبي الى الْقُدس الشريف عَائِدًا من الابواب الشَّرِيفَة بخلعة السُّلْطَان وفيهَا قدم القَاضِي غرس الدّين خَلِيل الْكِنَانِي الَّذِي كَانَ شيخ الصلاحية الى الْقُدس الشريف وَنزل بالارغونية وَأقَام بهَا لِأَن جارقطلي النَّائِب كَانَ صَاحبه فَلَمَّا ولي بَيت الْمُقَدّس قصد استيطانه فِي زَمَنه فَحَضَرَ الى الْقُدس فِي شهر شَوَّال وفيهَا فِي رَابِع شهر ذِي الْحجَّة اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن يُونُس النابلسي الشَّافِعِي قَاضِي الرملة ونابلس فِي قَضَاء الْقُدس الشريف عوضا عَن القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه وَوصل اليه علم بذلك وَهُوَ بالرملة فِي شهر ذِي الْحجَّة وَمَضَت سنة تسع وَسبعين وَكَانَت كَثِيرَة الْفِتَن والمحن بالقدس الشريف ونسأل الله حسن الْعَاقِبَة ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِي شهر الْمحرم مِنْهَا دخل القَاضِي شمس الدّين ابْن يُونُس الشَّافِعِي الى الْقُدس الشريف بخلعة السُّلْطَان وَركب لَهُ الْقُضَاة وناظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة الْأَمِير جارقطلي وَلكنه لم يمش امامه وَإِنَّمَا مَشى خَلفه وفرئ توقيعه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر صفر دخل القَاضِي عَلَاء الدّين بن المزوار مُتَوَلِّيًا

قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف عوضا عَن القَاضِي نور الدّين البدرشي وَكَانَت ولَايَته مستهل شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين وَاسْتمرّ بِالْقَاهِرَةِ بعد الْولَايَة سنة واربعة اشهر الى ان حضر فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدخل الى الْقُدس بخلعة السُّلْطَان وَقُرِئَ توقيعه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَكَانَ يَوْمًا حافلا (ذكر إِعَادَة كَنِيسَة الْيَهُود) لما جرى مَا تقدم ذكره من هدم الْكَنِيسَة بالقدس الشريف وَحُصُول المحنة للْمُسلمين من الْعلمَاء وَغَيرهم شرع الْيَهُود فِي السَّعْي فِي إِعَادَة الْكَنِيسَة وتمسكوا بِمَا مَعَهم من الْفَتَاوَى بِجَوَاز إِعَادَتهَا وتشفعوا للسُّلْطَان بِمن لَهُم بهم اعتناء وَكَانَ اعظم المساعدين لَهُم يشبك الدوادار الْكَبِير بِمَال بذلوه وَلم يعلم السُّلْطَان بِشَيْء من ذَلِك فَلم يزل يشبك يسْعَى عِنْد السُّلْطَان الى ان رسم باعادتها بالاتها الْقَدِيمَة وَعين قاضيين من خلفاء الحكم بالديار المصرية وهما القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد الحزمي الشَّافِعِي الْمَشْهُور بِابْن جبيلات وَالْقَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ الْمَيْمُونِيّ الْحَنَفِيّ فَحَضَرَ الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الاربعاء عشري ربيع الآخر وَعقد مجْلِس بقبة مُوسَى حَضَره قُضَاة الْقُدس الشريف الاربعة وَمن حضر من قُضَاة الْقَاهِرَة وَقُرِئَ المرسوم الشريف الْوَارِد بِمَعْنى ذَلِك فقضاة الْقُدس لم يحصل مِنْهُم مُعَارضَة وَلَا اذن واسندوا الامر الى من حضر من الْقَاهِرَة فَأذن القَاضِي الْمَيْمُونِيّ عَلَاء الدّين الْحَنَفِيّ للْيَهُود فِي إِعَادَة الْكَنِيسَة بالاتها الْقَدِيمَة وشرعوا فِي بنائها فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشري ربيع الآخر سنة 110 هـ وَكَانَ القَاضِي شهَاب الدّين بن جبيلات حصل لَهُ توعك بالقدس فبادر الى الرُّجُوع الى الْقَاهِرَة قبل اتهاء أَمر الْكَنِيسَة وَلم يتَكَلَّم فِي أمرهَا بِشَيْء واستغفر الله تَعَالَى مِمَّا وَقع مِنْهُ من السّفر فِي هَذِه الْحَادِثَة وَحكي لي بِالْقَاهِرَةِ ان السَّبَب فِي رُجُوعه من الْقُدس بِسُرْعَة وَعدم تكَلمه فِي أَمر الْكَنِيسَة انه لما حصل لَهُ

التوعك بالقدس كَانَ فِي خلْوَة بِالْمَدْرَسَةِ الجوهرية وَإِذا باليهود قد حَضَرُوا وجلسوا على بَاب الْخلْوَة الَّتِي هُوَ بهَا وَتَكَلَّمُوا فِي أَمر الْكَنِيسَة وَمَا حصل لَهُم من اذن القَاضِي الْحَنَفِيّ فِي إِعَادَتهَا فَقَالَ بَعضهم لبَعض هَذَا عيد مبارك باعادة هَذِه الْكَنِيسَة فَمَا نسمي هَذَا الْعِيد؟ فَقَالُوا نُسَمِّيه عيدالنصر فَلَمَّا سمع القَاضِي شهَاب الدّين بن جبيلات الشَّافِعِي ذَلِك اقشعر جسده وانزعج وبادر بِالْخرُوجِ من الْقُدس وَتوجه الى الْقَاهِرَة واستغفر الله مِمَّا وَقع مِنْهُ وَقد سَمِعت هَذَا الْكَلَام من لَفظه بِالْقَاهِرَةِ على هَذِه الصّفة فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَأما الْحَنَفِيّ فَإِنَّهُ اسْتمرّ مُقيما بالقدس الى ان كملت عمارتها وَلما اذن فِي إِعَادَتهَا امْتنع شُهُود بَيت الْمُقَدّس من كِتَابَة مُسْتَند بذلك فَكتب هُوَ بِخَطِّهِ ورقة بالاذن للْيَهُود فِي ذَلِك وَكَانَ بالقدس رجل اسْمه اسماعيل الْبناء تعين لبنائها فَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ يَا اسماعيل انت تصلي عَليّ فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وتبني مَكَانا اسب فِيهِ فَامْتنعَ من بنائها فوعد بِمَال لَهُ صوره فَلم يلْتَفت اليه وَتَوَلَّى بناءها من كتب عَلَيْهِ الشقاوة وَلما وَقع ذَلِك كنت مُقيما بِالْقَاهِرَةِ وَبَلغنِي عَن هَذَا الْبَنَّا انه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَهَاهُ عَن الْبناء وَلم اتحقق كَيفَ وَقع القَوْل فَلَمَّا قدمت بَيت الْمُقَدّس فِي أَوَاخِر سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وجدته حَيا فَسَأَلته عَن حَقِيقَة الرُّؤْيَا فَأَخْبرنِي بهَا من لَفظه - كَمَا تقدم ذكره - وَلما انْتهى بِنَاء الْكَنِيسَة عَاد الْحَنَفِيّ الى الْقَاهِرَة وَقد أسكن الله مقته فِي قُلُوب الْعباد وَصَارَ يدعى بقاضي الْكَنِيسَة وَبَلغنِي انه لما وصل الى الْقَاهِرَة استدعى كَبِير الْيَهُود وَقَالَ لَهُ ابشرك انني بنيت لَك الْكَنِيسَة أَعلَى مِمَّا كَانَت بِكَذَا - واشار بِذِرَاع يَده - وَمِمَّا وَقع لَهُ انه كَانَ يكْتب علامته على المستندات الشَّرْعِيَّة الْحَمد لله ربالعالمين حمد الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا عمر الْكَنِيسَة وَعَاد الى الْقَاهِرَة كتب الْحَمد لله الَّذِي أَعلَى معالم الْعلم واعلامه فَنكتَ عَلَيْهِ بعض الظرفاء من الْفُقَهَاء

وَقَالَ لَهُ يَنْبَغِي ان تكْتب الْحَمد الله الَّذِي أَعلَى معالم الدّين فَرجع وَكتب علامته الأولى وَلم يزل امْرَهْ يضمحل وأحواله تتناقص حَتَّى وَقع لَهُ محنة فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بِسَبَب حكم حكم بِهِ فِي ايام قَاضِي الْقُضَاة سعدالدين الديري من مُدَّة تقرب من عشْرين سنة قبل التَّارِيخ الْمَذْكُور فَأحْضرهُ السُّلْطَان بَين يَدَيْهِ وضربه ضربا مؤلما وَهُوَ بالحوش فِي الْمَكَان الَّذِي ضرب فِيهِ أهل الْقُدس وَوَضعه فِي زنجير وَسلمهُ للوالي الَّذِي كَانَ تسلم أهل بَيت الْمُقَدّس وَأمر باخراجه الى حلب بعد ان كتب عَلَيْهِ انه لَا يعْمل قَاضِيا وَلَا شَاهدا وعزله عزلا مُؤَبَّدًا فَخرج من الْقَاهِرَة الى ان وصل الى خانقاه سرياقوس فَوَقَعت فِيهِ شَفَاعَة فاعيد الى الْقَاهِرَة وَتوجه من ليلته الى بَلْدَة مينة مَيْمُون واقام بهَا مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ عَاد الى الْقَاهِرَة وَقد صَار فَقِيرا حَقِيرًا لَا يقدر على قوته وَقد اجْتمعت بِهِ وتكلمت مَعَه ولمته على مَا صدر مِنْهُ فِي أَمر الْكَنِيسَة والاهتمام باعادتها فأشهدني عَلَيْهِ ان الاذن الصَّادِر مِنْهُ فِي إِعَادَتهَا إِنَّمَا قصد بِهِ الْفَتْوَى وَلم يقْصد بِهِ الحكم الشَّرْعِيّ الرافع للْخلاف وَالله مُتَوَلِّي السرائر (ذكر قدوم السُّلْطَان الى بَيت الْمُقَدّس} 80 هـ وَفِي شهر رَجَب الْفَرد سنة ثَمَانِينَ سَافر السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف من الْقَاهِرَة المحروسة قَاصِدا زِيَارَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف فوصل الى مَدِينَة غَزَّة المحروسة وَتوجه مِنْهَا فوصل الى مَدِينَة الْخَلِيل فِي يَوْم السبت خَامِس عشري رَجَب وَرفع اليه امْر الْحِسْبَة بِمَدِينَة الْخَلِيل وَأَنه يُؤْخَذ من الْمُحْتَسب مَال لنائب الْقُدس فَيلْزم مِنْهُ تسلطه على الْفُقَرَاء من المتسببين فرسم السُّلْطَان بابطال تَوْلِيَة الْحِسْبَة من نَائِب الْقُدس وابطال مَا هُوَ مُقَرر عَلَيْهَا من الرِّشْوَة وان يكون الْمُحْتَسب بمرسوم

شرِيف بِغَيْر كلفة وَاسْتمرّ الْأَمر على ذَلِك مُدَّة ثمَّ اخْتَلَّ النظام وَرجع الْأَمر على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَولا وَتوجه السُّلْطَان من مَدِينَة الْخَلِيل فِي يَوْم الْأَحَد سادس عشري رَجَب وَوصل الى الْقُدس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشري رَجَب وَنزل بمخيمه عِنْد خَان الظَّاهِر ثمَّ ركب وَدخل الى الْمَدِينَة وَقت الظّهْر وَنزل بمدرسته الْقَدِيمَة الَّتِي هدمت فَلَمَّا رَآهَا لم تعجبه وَكَانَ ذَلِك هُوَ السَّبَب لهدمها وَبِنَاء الْمدرسَة الْمَوْجُودَة الْآن ثمَّ بعد صَلَاة الْعَصْر من الْيَوْم الْمَذْكُور جلس بقبة مُوسَى تجاه بَاب السلسلة وَجلسَ على مدرسته فِي الشباك المطل من جِهَة الشرق وَجلسَ عِنْده من دَاخل الْقبَّة الْأَمِير ازبك أَمِير كَبِير ومنن ظَاهر الشباك على المسطبة الْأَمِير يشبك الدوادار وَالْقَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَحضر مَعَ السُّلْطَان جمَاعَة من اركان الدولة مِنْهُم الْأَمِير خشقدم الطواشي الْوَزير وَالْقَاضِي تَاج الدّين الْمَقْدِسِي نَاظر الْخَواص الشَّرِيفَة وَالْقَاضِي شرف الدّين الانصاري وَالْقَاضِي برهَان الدّين بن ثَابت وَغَيرهم وشكى النَّاس على الْأَمِير جارقطلي نَائِب الْقُدس وَرفعت فِيهِ الْقَصَص بِسَبَب مَا تَعَمّده من الظُّلم والجور فَطَلَبه وَسمع فِيهِ الشكوى وانصف النَّاس مِنْهُ وَأمره ان يدْفع اليهم مَا أَخذ مِنْهُم وشكى النَّاس من القَاضِي غرس الدّين خَلِيل أخي ابي الْعَبَّاس وَأَنه يجْتَمع بالنائب وتيكلم فِي حق النَّاس فَطَلَبه السُّلْطَان وانتهره وَوَضعه على الارض ليضربه فشفع فِيهِ الْأَمِير يشبك الدوادار ورسم بِعَدَمِ إِقَامَته بالقدس فسافر مِنْهُ فَكَانَ يُقيم تَارَة بغزة وَتارَة بِبَلَد المجدل وَلم يزل على ذَلِك الى ان توجه الى مَكَّة وَتُوفِّي بهَا فِي شهور سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة 898 هـ ثمَّ بعد فرَاغ السُّلْطَان من فضل الحكومات فِي الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ الى الْقُدس صلى الْمغرب بقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة خلف الامام سعدالله الْحَنَفِيّ ثمَّ نزل

الى الْجَامِع الْأَقْصَى وَقد اوقدت الْقَنَادِيل على الْعَادة الَّتِي تكون فِي نصف شعْبَان وَكَذَلِكَ قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَكَانَت لية مَشْهُودَة وَجلسَ فِي محراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَإِلَى جَانِبه الْأَمِير أزبك أَمِير كَبِير والأمير يشبك الدوادار الْكَبِير وَغَيرهم من اركان الدولة وَجلسَ مَعَه شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَشَيخ الاسلام النَّجْم بن جمَاعَة والقضاة وَالْخَاص وَالْعَام وقرئت ختمات شريفة وَكَانَ مَعَ السُّلْطَان ثَلَاثَة انفار من رُؤَسَاء الْقُرَّاء بِالْقَاهِرَةِ فقرؤا وَحصل بهم الْبَهْجَة والانس ثمَّ قَرَأَ بعدهمْ الْقُرَّاء بِبَيْت الْمُقَدّس وَصلى السُّلْطَان الْعشَاء الْآخِرَة خلف الشَّيْخ نجم الدّين بن جمَاعَة وَانْصَرف وَلم يسمع قِرَاءَة الْمِعْرَاج الشريف لعدم وجود من يَقْرَؤُهُ فَإِن الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري كَانَ غَائِبا بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ حضر الشَّيْخ ابو مَدين وَقَرَأَ الْمِعْرَاج بِحُضُور اركان الدولة ثمَّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري رَجَب خرج السُّلْطَان الى مخيمه بِظَاهِر الْقُدس وَطلب النَّائِب وَأمره ان يُصَالح جَمِيع من شكى مِنْهُ فَصَالحهُمْ وَدفع لكل من اخذ مِنْهُ شَيْئا على جريمة نصف مَا أَخذ مِنْهُ وَمن لَهُ دين شَرْعِي دَفعه لَهُ بِكَمَالِهِ ثمَّ أعلم الدوادار الْكَبِير السُّلْطَان ان النَّائِب أرْضى جَمِيع خصمائه فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان احسن للنَّاس واحكم بَينهم بِالْعَدْلِ والانصاف وبالشرع الشريف وَإِن شكى أحد مِنْك بعد الْيَوْم قطعتك نِصْفَيْنِ ثمَّ قدم النَّائِب خدمته للسطان فألبسه خلعة الِاسْتِمْرَار وَتوجه السُّلْطَان فِي لَيْلَة الاربعاء الى الرملة وَكَانَ فِي زمن الشتَاء وَوَقع مطر كثير وَهُوَ بالمخيم على قبَّة الجاموس وَمِمَّا انفق ان انسانا من اللُّصُوص دخل على السُّلْطَان وَهُوَ نَائِم بالخيمة فِي اللَّيْل وسرق بقجة قماش من عِنْد رَأسه فَأصْبح السُّلْطَان وَقبض على الشَّيْخ حَرْب شيخ جبل نابلس بِسَبَب ذَلِك وَقصد قَتله وغرمه مَالا ثمَّ توجه السُّلْطَان الى مَدِينَة غَزَّة وَعَاد الى الْقَاهِرَة وَدخل اليها فِي يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من شعْبَان وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله

وَقدر أَن اللص الَّذِي دخل على السُّلْطَان قبض عَلَيْهِ وجهز الى السُّلْطَان ووقف بَين يَدَيْهِ واعترف بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَأمر بسجنه بالمقشرة وَلم يتقله وفيهَا وَقعت حَادِثَة بالقدس الشريف وَهِي ان شخصا نَصْرَانِيّا وَقع فِي حق سيدنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ والسيدة فَاطِمَة ابْنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَذْف وَرفع أمره القَاضِي عَلَاء الدّين بن المزوار الْمَالِكِي وَعقد لَهُ مجْلِس بدار النِّيَابَة بِحُضُور الْأَمِير جارقطلي نَائِب السلطنة وَحضر بِالْمَجْلِسِ شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَثَبت مَا نسب الى النَّصْرَانِي عِنْد القَاضِي الْمَالِكِي وَحكم بسفك دَمه وَضرب عُنُقه بِحُضُور الْجَمَاعَة بديار النِّيَابَة ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وفيهَا فِي مستهل الْمحرم حضر هجان من الْقَاهِرَة بمرسوم شرِيف بِالْقَبْضِ على الافرنج المقمين بدير صهبون وَبَيت لحم وكنيسة قمامة وتجهيزهم الى الابواب الشَّرِيفَة بِمُقْتَضى ان الافرنج أَسرُّوا أَرْبَعَة من اسكندرية وعدوا بهم واخذوهم الى بِلَاد الافرنج وفيهَا اسْتَقر القَاضِي فتح الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن دَاوُد بن الاسيل الشَّافِعِي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف والرملة ونابلس عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين ابْن يُونُس وَورد عَلَيْهِ المرسوم الشريف الْوَارِد عَلَيْهِ من الابواب الشَّرِيفَة والبس القَاضِي شمس الدّين الديري خلعة الِاسْتِمْرَار بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة وَهِي كاملية صوف مرسيني بفروسمور وألبس جمال الدّين يُوسُف بن ربيع خلعة لاستقراره فِي وَظِيفَة أَمَانَة الحكم ووكالة الغياب وَهِي فوقاني حَرِير بِوَجْهَيْنِ وطراز وَقُرِئَ توقيع الشَّافِعِي فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم لبسه وَلم يقدر لِابْنِ يُونُس بعد ذَلِك ولَايَة قَضَاء بَيت الْمُقَدّس الى ان حج الى بَيت الله الْحَرَام فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتُوفِّي بعد خُرُوجه من مَكَّة بِمَنْزِلَة بطن مرو وَحمل الى مَكَّة فَدفن بهَا

وفيهَا - اعني سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ - فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر جمادي الاخرة رَحل شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف من الْقُدس الشريف بأولاده وعائلته إِلَى الْقَاهِرَة المحروسة واستوطنها وَكَانَ دُخُوله اليها فِي اوائل رَجَب وفيهَا دخل الوباء بالطاعون حَتَّى عَم جَمِيع المملكة وَكَانَ دُخُوله بَيت الْمُقَدّس فِي اوائل رَجَب وَاسْتمرّ مُدَّة طَوِيلَة وَلم يزل الطَّاعُون بالقدس الى مستهل ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وأفنى خلقا من الشَّبَاب وَالنِّسَاء وَأهل الذِّمَّة وَلم يكن طَال ببلدة من الْبِلَاد أَكثر من بَيت الْمُقَدّس فسبحان الْقَادِر عَليّ مَا يَشَاء ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وفيهَا وصل الى الْقُدس الشريف الْأَمِير جانم الخاصكي قريب السُّلْطَان وناظر الجوالي بعد عوده من المملكة الشامية وَكَانَ دُخُوله الى الْقُدس فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر جمادي الأولى فَإِنَّهُ توجه الى بِلَاد الشَّام لكشف الاوقاف وَحضر الى الْقُدس بِسَبَب ذَلِك وأوقد لَهُ الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي لَيْلَة السبت وقبة الصَّخْرَة فِي لَيْلَة الاحد والمدرسة السُّلْطَانِيَّة فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَفِي كل لَيْلَة كَانَ يقْرَأ لَهُ ختمات شريفة بِحُضُورِهِ وَجمع لَهُ من جِهَة الاوقاف بالقدس الشريف تِسْعمائَة دِينَار وَقيل الف دِينَار وَمن اهل الذِّمَّة ثلثمِائة دِينَار فَلم يقبل شَيْئا من جِهَة الاوقاف وَأعَاد الْمبلغ بِكَمَالِهِ لمستحقية وَأخذ مَا جمع لَهُ من اهل الذِّمَّة وَحصل للْمُسلمين من مستحقي الاوقاف الْجَبْر بذلك وتضاعف الدُّعَاء فِي صحائفه وسافر من الْقُدس فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشري جمادي الاولى (ذكر سفر السُّلْطَان الى المملكة الشامية) وفيهَا سَافر السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف من الْقَاهِرَة قَاصِدا المملكة الشامية فوصل الى مَدِينَة غَزَّة فِي يَوْم الاربعاء تَاسِع شهر جمادي الْآخِرَة فِي جمع قَلِيل دون مائَة نفس وَولي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب نِيَابَة الْقُدس الشريف وَهُوَ بغزة

عوضا عَن جَار قطلي وَألبسهُ كاملية خضراء بفروسمور وَدخل الى الْقُدس فِي نَهَار الْجُمُعَة حادي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وعَلى يَده المرسوم بولايته بِخَط قَاضِي الْقُضَاة قطب الدّين الخضري الشَّافِعِي قَاضِي دمشق وَوصل السُّلْطَان الى مَدِينَة حلب وَتوجه الى الْفُرَات وَحصل لَهُ توعك فِي السّفر وَعَاد الى دمشق وَهُوَ متوعك ثمَّ عوفي وَعَاد الى الْقَاهِرَة وَلم يقدر لَهُ الدُّخُول بِبَيْت الْمُقَدّس وَكَانَ دُخُوله الى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع شهر شَوَّال وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله وفيهَا اسْتَقر الْخَطِيب ابو الحزم مُحَمَّد بن شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين ابي بكر بن القرقشندي فِي نصف خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف عوضا عَن الْخَطِيب محب الدّين ابْن جمَاعَة وَهُوَ النّصْف الَّذِي كَانَ اسْتَقر فِيهِ وَوَقع فِيهِ مَا تقدم شَرحه فِي حوادث سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وخطب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر جمادي الْآخِرَة وَقَرَأَ فِي أول رَكْعَة (وَلما فتحُوا مَتَاعهمْ وجدوا بضاعتهم ردَّتْ اليهم) وَقُرِئَ توقيعه وَتوجه الى منزله وأعلام الْمَسْجِد حوله وَمَشى النَّاس فِي خدمته وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَاسْتقر الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن غَانِم شيخ الْحرم فِي جَمِيع مشيخته الخانقاه الصلاحية عوضا عَن القَاضِي برهَان الدّين بن ثَابت وَكيل السُّلْطَان بِحكم وَفَاته وَعَن الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة بِحكم عَزله فَإِن ابْن ثَابت هُوَ الَّذِي كَانَ قَائِما بنظام الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة وعضده فِي تَوْلِيَة نصف الخطابة وَنصف مشيخة الخانقاه ثمَّ اسْتَقر ابْن ثَابت فِي النّصْف الثَّانِي من مشيخة الخانقاه - تقدم ذكره - فَلَمَّا توفّي فِي اوائل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بعد محن حصلت لَهُ مَعَ الْخَطِيب أَبُو الحزم فِي نصف الخطابة وَشَيخ الْحرم فِي جَمِيع مشيخة الخانقاه الصلاحية وأعانهما القَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف فاستقل فِي ذَلِك فِي شهر جمادي الاخرة

وفيهَا فِي جمادي الْآخِرَة عزل القَاضِي كَمَال الدّين النابلسي الْحَنْبَلِيّ من قَضَاء الْحَنَابِلَة بالقدس الشريف والرملة ونابلس عَزله القَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف وَهُوَ بِمَنْزِلَة قانون صُحْبَة السُّلْطَان وَوَقع فِي عَزله مَا لم يَقع لغيره فَإِن الْعَادة جرت إِذا عزل القَاضِي يكْتب مرسوم السُّلْطَان أَو مطالعة القَاضِي كَاتب السِّرّ بعزله وَهَذَا القَاضِي إِنَّمَا ثَبت عَزله بِبَيِّنَة شهِدت عِنْد القَاضِي فتح الدّين ابي الْفَتْح بن الاسيل الشَّافِعِي على القَاضِي كَاتب السِّرّ انه عَزله من الْقَضَاء فَصرحَ القَاضِي الشَّافِعِي بِثُبُوت عَزله وَكَانَ الْحَنْبَلِيّ غَائِبا بِالْقَاهِرَةِ لِأَنَّهُ توجه اليها من جمادي الأولى وَكتب القَاضِي الشَّافِعِي الى نَائِبه بالرملة انه يمْنَع نَائِب الْحَنْبَلِيّ بهَا من الحكم بِمُقْتَضى ثُبُوت عزل مستخلفه وفيهَا فِي يَوْم الاحد حادي عشري رَجَب توفّي الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل ابْن ابي وَالِي اُحْدُ أَعْيَان بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ رَئِيسا كَرِيمًا وَفِيه الْخَيْر والاحسان الى الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ النَّاس يَتَرَدَّدُونَ اليه من الاعيان وَغَيرهم ويأكلون على سماطة فِي كل وَقت وَكَانَ يطعم من عرف وَمن لم يعرف فِي جَمِيع السّنة وَأما فِي شهر مضان فَمن الْعَجَائِب فِي إطْعَام الطَّعَام وَكَانَ ذَلِك عَن طيب نفس مِنْهُ لَا يتكره من ذَلِك بل يفرح لَهُ وَكَانَ قد اعتراه السّمن وتزايد حَتَّى كَانَ لَا يَسْتَطِيع الْقيام إِلَّا بِمَشَقَّة وَكَانَ من محَاسِن بَيت الْمُقَدّس وَمن أعظم محاسنه مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ من هَذِه المناقب الْحَسَنَة سَلامَة النَّاس من يَده وَلسَانه وَلم يبْق بعده من هُوَ فِي مَعْنَاهُ ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي شهر ربيع الأول توجه المباشرون بالقدس الشريف الى الْقَاهِرَة المحروسة بمرسوم شرِيف ورد فِي ذَلِك وَأَقَامُوا بمشهد الْحُسَيْن بِالْقَاهِرَةِ فِي ترسيم القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن الصَّابُونِي وَكيل الْمقَام الشريف ثمَّ افرج عَنْهُم وعادوا الى الْقُدس وفيهَا طلب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب نَائِب الْقُدس الشريف بِسَبَب مَا وَقع عَلَيْهِ من الشكوى للسُّلْطَان ثمَّ خلع عَلَيْهِ بالاستمرار وَعَاد الى مَحل

ولَايَته وَكَانَ ذَلِك فِي جمادي الأولى وفيهَا فِي شهر رَجَب توفّي الْأَمِير جاني بك الْفَقِيه أَمِير سلَاح بِالْمَدْرَسَةِ الخاتونية بعد حُضُوره الى الْقُدس من شهر الْمحرم حِين عوده من الْحجاز الشريف وَدفن بالقلندرية بماملا ثمَّ دخلت سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي الْمحرم برز الامر الشريف بِطَلَب القَاضِي فتح الدّين بن الاسيل الشَّافِعِي إِلَى الابواب الشَّرِيفَة فَتوجه الى الْقَاهِرَة وَنزل عِنْد الْأَمِير ابي بكر قرا الدويدار الثَّانِي وَغرم مَالا وَعَاد بعد الانعام عَلَيْهِ بالاستمرار فِي وظيفته وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم السبت رَابِع عشر ربيع الأول بخلعة السُّلْطَان وفيهَا حضر قَاصد من الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة بِطَلَب المباشرين بالقدس الشريف فتوجهوا فِي شهر ربيع الأول - كَمَا تقدم فِي السّنة الْمَاضِيَة - ورسم عَلَيْهِم من بَاب القَاضِي عَلَاء الدّين الصَّابُونِي ثمَّ افرج عَنْهُم وعادوا الى الْقُدس وفيهَا توفّي أَمِير الْمُؤمنِينَ المستنجد بِاللَّه أَبُو المظفر يُوسُف بن مُحَمَّد العباسي تغمده الله برحمته وَاسْتقر بعده فِي الْخلَافَة مَوْلَانَا الامام الْأَعْظَم والخليفة المكرم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَابْن عَم سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووارث الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المتَوَكل على الله ابو الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن يَعْقُوب أعز الله بِهِ الدّين وأمتع بِبَقَائِهِ الاسلام وَالْمُسْلِمين ودعي لَهُ على مِنْبَر بَيت الْمُقَدّس وَغَيره من مَنَابِر الاسلام وفيهَا جدد عمل الرصاص على ظَاهر الْجَامِع الْأَقْصَى وَفك الرصاص الْقَدِيم ثمَّ ركب وَلم يكن كالاول فِي حسن الصِّنَاعَة والاتقان وَكَانَ الصَّانِع لَهُ رجلا من أهل الرّوم ثمَّ قصد نَاظر الْحَرَمَيْنِ الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي ان يفك الرصاص عَن ظَاهر قبَّة الصَّخْرَة ويجدده كَمَا فعل بالجامع الْأَقْصَى فَمَنعه الشَّيْخ جمال الدّين بن غَانِم شيخ الْحرم وَقَامَ فِي ذَلِك أعظم قيام وَكَانَ تَوْفِيقًا من الله فَإِن الرصاص الْقَدِيم الْمَوْجُود إِلَى الْآن أولى وَأحسن من المستجد الَّذِي عمل بالأقصى

وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير سنطباي النحاسي فِي نِيَابَة السلطنة الشَّرِيفَة بالقدس الشريف عوضا عَن الامير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب وَدخل متسلمه الى الْقُدس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر جمادي الأولى وَدخل هُوَ إِلَى الْقُدس فِي يَوْم السبت سادس عشر رَجَب وَقُرِئَ توقيعه يَوْم الْجُمُعَة وفيهَا توجه القَاضِي فتح الدّين بن الاسيل الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الى الْحجاز الشريف خُفْيَة من حَيْثُ لم يعلم النَّاس بِحَالهِ فَإِنَّهُ اظهر انه يتَوَجَّه الى نابلس فِي شهر رَمَضَان فَتوجه اليها ثمَّ توجه من نابلس الى بلد الْخَلِيل وسافر صُحْبَة الْحجَّاج وَهُوَ مُسْتَمر على الأولاية وشغرت الْوَظِيفَة عَنهُ من شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ ألى آخر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَلم يكن بالقدس إِذْ ذَاك حَاكم مالكي وَلَا حنبلي وَانْفَرَدَ القَاضِي شمس الدّين الديري الْحَنَفِيّ بالحكم فِي مَدِينَة الْقُدس مُدَّة سنة كَامِلَة الى ان ولي الْحَنْبَلِيّ وَدخل الى الْقُدس فِي ثامن عشر شهر شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ فَكَانَ القَاضِي الْحَنَفِيّ كلما احْتَاجَ الْأَمر الى مسئلة خلافية اسْتخْلف فِيهَا من اهل ذَلِك الْمَذْهَب وفيهَا - أَعنِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ - حج السُّلْطَان وَالْملك الْأَشْرَف قايتباي الى بَيت الله الْحَرَام وزار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الذّهاب واقام بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ توجه مِنْهَا الى مَكَّة المشرفة وَقضى مَنَاسِكه وَعَاد الى مَحل سلطنته بالديار المصريية وَالله الْمُوفق ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة 885 هـ فِيهَا فِي شهر الْمحرم وَردت الْبُشْرَى الى الْقُدس الشريف بوصول السُّلْطَان من مَكَّة المشرفة وَكَانَ دُخُوله إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر الْمحرم وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله وزينت مَدِينَة الْقُدس وَغَيرهَا من الْبِلَاد وفيهَا - بعد قدوم السُّلْطَان من الْحجاز الشريف - انْعمْ على الامير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب باستقراره فِي نِيَابَة الْقُدس الشريف عوضا عَن الامير سنطباي

النحاسي وُصُول متسلمه - وَهُوَ أَخُوهُ الشهابي احْمَد - الى الْقُدس فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس صفر وفيهَا ورد مرسوم شرِيف بِطَلَب نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي والمباشرين الى الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة فتوجهوا فِي نَهَار الثُّلَاثَاء سادس ربيع الأول ثمَّ توجه القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة ثَانِي نَهَار الِاثْنَيْنِ عَاشر ربيع الآخر بمرسوم شرِيف ورد بِحُضُورِهِ وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشري ربيع الآخر دخل الْأَمِير نَاصِر الدّين بن أَيُّوب الى الْقُدس بخلعة السُّلْطَان وَكَانَ يَوْمًا حافلا وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع جمادي الأولى دخل الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الى الْقُدس الشريف عَائِدًا من الابواب الشَّرِيفَة وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله وفيهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر جمادي الْآخِرَة كبس عَمْرو بن غَانِم البدري وَمن مَعَه من الْعَرَب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب نَائِب الْقُدس باريحاء الْغَوْر وحصلت فتْنَة قتل فِيهَا جمَاعَة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع رَجَب توجه الْأَمِير نَاصِر الدّين بن أَيُّوب الى حلب قَاصِدا الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير وَفِي يَوْم الاحد ثَانِي عشر رَجَب حضر ملك الْأُمَرَاء برسباي نَائِب غَزَّة الى برك المرجيع وَنصب مخيمه هُنَاكَ بعمارة البرك وَشرع فِي الْعَمَل بِنَفسِهِ وَعَسْكَره وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شعْبَان حضر الْأَمِير نَاصِر الدّين بن ايوب من مَدِينَة حلب الى الْقُدس الشريف وفيهَا اسْتَقر القَاضِي زين الدّين عبد الباسط بن القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد الْجَعْفَرِي النابلسي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام والرملة ونابلس بعد شغور قَضَاء الْقُدس عَن أَخِيه القَاضِي كَمَال الدّين من سنة اثْنَتَيْنِ

وَثَمَانِينَ - كَمَا تقدم - والبس القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة كاملية على سمور واذن لَهُ فِي السّفر فَتوجه هُوَ وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط الْحَنْبَلِيّ من الْقَاهِرَة ودخلا الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر شعْبَان وكل مِنْهُمَا لابس خلعته وَقُرِئَ توقيع القَاضِي فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشري شعْبَان وفيهَا فِي شهر رَمَضَان ورد الْخَبَر الى الْقُدس الشريف ان الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير قتل فِي التجريدة فِي مملكة الشرق وأشاع ذَلِك رجل اسْمه يحيى ابْن جرار الفطايس فَبلغ النَّائِب الْأَمِير مُحَمَّد بن أَيُّوب ذَلِك فَطلب يحيى الْمَذْكُور وضربه بالمقارع لكَونه أشاع ذَلِك ثمَّ تَوَاتَرَتْ الاخبار بتقله وَصحت وارخ يَوْم قَتله فَكَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم الَّذِي تحدث النَّاس بِهِ بالقدس الشريف وَكَانَ قَتله بِأَرْض الرها من ملك الْعَجم وفيهَا وَقعت فتْنَة بالقدس الشريف سَببهَا ان الْأَمِير نَاصِر الدّين بن أَيُّوب نَائِب الْقُدس قبض على جمَاعَة من بني زيد وقتلهم فَحَضَرَ الى الْقُدس جمع كَبِير من جمَاعَة المقتولين وعصبتهم وهجموا على مَدِينَة الْقُدس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشري شَوَّال فَعلم بهم النَّائِب فَركب من منزله وَتوجه الى نَحْو بَاب الاسباط فأدركه الْقَوْم وقصدوه فَدخل وَهُوَ رَاكب الى الْمَسْجِد من بَاب الاسباط وَاسْتمرّ رَاكِبًا الى أَن خرج من بَاب المغاربة وهجم العشير الى دَاخل الْمَسْجِد وَالسِّلَاح مَشْهُور بِأَيْدِيهِم لقصد قَتله فنجا مِنْهُم باسراعه بِالْخرُوجِ من بَاب المغاربة وَكسر بَاب السجْن وَأخرج من بِهِ من المسجونين وبادر التُّجَّار بتوزيع مَا فِي حوانيتهم وَقتل ثَلَاثَة أَنْفَار وجرح جمَاعَة وَشرع الْعَرَب فِي قطع الطّرق وايذاء النَّاس وَحصل الارجاف فِي النَّاس واغلقت الاسواق والمنازل خشيَة النهب وَكَانَت فتْنَة فَاحِشَة

(ذكر بناء المدرسة الأشرفية المنسوبة لملك العصر مولانا السلطان)

(ذكر بِنَاء الْمدرسَة الأشرفية المنسوبة لملك الْعَصْر مَوْلَانَا السُّلْطَان) (الْملك الْأَشْرَف ابي النَّصْر قايتباي نَصره الله تَعَالَى) قد تقدم ان الْأَمِير حسن الظَّاهِرِيّ كَانَ قد بنى الْمدرسَة الْقَدِيمَة للْملك الظَّاهِر خشقدم ثمَّ بعد وَفَاته سَأَلَ السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف فِي قبُولهَا فقبلها مِنْهُ ونسبت اليه ورتب لَهَا شَيخا وصوفية وفقهاء وَصرف لَهُم المعاليم ثمَّ حضر السُّلْطَان الى الْقُدس الشريف فِي سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فَلم تعجبه فَلَمَّا كَانَ فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ توجه القَاضِي أَبُو البقا بن الجيعان من الْقَاهِرَة الى دمشق لضبط تَرِكَة ملك الْأُمَرَاء جاني بيك قلقيس نَائِب دمشق وَدخل الى بَيت الْمُقَدّس فِي يَوْم الاربعاء ثَالِث ربيع الآخر وصحبته خاصكي لهدم الْمدرسَة الْمشَار اليها وتوسيعها بِمَا يُضَاف اليها من الْعِمَارَة وسافر القَاضِي ابو البقا فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي يَوْم دُخُوله وَلم تهدم فِي ذَلِك التَّارِيخ فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم الاحد رَابِع عشري شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ كَانَ الِابْتِدَاء فِي حفر الاساس لعمارة الْمدرسَة وَهدم الْبناء الْقَدِيم الَّذِي على رواق الْمَسْجِد وَشرع المهندسون فِي الْعَمَل فَبنى الْمجمع السفلي الملاصق لرواق الْمَسْجِد من جِهَة الشرق ثمَّ توجه الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري الى الديار المصرية بِسَبَب عمَارَة الْمدرسَة ليحرض السُّلْطَان على الِاجْتِهَاد فِي أمرهَا والاسراع فِي عمارتها وفيهَا اسْتَقر الامير شهَاب الدّين أَحْمد بن مبارك شاه فِي نِيَابَة الْقُدس الشريف عوضا عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب وَدخل متسلمه الى الْقُدس الشريف فِي تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة ثمَّ دخل هُوَ الى الْقُدس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة وصحبته جمع كَبِير من الْعَرَب والعشير وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَقُرِئَ توقيعه يَوْم الْجُمُعَة وَغَضب السُّلْطَان على الْأَمِير نَاصِر الدّين بن أَيُّوب وَقبض عَلَيْهِ وامتحنه

ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر الْمحرم دخل قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين أَبُو الْفضل عبد الْقَادِر بن جِبْرِيل الْغَزِّي الشَّافِعِي الى الْقُدس الشريف مُتَوَلِّيًا قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس والرملة ونابلس عوضا عَن القَاضِي فتح الدّين ابْن الاسيل بعد شغوره عَنهُ لغيبته من شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَكَانَت ولَايَة القَاضِي محيي الدّين من اواخر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَقُرِئَ توقيعه فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم دُخُوله وفيهَا سير السُّلْطَان الى الْقُدس الشريف من الْقَاهِرَة جمَاعَة من المعمارية والمهندسين والحجارين لعمارة مدرسته فَحَضَرَ مَعَهم شخص نَصْرَانِيّ من المهندسين بِالْقَاهِرَةِ لَهُ حذق فِي الهندسة فَلَمَّا رأى الْمجمع السفلي الْمَبْنِيّ بِالْمَسْجِدِ بلصق الرواق لم يُعجبهُ فقصد هَدمه بِكَمَالِهِ ثمَّ اقْتضى الْحَال هدم بعضه من الْقبْلَة فهدم وَهدم ايضا ثَلَاث قناطر من الرواق مِمَّا هُوَ ملاصق للباب المتوصل مِنْهُ الى المنارة واجتهد المنهدسون والصناع من المصرين فِي الْعِمَارَة وَكَانَ المتولى لذَلِك القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة الخزرجي وفيهَا فِي يَوْم الاربعاء ثامن عشر صفر ورد الى الْقُدس قَاصد سُلْطَان الْحَبَشَة - وَكَانَ زمن عيد النَّصَارَى الْمُسَمّى بسبت النُّور - وعَلى يَده مرسوم شرِيف بِأَن يُمكن جَمِيع النَّصَارَى من الدُّخُول الى قمامة فَمَنعه المباشرون وخازندار نَائِب الشَّام الْأَمِير قجماس وسمحوا لَهُ بِالدُّخُولِ هُوَ وجماعته فَامْتنعَ من ذَلِك ثمَّ سلموه مَفَاتِيح قمامة وَدخل هُوَ وَجَمِيع طوائف النَّصَارَى بِغَيْر كلفة وَلَا بذل وفيهَا فِي يَوْم السبت رَابِع عشر رَجَب دخل الى الْقُدس السُّلْطَان جم بن مُحَمَّد بن عُثْمَان ملك الرّوم وَدخل فِي خدمته نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة والجم الْغَفِير وفيهَا فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري شعْبَان حضر الى الْقُدس نَائِب غَزَّة برسباي وخليل بن اسماعيل شيخ جبل نابلس ومعهما خاصكي العزب وكبسهم وَانْصَرفُوا من غير شَيْء

وفيهَا توجه الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة الى الْقَاهِرَة للسعي فِيمَا كَانَ بِيَدِهِ من مشيخة الخانقاه الصلاحية وَنصف خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَحضر إِلَى الْقَاهِرَة الشَّيْخ جمال الدّين بن غَانِم شيخ حرم الْقُدس الشريف والخطيب فتح الدّين أَبُو الحزم القرقشندي واتصل الامر بالسلطان واركان الدولة وَحصل بَينهم تشاجر وتنازع وَطَالَ الْخِصَام بَينهم وَكَانُوا بِالْقَاهِرَةِ فِي شهر رَجَب وَآخر الامر وَقع الصُّلْح بَينهم بِأَن يكون الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة بِيَدِهِ نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية على عَادَته بمشاركة شيخ الْحرم بِالنِّصْفِ الْبَاقِي وَأَن يكون نصف الخطابة الْمُتَنَازع فِيهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بيد الْخَطِيب ابي الحزم القرقشندي مُشْتَركا بَين الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة والخطيب ابي الحزم القرقشندي لكل مِنْهُمَا الرّبع وَحصل الرِّضَا على ذَلِك وتصادقوا عَلَيْهِ وَكتب لكل مِنْهُم توقيع شرِيف بِمَا اسْتَقر فِيهِ من ذَلِك وعادوا الى أوطانهم وفيهَا حضر الى الْقُدس الشريف الْأَمِير قانصوه اليحياوي نَائِب الشَّام بعد ان عَاد من الْأسر بِبِلَاد الْعَجم فَإِنَّهُ كَانَ قبض عَلَيْهِ بيندور باش عَسْكَر يَعْقُوب بك ابْن حيدر بك لما توجه للتجريدة مَعَ يشبك الدوادار الْكَبِير وَأطلق من الْأسر وَحضر صُحْبَة الامير ازبك امير كَبِير فَلَمَّا وصل الى الرملة ورد مرسوم السُّلْطَان بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وتجهيزه الى الْقُدس الشريف فَحَضَرَ الى الْقُدس فِي شهر شَوَّال وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ الخاتونية وفيهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشري ذِي الْحجَّة ثار جمَاعَة من مَشَايِخ الْفُقَرَاء بمساعدة شيخ الصلاحية على نَائِب الْقُدس احْمَد بن مبارك شاه بِسَبَب جمَاعَة قبض عَلَيْهِم ليجهزهم الى خَلِيل بن اسماعيل شيخ جبل نابلس وحملوا عَلَيْهِ الاعلام وخلصوا مِنْهُ الْجَمَاعَة الَّذين قبض عَلَيْهِم ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وفيهَا تكاملت عمَارَة الْمدرسَة الاشرفية الَّتِي انشأها مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف بجوار بَاب

السلسة وَصَارَت قَائِمَة الْبناء وَكَانَ الْفَرَاغ من بنائها فِي شهر رَجَب الْفَرد وَشرع المرخمون فِي عمل الرخام بهَا الى ان انْتَهَت عمارتها (صفة الْمدرسَة الأشرفية) قد تقدم ذكر بِنَاء الْمدرسَة الْقَدِيمَة وَتقدم ذكر اوصافها الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا أَولا وبروز أَمر السُّلْطَان بهدمها وبنائها وتجهيز الصناع من الْقَاهِرَة لعمارتها وَمَا وَقع فِي ذَلِك من الاهتمام الى ان صَارَت قَائِمَة الْبناء وتكامل الرخام بهَا وَركبت الابواب الْخشب وَصَارَت تشْتَمل على الاوصاف الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا الْآن من الْبناء السفلي والعلوي فالسفلي مِنْهَا هُوَ الْمجمع الملاصق لرواق الْمَسْجِد من جِهَة الشرق الْمُقَابل لثلاث قناطر من الرواق وَلِهَذَا الْمجمع بَابَانِ الاول مِنْهُمَا من جِهَة الشمَال وبجواره شباك مطل على الرواق الَّذِي هُوَ سفل الْمدرسَة العثمانية وَالْبَاب الثَّانِي من جِهَة الشرق والى جَانِبه شباكان عَن يَمِينه وشماله وبصدر الْمجمع محراب مِمَّا يَلِي الغرب وشباك مطل الى الْقبْلَة مِمَّا يَلِي الشرق وبلصق هَذَا الْمجمع من جِهَة الْقبْلَة دركاه محكة السناء بصدرها من جِهَة الغرب الْبَاب المتوصل مِنْهُ الى الْمدرسَة العلوية وَيدخل من هَذَا الْبَاب الى دركاه ثَانِيَة مفروشة بالرخام بهَا عَن يمنة الدَّاخِل خلة صَغِيرَة وبصدر الدركاه مسطبة مرخمة وَعَن يسرة الدَّاخِل بَاب يصعد مِنْهُ الى سلم متسع الْبناء يتَوَصَّل مِنْهُ الى الْمدرسَة العلوية والى مَنَارَة بَاب السَّلَام ويمتد انْتِهَاء السّلم بَاب يدْخل مِنْهُ الى سا حة سَمَاوِيَّة مفروشة الارض بالبلاط الابيض وبصدر هَذِه الساحة من جِهَة الشمَال بَاب مربع يدْخل مِنْهُ الى دركاه لَطِيفَة بهَا عَن يمنة الدَّاخِل دهليز يتَوَصَّل مِنْهُ الى الْمدرسَة الراكبة ظهر الْمجمع اسلفي - المنبه عَلَيْهِ اولا - وَهَذِه الْمدرسَة العلوية تشْتَمل على أَرْبَعَة أواوين متقابلة القبلي مِنْهَا وَهُوَ الْأَكْبَر بصدره محراب وبجانب الْمِحْرَاب من جِهَة الشرق شباكان مطلان على الْمَسْجِد

الشريف وَمن جِهَة الغرب شباكان مطلان على السّلم المتوصل مِنْهُ الى الْمدرسَة وبالايوان الْمَذْكُور من جِهَة الشرق ثَلَاثَة شبابيك مطلة على الْمَسْجِد الى جِهَة صحن الصَّخْرَة الشَّرِيفَة ويقابلها ثَلَاث شبابيك على صحن الْمدرسَة والايوان الشمالي بِهِ شباكان مطلان على الْمَسْجِد الشريف من جِهَة الشمَال وشباكان من جِهَة الشرق والايوان الشَّرْقِي وَهُوَ الطارمة بِهِ ثَلَاث قناطر على عمودين من الرخام وعلوها قمريات من الزّجاج والافرنجي فِي غَايَة الْبَهْجَة والاتقان ويقابله الايوان الغربي وَبِه شباك مطل على صحن الْمدرسَة مفروش ارْض جَمِيع ذَلِك بالرخام الملون وحيطان ذَلِك مستدير عَلَيْهَا الرخام والسقف على جَمِيع ذَلِك من الْخشب المدهون بورق الذَّهَب واللازورد وَهُوَ فِي غَايَة الاحكام والاتقان والارتفاع وبجوار الايوان الشمالي بَيت مَعْقُود يدْخل اليه من الدركاه - الْمُتَقَدّم ذكرهَا - بَاب عَن يسرة الدَّاخِل وَهُوَ مفروش الارض بالرخام الملون وحيطانه مستدير عَلَيْهَا الرخام بِهِ شباكان مطلان على الايوان الشمالي من الْمدرسَة وعَلى ظَاهر هَذَا الْبَيْت طبقَة لَطِيفَة بهَا شباك مطل على دَاخل الْمدرسَة وشباك مطل على الساحة السماوية وبالساحة الْمَذْكُورَة - وَهِي السماوية - بَاب يدْخل مِنْهُ الى سا حة اخرى بهَا الخلاوي المعقودة والمتوضأ وَالْمَنَافِع مركب جَمِيع ذَلِك على الايوانين القبلي والشرقي وَغَيرهمَا من الْمدرسَة البلدية وبالمدرسة الْمشَار اليها من آلَات الْبسط والقناديل مَا هُوَ فِي غَايَة الْحسن مِمَّا لَا يُوجد فِي غَيرهَا وعَلى ظَاهرهَا الرصاص الْمُحكم كظاهر الْمَسْجِد الاقصى الشريف وَمن أعظم محاسنها كَونهَا فِي هَذِه الْبقْعَة الشَّرِيفَة وَلَو بنيت فِي غير هَذَا الْمحل لم يكن عَلَيْهَا الرونق الْمَوْجُود عَلَيْهَا ببنائها فَإِن النَّاس كَانُوا يَقُولُونَ قَدِيما مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس بِهِ جوهرتان هما قبَّة الْجَامِع الْأَقْصَى وقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة قلت وَهَذِه الْمدرسَة صَارَت جَوْهَرَة ثَالِثَة فَإِنَّهَا من الْعَجَائِب فِي حسن المنظر ولطف الْهَيْئَة وَالله الْمُوفق

وَمن جملَة مَا عمره السُّلْطَان حِين عمْرَة الْمدرسَة لسبيل الْمُقَابل لَهَا بداخل الْمَسْجِد فَوق الْبِئْر الْمُقَابل لدرج الصَّخْرَة الغربي وَكَانَ قَدِيما على الْبِئْر الْمَذْكُور قبَّة مَبْنِيَّة ابالاحجار كَغَيْرِهِ من الْآبَار الْمَوْجُودَة بِالْمَسْجِدِ فازيلت تِلْكَ الْقبَّة وَبني السَّبِيل المستجد وفرش أرضه بالرخام وَصَارَ فِي هَيْئَة لَطِيفَة وَكَذَلِكَ الفسقية الَّتِي بِالْقربِ مِنْهُ قبلي المسطبة الْمُجَاورَة للسبيل والفسقية الَّتِي هِيَ بَين بَاب السلسلة وَبَاب السكينَة وَكَانَ قَدِيما مكاها حوانيت ويقابلها من جِهَة الْقبْلَة حوانيت اخر فازيلت الحوانيت من الْجَانِبَيْنِ وعمرت الفسقية الْمَذْكُورَة وَالَّتِي بداخل الْمَسْجِد افنتفع النَّاس بهما فِي تيسير الْوضُوء وَلم يَقع لنا فِي هَذِه السّنة مَا يصلح أَن يؤرخ غير ذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير جانم الأشرفي فِي نِيَابَة الْقُدس الشريف وَحضر متسلمه خضر بك الَّذِي ولي النِّيَابَة فِيمَا بعد فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر الْمحرم وتسحب احْمَد بن مبارك شاه - الْمُنْفَصِل - وَضبط موجوده وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشر الْمحرم توجه قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين بن جِبْرِيل الشَّافِعِي الى الْقَاهِرَة بمطالبة القَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف وَردت عَلَيْهِ بالحضور وان يكون طيب الْقلب منشرح الصَّدْر وَالسَّبَب فِي طلبه انه سمى عَلَيْهِ القَاضِي بدر الدّين بن الحمامي فتوقف الامر على طلبه فَتوجه الى الْقَاهِرَة فَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير اقبردى الدوادار الْكَبِير وَوَضعه فِي الترسيم وفيهَا ورد المرسوم الشريف الى الْأَمِير قانصوه اليحياوي بعمارة قناة العروب وَعمارَة بكرَة المرجيع وجهز لَهُ من الخزائن الشَّرِيفَة خَمْسَة آلَاف دِينَار مِنْهَا الف دِينَار نَفَقَة للأمير قانصوه وَأَرْبَعَة آلَاف دِينَار للعمارة فَتوجه فِي عَاشر صفر للعمارة وصحبته مِائَتَا فَاعل وَنصب مخيمه وَشرع فِي الْعِمَارَة الى أَن اكملها وَتوجه اليه اعيان بَيت الْمُقَدّس وأكابرها وكل من توجه اليه يصحب مَعَه شَيْئا من أَنْوَاع الْمَأْكُول كالعسل وَالسمن وَالْغنم وَغير ذَلِك وفيهَا اسْتَقر القَاضِي بدر الدّين أَبُو البركات حسن بن عَليّ الحمامي الرَّمْلِيّ

الْقُدس الشريف قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين يحيى بن مُحَمَّد الاندلسي الانصاري الْمَالِكِي مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْمَالِكِيَّة بعد شغوره عَن القَاضِي عَلَاء الدّين بن المزوار نَحْو سبع سِنِين فان ابْن المزوار سَافر من الْقُدس فِي جمادي الاولى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ وَهُوَ بَاقٍ على الْولَايَة الى ان توفّي فِي آخر جمادي الاولى سنة خمس وَثَمَانِينَ واستمرت الْوَظِيفَة شاغرة الى أَن ولي القَاضِي شرف الدّين يحيى - الْمشَار اليه - فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَدخل الى الْقُدس فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشر صفر أَيْضا توفّي أَمِين الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْحلَبِي الْمَشْهُور بِابْن قطيبا مبَاشر الاوقاف ومولده فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ لَهُ معرفَة تَامَّة بمصطلح الْمُبَاشرَة والحساب وَكَانَ منور الشيبة حسن الشكل وفيهَا فِي مستهل جمادي الاولى ورد جَراد كثير على بَيت الْمُقَدّس فَأكل غَالب ثَمَرَة الكروم وَالزَّرْع والخضروات وَاسْتمرّ مُدَّة يذهب وَيعود وفيهَا عَاد شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف من الْقُدس الى الْقَاهِرَة فوصل اليها فِي جمادي الْآخِرَة وفيهَا كَانَ ابْتِدَاء الْفِتْنَة بَين السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَبَين السُّلْطَان بايزيد ابْن عُثْمَان ملك الرّوم وجهز السُّلْطَان التجريدة لقِتَال ابْن عُثْمَان وَكَانَ الْمُقدم على الْعَسْكَر الْأَمِير تموراز أَمِير سلَاح وَكَانَ سَفَره من الْقَاهِرَة فِي جمادي الاولى فَلَمَّا وصل الى الرملة توجه اليه الامير جانم نَائِب الْقُدس وصحبته العشير الْمُجْتَمع من جبل الْقُدس بعد أَن عرض الرِّجَال فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي جمادي الْآخِرَة وتوجهوا فِي يَوْم السبت وفيهَا توجه نَاظر الْحَرَمَيْنِ الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي وصحبته جمَاعَة المباشرين الى الْقَاهِرَة المحروسة بمرسوم شرِيف ورد بطلبهم وَحصل بعض المباشرين محنة من السُّلْطَان فِي شهر شعْبَان ثمَّ لطف الله بهم وعادوا الى الْقُدس الشريف وَدخل نَاظر الْحَرَمَيْنِ بخلعة السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري رَمَضَان وَكَانَ يَوْمًا مشهودا

ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانمِائَة وفيهَا توفّي الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري فِي شهر ربيع الأول - كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته - وَكَانَ قد حصل لَهُ السرُور بمعمارة الْمدرسَة الاشرفية لِأَنَّهُ اجْتهد فِي عمارتها وراع السُّلْطَان فِيهَا واحتفل بأمرها فَلَمَّا انْتَهَت عمارتها أَدْرَكته الْمنية قبل بُلُوغ الامنية فسبحان من يتَصَرَّف فِي عباده بِمَا يَشَاء وفيهَا توفّي الشَّيْخ سعد الله الْحَنَفِيّ إِمَام الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَترك ولدا صَغِيرا فَحمل الْوَلَد الى السُّلْطَان وساعده جمَاعَة فِي استقراره فِي إِمَامَة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة عوضا عَن وَالِده وَتوجه نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن خشنى المهشور بِابْن الشنتير للسعي فِي الامامة وساعده الْأَمِير تمراز أَمِير سلَاح فاقضى الْحَال الْمُشَاركَة بَينهمَا فاستقر نَاصِر الدّين ابْن دشني فِي نصف الامامة وَهُوَ الَّذِي كَانَ قرر وَالِده فِيهِ الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي - كَمَا تقدم ذكره فِي حوادث سنة سِتّ وَسبعين - وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ سعد الله فِي النّصْف الثَّانِي وَكتب لكل مِنْهُمَا توقيع شرِيف بِمَا اسْتَقر فِيهِ وفيهَا توجه القَاضِي شرف الدّين يحيى الْمَالِكِي قَاضِي الْقُدس الى الديار المصرية يشكي حَاله من جمَاعَة بالقدس الشريف فرسم لَهُ باستمراره فِي الْوَظِيفَة وتقوية يَده وَشد عضده وَكتب لَهُ مرسوم شرِيف بذلك (ذكر إِقَامَة نظام الْمدرسَة الأشرفية) وفيهَا عين السُّلْطَان لمشيخة مدرسته بالقدس الشريف شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف بِحكم وَفَاة الشَّيْخ شهَاب الدّين الْعمريّ وَطَلَبه الى حَضرته وشافهه بالأولاية وَسَأَلَهُ فِي الْقبُول فَأجَاب بذلك والبسه كامليه وَتوجه من الْقَاهِرَة المحروسة الى الْقُدس الشريف وصحبته القَاضِي بدر الدّين أَبُو البقا ابْن الجبعان والأميران جَان بلاط وماماي والمهتار رَمَضَان وَجَمَاعَة من الْقُرَّاء السُّلْطَانِيَّة ودخلوا الى بَيت الْمُقَدّس فِي يَوْم الاحد سادس رَجَب مومعهم اكبار المقادسة

وأنعم فِي ذَلِك الْيَوْم على جمَاعَة بِلبْس الْخلْع الْوَارِدَة من الابواب الشَّرِيفَة مِنْهُم نَائِب الشَّام الْأَمِير قانصوه اليحياوي واولاده ونائب الْقُدس الْأَمِير جانم والناظر الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي وَالْقَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة والامام نصر الدّين بن الشنتير حضر مَعَهم من الْقَاهِرَة وألبس تَشْرِيفًا بطرحة وَمِمَّنْ حضر مَعَهم من الْقَاهِرَة القَاضِي شرف الدّين يحيى الْمَالِكِي وَدخل بِغَيْر خلعة وَكَانَ يَوْمًا مشهودا ثمَّ فِي يَوْم الْجُمُعَة جلس شيخ الاسلام الكمالي بِالْمَدْرَسَةِ وَعمل درسا حَضَره شيخ الاسلام نجم الدّين ابْن جمَاعَة والقضاة والاعيان وَمن حضر من اركان الدولة السُّلْطَانِيَّة وَالْخَاص وَالْعَام وَكَانَ يَوْمًا حافلا ورتبت الْوَظَائِف بِالْمَدْرَسَةِ وتقرر أمرهَا واستوطن شيخ الاسلام الكمالي بِبَيْت الْمُقَدّس وَسَنذكر تَرْجَمته فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ توجه القَاضِي ابو البقا وأركان الدولة الى الديار المصرية فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وفيهَا طلب القَاضِي بدر الدّين ابْن الحمامي الشَّافِعِي الى الابواب الشَّرِيفَة وَتوجه فِي شهر جمادي الْآخِرَة وَغرم مَالا وأنعم عَلَيْهِ بالاستمرار فِي وظيفته بالقدس والرملة وَعَاد بعد ان خلع عَلَيْهِ كاملية بسمور وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي خَامِس عشري رَمَضَان وفيهَا وَردت مكاتبات القَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف الى الْأَمِير قانصوه اليحياوي نَائِب الشَّام وَإِلَى نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين والقضاة الثَّلَاثَة الشَّافِعِي والحنفي والمالكي يعملهم انه بلغه ان القَاضِي زين الدّين عبد الباسط الْحَنْبَلِيّ بالقدس الشريف يعْتَمد أمورا لَا تلِيق بِمن هُوَ رَاكب لهَذَا المنصب الشريف بل تسْقط الْعَدَالَة وسالهم فِي الْكَشْف عَلَيْهِ وتحرير أمره وإعادة الْجَواب بِحَقِيقَة حَاله من غير مُرَاعَاة ليراجع فِي أمره المسامع الشَّرِيفَة ليترتيب على كل شَيْء مُقْتَضَاهُ ووردت المكاتبات بذلك فِي شهر ذِي الْقعدَة فَقدر ان القَاضِي كَانَ غَائِبا بنابلس فَلَمَّا حضر الى الْقُدس الشريف حصل لَهُ محنة فِي الطَّرِيق بِخُرُوج اللُّصُوص عَلَيْهِ

وَأخذ جَمِيع مَا مَعَه فَكَانَ ذَلِك سَببا لعدم الْكَشْف عَلَيْهِ اكْتِفَاء بِمَا حصل لَهُ من المحنة ثمَّ كَانَ من أمره مَا سَنذكرُهُ فِي حوادث السّنة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وفيهَا فِي شهر ذِي الْحجَّة توفّي الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن غَانِم شيخ حرم الْقُدس الشريف وَاسْتقر وَلَده الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد فِيمَا كَانَ بيد وَالِده من مشيخة الْحرم وَنصف مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وفيهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث الْمحرم دخل الامير ماماي الخاصكي الى الْقُدس الشريف بخلعة السُّلْطَان وَالنَّاس فِي خدمته فرسم على أكَابِر الْبَلَد وَأخذ مِنْهُم مَالا فَأخذ من نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي اربعة بغال وحصانا وَمن النَّائِب الْأَمِير جانم مِائَتي دِينَار وَمن شيخ الصلاحية ثَلَاثِينَ دِينَارا وَمن القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة أَرْبَعمِائَة دِينَار وَمن القَاضِي شهَاب الدّين الْجَوْهَرِي ثلثمِائة دِينَار وَحصل للنَّاس مِنْهُ شدَّة وَتوجه فِي يَوْم السبت ثامن الْمحرم وفيهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع ربيع الأول توجه القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة الى الْقَاهِرَة بمرسوم شرِيف ورد بِطَلَبِهِ وفيهَا حضر الْأَمِير اقبردي الدوادار الْكَبِير من الْقَاهِرَة المحروسة الى جِهَة نابلس لتجهيز رجال للتجريدة لقِتَال بايزيد بن عُثْمَان ملك الرّوم وَوصل الى مَدِينَة الرملة فِي خامش عشر ربيع الأول وَهُوَ أول قدومه الى هَذِه الأَرْض فنصب مخيمه على تل العوجاء وَشرع يتنقل فَتَارَة ينزل بارض قاقون وَتارَة بِأَرْض اللجون وَتارَة بالرملة والبس خَلِيل بن اسماعيل مشيخة جبل نابلس على عَادَته وَشرع فِي تجهيز الرِّجَال وعرضهم وَدفع النَّفَقَة لَهُم وفيهَا فِي اواخر شهر ربيع الاول حصل للسُّلْطَان عَارض وَهُوَ انه ركب فرسا فِي الحوش بالقلعة فَرَمَاهُ وَوَقع فَوْقه فَكسر فَخذ السُّلْطَان وَاسْتمرّ نَحْو شَهْرَيْن وانزعجت المملكة لذَلِك ثمَّ عوفي - وَللَّه الْحَمد - وزينت مَدِينَة الْقُدس

وَغَيرهَا من الْبِلَاد لعافيته وفيهَا عزل القَاضِي زين الدّين عبد الباسط الْحَنْبَلِيّ من قَضَاء الْقُدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ونابلس وَكَانَ بروز الامر بعزله فِي رَابِع عشري ربيع الآخر وَورد علم ذَلِك الى بَيت الْمُقَدّس فِي الْعشْر الاول من جمادي الأولى وَخرج مختفيا فِي لَيْلَة خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور بعد محن حصلت عَلَيْهِ من الشكاوى الْوَاقِعَة عَلَيْهِ الى دوادار السُّلْطَان وَهُوَ بمخيمه بِأَرْض اللجون وانحرف نَائِب الْقُدس عَلَيْهِ وَغَيره من الاكابر والعيان بِبَيْت الْمُقَدّس وَالله الْمُوفق وفيهَا فِي يَوْم السبت سَابِع عشري رَجَب حضر الْأَمِير اقبردي الدوادار الْكَبِير الى الْقُدس الشريف بعد فَرَاغه من المهم السلطاني وَقصد التَّوَجُّه الى الابواب الشَّرِيفَة وفرش لَهُ نَائِب الْقُدس - الْأَمِير جانم - الشقق الْحَرِير ونثر على رَأسه الْفضة وأوقد لَهُ الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَقدم لَهُ نَائِب الْقُدس عشْرين فرسا وقطار بغال وَعمل لَهُ سماطا عَظِيما فَخلع عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير قانصوه اليحياوي نَائِب الشَّام وسافر من الْقُدس فِي عَشِيَّة يَوْم الْأَحَد وَتوجه الى بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام للزيارة ثمَّ توجه الى مَدِينَة غَزَّة وَأقَام بهَا مدية يسيرَة ثمَّ توجه الى الديار المصرية وفيهَا فِي أَوَاخِر شهر شعْبَان حضر سيدنَا ولي الله تَعَالَى الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو العون مُحَمَّد الْغَزِّي القادري الشَّافِعِي نزيل جلجوليا أعَاد الله علينا من بركاته الى الْقُدس الشريف زَائِرًا ثمَّ توجه لزيارة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ السماط قد قطع مُدَّة أَيَّام فَلَمَّا قدم الى بلد الْخَلِيل تَلقاهُ الْفُقَرَاء وَالْفُقَهَاء ودخلوا مَعَه بِتِلَاوَة الْقُرْآن وَالذكر واعيد السماط ببركته ثمَّ عَاد الى الْقُدس الشريف فِي سلخ شعْبَان وَصَامَ أَيَّامًا فِي شهر رَمَضَان ثمَّ عَاد الى مَحل وَطنه عَامله الله بِلُطْفِهِ وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير خضر بك فِي نِيَابَة الْقُدس الشريف وَوصل متسلمه السيفي كتبغا مَمْلُوك الْأَمِير قانصوه اليحياوي فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشري رَمَضَان وَقُرِئَ المرسوم الشريف بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَدخل النَّائِب الى الْقُدس فِي يَوْم

الثلاثا تَاسِع ذِي الْقعدَة بعد كبس قَرْيَة جلجوليا فَقبض جمَاعَة من أَهلهَا ودخلوا مَعَه الى الْقُدس بعد ضَربهمْ واشهارهم على الْجمال وَقصد قَتلهمْ عِنْد بَاب الْخَلِيل فَوَقَعت الشافعة فيهم وَقُرِئَ توقيعه يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة وفيهَا احْتبسَ الْمَطَر حَتَّى دخل اكثر الشتَاء وَوَقع الجدب وانزعج النَّاس لذَلِك وتزايد ظلم النَّائِب وإفحاشه فِي حق الرّعية بالجور وَقل الْقُوت لاحتباس الْمَطَر وَمَضَت السّنة وَالْأَمر على ذَلِك ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وفيهَا عمر الْأَمِير خضر بك نَائِب الْقُدس بدار النِّيَابَة المقعد الملاصق لايوان الحكم من جِهَة الشمَال وَجعله على طَريقَة مجَالِس الْحُكَّام بالديار المصرية وسقفه بالخشب المدهون وَكَانَ قبل ذَلِك جُلُوس النَّائِب بصدر الايوان فَصَارَ جُلُوسه بالمقعد وَهُوَ أولى من النظام الأول وَقد كتب بأعلا المقعد تَارِيخ عِمَارَته فِي الْمحرم سنة احدى وَتِسْعين وَهُوَ خطأ وَإِنَّمَا عمر فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وفيهَا فَشَا الغلاء فِي جَمِيع المملكة وَاشْتَدَّ الْأَمر بِبَيْت الْمُقَدّس وتزايد ظلم النَّائِب بِهِ وُجُوه فورد مرسوم شرِيف بالكشف عَلَيْهِ وَمَا يُعلمهُ فِي حق الرّعية وَأَن يكون الْمُتَوَلِي لذَلِك الْأَمِير طومان باي الخاصكي وَكَانَ إِذْ ذَاك بالمملكة الشامية فانتظر حُضُوره وَكَانَ من تَقْدِير الله تَعَالَى أَن الَّذِي تسبب فِي وُرُود المرسوم الشريف بالكشف على النَّائِب جمال الدّين يُوسُف بن ربيع أَمِير الحكم بالقدس فَلَمَّا وصل المرسوم سر بذلك وَشرع فِي تَدْبِير الامور وترتيب الشكاة الى أَن يحضر الخاصكي للقدس فَقدر الله وَفَاة جمال الدّين بن ربيع فِي ثَالِث عشري جماي الاولى قبل حُضُور الخاصكي وصادف يَوْم وَفَاته وُرُود خلعة من الابواب الشَّرِيفَة للنائب فَخرجت جَنَازَة جمال الدّين بن ربيع الى ماملا والأسواق قد زينت والبشائر دقَّتْ لوُرُود خلعة النَّائِب ولبسها وَدخل الى الْقُدس فِي ثَانِي يَوْم وَفَاة ابْن ربيع

وَقد رَأَيْت فِي ذَلِك الْيَوْم الْعجب من حَال الدُّنْيَا فَإِن النَّاس قد اخْتلفُوا للكشف على النَّائِب وَالْقِيَام فِي نصْرَة جمال الدّين بن ربيع من الاكابر والعوام لبغضهم فِي النَّائِب فَانْقَلَبَ الْأَمر بضده وَشرع النَّاس فِي الاحتفال بِأَمْر النَّائِب وَالرُّكُوب فِي خدمته وتهنئته بالخلعة الْوَارِدَة عَلَيْهِ وَشرع أهل جمال الدّين بن ربيع من اولاده وعائلته وَأَصْحَابه فِيمَا هم فِيهِ من عقد عزائه والنياحة عَلَيْهِ وتعاطي أَسبَاب تكفينه وَدَفنه والأمران فِي يَوْم وَاحِد فِي سَاعَة وَاحِدَة فسبحان نَاقض العزائم الَّذِي لَا يسئل عَمَّا يفعل فَلَمَّا حضر الخاصكي الى الْقُدس خمدت الامور لوفاة جمال الدّين بن ربيع وَحضر النَّائِب لشيخ الاسلام الكمالي بن أبي شرِيف وتلطف بِهِ وَعَاهد الله أَن لَا يعود لما صدر مِنْهُ فَكتب محْضر للسُّلْطَان ان النَّائِب عَاهَدَ الله على سلوك الطَّرِيق الحميدة وان لَا يعود لما صدر مِنْهُ وَكتب اهل بَيت الْمُقَدّس من الْقُضَاة والاعيان خطوطهم بالمحضر وجهز على يَد الخاصكي وَمضى الْأَمر على ذَلِك وفيهَا حضر الى الْقُدس الشريف الْأَمِير جَان بلاط وعَلى يَده مرسوم شرِيف بالكشف على الْأَوْقَاف وتحرير أمرهَا وَحضر صحبته ملك الْأُمَرَاء أقباي نَائِب غَزَّة المحروسة وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الاحد ثَانِي عشري شهر شعْبَان وَجلسَ بِالْمَدْرَسَةِ الاشرفية بِحُضُور شَيْخي الاسلام الكمالي بن ابي شرِيف والنجمي بن جمَاعَة والناظر والنائب والقضاة وَالْخَاص وَالْعَام وَقُرِئَ المرسوم الشريف ثمَّ انْتهى الْحَال على أَن جمع لَهُ من الاوقاف أَكثر من ألف دِينَار فَأَخذهَا وخدمه نَائِب الْقُدس وناظره وَجَمَاعَة من الْأَعْيَان ثمَّ فِي يَوْم الخيمس سادس عشري شعْبَان توجه وصحبته ملك الْأُمَرَاء بغزة وَشَيخ الاسلام الكمالي والناظر والنائب والقضاة الى ظَاهر الْقُدس الشريف وجلسوا على تل الغول لايقاع الصُّلْح بَين نَائِب الْقُدس السيفي خضر بك وخليل بن اسماعيل شيخ جبل نابلس بِسَبَب مَا وَقع بَينهمَا من التنافر فَحصل الصُّلْح بَينهمَا وَكتب

الْجَواب للسُّلْطَان بذلك وَتوجه الْمشَار اليه الى نابلس وفيهَا فِي شهر شعْبَان ورد مرسوم شرِيف بالافراج عَن الْأَمِير قانصوه اليحياوي وان يتَوَجَّه من الْقُدس الشريف الى الْقَاهِرَة المحروسة فَتوجه فِي يَوْم الاربعاء يَوْم عيد الْفطر فَلَمَّا وصل الى غَزَّة ورد خبر وَفَاة الْأَمِير قجماس نَائِب الشَّام فتباشر الْأَمِير قانصوه وجماعته بولايته نِيَابَة الشَّام على عَادَته فَلَمَّا قدم الى الْقَاهِرَة المحروسة أكْرمه السُّلْطَان وانعم عَلَيْهِ واقام اياماً ثمَّ اسْتَقر فِي نِيَابَة الشَّام فِي أَوَاخِر السّنة وفيهَا اشْتَدَّ الْأَمر بالقدس والخليل وَغَيرهمَا وغلت الأسعار فوصل سعر الْقَمْح بالقدس كل مد بِثَلَاثِينَ درهما وَالشعِير كل مد بِاثْنَيْ عشر درهما وَالْخبْز كل رَطْل بأَرْبعَة دَرَاهِم وَكَانَ الغلاء عَاما فِي جَمِيع المملكة (وَاقعَة خضر بك) وفيهَا فحش أَمر خضر بك النَّائِب بالقدس وتزايد ظلمه وسفكه الدِّمَاء وَأخذ اموال النَّاس وَكثر شاكوه وَسَاءَتْ سيرته فَكتب شيخ الصلاحية النجمي بن جمَاعَة فِي أمره اللسلطان فورد مرسوم السُّلْطَان على الامير تغرى ورمش دوادار الْمقر الْأَشْرَف السيفي أقبردي الدوادار الْكَبِير وَهُوَ بِمَدِينَة نابلس بالتوجه الى الْقُدس والكشف على النَّائِب وتحرير امْرَهْ فَحَضَرَ الامير تغرى ورمش الى الْقُدس فِي يَوْم الخيمس ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة وَقُرِئَ المرسوم الشريف بالكشف على النَّائِب فعقد لَهُ عدَّة مجَالِس اولها عقب صَلَاة الْجُمُعَة رَابِع عشر ذِي الْحجَّة بمحراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف ثمَّ تكَرر عُقُود الْمجَالِس فِي عدَّة أَمَاكِن بَعْضهَا بالمجمع الْكَائِن سفل الْمدرسَة الاشرفية وَبَعضهَا على المسطبة الكائنة عِنْد بَاب جَامع المغاربة وَبَعضهَا بِالْمَدْرَسَةِ لعثمانية وَأكْثر النَّاس من الشكوى عَلَيْهِ وكتبت الْقَصَص فِي حَقه وَحضر أهل مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بأعلام الْمَسْجِد الشريف

والطبلخانات واقيمت الغوغاء عَلَيْهِ وَاسْتمرّ الْأَمر على ذَلِك أَكثر من عشرَة أَيَّام وَكَانَت أَيَّامًا مهولة مزعجة ثمَّ كتب الْجَواب للسُّلْطَان بِمَا صدر مِنْهُ من الْكَشْف على النَّائِب وَمَا هُوَ مرتكبه من الظُّلم وَسُوء السِّيرَة وَكتب الْعلمَاء والقضاة بالمدينتين على الْمحْضر ليحضر على السُّلْطَان وَمِمَّا وَقع ان القَاضِي الْمَالِكِي بالقدس الشريف شرف الدّين يحيى المغربي الاندلسي كَانَ فِي بَاطِن الامر يساعد النَّائِب ويلطف امْرَهْ فَلَمَّا وَقع الْكَشْف ورد على نَاظر الْحَرَمَيْنِ الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي مطالعة الْمقر الزيني ابي بكر بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف يُعلمهُ انه وصل بالمسامع الشَّرِيفَة ان القَاضِي الْمَالِكِي بالقدس كَانَت سيرته اولا حَسَنَة وَكَانَ يُبَاشر بعفة ثمَّ ساءت سيرته وَشرع يَأْخُذ الرِّشْوَة وَقد اقْتَضَت الآراء الشَّرِيفَة عَزله وَمنعه من تعَاطِي الاحكام الشَّرْعِيَّة فالمخدوم يُعلمهُ بذلك ويمنعه من تعَاطِي الاحكام مؤرخ فِي اواخر ذِي الْقعدَة فَلَمَّا وصلت المطالعة لناظر الْحَرَمَيْنِ كتم امرها حَتَّى يفرغ أَمر الْكَشْف على انائب ثمَّ يتتلطف فِي عود الْجَواب عَن القَاضِي وَالسَّعْي فِي استمراره على عَادَته فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم الاحد سادس عشر شهر ذِي الْحجَّة عقد مجْلِس للكشف بِالْمَدْرَسَةِ العثمانية وَجلسَ الامير تغرى ورمش وناظر الْحَرَمَيْنِ وَشَيخ الاسلام الكمالي وَشَيخ الاسلام النجمي والقضاة وَمن جُمْلَتهمْ الْمَالِكِي فَأذن الْعَصْر فَقَامَ القَاضِي الْمَالِكِي يُصَلِّي وَالنَّاس جالسون خَلفه فَوَقع كَلَام من النَّاظر عرض فِيهِ بِذكر القَاضِي الْمَالِكِي وانه يساعد النَّائِب فِي أمره وانه يَأْخُذ الرِّشْوَة وَكَانَ القَاضِي الْمَالِكِي حِين تكلم النَّاظر فِي صلب الصَّلَاة فَسمع كَلَامه فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة وَجه خطابه للأمير تغرى ورمش وَقَالَ لَهُ يَا خوند إِن كَانَ هَذَا الرجل ينسبني لأخذ الرِّشْوَة على الاحكام فَهُوَ يَأْخُذهَا على الاوقاف فانتشر الْكَلَام بَينهمَا وَأخذ شيخ الاسلام الكمالي ينتصر للنَّاظِر وانتهر القَاضِي وَقَالَ لب

تكذب فبادر النَّاظر وَأمر باحضار المطالعة الْوَارِدَة بعزل القَاضِي فَلَمَّا قُرِئت قَالَ القَاضِي أَنا ولايتي من السُّلْطَان وَهَذِه مطالعة القَاضِي كَاتب السِّرّ لَا أنعزل بهَا فَقيل لَهُ ان كَاتب السِّرّ هُوَ لِسَان الْملك وقائم مقَامه فِي الْعَزْل وَالْولَايَة وَصرح النَّاظر بِمَنْعه من تعَاطِي الْأَحْكَام فَكثر الغوش على القَاضِي من النَّاس وأفحشوا لَهُ فِي القَوْل وَخرج من الْمجْلس معزولا فَتوجه من حِينه الى الْقَاهِرَة وَلم يقدر لَهُ ولَايَة بعد ذَلِك ثمَّ توجه الى بِلَاد الْيمن فَتوفي بهَا - كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته - ثمَّ كتب الْجَواب للسُّلْطَان بِمَا صدر من الْكَشْف على النَّائِب وَمَا هُوَ مرتكبه من الظُّلم وَسُوء السِّيرَة وَكتب الْعلمَاء والقضاة والاعيان بالقدس خطوطهم على المحاضر وَكتب اهل الْخَلِيل ايضا محَاضِر وَكتب عَلَيْهَا قَاضِي بلد الْخَلِيل واعيانه وجهزت لتعرض على المسامع الشَّرِيفَة وَمَضَت السّنة الْمَذْكُورَة والاحوال مضطربة لما وَقع فِيهَا من الْكَشْف على النَّائِب وَغير ذَلِك من اختلال النظام وَالله الْمُدبر ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي شهر الْمحرم توجه نَائِب الْقُدس الْأَمِير خضر بك الى الابواب الشَّرِيفَة بعد صُدُور الْكَشْف عَلَيْهِ - كَمَا تقدم - وَتوجه أَيْضا نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وتمثل كل مِنْهُمَا بالحضرة الشَّرِيفَة فَلَمَّا وقف النَّائِب للسطان وَكَانَ قد عرض عَلَيْهِ مَا كتب فِي حَقه من محَاضِر الْكَشْف ضربه السُّلْطَان وسجنه ورسم ان يدْفع مَا عَلَيْهِ من الْحُقُوق لأربابها وعزله من النِّيَابَة وَأما النَّاظر فَإِنَّهُ استعفى من وظيفته وَسَأَلَ فِي عزل نَفسه فتوقف السُّلْطَان فِي ذَلِك فَادّعى الْعَجز والخ عَلَيْهِ فِي الاستعفاء فأعفي وشغرت كل من الوظيفتين النِّيَابَة وَالنَّظَر وبرز مرسوم شرِيف الى ملك الْأُمَرَاء اقباي نَائِب غَزَّة بتجيهز دواداره الى مَدِينَة الْقُدس ليقيم بهَا الى ان يُجهز اليها من يوليه السُّلْطَان فَجهز دواداره السيفي خشقدم فَقدم الى الْقُدس فِي يَوْم السبت ثامن عشري الْمحرم وَأحسن السياسة

وفيهَا فِي شهر صفر اسْتَقر الْأَمِير دقماق دوادار اينال الاشقر فِي نظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونيابة السلطنة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ببذل عشرَة آلَاف دِينَار للخزائن الشَّرِيفَة غير مَا تكلفه لأركان الدولة وَحضر متسلمه طرباي الى الْقُدس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري صفر وَكَانَ ذَلِك من أقبح الْأُمُور وأبشعها فَإِن نَاظر الْحَرَمَيْنِ الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي كَانَ من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح فأبدل بظالم فَاجر وَهُوَ - كَمَا قيل - لاذات وَلَا أدوات وفيهَا قطع السماط الْكَرِيم بِحَضْرَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام من أول السّنة الى عشري جمادي الأولى ثمَّ عمل من الشّعير وَلم يعلم انه قطع مثل ذَلِك فِي تقادم السنين فَالْحكم لله العلمي الْكَبِير وفيهَا أنعم السُّلْطَان على القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة بِالرِّضَا والبس خلعة من الحضرة الشَّرِيفَة وَأذن لَهُ فيا لتوجه الى مَحل وَطنه بالقدس الشريف فسافر هُوَ والأمير دقمقا نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السطنة وصحبتهما جمَاعَة المباشرين وَتوجه النَّاس للقائهم من الْقُدس الشريف الى مَدِينَة غَزَّة ودخلوا الى الرملة فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر جمادي الأولى وفيهَا حضر الْأَمِير أقبردي الدوادار الْكَبِير وصحبته القَاضِي زين الدّين ابْن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف من الْقَاهِرَة المحروسة الى جِهَة نابلس لتجهيز الرِّجَال للتجريدة لقِتَال بايزيد خَان بن عُثْمَان خَان فوصلا الى الرملة فِي يَوْم السبت حادي عشري جمادي الاولى وَكَانَ الْأَمِير دقماق وَالْقَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة بالرملة قبل توجهما الى الْقُدس فاجتمعا بِالْمُشَارِ اليهما وَحضر اعيان بَيت الْمُقَدّس للقاء القَاضِي كَاتب السِّرّ والدوادار الْكَبِير بالرملة مِنْهُم شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَشَيخ الاسلام النجمي ابْن جمَاعَة والقضاة والاعيان وتسلم الامير دقماق وَالْقَاضِي فَخر الدّين من مَال الخزائن الشَّرِيفَة الْوَارِد عَليّ يَد الْأَمِير الدوادار الْكَبِير خَمْسَة آلَاف دِينَار ليصرفا ذَلِك على الرِّجَال المعينين من

جبل الْقُدس والخليل واذن لَهما فِي التَّوَجُّه الى الْقُدس فتوجها من الرملة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشري جمادي الأولى ودخلا الى الْقُدس فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشري جمادي الأولى والامير دقماق بخلعة النِّيَابَة وَالنَّظَر وَهُوَ متوشح بأطلسين على الْعَادة وَالْقَاضِي فَخر الدّين بكاملية على سمور وَكَانَ يَوْمًا حافلا وَقُرِئَ توقيع النَّائِب فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم دُخُوله وَحصل للنائب ضعف شَدِيد عقب ذَلِك وَانْقطع فَتَوَلّى القَاضِي فَخر الدّين أَمر تجهيز الرِّجَال وَصرف عَلَيْهِم الْمبلغ وَتوجه بهم من الْقُدس فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث رَجَب الى الامير الدوادار الْكَبِير وَتوجه الدوادار الْكَبِير وَالْقَاضِي كَاتب السِّرّ لجِهَة نابلس وجهز الرِّجَال من جبل نابلس ثمَّ توجه القَاضِي كَاتب السِّرّ فِي شهر رَجَب وَهُوَ متوعك الى الابواب الشَّرِيفَة فوصل الى مَحل وَطنه وَاسْتمرّ متوعكا الى أَن توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس سادس شهر رَمَضَان وَصلي عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشري رَمَضَان رَحمَه الله وَعَفا عَنهُ ثمَّ توجه بعده الدوادار الْكَبِير فِي شهر شعْبَان وسارت العساكر لقِتَال بايزيد خَان بن عُثْمَان خَان وفيهَا من الله تَعَالَى على عباده بِحُصُول الرخا وتيسير الاقوات وانحطاط الاسعار وَحصل الرِّفْق للعباد مَعَ وجود الشدَّة بِسَبَب التجاريد وَذَهَاب النَّاس الى بِلَاد الرّوم فسبحان من يتَصَرَّف فِي عباده بِمَا يَشَاء وفيهَا اسْتَقر شيخ الشُّيُوخ جلال الدّين ابو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي شرِيف الشَّافِعِي أَخُو شيخ الاسلام الكملاي فِي ربع وَظِيفَة المشيخة بالخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف بنزول شَرْعِي صدر لَهُ من الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن غَانِم شيخ الْحرم وَتوجه الى الديار المصرية لاخراج توقيع شرِيف على حكم النُّزُول فَأُجِيب الى ذَلِك وَكتب لَهُ التوقيع الشريف وَحضر من الْقَاهِرَة المحروسة وباشرها وَهِي مستمرة بِيَدِهِ الى يَوْمنَا

وفيهَا تزايد ظلم دقماق نَائِب الْقُدس الشريف وَكثر طمعه وتلاشت احوال الْمُعَامَلَة واختل نظامها وَكثر السراق وأفحشوا فِي قطع الطّرق وَقتل الْأَنْفس وَبَقِي النَّاس فِي شدَّة لذَلِك فَإِن دقماق - الْمَذْكُور - كَانَ فِي مُبَاشَرَته على طَريقَة النَّائِب جقمق - الْمُتَقَدّم ذكره - يصدر مِنْهُ كَلِمَات مُهْملَة فِي الْمجَالِس والمحافل توجب انتقاص النَّاس لَهُ وَكَانَ يُخَاطب آحَاد الْعَوام بالترهات الفشرية ويعتمد افعالا لَا تلِيق مِنْهَا انه وزن نَفسه فِي القبان وَكَانَ يُجَالس السُّفَهَاء ويضحك مَعَهم ويخاطبهم بالمزاح وَكَانَ إِذا مر بِجَمَاعَة يَقُول سَلام عَلَيْكُم جمَاعَة فنقموا عَلَيْهِ بذلك وَشرع بعض النَّاس يرتب ألفاظا ويسجعها مِنْهَا سَلام عَلَيْكُم جمَاعَة دقماق عِنْده سقاعة فَبَلغهُ ذَلِك فَطلب ذَلِك الرجل وَقَالَ لَهُ تَقول عني كَذَا؟ فَقَالَ حاش الله إِنَّمَا قلت سَلام عَلَيْكُم جمَاعَة دقماق عِنْده شجاعة فشرع النَّائِب يضْحك وَيتَكَلَّم بالسخريات وَوَقع لَهُ انه حكى عَن اخته حِكَايَة مَعْنَاهَا انه كَانَ فِي مَكَان مخوف وانه ظهر عَلَيْهِ جمَاعَة وطردوه فهرب مِنْهُم فَمن أَلْفَاظه أَنه قَالَ فَأخذت فلسي فِي كفي وَقمت الْقيام وَأَشْيَاء من هَذَا النسق اوجبت تلاشي احواله واختلال نظامه فَكَانَ أمره بِخِلَاف دقماق الاينالي - الْمُتَقَدّم ذكر - فَإِنَّهُ ولي مُدَّة يسيرَة وَكَانَت سطوته وهيبته تضرب بهما الامثال فَهُوَ يُوَافقهُ فِي الِاسْم وَيُخَالِفهُ فِي الْفِعْل وفيهَا اسْتَقر القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن ابراهيم الرجبي الْمَشْهُور بِابْن مَازِن الْقَرَوِي الْمَالِكِي فِي وَظِيفَة قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف بعد شغورها عَن القَاضِي شرف الدّين يحيى الاندلسي - الْمُتَقَدّم ذكره - من اواخر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَكتب توقيعه بذلك فِي ثامن عشر شَوَّال وَورد كِتَابه الى الْقُدس الشريف

باستخلاف القَاضِي كَمَال الدّين ابي البركات مُحَمَّد بن الشَّيْخ خَليفَة فباشر عَنهُ من شهر ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وفيهَا توفّي القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الْغَزِّي سبط الْجَوْهَرِي وَبِه اشْتهر وَكَانَ عِنْده معرفَة تَامَّة بِالْحِسَابِ والمباشرة واحوال النَّاس وباشر العمالة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف مُدَّة ثمَّ نزل عَنْهَا وَكَانَ لَهُ مُرُوءَة وَقيام مَعَ أَصْحَابه مَعَ لين جَانب وساد وراس وَكَانَ يترفه بالملبوس الْحسن والمأكل وَعِنْده حشمة وتواضع ووفاته فِي شهر ذِي الْقعدَة وَقد قَارب السَّبْعَة وَدفن بماملا وَكَانَت جنَازَته حافلة رَحمَه الله ثمَّ دخلت سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا حضر الْأَمِير اقبردي الدوادار الْكَبِير الى جبل نابلس فِي شهر الْمحرم بِسَبَب الْقَبْض على بني اسماعيل مَشَايِخ جبل نابلس لما حصل مِنْهُم التَّقْصِير فِي المهم الشريف بِبِلَاد الرّوم وبرز الْأَمر لنائب الْقُدس دقماق باسترجاع مَال التجريدة مِمَّن كَانَ دفع اليه من الرِّجَال لما نسب اليهم من التَّقْصِير وعودهم من بِلَاد الرّوم بِغَيْر اذن فأحضر دقماق كل من اخذ شَيْئا واسترجعه مِنْهُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس وافحش فِي الامور وَمن النَّاس من تسحب فَقبض على من يكون مَنْسُوبا اليه من أَقَاربه واصحابه وجيرانه وَشرع يضْرب النَّاس بالمقارع ويضعهم فِي الْحَبْس وَفعل بهم فعلا لم يسمع بِمثلِهِ فِي زمن الْجَاهِلِيَّة حَتَّى ان بعض النَّاس بَاعَ ابْنَته كَمَا يُبَاع الرَّقِيق وتفاحش الْأَمر وَبَقِي النَّاس فِي شدَّة شَدِيدَة ومحنة لم تعهد بالارض المقدسة قبل ذَلِك فسبحان من يتَصَرَّف فِي عباده بِمَا يَشَاء وَتوجه الدودار الْكَبِير فِي اوائل جمادي الاولى الى مَحل وَطنه بالديار المصرية وفيهَا فِي شهر صفر احدث النَّصَارَى المقيمون بدير صهيون كَنِيسَة ظَاهر الْقُدس الشريف بِالْقربِ من الدَّيْر زَعَمُوا ان مَكَانهَا مقَام السيدة مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام واحكموا بناءها وَجعلُوا بهَا من جِهَة الشرق الهيكل الَّذِي يعْمل فِي الْكَنَائِس وَصَارَت كَنِيسَة محدثة بدار الاسلام وَكَانَ المساعد لَهُم دقماق النَّائِب وَأذن لَهُم فِي الْبناء

بِمَال بذل لَهُ وَلغيره فِي ذَلِك وَحصل الوهن فِي الاسلام بذلك فَمن الله بزاولها كَمَا سَنذكرُهُ فِي السّنة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى (تَجْدِيد الْبيعَة للسُّلْطَان) وفيهَا غضب السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف ابو النَّصْر قايتباي نَصره الله تَعَالَى من مماليكه فقصد خلع نَفسه من الْملك وَالْخُرُوج من الديار المصرية وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم السبت رَابِع شهر ربيع الاخر بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله ابي الْعِزّ عبد الْعَزِيز ابْن يَعْقُوب أعز الله بِهِ الدّين وقضاة الْقُضَاة الاربعة وهم شيخ الاسلام زين الدّين أَبُو مُحَمَّد زَكَرِيَّا الانصاري الشَّافِعِي وَشَيخ الاسلام نَاصِر الدّين مُحَمَّد الاخميمي الْحَنَفِيّ وَشَيخ الاسلام مُحي الدّين عبد الْقَادِر بن تَقِيّ الْمَالِكِي وَشَيخ الاسلام بدر الدّين مُحَمَّد السَّعْدِيّ الْحَنْبَلِيّ وَغَيرهم من الامراء واركان الدولة فَوَقع مِنْهُ بحضرتهم مَا يُؤذن بخلعة بِأَن قَامَ وخلع سلارية عَنهُ وَرمى بِهِ بعد ان تبرم من السلطنة وَهَؤُلَاء الامراء وَفِيهِمْ من هُوَ أهل للسلطنة فَاخْتَارُوا من شِئْتُم وَأَنا اتوجه من هُنَا الى مَكَّة فِي جمَاعَة قَليلَة وَلَا اعارضكم فِي سلطنتكم وكلمات اخر نَحوا من هَذَا فجزع النَّاس لذَلِك ثمَّ استعطف خاطره واسترضى وجددت لَهُ الْبيعَة بالسلطنة وكاني وَمَا مشهودا وفيهَا حضر الى الْقُدس الشريف القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مَازِن الْمَالِكِي وَبِيَدِهِ التوقيع الشريف بِولَايَة الْقَضَاء وَكَانَ قدومه فِي يَوْم الاربعاء ثامن ربيع الآخر وفيهَا قصد أَمِير عربان جرم وَهُوَ أَبُو العويسر ان يجدد مظْلمَة على الفلاحين بجبل الْقُدس الشريف وَيَأْخُذ مِنْهُم مَالا وَكَانَ ابو العويسر صَغِيرا دون الْبلُوغ وَكَانَ حَاجِبه هُوَ الْمُدبر لأَمره فَقَامَ فِي ذَلِك شيخ الاسلام نجم الدّين بن جمَاعَة

شيخ الْمدرسَة الصلاحية وَمنعه من ذَلِك وَجلسَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عِنْد الشباك المطل على عين سلوان وَجلسَ مَعَه شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف والقضاة والمشايخ وَكَتَبُوا محضرا وَوَضَعُوا خطوطهم بِهِ ان ذَلِك لم تجر بِهِ عَادَة قبل الْيَوْم وجهز الْمحْضر الى الْأَمِير اقبردي دوادار الْمقَام الشريف وَهُوَ بمخيمة بالرملة وَلم يُمكن أَمِير جرم من اخذ شَيْء من الفلاحين وسطرت هَذِه المثوبة فِي صَحَائِف شيخ الاسلام النجمي بن جمَاعَة وفيهَا ورد مرسوم شرِيف فِي شهر شعْبَان على يَد قَاصد من بَاب الامير ازبك امير كَبِير يتَضَمَّن أَن رُهْبَان دير صهيون انهوا ان من حُقُوق ديرهم جَمِيع القبو المجاور لَهُ وَكَانَ مدفنا لموتاهم وان جمَاعَة من الْمُسلمين زَعَمُوا ان بِهِ قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وبنوا بِهِ محرابا للْقبْلَة وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وان الْعلمَاء أفتوا بِأَنَّهُ من اسْتِحْقَاق النَّصَارَى وَلَا يجوز ان يكون مَسْجِدا لكَونه مَقْبرَة وبرز الْأَمر بتحرير ذَلِك وَتَسْلِيم القبو لِلنَّصَارَى وَمنع من يعارضهم وَعقد مجْلِس بدار النِّيَابَة بِحَضْرَة الْقُضَاة وَقصد بعض النَّاس إِعَانَة النَّصَارَى على انْتِزَاعه من الْمُسلمين فعز ذَلِك على أهل الاسلام لكَونه بِأَيْدِيهِم وَبِه قبْلَة الى الْكَعْبَة المشرفة فخذل الله النَّصَارَى ومساعديهم وَانْصَرف الْمجْلس من غير شَيْء وَسَنذكر تَتِمَّة هَذِه الْحَادِثَة فِي السّنة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وفيهَا ورد مرسوم شرِيف على دقماق نَائِب الْقُدس الشريف بِطَلَب المباشرين الى الابواب الشَّرِيفَة والحط عَلَيْهِ بِسَبَب تَقْصِيره فِي سماط سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمن جملَة أَلْفَاظ المرسوم يَا معلون مَا أَنْت مُسلم وَقُرِئَ المرسوم فِي مجْلِس حافل بِحَضْرَة الْخَاص وَالْعَام بدار النِّيَابَة فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشري شعْبَان وَمِمَّا تضمنه المرسوم عزل القَاضِي شمس الدّين الديري الْحَنَفِيّ من قُضَاة الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف وتجهيزه الى الابواب الشَّرِيفَة فأعيد الْجَواب بالتطلف فِي مره وَاسْتمرّ مُقيما الى ان حصل الانعام عَلَيْهِ

باعادته الى وظيفته اواخر شهر ذِي الْقعدَة وَفِي شهر ذِي الْحجَّة بعد عيد الاضحى توجه القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مَازِن الْمَالِكِي الى مَحل وَطنه بغزة واستخلف عَنهُ فِي الحكم القَاضِي كَمَال الدّين ابو البركات بن الشَّيْخ خَليفَة على عَادَته ثمَّ دخلت سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا قحط الْمَطَر بِبَيْت الْمُقَدّس حَتَّى مضى غَالب الشتَاء وانزعج النَّاس لذَلِك وصاموا ثَلَاثَة ايام ثمَّ استسقوا فِي صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر ربيع الآخر بالصخرة الشَّرِيفَة وخطب الْخَطِيب شرف الدّين ابْن جمَاعَة خطْبَة بليغة وتضرع وابتهل وضج النَّاس الى الله بِالدُّعَاءِ ودخلوا الى الْجَامِع الْأَقْصَى بِالذكر والتهليل ثمَّ انصرفوا وَلم يسقوا فِي يومهم فجزع النَّاس لذَلِك وَتَضَرَّعُوا الى الله تَعَالَى فَلَمَّا مضى النَّهَار وَأَقْبَلت لَيْلَة الِاثْنَيْنِ أغاث الله عباده بالمطر الغزير فامتلأت الْآبَار وَرويت الأَرْض وَأظْهر الله إِجَابَة دُعَاء عباده الضُّعَفَاء فاطمأن النَّاس وحمدوا الله واثنوا عَلَيْهِ وَله الْحَمد والْمنَّة وفيهَا اشْتَدَّ الامر بِسَبَب التجريدة لقِتَال بايزيد خَان بن عُثْمَان خَان ملك الرّوم وتجهيز الرِّجَال من جبل الْقُدس وجبل الْخَلِيل وَغَيرهمَا وَتوجه الْأَمِير أزبك أَمِير كَبِير وصحبته المراء والعساكر فَلَمَّا وصل الى مَدِينَة الرملة كتب مرسومه الى بَيت الْمُقَدّس الى مَشَايِخ الاسلام والقضاة بِسَبَب رُهْبَان دير صهيون وَمَا أنهوه من جِهَة القبو الَّذِي يُقَال ان بِهِ قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وان يحرر الْأَمر فِيهِ وَإِذا تبين انه من اسْتِحْقَاق النَّصَارَى بالطرق الشَّرْعِيّ يسلم اليهم فعقد مجْلِس لذَلِك بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية بِحَضْرَة شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَشَيخ الاسلام النجمي بن جمَاعَة ودقمق نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة والقضاة وَدَار الْكَلَام بَينهم فِي تَحْرِير امْرَهْ وَكَتَبُوا محضرا يتَضَمَّن ان هَذَا الْمَكَان بِهِ محراب الى جِهَة الْقبْلَة وانه بأيدي الْمُسلمين من تقاد السنين وَكتب

الْعلمَاء والقضاة وَالْفُقَهَاء خطوطهم بالمحضر وَلم يتلفت الى النَّصَارَى وَلَا إِلَى من يساعدهم فِي ذَلِك كل ذَلِك وهم مستمرون على الْفساد لعنة الله عَلَيْهِم (وَاقعَة قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام والقبة المحدثة عِنْد دير صهيون) (والكشف على دقماق نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس الشريف) وفيهَا - عقب مَا تقدم ذكره من أَمر النَّصَارَى - كتب شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف للسُّلْطَان مكاتبتين احداهما ذكر فِيهَا ان الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف قد اخْتَلَّ نظامه وَاحْتَاجَ الى الْعِمَارَة وَإِقَامَة الشعائر وَالثَّانيَِة فِي معنى الْقبَّة الَّتِي احدثها النَّصَارَى عِنْد دير صهيون وانها صَارَت كَنِيسَة محدثة وَمَا وَقع بِسَبَب القبو الَّذِي يُقَال ان بِهِ قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وجهز المكاتبتين للسُّلْطَان فعرضتا عَلَيْهِ واقترن بذلك كَثْرَة الشكاوى على دقمق نَائِب الْقُدس لما يصدر مِنْهُ من الظُّلم والجور وَقطع الطّرق فِي أَيَّامه فَجهز السُّلْطَان خاصكيا اسْمه أزبك بالكشف على النَّائِب وَكتب مرسوم شرِيف مُطلق بِمَا وَقع على النَّائِب من شكوى الرّعية وَمَا يعْمل فِي حَقهم وان يحرر أمره ويعاد الْجَواب على المسامع الشَّرِيفَة ورسوم ثَان مُخْتَصّ بالشيخ كَمَال الدّين جَوَابا لمكاتبتيه - الْمُتَقَدّم ذكرهمَا - وانه يحرر أَمر الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَمَا هُوَ يحْتَاج اليه من الْعِمَارَة وان ينظر فِي أَمر الْقبَّة الَّتِي احدثها النَّصَارَى عِنْد دير صهيون واذا كَانَ الْبناء مُخَالف للشَّرْع يهدم وَيُحَرر أَمر قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَيعْمل مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع الشريف وإعادة الْجَواب بِمَا يتحرر من ذَلِك وَفصل الخاصكي الى بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَجلسَ بِالْمَسْجِدِ الشريف الخليللي وَحصل الْكَشْف على النَّائِب بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل فكثرت عَلَيْهِ الشكوى بِسَبَب سماط سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا يحصل مِنْهُ من الضَّرَر لأهل بلد الْخَلِيل وَكتب محْضر بذلك بِخَط القَاضِي وَأهل الْبَلَد

ثمَّ حضر الخاصكي والنائب صحبته فدخلا الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الْخَمِيس آخر جمادي الْآخِرَة وجلسا فِي محراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَجلسَ مَشَايِخ الاسلام والقضاة وَالْخَاص وَالْعَام وَقُرِئَ المرسوم الشريف الْوَارِد بالكشف على النَّائِب والمرسوم الثَّانِي بِسَبَب النَّصَارَى وَمَا أحدثوه وضج النَّاس وَأَكْثرُوا من الشكوى على النَّائِب وافحشوا لَهُ فِي القَوْل واصبح النَّاس فِي يَوْم الْجُمُعَة جَلَسُوا بالمجمع سفل الْمدرسَة الشرفية وشرعوا فِي الْكَشْف على النَّائِب وَادّعى عَلَيْهِ كثير من النَّاس عِنْد قاضة الشَّرْع الشريف بامر أنكر بَعْضهَا واعترف بِبَعْض (هدم الْقبَّة) فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم السبت ثَانِي شهر رَجَب توجه شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَشَيخ الاسلام النجمي ابْن جمَاعَة ودقماق النَّائِب وأزبك الخاصكي والقضاة وَالْخَاص وَالْعَام الى دير صهبون وجلسوا بداخل الْقبَّة اليا حدثها النَّصَارَى وَتَكَلَّمُوا فِي أمرهَا فَتحَرَّر من امرها ان النَّصَارَى انهو ان بِقرب دير صهيون قبرا يُسمى الْقَبْر المنسي وَأَنه يقْصد للزيارة وَأَن مُرَادهم الْبناء عَلَيْهِ واثبتوا محضرا ان هَذَا الْمَكَان هُوَ الْقَبْر المنسي فبنوا الْقبَّة الْمَذْكُورَة اعْتِمَادًا على أَن الْقَبْر المنسي تحتهَا فَلَمَّا جلس الْعلمَاء والقضاة للتحرير تبين أَن الْأَمر بِخِلَاف مَا انهوه لمقْتَضى ان الْقَبْر المنسي فِي مَوضِع آخر بِالْقربِ من الْقبَّة فِي حاكورة هُنَاكَ وَأمره مَجْهُول لَا يعلم مَا هُوَ وَأَن المدفون بِهِ حَيْثُ كَانَ مُسلما فَلَا مدْخل لِلنَّصَارَى فِي الْبناء عَلَيْهِ وتحرر أَن مَحل الْقبَّة الْمَذْكُورَة إِنَّمَا هُوَ الْمَكَان الَّذِي تزْعم النَّصَارَى أَنه مقَام السيدة مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام وَقد بنيت الْقبَّة الْمَذْكُورَة على صفة الْكَنَائِس وَبهَا هيكل الى جِهَة الشرق فَلَمَّا اتَّضَح ذَلِك اقيمت الْبَيِّنَة عِنْد القَاضِي بدر الدّين بن الحمامي الشَّافِعِي

ان الْقبَّة الْمَذْكُورَة مجدثة فِي دَار الاسلام وان الْمُتَوَلِي لبنائها رَئِيس دير صهيون وَرجل آخر من النَّصَارَى بسعيهما فِي ذَلِك وحضرا بِالْمَجْلِسِ وسألهما القَاضِي عَن ذَلِك فاعترفا ببنائها وأنهما هما المتسببان فِي ذَلِك فألزمهما بهدمها وَنفذ لَهُ بَقِيَّة الْقُضَاة الْأَرْبَعَة مَا صدر مِنْهُ من الالزام بالهدم وَأما القبو الَّذِي يُقَال ان بِهِ قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَتحَرَّر من أمره انه كَانَ قَدِيما بأيدي النَّصَارَى وَحصل فِيهِ نزاع كثير من الْمُسلمين فِي الزَّمن السالف من نَحْو مائَة سنة وَرفع امْرَهْ الى الْمُلُوك السالفة مِنْهُم الْملك الْمُؤَيد شيخ والأشرف برسباي وَغَيرهمَا وَكتب مراسيم شريفة فِي أمره وَكثر النزاع فِي الزَّمن السالف بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى بِسَبَبِهِ وَكَانَ تَارَة يَأْخُذهُ الْمُسلمُونَ وَتارَة يسترجعه النَّصَارَى وَلم يزل امْرَهْ فِي تخبيط الى زمن الْملك الظَّاهِر جقمق رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَرفع أمره اليه وَكَانَ من امْرَهْ مَا تقدم شَرحه فِي تَرْجَمته فِي سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَاسْتقر قبر دَاوُد من ذَلِك التَّارِيخ بأيدي الْمُسلمين بمرسوم الْملك الظَّاهِر جقمق وَبنى بِهِ قبْلَة الى جِهَة الْكَعْبَة المشرفة وبالقبو الْمَذْكُور محراب موجه الى جِهَة صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَبِه صفة قبر يُقَال أَنه قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَولي النّظر عَلَيْهِ الشَّيْخ يَعْقُوب الرُّومِي الْحَنَفِيّ عَالم الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف وَكتب لَهُ مربعات حسبَة من الْملك الْأَشْرَف اينال وَالْملك الظَّاهِر خشقدم بمرتب يصرف للمكان الْمَذْكُور وَاسْتمرّ بأيدي الْمُسلمين الى عصرنا من غير مُنَازع وتحرر أَمر ذَلِك على الصّفة الْمَذْكُورَة وَلم يتَبَيَّن لِلنَّصَارَى مَا يَقْتَضِي استحقاقهم لَهُ وَلَا مَا يسوغ انْتِزَاعه من الْمُسلمين فَعِنْدَ ذَلِك جلس شيخ الاسلام والقضاة والاعيان بالقبو الْمَذْكُور وقرؤا الْقُرْآن وَذكروا الله تَعَالَى ومدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَوْمًا مشهودا أعز الله فِيهِ الاسلام وَأَعْلَى كلمة الايمان وقمع عَبدة الصلبان فَللَّه الْحَمد والْمنَّة ثمَّ انْصَرف النَّاس الى دَاخل الْمَدِينَة للكشف على النَّائِب وَحصل الِاتِّفَاق مَعَ النَّصَارَى انهم فِي الْيَوْم الثَّانِي وَهُوَ نَهَار الاحد يهدمون

مَا أحدثوه من بِنَاء الْقبَّة الْمَذْكُورَة وانفصل الامر على ذَلِك فَلَمَّا دخل النَّاس إِلَى الْمَدِينَة ورد الْخَبَر أَن السُّلْطَان قدم الى مَدِينَة الرملة وَنصب خيامه بهَا فاضطرب الْحَال لذَلِك وَشرع النَّاس من الاعيان والاكابر فِي التأهب للقاء السُّلْطَان وَبَقِي الْخلق فِي هوج وموج فَأَشَارَ شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف بالمبادرة الى هدم الْقبَّة الْمَذْكُورَة قبل التَّوَجُّه الى لِقَاء السُّلْطَان خشيَة من عَارض يحدث ثمَّ ركب بِنَفسِهِ وَتوجه وصحبته الخاصكي والنائب والقضاة والجم الْغَفِير وعادوا على الْفَوْر إِلَى دير صهيون وَأمرُوا بهدمها وهم جُلُوس هُنَاكَ فاحضرت آلَات الْهدم وانتهز أهل الاسلام الفرصة وهدموا الْقبَّة عَن آخرهَا ودكوها دكا واسبعوا الْكَافرين صكا وَاسْتمرّ الْهدم من ضحى النَّهَار إِلَى آخِره وَعمل فِيهِ خلق من الْفُقَهَاء والفقراء والصوفية والزهاد وَالْخَاص وَالْعَام كل ذَلِك والمسلمون تعلو أَصْوَاتهم بالتسبيح والتهليل وَالتَّكْبِير وَكَانَ يَوْمًا مشهودا يذكر مَا سلف من الْغَزَوَات نصْرَة الاسلام على مِلَّة الْكفْر وَهَذِه المثوبة فِي صَحَائِف شيخ لااسلام الكمالي فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ سَببا لهَذَا الْمَعْرُوف فجزاه الله عَن الاسلام وَالْمُسْلِمين خيرا فَلَمَّا انْتهى الْهدم وَلم يبْق للقبة اثر ورد الْخَبَر من مَدِينَة الرملة من جمَاعَة حَضَرُوا مِنْهَا فِي ذَلِك الْوَقْت ان السُّلْطَان لم يكن حضر وَلَا خرج من الْقَاهِرَة وان الْخَبَر الْوَارِد بقدومه الى الرملة لَا أثر لَهُ فَعجب النَّاس لذَلِك وعد ذَلِك من بركَة الاسلام فَإِنَّهُ لماورد الْخَبَر بقدوم السُّلْطَان كَانَ السَّبَب الى الاسراع بهدم الْقبَّة وَوَقع جَمِيع ذَلِك فِي يَوْم السبت ثَانِي شهر رَجَب - كَمَا تقدم ذكره وكتبت محَاضِر بِمَا وَقع فِي أَمر الْقبَّة وهدمه ابحكم الشَّرْع الشريف وَمَا تحرر من أَمر قبر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنه تَبْيِين انه بأيدي الْمُسلمين من تقادم السنين وَمَا وَقع فِيهِ من الْقِرَاءَة وَالذكر وَكتب شُيُوخ الاسلام والقضاة وَالْفُقَهَاء خطوطهم على المحاضر وَلما حضر الخاصكي بالكشف كَانَ القَاضِي الْمَالِكِي شمس الدّين بن مَازِن بغزة

فَحَضَرَ بعد الشُّرُوع فِي الْكَشْف بِنَحْوِ ثَلَاثَة أَيَّام وَكتب خطه مَعَ الْجَمَاعَة على المحاضر واصبح النَّاس فِي يَوْم الْأَحَد فِي الشُّرُوع فِيمَا يتَعَلَّق بالكشف على النَّائِب وَحصل التَّشْدِيد من الخاصكي عَلَيْهِ وَاغْلُظْ عَلَيْهِ فِي القَوْل وَوَضعه فِي الترسيم وَكتب الْجَواب للسُّلْطَان بمحاضر عَلَيْهَا خطوط اعيان بَيت الْمُقَدّس بِمَا تحرر من أَمر النَّائِب وَسُوء سيرته وَمَا اعْتَمدهُ فِي حق الرّعية من الظُّلم وَعدم سلوك الطَّرِيق الحميدة وخراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وجهزت المحاضر على يَد الامام نَاصِر الدّين ابْن الشنتير إِمَام الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فبادر النَّائِب وجهز دواداره طرباي خُفْيَة الى الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بالأمير اقبردي الدوادار الْكَبِير واعلمه بِمَا وَقع فِي حق استاذه ووعده بِمَال فانتصر للنائب ثمَّ علم بوصول إِمَام الصَّخْرَة وعَلى يَده المحاضر فَجهز لَهُ من تَلقاهُ فِي ظَاهر الْقَاهِرَة وَقبض عَلَيْهِ وَوَضعه فِي الترسيم وَمنعه من الِاجْتِمَاع بالسلطان وَاسْتمرّ الْأَمر بالقدس الشريف على مَا هُوَ عَلَيْهِ من الْكَشْف على النَّائِب وعقود الْمجَالِس نَحْو سِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَحصل للنائب شدَّة من الاساءة عَلَيْهِ من أقل الْعَوام فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر رَجَب وَالنَّاس مجتمعون بِالْمَدْرَسَةِ الأشرفية من الْمَشَايِخ والقضاة وَالْخَاص وَالْعَام إِذْ ورد مرسوم شرِيف على يَد قَاصد النَّائِب طرباي يتَضَمَّن الانكار على الخاصكي لما وَقع مِنْهُ فِي حق النَّائِب لكَونه رسم عَلَيْهِ بِغَيْر مرسوم شرِيف وان الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة اقْتَضَت حُضُور النَّائِب وَشَيخ الصلاحية وَالْقَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة وان الخاصكي يُعِيد للنائب جَمِيع مَا وصل اليه مِنْهُ حَتَّى النفقه فَلَمَّا ورد هَذَا الْخَبَر حصل للنائب الْفرج بعد الشدَّة ودق الطبلخانات للبشرى وَشرع فِي تتبع من أَسَاءَ الْأَدَب فِي حَقه فاختفى كثير من النَّاس وانزعج الاكابر وانقلب الْأَمر بنصرة النَّائِب على من خاصمه واسترجع من الخاصكي كل مَا دَفعه اليه وَكَانَت فتْنَة فَاحِشَة

ثمَّ فِي أَوَائِل شعْبَان توجه من الْقُدس الشريف كل من النَّائِب وَشَيخ الاسلام النجمي ابْن جمَاعَة وَالْقَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة ودخلوا الى الْقَاهِرَة المحروسة وَورد مرسوم شرِيف لشيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف بالتكلم على الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف ومقام سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَتوجه الى بلدالخليل وَأقَام نظامه واصلح امْر السماط الْكَرِيم وَلما وصل الْجَمَاعَة المطلوبون للقاهرة قدر ان شيخ الصلاحية تكلّف مبلغا نَحْو الف دِينَار ورسم باستمراره فِي وظيفته وَعَاد الى بَيت الْمُقَدّس فِي شهر شَوَّال وَدخل فِي اللَّيْل وَالْقَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة حصل لَهُ محنة من السُّلْطَان واخرجه الى الواح فَأَقَامَ بهَا نَحْو سنتَيْن ثمَّ فِي سنة سبع وَتِسْعين رسم بعوده الى الْقَاهِرَة فَعَاد وَهُوَ مُقيم بهَا الى يَوْمنَا وَالله لطيف بعباده وَأما النَّائِب فَإِنَّهُ انْتَمَى الى الدوادار الْكَبِير وبذل مَالا ورسم باستمراره فِي النِّيَابَة وَالنَّظَر ومماوقع فِي هَذِه الْحَادِثَة أَنه لما توجه نَاصِر الدّين إِمَام الصَّخْرَة بالمحاضر - كَمَا تقدم - وَأشْهد عَلَيْهِ دقماق انه عَزله مِمَّا بِيَدِهِ من نصف إِمَامَة الصَّخْرَة وَقرر فِيهَا القَاضِي شهَاب الدّين بن المهندس فَلَمَّا وصل النَّائِب الى الْقَاهِرَة ورسم لَهُ باستمراره فِي النِّيَابَة وَالنَّظَر حصل لامام الصَّخْرَة نَاصِر الدّين بن الشنتير الِاجْتِمَاع بالسلطان ولامه على مَا صدر مِنْهُ من التَّكَلُّم فِيمَا لَا يعنيه من سَفَره بالمحاضر وَكَونه جعل نَفسه قَاصِدا ووبخه بِمثل ذَلِك فَاسْتَغْفر الله تَعَالَى وَكَانَ من لَفظه للسُّلْطَان يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان اعْفُ عني عَفا الله عَنْك وَوَقع بَينهمَا كَلَام لطيف من جملَته ان السُّلْطَان امْرَهْ ان يَرْمِي بِحَضْرَتِهِ النشاب فَرمى فأعجب السُّلْطَان رميه وَأمره ان يَجْعَل عمَامَته كعمامة الْجند كَمَا كَانَت اولا وحصلت لَهُ عناية فرسم السُّلْطَان باستمراره فِي نصف الامامة على عَادَته وعزل القَاضِي شهَاب الدّين بن المهنس وَكتب لَهُ توقيع شرِيف بذلك مَعْنَاهُ ان يسْتَقرّ فِي نصف الامامة على عَادَته وعزل شهَاب الدّين ابْن المهندس الَّذِي قَرَّرَهُ السيفي دقماق بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي وَلَا مرسوم شرِيف

وَحضر إِمَام الصَّخْرَة الى الْقُدس الشريف فِي شهر رَمَضَان وَقُرِئَ توقيعه بِالْمَسْجِدِ الاقصى بعد صَلَاة الْجُمُعَة عقب ختم البُخَارِيّ وإهدائه فِي صَحَائِف السُّلْطَان وَفِي رَابِع شهر شَوَّال توجه القَاضِي شمس الدّين ابْن مَازِن الْمَالِكِي إِلَى وَطنه بغزة واستخلف عَنهُ فِي الحكم بالقدس الشريف القَاضِي تَقِيّ الدّين أَبَا بكر بن الْعلم الْمَالِكِي قَاضِي الرملة كَانَ وفيهَا اسْتَقر القَاضِي شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المهندس الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ فِي وَظِيفَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين الديري بمساعدة دقماق نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس وَالسَّبَب فِي ذَلِك انه لما حصل الْكَشْف على النَّائِب حصل لَهُ من القَاضِي شمس الدّين الديري كَلِمَات اغلظ فِيهَا عَلَيْهِ فَوجدَ فِي نَفسه فَلَمَّا تقرر القَاضِي شهَاب الدّين بن المهندس فِي نصف إِمَامَة الصَّخْرَة وَلم يتم لَهُ الْأَمر سعى لَهُ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة لكَونه سَافر فِي خدمته مساعدا لَهُ واجيب الى ذَلِك وبرز الْأَمر بولايته فِي ثامن عشري رَمَضَان وَوصل مرسوم الاعلام الى الْقُدس فِي أَوَاخِر شهر ذِي الْقعدَة وَمنع القَاضِي شمس الدّين الديري من الحكم وفيهَا حضر الْأَمِير اقبردي الدوادار الْكَبِير الى الْقُدس الشريف مُتَوَجها لجِهَة الْغَوْر وَوصل الى الْقُدس فِي يَوْم الاحد سَابِع عشري ذِي الْحجَّة وَنزل بخان الظَّاهِر وَاسْتمرّ الى يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشر الشَّهْر وَدخل الى المسجدا لأقصى فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ركب من حِينه وَتوجه الى الْغَوْر ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس الْمحرم دخل الْأَمِير دقماق نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة الى الْقُدس الشريف وَهُوَ لابس خلعة الِاسْتِمْرَار كاملية بسمور وصحبته القَاضِي شهَاب الدّين بن المهندس الْحَنَفِيّ وَهُوَ لابس تشريف الْولَايَة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم دخلوهما قرئَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مرسوم السُّلْطَان باستمرار النَّائِب وتوقيع القَاضِي

الْحَنَفِيّ ثمَّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع الْمحرم توجه النَّائِب الى الدوادار بالغور وَاسْتمرّ عِنْده الى اواخر ربيع الأول وَحضر الدوادار من الْغَوْر وَنزل الرملة على قبَّة الجاموس وَحضر النَّائِب الى الْقُدس وفيهَا ورد مرسوم شرِيف بِطَلَب القَاضِي بدرالدين بن الحمامي الشَّافِعِي وَالْقَاضِي شمس الدّين الديري الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن شروين الْمقري الى الْقَاهِرَة وَالسَّبَب فِي ذَلِك دقماق نَائِب الْقُدس الشريف بِسَبَب كَلَام وَقع مِنْهُم فِي وَقت الْكَشْف عَلَيْهِ فِي السّنة الْمَاضِيَة وتوجهوا من الْقُدس فِي نصف شهر صفر وتكلفوا مَالا وعادالقاضي الشَّافِعِي وَهُوَ مُسْتَمر على الْولَايَة وَالْقَاضِي شمس الدّين الديري وَهُوَ مُسْتَمر على الْعَزْل وَكَانَ عودهما الى الْقُدس فِي نصف شهر رَمَضَان وَفِي أول شهر ربيع الأول حضر القَاضِي الْمَالِكِي شمس الدّين بن مَازِن من غَزَّة الى الْقُدس الشريف بِمُبَاشَرَة وظيفته {وَاقعَة الزَّيْت} وَفِي أول شهر ربيع الآخر حضر السيفي قانصوه من مخيم الْأَمِير اقبردي الدوادار الْكَبِير بمرسومه برمي الزَّيْت المتحصل من جبل نابلس على أهل بَيت الْمُقَدّس الْخَاص وَالْعَام من الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى كل قِنْطَار بِخَمْسَة عشر دِينَارا ذَهَبا وَالسَّبَب فِي ذَلِك دقماق نَائِب الْقُدس الشريف لما حصل عِنْده من الحنق على أهل بَيت الْمُقَدّس مِمَّا وَقع مِنْهُم حِين الْكَشْف عَلَيْهِ فِي السّنة الْمَاضِيَة وَكَانَ الزَّيْت قبل ذَلِك من تقادم السنين ومضي الْأَزْمِنَة يرد من جبل نابلس وَيُبَاع بالقدس والرملة بالسعر الْوَاقِع من غير حرج على أحد وَاسْتمرّ الامر على ذَلِك الى سنة تسعين وَثَمَانمِائَة فتسبب بعض وسائط السوقة فِي امْرَهْ فَصَارَ يضْبط الزَّيْت وَيَرْمِي على اربابه وهم التُّجَّار الَّذين يصنعون الصابون بالقدس الشريف ومدينة الرملة وَيدْفَع لَهُم بِقدر معِين من غير تعرض الى أحد غير من يصنع الصابون وَحضر

فِي اوائل الْأَمر الْأَمِير تغرى ورمش لقبض ثمنه ثمَّ صَار يعين فِي كل سنة بعض المماليك بِخِدْمَة الْأَمِير دوادرا كَبِير للحضور الى جبل نابلس فيحضر ويضبط الزَّيْت ويبيعه لأربابه وَيقبض ثمنه فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه السّنة خضر الْأَمِير الدوادار من الْقَاهِرَة - كَمَا تقدم - وَقصد بيع الزَّيْت لأربابه على مَا جرت بِهِ الْعَادة من سنة تسعين فسعى دقماق فِي رميه على جَمِيع أهل بَيت الْمُقَدّس لينتقم مِنْهُم فَلَمَّا حضر السيفي قانصوه فِي أول ربيع الآخر - كَمَا تقدم - وَجلسَ مَعَ دقماق بدار النيبابة طلب أهل الْقُدس بأسرهم وَكتب أَسْمَاءَهُم فِي قَوَائِم وَعين على كل انسان قناطير مُعينَة وَأمرهمْ بشرَاء الزَّيْت كل قِنْطَار بِخَمْسَة عشر دِينَارا ورسم على النَّاس وشدد عَلَيْهِم وضربهم ضربا مؤلما وَشرع يحمل كل اُحْدُ فَوق طاقته وَلم يطعه ضربه حَتَّى يكَاد يهْلك وَمن غَابَ هجم على منزله وَأخذ مَاله من الْأَمْتِعَة وَمن لم يُوجد لَهُ امتعة وَلَا مَوْجُود أحضر زَوجته وضرباه وسجنها حَتَّى تدفع مَا عَليّ زَوجهَا فهتك كثير من المخدرات وَمن لم يظفر بِزَوْجَتِهِ احضر من يكون من أَقَاربه فَإِن لم يُوجد لَهُ قريب أحضر من يكون من جِيرَانه حَتَّى وَقع أَنه طلب شخصا فَلم يجده فَقَالَ لأعوانه أحضروا زجته فَقيل لَهُ انها ختفت فَقَالَ انْظُرُوا من يكون من اقاربه فَقيل لَيْسَ لَهُ قرَابَة فَقَالَ انْظُرُوا جِيرَانه فَقيل أَن جِيرَانه قد اختفوا فَقَالَ انْظُرُوا من يكون جلس عِنْده وحدثه فأحضر الاعوان رجلا وَقَالُوا ان هَذَا جلس فِي وَقت على حانوته وتحدث مَعَه فَأمر دقماق ذَلِك الرجل ان يدْفع ثمن الزَّيْت الْمعِين عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ لم؟ قَالَ لِأَنَّك جَلَست عِنْده فِي وَقت وتحدثت مَعَه ثمَّ ضرب ذَلِك الرجل الى ان اخذ مِنْهُ مَا على الْغَائِب وَمثل هَذِه الْحِكَايَة كَثِيرَة وَوَقع ماهو أفحش مِنْهَا وأشنع وَاسْتمرّ النَّاس فِي الضَّرْب والترسيم والمحنة وهتك الْحرم شهر ربيع الآخر بِكَمَالِهِ وَبَاعَ النَّاس امتعتهم وثيابهم بأبخس الاثمان وَبيع كل مِثْقَال من الذَّهَب

الطّيب بِدُونِ خمسين درهما وَبَاقِي النَّاس يَأْخُذُونَ الزَّيْت كل قِنْطَار بِخَمْسَة عشر دِينَارا ذَهَبا ويبيعونه بِمِائَتي دِرْهَم وَخمسين درهما فضَّة فَكَانَت الخسارة أَكثر من الثُّلثَيْنِ ثمَّ جهز دقماق دواداره طرباي الى بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَرمى على أهل بلد الْخَلِيل جانبا من الزَّيْت ورسم عَلَيْهِم الى ان استوفى مِنْهُم الثّمن وحملت الى مخدومه وَكَانَت محنة فَاحِشَة لم يسمع بِمِثْلِهَا فِي عصر من الاعصار بل وَلَا فِي مِلَّة من الْملَل خُصُوصا فِي مثل هَذِه الْبقْعَة الشَّرِيفَة الَّتِي فِيهَا أحد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الَّتِي تشد لَهَا الرّحال وَعند مقَام نَبِي الله وخليله ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير ثمَّ توجه دقماق والسيفي قانصوه - الْمَذْكُورَان - بالمبلغ الْمَقْبُوض ثمنا عَن الزَّيْت وَهُوَ نَحْو عشْرين الف دِينَار الى مخيم لأمير الدوادار بِظَاهِر مَدِينَة الرملة فانتقم الله تَعَالَى من دقماق اشد انتقام وعزل الامير دوادار كَبِير من نظر الْحَرَمَيْنِ ونيابة السلطنة وَأخرجه الله من الأَرْض المقدسة فسبحان المنتقم بعدله وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير خضر بك الَّذِي كَانَ نَائِب الْقُدس الشريف فِي نظر الْحَرَمَيْنِ ونيابة السلطنة بالقدس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عوضا عَن دقماق - الْمُتَقَدّم ذكره - وألبس الخلعة من حَضْرَة دوادار السُّلْطَان بِظَاهِر مَدِينَة الرملة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع شهر جمادي الأولى وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي سَافر فِيهِ الْأَمِير دوادار من الرملة قَاصِدا الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عَاشر جمادي الأولى وَمَعَهُ من الْخلق والعشير مَا لَا يحصيهم إِلَّا الله تَعَالَى وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله لم ير مثله لدُخُول حَاكم فِي هَذِه الازمنة واستبشر النَّاس بولايته وَحصل الْأَمْن فِي الطّرق وردع الناحيس وَكَانَ قبل ذَلِك بِيَسِير فِي شهر ربيع الآخر برز الْأَمر الشريف باخراج مَدِينَة الرملة عَن نَائِب الشَّام الْأَمِير قانصوه اليحياوي وإضافتها الى ملك الْأُمَرَاء أقباي نَائِب غَزَّة المحروسة وَلم تجر بذلك عَادَة قبل هَذَا التَّارِيخ ثمَّ فِي شهر شعْبَان

ورد على الْأَمِير خضر بك نَائِب الْقُدس وناظر الْحَرَمَيْنِ خلعة من الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة وَكتب لَهُ توقيع شرِيف باستقراره فِي الوظيفتين والبس من ظَاهر الْقُدس وَدخل النَّاس فِي خدمته وَكَانَ يَوْمًا حافلا وَقُرِئَ توقيعه بعد صَلَاة الْجُمُعَة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريفز وفيهَا أخمد الله الْفِتْنَة بَين الْملك الْأَشْرَف وَبَين السُّلْطَان بايزيد خَان بن عُثْمَان خَان ملك الرم وحضرقصاد السُّلْطَان بايزيد خَان قَاضِي مَدِينَة برصة لعقدالصلح مَعَ مَوْلَانَا السُّلْطَان عز نَصره فَأحْسن اليهم واكرمهم وَعَاد القصاد وَالْقَاضِي - الْمشَار اليه - وزاروا سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ودخلو بَيت الْمُقَدّس فِي شهر رَمَضَان وَركب للقائهم الْأَمِير خضر بك نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَشَيخ الاسلام النجمي ابْن جمَاعَة والقضاة الاربعة وَالْخَاص وَالْعَام ودخلوا الى الْقُدس الشريف وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وتوجهوا فِي الشَّهْر الْمَذْكُور قَاصِدين بلادالروم وَحصل الصُّلْح بَين الْملكَيْنِ وَحصل للرعية الطُّمَأْنِينَة بذلك وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وجهز السُّلْطَان قاصده الْأَمِير جَان بلاط السُّلْطَان ابْن عُثْمَان لعوق الْجَواب عَن الصُّلْح فَحصل لَهُ الْخَيْر من ملك الرّوم وَبَالغ فِي إكرامه وأكمل الله الصُّلْح بَين الْملكَيْنِ وَكَانَ ابْتِدَاء الْفِتْنَة وتجهيز العساكر للتجريدة من اوائل سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة الى ان لطف الله تَعَالَى بعباده وَوَقع الصُّلْح فِي هَذَا التَّارِيخ بعد وُقُوع الْحَرْب وافتن نَحْو ثَمَان سِنِين وَصرف فِي التجاريد لذَلِك مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وَكَانَ عود الْأَمِير جَان بلاط من بِلَاد الرّوم فِي شهر ربيع الأول من سنة سبع وَتِسْعين وفيهَا - أَعنِي سنة سِتّ وَتِسْعين - ورد مرسوم شرِيف على شيخ الاسلام الكمالي يتَضَمَّن انه اتَّصل بالمسامع الشَّرِيفَة ان الْقبَّة الَّتِي احدثها النَّصَارَى عِنْد دير صهيون لما هدمت بَقِي بعض بِنَاء من أَثَرهَا فَتقدم باكمال هدمها ومحو أَثَرهَا فَتوجه شيخ الاسلام الكمالي وناظرا لحرمين ونائب السلطنة الامير خضر بك والقضاة

الى دير صهيون ومحى أَثَرهَا بهدم مَا بَقِي مِنْهَا ونبش اساسها بحضورهم وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان وَكَانَ يَوْمًا مشهودا اعظم من يَوْم هدمها الأول - كَمَا تقدم فِي السّنة الْمَاضِيَة - وفيهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر شَوَّال دخل قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن الازرق الاندلسي الْمَالِكِي الى الْقُدس الشريف مُتَوَلِّيًا قَضَاء الْمَالِكِيَّة عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين الْغَزِّي وباشر بعفة وَتوجه ابْن مَازِن الى غَزَّة فِي اوائل شهر ذِي الْقعدَة وَاسْتمرّ معزولا الى ان توفّي فِي خَامِس عشر ذِي الْحجَّة سنة تِسْعمائَة وَكَانَت إِقَامَة ابْن الْأَزْرَق بالقدس الشريف مُدَّة شَهْرَيْن وَتُوفِّي فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر ذِي الْحجَّة وَتقدم ذكر ذَلِك فِي تَرْجَمته عَفا الله عَنهُ ثمَّ دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي شهر ربيع الأول الْمُوَافق لكانون الثَّانِي وَقع هدم فَاحش بكنيسة قمامة بالقدس فِي اللَّيْل من الْمَطَر وَهلك تَحْتَهُ رجلَانِ من طَائِفَة الْحَبَش وَاسْتمرّ الى يَوْمنَا لم يعمر وفيهَا ورد مرسوم شرِيف على شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف بالتوجه الى مَدِينَة غَزَّة وصحبته الْأَمِير خضر بك نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة بالقدس الشريف وإيقاع الصُّلْح بَينه وَبَين الْمقر الاشرف السيفي اقباي كافل المملكة الغزية بِسَبَب مَا بَينهمَا من التنافر وَإِزَالَة الكدر والوحشة من بَينهمَا والمعاهدة بَينهمَا على ذَلِك وَكِتَابَة صُورَة وعرضها على المسامع الشَّرِيفَة فَتوجه من الْقُدس الشريف الى غَزَّة امتثالا للمراسيم الشَّرِيفَة وَحصل الصُّلْح بَين الْمشَار اليهما على أحسن وَجه فَكَانَ ذَلِك فِي جمادي الْآخِرَة وَدخل الْأَمِير خضر بك الى الْقُدس الشريف بخلعة كاملية بسمور فِي بكرَة يَوْم الاربعاء حادي عشري جمادي الاخرة وَدخل شيخ الاسلام الكمالي بعد الْعَصْر من يَوْم الْخَمِيس بكاملية صوف ابيض سمور وفيهَا دخل الوباء بالطاعون حَتَّى عَم جَمِيع المملكة وابتدأ بالقدس الشريف

فِي عشري جمادي الْآخِرَة وَاسْتمرّ الى آخر رَجَب يبلغ عدد الاموات فِي كل يَوْم الى ثَلَاثِينَ واربعين وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشري رَجَب نَحْو الْخمسين وَهِي أول جُمُعَة ظهر فِيهَا كَثْرَة الْأَمْوَات وَاشْتَدَّ الْأَمر فِي شهر شعْبَان فَبلغ الْعدَد فِي كل يَوْم فَوق الْمِائَة وَقيل انه بلغ فِي الْيَوْم إِلَى الْمِائَة وَثَلَاثِينَ وَبلغ الْعدَد بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي دون الْخمسين وَتُوفِّي الامير خضر بك نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة فِي لَيْلَة الاحد الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان وَكَانَ لما ولي النِّيَابَة فِي الْمرة الاولى ساءت سيرته وَوَقع فِي أمره مَا تقدم شَرحه فِي حوادث سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين فَلَمَّا ولي النِّيَابَة وَالنَّظَر فِي الْمرة الثَّانِيَة فِي سنة سِتّ وَتِسْعين بَاشر مُبَاشرَة حَسَنَة واظهر الْعدْل فِي الرّعية واستعطف خواطر النَّاس وَشرع فِي سلوك طرق الرياسة وَاسْتمرّ على ذَلِك الى أَن دخل الوباء فتطير من ذَلِك وَخرج من مَدِينَة الْقُدس الى ظَاهرهَا وَأقَام بالكروم اياما واظهر الْخَوْف الزَّائِد فَأنْكر النَّاس عَلَيْهِ ذَلِك فَدخل الى الْمَدِينَة وَأقَام يَسِيرا وَتوفيت ابْنة لَهُ ثمَّ بعد يَوْمَيْنِ اَوْ ثَلَاثَة توفيت زَوجته ثمَّ بعد وفاتها بِنَحْوِ سِتَّة أَيَّام توفّي هُوَ وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد صَلَاة الظّهْر من يَوْم الاحد الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان وَدفن بتربة ماملا وَكَانَ اسند وَصيته لشيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف - أمتع الله بحياته - فَتوجه الى التربة وَتَوَلَّى امْرَهْ ووقف على دَفنه وصحبته جمَاعَة من الاعيان وقضاة الشَّرْع الشريف وَاسْتمرّ الوباء بالقدس فِي قوته الى سلخ شعْبَان وافنى خلقا من الاطفال والشباب وافنى طَائِفَة الهنود عَن آخِرهم وَكَذَلِكَ الْحَبَش وَمَات جمَاعَة من الاخيار الصَّالِحين مِنْهُم الشَّيْخ عبد السَّلَام الرضي الْحَنَفِيّ وَتقدم ذكر تَرْجَمته وَمِنْهُم الشَّيْخ جِبْرِيل الْكرْدِي الشَّافِعِي وَكَانَ من أهل الْفضل وَمن اصحاب شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح الْفَاضِل يُوسُف السُّلَيْمَانِي الْحَنَفِيّ نَائِب إِمَام الصَّخْرَة

الشَّرِيفَة وَكَانَ من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَالْفضل فِي مَذْهَب ابي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ يُصَلِّي إِمَامًا بالصخرة وعَلى قِرَاءَته الانس وَالْجمال وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح الْمقري عَليّ الْجُزُولِيّ الْمَالِكِي نَائِب إِمَام الْمَالِكِيَّة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَكَانَ من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى وَكَانَ يؤم بِجَامِع المغاربة وَيُؤَدِّي الصَّلَاة على أوضاعها من الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَمِنْهُم الشَّيْخ صَالح مُوسَى المغربي وَكَانَ عبدا صَالحا يقيمها بالخلوة الَّتِي تَحت سور الصَّخْرَة الشَّرِيفَة القبلي سفل التَّارِيخ وَكَانَ يجلس على بَاب الْخلْوَة ويجتمع عِنْده أهل الْخَيْر يَتلون كتاب الله وَكَانَ يجلس غَالِبا وَرَأسه مَكْشُوف وَالصَّلَاح ظَاهر عَلَيْهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح الناسك اسحاق الجبرتي وَكَانَ عابدا زاهدا مُنْقَطِعًا الى الله تَعَالَى فِي الْخلْوَة الَّتِي بصدر جَامع النِّسَاء بداخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَالنَّاس يَتَرَدَّدُونَ اليه ويتبركون بِهِ وَقد ظهر لَهُ كرامات ومكاشفات وَمِنْهُم الْعدْل خير الدّين أَبُو الْخَيْر أَحْمد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن شمس الدّين مُحَمَّد القلقيلي الْمقري الْحَنَفِيّ وَتقدم ذكر وَالِده وجده مَعَ الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة كَانَ يحفظ الْقُرْآن ويؤديه بِحسن صَوت وَطيب نَغمَة واحترف بِالشَّهَادَةِ مُدَّة طَوِيلَة وباشر عُقُود الانكحة وَلم يمت بالطاعون وَإِنَّمَا ركب بغلة وَتوجه الى الكروم فَوَقع بِظَاهِر الْبَلَد فَكسرت رجله من ركبته وَحمل الى الْمَدِينَة فَمَرض أَيَّامًا وَتُوفِّي آخر يَوْم من رَجَب وَمِنْهُم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن شروين الْمقري الخليلي التَّاجِر وَكَانَ رجلا من أهل الْقُرْآن يتقنه بالروايات وَأَجَازَهُ الشَّيْخ شمس الدّين ابْن عمرَان وَكَانَ حسن الصَّوْت طيب النغمة بِالْقِرَاءَةِ وَله دنيا وَاسِعَة وَكَانَت وَفَاته فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وتناقص الوباء من أول شهر رَمَضَان

وفيهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع شهر رَمَضَان توفّي الْخَطِيب جلال الدّين بن جمَاعَة - الْمُتَقَدّم ذكره مَعَ وَالِده عِنْد ذكر خطباء الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف - وَكَانَ بِيَدِهِ نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية وَالرّبع وَالثمن من خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَاسْتقر بعده فِيمَا بِيَدِهِ من الوظيفتين أَوْلَاد عميه وهم الْخَطِيب الْعَلامَة برهَان الدّين أَبُو السحاق ابراهيم بن شيخ الاسلام النجمي بن جمَاعَة واخوه لِأَبِيهِ الْخَطِيب الْعَلامَة زين الدّين أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن وَابْن عَمهمَا الْخَطِيب مُحي الدّين عبد الرَّحِيم بن الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة وانعمت الصَّدقَات الشَّرِيفَة عَلَيْهِم باستقرارهم فِي ذَلِك بِمَال بذلوه وَكَانَ ارْتِفَاع الوباء من الْقُدس الشريف فِي أَوَاخِر شهر شَوَّال بعد إِقَامَته بهَا نَحْو أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وَبلغ عدد الْأَمْوَات بِالْقَاهِرَةِ المحروسة فِي كل يَوْم أَكثر من عشْرين ألفا وبدمشق فِي كل يَوْم ثَلَاثَة آلَاف وبحلب فِي كل يَوْم ألف وَخَمْسمِائة وبغزة فِي كل يَوْم نَحْو أَرْبَعمِائَة وبالرملة فِي كل يَوْم نَحْو الْمِائَة وَعشرَة وَلم يمْكث فِي بَلْدَة من الْبِلَاد أَكثر من بَيت الْمُقَدّس فسبحان من يتَصَرَّف فِي عباده بِمَا يَشَاء وفيهَا اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري الْحَنَفِيّ فِي وَظِيفَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف عوضا عَن القَاضِي شهَاب الدّين بن المهنسد وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين أَبُو البركات مُحَمَّد بن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ خَليفَة الْمَالِكِي فِي وَظِيفَة قَضَاء الْمَالِكِيَّة بعد شغورها عَن القَاضِي شمس الدّين بن الازرق - الْمُتَقَدّم ذكره فِي السّنة الْمَاضِيَة - ووصلت الْولَايَة اليهما مَعًا على يَد سعد الدّين قَاصد الْمقر البدري ابْن مزهر كَاتب السريف الشريف فِي صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر شَوَّال وَحصل الْجمع بَين يَدي شيخ الاسلام الكمالي بن ابي شرِيف بِالْمَدْرَسَةِ الاشرفية وَجَمَاعَة من طلبة الْعلم الشريف وَالْخَاص وَالْعَام فَكَانَ تَارِيخ توقيع القَاضِي الْمَالِكِي خَامِس عشري رَمَضَان وتوقيع

الْحَنَفِيّ خَامِس شَوَّال ثمَّ فِي يَوْم الْجُمُعَة بعد صلَاتهَا قرئَ كل من التوقيعين بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وفيهَا حج الى ابيت الله الْحَرَام سيدنَا ولي الله تَعَالَى الشَّيْخ شمس الدّين ابو العون مُحَمَّد الْقرشِي القادري الشَّافِعِي نزيل جلجوليا أعَاد الله علينا من بركاته ونفعنا ببركة علومه وَصَالح دعواته فَدخل الى الْقُدس الشريف من جلجوليا فِي يَوْم السبت سَابِع عشر شَوَّال وَتوجه من الْقُدس الشريف الى بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَاصِدا مَكَّة المشرفة بعد الظّهْر من يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر من شَوَّال فَقضى مَنَاسِكه وزار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَاد الى مَحل وَطنه وَللَّه الْحَمد فسح الله فِي مدَّته وفيهَا اسْتَقر الامير جَان بلاط اخو الْأَمِير خضر بك وَوصل الى الْقُدس الشريف مرسوم السُّلْطَان بولايته فِي شهر رَمَضَان وَقدم الى بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ دخل الى الْقُدس فِي بكرَة يَوْم السبت ثامن شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله وسلك مسلكا حسنا وَمِمَّا وَقع ان أَخَاهُ الْأَمِير خضر بك لما توفّي ضبط موجوده وَمن جملَته سَبْعمِائة دِينَار ذَهَبا فَوضع المَال فِي خزانَة بمنزل اخيه بِالْمَدْرَسَةِ الارغونية مَعَ بعض الْمَوْجُود المخلف عَنهُ فَلَمَّا قدم الْأَمِير جَان بلاط حضر بِالْمَدْرَسَةِ الارغونية وَحضر شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف والقضاة وَفتح الْمَكَان واحضر الصندوق فَوجدَ مكسورا وَالْمَال قد فقد مِنْهُ واضطرب الْحَال لذَلِك واتهم بِهِ جمَاعَة وَلم يثبت فِي جِهَة أحد مِنْهُم وَمضى أمره وَلم يعلم حَقِيقَة الْحَال فِيهِ ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي شهر الله الْمحرم تعين السيفي قَائِم الخاصكي للتوجه الى المملكة الشامية لكشف الاوقاف والمدارس على عَادَة من تقدمه فِي ذَلِك فَدخل الى الْقُدس الشريف فِي عَشِيَّة يَوْم السبت ثَالِث صفر وَجلسَ فِي بكرَة يَوْم الاحد بِالْمَدْرَسَةِ السُّلْطَانِيَّة بِحُضُور شيخ الاسلام الكمالي بن أبي شرِيف وَشَيخ الاسلام النجمي ابْن جمَاعَة والأمير جَان بلاط نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة

الشَّرِيفَة وقضاة الشَّرْع الشريف وَقُرِئَ المرسوم الشريف الْوَارِد على يَده بِمَعْنى كشف الأوراق وَمَا تحصل من التّرْك المخلفة عَن الْأَمْوَات فِي الوباء المختصة بِجِهَة بَيت المَال الْمَعْمُور واستخرج من الاوقاف اموالا نَحْو الف وَخَمْسمِائة دِينَار وَحصل الضَّرَر بذلك للْفُقَرَاء وَالْفُقَهَاء وَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير وَتوجه من الْقُدس فِي صَبِيحَة يَوْم السبت عَاشر صفر وفيهَا فِي الْعشْر الْأَوْسَط من صفر حضر الْأَمِير اقبردي الدوادار الْكَبِير من الديار المصرية على حِين غَفلَة وَلم يعلم بِهِ حَتَّى دخل الى مَدِينَة غَزَّة ثمَّ توجه الى الرملة وَوضع اثقاله بهَا ثمَّ توجه من فوره هُوَ وَمن مَعَه على الْخُيُول الى جِهَة نابلس ثمَّ عَاد الى الرملة وَأقَام بداخل الْبَلَد هُوَ وجماعته وَلم ينصب مخيمه بظاهرها على مَا جرت بِهِ الْعَادة ونادى بالأمان وَأمر جماعته بِعَدَمِ التَّعَرُّض لأحد من الرّعية وَكَانَ مقَامه بالرملة بدار الامير مَنْصُور بن قرابغا يبيت بهَا لَيْلًا وجلوسه فِي النَّهَار بدار ابْن باكيش الْمعدة للحكام وَجَمَاعَة من الخدم وَغَيرهم نزلُوا عِنْد النَّاس فِي مَنَازِلهمْ مُتَفَرّقين ثمَّ فِي يَوْم الاحد عَاشر ربيع الأول حضر الى الْقُدس الشريف السيفي قانصوه وعَلى يَده مرسوم الْأَمِير اقبردي الدوادار فِي الزَّيْت المتحصل من جبل نابلس على التُّجَّار المعتادين بِعَمَل الصابون كل قِنْطَار بِخَمْسَة عشر دِينَار ذَهَبا بعد أَن ختم على مَا اشتروه وَنُودِيَ فِي الْبَلَد بالأمان للعوام وان الزَّيْت لَا يَأْخُذهُ إِلَّا اربابه فَمن النَّاس من لم يصدق هَذِه المنادات وَخرج هَارِبا وَمِنْهُم من اطْمَأَن ثمَّ شرع قانصوه فِي كِتَابَة أَسمَاء التُّجَّار وَمن لَهُ عَادَة بِعَمَل الصابون حَتَّى اطْمَأَن النَّاس وَشرع يقبض عَلَيْهِم وَاحِدًا بعد وَاحِد من التُّجَّار وَغَيرهم ويلزمهم بشرَاء الزَّيْت على حكم مَا فعل بهم فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَرمى على الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَطلب نسَاء الغائبين وَضرب بعض جمَاعَة وَلكنه فِي هَذِه الْمرة أخف وَطْأَة من الْمرة الاولى الَّتِي كَانَت فِي سنة سِتّ بِمُقْتَضى ان نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة بالقدس

الْأَمِير جَان بلاط اعتنى بِأَهْل بَيت الْمُقَدّس وتلطف بهم فَلم يَقع فيهم الافحاش كَمَا تقدم فِي زمن دقماق النَّائِب وَكَانَ الزَّيْت المرسوم برميه على أهل الْقُدس وبلد الْخَلِيل ألف وَخَمْسمِائة قِنْطَار من ذَلِك مائَة وَسِتُّونَ قِنْطَارًا مُخْتَصَّة بِأَهْل بلد الْخَلِيل وَالْبَاقِي على أهل الْقُدس وَرمى على أهل غَزَّة ألف قِنْطَار ثمَّ رمى على أهل الرملة جانبا من الزَّيْت وضيق عَلَيْهِم بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس وسافر السيفي قانصوه من مَدِينَة الْقُدس صُحْبَة النَّائِب بِالْمَالِ الْمَقْبُوض بعد صَلَاة الْجُمُعَة الْعشْرين من ربيع الآخر بعد إِقَامَته بهَا اربعين يَوْمًا وَحضر الى الامير اقبردي الدوادار الْكَبِير النواب والأمراء الى الرملة من طرابلس وحماه وصفد والبيرة واهدي اليه من الْأَمْوَال والمواشي ثمَّ جهز إِلَيْهِ ملك الامراء قانصوه اليحياوي كافل المملكة الشامية والأمير يُونُس حَاجِب الْحجاب بِالشَّام وَغَيرهَا وَحضر الْأَمِير قانصوه اليحياوي ال الْقُدس الشريف لقصد الزِّيَارَة وَنزل فِي تربته الَّتِي انشأها بِظَاهِر بَاب الاسباط فِي عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس رَابِع جمادي الأولى وَتوجه من الْقُدس الشريف فِي صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد سَابِع الشَّهْر الى دمشق وَتوجه الْأَمِير اقبردي الدودار الْكَبِير من الرملة لجِهَة الغو لقِتَال الْعَرَب وَتوجه اليه الْأَمِير جَان بلاط لجِهَة الْقُدس فِي بكرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن جمادي الأولى وَتوجه الى بِلَاد حوران وَأَذْرعَات وَغَيرهمَا وَحصل لَهُ من الموال والمواشي مَالا يُحْصى كَثْرَة وَحضر اليه عَامر بن مقلد شيخ الْعَرَب فَقبض عَلَيْهِ وَحضر الى مَدِينَة الرملة فِي يَوْم السبت تَاسِع عشر شهر جمادي الْآخِرَة وَتوجه مِنْهَا قَاصِدا الديار المصرية فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشري جمادي الْآخِرَة وصحبته من الْمَوَاشِي مَالا يُحْصى كَثْرَة فَهَلَك مِنْهَا فِي الطَّرِيق غالبها وَلم يصل مَعَه مِنْهَا الى الْقَاهِرَة إِلَّا الْأَقَل وفيهَا اسْتَقر القَاضِي كَمَال الدّين ابو البركات مُحَمَّد بن الشَّيْخ خَليفَة الْمَالِكِي فِي وَظِيفَة

مشيخة المغاربة بالقدس الشريف عوضا عَن قَاسم المغربي بِحكم وَفَاته وَورد التوقيع الشريف عَلَيْهِ بذلك فِي الْعشْر الاول من شهر ربيع الآخر وتاريخه فِي حادي عشري ربيع الأول وفيهَا اسْتَقر القَاضِي شهَاب الدّين بن المهندس فِي ربع وَظِيفَة مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف بنزول صدر لَهُ من الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ جمال الدّين عبالله بن غَانِم شيخ حرم الْقُدس الشريف وَهَذَا الرّبع هُوَ الَّذِي كَانَ تَأَخّر بِيَدِهِ من الْوَظِيفَة الْمَذْكُورَة وبمقتضى هَذَا النُّزُول من الشَّيْخ نَاصِر الدّين خرجت مشيخة الخانقاه من يَد بني غَانِم وَكَانَت بِأَيْدِيهِم من زمن الْوَاقِف الْملك صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَحضر القَاضِي شهَاب الدّين بالصوفية فِي الْمجمع فِي شهر رَمَضَان الْمُعظم وفيهَا فِي شهر شَوَّال حل ركاب الْأَمِير قانصوه نَائِب قلعة الْجَبَل المنصورة بالديار المصرية فِي مَدِينَة الرملة مُتَوَجها الى ملك الشرق من الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة وأوقع الصُّلْح بَين أَخِيه الْأَمِير جَان بلاط نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب الْقُدس الشريف وَبَين ملك الْأُمَرَاء المفر السيفي اقباي كافل المملكة الغزية بِسَبَب مَا كَانَ بَينهمَا من التنافر والبس الامير جَان بلاط كاملية بسمور وَكَانَ ذَلِك بِمَدِينَة الرملة ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي الْعشْر الاوسط من الْمحرم توجه الْأَمِير جَان بلاط نَائِب الْقُدس الى قَرْيَة القباب - من أَعمال الرملة - الْجَارِيَة تَحت نظره وكبسها وَأخذ مَوْجُود الفلاحين بهَا وَاحْتج بِأَنَّهُم عصوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُمْ تَحت نظره وَحصل التنافر بَينه وَبَين ملك الْأُمَرَاء اقباي نَائِب غَزَّة لكَون الْقرْيَة الْمَذْكُورَة فِي مُعَامَلَته وَدخل اليها بِغَيْر اذنه وَحصل بذلك التخبيط فِي الطّرق وفيهَا - عقب الْوَقْعَة الْمَذْكُورَة - ورد مرسوم شرِيف بِطَلَب الْأَمِير جَان بلاط - الْمَذْكُور - الى الابواب الشَّرِيفَة بِسَبَب شكوى جمَاعَة عَلَيْهِ فَتوجه من الْقُدس فِي لَيْلَة السبت تَاسِع عشري شهر الْمحرم وَلم يعلم اُحْدُ بِسَفَرِهِ إِلَّا بعد يَوْمَيْنِ

أَو ثلَاثه فوصل الى الْقَاهِرَة المحروسة وَغرم مَالا ورسم لَهُ بالاستمرار فِي وظيفته وفيهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري ربيع الأول الْمُوَافق السَّابِع كانون الثَّانِي وَقع الثَّلج بالقدس الشريف وَاسْتمرّ ينزل من ظهر الثُّلَاثَاء الى عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس مستهل ربيع الآخر لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى امْتَلَأت الشوارع والاسطحة والأماكن وَحكى الْكِبَار انهم لم يرَوا مثل ذَلِك فِي هَذِه الْأَزْمِنَة من نَحْو سبعين سنة وَكَانَ حجمه فَوق الأَرْض فِي بعض الْأَمَاكِن أَكثر من أَرْبَعَة اذرع واخبرت انه كَانَ فِي بعض الْأَمَاكِن اكثر من خَمْسَة أَذْرع وتقطعت السبل وسدت الشوارع وَأصْبح النَّاس يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي ربيع الآخر فِي شدَّة شَدِيدَة واقيمت صَلَاة الْجُمُعَة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف فَلم يحضرها من أهل بَيت الْمُقَدّس النّصْف بل وَلَا الثُّلُث وَوَقع الثَّلج بِمَدِينَة الرملة وَلم يعْهَد وُقُوعه بهَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة إِلَّا مَا يحْكى ان من مُدَّة طَوِيلَة نَحْو ثَمَانِينَ سنة وَقع بهَا الثَّلج فِي سنة فسماها أهل الرملة سنة الثَّلج وَلم يعلم انه بلغ قدر مَا بلغ فِي هَذِه الْمرة فَإِنَّهُ وصل الى الْبَحْر وَاسْتمرّ فِي شوارع الْقُدس أَكثر من عشْرين يَوْمًا وَاشْتَدَّ حَتَّى صَار كالحجارة ثمَّ وَقع الْبرد الشَّديد بعد وُقُوع الثَّلج بِنَحْوِ خَمْسَة عشر يَوْمًا حَتَّى جمد المَاء وَصَارَ جليدا ثمَّ فِي عَشِيَّة الْخَمِيس لَيْلَة الْجُمُعَة السَّادِس عشر من ربيع الآخر عادالثلج وَنزل حَتَّى عَم الأَرْض لكنه كَانَ خَفِيفا وَمن الِاتِّفَاق ان الثَّلج كَانَ قد وَقع بالقدس فِي السّنة الْمَاضِيَة وَهِي سنة ثَمَان وَتِسْعين فِي يَوْم تَاسِع عشري ربيع الأول ثمَّ وَقع فِي هَذِه السّنة فِي يَوْم تَاسِع عشري ربيع الأول لكنه فِي الْعَام الْمَاضِي كَانَ فِي يَوْم الْجُمُعَة وَفِي هَذَا الْعَام فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثمَّ وَقع الثَّلج بغزة المحروسة وَلم يعلم وُقُوعه بهَا قبل ذَلِك فسبحان الْقَادِر على مَا يَشَاء وَأما الْأَمِير جَان بلاط نَائِب الْقُدس فقد تقدم توجهه الى الابواب الشَّرِيفَة والانعام عَلَيْهِ بالاستمرار فِي وظيفته ثمَّ البس التشريف المستمر بالحضرة الشَّرِيفَة وَدخل فِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري ربيع الْآخِرَة وَكَانَ يَوْمًا كثير الْمَطَر

لم ير مثله فِي تزاحم الْعَالم وَركب النَّاس للقائه من الْقُضَاة والاعيان وَاسْتمرّ الْمَطَر ينزل عَلَيْهِم من عِنْد خَان الظَّاهِر الى دَار النِّيَابَة وَدخل صحبته القَاضِي برهَان الدّين الْجَوْهَرِي وَعَلِيهِ خلعة كاملية بسمور وَلم يعْهَد دُخُول حَاكم لبيت الْمُقَدّس فِي مثل هَذَا الْيَوْم إِلَّا جقمق الظَّالِم الْفَاجِر - كَمَا تقدم ذكره فِي حوادث سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ فِي ثَانِي يَوْم دُخُول الْأَمِير جَان بلاط الى الْقُدس الشريف وَهُوَ نَهَار الْجُمُعَة ث الث عشر من ربيع الآخر اسْتمرّ الثَّلج نازلا الى بعد الظّهْر من يَوْم السبت حَتَّى بَقِي حجمه فَوق الأَرْض أَكثر من ذِرَاع وامتلأت الشوارع والاسطحة مِنْهُ وأنزعج النَّاس لذَلِك خشيَة الضَّرَر واصبح الى يَوْم الاحد فأغاث الله عباده بنزول الْمَطَر الغزير من بعد الظّهْر من يَوْم الاحد إِلَى آخر لَيْلَة الِاثْنَيْنِ فأزال الثَّلج حَتَّى لم يبْق مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل ثمَّ وَقع الْهدم فِي الاماكن فَسقط الْكثير من الدّور والابنية وفيهَا اسْتَقر ملك الْأُمَرَاء اقباي نَائِب غَزَّة فِي نِيَابَة صفد وَتوجه اليها فِي ربيع الآخر وَاسْتقر الْأَمِير قاني بك فِي نِيَابَة غَزَّة وَقدم اليها فِي جمادي الْآخِرَة واضيف اليه كشف الرملة فِي شهر رَجَب بعد اسْتِيلَاء نَائِب الشَّام عَلَيْهَا وَحضر نَائِب غَزَّة اليها فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن شعْبَان وَحضر اليه الْأَمِير جَان بلاط نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة بالقدس الشريف وصحبته قُضَاة بَيت الْمُقَدّس فِي يَوْم السبت ثَانِي عشر شعْبَان وعادوا الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الاربعاء سادس عشرَة وفيهَا اسْتَقر القَاضِي شهَاب الدّين بن المهندس الْحَنَفِيّ فِي وَظِيفَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام والرملة وَورد توقيعه مؤرخ فِي ثامن عشر رَجَب والبس التشريف من ظَاهر مَدِينَة الْقُدس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع شعْبَان وَكَانَت ولَايَته بِبَيْت الْمُقَدّس عوضا عَن القَاضِي عز الدّين الديري والرملة عوضا عَن القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الاحزم النابلسي وَحضر الى مَحل ولَايَته بالرملة صُحْبَة نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير جَان بلاط فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم ذكره قَرِيبا

وفيهَا اسْتَقر مُحَمَّد بن ابراهيم الودياتي فِي أمرية جرم عوضا عَن ثَابت الرميني بمساعدة الْأَمِير جَان بلاط ومكاتبته مَعَ السُّلْطَان واركان الدولة وَقدم الى مَدِينَة غَزَّة فورد مرسوم شرِيف لنائب غَزَّة الْأَمِير قاني بك وقرينه مرسوم شرِيف لناظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس الْأَمِير جَان بلاط يعلمهَا ان مُكَاتبَة نَائِب غَزَّة وَردت للأبواب الشَّرِيفَة تَتَضَمَّن ان الامير جرم مُحَمَّد الودياتي لَا يصلح للأمرية لعَجزه عَن الْقيام بِالْقُوَّةِ وَمَا هُوَ مُقَرر عَلَيْهِ للخزائن الشَّرِيفَة وان نَائِب الْقُدس يتَوَجَّه وصحبته قُضَاة الْقُدس الشريف واركان الدولة بِمَدِينَة غَزَّة ويجتمع نَائِب غَزَّة وقضاتها واركان الدولة بهَا وَجَمِيع أُمَرَاء جرم وَمن كَانَ يصلح للولاية مِمَّن ترْضى بِهِ الرّعية وَيقدر على مَا هُوَ مُقَرر وَيكْتب بِهِ محْضر شَرْعِي ويعرض على الابواب الشَّرِيفَة فَتوجه نَاظر الْحَرَمَيْنِ وقضاة الْقُدس الشريف الْأَرْبَعَة من الْقُدس الشريف فِي لَيْلَة الاحد سَابِع عشري شعْبَان ووصلوا الى غَزَّة فِي بكرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَحصل الِاجْتِمَاع بنائب غَزَّة وقضاتها بدار النِّيَابَة بغزة بعد الْعَصْر من يَوْم الثُّلَاثَاء وَدَار الْكَلَام بَينهم فِيمَن يصلح فنائب غَزَّة قصد ان يسْتَقرّ فِي الأمرية ابو العويس ابين ابي بكر ونائب الْقُدس قصد اسْتِمْرَار مُحَمَّد الودياتي لكَونه هُوَ الَّذِي سعى فِي تَوليته ثمَّ الْتزم نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس بِمَا على مُحَمَّدًا لودياتي من الْقُوَّة وَالْعَادَة فِي مُدَّة ولَايَته وبمبلغ خَمْسمِائَة دِينَار زِيَادَة على مَا هُوَ مُقَرر عَلَيْهِ فَلم يحصل اتِّفَاق بَين نَائِب غَزَّة ونائب الْقُدس وانفصل الْمجْلس على غير ترَاض وكل من النائبين كتب للسُّلْطَان بِمَا يختاره وَتوجه نَائِب الْقُدس وقضاته من غَزَّة فِي بكرَة يَوْم الاربعاء سلخ شعْبَان وبصحبتهم مُحَمَّد الودياتي امير جرم ومكنه نَائِب الْقُدس من الأمرية والبس خلعة السُّلْطَان بقرية قرنيا فِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس مستهل رَمَضَان وَقَامَ فِي نصرته لكل مُمكن وفيهَا افردت وَظِيفَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن قَضَاء بَيت الْمُقَدّس وَاسْتقر فِيهَا القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي الطّيب التَّمِيمِي عوضا

عَن القَاضِي شهَاب الدّين بن المهندس وَكتب توقيعه بذلك فِي ثامن عشري شعْبَان فَكَانَ اسْتِمْرَار القَاضِي شهَاب الدّين بن المهندس فِي قَضَاء بلد الْخَلِيل مُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلم تجر عَادَة قبل ذَلِك بافراد قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِبَلَد الْخَلِيل بل كَانَت تُضَاف لقَضَاء الْقُدس - كَمَا تقدم - فَلَمَّا وَقع ذَلِك شقّ على القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم التَّمِيمِي الشَّافِعِي قَاضِي بلد الْخَلِيل وسعى إِلَى أَن كتب لَهُ توقيع شرِيف باستمراره فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِمَدِينَة الْخَلِيل وابطال مَا كتب للحنفي بالخليل وَورد التوقيع بذلك فِي شهر ذِي الْقعدَة فَكَانَت مُدَّة ولَايَة الْحَنَفِيّ بالخليل دون ثَلَاثَة اشهر وفيهَا ورد مرسوم شرِيف على الْأَمِير قاني بك نَائِب غَزَّة بالتوجه الى الْقُدس الشريف وَالصُّلْح مَعَ نَائِب الْقُدس وَالسَّبَب فِيهِ حَادِثَة وَقعت قتل فِيهَا جانم دوادار نَائِب الْقُدس فِي قَرْيَة بَيت لقيا فِي شهر شَوَّال وَنسب قلته لمن هُوَ من جِهَة نَائِب غَزَّة فَحَضَرَ الى الْقُدس فِي ضحى يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر ذِي الْقعدَة وَحصل الِاجْتِمَاع بَينه وَبَين الْأَمِير جَان بلاط نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس بِحُضُور شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف بمنزله بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية وَوَقع الصُّلْح بَينهمَا وحصلت الْمُوَافقَة والمعاهدة بَينهمَا على زَوَال مَا حصل من التنافر وَتوجه نَائِب غَزَّة من الْقُدس فِي ذَلِك الْيَوْم ثمَّ دخلت سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وفيهَا فِي ثامن الْمحرم اعيد شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي الطّيب التَّمِيمِي الى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِمَدِينَة الْخَلِيل وَهِي ولَايَته الثَّانِيَة وَكتب توقيعه بذلك وبابطال مَا كتب للْقَاضِي شهَاب الدّين الشَّافِعِي الْمنَافِي ذَلِك فَكَانَ اسْتِمْرَار مَنعه من قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِبَلَد الْخَلِيل وإضافتها للشَّافِعِيّ دون شَهْرَيْن وفيهَا فِي شهر الله الْمحرم اخذ الْعَرَب من بني لاد ركب الْحَج الشَّامي بِالْقربِ من الكرك ونهبوا الْحجَّاج عَن آخِرهم وَكَانَ عدَّة جمال الركب ثَلَاثَة عشر الف جمل

لم يسلم من ذَلِك سوى سِتَّة عشر جملا من غير أحمال وَهلك من الرِّجَال وَالنِّسَاء والاطفال خلق لَا يحصيهم إِلَّا الله تَعَالَى وَأخذت الاموال وَسبي الْحَرِيم وَكَانَت حَادِثَة فَاحِشَة وَقد اشْتهر أمرهَا فاعتصب من أهل بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام جمَاعَة من الكرك وتوجهوا الى جِهَة الاعوان وَغَيرهَا وأحضروا جمَاعَة من الْحجَّاج الى بلد الْخَلِيل وَإِلَى الْقُدس الشريف وتسبب شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَجَمَاعَة من أهل الْخَيْر فِي جمع مَال من أهل الْقُدس الشريف وَدفع لكل وَاحِد من الْحجَّاج مَا يكتري بِهِ وينفقه عَلَيْهِ الى ان يصل الى وَطنه فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير وفيهَا اسْتَقر القَاضِي عز الدّين عبد الْعَزِيز الديري الْحَنَفِيّ فِي وَظِيفَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس الشريف عوضا عَن القَاضِي شهَاب الدّين بن المهندس وَتقدم ان القَاضِي شهَاب الدّين اسْتَقر فِي قَضَاء الْقُدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام والرملة وان توقيعه مؤرخ فِي ثامن عشر رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وَتقدم أَن قَضَاء بلدالخليل عَلَيْهِ السَّلَام افرد عَنهُ بعد استمراره بِيَدِهِ اربعين يَوْمًا ثمَّ افرد عَنهُ قَضَاء الرملة باستقرار القَاضِي كَمَال الدّين بن الأخرم فِي يَوْم الاربعاء مستهل الْمحرم سنة تِسْعمائَة فَكَانَ استمراره فِي قَضَاء الرملة خَمْسَة أشهر واثنى عشر يَوْمًا ثمَّ اسْتَقر القَاضِي عز الدّين الديري فِي قَضَاء الْقُدس الشريف وَورد الْخَبَر بولايته وَجلسَ للْحكم فِي يَوْم السبت ثامن عشري ربيع الأول فَكَانَ استمراره فِي قَضَاء الْقُدس من حِين تمكنه من الحكم فِي سَابِع شعْبَان سنة تسع وَتِسْعين سَبْعَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر ربيع الآخر دخل جَان بلاط الى الْقُدس وَهُوَ لابس خلعة التشريف الْوَارِدَة اليه من الابواب الشَّرِيفَة وَدخل مَعَه القَاضِي عز الدّين الديري وَهُوَ لابس خلعة بطرحة وفيهَا كتب توقيع شرِيف باستمرار القَاضِي برهَان الدّين التَّمِيمِي الشَّافِعِي فِي قَضَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وابطال مَا كتب للْقَاضِي الْحَنَفِيّ بهَا فَكَانَ

اسْتِمْرَار الْحَنَفِيّ فِي ولَايَته الثَّانِيَة نَحْو ثَلَاثَة أشهر وفيهَا برز الْأَمر الشريف باضافة التَّكَلُّم على كشف مَدِينَة الرملة المحروسة للأمير جَان بلاط نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس الشريف واخرجت عَن الْأَمِير قاني بك نَائِب غَزَّة وتسلمها الْأَمِير جَان بلاط فِي شهر جمادي الأولى وَفَرح أهل الرملة بِزَوَال نَائِب غَزَّة لَكِن حصل تخبيط فِي الطّرق وفيهَا فِي سادس عشر رَجَب اعيد شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي الطّيب الى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهِي ولَايَته الثَّالِثَة وَكتب توقيعه بذلك وابطال مَا كتب للْقَاضِي الشَّافِعِي الْمنَافِي لذَلِك فَكَانَ اسْتِمْرَار مَنعه من قَضَاء الْحَنَفِيَّة واضافتها للشَّافِعِيّ دون ثَلَاثَة أشهر وَاسْتمرّ الى يَوْمنَا لم يعْزل وَقد تقدم تَارِيخ ابْتِدَاء ولَايَته فِي ثامن عشري شعْبَان سنة تسع وَتِسْعين فعزل وَولي ثَلَاث مَرَّات فِي عشرَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وفيهَا ورد السيفي عَلان من الابواب الشَّرِيفَة وعَلى يَده مرسوم شرِيف برمي الزَّيْت المتحصل من جبل نابلس على أهل الْقُدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وغزة والرملة على مَا جرت بِهِ الْعَادة فِي سنة سِتّ وَسنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فَرمي عَلَيْهِم كل قِنْطَار بِالْكَيْلِ الرَّمْلِيّ بِخَمْسَة عشر دِينَارا ذَهَبا فَالَّذِي رمي على أهل الْقُدس وَأهل بلد الْخَلِيل تِسْعمائَة قِنْطَار وعَلى أهل الرملة مِائَتَا قِنْطَار وَحصل لأهل الْبِلَاد الْمَذْكُورَة الرِّفْق من الْأَمِير جَان بلاط النَّائِب فَإِنَّهُ تلطف بهم وَلم يحصل مِنْهُ ضَرَر وَلَا تشويش لأحد مِنْهُم بل استعطف خواطرهم وَأَخذهم بِالَّتِي هِيَ أحسن وَلَكِن تضرر الْفُقَرَاء من ذَلِك لِكَثْرَة الخسارة فِي بَيْعه فَإِن كل قِنْطَار بِخَمْسَة عشر دِينَارا وكلفته نَحْو دِينَار فَبيع بِتِسْعَة دَنَانِير فَمَا دونهَا فَكَانَت الخسارة نَحْو النّصْف وَكَانَ الرَّمْي على أهل الْقُدس والخليل فِي الجمادين وعَلى أهل الرملة فِي رَجَب وَشَعْبَان ثمَّ ورد مرسوم السُّلْطَان الى الْأَمِير جَان بلاط فِي شهر شَوَّال بِأَن يرْمى على أهل الْقُدس الشريف من الزَّيْت ثَلَاثمِائَة قِنْطَار بالسعر الْمُتَقَدّم ذكره فَطلب التُّجَّار

وَالنَّاس وألزمهم بِأخذ الزَّيْت وَكتب الى كاشفه بالرملة يطْلب التُّجَّار بِأَن يَرْمِي عَلَيْهِم من الزَّيْت جانبا فطلبوا والزموا بذلك وَحصل لأهل الْقُدس الشريف والرملة الضَّرَر من ذَلِك لكَوْنهم تقدم لَهُم اخذ الزَّيْت ثمَّ رمى عَلَيْهِم مرّة ثَانِيَة فانزعج النَّاس لذَلِك فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْكَبِير (ذكر الْفِتْنَة بَين نَائِب الْقُدس ونائب غَزَّة) وفيهَا وَقعت فتْنَة بَين الْأَمِير جَان بلاط نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس والرملة وَبَين الْأَمِير قاني بك نَائِب غَزَّة وَهِي ان الْأَمِير جَان بلاط قدم الى الرملة بِسَبَب الزَّيْت - الْمُتَقَدّم ذكره - وَكَانَ وُصُوله الى الرملة فِي يَوْم الاحد سادس عشر رَجَب فَلَمَّا كَانَ فِي صَبِيحَة يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر رَجَب أَمر كاسشفه بالرملة وَهُوَ الجمالي يُوسُف بالركوب هُوَ وجماعته وَالْمَشْي فِي مُعَاملَة الرملة لحفظها من المناحيس والذب عَن الرّعية لِأَنَّهُ كَانَ قبل ذَلِك حضر جمَاعَة من الْعَرَب ونهبوا ابقارا لأهل الرملة فَلَمَّا ركب الكاشف بجنده ركب نَاظر الْحَرَمَيْنِ وصحبته دواداره برسباي ومعهما اربعة انفس وَخَرجُوا الى ظَاهر الرملة للمسايرة فَخرج على الكاشف جمَاعَة من الْعَرَب وطردوه وطردهم ثمَّ قوى أَمرهم عَلَيْهِ فطردوه الى أَن حصروه بالبرج الْكَائِن بقرية خلدا من اعمال الرملة فتحصن بِهِ فَأخذُوا خيوله وقلوا جمَاعَة مِمَّن مَعَه وَكَانَ الْأَمِير جَان بلاط بِالْقربِ من قَرْيَة تل الجزر فَسمع الصَّوْت فَسَار بِمن مَعَه من دواداره برسباي وَالْأَرْبَعَة أنفس الَّذين مَعَهم نَحْو الصَّوْت فَخرج عَلَيْهِم الْعَرَب وتواقعوا فَقتل برسباي وَمن مَعَه حَتَّى لم يبْق سوى الْأَمِير جَان بلاط بمفرده فَثَبت لَهُم وَقَاتلهمْ أَشد الْقِتَال بمفرده حَتَّى تخلص مِنْهُم وَنَجَا فَكَانَت عدَّة الْقَتْلَى فِي ذَلِك الْيَوْم عشرَة أنفس مِنْهُم رجل شرِيف وحملوا الى الرملة ودفنوا بهَا وَتوجه قُضَاة الرملة الى تل الجزر وعاينوا بعض الْقَتْلَى بأرضها وَكنت إِذْ ذَاك بالرملة وَحَضَرت هَذِه الْحَادِثَة وَكَانَت فِي غَايَة الشناعة

وَكتب محْضر بذلك وجهز الى الابواب الشَّرِيفَة مَعَ مُكَاتبَة الْأَمِير جَان بلاط المتضمنة ان هَذَا الْفِعْل باشارة نَائِب غَزَّة وَهُوَ الْوَاقِع لِأَنَّهُ وجد فِي نَفسه من نَائِب الْقُدس بِسَبَب مَا تقدم من ولَايَة أَمِير جرم باشارة نَائِب الْقُدس دون رضَا نَائِب غَزَّة ثمَّ وَقع ان نَائِب الْقُدس أَخذ كشف الرملة وانتزعه من نَائِب غَزَّة فتأكدت الْعَدَاوَة بَينهمَا فَكَانَ نَائِب غَزَّة يُسَلط الْعَرَب والمفسدين ويغريهم على نَائِب الْقُدس ويحرضهم على الْفساد فِي مُعَامَلَته يقْصد بذلك التشنيع عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقع لما ذكر من هَذِه الْفِتْنَة القبيحة وسطرت المحاضر بشرح الْحَال وجهزت للسُّلْطَان كتب نَائِب غَزَّة الى السُّلْطَان يشتكي من الْأَمِير جَان بلاط بِكَلِمَات مُهْملَة لَا حَقِيقَة لَهَا فبرز أَمر السُّلْطَان بتجهيز السيفي قانصوه الخاصكي وعَلى يَده مرسوم شرِيف لشيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وقضاة غَزَّة والقدس والرملة بالتوجه الى الْمَكَان الَّذِي وَقعت فِيهِ الْفِتْنَة وتحرير ذَلِك وإعادة الْجَواب على المسامع الشَّرِيفَة فَتوجه شيخ الاسلام - الْمشَار اليه - وصحبته قُضَاة الْقُدس الشريف الى الرملة فِي يَوْم الاربعاء عَاشر شهر رَمَضَان وَاجْتمعَ بِهِ الخاصكي وقاضة الرملة وتوجهوا الى قريتي تل الجزر وخلد وحرروا الامر فِي ذَلِك فَتبين لَهُم ان الْحق بيد نَائِب الْقُدس وان الْقَتْل والفتنة كَانَا فِي معامله بِأَرْض الرملة وَحضر قُضَاة غَزَّة الى تل الطافية بأطراف مُعَاملَة غَزَّة وامتنعوا من الْحُضُور الى الرملة والاجتماع بشيخ الاسلام وقضاة الْقُدس والرملة واظهروا التعصب لنائب غَزَّة فَكتب شيخ الاسلام وقضاة الْقُدس والرملة محضرا وَكَتَبُوا خطوطهم عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِي ان الْحق بيدنائب الْقُدس وناظر الْحَرَمَيْنِ ثمَّ كتب قُضَاة غَزَّة محضرا بِمَا اختاروه ومخلصه أَن نَائِب الْقُدس هُوَ المعتدي بِدُخُولِهِ مُعَاملَة غَزَّة وجهز كل من المحضرين للسُّلْطَان وَعَاد شيخ الاسلام وقضاة الْقُدس الى اوطانهم فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر رَمَضَان

ثمَّ حضر الخاصكي الى الْقُدس الشريف للزيارة وَدخل بخلعة السُّلْطَان فِي شهر رَمَضَان وَحضر عيدالفطر بالقدس وَتوجه لزيارة سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ توجه الى مَدِينَة غَزَّة ليقيم بهَا لانتظار الْجَواب الْوَارِد عَلَيْهِ من المراسيم الشَّرِيفَة فَلَمَّا كَانَ الْعشْر الثَّالِث من شهر شَوَّال ورد مرسوم السُّلْطَان الى شيخ الاسلام الكمالي بن ابي شرِيف الشَّافِعِي ومرسوم شرِيف مُطلق لقضاة غَزَّة والقدس الشريف يعلمهُمْ انه لما جهز الْأَمِير قانصوه باقر الخاصكي لكشف هَذِه الاجوبة وتحريرها وَكِتَابَة محْضر بقضاة غَزَّة والقدس بِمَا يَتَّضِح بِهِ الْحق وان كلا من النائبين كتب محضرا بِمَا يختاره وَلم يَتَّضِح للمسامع الشَّرِيفَة الْحق فِي ذَلِك وان المرسوم الشريف الْوَارِد على يَد الخاصكي انما برز بِكِتَابَة محْضر وَاحِد لامحضرين وبرز أَمر السُّلْطَان ان شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف يتَوَجَّه بِنَفسِهِ وصحبته قُضَاة الْقُدس الشريف والرملة الى مَدِينَة غَزَّة المحروسة ويجتمعون مَعَ قُضَاة غَزَّة وتحرر هَذِه الْوَاقِعَة من اولها إِلَى آخرهَا وَيكْتب محْضر شَرْعِي بِمَا يَتَّضِح بِهِ الْحق وَإِن لم يحرر ذَلِك تبرز المراسيم الشَّرِيفَة لقضاة غَزَّة والقدس بالزامهم بِالْقيامِ للخزائن الشَّرِيفَة بِعشْرَة آلَاف دِينَار مؤرخ المرسوم الشريف فِي ثَالِث عشر شَوَّال فَعِنْدَ ذَلِك قَابل شيخ الاسلام الكمالي وقضاة الْقُدس الشريف أَمر السُّلْطَان بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وتوجهوا الى الرملة وَسَار مِنْهَا مَعَ من تيَسّر من قضاتها الى مَدِينَة غَزَّة وَهَذِه الْوَاقِعَة من الْعَجَائِب لِأَن شيخ الاسلام رجل عَظِيم الشَّأْن وَهُوَ بركَة الْوُجُود وعالم المملكة وَهُوَ شيخ كَبِير سنة نَحْو الثَّمَانِينَ وبنيته ضَعِيفَة وَالسّفر يشق عَلَيْهِ فكلف الى مَالا طَاقَة لَدَيْهِ فِي زمن الْحر الشَّديد بِسَبَب وَاقعَة حدثت من الْعَرَب المفسدين الْمُحَاربين للدّين لَا إِسْلَام لَهُم وَلَا إِيمَان وَلما توجه من الْقُدس الشريف حمل فِي محارة على جمل وَكَانَ لَا يركب الْفرس إِلَّا قَلِيلا لضعف بدنه فَقدم الى مَدِينَة غَزَّة فِي عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس مستهل ذِي الْقعدَة وَنزل بالجامع الْمَنْسُوب لمولانا السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف واصبح يَوْم الْجُمُعَة فَحَضَرَ

بَين يَدَيْهِ قُضَاة غَزَّة وأكابرها للسلام عَلَيْهِ ثمَّ عقب صَلَاة الْجُمُعَة جلس بالجامع - الْمشَار اليه - وَجلسَ مَعَه قانصوه الخاصكي وقضاة غَزَّة والقدس الشريف وَمن تيَسّر من قُضَاة الرملة وَدَار الْكَلَام بَينهم فِي تَحْرِير هَذِه الْحَادِثَة وَكَتَبُوا محضرا وَاحِدًا ملخصه مَا كتب فِي الْمحْضر الاول من قتل جمَاعَة نَائِب الْقُدس الشريف وَنهب خيولهم يزِيد فِيهِ ان الجمالي يُوسُف كاشف الرملة لما خرج من الرملة وَوصل الى آخر معاملتها وجد ثَلَاثَة أَنْفَار من العشير والعوام فطردهم الى أَرض عمورية من عمل غَزَّة المحروسة وَقتل مِنْهُم فرسين ثمَّ طردوه إِلَى أَن وصل الى مُعَاملَة الرملة عِنْد قَرْيَة خلدا وقرية تل الجزر وَحصل مَا حصل من الْقَتْل والنهب - كَمَا تقدم شَرحه - وَكتب شيخ الاسلام وقضاة غَزَّة والقدس والرملة خطوطهم بالمحضر الْمَذْكُور وجهز للأبواب الشَّرِيفَة مُكَاتبَة شيخ الاسلام وَاسْتمرّ الخاصكي بغزة لانتظار الْجَواب وَعَاد شيخ الاسلام وقضاة الْقُدس الى أوطانهم وَكَانَ سفرهم من غَزَّة فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس ذِي الْقعدَة وانْتهى الْحَال الى أَن السُّلْطَان عزل نَائِب غَزَّة ونائب الْقُدس مَعًا وَمَضَت سنة تِسْعمائَة وَكَانَت سنة شَدِيدَة كَثِيرَة الْفِتَن والحروب وَالْخلف بَين الْحُكَّام والعسكر فِي جَمِيع مملكة الاسلام بالديار المصرية والمملكة الشامية وَالْأَرْض المقدسة وَالله لطيف بعباده وَقد انْتهى ذكر الْحَوَادِث الْوَاقِعَة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فلنذكر تَرْجَمَة شَيخنَا الكمالي ابْن ابي شرِيف كَمَا تقدم الْوَعْد بِهِ فَأَقُول - وَبِاللَّهِ استعين - هُوَ شيخ الاسلام ملك الْعلمَاء الاعلام حَافظ الْعَصْر وَالزَّمَان بركَة الامة عَلامَة الْأَئِمَّة كَمَال الدّين ابو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ابي بكر بن عَليّ بن ابي شرِيف الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي شَيخنَا الامام

الحبر الْهمام الْعَالم الْعَلامَة الرحلة الْقدْوَة الْمُجْتَهد الْعُمْدَة سبط قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين ابي الْعَبَّاس أَحْمد الْعمريّ الْمَالِكِي الْمَشْهُور بِابْن عوجان مولده فِي لَيْلَة يسفر صباحها عَن يَوْم السبت خَامِس شهر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِمَدِينَة الْقُدس وَنَشَأ بهَا فِي عفة وصيانة وتقوى وديانة لم يعلم لَهُ صبوة وَلَا ارْتِكَاب مَحْظُور وَحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم والشاطبية والمنهاج للنووي وعرضهما على قَاضِي الْقُضَاة شيخ الاسلام شهَاب الدّين بن حجر وقاضي الْقُضَاة شيخ الاسلام محب الدّين بن نصر الله الجبيلي وقاضي الْقُضَاة سعد الدّين الديري الْحَنَفِيّ وَشَيخ الاسلام عز الدّين الْمَقْدِسِي فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ حفظ الفية بن مَالك وألفية الحَدِيث وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات على الشَّيْخ أبي الْقَاسِم النويري وَسمع عَلَيْهِ وَقَرَأَ فِي الْعَرَبيَّة واصول الْفِقْه والمنطق واصطلاح الحَدِيث والتصريف وَالْعرُوض والقافية وَأذن لَهُ فِي التدريس فِيهَا سنة ارْبَعْ واربعين وَثَمَانمِائَة وتفقه بالشيخ زين الدّين ماهر وَالشَّيْخ عماد الدّين بن شرف وَحضر عِنْد الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن ارسلان وَالشَّيْخ عز الدّين الْمَقْدِسِي واشتغل فِي الْعُلُوم ورحل الى الْقَاهِرَة فِي سنة ارْبَعْ واربعين واخذ عَن عُلَمَاء الاسلام مِنْهُم شيخ الاسلام ابْن حجر وَكتب لَهُ إجَازَة وَوَصفه بالفاضل البارع الأوحد وَقَالَ شَارك فِي المباحث الدَّالَّة على الاستعداد وتأهل لَان يُفْتِي بِمَا يُعلمهُ ويتحققه من مَذْهَب الامام الشَّافِعِي من أَرَادَ ويفيد الْعُلُوم الحديثية من الْمَتْن والاسناد علما بأهليته لذَلِك وتلوحه فِي مضائق تِلْكَ المسالك انْتهى وَأخذ عَن غير وَاحِد من الْعلمَاء كالشيخ كَمَال الدّين بن الْهمام وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين القاياتي وَالْمقر الْبَغْدَادِيّ وَغَيرهم وجد ودأب ولازم الِاشْتِغَال والاشغال إِلَى أَن برع وتميز واشير اليه فِي حَيَاة شَيْخه الزيني ماهر وَكَانَ يرشد الطّلبَة للْقِرَاءَة عَلَيْهِ حِين ترك هُوَ الاقراء وَكَذَلِكَ المستفتين ودرس وَأفْتى من سنة سِتّ واربعين وَثَمَانمِائَة ونظم وَأَنْشَأَ وَسمع الحَدِيث على شيخ الاسلام ابْن حجر وَالشَّيْخ

زين الدّين الزَّرْكَشِيّ الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ عز الدّين بن الْفُرَات وَغَيرهم من الْمَشَايِخ الاعيان وَتردد الى الْقَاهِرَة مَرَّات وَحج مِنْهَا فِي وسط السّنة صُحْبَة القَاضِي عبد الباسط رَئِيس المملكة فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وثمانماءئة فَسمع الحَدِيث بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة على الْمُحب الطَّبَرِيّ وَغَيره وبمكة المشرفة على ابي الْفَتْح المراغي وَغَيره وَلم يزل حَاله فِي ازدياد وَعلمه فِي اجْتِهَاد فَصَارَ نادرة وقته واعجوبة زَمَانه إِمَامًا فِي الْعُلُوم محققا لما يَنْقُلهُ وَصَارَ قدوة بَيت الْمُقَدّس ومفتيه وَعين أَعْيَان المعيدين بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية ثمَّ لما وَقعت حَادِثَة أخي ابي الْعَبَّاس - الْمُتَقَدّم شرحها فِي حوادث سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة - سَافر الى الْقَاهِرَة المحروسة وَاجْتمعَ بالسلطان وحوسب فَعرف مقَامه وأنعم عَلَيْهِ باستقراره فِي مشيخة الْمدرسَة الصلاحية فتوقف فِي الْقبُول فَالْزَمْ بِهِ وتمثل بالحضرة الشَّرِيفَة فِي شهر صفر سنة سِتّ وَسبعين فَلَمَّا قدم على السُّلْطَان نزل عَن سَرِير الْملك وتلقاه وأكرمه وفوض اليه الْوَظِيفَة الْمشَار اليها والبسه التشريف وَولي مَعَه فِي ذَلِك الْيَوْم القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه قَضَاء الشَّافِعِيَّة وَالْقَاضِي خير الدّين بن عران قَضَاء الْحَنَفِيَّة وَالشَّيْخ شهَاب الدّين العميري مشيخة الْمدرسَة الأشرفية الَّتِي هدمت وَكنت حَاضرا ذَلِك الْمجْلس وسافر شيخ الاسلام وصحبته القاضيان - الْمشَار اليهما - من الْقَاهِرَة المحروسة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن ربيع الأول ودخلوا الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشري ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وباشر تدريس الصلاحية وَالنَّظَر عَلَيْهَا مُبَاشرَة حَسَنَة عمرها وأوقافها وشدد على الْفُقَهَاء وحثهم على الِاشْتِغَال وَعمل بهَا الدُّرُوس الْعَظِيمَة فَكَانَ يدرس فِيهَا أَرْبَعَة أَيَّام فِي الاسبوع فقها وتفسيرا وأصولا وَخِلَافًا وأملى فِيهَا مجَالِس من الاحاديث الْوَاقِعَة فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَاسْتمرّ بهَا أَكثر من سنتَيْن ثمَّ اسْتَقر فِيهَا شيخ الاسلام النجمي ابْن جمَاعَة فِي شهور سنة ثَمَان وَسبعين - كَمَا تقدم ذكره - فَلم يهتم بهَا بعد ذَلِك واسمر بمنزله على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الِاشْتِغَال بِالْعلمِ والافتاء

وَتُوفِّي وَالِده الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد فِي جمادي الاولى سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة وَدفن بجوار منزله بِبَاب السلسلة ثمَّ فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ توجه شيخ الاسلام الى الْقَاهِرَة المحروسة واستوطنها وَتردد اليه الطّلبَة والفضلاء وَاشْتَغلُوا عَلَيْهِ فِي الْعُلُوم وانتفعوا بِهِ وعظمت هيبته وَارْتَفَعت كَلمته عِنْد السُّلْطَان وأركان الدولة وَفِي شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ حضر الى الْقُدس الشريف زَائِرًا ثمَّ توجه الى الْقَاهِرَة فِي جمادي الْآخِرَة سنة تسع وَثَمَانِينَ - كَمَا تقدم ذكر ذَلِك - وَلما وَقع مَا تقدم ذكره من هدم الْمدرسَة الأشرفية الْقَدِيمَة وَبِنَاء الْمدرسَة المستجدة المنسوبة لملك الْعَصْر مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف وانتهت عمارتها وَقدر الله تَعَالَى وَفَاة الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري قبل تَقْرِير أمرهَا وترتيب وظائفها - كَمَا تقدم ذكره - برز أَمر السُّلْطَان باستقرار شيخ الاسلام الكمالي فِيهَا وَطَلَبه الى حَضرته وشافهه بِالْولَايَةِ وَسَأَلَهُ فِي الْقبُول فَأجَاب لذَلِك وَألبسهُ كاملية بسمور وَحضر الى الْقُدس الشريف هُوَ وَمن مَعَه من اركان الدولة الشَّرِيفَة وباشرها - كَمَا تقدم ذكره فِي حوادث سنة تسعين وَثَمَانمِائَة - وَحصل للمدرسة الْمشَار اليها وللأرض المقدسة بل ولسائر مملكة الاسلام الْجمال والهيبة وَالْوَقار بقدومه وانتضم امْر الْفُقَهَاء وحكام الشَّرِيعَة المطهرة بِوُجُودِهِ وبركة علومه وَنشر الْعلم وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر وازداد شَأْنه عظما وعلت كَلمته ونفذت أوامره عِنْد السُّلْطَان فَمن دونه وبرزت اليه المراسيم الشَّرِيفَة فِي كل وَقت بِمَا يحدث من الوقائع وَالنَّظَر فِي أَحْوَال الرّعية وَترْجم فِيهَا بالجناب العالي شيخ الاسلام وَوَقع لَهُ مَا لم يَقع لغيره مِمَّن تقدمه من الْعلمَاء والأكابر وَبَقِي صدر الْمجَالِس وطراز المحافل الْمرجع فِي القَوْل اليه والتعويل فِي الْأُمُور كلهَا عَلَيْهِ وقلده أهل الْمذَاهب كلهَا وَقبلت فتواه على مذْهبه وَمذهب غَيره ووردت الفتاى اليه من مصر وَالشَّام وحلب وَغَيرهَا وَبعد صيته وانتشرت مصنفاته فِي سَائِر الاقطار

وَصَارَ حجَّة بَين الْأَنَام فِي سَائِر ممالك الاسلام وَمن اعظم محاسنه الَّتِي شكرت لَهُ فِي الدُّنْيَا وَيرْفَع الله بهَا درجاته فِي الْآخِرَة مَا فعله فِي الْقبَّة المستجدة عِنْد دير صهيون وقيامه فِي هدمها بعد أَن صَارَت كَنِيسَة محدثة فِي دَار الاسلام فِي بَيت الله الْمُقَدّس وقيامه فِي منع النَّصَارَى من انتزاع القبو المجارو لدير صهيون الْمَشْهُور أَن بِهِ قبر سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بعد بَقَائِهِ فِي ايدي الْمُسلمين مُدَّة طَوِيلَة وَبنى قبْلَة فِيهِ لجِهَة الْكَعْبَة المشرفة - كَمَا تقدم ذكر ذَلِك مفصلا فِي حوادث سنة خمس وَسنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَغير ذَلِك من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وقيامه على حكام الشرطة ومنعهم من الظُّلم ومواجهتهم بالْكلَام الزاجر لَهُم وَفِي شهر شَوَّال سنة تِسْعمائَة ورد عَلَيْهِ مرسوم شرِيف بِأَن يكون متكلما على الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف ينظر فِي أمرهَا وَعمل مصالحها فحضرها فِي عَشِيَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس شَوَّال وَجلسَ بالمجمع مَعَ الصُّوفِيَّة فِي مجْلِس الشَّيْخ وَحصل للخانقاه وَأَهْلهَا الْجمال بِحُضُورِهِ ثمَّ بعد فرَاغ الْحُضُور جلس على تَفْرِقَة الْخبز على مشايخها وَتصرف فِيهَا باجازة الْوَقْف وانلظر فِي أمره وَشرع فِي عمَارَة الخانقاه واصلاح مَا اخْتَلَّ من نظامها واضيف اليه التَّكَلُّم على الْمدرسَة الجوهرية وَغَيرهَا لما هُوَ مَعْلُوم من ديانته وورعه واجتهاده فِي لَعَلَّ الْخيرَات وَإِزَالَة الْمُنْكَرَات وَأما سمته وهيبته فَمن الْعَجَائِب فِي الابهة والنورانية رُؤْيَته تذكر السّلف الصَّالح وَمن رَآهُ علم انه من الْعلمَاء العاملين بِرُؤْيَة شكله وَإِن لم يكن يعرفهُ وَأما خطه وَعبارَته فِي الْفَتْوَى فنهاية فِي الْحسن وَبِالْجُمْلَةِ فمحاسنه أَكثر من أَن تحصر وَأشهر من أَن تذكر وَهُوَ اعظم من أَن يُنَبه مثلي على فَضله وَلَو ذكرت حَقه فِي التَّرْجَمَة لطال الْفَصْل فَإِن مناقبه وَذكر مشايخه يحْتَمل الْأَفْرَاد بالتأليف وَالْمرَاد هُنَا الِاخْتِصَار وَمن تصانيفه الاسعاد شرح الارشاد فِي الْفِقْه والدرر اللوامع بتحرير

جمع الْجَوَامِع فِي الاصول والفرائد فِي حل شرح العقائد والمسامرة بشرح المسايرة وَكتب قِطْعَة على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَقطعَة على صَحِيح البُخَارِيّ وَقطعَة على شرح الْمِنْهَاج وَقطعَة على صفوة الزّبد للشَّيْخ شهَاب الدّين بن أرسلان وَغير ذَلِك وَقد عرضت عَلَيْهِ فِي حَيَاة الْوَالِد رَحمَه الله قِطْعَة من كتاب الْمقنع فِي الْفِقْه على مَذْهَب الامام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ ثمَّ عرضت عَلَيْهِ مرّة ثَانِيَة مَا حفظت بعد الْعرض الأول وأجازني فِي شهور سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَحَضَرت بعض مجالسه من الدُّرُوس والاملاء بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وَحَضَرت كثيرا من مجالسه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف قبل رحلته الى الْقَاهِرَة المحروسة وَبعد قدومه الى بَيت الْمُقَدّس وحصلت الاجازة مِنْهُ غير مرّة خَاصَّة وَعَامة وَمن إنشاده فِي بَيت الْمُقَدّس - بعد غيبته عَنهُ مُدَّة طَوِيلَة - أحيي بقاع الْقُدس مَا هبت الصِّبَا فَتلك رباع الْأنس فِي زمن الصِّبَا وَمَا زلت من شوق اليها مواصلا سلامي على تِلْكَ الْمعَاهد والربا وَقد سمعتهما من لَفظه بدرس الْقُدس حِين عوده من غَزَّة المحروسة فِي شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة تِسْعمائَة وأجازني بروايتهما عَنهُ أعز الله بِهِ الدّين وأدام بَقَاءَهُ للْمُسلمين قَالَ الْمُؤلف وَهَذَا آخر مَا تيَسّر ذكره من أَخْبَار بَيت الْمُقَدّس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيرهمَا مِمَّا تقدم الْوَعْد بِذكرِهِ فَمَا كَانَ فِيهِ من صَوَاب فَمن الله وَمَا كَانَ فِيهِ من خطأ فَهُوَ من شَأْن الانسان والمسئول من كل وَاقِف عَلَيْهِ من الاخوان فِي الله تَعَالَى ستر مَا فِيهِ من الْخَطَأ وَإِصْلَاح مَا يُمكن إِصْلَاحه وَعدم الْمُؤَاخَذَة بِمَا فِيهِ من نقص أَو خلل فَإِنِّي اجتهدت فِي تَحْرِير مَا نقلته وتتبعت التراجم والحوادث مَا اسْتَطَعْت وجمعتها من كتب وأوراق مُتَفَرِّقَة وَكثير مِنْهَا من حفظي للوقائع والاطلاع عَلَيْهَا

وَمَعَ ذَلِك لم أستوعب مَا هُوَ الْمَقْصُود من التَّارِيخ لعدم الِاطِّلَاع على مِنْهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصر مَا لم يُوجد فِي غَيره مِمَّا يتَعَلَّق بالقدس الشريف الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقد تفحصت فَلم أظفر بِغَيْر مَا نقلت وَالله الْمُوفق وَكَانَ ابتدائي فِي جمعه فِي خَامِس عشري ذِي الْحجَّة سنة تِسْعمائَة من جمعه وترتيبه فِي دون أَرْبَعَة أشهر مَعَ مَا تخَلّل فِي ذَلِك من عوارض نَحْو شهر لم أكتب فِيهِ شَيْئا وَمَعَ اشْتِغَال الفكرة بِأُمُور الدُّنْيَا وَالله لطيف بعباده وَإِن فسح الله فِي الْأَجَل جعلت لَهُ ذيلا أذكر فِيهِ مَا يَقع من الْحَوَادِث بالقدس الشريف وبلاد سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيرهمَا من أولى سنة إِحْدَى وَتِسْعمِائَة الى آخر وَقت يُريدهُ الله تَعَالَى فِيمَا بَقِي من الْعُمر حمدا لمن يسر لنا إتْمَام هَذَا التَّارِيخ الْجَمِيل الْمُسَمّى ب (الْأنس الْجَلِيل فِي تَارِيخ الْقُدس والخليل) وَهُوَ مُشْتَمل على جلّ مَا احتوى عَلَيْهِ تواريخ الْقُدس مَعَ زيادات نافعة مثل ذكر وفيات الْعلمَاء الْأَعْلَام وَمن تولى الْقَضَاء مِنْهُم فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة بَين الْأَنَام وَذكر الوقائع الْحَاصِلَة بِالشَّام فِي مُدَّة السُّلْطَان قايتباي من ابْتِدَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة الى التسْعمائَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ كتاب عَظِيم الْفَوَائِد وافر الموائد يبتهج المطالعون بدراري أخباره ويتشف السامعون بدرر آثاره

فهرس مواضيع كتاب (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل)

فهرس مواضيع كتاب (الأنس الْجَلِيل بتاريخ الْقُدس والخليل) صفحة مواضيع الْكتاب 5 ذكر الْفَتْح الناصري الدَّاودِيّ (وَهُوَ أول الْجُزْء الثَّانِي) 6 ذكرت سليم الْقُدس الى الافرنج 7 ذكر الْفَتْح الصلاحي النجمي 11 ذكر صفة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَا هُوَ عَلَيْهِ فِي عصرنا 13 بِئْر الورقة وَفِيه نادرة عَن النَّبِي (ص) 14 محراب النَّبِي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام 14 سوق الْمعرفَة 15 مهد النَّبِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام 15 جَامع المغاربة 16 قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة 16 الْقدَم الشريف 17 ذكر المغارة الَّتِي تَحت الصَّخْرَة 18 قبْلَة السلسلة 19 قبَّة الْمِعْرَاج 20 مقَام النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 20 مقَام النَّبِي الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام 21 قبَّة النَّبِي سُلَيْمَان وقبة النَّبِي مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام 23 قبَّة الطومار وحاكورة القاشاني 23 زَاوِيَة البسطامية وزاوية الصمادية 24 ذرع الْمَسْجِد طولا وعرضا

صفحة مواضيع الْكتاب 24 تَنْبِيه ان الْأَقْصَى اسْم لجَمِيع الْمَسْجِد 25 فِي الْمَسْجِد صفاة عَظِيمَة لَا يتصورها إِلَّا من شَاهدهَا 26 الْأَقْصَى الْقَدِيمَة من جِهَة الْقبْلَة = اصطيل سُلَيْمَان وَهُوَ دَاخل تَحت الْمَسْجِد = ان منائر الْمَسْجِد اربعة وَالْبناء الْجَدِيد 27 ابواب الْمَسْجِد بَابَانِ متحدان 28 قيل للخضر أَيْن تصلي الصُّبْح؟ فَقَالَ عِنْد الرُّكْن الْيَمَانِيّ 29 قَول ابْن عَبَّاس (وَإِذ قُلْنَا ادخلو هَذِه الْقرْيَة) = فِي تَسْمِيَة بَاب حطة وَهُوَ فعلة من الْحَط ومغفرة 30 كَانَ فِي زمن بني اسرائيل إِذا أذْنب أحد كتب على بَابه = بَاب شرف الْأَنْبِيَاء فِي جِهَة الشمَال من الْمَسْجِد 32 فِي تَرْتِيب الْأَئِمَّة فِي دَاخل الْمَسْجِد = قبْلَة أهل بَيت الْمُقَدّس من غَزَّة والرملة 33 وللمسجد الْأَقْصَى عدَّة أَئِمَّة بداخل الْجَامِع = مَا يُوقد يه من المصابيح فِي كل لَيْلَة وَقت الْعشَاء = وظائف المدرسين والمعيدين والخدام والقراء = ذكر غَالب مَا فِي بَيت الْمُقَدّس من الْمدَارِس = الفارسية بداخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى 34 النحوية على طرف صحن الصَّخْرَة من الْقبْلَة = الناصرة على برج بَاب الرَّحْمَة = مَا حول الْمَسْجِد من الْمدَارِس والزوايا الخنثية = الْمدَارِس الْمُجَاورَة للسور من جِهَة الغرب

صفحة مواضيع الْكتاب 35 الْمدرسَة التنكزية واقفها تنكز الناصري = الْمدرسَة البلدية واقفها الْأَمِير منكلي 36 الْمدرسَة العثمانية واقفها امْرَأَة اسْمهَا اصفهان = الرِّبَاط الخاتونية واقفتها أغل خاتون = الْمدرسَة الارغونية واقفتها ارغون الكاملي 37 الْمدرسَة المزهرية واقفها ابو بكر بن مزهر = رِبَاط كرد واقفه الْمقر السيفي كرد = الزاوية الوفائية تعرف قَدِيما بدار مُعَاوِيَة = الْمدرسَة المنجكية واقفها الْأَمِير منجك 38 الْمدرسَة الجاولية واقفها سنجر الجاولي = الْمدرسَة الصبييبية واقفها عَليّ بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد = الْمدرسَة الأسعردية واقفها الخواجا عبد الْغَنِيّ = الْمدرسَة الملكية عمرها ملك الجوكندار = الْمدرسَة الفارسية واقفها الْأَمِير فَارسي البكي 39 الْمدرسَة الأمينية واقفها أَمِين الدّين عبد الله = الْمدرسَة الدويدارية واقفها أَبُو مُوسَى سنجر بن عبد الله = الْمدرسَة الباسطية واقفها عبد الباسط بن خَلِيل = التربة الأوحدية واقفها الأوحد نجم الدّين = الْمدرسَة الكريمية واقفها كريم الدّين عبد الْكَرِيم 40 الْمدرسَة الغادرية واقفها مُحَمَّد بن دلغادر = الْمدرسَة الطولونية أَنْشَأَهَا الظَّاهِر برقوق = الْمدرسَة الفنرية أَنْشَأَهَا شهَاب الدّين الطولوني

صفحة مواضيع الْكتاب 40 الحسنية وقف شاهين الحسني 41 الْأَمَاكِن المتوصل مِنْهَا إِلَى الْمَسْجِد وَلها ابواب = مَا فِي الْمَدِينَة من الْمدَارِس والمشاهد = الْمدرسَة الصلاحية وقف صَلَاح الدّين = الزاوية الشيخونية واقفها سيف الدّين قطيشا 42 الْمدرسَة الكاملية واقفها كَامِل من طرابلس = رِبَاط المارديني منسوبة لامرأتين = الْمدرسَة المعظمية وقف الْمُعظم عِيسَى = الْمدرسَة السلامية واقفها الخواجا أَبُو الفدا = الزاوية المهمازية منسوبة للشَّيْخ كَمَال المهمازي = الْمدرسَة الوجيهية وقف وجيه الدّين مُحَمَّد = الْمدرسَة المحدثية واقفها رجل من أهل الْعلم = الرِّبَاط المنصوري وقف السُّلْطَان قلاوون = رِبَاط عَلَاء الدّين واقفه الْأَمِير عَلَاء الدّين آيدغدي = الْمدرسَة الحسنية واقفها الْأَمِير حسن الكشكيلي = الْمدرسَة التشتمرية واقفها الْأَمِير تشتمر السيفي = الْمدرسَة البارودية واقفهتها السِّت سَفَرِي خاتون 44 الزاوية المحمدية واقفها مُحَمَّد بك زَكَرِيَّا = اليونسية زَاوِيَة مُقَابل البارودية = الْمدرسَة الجهاركسية بجوار اليونسية = الْمدرسَة الحنبلية واقفها الْأَمِير بيدمر = التربة السعدية

صفحة مواضيع الْكتاب 44 التربة الجالقية وقف ركن الدّين العجمي = دَار الحَدِيث واقفها الْأَمِير عِيسَى الهكاري 45 دَار الْقُرْآن واقفها سراج الدّين السلَامِي = الْمدرسَة الطازية وقف الْأَمِير طاز = تربة الْملك حسام الدّين بركَة = التربة الكيلانية بجوار الطازية = التربة الطشتمرية وقف الْأَمِير طشتمر العلائي = زَاوِيَة الطواشية واقفها شمس الدّين مُحَمَّد = زَاوِيَة المغاربة وقف عمر بن عبد اله المغربي 46 الْمدرسَة الْأَفْضَلِيَّة وقف الْملك الْأَفْضَل = زَاوِيَة البلاسي نسبتها للشَّيْخ أَحْمد البلاسي = زَاوِيَة الْأَزْرَق نسبتها للشَّيْخ ابراهيم الْأَزْرَق = الْمدرسَة اللؤلؤية واقفها الْأَمِير لُؤْلُؤ غَازِي 47 الْمدرسَة البدرية واقفها بدر الدّين الهكاري = زَاوِيَة الدركاه واقفها الْملك المظفر = زَاوِيَة الشَّيْخ يَعْقُوب العجمي وَهِي كَنِيسَة = مَسْجِد الْحَيَّات مَنْسُوب الى عمر بن الْخطاب = الخانقاه الصلاحية وقف الْملك صَلَاح الدّين = الزاوية الْحَمْرَاء منسوبة للْفُقَرَاء = الزاوية اللؤلؤية وقف بدرالدين لُؤْلُؤ 48 الزاوية البسطامية واقفها عبد الله البسطامي = الْمدرسَة الميمونية واقفها الْأَمِير فَارس الدّين

صفحة مواضيع الْكتاب 48 التربة المهمازية واقفها الْأَمِير نَاصِر الدّين المهمازي = زَاوِيَة الهنود للْفُقَرَاء الرفاعية = الجراحية زَاوِيَة واقفتها الْأَمِير حسام الدّين الجراحي = القيمرية نسبتها لجَماعَة من الشهدا الْمُجَاهدين 49 مَنَارَة على الْمَسْجِد على سجن الشرطة = المنارة على زَاوِيَة الدركاه = مَنَارَة على الْمَسْجِد ملاصق للكنيسة 50 وصف مَدِينَة الْقُدس شوارعها وابنيتها = سوق القطانين مجاور لباب الْمَسْجِد 51 الْكَنَائِس والديارات من زمن الرّوم = الحارات الْمَشْهُورَة فِي الْقُدس الشريف 52 خطّ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام 53 خطّ مرزبان = خطّ وَادي الطواحين 55 القلعة حصن عَظِيم الْبناء بِظَاهِر الْقُدس 57 ذكر عين سلوان وَغَيرهَا مِمَّا هُوَ بِظَاهِر الْقُدس = عين المقذوفات 58 بِئْر أَيُّوب 60 دير أبي ثَوْر = طورزيتا وَهُوَ الْجَبَل الشَّرْقِي 61 قبر مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام 62 الساهرة قرب طور زيتا

صفحة مواضيع الْكتاب 63 الأدهمية كَهْف عَجِيب = مغارة الْكَتَّان من جِهَة الْقبْلَة 64 مَقْبرَة الساهرة ومقبرة الشُّهَدَاء ومقبرة ماملا بِظَاهِر الْقُدس = القلندرية وَسطهَا زَاوِيَة تسمى القلندرية 65 بَيت لحم قريبَة من الْقُدس 66 قبَّة راحيل وَالِدَة يُوسُف الصّديق (ع) = ذكر رَملَة فلسطين 67 فلسطين بِكَسْر الْفَاء وَفتح اللَّام 68 صفة مَدِينَة الرملة قَدِيما = هدم القلعة وَهدم مَدِينَة لد 587 = مَا بني فِيهَا من مَسَاجِد ومنائر زمن الْملك قلاوون 69 لم يبْق حول الْجَامِع من الأبينية سوى حارة = تَجْدِيد عمَارَة الْجَامِع الْأَبْيَض زمن صَلَاح الدّين = فتح يافا سنة 666 بيد الْملك بيبرس = بِنَاء مَنَارَة بِأَمْر الْأَمِير شاهين الكمالي 70 أول من ولي قَضَاء فلسطين عبَادَة بن الصَّامِت = مولد ابي شُعَيْب النَّسَائِيّ ووفاته بالرملة = فِيهَا من الْأَوْلِيَاء مُحَمَّد البطائحي وَالِاخْتِلَاف فِي أمره = قبر الشَّيْخ مَحْمُود الْعَدوي بحارة العنابة = ذكر لد وَحَدِيث الدَّجَّال آخر الزَّمَان = بِظَاهِر لد قبر عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الصَّحَابِيّ 72 وبظاهر الرملة مشْهد روبيل بن يَعْقُوب

صفحة مواضيع الْكتاب 72 وَمن الاولياء بِأَرْض فلسطين عَليّ بن عليل 73 فِي عصر الْمُؤلف ولي النّظر أَبُو العون مُحَمَّد الْغَزِّي = ذكر عسقلان وَقَول النَّبِي (ص) عَلَيْك بِالشَّام وعسقلان فيهمَا الْبركَة 74 خراب عسقلان بيد الْملك صَلَاح الدّين = ذكر غَزَّة وَهِي مجاورة لبيت الْمُقَدّس = ذكر أرِيحَا (وَإِذا قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم) 75 ذكر نابلس مَدِينَة بِالْأَرْضِ المقدسة = الْمشَاهد المنسوبة الى جمَاعَة من الانبياء 76 ذكر نبذة من اخبار مَدِينَة الْخَلِيل (ع) 77 من أدْرك عِيسَى (ع) وآمن بِهِ = حارة الشَّيْخ عَليّ البطا وحارة الأكراد وَبَقِيَّة الحارات مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ 78 زَاوِيَة الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وزاوية المغاربة فِي الْقُدس = زَاوِيَة الشَّيْخ عَليّ البكا وزاوية القواسمة بِالْقربِ مِنْهَا 79 الرِّبَاط المنصوري تجاه بَاب القلعة = البيمارستان المنصوري وقف قلاوون = زَاوِيَة الشَّيْخ ابراهيم المري = مَسْجِد رعونة وَبَقِيَّة الزوايا بِظَاهِر الْبَلَد 80 مشْهد الْأَرْبَعين يقْصد للزيارة = عين الطواشي بِقرب مَدِينَة الْخَلِيل (ع) = عين الخدام منبعها خلة الْعُيُون = عين سارة بِظَاهِر الْبَلَد بَين الْكَرم الكروم

صفحة مواضيع الْكتاب 80 عين الْحمام بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل (ع) = عين حبري ومنبعها من الْجَبَل 81 الكروم بِظَاهِر الْمَدِينَة مُحِيطَة بهَا من كل جَانب = إقطاع تَمِيم الدَّارِيّ الَّذِي أقطعه لَهُ النَّبِي (ص) = الْقطعَة الْأَدِيم يُقَال انها من خف أَمِير الْمُؤمنِينَ (ع} 2 نُسْخَة كتاب رَسُول الله 0 ص) كتبه لتميم الدَّارِيّ 85 ذكر جمَاعَة من أَعْيَان من ولي على بَيت الْمُقَدّس = عمر بن الْخطاب فَتحه وأنقذه من أَيدي الْكفَّار = مِمَّن ولي الْملك نجم الدّين أَيُّوب = ولَايَة الْملك الْمعز أيبك التركماني 86 الْملك الشّرف مُوسَى آخر مُلُوك بني أَيُّوب بِمصْر = الْملك الظَّاهِر بيبرس الصَّالِحِي 87 تَجْدِيد فصوص الصَّخْرَة وتعمير الخان بِظَاهِر الْقُدس = تعْيين الْقُضَاة الثَّلَاثَة عوضا عَن قَاضِي وَاحِد 88 ولَايَة الْملك السعيد مُحَمَّد بركَة = ولَايَة السُّلْطَان قلاوون الصَّالِحِي 89 الرِّبَاط المنصوري بِبَاب النَّاظر = تسلطن الْملك الْأَشْرَف الْحَاكِم بِأَمْر الله = انْقِطَاع الافرنج وَزَوَال دولتهم من بِلَاد الاسلام 90 قتل الْملك صَلَاح الدّين قلاوون فِي الْقَاهِرَة = تسلطن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون = خلع الْعَادِل كتبغا وَولَايَة الْملك الْمَنْصُور

صفحة مَوَاضِع الْكتاب 90 تسلطن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون 92 فِي غارات التتر وَغَيرهم 93 تسلطن جمَاعَة من الْخُلَفَاء وعزل الْبَعْض مِنْهُم 94 ولَايَة الْملك الظَّاهِر برقوق وخلعه ثمَّ اعادته = وُرُود الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن اليغموري 95 ولَايَة الْملك النَّاصِر فرج بن برقوق 96 ولَايَة الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقمامقي = الْمُصحف الشريف الَّذِي وضع بداخل الْجَامِع = ولَايَة الْملك جقمق العلائي الظَّاهِرِيّ 97 حرق سقف الصَّخْرَة بصاعقة من السَّمَاء 98 الْحَوَادِث الَّتِي وَقعت فِي الْقُدس الشريف = وَفَاة الْملك الظَّاهِر سنة 857 = ولَايَة الْملك الْأَشْرَف اينال الناصري = وَولي النّظر الْأَمِير عبد الْعَزِيز الْعِرَاقِيّ 00 ولَايَة السُّلْطَان الظَّاهِر خشقدم = عمَارَة قناة السَّبِيل من عين العروب = ولَايَة الْأَمِير نَاصِر الدّين نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين 100 ابطال الْمَظَالِم من الْقُدس الشريف = تسلطن الظَّاهِر بيلباي = ثمَّ تسلطن الْملك الْأَشْرَف قايتباي 101 ذكر مَا تيَسّر من أَعْيَان الْعلمَاء بالقدس = قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين ابْن تَمِيم الاسدي الْموصِلِي

صفحة مواضيع الْكتاب 102 شيخ الاسلام مجد الدّين طَاهِر بن نصر الله بن جهبل 103 شيخ الاسلام فَخر الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَسَاكِر 104 شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين عُثْمَان النصري 105 من مَشَايِخ الصلاحية ابْن الصّلاح = مِمَّن ولي قَضَاء غَزَّة جمال الدّين الباجربقي = ولَايَة الْقَضَاء شمس الدّين ابْن خلكان = الشَّيْخ نجم الدّين الْكرْدِي مدرس الصلاحية = الشَّيْخ شهَاب الدّين بن جهبل الْحلَبِي 106 شيخ الاسلام عَلَاء الدّين عَليّ الْمَقْدِسِي = شيخ الاسلام صَلَاح الدّين خَلِيل بن كبكاري 107 قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين ابْن الْخَطِيب 108 مِمَّن ولي التدريس وخطابة الْمَسْجِد محب الدّين أَحْمد 109 قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الْأَزْرَقِيّ الكركي = شيخ الاسلام شمس الدّين مُحَمَّد الْجَزرِي الدِّمَشْقِي 110 الْعَلامَة زين الدّين ابْن عمر القمني الْمصْرِيّ = شيخ الاسلام شهَاب الدّين الْمَقْدِسِي ابْن الهائم 111 قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن عطا الرَّازِيّ 112 شيخ الاسلام مُحَمَّد بن عبد الله الدَّائِم الْعَسْقَلَانِي = قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين احْمَد بن الصّلاح 113 شيخ الاسلام عز الدّين بن عبد السَّلَام السَّعْدِيّ 114 قَاضِي الْقُضَاة ابو حَفْص عمر بن مُوسَى الْحِمصِي 116 قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الْكِنَانِي

صفحة مواضيع الْكتاب 118 الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بالقدس وبلد الْخَلِيل 119 قَاضِي الْقُضَاة سَالم بن صاعد الْبَاهِلِيّ = قَاضِي الْقُضَاة مُحَمَّد بن هبة الله بن بنْدَار 120 قَاضِي الْقُضَاة يحيى بن هبة الله العلثي = القَاضِي ابو عبد الله مُحَمَّد بن صاعد بن الْقرشِي = قَاضِي الْقُضَاة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ابي الْغَنَائِم = القَاضِي ابو الْحسن عَليّ بن صاعد بن السّلم 121 القَاضِي صفي الدّين بن مَكْتُوم الْقَيْسِي = القَاضِي شهَاب الدّين مُحَمَّد بن نَاصِر بن العالمة = القَاضِي شرف الدّين مُوسَى بن جِبْرِيل = القَاضِي ابو مُحَمَّد بن ابي حَامِد الجعبري = القَاضِي جلال الدّين ابْن ابي الْفرج الْخُزَاعِيّ = قَاضِي الْقُضَاة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن جَعْفَر 122 القَاضِي أَبُو عبد الله بن ابي الْغَنَائِم = القَاضِي شرف الدّين منيف بن سُلَيْمَان 123 القَاضِي فَخر الدّين بن علم الْهِلَالِي = القَاضِي نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الانصاري = القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي الْفرج = القَاضِي نجم الدّين عبد المحسن بن معالي = القَاضِي ابو عبد الله بن حَامِد = القَاضِي شمس الدّين التدمري 124 القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد التدمري

صفحة مواضيع الْكتاب 124 القَاضِي زين الدّين ابو مُحَمَّد عبد الله = القَاضِي عَلَاء الدّين بن شهَاب الوحيد = القَاضِي أَمِين الدّين أَبُو عبد الله = القَاضِي بدر الدّين أَبُو عبد الله = القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد الْكِنَانِي 125 القَاضِي علم الدّين أَبُو الرّبيع = القَاضِي علم الدّين سُلَيْمَان = القَاضِي تَاج الدّين أَبُو الانفاق = القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله = القَاضِي ابو عبد الله بن ابي البركات 126 القَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ بن الْعَبَّاس = القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد = القَاضِي زين الدّين أَبُو المكارم = القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن جلال الدّين = القَاضِي بدر الدّين أَبُو عبد الله بن شَجَرَة 127 القَاضِي شمس الدّين بن شرف الدّين الْأنْصَارِيّ = القَاضِي شمس الدّين بن الْخَطِيب = القَاضِي عماد الدّين أَبُو الفدا = القَاضِي تَقِيّ الدّين الْبُرُلُّسِيّ = القَاضِي شهَاب الدّين احْمَد = القَاضِي شرف الدّين أَبُو الرّوح = القَاضِي تَقِيّ الدّين ابو مُحَمَّد

صفحة مواضيع الْكتاب 128 القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي عَمْرو عُثْمَان = القَاضِي شهَاب الدّين احْمَد السلاوي = القَاضِي تَقِيّ الدّين أَبُو الأيادي = القَاضِي زين الدّين عبد اللَّطِيف = القَاضِي سعد الدّين بن يُوسُف النواوي = القَاضِي شمس الدّين بن قرموز الزرعي 129 القَاضِي بدر الدّين بن مكي = القَاضِي جمال الدّين عبد الله الْعِرَاقِيّ = القَاضِي شرف الدّين بن القرقشندي = القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم = القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحِكْمَة = القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن رَشِيدَة 130 القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد أَبُو الانفاق = القَاضِي عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن الرماوي = قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ التَّمِيمِي = القَاضِي شمس الدّين النقوعي = قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين البصروي 131 قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين ابْن السائح 132 قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد السَّعْدِيّ = قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين احْمَد التَّمِيمِي 133 القَاضِي زين الدّين عبد الرَّحْمَن التَّمِيمِي = القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد التَّمِيمِي

صفحة مواضيع الْكتاب 133 قَاضِي الْقُضَاة ابْن جمَاعَة الْكِنَانِي 134 الخطباء بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ومقام الْخَلِيل 135 الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن المغافري المالقي = الْخَطِيب مُحَمَّد بن بكران بن مُحَمَّد = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد النابلسي = القَاضِي شرف الدّين أَحْمد الْخَطِيب 136 الشَّيْخ عبد الْمُنعم بن ابي الْفَهم = قَاضِي الْقُضَاة مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ = قَاضِي الْقُضَاة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن جمَاعَة 137 قَاضِي الْقُضَاة عمر بن يحيى الْقرشِي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي الْبَقَاء 138 الشَّيْخ برهَان الدّين ابراهيم الْكِنَانِي = الْخَطِيب عماد الدّين ابو الفدا = قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين بن غَانِم 139 قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين مُحَمَّد الباعوني = الشَّيْخ شرف الدّين القرقشندي = الْخَطِيب تَاج الدّين التدمري 140 الْخَطِيب عماد الدّين التدمري = الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم الْحَمَوِيّ = الْخَطِيب شهَاب الدّين القرقشندي 141 الْحَافِظ شهَاب الدّين الْكِنَانِي = الْخَطِيب عَلَاء الدّين القرقشندي

صفحة مواضيع الْكتاب 142 الْخَطِيب برهَان الدّين ابْن عَليّ القرقشندي = الْخَطِيب مجد الدّين التدمري الخليلي = شيخ الشُّيُوخ ابو البقا احْمَد الْكِنَانِي 143 الشَّيْخ شرف الدّين مُوسَى بن جمَاعَة = ذكر فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم من الاعيان 144 الشَّيْخ جلال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد = الشَّيْخ ابو عبد الله مُحَمَّد بن ابي بكر = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الْمَعْرُوف بالقدسي 145 الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ابراهيم الْهَاشِمِي 146 الشَّيْخ شرف الدّين مُحَمَّد بن عُرْوَة الْموصِلِي = الشَّيْخ غَانِم بن عَليّ الخزرجي = السَّيِّد بدر الدّين بن سَالم من ذُرِّيَّة الامام عَليّ رَضِي الله عَنهُ 147 السَّيِّد عبد الْحَافِظ من أَصْحَاب الكرامات 152 قبر وَجَدْنَاهُ بِالْقربِ من قبر الوَاسِطِيّ = الْفَقِيه شرف الدّين الحوراني = الشَّيْخ ابو يَعْقُوب المغربي = الشَّيْخ صَالح جلال الدّين الْعقيلِيّ 153 الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ابراهيم القصري = الشَّيْخ نَاصِر الدّين ابْن غَانِم = الشَّيْخ ابراهيم الهدمة الْكرْدِي = الشَّيْخ برهَان الدّين الجعبري 154 الشَّيْخ سيف الدّين ابو بكر الانصاري

صفحة مواضيع الْكتاب 154 الْأَمِير جلال الدّين الْعشي = القَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ الصَّالِحِي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الجعبري 155 عَليّ وَيُقَال ابو الْحسن الجعبري = برهَان الدّين ابراهيم الجعبري = الشَّيْخ نور الدّين أَبُو عبد الله الجعبري 156 الشَّيْخ زين الدّين عبد الْقَادِر = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الصَّفَدِي = الشَّيْخ شرف الدّين الْأَذْرَعِيّ = الشَّيْخ قطب الدّين الخزرجي 157 الشَّيْخ أَمِين الدّين مُحَمَّد الْجَزرِي = شمس الدّين مُحَمَّد بن الْيُسْر = الشَّيْخ عَليّ الصفي البسطامي = الشَّيْخ الشَّهِيد عَليّ بن احْمَد المذكوري = الْحَافِظ جمال الدّين بن هِلَال الخواصي 158 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن ابراهيم البيساني = الشَّيْخ سراج الدّين الْقَاسِم العدلي = الشَّيْخ غَانِم بن عِيسَى الْمَقْدِسِي = الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن غَانِم 159 الشَّيْخ عبد الله الْهِنْدِيّ = الْمسند سيف الدّين قلنج ابْن العلائي = شيخ الاسلام ابو الفدا اسماعيل

صفحة مواضيع الْكتاب 159 الشَّيْخ سراج الدّين عمر الزَّيْلَعِيّ 160 السَّيِّد شهَاب الدّين ابو الْخَيْر الْبَصِير = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَقْدِسِي = الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن جلال الدّين الْمَقْدِسِي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الْخَطِيب = الشَّيْخ شمس الدّين بن حامدا النصاري = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عمر التركماني 161 الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الجيلي = الشَّيْخ برهَان الدّين القرقشندي 162 الشَّيْخ عبد الله بن خَلِيل البسطامي = المسندة اسماء ابْنة خَلِيل العلائي 163 الشَّيْخ عمر بن نجم الدّين الْبَغْدَادِيّ 164 الشَّيْخ عِيسَى بن الرَّحْمَن الغوري = الشَّيْخ ابو بكر بن عَليّ الشَّيْبَانِيّ الْموصِلِي 164 الشَّيْخ مُحَمَّد بن ابي جوز = المسندة خَدِيجَة بنت ابي بكر = الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن سُلَيْمَان 165 الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن خَلِيل = الشَّيْخ أَحْمد بن الناصح الْمصْرِيّ = الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد بن عُثْمَان 165 الشَّيْخ زين الدّين عبد الرحمان = الشَّيْخ صَامت الأدهمي

صفحة مواضيع الْكتاب 165 القَاضِي جمال الدّين ابو مُحَمَّد عبد الله 166 المسندة آمِنَة ابْنة اسماعيل القرقشندي = المسندة غزال أم عبد اللَّطِيف = شيخ زين الدّين عبد الرَّحِيم الْكِنَانِي 167 الشَّيْخ عبد الله بن مصطفى الرُّومِي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الصَّفَدِي = الشَّيْخ ابراهيم الْمزي = الشَّيْخ ابراهيم بن أَحْمد السَّعْدِيّ = الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد الخليلي = الْمسند شرف الدّين مُوسَى بن الهائم 168 الشَّيْخ برهَان الدّين ابراهيم الخواصي = الْمسند اسماعيل بن ابراهيم الخليلي = الشَّيْخ زين الدّين عبد الرحمان القرقشندي = الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ عِيسَى الصمادي = الشَّيْخ شمس الدّين نصر الله الكركي = الشَّيْخ علم الدّين قَاضِي الجزيرة 169 الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَعْرُوف بآكل الْحَيَّات = الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن صفر الأردبيلي = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الْمَعْرُوف بشكر 170 الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن عُثْمَان الحوادي = الخواجا مُحَمَّد بن احْمَد بن حاجي = الشَّيْخ تَاج الدّين ابْن الغرابيلي الكركي

صفحة مواضيع الْكتاب 171 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد التدمري = الشَّيْخ برهَان الدّين ابراهيم الْأنْصَارِيّ 172 الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الله العداس = القَاضِي براهان الدّين العرابي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْمصْرِيّ = الشَّيْخ زين الدّين عبد الْقَادِر القرمي 713 الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابو الصدْق الطولوني = الشَّيْخ فولاذ بن عبد الله اصله من الْعَرَب 714 الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الرَّمْلِيّ 176 الشَّيْخ عبد الْملك بن ابي بكر الْموصِلِي = الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن البدري 177 الشَّيْخ زين الدّين عبد الؤمن الرهاوي = الشَّيْخ عمر بن حَاتِم العجلوني 178 الشَّيْخ زين الدّين عبد الرحمان الْأنْصَارِيّ = الشَّيْخ عبد الله الزرعي الدِّمَشْقِي 179 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الْمَقْدِسِي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل القباقبي 180 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الأوثادي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد القادري 181 الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الزولعة = الشَّيْخ عماد الدّين اسماعيل بن ابراهيم = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن احْمَد القلقيلي

صفحة مواضيع الْكتاب 182 الشَّيْخ شهَاب الدّين ابو الْعَبَّاس الصلتي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْبُرْهَان 183 الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الْبَقَاء الزبيرِي = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الْأنْصَارِيّ = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد النحال 184 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد التَّمِيمِي = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن رَوْحَة = الشَّيْخ زين الدّين عبد الْكَرِيم القرقشندي = شيخ الاسلام مُحَمَّد بن عَليّ الحصفكي 185 الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ وأخيه القرقشندي = الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابي الوفا الحسنيني 186 نور الدّين عَليّ بن الأيدوني = الرئيس علم الدّين سُلَيْمَان الصَّفَدِي = الشَّيْخ عماد الدّين أَبُو الفدا اسماعيل 187 نادرة وَقعت للشَّيْخ جمال الدّين = الشَّيْخ جمال الدّين ابْن النَّائِب 188 زين الدّين عبد الرَّحِيم بن حسن = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد القرمي = الشَّيْخ زين الدّين أَبُو الْجُود الْأنْصَارِيّ = شيخ الاسلام ابو بكر القرقشندي 190 القَاضِي جمال الدّين التَّمِيمِي

صفحة مواضيع الْكتاب 190 الشَّيْخ نجم الدّين مُحَمَّد بن شهَاب = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين = الشَّيْخ زين الدّين عبد الْقَادِر النواوي 191 الْعدْل تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن الصَّلْت = الشَّيْخ زين الدّين عمر بن عبد الْمُؤمن = الْعدْل تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب = الشَّيْخ أَحْمد جعارة = الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو مساعد = الْعدْل شهَاب الدّين احْمَد الخليلي = السَّيِّد عز الدّين حَمْزَة الدِّمَشْقِي = القَاضِي زين الدّين عمر الْحوَاري = غرس الدّين خَلِيل بن الخليلي 193 الشَّيْخ شمس الدّين أَحْمد الانصاري = الشَّيْخ شهَاب الدّين الأوتاري = الشَّيْخ برهَان الدّين البدري الْحُسَيْنِي 194 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد البسطامي = وَأَخُوهُ الشَّيْخ مُحَمَّد زرع = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد = الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب 195 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن = قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد الرَّمْلِيّ = الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب

صفحة مواضيع الْكتاب 195 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين 196 القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد الجلجولي = القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد الليدي 197 الشَّيْخ يُوسُف الْكرْدِي = الشَّيْخ حسن الْجَزرِي النَّحْوِيّ = الشَّيْخ عُثْمَان الحصني الفرضي = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْكرْدِي 198 الشَّيْخ عَلَاء الدّين ابو مَدين الرَّمْلِيّ = الْعدْل عَلَاء الدّين عَليّ المرداوي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان السَّعْدِيّ = القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم 199 الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن الْمقري = الشَّيْخ ابو الْعَزْم مُحَمَّد الحلاوي = قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابو زرْعَة 200 الشَّيْخ ابو طَاهِر خَلِيل بن مُوسَى 201 زين الدّين عبد الْقَادِر بن قطلوشاه = الْعدْل شمس الدّين مُحَمَّد الحريري = القَاضِي عماد الدّين اسماعيل التركماني = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد النجار 202 الشَّيْخ برهَان الدّين الاسعري = الشَّيْخ برهَان الدّين العجلوني = الشَّيْخ شعْبَان بن سَالم من ساحور

صفحة مواضيع الْكتاب 202 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد السَّعْدِيّ 203 الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر 204 القَاضِي زين الدّين عبد الرَّحِيم الانصاري = الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن غائم = الشَّيْخ تَاج الدّين الْحُسَيْنِي البدري = الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّزَّاق الْمصْرِيّ 205 الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن يُوسُف الْأَزْرَقِيّ = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَزْرَقِيّ = الشَّيْخ عُثْمَان الْخطاب الْمصْرِيّ = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد القميري 206 شيخ الاسلام برهَان الدّين ابراهيم 208 الشَّيْخ غرس الدّين خَلِيل = الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن مُحَمَّد الجعبري 209 الشَّيْخ حميد الدّين مُحَمَّد بن الْمصْرِيّ = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عجور = الْعدْل محب الدّين بن الناصري الترسني 210 الشَّيْخ زين الدّين عبد الْكَرِيم المغربي = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر القلانسي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد القزازي 211 الشَّيْخ كريم الدّين عبد الْكَرِيم البدري = الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله المراكشي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الوفائي

صفحة مواضيع الْكتاب 212 الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن قَاسم الاردبيلي = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن اسماعيل المرزوقي = الشَّيْخ زين الدّين عبد الْقَادِر الجعبري 213 الشَّيْخ زين الدّين عبد الله الجعبري 214 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي هُرَيْرَة = الشَّيْخ شمس الدّين عمر بن الرحمان 215 الشَّيْخ شمس الدّين الجعبري = الشَّيْخ شهَاب الدّين احْمَد بن الْعمريّ 216 شيخ الاسلام بن الامير نَاصِر الدّين مُحَمَّد 217 ذكر فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء = الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْبَلْخِي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي حَفْص عمر 218 الشَّيْخ كَمَال الدّين اسماعيل الشريحي = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن = الشَّيْخ تَقِيّ الدّين خَليفَة الحكم الْعَزِيز = القَاضِي شمس الدّين أَحْمد الحكم الْعَزِيز = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد 219 الشَّيْخ خَلِيل بن مقبل العلقمي = قَاضِي الْقُضَاة خَلِيل بن عِيسَى البايرتي = القَاضِي شمس الدّين بن ابي البركات = قَاضِي الْقُضَاة مُحَمَّد بن الكاشهري = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن السوداني

صفحة مواضيع الْكتاب 219 قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله 220 قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين بن رصاص = القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد = الْعدْل عَلَاء الدّين عَليّ الافتخار = قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين بن الرصاص = قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين أَحْمد الْحُسَيْنِي = الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن النَّقِيب 221 الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن النَّقِيب = الشَّيْخ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن النَّقِيب = الشَّيْخ الزَّاهِد عمر بن عبد الله الْبَلْخِي = قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الديري 223 الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن الصَّامِت = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي بكر = القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السكاكيني 224 شيخ الاسلام شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله = القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن عضبة = قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي الْمَوَاهِب 225 القَاضِي أَمِين الدّين عبد الرَّحْمَن الديري = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن محسن الْهَاشِمِي 226 القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم بن عَليّ = القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن ابي الْعَبَّاس = القَاضِي عماد الدّين بن عبد الْوَهَّاب

صفحة مواضيع الْكتاب 226 الْعدْل نجم الدّين مُحَمَّد بن بقيرة = القَاضِي زين الدّين عمر بن خَلِيل = السَّيِّد بدر الدّين حسن بن حُسَيْن الْحُسَيْنِي 227 الْعدْل برهَان الدّين ابراهيم الكتبي = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن خضر = قَاضِي الْقُضَاة سعد بن مُحَمَّد الديري 228 قَاضِي الْقُضَاة ابو اسحاق ابراهيم = الشَّيْخ سراج الدّين بن مُسَافر الرُّومِي 229 الشَّيْخ شرف الدّين يَعْقُوب بن يُوسُف = القَاضِي زين الدّين عبد اللَّطِيف الديري = وَولده الشَّيْخ شرف الدّين يُونُس = الْعدْل زين الدّين عبد الْقَادِر = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى الْغَزِّي 230 الشَّيْخ ابراهيم بن مُحَمَّد بن السبرتي = الامام شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحَافِظ 231 الشَّيْخ ابو يزِيد العجمي = القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ابي بكر = الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن النَّقِيب = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد العجمي 231 الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم العجمي 232 قَاضِي الْقُضَاة عبد الله الديري 233 الشَّيْخ جمال الدّين الرُّومِي

صفحة مواضيع الْكتاب 233 الْفَقِيه شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد غضية = الشَّيْخ شهَاب الدّين بن احْمَد ابي بكر الْحُسَيْنِي 234 الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن ابي بكر الرصاص = الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد الْمَشْهُور بقراعلي = الشَّيْخ شُجَاع الدّين الياس الرُّومِي 235 الشَّيْخ شهَاب الدّين احْمَد بن عبد اللَّطِيف = الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حبشِي = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن حبشِي 236 الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد مُحَمَّد بن الصَّائِغ = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن جمال الدّين 237 الْفَقِيه عَلَاء الدّين عَليّ الْغَزِّي = القَاضِي زين الدّين مَحْمُود الدويك = الشَّيْخ خير الدّين خضر القرماني 238 قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين سعد الْعَبْسِي 239 قَاضِي القَاضِي خير الدّين مُحَمَّد الْغَزِّي 241 الْعدْل عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود = الشَّيْخ زين الدّين عبد السَّلَام الكركي 243 الشَّيْخ شرف الدّين مُوسَى بن شهَاب = ذكر فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء = الشَّيْخ عمر بن عبد الله المصمودي 244 الشَّيْخ شمس الدّين عبد الرَّحْمَن المغربي

صفحة مواضيع الْكتاب 244 الشَّيْخ مُوسَى المغربي 245 الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مغيث = قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين الْحسن بن الْأَزْرَقِيّ = الشَّيْخ عبد الْوَاحِد بن جبارَة المغربي 246 الشَّيْخ عبد الله بن ابراهيم السكرِي = الشَّيْخ خَليفَة بن مَسْعُود المغربي 247 قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد ابْن عوجان = قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد ابْن عوجان = قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن ابي البركات = قَاضِي الْقُضَاة أَمِين الدّين سَالم الصنهاجي 248 قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد البسطامي = قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين عِيسَى الشحيني 249 القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم ابْن ابي الوفا = القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن احْمَد بن شَدَّاد = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ المغربي 250 القَاضِي جمال الدّين يُوسُف المارديني = قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد المغراوي = الْعدْل شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد المغربي = قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين عَليّ بن ابراهيم 251 قَاضِي الْقُضَاة حميد الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْنِي = قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ الْهَاشِمِي 252 السَّيِّد شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي

صفحة مواضيع الْكتاب 252 الْعدْل شمس الدّين مُحَمَّد بن المصطاوي 253 الشَّيْخ شمس الدّين بن مُحَمَّد خَليفَة = الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد المغربي = قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين يحيى الانصاري 254 السَّيِّد شرف الدّين عِيسَى بن عمر الْحُسَيْنِي = القَاضِي شمس الدّين بن مارب 255 قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأَزْرَق 256 شيخ شرف الدّين يحيى الآندلسي = ذكر فُقَهَاء الْحَنَابِلَة من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء = القَاضِي مُحي الدّين بن الزنكي 257 الْفَقِيه تَقِيّ الدّين يُوسُف = الشَّيْخ نجم الدّين أَحْمد 258 الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن ابي عبد الله 259 الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن = الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الْمدرس = الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن وَأَوْلَاده وَغَيرهم 260 القَاضِي فَخر الدّين عُثْمَان بن الْعَبَّاس = الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحْمَن القياتي 261 قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين الْبَغْدَادِيّ 262 الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الشحام = قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد التعليمي 266 سلسلة النّسَب الْعمريّ

صفحة مواضيع الْكتاب 266 مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْعمريّ 267 قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين الْجَعْفَرِي 269 ذكر مَا تيسير من أَسمَاء النظار والنيابة = الشَّيْخ مُوسَى بن غَانِم الانصاري = الْأَمِير عز الدّين جروبك = الْأَمِير علم الدّين قَيْصر = الْأَمِير سنقر الْكَبِير صَاحب الْقُدس 270 الْأَمِير الأسفهلار ابو عَمْرو الزنجيلي = الْأَمِير حسام الدّين عُثْمَان المعظمي = الْأَمِير رشيد الدّين فرج المعظمي = الْأَمِير عَلَاء الدّين الْأَعْمَى 271 القَاضِي شرف الدّين عبد الرَّحْمَن = الْملك الأوحد نجم الدّين يُوسُف = الْأَمِير ركن الدّين منكورس الجاشنكير = الْأَمِير نَاصِر الدّين مشد الْأَوْقَاف = الأميرعلم الدّين سنجر الجاولي 272 الْأَمِير أَبُو الْقَاسِم بن عُثْمَان البصروي = الْأَمِير تمراز نَاظر الْحَرَمَيْنِ 273 الْأَمِير بدر الدّين حسن العسكري = الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بهادر 273 الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن حسن = الْأَمِير بلوي الظَّاهِرِيّ نَاظر الْحَرَمَيْنِ

صفحة مواضيع الْكتاب 23 الْأَمِير جانتمر الركني الظَّاهِرِيّ = الامير شهَاب الدّين احْمَد اليغموري = الْأَمِير اصفهان بلاط 274 الامير زين الدّين عمر الْمَشْهُور بِابْن الْمعلم = مِمَّن ولي بعده الْأَمِير عَلَاء الدّين الشاهين = الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ نَائِب الصبيبية = الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد الْعَطَّار = الْأَمِير شاهين الشجاعي = الْأَمِير شرف الدّين يحيى شلوه الْغَزِّي = الْأَمِير كماس الجلباني 275 الْأَمِير حسن فجا نَائِب السلطنة = الْأَمِير حسام الدّين الكشكلي = الْأَمِير طوغان العثماني 276 القَاضِي غرس الدّين خَلِيل = الْأَمِير خشقدم نَائِب السلطنة = وومن ولي الْقُدس جمَاعَة كَثِيرَة 277 الامير تمراز المصارع = الامير مبارك شاه = القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن الصّلاح 278 الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد النابلسي = الْأَمِير فَارس العثماني = الْأَمِير اسبنغا الكلفكي

صفحة مواضيع الْكتاب 279 الامير قانصوه = الْأَمِير اياس الْحلَبِي = الْأَمِير ابو بكر الْمَشْهُور بمزة 280 الامير تغري بردي وَالِي قطيا = الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْهمام 280 الامير حسن بن ططر الظَّاهِرِيّ 281 بدر الدّين حسن بن حشيم = شهَاب الدّين احْمَد بن الْعلم = القَاضِي نَاصِر الدّين صرر العلمي 282 ذكر تَرْجَمَة سيف الدّين قايتباي 284 قَاضِي الْقُضَاة غرس الدّين خَلِيل = عمَارَة الْعين الْوَاصِلَة من العروب = تعمير مدرسة الظَّاهِر خشقدم = عزل الْأَمِير حسن من النّظر = تعْيين الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري 285 احتباس الْمَطَر سنة 873 = فتْنَة بردبك التاجي ودمرداش = أَقْدَام جمال الدّين مَعَ جمَاعَة = الْخلَل فِي نظام الوقفين الْقُدس والخليل 268 تعْيين القَاضِي كَمَال الدّين فِي الْقَضَاء = إتْمَام عمَارَة الْمدرسَة بيد بردبك التاجي = وَفَاة القَاضِي شمس الدّين المغراوي

صفحة مواضيع الْكتاب 268 وُقُوع الوباء بالطاعون فِي المملكة = سفر الْأَمِير بردبك الى الديار المصرية = وُرُود الْأَمِير نَاصِر الدّين لكشف الاوقاف = اسْتِقْرَار القَاضِي حميد الدّين فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة = الْأَمِير سيف الدّين الجمالي الْمَشْهُور بِابْن فطيس = اسْتِقْرَار القَاضِي برهَان الدّين فِي الْقَضَاء = اسْتِقْرَار الْأَمِير نَاصِر الدّين النشاشيبي 288 وُرُود مرسوم بعزل القَاضِي جمال الدّين = وَاقعَة الشَّيْخ ابي الْعَبَّاس فِي رَمَضَان 290 دُخُول القَاضِي نور الدّين البدرشي = الانعام على الشَّيْخ الكمالي 291 سفر شيخ الاسلام من الْقَاهِرَة الى الْقُدس = دُخُول الامير يُوسُف الجمالي الْقُدس = ظُهُور نجم فِي السَّمَاء لَهُ ذَنْب مستطيل = حُضُور القَاضِي برهَان الدّين الى الْقُدس 292 وفاءة شهَاب الدّين احْمَد = مُبَاشرَة الشَّيْخ شهَاب الدّين الشنتيري = عمَارَة الدرجَة فِي الْقُدس = حُضُور الشَّيْخ شهَاب الدّين من الْقَاهِرَة = الْقَبْض على شهسوار على يَد الدوادار 293 توجه الْقُضَاة الْأَرْبَعَة الى الرملة = دُخُول يشبك وَمَعَهُ شهسوار الى الرملة 293 اسْتِقْرَار الامير دقماق فِي نِيَابَة الْقُدس = اسْتِقْرَار الامير جقمق نَائِب دمياط 294 هطول الامطار وَالْبرد وَهدم اماكن كَثِيرَة

صفحة مواضيع الْكتاب 294 تعْيين الاوقاف لمدينة غَزَّة للصوفية 295 وُرُود مرسوم بِطَلَب القَاضِي ابْن عتبَة = اسْتِقْرَار الشَّيْخ سعد الله الْحَنَفِيّ فِي الْقُدس 296 خُرُوج الْوَظَائِف عَن الْحرم = اسْتِقْرَار شيخ الاسلام بن جمَاعَة = اسْتِقْرَار القَاضِي جمال الدّين فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة = مرسوم بِتَعْيِين شهَاب الدّين فِي الْقَضَاء = شكوى القَاضِي غرس الدّين الْكِنَانِي 297 اسْتِمْرَار القَاضِي الشَّافِعِي = دُخُول القَاضِي جمال الدّين الديري 298 وَفَاة شمس الدّين مُحَمَّد قطيبا = وُصُول الْخَطِيب محب الدّين بخلعة السُّلْطَان = اسْتِقْرَار القَاضِي خير الدّين بن جمَاعَة 298 اسْتِقْرَار القَاضِي خير الدّين فِي الْقَضَاء = وَاقعَة بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام = وُقُوع الْفِتْنَة بَين الدارية والاكراد 299 سفر الامير عَليّ باي الخاصكي = توجه الْأَمِير جقمق الى بلد الْخَلِيل (ع) = ضرب الشَّيْخ زين الدّين بن قطلوشاه 300 توجه اهالي الْخَلِيل الى حَضْرَة السُّلْطَان = وَاقعَة الْكَنِيسَة بالقدس الشريف 301 عقد مجْلِس بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية = عناد الْكفَّار بِأَمْر القَاضِي فِي الحكم 302 غلق الْكَنِيسَة ومنعهم من دُخُولهَا

صفحة مواضيع الْكتاب 302 بروز مرسوم السُّلْطَان بِأَمْر الْعلمَاء 303 وَفَاة الشَّيْخ زين الدّين شيخ الصلاحية = مرسوم سلطاني فِي الصَّدقَات 304 تعمير سوق الطباخين وَبِنَاء القناطر = مرسوم بِتَعْيِين شمس الدّين الديري 305 وَفَاة الْأَمِير خير بيك الظَّاهِرِيّ = وُرُود مرسوم الى نَاصِر الدّين النشاشيبي = عقد مجْلِس للْعُلَمَاء بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 306 كِتَابَة محْضر وانتضار الْجَواب 307 ذكر هدم الْكَنِيسَة 308 طلب القَاضِي ابْن عبِّيَّة من الْقَاهِرَة 309 عقد مجْلِس بِمَجْلِس الامير يشبك 309 اسْتِخْلَاف القَاضِي ابْن عبِّيَّة فِي الحكم 310 اعادة القَاضِي كَمَال الدّين الى الْقُدس = حُضُور الخاصكي نَائِب غَزَّة 311 دُخُول القَاضِي فَخر الدّين الى الْقُدس = قدوم القَاضِي غرس الدّين الْكِنَانِي الى الْقُدس 311 اسْتِقْرَار القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد فِي قَضَاء الْقُدس = دُخُول القَاضِي عَلَاء الدّين بن المزوار مُتَوَلِّيًا 312 حُصُول المحنة بالأعادة = رُجُوع القَاضِي شهَاب الدّين بن جبيلات 313 رُؤْيا اسماعيل الْبَنَّا النَّبِي (ص) حول الْبناء

صفحة مواضيع الْكتاب 314 قدوم السُّلْطَان الى بَيت الْمُقَدّس من الْقَاهِرَة = رفع الْحِسْبَة بِمَدِينَة الْخَلِيل (ع) 315 توجه السُّلْطَان فِي مَدِينَة الْخَلِيل = جُلُوس السُّلْطَان بقبة مُوسَى بَاب السلسلة = بشكوى النَّاس من الْأَمِير جَار قطلبي = فرَاغ السُّلْطَان من فصل الحكومات 316 جُلُوس السُّلْطَان مَعَ الْأَمِير لزبك الْكَبِير = خُرُوج السُّلْطَان الى مخيمه بِظَاهِر الْقُدس = وُصُول السُّلْطَان للرملة وَوُقُوع الْمَطَر 317 الْقَبْض على اللص الَّذِي دخل على السُّلْطَان = فِيمَن سبّ سيدنَا عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ = القاء الْقَبْض على الافرنج المقيمين = لبس الخلعة لجمال الدّين يُوسُف 318 دُخُول الوباء بالطاعون حَتَّى عَم الْجَمِيع = وُصُول الْأَمِير الخاصكي الى الْقُدس = سفر السُّلْطَان الى المملكة الشامية 319 وُصُول السُّلْطَان الى حلب 319 اسْتِقْرَار الْخَطِيب ابو الحزم فِي الخطابة = اسْتِقْرَار الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله 320 عزل القَاضِي كَمَال الدّين النابلسي = وَفَاة الْأَمِير غرس الدّين = توجه المباشرين من الْقَاهِرَة للقدس = طلب الامير نَاصِر الدّين من قبل السُّلْطَان

صفحة مواضيع الْكتاب 321 وَفَاة الْأَمِير جاني بك أَمِير سلَاح = بروز الْأَمر الى القَاضِي ابْن اسيل = حُضُور قَاصد من السُّلْطَان بِطَلَب المباشرين = وَفَاة المستنجد بِاللَّه يُوسُف العباسي = تَجْدِيد عمل الرصاص لظَاهِر الْجَامِع 322 اسْتِقْرَار الامير سنطباي النحاسي = توجه القَاضِي فتح الدّين ابْن الاسيل للحجاز = توجه الْملك قايتباي الى بَيت الله الْحَرَام = قدوم السُّلْطَان من الْحجاز 323 دُخُول الامير نَاصِر الدّين النشاشيبي = حُصُول فتْنَة وَقتل من الْعَرَب = حُضُور الامير نَاصِر الدّين من حلب = اسْتِقْرَار القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد الْجَعْفَرِي 324 قتل الامير يشبك الدوادار = الْقَبْض على جمَاعَة من بني زيد 325 بِنَاء الْمدرسَة الاشرفية = اسْتِقْرَار الامير شهَاب الدّين احْمَد فِي النِّيَابَة 326 دُخُول قَاضِي الْقُضَاة مُحي الدّين الْقُدس = تسفير السُّلْطَان جمَاعَة من الْقَاهِرَة الى الْقُدس = وُصُول قَاصد من سُلْطَان الْحَبَشَة الى الْقُدس 326 دُخُول السُّلْطَان جم ملك الرّوم = وُصُول نَائِب غَزَّة برسباي لكبس الْعَرَب 327 توجه الْخَطِيب محب الدّين للحصول على المشيخة = رُجُوع الامير قانصوه اليحياوي من الْعَجم = قيام مشائخ الْفُقَرَاء بمساعدة نَائِب الْقُدس = اتمام عمَارَة الْمدرسَة الاشرفية بِالْمَسْجِدِ

صفحة مواضيع الْكتاب 328 صفة الْمدرسَة وَأمر السُّلْطَان بهدمها 329 محَاسِن الْمدرسَة وَمحل بناءها 330 اسْتِقْرَار الامير جانم الاشرفي 330 توجه قَاضِي الْقُضَاة الى الْقَاهِرَة = صُدُور مرسوم بعمارة قناة العروب 331 اسْتِقْرَار القَاضِي بدر الدّين حسن = دُخُول الامير جانم نَائِب الْمَدِينَة بخلعة = خلعة الامير قانصوه على المعلمين = قدوم شيخ الاسلام الى الْقُدس من الْقَاهِرَة 332 وَفَاة امين الدّين مُحَمَّد الْحلَبِي = الْفِتْنَة بَين الْملك قايتباي وَالسُّلْطَان 333 وَفَاة الشَّيْخ سعدالله امام الصَّخْرَة = توجه القَاضِي شرف الدّين الى الديار المصرية = اقامة نظام الْمدرسَة الاشرفية = تعْيين لمدرسة السُّلْطَان الكمالي 334 الانعام بِلبْس الْخلْع من الابواب الشَّرِيفَة = جُلُوس شيخ الاسلام وَجَمَاعَة من الْقُضَاة = تغريم بدر الدّين الحمامي = المكاتبات الْوَارِدَة فِي حق عبد الباسط 335 وَفَاة الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله = دُخُول الامير ماماي الخاصكي بالقدس 336 وُصُول الامير اقبردي من الْقَاهِرَة = حُضُور الشَّيْخ مُحَمَّد الْغَزِّي للزيارة = اسْتِقْرَار الامير خضر بك فِي النِّيَابَة 337 وُقُوع الجدب واحتباس الْمَطَر = تعمير المقعد الملاصق لايوان الحكم = افشاء الغلاء فِي جَمِيع المملكة 338 اخمادالفتنة فسبحان نَاقض العزائم 338 الْكَشْف على الْأَوْقَاف وتحريريها 339 الافراج عَن الامير قانصوه 339 وَاقعَة خضر بك نَائِب الْقُدس = مَا وَقع للْقَاضِي يحيى المغربي = وُصُول المطالعة وكتم امرها 341 مَا كتب للسُّلْطَان من الْكَشْف

صفحة مَوَاضِع الْكتاب 339 صُدُور الْأَمر الى اقباي نَائِب غَزَّة 342 اسْتِقْرَار الْأَمِير دقماق فِي نظر الْحَرَمَيْنِ = قطع السماط عَن سيدنَا الْخَلِيل = خلعة السُّلْطَان للْقَاضِي = استلام الخزينة من القَاضِي 343 تجهيز فَخر الدّين بِالرِّجَالِ = حُصُول الرخَاء والاقوات = اسْتِقْرَار جلال الدّين بوظيفة المشيخة 344 تزايد ظلم دقماق واطماعه 344 اسْتِقْرَار القَاضِي مُحَمَّد الرَّحبِي 345 وَفَاة القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد 345 الْقَبْض على بني اسماعيل = احداث النَّصَارَى كَنِيسَة ظَاهر الْقُدس 346 تَجْدِيد بيعَة السُّلْطَان بعد خلع نَفسه = استلام القَاضِي شمس الدّين ولَايَة الْقَضَاء = تَجْدِيد الْمظْلمَة على الفلاحين بجبل الْقُدس 347 وُرُود مرسوم فِي دفن الْمَوْتَى 348 توجه القَاضِي شمس الدّين الى محلّة بغزة = قحط الْمَطَر بَيت الْمُقَدّس وانزعاج النَّاس = مقاتلة بايزيد ملك الرّوم = تَحْرِير مجْلِس بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية 349 وَاقعَة قبر دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام والقبة المحدثة = اقامة الشعائر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 350 هدم الْقبَّة الَّتِي احدثها النَّصَارَى 351 تَحْرِير القبو الَّذِي على قبَّة دَاوُود (ع) 352 التهليل وَالتَّكْبِير وَفَرح الْمُسلمين بالنصر = وُرُود الاخبار مَعَ جمَاعَة من مَدِينَة الرملة = مَا كتب محْضر لما وَقع فِي هدم الْقبَّة 354 وُرُود جمَاعَة الى الْقَاهِرَة وتضمينهم 355 اسْتِقْرَار القَاضِي شهَاب الدّين احْمَد بِالْقضَاءِ

صفحة مواضيع الْكتاب 355 وُرُود الامير اقبردي للقدس 356 مرسوم بِطَلَب القَاضِي بدر الدّين الحمامي 357 مَجِيء الامير الدوادرا لبيع الزَّيْت = ظلم الرّعية والمحنة والهتك 358 القاء الزَّيْت على بلد الْخَلِيل = اسْتِقْرَار الامير خضر بك فِي نظر الْحَرَمَيْنِ = اخراج مَدِينَة الرملة عَن نَائِب الشَّام 359 اخماد الْفِتْنَة بَين السُّلْطَان وَملك الرّوم 360 دُخُول القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد الى الْقُدس = توجه شيخ الاسلام الكمالي الى الْقَاهِرَة = دُخُول الوباء بالطاعون فِي الْقُدس 361 وَفَاة الْأَمِير خضر بك نَاظر الْحَرَمَيْنِ = اسْتِمْرَار الوباء وقوته وافناء الاطفال = الشَّيْخ يُوسُف السُّلَيْمَانِي وجماعته 363 ارْتِفَاع الوباء من الْقُدس بعد اربعة أشهر = اسْتِقْرَار القَاضِي عز الدّين فِي الْقَضَاء 368 هطول الثَّلج حَتَّى جمد المَاء = توجه الامير جَان بلاط الى الْقَاهِرَة 377 كَثْرَة الْفِتَن والحروب وَالْخلف بَين الْحُكَّام = انْتِهَاء الْحَوَادِث بالقدس آخر سنة 900 = تَرْجَمَة الكمالي ابْن ابي شرِيف 379 وُقُوع حَادِثَة اخوابي الْعَبَّاس = سفر شيخ الاسلام والقضاة الى الْقَاهِرَة 380 وَفَاة الامير نَاصِر الدّين مُحَمَّد = تَجْدِيد الْمدرسَة الاشرفية الْقَدِيمَة 381 وُصُول مرسوم على الخانقاه الصلاحية 382 انْتِهَاء كَلَام الْمُؤلف من اخبار بَيت الْمُقَدّس 383 صُورَة الِانْتِهَاء من الطَّبْع سنة 1283 هـ {تمّ الفهرست بعونه تَعَالَى}

§1/1