الأنساب للصحاري

الصحاري

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على سوابغ نعمه وإجلاله، وشرائع قسمه وأفضاله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، قال بعض أهل هذا العصر هذا الكتاب يشتمل على ذكر شئ من مبتدأ الخلق والملائكة عليهم السلام. وشئ من أخبار أبليس. .لعنة الله. وسكان الأرض وعُمَّارها قبل أن يَخلق الله آدم عليه السلام، وقصة آدم صلوات الله عليه، وما كان من شأنه، وأمر ولده من بعده. وتسميتهم، إلى ذكر نوح عليه السلام، وولده من بعده، وولد ولده حين بعث الله إلى قومه، وأمر الطوفان، وذكر وَلد نوح عليه السلام من بعد ذلك، حين قَسَّم بين أولاده الثلاثة: سام: وحام، ويافث، ونزول كلّ قوم منهم في أي أرض وبلاد، وما كان من الأحداث التي كانت بعد نوح وقبل إبراهيم صلوات الله عليهما، وما كان من بعدهم من حديث قوم عاد، وما كان من أمرهم حين أهلكهم الله بمعصيتهم، وثبوت الملك من بعدهم لقحطان بن هود، وولده من بعده. وذكر إبراهيم الخليل. صلوات الله عليه. وولده وتسميتهم. ثم أتبعتُ بعد ذلك أسماء الشعوب والقبائل والأفخاذ والبطون والفصائل: وذكر الشجرتين من القحطانية والعدنانية، واف كل قبيلة إلى بني أبيهم وجعلتُ ذلك كتاباً جامعاً لأنساب العرب، ومقتصراً على عمائرها ومشهور بطونها. وذكرتُ فيه شيئا من الأخبار، وشواهد من الاشعار، ونظمت خبر كل قوم عند ذكر أنسابهم ليكون أوضح دلالة وأسهل طلبة لقارئه والناظر فيه. وكان غرضي في جميع ما اقتصصت الإيجاز والاختصار، ولو قصدت الاستقصاء لطال الكتاب، ولاختلط الخفي بالجلي فمجَّتُّه الآذان وملَّته النفوس. وقد نظمت نسب كُل شريف. ومذكور وبليغ، وخطيب، وشاعر من القبائل، إلى أن ألحقته بالفخذ الذي هو منه خرج، وأوضحت نسبه إلى الموضع الذي لا يجهله أحد منَّ شيئاً من العلم والأدب. دفعني إلى أن ألَّفت هذا الكتاب لأني رأيت كُتُب الأنساب أكثر معونة وفائدة لطالب الأدب والعلم والفقه من غيرها، لأن طالب العلم والحديث إذا لم يكن يدري علم النسب وسمع حديثاً قد صُحِّف فيه أسم أحد على غير جهته، أو نقل من قبيلة إلى غيرها، جاز ذلك عليه. وإذا كان بالأنساب عالماً، وبالأخبار عارفاً أنكر ذلك ورده إلى نسبه وأسمه، وأتى بالصواب في موضعه وحقيقة أصله. وأيضاً فإني " ومن ذمي الأحساب من لا يعرف سلفه. ورأيت من رغب عن نشب دق، وانتمى إلى رجل لم يعقب، كما حكي أبو محمد عبد الله ابن مسلم بن قتيبة الباهلي أنه رأى رجلا ينسب نفسه إلى أبي ذر رحمه الله رأيت من الأشراف من يجهل نسبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والبلاء موكل بالمنطق عن عبد الله بن معاذ نرفعه إلى هنيد التميمي قال: إني لواقف بسوق عُكاظ. وهي أصل أسواق العرب في الجاهلية - وتكون في أعلا نجد قريباً من عرفات. وكانت من أعظم أسواق العرب، وكانت قريش تنزلها وهوازن وغطفان. وأسلم والأحابيش، وهم الحارث بن عبد مناة وعقيل، والمصطلق وطوائف من أفناء العرب، وكانوا ينزلونها في النصف من ذي القعدة، فلا يبرحون حتى يَرَوا هِلال ذي الحجة، ثم ينقشعون. وكان فيها أشياءُ ليست في شئ من لأسواق العرب، فإذا أهلوا وانقشعوا ساروا بأجمعهم إلى ذي المجاز وهي قريب من عكاظ فأقاموا بها حتى يوم التروية، ووافاهم بمكة حُجّاجُ العرب ورءوسهم ممن لم يكن شهد تلك الأسواق وأسواق العرب في الجاهلية عشرة: فأولها سوق دُّومة ثم المشتقر بهجر. ثم صخار، ثم دَبَا. وكانت إحدى فُرضتي العرب. ثم الشِّحر شِحر مهرة، ثم عَدن، ثم الرابية بَحَضَر موت، ثم عكاظ، ثم ذو المجاز.

قال عبد الله بن معاذ نرفعه إلى التيمي قال لواقف بسوق عُكاظ إذا برجل من ضمرة منزله صُحار عًمان يسمي الصُّحاري، والناي تتساوه من كل جانب، يركب بعضهم بعضا ويسألونه عن أنسابهم، وهو يُفسر لهم - وكان من أعلم الناس. فمر به وهو على تلك الحال فسأل عن حاله، فأخبر به فقال: شاسع من ضمرة ومنزله صُحار، فأستفيد منه علما. فأبصر الصُّحاري فأعجبه شارته فقال: ممن أيها الرجل؟ قال له: فإنك لا تعرفني. قال: إن كنت من العرب أو من أشرافهم عرفتك قال: فإني من العرب: قال الصُّحّاري: من أيّهم أنت؟ قال عُطارد: من مُضر. قال: لأغمرن اليوم المضري: ثم قال الصُّحاري: أمِن الأرجاء أنت ام من الفرسان؟ قال عُطارد: فعرفت أن الفرسان قيس وأن الأرجاء ولد إلياس قال قلت: من الأرجاء. قال: فأنت إذا من ولد خندف. قال قلت: أجل. قال: فمن الأرمة أم من الجماجم؟ قال فتحيرت طويلا ما أكلمه ثم أدركني ذهني فعرفت: أن الأرمة ولد خُزيمة وهم قيس. وأن الجماجم ولد أدّ. قال قلت: أجل. قال: فمن الروابي أم من الصميم؟ قال: فوجمت ساعة. أي سكت. ثم عرفت: أن الروابي الرباب، وأن الصميم تميم. قال فقلت: لابل من الصميم. قال: فأنت من بني تميم. فقلت: أجل. قال: فمن الأقلين أم من الأكثرين، أم من إخوانهم الآخرين ولد عمرو بن تميم؟ فقلت: لا بل من الأكثرين. قال: أنت إذا من ولد يزيد. فقلت: أجل. قال: فمن الذُّرى: أم من الثمال، أم من النجود؟ قال: فعرفت أن الذرى مالك، وأن البُّجُود سعد، وأن الثمال امرؤ القيس. فقلت من الذُّرى. قال: فأنت إذا من ولد مالك. قلت: أجل. قال فمن الأنف أم من الذنب؟ فعرفت: أن الأنف حنظلة. وأن الذنب ولد ربيعة. فقلت: من الأنف. قال: فأنت إذا من ولد حنظلة. قلت: أجل. قال: فمن الوسط ام من الفرسان ام من البروج فعرفت ان الوسيط البراحم، وان الفرسان يربوع، وأن البروج مالك بن حنظلة. فقلت: لا بل من البروج. قال: فأنت إذاً من ولد مالك. فقلت: أجل. فقال: من السحاب، أم من النجوم، أم من البدور؟ فعرفت: أن السحاب بنو بني عدوية، وأن النجوم بنو بني طهية، وأن البدور بنو بني دارم. فقلت: لابل من البدور. فقال: فأنت إذاً من بني دارم. فقلت: أجل. فقال: أنت من الهضاب: أم من الناب، أم من الشهاب؟ فعرفت: أن الهضاب بنو مجاشع، وأن الناب بنو عبد الله بن دارم. وأن الشهاب بنو نهشل: فقلت: لا بل من الناب قال: فأنت إذاً من ولد عبد الله بن دارم: قلت أجل. قال: فمن الزوافر، أم من النبيت؟ فنظرت: فأذا الزوافر الأحلاف، واذا النبيت زرارة. فقلت: لا بل من النّبيت: فقال: أنت إذاً من ولد زرارة بن عدس. فقلت: أجل أنا منهم. قال: أيهم أنت؟ فقلت: عطارد بن حاجب بن زرارة. قال: زعمت يا تميمي أني لا أحسن نسبا ": فقلت: ما رأيت أحدا " قط أعلم منك، قال: أنا لم أر قط أحدا أعلم منك. وقد حث أهل الأدب والفهم وذوو المروءة والعلم على تعليم النسب والمعرفة: ليحفظوا بذلك أنسابهم. ويصلوا أرحامهم، ويأتوا ما أمروا به. وينتهوا عما نهوا عنه من سوء الفعال وتجنب الأرذال والجهال. فقد كانت العرب تحفظ أنسابها كحفظها أزواجها ما لم تتحفظه أمة من الأمم حتى أن الرجل منهم ليعلم ولده نسبه كتعليمه بعض منافعه، وهو فعلهم من قديم الدهر: لئلا يدخل الرجل منهم في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير قبيلته، ولا ينتمي إلى غير عشيرته، حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم، ولا يرى ذلك في غيرهم من الأمم. حتى ان الرجل من غيرهم من الأمم يسأل عما وراء أبيه دنيا فيبقى خجلا فيما لا يعرفه ولا ينسبه. ولست بواجد ذلك في أحد من العرب الامن استنبط ومازح الأزذال وجهلة الناس، ولأم فعله وساءت خليقته، وجهل ما يأتيه وما يتقيه. وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده على تعليم النسب ومعرفة أنساب العرب: ليصلوا بذلك ما أمر الله به أن يوصل، ويتقوا ما نهى الله عنه. وقد تقدم من ذكر ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم ما يغنى عن تكريره واعادته، وقد أخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال شعرا: ألا أيها الناس الذي العلم شأنهم ... ويغنيهم في أن يفكوا صعابها عليكم بأنساب القبائل كلها ... معد وقحطان الكريم نصابها

" ذكر مبتدأ الخلق "

لقول رسول الله صلوا جميعكم ... عليه لتلقوا في الجنان ثوابها فان بها ايصال ما الله آمر ... بايصاله فاسعوا وروموا طلابها ومثل قول الآخر: يا طلباً لفنون العلم مجتهداً ... أقصد هديت إلى رشد وايمان ان كنت ذا فطن فيما تحاوله ... من السمو إلى أعلى ذرى الشان فكن لقول رسول الله متبعا ... ترق العلا وتباهي كل انسان تعلموا نسب الأقوام ان به ... صلات أرحامكم فزتم برضوان فأول ما أبتديء بذكره في هذا الكتاب ذكر شيء من مبتدأ الخلق والملائكة عليهم السلام، وغير ذلك مما بدأت بذكره في هذا الكتاب، مع قصة آدم وولده إلى ذكر نوح عليه السلام، وأمر ولده، وما كان من شأنهم ثم أتبعت ذلك بذكر أنساب العرب والقبائل، وما حشوتها من الأخبار وشواهد الأشعار، والى الله من كل ذنب أتوب، واياه أسأل الغفران للذنوب، وأعوذ به من الحمية والعصبية وأخلاق الجاهلية، وهو المرفق لما يحبه ويرضاه. " ذكر مبتدأ الخلق " قال محمد بن أسحاق باسناده عن ابن عباس قال: لما أراد الله تبارك وتعالى أن يخلق سماء " وأرضا " خلق الله الريح فسلطها على الماء، فضربته موجا وزبدا " ودخانا. فقال للزبد: اجمد فلما جمد جعله أرضا، قال وللموج: اجمد. فلما جمد جعله جبالا. وقال للدخان: اجمد. فلما جمد جعله سماء ". روى الأموي باسناده عن مجاهد: أن موضع البيت كان زبدة بيضاء على وجه الماء قبل أن يخلق الله السماء والأرض بألفي عام. وروى عمرو بن دينار: وعطاء أنهما قالا: كانت الأرض ماء، فبعث الله الريح فصفقت الماء فابرزت في موضع البيت عن حشفة بيضاء أو سوداء كأنها القَّبة، فمدت الأرض من تحتها؟ فلذلك هي أم القرى، ثم وتَّدها بالجبال لئلا تتكفئ. وروى ابن إسحاق، عن بُشَيْر، عن الضحاك أنه قال: خلق الله عز وجل السموات في يومين، والأوقات في يومين، فذلك قوله:) وهو اّلذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأّرضَ في سِتَّةِ أَيَّامِ ثَمّ أَسْتَوَى عَلَى العّرْشِ (. عن صالح بن محمد الترمذي قال: حدثنا محمد بن مروان، عن مجاهد قال: خلق الله تبارك وتعالى السموات ِ والأرضَ في ستة أيام من أيام الآخرة، طول كل يوم منها كألف سنى من أيام الدنيا لا يمَسّه فيها لغوب. واللغوب الإعياء. وعن الحسن قال: خلق الله السموات والأرض في ستة أيام من أيام الدنيا: ابتدأ الخلق يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خلق التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد: وخلق فيها الشجر يوم الأثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق الأنعام وما شاء من خلقه يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، ونفخ في آدم الروح وسوّى خلقه وجمعه يوم الجمعة. فسميت الجمعة. وعن ابن اسحاق قال: كان أول ما خلق الله تبارك وتعالى النورَ والظَّلمة. ثم مَيَّزَ بينها فجعل الظلمة لَيْلاً أسْوَد مظلما وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا وبإسنادٍ من عبد الله بن سلام أنه قال: إن الله بدأ الخلق يوم الأحد: فخلق الأرضين في الأحد والأثنين. وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس والجمعة. وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة. وبإسناد عن ابن عباس وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: خلق الله تبارك وتعالى سبع أرضين في يومين في الأحد والأثنين، وجعل لها رواسي أن تَمِيد بِكُم، وخلق الجبال وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يوم الثلاثاء واربعاء: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فجعلها سماء واحدة، ثم فَتَقَها فجعلها سبع سموات في يومين، الخميس والجمعة ففي قول هؤلاء خلقت الأرض قبل السماء.

" ذكر شيء من أخبار الملائكة "

وقال آخرون: خلق الله تبارك وتعالى الأرض قبل السماء بأقواتها من غير أن يَدْحُوَها، ثم أستوى إلى السماء فسَوَّاهن سبع سموات ثم دحا الأرضَ بعد ذلك، وهذا قوله عز وجل) والأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أخْرَجَ مِنَها مَاءَهَا ومَرْعَاهَا والجِبَالَ أرْسَاهَا (قالوا يعني أنه خلق السموات والأرض. فلما فرغ من السماء قبل أن يخلق الأقوات بث أقوات الأرض فيها بعد خلق السموات، وأرسى الجبال، يعني بذلك دَحْوَها. هكذا وجدتُ في بعض الكتب والله أعلم. وقالت اليهود والنصارى: بل ابتدأ الله الخلق يوم الأثنين، وكان الفراغ يوم الأحد. محمد بن مروان قال: حدثني أشْعَث، عن سِوَار، عن الحسن قال: خلق الله سبع سموات طِبَاٌاً. بعضهن فوق بعض. كل سماء مطبقة على الأخرى مثل القبة، والسماء الدنيا على الأرض مثل القبة ملتزق منها أطرافها. وهو موج مكفوف. وأجرى النارَ على الماء فبخر الماء فجعل الموج منه، وخلق السموات منه. قال ابن عباس السماء موج مكفوف ودونها حجاب - وخلق نار السموم بين السماء الدنيا وبين الحجاب والشمس والقمر والنجوم في ذلك الموج يدور به الفلك وخلق الملائكة من نور النار ثم جعلهم عُمَّار السماء: في كل سماء ملائكة، وما فيها موضع إلا وفيه مَلْكُّ ساجد أو قائم أو راكع. وجعل الجن سكان الأرض، وهم بنو الجان. خلقه من نار. قال الله في كتابه) وَخَلَقَ الجَانَّ مِنْ مَارِجِ مِنْ نَّار (يعني كان لجهنم سَمْوم وكان لسمومها نار، وهي نار ليس لها دخان بين السماء الدنيا والحجاب، منها تكون الصواعق. فإذا أراد الله أن يحدث في خلقه ما يشاء خَرَقَ ذلك الحجاب فهَوَتْ إلى الأرض إلى حيث أمرَّ الله. والهدهْ التي يسمعها الناس من خرق الحجاب، وهي كلَّة رقيقه لا ترى الشمس إلا من ورائها. فذلك قوله تعالى) والجانْ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُوم (تعني من قبل آدم والجان هو أبو الجن. " ذكر شيء من أخبار الملائكة " سُمَّيَت الملائكةُ ملائكةً لتبليغها رسائل الله تعالى إلى أنبيائه صلوات الله عليهم، أخْذاً من الألُوكَهَ وهي الرسالة، ويقال لهم الملائك بغير هاء. وقال حسان بن ثابت: بأيدي رجاب هَاجَرُوا نحوَ رَبِّهم ... وأنصارِه أيضا وأيْدِي الملائِك وفيهم لغاتً في تَسْمِيتهم، يقال مَلك. بسكون اللام. وملك بتحريكها وفتحها ومَلأك بسكون اللام وبالهمزة. وقيل إن الله تَبَارَك وتعالى خَلَقَ الملائكة من الرِّيح، وقال الحسن: خلقهم من نُور، وخلق الجانَّ مِن نار. والملائكة الذين يحضرون لقبض أرواح الكفار يتصورون في أقبح صورة، وكذلك صورة منكر ونكير. وقد جاء في الخبر: أن من الملائِكة. مَنْ هو في صورة الرِّجال، ومنهم من هو في صورة الثِّيَران، ومنهم من هو في صورة السنّور، ويدل على ذلك تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين لأَمَيَّةَ بن أبي الصَّلْت في قوله: زُحَلٌ وَثْورٌ تحت رِجلِ يَمِينِه ... والنَّسْر للأُخْزَى ولَيْتٌ مرْصَد وقد تَصَوَّر جِبْرِيلُ عليه السلام في صورة دِحْيَة بن خليفة الكَلْبَي، وتصوّر الملائكة الذين أتوا مَرْيَم، وإبراهيم، ولوط، وداود عليهم ونبينا افضل الصلاة والسلام في صورة الآدَمِّييِن. " أخبار إبليس لعنه الله " صالِح قال، حدثنا عبد الحميد بن عبد العزيز قال، بلغنا عن ابن عباس قال: كان إبْليس لَعَنهُ الله. من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلهً، وكان خازنا على الجنان. وكان قد أعْطِى سُلْطَانَ سَمَاءِ الدُّنْياَ، وسلطان الأرض، وكان مما سوَّلَتْ لَهُ نَفْسُه. أي زينت. بعد قضاء الله أن رأى أنَّ له في ذلك شرفاً وعَظَمَةً على أهل السماء، فدخله. كبْرٌ لا يعلمه إلا الله، فأبْتَلاهْ بالسُّجُودِ لآدم، فأعْلَنَ كِبْرَه، فلعنه الله ودَحَرَه أي طرده. وجعله شيطاناً مَرِيدا. صالح، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: إن الله تبارك وتعالى خَلَق كُلَّ شيءٍ قَبْل الإنسان، فجعل الملائكة هم عُمَّارَ السموات، ولكل أهل سماء صلاة ودعاء وتسبيح، ولكل أهل سماء عبادة أهونُ من الذين فوقها والذين فوق أشدّ عبادة وأكثر صلاة وتسبيحاً من الذين تحتهم.

وكان إبليسُ لعنه الله. في جُنْدٍ من الملائكة في السماء الدنيا، وكانوا أهون أهل السموات عملا، وكان إبليس رئيسهم، وكانوا خُزَّانَ الجنان، وكان يقال لذلك الجند: الجنّ، اشتق لهم اسمّ من الجنة، ومعه مَقَالِيدُ الجنان قال فاقَتتل الجنُّ وهو بنو الجان فيما بينهم وعملوا بالمعاصي وسفكوا الدماء وقتلوا بعضهم بعضا قال: فبعث الله إبليس ومعه جندُّ من الملائكة من السماء الدنيا، وهبطوا إلى الأرض، فأجْلوا مِنْها الجِنَّ وألحقوهم بجزائر البحور وأطراف الجبال وسكن إبليس والجنود الذين معه الأرض وخُفِّفَت عنهم العبادة، وهانت عليهم، وأحبوا المُكْثَ فيها بتخفيف العبادة، وكان اسم ابليس في الملائكة عَزَاَزِيل، وسمى إبليس حين غَضِبَ الله عليه. فلما أراد الله أن يَخْلُقَ آدمَ وذُرِّيَتَه فيكونوا هو عمار الأرض، قال للملائكة الذين هم مع إبليس في الأرض، ولم يعن الملائكة الذين في السماء) إنِّي جَاعِلٌ فِي الأرضِ خِلِيفَةً (ورَافِعُكُم منها إلى السماء. فوجدوا من ذلك وَجْداً شديدا. أي شكوا لأن العبادة خُفِّفَت عليهم. فقالوا: ربنا) أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ (يعني يعصيك فيها كما أفْسَدت الجنُّ بَنو الجانَّ، وسَفكوا الدماء.) ونحنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أعْلَمُ مَاَلا تَعْلَمونَ (عَلِمَ من إبْلِيسَ المعْصية وخلقه لها، وكان الله تبارك وتعالى قد عَلِمَ أنَّهُ سَيَكُون مِن بني آدم أنبياء ورُسُل وقوّم صَالِحُون مَنْ يُسَبّح بِحمده، ويُقَدِّسُ له، ويطيع أمره. وعن غيره عن ابن عباس قال: أعْمَرَ الله الارضَ بالجانّ وذريته، وكان إبليس من جُند من الملائكة، يقال لهم الجِنّ. وعن الحسن: أنه من الجِنّ الذين من نار السموم. ولم يكن من الملائكة، ولكن كان بين ظهرانيهم ولم يكن منهم، وهو أصل الجن وأبوهم. ولم يكن جن قبله، كما أن آدم أصل الإنس وأبوهم، ولم يكن إنس قبله. وكذلك قال: كان إبليس من الكافرين، ولم يكن كافر قبله. وكذلك آدم من المؤمنين ولم يكن مؤمن قبله من الإنس. وكان الحسن يَحْلِفُ بالله عزَّ وجلّ أن إبليس لم يكن من الملائكة طَرْفَةَ عَيْن، ولكنه دخل في الأمر من الملائكة. وقد قيل إنه أُمِرَ بالسجود مع الملائكة وهو معهم، ويقول الحسن، يقول أصحابنا: لأنه خلق الملائكة من نور، وخلق الجان من نار. وقال الحسن: أمر الله الملائكة بالسجود لآدم مَكْرُمَةً له على وجه العبودية، وأمر إبليس معهم بذلك وليس هو من الملائكة: لأن الملائكة خلقت من نور، وإبليس خُلِقَ من نار، وكان أسمه عَزَازِيل، وسمي إبليس لأنه أُبلسِ من الخيْرِأي أُوِيس منه، وهو المبلس البائس، والمبلس الحزين التندمِّ..قال الراجز يا صاح هل تعرف رسما أملسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا وأهملت عيناه من فرط الأسى ويقال المُبِلْسُ المُتَحِّيُر المرتهن، ويقال: هو المفتضح. وقال: وفي الوجوه صفره وإبلاس والإبلاس الانكسار والحزن وقال أبو عبيدة. المُبْلِس هو الساكت مع الإياس وقال الأخفش إن الله جلَّ ثناؤه خلق الجان من قبل أن يخلق آدم، وكان إبليس منهم: وكانوا سكنون عمران الأرض واريافها وكان الله سبحانه يرسل إليهم الرسل منهم، وكلما جاءهم رسول كان إبليس يؤمن به ويتبعه والآخرون يجتمعون على قتله، حتى أهلكهم الله، ورفع إبليس إلى السماء، فذلك قول الملائكة عليهم السلام) أتَجَعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ (لمَا رأت منهم، ولم تقل هذا إنكارا على ربها، وإنما هذا على الايجاب لا على الاستفهام، ولم تعلم الغيب وإنما قالت هذا لما رأت من ولد الجان. وقيل إن الله تعالى لما لعن إبليس خلق منه زوجته الشيطانه مِن ضلعه الأيسر، كما خلقت حواء آدم من ضلعه الأيسر.

" ذكر الجن "

أبو هريرة: إن اسم امرأة إبليس أوه فيكره للمسلم أن يقول أوه. وولدها مثل الرمل، وسئل الشعبي عن اسم امرأة أبليس فقال: ذلك نكاح ما شهدته. ومما يدل على أن ذُريَّة إبليس تدخل أجواف الحيات أن أبليس دخل في جوف الحَيِّة، وإبليس لا يموت إلى يوم القيامة، وهو الوقت المعلوم: معناه الأجل المعلوم، وهو النفخة الأولى. وقال مقاتل: النفخة الآخرة. وقد اختلف في إنظار إبليس فقال قوم: إنه مُنْظَر إلى يوم القيامة، وقال قوم، بل هو مُنْظَر ولم يبين له الوقت. وكان إبليس يتصور لكفار قريش في صورة سُرَاقَة بن مالك بن جشم المُدْلجي ثم الكِناني، وعلى صورة الشيخ النجدي. وقال أبو محمد رحمه الله: ولا يجوز لأحد أن يقول إن أحدا من بني آدم يَرَى إبليس، لأن الله تعالى يقول) إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوْ وَقَبِيلُةُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ (وكذلك من قال إن الجن يراهم بنو آدم، وإن الجن ينقلبون حَمَاما إن تاب وإلاَ بَرِئَ منه. " ذكر الجن " الجِنُّ جماعةُ وَلِد الجان: وجميعهم الجنة، وإنما سموا جنا لأنهم استجنوا من الناس واستتروا ولا يُرّوْن، والجان أبو الجن خلق من نار السَّموُم. ثم خلق منه نَسْلُه. وفي الجن حيُّ مِنْ أشرافهم يقال لهم بنو الشيطان. قال حسّان: ولى صاحب من بنى الشيطان ... فحِناً أقولُ وحيناً هُوه وفي الجن حي فىّ يقال لهم الحِنّ، ويقال إن الجِنّ ضَعَفَةُ الجن كما أن الجنيّ إذا كفر وظلم وتعدى وأفسد قيل له شيطان، قال قويَ على البُنيان والحَمْل الثَّقيل وعلى استراق السمع فهو مارد، فإن زاد فهو عفريتٌ، فإن زاد فهو عَبْقَرِيّ. كما أن الرجل إن قاتل في الحروب فاقدم ولم يُحْجِم قيل هو الشُّجَاع، فإن زاد فهو بَطَل، فإن زاد قالوا: ليث هذا قول أبي عبيدة. وبعض يزعم أن الجن والجان جنسان مختلفان، وذهبوا إلى قول الأعرابي الذي أتى بعض الملوك ليكتب في الزَّمّني: إني لَزَمِن. قال: من ظاهر الداء وداء مستكن ... أبيت أهوى في شياطين ترن مختلف نجواهم جان وجن ودهُاَةُ الإنس وأبطالهم تسمى جنا، يقال للرجل إذا كان بطلا عاقلا ما هو إلا جِنَّيّ. وكذلك إذا استحسنت المرأة قالوا هذه جنية. قال الشاعر. جنية. أمْ لَهَا جِنُّ يُعَلمُها ... رَمْىَ القُلُوبِ بَقَوْس مَالَها وَتَرُ " ذكر خلق آدم عليه السلام وذكر شيء من قصته " قال ولما أراد الله تبارك وتعالى أن يخلق آدم صلوات الله عليه أمر جبريل عليه السلام فقال إيتني من الأرض من زواياها الأربع من أسودها وأحمرها وطيبها وحزنها وسهلها؟ فلهذا وقع التفاوت بين العباج في الصورة والرحمة. فلما أتى جبريل الأرض ليأخذ منها فقالت: إني أعوذ بعزَّة الذي أرسلك إليّ ألا تأخذ مني اليوم شيئا يكون فيه نصيب للنار غدا. فرجع جبريل ولم يأخذ. وقال: يارب استغاثت الأرض بك فكرهت أن أقدم عليها. فبعث الله عزَّ وجل ميكائِيل عليه السلام وأمره كما أمر جبريل، فأجابت الأرض بجوابها الأوْل فرجع ميكائيل. فبعث الله ملك الموت عليه السلام وأمره كما أمر ميكائيل. فاستغاثت الأرض بالله فلم يقبل. وأخذ من زواياها كما أمر الله سبحانه. قال فأُلْقِيَ حتى صار طينا لازِباً. قال: والطين اللازب الطين المُلْتَزِق، ثم تُرِك حتى صار حَمَأ مَسْنُونّا والحمأ المسنون الطين المنُتْن. ثم خلقه الله صورة، فكان أربعين يوما خلقاً حتى يبس، وكان صلصالا كالفخار. والصلصال الذي إذا ضربته صَلْصَل مثل الفخار - ثم تُرِك فَلَبِثَ جَسَدَاً لاروح فيه في طريق الملائكة أربعين سنة، وذلك قوله عز وجل) هَلْ أتى عَلَى الإنْسَانِ حَيْنٌ مِنَ الَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورا (. والحين الأربعون التي مرت عليه قبل أن تُنفخ فيه الروح - لم يكن شيئا مذكورا يعني خلقا معروفا - فجعلت الملائكة يَنْحِرِفُون عليه ويتعجبون من خلقه، وأشفق منه عَدُوُّ الله إبليس أي خاف منه حين نظر إليه.

وفي نسخة قال: وتعجبت الملائكة الذين مع إبليس من خلق آدم، ولم يكونوا رأوا شيئا مما خلق الله يُشْبِههُ وكان يطوف به ويقول: إني أرى مخلوقا يكون له بنلء ثم قال للملائكة الذين في الأرض معه: أرأيتم هذا الذي لم تروا شيئا من الخلق يشبهه ان فضل عليكم وامرتمبطاعته ما أنتم فاعلون؟ قالوا: نطيع أمر رَبَّنا ونَفْعَلُ الذي ويأمْرِنَا به. وأسَرَّ إبليسُ في نفسه خاصةً المعصية، فقال: لئن فُضِّلْتَ عليه لأهْلِكَنَّة، ولئن فََّلَ علي لا أطيعهُ. قال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: إن الملائكة حين عَجِبَت من آدم قال لهم إبليس: أرأيتم هذا المخلوق الذي لم تروا مثل صورته إن فُضِّل عليكم ما أنتم صانعون؟ قالوا، نطيعُ أمْرَ ربنا ونفعلُ ما يأمُرنا به. فقال إبليس في نفسه: إن فَضِّل عليَّ لا أطيعه، وإن فضِّلْتُ عليه لأهلكنه. فعلم الله ما أظهرت الملائكة من قولها، وما كتم إبليس عَدوَّ الله في نفسه من العداوة لآدم. وكانت صورة آدم حين صوّرة الله جَعَل طُوله خَمسمائة عام - وفي نسخة خمسمائة ذراع - وقيل إن إبليس مضى عليه فضرب ظَهْرَه وبَطْنَه. فسمع رنينا فقال: إن هذا خَلْقٌ ضَعِيف يأكل ويشرب، وإن له شأنا من الشأن. وقيل إنه مر به يوما فنسخه برجله وبزق عليه، فوقعت البزاقة في بطنه، فقيل إن الله أمر أن تقلع بزاقة إبليس من بطن آدم فقُوَّرَت وإن موضعها السُّرة من بطن آدم. قال، كان مجاهد يقول: إن أول شيء صُوَّر في آدم الَّكَر، فقيل له يا آدم هذه أمانة فلا تضعها إلا في موضعها حيث يُّؤمر به. وروى عن عبد الله بن سلام: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آدم كيف خلق؟ قال: خلق الله عزّ وجلّ آدم، رأسه وجبهته من التُّربة التي هي موضع الكعبة. وخلق ثدييه من بيت المَقْدس، وخلق فخذيه من أرض اليمن، وخلق ساقيه من أرض مصر، وخلق قدميه من أرض الحجاز، وخلق يده اليمنى من أرض المشرق، وخلق يده اليسرى من أرض المغرب، وخلق جسده من أرض الطائِف، وخلق قُبله ودُبُره من السهل والجبل، وخلق كبده وقلبه من أرض الموصل، وخلق طُحاله ورئتيه من أرض الجزيرة. وعن ابن عباس قال: خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة، خلقه من أديم الأرض كلها، أسودها، وأحمرها، وطيبها وخبيثها، فلذلك كان في ولده الأسودُ والأحمرُ والطيِّب والخبيث. ويقال: إنما سمى أدم لأنه خلق من أديم الأرض. ثم نفخ الله عز وجل في آدم الروح بعد أربعين سنة، ولم تجر النفخة في شيء من بدنه إلا صار لحما ودما وعروقا ومفاصل، فلما بلغ الروح سُرَّته جعل يَعْجَل ويُريُد أن يقوم وينزو، فذلك قوله تعالى) خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَل (و) وّكّانّ الإنْسَانُ عَجُولاً (. فلما بَلَغَ الروح قدميه استوى جالسا فقال: الحمد لله رَبِّ العالمين، يقول: الشكر لله الذي خلقني وكانت أول كلمة تكلم بها آدم - فردّ عليه رَبَّه سبحانه: يرحمك ربك، لهذا خلقتك لِكَيْ تُسَبِّحَ وتُقَدِّسَ. وسبقت رحمته غضبه، فجعل رحمته على آدم، وغضبه على أبليس. وفي نسخه قال: لما نفخ في آدم أولُ مكانه دخل فيه الروح دماغه فانحدر الروح من دماغه إلى عينيه فأبصر بهما، فقيل له: يا آدم هذه دلالة على ما تُؤمَر به، ثم انحدر الروح إلى خياشيمه عطس فلما فرغ من عُطاسِه وبلغ الروح إلى فيه تكلَّمَ فألهمه الله الحمد لله رب العالمين، فقلها، فألهمه ربُّه أي إنما خلقتك بيدي لكي تحمدني، فهو الحديث الذي ذكر أن الله يقول " سَبَقَتْ رَحْمَتي غَضبي " يقول سبقت رحمتي إلى آدم قَبْلَ الغضب إلى إبليس، ثم انحدر الروح إلى صَدْره فعالج نفسه ليقوم، ففي ذلك يقول) وكَانَ الإنْسَانَ عَجُولاً (ثم انحدر الروح إلى قدميه فاستوى قائما، ففي ذلك قول الله) لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسَانَ في كَبَد (أي في انتصاب ليس شيء من الخلق إلا وهو مُكِبُّ على وجهه إلا ابن آدم - ويقال الكَبَدَ: الشَرَه - قيل فلما أكمل الله خلق آدم أسْجَدَ له ملائِكتَه تَكْرِمَةً له لا عَلَى وجه العبودية. وكان إبليس في الأمر معهم فأبى وأستكبر وعصى ربَّه حَسَداً لآدم عليه السلام.

" ذكر هبوط آدم وحواء من الجنة إلى الأرض "

وفي نسخة: إن الله تعالى ألقى على وَجْهِ آدم النُّعاسَ فخلقَ من ضلعه الأيسر حَوَّاءْ - فأنْتَبَه آدمُ من رَقْدَتِه وإذا حَواء جالسة عند جنبه فقال آدم: عَظْمٌ من عظمي ولَحْمٌ مِنْ لَحْمي. قال: فمن أجل ذلك يترك الرجل أباه وأمَّه ويتبع امرأته ويكونان كليهما جِسماً واحدا. ثم زوجهما من بعضهما بعض، وأسكنهما الجنة، وبَوَّأهما فيها يأكلان منها رغدا حيث يشاءان من نعيمها، وحذَّرَهُما من أكل الشجرة التي نهاها عنها، وهي البُرَّة، وقيل الكرْمُ، وقيل التين - والله أعلم - فلم يزالا كذلك حتى غَرَّهَمُا الشيطانُ فأكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عن أكلها، فأخرجهما من الجنة، وأهبطهما إلى الأرض. وكان من قصتهما ما ذكر الله في كتابه. قال ابن قتيبة: خلق الله آدم يومَ الجمعة، ومكث في الجنة ثمانية أيام وكان أولّ شيء أَكَلاَه في الجنة العِنَب، وكانت الشجرة التي نهيا عنها شجرة البَّرِّ، وكان الله أخدم آدم الحِّية، وكانت أحسن خلق الله، لها قوائم البعير، فعرض إبليس نفسه على دواب الأرض كلها أن تدخله الجنة، فكلها أبى إلا الحية، فإنها حملته بين نابين من أنيابها، ثم أدخلته الجنة حتى أنتهت به إلى حواء، فكلَّمها من جوف الحية فقال لها: إنكما لا تموتان إن أكلتما من الشجرة التي نهاكما رَبّكما عنها. وقال لها: إنها شجرة الخُلْد ومُلْكٌ لا يبلى، ولم " يزل " يغرهما حتى أخذت من ثمرتها فأكلت وأطعمت آدم، فانفتحت أبصارهما وعلما أنهما عُرْيَانَان، فعند ذلك تساقطت عنهما كُسْوَتُهًما وحليهما، فوصلا من ورق الشجرة وهي التّين فاصطنعاه إزارا، وغضب الله عليهما فأهبطهما من الجنة إلى الأرض. عن ابن اسحاق قال: حُدِّثْتُ أن الشيطان أول ما ابتدأهما به من طَيْدِهِ إيَّاهما أنه ناح عليهما نِيَاحَةً أحزنتهما حين سمعاها. فقالا له: ما يبكيك؟ قال أبكي عليكما، تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة. فوقه ذلك في أنفسهما، ثم أتاهما فَوْسَوسَ إليهما) قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمَلْكِ لاَ يَبْلَى (وقال) ما نَهَاكُمَا رَبُّكُما عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكْينِ أو تَكونا مِنَ الخَالِدينَ، وقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِين (أي تكونان ملكين أو تخلدان - إن لم تكونا ملكين - في نعمه الخلد فلا تموتان. يقول الله تعالى) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ (. حدثنا يونس، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قوله سبحانه وتعالى) فَوَسْوَسَ (وَسْوَسَ الشيطان، إلى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها ثم حَسَّنها في عين آدم قال فدعاها آدم لحَاجَته فقالت: لا إلا أن تأتي هاهنا، فلما أتى قالت: لا إلا أن تأكل من هذه الشجرة. فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما. قال: وذهب آدم هاربا في الجنة. فناداه ربَّه تبارك وتعالى: يا آدم، أمنِّي تَفِرُّ؟ قال لا يارب، ولكن حياءً منك. قال: يا آدم أني أُوتيت؟ قال: من قبل حواء يا رب. فقال الله تبارك وتعالى فإن لها عليّ أن أَدْمِيها في كل شهر مرَّة كما أدْمَت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة وقد خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كُرْهاً وقد كنت جعلتها تحمل يُسْراً وتضع يُسْراً. قال ابن زيد، ولولا البَلِيَّة التي أصابتْ حوَّاء لكان نساء أهل الدنيا لا يَحضْن، ولكُنّ حليمات، ولَكُنَّ يَحْمْلْنَ يُسْراً ويضعْنَ يُسْراً. " ذكر هبوط آدم وحواء من الجنة إلى الأرض " فلما واقع آدم وحواء - الخطيّة أخرجهما الله من الجنة، وسلبهما ما كانا فيه من النعمة والكرامة، وأهبطهما وعدُوَّهما إبليس من الجنة إلى الأرض. فقال لهم ربهم) اهْبِطُوا بَعْضُكُم لِبَعْضِ عَدُوّ (فكان مهبط آدم حين هبط من حنة عدن في شرقي أرض الهند، وأهبط الله حواء بجدة، والحيّة بالبرية وابليس على ساحل بحر الابْلَّة وقد قيل إبليس بميسان والحية، بأصبهان. وقال ابن اسحاق صاحب المغزي، ويذكر أهل العلم أن مهبط آدم على جبل يقال له واسم من أرض الهند عند واد يقال له هيل، وهو جبل بين قرى الهند واليوم يدعى الدهنج والمندل وهما بلدان بأرض الهند والدهنج ضرب من الجوهر، والمندل العود، والعرب تنسب الطيب إلى المندل. قالوا: وأهبطت حَوَّاء بجدة من أرض مكة.

هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أهْبِطَ آدم بالهند وحواء بجدة، فجاء في طلبها حتى اجتمعا فازدلفت إليه حواء، فلذلك سُمِّيت المُزَدَلِفة، وتعارفا بعرفات، فلذلك سُمِّيَت عَرَفات، واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعاً. قال: وأهبط آدم على جبل بالهند يقال له نود. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال. خلق الله آدم يوم الجمعة، وفيه أهْبِط، وفيه تُوُفي آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا أعطاه الله، مالم يسأل مأثماً أو قطيعة رَحِم، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب وسماء ولا جبل ولا أرض ولا ريح ولا بحر إلا هو مشفق من يوم الجمعة أن تقوم فيه الساعة. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " خير يوم طلعت الشمس عليه يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه أسكنه الجنة، وفيه أخرجه منها ". وعن أبي هريرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سيد الأيام يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة ". وبإسناده، عن سعد ابن عبادة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن في الجمعة خمس خلال، فيه خلق الله آدم، وفيه أهبط الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئاً إلا، أعطاه ما لم يسأل مأثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبل وريح إلا وهو مشفق من يوم الجمعة ". قال: ومسخ الله الحية وجعلها تمشي على بطنها، وتأكل التراب، لإدخالها إبليس الجنة، وجعل بينها وبين آدم وحواء العداوة وابتلى حَوَّاء بكثرة الأوجاع. والحيض، والحبل، والولادة، بالألم وتُرَدُّ إلى بعلها ويكون مُسَلَّطا عليها. وقال لآدم: ملعونة الأرض من أجلك وتنبت الحاج والشوك وتأكل منها بالشقاء ورشح الجبين، حتى تعود إلى التراب من أجل أنك تراب. وسمى الله عزَّ وجلّ امرأته حَوَّاء، لأنها أم كل حَيّ وألبسها وإياه سَرَابِيل مِنْ جُلُود. وقيل: إن آدم لما علم بخطيئته بكى واشتد بكاؤه على خطيئته، وندم عليها، وسأل الله قبول توبته وغفارن خطيئته، فقال في مسألته إياه ما شاء من ذلك كما حُدِّثنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْه (قال: أي يا رب، ألم تخلقني بيدك، قال بلى. قال: أي يا رب ألم تَنْفُخ فيّ من روحك؟ قال: بلى. قال: أي يا رب، ألم تُسْكِنّي جنتك؟ قال: بللا. قال أي يا رب، ألم تَسْبِقْ رحمتك غضبَك؟ قال بل. قال: أرأيت إن تُبْتُ وأصلحتُ أرَاجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى، فهو قوله تعالى) فَتَلَقَّى آدمُ مِنْ رَبّه كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلْيه (. وقيل في قوله تعالى) فَتَلَقّى آدَمً مْنِ رَبّه كَلَمَاتِ (قال الحسن: إنما قالا) ربنا ظَلَمْنَا أنْفُسَنَا وإنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وتَرحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرين (. قال ولما تاب الله على آدم وأمره أن يسير إلى مكة، فطوى له الأرض وقبض عنه المفاوز فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عُمْرَاناً، حتى انتهى إلى مكة، فذكر: أنه التقى هو وحواء بَعَرَفات فتعارفا فسُميَّت عَرَفات، واجتمعا بجمع فسُميَّت جمعا.

وعن عطاء بن ابي رياح وغيره قال: لما أهبط الله آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم فيأنس إليهم، فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها، فخفضه الله عز وجل إلى الأرض، حتى صار ستين ذراعا، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى ربه في دعائه وفي صلاته فقال: ربي كنتُ جارَك في دارَك، ليس لي ربّ غيرك، ولا رقيب دونك، آكل فيها رغدا، وأسكن حيث أحببت، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس، فكنت أسمع أصوات الملائكة وأراهم كيف يحفون بعرشك وأجد ريج الجنة وطيبها، ثمّ أهبطتني إلى الأرض، وحططتني إلى ستين ذراعا، فقد انقطع عني الصوت والنظر، وذهب عني ريح الجنة، فأوحى الله إليه: بمعصيتك يا آدم فعلتُ ذلك بك. ثم أوحى الله إليه: أن لي حَرماً بحيال عرشي فانطلق فابن لي بيتا فيه ثم حفّ به كما رأيت الملائكة يحفون بعرشي فهنالك أستَجِيبُ لك. ولولدك من كان منهم في طاعتي. فقال آدم: أي رب، وكيف لي بذلك؟ لست أقوى عليه ولا أهتدي له! فقيض الله له ملكاً فانطلق به نحو مكة، فكان آدم إذا مرَ بروضة ومكان يعجبه قال للملك: انزل بنا ها هنا. فيقول الملك: مكانك حتى قدم مكة، وكان كل مكان قدم نزل فيه صار عمرانا، وكل مكان تَعداه صار مفاروز وقفارا وكلما وضع قدمه صار قرية، وما بين خطوتيه مفازة، حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله ياقوته من ياقوت الجنة، وكانت موضع البيت فبنى آدم البيت من خمسة أَجبُل، من طور سيناء، وطور زيتون، ولبنان والجُودِىّ وبنى قواعده من جرا، فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات فأراه المناسك كلها التي يفعلها الناس اليوم، ثم قدم به مكة فطاف بالبيت أسبوعا، ثم رجع إلى الهند فمات على بُوذ. ثم رفعت تلك الياقوته حتى بعث الله إبراهيم فبوأه الله له فبناه، فذلك قوله عز وجل) وإذ بَوَّأَنا لإبراهيم مَكَان البيت (وفي موضع آخر: إن البيت أُهبط ياقوته واحدة أو دُرة حتى إذا أغرق اللهُ قوم نوح دفعه وبقى أساسه، فبوأه الله لإبراهيم فبناه. وذكر أن الله تبارك وتعالى لما أنزل آدم من الجبل الذي أُهبط فيه إلى سفحه مَلّكه الأرض عليها والبهائم والدواب والوحش والطير وغير ذلك، وأن آدم عليه السلام لما نزل من رأس ذلك الجبل وفقد كلام أهل السماء، وغابت عنه أصوات الملائكة، ونظر إلى سعة الأرض وبسطها، ولم ير فيها أحد غيره استوحش فقال: يارب، أما لأرضك هذه عامرٌ يُسبحُ بحمدك ويقدس لك غيري؟ فقال الله تعالى: إني سأجعل فيها من وَلَدِكَ مَن يُسبح بحمدي ويقدُّسِني، وسأجعل فيها بيوتاً تُرفع لذكرى، ويُسبح فيها خلقي، ويذكر فيها اسمي، وسأجعل من تلك البيوت بيتا أَخُصُّهُ بكرامتي وأُثره باسمي، وأسميه بيتي وأنطقه بعظمتي أجعل ذلك البيت حرما فيه بحرمته من حوله، ومن تحته، ومن قوته، فمن حرمه بُحرمتي استوجب بذلك كرامتي، ومن أخاف أهله فيه فقد أخفر ذِمَّتي، وأباح حُرمتي. أجعله أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا، يأتونه شُعثاً عُبراً على كل ضامر يأتين من كل فج عميق - يرُجُّون بالتلبية رجيجا، وتثجون بالبكاء ثجيجا، ويعجُّون بالتكبير عجيجاً، فمن اعتمده لا يريد غيره فقد وفد إلى وَزَارني وضافني وَحَق على الكريم أن يُكرم وفده وأضيافه، وأن يُسعف كُلاَّ بحاجته. عمره بعُمرةٍ يا آدم ما دُمت حياً، ثم تُعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك، أُمة بعد أمة وقرنا بعد قرن. ثمأمر آدم. فيما ذكر - أن يأتي البيت الحرام الذي أُهبط له إلى الأرض فيطوف به كما تطوف الملائكة حول عرش الله، وكان ذلك ياقوته واحدة أو دُرّة واحدة، حتى إذا أغرق الله قوم نوح رَفَعه وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم فبناه. وعن قتادة قال: وضع الله البيت مع آدم، وكان آدم رأسه في السماء ورجله في الأرض، وكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستين ذراعاً، فحزن آدم، وفقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فشكا ذلك إلى الله تعالى، فأوحى الله إليه: يا آدم إني قد أهبط لك بيتاً تطوف به كما يطاف حول عرشي، وتصلي عنده كما يصلى حول عرشي. فأنطلق إليه يا آدم فخرج ومَدَّ لهُ في خطوة فكان ما بين كل خطوة مفازه، فلم تزل المفاوز بعد ذلك فأتى آدم البيت فطاف به، ومن بعده الأنبياءُ.

قال هشام بن محمد، أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أنزل الله آدم ومعه حين أهبط من الجنة الحجر الأسود، وكان أشد بياضا من الثلج وبكى آدم، وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة. مائتي سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما. ثم أكلا وشربا، وهما يومئذ على بوذ الجبل الذي أهبط عليه آدم، ويقرب حواء مائة سنة. عن أبي يحيى بائع القت قال: قال لي مجاهد ونحن جلوس في المسجد: هل ترى هذا؟ قلت: يا أبا الحجاج. الحَجَر قال: كذلك؟ تقول. قلت: أو ليس حجراً قال فوالله لَحَدثني عبد الله بن عباس أنها ياقوته بيضاء، خرج بها آدم من الجنة، كان آدم يمسح بها دموعه. قلت له: يا أبا الحجاج، فمن أي شئ اسود قال: كان الحّيض يلمسنه في الجاهلية. فخرج آدم من الهند يؤُم البيت الذي أمره بالمسير إليه حتى أتاه، فطاف به ونسك المناسك، فَذكر أنه التقى هو وحوّاء بعرفات فتعارفا بها. ثم ازدَلَف بها المُزلدفة، ثم رجع إلى الهند مع حوّاء، فاتخذا مغارة يأويان إليها في ليليهما ونهارهما، فأرسل الله إليهما مَلَكَّا فعلَّمهما ما يلبسانه ويستتران به، فزعموا أن ذلك كان من جلود الضأن والأنعام والسباع. ويروي عن مجاهد أنه قال: لقد حدثني عبد الله بن عباس: أن آدم نزل حين نزل بالهند، ولقد حج منها أربعين حجة على قدميه. فقيل له: يا أبا الحجاج ألا كان يركب؟ وأي شئ كان يحمله، فوالله إن خطوة مسيرة ثلاثة أيام، وإن رأسه كاد ليبلغ السماء، فشكت الملائكة منه، فَهَمَزة الله همزة فتطأطأ مقدار أربعين سنة. حدثنا هشام ابن محمد، عن ابي صالح، عن ابن عباس قال: نزل آدم ومعه ريح الجنة، فعلق بشجرها وأوديتها فامتلأ ما هنالك طيباً. يعني على الجبل الذي أهبط عليه آدم بأرض الهند. فمنه كان أصلُ الطيب كلَّه، وكل فاكهة لا توجد إلا بأرض الهند. وقالوا: نزل معه من طيب الجنة، وقالوا: وأنزل معه الحجر الأسود، وكان اشد بياضا من الثلج، وعصا موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى ومرّ ولبان، ثم أُنزل عليه بعد السندان والمطرقة والكلبتان، فنظر آدم حين أُهبط على الجبل إلى قضيب من حديد نابت على الجبل فقال: هذا من هذا، فجعل يكسر أشجاراً قد عتقت ويبست بالمطرقة، ثم أوقد على ذلك القضيب حتى داب وكان أول شئ ضربه مُدية، وكان يعمل بها ثم ضرب التنور، وهو الذي ورثه نوح، وهو الذي فار بالعذاب بالهند، وكان آدم حين، أهبط يمسح رأسه السماء، فمن ثم صلع، وأورث ولده الصَّلع، ونفرت من طوله دواب البر، فصارت وحشاً من يومئذ، وكان آدم عليه السلام، وهو على ذلك الجبل اقائم يسمع أصوات الملائكة، ويجد من ريح الجنة، فَحط من طوله ذلك إلى ستين ذراعا، وكان ذلك طوله إلى أن مات، ولم يُجمع حُسن آدم لأحد من ولده إلا ليوسف عليه السلام. قال: وكان آدم أمرد، وإنما نبتت اللحي بولده بعده، وكان طويلا كثير الشعر أجعد، جميل الصورة، ولما أُهبط الله آدم إلى الأرض حرث، وغزلت حواء الشعر، وحاكته بيدها. وقيل إن من الثمار التي زَوَدَ الله، بها آدم حين هبط إلى الأرض ثلاثين نوعا، عشرة في القشور، وعشرة لها نوى، وعشرة لا قشور لها ولا نوى. فأما التي هي في القشور فمنها: الجوز، واللوز، والفستُق، والبندق، والخشخاش، والبلوط، والشاه بلوط، والنارنج، والرمان، والموز. وأما التي لها نوى فمنها: الخوخ والمشمش، والإجاص، والرطب، والغبير، والنبق، والسفرجل، والزعرور، والعُناب، والمقل، والشاهلوج. وأما التي لا قشور لها ولا نوى: فالتفاح، والسفرجل والكمثرى، والعنب، والتوت، والتين، والأترنج، والخروب، والخيار، والبطيخ.

قصة قابيل وهابيل ابني آدم

وقيل. كان مما خرج به آدم معه من الجنة صرَّةٌ من حنطة، وقيل إن الحنطة إنما جاءه بها جبريل عليه السلام بعد أن جاع آدم واستطعم ربه تبارك وتعالى، فبعث الله إليه مع جبريل تسع حبات من حنطة، فوضعها في يد آدم عليه السلام، فقال آدم لجبريل: ما هذا؟ فقال جبريل: هذا الذي أخرجك من الجنة، وكان وزن الحبّة منها مائة ألف درهم، فقال آدم: ما أصنع بهذا؟ قال: انثره في الأرض. ففعل، فأنبته الله من ساعته، فجرت سُنة في ولده البذر في الأرض. ثم أمره فحصده، ثم أمره فجمعه وفركه بيده، ثم امره أن يذريه، ثم أتاه بحجرين فوضع أحدهما على الآخر فطحنه، ثم امره أن يعجنه، ثم أمره أن يخبزه ملة. وجمع له جبريل الحجر فقدحه فخرجت منه النار. فهو أول من خبز الملة. قال أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري في هذا القول: وهذا الذي حكيناه عن قائل هذا القول خلاف ما جاءت به الروايات عن سلف أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك ان المثنى بن إبراهيم الآملى: حدثني قال. حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا سفيان بن عيينة وابن المبارك عن الحسن عمارة عن المنهأل بن عمرو عن سعيد بن جُبير. عن ابن عباس قال: كانت الشجرة التي نهى الله تعالى عنه آدم وزوجته السُّنبلة، فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما، وكان الذي وارى عنها سوءاتهما أظفارهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة - ورق التين - يلصقان بعضه إلى بعض، فانطلق آدم مولياً في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة، فناداه ربه تبارك وتعالى: يا آدم أمني تفر؟ قال: لا: وكني استحييت يا رب، فقال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرَّمت عليك؟ قال: بلى: ولكن وعزتك وجلالتك ما حسبت ان أحداً يحلف بك كاذباً، قال: وهو قول الله تعالى) وَقَاسَمهُما إني لكُما لَمِنَ النَّاصِحين (قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض. فلا تنال العيش إلا كذا. قال فأهبط من الجنة، وكانا يأكلان فيها رغدا، فأهبط إلى رغد من طعام وشراب، فعُلَّم صنعه الحديد، وأمر بالحرث فحرث وزرع، ثم سقى حتى إذا بلغ حصده ثم داسه، ثم ذَرَّاه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، ثم أكله. وقيل أهبط إلى آدم ثور أحمر، وكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه نفهو الذي قال الله) فَلا يُخرِجَنَّكما من الجنة فتشقى (واكن ذلك شقاوة، قال أبو جعفر فهذا الذي قاله فهو اولى بالصواب، وأشبه بما دلَّ عليه كتاب الله عز وجل. وقد قيل إن آدم نزل ومعه السَّندان والمطرقة والكلبتان والميعة. وأول من زرع وغرس وتكلم بالعربية آدم عليه السلام فلما عصى ربه أُنسي العربية، وكان كلامه السُّريانية، فلما تاب الله عليه بعد مائتي عام ورحمه رَدَّ عليه العربية. أبو عثمان: أُهبط آدم إلى الهند، وهي أقرب الأرض إلى السماء، وعليه إكليل من الجنة، فتحات منه، فوقع، فنبت منه هذا العود اليلنجوج الذي في الهند. سعيد بن جبير قال: لما أُهبط آدم إلى الأرض كان فيها نسر وحُوت ولم يكن غيرهما. فلما رأى النسر آدم. وكان يأوى إلى الحوت فيبيت عنده كل ليلة، قال: يا حوت، لقد هبط اليوم من يمشي على رجليه ويبطش بيديه، فقال له الحوت: لئن كنت صادقا مالي في البحر ماحأكا ولا لك في البر منجرٌ. وقيل والله أعلم: إن آدم أُهبط إلى الأرض وحرث، قال: فضرب يوما الثور الذي كان يحرث عليه، فقال له الثور: يا آدم ولم تضربني؟ قال: لأنك عصيت، فقال: يا آدم كل من عصى استحق العقاب؟ قال: ففطن آدم عليه السلام، أو كما قيل والله أعلم. وقيل خُلق آدم يوم الجمعة، ومكث في الجنة ستة أيام. وكان أول شئ أكلاه في الجنة العنب، والشجر التي نُهِيَا عنها البُرَّ. وقال ابن عباس،: خلق آدم مختُوناً ونُوحٌ وسام بن نوح وإسماعيل ولوط وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. قصة قَابِيل وهَابِيل ابني آدم اختلف أهل العلم في اسم قابيل بن آدم، قال بعضهم: هو قَبن بن آدم وقال بعضهمهو قابين بن أدم وقال بعضهم هو قابيل وكذلك في اسم هابيل، قال بعضهم: هو هابيل، وقال بعضهم: هو هائيل.

" ذكر أولاد آدم عليه السلام "

وكان من قصة قابيل وهابيل ابني آدم صلوات الله أنه كان لا يولد لآدم مولودٌ إلا وُلد معه جارية، فكان يُزوج غلام هذا البطن من جارية البطن الآخر. حتى وُلد له ابنان، يقال لأحدهما قابيل وللآخر هابيل، وكان قابيل صاحب زرع، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما، كانت له أخت أحسن من أخت هابيل، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه، وقال: هي أختي، ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحق أن أتزوجها. فقال له أبوه: يا بني تُقرب قُربانا ويقرب أخوك هابيل قُربانا، فأيكما قَبِل الله قربانه فهو أحق بها. وكان قابيل على حرث الزرع، وكان هابيل على رعاية الماشية. فقرّب قابيل قمحاً وقرب هابيل أبكار غنمه. وقيل كبشا، وبعضهم يقول: قرب بقرةً. فأرسل الله نارا بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يُتَقبَّل القربان. وكانا قربا القربان. بمنى. ثم صار مذبح الناس هناك إلى اليوم. وفي موضع آخر فقرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حُزمة سُنبَل، فوجد فيها سُنبُلة عظيمة ففركها فنزلت النارفأكلت قربان هابيل وتركت قُربان قابيل، فغضب قابيل وقال: لأخيه هابيل:) لأقتلنك (حتى لا تنكح أختي. ف " قال " هابيل) إنما يَتَقبَّل الله مِن المتقين لئِن بَسَطتَ إلى يَدَكَ لِتَقُتلَني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (إلى قوله فطوعت له نفسه قتل أخيه فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال، فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غَنَمه في جبل وهو نائم فوضع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن، فبعث الله غُرابا فوقع على الحجر الذي دفع به، فجعل يَمْسَح الحَجَر بمنقاره، وبعث الله غراباً من السماء فأقبل يهوى حتى وقع بين يدي الغُراب الأولّ، فوثب العرابُ الأوَل على الغراب الآخر فقتله، ثم رجع يَحْفُر بمنقاره، ويبحث برجليه في الأرض لُيريَه كيف يُّوارِي سَوْأة أخيه، ثم اجْتَّرهُ حتى وَارَاهُ. وابن آدم ينظر إلى أخيه، ثم فندم على ما صنع به، فقال) ياَوَيْلَتي أعَجَزْتُ أنْ أَكَونَ مثلَ هذا الغراب فأُواَرِي سَوْأهَ أخِي، فأصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين (فلم يُوَارِه واحتملهُ هارباً حتى أتى به وادياً من أودية اليَمَن في شَرِقي عَدَن، وبلغ الخْبر إلى آدم فأقبل فوجده قتيلاً والأرض قد نشَّفت دَمَه فلعنها. فمن أجل لعنته لا تُنَشِّف الأرضُ دمّا بعد دَمِ هابيل إلى يوم القيامة، وأنبتت الشَّوْكَ زَمَاناَ للعنته. ثم أن آدم حمل ابنه على عاتقه يدور به في البلاد أربعين عاما لا تجف دُمُوعه، ثم دفنه، فكلن أول نَسْمَة دُفنت في الأرض. وفي قابيل وفي أبليس نزلت) رَبَّنا أَرِنَا اللَّذَيْن أَضَلاَّنَا مِنَ الجِنّ والإنْسِ (الأية. يعني قابيل لأنه أول من سن القتل وكُلُّ مقتول إلى يوم القيامة له فيه شِرْك، وقيل: إنه لما قتل قابيل أخاه هابيل بَكاه آدم عليه السلام فقال: تَغَيَّرت البلادُ ومنَ عليها ... فوجهُ الأرض مغُّبر قَبيح تغَير كُلَّ ذي لَوْن وطَعْم ... وقَلَّ بشاشهُ الوَجه الصبيح أهابِلُ إنْ قُتِلْتَ فإن قَلْبي ... عليك اليومَ مُكْتَئِبُ قَرِيحَ وقتل قابيل هابيلاً أخاه ... فوا أسفا عَلَى الوَجه المليح وَيا أسفاً على هَابيلَ ابني ... قتيلاً قَد تَضَمَّنهُ الضَّريح وجاوزنا لَعِيُن ليس يَعْني ... عَدُوَّ ما يموت فنستريح قيل فأجابه إبليس اللعين فقال: تَنَحَّ عَن البِلادِ وسَاكِنها ... ففي الفِرْدوس ضَاقَ بك الفسيح وكنتَ بها وزوُجك في رخاء ... وقلبُك من أذى الدنيا مَريح فما انفكت مُكَاَيَدَتي ومَكْرِي ... إلى إن فاتك الثَمنُ الرّبيح ولوْلاَ رَحْمةُ الجَبار أضحى ... بِكَفكَ مِن جِنان الخُلْدِ ريح " ذكر أولاد آدم عليه السلام " قال: كان لا يولد لآدم مولود إلا وُلِد مَعَهُ جارية، وكان يُزَوَّج غلام هذا البطن بجارية البطن الآخر ويزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن، حتى وُلَدَ له قابيل وهابيل وكان من أمرهما ما ذكرنا.

" مولد شيث "

قال وهب: إن آدم يولد له في كل بكن ذكَرُّ وأنثى، وكان الرجل منهم يتزوج إلى أخواته من شاء إلا تَوْأمته، حتى كان من أمر قابيل وهابيل حين عزم هابيل أن يتزوج إقليما أخت قابيل ما كان وكانت حواء فيما يُذكر لا تحمل إلا توأماً ذكرا وأنثى، فولدت حواءُ لآدم أربعين ولداً توأما لصُلْبه من ذكر وأنثى في عشرين بطنا، فكان الرجل منهم أيَّ أخواته شاء يتزوج إلا توأمته التي تولد معه، فإنها لا تحل له وذلك أنه لم تكن نِساء يومئذ إلآ أخواتهم، وأمهم حواء. وذكر بعضهم: أن حّواء ولدت لآدم عشرين ومائة بطن، أولهم قابيل وتوأمته إقليما، وآخرهم عبدُ المغيث وتوأمته أم المغيث. وأما ابن إسحاق فذكر: إن جميع ما ولدته حواء لآدم لصلبه أربعون ذكراً وأنثى في عشرين بطنا. قال: وقد بلغنا اسماء بعضهم ولم يبلغنا بعض، وكان مما بلغنا اسمه خمسة عشر رجلا وأربع نِسْوة. منهم، قابيل وتوأمته إقليما، وهابيل وتوأمته ليوذا، وأشون بنت آدم وتوأمها، وشيت وتوأمته، وحزورة وتوأمها، على ثلاثين ومائة سنة من عمره. ثم إباد بن آدم وتوأمته ثم أثان بن آدم وتوأمته ثم توبه ابن آدم وتوأمته ثم هدر بن آدم وتؤامته ثم بيان ابن آدم وتؤامته ثم شبوب بن آدم وتؤامته ثم حيان بن آدم وتؤامته، ثم ضرابيس بن آدم وتؤامته، ثم يجود بن آدم وتؤامته، ثم سندل بن آدم وتؤامته، ثم بارق بن آدم وتؤامته. كل رجل منهم تولد معه امرأة في بطنه الذي يحمل به فيه. " مولد شيث " وولدت حواء لآدم شيث، وقد مضى من عمره مائة وثلاثون سنة، وكان ذلك بعد قتل قابيل لهابيل بخمسين سنة. وعن هشام بن صالح عن ابن عباس قال: ولدت حواء لآدم شيث وأخته حزورا، فَسُمَّي هبة الله، اشتُقَّ له من قابيل، أي أنه خلف من هابيل. قال لها جبريل حين ولدته: هذا هبة الله بدل هابيل، وهو بالعربية شث وبالسريانية شاث، وبالعبرانية شيث، واليه أوصى آدم وعهد إليه، وكان آدم يوم ولد له شيث ابن ثلاثين ومائة سنة. وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم، وذلك أن نسل ولد آدم غير نَسْل شيث انْقَرضوا وبادوا، ولم يبق منهم أحد، وأنساب الناس كلهم إلى شيث. وكان آدم مع ما أعطاه الله من ملك الأرض والسلطان فيها. قد نبَّاهُ الله وجعله رَسُولاً إلى ولده، وأنزل عليه إحدى وعشرين صحيفة، كتبها آدم بخطه، علَّمه إياها جبريل عليه السلام. وروى عن أبي ذر الغفاري أنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وَحْدَهُ فجلست إليه، فقال لي: يا أبا ذرٍ، إن للمسجد تحية وتحيته ركعتان، فقم فاركَعْهما. قال فلما ركعتهما جلستُ إليه فقلت: يا رسول الله، إنك أمرْتَني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: الصلاة خَيّرُّ موضوعٌ فمن شاء فَلْيُقْلل ومن شاء فَلْيُكْثر. ثم ذكر قصة طويلة. قال فيها فقلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: مائِة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر. جما غفيرا. أي كثيرا طيبا. قلت: يا رسول الله مَنْ كان أولهم؟ قال: آدم، قلت، يا رسول الله وآدم نَبِيُّ مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سَوَّاه قبلا. وقيل: إنه كان مما أنزل الله على آدم تحريم الميته والدم ولحم الخنزير، وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة، وهو أول كتاب كان في الدنيا. أخذ الله الألسنة كلها عليه. " وفاة آدم صلى الله عليه " عن أُبي بن كعب: أن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من قُطُف الجنة، فأنطلق بنوه ليطلوا له، فلقيتهم الملائكة، فقالوا: أين تريدون يا بني آدم؟ قالوا: إن أبانا اشتهى قطفا من قطف الجنة. فقالوا: ارجعوا فقد كُفَيتُمُوه، فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغَسّلُوه وحَنطوه وكفنوه وصلّى عليه جبريل عليه السلام، والملائكة خلف جبريل، وبنوه خلف الملائكة، فقالوا: هذه سنتكم في موْتَاكم يا بني آدم. قال وهب: وحُفِر له في موضع في جبل أبي قبيس يقال له غار الكنز فدفنوه فيه: فلم يزل آدم في ذلك الغار حتى كان زمن الغرق فاستخرجه نوح عليه السلام وجعله معه في تابوت في السفينة، فلما نضب الماء وبدت الأرضُ لأهل السفينة رَدَّهُ نوح إلى مكانه. قال ابن قُتَيْبة: ووجدت في التوراة أن جميع ما عاش آدم تسعمائة سنة وثلاثون سنة. قال وهب: عاش آدم ألف سنة.

" شيث بن آدم "

وعن ابن عباس قال: عمر آدم تسعمائة سنة وست وثلاثون سنة. " شيث بن آدم " قال وهب: كان شيث بن آدم أجمل ولد آدم، وأفضلهم وأشبههم به. وأحبهم إليه، وكان وَصى أبيه، ووليَ عهده، وهو الذي وَلَد البشر كلَّهم، وإليه انتهت أنساب الناس، وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة، وكانت الكعبة خيمة لآدم عليه السلام، وضعها الله له من الجنة. وأنزل الله على شيث بن آدم خمسين صحيفة، وإليه صارت الرياسة بعد وفاة أبيه آدم. وذكر أن آدم صلوات الله عليه مرض قبل أحد عشر يوما، وأوصى إلى ابنه شيث، وكتب وصيته ثم دفع كتاب وصيته إلى شيث، وأمره أن يخفيه من قابيل وولده، لأن قابيل قد كان قتل هابيل حسداً منه حين خصّه آدم بالعلم، فاستخفى شيث وولده بما كان عندهم من العلم ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به. وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم اليوم، وذلك أن نسل ولد آدم غير نسل شيث انقرضوا وبادوا، ولم يبق منهم أحد، فأنسابُ الناس كلهم إلى شيث. وعاش شيث تسعمائة سنة واثنى عشر سنة، وولد لشيث أنوش. " خبر قينان بن أنوش بن شيث " ثم وُلِد لأنوس بن شيث بن آدم ابنه قّيْنان من أخته نعمة بنت شيث. بعد مضي تسعين سنة من عمر أنوش. وأما ابن اسحاق فذكر عنه أنه قال: نطح أنوش بن شيث أخته نعمة وبنت شيث فولدت له قَيْنَان بن أنوش وأنوش يومئذ ابن تسعين سنة، فعاش أنوش بعد ما وُلِدَ له قينان ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة، وكان جميع ما عمر أنوش بن شيث تسعمائة سنة وخمسين سنة. وعن ابن عباس قال: ولد أنوشُ بن شيث قينان، ونفرا كثيرا، واليه الوصية، ثم ولد لقينان مهلائل بن قينان. وقدمت خبر قينان على أنوش. " وهذا خبر أنوش " وولد لشيث بن آدم بعد أن مضى من عمرخ ستمائة سنة وخمس سنين أنوش بن شيث - فيما يزعم أهل التوراة. وأما ابن اسحاق فإنه يوجد عنه أنه قال: نحك شيثُ بن آدم أخته فرورة بنت آدم، فولدت له أنوش بن شيث، ونعمة بنت شيث. وشيث يومئذ ابن مائة سنة وخمس سنين فعاش بعدما وُلدَ له أنوش ثمانمائة سنة وسبع سنين. وعن هشام، عب أبي صالح، عن ابن عباس قال: ولد شيث أنوش ونغراً كثيرا، وإليه أوصى شيث، وقيل إن شيث لما مرض أوصى إلى ابنه أنوش، ومات فدفن مع أبويه في غار أبي قُبَيْس، وقام أنوش بن شيث بعد مُضيِّ أبيه لسبيله بسياسة المُلْكِ وَتَدْبير مَنْ تَحت يده من رعيته مقام أبيه شيث فيهم، ولم يزل - فيما ذكر - على منهاج أبيه لا يُوقفُ منه على تغيير ولا تَبْدِيل، ثم وُلِد له قَيْنَان. " مهلائِل بن قَيْنَان " نكح قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وهو ابن سبعين سنة دينه بنت براكيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم، فولدا له ملائيل بن قينان، فعاش قينان بعد ماوْلِد له ملائِل ثمانمائة سنة وأربعين سنة وكان جميع ما عاش قينان تسعمائة سنة وعشرين سنة. وأما في التوراة فيما ذكره أهل الكتاب: أنه فيها: أن مولد مهلائيل بعد أن مضى من عمر قينان سبعون سنة. وعن ابن عباس: أنه قال وَلَدَ قينان مهلائيل ونفرا معه وإليه الوَصية ثم ولد لمهلائل يارد. " اليارد من مهلائل " ثم نكح مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث ابن آدم خالته سمعن بنت براكيل بن مخويل بن اخنوخ بن قابيل ابن آدم، فولدت له يارد بن مهلائل، فعاش مهلائيل بعد ما ولد له يارد ثمانمائة سنة وثلاثين سنة، وولد له بنون وبنات، فكان جميع ما عاش مهلائيل ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة، ثم مات. وأما في التوراة فإنه ذكر أنه كان على منهاج أبيه قينان، غير أن الأحداث بدت في زمانه. وعن ابن عباس أنه قال: ولد مهلائيل يَرَد. وهو اليارد. ونفراً معه واليه الوصية، وكان وصى أبيه وخليفته، وفيما كان والد مهلائيل أوصى إلى مهلائيل واستخلفه عليه بعد وفاته، وكانت ولادةُ أمَّه إياه بعد ما مَضَى من عمر أبيه مهلائيل فيما ذكروا خمس وستون سنة، فقام من بعد مهلك أبيه من وصية أجداده وآبائه بما كانوا يقومون به أيام حياتهم، وولد اليارد أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام. " إدريس النبي صلى الله عليه وسلم "

" متوشلخ بن أخنوخ "

وهو أخنوخ بن اليارد، ثم نكح اليارد بن مهلائيل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. وهو ابن مائة سنة وستين سنة بركيا بنت الدرمسيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل، فولدت له أخنوخ بن اليارد وهو إدريس النبي صلى الله عليه. وكان أول نبي بعد آدم أُعْطَي النبوَّة. فيما زعم ابن اسحاق - وخط بالقلم، فعاش يارد بعد ما وُلِدَ له أخنوخ ثمانمائة سنة وستين سنة، وولد بنين وبنات، وكان جميع ما عاش اليارد تسعمائة سنة واثنين وستين سنة ثم مات. وقال غيره من أهل التوراة إن الله أنزل عليه ثلاثين صحيفة، وهو أول من خط بالقلم بعد آدم، وجاهد في سبيل الله، وقطع الثياب وخاطها، وذكر أنه كان أول من رَكِبَ الخَيْل، لأنه اقتفى رسْمَ أبيه في الجهاد، وسلك في أيامه العَمْلَ بطاعة الله، طريق آبائه، وكان عمر إدريس إلى أن رفع ثلاثمائة وخمسا وستين سنة. وولد له مُتَوشْلَح بعد ما مضى من عمره خمس وستون سنة. قال وهب: كان إدريس رجلا طويلا ضخم البطن عريض الصدر، قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس. وكانت إحدى أذنيه. أعظم من الأخرى، وكان في جسده نكته بيضاء من غير برص. وكان رقيق الصوت دقيق المنطق، قريب الخُطى إذا مشى، وإنما سمى إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتب الله وسنن الإسلام، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وهو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبسها، وكان من قَبْله يلبسون الجلود، واستجاب له ألف إنسان ممن كان يدعوه، فلما رفعه الله إليه اختلفوا بعده وأحدثوا الأحداث إلى زمن نوح عليه السلام. قال: وهو أبو جد نوح، ورِفُع وهو ابن ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة. وولد لإدريس متَوشْلح على ثلاثمائة من عمره قال: وفي التوراة إن الله رفع إدريس بعد ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة مضت من عمره، وعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة سنة وخمسا وثلاثين سنة تمام تسعمائة سنة واثنين وستين سنة، وكان عمر يارد تسعمائة واثنين وستين سنة، ومولد أخنوخ وقد مضى من عمر يارد مائة واثنتان وستون سنة. وحدثنا هشام بن محمد بن أبي صالح، عن ابن عباس قال: في زمان يارد عُمِلَت الأصنام وَرَجَعَ من رجع عن الإسلام. " متُوشْلخ بن أخنوخ " ثم نكح أخنوخ وهو إدريس بن اليارد بن مهلائل قَيْتان بن نوش بن شيث بن آدم هَدَّانَة. ويقال أدّانة. بنت تاويل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم. وهو ابن خمسين وستين سنة، فولدت له متوشْلَخ بن أخنوخ، فعاش بعدما وُلِدَ له متوشلْخ ثلاثمائة سنة، وولد له بنون وبنات، وكان جميع ما عاش أخنوخ ثلاثمائة سنة وخمسا وستين سنة، ثم رفعه الله إليه. وأما غيره من أهل التوراة فإنه قال فيما ذكروا عن التوراة: ولد لأخنوخ متوشْلخ، فاستخلفه أخنوخ على أمر الله، وأوصاه وأهل بيته قبل أن يُرْفع، وأعلمهم أن الله سيعذب ولد قابيل ومن خالطهم ومال إليهم، ونهاهم عن مخالطتهم. " لَمْك بن متُوشْلَخ " ثم نكح متوُشْلَخ بن أخنوخ. وهو إدريس. بن اليارد بن مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عَرْبَا بنت عزازيل بن أنوشيل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم، وهو ابن مائة سنة وثلاثين سنة، فولدت له لمك بن متوشلخ، فعاش بعدما وَلَد لمك سبعمائة سنة، وولدت له بنين وبنات، وكان جميع ما عاش متُوشْلخ تسعمائة سنة وتسع عشرة سنة، ثم مات. وقال أهل التوراة: ولد لمتوشلخ لمك، فأقام على ما كان عليه آباؤه من طاعة الله، وحفظ عهوده. قالوا: فلما حضرت متُوشلخ الوفاة استخلف لَمْك على قومه، وأمره وأوصاه بمثل ما كان آباؤه يوصون به. قالوا: وكان لمك يَعظُ قومه وينهاهم عن النزول إلى ولد قابيل، فلا يتعظون حتى نزل جميع من كان في الجبل إلى ولد قابيل. وقيل إنه كان لمتُوشْلخ ولدْ آخر غير لمْك يقال له صابي. وقيل إن الصابئين به سموا صابئين، وقيل غير 1لك. وكان عمر متُوشلْخ تسعمائة سنة وستين سنة، وكان مولد لمْك بعد أن مضى من عمر متُوشْلخ مائة وسبع وثمانون سنة. " نوح عليه السلام "

" قصة نوح عليه السلام حين بعثه الله إلى قومه والطوفان "

ونكح لَمْك بن متُوشلْخ بن أخنوخ. وهو إدريس بن اليارد بن مهلائيل ابن قيتان بن أنوش بن شيث بن آدم قينوش بنت براكيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم، وهو ابن مائة وسبع وثمانين سنة، فولدت له غلاماً، فسماه نُوحاً، فعاش لمك بعدما وُلِد له نوح خمسمائة سنة وخمسا وتسعين سنة، وولد له بنون وبنات، وكان جميع ما عاش لمْك سبعمائة سنة واثنين وثمانين سنة، ثم مات. وقيل إنه لما أدرك نوح قال له لمك: قد علمت أنه لم يبق في هذا الموضع غيرنا، فلا تستوحش ولا تتبع الأُمة الخاطئة، فكان نوح يدعو إلى ربه ويعظ قومه فيستخفون به، فأوحى الله إليه: أن أمهلهم وأنظرِهم لُيراجِعوا ويتوبوا مُدَّةَ، فانقضت المُدَّة قبل أن يتوبوا وينيبوا. وحدِّثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: ولد متُوشلْخ لمْكَ ونفرا معه، وإليه الوصيَّة، فولد لمْكَ نوحاً، وكان للمْكَ يوم ولد نوح اثنان وثمانون سنة، ولم يكن في ذلك الزمان أحدٌ ينهى عن مُنكر، فبعث الله نوحاً إلى قومه وهو ابن أربعمائة سنة، ثم دعاهم في نُبُوَّتِه مائة وعشرين سنة، ونكح عمرزة بنت براكيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم وهو ابن خمسمائة سنة، فولدت له بنيه سام وحام ويافث ويام بني نوح: ثم أمره الله بصنعه السفينة فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة، وغرق من غرق، ثم مكث بعد السفينة ثلاثمائة وخمسين سنة. قال وهب: إن نوحاً أوّل نبي نبأه الله بعد إدريس، وكان نجاراً. وكان إلى الأدمة دقيق الوجه، في رأسه طول عظيم العينين، غليظ الفصوص. وهي أطراف العظام. دقيق الساقين، كثير لحم الفخذين، دقيق الساعدين، ضخم السرة، طويل اللحية عريضها، طويلا جسيما، وكان في غضبه وانتهاره شِدَّة، فبعثه الله إلى قومه وهو ابن خمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثلاثة قرون في قومه عايشهم وعَّمر فيهم، وهو يدعوهم فلا يجيبونه ولا يتبعه منهم إلا القليل، كما قال الله عزَّ وجلَّ. قال ابنُ قُتَيْبة. وكان بين آدم إلى أن عرفت الأرض ألفا سنة ومائتا سنة واثنان وأربعون سنة. وفي التوراة: إن نوحاً عاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وكان عمر نوح تسعمائة وخمسين سنة. قال وهب: وكان عمره ألف سنة لأنه بُعِث إلى قومه وهو ابن خمسين سنة، ولبث يدعوهم إلى أن مات تسعمائة وخمسين سنة. قال: وإنما سُّمِيَ الطوفان لأنه طفا فوق كل شيء. " قصة نوح عليه السلام حين بعثه الله إلى قومه والطوفان " حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: بعث الله نوحا إلى قومه وهو ابن أربعمائة سنة، ولم يكن في ذلك الزمان أحدُ ينْهَى عن منكر. فدعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة، ونكح نوح عمرزة بنت براكيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم. وهو ابن خمسمائة سنة، فولدت له بنيه سام وحام ويام ويافث بني نوح، ثم أمره الله بصنعةِ السفينة، فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة، وغرق من غرق، ثم مكث ثلاثمائة سنة وخمسين سنة. قال: فبعث الله نوحا إلى قومه فخوَّفهم بأسه وحذرهم سطوته، وداعياً لهم إلى التوبة والمُراجعة إلى الحق، والعمل بما أمر الله به رسله، وأنزله في صحف آدم وشيث وأخنوخ. ونوح يوم بعثه الله نبيا لهم فيما ذكروا ابن خمسين سنة. وقيل أيضا: إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين سنة وثلاثمائة سنة. وعن ابن عباس قال: بعث الله نوحا إليهم وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة، ثم دعاهم في نُبُوَّته مائة وعشرين سنة، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة، ومكث بعد ذلك ثلاثمائة سنة وخمسين سنة.

قال أبو جعفر الطبري: فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما. كما قال الله تعالى، يدعوهم سرا وعلانية، يمضي قَرْنٌ بعد قرن فلا يستجيبون له، حتى مضى قرون ثلاثة على ذلك من حاله وحالهم، فلما أراد الله هلاكهم دعا عليهم فقال) رَبِّ إنَّهُمْ عَصَوني وَأتَّبُعوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهْ وَوَلَدَه إلاَّ خَسَارا (إلى آخر القصة، فأمره الله تعالى أن يغرس شجرة، فغرس شجرة، فنبت ساجة عظيمة فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم أمره أن يقطعها بعد ما غرسها بأربعين سنة، فيتخذ منها سفينة كما قال الله تعالى) وَأصْنَعْ الفُلْكَ بأَعْيِننا ووَحْيِنا (فقطعها وجعل يعملها فُرويَ عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبَرَت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو رَحِمَ الله أحداً من قومِ نوح لَرَحم أمَ الصَّبي ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله حتى كان آخر زمانه غَرَس شجرَةً وعَظُمَت وذَهَبَت كلَّ مذهب، ثم قطعها وجعل يعمل السفينة فيمرون به قومه فيسألونه عنها فيقول: أعْمَلُها سفينة، فيسخرون منه، ويقولون: تعمل سفينة في البَرِّ فكيف تجرى؟! فيقول: فسوف تعلمون!! فلما فرغ منها وفار التنور، وكثر الماء في السكك، خَشِيَت أمُّ الصبيّ عليه - وكانت تحبه حبا شديدا - فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ولما بلغها الماءَ خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على رأس الماء فلما بلغ الماء رقبتها رَفَعَتَه بيدها حتى ذهب به الماء. فلو رحم الله احدا لرحم أم الصبي. وعن الضحاك قال: عمل نوح السفينة بعد أن مضى من عمره أربعمائة سنة - وأنبت الساجَ أربعين سنة - حتى كان طولها ثلاثمائة ذراع فعمل نوح السفينة بوحي الله إليه وتعليمه إياه، فكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وبابها في عرضها. وعن هشام، عن أبي صالح عن ابن عباس قال. نَجَّر نوح السفينة بجبل فود ومن عم يبدأ الطوفان. قال: وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا وطولها في السماء ثلاثين ذراعا، وخرج منها في السماء ستة أذرع، وكانت مطبقة لها ثلاث طبقات، وجعل لها ثلاثة أبواب، بعضها أسفل من بعض. وعن ابن اسحاق، عمن لايتهم: أنه كان يحدث: أن قوم نوح كانوا يبطشون بنوح فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللهم أهْد قومي فإنهم لا يعلمون. وقال ابن اسحاق: حتى إذا في غَيَّهم في المعصية، وعظُمت في الأرض منهم الخطيئة، تطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء وانتظر النجل بعد النجل ولا يأتي قرن بعد قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى ان كان الآخر منهم ليقول: إن هذا كان مع آبائنا وأجدادنا. هكذا. مَجْنُوناً!، فلا يقبلون منه شيئا، حتى شكا ذلك من أمرهم إلى الله تبارك وتعالى، فقال كما قص الله علينا في كتابه) رَبِّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمي لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزْدِهُم دُعَائِي إلاَّ فِرارَا (إلى آخر القصة، حتى قال) رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الكَفِرِين دَيَّاراً، إنَّكَ إنْ تَذّرْهُمْ يُضِلُّوا عَبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إلا فاجراً كَفَّاراَ (إلى آخر القصة. فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله استنصر عليهم، وأوحى الله إليه) وَاَصْنع الفُلْك بأعْيُنِنا ووَحْيِنَا وَلاَ تُخاطِبني في الذين ظَلَموا إنَهُمْ مُغْرَقون (. فأقبل نوحُ على عمل الفُلك ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد، ويهييء عُدَّة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو، وجعل قومه يمُرُّون عليه. وهو في ذلك من عمله. فيسخرون منه ويستهزؤن به، ويقول) إنْ تَسْخَروُا مِنَّا فإنا نَسْخرُ مِنْكم كَما تَسْخَرون فَسَوفَ تَعْلمُون مَنْ يأتيه عَذَابٌ يُخْزِيه وَيَحَلُ عليه عَذابٌ مُقيم (قال: ويقولون فيما بلغنا: يا نوح قد صِرت نجاراً بعد النبوة! قال: وأعقمَ الله أرحام النساء فلا يَلِدن لهم.

قال: ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج وأن يصنعه أذورَ وأن يُطْلِيَه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طول ثمانين ذراعا وعرضه خمسين، وأن يجعله ثلاثة أطباق سُفلا ووسطاً وعُلْواً، وأن يجعل فيه كُوّى، ففعل نوح كما أمره الله، حتى إذا فرغ منه. وكان قد عهد الله إليه إذا جاء أمْرُنا وفَاَرَ التَنُّورُ قلنا أحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القولُ ومن آمن، وما آمن معه إلاقليل (وقد جعل الله التنور آية فيما بينه وبينه. فقال) فإذَا جَاءَ أمْرُنا وَفَارَ التُّنُّورُ فاسلُك فيها من كُلَّ زَوْجَيْنِ اثْنِين (أي أرْكب، فلما فار التُّنُّور وحمل نوح في الفلك من أمَرَهُ الله به وكانوا قليلا كما قال الله) احْمِلْ فِيها مِنْ كُلُّ زَوْجَيْن اثْنَيْن (مما فيه الرُّوح والشجر ذكرا وأنثى، فحمل فيه بينه الثلاثة سام وحام ويافث، ونساءهم. وستة أناس ممن كان آمن به وكانوا عشرة نفر، نوح وبنوه، وأزواجهم، ثم أدخل مما أمرَ الله من الدواب، وتخلف عنه ابنه يام، وكان كافرا. وعن ابن عباس قال: أرسل الله المطرَ أربعين يوما، أربعين ليلة، فأقبلت الوحوش حين أصابها المطر والدَّواب والطير كلها إلى نوح، شجرت له، فحمل منها. كما أمره الله) من كُلَّ زَوْجَيْن اثْنين (وحمل معه جسد آدم، وجعله حاجزا بينه وبين الرجال والنساء. قال، كان ابن عباس يقول: أوّل ما حَمَل نوح في الفُلْك من الدَّوَابّ الذَّرَّة، وآخر ما حمل الحِمَار فلما أدْخَلَ تعلّق إبليس بذَنَبِه فلم تستقلِ رجلاه، فجعل يقول: وَيُحَل ادْخُل. فينهض فلا يستطيع. فقال نوح: ادخل وإن كان الشيطان مَعك. قال كلمةً زلَّت عن لسانه، فلما قالها نوح خلَّى الشيطان سبيله فدَخَل ودخَل الشيطان معه، فقال له نوح: ما أدْخَلَك عليَّ يا عَدُوّ الله؟ فقال ألم تَقُل وإنْ كانَ الشيطان معك؟ قال: أخرُجْ عني يا عَدُوَّ الله. فقال: مالَكَ بُدَّ مِن أن تحملني. فكان - فيما يَزْعُمُون - في ظهر الفُلْك وغطاها عليه. فلما اطمأنّ نوح في الفلك وأدخل معه مَنْ آمَنَ به، وكان ذلك في الشهر من السنة التي دخل فيها نوح بهد ستمائة سنة من عُمْرِه عشرة ليلة خلت من الشهر. فلما دخل وحمل معه في السفينة من حمل تحرك ينابيع الغوط الأكبر، وفتحت أبواب السماء، كما قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم) فَفَتحنَا أبواب السَّماء بماءٍ مُنهمر وفجرنا الأرض عُيوناً فألتقى الماء على أمر قد قُدر (. فدخل نوح ومن معه في الفلك، وغطّى عليه وغطّى على من معه بطبقة، فكان بين أن أرسل الله الماء. وبين أن احتمل الماءُ الفلكَ أربعون يوماً، وأربعون ليلة، ثم احتمل الماءُ الفلك كَمَا زَعَم أهلُ التَّوراة، وكثر واشتد وارتفع، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم) وَحَمْلَناهُ عَلَى ذّاتِ ألَوْاحٍ ودُسُر (والدُّسُر المَسامِيرُ، مسامير الحديد، فجعلت الفُلْكُ تجري به وبمن معه في مَوْج كالجبال، ونادى نوح ابنه الذي هَلَك فِيمنْ هَلَك، وكان في مَعْزِلٍ حين رَأى نُوح مِنْ صِدْق مَوْعِد رَبَّه مارأى، فقال) يَابُنّيْ أرْكَبْ مَعَنا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الكَافِرِينَ (وكان شقياً قد أظهر كُفْراً. فقال) سآوِى إلى جَبِلٍ يَعْصُمنِي مِنَ الْمَاءِ (وكان عهد الجبال وهي حِرز من الأمطار، إذا كانت فظن ذلك كما كان يكون. قال نوح) لاَعَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللهِ إلاَّ مَنْ رِحَم وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْج وَكَانَ مِنَ المُغْرقِينَ (وكثر الماء وطفى، وارتفع فوق الجبال. كما يزعم أهل التوراة. خمسة عشر ذِراعا، فبادَ ما على وَجْهِ الأرض من الخلق، من كل شيء فيه الروح، أو شجر، فلم يَبْقَ من الخلائق إلا نوح ومَنْ معه في الفلك، والأعوج بن عنق. فيما يزعم أهل الكتاب.

وكان نوح ركب في السفينة ومن معه لعشر ليال مضَيْن من شهر رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام من صام يومَ عاشورا، وخرج الماء نصفين، فلذلك قوله تعالى) فَفَتَحْنَا أبْواَبَ السَّماَءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِر (يقول مُنْصَبّ) وَفَجَّرْنَا عُيُوناً فالُتَقَى الماءُ عَلَى أمْرٍ قَدْ قُدِر (فصار الماءُ نِصفين. نصف من السماء ونصف من الأرض، وارتفع الماءُ على أطول جبل في الأرض خمسة عشر ذٍراعاً، فسترت بهم السفينة فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء حتى أتَت الَرَم، فلم تدخله فكانت بالحرم أسبوعا، وقد رفع الله البَيْتَ من الغَرَق والحَجر الأسود على جبل أبي قبيس، فلما درات السفينة بالحرم ذَهبت في الأرض تسير على وجه الماء حتى انتهت إلى الجُودِيّ. وهو جبل بالحصين من أرض المُوْصِل. فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السبع، فقيل بعد الستة الأشهر) بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالمين (فغرق بنو قابيل كلُّهم. وما بين نوح إلى آدم، ومن كان أبى عن الإسلام. فلما اسْتَقَّرت السفينة على الجُوِدي) قيلَ يَا أرْضُ أبْلَعي مَاءَك (يقول أنْشِفي مَاءَك) وّيَا سَمَاءُ أقْلِعي (يقول احبسي ماءَك) وَغِيضَ الماء (نَشَّفَتْه الأرضُ، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض. ويقال ما بقي في الأرض من ماء الطوفان إلاَّ ماء بِحِسْمَى بَقَيَ أربعين يوما ثم ذهب وقيل ما كان زمن نوح شبِر، من الأرض إلا وله من يدعيه. وقيل أرسلَ الله الطوفان لِتَمَامَ ألْفَي سنة ومائتي سنة وخمسين سنة من لَدُن أهْبَطَ الله آدم من الجنة. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " في أوَل يوم من رَجَب رَكِبَ نوحٌ في السفينة، فصار هو ومَنْ معه وجَرَت بهم السفينة ستة أشهر. فانتهى ذلك إلى المحرم، فأرست السفينة على الجُودِيّ يومَ عاشوراء، فصار نوح وأمَرَ جميع مَن مَعهُ مِن الُوحُوشِ والدَّوَابِّ فصاموا شكرا للِه ". وعن ابن جُرَيجْ: قال كانت السفينة أعْلاَها الطْيُر، وأوسطها الناسُ وأسفلها السِّبَاعُ: وكان طولها في السماء ثلاثين ذِرَاعاً. وبإسناد عن ابن عباس قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم أبعث لنا رَجُلاً مِمِّنْ شَهِدَ سفينة نوح يحدثنا عنها. قال: فانطلق بهم حتى إذا انتهى إلى كثيب مِنْ تُرَابٍ فأخذ كفَّاً من ذلك التراب بكفه فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا الله ورسوله أعْلَم. قال: هذا حَامُ بنُ نوحٍ. قال فضرب الكَثِيبَ بِعَصاه وقال: قم بإذن اللهِ، فإذا هو قائم يَنْفضُ التُّرابَ عن رأسه وقدْ شَاب. فقال له عيسى: هكذا هلكت؟ قال: لا، ولكني مُتُّ وَأنَا شابُّ، ولكني ظَنُنْتُ أنَّها الساعة فمن ثَمَّ شِبْتُ. قال: حدثنا عن سفينة نوح: قال: كان طولها ألف ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدَّوَاب والوَحْش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير. فلما كثر أرواث الدَّوَابَ أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فوقع منه خنزير وخنزيره فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه أوحى الله إلى نوحأن اضْرِب بِيْن عَيْنَي الأسِدَ، فضرب بين عينيه فخرج من منخره سِنَّورْ وسِنَّورَة فاقتتلا على الفأر. فقال له عيسى: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال: بعث بالغُراَب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخَوْف، فلذلك لا يألف البُيُوت. قال: ثم بعث بالحَمَامَةِ فجاءت بوَرَقِ زَيْتُون بِمِنْقَارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت، فطوَّقها الخضرة في عُنُقِها، فدعا لها أن تكون في أُنْسِ، فمن ذلك تألف البُيُوت. قال، فقلنا: يا رسول الله ألا ننْطَلقُ به معنا إلى أهْلِنَا فيجلس مَعَنا ويُحَدَّثنا؟ قال: كيف يتبعكم مَنْ لاَرزْقَ له؟ قال، فقال: عُدْ بإذْن الله. فعاد تُرَاباً، قال: فلما خَرَج نوحٌ عليه السلام من السفينة أتَّخذَ بناحية قَرَدى من أرضِ الجَزِيَرة مَوْضِعاً، وابتنى هنالك قرية سماها " ثمانين " لأنه كان بنى فيها لكل إنسان بيتا ممن آمن معه، وكانوا ثمانين. فهي إلى اليوم تُسَمى " سوق ثمانين ".

ذكر أولاد نوح عليه السلام

قال أبو جعفر: وأوحى الله إلى نوح أنه لايُعيد الطوفان على الأرض أبداً. قال: وعاش نوح بعد الطوفان يعني بعد الألف سنة إلا خمسين عاما التي لبثها في قومه ثلاثمائة وخمسين سنة. وأما ابن اسحاق فذكر عنه أنه قال: وعَمَّر نوحَ فيما يزعم أهل التوراة. بعد أن هبط من الفلك ثلاثمائة وأربعين سنة. وكان عمر نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم قبضه الله إليه. وعن ابن عباس قال: ولما ضاقت بولد نوح سوق ثمانين تحوَّلوا إلى بابل فبَنَوْها وهي بين الصَرَاة والفُرات، وكانت اثنى عشر فَرْسَخاً في اثنى عشر فرسخا. وكان بابها موضع دُوران اليوم فوق جسر الكُوفَةِ، ثم رَبَلُوا فكثروا بها حتى بلغوا مائة ألف: وهم على الإسلام. وروى عن علي بن مجاهد عن ابن اسحاق عن الزهري وعن محمد بن صالح عن الشعبي قال: لما أهْبَط آدمُ مِنَ الجنة، وانتشر ولده أرَّخَ بَنُوه مِن هُبوطِ آدم، وكان ذلك التاريخ حتى بَعَث الله نوحاَ فأرخوا مَبْعث نوح، حتى كان الغرق وهَلَك مِمَّن على وجه الأرض. فلما هبط نوحٌ وذُرّيَتُه. وكلَّ مَن كان في السفينة إلى الأرض قسم الأرض بين وَلَدِه أثْلاثاً. قال: زعم أهل التوراة أنه ما وُلد لنوحٍ ولدٌ إلا بعد الطُّوفان، وذكر غيرهم أن مولد سام بن نوح قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة فجعل لسام وشطا من الأرض ففيها بيتُ المَقدِسَ والنيل والفُرات ودِجلة وسيحان وجَيْجَان وفيشْوُن وذلك ما بين قيشون إلى شرقي النِّيل وما بين مَنْخَر ريح الجنوب إلى منخر الشمال وجَعَل لحام قِسْمه غربي وما وراءه إلى مَنْخر ريح الدَّبُور وجعل قسْمَ يافث في فَيْشون وما وراءه إلى منخر ريح الصَّبَا فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبارهيم ومن نار إبراهيم إلى مبعث يوسف ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى ومن مبعث موسى إلى مُلْكِ سَلَيْمان ومن ملك سليمان إلى مَبْعث عيسى بن مَرْيم ومن مبعث عيسى بن مريم إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جميع أنبياء الله ورسله. فهذا الذي ذَكَرْتُ عن الشعبي من التأريخ ينبغي أن يكون على تأريخ اليهود. فأما أهل الإسلام فإنهم لم يؤرخوا إلا من الهجرة، ولم يكونوا يؤرخون بشيئ غير ذلك، إلا أن قريشاً كانوا. فيما ذكر. يؤرخون قبل الإسلام بِعَامِ الفِيل. وكان سائِر العرب يؤرخون بأيّامِهم المذكورة كتابهم، كتأريخهم بيوم جَبَلَة وبالكلاب الثاني، وبالكلاب الأول. وكانت النصارى تؤرخ بَعهدّ الإِسكندر ذي القرنين، وأحسبهم على ذلك التأريخ إلى اليوم. وأما الفرس فإنهم كانوا يؤرخون بعهد يَزْدَجرْد بن شهَرْيار بن كِسْرى أبْروِيز بن هِزْمِز بن كِسْرَى أنُوشِرْوَان، لأنه كان آخر من كان مْلوكهم مَاَكَ بَبِل والمشرق. ذَكر أولاد نوح عليه السلام ذكر وهْب بن مُنبِّة: أن نوحا عليه السلام دخل الفُلْك، وولده الثلاثة سام وحام ويافث، ونساؤهم، وأربعون رجلا، وأربعون امرأة، ولما خرجوا بَنَوْا قريةً بقْرِدَى فسَمَّوْها " سُوقَ ثمانين " وقرَّبَ قُرْبَاناً وصامَ شَهْر رَمَضَان، فهو أولّ من صام. ابن قتيبة: وفي التوراة أنه وُلِدَ لنوح سام وحام ويافث بعد خمسمائة سنة من عمره. وأما المتخلف عنه الذي قال له) يَابُنَي أرْكَبْ مَعَنَا وَلاَتكُن مَعَ الكَافِرين (فهو يَام، ولم أرَ لَهُ في التَّوراةِ ذِكراً، والناس جميعا من هؤلاء الثلاثة. عن هشام عن أبي صالح عن ابن عباس قال لنوح سام، وفي ولده بياض وادمه وحام، وفي ولده سَوَادٌ وَبَياضٌ قليل، ويافث، وفي ولده الشُّقْرَةُ والحُمْرة، وكنعان، وهو الذي غرق. والعرب تسميه يَام. وذلك قَوْلُ العَرَب: إنما هّام عَمُّنا يَام. قال: وأم هؤلاء واحدة. وقيل إنه كان لنوح قَبْل الطوفان ابنان، هلكنا جميعا. كان أحدهما يُقِالُ له كنعان. قالوا: وهو الذي غرق في الطوفان والآخر يقال له عابر، مات قبل الطوفان. وليس لهما عَقِب، وإنما الذين هم اليوم في الدنيا من بني آدم كلهم من ولد سَام وحام ويافث بني نُوح دون سائِر ولد آدم. كما قال الله تعالى) وَجَعَلْنا ذَرَّيتَّهُ هُمُ البَاقِين (قبل سام وحام ويافث.

ذكر حام بن نوح وولده

وقد رُوى عن سعيد بن المسيبّ قال: ولدَ نوحٌ أربعةَ نَفَر: سام، وهو أبو العرب وفارس والروم: ويافث، وهو أبو يَأَجُوجَ ومَأجُوج والتُّرك والصقّالِبة، وحام، وهو أبو البَرابِر والقِبْط والسّودَان، ويام، وهو الذي قال) سَآوِى إلى جَبل يَعْصِمُني مِنَ الْماء (قال: وولَدَ حامُ السِّنْدَ والهِنْدَ والزَّنْج والحَبَشة والسُّودان والبُّجّة والنُّوبَة والزطَّ والقِبْط والبَرْبر والنّسْنَاس. ومِنْ ولَدِ يافث يأجُوج ومَأجُوج والتُّرْك والصَّقَالَبة واللاَّن والشّاش والطارنيل وسورانيل وفارس وتاريس وتاويل وتناويل ومن ولد سام طَسْم وجَدِيس وجُرْهُم والعَمَالِيق وقُطُورَا وإدْرِيس والعَرَب وفَارِس وخُراَسان. ورُوىَ عن وهب بن مُنّبّه، أنه قال: الناسُ كلهم انتشروا من سَام وحَام ويَافث بني نوح عليه السلام. وحدثني سَهْل بن محمد السَّجِسْتَانِيَ قال، حدثنا الأصمعي، عن مسلمة، عن عَلْقَمةٌ المازني، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب: لأي ابني آدم كان النسل؟ قال: ليس لواحد منهما النسل، أما المقتول فقد دَرَج، وأما القاتِل فقد هَلَك نَسْلُه في الطوفان، والناس من بني نوح، ونوح من بني شيث بن آدم. قال وهب بن مُنَبّه: وكان مع نوح في السفينة ملكان، فلما قال الله عزّ وجلّ للسماء: أقْلِعي ماءك وللأرض ابْلَعي ماءَك قالا لنوح: ابْعث طيرا يأتِيَكَ بخبر الأرض. فبعث نوح الغُراَبَ فوجَدَ جيفةً طفت على الماء فاحتبس عليها يأكل منها، فلما أبطأ بعث الحمامةَ فلم تَلْبث أن أقبلت ومعها وَرَقَةُ زَيْتْونَة. فقال له الملكان ارْدُدْها تأتَيك بطين. فرجعت إلى المكان فوجَدَت بأعلى الجُودِيَّى مَكَاناَ من الأرض كأرفعة يُخسَر عنه الماءُ مَرَّة ثِمّ يَنْطَبق عليه، فأخذت منه طِينةً فذهبت بها إلى نوح، فقالا له الملكان اعرَف وَزْنَه فإنه قد أتتك بميزان الأرض كلها، واقسمه بين نبيك، وأقرع بينهم بالسهام، فمن يومئذ كانت السَّهَامُ ومعرفُة الميزان. فخرج سهم يافث فأخذ منها بكَفِّه ما أخذ، ثم خرج سَهْمُ سَامِ وحام، قُسِّمَت الأرضُ لَهُم أثلاثا. ذكر حام بن نوح وولده ونَكح حامُ بن نوح نحلب بنت مأرب بن الدرسيل بن مُخويل بن أخنوخ بن قابيل، فولدت له ثلاثة نَفَر: كُوش بن حام، وقَوَط بن حَامَ وكَنْعَان بن حام. فنكح كوُش بن حام بن نوح قدنبيل بنت بتاويل بن ترش بن يافث بن نوح، فولدت له الحَبَشَة والسَّنْد والهنْد. فيما يزعمون. ونكح قُوط بن حام بن نوح نحت بنت بتاويل بن ترش بن يافث بن نوح فولدت له القبط قبط مصر فيما يزعمون. ونكح كنعان ابن حام بن نوح ارسل ابنه بتاويل بن ترش بن يافث بن نوح فولدت له الأُسَاوِدَ والنوبةَ والتَّرابد والغُزَّان والزَّنْج والذِعارة وأجناس السودان كلها. وقال بعضهُم: ولد لحام بن نوح كُوس ومِصرايم وقُوط وكَنْعان فمن ولد كُوشُ نُمْرود المُتَّجبّر الذي كان بِبابِل، وهو نُمْروُد بن كَنْعَان ابن كَوس بن حام بن نوح. وصارت بقيّة ولد حام بالسواحل من المشرق والمغرب والنوبة والحبشة وقُرَّان. قال: ويقال إن مِصْرَايِم وَلَدَ القِبْط وبَرْبَرةَ، وأن قوطِا صار إلى أرض الهِنْد والسند فنزلها، وأن أهلها من وَلَدِه، والزّطّ مِن وَلَد حَام أيضا وهم مِنَ السَّند، فمن ولد حام بن نوح أجْنَاسْ السُّودان: الزَّنْج والنُّوبَة والزِغاوة والقِبْط والحَبَشَة وفُزَّان والسِّنْد والهِنْد وأهل المشرق والمغرب. قال: ومنهم نَمْرُود بن كَنْعَان بن كُوش بن حام بن نُوح. وروى عن ابن عباس أنه قال: إن السّند والهند والبُنْدَ من وَلَد سَام بن نوح. وروى عن ابن عطاء عن أبيه قال: وَلَدَ حامُ كلَّ أسَود جَعْدَ الشعر، وولد يافث كل عظيم الوَجْه صَغِير العَيْنَين، وولد سام حسن الوجه حسن الشعر.

ذكر يافث بن نوح وولده

قال: ودعا على ابنه حام ألا يعدو شعرُ ولدِهِ آذانهم، وحيثما لقي وَلَده ولَد سام اسْتَعْبَدُوهم، وكان حام بن نوح رَجلاَ أبيض حَسَن الوَجْهِ والصُّوَرة غيّر الله لونه ولَوْنَ ذُرَّيِته من أجل دَعْوِة أبيه نوح، وذلك أن نوحا عليه السلام لما خرج من السَفِينة غَرَس كَرْماً. ثم عصر من خمرة فَشَرِب وانتشى، فتعرَّى في جَوْف قُبَّته، فأبصر حام أبو كَنعان عَوْرَة أبيه فأطْلَع على ذلك أخويه سام ويافث، فأخذا رداءَ فألْقَيَا على عَوَاتِقهَما فَوَاَرَيَا عَوْرَة أبيهما، وهما مُدْبَران إجلالاً وهيبةً فاستيقظ نوح صلى الله عليه وسلم مِن نَشْوَتِه، وعلم ما فَعَلا به، فقال: ملعونٌ أوْلاَدُه عبيدُ يكونون لإخوته. وقال: مبارك سام، ويُكْثِرُ الله نسلَ يافث ويَحُلُّ في مسكن سام، ويكون كنعان عَبْداً لهما. قال وهب بن مُنَبّه: وولد حام بن نوح كُوشَ بن حام ومِصْرَايِم ابن حام، وقُوطَ بن حام. فولد كوشُ بن حام كَنْعَانَ بن كُوش ابن حام وولد كنعان بن حام النوبة والزنج والفزّان والحَبَش والسَّوَدان كلهم. وولد مِصْرَايِم بن حام وقوطُ بن حام القبْطَ والبَرْبَر. وسار قوط بن حام فَنَزل أرض السِّنْد والهِنْد، فالسند والهند من ولد قُوط بن حام. قال عبد الملك بن حبيب الأبرشي: وكانت دَخَلت منهم داخلة الأندلس فملكوهم، ولهم عندنا بَقِيّة يقال لهم القُوطِيُّون. قال ابن قُتَيْبَة: وإن نُوحاً انْطَلَق وتَبَعِة ولَدُه، ونزلوا بساحل البحر، فَكَّثَرهُم الله، وأنْماهُم، فهم السودان، وكان طعامهم السَّمَك، وكان يَلْصَق بأسنهانهم فحددوها حتى صارت مثل الإبَر، ونزل بعض ولده المغرب. وروى الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما رَقَدَ نوحٌ في السفينة انكشفت عورَتُه فنظرَ إليها أهلُ السفينة فاستحبوا أن يَسْتُرًوه ولم يَجترئ عليه أحدٌ بذلك لمكانه من الله عزّ وجلّ، فنظر إليه أبنُه حام فضَحِك ولم يَسْتُره، فلما نظر إليه سام قام وسَتَرَه عليه ثيابه، فأوحى الله إلى نوح بذلك، فقال نوح لحام: يا حام نظرت إلى عُرَّانا فلم تَسْتُرني وقد بدت عورتي إلى الناس؟! كَشَفَ الله عَوْرَتَك وعَوْرَة وَلَدك من بَعْدِك. وجعلهم عُرَاةً يكونون ما بقى منهم أحد. وأذلهم لَوَلَدِ سام، وجعل الله المُلْكَ والنبوة في ولد سام إلى يوم القيامة. فاستجابَ اللهُ له فلم يَجْعَل مِن ولد حان ولا يافث نَبيَّاً، ولا يجعله إلى يوم القيامة. ذكر يافث بن نوح وولده ونكح يافث بن نوح أدبيه بنت حزازيل بن الدرمسيل بن مخويل ابن أخنوخ بن قابيل بن ادم، فولدت له سبع نفر وامرأة، فممن ولدت له من الذكور: جومر بن يافث. وهو فيما ذكر عن أبن اسحاق أنه أبو ياجوج وماجوج، ومنهم مارح بن يافث، وحوان بن يافث، وتوبيل بن يافث. وهوشل بن يافث. وترسل بن يافث وشبكة بنت يافث. وقال قوم: إن يافث بن نوح ولد له خامر ومومع وموداني وبواني ويوان وماشج وتيريش، فمن ولد جامر ملوك فارس ومن ولد تيريش التّرك والخزرْ ومن ولد ماشج الأشبان، ومن ولد موعع يأجوج ومأجوج، وهم في شرقي أرض الترك والخزر، ومن ولد يَوَان القَّقَالِبَة وبرجان كانوا في القديم بأرض الرُّوم قبل أن يقع بها من وقع من ولد العيص وغيرهم. وقال وهب بن مُنَبَه: ولد يافث بن نوح جامر بن يافث، وسويد بن يافث، وترش بن يافث، وماشج بن يافث، ويأجوج بن يافث وبرجان بن يافث، وماذى بن يافث وفيراس، بن يافث، فولد جامر ابن يافث الصَّقالبة، وولد شويل بن يافث الأشبان وهم الأفارق وولد برجان بن يافث الإفرنج وولد ترش بن يافث الترك والخزر، وولد ماذي بن يافث همدان وبه سميت همدان، وولد فيراس بن يافث أهل خراسان، وولد ياجوج بن يافث مأجوج، وهم بشر كثير. وكان منازل الصقالبة وبرجان والإشبان وهم الأفارق بأرض الروم، وقصد كلُّ فريق من هؤلاء الثلاثة، سام وحام ويافث أرضا فسكنوها، ودفعوا غيرهم عنها.

ذكر سام بن نوح وولده

قال: ومن ولد يافث بن نوح ملوك الأعاجم كلها من الترك والخزر وغيرهم، والفرس الذين آخر من مَلِكِ منهم يَزْدَ جْرد بن شَهْريَار ابن أبْرَوِيز، ونسبه ينتهي إلى جومر بن يافث بن نوح قال ويقال أن قوما من ولد لاوذ بن سام ابن نوح وغيره من اخواته نزعوا إلى جوهر هذا بن يافث فدخلهم جومر هذا في نعمته ومُلْكَه. وأن منهم ماذي بن يافث وهو الذي تنْسَب إليه السُّيوف الماذَية، قال: وهو الذي يقال إن كيرش الماذوي من وَلَدِه. قال ونزل بنو يافث الصفون مجرى الشمال، والصَبَا وأخلى الله أرضهم، فاشتد بَرْدَها، وأخلى الله سَمَاءَهم فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية، لأنهم صاروا تحت بِنَات نَعشْ والجَدْي. والفَرْقَدَيْن. وابْتُلُوا بالطاعون، فجعل الله فيهم الحُمْرَة والَّشقْرَة، وعِظَم الوجه وصِغَرَ العينين. ونزل بنو حام مَجْرِى الجَنُوب والدَّبُور، ويقال لتلك الناحية الدَّارُوم، وجعل فيهم أدْمَة وبَيَاضاً قليلا، وأعمرهم بلادهم، ورفع عنهم الطاعون، وجعل أرضهم الأثل والأراك والعُشَرة والغاف والنخل، وجرت الشمس والقمر سمائهم. ونزل بنو سام المَجْدل سُرّة الأرض وهو وسطها الحَرَمُ وما حوله. وهو بين المَقْدِس والنِّيل ودجْلَة والفُرات وسَيَّحان وجَيَّحان وفيشوُن، وذلك ما بين فيشون شرقي النيل، وما بين مَنْخَر ريح الجنوب إلى منحر الشمال، وما بين ساتيل ما البحر، وما بين اليمن والشام، واليمن كله وحَضَرَمَوْت إلى عمان إلى البحرين إلى عدن وبيرين ووَبَار، والدُّو، والدَّهْناء. وكانت أخصب بلاد العرب. لأن نوحا عليه السلام كان قد قَسَّم الأرض في حياته بين أولاده الثلاثة سام وحام ويافث، فكان أولاد سام ينزلون هذه البلاد، وجعل الله فيهم النُّبُوّة والكتاب والجمال والأدمة والبيَاض فيهم. وقيل إن الروم بنو ليطن بن يونان بن يافث ابن نوح وقيل بل هم من ولد سام ولد العيض بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وقد ذكرنا شأن حام ويافث ابن نوح وولدهما، وشيء من أخبارهما يأتي فيما بعد. ونحن الآن نرجع إلى سَام بن نوح وولده كما اشترطنا في كتابنا إن شاء الله تعالى. ذكر سام بن نوح وولده ونكح سام بن نوح صليب بنت بتاويل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم فولدت له نفرا: أرْفَخْشَذ بن سام. ويقال أرفخشاذ وأشوذ بن سام، ولا وذبن سام، وعويلم بن سام. وفي موضع عليم بن سام - وإرَم بن سام. ولا أدري إرح لأم ارفخشذ وإخوته ام لا فمن ولد سام بن نوح الأنبياء والرُّسُل، وخِيَارُ الناس، والعرب كلها، والفراعنة بمصر. وكان سام بِكْرَ أبيه نوح، وكان مقامه بِمكةَ، وقيل إن نوحا دَعا لابنه سام بأن يكون الأنبياء والرسلُ من ولده، ودعا ليافث بإن يكون المُلُوك من وَلَدِه، وبدأ بالدعاء ليافث وقدّمه على سام، ودعا على حام أن يتغَّير لَوّنُه ويكون ولده عبيداً لَوَلد يافث وسام. قال: وذكر في الكتب أنه رَقّ على حام بعد ذلك فدعا له بأن يُرْزَق الرَّحمة من اخوته، ودعا من ولد ولده لكوش بن حام، ولحامر بن يافث بن نوح: وذلك أن عِدة مِنْ وَلَد الوَلَدِ لَحِقوا نوحاً فخدموه كما خدمه ولدُه لِصُلْبه فدعا لِعدَّة منهم. عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولد لنوح سّام وحَام ويافث. فولد سام العربَ وفارس والروم، والخَيْرُ فيهم، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصَّقَالَبة، فلا خير فيهم، وولد حام القبط والبَرْبَر والسُّوَدان. حدثنا عبد الله بن أيوب بن حيان القرشي قال، حدثنا يونس الأيلي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيُّب قال: ولد لنوح ثلاثة: سام وحام ويافث، فولد كل واحد منهم ثلاثةً. يعني من الأمم. وولد سام العرب وفارسَ والرومَ وكلهم فيهم الخير، وولد حامُ البَرَابِرَ والقِبْط والسُّوَدان وفيهم خيرٌ وشَرَّ. وولد يافث يأجوج ومأجوج والصَّقَالِبة، وليس فيخم خَيْر. وقال الحسن بن محمد حدثنا شيبان، عن قتادة، عن سَمُرَة ابن جُنْدب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم ". وروى عن ابن عباس أنه قال: العرب والفرس، والِّبط، والسند والهند، والبند من ولد سام بن نوح.

ذكر إرم بن سام وولده

وحدثنا هشام بن محمد عن أبيه قال: الهند والسند بنو نوقين بن يقطن بن عابد بن شالخ بن أرفخشد ابن سام بن نوح. ومُكران بن البند. وسام أبو العرب كلها بعربها ومعدَّها، وكذلك الأنبياء عجميْها وعربيّها والعرب كلهم يمانيها ونِزَاريُّها من ولد سام بن نوح. وأما عويلم فهم أهل الأهواز والسوس. وأما اولاد الأشوذ بن سام فهم أهل الجزيرة الحرامية ومن معهم من أهل الجزيرة. ويزعم بعض أن فارس من ولد أشَوذ بن سام والله أعلم - وأما ولد ولاوذ بن سام فَطَسْم، وجدِيس، وعِمْلِيق وفارس، وجرجان. وأما ولد إرم بن سام فعُوض وعابر، وحويل وماش، وبنو إدم بن سام بن نوح. والله أعلم ذكر إرم بن سام وولده فولد إرم بن سام بن نوح عابر بن إرم، وعوص بن إرم، وحويل بن إرم وماش بن إرم. وكان منزل إرم الأحْقاف، فولد عابر بن إرم ثمود ابن عابر بن إرم، منهم النبي صالح عليه السلام وعلى محمد أفضل الصلاة والسلام، وهو صالح بن كاتول بن أسف بن كاشح بن الأرْوع ابن المهل بن جادر بن جابر بن ثمود بن عابر بن إرم. وولد عوص بن إرم بن سام بن نوح عاداً وعبيلا ابني عوض بن إرم فسار عاد بولده يريد الأحقاف وهو يقول: يا قوم جيبوا صوتَ ذَا المُنادي ... سِيُروا إلى الأرض ذوي الأطوار اني أنا عادُ الطويلُ الغادي ... وسامُ جَدِّي ابن نوح الهادي فنزل عادُّ بولده الأحقاف ولم يزل ولدُ عاد بالأحقاف إلى أن كثروا وغيروا وبدلوا وتركوا المنهاج، فأهلكهم الله بالريح العقيم، إلاّ ما كان من ولد الخلود بن عاد، وهم وهود صلى الله عليه وسلم ومن آمن من ولده، وأهل بيته، فإنهم أنجاهم الله، ونزل بهم مَكَّة إلى أن مات، ثم نزل ابنُه قَحّطَان بن هود بولده أرض اليَمَن. فاما عبيل بن عَوض فسار بولده فنزلوا موضع الجُحفة، وإنما سُميت الجحفة لأنهم سكنوها جاءهم سيل فاجتحفهم إلا الشاذ منهم، فسميت الجحفة، ونزل يَثرِب بن قانية بن ملمس بن إرم بن عبيل بالمدينة، فسُمًّيت به، وعمَّرها هو وولده، فأخرجهم منها العماليق. وقال بعض ولده يرثيه: عَينَ جُودي على عَبيل وهَل ... يرجع مافات فيضها بانسجام عَمَّروا يثرباً وَلَيسَ بها ... سفر ولا مُبارح وَلا ذو سلام غرسوا لِيتها بمجرى مَعينِ ... ثم حَفُّوا الغيل بالأظلام وأما عاد فإنهم كانوا اثنتي عشرة قبيلة، وهم ضد، ورفد وزمر وصمد وجاهد، ومناف، ومحرم، وشود، والصمود، والعتود، والخلود، فمن بني الخلود عاد هود النبيّ صلى الله عليه وسلم. ابن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى هود عليه السلام جُماع قَبائل اليَمَن كلها. ولما كثُر ولدُ سام بن نوح صار المُلكُ فيهم في وَلَد عاد بن عَوص بن إرم بن سام بن نوح، فملكوا وتَجبروا، وتركوا المنهاج، فبعث الله إليهم رسوله هودا عليه السلام. وكانوا ينزلزن الأحقاد من الرمل، وهوه ما بين الشِّحر إلى عُمان إلى البحرين إلى عَالج وبَيرِين ووَبَار والدَّو، والدَّهناء. وكان كثرتهم ودهمائهم بالدو والدهناء وعالج ويبرين ووبار إلى عُمان إلى حَضَرَموت إلى اليمن كُله، وذلك أكثر بلاد الله رملا. فهم مع ذلك قد فَشَنوا في الأرض، وقهروا أهلها، وهم اثنا عشر بطنا وكان هود من بطن منهم يقال له الخُلُود، وقد أتينا بنسبه. يقول الله تبارك وتعالى) وَاذكر أَخا عَادٍ إذ أَنذَرَ قَومَهُ بِالأحقَاِف (. والحقف هو الرمل اليوم، فأما في دهرهم فكانوا أصحاب بناء ومساكن يقول لهم نَبِيُّهم) أتَبنُون بِكُل ريع آية تَعبَثُون وتَتَخذون مَصانع لَعَلكم تَخلُدون. وإذا بَطَشتُم بَطَشتم جَبارينُ (فلما ردوا ما أمرهم الله على لسان نَبيه هود أهلكهم الله بريح العقيم. وكانت بلاد عاد أخصبها الله عليهم جَعَلها مَفَارز وغيطاتاً، فكانوا اثنى عشر قبيلة، فأهلكهم كلهم إلا قبيلة واحدة، وهم بنو الخلود بن عاد، وكان منهم هود النبيّ عليه السلام، ونحن نذكر قصتهم في موضعها من الكتاب إن شاء الله.

ذكر لاوذ بن سام وولده

ولما أهلك الله قوم هود عليه السلام وهم قوم عاد لَحِق بولده ومن آمن معه بمكَّة، فلم يزل بها إلى أن مات. وكان ابنُه قَحطان ممن آمن به، وهو أبو اليمن كلها، وكان من المؤمنين. وقال في ذلك تُبَّع الأسعَد، وهو أبو كَرِب الحَميري: إنا قَحطان قحطان الهدى وأبو قحطان هود ذو الخفف المهدي نُوحُ جَدنانِسبة معروفة لا تختلف وكان قحطان بن هود أول من ملك اليمن. وأول من سُلم عليه بأبيت الَّلعن، ى ولده اليمن حين تيامنوا إليها ونزلوا بها. ولما انقرض قومُ عاد الذين كان المُلك فيهم، ولم يبق لهم نسل تحول المُلك هم في بني عَمَّهم قحطان بن هود وولده. وكان بنو عمهم ثَمُود بن عاد بن إرم سام بن نوح مُلوكاً من تحت أيديهم، وكانت منازلهم الحِجر ما بين الحجاز والشام، يقول الله جل ثناؤه يذكر عن نبيهم صالح حين حَذَّر قومه العذاب) وأذُكُروا إذ جَعَلَكم مِن بَعدِ عَادٍ وَبَوَّأكم في الأرض تتّضخذون مِن سُهولها، وتَنحون الجِبَاَل بُيُوتاً (. وهو قوله) وَثَمُود الّذِينَ جَابوا الصَّخرَ (. وقال) وَلَقَد كَذَّب أصحابُ الحِجر المُرسلين (وقال) كذَّبت ثَمُودٌ المُرسلين إذ قَال لَهم أخُوهُم صَاِلحٌ الا تَتَّقُونَ (. فأهلكهم الله بالصيحة يقول الله جل وعز) وأنَّهُ أهلك عَاَداً الأولى وَثَمُودا فَما أبقى (. يدل بهذه الأية أن القوم قد انقرضوا، وقد قال قوم: إن قبائل من العرب من بقيَّتهم ثقيف وظفار. ولما أهلك الله قوم ثمود بعقرهم النّاقة وانقرضوا، ثبت المُلكُ من بعدهم ورجع إلى قحطان بن هود وولده، وسكنوا اليمن. ومن ولد إرم بن سام بن نوح ماش بن إرم، ونزل بأرض بابل، فمن ولده نُمرُود بن كنعان بن ماش ابن إرم صاحب إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، وهو الذي بنى الصَّرح ببابل، وملك خمسمائة سنة، وفي زمانه فَرَّق الله الألسنة، فجعل في ولد سام تسعة عشر لسانا، وفي ولد حام سبعة عشر لسانا، وفي ولد يافث ستة وثلاثين لسانا. هذا عن ابن قتيبة، وهو قول وَهب بن مُنبه وقال غيره إن نُمرُود بن كنعان بن كوش بن حام، وهو قول ابن عباس. والله أعلم. وفي زمانه فَرق الله الألسنة، وذلك أنه دعا الناس إلى عبادة الأوثان. وكانوا على الإسلام، وهم ببابل - ففعلوا فأجابوه، فأمسوا وكلامهم السُّريَانية، ثم أصبحوا قد بَدَّل الله ألسنتهم، فجعل لا يعرف بعضُهم كلام بعض، فصار لبني سام ثمانية عشر لسانا، ولبني حام ثمانية عشرين لسانا، ولبني يافث ستة وثلاثون لسانا. وفهم الله العربية قحطان بن هود. ويقال إن النبط من ولد ساروج بن أرعوا بن فالغ بن فالج بن سام بن نوح، وإن نُمرُود هو أخو ساروج بن أرعوا. قال بن قُتَيبَة: وسموا النبط نبطا لإنباطهم المياه، وهم أول من أنبط الأنهار، وغرس الأشجار، وغمروا الأرض، وهم اهل البيت وأدنى العراق، ومنهم بُختُ نَصَّر، ويقال هو بُختُ نَصَّر بن تنوذ بن أدان بن سَحَاريت بن دَاريَاس، من ولد نُمرُود بن كنعان. والله أعلم. ويقال إن النبط من بني نبيط بن ماش بن إرم إبن سام بن نوح. قال ابن قُتيبة ويقال إن النبط سُموا نبطا لإنباطهم المياه. ذكر لاوذ بن سام وولده ونكح لاوذ بن سام بن نوح شبكة بنت يافث، فولدت له فارس، وجرجان، وأجناس الفرس. وولد لاوذ مع فارس: طَسم، وجَدِيس، وعِمليق. ولا أدري أهؤلاء لأم الفرس أم الا، فعمليق أبو العماليق، كلهم أمم تفرقت في البلاد، وكان منزل عِملِيق الحَرَم وأكناف مكة، ولحق بعضُ وِلده بالشام، فمنهم كانت العماليق الذين قاتلهم مُوسى ببني إسرائيل، ومن العماليق الَفرَاعِنة بمصر، منهم فِرعون يُوسف واسمه الرّيان بن اللوليد بن ثروان بن راشة بن قاران بن عمرو بن عِمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح. ومنهم قابوس بن المصعب بن معاوية بن نُمير السلواس بن قاران ابن عمرو بن عِمليق بن لاوذ بن إرم سام بن نوح. وكلاهما كانا في أيّام يوسف. ومن ولد الرّيان آسية بنت مَّزاحم بن عبيد امرأة فرعون موسى. ومنهم معاوية بن عمرو بن لاوذ بن بكر ابن شييم بن سكير بن هليل بن عمرو بن عمليق بن لاوذ صاحب الحَرادَتين، جاريتين كانتا له للأستسقاء.

وولد لاوذ أيضا أميم بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان كثير الولد، فنزع بعضُ ولده إلى حام بن يافث بالمشرق، وأجناس الفرس كلهم من ولده. وفي ذلك يقول بعض شعراء فارس: أبونا أمُيم الخيرِ مِن بَعِد فارس ... وفارس أرباب الملوك لهم فخر وقال قوم: الفرس بنو فارس بن تيرس بن باسود بن سام بن نوح، وقال آخرون: هم بنو فارس بن المرزبان بن الأسود بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام. وقال آخرون: بل هم لاوذ بن سام. وأكثر القول: إن فارس بن أمُيم بن لاوذ بن سام بن نوح، وفارس من ولد فهلوج بن إيران ابن الأسود بن سام بن نوح، فمن ولد الأسود إيران بن الأسود وبه سمي إيران شِهر ومن ولد إيران كوز. فقالوا كرمان رهط شهريار بنوكوين بن فهلوج بن إيران بن الأسود بن سام. قال: وكذلك سموا كِرمان، أي هم بقية ولد كرين بن فهلوج، وقالوا: سِجستان بنوأشك بن فهلوج. وقال ابن قتيبة طسم وجديس ابناء لاوذ نزلوا اليمامة، وكانت جديس قوما عرب يتكلمون بهذا اللسان العربي، وكانت جُديس تسكن اليمامة، فقتلتها طَسم وأَفنتها وطَسم أبناء لاوذ وأخوهما عِمليق بن لاوذ، نزل بعضهم الشام ومنهم العماليق تفر في البلاد، ومنهم فراعنة مصر، والجبابرة ومنهم ملوك فارس، وأهل خُرسان ومنهم من كان بالمشرق وعُمان والحجَاز، ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقر لهم الكنعانيون، ومنهم من كان بعمان والبحرين، أمة منهم يُسمون جاسم. قال: ولد أميم بن لاوذ بن سام وبار بن أميم، فنزل وبار بأرض وبار برَمل عالج وكان ولده قد كثروا بها وربلوا، فأصبتهم من الله نقمة من معصية أصابوها فهلكوا وبقيت منهم بقية، وهم الذين يقال لهم النسناس، يزعم العرب أنهم قد بعضهم للرجل والمرأة نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة، ويد واحدة ورجلواحدة تدخل في شق واحد ينفرون كما تنفر الظباء، يقال لهم النسناس. وإنما سُمِّيِت وَنَبار لَوِبَار بن أمَيْم، ووَبَار بلاد لايطؤها الناس، امتنعت من الجِنّ، وهم فيما يزعمون أكثر أرض الله نَخْلاً. محمد بن إسحق، عن عامر بن الأسود بن وهب الثقفي، عن بعض العرب: أن رجلا مِنَ الجِنَّ وقف في الجاهلية بسُوق عُكَاظ على بعير له مثل الشاة، ثم قال حتى أسَمَعَ النَاس، وكانت عكاظ سوقاً من أسواق العرب يجتمعون فيها. فقال: مَنْ يُعْطِني سِتَّا وسِتِّين بَكْرَة ... هِجَاناَ دراما أهداها لَوبَار ثم ضرب بعيرة فَلَمع به كالبرق والعرب تزعم إنما يمنعهم منها أن سكانها الجن، وأنه قد خاذ خائض منهم إليها، فلم يقدر على أن يطمئن بها مِنْ عرف الجِنَّ إذا أمسوا، فتركتها العرب وبها آثار الناس مساكن ودور ليس بها ساكن. قال أو حاتم السِّجِسْتَاني: وذكر بعض الثقات من شيوخنا: أن رجلا من اليمن رأى في إبله جَمَلاَ كأنه الكَوْكَب بياضاً وحُسناً، فأقره فيها حتى ضربها، فلما لقحت ذهب راجِعاً حتى كان العام المُقبِل وإنه قد جاء قد نتج الرجل إبله، وتحركت أولادُها: فلم يزل فيها حتى ألقحها، ثم كرّ راجعا، وتبعه أولادُه وتَبِعَه الرجلُ، فلم يزل فيها حتى صار بعين وبار - وهي عين ماء الجن لا يَدْرِي أحدٌ ماهي اليوم - فأدركها عند إبل وَحْشِيَة وحَمِير وظباء وبقر ونَخلْ قَدَ بَلغ ثَمَرها، وأنها ليس بها أحداً يطوَّها، ولا يعلم بها، وتلك الوحوش تحميها. قال وإنه أتاه ردلُ من الجِنّ فقال له ما أوقعك هنا؟ فقال: تبعتُ إبلي هذه. فقال: لو كنتُ قَدِمْتُ إليك قَبْلُ لَقَتَلْتك، ولكن اذهب ولا تعُد، وعمد إلى إبله فحازها له، وصرفها معه فيزعمون أن هذه النجائب المَهْرِيَّة من ذلك النسل، وجاء الرجل فحدّث به بعض ملوك كِنْدة فطلبها حتى أعيا. فلم يَقْدر عليها، ولم يهلم أين هي حتى الساعة، فتلك عين وبار. وحدثني، أصحابنا قال: خرج رجلٌ من إرم ينعى على ضالة له، فوقع على وَبَار، فرأى نَخلاَ كثيرا وماءً وثَمْراً مَطْرُوحاً تحت النخل، ثم رجع فأخبر بما رأى، ثم عَلَّم الطريق بعلامات، فاجتمع معه قومٌ ومضوا أياما، وطلبوا العلامات فلم يقدروا على وبار، ولم يَرَوْها.

قال: وكان طسُم بن لاوذ ساكن اليمامة وما حولها قد كثروا بها وربلوا إلى البَحْرَين: وكانت طَسْمٌ والعماليق قوماً عَرَباً لسانُهم الذي جُبِلُوا عليه لسان عربي، وكانت فارس من هذا المشرق يتكلمون بهذا اللسان الفارسي. فعادٌ وثمود والعماليق وأمَيْم وطَسم وجَديس وجاسم وبنو قحطان بن هود هم العرب العاربة، لأن لسانهم الذي جبلوا عليه عربي. ويقولون لبني إسماعيل بن إبراهيم العرب المعترية، لأنهم إنما تكلموا بلسان هذه الأمم حين سكنوا أظهرهم وكانت عاد بهذه الرملة إلى حضر موت واليمن كله، وكان الله قد أعطاهم بسطة في الخلق. وكانت ثمود بالحِجْر بَيْن الحجاز والشام إلى وادي القُرى إلى ما حوله، ولحقت جديس وطَسْم وكانوا معهم باليَّمامَة وما حولها إلى البحرين، وأسم اليمامة إذ ذاك " جَوّالي أن بَغَتْ جَديس على طَسَمْ فغزاهم تُبَّعَ فأبادهم. ونزل العماليق البَحْرَيْن وعُمان، ثم انتشروا في البلاد حتى ملأوا جزيرة العرب، وحدود جزيرة العرب في الطول ما بين العُذَيب إلى عَدَن. قال الهَيْثَم بن عَدِيّ، قال مجاهد: سئل الشّعَبيّ عن جزيرة العرب فقال: ما بين العُذَيب إلى حَضَرَمَوْت. قال: أخبرني أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السَجِسْتَاني، قال حدثنا أبو عُبَيْدة مَعُمَر بن المَثَنَّى، قال: جزيرة العرب خمسة أقسام، تِهَامَةوالحجاز، ونَجْد والعَرُوض واليَمَن، وذلك أن جبل السَّراة. هو أعظم جبال الَعَرب. أقبل من ثغرة اليَمَن حتى بلغ أطراف بَوَادي الشام، فسمته العرب حجازا: لأنه حَجَز بين الغور وهو هابط وبَيْن نَجْد، وهو ظاهر ثم صار ما خَلْف هذا الجبل من غريبة إلى سيَاف البحر من بلاد الأشعريين، وعَكَّ. وفرسان كنانة وما حولها إلى ذات عرِقْ والجُحْفة وما صَاقَبها وغَعَار من أرضها الغور غَوْر تِهامة وتهاكة تجمع ذلك كلّه. وصار شَرْقي هذا الجبل من الصَّحَارَى والنَخَلُ إلى أطَرْاف العِراق والسَّمَاوة، وما يليها نَجْداً، ونَجْد تَجْمَع ذلك كله. وصار الجبل كله سراة، وسمي السراة لارتفاعه وهو الحجاز والحجاز ما احتجز به من الجبال، وشرقي مُرْد والحرار إلى ناحية فيد وجبلي طَي إلى المدينة ومن بلاد مذحج، وهي متاخمة اليمن إلى تثليث وما دونها إلى فيد حجازا، والعرب تسميه نَجْداً وجِلْساً وحجازا، والحجاز يجمع ذلك كله، وصارت اليمامة والبحرين وما والاها عَرُوضا. وفيها تهايَّم ونُجُود. ونجد لقربها من النجاد وانخفاض مَسَايل الأودية، وصار ما خلف تثليث إلى صنعاء إلى حَضَرَمَوْت والشَّحْر وعُمان يَمَناَ، وفيها التهايم والنجد. واليمن يجمع ذلك كله. ويتلوه الذي في الرقعة عجلا مُصْعداً حتى يَنْحَدر إلى ثنايا ذات عرق فإذا فعلت ذلك فقد انتهت إلى البَحْر، وإذا عرضَتْ لك الحرار. وأنت بنَجْد فتلك الحجاز، وأذا تصوبت فالحجاز مكة والمدينة وما والاهما. والعرب تسمى اليمامة والبحرين العَرُوض، قال أبو المنذر هشام بن محمد: بن السائب إنما بلاد العرب الجزيرة لإحاطة البحور بها والأنهار بها من أطرافها وأقطارها، فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحور، وذلك أن الفراق أقبل من بلاد الرُّوم فظهر بناحية قنسرين، ثم انحط إلى أطراف البَصْرة والأبُلّة، وامتد البحر من ذلك مُطِيفاً ببلاد العَرَب، مُنْعَطفَاً عليها، فأتى منها على سفوان وكاظمة، ونفذ منها إلى القطِيَف وهَجَر، وأسياف قطرُ عُمان. ومال منه إلى حَضَرَمَوْت وناحية أبين وعدن ودهلك واستطال ذلك العنق، فطعن إلى تهايُم اليمن بلاد فَرَسان وحكم والأشعريين وعَكّ ومضى إلى ساحل جدّة، وحازَ ساحل المدينة ثم ساحل الطُّور وخليج أيْلة، وساحل بانه حتى بلغ قَلْزَم مصر، وخالط بلادها، وأقبل النيل في غربي هذا العنف من أعلى بلاد السُّودان مستطيلا معارضا للبحر معه حتى دفع في بحر مصر والشام، ثم أقبل ذلك البحرُ من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين، فمر بعَسْقَلان وسواحلها، حتى إذا أتى على ساحل الأردن، وعلى بيروت وذواتها من سواحل دمَشْق، ثم نفد إلى سواحل حِمْص وسواحل قُنسرين حتى خالط الناحية التي أقبل منها الفرات منحطا على أطراف قنسرين والجزيرة إلى سوادِ العِراق. قد ذكرت العرب هؤلاء الخمسة الأقسام في أشعارها.

" قصة قوم عاد حين أهلكهم الله ببغيهم بالريح العقيم "

قال: وذات عرق جبل بين تهامة ونجد. قال أبو المنذر وكانت الأرضُ ثلاث منازل، فما كان قبل مَهَبِّ الشمال والصُبَا وهو الصفوان عن يمين الشمال إلى مَغْرَبَها فلبني يافث بن نوح، فجعل الله فيهم الشقرة والحُمرة لبُعْد أرضهم وسمائهم من الشمس، واشتد بردها، فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية، لأنهم صاروا تحت بنات نعش والجَدْي والفَرْقَدْين، وابتلوا بالطاعون، وما كان من مَهَبّ الجنوب والدّبُور وهو لدّاوُم عن يسار الشمس إلى مغربها وسماءهم، وأجرى الشمس والنجوم فوقهم، ورفع عنهم الطاعون. وما كان من سرة الأرض، وهو المَجْدل ما بين المشرق إلى المغرب فلبني سام بن نوح، والمجدل ما بين ساتيد ما إلى البحر، وما بين البحر إلى الشام. وقال الشرقي: نزل سام بن نوح الشام أوّل من نزلها فسميت به، وقال الكلبي: لما تفرقوا من بابِل أخذ قومُ يمينا فسميت اليَمَن، وأخذ قوم شمالا فسميت الشام، فجعل الله تعالى لبني سام النبوة والكتاب والملك والجهاد والأدمة والبياض، فللعرب من المجدل ما دون هذه الخمسة، تهامة ونجد والحجاز والعَرْوض واليَمَن. والحجاز مكة والمدينة وما والاهما، والعرب تسمى اليمامة والبحرين العروض، لأنها كانت في ناحية العرب معترضة. وأما السواد فإنهما سودان البصرة وسواد الكوفة فأما سواد البصرة فالأهواز ودست مَيْسان، وفارس. وأما سواد الكوفة فكُسْكُر. وحُلْوَان والكُوفة والجَزِيرة - هي ما بين دجلة والفرات - والموصل من الجزيرة إلى الجودي. قال: ومن العماليق بنو مأرب بن قاران بن عمرو بن عِمْلِيق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكانت عبيل ابن العوص بثيرب، فأخرجتهم العماليق منها إلى الجحفة، فأقبل سيل فاجتحفهم، فسميت الجحفة لذلك. وفي موضع آخر ثم لحقت عبيل بموضع يَثْرب ولحقت العماليق بصنعاء قبل أن تسمى صنعاء، ثم انحدر بعضهم إلى يثرب وأخرجوا منها عبيلا، فنزلوا بموضع الجُحفة فأقبل سيل فاجتحفهم وذهب بهم، فسميت الجحفة، وذكر هودَ النبي صلى الله عليه وسلم وقصة قومِهِ. قال وهب بن منبه: هو هود بن عبد الله بن أرباح بن جادب بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. " قصة قوم عاد حين أهلكهم الله ببغيهم بالريح العقيم " كانوا ممن طغى وعَتا على الله تعالى بعد نوح عليه السلام، فأرسل الله إليهم رسُولاً فكَذّبوه وتَمادَوْا في غَيَّهم، فأهلكهم الله. هذا الحيان من إرم بن سام بن نوح أحدهما بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وهي عاد الأولى وكانوا اثنى عشر قبيلة، وهم: ضد، ورفد، ورمل، وزمر، وصمد، والخلود، فمن بني الخلود هود النبي صلى الله عليه وسلم بن أخلود بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم. ذكر أنساب القحطانية قال إنما أهلكهم الله بعقرهم الناقة، ثَبَت المُلك من بعدهم ورَجَع إلى قحطان بن هود وولده وسكنوا اليمن، وكان الملك قد تحول إلى قحطان بن هود وولده بعد أن أهلك الله قومٌ عاد، وهم بنو عمَّهم، وكان قحطان بن هود أوّل من مَلَك اليمن، وأوّل من سُلِّمَ عليه بأبيت اللَّعْن كما كان يَقال للملوك من بعده، واليمن كلُّهم من ولده، وجماعهم اليه، وسُمي ولدُه اليمن حين تيامنوا إليها ونزلوا بها، وكان بنو عمهم ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح مًلُوكا من تحت أيديهم، فلَّما أهلكهم الله بعقرهم الناقة ثبت الملك في ولد قحطان قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الباهلي: أجمع النساب على أن اليمن من ولد قحطان من هود - إلى آخر الباب إلى قوله البيئيون لا يسلبهم إلى ذلك ثم يتلوه قال فلم يزل الملك في ولد قحطان بن هود مُذ أهلك الله قوم عادٍ، وثَمُوُد يتوارثونه من أبيهم قحطان بن هود من ذلك العهد إلى أن جاء الله بالإسلام، وبعث نبيه محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام. وقد كان سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لما كبر سِنُّه وضَعُف بَصَره وجسمه. والحيّ الثاني ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح وهم بنو عمهم، فعاد وثمود هم العرب العاربة.

فأما عاد فإن الله أرسل إليهم نبيه هودا عليه السلام، وكانوا أهل أوثان ثلاثة يعبدونها، يقال لأحدهم صَدّاء والآخر صَمُود والثالث الهباء. فدعاهم إلى توحيد الله، وإفراده بالعبادة دون غيره، وترك ظُلْم الناس فكذبوه، وقالوا من أشدُّ مِنَّا قوّة؟ فلم يؤمن بهود منهم إلا القليل، فوعظهم هود إذ تمادوا في طغيانهم، فقاب لهم) أتَبْنُونَ بِكُلَّ ريِعٍ آيةً تَعْبَثُون وتتّضخَذُونَ مَصَانِع لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُون وإذا بَطَشْتُم بطشتُم جَبَّارِيَن فأتَّقُوا الله وأطِيعُون وأتَّقُوا الَّذي أمَدَّكُم بما تَعْلَمْونَ أمدَّكُمْ بأنْعَامٍ وبنين وجَنَّاتِ وعُيُون إني أخافُ عَلَيْكُم عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم (فكان جوابهم له) سَواءٌ عَلَيْنَا أوَعْظتَ أمْ لَمْ تَكُن مِنَ الوَاعِظين (وقالوا) ياهُودُ مَا جئتنا بَبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتارِكي آلِهَتَنل عَنْ قَوْلِك وَمَا نَحْنُ لَكَ بُمؤمِنِين إنْ تَقُولُ إلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتَنا بِسُوء (فحبس الله عنهم القَطر فيما ذكروا. سنين ثلاثا حتى جهدوا، وتوالت عليهم في تلك الثلاث السنين الريحُ تهبُّ عليهم بغير مطر ولا سحاب، فجمعوا من قومهم تسعين رَجُلاً وبعثوا بهم إلى مكة يستسقون لهم، وكلن سكان مكة في ذلك الوقت العماليق، وعيهم بكر بن معاويى العمليقي، وكان من قصتهم كما ذكر ابن إسحاق. قال: إن عاداً لما أصابهم الله بالقحط ما أصابهم، وجهدوا قالوا: جهزوا منكم وفداً إلى مكة فليستسقوا لكم، فبعثوا قيل بن عنز، ولقيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن ضد بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عُفير. وكان مسلما يكتم إسلامه. وجلهمة بن الخبيري خال معاوية بن بكر العمليقي أخا أمه، ثم بعثوا لقمان بن عاد بن عاديا من بني ضد بن عاد الأكبر، فأنطلق كل واحد من هؤلاء القوم ومع كل رجل منهم رهط من قومه حتى بلغ عدة وفدهم سبعين رجلا، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر العمليقي وهم بظاهر مكة خارجا من الحرم. فأنزلهم وأكرمهم، فكانوا أخواله وأصهاره، وكانت طويلة بنت بكر أخت معاوية وأمه وأمها بنت الخبيري عند لُقَيْم بن هُزَال بن هزيل بن عبيل بن ضد بن عاد الأكبر، فولدت له عبيد بن لقيم بن هزال بن هزيل، وعمرو بن لُقيم بن هزال وعامر بن لقيم بن هزال، وعمير بن لقيم بن هزال كانوا في أخوالهم بمكة عند معاوية بن بكر العمليقي - وكان مسيرهم شهرا، ومقامهم شهرا، فأقاموا عنده يشربون الخمر وتغيبهم الدرادتان - قينتان لبكر بن معاوية العمليقي - فلما رأى معاوية طول مقامهم. وقد بعث بهم قومهم. يتغوثون بهم من البلاء الذي أصابهم سقَّ ذلك عليه، وقال: هلك أخوالي وأصهاري، زهؤلاء مقيمون عندي، وهم أضيافي نازلون عليَّ، والله ما أدري كيف أصنع بهم؟ أستحي أن آمُرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه، فيظنوا أنه ضاق بي مقامهم عندي، وقد هلك من قومهم من وراءهم جهداً زعطشاً كما قال، فشكا ذلك من أمرهم قَيْنَتَيْه الجَرَادَتَيْن، فقالتا: قل شِعْرا نغنيهم به، لا يدرون من قاله، لعل ذلك يحركهم. فقال في ذلك معاوية بن بكر حين أشارتا عليه شعرا: ألا يا قيل قمْ فِينا فَهَيْنهم ... لَعَلَّ الله يصحبنا غماما وقد يسقى أرض عادٍ إن عاداً ... قدَ أمْسوا لا يبينون الكَلاما من العطش الشديد فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كلنت نساؤهم بخير ... فقد أمست نساؤهم أيَامَا وإن الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لِعَادِيةٍ سِهاما وأنتم هاهنا فيما اشتَهَيْتُم ... نهاركم وليلكم نياما فقبح وفدكم من وفد قومٍ ... ولا لقي التحيَّة والسَّلاما قال فلما قال معاوية ذلك الشعر غنتهم به الجرادتان، فما سمع القوم ما غنتا به قال بعضهم لبعض: ياقوم، إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، وقد أبطأتم عليهم، فادخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم. فقال مرثد بن سعد بن عفير: إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم هودا سُقيتُم. فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم جُهْلَمة بن الخبيري خال معاوية بن بكر حين سمع قوله وعرف أنه قد تبع دين هود وآمن به:

ألا يا سعد إنك من قبيل ... إلى عاد وأمك من ثمود أتأمرنا لنترك دين رفد ... وزمر آل ضد والعتود ونترك دين آباء كرام ... ذوي رأي ونتبع دين هود فإنا لن نطيعك ما بقينا ... ولسنا فاعلين بما تريد ورفد وزمر وضد والعتود قبائل من قبائل عاد. وقد تقدم ذكرهم. ثم قال لمعاوية بن بكر وابنه بكر: احبس عنا مرثد بن سعد. ولا يقدمن معنا مكةن فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا، ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد، فلما ولوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية حتى ادركهم بها قبل أن يدعوا الله بشئ مما خرجوا له، فلما انتهى اليهم قام يدعو الله، وبها وفد عاد وقد اجتمعوا يدعون الله. فقال: اللهم اعطني سؤلي وحدي، ولا تدخلني في وفد عاد مما يدعوك به وقد كان قيل بن عنز رأس وفد عاد فقال وفد عاد بن عادياز وكان سيد عاد. اللهم اعط قيلا ما سألك، واجعل سؤلنا مع سؤله حتى إذا فرغوا من دعائهم قال وكان قد تخلف عن وفد عاد نعمان بن عك فقال: اللهم إني جئتك وحدي فأعطني سؤليز وقال قيل بن عنز حين دعا: يا إله هود، إن كان هود صادقاً فأسقنا فإنا قد هلكنا. فأنشأ الله سحائب ثلاثا: بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى مناد من السحاب: يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب؟ فقال: اخترت السحابة السوداءن فأنها اكثر السحاب ماءز فناداه مناد اخترت رماداً أرما، لا يبقي من عاد احد ابداً، ولا والد ولا ولدا، إلا جعلته همدا، إلا اللوذية المهدي وبنو اللوذية بنو لقيم بن هزال بن قزيل بن هزيلة بنت بكر، كانوا سكانا بمكة عند اخوالهم. لم يكونوا مع عاد بأرضهمن فهم عاد الاخرة، ومن كان نسلهم الذين بقوا من عاد وساق الله السحابة السوداءز فيما يذكرون. التي اختارها قيل بما فيها من النقمة إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيثن فلما رأوها استبشروا و)) قالوا هذا عارض ممطرنا ((يقول الله تعالى)) بل هوما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شئ بأمر دبها ((أي كل شئ مرت به، وكان اول من أبصر مافيها، وعرف أنها ريح فيما يذكرون. أمراة من عاد يقال لها مهدد، فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت، فلما افاقت قالوا: ماذا يا مهدد؟ قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النيران، أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم)) سبع ليال وثمانية أيام حسوما ((، كما قال الله تبارك وتعالىز والحسوم: الدائمة. فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك، فأعتزل هود. فيما ذكر لي. ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه ومن معه منها إلا ما تلين عليه الجلود وتلذ الانفس، وأنما لتمر من عاد بالطعن ما بين السماء والارض وتدمغهم بالحجارة. عن العباس بن الوليد، عن محمد بن اسحاق قال: لما خرجت الريح على قوم عاد من الوادي قال سبعة رهط منهم، احدهم الخلجان، وكان فيما يقال إنه رئيسهم في ذلك الزمان وكبيرهم. فقال للسبعة الرهط: تعالوا حتى نقيم على شفير الوادي. فجعلت الريح تدخل تحت الواحد منهم فتحمله ثم ترمي به فتدق عنقه، فتركتهم كما قال تعالى)) كأنهم اعجاز نخل خاوية ((حتى لم يبق منهم إلا الخلجان، فمال إلى الجبل، فأخذ بجانب منه فهزه فأهتز في يده، ثم أنشأ يقول: لم يبق إلا الخلجان نفسه ... يالك من يوم دهاني أمسه بثابت الوطء شديد وطسه ... لو لم يجئني جئته أجسه فقال له هود: ويحك يا خلجان، اسلم تسلم. فقال ومالي ربك إن أسلمت؟ قال: الجنة، فقال: فما لهؤلاء أراهم في هذا السحاب كأنهم البخت؟ قال هود: تلك ملائكة ربي. قال: اسلمت اينقذني ربك منهم؟ قال ويلك، هل رأيت ملكاً يعيذ من جنده؟! قال لو فعل ما رضيت ثم جاءت الريح فألحقته بأصحابه. أو كلاماً ماهذا معناه. فأهلك الله الخلجان وأفنىخلا من بقي منهم بمكة، ونجى هودا ومن آمن به.

ذكر وفد عاد

وعن السدى: وذلك ان عادا لما كفروا وطغوا أتاهم الله هود فوعظهم، وذكرهم بما قص الله في القرآن. فكذبوه وكفروا، وسألوا أن يأتيهم بلآ آية؟ فقال)) إنما العلم عند الله وابلغكم ما ارسلت به ((وإن عاد أصابهم حين كفروا قحط من المطر وجهد حتى جهدوا لذلك جهداً شديداً، وذلك أن هوداً دعا عليهم فخرجت عليهم الريح العقيم من موضع قدر عسقة خاتم، وهي الريح العقيم التي لا تلقح الشجر، فلما نظروا إليها قالوا: هذا عارض ممطرنا، فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والارض. وتقطعهم الجبال، فلما رأوها تبادروا إلى البيوت. فلما دخلوا البيوت دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم اخرجتهم من البيوت وأصابتهم)) في يوم نحس مستمر ((والنحس هو المشئوم ومستمر: استمر عليهم العذاب)) سبع ليال وثمانية ايام حسوما ((حسمت كل شئ مرت به. فذلك قوله تعالى)) كأنهم أعجاز نخل منعقر ((وقال في موضع آخر)) كأنهم أعجاز نخل خاوية ((أي خوت فسقطت، فلما اهلكهم الله ارسل عليهم طيراً أسود فنقلهم إلى البحر فألقاهم فيه. ولم ترخج الريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ، فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالهان فذلك قوله تعالى)) فأهلكوا بريح صرصر عاتية ((والصرصر ذات الصوت الشديد. وكان وهب بن منبه يقول: إن عاداً لما عذبهم الله بالريح التي عذبوا بها كانت تقلع الشجرة العظيمة بعروقها، وتهدم عليهم بيوتهم، ومن لم يكن في بيت هبت به الريح حتى تقطعه بالجبال، فهلكوا بذلك كلهم. وقيل في قوله تعالى)) ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات المعاد التي لم يخلق مثلها في البلاد ((. قال قوم: أراد قوم عاد بن أرم بن سام بن نوح فنسبهم إلى ارم. وقال بعضهم: إرم اسم مدينتهم والله اعلم. وكانت عاد اثني عشر قبيلة، كلهم هلكوا الا بني الخلود، وهم الفخذ الذين منهم هود عليه السلام وكان هود عليه السلام قد اعتزلهم ومن معه من المؤمنين في حظيرة فأنجاهم الله من العذابز وقال المهلهل بن جبيل شعراً في ذلك: لو أن عاداً سمعت من هود ... واتبعت طريقة الرشيد وقد دعا بالوعد والوعيد ... عاد بالتقريب والبعيد ما اصبحت عاثرة الجدود ... ولهى على الانوف والخدود ساقطة الاجساد بالوصيد ... ماذا جنى الوفد من الوفود أحدوثة للابد الابيد. وقال مرثد بن سعد: دعاهم خيفة للرشد هود ... فما تقع التذير ولا أجابوا فلما أن أبوا إلا عتوا ... أصابهم ببغيهم العذاب فلما أهلك الله قوم هود عليه السلام، وهم قوم عاد. أقام هود بحضرموت مع أصحابه في خصب وخفض عيش، وتوفي بحضرموت وقال بعض: لحق هود ومن آمن معه بمكة، ولم يزالوا بها حتى ماتوا والله اعلم. وكان قحطان بن هود ممن آمن بأبيه هود عليه السلام: وهو أبو اليمن كلها، وهو أول من نزل بأرض اليمن بولده وملكها بعد قوم عاد، فسموا ولده اليمن حين تيامنوا إليها ونزلوها، وكان قحطان من المؤمنين. وقال في ذلك تبع الاسعد وهو أبو كرب الحميري: جدنا قحطان الهدى ... وأبو قحطان هود ذو الحقف ثمت المهدى نوح جدنا ... نسبة معروفة لا تختلف وكان هود رجلا أدما، كثير الشعرن حسن الوجه، وكان عمره مائة وخمسين سنة. ذكر وفد عاد رجعنا إلى ذكر الوفد الذين بعثهم قومهم يستسقون لهم حين بلغهم ما نزل بقومهم من العذاب، وما كان من أمرهم. قال: وخرج وفد عاد الذين بعثهم قومهم يستسقون لهم من مكة حتى مروا بمعاوية بن بكر العليقمي وابنه، فنزلوا عليه، فبينما هم عنده إذ اقبل راكب على ناقة في ليلة مقمرة مساء ثالثة من مصاب عاد فأخبرهم الخبر، فقالوا: أين فارقت هوداً وأصحابه؟ فقال: فارقتهم بساحل البحرن فكأنهم شكوا فيما حدثهم به. فقالت لهم هزيلة بنت بكر، صدق صدق ورب الكعبة، ومثوب بن يعفر ابن اخي معاوية بن بكر معهم. وقد كان قيل. فيما يزعمون والله اعلم. لمرثد بن سعد ولقمان بن عاد - وقيل بن عنز - حين دعوا بمكة: قد اعطيتم مناكم، فأختاروا لأنفسكم، إلا انه لا سبيل إلى الخلدن فإنه لابد من الموت. فقال مرثد بن سعد: يا رب أعطني براً وصدقاًزفأعطي ذلك.

ذكر نبي الله صالح عليه السلام

وقال لقمان بن عاد: أعطني ربي عمراً، فقيل له: اختر لنفسك إلا انه لا سبيل إلى الخلد فقال: ابقاء أبعاد ضأن عٌفرٍ في جبل وعر، لا يناله القطر أم سبعة أنسر، إذا ما مضى نسر حولت إلى نسر؟ فأختار لقمان لنفسه النسور، فعمر لقمان فيما يزعمون عمر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضته فيأخذ الذكر منها لقوته، حتى إذا مات اخذ غيره، فلم يزل يفعل ذلك حتى اتى إلى السابع وكان كل نسر يعيش فيما يزعمون. ثمانين سنة، فلما لم يبق غير السابع، قال اخرج ابن اخ للقمان: أي عم ما بقى من عمرك إلى عمر هذا النسر. فقال له لقمان: أي ابن اخي، هذا لبد ولبد بلسانهم الدهر. فلما ادرك نسر لقمان وانقضى عمر طارت النسور غذاة من رأس الجبل ولم ينهض فيها لبد. وكانت نسور لقمان تلك لا تغيب عنه، إنما هي بعينه، فلما لم ير لقمان لبداً نهض مع النور إلى الجبل لينظر ما فعل لبد فوجد لقمان في نفسه وهنا لم يكن يجده قبل ذلكن فلما انتهى إلى الجبل رأى نسره لبدا واقعاً بين النسور، فناداه: انهض لبدن فذهب لبد لينهض فلم يستطيع وقد عريت قوادمه وسقطت، فماتا جميعاً. وقيل لقيْل بن عنز حين سمع ما قيل له في السحاب: اخْتَر لنفسك كما اختار صَاحِبَاك. فقال: أختار أن يُصِيبَني ما أصاب قَوْمي، فقيل له: إنَّهُ الهَلاَكُ، قال: لاأبالي، لاحاجة لي في البقاء بَعْدَهم، فأصابه ما أصاب عاداً من العذاب، فَهَلَك. فقال مرثد بن سعد بن عفير حين سمع من قول الراكب الذي أخْبَر عن قوم عاد بما أخبر من الهلاك. فقال في ذلك شعرا: عَصَتْ عادٌ رسولَهُم فأمسوا ... عِطَاشاَ ما تَبُلُّهم السماء وسيَر وفدهم شهرا ليسقوا ... فأردفهم مع العطش العَمَاءُ بكُفْرِهِم بَربِّهِمُ جهَاراً ... على آثار عَادِهِمُ العفاءُ فَلاَ رَحِمَ الإ آهُ جُلُودَ عاد ... فإن قلوبهم قَفْرٌ هَوَاء من الخبر المبين إن يعوهٍ ... وما تُغْنِي النَّصِحةُ والشِّفَاء فنفسي وبْنَتَاي وأُمّ ولدي ... لِنَفْسٍ نَبِيِّنا هود فداء أتانا والقلوب مضمرات ... على ظُلِم وقد ذهب الضَّياء لنا صنم يقال له صَمْودٌ ... يقابله صداءً والهباء فأبصره الذين له أنابوا ... وأدرك من يصدقه الشقاء فإني سوف ألْحَقُ آل هودٍ ... وإخوته إذا جَنَّ المَسَاء ذكر نَبِيِّ الله صالح عليه السلام قال وهب: إن الله تعالى بعث صالحاً حين راهق الحُلُمَ وكان رجلا أحمر إلى البياض. سبط الشعر، وكان يمشي حافيا، ولايتخذ حذاء، كما يمشي المسيح، ولايتخذ مسكنا ولا بيتا، ولا يزال مع ناقه رَبَّهِ حَيْثُ توجَّهت، وهو صالح بن عبيد بن أنيف ابن ماشخ بن عبيد بن جائر بن ثَمُود بن عابر بن إرم بن سام ابن نوح: فبعثه الله تعالى إلى قومه وهو غلام، وكان بينه وبين هود فترة خمسمائة سنة، وكانت منازل قومه الحِجْر وبين الحجر وبين القرح ثلاثة عشر ميلا، وقرح: وادي القرى. وكان الله عزَّ وجل بعث صالحا إلى قومه من ثمود حين كفروا نعمة الله وأظهروا الفساد في الأرض، وعَتَوْا عن أمره. وكانوا يسكنون الحجر إلى وادي القُرى بين الحجاز والشام. وكان الله أمْهَلَهم في الدنيا، فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من الممَدرَ فيتهدم والرجل منهم حَيَّ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بُيُوتْاً فَرِهِين، فنحتوها وجابوها وجوفوها، وكانوا في سعة من مَعَاشِهم. فلما أهلك الله تبارك وتعالى قومَ عاد الذين كَاَنَ المُلْكُ فيهم وانقرضوا ولم يبق لهم نسل تَحَوَّل المُلْك من بعدهم إلى قَحّطَان بن هود بن عبيد الله شالخ بن أخلود بن الخلود بن عاد بن عَوْص ابن إرم بن سام بن نوح وولده وَهُم بنو عمهم.

وكان قحطان بن هود أوّل من مَلَكَ اليَمَن، وأوّل من سُلِّمَ عليه بأبَيْتَ اللَّعْنَ: كما كان يقال للملوك من بعده، واليمن كلهم من ولده وجُمَّاعُهم إليه. وسُمِّيَت ولده اليَمَن حين تَيَامَنُوا إليها ونزلوا بها. وكان بنو عَمِّهم ثَّمُود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح مُلُوكاً من تًحْتَ إيديهم، وكانت منازلهم الحجر إلى واد القرى بين الحجاز والشام. وكان الله تبارك وتعالى قد أمهلهم في الدنيا وأطال أعمارهم حتى جعل يبني المسكن من المدر فينهدم وهو بعد حي. وفي نسخة وهو صالح بن آسف بن كاشح بن إرم بن ثمود بن عابر فبعثه الله رسولا يدعوهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، حتى عَتَوْا عن أمِرْ ربهم فكفروا به وأفسدوا في الأرض، وكان من جوابهم له) قالُوا: يا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوْاً قَبْلَ هَذّا أتَنْهاَناَ أنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإنَّنَا لَفِي شَكٍ مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ مُرِيب (وكان الله قد مدَّ لهم في الأعمار، يقول الله جل ثناؤه يذكر عن نبيه صالح حين حذّر قومه العذاب فقال) وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُم خُلَفَاءَ من بعد عادٍ وَبْوأكُمْ تَّتخِذونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصٌوراً وتَنْحِتُونَ الجَبَالَ بُيُوتاً (وهو قوله) وَثَمُودَ الَّذِيَن جَابُوا الصَّخْرَ بالْوَاد (وقال) وَلَقدْ كَذَّبَ أصْحَابُ الحِجْرِ المُرْسَلِين (. وقال) إذْ قَالَ لَهُمْ أخُوُهُمْ صَالِحُ ألاَ تَتَّقُونَ (. فلما قال له قومه أئتنا بأية أتى لهم بهضبة فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل، ثم انشقت عن الناقة، وعَاقِرُ الناقةِ هو أحْمَرُ ثَمُود الذي يُضْرَب به المثل في الشُّوْم، واسمه قدار بن سالف، وكان أحمر أشقر أزرق قصير القامة والعاقرُ الآخر مصدع بن مهرج، وكان رجلا نحيفا طويلا أهوج مضطربا. ولما عقرت الناقة صعد فصيلها جبلا ثم رغا، فأتاهم العذاب. قال غير وهب: فلذلك تقول العرب في القوم إذا هلكوا: رغا فوقهم صقب السماء.

وكان الله تبارك وتعالى قد بعث إليهم صالحاً رَسُولاً يدعوهم إلى توحيد الله والإفراد بالعبادة حين عتوا على ربهم وَكَفَروْا به، ولم يزل صالح يدعوهم إلى الله وهم على تَمَرُّدِهِم وطُغْيَانِهم، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا مباعدة من الإجابة، فلما طال ذلك من أمرهم وأمر صالح قالوا: إن كنت صادقا فادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله، فدعا صالح ربه ثم قال لهم: اخرجوا إلي هضبة من الأرض. فخرجوا، فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل. ثم إنها تفرَّجَت فخرجت من وسطها الناقةَ، فقال لهم صالح:) هَذِهِ نَاَقَةُ الله لَكُمْ آيّةٌ فَذَرُوها تأكُلْ في أرْض الله وَلاَ تَمَسوُّها بِسُوءٍ فَيَأخُذكم عَذَابٌ ألّيم (وقال) لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمَ مَعْلُومٍ (وكان شربها يوما وشربهم يوما، فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء وحلبوها، فملآوا منها كل إناء ووعاء وسقاء فإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء ولم تشرب منه شيئا فملئوا كل إناء وسقا فأوحى الله إلى صالح: أن قومك سيعقرون ناقتك فكلمهم في ذلك. فقالوا: ما كنا لنفعل. فقال لاتعقروها أنتم، أوْشَك أن يولد فيكم مولود يَعْقِرها. قالوا: وما علامة ذلك المولود؟ فو الله ما نجده إلا قتلناه. قال إنه غلام أشقر أصهب أحمر قال: وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لأحدهما ابن يرغب له عن المناكح، وللآخر ابنة لا يجد لها كفوا، فجمع بينهما مجلسٌ فقال أحدهما لصاحبه: ما منعك أن تُزَوِّج ابنك،؟ قال: لا أجد له كفواً قال فإن ابنتي كفو له، وأنا أزوُّجه بها. قال فزوّجَه إياها فولد بينهما ذلك المولود، وكان في المدينة تسعة رهط يُفْسِدُون في الأرض ولا يصلحون. فلما قال صالح إنما يعقرها مولودٌ فيكم اختاروا ثماني نِسْوة قَوَابل من القرية أدخلوا معهن شُرَطاً كانوا يطوفون في القرية، فإذا وجدوا المرأة تتمخض نظروا ما ولدها؟ فإن كان غلاماً قبلنه فينظرون ما لونه. وإن كان جارية أعرضوا عنها، فلما وجدوا ذلك المولود صَرخ النسوةُ وقُلْنَ هذا الذي يريُد رسولُ الله صالح، فأراد الشُرَطُ أن يأخذوه، فأحال جَدَّاه بينه وبينهم، وقالوا لهم: إنْ صالح أراد هذا قتلناه. فكان شَرَّ مَوْلُودٍ، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة فاجتمع الثمانية بعد التسعة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون - وفيهم الشيخان قالوا: استعمل عَلَيْنا هذا الغلام، لمنزلته وشرف جديه، وكانو تسعة وكان صالح لا ينام معهم في القرية. كان في مسجد يقال له مسجد صالح فيه يبيت الليل، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم، فإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه قال فأرادوا أن يمكروا بصالح فائتمروا بينهم بقتله. فمشوا حتى أتوا على سَرَبٍ على طريق صالح فاختبأ فيه ثمانية، وقالوا: إذا خرج علينا قتلناه، وأتينا أهله. فخرج عليهم، فبيتناهم، فأمر الله الأرض فاستوت عليهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

وقيل إنهم لما عزموا على قتله فأقبلوا حتى دخلوا تحت صَخْرَةٍ يرصدونه، فأرسل الله عليهم الصَخَّرة فرضختهم فأصبحوا رضخا: فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم فإذا هم رُضخ فرجعوا يصيحون في القرية: أي عباد الله أما رضى صالح أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم؟ فاجتمع أهل القرية على عَقر النَّاقة أجمعون، وأجمعوا عنها إلا ذلك الابن العاشر فمشوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة، فقال الشقي لأحدهم: أئتها فأعقرها، فأتاها فتعاظمه ذلك، فأضرب عن ذلك، فبعث آخر فأعظم ذلك، فجعل لا يبعث رجلا إلا تعاظمه أمرها. حتى مشى إليها وتطاول فضرب عُرقُوبها فوقعت ترتكض، فأتى رجل منهم صالحا فقال: أدرك الناقة فقد عُقرت. فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه يل نبي الله إنما عقرها فلان، إنه لا ذنب لنا.: قال: انظروا هل تدركون فصيلها، فإذا أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب. فخرجوا يطلبونه، فلما رأى الفصيلُ أمه تضطرب أتى جَبَلا. يقال له القادة قصيرا فصعده، فصعدوا وذهبوا ليأخذوه. فأوحى الله إلى الجبل فتطاول في السماء حتى تناله الطير: قال: ودخل صالح القرية فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه، ثم استقبل صالحا فَرَغا رغوة، ثم رغا أخرى ثم رغا ثالثة، فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم، وذلك قوله تعالى) فَقَالَ تَمتَّعُوا في دَارِكم ثَلاثَة أيّامٍ ذَلِكَ وَعَد غَيرُ مَكذُوبٍ (ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تُصبحُ وجوههم مُصفَرَّة، واليوم الثاني مُحمَرَّة، واليوم الثالث مسودة. فلما أصبحوا في اليوم الأول فكأن وجوههم طُليت بالخلوق صَغِيرهم وكبيرهم وذكرهم وأناثهم، فلما أمسوا صَاحوا بأجمعهم ألا إنه قد مضى يوم من الأجل، وحضرهم العذاب، فلما أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم مُحمرَّة كأنها خُضِّبت بالدِّماء، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يومان من الأجل وحَضركم العذاب، فلما أصبحوا في اليوم الثالث فإذا وجوهُهُم مُسودة كلها كأنها طُليت بالقار، فصاحوا جميعا ألا قد حَضِركم العذاب فتكفنوا وتحنطوا وكان حنوطهم الصَّبر والمُقل. وكانت أكفانهم الأنطاع. ثم ألقوا نفوسهم بالأرض فجعلوا يَقلبون أبصارهم إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة لا يدرون من حيث يأتيهم العذاب، من فوقهم من السماء أو من تحت أرجلهم من الأرض خُشَّعاً فُرقا. فلما أصبحوا، اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فتقطعت من صوتها قُلُوبهم في صدورهم، فأصبحوا في ديارهم جاثمين. وعن ابن جُريج قال: حُدَّثتُ أنه لما أخذتهم الصيحة أهلك الله من بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلا واحدة. كان في حرمه الله، وهو أبو رغال، ويقال إن أبا رغال هو ثقيف. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى على قرية ثمود قال لأصحابه، لا يدخلن أحد منكم القرية، ولا تشربوا من مائهم وأراهم مُرتقى الفصيل حينَ أرتقى في القارة. وبإسناد عن ابن جُريج عن النبي صلى الله عليه وسلم حين مروا على قرية ثمود قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين: إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يُصيبكم ما أصابهم " قال ابن جريج، قال جابر بن عبد الله وغيره: لإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى على الحِجرِ حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث الله لهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم ورودها. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الاول قبل كُل كَيفِية والآخر بعد فناء كل البَريَّة. الذي لا تُدرك الأوهام كُنهه فيوصف. ولا له فيما خلق نظير فَيُعرَف. جل عن الصفة والأنداد. وتعالى أن يُشار إليه بالأولاد. فهو الواحد القهار. المَلِكُ الجبار. الذي لم يتخذ ولدَّا ولم يَكُن لهُ شرِيكٌ في الملك، ولم يكن لهَ ولىٌّ من الذُّل وكبرهُ تكبيرا.

الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من ماء مهين. ثم سوّاه ونفخ فيه من روحة وقال) وجَعَل لَكمُ السَّمعَ والأبصَارَ والأفئدة قليلا ما تشكرون (وقال) ومن آياته خَلقُ السَّموات والأرض واختلافُ ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين (. وقال) وَجعلناكم شُعُوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللهِ أتقاكُم إن الله عَلِيم خبيرُ (. وصلى الله على محمد النبي المبعوث عِند احلِولاكِ السُّبل، وتبديل المِلَك، وعلى عِترته الطيبين. وآله الطاهرين، وسلم عليه وعليهم أجمعين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أما بعد فإني نظمت هذا الكتاب وجمعت فيه أنساب العرب وتشعُّب قبائلها وافتراق معديها وقحطانيها، وجعلتها طبقة دون طبقة، فقد روينا عن الكلبي في رواية كتاب الأنساب أنه قال: إنما تعرف أنساب العرب على سِتَّ طبقات. فأولها شعب، وقبيلة، وعمارة، وبطنُ وفخدُ، وفصيلة. وما بينها من الأنباء فإنما يعرفها أهلها. فمضر شعب، وربيعة شعب، وحمير شعب وكهلان شعب وكذلك ما سواها من القبائل الكبارن وإنما سميت الشعب لأن القبائل تشعبت منها. وسميت القبائل لان العمائر تقابلت عليها، والشعب تجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطن، والبطن تجمع الافخاذ، والفخذ يجمع الفصيلةز فمضر شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقضى بطن، وهاشم فخذن والعباس فصيلة، وعلى هذا يجري. وحدث محمد بن حبيب الهاشمي، عن ابيه أنه قال: إنما وضعت الشعوب والقبائلن والعمائر والبطون، والأفخاذ، والفضائلن والعشائر على تركيب خلق الإنسانن فلذلك سمي الانسان شعوباً، وهو الشعبن لأن الجسد تشعب منه، ثم القبائل هو رأسه، وهي الاطباق. ثم العمائر وهو الصدر وفيه القلب، ثم البطون وهو البطن وفيه ما استبطن الكبدو الرئة والطحال والأمعاء، فصار مسكنا لهن ثم الأفخاذ والفخذ أسفل من البطن، ثم الفصائل وهي الركبة لأنها انفصلت من الفخذ، ثم العشائر وهي الساقان والقدمان لأنها حملت ما فوقها بالحب وحُسن المعاشرة، فلم يثقل عليه حمله، وقال القطامي سُميت العربُ - حين تفرقوا من إسماعيل بن إبراهيم، وقحطان بن هود بن عابر - الشعوب، وذلك حين تشعبوا. وقال الشاعر يذكر ذلك: فبادوا بعد أنهم وكانوا ... شعوباً شعبت من بعد عاد ثم القبائل حين تقابلوا ونظر بعضهم إلى بعض في حلة واحدة وكانوا كقبائل الرأس. قال الله تعالى) وجعلناكم شُعُوبا وَقَبَائل (يريد أهل اليمن وقبائل ربيعة وُمضر) لِتَعَارفوا إن أكرمكم عِندَ الله أتقاكُم (يذكر محمدا صلى الله عليه وسلم وآله وسلم. وقال صبيح بن معدان بن عدي بن أفلت الطائي يذكر ذلك: قَبَائلُ من شُعُوبٍ لَيَس مِنهُم ... كَرِيمٌ قَد يُعدّض وَلَا نَجيبُ وقال آخر في مثل ذلك: قَبِيلة مِن شُعُوب ضَلَّ سَعيُهًم ... لا خَير فيهم سِوى كُثر من العدد ثم العمائر حين غَمروا الأرض وسكنوها. قال رجل من بني عمرو بن عامر ربيعة بن صعصعة يقال فرازة. لحيَّين من مُحارب يقال لهما عامر ومساجم. أبن أبي السرى: مساجم بالجيم. قال: عمائر من دون القبيل أبوهم ... نفاهم إلينا عامرٌ ومساجم ضممناهم ضمّض الكريم بنانه ... فنحن لهم سلم وإن لم يسلم ولغيره. في مثل ذلك: لكل أناس من معد عمارة ... عروض إليها يلجأون وج ثم البطون حين استنبطوا الأدوية ونزولها. وبنو البيوت من الشَّعر ودعم فقالت العرب بيت فلان، وبقي من آل فلان بيتان، وهم أهل أبيات. وقال من الأزد: بطون صدق من ذوي العمائر ... مِ الأزد فانضمت إلى وقال آخر: استنبطوا أو ساروا وقد علموا ... إن لا رجوع لهم ماحبب وقال عرار بن ظالم بن فرازة حين فارقتهم هاربة بنت ذبيان فحالفوا بني ثعلبة: استنبطوا البطن لا يألون ما رفعوا ... بذل الجمال فلم تُرفع لهم كانوا لنا قوم صِدق من عمائرنا ... أيام آبائهم للحل عمّهم ثم الأفخاذ، والفخذ الأصغر. وقال الأريجي في مثل ذلك: مقري نبي أرحب للضيف مُترعة ... وكل مقرى لكم تأتيه

إني امرؤ صادق رأيي وكلكم ... إذا راموا غدايانهم ثم الفصائل، وهي الفصيلة، وهم الأحياء حين انفصلوا من الأفخاذ، قال جل ذكره) وفصيلته التي تُؤوبه (. وقال الكلبي لقوم حالفا بني معد مدلج: فصيلة باتَتْ من الأفخاذ ... فخالفت جَهْلاّ بني معاذ ثم العشائر حين انضم كل نبي أب إلى أبيهم دون غيرهم، فحسن تعاشرهم. وقال هذييل بن قُتَيب الطائي لبني ثعلبة بن حارثة بن لأم فقال: وكنت لكم عشيرا من أبيكم ... فلا صَفَدَّ لاو لا قول جميل فصرت لكم عدوا ما بقيتم ... بني الميقات ما لنجح الأصيل وليس بعد العشيرة شيء تنسب إليه العشيرة مثل عبد مناف وظنرائهم من القبائل. وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه عليه السلام) وَأنْذِرْ عَشِيَرتَك الأقْرَبيِنَ (خرج صلى الله عليه وسلم يمشي حتى قام على الصَّفا، ثم قال: يا آل فِهْر فجاءته قريش كلها، فقال له عمه أبو لهب هذه فِهْر كُلُّها عِنْدَك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا آل غالب. فرجع بَنْو مُحَارِب بن فِهْر وبَنُو الحارث بن فِهْر، وبقي بنو غالب بن فهر. ثم قال: يا آل لُؤَيّ فرِجع بنو الأدْرَم، وهم تَيْمُ بن غالب، وبقي لؤي بن غالب. فقال: يا آل كَعْب. فرجع بنو عامر بن لؤي، وبقي بنو مُرَّة فقال يا آل مرة بن كعب فرجع بنو جمع وبنو سهم ابني عمرو بن هصيص بن كعب، وبنو عَدِي بن كعب. فقال يا آل كِلاب. فرجع بنو تميم بن مُرَّة، وبنو مخزوم بن يقظة. فقال: يا آل قُصَيّ. فرجع بنو زُهْرة بن كِلاب. فقال يا آل عَبْد مناف. فرجع بنو عبد الدار ابن قُصَيّ، وبنو أسيد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ، فقال له عمه: هذه عبد مناف عندك. فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جَلَّ وعزَّ أمرني أن أنْذِر عَشِيرتي الأقْرَبين، وأنتم الاقربون إلى مِنْ قريش كلها، وإني لا أملك لكم من الله حَظاً ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله، فأشهدُ بها لكم عند ربكم، وتدين لكم العرب، وتذل بها لكم العجم. فقال له أبو لهب: تَبَّاً لك، ألهذا دعوتنا؟ ف، زل الله جل ذكره) تَبَّتْ يدا أبِي لَهَبٍ وَتَب (أي خسرت يدا أبي لهب وخسر. وبدأت في الأنساب بذكر نسب مَعَدّ بن عدنان وقدمته على نسب يَعْرُب ابن قحطان، لأن منهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلم أر أن أذكر نسبه بعد أنساب ولد يَعْرُب بن قحطان، كما فعل بعض أهل النسب. وقد تَقَدَّم ذكر نسب يَعْرب بن قحطان على مَعَدّ بن عَدَّنان، وقال إنما قدم لأن يعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية. وروى عن الشعبي أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت حين عُرِجَ بي إلى الجُدُود فرأيت جَدَّ قَيْس بروضة خضراء ينبع منها الماء. فأوَّلْت ذلك شراء أموال وتدفق بالنوال. ورأيت جد عامر بن صعصعة في النار ورأيت جملا أورق مقيدا بعضهم يأكل من عروق الشجر ويخبط الورق فأولته عدداً كثيراً. ورأيت جد فزارة رجلا جملا مُقْحَما في الناس يمرُّ الناسُ بين يديه ورجليه، فأولته أنه لا يزالون يَلُون عَمَلاً على أمتي. ورأيت جد ثقيف جملا أجرب لا يَمُرّ بشيء إلا لَطَخَه وغَّيَّره فأولته أنه لا يقربهم أحد إلا أجربوه. ورأيتُ جد تميم صَخْرةً في النار لاتقع على شيء إلا أسقطته، فأولته أنه لايضرهم مَن كَادَهم. ورأيت جَدَّ بَكْر بن وَائِل فَرَاشاً يتهافت في النار، فأولته أنهم أسرع الناس إلى الشرَّ، ورأيت جَدَّ قضاعة شجرة خضراء كثيرة الأعصان ثابته الأركان، فأولته عدداً كثيراً وعِزّاً باقياً، ورأيت جَدَ اليَمن فرأيت الحياء والكرم، ورأيت رجلا أزرق أحمر قصيراً يَحُرّ قُصَبَه في النار. فقلت: من هذا؟ فقيل لي عمرو بن لحي ابن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، ومن ولده أكثر بطون خزاعة، وفيه وفي ولده كانت سدانة البيت، وهو أول من عَبَد الأصنام، وبَدَّل الحنيفيَّة، وبَحَّر البحيَرة، ووصَل الوصيلة، وسَيّب السائبة، وحمى الحَامِ وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام.

" ذكر معرفة أسماء الشعوب والقبائل والبطون والفصائل "

فأما البحيرة فإنها كانت الناقَةُ إذا نَتِجت خمسة أبطن، عمدوا إلى الخامس مالم يكن ذكرا ففتقوا أذنها وجُلُودها لا يُجزُّ لها وَبَرٌ ولا يذكرون اسم الله عليها إن ذُكَّيَت، ولا يُحْمَل عليها شيء، وكانت ألبانها للرجال دون النساء. وأما الوَصَيِلَة فكانت الشاة إذا وَضَعَت سبعة أبطن، عمدوا إلى السابع فإن كان ذكرا ذُبحَ، وإن كان أنثى تُرِكَ في الشاء، فإن كان ذكرا وأنثى قيل وَصَلَت أخاها فَحرُما جميعا وابن الأنثى منهما للرجال دون النساء. وأما السائبة فإن الرجل كان يسيّب لآلهته ماله لشيء إما نذرا وإما تَطُوعاً، إما بهيمة أو إنسانا، فيكون حَرَاماَ أبدا، نَفعُها للرجال دون النساء. وأما الحامُ فالفحل إذا أدركت أولاده فصار ولده جَذَعا قالوا: حمى ظهره، أتْرُكُوه، فلا يُحْمَل عليه، ولا يُرْكب، ولا يُمَنَع ماءً ولا مَرْعىً. فإن ماتت هذه الذي جعلوا لآلهتم أشركوا فيها الرجال والنساء وهو الذي أراد الله بقوله عز وجل) وَقَالُوا مَا في بُطُونِ هذِه الأنْعَامِ خَالِصَةً لِذَكُوُرِنَا وَمُحَرَّمُّ عَلَى أزْوَاجَنا (قال الله عز وجل) وإنّ يَكْنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ (وحملني أن أنظم في هذا الديوان كتابا في الأنساب لأنه قد تقدم لنا كتاب يُبَيّنُ الحكمة في الحِكَمِ والأمثال، وبعده كِتَابُ مُحْكم الخَطَابة في الخطب والرسائل. وجعلت مُوَضّح الأنساب واسطة، وبعده كتاب ممتع البلاغة في الوفود والوافدات، وإليه كتاب أنس الغرائب في النوادر والأخبار والفكاهات والأسماء، لأن هذه الأربعة الأجزاء التي. " ذكر معرفة أسماء الشعوب والقبائل والبطون والفصائل " قال تعالى تبارك وتعالى) وَجَعَلْناكُم شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعارَفُوا إنَ أكْرَمَكُمْ عِنْد اللهٍ أتْقَاكُم (قال: أحياء تَشَعَّبت، والقبائل والشُّعوب هي الفِرَقُ. وقيل في قوله تعالى) وَجَعلْناكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعارَفُوا (أي كل شعب، وهي بالكلام والهيئات، فيعرفُ بعضُهم بعضا، وفي تفسير الضّبَّيّ: لتعارفوا أي ليعرف كُلُّ أدنى واحد مِنْكُم نَسَبَه، فلا تختلط الأنساب، ولا يفتخر رجل بسبه على أخيه. وعن ابن عباس قال: الشعوب من اليَمَن، والقبائل من مُضَر وَرِبيعة. ) إنّ أكْرَمَكُم عِنْدَ اللهْ أتْقَاكُمْ (قال: محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل نَزَلت في بِلالِ بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال في سَلْمَانَ الفَارِسيّ والله أعلم. وقال الخليل: الشَّعّب ما تشَعّب من قبائل العرب والعجم، والجميع شُّعُوب، ويقاب الشَّعْب بالفتح. الحيُّ العظيم الذي تَشَعَب منه القبائل، وتقول: الْتأم شَعْبُ بَني فُلان: أي كانوا مفترقين فاجتمعوا، وتقول تفرّق شَعْبُ بني فلان إذا كانوا مجتمعين فنفرَّقُوا قال الشاعر: شتَ شَعب الحيِّ بعد الْتِئَام ... وشجاك اليوم ربع المقام وقال بعضهم: شَعَبْتُ القومِ: أي فَّرقْتُ بينهم، وشعبت أي أصلحت بينهم. وكذلك شعَبَتُ إذا فَرَقْته، وشعبته إذا جمعته. قال: وهذا من الأضداد. وقال الخليل: هذا من عجائب الكَلاَم وَوَسْعِ العربية أن يكون الشَّعْبَ تُفَرُّقاً ويكون تَجَمَّعاً. وعن الكلبي في رواية كتاب الأنساب أنه قال: إنما تُعْرَف الأنسابُ على ستِّ طبقات. فأولها شَعْبٌ وقَبِيلَةٌ، وعَمِارَةَ، وبَطنُ، وفَخِذُ، وفَصَيلةٌ. وما بينهما من الأبناء فإنما يعرفها أهلها، فُمضَرُ شَعَبُ، وربيعة شَعْبٌ وحِمْيَرُ شَعْبٌ وكَهْلاَنُ شَعْبُ، وكذلك ما سواها من القبائل الكبار. وأنما سُمِّيَت شَعْبٌ لأنَ القَبَائِلَ تَشَعَّبَت منها. وسُمَّيَت القبائل لأن العَمَائَر تَقَابَلَت عليها، والشعبُ يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارةُ تجمع البطن، والبطنُ يجمع الأفخاذ، والفخذ بجمع الفصيلة. فمضُرَ شَعْبُ، وكِنَانَةُ قبيلة، وقريش عِمَارَة، وقُصَيَّ بطن، وهاشم فَخِذٌ والعباس فَص يلَةٌ. وعلى هذا تجرى سائر القبائل.

وحدث محمد بن حبيب الهاشمي، عن هاشم عن أبيه أنه قال: إنما وضعت الشُّعُوب والقَبَائِلُ، والعَمَائِرُ والبطون والأفخاذ والفصائل والعشائر على تركيب خَلْقِ الإنسان، فلذلك سمى الإنسان شُعُوباً والشَّعب، لأن الجَسَد تشعب منه والقبائل وهو رأسه وهي الأطباق ثم العمائر وهو الصدر وفيه القلب. ثم البطون وهو البطن لأن فيه ما أستبطن الكَبِد والرَّئَة والطُّحال والأمعَاء، فصار مَسْكَناً لها والفخذ أسفل البطن فصيلة: وهي الركبة لأنها انفصلت من الفخذ والعشائر: وهي الساقان والقدمان لأنها حَمَلت ما فوقها بالحُبِّ وحْسْن المعاشرة فلم يثقل عليها حمله. وقال القَطَامِي: سميت العرب الشُّعُوب، لأنهم قيل لهم حين تَفَّرَقوا من أسماعيل بن إبراهيم، وقحطان بن هود بن عابر الشُّعُوب، وذلك حين تشعبوا. وقال الشاعر يذكر ذلك: فَبادُوا بَعْدَ أمْنِهمُ وَكَانُوا ... شعوبا أشْعَبَت مِن بَعْدِ عاد ثم القبائل حين تقابلوا ونظر بعضهم إلى بعض في حِلَّة واحدة، وكانوا كقبائل الرأس. العمائر: حين عَمَّرُوا الأرض وسَكَنُوها. قال رجل من بني عمرو بن عامر ربيعة بن صعصعة يقال له فزارة لحَيَّيْن من محارب يقال لهما عامر ومساجم بالجحيم قال: عمائِر من دون القَب يلِ أبُوُهم ... نَفَاهُم إلَيْنا عَامِرٌ وَمَسَاجِد ضممناهم ضمَ الكريم بنانه ... فنحنُ لَهُم سِلْمُ وإن لم يُسَالِمُوا وبدأت في الأنساب بذكر معد بن عدنان، وقدمته على يَعْربُ بن قَحْطَان إذ كان منهم خَاتَمُ النَّبَيَّين وإمام المرسلين، وسيد الأولين والآخرين محمد نبينا صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين وعترته المنتجبين. وإن كان بعضُ أهل النَّسَب قد قدَّموا يَعْرُب بن قَحْطَان على نَسَبِ مَعَدّ بن عَدْنَان وسائر إخوته من ولد إبراهيم عليه السلام، واحتج في ذلك بأن يَعْرُب بن قحطان أوّل من تكلم بالعربية حين تَبَلْبَلَت الأَلْسُن بِبَابل، وقد كان اللسان العربيّ من قبل ذلك في ولد إرم بن سام دون ولد أرْفَخْشَذ بن سام، فإنهم كانوا يتكلمون بالسُّرْيَانيُّة إلى زمن إبراهيم الخليل عليه السلام، ثم تعلمها إسماعيل عليه السلام من جُرْهُم بن قَحْطان، وهم يومئذ بمكة، ولم يزل اللسان العربيْ في ولد إرم بن سام بن نوح إلى زمن هودٍ عليه السلام، وقوم عاد، وثمود بن عابر، وقحطان بن هود إلى زمن يَعْرُب بن قحطان، وتبَلْبَلت الألسن بِبَابل حِين جَمَعهم نُمْرُود بن كنعان بن ماش بن إرم بن سام بن نوح، وهو صاحب إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، وهو الذي بنى الصَّرْحَ ببابل وملك خمسمائة سنة، وفي زمانه فَرَّق الله الألسنَة، وذلك أنه دعا الناس إلى عبادة الأوثان. وقد كانوا على الإسلام - فجمعهم ببِابل ودعاهم، ففعلوا وأجابوه، فأمسوا وكلامهم السُّرْيانّية، ثم أصبحوا وقد بَلْبَل الله ألسِنَتَهم، فجعل لا يَعْرفُ بعضهُم كلامَ بعض، فصار لبني سام ثمانية عشر لسانا ولبني حام ثمانية عشر لسانا ولبني يافث ستة وثلاثون لسانا، وفَهَّمَ الله يَعْرب بن قحطان العربيَّة، وهو أوّل من نَطَق بها، وفهمها الناس، وأول من فهمها من بعدهم جُرْهُم بن قَحْطان، وكانت جُرْهم والعَمَاليق وطَسْم وجَدِيس يتكلَّمون بهذا اللسان العربي ويعرب بن قحطان أول من تكلَّم بالعربية، وإلى اسمه نُسِبَ اللسان العربي وسمى عربيا إذ نسب إلى يَعْرُب بن قحطان. والدليل على أن أصل اللَّسان العربي اليَمَن دونَ غيرهم لأنهم يقال لهم العَرَب العَارَبَةِ، ويقال لغيرهم المُعَرَّبَة، يَزادُ الداخلة في العرب المتعلمة منهم، وكذلك معنى التَّفَعُّل في اللغة، يقال تَنَزَّرَ الرجل إذا دخل في نزار، وتمَضَّر إذا دخل في مُصرّ، وتَقَّيس إذا دخل في قَيْس. وقال ذو الرمة إذا ما تَمَضَّرْنا فَمَا النَّاسُ مْثلُنا.

وقال غيره: وقَيْسٌ وَعْيلاَنُ إذا ما تَقَيَّسا وكان عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وعبيل بن عوص أخو عاد بن عَوْص، وثمود وجَديس وعِمْليق وطَسْم وهود وقحطان ويَعْرب عَرَباً لِسَانُهم العربية، وهم العرب العَارِبَةٌ، وغيرهم من العرب يسمى العرب المتعربة لدخولهم فيها، وإنما أنطق الله يَعْرُب بن قحطان باللسان العربي حين تَبَلْبَلَت الألسنة بَبَابل. كما ذكرنا. فخرج في ولده ومن اتَّبعه عن بلاد العِراق وهو يُريُد اليَمَن، وأنشأ يقول: أنا ابن قحطان الهمام الأقْيل ... الأيمن المعرب ذي التهلل يا قوم سيروا في الرّعِيل الأوّل ... أنا البَدِيّ باللسان المُسَهّل المنطق الأبين غير المُشْكِل ... فَسِرْتُ والأمة في تَبِلْبْلِ مجرى عين الشَّمسِ في تهمل ولما أنطق الله يَعْرُب بالعربية علمها الناس، ولم يكونوا يفهمونها حتى أفهمهم إياها يعرب بن قحطان، وروى عن أبي ذر وأبي هريرة، أنهما سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد الأنبياء عرّبِهِم وعَجَمِهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الأنبياء سُرْيَانيُّون وعَرَبيُّون، فيهم أربعة من العَرَب، هُودٌ وشُعَيْب وصَالِح ونَبِيُّكَ يا أبا ذَرَّ. وروى عن حذيفة بن اليمان وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رَوَوَا عنه عليه السلام أنه قال: كان أبونا آدم عليه السلام نَبِيّاً سُرْيانيا حَرَّاثاً، وكان إدريس عليه السلام نَبِياً سُرْيَانياً خَيَّاطا، وكان نوح عليه السلام نَبِيَّاً سُرْيَنِياً نَجَّاراً. وكان هوداً عليه السلام نَبِيَّا عَرِبيَّا حَرَّثاً. وكان شُعَيَبَ نَبِيَّاً عَرَبيْا راعياً. وكان صالح نَبِيَّا عَرَبيَّا. وكان إبراهيم نَبِيَّا بَزَّوِيَّا وفي نسخة بَزَّاراً. قال: وسار ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح لولده وقال: أنا الفتى الذي يُدعى ثمودا ... يا قوم سيروا ودعوا التَّردِيدا لعلنا أن نُدْرِك الوُفُدا ... فنلحق البادي لنا الصِّنْديدا ابن ابينا يعربُ الحَمِيدا فنزلوا الحِجْرَ إلى قرح، وهو وادي القرى، وبينهما ثمانية عشر ميلا فيما بين الحجاز والشام، فأقاموا بها إلى أن بعث الله نبيه صالحا عليه السلام فأُهْلِكُوا بعَقْرِهم النَّاقة. وسار جديس بن عابر بن إرم بن سام بن نوح في ولده ومن اتَّبعه، وأنشا يقول: أنا جديس والمُبَوَّا المسلكا ... فّذتْك نَفْسِي يا ثَمُودُ المهلكا دَعَوْتَني وَقَدْ قَصَدْتُ نَحْوَكَا ... إذ سارت العيسُ فأبْدت شخصكا وسار طسم بن لاوذ بن سام بن نوح وولده ومن اتَّبعه، وأنشأ يقول: إني أنا طَسْمٌ وجدي سام ... سام بن نوح وهو الإمامْ لما جفاني الأخ والأعمام ... قلت لنفسي الحَقِي سوام أخاك عَمْلِيق ذوي الإقْدام ... وخلفي يافث وآلُ حَامْ فنزلوا أيضاً جوّ إلى البحرين إلى عُمَان، وإنما سُميت جَوّ اليمامة، باليمامة بنت شَيَمْ بن طسم. وكثرت جَدِيس وملكها الأسْوَدُ بن غَفَّار، وملك عمليق طَسْمَ وجَدِيس، وكان جباراً عاتيا، يبدأ بالعروس قبل زَوْجها، ففعل ذلك بعُفَيْرةَ بنت غَفّار، فخرجت من عنده وهي تقول: لا أحد أذَلّ مِنْ جَدِيس ... أهكذا يُفْعَل بالعَرْوس فغضب أخوها الأسود وبايع قومه على الفَتْك بِعَمْليق وأهل بيته، فدعاهم إلى طعامه، ثم وثب به وبِطَسَم فَقَتَلهم وقال: جاءت تميُس في دَم حميس ... كالريح في هشهشة اليبيس يا طسم ما لاقيت من جديس ... فحق لك الويل فهيسي هيس وهرب رجل من طسم يقال له رباح بن مرة، فاستغاث بذي حَسّان ابن تُبَّع الحِمْيَري ملك اليمن، فاستنجده، فسار وسار ذو حسان في حمير إلى جوا اليمامة، فقتل جديسا واخرب اليمامة وقال رباح الطَسْمي: غَدَرَ الحيُّ جَدِيسَ بِطَسْم ... من دايُن ومدين فأتْاهُم بيوم كيوم ... تركوا فيه مثلما ما تركوني ليت طسما على منازلها تعلم ... أن قد قضيت عني ديوني فَبَادَوُهم ذو حَسّان بن تُبَّع عن آخرهم.

وسار عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح بولده ومن اتبعه وأنشأ يقول: لما رأيت الناس في تبلبل ... وسار منا ذو اللسان الأول وجَدّمِنّا في اللحاق الأطول ... فسرت طُرَّبا السوام المهمل ونزلوا أكناف الحَرام، ونزل بعضهم مِصْر، ومنهم الفراعنة. وسار جُرْهُم بن قحطان بولده. وكانوا سيادة. إلى أن نزلوا مَكَّة، وقال مُضَاَُ بان عمرو الجُرَّهِمُيُّ: هذا سَبيلي كَسَبيل يَعْرُب ... البادئ القول المبين المُعْرب يا قَوْمُ سِيُروا غيْر فِعِل الأخْيب ... جُرْهُم جدي ثمَّ قحطان أبي ثم لما كثُرت العماليق بأرض الشام سارت منهم سيارة عليهم السَّمَيْدَعُ بن هوين بن مازن بن لأي بن قَنْطُور بن الكَرْكَر بن حيان وهو يقول: سيروا بني كركر في البلاد ... إلى أرى ذا الدهر في فساد قَد سَار مِن قحطان ذُو الرشاد ... جُرهُم لما هدها العباد فنزلوا الماء الذي أخرج الله لإسماعيل. ولم يعرفوا بذلك الموضع ماء. فسألوا أمّ إسماعيل في النزول معها في أسفل الوادي، فأذنت لهم، فسكنوا به وتَزَوجَّ إليهم إسماعيل، وتعلم اللسان العَرَبي منهم، فصار في ولده. وروى أبن قُتيبة، عن أبي حاتم، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء قال: تسع قبائل: طَسمٌ، وجديس وجهينة وصُحَيم - ويقال بالخاء والميم - وخثعم، والعماليق، وقحطان، وجُرهم، وثمود. وحدث الأصمعي، عن أبي الزناد، عن رجل من جُرهم قال: نحن بَدو من الخلق لا يشاركنا أحد في أنسابنا - يقول: من قِدمها - فهؤلاء قُدماء العَرَب الذين فَتَق الله ألسنتهم بهذا اللسان العربي وأنبيائهم عربٌ، وهم، هود، وصالح وشُعيب، ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وقال الله عز وجل) وَمَا أرسَلنا مِن رَسول إلا بلسان قومه ليبين لهم (وهو اللسان العربي الذي أنطق الله به آدم في الجنة، وهو كلام الملائكة، وكلام أهل الجنة إذا صاروا إليها ودخلوها، وهو قول الله عز وجل) والملائكة يدخلون عليهم مِن كُلَّ بابٍ سلامُ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (. وقد روي عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه قال لسلمان الفارسي: يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك. قال سلمان: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال: لا تبغض كلام العرب فتبغضني، وهو كان كلام آدم في الجنة، فلما غضب الله عليه وأُخرج من الجنة وأُسكن الأرض أُنسيه، فما تاب وتاب الله عليه تكلم به صلى الله عليه وسلم. وقد روى عبد الملك بن حبيب الأندلسي، عن عبد الله بن المغيرة، عن ثور بن يزيد بن خالد بن مَعدَان، عن كَعب الأحبار أنه قال: أول من نَطق بالشعر آدم عليه السلام حين أُهبط إلى الأرض وقتل ابنه قابيل ابنه هابيل فقال: تَغّضيرت البلادُ ومَن عَلَيها ... فَوجَهُ الأرض مُغبَرُّ قبيح تغير كل ذي لون وطَعمٍ ... وقل بشاشة الوجه الصبيح وقتل قابيل هابيلاً أخاه ... فوا أسفاه مضى الوجه المليح ويا أسفا على هابيل ابلى ... قتيلا قد تضمنه الضريح وجاورنا عدو ليس يفنى ... لَعِين لا يموت فنستريح فهتف به ابليس لعنة الله فقال: تنحَّ عن البلاد وساكنها ... وفي الفردوس ضاق بك الفَسيح وكنت بها وزوجُك في رخاء ... وقلبك من أذى الدنيا مريح فما انفكت مكايدي ومكري ... إلى أن فاتك الثمن الربيح فلولا رحمة الجَّبار أضحى ... بكفك من جنان الخلد ريح

قال كعب: لما طال بعد آدم عليه السلام حُرَّف اللسان العربي فصار سُريانياً، وإنما نسب إلى أرض سورى وهي أرض الجزيرة وبها نوح عليه السلام وقومه قبل الغرق، وهو يشاكل اللسان العربي، إلا أنه مُحرَّف، وهو لسان أهل بادية الجزيرة غير من بها من العرب اليوم، وليس في جميع الألسن لسان إذا حوَّلته إلى اللسان العربي ما توافق ألفاظه من المقدم والمؤخر اللسان العربي إلا السرياني، وهو لسان جميع من كان في السفينة ما عدا رجل منهم يقال له جُرهُم كان لسانه اللسان الأول وهو العربي وهو أحد الستة والثلاثين رجلا الذين كانوا مع نوح في السفينة سوى ولده - قال عبد الملك بن حبيب. وكان ابن عباس كذلك يقول، وزيد ابن أسلم. قال وكعب: فلما نزل نوح ومن معه من السفينة انتشروا في الأرض، وتزوج إرم بن سام بن نوح بعض بنات جُرهم، فمنه صار اللسان العربي في ولد إرم بن سام بن نوح، فولد إرم بن سام بن نوح عَوص بن إرم، وعابر بن إرَم، فعاد بن عَوص، وثمود بن عابر. قال كعب: وباد جُرهم الأوّل وذريته، وسمي بعض ولد عاد باسمه جُرهم لأنه جَدَهم من قِبل الأم، وهو من ولد قحطان، ولذلك كان لسان جُرهم الأول عربيا، لأنه من ولد عَاد بن عَوص بن إرم بن سام بن نوح، وبقي اللسان السرياني في ولد ارفخشذ بن سام بن نوح فلذلك كان لسان ابراهيم عليه السلام، وكان من قبل ابائه سريانيا، لأنهم من ولد ارفخسذ بن سام من نوح وليسوا من ولد إرم بن سام بن نوح. تمّ الأول. يتلوه أنسابُ العدنانية. وسمَّيته كتاب مُوضّح الأنساب، لما أوضحت فيه من شكل ما ألتبس من الأنساب، وأختلف فيه علماءُ جهابذة النُّساب، ونظمته بابا إلى باب، ليعرف موضعه من الكتاب، وأتيت فيه بأسماء القبائل التي اختلف فيها، وما قيل في ذلك من الأشعار، وأثبت الحجة على من ادعى ذلك، وأوضحتها عليه بالذي قَدَرتُ من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ما ستراه في أسماء القبائل المتَّفقة أسماؤهم من القبائل اليمانية والمَعَدَية، وأسماء الجماجم، والجماهير، والمختارات، وأسماء الأرجاء والأثافي والجَمَرات، وجعلته جامعا لما يُحتاج إليه من علم الأنساب إذ كان علم الأنساب يلزم كل من كان من قبائل العرب، ومن انتحل شيئا من فنون الأدب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: تعلموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم ولقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا النسب تصلوا به أرحامكم، ولا تكونوا كنبط السواد إذا سُئل أحدُهم من هو؟ قال من قرية كذا وكذا. وروى عن جُبير بن مُطعم قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول: تَعَلمُوا أنسابكم، وصلوا أرحامكم، فوالله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه، ولو يعلم الذي بينه وبينه من مثاب الرحم وقرب دخيلة النسب لردعه ذلك من انتهاكه.

وذكر شبيب بن شيبة قال كبينما نحن وُقُوفٌ وهو موقف الأشراف، وأعيان الناس بالبصرة إذ أقبل علينا عبد الله بن المُقفع فهششنا نحوه ولقيناه بالسلام، فأقبل علينا وقال: ما وافقكم على مُتُون دَوَابكم، فلو جَهِدَ الخليفة على جمعكم كهيائكم ماقدر على ذلك فهل لكم إلى المصير إلى دار بني يرين فَنَتَفيا في ظلها - فنعم المهاد هي - ونُريح الغلمان والدَّواب، ويأخذ بعضنا من بعض بحظه. فسارعنا إلى ذلك، فلما أخذ كل واحد منا موضعه من الأرض، أقبل علينا وقال لنا: أي الأمم أفضل؟ فقلنا: فارس، لمعرفتنا برأيه. فقال: لا، أولئك قومُ علموا فتعلموا. ونبهوا فاستيقظوا. وندبوا إلى شيء فبالجراء إن قاموا به. قلنا له: فالروم. فقال: كلا، أجسام وثيقة وأحلام ضعيفة. قلنا له، فالهند. قال: أصحاب حكمة لا تجاوز بلدهم. قلنا له: فالصين. قال: أصحاب تَرفق وصنعة، وليسوا هناك. قلنا له: فالترك. قال: كلاب هراش. قلنا له: فالقبط: قال: عَبيد عَصَى قلنا له: فالسودان. قال: بهائم أُهملت. فقلنا له: رددنا الأمر إليك، فأيهم أفضل أصلحك الله؟ قال العرب، فتلاحظناه بأعيننا، فأقبل علينا كالمُزبر. وقال: ظننتم أني أردت مُقاربتكم، كَلا والذي خَلَق الحبة وبرأ النسمة، ولكن كَرهت إن لم أكن من القوم أن لا يفوتني حَظي من الثواب، وأنا أبين لكم: أن العرب لا أوّل لها يؤمها ولا آخر لها يدلها، اصحاب بلد وقفر، وجَبَل وَعر، وإن أحدهم لفي فَيء من الأرض أوقنه من قُنن الجبال مع بعيره وشاته، يضيف الكرم كله عن آخره، لا يبقي منه شيئا، لا من كتاب علمه ولا من أحد فهمه. ثم علموا أن معشهم من السماء، فعلموا الانواء، وقسموا الأزمنة، وسموا الفصول بأسمائها، وسموا نباتا الأرض، وحرثوه وعرفوه، فعرفوا ما يُغَزِّ الألبان، ويعظم الأسمنة كالسَّعدان وغيره، وتجنبوا الخبيث منها، كالحمص والعنصل، ثم جعلوا بينهم كلاماً يجتذب دُرَّهُ اليتيم، ويهزُّ الكريم، ويخرج احدهم من ماله للمدحة، ويحمل نفسه على التلف أنفة، يجتنب من أن يُهجى، استخرجوا ذلك كله بصحة القريحة، لا مِن كتاب توارثوه، ولا من إمام حملوه، قرائح صحيحة وغرائز قوية، وعقول ثابتة، يحمون الذَّمار، ويحفظون الجار، ويطلبون الثأر ويؤثرون النار على العار، والفقر مع العز على الغنى والذل يأبون الضيم، ويُطعمون الضيف، ويحفظون أنسابهم ومآثر آبائهم، ما يُرضى أحدهم أقل مما يسخطه، يحلمون في موضع الحلم، ويجهلون في موضع الجهل، ولست بواجدٍ هذه في أحد من الأمم غيرهم، فعليكم بمعرفة أنساب العرب ومآثرها، فقد علمتم ماذكر عن نبيِّكم عليه السلام، وعن أصحابه بالحض على ذلك، وقد أخذ بعض الشعراء فقال: ألا أيها الناس الذي العلم شأنه ... وبُغيَتُهم في أن يفكوا صعابها عليكم بأنساب القبائل كلها ... مَعَدَّ وقحطان نصابها لقول رسول الله صَلوا جميعكم ... عليه لتلقوا في الجنان ثوابها فإن بها إيصال ما الله آمر ... بإيصاله فاسعوا وروموا طلابها وفي مثل ذلك يقول الىخر: يا طالبا لفنون العلم مجتهدا ... أقصد هُدِيت إلى رشد وإيمان إن كنت ذا فطنة فيما تُحاوله ... مِنَ السمَّو إلى أعلى ذرى الشان فكن لقول رسول الله مُتَبعا ... ترق العُلا وتُباهي كل إنسان تَعَلموا نسب الأقوام إن به ... صلات أرحامكم فُزتم برضوان

باب تشعب ولد نوح عليه السلام

ثم نظمت. بعد تصنيف فنون أجناس علم الأنساب. أسماء ملوك الدنيا من لدن آدم عليه السلام إلى سنة ثلاثمائة وخمس وأربعين من تاريخ الهجرة، هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وتاريخ أعمارهم، مثل التبابعة، وملوك الطوائف، والفرس، واليونانيين، وملوك كِنْدَة ولخم وغسّان، واسماء الخُلَفَاء وأعمارهم، إلى مثل ذلك التاريخ وأسماء المبتدعين للأشياء، وأضفت إلى ذلك أسماؤهم من أسماء الطَّيْر والسِّباع والهوام والنبات والصفات، لأن هولاء الذين هذه أسماؤهم من هذه القبائل التي ذكرنا في صدر نظمنا، فمتى ما رأيتَ اسمَ أحدهم فرفته وقبيلته، ومن أي بطن هو، أو فخذ، أو فصيلة فليستعن بهذا الكتاب عن طَلَبِ ذلك في غيره، وليستكمل الديوانُ الاسمَ الذي به سَّمْيَناه، ويتمّ على الحسب الذي لذلك نظمناه، والله المعين والموفق، وهو نعم المَوْلى ونعمَ النصير، وصلى الله على سيدنا محمد النبيّ وآله وسلم تسليما كثيرا. باب تشعب ولد نوح عليه السلام قد تقدم من الشرط في هذا النظم ألاّ نذكر من أنساب ما فَوْق قَحْطَان وعَدْنان للأحاديث التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وعن أصحابه والتابعين منهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين. وإنما وجه تلك الأحاديث وخروج معانيها. والله أعلم أن كل نسب إلى فوق هذا فإنما أَتَى عن غَيْر العرب، فكَثُر الاختلافُ فيه، وكل نسب دون قَحْطان وعَدْنان فإن العرب يحفظون ذلك، تَحَفُّظَهم أرواحهم ما لم تتَحَفَّظُه أمة من الأمم، حتى إن الرجل لَيَعِّمُ ولده ونسبه كتَعْلِيِمه بَعْضَ مَنَافعه، وهو فعلهم من قديم الدهر، لئلا يدخل الرجل منهم في غير قَوْمِه ولا ينتسب إلى غير نسب قبيلته، حاطوا بذلك أحْسَابَهم وحَفِظُوا بِهِ أنْسَابَهُم، ولا نرى في ذلك نَسيئَّة، فمن أجل ذلك كلُّ ما كان فوق قَحْطَان وعدنان فإنما هو يُتَخَرصَّ. وقد روى عن سعيد بن المسيب أنه قال: ولد نوح أربعة، سام وهو أبو العرب وفارس والروم، ويافث أبو يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة، وحام وهو أبو البَرْبَر والقِبْط والسُّودَان، ويام وهو الذي قال) سَآوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني مِنَ الْمَاءِ (. وروى ابن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لَمَّا رَقَدَ نوحٌ في السفينة انكشَفَتْ عَوْرَتُه فنظر إليها أهلُ السفيَّنَة فاستَحْيَوا أن يَسْتُرُوه، ولم يَجْسِر عليه أحدٌ بذلك لَمِكَانِهِ من الله عزّ وجل، ونظر إليه ابنهُ حام فضَحِكَ ولم يستره، فلما نظر إليه ابُنه سام قام فستره وسوَّى عليه ثيابه، فأوحى الله إلى نوحٍ بذلك، فقال نوح لحام: ياحام نظرتَ إلي عُرْيَاناً فلم تسترني وقد بدت عَوْرَتِي إلى الناس!! كشف اللهُ عَوْرَتَك وعورةَ وَلَدِك من بَعْدِك، وجعلهم عُرْياً يكونون ما بقي منهم أحد واذلهم الله لَوِلَد سام، وجعل الله النبوة والكتابَ والمُلكَ في ولد سام إلى يوم القيامة. فاستجاب الله له، فلم يجعل من وَلَدِ حامِ ولا يافث نَبِياً، ولا يجعله إلى، يوم القيامة. قال ابن الكلبي: فمن ولد سام طَسْمٌ وجَدِيسٌ وجُرْهُمُ والعَّماليقُ وقَنْطُورَا وأرش والعَرَبُ والرومُ وفارسُ وخُراسَان والنّسنْناس. ومن ولد يافث: يأجُوج ومأجوج والترك والصَّقَالبة واللاّن والأشيان والطاريند وتارش وسوانيد وتاويل وبتاويل. ومن ولد حام: السِّنْدُ والهِنْدَ والزَّنْجَ والحَبَشُ والسُّودَان والبَجّةُ والنُّوبَةُ والزُّط والقِبْطُ والبَرْبَر. ورُوِيَ عن وهب بن مُنَبِّه أنه قال: إن الناس كلّهم انتشروا من ولد سام وحام ابني نوح عليه السلام، فولد لسام بن نوح أرْفَخْشَذ وإرَم وعُويلم وآشور. فأما عويلم فهم الأَهْوَاز والسَّوس واما اولاد آشور فهم أهل الجزيرة الجرامية ومن معهم من أهل الجزيره. وأما ولد إرَم فَطَسْمٌ وجَدِيسٌ وعَوْص وجاثر ولاوذ وماش. فولد عَوْضُ عاداً وعبيلا ابني عَوْص بن إرم بن سام بن نوح. فسار عاد بولده يريد الأحْقَاف وهو يقول: يا قوم جيبوا صوت ذا المنادي ... سيروا إلى الأرض ذي الأطواد إني أنا عادُ الطويلُ النادي ... وسام جَدِّي ابنْ نوح الهادي

فنزلوا الأحْقافَ، وأُهْلَكُوا بالرِّيح العقيم، إلا من كان ولد الخلود بن عاد، وهم هودٌ عليه السلام ومن معه من ولده، وأهل بيته، فإنهم أنجاهم الله، ونزل بهم مكة إلى أن مات. ثم نزل ابنه قَحْطَان بن هود بولده أرضَ اليَمَن، وسار عبيل بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح بولده فنزلوا موضع الجحفة، وإنما سميت لأنهم لما سكنوها جاءهم سيل فاجتحفهم إلا الشاذ منهم، فسميت الجحفة. ونزل يَثْرِب بن قاينه بن مهليل بن إرم بن عبيل بالمدينة، فسميت يَثْرب به، فعمرها، فأخرجهم منها العَمَالِيقَ. وقال بعض ولده يرثيه: يا عين جودي على عبيل وهل ... يرجع مافات فيضُها بالسجام عمروا يَثْرِباً وليس بها سَفْر ... ولا صارخ ولاذو سلام غرسوا لينها بمجرى معين ... ثم حَفُوا الغَسِيل بالأكمام وولد جائر بن عاد ثَمُود وجديس ابني جاثر بن إرم بن سام بن نوح، فنزلوا اليَّمامَة، وأهْلِكُوا بالرَّجْفَةِ يوم صالح، فمن ولد عاد هود نبي الله بن عبيد الله بن رباح بن أخلود بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وولد لاوذ عِمْلاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، وهم العماليق، نزلوا الحَرَم واكْنَافَه، فأهْلِكُوا، ولحق بعضُ أولاده بالشام، فمنهم كانت العماليق الذين قاتلهم موسى ببني إسرائيل، ومنهم فراعنة مصر، ومنهم فرعون يوسف وأسمه الرَّيَّان بن الوليد بن ثروان بن أراشاهُ ابن قاران بن عمرو بن عِمَلاَق بن لاوذ بن إرَم بن سام بن نوح ومنهم قابوس بن مُصْعَب بن معاوية بن سير بن السلواس بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح. وكلاهما كانا في أيام يَوسُف. ومن ولد الريان آسية بنت مزاحم بن عبيد امرأة فِرْعَون مُوسى. ومنهم معاوية بن بكر بن شييم بن شكر بن هليل بن عنز بن عملاق. وهو صاحب الجَرَادَتين، وكان من حديثه أن عاداً لما كذَّبُوا هوداً تَوَالَت عليهم ثلاث سنين تَهُبُّ عليهم الريحُ بلا مطر ولا سَحَاب، فجمعوا مِنْ قَوْمهم سَبْعِيَنَ رَجُلاَ وبعثوا بهم إلى مكة ليستسقوا لهم، وكان سُكّان مَكّة في ذلك الوقت العماليق، وعليهم معاوية بن بكر فَرَأَسُّوا على السبعين الذين وجهوهم للاستسقاء، قَيْلَ بن عير بن عاد الأصغر بن عاديا بن عَوْص بن إرم ابن سام بن نوح ولُقَيْمَ بن هُزَال ومرثد بن سعد بن عُفَير - وكان مسلما يكتم إسلامه. وجلهم بن الخبيري ولقمان بن عاد الأصغر بن عاديا. وكانت العرب إذا أصابها جهد جاءت إلى بيت الله الحرام فسألت الله فيعطيهم مسألَتَهُم ما لم يسألوا فَسَاداً، فلما قدم وفدُ عاد نَزَلوا على معاوية بن بكر، وكان سيد العماليق يومئذ بمكة، لأنهم كانوا أخواله وأصهاره، فأقاموا عنده شهرا يُكْرمُهم بغاية الكرامة، وكانت عنده جَارِيَتَان يُقالُ لهما الجَرَادَتَان يغنيانهم فلهوا عن قومهم شهرا، فلما رأى معاويةُ ذلك من طول مقامهم شَقَّ عليه وقال: هلك أخوالي وأصهاري، مالعاد الآن أشأم مني، وإن قلتُ لهم شيئا وأنكرتُ عليهم أمرهم تَوَهَّمُوا أنَّ هذا بُخْلٌ مني، فقال شِعْراً ورَفَعَه إلى الجَرَدَتَيِن يُغَنَّياهُم به وهو ما يقولاه. فقال: ألاَ يَاقَيْلُ قُمّ فِينا فَهَيْنَمِ ... لَعَلَّ الله يُصْحبنا غَمَامَا وقد تقدم ذكر هؤلاء الأبيات في صدر الكتاب، فلما غَنَّتهم الجَرَادَتَان بهؤلاء الأبيات قال بعضهُم لبعض، إنما بعثكم قومُكم لتستسقوا لهم، فقاموا يدعون الله. وقال مَرْثد بن سَعْد بن عفير وأظهر إيمانه: عصت عادٌ رسولَهُمُ فأمْسَوْا ... عِطَاشاً ما تَبَلُّهُمُ السماءُ

ذكر النماردة

وقد تقدم ذكرٌ لها. فلما أظهر مَرْثد بن سعد إسلامه تخلَّف عن الوفد لأنهم لم يرئسِوُهُ ورَأسُّوا عليهم قِيْلاً، فدعوا الله لقومهم. وكانوا إذا دعوا أجابهم نداٌ من السماء: أن أسألوا تُعْطَوْنَ ما تَسْألُون. فدعوا الله ربهم لقومهم واستسقوا لهم، فأنشأ الله ثلاث سَحَائِبَ، بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى مناد من السماء: يا قيل اخْتَرْ لَنْفْسِك ولقومك من هذه السحائب فاختار السَّوْدَاء. فناداهم مناد: اخترت لنفسك ولقومك رَمَاداَ أرْمَداَ، لا يُبْقي من عادٍ أحداً، لا ولالدا. فسيَّرها الله إلى قومه الذين اختار لهم. وهم عاد. فأهْلِكُوا بالرِّيحِ العقيم. ونُودي لقمان: أن سَلْ، فسأل عُمْرَ سبعة أَنْسُرٍ، فأعطى ذلك، وكان يأخذ فرخَ النَّسْرَ من وَكْرِهِ فلا يزال عنده حتى يَمُوت، وكان آخر نُسُورِهِ لُبَد، فَصَيَّرتُهُ العَرَبُ مَثَلاً، فتقول: أكْبَر من لبد، وعمر لبد. وفيه يقول النابغة الذُّبْيَاني: أضْحَتْ خَلاَءً وأضْحَى أهْلُها ... أخْنى عَلَيْهَا الَذِي أخْنَى عَلَى لُبَدِ وأعتزل هودٌ ومن معه من المؤمنين في حظيرة فأنجاهم الله من العذاب. وقال المهلهل بن جبيل في ذلك: لو ان عاد سَمعت مِنْ هُود ... واتَّبَعَت طريقَه الرشيد وقد دَعُا بالوَعْدِ والوَعِيد ... عادا وبالتقريب والتبعيد ما أصبحت عاثرة الجدود ... ولَهَى على الأنُوفِ والخدود ساقطة الأجْسَاد والوصيد ... ماذا جنى الوِفْدُ من الوفود أُحدوثة للأبد الأبيد وقد اتينا باختلاف اقوالهم ليكون اوضح للنظم، وأبين للذي أردنا أن شاء الله. ذكر النَّمَارِدَةَ قال القطامي: النماردة ستة فالأوَّل نُمْروُد بن كَنْعَان بن سيحاريت بن كُوش بن حَام، وهو أحد الأربعة الذين ملكوا الدُّنَّيا، وهو صاحب إبراهيم عليه السلام، وهو الذي بنى الصَّرْح بترس وهي قرية في سواد الكُوفَةِ. ليصعد إلى السماء، وكان ارتفاع الصًّرْح في السماء خمسة آلاف ذِرَاع وخمسين ذراعا، وكان عَرْضُه في الأرض ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وعشرين ذراعا، وهو صاحب النُّسُور التي طارت بالتَّابُوت. والثاني نُمروُد بن كُوش بن حام، وأمه فرنين بنت مأرب بن الدرمسيل ابن مُخْوِيل بن أخنوخ. وهو إدريس عليه السلام. والثالث نُمْروَد بن ماش بن إرم بن سام بن نوح. والرابع نُمْرُود بن سيحاريت بن كوش ابن حام بن نوح. والخامس نَمْرُود بن سَارُوع بن أرعِوَا بن فَالغْ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. والسادس نُمْرُود بن كَنْعَان بن المُضَاض بن يقظان بن عتير بن أرفخشذ بن سام بن نوح. فالثلاثة من ولد سام بن نوح، والثلاثة من ولد حام بن نوح. وولد أيضا نَبِيط بن مَاش بن لاوذ بن سام بن نوح، وهو أبو النبط، وهو أول من أنبط الأنهار وغرش الأشجار وعمر الأرض، وهم أهل السواد بالعِرَاق، ومنهم بُخْتُ نَصَّر. ومن ولد أرفخْشَذ الخِضْرُ عليه السلام، وأسمه إيليا بن ملكان بن نافع بن عابر بن شالخ ابن أرفخشذ - ويقال أرْفَخْشَاذ. بن سام بن نوح، بعثه الله في ولد كُوش بن حام من قِبْل إبراهيم. رجعنا إلى ذكر أولاد نوح: قال وهب مُنَبْه: وولد حام بن نوح كُوشَ بن حام وقُوط بن حام. فولد كُوشُ بن حام كَنْعَان بن كُوش بن حام، فولد كنعان بن كوش بن حام النوبَة والزَّنْجَ والفُرن والحَبَش والسُّودان كلَّهُم. وولد مِصْرَاي بن حام القبْطَ والبَرْبَر وسار قوط ابن حام منزل الهند والسند فالسند والهند من ولد قوط بن حام. قال عبد الملك بن حبيب الأندلسي: وكانت دخلت منهم داخلة الأندلسي فملكهم، ولهم عندنا بقية، القُوطيّون. ونزل يافث بن نوح ما بين المشرق والمغرب، فولد عومر بن يافث، وماري بن يافث وشويل بن يافث، وترش بن يافث، وماشخ بن يافث، ويأجوج بن يافث، وجُرْجَان بن يافث، ومازي بن يافث، وقيراش بن يافث. فولد عومر بن يافث الصقالبة، وولد شويل بن يافث الأشبان، وهم الأفارق. وولد جرجان بن يافث الإفرنج، وولد مازي بن يافث هَمْدان. وولد قيراش بن يافث أهل خُرَاسَان، وولد يأجوج بن يافث مأجوج، وهم بشر كثير. وكان منازل الصقالبة وجرجان والأشبان وهم الأفارق أرض الروم.

ذكر كنى بني نوح وأسمائهن

وقال وهب بن منبه: وكان مع نوح في السفينة ملكان، فلما قال الله عز وجل للسماء أقلعي ماءك وللأرض ابلعي ماءك قالا لنوح: ابعث طيرا يأتَيِك بخبر الأرض. فبعث نوح الغرابَ فوجد جيفة طفت على الماء فاحتبس عليها يأكل منها، فلما أبطأ بعث الحمامة فلم تلبث أن أقبلت ومعها ورقة فقال له الملكان: ارددها تأتيط بطين. فرجعت إلى المكان فوجَدَت في أعلى الجُوِديَّ مكاناً من الأرض كأرقعه ينْخَسِرُ عنه الماء مَرَّة ثم يطفو عليه. فأخذت منه طيناً فذهبت به إلى نوح. فقال الملكان: اعرف وَزْنَه، فإنه قد أتتك بميزان الأرض كلها، فاقسِمْه بين بَنِيكَ، وأقرع بينهم بالسهام، فمن يومئذ كانت السهام ومعرفة الميزان. فخرج سهم يافث فأخذ منها بكفه ما أخذ، ثم خرج سهم حام فأخذ بكفه ما أخذ، فكان ما بقي لسام. ثم وزن بعد ذلك ما أخذه يافث فوجده الربع وما أخذ حام فوجده الربع، وما بقي فوجده النصف. فقسم بينهم الأرض على تلك الطينة، فكان لحام ربُع الأرض من طَنْجةٌ إلى الإسكندرية إلى أرض اتينه إلى البحر الغربي إلى ما أحاط به النيل، إلى الاسندرية راجعا إلى أرض الحبشة إلى الهند إلى السند. فصارت فيه ذرية القِبْط والحَبَش والسودان والبربر، وصارت ليافث من الإسندرية مع بحر الشام إلى ما هناك إلى القسطنطينية إلى الرُّومية إلى الأندلس إلى الصقالبة إلى الترك إلى يأجوج ومأجوج إلى مادون الجزيرة. ذكر كنى بني نوح وأسمائهن روى الكلبي: أن أسماء كنى بني نوح إذا كُتِبْنَ في زوايا بُرْج الحمام نمت الفراخُ وَسَلِمَت من الآفات، وقد جُرِّب ذلك فوجدوه كما قال. فاسم امرأة سام نحلب. واسم امرأة حام أدنو نشا، واسم امرأة يافث ردفيت. قال وهب بِن مُنَبّه: وليست الروم كلها من ولد العيص ابن إسحاق، بل كانت الروم قَبْلَه وقَبْلَ إبراهيم، وهم اليونانيون، ومنهم الإسكندر، وحكماء اليونانيين، مثل بَطْلَيْمُوس، وأرِسْطَطَا ليس. وهم جرو يافث، ولكن تزّوج إليهم ولد العيص واختلطوا بهم، وكثر ولده إليهم، فُنُسِبُوا إليه. ومن اليونانيين جبابرتهم وأشرافهم إلى يومنا هذا. والله أعلم. ذكر انتشار وَلَد قَحْطَان قال: لما أُهْلٍكَت عادٌ وثَمُود ومن كان من تلك الأمم، ممن دخل تكذيبهم رسلهم وما رَدُّوا على الله عزّ وجل من النصيحة بالذي بَدَالَهُم فكانوا من ولد عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وولد لاوَذ بن إرم بن سام بن نوح، فانقرضوا إلا مَن كان بَقَي منهم مِمَّن ذكر الله من المؤمنين، وبقيتهم هود عليه السلام ومن آمن معه من المؤمنين، وولده قحطان ومن آمن معه، وهم من ولد الخلود بن عاد، ومن بقية من بقى أيضا طَسْمٌ وجَدِيس، وكانت بلادهم اليَمَامة إلى البحرين، وثَبَت الملكُ من بعد عاد وثمود في قحطان بن هود وولده، وهو أبو اليمن كلها. فوَلَدَ قحطانُ بن هود بن أخلود بن الخلود بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح يَعْرَبَ بنَ قحطان. وحَضَرَ مَوْتَ بن قحطان، وأسمه مُضَاض ابن قَحطان، واسم يعرب المرعث. ولما تَفرَّعت قبائلُ اليمن وجرهم ابن قحطان ويَعْرَب ممن تَكلّم بالعربية وسكنا اليمن، ثم سارت جُرَهم فنزلوا مكة، فكانوا بها إلى آخر ملوكهم بمكة الحارثِ بن مضاض الأصغر ابن عمرو بن مضاض الأكبر بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هيّ بن بيّ بن جُرْهم بن قحطان بن هود وهو القائل حين خَرَج من مكة يَبْكي عليها، قال شعرا: كأنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنُّ الحَجُونِ إلى الصَّفَاأنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّة سَامِرُ بَلاَ نَحْنُ كُنَّا أهْلَهَا فأبَادَنَا ... صُرُوف اليالي والجدُودُ والعَوَاثِرُ في شعر طويل ومن جرهم الأفعى بن الحُصَين بن غَم بن رُهم بن الحارث الجُرْهُمي، وهو أوّل من حكم بين العرب، وهو الذي حكم بين بني نزار ابن مَعَدّش بن عدنان حين اختلفوا في ميراث ابيهم، ولم يعرفوا وجه الصواب فيه ومن ولد الأفعى السيّد والعَاقِب اللذان قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وَفْدِهِما. وكان سكان الطائف يومئذ بنُو عَبْد بن ضخم بن سام بن نُوح، وقد فَنُوا. وقيل إنهم كانوا وضعوا الكتاب العربي، ولهم يقول حادي الأزدي: عبد بن صحم إذا نسبتهم ... بَيّض الوجُوهَ مخلصُ النسب

ذكر أرفخشذ بن سام بن نوح

ابتدعوا منطقا مخطِّهُم ... فبيَّنُ الخطُّ لهجة العرب وولد قحطان أيضا الحارث ونباته وهما قليل وعدادها في حمير ثم ولد الحارث بن قحطان حَنْظَلَة بن صَفْوان من الأقيون من بني فَهْم بن الحارث بن قحطان، وكان أرسله الله إلى عويل وقدمان وأسلم ويامن أبى زرع، وهم أصحاب الرِّسِّ الذين ذكرهم الله فكذبوه وقتلوه وطرحوه في بئر فهلكوا جميعا، وقال رجل من بني قحطان يبكي عليهم فقال: بكت عيني لأهل الرش ... وعويل وقدمان وأسلم وأبي زرع ... أنصار الحي قحطان ومن جرهم وهو جرهم الأصغر بن قحطان، فمن ولده أمّ مَعَدّ بن عدنان، وهي ماعنة بنت حَوْشَب بن جَلْهَمة بن دوه بن سُكَيْنة. وولد قحطان أيضا مُعَاوَية، فولده في حَضَرَ مَوْت. ومنهم الأقَاوِل ومن الأقاول الأسْوَدُ بن كثير والمُرَجَّي ربيعة بن مَعْدي كَرِب وبنت حضرموت ابن وائل حجر الذي يقول فيه الأعشى: قالت أمَيَّة من مَدْح ... فَقُلْتُ مَسْرُوق بن وائل ومنهم أبو شمر الذي يقول: كيف المقام بأرض لا أشد بها ... سوطي إذا ما اعترتني سَوْاأَةُ الغَضَب عني ذو مرحب إن كنت سائله ... ولد امرئ للَّذِي أنشأهُ كان أبي ومن حَضَرَ مَوْت عبُد الله بن لُهَيْعَة بن عُقْبة بن لُهَيْعة. ومنهم بَقِيَّةُ ابن الوليد المحدث. نَسَباً. فأما يَعُرُبُ بُن قحطان فاسمُه عابر، ويقال له المرعث، وإنما سمي يَعُرُب لأنه أوّل من تكلم بالعربية بعد انحراف اللسان العربي إلى السُّرَّياني. فولد يَعْرُب يَشْجُبَ، وولد يُشْجُبُ سَبَأ، وأسمه عبد شمس. ويقال إسمه عامر، وإنما سمي يشجب..... ومن أهل العلم مَنْ يَزْعُم أن صالحاً تُوُفّي بَمَكة، وهو ابن ثماني وخمسين سنة، وأنه أقام في قومه عشرين سنة. قال وَثَبَت الملكُ في ولد قَحْطَان بن هُود، ولم يزل الملك فيهم من ذلك العهد من لدن يَعْرَب بن قحطان وولده يَتَوَاثون ذلك كابرا عن كابر إلى أن جاء الله بالإسلام وبعث نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. ذكر أرْفَخْشَذ بن سام بن نوح وولد أرفخشذ بن سام. ويقال أرفخشاذ بن سام. رَجُلاً وهو شالخ، فولد شالخ فالغ. ويقال فالخ. واسمه بالعربية قاسم، وإنما سمي بذلك لأن الأرض قُسِّمَت في أيامه، ويقال إن الألسن تبلبلت في أيامه، ويقال تبلبلت الألسن في أيام يعرب بن قحطان، فأنطقه الله بالعربية حين تبلبلت الأُلْسِنَةُ ببابل، فخرج في ولده ومن اتبعه من بلاد العراق إلى أرض اليَمَن، وكان مَلِكاً بها، وكانت ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح مُلُوكاً من تحت يده وولده إلى أن كان من أمرهم ما كان. وقال بعضهم: وُلِدَ لأرفخشذ أبنا أخر غير فالغ وهو شالخ، فولد شالخ عابر، فولد عابر هوداً النَّبي عليه السلام، وهو هود بن عابر بن شالخ بن قحطان، فولد قحطان يَعْرُب واسمه المرعث، فنزل قحطان بولده أرض اليمن، وكان أوّل من ملك اليمن، وأول مَن سُلُمَ عليه بأبيت اللَّعْن، كما يقال للملوك من ولده. وقال بعضهم - وهم الأكثر، والجمهور من العلماء - بل هو هود بن عبيد الله، وهو شالخ بن أخلود بن الخلود بن عابر بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح. فهذا هو القول الذي عليه المعتمد والجمهور من العلماء. والله أعلم. ووُلِدَ لفالغ بن أرفخشذ بن سام بن نوح أرعوا بن فالغ، وهو ملكا فمن ولده الخضر واسمه إيليا بن فالغ بن أرفَخْشّذ بن سام بن نوح، بعثه الله في ولد كوش بن حام بن نوح من قَبْلِ إبراهيم. " ذكر إبراهيم الهليل صلوات الله عليه وانتشار ولده " قال أهل النسب: هو إبراهيم بن آزر، واسمه تارح، وآزَرُ لقبه، هكذا قال الكلبي. وعن محمد بن كعب القَرظيّ، قال: إبراهيم بن آزَر في القرآن وهو في التوراة إبراهيم بن تارح. وقالوا إبراهيم بن آزر. ذكر اسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وانتشار ولده

ذكر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وانتشار ولده

قال: وولد لإبراهيم عليه السلام اسماعيل وهو اكبر ولده، وامه هاجر وهي قبطيه، واسحاق ضرير البصر، وأمه سارة بنت بتويل بن ناخور بن ماروع بن ارغوا بن فالغ ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ومدن ومدين ويقسان وزمران ويسبق وسوج، وأمهم قنطورا بنت نقطور من العرب العاربه فأما بقسمان فلحق بنوه بمكة. وأقام مدن ومدين بأرض مَدْين فسمُيِّيت به، ومضى سائرهم في البلاد وقالوا لإبراهيم يا ابانا أنزلت أسماعيل وإسحاق، معك وأمرتنا أن نَنْزِل بأرض الغُربة والوَحْشَة!! قال: أمِرْت. قال فعلَّمَهُم اسْمَا من أسماء الله عز وجل فكانوا يستسقون به ويُنْصرون، فمنهم من نزل خُرَاسَان. وقال بعضهم: تَزَوّج إبراهيم بعد سارة امرأتين من العَرَب، إحداهما قَنْطُورا بنت يَقْظَان، فولدت له ستة بنين، وهم الذين ذكرنا. والأخرى منهما حجون بنت أهير، فولدت له خمسة، بنين، كيسان وشورخ وأميم ولوطان ونافس. ذكر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وانتشار ولده قال لما كبر إسماعيل بن إبراهيم تزوّج امرأة من العماليق ويقال من جُرْهم، ثم طلقها بأمر أبيه، ثم تزوّج أخرى من جُرْهم بن قَحْطان يقال لها السيدة بنت المضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هيّ بن بَيّ بن جُرْهُم بن قحطان بن هود، وهي التي قال لها إبراهيم حين قدم مكة قولي لزوجك إذا جاء قد رضيت لك عتبة بابك. حدثنا ابن حميد عن ابن إسحاق قال: ولد لإسماعيل بن إبراهيم اثنا عشر رجلا وأمهم السيدة بنت مضاض بن عمرو والجرهمي وهم نبت بن إسماعيل، وقيدر بن إسماعيل، وقيِدمْان بن إسماعيل، وأدد بن إسماعيل، وميشا بن إسماعيل، ومسمع بن إسماعيل، ودما بن إسماعيل، وأدر بن إسماعيل، وقطور بن إسماعيل، وطهيا بن إسماعيل، وقيس بن إسماعيل. وقال بعضهم في قيدر قيدار وفي نبت نابت، وفي أدبل أدبال، وفي ميشا ميشام، وفي دمادمار. ومن نابت وقيد ابني إسماعيل نشر الله تبارك وتعالى بني إسماعيل. والنسابون يختلفون في نسب نزار بن معد بن عدنان فبعضهم يقول هو من ولد قيدر، وبعضهم يقول، هو من ولد نبت، فكان نبت بكر إسماعيل ولي البيت بعده، ثم وليه بعده مضاض بن عمرو الجرهمي جد نبت لأبيه.، وكان إبراهيم وولده - صلوات الله عليهم - عبرانيين، ولا يتكلمون باللسان العربي، إلى أن تكلم به إسماعيل - وهو ابن إحدى وأربعين سنة، ويقال خمس عشرة سنة - وكان تعلم ذلك مِنْ جُرْهم بن قحطان. قال: وعاش إسماعيل صلوات الله عليه مائة وسبعا وثلاثين سنة، ودفن في الحجر الذي دُفِنَت فيه أمّه هاجر. " ذكر إسحاق بن إبراهيم وانتشار ولده صلوات الله عليهم " ونكح إسحاق بن إبراهيم، ويعقوب بن إسحاق توأمين في بطن واحد، وأن عيصا كا أكبرهما، خرج العيص أولاً ثم خرج يعقوب بعده ويده عالقة بعنقه فمسى يعقوب، وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة، فلكا مات قَبَرَه ابناه في الزرعة التي اشتراها إبراهيم. " ذكر يعقوب بن إسحاق وانتشار ولده عليهم السلام " ونحك يعقوب بن إسحاق - وهو إسرائيل ابنة خاله ليا بنت ليان بن بتويل بن إلياس، فولدت له روبيل بن يعقوب وكان أكبر ولده، وشمعون بن يعقوب، ولاوي بن يعقوب، ويهوذا بن يعقوب وزبالون بن يعقوب، ويسحر بن يعقوب. وقد قيل يشجر - ودينه بنت يعقوب ثم توفيت ليا بنت ليان، فخلف يعقوب على أختها راجيل بنت ليان بن تنويل بن إلياس، فولدت له يوسف بن يعقوب عليه السلام وبنيامين بن يعقوب - وهو بالعربية شداد - وولد له من سُرِّتَيْن إسم إحداهما زلفة وإسم الأخرى بلهه - أربعة نفر: دان بن يعقوب، ونفثالى ابن يعقوب وجادر بن يعقوب وأشر بن يعقوب. فكان بنو يعقوب اثنى عشر رجلا. فمن بني لاوي بن يعقوب موسى وهارون - عليهما السلام - ابنا عمران ابن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن أسحاق بن إبراهيم، وابن عمهما قارون بن محارب بن يصهر بن فاهث بن لاوي يعقوب ابن اسحاق ومن بني يوسف بن يعقوب يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب.

ذكر العيص بن إسحاق عليهما السلام

ومن بني يهوذا بن يعقوب سُليمان بن داوود عليهما السلام بن إيشارين عباد بن حصور بن يريم بن سليمان بن لخيمة بن عبيدان بن إرم بن حصور بن فارض بن يهوذا بن يعقوب، ومنهم الفرس، وهم بنو فارس بن المرزبان بن الأسود بن فارس بن يهوذا بن يعقوب. وقد قيل في فارس غير ذلك. وقد مضى ذكر الاختلاف فيما تقدم ما يغني عن تكرر ذلك وأعادته. ذكر العيص بن إسحاق عليهما السلام ونكح العيص بن إسحاق. عليهما السلام، ابنة عمه نسمة بنت إسماعيل ابن إبراهيم، فولدت له الرُّوم بن العيص، وكان العيص رجلا أحمر أشعر الجلد، وكان الروم رجلا أصفر في بياض شديد الصفرة، فمن أجل ذلك سُمِّيت الرومُ بنو الأصفر، وعَمَّرَ العيص مائة وسبعة وأربعين سنة، وكذلك عَمَّرَ يعقوب، ودفنا في المزرعة عند قبر أبيهم عليه السلام. قال وهب بم منبه: وليست الروم كلها من ولد العيص بن إسحاق قد كانت الروم قبله وقبل إبراهيم، وهم اليونانيون، منهم الإسكندر وحكماء اليونانيين مثل بطليموس وأرسطا طاليس، وهم من ولد يافث، ولكنه تزوج إليهم ولد العيص، واختلطوا بهم، فكثر ولده فيهم. فنسبوا إليه. والإسكندر اليوناني هو ذو القرنين وهو الإسكندر بن بيلبوس، وهو فيلقوس ملك مصر، وهو من اليونانيين، وهو الذي بنى الإسكندرية بن بيلوس بن مصر بن هرمس بن هردس بن مطيون بن رومي بن ليطن بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام. ويقال الإسكندر بن بيلبوس بن نومة بن سرحون ابن رومية بن بويط بن نوفيل بن رومي الأصفر، وهو الروم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم والله أعلم. وذو القرنين المتعالون بهذا الأسم أربعة. وهو الإسكندر بن بيلوس وقد ذكرنا نسبه واختلافه وهو ذو القرنين الثاني. الأول باني سد يأجوج ومأجوج وهو الصعب بن الحارث بن الهمال بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهر بن أيمن بن الهُميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ويقال هو الصعب بن مالك بن الحارث بن الجبار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ومنهم من قال: هو زيد بن مالك بن زيد بن كهلان، فهذا هو ذو القرنين وإنه لقي إبراهيم عليه السلام. وقال بعض هو الهُميسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان. فهذا هو القرنين الأول، وهو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج، وقد أوردنا ما جاء من الأختلاف في اسمه ونسبه. وأما ذو القرنين الثالث فهو المنذر بن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة، وهو جد النعمان بن المنذر بن ماء السماء اللخمي. وأما ذو القرنين الرابع فهو الصعب بن عبد الله بن مالك بن سدد بن زرعة، وهو حمير الاصغر ابن سبأ الأصغر، وهو كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية ابن جُشم بن عبد شمس بن الوائل بن الغوث بن أيمن بن الهُسيع بن حِمير. وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الذين اجتمع لهم ملك الأرض فقال: الذي ملك الأرض كلها أربعة، مؤمان وكافران، فالمؤمان سليمان بن داوود عليهما السلام، وذو القرنين وهو الصعب بن عبد الله بن مالك بن زيد بن سدد ابن زرعة وهو حمير الأصغر. والكافران نُمرُود بن كنعان، وتُبَّع الأكبر، ويقال هو تبع الأوسط، وهو الذي دخل الظلمات وملك الأرض ثلاثمائة وعشرين سنة، ويقال إنه أسلم في آخر مُلكه، وآمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو تُبع الأوسط أسعد أبو كرب بن كليكرب ابن تُبع الأكبر ذي الشأن بن عميكرب بن شمر يَرعَش بن افريقش بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش بن سدد بن الملطاط بن عمر وذي الهَميسع بن حِمير الأكبر بن سبأ بن يَشجُب بن يَعرُب ابن قحطان. قال لما هبط نوح وولده من السفينة إلى الأرض تزوج إرم بن سام بن نوح بعض بنات جُرهم فمنه صار اللسان العربي في ولد إرم بن سام بن نوح. ومنهم عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وبقي فيهم إلى زمن قحطان وولده. ثم تبلبلت الألسن فتكلمت بغير العربية حتى علّمها الناس يعؤبُ بن قحطان.

ذكر ما جاء في الأنساب وما اختلف فيه الالنساب

قال كعب: وباد جرهم الأول وذريته، ولم يكونوا من ولد نوح عليه السلام، ومنه صار اللسان العربي في ولد إرم بن سام بن نوح دون غيرهم، لأنه جدهم لأمهم وجُرهم بن قحطان هو جُرهم الأصغر، وإنما سمي باسمه لأنه جدّهم من قبل الأم، وكان لسان جرهم الأصغر عربيا، لأنه من ولد قحطان، ثم ولد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وبقي اللسان السرياني في ولد أرفخشذ بن سام بن نوح. وليسوا من ولد إرم بن سام بن نوح عليه السلام. ذكر ما جاء في الأنساب وما اختلف فيه الالنساب روُي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أنتسب إلى مَعَد بن عدنان أمسك، ثم يقول: كذَبَ النَّسابون. وقؤأ صلى الله عليه وسلم) وقُروَناً بَينَ ذلك كثيرا (وقال عُمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأنتسب إلى معد بن عدنان، وما بعده لا أدري ماهو. وروي عن ابن مسعود أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بَلَغ النَّسب إلى مَعدّ بن عدنان ويَعرُب بن قحطان كفّض عما فوق ذلك ولم ينسب وروي عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مثله. وعن سليمان بن أبي خثيمة قال: ما وجدنا في علم عالم ولا شعر شاعر أحداً يَعرف مَعَد بن عدنان ويَعرَب بن قحطان. وعن ابن لهيعة عن عائشة قالت: كذَبَ النَسَّابون، ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء مَعدَ بن عدنان بن قحطان إلا تَّخرص. وكان ابن مسعود إذا قرأه) كَدَأبِ عادٍ وثَمَوُدَ وَالَّذين مِن بَعدِهم قال كَذَب النَّسابون قال: ولقي الحسن بن علي دَغفل النَّسَّابة فقال له: أنت الذي تنسب الناس إلى آدم! ! فكيف تصنع بقوله) وَقُرُناً بين ذلك كثيراً (. واختلف النسابون في النسب بين عدنان واسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فأما نسب إبراهيم إلى آدم صلوات الله عليهما مذكور فيها نسبهم ومبلغ أعمارهم في الانتهاء في النسب إلى عَدنَان وقَحطان، وما وراء ذلك فأسماء أخذت. وقال بعض العلماء بالأنساب إلى ما فَوقَ قحطان وعدنان طلب غاية قصوى. ومرام مختلفة لا تؤتي. إذا الاختلاف في الأنساب كثير، والتوصل إلى معرفة ذلك لا يصح لكثرة ماهم عليه من الاختلاف، غير أن اليمانية يحتجُّون بأشعار أوائلهم الجاهلية وأخبار ملوكهم العادية ومآثرهم العِدملية يتعلقون بصحة ذلك عندهم، ويتوارثون إحياء أنسابهم بدلائل وأشعار وأخبار، وملوك بعد ملوك. وكابر بعد كابر. وقد أختلف الناسُ في نسب عدنان، فقال بعضهم: من ولد نبت بن إسماعيل بن إبراهيم، وقال بعضهم، هو من ولد قيدر بن إسماعيل بن إبراهيم، وكان نبت بن إسماعيل أكبر من قيدر، وهو بكرُ إسماعيل، وولي البيت بعده. فأول ما بدأ به من معرفة الأنساب ذكر شجرة الأنساب، الممثلة في هذا الكتاب، التي هي معرفة أنساب قبائل العرب، وبيان الأقرب من ذلك والأبعد، ومعرفة اجتماعهم وافتراقهم، ثم أبدأ بعد ذلك من الأخبار وشواهد الأشعار، وما حشوته من اشتقاق أسماء قبائلهم ورجالهم، وذكر أخبارهم وأيامهم إن شاء الله تعالى. وأدخل في هؤلاء منهم التبايعة، وأول التبايعة الرائيش وهو الحارث بن شدد بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر، وهو كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهَمَيسع بن حمير بن سبأ الأكبر بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقال عبيد بن شربة: بل هو الحارث بن شَدَد بن الملطاط بن عمر ذي أنس بن قدم بن الضرار بن عبد شمس بن وائل بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهَيمْسَع بن حمير بن سبأ الأكبر. والتبابعة كلهم من ولده، وآخر التبابعة حَسَان. وهو تبع الأصغر - بن عمرو بن حَسَان ذي معاهن، ومن تبع الأسعد أبو كرب. وهو تبع الأوسط. بن كليكرب بن تبع ذي الشأن الأقرب عميكرب. وهو تبع الأكبر. بن شمرير عش بن إقرنفش بن أبرهه ذي المنار بن الحارث الرائيش.

قبائل الغوث الأصغر

ومن ملوك حمير ناشر النعم بن عمرو بن يعفر بن شرحبيل ابن عمرو ذي أنس بن قدم بن الضرار. ومنهم بلقيس صاحبة سليمان بن داوود عليهما السلام، وأبو الهدهاد ذو يشرح بن شرحبيل بن عمرو وذي أنس بن قدم بن الضرار. ومن قبائل سبأ الأصغر وهو كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس. ومنهم سماعة بن سبأ وهم الأسموع والد حمير بن زرعة بن سبأ، ووائل بن سدد بن ذي رَعَين وهو حمير بن سبأ الاصغر. والأدروح بن سدد بن زراعة بن سبأ. ومرثد وهو الأورع بن زيد بن سدد بن ذي رُعَين وهو حمير بن سبأ فقبائل زيد بن سدد: حصور بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد ابن زرعة وهو حمير الأصغر بن سبأ الأصغر، وهو كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهَمَيْسَع بن حِمْيَر. ومنهم شعيب النبي عليه السلام بن مهدم بن ذي مهرم بن حضور، وهم في همدان، وذكروا أنه كان نبيا بعثه الله إلى قومه فقتلوه، فغزاهم بُخْتُ نَصرَّ فقتلهم، فأنزل الله فيهم) فَلَمَّا أحَسُّوا بَأسَنَا إذَاهُم مِنَها يَركُضُون لا تَركُضُوا وَارجِعُوا إلى مَا أُتْرفْتُم فِيهَ وَمَسَاكِنَكُم (إلى قوله) حتى جَعَلْنَاهم حَصِيداً خَامِدِين (قال حصدهم السيف. قال هشام: ويقال إن قبر شعيب هذا في جبل حضوراء باليمن يقال له صَبِر ليس جبل يثلج غيره، وفيه فاكهة الشام، وليس تَمُرّ به هامةٌ من الحيات والعقارب وغيرهن. قال أبو المنذر هشام حدثني أبي وأبو يحيى السجستاني عن يونس الأيلي قال: استثارت حمير مدفنا كان لملوكها بحضر موت، فوقع الحفارون على صُخُرٍ عِظَام فقلعوها، حتى أفضوا إلى أخاديد في وهاد، فلما دخلوها طال عليهم بُعْدُ المغار، وأظلم عليهم المسلك، فأشعلوا المصابيح ثم دخلوها، فكانت تستقبلهم ريحٌ شديدة تطفئ مصابيحهم، فراعهم ذلك ثم إن قوما جسروا فأشعلوا الشمع، وستروها بأستار مُكِنَّة من هبوب الريح، ودخلوا، فجعل المُضِءُّ يهوي بهم إلى وهاد تسوخ فيها الرجل إلى الركبة، ثم أصحر بهم مشيُهم إلى دار فيحاء مضيئة، قد خرق سقفها إلى الهواء، فإذا ثلاثة أبيات مقفلة، ومفاتيحها بمنظر منهم يرونها، فأخذوا المفاتيح ففتحوا الباب الأول، فإذا فيه سرير موضوع في وسط البيت عليه شيخ أصلع عليه حلل. عند رأسه كتاب بالحميرية: أنا أبو مالك عميكرب بن كليكرب، عُمْرتُ عشرةً أحقابا - والحقب ثمانون سنة - وأدركت الملك بالأسباب، وكنت الطالب الغَلاَّب، دعانا شعيب الحضورّي 'لى الإيمان فكذَّبْناه، فقام فينا داعيا فَعَصيْناه، فدعا إلى ربه فجاءتنا ريحُ مريضة مصفرة، نسميها أكره من السمام، فجعلت تستقبل في مناخرنا فأدمغتنا، فحسب المرء منا أن يأتي مضجعة الذي يموت فيه، فصرنا في ساعة رُفَاتَا. قال أبو بشر: فسئل ابن عباس عن أبي مالك قال: كان من أغنى ملوك حمير، أما سمعت قول أعشى قيس بن ثعلبة: لَعَمْرُكَ مَا طُولُ هذَا الزَّمَن ... على المرءِ إلاَّعَنَاءٌ مُعَنّ أزالَ أُذَيْنَةَ عن مُلْكِةِ ... وأُنْزَلَ من عِزّهِ ذَا يَزَنْ وخان النعيم أبا مالِكٍ ... وأيُّ امْرِءٍ صالح لَمْ يُخَنْ ومنهم دلال بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد. وحْمِيَر بن زيد بن سدد في همدان، وعوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد في همدان. والنافر بن زيد بن سدد في همدان. وذو قتاب بن مالك بن زيد بن سدد في همدان فهذه قبائل زيد بن سدد بن سبأ الأصغر وهو كَعْب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشَم بن عبد بن وائل بن الغوث بن ايمن بن الهَمَيسْع بن حمير. ومنهم الغوث الأصغر بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد. قبائل الغوث الأصغر وهو الغوث الأصغر بن سعد بن عوف بن عدّي بن مالك بن زيد بن شَدد بن سبأ الأصغر، وهو كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس ابن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ الأكبر بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

فمن قبائل الغوث الأصغر بن سعد بن عوف بن عدي. يحرس، وله أربعة أسماء: منبّه وزيد والحارث بن أسلم بن زيد بن الغوث الأصغر ابن سعد. والأحموس بن زيد بن عوف الأصغر بن سعد في همدان، ويحصب بن مالك بن زيد بن الغوث الاصغر بن سعد بن رهط بن مفزع الشاعر، ومنهم الحاترث بن مالك بن زيد بن عوف الأصغر، أوّل من عملت له السياط الأصبحية. فمن أشرف بيوتات حمير ينكف بن نيف بن معدي كرب بن مضحاء وهو عبد الله بن عمرو ذي أصبح. قال أبو المنذر عن أبيه عن أبي عمرو الشيباني قال: حفر أهلُ صنعاء حفيرا فوجدوا بيتا عليه بلق يعني بابا من رخام. فإذا بيت فيه أربعة أسرة منسوجة بالذهب، وإنما سمي مفرغا لأنه ما شرب في إناء إلا أفرغه. وهو الذي هجا آل زياد وكان حليفا لآل خالد بن أسيد القرشيين، وله عقب بالبصرة، ومن ولده السيد الحميري. قال أبو بكر بن دريد: مفَرْغٌ: مفعِّل من الفراغ أو من الإفراغ من قولهم فَرغت من عملي وأفرغت ما في الإناء ويقال: حلقة مُفْرَغة إذا لم تكن معطوفة لا يُدري أين طرفاها. وضربة فريغ، أي واسعة وفَرْغُ الدَّلو: مَصَبَّ الماء. والفرغان: نجمان من منازل القمر، ويقال: ذهب دمه فَرِغاً إذا لم يُدِرك ثأر. ومن جيد شعر يزيد بن مُفَرّغ قوله في زياد بن أبيه شعرا: إن زيادا أو نافعا وأبا بكر ... عندي من أعجب العجب إن رجالا ثلاثة خلقوا ... من رحم أنثى مخالف النسب ذا فُرَشُّي كَمَا يقولُ وذَا ... مولىٌ وهذا ابنُ عّمه عربي ومن يحصب بن مالك شرحبيل بن يَحْصِبَ مقاسم الأيسار، فعجز عن القسم، فإن أخذه أحد منهم عير به، قال الشاعر: وكنتم كعظم الرَّيم لم يَدرِ جازرٌ ... على أي أيدي مقَسِمُ اللحم يُجعل ومن بني يحصب ومن قبائل الغوث الأصغر بنو يحصب بن مالك بن زيد بن الغوث الأصغر، ويَحْصَبِ اشتقاقه وهو يَفْعَلِ من قولهم: حصبت النارَ أحصب حصبا: إذا ألقيتَ فيها ما تستوقد به وقد قرئ " حَصَبُ جَهَّنم " فكل شيء ألقيت في النار اشتعلت به فهو حصب لها والحصباء: الأرض ذات الحصى وتحاصت القوم: إذا تراموا بالحصىَ والحَصِبَة: داء معروف والمُحَصّب من هذا اشتقاق لرميهم بالحصى. فمنه يحصب بن مالك ابن زيد بن زياد بن ربيعة بن مفر الحميري. والبيت الذي فيه أربعة أسرة، منسوجة بالذهب، على سرير منها رجل عليه حلي كثيرة من وشي منسوجة بالذهب، وفي يده خاتم من ذهب، فصة ياقوت، وفيه تمثال نَسْر عليه تاج من ذهب طويل عظيم، وإذا الثلاثة الاسرة الباقية على كل سرير منه أمراة على كل واحدة حلة منسوجة بالذهب لهن غدائر قد فصل بينهن بالّدر عليهن خلاخيل ودماليج وأطوقة وخواتيم من ذهب، وإذا لَوْحٌ من ذهب مكتوب فيه بالمسند بسم الله الملك، أنا ينكف بن نيف بعت شبابي بحرف، ملكت ستمائة سنة من أدال وجرش، وسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن يقطن بن عابر وهو هود النبي عليه السلام وبه سميت أرال صنعاء، وكل مخائل الذهب قد طِلبتُ أني لم أجد للشباب مردودا، ولا للمنايا من محالة. وهؤلاء ابنتاي شقراء وشقير وأمهما المكتهلة بنت حي النافر لا نشرك بالله شيئا سقانا بكأس الموت ساق، وكان الذي عْمرا يعني عمرو بن ذي أصبح، وإذا سيف مكتوب فيه: أنا جمجمة العقرب اضرب بي ولا تَهَب. ومن ولده أبرههْ بن الصباح بن لهيعة بن شيبة الحمد بن مرثد الخير بن يتكف بن نيف بن معدي كرب بن مصحاء - وهو عبد الله - بن عمرو ذي أصبح بن مالك بن زيد بن الغوث الأصغر: ملك اليمن بن سيف بن ذي يزن. وأمه ريحانة بنت أبرهة الأشرم، وبه عَرَّض الكميتُ.. وما سموا بأبرهةَ اغتياظا. قال الهيثم بن عدي عن ابن عباس قال: لما التقى الحكمان بأزرح أقبل عمرو عَلَى عَلَيّ وأبي موسى الأشعري فذكر فضل معاوية وشَرَفَه وقدمته، فقال أبو موسى: إن هذا الأمر لا يدرك بالشَّرَف ولا بالحسب، ولو كان الأمر كما تقول لكان في أبرهة بن الصباح وأخيه حمير بن الصباح. وكانا على المشركين يوم ذي الخَلُّصَة، فقتله جرير بن عبد الله اليَحَلِيّ.

ومنهم ذو يزن

ومن ولده أبو شمر بن أبرهه، قتل بصفيّن، وأبو رشد بن أبرهة وكان سيِد حمير في زمانه بالشام. والنضر بن بريم بن معدي كرب بن أبرهة، كان سيد حمير بالشام، وأمه بنت مَعْبَد بن العباس بن عبد المطلب. ويريم من قولهم: لا تَرِم عن هذا المكان: أي لا تبرح. والريم: الفضل. يقال بينهما ريم. قال المخبَّل: فاقع كما أقْعى أبوك عَلَى أستهْ ... يرى أنَّ رَيْماً فوقه لا يزايله والريم ما بقي من مقاسم الأيسار فعجز عن القسم فإن أخذه منهم عيريه والرَّيم: ما بقى. ومن يحصب بن مالك شرحبيل بن يحصب بن مالك ابن زيد بن الغوث الاصغر بن سعد. قال أبو المنذر، حدثني محمد بن عبد الله الحميري عن أبيه قال: وجدنا في ظفار قبرا في ولاية يزيد بن منصور على اليمن، فإذا فيه رجل في تابوت قد ألْبِس صفائح النحاس، والتابوت في ماء، فنزف الماء واستخرج، فإذا فيه رجل عليه حلة منسوجة بالذهب، وعمامة منسوجة بالذهب، طولها أربعة وعشرون ذراعا، وقضيب من ذهب فيه أثنا عشر خاتما فصوصها ياقوت، ومعه في التابوت سروج من ذهب، وروءس بَقَر ووعول من ذهب - كان يشرب فيها - وستة أسياف، وكانت هامته كأعظم هامة رأيتها قط، وعند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا شرحبيل يحصب بن مالك ملكت سبأ وطور وتهامة وأعرابها. انقضت يَحْصَبِ. ومنهم ذو يزن وأسمه عامر بن أسلم بن زيد بن الغوث الأصغر وذو يَزَن - ويقال ذو أزن - وهو أوّل من أتخذ أسنة الحديد، فنسبت إليه الأسنة اليزنية - ويقال: سنان يَزَنُّي، وأزَنُّى وأزَنى - وإنما كانت أسنة العرب قرون البقر. قال الشاعر: يُهَزْهِزُ صَعدةً جرداء فيها ... نقيع السُم أو قَرْن مَحِيقُ أي مدلوك. ومن ولده سيف. واسمه النعمان بن الحارث بن قيس بن معد بن ذي يزن، وهو عامر بن أسلم بن الغوث الأصغر، وهو الذي استنصر كسرى، وجَلَبْ الفُرْسَ إلى صنعاء، وخرج على الحبشة في جمع عظيم من اليمن وغيرهم من الفرس، حتى أوقع بالحبشة فأبادهم وأفناهم، وملك اليمن، ووفَدَتْ إليه العرب من كل ناحية وبلاد. ومن ولده عُفَيْر بن زُرْعَة بن غُفْيْر بن الحارث بن النعمان - وهو سيف ابن الحارث بن قيس بن معدي كرب بن ذي يزن - وكان سيد حِمْيَر بالشام أيَام عبد الملك بن مروان. " عفير " تصغير عفر، وهو وجه الأرض. ومنه قيل: ظَبْي أعْفَر، إذا كان فيه غُبْرة، شبهت غبرته بلون الأرض. والعُفير: ضرب من الشجر تقتدح منه النار، والمعافر: بطن من اليمن. تنسب إليهم الثياب المعافرية. ورجل عَفْر: أي جلد عظيم والمعافر: موضع. وسيف اشتقاقه من قولهم: سَاقَ الشيءُ يسيف سيفا إذا هلك. والرجل سُيْفٌ إذا هلك ماله. والسَّواف داء يصيب الإبل فتهلك. وسُفْتُ الشيء أسوفُه سوفا: إذا شممته. وسافَ الرجلُ المرأة. إذا شمّ فاها. وسيف البحر: معروف وهو ساحله. وسَوْف كلمة يقولها المتمني والمتوعد. ومنهم مرثد بن علس الذي استمده امرؤ القيس بن حُجْرالكندي على بني أسد ومنهم " ذو قَيفَان الذي قتله عمرو بن معدي كرب، وفيه يقول شعرا: وسيفٌ لابن قَيفَان عِنْدِي ... تَخَيَّره الفَتَى مِن قوم عاد واسم ذي القفان شراحبيل بن ذي القيفان واسمه شرحبيل بن علقمة بن شرحبيل بن عَلَس وهو ذو جدن بن الحارث بن زيد بن الغوث الأصغر بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زُرْعة. وهو حمير الأصغر. بن كعب وهو سبأ الأصغر. وقيفان: فَعلاَن من القَفَن. والقَفَن: دخول الرأس في العنق والصدر. ورجل قَفِن. وامرأة قَفِنة، والأسم القَفَن. وجَدَن: موضع، واشتقاقه فيما أرى أنه مقلوب من قولهم أرض جَنْدٌ وأرض جَدَن، وهي الغليظة المتراكبة.. . ومن قبائل حمير الخبائر ونعيمة والسَّجول، بطون في ذي الكِلاَع. والخبائر يكون اشتقاقه من قولهم: أرض خَبِرة، وأرض خَبرا، وهو: القاع الذي ينبت فيه السَّدر، والجمع خبروات وناقه خبرة إذا كانت غزيرة والخبيرة والمزادة العظيمة. والخَبار: الأرض ذات الأحجار والجِفَار ومن أمثالهم من تجنب الخبار أمن العثار. والخبير الزبد وتخَّبر القومُ بينهم شاة إذا اقتسموا لحمها، وهي الخُبرة والخابور: نَهْرٌ: معروف.

والسَّحُول اشتقاقه من السَّحْل والسَّحْل: فتل الخيط إلى قُدْام والسَّجيل: ضد المُبْرِمُ والسَّحل: الثوب الأبيض، والجمع سُحُول وسِحَال. والسَّحل: القَشْرُ للعُودِ وغيره، وبه سمى المِبْرَد مسحلا ومِسْحَلاِ اللحام: الحديدتان اللتان تكتنفان اللجام ويقال للحمار الوحشي مِسْحَلَّ، لسحيله. والسّحيل: نُهَاق غَليظ. وساحل البحر: حيث سَحَله الماء أي قَشَرَه. ومنهم السحول. بن سوادة بن عمرو بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة - وهو حمير الأصغر - بن كعب وهو سبأ الاصغر. ومنهم قُرمُل بن الحميم الذي ذكره امرؤ القيس فقال: وكنا أناسا بعد غزوة قُرْمُلِ ... ورثنا العُلا والمجدَ أكبرَ أكبرا وقال أيضا: وإذْ نَحْنُ لاَ نُدْعَى عَبِيداً لقُرمُلِ وقُرمُل يمكن أن يكون من اشتقاقه من أحد شيئين، إمَّا من الشجر الذي يسمى القَرمَل، أو من قولهم: قرملت الخيط إذا فَتَلْتَه. وأحِسبُ أن اشتقاق القَرامل من هذا أو بعيرٌ قَرَملَّي أحسِبه إلى فحل. ومنهم ذو جَدَن: وهو عَلَس بن الحارث بن زيد بن غَوث الأصغر. قال أبو المنذر، حدثني إسماعيل عن إبراهيم بن ذي السعار الهمداني عن حسان ابن هانئ الأرحبي عن أبيه قال، أخبرني رجل من أهل صنعاء قال، احتفر أهلُ صنعاء حَفِيراً في زَمَنِ مَرْوَان، فوقعوا على أزج عليه باب، ففتحوه فإذا هم برجل على سرير كأعظم ما يكون من الرجال، عليه حلة منسوجة بالذهب، وعليه عصابة من ذهب، وإذا لوحٌ من ذهب مكتوبٌ فيه: أنا عَلَس ذو جَدَن القَيْل الذي للود منى النَّيْلُ ولِعَدُوُّي الوَيْل. طلبت فأدركت فأنا ابن مائة سنة غير خرف، وكانت الوحش تَزْوَرَّ لصوتي، وهذا سيفي ذو الكفّ، ودرعي ذات القروح، ورمحي القرين، وقوسي الفجاء، وقرني ذات الشر، فيها ثلاثمائة حشر من صنعة ذي نَمِر، ولم يدافع الموت عني شيء وأحقرني ما أعددته، وإذا جميع ما ذكرته عنده. وولده مرثَد بن عَلَس، الذي استمده امرؤ القيس بن حُجْر الكندي على بني أسد، وفيه يقول امرؤ القيس: وإذ نحن ندعو مرثَد الخير رَبَّنَا ... وإذ نحن لا نُدْعى عبيداً لقُرْمُلِ وابنه علقمة بن مرثد بن عَلَس. ومنهم ذو قيفان، واسمه علقمة بن شرحبيل بن عَلَس هو جَدَن بن الحارث بن زيد بن الغوث الأصغر بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن سدد بن زُرْعة وهو حمير الأصغر - بن كعب - وهو سبأ الاصغر. وقَيْفَان فعلان. تَمامه في الصفحة التي قبلها. قال عبد الرحمن بن يحيى العذري عن أبي المنذر قال: لقي ذُو قَيْفَان رجلا فقال: تَخَيَّر بين أن أضْرِبَك بسيفي، أو أرميك بسهمي. فاختار أن يرميه. فرماه فشّكَّه. فقال في ذلك شعرا: تحيَّر بين قافية شرود ... وبين السيف أو سهم حِشارِ يَّمانيّ كأن بشَفْرَتَيْه ... إذا استبصرت فيه ضَوْء نارِ وذو القَيْفَان الذي قَتَلَهُ عمروُ بنُ معدي كرب. وفيه وفي سيفه يقول عمرو بن معدي كرب الزبيدي: وسيفٌ لابن قَيْفَان عندي ... تَخَيَّره الفتى من عهد عادِ ويروى من قوم عاد. ومنهم معدي كرب وهو عبد الله بن سبيع بن الحارث بن الغوث الأصغر ومُرة بن سبيع بن الحارث، وشيبان بن الغوث الأصغر. ومنهم جُشَمُ بن الغَوْثَ الأصغر بن سعد، وحَيّان بن عَدِيّ بن ذي الكلاع. وهوزن بن عوف بن عَدِي بن مالك بن زيد بن سَدَد. ومَيْدع بن سعد بن عوف بن عَدِيّ بن مالك بن سدد بن سبأ الأصغر. ومن ولده ذُ الكلاع الوحاطي. وفي نسخة أخرى. ومن ولده ذو الكلاع الأصغر الوحاطي. واسمه سّمَيْفَع بن باكور بن عمرو بن يعفر ابن زيد. وهو ذو الكلاع الأكبر. بن النعمان بن منهال بن وحاطة بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن سبأ الأصغر وأدرك ذو الكلاع الإسلام، وكتب إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع جرير بن عبد الله فأسلم. وأعتق أربعة آلاف مملوك. ولما جاشت الروم كتب إليه أبو بكر ليستنفره. فأخبره رسولُه أنه لم يَسْتَتِمّ قراءة الكتاب حتى أمر بضَرْب قُبَّتَه فضربت حولها عشرة آلاف قُبَّة، ثم أقبل فشهد فتوح الشام.

نسب ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان

وذكر أن عمر سأله عن مبلغ قدره باليمن قال: تَغَّيبْتُ عن أهل مملكتي أربعين لا يروني فيهن، ثم أشرفت فسجد لي أكثرُ من أربعين ألْف جمجمة. وقال له عمر: بلغني عنك أن معك قدر أربعة آلاف، أو قدر أربعين ألف بيت تنوي من مصْر مماليك، فهل لك أن تَعْقَتقَهم وأعْطِيَك لكلَّ بيت أربعمائة درهم، تنوي بذلك وجه الله، أكتب لك بِثُلُثِ أثمانهم إلى العراق؟ قال: أو تفعل ذلك؟ قال: نعم. قال: قد أخذتم منك بذلك قال: وأرى رأيي، ثم عاد فقال: يا أمير المؤمنين أُشْهِدُك أني قد أعتقتهم لوجه الله تعالى. فقتل ذو الكلاع هذا يوم صفيّن مع معاوية. وفي ذلك يقول شاعر العراق من أصحاب علي بن أبي طالب. فإن تقتلوا الصقر بن عمرو بن محصن ... قتلنا ذا الكَلاَع وحَوْشَبَا وحوشب ذو ظليم أيضا. والحوشب عَظْم في باطن الحافر يتصل بالرسغ. والحوشب أيضا لقصير الضخم من الرجال والجمع حواشب. وعلى ذي الكلاع تَكَلَّعت قبائل حِمْير فتكلع حجلان ابن مُثّوب بن عَرِيب، والأسروع بن مُثَوبّ بن عّريب، ورحم بن عَريب الأصغر بن حيلان بن عريب، وذو كليل بن عَريب الأكبر بن زهير بن أنس كلهم في ذي الكلاع، والتكلع التجمع. وفي نسخة: التكلّع: التحالف في لغتهم. وميثم بن سعد بن عوف بن عَدِي بن مالك بن زيد بن سدد بن سبأ الأصغر. تكلع منهم كعب الأحبار بن ماتع بن هيسوع ابن ذي هجري بن يمسي بن ميثم بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك ابن زيد بن سدد بن سبأ الأصغر. والسموءل بن سوادة بن عمرو بن سعد بن عوف تكلع. وريمان وغزوان ونفران بنو جُشَم بن عبد شمس ابن وائل بن الغوث الأكبر بن أيْمن بن الهميسع بن حمير تكلَّعُوا. قال أبو المنذر: لما هاجر ذو الكلاع سُّميَفع بن ناكور، هاجر معه ثمانية آلاف عبد، فخلفوا بالشام معه فانتسبوا في حمير، ودخلوا في نسبه. ودعمى بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن شدد ابن سبأ الأصغر، وزيد بن الغوث بن سعد. فولد دعمى حِمام ونَكَالفتكلَّعا. ومنهم النُّميري نمران بن مثيم بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن سبأ الأصغر دخل في ربيعة، وله يقول تبع: ذهبَت قاسطٌ بنمران مِنا ... بئس خلق الكريم خلق الإباق لستُ بالتُّبع اليماني إن لَم ... تصبحُ الخيل في سوادِ العراقِ أو تؤدي ربيعة التمر قَسرا ... أو تعقني عَوَائِق المعتاق وإنهم لفي ولد الهُمَيسَع بن حمير. وقال الجاحظ: هو الرائش، واسمه الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يَشجُب بن يَعرُب بن قحطان وهو أول ملوك اليمن بعد الضحاك بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب يعرب بن قحطان بن هوذ - وهو عابر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام وأن الرائش كان مُلكه باليمن أيام ملك أنو شهر، وأنو شهر من ولد أبرح بن أفريدون بن القنان، وكان أفرِيدُون بن القنان مُلكه بعد الضحاك بن قيس، وكان الضحاك في زمن لإبراهيم الخليل عليه السلام، وقد أتينا بقصته مع نَمروُد بن كنعان وقيل: إن موسى عليه السلام خرج ببني إسرائيل من مصر في سنة ستين من ملك الرائش. نسب ربيعة بن نَزِار بن مَعَدّ بن عَدنَان قال بعض أهل النسب: ولد ربيعةُ بن نزار بن معد بن عدنان خمسة عشر ولدا ذُكرَانا وثلاث نسوة، وهم أسد بن ربيعة. وفيه العدد والشرف. وأكلب بن ربيعة. وضبيعة بن ربيعة، وعامر بن ربيعة وضربة بن ربيعة ونورة وسودة بنت ربيعة وأمهم أسماء بنت الحاف بن قضاعة، وكانت تسمى حام بنت الأسبع، وكلاب بن ربيعة وعوف بن ربيعة، وذيب بن ربيعة، وذويب بن ربيعة، وكُليب بن ربيعة، وأدروب بن ربيعة، وآمر بن ربيعة، وكتبة بن ربيعة، وعمران بن ربيعة، وعائشة بنت ربيعة، ولبنى بنت ربيعة. وأمهم الزّنباع بنت عافق بن السهوك بن رعل بن الذئب بن عدنان ويقال أمهم حربة بنت فيض بن معد بن عدنان. فأما ضيعة ابن ربيعة فولد الأحمس والحارث ذا القلادة. فمن أحمس جماعة رهط المسيب بن علس الشاعر. ومنهم بنو فهنة ودوقر رهط المتلمي الشاعر، والحارث بن عبد الله بن دوقر الأضجم. وكان سيّد ضُبَيُعة في الحاهلية. ومنهم بنو الكلبة ولهم عدد وجلد، ومنهم بنو شجنة. نسب بني أسد بن ربيعة بن نزار

نسب بني عبد القيس

فأما أسد بن ربيعة فولد جَدِيلة بن أسد، وأمه إيادية، وولد أيضا عَنَزة بن أسد، وعَمِيرة بن أسد، وأمهما وبرة بنت قيس غيلان، فأما عميرة بن أسد فهم عبد القيس، وولده مُبشر، ومنصور وملك بنُو عميرة. وأمَّا عَنَزة بن أسد فاسمه عامر، وسُمى عَنَزة لأنه قتل رجلا بعنزة، ويقال إن عنزة هو أسد بن خزيمة. فولد عنزة بكر بن عنزة، ويقدم بن عنزة وأما جَديلة بن أسد بن ربيعة فولد دُعمى جديلة فولد دعمى بن جديلة أفصى فولد أفصى وهنب وعبد القيس ابني أفصى. نسب بني عبد القيس فولد عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جَدِيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار اللَّبُوء بن عبد القيس، وأمه هند بنت تميم بن مُرّ، وإخوته لأمه تَغلب وَبكر ابنا وائل، ولد أيضا أفصى بن عبد القيس. نسب اللبوء بن عبد القيس فأما اللبوء بن عبد القيس فهم بالموصل وبتَّوج كثير. منهم زياد الأعجم، وإنما سمي الأعجم للكُنهَ كانت فيه، وكانت في كثير من العرب، تركت ذكر أصحابها خشية التطويل، وهو الذي قال يرثي المغيرة بن المُهلب. وكان المغيرة كثير الأفضال عليه، وقال يرثيه: قل للقوافل والغزاة إذا غزوا ... والباكرين ولِلمجدِّ الرائح إن السماحة والشجاعة ضُمَّنَا ... قبرا بمَروَ على الطريق الواضح فإذا مررتَ بقبره فاعقر به ... كومَ الهجان وكل طِرفٍ سابح وأنضح جوانب قَبرِه بدمائها ... فلقد يكون أخَادَمٍ وذبائح وهذا البيت فيه اختلاف بين النحويين، أما إذا روى " السماحة والمغيرة ضُمَّنا " فليس فيه اختلاف بينهم، ويكون صحيحا، وفيه رواية أخرى " إن السماحة والمروءة ضمنا " فها هنا يقع الإشكال والحجج بينهم، وتقع المناظرة. ومنهم الفضل بن خالد، كان شيخ أهل عصره وأشجع أهل زمانه، وكانت أكثر عبد القيس تصدر عن أمره، ولا تتجاسر على مخالفته، وهو الفضل بن خالد بن جابر بن كرب بن عكابة بن خلاج بن عمرو بن كنانة بن ودعان بن اللبوء بن عبد القيس بن أفصى بن دعمىّ بن جَدِيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. نسب أفصى بن عبد القيس وأما أقصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمىّ بن جديلة بن أسد ابن ربيعة فولدُهُ شَنُّ ولُكيز ابنا أفصى بن عبد القيس. نسب شن بن أفصى فَوَلَدُ شَنَّ بن أفصى الدِّيلُ والهُزَيز وعَدِي، فولد الدَيِل بن شَنّ سَعدّ وجذيمة وعامر وحبيب وصَبرة بنو الديل بن شَنّ. نسب بني صَبَرة بن الدَّيِل بن شَنّ فمن بني صبَرَة مُصقَلةُ بن كَرِب بن رقية، قُتل يوم الجَمَل مع علي بن أبي طالب، وعنده راية عبد القيس، وهو الخطيب المشهور، وابنه كرب بن مَصقَلة من أخطب الناس وافصحهم، وهو مصقلة بن رقية بن حَذَيفة بن عبد الله بن ضمرة بن الدبل بن شَنّ بن أفصى بن عبد القيس ابن أفصى بن دعمى بن جَدِيلة بن أسد بن ربيعة. نسب لُكَيز بن أفصى وأما لُكيز بن أفصى بن عبد القَيس فولده نُكرة وصُباح ووديعة بنو لكُيز. نسب نُكرةَ بن لُكَيز وأما نُكرة بن لُكيز بن أفصى بن عبد القيس فهم حلفاء جذيمة، فمنهم مُنّبه بن نُكّرَة بن لكيز وهم أهل البحرين، وفيهم العدد والشرف، ومنهم المُثقبِّ العَبِديّ الشاعر، وصاحب القصيدة المنصفة، وأسمه المحصن ابن وائلة بن عَديّ بن عوف بن زُهرة بن منبّه بن نكُرة بن لُكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار، قال: ونعمان قوم من نُكرة، وباليمن قوم منهم. نسب بني وديعة بن لُكَيز وأما وَديعة بن لُكيز فولد عمرو بن وَديعة، وغنم بن وديعة، ودهر ابن وديعة بن لُكيز. فأما عمرو بن وديعة بن لُكيز فولده أّنمار وعِجل ومحارب والدِّيل والعوق وامرؤ القيس. فمن ولد الديل بن عمرو بن وديعة أهل عُمان، منهم بنو صُوحان: ويقال منهم مصقلة بن رقبة الخطيب وقيل بل هو من ولد الدِّيل بن شن وقد أتينا بنسبه فيما تقدم. ومنهم آل المعذل بن غيلان بالبصرة وأما العوق فهو العوقة، وهم بنو عوق بن عامر بن الديل، وهم عُماِنيُّون قليل. ومنهم أيضا بنو عمرو بن الدِّيل. ومنهم بنو نصرة بن لُكيز ابن الحُصين، وهم أيضا بنو عمرو بن وديعة.

نسب قرة بن مالك

وأما أنمار وقُرة وبنو عامر الأكبر. وهم بنو خارجة أمهم نسبوا إليها. ومنهم بنو جذيمة بن عوق، ومنهم بنو عصر رهط الأشج العبدي، ومنهم ظفر رهط صُحارى العبدي، ومنهم بن والحارث بن أنمار، ومنهم الحارث بن مرة بن ثعلبة بن زياد بن الحارث بن مُرة. حمل في غزاة واحدة على ألف قارح، ووهب مائة جارية، وفتح كَرمان ومُكران لمعاوية بن أبي سفيان، وكان من الوجوه المذكورين، وكان ذا مال كثير وجاه في زمانه، وهو الحارث بن مُرَّة بن ثعلبة بن حُصين ابن عمرو بن غالب بن الحارث بن عمرو بن عوف بن عامر بن مُرة ابن الحارث بن أَنمار بن عَمرو بن وديعة بن لُكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن ترِار بن معدّ بن عدنان. نسب قُرَّة بن مالك هو قُرَّة بن مالك بن عمرو بن وديعة بن لُكَيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جَدِيلة بن أسد بن ربيعة بن نَزِار بن معد بن عدنان، وهم يسكنون السَّر ونواحي تؤام لهم وجوه مذكورة، وهم أهل بأس ونَجدَة، كان منهم النَّجَّاد المذكور، والبطل المشهور وَرد بن زياد. نسب بني عامر بن مالك منهم معاوية بن يحيى الذي خرج من الديار في مائتي رجل من بني عمه فَنَزَل بجُرّفار من قُرَى عمان، ثم خرج منها إلى أوال فقاتل مجوسا كانوا بها فأجلاهم عنها، وتغلب عليهم، وقسمها على بني عمه، وهم بنو الخَارِجَّية يسكنون برمل عُمان، وهم أهل شِدة وبأس رُماةٌبالنيل، وهم أهل حفاظ، والخارجية أمهم، قال الشاعر: ألَمَ تَر أن الخارجية أمَّنا ... وأن أبانا عامر بن معاوية ومنهم بنو عامر بن معاوية بن عبد الله بن مالك بن عامر بن لَكُيزَ ابن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لُكَيز بن أفصى بن عبد القيس ابن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نَزِار بن معدّ بن عدنان، ومنهم علي بن مُرة بن علي بن أحمد بن يوسف بن عبد الله ابن جابر بن محمد بن زيد بن العتم بن كعب بن ظالم بن هزيمة بن زيد بن ثعلبة بن عامر بن معاوية. نسب جذيمة بن عوف ومنهم الجارود واسمه بشير بن عمرو، وكان سيدا جوادا، وهو الذي قال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا أن هذا الأمر لا يصلح إلا لرجل من قُرَيش لما عَدَلت به عن الجارود، وكان من خيار المسلمين، وكانت ربيعة لا تَقطعُ رأيا دونه، وهو بشير بن عمرو بن خمس بن المُعَلّى بن زيد بن حارثة بن معاوية بن جذيمة ابن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لُكَيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جذيلة بن أسد بن ربيعة ابن نَزِار. ومنهم ثم من جذيمة مَهو الذي يُعَيّر بالفَسو، وقيل اشترى الفسو بُبردى حبرة. نسب عصر بن عمرو منهم المنذر بن عائد الذي وَفَد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقربه وأدناه، وقال له إن فيك لخصتين يحبهما الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - مشاهد كثيرة، وكان من فرسان العرب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقدمه على سائر بني عَمّه، وكان من أجمل العرب وجها. وهو المنذر بن عائذ بن المنذر بن يعمر بن زياد بن عصر بن عمرو بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لُكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. نسب العوف وهو العوف بن عامر هم أهل بادية وأهل ماشية وأبل، وعدد كثير ونجدة، يسكنون قَطَر وناحية البحرين، ومنهم من يقدم عمان. نسب مَحَارب وأما مُحارب بن عمرو بن وديعة بن لُكَيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار فولد له حَطمة وظفر ابنا محارب. انقضى نسب عبد القيس بن أفصى. نسب هِنب بن أفصى فأما هنب بن أفصى بن جَدِيله بن أسد بن ربيعة بن نزار فولد قاسط بن هنب وعمرو بن هنب، وجندب بن هنب. فأما عمرو بن هنب فمنهم غيب بن هنب وهم في بني شَيبان. ولهم عدد بالبصرة. وجندب في بني شيبان أيضا. وأما قاسط بن هنب فولد عمرو، وأما عمرو بن قاسط فمنهم غفيلة، ولهم عدد بالجزيرة في بني تغلب. نسب النمر بن قاسط

نسب وائل بن قاسط

وأما النَّمر بن قاسط فولد تيم الله، وأوس الله، وعابد الله، أمهم هند بنت تميم بم مُرة، واخواتهم لأمهم بكر وتغلب، واخواتهم لأمهم أيضا اللبوء بن عبد القيس. وأما تيم الله بن النّضمر فولد الخزرج والحارث فولد الخَزرَج سعداً، فولد سعدٌ الضَّحيَانَ. واسمه عامر بن سعد بن الخَزرَج بن تَيم الله بن النَّمر بن قاسط، وإنما سمي الضَّحيان لأنه كان يجلس لقَومِه وقت الضَّحىفيقضى بينهم، وكان صاحب مِرباع رَبيعة أربعين سنة، فمن ولده هلاُل بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر - وهو الصحيان بن سعد بن الخزرج بن تَيِم الله بن النَّمِر بن قاسط. ومنهم أبو حَوطِ الحظائر، قال: وسُمِّى الحظائر لأن المنذر بن امرئ القيس كان جمع أسَارى بَكر في حظائر ليحرقهم. ومنهم كعب بن الحارث، ومن وجوه الضحيان. واسمه عامر بن سعد بن عوف بن سعد، ومن ولده ابنُ القِرَّيَّة ومنهم الكَيِّس النَّمِرىّ. نسب وائل بن قاسط وأما وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة فولد بكر بن وائل، وتَغلب بن وائل، وعنزَ بن وائل، أمهم هِند بنت تميم بن مُرة، وأما عَنز بن وائل فولده إراشَة ورُفيدة وأشجّ وعَضاضة. نسب تَغلِب بن وائل وأما تغلب بن وائل فولد غَنم بن تَغلِب، والأوس بن تغلب، وعمران بن تَغلب. وبنو تغلب هم إخوة بَكر بن وائل، وكانت العرب تسميها الغلباء لكثرة غَلَبها. وشدة سَطوتها. قال الشاعر: وفي الغلبا تغلّب أهلُ عِزَّ ... وأحلام تعُودُ على الجَهُل هم سنام ربيعة، وأهل بأسها فأما غَنم بن تَغل فمنهم بنو معاوية بن عمرو بن غنم بن تغلب، ومنهم الأراقم وهم جشم وعَمرو وثعلية ومعاوية بنو حَبِي بن عمرو بن غنم بن تَغلِب، كان منه الأخطل الشاعر من الأراقم من بني جُشم بن بكر، والأخطل هو يَزيد حَنظَلَة. ومن بني تغلب عِكضبُ. ومنهم بنو عَدِيّ بن أسامة، ومنهم بنو كِنَانَة يقال لهم قُرَيش تَغلِب، ومنهم جُشَم بن بكر. فمنى بني جشم بنو الحارث بن زُهَير، وزُير رهط كُليب بن ربيعة الذي يُضرب به المثلُ فيقال " أعز من كُليب وائل ". وفي نسخة أمنع من حِمى كُليب، وهو كان صاحب لواء رَبيعة، واجتمعت عليه بنو السلان ويوم حرارى، وأخوه مهلهل بن ربيعة وهو الذي هيج الحرب بين بكر وتَغلب أربعين سنة. وإنما سمى مهلهلا لأنه أول من هَلهَل الشعر، وذكر العشق والتصابي، وهما كليب والمهلهل ابنا ربيعة بن الحارث بن زُهير بن جُشم بن بكر حُبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن نزار. ومن بني زهير بن جشم بن بكر بنو عتَّاب، منهم عمرو بن كُلثُوم التغلبي صاحب القصيدة السبعية، وهو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عَتَّاب بن سعد بن زهير بن بكر حبيب بن عمرو بن غنم بني تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن ألإصى بن دعمى بن جَدِيلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار. وكان عَمروُ بن كُلثوم فارس تَغلِب، والمنظور إليه من بينهم، وأمه ليلى بنت المهلهل بن ربيعة أخى كُليب بن ربيعة، ومنهم كَعب بن زُهَير. وكان على ما يقال: إلى أنفه شعرات تشبه شعر القُنفُذ، وكان حسنا جميلا، وهو كعب بن غَنم بن أسامة بن مالك بن بَكر بن جُشم بن بكر بن حَبيب بن عمرو بن غَنم بن تَغلب بن وائل بن بَكر بن جُشم بن بكر بن حَبيب بن عمرو بن غَنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هِنب بن أقصى بن دعمى بن جَدِيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. ومن ولد كعب بن زهير السَّفَّاح، واسمه سلمة بن خالد بن كعب بن زُهير. نسب بكر بن وائل هو النسب الأكبر، والبيت الأشهر، وفيهم الفرسان والشجعان، فولد بكر بن وائل أخو تَغلب بن وائل عَلِيَّ بن بكر، وَيشكُرِ بن بكر، وأمهم هِند بنت تميم بن مُرّة، يقال لها أم القبائل. فأما يشكر بن بكر بن وائل فولد كَعبَ بنَ يَشكر، وكنانَةَ وحَربا. وفي كعب العدد والشرف، فمن ولد كعب حُبَيِّبوالعَتيك، ومنهم بنو عَنز بن غَنم بن حُبَيِّب بن كعب بن يَشكُر وقعلبة وجُشم وعَدِىّ بن جُشَم، ومن بني كنانة بن يَشكر الحارثُ بن جِلَّذَة اليَشكُرِيُ صاحب القصيدة. فهذه يَشكُر. نسب بكر بن وائل أيضا

نسب لجيم بن صعب

فولد صعب بن علي لُجَيم وعُكابة ومالك. فأما مالك بن صعب بن علي بن بكر بن وائل فمنهم بنو رَّمَّان، منهم الفِند الزّماني وعددهم في بني حنيفة. نسب لُجيم بن صَعب فأما لُجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هِنب بن أقصى ابن دُعَمِى بن جَدِيلة بن أسد بن ربيعة فَوَلَدَ عِجلَ بن لُجَيم وحنيفة بن لجيم، وآخرين لم يعقبا واما عجل من لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. فولد ربيعة وكعبا وسعداً وضُبَيعَة فقليل، وأما ربيعة فمنهم أبو النجم الراجز. والعُدَيلُ بن الفَرخ الشاعر ومنهم دَعد الحمقاء وكانت عند جُندب بن العُنَيز فولدت له عدي بن جُندب. ومن ساداتهم بُجير بن عائذ بن شَريِك بم مالك ابن ربيعة بن عِجل بن لُجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وأما سعد بنعجل فالعدد في ولده، منهم الأغلب الراجز ومنهم الدلف النازل في حَدّ أصفهان. ومنهم الفُرات بن حَيَّان، وكانت له صُحبة. ومنهم بنو عبد الله بن الأسعد بن جذيمة بن سعد بن عجل بن لُجَيم. ومنهم القُبَّة المشهورة التي ضربها بصحراء ذِي قَار، انتصفت فيه العرب من العجم، وصاحب القُبّة هو حَنظَلة بن شَيَّبان بن الأسعد بن جذيمة بن سعد بن عجل بن لُجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. فولد الدُّل بن حنيفة وعبد مناة، وعامر، وعديَّا، مأما عبد مناة بن حنيفة فهم قليل، وأما عدي بن حنيفة فمنهم مُسيَلَمة بن حبيب الحنفي الكذاب. وفي نسخة هو مُسَيِلمَة الكذاب بن ثمامة بن كثير الحنفي. وأما الدُّول بن حنيفة فهم بنو هِفَّان، ومنهم هَوذة بن علي الحنفي ذو التاج، وهو هوذة بن علي بن ثُمامة بن عمرو بن عبد الله بن عبد العزّى بن سُحيم بن مُرَّة بن الدُّول بن حنيفة بن لُجَيم، وهذا نسب عِجل وحَنيفة ابني لُجيم بن صعب بن علي بن بكر وائل. نسب عكابة بن صعب فأما عُكابة بن صعُب بن علي بن بكر بن وائل فولد قيسا وثعلبة فأما قيس فهم قليل، وعددهم في بني ذُهل، وأما ثعلبة فيقال لهم الحصن، فولد ثعلبة من عكابة ذهل بن ثعلبة وأسداُ وقيسا وشَيَّبان وتَيْم الله. فأما ضنَّة فخالفت التميز فصارت في بني عُذْرة، وأما سعد بن ثعلبة فهم في بني شَيْبَان. وأما تَيْم الله بن ثعلبة فهم اللَّهَازِم حلفاء بني عجل. فولد تَيْمُ الله بن ثعلبة مالِكاً والحارث، وعَامِراً، وهلاَلاً، ومازنَا، وحاطبة، وذُهْلا، فهؤلاء يقال لهم الأحلاف إلا الحارث وعامرا ومالكا. وسمي أولئك أحلافا لأنهم تحالفوا على هؤلاء. بنو قَيْس بن ثعلبة وأما قَيْس بن ثعلبة بن عُكَابة بن صَعْب بن علي بن بكر بن وائل فولَد ضُبَيْعة وتَيْماً وسَعْداً. ففي بني ضبيعة العدد والعزّ ومنهم الأعشى مَيْمُون بن قَيْس الشاعر. ومنهم ربيعة بن جَحْدَر، وكان فارس بكر ابن وائل يوم تحالق اللمم. ومنهم مُرَّة بن عباد الذي ينسب الجُرَيريُّ المحدث، وكان الحارث بن عُبَاد يضرب به المثل في الوفاء فيقال أوفى منَ رَبِّ النعامة. فهؤلاء من بني ضُبَيْعة بن قَيْس بن ثعلبة. ومنهم أيضاً طَرَفَة بن العَبْد الشاعر، وهو طَرَفَةُ بن العبد بن سُفْيان بن سعد بن مالك بن ضُبَيعة بن قَيْس بن ثعلبة بن عُكَابَة بن صعب بن بني سفيان بن صَعْب المُرَقَّش الأكبر، وهو عم المرقش الأصغر أخو إبيه، والمرقش الأكبر عمّ ... أيضا. وهو المُرَقّش الأكبر، وأسمه عمرو بن سُفْيَان بن ثَعْلَبة ومنهم أيضا عمرو بن مَرْثد بن سعد بن مالك بن ضُبَيْعة بن قيس بن ثعلبة، ومن ولد عمرو بن بشير بن عمر بن مرثد، صاحب عمرو بن هند، ومنهم الحكم بن شريح بن ضبيعة بن شُرَاحِيل بن عمرو بن مَرْثد. وأما تَيْم بن قَيْس وسعد بن قَيْس بن فهم الحرقويان. نسب ذُهْل بن ثعلبة

نسب شيبان الأكبر بن ثعلبة

وأما ذُهْل بن ثعلبة بن عُكَابَة بن صَعْب بن علي بن بكر بن شيبان بن وائل. فولد شَيْبَان بن ذُهْل، وعَامِر بن ذُهْل. وأما عامر بن ذُهْل بن ثعلبة بن عُكَابَة بن صعب فيُقَال لهم الوَجم. وأما شَيْبَان بن ذُهْل فولد سَدُوس ابن شَيْبَان، وفيه العدد والشرف. وعَمْراَ ومَازِناَ وعَلِياً ومالكا وعامرا وزَيْدَ مناة. فأما علي بن شيبان فهم قليل. وأما مَازِن بن شَيْبَان فهم بُعَمان. ليس فيهم أحدٌ ذِكر إلا أن أبا عثمان المازني النحوي يُنسب إليهم، لأن أمه منهم. فمن بني عمرو بن شيبان بن ذُهْل بن ثعلبة بن عُكَابة القَعْقَاع بن شَوْرٍ وفي نسخة " سود " ومنهم دَعْفُل بن حنظلة النسابة ومن بني مالك بن شَيْبَان الحارثُ بن وَعْلَة بن مُجالِد بن الزبان الذي ألقح حرب ذي قار، وهو الحارث بن وعلة بن مجالد بن الزّبَان بن الحارث بن مالك بن شَيْبَان بن ذُهْل بن ثعلبة. وأما سدوس بن شيبان بن ذُهْل بن ثعلبة فكانت له ردافة آكل المُرَار، وكان له عشرة من الولد، منهم الحارث بن سَدُوس، وكان له أحد وعشرون ذكرا. نسب شيبان الأكبر بن ثَعْلَبة وأما شيبان الأكبر بن ثعلبة بن عُكَابَة بن صَعْب بن علي بن بكر بن وائل فوُلِد له وذُهْل وثَعْلَبَة وعَوْف. أما عوف فلا عقب له. وأما ثعلبة بن شيبان. فمنهم مَصْقَلَة بن هُبَيْرة الشيباني وفيهم سخاء وجود وسؤدد فمن بني تَيْم الأصمعان، فيقال يوم الأصمعين في الجاهلية. نسب ذُهْل الأصغر بن شَيْبَان وأما ذُهْل الأصغر بن شَيْبَان بن ثَعْلَبة بن عُكَابَة بن صَعْب بن علي بن بكر بن وائل فولد مُرَّة بن ذُهْل، وفيهم العدد والبيت، وربيعة بن ذُهْل ومُحَلم بن ذُهْل، والحارث بن ذُهْل، وعبد غَنْم بن ذُهْل وعوف ابن ذُهْل، وصبح بن ذُهْل،، وشَيْبِان بن ذُهْل، وعمرو بن ذُهْل، وهم تسعة نفر. فأما ربيعة ومُحِلم والحارث فأمهم رِقَاش، وأما عبد غَنْم وعوف وصبح وشيبان فأمهم الرزيّة من بني يَشْكُر، وهم ينسبون إليها فيقال بنو الرزسة - قال غُيره بنو الوترية - وأما عمرو فأمه حرزة سُبَيت من اليمن، يُدْعَون بنو حرزة، وهم قليل. أشراف بني شَيْبَان ومن الأشراف من بني شيبان المشهورين عَوْفُ بن مُحَلم بن ذُهْل الشَّيْبَاني. ومنهم الضحاك بن قيس الشاري، والبَطيِن بن زيد الشاري. وسِنَان وقَعنَب الخارجيان. ومنهم عامر بن عمرو الخصيب، وإنما سمي الخصيب لسماحته. ومن بني الخصيب هانئ بن مسعود صاحب ذي قار، وأخوه قيس بن مسعود، وهانئ بن مسعود بن عامر بن الخصيب بن عمر بن أبي ربيعة ابن ذُهْل بن شَيْبَان. ومنهم بنو مُرّة بن ذُهْل، منهم جَسَّاس بن مُرَّة قاتل كُليب، وأخوته هَمَّام بن مُرّة والحارث، وسعد ونُجَيْر وكُلَيْب وكُثَير، وشيبان وجُنْدُب بنو مُرَّة بن ذُهْل بن شَيْبَان. ومنهم سُوَيد بن سليمان الشاري والمثنى بن حارثة الذي افتتح السَّوَاد، وهلك المُثْنى فتزوّج سعدُ بن أبي وقاص امرأته سَلْمَى، وهي التي نظرت إلى أهل القادسية فقالت: القوم أقران ولا مثنى لهم، فَلَطَم سعدٌ عَيْنَها. ومنهم الحَوْفَرَان بن شَرِيك، ومطر بن شريك. فمن ولد مَطَر مَعْن بن زائدة، ويزيد بن مزيد. ومنهم قيس بن مسعود سيد بكر بن وائل، وهو قيس بن مسعود بن خالد بن عبد الله بن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن هُمام بن مُرَة بن ذُهْل بن شَيْبَان بن ثعلبة بن عُكَابة بن صَعْب بن علي بن بكر بن وائل، وابنه بَسْطام بن قيس بن مسعود كان فارس ربيعة وسيدها، وبنو الشقيقة نسبوا إلى أمهم. وهو من نسل هؤلاء، كلهم يرجعون إلى ذهل بن شيبان، انْقضَتْ ربيعةُ. خبر انتشار ربيعة ومنازلها قال ربيعة قبل انتشارها وتَفَرقّها في البلاد يَسْكنون بطنَ عِرْق وما وَالاَها من البلدان، فلما كَثُرت انبسطت تطلُب المياه والمنازل، فصارت فيما بين ثينية وشالة والرَّقَيبة وبطن الجريب وذي طوق إلى ناحية حصن إلى التغملين وضَرّبَة ودار ذات الزنائب. وما قاربها من البلدان، وفيها يقول المهلهل بن ربيعة أخو كُلَيْب: عمرت دارنا تهامة في الدهشر ... وفيها بنو مَعَدَّ حُلُولا ونزلت جذيمة ابن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لَكَيْر بن أفصى جانب الخَطَّ وأعيانها وجوانبها.

خبر إياد بن نزار

ونزلت بن أفصى بن عبد القيس طَرَفها وأدناها إلى العَرِاق. ونزلت بكرة بن لُكَيْز بن أفصى بن عبد القيس وسط القطيف وما حوله. ونزلت عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة ومنهم بنو خارجة الشُّفَار والطّروَان إلى الرمل الأجرع ما بين هَجَر إلى قَطَر وبَيْنَونة، وإنما سميت بينونة لأنها بانت عن البحرين وعُمَان فصارت بينهما، وصارت أبياتٌ من بني عامر بَهَجر. ابن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لأثكَيْز من أفصى والعمور. وهم بنو الديل بن عمرو بن محارب بن لكيز، وعجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز وحلفاؤهم وهم الحارث والعُيُوق بالأحساء والأطراف، وخالطوا أهل هَجَر في ديارهم، ودخلت قبائل من عبد القيس بن أفصى عُمانَ منهم الضيق وقُرَّة بن مالك بن عمرو بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لُكَيْز. وعامر بن الديل بن عمرو بن وديعة بن لُكَيْز، وعمرو بن بَكرة بن لُكَيْز، والعَوَقة، وهم بنو عَوْف بن عامر بن الديل بن عمرو بن وديعة بن لُكَيْز، وعوف بن عمرو بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لُكَيْز، وعوف بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لُكَيْز، وبنو ذُهْل بن عِجْل بن عمرو بن وديعة بن لُكَيْز وبطون مني بني القَيْس، نزلوا كلهم عُمَان، ونسلوا بها، وهم ببلاد عُمَان. ثمَّ ما وجدناه من نسب رَبيعة بن نِزَار بن معَدّ بن عدنان بن أدّ بن أدَد بن إلْيَسعَ بن الهُمَيْسَع بن نَبْت بن حِلمان بن حمل بن قَيْدَر ويقال قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر - بن ناحور بن أسروع ابن أرعوا بن فالغ - وهو فالج - بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لَمْك بن المُتوشْلَخ بن أخْنُوخ - وهو إدريس عليه السلام - بن اليارد بن قَيْنَان بن أنوش بن شيت بن آدم، ويقال ابن التُّراب. خبر إياد بن نَزَار قال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: كانت إياد بن نزار بن مَعَدّ بن عدنان نزلت سِنْداد وسنداد: نهر بين الحيرة إلى أُبُلّة، وكان عليه قصرٌ يَحُج إليه العربُ، وهو القصر الذي ذكره الأسود بن يعفر النهشلي قال: والقصر ذِيِ الشّرفات من سَنْداَد. وكانت إياد أكثر نَزِارِِ عددا، وأحسنهم وجوها، وأشدهم امتناعا. وكانوا لا يعطون الإتاوة. وهو الخراج. فكان من قوتهم أنهم أغاروا على أمراء لِكِسرى أنُو شِروان وأخذوا أموالا كثيرة، فجهز إليهم كِسرى الجنود مرَّتين، كل مَرة تَهزِمُهم إياد، ثم إنهم ارتحلوا حتى نزلوا الحيرة، فوجّه إليهم كسرى بعد ذلك ستين ألفا في السلاح، وكان لَقِيط الإيادي ينزل الحيرة، فبلغ لَقيطاً وكتب إلى إياد بالجزيرة فقال شعرا: كتابٌ من أخي ثقة لقيط ... إلى مَن بالجزيرة مِن إياد بأن الّيث كِسرى قد أتاكم ... فلا يَشغَلكُمُ سوق النفاد أتاكم منهمُ ستون ألفا ... يرجون الكتائب كالجراد على حنق أنبئكم بهذا ... وإن هلاككم كهلاك عاد فلما بلغ لقيط استعدوا لمحاربة الجنود الذين استعد بهم كِسرى، فاقتتلوا قتالا شديد حتى رَجَعَت عنهم وقد أصيب في الفريقين جميعا، ثم إنهم من بعد ذلك اختلفوا فيما بينهم، ثم لَجَّت عليهم الفرس في الغارة، فتفرقت جماعتهم، فلحقت طائفةٌ منهم بالشام، فدخلوا في الرُّوم فتنصروا، فجهل الناس أنسابهم، وأقام الباقون بالجزيرة. ثم كتاب الأنساب بحمد الله ومنه وصلواته على خير خَلقه محمد النبي وآله وصحبه وسلم. ويتلوه إن شاء الله كتاب الشجرة في الأنساب وبالله الإعانة والتيسير وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم. وهذه الشجرة التي ذكرناها في أول كتابنا: الوليدُ بن مروان الأكبر، يزيد بن سليمان بن مروان الأصغر، هشام بن أبي بكر بن مسلمة بن عبد الله بن سعيد بن عمر بن عبد العزيز، الحجاج بن محمد بن منذر بن ذرخ بن عبد الله بن فضيل بن ذرخ. عبد الرحمن بن يزيد بن عبد الله.

معاوية بن أبي سفيان بن أم جميل. سفيان بن أبي سفيان بن عمرو بن أبي العاص بن عثمان عثمان بن عَفّان بن أبي العاص مروان بن الحكم. ضحى وعمرو وحنظلة بن محمد بن زياد بن يزيد بن عُتبة بن عبد الله الأكبر. عبد العزيز الأصغر. عمرو بن أبَان بن خالد بن عمرو بن سعيد بن الوليد ابن المغيرة بن عبد الملك. عبد العزيز بن معاوية بن عبيد الله أبان بن داوود بن عبد الرحمن بن بشير بن محمد بن عبد الله أول الخلفاء من بني العباس الخليفة أبو العباس عبد الله بن محمد. المأمون بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور بن أبي جعفر. وأسمه عبد الله بن إبراهيم ابن المهدي بن المنصور، وهو أبو جعفر بن موسى بن يحيى بن العباس. علي بن العباس بن محمد بن الفضل بن عبد الرحمن بن عبد الله بن كنانة بن رعقب. عتبة بن عُتَيبة بن خالد بن عقب المغيث بن الفضل. الفضل بن عبد الله بن عبيد الله بن مسلمة بن عبد الرحمن بن معبد. أبو سفيان بن المغيرة بن نوفل بن ربيعة بن عبد شمس بن الحارث بن العباس بن أبي لهب. والمقوم بن الغيداق اسمه حجلّ وقيل نوفل بن ضرار. محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب أبو القاسم بن عبد الله الطاهر الطيب المطهر. فاطمة، ورقية، زينب، أم كلثوم - وسقط من خديجة إبراهيم. طلحة بن الحسن بن يزيد بن عمرو بن الحسن الأثرم. الحسين والحسن بن علي بن أبي طالب درج عبد الله بن جعفر. عقيل بن أبي طالب درج. أم هانئ. عمارة بن حمزة. عبد الله بن الزبير - درج. عاتكة بن أميمة بن البيضاء بريدة بن أروى ابن صفية - درج علي الأكبر بن الحسين علي الأصغر درج محشر بن غسان بن سندبة بن الخليفة بن محمد بن علقمة بن عبيد الله بن أبي بكر بن يحيى - درج جعفر بن العباس. الحسن بن عبد الله، أم كلثوم الصغرى زينب الصغرى. جمانة، ميمونة، فاطمة، أم الكرام، أم سلمة، أمامة، أم أبيها، خديجة، أمهاتٌ شتى. عبد الله الحسن بن إبراهيم بن محمد بن جعفر بن داوود. القاسم بن الحسن ابن زيد بن إبراهيم بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمن. الحسن بن حمزة بن محمد بن جعفر. وإليه ينتهي نسب الجعفرية.

عبد الله ماوية. الحسن بن عبد الله أبو حمزة علي. درج ابن جعفر درج جعفر الأكبر. درج. جعفر الأصغر. عمر بن القاسم بن إبراهيم. جعفر الأكبر. له عقب. علي بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن صالح. موسى الأكبر. هارون. يحيى. عون الأكبر. عباس. عون الأصغر. عقبة. معاوية. إسحاق بن إسماعيل. القاسم بن الحسن بن جعفر الأصغر. القاسم محمد بن عبد الله بن عقيل. القاسم بن الحسن. غقيل عبد الله. القاسم الأصغر. درج. طلحة ابن القاسم بن عوف بن محمد، جعفر الأكبر. سعد بن يزيد. عمرو. جعفر مسلم بن عبد الله. عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن. حمزة علي أبو سعيد. بنو كُليب. بنو جَندل. بنو نَوفل. خالد بن أرطاة بن الحسين بن سند ابن أشنان. بنو هذيم. الفرافصة بن أحوص بن عمر بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جَباب بن هُبل بن عبد الله بن كنانة بن عوف بن غزرة بن زيد الله زياد بن أسف بن حارثة بن صخر بن مالك بن عبد مناة بن عبد الله بن هُبل بن عبد الله بن غنم. سليط بن كبش بن مخزوم. أبو عدي كرب بن حارثة. وأسيد بن خزيمة بن إلياس ابن مضر بن نزار. وهو من الأرجاء. لؤي بن حبيب بن كعب بن زياد بن بشير بن علي بن سليمان بن أوس بن جابر بن مسعود ابن مضاض بن قطن بن مسعود بن عامر. شادان بن حصن. مسعود بن نيف. معاذ بن حصن بن زياد. الأبرد بن مصاد بن عدي. الحارث بن جنادة بن صهبان بن امرئ القيس بن إبراهيم. شملال بن حصين بن عرفجة بن سلام بن النعمان بن امرئ بن إبراهيم. قيس بن عدي بن أبي جابر برعة المسترجمي بن القطامي بن جمال بن حبيب ابن جابر بن مُرة بم مالك بن عمرو بن هشام بن محّمد بن السائب بن بشير بن عمرو بن الحارث. زيد بن حارثة بن بشير بن عمرو بن الحارث بن بشير بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عوف بن عبدود بن عوف الذي أنعم الله عليه، ورسوله صلى الله عليه وسام. عبد الله بن يشجب واسمه عوف بن عمرو بن زيد بن المتمن بن خليفة بن مروة بن فضالة بن زيد بن امرء القيس بن الحارث، وهو زيد مناة بن الحارث. هُبَيْرة بن صَخْر بن ربيعة. واسمه معاوية. بن بكر بن النعمان. الرباح. واسمه مالك. بن عمرو بن عوف الأكبر بن جبلة بن وائل بن قيس الجلاح وهو حارثة العبيد. أسامة بن زيد ابن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف الأكبر بن كنانة بن عوف بن عذرة الخذق. بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبي ومالك بن عوف بن عامر. بن عمرو بن خولان بن بلي. فهود بن سوان. سويد بن أسلم لامة بن سعيد بن زيد بن نُجْح. الأملوك جرهم. صيفي بن وائل بن عبد شمس بن وائل الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير. مكاعير. حصود بن عمرو. نهيل بن يرميم بن ردمان مثوب. أشين زنباع بن نجع. بهيل بكيل. نكللة. كالم غريب. زرعة ابن لهيعة بن أساخ الفقاعة عبد شمس بن خارجة بن عمرو بن قدم مُرْة بن سلمة، بدية. وادعة، ردمان. نعمام. سعد بن هِرْيم بن زيد بن ليث سعد بن شبيب بن جهينة بانبي صُحَار. غَرة بن زيد. ذي كلاع الأصغر الشِّحْر بن سوادة بن عمرو بن داماس. وأنوفان ذو حول. وذو مقال بن الحارث وهو عبد كلال جحيملان بن نافع بن شراحيل ذا شَرَاجِم. ذو عثكلان. قدما ذمار. مهران. خوان. نوادر مس المحرز بن طلحة. السريون. جسمان. عبد الله بن عمرو بن النعمان. السراني، وهو علقمة، وهو ثمود بن باكور عمرو بن يعقوب بن سميفع بن باكور بن عمرو بن يعقوب ابن سميفع بن باكور شيعة النبي هود صلى الله عليه وسلم. بن مهدي بن ذي مِهْذِم بن حَصُور كمال. دلال. يزيد. المنصور بن عبد الله بن شهر بن يزيد بن عزيز بن الأشهل. بلقيس الهدهاد بن شراحيل بن عمرو. الخطاب بن النعمان بن الوضاح بن مانع بن وهو الفياض بن عامر. دخوال بن يريم بن ذي مفاز بن شراحيل بن زيد بن عمرو بن ناشر ينعم بن حسان بن زرعة. ذونواس بن تُبّع بن حسان أسعد أبي كرب بن مليكرب بن تُبّع أبي كرب بن يَحْصَبِ بن مالك بن زيد عوف بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بنسهل بن مثوب بن الحارث بن مالك. تمت الشجرة بعون الله تعالى.

محمد النبي صلى الله عليه وسلم. بن عبد الله

ونبدأ إن شاء الله بنسب كل بني أب إلى أبيهم دون بني أعمامهم معاشرتهم. وقال: ليس بعد العشيرة شيء ينسب إليه. والعشيرة مثل عبد مناف. الرهط: والرهط ما دون العشرة. العصبية: من العشرة إلى الأربعة. والقبيل: الجماعة يكونون من العشرة فصاعدا من قوم شتى وجمع. والقبيلة: بنو أب. والحي: وحي القوم أهلهم، ويقال للمرأة الحي تكون امرأته وأمه على طريق كناية. وهذا باب يطول أمره فَتَركْتُه. الآل: آل الرجل ذريّته ونسله وأهل بيته. وقال أبو عبد الله في قول الله عز وجل) آل فرعون (أهل بيته وذريته وأهل دينه وقومه وملته. وفي قراءة: أهل المدينة، ومن كان على دينه، واحتجوا بقول الله عز وجل) آل فرعون (من كان على دينه وقالوا: محمد صلى الله عليه وسلم أهل دينه ومِلّته من المسلمين. وقد يجيء الآل بمعنى الأهل. والآل غير هذا الموضع السّرَاب، والآل أيضا عيدان الخيمة وأعمدتها. وعترة الرجل: نسله وذريته. قال ابن قتيبة: ويذهب الناسُ إلى أن عترة النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما عترةُ الرجل وعشيرته الأدنون من مضى ومن غيره. وهي تجمعُ مَعْنَيَيْن، يقال هم عترته: أي رهطه الأدنون. والعترة ايضا قال أهل اللغة: شجرة في بعد القطع أصولها وعروقها. وللعترة أسماء أخرى لغير هذا المعنى تَرَكْتُه. الأرحام: والأرحام مأخوذ من الرَّحم، وهم من القَرَابات الذين لاسهم لهم في باب الله، والرحم مأخوذ من رَحِم المرأة، لأن النسب بجمعهم حتى يلتقوا إلى قد ولدتهم، وخرجوا من رحمها. وقال الأصمعي: بكسر الراء وتخفيف الماء ورحم الأنثى، والرَّحِم بفتح الراء وكسر الماء هي القرابة، ولهذه الأسماء دلائل واحتجاجات تركتُها إيجازاً واختصارا. وسوف أبيّن لك معرفة أصول القبائل، جمعُ لك مِن ذلك ما في الشجرة التي قدمنا ذكرها في كتابنا ليُسْتَدَلّ على معرفة القريب والبعيد منذلك، ثم نرجع من بعد إلى أنساب الحيَّيْن القحطانية والعدنانية، وذكر شيء من أخبارهم ومثرهم وبيوتهم وفرسانهم وجمراتهم وجبابرتهم ومنعميهم وأوفيائهم وأجوادهم وايامهم ووقائعهم. وغير ذلك مما شرطنا في كتابنا. إن شاء الله. وبالله التوفيق. محمد النبي صلى الله عليه وسلم. بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَنَاف بن قُصَيّ بن كِلاب بن مُرّة بن طعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كنانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكَة بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار. إياد بن أنمار بن مَعَد بن ربيعة حديث عمرو بن علَة بن خالد بن عيسى بن مالك بن الحارث بن كعب بن الغوث بن جديلة بن فطرة بن طيء. نَبْهَان بن عمرو بن الأشعر بن مرو بن أدد. عليثّض بن ثابت بداء بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة. وهو ثور بن مرتع بن عُفَيْر بن عَدِي بن الحارث بن برى بن فَهْم بن غانم بن أوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران. حديث سيد بن حبشية. لقيط ميسان بن جُرْهم بن مالك بن عُفَير. مري بن حي بن مالك بن ماجد بن اليحمد بن حمي، وهو عبد الله بن عثمان بن نضرة بن الحدان بن عبد الله بن سعيد بن يزيد بن ضحيان. محمد بن عبد الله، يزيد، جبير، عبد بن الجلندي، والمستكين، بن مسعود بن الحدان. همام بن عبد بن رفد بن سنانة الغني بن الحارث. معن شريك بن مالك بن عمرو بن هند بن سليمة بن جذيمة الأبرش، ثعلبة. حفص بن راشد بن بني حاصر بن مالك بن عبد شريك بنو عامر. بنو كليب، بنو خروص، بنو عوف، بنو هني، بنو باقل، بنو ضحيان. مالك بن عبد شمس جرير بن عبد الربع بن جابر. جناح بن محمد بن أبي الحواري. نسب عزان بن قطن. روس بن بشر. ماوي. معولة، حليمة التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم من بني سعد بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة، وغطفان بن سعد بن قيس عَيْلان. بسم الله الرحمن الرحيم أنساب القحطانية وهم اليمن. قال أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن قتيبة الباهلي: أجمع النساب على أن اليمن مِنْ وَلَد قحطان، وقحطان ابن هودَ نبي الله عليه السلام بن أخلود بن الخلود بن عاد بن عوص ابن ارم بن سام بن نوح عليه السلام بن لملك بن المتوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه السلام. بن اليارد بن مهلائيل بن قَيَّنان بن أنوش بن شيت بن آدم بن التراب عليه السلام.

وقال بعضهم بل هو قحطان بن هود، وهو عابر بن عبد الله. وهو شالخ بن أرفخشذ ابن سام بن نوح. وكان قحطان بن هود أول من ملك اليمن. وأول من سُلَّم عليه بأبيت اللعن، ما كان يقال للملوك من ولده، واليمن كلهم من ولده وجماعهم إليه وسمى ولده اليمن حين تَيَامَنُوا إليها ونزلوا بها. وقال بعض أهل النسب: لا يلتقي إسماعيل بن إبراهيم وقحطان بن هود إلا في سام ابن نوح، وعلى هذا المعتمد من القول. وقال بعضهم: يلتقي اليمن ونزار إلى أرفخشذ بن سام بن نوح. وقال بعضهم: يلتقي قحطان وعدنان إلى عابر وهو هود نبي الله عليه السلام. وبعضهم يقول غير ذلك يجعل إسماعيل والد لليمن، ويحتج بالخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى قوما يَرْمُون. وهم من قضاعة وخزاعة فيجيدون الرَّمي. فقال صلى الله عليه وسلم: ارموا يا بني إسماعيل فقد كان أبوكم راميا. والذي عليه الجمهور من أهل العلم بالأنساب: أن إسماعيل لم يلد اليمن والله أعلم، وبعضهم يقول غير ذلك يجعل، إسماعيل والدا لعدنان دون قحطان، وعلى ذلك إجماع أصحاب المعرفة بالأنساب للقحطانية وإلى قحطان جماع اليمن، فمن نَسَبه إلى إسماعيل بن إبراهيم قال: قحطان بن الهَيْسَع بن تَيْم بن نَبْت بن إسماعيل بن إبراهيم. هكذا كان ينسبه هشامُ بنُ محمد بن السائب الكلبي، وكان يذكر قال له أبوه: إنه أدرك أهلَ العلم بالنسب ينسبون قحطان إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. فأما مَنْ نَسَبه إلى غير ذلك من حملة علم الأنساب فإنه يقول قحطان بن عابر. وهو هود نبي الله عليه السلام. بن عبد الله وهو شالخ بن أخنوخ بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وهذا هو القول الذي عليه المعتمد، وهو الصحيح عند أهل النسب والمعرفة بأنساب العرب. وقد ذكر أن الاختلاف بين العلماء في الأنساب يطول ذكره. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا انتسب إلى مَعَد بن عدنان أمسك ثم قال كَذّبَ النّسّابُون. ثم قرأ عليه الصلاة والسلام) وقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً (وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأنتسب إلى مَعَد بن عدنان، وما بعده لا أدري ماهو. قال ولقي الحسن بن علي دَذبل النسابة فقال: أنت الذي تنسب الناس إلى آدم، فكيف تصنع بقوله) وقَرُوَناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثيرا (وقال بعض العلماء بالأنساب: النسب إلى ما فوق قَحْطَان وعَدْنَان طلب غاية قصوى ومرام مختلفة لا تؤتى، إذ الاختلاف في الأنساب كثير، والتوجه إلى معرفة ذلك لاَ يَصحّ لكثرة ما هم عليه من الاختلاف. غير أن اليمانية يحتج بأشعار أوائلهم الجاهلية، وأخبار ملوكهم العادية، ومآثرهم العدملية، ويتعلق وأكابر بعد أكابر، قال: وكان قحطان من المؤمنين في ذلك تبع أبو الحميري: جدنا قحطان قحطان الهدى ... وأبو قحطان هود ذو الح ثمت المهدي نوح جدنا ... نسبة معروفة لاتختلف ويقال: نسب مستقبله بضم السين من النسب، وبكسر السين إذا قيل بالشعر. قال الشاعر: إذا نُسِبُوا يكون أبوهم ... عند المناسب فقعة في قَرْقَر قال أبو أسحاق ابراهيم بن مسلم الضاحي العَوْتَبيّ فيمن زعم أن اليمن ونزار يرجعون إلى هود عليه السلام في قول بعض النسابة: إن الذي عليه العمل غير هذا من أدعى أن هودا عليه السلام، جداً لإبراهيم الخليل عليه السلام فقد أخطأ، لأن ذلك يستحيل. وقال حسان بن ثابت الأنصاري: اه عن هود وقحطان بعده ... بما أخذت عن ظهر عاد مواثقه وقال ايضا: يَكُ عَنَّا مَعشَر الأزد سَائِلاً ... فإنا بنو الغوث بن نبت بن مالك بن كَهْلاَن إذا ما نسبتنا ... إلى يشجب فوق النجوم الشوابك رب تنميه لقحطان ينتمي ... لهودٍ بنيّ الله فوق الحبائك عادِيَّون لم يلبس بنا ... مناسب شابت من أول وأولئك

معنى قوله من أولى وأولئك: يريد من اليهود وهم من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، والنصارى وهم من الروم، لقولٍ هم من ولد العِيص بن إسحاق بن إبراهيم فولد قحطان. واسمه يقظان ابن هود نبي الله. وهو عابر - بن عبد الله. وهو شالح. بن أخلود ابن الخلود بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح أحد عشر رجلا في قول أبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهم المرعث وهو، ولاوي، وحارث. وفي نسخة حايد. ومنيع، والقطاعي، والحارث، و، والمتُلَمَّس، والعاصي، وغاشم، والمتغشم وغاضب ومعزز وفي نسخة معوذ أحد عشر رجلا. وقال غير أبي المنذر وحضر موت وجرهم. واسمه هدارم ثلاثة عشر رجلا. وقال أبو المنذر جَرُهم بن الغوث بن أيمن بن الهَيْسَع بن حمير ودخل نُبَاته في من حمير. وولد الحارث بن قحطان فَهم والاقيون، منهم حنظلة بن صفوان بن من بني فهم بن الحارث بن قحطان نبيُّ الرس والرس ما بين نجران إلى اليمن. ومن حضر موت إلى اليمامة، قال الله تعالى) وَعَاداً وَثَمود. أصحاب الرَّسَّ (وقد وجدت في كتاب آخر: أن حنظلة بن صفوان هذا كان أرسله الله عزّوجل إلى عَويل وقدمان وأسلم ويامن وأبو ذرع، وهم أصحاب الرّس الذين ذكرهم الله، فَكذَّبوه وقَتَلوه، وطرحوه في بئر، فهلكوا جميعا. وقال رجل من بني قحطان يبكي عليهم: بكت عيني لأهل الرس ... وعويل وقدمان وأسلم وأبى زرع ... نُصَارِ الحيَّ قحطان ثم ملك من بعد قحطان ابنُه يَعرُب بن قحطان، فكانت الملوك من ولده، وهو أول من نطق بالعربية وفهمها الناس، بعد أن تحّرف اللسان العربي إلى السرياني يَعرُب، وأسمه المرعث، ويقال له يعرب. وحَضَرَ مَوت تفَّرعت قبائل اليمن منه، وأسم حضر موت مُضاض بن قحطان، وكان جُرهُم ويعرب أول من تكلما بالعربية، وسكنا اليمن، ثم سارت جُرهُم ونزلوا مكَّة، وكانوا بها إلى أن كان آخر ملوكهم بمكة الحارث ابنُ مُضاض الأصغر بن عمرو بن مُضاض الأكبر بن عمرو بن الرَّقيب بن ظالم بن هَي بن بَيّ بن جُرهم بن قحطان، وهو القائل: كأن لم يكن بين الحُجُون إلى الصَّفا ... انِيسٌ وَلّم يَسمُر بمكة سَامِرُ بلا نَحنُ كُنَّا أهلَها فأبادَنا ... صُروفُ الليالي والجُدُودُ العَوَاِثِر في شعر طويل نذكره في موضعه إن شاء الله. ومن جرهم الأفعى ابن الحُصين بن غَنم بن فَهم بن الحارث الجُوهمِي، وهو أوّل من حكم مِن العرب، وهو الذي حكم بين نزار بن معاوية، وكان حين اختلفوا في ميراث أبيهم، ولم يعرفوا وجه الصواب فيه. ومن ولد الأفعى السيد والعاكب اللذان قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفدهما. وقال بعضٌ: إن لقحطان ولداً آخر يقال له معاوية، وولده في حضرموت. ومنهم الأقاول ومن الأقاول الأسوَدُ بن كثير، والمرجاء ربيعة بن معدى كرب، ونبت حَضَر مَوتنبت وائل، وهو الذي يقول فيه الأعشى: قالت قتيلة من مدحت ... فقلت مسروق بن وائل ومنهم أبو شمر الذي يقول: كَيف المُقام بأرضٍ لا أشدَّبَها ... سَوطِلأ إذا مااعنزتني سوأةُ الغضب عنى إذا مَدحَب إن كنت سائله ... ولد امرء للذي أنشأه كان أبي ومن حَضَرَ مَوت عبد الله بن لَهِيعة بن عُقبة بن لَهيعة. ومنهم بَقية بن الوليد المحدث. فولد يَشجُب سبأ. وأسمه عامر، ويسمى أيضا عبد شمس لحسنه. وسمي سبأ لأنه أول من سَبى الأمم وأدخل السبَّي أرض اليمن، وهو سبأ الأكبر وهو سبأ بن يَشجب بن يَعرُب بن قحطان، واسمه عامر فولد سبأ ابن يَشجب بن يَعرب بن قحطان بن هود حِمَيَر. وهو العرَ نجُح - وكَهلانَ ولإليهما كان المُلك والأمر وسياسة الأمور، وصيفي بن سبأ، ونعمان بن سبأ، ونصر بن سبأ وأفلح بن سبأ، وبشر بن سبأ، ومُبَشر بن سبأ، وعبد الله بن سبأ، وملك بن سبأ، وهم عشرة في قول ابي المنذر ابن هشام. وقال غيره: وعمرو بن سبأ والأشعر بن سبأ وأنمار بن سبأ، ومرّ بن سبأ، وعاملة بن سبأ. فولد عمرو بن سبأ عَديّ ابن عمرو. فولد عِدي لخم بن عَديّ، وجُذام بن عَدِيّ. وقال غيره هؤلاء الخمسة، وهم عمرو والأشعر وأنمار ومُرّ وعاملة من ولد كَهلان بن سبأ والله أعلم.

أنساب حمير بن سبأ

وسوف نورد ذلك وما جاء من الأختلاف في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله. فافترقت قبائل اليمن من حِمير وكَهلان، ودخل وُلد صَيفِي بن سبأ في حِمير، وقيل لبقّيتهم السبويون - لا نسب لهم في ذلك. وكان سبأ بن يشجب ابن يَعرُب بن قحطان. لما كبر سنُّه وضعف جسمُه حين أتى عليه من طول العمر رأى ردَّ الملك إلى ولديه حِمير وكهلان ابني سبأ وأن يقسّم بينهما ذلك في حياته، فجعل سياسة المُلك ومعاناة الجنود لحِمير وجعل أعنَّة الخيل وَبَعثها وحَبسها ومُلك الأطراف والثّثغور لكهلان، وأمَرَ حِمير بالرجوع في كلّ أمره ورأيه إلى كهلان، وأمره بالطاعة له فكانا على ذلك، ولم يزل كذلك أولادهما وأولادهما إلى أن أذن الله بخراب الجنَّتين ماأرض مأرب، فعند ذلك تَفرَّق بنُو كهلان في البلاد وسكنوها، وكان جُمهور بني كهلان، ملوكهم بجَّنتي مأرب. وهم فيما ولد الأزدُ بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يَعرُب بن قحطان. وكان إخوتهم من بني كهلان مثل كِندة ومَذحِج وطّئ وهَمدَان وغيرهم من بني كهلان يسكنون الأطراف. وكانوا وُلاة وعُمَّالاً لولد الأزد. وكانت التبايعةُ من حِمير والمُلوكُ من كهلان وهذا الأسم، أعني تُبعاً هو اسم لكل من مَلَك من ولد حمير هذا المكان من أرض، كما أن كل ملك من العجم وصارت إليه المملكة سُمِّي كِسرى، وكذلك في الروم قيصر ملكها الأعظم، والصين ملكها الأعظم يقال له نقفور - وفي نسخة يعبور، والهند يقال لملكهم بلهرا، والسند يقال لملكهم خَاقان ومن ملك جبال خراسان يقال له الشاه. وهذه الأسماء للملوك الذين لا نظير لهم في أزمتهم كما يقال للملك الأعظم في الإسلام اليوم الخليفة وأمير المؤمنين. فأما التبايعة الذين ملكوا البلاد واستولوا على ملكها وكانوا سبعة تَبَايع سوى غيرهم ممن كان أصغر منهم في الملك من التَّبايع، وملوك حمير الذين ملكوا من بعدهم. فأول التَّبابع الرايش، وأسمه الحارث، ثم ابنه أبرهة ذو المنار ثم ابنه أفرِيقش بن أبرهة، ثم شمر برعش ثم تُبَّع الأقرن عميكرب، ثم ابنه تُبَّع الأكبر وهو ذو الشأن، ثم تبع الأوسط وهو أسعد أبو كرب بن كليكرب. وهو الذي انقادت إليه ملوك الأرض، وهزم ملوك العجم، وقتلهم واستباح بلادهم وأرضهم، وكسا بيت الله الحرام، وسار في الظلمات، فهؤلاء سبعة تبابع سوى من ملك قبلهم من ولد قَحطان وحِمير بن سبأ، ومن كان بعدهم من التَّبابع والملوك من ولد حِمير إلى أن أتى الله بالإسلام وسوف أذكرهم وأشرح من شأنهم وأخبارهم من بعد أن أذكر أنسابهم وانتشارهم على أثر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. أنساب حِمير بن سبأ فأما حِمير بن سبأ بن يشجب بن يَعرُب بن قحطان واسمه عَرَنجَحَ. وهذه الأسماء قد أميتت الأفعال التي اشتقت منها. وزعم أهل اللغة أنه سمى حِمير لأنه كان يلبس حلّة حمراء. وهذا لا أدري ماهو. فولد حِميرُ بنُ سبأ الهَميسَعَ، ومنه كانت الملوك والتَّبابع، ومالكاً وعَوفاً وسَعدا وُوُاثلة، وعمرا. فمن بني سعد بن حِمير أسلف وأسلم. وولد عمرو بن الحارث ب نعمرو آل ذي رُعَين. وولد مالك بن حمير قضاعة بن مالك بن حِمير. قال ابن قتيبة: فولد واثلة بن حمير السكاسك من كِندة وأعدادهم في واثلة بن حِمير. قال المنذر هشام بن محمد الكلبي. فشعوب حمير الهَمَيسَع ومالك بن حمير، فقبائل الهَمَيسع ومالك بن حِمير، فقبائل الهَمَيسع الحميم بن الهَمَيسع وهم في همدان. وأيمن بن الهَمَيسع وفيه عدد حِمير. وشعوب أيمن عريب بن زهير بن أيمن بن الهَمَيسع بن حمير وابين بن زهير بن إيمن بن الهَمَيسع، ووائل بن الغوث بن أيمن، وثعلبان، وقبيل بن الغوث ابن أيمن. وجُرهم قبيل بن الغوث بنأيمن. وبأبين سُميت عدن أبين. منهم بنو قطن بن عريب، وعريب قد مرَّ تَفسيره فقبيل عريب بن زهير بن أيمن كقبيل عَريب بن حَبلان بن عريب ونهشل بن عريب قبيل. ورجع بن عريب قبيل. ) قبائل الغوث بن قطن بن عريب بن زهير (

قبائل ردمان

شتير قبيل ابن الغوث بن أيمن في همدان. والأملوك قبيل ابن وائل بن الغوث وردمان قبيل ابن وائل بن الغوث، ولحج قبيل ابن وائل بن الغوث، وذو قبيل ابن وائل بن الغوث وذو ترجم قبيل ابن وائل بن الغوث وذو مياح قبيل ابن وائل بن الغوث، وقضاعة بن عبد شمس بن وائل بن الغوث، وريمان قبيل ابن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث، وبعدان قبيل ابن جُشم بن عبد شمس لبن وائل بن الغوث، ومنهم سلامة بن يزيد ذي فايش بن مُرَّة بن غريببن مرثد بن يَرِيم بن جهاد بن بعدان بن جُشم بن عبد شمس ابن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهَمَيسع بن حِمير، وهو الذي ذكره الأعشى في شعر فقال: ونادم سلامة ذا فايش ... هو اليوم جمَّ لميعادها في شعر طويل. وقال أبو المنذر وطهر قبيل ابن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث، وشرعب قبيل ابن قيس، ومنهم بنو شرعب ابن قيس بن معاوية بن جُشم بن وائل بن الغوث. الذي تنسب إليه الشَّرعبية وكذلك البُرود أيضا، والشَّرعَب: هو الطويل، وخولان ابن عمرو بن قيس قبيل ابن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث وحيدان بن قيس قبيل ابن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث، وملحان بن قيس قبيل ابن معاوية بن جُشم بن وائل بن الغوث في همدان وشعبان بن عمرو واسمه حسان ذو الشعبين ابن عمرو بن قيس قبيل ابن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث، منهم علي بن شعبان. وهو عامر الشعبي الفقيه وهو عامر بن شراحيل بن عبد. وعداده في همدان. قال أبو المنذر بن هشام عن أبيه هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي عمرو وزرعه الشيباني، قال: كشف السيل مَوضعاً باليمن عن أزج بوادٍ من أودية حِمير فإذا فيه بلق - يعني بابا من رخام - فدُخل فإذا فيه سريرٌ طوله ثلاثة عشر شبرا، عليه رجل عليه، حلل منسوجة بالذهب، وبين يديه مِحجن من ذهب في رأسه ياقوتة حمراء، وإذا ف يه لوحٌ مكتوبٌ فيه: باسمك اللهم رب حِمير، أنا حسان بن عمرو القيل عشت بأمل ومتُّ بأجل أزمان بوجر هيد وماهيد؟ وهلك فيه اثنا عشر ألف قيل كنت أنا آخرهم، فأتيت ذا شعبين ليجيرني من الموت فأخفرني - يعني بدى شعبين حبلا، ونوجر هيد عَنَى به طاعُونا قديما. قال أبو المنذر: فمن كان من شَعبان باليمن والشام فهم حِميري، ويُدعى منهم الشّعباني، ومن كان بالكوفة فهو هَمُّداني ويدعى الشَّعبِىّ. ومن كان بمصر يُدعى الشَّعوبي. وكذلك هذان الحيّان إذا قلت همدان في بلاد دخلوا في حِمير، وإذا قلت حِمير في بلاد دخلت في همدان. وكان منهم عامرا الشَّعبي أحد علماء العراق المشهور ذكرهم، ومن ولد عامر الشَّعبي أبو سعيد الجَندي المحدث، واسمه المفضَّل بن محمد بن إبراهيم بن المفضل بن سعيد بن عامر الشعبي. وفضل ذلك قبيل ابن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث. والأجدل بن كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث وسبأ الأصغر بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث. قال أبو المنذر كل هؤلاء شعب من الشعوب وأمة من الأمم. قبائل ردمان وهو رَدمان بن الغوث بن أيمن بن الهَمَيسع بن حِمير، منهم ردمان بن وائل بن الغوث بن أيمن بن قينان بن ردمان قبيل ابن أيمن وقرن بن ردمان قبيل في مراد منهم أوَيس القُرنيّ. قبائل ذي رُعَين ورُعين تَصغير رَعن والرَّعن الجبل النادر حتى يستطيل في الأرض ورُعن الرجل فهو مَرعون إذا حَمِيت عليه الشمس، وقال الشاعر: كأنه من اوار الشمس مرعون والرُّعان: جمع رَعن، وسميت البصرة رَعناء لأنها شبهت برعن الجبل. واسم ذي رعين يريم ين زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهَمَيسع بن حمير.

ومنهم الجُشم بن رُعين قبيلٌ. ونافع بن شرحبيل بن ذي رعين قبيلٌ، رهط علي بن علي من بني حجيلان بن نافع، وحجر بن ذي رعين منهم. وحارثة بن الحارث بن رعين قبيلا، وذكروا أنه أصيب بابن له يقال له الهيضم بن حجر بن ذي رعين: فاشتد وجده عليه، وقلى من الشراب زمانا. ثم إن بقية ولده لم يزالوا يعزونه عنه ويلهونه عنه إلى أن هيئوا له طعاما وشرابا وسألوه إجابتهم إليه، فقال: حملوه إلى أخيكم ففعلوا، فركب حتى أتى قبره فطعم، فلما نزل الكأس سكنها على قبر الهيضم ثم أنشأ يقول: أيها الساقي بني ذي حرّف ... ابد بالهيضم ذي العظم الجوى واسقِهِ كأسا رُواءً إنه ... طال ما أروى النَّدامى وروى كان فينا ناظرا لغصن له ... روقٌ بادٍ نضيرٌ فَذوى يقال ذوى العود وزوى لغتان. ومن ولده عبد كُلال بن مُشوب بن ذي حارث بن عيدان الذي وجّهه حسان ذو مُعَاصر بن تُبع الأوسط على مُقدَّمته إلى طسم باليمامة فأباد طسما وجديسا. وكُلال اشتقاقه من تكلل النَّسب، ومنه الكلالة، ويمكن أن يكون اشتقاقه من كل كلالا إذا أعيا وسيف كليل، والأكليل معروف. ولعبد كُلال هذا يقول الشاعر، ويقال إنه لغيره: ألا إنّ خير الناس كلَّهم فهدُ ... وعبدُ كلال خبر سائرهم بَعدُ وفهدٌ هذا فهد بن عريب بن يليشرح، ويعمر، بن معد حُرث: موضع: وغيدان وهو فعلان من الغيد والغيد النَّعمة نعمة البدن. من ثم ملك عبد كلال بعد حسان ذي مُاعصر، وعمه ضهبان بن ذي حارث، الذي لقي جمع معد بالبيداء والسلان، فأبادهم وسر أشرافهم، بعد أن أثخن القتل فيهم. ومن بني المذل بن ذي رُعين بن يعرب يليشرح الذي ذكره أبو ثور عمرو بن معدي كرب فقال: ألا عتبت عَلَى اليومَ عُرسي ... لآتيها كما زَعَمت بفَهدِي وما لأحلاف تابعتي عليه ... ألا وأبيك لا آتيه وحدي وفيه وفي أخيه عبد كلال بن عريب يقول الشاعر: عبد الله عجلان فارس بن فهد: وعبد كلال حاز كلّ عظيمة ... سمعت بها في حمير وكفيلها فأتاه نعيم والحارث ابنا عبد كُلال بن عريب اللذان كتب إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن عبد كُلال والى نعيم بن عبد كُلال بن ذي رُعين، ومُعافر وهمدان، أما بعد ذلكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم متقلبا من أرض اليمن فلقينا بالمدينة فبلغنا ما أرسلتم قتله وأتانا إسلامكم، وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهدايته إن أصلحتم، وأطعتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله وخمس نبيه وصفوته أما بعد فإن رسول الله أرسل إلى زرعة بن ذي يزن أن إذا أتتكم رسلي فاني أوصيكم بهم خيراً، معاذ بن جبل، وعبد الله بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرة وأصحابه، وأن آجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم فتلقوا بها رسلي فان أميرهم معاذ بن جبل فلا يتقَّلبن إلا راضيا.

قبائل سبأ الأصغر

ومن ولد ذي رُعَين يزيد بن منصور بن عبد الله بن شهر بن زيد بن عريب بن الأشهل بن مُثوب بن الحارث بم مالك بن غبدان بن حجر بن ذي رُعين، وأسمه عمرو بن مُثوب بن الحارث بن مالك بن غبدان بن حجر بن ذي رُعين، وأسمه عمرو بن شراحيل بن سهل ويزيد بن منصور هذا خال المهدي إبي اهارون الرشيد أخو أمه المهدي اسمها أم موسى بنت منصور بن عبد الله. ومنهم شراحيل بن عمرو الذي يقال له ذو رُعين. قال لما اصطفقت حِمير مع عمرو ب تبع على قتل أخيه حسان ذي مُعاهد أبى ذلك عمروُ بن شُراحيل وهو ذُو رُعين فدعا به عمرو ليضرب عنقه فقال لا تعجل على أيها الملك، إني لم أمتنع عليك، إني أريد محالفتك أو أني أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر منك، وإن أخاك لم يستحق العقوبة على مخالفتك حِمير وحملها على مالا يوافقها، ولكنه لم يقتل رجلٌ أخاه إلا امتنع منه النَّوم، فأبى عليه عمروُ إلا أن يفعل. قال شراحيل: فأمانة أودعكها. فأتاه فيه بدرج فيه صحيفة لا يدري عمروٌ ملفيها، فتحّملها، ثم تابعه فقتل عمروٌ أخاهُ حسانا. فلما ملك عمرو بن تبع انتفضت عليه البلادُ واستخفت به حِمير، وامتنع منه النوم: فأقبل على من ساعده على قتل أخيه فقتلهم، إلى أن بعث إلى شراحيل بن عمرو وسادات ذي رُعين ليقتلهم فقال له: إيها الملك أمانتي عندك اردُدها علي فقال ما هي؟ قال: الصحيفة التي أودَعتُك إياها. فدعا بها فاستخرجها فدفعها إلى شراحيل، الكتاب وفتحه ودفعه إلى عمرو بن تبع، فإذا فيه شعر: إلا مَن يشتري سهرا بنومٍ ... سعيدٌ من ينام قرير عين ابينا الغَدر إذا دُعيت إليه ... مَقَاولنا فأمسوا رهن حين فإن تلك حميرٌ غدرت وخانت ... فمعذرةُ الإله لذي رُعين فقال عمرو لشارحيل: أنت خيرُ حِمير، وجعله رأس المقول، وولاه ما كان ولاّه من قبل، وقال: كنت نصيحي لو كنت في خيرة. قبائل سبأ الأصغر قال أبو المنذر: قبائل سبأ الأصغر وهو كعب بن زيد بن سهل بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهَمَيسع بن حِمير. ومنهم نُباتة بن سبأ. وهو ابن قحطان، وصيفيُّ بن سبأ وهو أبو ملك الرائش، ولم يزل الملك في حِمير يتوارثون ملكا عن ملك من عهد حِمير إلى زمن الرائش، وهو الحارث بن شدد. ملك الرائيش وهو الحارث بن سَدَد، فأول التبابعة الرائيش. وهو الحارث بن سدد ابن المِلطاط بن عمرو بن ذي أنس بن ذي يقدم بن الصّوار بن عبد شمس ابن وائل بن عريب بن زُهير بن أيمن بن الهَمَيسع بن حِمير بن سبأ الأكبر بن يشجب بن يَعرُب بن قحطان. قال غيره: الرأيش هو الحارث بن سدد بن الملطاط بن عمرو ذي أنس بن قدم بن الصوار بن وائل ابن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهَمَيسع بن حمير وهؤلاء كلهم كانوا ملوكا في نسق، ولم يكن أحدٌ منهم - بعد التبايعة - غزا ملوك الأعاجم حتى ملك الحارث الرائيش فسار إلى أرض فارس فقتل وغنم. وقال أبو منذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي: هو الائيش، وهو الحارث بن سدد بن قيس بن صيفى بن سبأ ابن حمير، وصيفى بن سبأ ابن حمير، وصيفى بن سبأ بن يَشجُب بن يَعرُب بن قحطان. ومنهم التبابعة. وهكذا عن أبي المنذر هشام. وكان من حديث الرائيش وملكه ما ذكره عبيد بن شرية الجُرهمي حين سأله معاوية بن أبي سفيان عن شأن حِمير وملوكها، فأخبره أن الرائيش وهو الحارث بن سدد أوّل من غزا بالجيوش من ولد حمير فأدخل اليمن الغنائم من غيرها، فسمي بذلك الرائيش، فغلب على اسمه، وله يقول لقمان بن عاد الذي خُير في العمر لِنسره لُبَد، وكان لقمان قد عمر إلى زمن الرائيش، فمن قول لقمان في الرائيش لنسره لبد فقال: انهض لبد نهض فتى لا يعتمد. نهضا بلا سند. نهض المليك المنجرد.

ذلك الحارث ابن ذي شدد. وكان من حديث الرائيش أنه يأتيه الطبيب من قبل الهند والسند. ومن خاسان، وعجائب الهند، فتطلعت نفسه إلى غزوها، فعبأ الجنود وأظهر أنه يريد المغرب بحرا، وأعد السفن، حتى إذا رأى البحر قد مكن قَّدم بين يديه تعفر بن عمرو بن شراحيل بن عمرو بن ذي أنس في خيل عظيمة، وسار في أرضه حتى دخل أرض الهند، فقتل وسبى الذُّرية، وغنم الأموال، ثم أقبل على اليمن، وخلف يعفر بن ذي أنس في اثنى عشر ألف فارس، وأمره ببناء مدينة هناك، فأقام سنة، وسمّاها باسم الرائيش، ففي ذلك يقول برق بن سعد بن عمرو بن ذي أنس: من ذا من الناس له مَالَنا ... من عرب الناس ومِن أعجم سار بنا الرائيش في جحفل ... مثل مغيض السيل كالأنجم يؤم أرض الهند غازِ لها ... يخترق الأمواج كالضَّيغَم والدر والياقوت من فوقها ... وسبي أبكارٍ بها تسوم إلى أولى الغايات من ملكها ... يحصدهم حصد الهباء المضوّم أعنى به يعفُر إذ جاءها ... يا حبذا ذلك من مقدم في بحرها المنشور يطويهم ... يوم وغُولُ الملك المعلم فصبح الهند له وقعة ... هدت قواها بالقوى الصيَّلم فأنفص الرائيش أملاكها ... وآب بالخيرات والأنُعم قال سله معاوية: فما صنع الرائش بعد؟ قال: أقام دهرا حتى أتته هدية من أرض بابل. أهداها له ملكها. قال: ولم؟ وقد كان في عُزلة من أرض بابل؟ قال: يهادي الملوكُ بعضها بعضا مداراةً له لما كان من أمره في الهند. قال: وما كانت الهدية؟ قال: كانت بُراة بيضاء، وسروجا كراما، وديباجا فاخرا، وآنية من متاع الملوك، فلما رآه قال: أكل ما أراه في بلادكم؟ قال: بعضُه أيها الملك. وبعضه في بلاد الترك، وهم أمة من ورائنا. قال الرائيش: لنغزون الأرض التي فيها ما أرى، فاستخلف يَعفر بن عمرو على اليمن، وسار بنفسه في مائة ألف وخمسين ألف فارس، وقدم الرجال في ابتغاء الطريق، فلم يجد طريقا هو خيرا له ولا أسهل من طريق أخذه على جبل طيئ حتى خرج على ما بين العراق والجزيرة. وقد سألت عن ذلك فبلغني أنه خرج على الأنبار من أرض العراق. قال يعاد به وينبت الأنبارُ يومئذ قال: وقبل ذلك وسار من هنالك حتى نزل الجبل من أرض الموصل، وبعث شمر بن الغطاف بن المثار بن عمرو بن ذي أنس في مائة ألف حتى دخل أذربيجان، فلقي فيها ملك الترك فقتله، وغنم ماله وبلاده ثم أقبل شهر بن العطاف إلى الرائيش، وأمر فكتب في حجرين أمر مسيرة فهما اليوم على جدار في طرق أذربيجان. يسمى طريق الحجرين. قال: وما بال أذربيجان؟ قال: كانت من أرض الترك وبها اجتمعوا له قال: فأين كان ملك بابل عنه؟ قال: كانت لحمير عدة والله أني لأستحي من ذكرها. وكانت تنزع إلى اليمنللأولاد والأوطان. وكانوا إذا ظفروا وقتلوا ودخلوا البلاد وأهدى بعضهم إلى بعض قَبِل وصُرِف عن المُهدى إليه إلى غيره. قال معاوية فمن القائل منهم: بنو مهليل انتخبوا وساروا ... وخطوا البيت في البلد الحرام قال ذلك الرائيش. قال: قال: قال الرائيش، وهو الحارث: أنا الملك المقدّم والمسامي ... جلبت الخيل من يَمنٍ وشام لأغزوا أعبُداً جهلوا مكاني ... بأرض الشرق من شرَّ الأنام فنحكم في بلادهم بحكم ... سواء لا يجاوز للأثام بنو مهليل انتجعوا وساروا ... وخطَّوا البيت في البلد الحرام بإذن الله خُط وكان بيتا ... توارثه الهُمام عن الهمام دعوا أحداثه لبني أبيكم ... وكونوا مثل قحطانٍ وسام وكونوا مثل ملطاط بن عمرو ... وذي أنس الكرام ذوي السنام وكونوا مثل جُرهُمْ أو نَبيتٍ ... أو الضرار أو مثل الغرام ملوك الناس أسلافا تولوا ... ويخلف بعدهم نسلُ الكرام بنته منزلا نزلوا وهيّوا ... وملكِ فوق أملاك الأنام فإن أهلك ولم أرجع إليكم ... فقد هلك الملوك مِنَ آلِ سام

ملك ذي المنار أبرهة بن الرايش

ويملك بعدنا منا ملوك ... يدينون العباد بكل دام وتنتشر الأعادي ثَمّ عشرا ... عقاب الله في القوم الأثام ويملك بعدهم منا ملوك ... عظيم أمرهم بَكْل المرام ويملك بعدهم رجل عظيمٌ ... نبيٌ لا يرخص في الحرام يسمى أحمدا بالبيت أنّى ... أ} خر بعد مبعثه بعام فتنتعش الحقوق كما أميتت ... حياة الأرض في قطر الغمام ويخلف بعده حلفاءُ صِدْق ... ويملك بعدهم ولدُ الكرام قال معاوية: يا عبيد فهل ذكر الرايش أحدْ من الشعراء؟ قال: نعم امرؤ القيس حيث يقول: ألم يَحْزُنُك أنّ الدهرَ غولٌ ... خؤون العهد يلتهم الرجالا أزال من المصانع ذارياش ... وقد ملك السهولة والجبالا وأنشب في المخالب ذا مَنَار ... وللزرّاد قد نصبَ الحِبالاَ قال معاوية: ما كنت أرى أن هذا الشعر قيل إلا لذي نُواس. قال: هيهات؟ قرب هذا وبَعُدَ ذلك وكان اسم ذي نواس أسهل على الرُّوَاة. فأما القول: فوالذي بعث محمد بالحق نبيا لقد رويت هذا الشعر وإن ذا نواس لغلام، والمُلِكُ على حمير يومئذ خثعمة ذو شنانز. قال معاوية: صدقت. قال فَكمْ مَلَكَ الرايش؟ قال: مائة وخمسا وعشرين سنة قال: فمن ملك بعده؟ قال عبيد بن شرية: ثم ملك من بعده ابنُه ذو الكنار أبرهة بن الرايش، وكان يقال لأبرهة ذو المنار، وكان من أجمل الناس، فعشقته امرأة من الجِنّ يقال لها العيوق ابنة الرايع، فتزوجها فولدت له العبد بن أبرهة. قال معاوية: فما صنع أبرهة؟ قال: سأفسر لك ذلك. ملك ذي المنار أبرهة بن الرايش قال عبيد بن شربة: فسار أبرهة ذو المنار غازيا نحو الغرب ومعه ابنه العبد بن أبرهة على مقدمته، واستخلف على اليمن ابنه أفريقتش بن أبرهة، فسار حتى أوغل في البلاد، وبلغ بلاد السودان فقضى فيها برا وبحرا. فلما أمعن بَدَالَهُ في المقام فأقام وسّرح ابنه العبد في غرب الأرض حتى انتهى إلى بلاد النسناس، إلى قوم وجوهم في صدورهم، فإذا كان النهار استخفوا في الماء من حَرَّ الشمس، واذا كان الليل خرج بعضهم إلى بعض، فوضع فيهم السيف فأبادهم، ورجع إلى أبيه بنفر منهم فقدم بهم على أبيه فَذُعِر الناس منهم، فسمي العبد بذلك ذا الأذعار ولما رجع أبرهة من مسيره ذلك أمر بمنار قَبُنى له، وأوقد عليه ليُهْتَدى به، فسمى أبرهة بذلك ذا المنار. وقال في ذلك اليحموم بن مالك بن زيد بن المثاب بن عمرو ذي اُنس: ولقد بَلغْتَ مِنَ البلادِ مَبَالِغاً ... ياذا المنار فمَنْ يُرُومُ لحاقكا قُدْتَ الجيادَ فامعنت في برها ... وحملت منها في السفين كذلكا حتى وطي جمعاك حيث تثبتت ... اولادُ حام في فضاء بلادكا أوغلتَ عَبْداً فاستقر به النوى ... حيث العجيب بغير خلق رجالكا فأتاك بالنسناس خلق وجوهم ... في الصدر منهم قادهم لبنانكا أنت القهُور فما نُزَامُ بِذلّة ... نعم الخليفة في البلاد فعالكا من ذا يُجَاري إن سَمْوت لحظَّةٍ ... هيهات أعجزهم سُمُوّ سنائكا جمعوا الملوك لما رأوا من كندة ... كرما لحمير إذ عَلَتْ بعلائكا وبلغ ذو المنار مبالغ كثيرة انتهى فيما سار إلى وادي الرمل؛ وجعل هناك علامة، ثم كرّ راجعا نحو المشرق، حتى بلغ وادي النمل، فوجد. فيما يقال النملة تحمل القتيل وسلاحه، ووجد الأمور تخرج عن حدما نعرف، فجعل هناك حيث انتهى علامة، وكتب في تلك العلامة: ليس وراء هذا مطلب. ثم رجع، وكان ملكه مائة سنة وثلاثا وستين سنة. ملك أفريقش بن أبرهة

ملك ذي الأذغار العبد بن أبرهة

ثم ملك ابنه أفريقيش بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرايش، فغزا نحو المَغْرِب عن يمين مسير أبيه في أرض البرابر، حتى انتهى إلى بلاد طنجة، فرأى بلاد كثيرة الخَيْرِ قَلِيلَة الأهل، فنقل البرابر من بلادها إليها. قال معاوية: وأين كانت بلادهم؟ قال: أرض فلسطين إلى مصر والساحل. قال معاوية: فإنه يقال إنهم من قَيْس عيلان. فهل علمت ذلك؟ قال: لاعلم لي بذلك، ولكني أخبرك أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح، وهم بقيْة من قَتَلَ يُوشَعَ بن نون من أهل فلسطين. قال معاوية: ولم قتلهم؟ قال كان عبد صالحا فدعاهم إلى الله. فعظموا الحق. وأراد الله أن يبوَىء بني إسرائيل أرض فلسطين فتركوا الحق وكرهو الإسلام، وأحبوا المقام على الكفر فقاتلهم يوشع فأبادهم إلا بقايا كانوا في الساحل. وإنما وقع عليهم اسم بربر لشعر أفريقيش بن أبرهة: بَرْبَرت كنعانٌ لما شقتها ... من ديار الملك للعيشر العجب قد رأت كنعانُ فيها وقعة ... لبني يعقوب يوشع ذي الرهب ورات كوشا لعمري دارها ترتقي عيشا لبابا لم يرب ثم أمسوا مثل أمس ذاهب ... من قتيل وطَرِيدٍ ذي تعب فاشكري كنعان شكراً صادقا ... واحذري مني انتقاما وحرب ولما بلغ رأسَ مغزاه أمَرَ بمدينة فُبِنَيت، وسميت إفريقية باسم أفريقش، وكذلك كانت تسميها البرابر، وفي ذلك يقول الهَمَيْسَع ابن مالك بن زيد بن المثاب بن عمرو بن ذي أنس: سرنا إلى المغرب في جحفل ... يحف أفريقش ذاك الهمام حتى أتينا دار بطحاء بها ... من دون بحر غير سهل المرام نخوض بالفتيان في غمرة ... نعيد فيها ضربَ أيدٍ وهام نقتل فيها كل أملاكها ... جهرا تباعا غير عجز كهام وأسْكَنَ البربَر في فضفض ... مكارمٌ في الناس تَعْلَو الغمام وأثبت البُنْيَان في حومةِ ... بغير ذي كره لدهر دوام ملك مائة وأربعا وستين سنة. ملك ذي الأذغار العبد بن أبرهة قال عبيد بن شربة: فلما انقضى ملك أفريقش ملك بعده أخوه وهو ذو الأذعار العبد بن أبرهة ذو المنار وزعم ابن الكلبي أنه سمى ذو الأذعار: لأنه جلب النسناس إلى اليمن، فذُعر الناس منهم فسمى ذو الأذعار - ولا أدري ما صحة ذلك، فسقط شقة من فالج أصابة، فلم يَغْرُ بنفسه، وكان يَغْزُو سنةً ويكفُ ثلاث سنين، وكان مهينا - أي ضعيفا. قال معاوية: ويحك يا عبيد، ما سمعت برجل من أهل اليمن الناسُ له أكثر ذكرا ومسيرا من العبد!! قال: فما يقول ذلك إلا مَنْ لا عِلْم له، وما كثرة ذكرهم له إلا لما أصاب من النسناس في مسيره مع أبيه، فقتل منهم مَقْتَلَةٌ عظيمة، ورجع إلى اليمن من سببهم بقوم وجوههم في صدورهم، فذعر الناس منهم، فسمى ذو الأذعار - وكان هذا غي حياة أبيه. وقال فيه المغتر بن وائل بن يَعْفُر بن عمرو بن شراحيل بن عمرو بن ذي أنس: عجبت للدهر وبلوائه ... وصرف أيام له فانية بَيْنا يُرَدَينا لباس الهوى ... إذ صار لا يبقى على باقيه لو كان إذ جاء بما جاءنا ... يهدي إلينا هذه الداهيه أبقَى على رب لنا قاهر من ملك إنس في ذرى ساميه ومُلك مِلْطاط هم أهله ... لم يكن الباقي لدى الدانيه غيرك ذا الاذعار من سيد ... لكن ارى الدنيا بنا فانيه فأكثروا التعوالَ يا حِمْيَر ... على مليك كان بالعاليه من نجل سادات همُ ماهمُ ... قد قهروا أملاكها العاتيه ولم يزل العبد كذلك حتى مات، فكان ملكه خمسا وعشرين سنة. ملك الهدهاد ذو يشرح

ملك بلقيس ابنة الهدهاد ذو يشرح

قال عبيد بن شربة ثم ملك الهدهاد بن شراحيل بن عمرو بن وذي أنس. وقال أبو المنذر: بل هو ذو يشرح بن شراحيل بن عمرو بن الحارث الرايش بن شدد بن قَيْس بن صيفي ابن سبأ بن حمير. وقال قال غيره: هو ذو يَشْرَح بن شراحيل بن عمر بن الحارث الرايش بن شدد بن قَيْس بن صيفي ابن سبأ بن حمير. وقال غيره: هو ذو يَشْرَح بن شراحيل بن عمرو بن الحارث الرايش بن شدد بن المِلْطَاط بن عمرو بن ذي أنس. فملك سنة ثم مات، وكان تزوّج امرأة من الجن يقال لها رواحة بنت السكين، فولدت له بلقيس واسمها يلمقه واليلمق القباء المحشو. ويقال إنه فارسي معرب وكانت بلقيس من أعقل امرأة يسمع بها في ذلك الزمان، وأفضلها رأيا، وحلما وعلما وتدبيرا، وكانت ذات المشورة على أبيها، حتى عرف جميع حِمْيَر ذلك منها. فلما حضرته الوفاة بعث إلى رؤساء حمير ومقاولها وقاداتها فذكر لهم أنه قد استخلف عليهم بلقيس. فقال له رجل منهم: أبيت اللعن، أتدع رجال أهل بيتك وتستخلف علينا امرأة وإن كانت بالمكان الذي هي منا ومنك؟! قال: يا معشر حِمْيَر إني قد رأيت الرجال وعَجَبْت أهل الفضل، وشهدت ملوكنا الماضين أو الذي أدركت منهم، فلا والذي يُحْلَف به ما رأيت مثلَ بلقيس قطَ رأيا وعلما وحلما مع أن أمها من الجن، فأرجو أن يظهر لكم بها من غلبة الجن وأمورها ما تنتفعون به وأعقابكم ما قامت لكم الدنيا، فاقبلوا رأي فيها. وإني كنت سميت الملك لابن خالي هذا الغلام وله عقل فإذا بلغ وَلَي الأمرَ إما في حياتها وإما بعد وفاتها. فقالوا: من هو؟ فقال ناشر بن عمرو ابن يَعْفُر بن شراحيل بن عمرو بن ذي أنس قالوا: سَمِعْنا وأطعنا وأنت أيها الملك انظر لنا. ملك بلقيس ابنة الهدهاد ذو يشرح قال عبيد العبيد بن شربة: فملكت بلقيس حمير. قال معاوية: فهل كانت تريد الرجال؟ ما تزوّجت قط ولا صارت إلى سليمان إلا جارية. قال فمن كان حرسها؟ قال: الرجال وخدمها النساء بنات أشراف حمير ثلاثمائة وستون جارية. قال: فكم مَلَكَت حتى جاءها سليمان؟ قال سبع سنين. حدثنا محمد بن مسلم البارقي، عن إسحاق بن حذيفة، عن عباس عن ابن إلياس عن وهب بن منبه: أن بلقيس أمرت أن يصنعوا لها منزلا فاخِراً لم يصنعوا مثله لمن كان قبله، ووصفت لهم عملهم، فعمدوا إلى كل مشرف من صفا صلد فأنشئوا على ظهره خمسمائة أسطوانة من رخام، نقر لهن، طول كل أسطوانة ثلاثون ذراعا، وبين كل أسطوانتين خمسة أذرع، ثم حملوا على تلك الأساطين كلها سطحا واحدا من ألواح الرخاك، وضموا بعضها إلى بعض، ثم بنوا فوق ذلك السطح بيوتا من رخام، وقِبَايا من ذهب وفضة، مبّوبة بأبواب مفضضة بالجوهر الملون، ثم أحاطوا على ذلك الحائط بسطح باطنه من رخام وظاهره من نحاس، وله أربع زوايا، على كل زاوية قُبّة من ذهب، وعلى قبتها ياقوته حمراء تلتهب، وإذا طلعت الشمس سطح ضوء الياقوتة على القبة فلم تملأ العين منها، ثم جعل للقصر حين فرغ منه أربع مراق عن يمين وشمال وشرقي وغربي، وفي كل مرقاة مائة درجة في أعلاها باب مفضض، وفي أسفلها باب من نحاس. ثم جوف ذلك التل من الصفا. فكانت طرقا إلى الخزائن، ثم بُنِيّ تحتَ كلّ أسطوانتين مجلس من رخام للحرس والقواد، ولما فُرغ من عرشها أمرت ببناء المدينة والحيان والأرباع، فبنى ذلك كله حول قصرها، حتى صار وسط ذلك، وأشرف عَرْشُها على ما حوله حتى يُرَى مسيرُ يوم، وكان تحت يديها اثنا عشر ألف قَيْل، تحت كل قيل اثنا عشر ألف مقاتل، وتحت يديها مائة ملك. وقد أمرت كل ملك على كُوَر معلومة، واشترطت عليه أربعة آلاف مقاتل متى احتاجت إليهم. فلما أراد الله إكرامها بالإسلام كان من حديثها ما قص الله في القرآن. قال حدثنا يعلي بن عبيد، عن الأعمش، عن مجاهد قال: تحت يَدَيْ صاحبة سبأ اثنا عشر ألف قيل، مع كل قيل مائة ألف مقاتل وعن وهب بن منبّه في قول الله تعالى) وَأُوِتيتَ مِن كُلَّ شَيء (يعني أصناف الأموال) وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيّمٌ (قال كان عرشها مقدمه من ذهب مفضض بالياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، ومؤخره من فضة مكلّلَة بألوان الجواهر، وله أربع قوائم، قائمة من ياقوت أحمر، وقائمة من زبرجد أخضر، وقائمة من زُمُرد، وقائمة من در، وصفائح ومن غيره. وقال أسعد تُبّع في عرش بلقيس:

ملك ناشر النعم

عَرْشُها شرجع ثمانون باعا ... كلَّلَتْه بجَوْهَر وفريد وبإسناد عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن بلقيس لما أتاها كتابُ سليمان جمعت أشراف قومها فقالت: قد كتب إليّ هذا الرجلُ ولَيْسَ هذا من كُتُب الملوك أفْتُوني في أمري إلى آخر الآية. فأجابوها بما قال الله) نَحنُ أُوْلُوا قُوّةٍ وأُوْلُوا بأسٍ شدِيدٍ والأُمُر إليكِ فَانظُري مَاذا تأمرين () قالت إنَّ المُلوك إذا دَخَلُوا قَريَةً أفْسَدُوها وَجَعَلُوا أعِزَّةَ أهلِها أذِلَةً (يعنى إذا غَلُبوا عليها فدخلوها عنوة أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة. يقول الله: صَدَقت يا محمد) وَكَذلِكَ يَفعَلُون (. قال وهب بن المنبه في حديثه: فأسلمت، وتزوجها سليمان، وولدت له ابنا سماد دَاوُود. فأما الأرد فيقولون: إنه تزوجها امرؤ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن أدّ الركب، وهو غسان أبو الملوك من الأزد، وبطرقة سليمان بن داوود عليه السلام على اليَمَن، سمي امرؤ القيس البطريق لذلك. وهو جد عمرو بن مُزَيْقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق. وعن ابن ذُريد أن سليمان صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلح امرأة بلا زَوْج، فزوجها سليمانُ شَدَد بن زُرْعة الحِمْيَري. مُلك ناشر النعم قال: فلما انقضى أمرُ سُلَيْمان صلوات الله عليه الملكُ إلى حِمْيَر، فَمَلَّكوا امرهم ناشِر النعم بن عمرو بن يَعْفُر بن شراحيل بن عمرو بن ذي أنس ويُعْرف بناشر النعم، لإنعامه على الناس، وردّه الملك عليهم بعد سُلَيْمان، وكان شديد السلطان قَوِيَّاً في أمْرِه. قال عبيد بن شربة: ذلك ناشر النعم بن عمرو بن يَعْفُر بن شراحيل بن عمرو بن أنس، وإنه اجتمعت له حمير، وبعث بالجيوش إلى ما كانَ حَوِى عليه آباؤه، واشتد سلطانه، ثم سار بنفسه غازيا نحو المغرب، لرؤيا رآها، حتى بلغ وادي الرَّمْل، ولم يبلغه أحدٌ من أهل بيته، فلما انتهى إلى الوادي لم يجد مجازا حتى جاء يومُ السبتِ فأسْبِتَ الرّمل، فلم يَجْرِ شيئا، وأمر رجلا من أهل بيته يقال له عمرو أن يعبر الوادي فعبر وأصحابهُ ليعلم ما وراء ذلك، فلم يرجعوا، فلما رأى ذلك كَفّ عن العبور، وأمر بصنم نحاس فَصُنِع، ثم نُصِبَ على صخرة وشُدّ بها، ثم كتب على صدره: صنَعَ هذا الصنم الملكُ الحِمْيَري ناشر النعم اليَعْفُرِيّ، ليس وراء هذا مذْهَب، فلا يتكلف المُضِيَّ أحدٌ فيعطب. قال معاوية: إنك لتخبر بالعجب، قال: إن أمر حمير كان عَجَباً من مسيرها وسرعة رجوعها، لرفاهية العيش باليمن وملك ودنيا قد أتوها. قال: فهل ذِكُرَ ذلك في شعر؟ قال: نعم، رجل ممن أمّرَه أن يَعْبُر وادي الرمل، وذلك قوله عند إلزامه العبور شعرا: فليس إلى إجبال ضج إلى اللوى ... لَوِي الرَّمْل فاصدقن النفوس معاد بلادٌ بها كُنَّا وكُنَّا نودها ... إذا الناسُ ناسٌ والبلاد بلاد وقال النعمان بن الأسود بن المغرب يمدح ناشر النعم، ويذكر أمر سليمان وردّه الملك. وإنما سمي ناشر النعم لإحيائه الملك وإقراره إياه في حِمْيَر، ورده النعم عليهم. قال في ذلك شعرا: حُيِيتَ أبيتَ اللعن في كل شارق ... تحية ملك في نهاء إلى الحشر لعمري لقد جَللت حمير نعمةً ... بقمعك عنها كل عات وذي كفر وراجعتها المُلك الذي كان قد مضى ... فأنت أبيتَ اللعن ذو نعم زهر ولولا سليمان الذي كان أمره ... من الله تنزيلا ووحيا على قدر لما كان إنسيّ بذاك يرومنا ... ولا الجن إذ نحن الأناظر بالصهر ولكنّ قدرا كان تحويل ملكنا ... إلى ابن نبيَّ الله داوود ذي القدر فنحن ملوك الناس قبل نبيْه ... وقبل أبيه الحبر عَصْراً من الدهر ونحن ولاة الملك في دهر ما بقي ... إلى أن يصير الملك دينا بلا قمر يكون نبيّث أَمْرُه غَيْر واهن ... رحيمٌ بذي القربى وذي الأجنب الوتر يكون له منا يسمى محمدا ... غطاريفُ صدق في الإنابة والنصر

ملك شهر يرعش بن أفريقيش بن أبرهة ذي المنار

يكون له بالأوس والخزرج الرضى ... بلوغ الذي يهواه في السر والجهر تدين له كل العباد لباسهم ... فيعلو بهم دين الإله على الكفر يحوطونه فيهم ويؤونه معا ... ويَلْقَونه بالحُبّ والرّحب والبشر ويبذل كلَّ مِنْهُم النفس دونه ... كذاك يواسون الجماعة في الوقر هم قومنا أبناء حارثة الندى ... لثعلبة بن الملك خير الورى عمر فُسوف تطَا السودانُ أرضا ابن حمير ... وتلبث عشر أو قريبا من العشر فيبرزها الملك الذي كان قد وهى ... قصير قوام الشخص متسع الصدر ملك خمسا وثمانين سنة. ملك شَهَر يَرْعَش بن أفريقيش بن أبرهة ذي المنار قال عبيد بن شربة: ثم رجع الملك إلى الرايش، فملك بعده شَهَر يَرْعَش بن أفريقيش بن ابرهة ذي المنار بن الرايَش. وهو الحارث - بن شدَد بن المِلْطَاط بن بن عمر وبن ذي انس بن يقدم بن الصرار بن عبد شمس. وسمى يَرْعَش لارتعاش كان به، فسار بعد ما ملك سنين نحو المشرق وساحل البحر، حتى دخل ارض العراق في شيء لم اسمع ان رجلا منهم سار في مثله من الخيول، ثم توجه نحو الصين يريدها، فكان طريقه على ارض فارس، ثم سِجِسْتان، حتى دخل خراسان، لا يمر بأهل مملكة الا بعثوا بالهدايا والادلاء وينتحون عنه. حتى كان منتهاه نهر بلخ فبينما هم كذلك إذا أقبل اليهم مالا يعلمه الا الله من امم بلغها مسيره فاجتمعت لتصطلم ذلك الجند من العرب فقاتلهم اياما، ثم ظفر بهم فهزمهم ومزقهم كل ممزق، وتبعهم مسيرة ايام. وكان للقوم مكان فيه سفنهم فانتهوا اليها وحِمْيَرُ في آثارهم، فركبوا معهم في سفنهم فأخذوا آلتها، فقاتلوهم فيها حتى عبروا أو نصفهم - ثم عبر القوم على مهل، فاتبعوا القوم فرأوا بلادا كثيرة الخير واسعة الميسر، فحاصروا المدائن، وافتتحوا القلاع، وظفروا بالسبى، وحووا الاموال، حتى انتهوا إلى جمع عظيم بالصغد فقاتلوهم فدخل مدينة الصغد فسبى اهلها وهدمها واسمها يومئذ اعجمى بلخى فسماها الاعاجم شمر كندة، تعني: شمر اقلعها فعربتها العرب فقيل: سَمَرقَنْد، فأبدلت من الشين سينا، وجعلوا موضع الكاف قافا، أي موضع كند قند. قال عبيد: وبلغني ان شمرا أمر بموضع مدينة الصغد فكتب هناك في صخرة: هذا ملك العرب والعجم شَمَر يَرْعَش الاشم، من بلغ هذا المكان فهو مثلي، ومن جاوزه فهو افضل مني. ملك مائة سنة وستا وثلاثين سنة: اسمه حسان، ويقال: هو تبع الأكبر. ملك الأقرن عَمِّيكَرِب بن شَمَر يَرْعَش بن افريقيش قال عبيد بن شريّه: ثم ملك ابنه الاقرن عَمِّيكَرِب بن شَمَر يَرْعَش بن افريقيش بن ابرهة ذي المنار، قغزا ارض المغرب متيمما إلى ارض الروم فانتهى إلى ارض الظُّلْمَة ليدخل وادي اللؤلؤ والياقوت والُّدرَ، فمات هنالك. وقال الياس بن عمرو بن الغوث بن العبد ذي الادغار شعرا اوله: ان تمس في اللحد ابو مالك ... يسفى عليه المُورُ بالحاصب ملك ثلاثا وخمسين سنة. ملك ابنه تُبَّع ذو الشأن الأكبر قال عبيد بن شريه: ثم ملك ابنه تُبَّع ذو الشأن، وهو تبع الاكبر بن عَمِّيكَرِب بن شَمَر يَرْعَش بن افريقيش بن ابرهة ذي المنار بن الحارث الرايُش، وكثر غزوه، ثم اقام عشرين سنة. لم يغز فتنقضت عليه الترك والخزر فلما بلغه ذلك ارسل عليهم فامتنعوا بالهدايا، وقتلوا رسله، فسار اليهم في الوجه الذي كان الرانيش سار فيه على جبلي طيء، ثم على الموصل، فلقيهم على حداء، اذربيجان - كانوا تهيئوا للقائه - فاقتتلوا اياما، ثم ان الترك انهزمت، فقتل المقاتلة وسبى الذرية، ثم قال تبع ذو الشأن في ذلك: منع البقاء تقلب الشمس ... طلوعها من حيث لا تمسي وطلوعها حمراء صافية ... وغروبها صفراء كالورس تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت للنفس اليوم اعلم ما يجيء به ... ومضى بفصل قضائه امس وتشتت الاهواء تخلجني ... نحو العراق ومطلع الشمس خرجت لحربي الترك طاغية ... لافرغن لحربهم نفسي

ملك كليكرب بن تبع الأكبر ذي الشأن

لاوجهن شمرا لحتفهم ... ان ابن حمير غير ذي نكس حتى يتقرعن خبيتهم ... ويذيقهم ما ذاق ذو الرمس فلما رجع إلى اليمن اقام بها دهرا، فهابته الملوك، وراسلت اليه بالهدايا، من قبل الهند من كتان وحرير وفيها الخشكار وغيره من متاع الصين الفاخر ن فتطلعت نفسه إلى غزوها، فسار نحوها حتى انتهى إلى الركايا واصحاب القلانس السود فلما رجع خلف بأرض التبت اثني عشر الف رجل من خيار حمير فهم التبتيون اشتق اسمهم من تُبَع إذا سئلوا اخبروا ان اصلهم التبتيون من العرب، ولتبع في ذلك شعر اوله. انا تبع الاملاك من نسل حمير ... ملكت عباد الله في الزمن الخالي ملك مائة وثلاثا وستين سنة مُلْكُ كليكرب بن تبع الأكبر ذي الشأن قال عبيد بن شريه: ثم ملك ابنه كليكرب بن اتبع الأكبر ذي الشأن بن عَمِّيكَرِب بن شَمَر يَرْعَش بن افريقيش بن ابرهة ذي المنار بن الحارث الرايُش كليكرب: قال عبيد كان رجلا ضعيفا، لم يغز حتى مات، ولم يبعث جيشا فأما اهل اليمن فيزعمون انه كان يتحرج من الدماء، ووافق صنيعه حِمْيُر للراحة والدعّة، ولم يزل متحيزا باليمن حتى هلك وملك خمسا وثلاثين سنة. ملك ابن الاسعد ابي كرب وهو الاوسط ثم ملك ابنه الاسعد ابو كرب - وهو الاوسط - بن كليكرب بن تبع الاكبر ذي الشأن بن عَمِّيكَرِب بن شَمَر يَرْعَش بن افريقيش بن ابرهة ذي المنار بن الحارث الرايُش. وقال بعض: هو ابو كرب اسعد بن كليكرب ابن تبع بن حسان الأقرن. وابو كرب هذا هو تبع الثالث ويقال هو الاوسط وهو الكامل، اجتمع فيه ما افترق من الملوك، لانه بلغ في مغازيه جميع ما بلغه آباؤه من شرق وغرب، وزاد عليهم في بلوغ الشمال والجنوب، ثم سار إلى الظُلُمات، ودخل بلاد فارس وتفسير كليكرب بلغة حمير كُلِّى وَجْهُ وكرب فلاح، فكأنه وجه فلاح. وكان تبع هذا شاعرا منجما، يسير بسعد النجوم. ويقول الاشعار فيكثر، ومكث زمانا لا يغزو حتى سمته حمير مونثان، وهو القاعد في لغتها، وارجفت به معد، فقال شعرا اتاني ان قومي وبنوني ... بأني لا ازال على وثاب واني قد رضيت من المعالي ... بطيب من طعام أو شراب فأغضبني الذي بُلِّغْتُ عنهم ... واغضبت المقاول من عتاب ولكني امَرت بأن يسيروا ... على الجُرد المسومة العراب وضرب على اهل اليمن البعثَ، فخرج في جمع كثير لا يحصى، وآلى الا يرجع إلى بلاده حتى يقاتل مع الجيش الذي معه ابناؤهم، فكلما مر بحرس قال: احرب هاهنا - قوما ليكونوا بها، فسميت حرس بذلك وخرج يريد بلاد معد. فلم يلبي بين يديه احد منهم، ومن ثبت اوقع به واباده قتلا واسرا، وهو يطأ البلاد منعة، وذلك قوله شعرا: ايها الناس ان همي ورأيي ... ومن الرأي ان احف بلاد بالعوالي وبالعناجيج تمشي ... بالبطاريق مشية العيد اسقني ثم اسق حمير قومي ... كأس خَمر انني لابن عاد والبهاليل مذحج اذ نعادي ... بهم الخيل في عراض البلاد في شعر طويل، ومضى حتى اتى الطائف فحاصرها، وبث سراياه في قبائل هوازن بن جشم وثقيف، فمن ادرك قُتِل ومزهوَبَ طُلِب، ونال من كعب وكلاب مثل ذلك. ثم سار إلى اليمامة فقتل وسبى. وفي ذلك يقول تُبَع: جلبنا الكتائب من منكث ... فجنبى أزال إلى الواعرة فقرت تميم وألافَهْا ... ومن باليمامة من غاضره وفازت بكعب قدور لنا ... فدارت على جمعها الدايره وكرت عُذيل إلى ارضها ... وكانت لها كرة خاسره وجاءت ثقيف بأحلافها ... فلاقت ثقيف بنا الفاقره وجاءت كنانة تبغي الامان ... نمنى علانية صاغره تركت الديار بنى كاهل ... يبابا معطلة دامره وقائع في مضر تسعة ... وفي وائل كانت العاشرة

ثم بث سراياه ووجه امناؤه على جيوشه: فوجه ابنه حسان ذا معاهن، ووجه عبد كلال فوجيء اليمامة فاستباحها، ووجه عامر ذا حوال فأتى المُشَقَّر فاستباح اهلها. ووجه خالد ذا شلال فدّوخ بلاد مضر كلها، ووج شمرذا الجناح على مقدمته في خلق عظيم يريد الجوف، فمضى شَمَر ذو الجناح فواقع صاحب الجوف فهزمه، وقتل وسبى وغنم المدائن، ثم سار تبع الاسعد في جمهوره عساكره وقال في ذلك: هل اتى الناس ان اسعدا قد ... ازمع بالسير مع قصور ازال نحن سرنا إلى بلاد معد ... بجيوش كالاسد ذي الاشبال الف الف تعطل الارض منهم ... فوق جرد تسمو بصم العوالى فوطئنا البلاد من ارض قيس ... وتميم هناك وطيء النعال ثم مالت إلى المُشَقَّرخيل ... فاحتوت ما بها من الاموال وطحنا جَوَّا وما حول جَوَّ ... بالعناجيج والقُنا والرجال واستبحنا هوازنا بخيول ... ساهمات الوجوه مثل السعالى وملكنا معد شرقا وغربا ... فاستكانوا في قبضة الاذلال ثم وجهت ذا معاهن في جمع ... وفي مثل ذاك عبد كلال ثم تتبعهم بخيل ورجل ... عند ذي البأس عامر ذي جوال وسما ذو الجناح وقد قَدَّمْتُ ... في الخيل خالدا ذا شلال فوطئنا جبال كرمان حتى ... تركتها الجياد مثل الرمال واخذنا حراير الصين قسرا ... وتركنا البلاد في زلزال واقبل يبع يسير حتى نزل موضع الحيرة قبل ان تبنى، فعسكر به إلى شط الفرات، وسأل: لمن هذه البلاد؟ فقالوا: لرجل من قومك يقال له جذيمة الوضاح، فقال: تحيروا بها. فسميت الحيرة لقوله. ثم اقبل قباذ بن هرمز - وهو الملك يومئذ على فارس - وجمع كل اهل فارس، واستعان بقاصيهم ودانيهم، ولقي تبع يريد كَفَّه ورده عن ارض فارس، فأوقع بهم هزيمة فهزمه وكشفه، وفل جمعه، وقتلهم قتلا ازرع فيهم، واستباح سواده، بعد قتال ايام، وهرب قباذ حتى قطع دجلة، ووجه تبع شمر ذا الجناح في طلبه. وقال تبع في ذلك: سائل معد بن عدنان التي وطئت ... جيادنا هل رأيت في بطشنا اينا قدنا الكتائب من اقطار ذي يمنٍ ... حتى نطحنا بها كرمان والصينا والسند والهند قد سدنا وقد وطئت ... خيلى على خد بهرام وجورينا دار قباذ تركنا الطير تنهشه ... مجدلا واسرنا ثم شروانا وقد غضبنا بسابور وحوزته ... ولا يصبح له من مسه حينا ثم انصرفت وتلك الارض خامدة ... وسقت من شئت مقرونا ومحبونا في اشعار له كثيرة يذكر فيها وقائعه ومسيره. ولما دوخ بلاد العراق والجزيرة وخراسان، ووطيء الصين وبلاد فارس كافة، وارض العرب ذكر له صين الصين فعنف من نعته له اذ لم يذكره وهو بقربه، ثم اجمع على ان يوجه اليه جندا، فأمر قُيُوله ان يخرجوا من كل عشرة واحدا، ففعلوا، وولى عليهم اخاه عمرو بن كليكرب، فأوغل في البلاد التي هي للاعاجم ن وافتتح فتوحا كثيرة، وافتتح سمرقند، والذي ولى فتحها شمر ذا الجناح، ثم رد شمرا ومضى عمرو فأفتتح صين الصين ثانيا، واقام بها، فكتب اليه تبع بعلمه ان الجيش قد ملوا الثراء، وتطلعوا للقفول ن فكتب اليه اخوه عمرو بن كليكرب: ابلغ ابا كرب العلى ... والمرؤ تنفعه التجارب انا اتينا الصين قد ... جمعوا لسورتنا الجلائب عبُّوا وعبأنا لهم ... جمع القبائل والكتائب فرماحنا ورماحهم ... ما بين مقتصد وثاقب وسيوفنا وسيوفهم ... ما بين مغلول وقاضب وبنالنا ونبالهم ... يوقدن نار ابي الحباحب فهزمتهم وقتلتهم ... وابدتهم الا الكواعب فلنا المشارق كلها ... في ملكنا ولنا المغارب ان كنت ازمعت الايا ... ب فأنني لا غير آيب

ولما وصل عمرو بن كليكرب من الصين كتب كتابا بالحميرية، واودعه لوخ نحاس، وغادره هنالك أمارة، ثم ان تبعا كرّ راجعا إلى اليمن، فسار في طريقه حتى قدم المدينة، وهي يومئذ تسمى يثرب، يريد اسباحتها حين قتل بها ولده، واهلها الاوس والخزرج ابناء حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، وهم يومئذ اهلها ومن بقي عندهم من يهود يثرب، وقد كان تبع في مسيره ذلك خلف بيثرب ابنا يقال له خالد، ومعه امه ن ومضى إلى الشام والعراق وارض فارس، واستفتح الفتوح، فاغتالت يهود يثرب ابنه فقتلته، وقد كان خلفه بها، فلما كر راجعا إلى اليمن بلغه ذلك، فأمر جيوشه بالمسير إلى المدينة ليدمر اهلها، فتوجه نحوها وأنشأ يقول: يا ذا مُعاهن ما اراك تريد ... اقذى بعينك غالها ام عود منع الرقاد فما اغمض ساعة ... نبط بيثرب آمنون قعود نبط اسارى ما ينام سميرهم ... لا بد ان طريقهم مورود فلأ وقعن يوما بيثرب وقعة ... تبكي اراملها معا وترود ولاخضبن سبالهم بدمائهم ... ولترغمن معاطس وخدود واقبل تبع حتى بلغ المدينة مجمعا على خرابها وقطع نخيلها، فنزل بسفح أُحُد واحتفر بئرا، فهي إلى اليوم تسمى بئر الملك، وارسل إلى اشراف اهل يثرب، الاوس والخزرج. فتحصنوا عنه في آطامهم، ومنعوا احلافهم من اليهود وكانت خيوله تحاربهم النهار حتى إذا امسوا وكان الليل دلوا اليهم التمر في المكان والخبز واللحم والثريد والعلف، والقت للخيل، فرجعوا إلى تبع فاخبروه بذلك فقالوا: بعثنا إلى قوم يحاربونا بالنهار ويقروننا بالليل!! فقل: نِعْم القوم قوم وجدت، قاتلوني نهارا واقروني ليلا. ثم ان الاوس والخزرج ارسلت اليه فقالت: ابيت اللعن. ان اليهود لم تكن لتجتريء ان تقتل ابنك وانما قتلته امرأته. قال تبع: وكيف ذلك؟ فقالت دخلت امة بينه وبين امرأته. فقال تبع: اولعت الحماة بالكنة واولعت الكنة بالظِّنّة. فذهبت مثلا. وأتاه حبران من اليهود فقالا له: ايها الملك ان مثلك لا يُقْبِل على الغضب ولا يقبل قول الزور. وشأنك عظيم من ان يصير امْرُكَ إلى التسرع إلى مالا يَجْمُل وانك لا تستطيع ان تخرب هذه القرية. فقال: ولم ذلك؟ فقالا: فأنها محفوظة، وومهاجر اليها نبي من بني اسماعيل بن ابراهيم اسمه احمد، يخرج في آخر الزمان هذه البنية. يعني الكعبة - قال تبع: متى ذلك؟ قالا؟ من بعد زمانك بوقت وازمان. فوقع كلام اليهوديين في قلب تبع فأعجبه ما سمع منهما وصدقهما وامسك عن حرب اهل المدينة، وانصرف عن رأيه في خرابها. وقال تبع في ذلك ال عيني لا تنام كأنها ... كحلت اماقيها بسم الأسود انا لما فعل اليهود بخالد ... فأبيت منه ساهرا لم ارقد قد هبطنا يثربا وصدورنا ... تغلي به بلا بقتل محصد إلى ان اتاني من قريظة عالم ... حبر لعمرك ذو تقى وتعبد ازدجر عن قرية محجوبة ... لبني مكة من قريش مهتد عفوت عنها عفو غير مثرب ... وتركتهم لعقاب يوم سرمد

ثم سار تبع نحو مكة، ومعه اليهوديان، وهما الحبران، وقد دان بدينهما، وآمن بالنبي عليه السلام، وبما انزل في التوراة، فلما قدم إلى مكة آمن بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وامر بنصب مطابخه في الشعب الذي يقال له شعب عبد الله بن عامر، فبذلك سمي هذا الشعب المطابخ. وكانت خيله في موضع فسمي بجياد الخيل، تُبَع أجيادين. وكان سلاحه في موضع قيقعان فسمي قيقعان بقعقة السلاح، فأقام بمكة اياما ينحر كل يوم خمسمائة بدنة لا يرزأ هو ولا احد من عسكره شيئا منها، يردها الناس فيأخذون منها حاجتهم، ثم تقع الطير فتأكل، ثم السبع إذا مست، لا يصد عنها شيء من الاشياء انسان ولا طائر ولا سبع - على ذلك كل يوم - ثم كسا البيت كسوة كاملة بالبرود اليمانية والعصب والحبر، وكان تبع اول من كسا الكعبة كسوة كاملة. ثم رأى في المنام ان يكسوها، فكساها الانطاع. ثم رأى ان يكسوها فكساها الويل - ثياب حبرة من عصب. وانما كان تكسى الخصاف وهي كالبواري من خوص النخيل. ونحر عندها ستة الاف جزوز، واطعم جميع من ورده من العرب من اهل مكة. وطاف، وجعل على بابه مصراعين من ذهب وقفلا من ذهب وميزانا من ذهب، ولم يكن له باب يعلق عليه قبل ذلك. وقال تبع في ذلك، وفي مسيره قصيدة طويلة منها الابيات التالية: كنا جبادنا من ظفار ... فرمينا بها مغارا بعيدا التبع المليك على الناس ... ورثت الجدود ثم الجدودا وكسوت البيت الذي حرم الله ... مُلاء مقصبا وبرودا ثم طفنا به من الشهر عشرا ... وجعلنا لبابه اقليدا ونحرنا تسعين الفا من البدن ... ترى الناس حولهن ركودا ونحرنا بالشعب ستة الاف ... ترى الناس حولهن وفودا وامرنا لا نقرب البيت منه ... لحم ميت ولا دما مقصودا ثم سرنا نوّم قصد سهيلا ... ورفعنا لواءنا المعقودا بعد ان دوّخت معدا جنودي ... فغدت لي معد صغرا عبيدا قال: وكانت التبابعة إذا عاودت من غزوهم ان يذبحوا وينصبوا المطابخ بأجبال مكة، ويتعمدون بذلك اجتماع الناس من كل فج، فيطعمون الطعام هناك، وكان ذلك فعل التبابعة. وفعل ذلك ايضا حجر من بني معاوية الاكرمين من كندة، وفي ذلك يقول عبد المطلب بن هاشم يلاعب ولده العباس في ارجوزة له: ظني بعباس إذا هو كبر ان يطعم اللحم نشيلا وقدر ويكسر البيت ملاء وازز كأن عبد كلال أو حجر قال فحدثنا زيد بن ابي الورقاء، عن ابي لهيعة، عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال النبي) ص (:لا تسبوا تُبَّعا فأنه قد اسلم. وباسناد عن ابي هريرة قال: نهى النبي) ص (عن سب يبع الاسعد الحميري، وقال: هو اول من كسا البيت. وعن ابي المنذر، عن ابيه، عن مجالد بن سعيد قال: رأيت بمكة رجلا عليه السيف محلى بذهب، فقلت: ما دعاك إلى ما أرى؟ قال: اخبرك، اني كنت مع عامل اليمن، فأتاه آت قال: أدلك على كنز. فكنت الرسول معه، فحفرنا في الارض حتى وصلنا إلى باب ففتحناه، فاذا هو بيت مملط بالذهب، واذا لوح مكتوب فيه: هذا قبر تبع الاسعد، مات على الحنيفية، يشهد ان لا اله الا الله. فأخذنا ما كان من ذهب، واتيته به إلى العامل، فأمر لي بمائة مثقال، ثم لم يمكث الا قليلا حتى اتاه آت آخر، فقال: ادلك على مثله، فبعثني فأحتفرنا بيتا مثل الاول مملط بالذهب، واذا لوح مكتوب فيه: هذا قبر لميس اخت تبع، ماتت على الحنيفية، تشهد ان لا اله الا الله، فنزعنا ما كان من ذهب، واتينا به إلى العامل، فأمر لي بمائة مثقال، فحليت بها سيفي هذا. ومما شهر من قول تبع الاسعد قوله في وقائعه ومسيرة قصيدة اختصرنا منها قوله شعرا: أرقت وما ذاك الا طرب ... وهل يطرب النازح المغترب وبيت بالشرق لي بيعة ... ثياب الحرير وكنز الذهب فسرت اليهم بجيش لهام ... كثير الزهاء شديد اللجب بأبناء قحطان من حمير ... بهاليل شم صميم العرب فدانت معد لنا عنوة ... فكلهم مولع بالتعب

ملك حسان ذي معاهن بن تيع الاسعد

فمنهم جعلت لحوك البرود ... وحَذوا النعال وصبغ العصب وقيسا جعلت بارض الحجاز ... لنسج القباء وحك الجرب تميما جعلت لحفر البيار ... ومتح الدلاء ومد الكرب ربيعة ثم هداة الطريق ... منارا على القصد حيث السغب خزيمة فيها لنحت البرام ... وكانت كنانة اهل الحلب صنيع ابي كرب الحميري ... اسعد ذاك ابن كليكرب في شعر طويل من شعره. ثم قال تبع في هذه القصيدة: وذلك حين بدأ اعلانه حديث النبي) ص (، وكان أظهر امره في آخر مملكته، وشهد بصحته، وله في ذلك اشعار كثيرة سنذكر بعضها. قال تبع في هذه القصيدة: فدع ذا وقل للذي هو آت ... لكل الذي هو آت سبب فأما إذا اضمرتنا البلاد ... تليها المجوس واهل الصُّلب واهل المواشي واهل العمود ... يذودون ملكا طويل الغلب ويأتي على الناس من بعد ذا ... ستون كما قال اهل الكتب يكونون في غمرات العمى ... فيأتيهم مرسل منتخب فيأتيهم بسبيل الهدى ... ويكسر اصنامهم والنصب فلو مد يومي إلى يومه ... لكنت نسيبا له في النسب وسوف يلي الامر من بعده ... ولاة يصيبون من لم يرب هم يملكون جميع البلاد ... لسفك الدماء ووثب الحرب وقد قيل ملكهم ذاهب ... واني لأعجب كل العجب لأمر يجيء إلى معشر ... يرى في جمادي أرى أو رجب وبالشط احمر من قومنا ... سينئار بالملك بعد الغلب هو الخلق الغابر المرتجى ... يفض الجموع وجمع العصب وقال تبع في ايمانه بالله والنبي) ص (، ويذكر اشياء تحدث: أو كريح الجنوب عمت بخير ... عجبا بعد من عراص المقيم أو كهذا النهار يغشاه الليل ... بعد ضوء من الصباح مقيم يا بني حمير الكرام غدرتهم ... غدرة قد سرت بدهر غشوم قد غدرتم بخير من تحمل الارض ... بذي البؤس في الورى والنعيم قد غدرتم بتبع الاسعد الملك ... ربيع الورى وعز الحميم من له بعده يوطد ملكا ... رابط الجأش عند خطب جسيم ما سوى قومك المقاول ... فأخاك غليك السلام من معدوم قال: فلما مات تبع الاسعد ندمت حمير على ما كان منهم في محاولة قتله، زاختلفوا فيمن يملكون بعده، حتى اضطرهم الامر إلى ان ملكوا ابنه خسَّانا فملكوه واخذوا عليه موثقا الا يؤاخذهم بما كان منهم في ابيه. وكان ملك تبع الاسعد مائة وعشرين سنة. ملك حسان ذي معاهن بن تيع الاسعد قال عبيد بن شريه: ثم ان حميرا سقط في ايديهم الامر مخافة الهلاك، وصارت امورهم إلى ان اتوا حسان بن تبع فسألوه ان يتولى امورهم، فبايعته حمير، فلم يزل مقيما بأرض اليمن لا يروم غزوا ولا يهم به مداريا في ذلك قبول اهل اليمن، لملالتهم صنيع ابيه واتعابه اياهم بالغزو، إلى ان قدم عليه رياح بن مرة الطسمي يخبره بغدر جِدِيس بملك طَسْم، حين قتلتهم وأبادت طسما، وانشده في ذلك شعرا لما دخل عليه، فقال: حُيّيت من ريِّس ... في الحسب القدموس جيْتك من جديس ... لغارة الخميس وفعلة الشيطان الماعوس ... لم يبق من انيس غير النسا الحبوس ... والصبية الجلوس يبكيب للبئيس ... بكاء لا ينقيس

ملك عمرو بن تبع الاسعد

فبعث حسان إلى مقاول حمير، واخبرهم خبر جديس، وما فعلت بطسم فقالوا: لا أرب لنا بهم، هم اخوة اغار بعضهم على بعض، وهم عبيدك. فقال: ما هذا يحسن من فعلكم. ان تهدروا دماء احرار اصيبوا بغدر، لا ينصف بعضهم من بعض. فعند ذلك بطشت المقاول للمسير، واجابت حسان إلى النهوض. فسار إلى اليمامة، فأباد جديسا ببغيهم على طلسم، فلم يبق منهم باقية، فهرب قائدها الاسود بن عفار الجديسي. فلحق بأجأ وسلمى وهما اذ ذاك خلا، لا انيس بهما. فلم يزل بهما حتى نزل بهما طيء فقتله عمرو بن الغوث بن طيء. وان حسانا لما اباد جديسا جعل يتجنا على قتلة ابيه، فقتلهم واحدا بعد واحد إلى آخرهم، فاشتد عليهم امره، ثم انه جمع مقاول حمير وحضهم على الخروج والغزر، وامرهم بالمسير نحو الغرب، وقدم اخاه عمرو بن تبع بين يديه، في ثلاثمائة فيل. فكرهت المقاول فعله ونقضت عليه، وقام فيهم الاخيل بن حيدان فقال: يا معشر حمير، هذا رجل غير راجع حتى يبلغ المشرق، فأنظروا لانفسكم، فأنه قد غدر بنا، وحملنا على ما ليس من امرنا. قالوا: انت سيد القيول وذر رأيهم. فقال: اقيموا مع صاحبكم. وسار حتى لحق عمرو بن تبع فيمن اتبعه من المقاول، فبايعوه على قتل اخيه حسان بن تبع وتمليكه مكانه، ما خلا ذو رعين فانه ابى ان يبايعهم، وكان من اشرافهم من المقاول ونهاهم عن ذلك وحذرهم وحذر عمرا سوء العاقبة، واخبره انه ان فعل ذلك مِنُعَ النوم فقال: ما قتل احد اخاه قط أو اباه الا منع منه النوم، فلا ينام حتى يموت. وان فعلك هذا معيلة وفساد وسهر تضمنه حتى التناد. فأبى عليه الا ان يبايعه أو يقتله. قال: فأدفع اليك صحيفة لتكون امانة عندك، فأتاه بصحيفة لا يدري ما فيها، ولا يعلمه غيرها، وكان في الصحيفة مكتوب: الا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من ينام قرير عين فان تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الاله لذي رعين مضى عمرو قدما حتى قتل اخاه حسانا، فلم ينم ولم تغمض عيناه بعد ذلك، إلى ان مات. وكان ملك حسان ذا معاهن بن تبع خمسا وعشرين سنة. ملك عمرو بن تبع الاسعد قال عبيد بن شريه: فملك عمرو بن تبع واستنفخت به اهل اليمن ينازعونه، وأتنقضت عليه بالبلاد، ومنع منه النوم. فشكا ذلك، فقيل له: إن النوم لا يأتيك أو تقتل قتله أخيك. فنادى في جميع أهل مملكته: إن الملك يريد أن يعهد عهدا فاجتمعوا. وأقام لهم الرجال، وقعد في مجلسه، ثم أمر بهم أن يدخلوا خمسة خمسة، وعشرة عشرة، فإذا دخلوا أمر بهم فقتلوا، حتى أتى على عاقبة القوم، وأدْخِلَ عليه ذوُ رُعين، فلما رآه ذكر ما كان قال له، وأنشده الشعر الذي أوْدَعه إياه في الصحيفة: ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين فإن تك حمير غَدَرَت وخانت ... فمعذرة الآله لذي رعين فأمر بتخليته فأكرمه وقربّه واختصه، وأضطربت على عمرو أموره، وترك الغَزْوَ، وأراد إذلال ولد أخيه حَسَّان، فزوج عَمْراً المقصور ابن حجر آكل المرار الكندي جد امرئ القيس الكندي ابنة أخيه حسان ذي معاهن، فولدت له الحارث الملك بن عمرو بن حُجْر سيّد كندة، وكان يخدم أباها حسان بن تُبّع، وكان ملك عمرو بن تبع ثلاثا وثلاثين سنة. ملك عبد كُلال بن مثِّوب الرعيني قال عبيد بن شربة: ثم ملك عبدُ كلال بن مثوّب الرعيني، وذلك أن ولد حَسّان وولد عمرو كانوا صغارا، إلا ما كان من تُبَّع بن حسان فإن الجن استهامته زمانا، فأخذ عبد كلال المُلْكَ مخافة أن يطمع فيه غيرهم من أهل البيت، فوليه بِنُبْلِ وتجربة وسياسة كاملة، وهيبة فائقة، وسرِّح الجنود في العرب فقوتل مخافة الجرأة منهم عليه. قال معاوية: فصنع عبد كلال ماذا؟ قال: بلغنا أنه كان من عباد الله الصالحين، وكان على دين عيسى بن مريم عليه السلام، ونشر إيمانه، وكان مُلكه أربعا وسبعين سنة. " ملك تُبّع الأصغر بن حسْان ذي معاهن بن تبع الأسعد "

ملك مرثد بن عبد كلال بم مثوب الرعيني

قال عبيد بن شربة: ثم ملك تُبّع بن حسان بن ذي معاهن ابن تبع الأسعد، فهابته حمير والعرب هيبةً شديدة، فبعث بابن أخته الحارث بن عمرو المقصور بن حُجر الكندي وهو جد امرئ القيس الكندي، فملكه على مَعّدّ، وسار هو إلى الشام حتى أعطته غسان طاعتها، ووطيء العَرَب حتى أشتد ذلك منه فيها، وقتل له: أرفق بربيعة جندك، فإنهم عَضُدَك وعضدَ مَنْ بعدك. قال: ومن ربيعة؟ ليست إلا قوم مي قال: فإن ألهك قد أمرك بذلك. فلتكن منهم وليكونوا منك. قال: ما أريد أن يكون سوى قومي أُزْر. قال: بلى أتخذهم دون المعاشر، ما استقل في السماء طائر، فإنك بذلك مأمور، فاحذر من المعصية التغيير. فبعث إلى سادة ربيعة فعَقَد الحلفَ بينهم وبين اليَمَن، وكنت بينهم في ذلك كتابا، ووضعه في صندوق ودفنه في خليج من البحر، وأجرى عليه الماء، وفي ذلك يقول عوف بن ربيعة: إلا يا خير خلق الله ... تبع بن حسان وابن التُّبَّع الأسعد ... أو التُّبَّع ذي الشن وابن السادة الأخياء ... رو الفكاك للعالي أبيت اللعن أنت المَلْك ... من أولاد قحطام وأهل السؤود الأقدام ... مجدا غير بهتان ملوك الناس والسادة ... في أوّل الأزمان أتيناك بحلف نبتغي ... في خير جيران فكنت المرتضى علما ... وكنت الهادم الباني وَرِثْتَ المجد عن جدل ... قدما قبل لقمان فقد آمن منا الشرّ ... عقلاك الوثيقان وكان ملكه ثماني وتسعين سنة. وفي نسخة أخرى ثماني وسبعين سنة. ملك مرثد بن عبد كلال بم مُثَوّب الرعيني قال عبيد بن شربة: لما هلك تبع الأصغر بن حسان استخلف بعده مَرْثِد بن عبد كُلالَ بن مثوب الرعيني، وهو أخو تُبّع هذا لأمه، وكان ذا رأي وبأس وجود، فنطقت حمير في ذلك وقالوا: لانرضى، هذا حسان بن تبع ابن حسان هو وإن كان غلاما. فهو أحق بالملك من بني مثوب حتى كاد أن يقع بينهم الشر، ثم جيء بالغلام حتّى سلم لِعَمِه المُلْك، وكان ملك مرثد بن عبد كلال إحدى وأربعين وسنة. ملك وليعة بن مرثد بن عبد كلال قال عبيد بن شربة: ثم ملك بعده ابنُه وليعةُ بن مرثد بن عبد كلال، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وكان فيما يذكرون. من أعقل رجال اليمن وأحسنهم تدبرا. قال معاوية: لم أسمع لوليعة ذكرا، فهل تَرْوِي في قصته وأمره شعرا: فإن ديوان العرب؟ قال: رثاه جعفر الأحوص بن جعفر بن كلال إذ يقول: وليعة إمّا تُمْسِ في اللحد تثاويا ... عليك مَسَافي التُّرْب في البلد القفر فقد عشتَ محمودا ومتَّ مُرَزَّاً ... إليك معد في الأمور معا تقدي تفك أسارها وتعطى جزيلها ... زتعفو عن السوء وتسمح بالوفر فبكى معد خير رب علمته ... فنعم مليك الناس كان أبو نصر فلستَ بمكفورٍ لَدَى وإن لوى ... بك الدهرُ بالمراثي وبالشكر وملك تسعا وثلاثين سنة. " ملك حسان بن عمرو بن تبع الأصغر بن حسان ذي معاهن بن تبع ايسعد " قال عبيد بن شربة: ثم رجع الملك إلى ولد تبع الأسعد فملك حسانُ بن عمرو - وكان من خيارهم - وهو الذي أوقع ببني عامر بن صعصعة فأصاب منهم أسرا وسبى سبيا، فوفد عليه خالد ابن جعفر بن كلاب في بني ربيعة وهوازن وخالد متقدمهم، وكان خالد: قصير القامة، فقال له حسان قدموك وأنت أقصرهم قامه - فقال خالد: قصير إنه يرتفع الرجل بأصغرية قلبه ولسانه. فقال له: قومك أعلم بك. ثم شفَّعة فيمن شفع ومنّ عليه بإطلاق أسارى قومه، ورَدَّ عليهم سَبْيَهُم، وأكرمهم فقال فيه خالد بن جعفر بن كلاب شعرا: فِدّى لأخي المقاول حيث أمسى ... نَبِيّ وما أقلّ الفعل مني كساني حُلَّة وحبا جناحي ... كريم لا يكدره بمنّ وفكَّ عشيرتي وأفاد حمدا ... وكان من المكارم حيث ظني لقد جاوزت نحوك يابن عمرو ... بلاد مخوفة إنس وجن فلن أَنْفَكَّ ما عَّمرتُ أهدى ... ثناءً طيبا في كل فن

ملك خثيعة ذو شنانز

وملك سبعا وخمسين سنة. ملك خثيعة ذو شنانز قال عبيد بن شربة: ثم ملك رجل ليس من أهل المملكة وهو من أبناء المقاول يقال له خثيعة ذو شناتر، وكان من أفَظَّ مَلِكَ في حمير وأشطهم قِيلاً بلا جرم، وكان لا يسمع بغلام نشأ من بيت المملكة له قّدْر وأدب إلا بعث إليه فنكحه ليَّلا يطمع في مُلِكٍ مَاَ بَقَى حميرُ لا تَمَلَّكُ مَن لُعَب به فلم يزل أمره كذلك حتى بلغه عن غلام منهم يقال له ذو نُواس كانت له ذؤابتان تَنُوسَان على عاتقه: أي تذبذب، اسمه يوسف بن ذرعة - وذو نُوَاس بالسين المهملة وضم النون وبهما سمى ذو نواس، وهو من ولد تُبَع، وكان هذا الغلام لا يزال يُعَبّر الغلمان بما يأتي إليهم خثيعة. فلما بعث إليه أعَدّ ذو نُوَاس سِكَّيناً لطيفا، فلما أُدخِل عليه هَسَ إليه، وذهب ليلتزمه فوجأ لبَّتَه فقتله، واحْتَزَّ رأسه فوضعه في كُوَّة في المشرفة ووضعَ السِّوَاك في فيه، وكانت علامته إذا فرغ من فجوره، ونزل ذو نُوَاسَ ومَرّ بالحَرَس، فقال بعضهم ذو أنَواس لا بأس، افرخ روعك في الناس. فقال ذو نُواسَ وهو مُدْبِرٌ عنهم: ما عَلَى ذي نُواس من بأس، بل عليكم البأس من الرأس ومضى فنظر الحَرَسُ إلى خثيعة فقالوا: نعس الملك. فلما طال ذلك عليهم صعدوا فإذا به قتيل، فأخبروا الناس وبعثوا إلى الميامنة والمقاول، فاجتمعوا وقالوا: لا يملكنا ولا يَسُوسُنا إلا الذي أراحنا من فضيحته وبَلِيَّته، ولم يَكْلَمْهُ الطمعُ كما كَلَم أولادنا، فملَّكُوه. وكان ملك خثيعة ذي شناتر سبعا وعشرين سنة. ملك ذي نُوَاس قال عبيد بن شربة: ثم إن حمير بعثت إلى ذي نُوَاس فعرضوا عليه المملكة فما تكرَّه عليهم، فملكَّوُه أمْرَهم. وذو نُواس هذا صاحب الأخدود الذي ذكره الله في كتابه، وذلك أنه دان باليهودية، وبلغه عن أهل نَجْران أنهم دخلوا في النصرانية برجل أتاهم من جهة ملوك غسّان فعلمهم ايَّاها، فسار إليهم بنفسه حتى عرضهم على أخاديد احتفرها في الأرض وملأها جَمْراً، فمن تابعه على دينه خَلَّى عنه، ومن أقام على النصرانية قذفه فيها، حتى أتي بامرأة معها صبيٌّ لها ابن سبعة أشهر فقالت إن لم أرجع عن ديني فليس الا من رحمتك. فقال ابنها، وهو رضيع وهو في حجرها - يا أمّاه امضى على دينك، فإنه لانار بعدها، فعجبت المرأة من كلام الغلام، ومضت على دينها، ورمى بها وابنها في النار، وبلغ ذا نواس ففزع وكفَّ، وخرج من نجران حتى أتى صنعاء، ورفع الأخاديد. خروج الحبشة إلى أرض اليمن

لما كان من أمر ذي نُواس ما كان في أرض نَجْرَان حين ألقاها في الأخاديد وحرَّقَهم بالنار، خرج عند ذلك رجلٌ من اليمن يقال له دَوْس بن عازب ذي ثعلبان الحميري، مراغما لذي نُوَاس بالخَيْل حتى دخل الرَّمل ففاتهم، س فعند ذلك قالت حِمْيَر دعوه فقد قتل نفسه. فلن يَنْجُوَ من الرمل، فنجا دَوْسُّ من الرمل، وكان على دين النصرانية. فشكا إلى ملك الحبشة ما لقي أهل نجران من ذي نواس، وقال إنهم أهل نصرانية، وانت أحق من انتصر منهم لهم. فكتب ملك الحبشة إلى قيصر يُعْلِمُه، ويستأذنه في التوجه إلى اليمن. فكتب إليه يأمره بذلك، وأعلمه أنه سيظهر عليها، وأمره أن يولي دَوْس بن عازب الحِمْيَريْ أمر قومه. فبعث إليه ملك الحبشة سبعين ألفا من الحبشة، وجعل على ضبطهم قائدا من قُوَّده يقال له أرباط، وقال له: إذا ظهرتم على ذي نُواس فليكن دَزْسُ بن عازب على قومه، وكنت أنت على ضبط الجيش وساروا حتى خرجوا إلى أرض اليمن، وسمع بهم ذُ نُوَاس، فجمع لهم وخرج إليهم. فاقتتلوا قتالا شديدا. وكانت نقمة الله في ذي نُوَاس وأصحابه، لإحراقهم المؤمنين، فانهزمت حِمْيَر وقُتِلَ بَشَرُّ كثير. فلما رأى ذو نواس وأصحابه ذلك أقحم فَرَسه البحر فأغرق نفسه، وظفر السودان بعسكره. فلما رأى ذلك أبْرَهة الأشرم نازع أرباط الجيش. وقال: أنا أحق أن أضبط جيش الحبشة. فقال لهما دَوْسُ بن عازب بن ذي ثعلبان الحميري: ما كنت لأدخل في شيء من أمركما. فصارت الحبشة حِزْبَيْن. حزب مع أبرهة وحزب مع أرباط وتهيئوا للحرب، فأقبل عَتْوَة بن الحبتري الحميري - وكان من أبطال حمير ورجالها - فقال لأبرهة: إن أرباط لو قُتِلَ لاستقامت لك الحبشة، قال: أجل، فمن يقتله؟ قال عَتْوَدة بن الحبتري: أنا أقتله. فقال أبرهة: وكيف ذلك؟ قال: تدعوه إلى البراز لك. فأكمن أنا له فإذا برز إليك خرجتُ إليه من خلفه فَقَتَلْتَهُ. قال: فبعث أبرهة إلى أرباط - وكان أبرهة رجلا قصيرا فحمل عليه أرباط فضربه بعمود كان معه - وهو يريد رأسه - فقصر وشرم حاجبه وعَيْنه وأنفه وشَفَتَه، فبذلك سمي الأشرم. وحمل عَتْوَدَة على أرباط فطعنه فقتله، واستولى عند ذلك أبرهة على الحبشة. وكان صاحب الجيش عَتْوَدَة من تحت يد أبرهة وسار أبرهة حتى ورد أرض اليمن، وكان عتودة صاحب أمره، فلما ورد أرض اليمن تركت مذبح وهمدان سهل البلاد وصعدوا إلى الجبل، وقالوا: لاندخل في طاعة أحد غير حمير. وانما كان البلد الذي نزله أبرهة بلد حمير وهمدان ومذبح وبني نهد. فأما مذبح وهمدان فاعتصموا بجبالهم وامتنعوا بالخيل والعدة، وكانوا يغيرون على أبرهة إذا وجدوا الفرصة، ثم يصعدون إلى جبالهم، ولم يكن بينهم وبين أبرهة سِلْم، وكانوا له حربا، وهم في جبالهم، ولم ينزلوا إلى السهل حتى قدم ابن ذي يزن اليمن. وأما بنو نهد فوادعوا أبرهة على أن ينزلوا السَّهل من أرض اليمن آمنين، لايعرض لهم أحدٌ من قِبَل أبرهة، ولا يعرضون لأحد من أصحاب أبرهة. وتركوا عند أبرهة رَجُلاً رهينة من ساداتهم يقال له طُفَيْل بن عبد الرحمن بن طفيل بن كعب الهندي - هذا ما أخبر به ابن الكلبي. وأما حمير فأعتصم أكثرها بالجبال، فلم ينزلوا إلى السهل، ولم يسالموا أبرهة. وأما من أقام منهم بالسهل فإنه وادع أبرهة وخطب إلى أبرهة الصَبَّاح بن لهيعة بن شيبة الحمد ابن مرتد الخَيْرِين نَيْفَ بن نيف بن معدي كرب بن مصحاء وهو عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح الحميري. فخطب إلى أبرهة ابنته وكان الصبّاح سيدا في حمير، وألطف أبرهة ابنته ريحانة بنت أبرهة الأشرم فأولدها الصباح غلاما، فسماه أبرهة جده أبرهة الأشرم فمن ولده النَضْرُ بن معدي كرب بن أبرهة بن الصبّاح، وكان سيد أهل الشام في زمن معاوية. وبهذا عَرَّض الكميتُ بن زيد حيث يقول: وما سموا بأبرهة اغتباطا ... بشين خؤولة مُتَزَّينينا

خروج الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة

وليس هو بعار ولا بعيب أن يكون الصَّبَّاح إلى ملك الحبشة، ليس إن ملك الحبشة تزوج إليه، وكان الصباح بن لهيعة صاحب أمره لا يقطع أمرا دونه، ودون مُضَارب بن سعد اليحصبي، وكان مضارب من جلاس أبرهة يبره ويهدي إليه وكان من خيرة حمير أيضا، وكان كذلك عبد الله بن عمرو أيضا، وكان المستحوذ على أمر أبرهة الصبّاح وعبد الله بن عمرو، والمضارب ابن سعد، وعَتْوَدَة بن الحبنزي، فهؤلاء كلهم من حمير. وكان لا يقيم أحد بالسهل إلا وهو مُوَادَعِ لأبرهة، فلما علا أمر عَتْوَدة بن الجنزي - وإنما كان رجلا من حمير ليس هو من أهل بيت شرف منهم - فخطب إلى رجل من أهل بيت المملكة من حِمْيَرَ ابنته، فرَّده الرجل، فوجد عَتْوَدة في نفسه وتهدد الرجل لذلك، فلم يزل الشرّ بينهم حتى خرجوا بالسلاح - أهل بيت أبي الجارية وأهل بيت عَتْودة - فاقتتلوا فضَرب عتودة رجلٌ من أهل بيت أبي الجارية فقتله، وبلغ أبرهة فقال: يا معشر العرب. ما كنت لأفيما بينكم، بعضكم أولى ببعض. وزعم قوم أن أبرهة كان له باليمن صولة وسطوة. وليس الأمر عندنا كذلك، لأنه لو كان كذلك لقاتله اليمن عن أنفسهم وبلادهم كما قاتلوا عن البيت الحرام لما أراده، فهم كانوا لأنفسهم وبلادهم أشدَ منه للبيت، لأنهم كانوا كُفَاراً، وإنما كانوا يقاتلون حمية وأنفا، ولكنهم كانوا يوادعون له من كان منهم مقيما بالسهل، وكيف يكون أيضا كما قالوا وهو يزوّجهم بنّاته ويتخذهم ندماء وأصحابا لا يقطع أمراً دُونَهم. خروج الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة

قال: ثم إن أبرهة الأشرم بني بيعة لم ير الناس مثلها في زمانهم، ثم عزم أن يجعل حَجَّ العرب إليها، فلما بلغ العرب ذلك أكبروه وعظَّمُوه. فقال القُلَّيس الكناني ثم الفقيمي: أنا أكفيكم ذلك. ثم سار حتى ورد على أبرهة فقال: إني وافد قومي إليك على أن يحجوا لهذه البيعة. فسرَ ذلك أبرهة وأكرم القليس الكناني، حتى إذا عيد للحبشة وشغلوا بملاعبهم وشربهم اقبل القليس الكناني حتى دخل البيعة وسلح في كل زاوية منها ولوث به جميع البيعة حتى اقذرها، ثم قعد على راحلته راجعا إلى مكة، فلما دخل ابرهة كنيسته وجدها على ذلك الحال وفقده، فعلم انه صاحب ذلك، فغضب وعزم على غزو البيت الذي تحجه العرب، وبعث إلى النجاشي يخبره بذلك ويستمده، فأمده بجيش عظيم ثم ان ابرهة عزم على المسير إلى البيت، وخرج معه الفيل، فلما ذاع هذا منه في ارض العرب اكبروا ذلك، فقالت حمير: والله يامعاشر حمير، لئن سار ابرهة إلى البيت الحرام يريد هذمه ولم تقاتلوه ولم تمنعوه عن ذلك لسبة عليكم في العرب كلها. فنزلت حمير اليه من جبالها وعليها ذو القرنين الايقاع الحميري، ثم ساروا حتى لقوا ابرهة فقاتلوه قتالا شديدا فهزمت حمير، فانكشفت فلحقت بجبالها، وثبت ذو نفر حتى اسر، فأتى به ابرهة فكلمه المُضارب بن سعد الحميري فاستبقاه، ثم ان ابرهة وجه الاسود بن مقصود - وهو قائد من قواده إلى تهامة وعهد اليه فسار حتى اوقع بقيس وبني عقيل وأسر، وكان فيمن اسر خالد بن كعب بن كلاب. ثم سار حتى قدم تهامة فأخذ ما اصاب من سبي واخاف اهل الحرم، وكان جيشه كلهم سودان ليس فيهم عربي الا دليل، واقام الاسود بتهامة، وكتب إلى ابرهة بما يصنع، فسار ابرهة بعد ما هزم ذا نفر، فجمع له نفيل بن حبيب الخثعمي خثعما، ثم سار اليه فواقعه، فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت خثعم، فلحقت بخيلها، واسر نفيل بن حبيب، فأتى به ابرهة فقال نفيل: استبقني أكن دليلك في ارض العرب: فأستبقاه، فسار به نفيل حتى اتى يه إلى البيت الذي كانت ثقيف تعظمه بالطائف - وانما اراد صرفه عن الحرم - فقال نفيل: ايها الملك دونك هذا البيت فاهدمه، واصنع بأصحابه ما شئت. فقال له مسعود بن معب الثقفي: ايها الملك ليس هذا البيت الذي اردت. ذلك امامك وانه ذلك الاسود بن مقصور عنده ينتظرك، وبعث مسعود بن معتب عنده رجلا من ثقيف دليلا لابرهة على الحرم، فسار معه الدليل الثقفي حتى اورده مكة، وعظم امره في قلوب اهل تهامة وهربوا منه حتى لحقوا بشواهق الجبال، وكان الحبش فيما نهبوا من اموال الناس) نهبوا (كنانة، واخذوا ابلا لعبد المطلب بن هاشم، فأقبل اليه عبد المطلب بن هاشم حتى أتى عسكر ابرهة بطلب فداء ابله، فدخل على ذي نفر بن الايقاع الحميري - وكان له صديقا - فقال: هل عندك حيلة؟ فقال ذو نفر: واي حيلة عند محبوس مأسور؟ وكلم ذو نفر انيسا سائس الفيل وقال: يا أبا رباح هذا سيد قريش، وصاحب هذا البيت، فاستأذن له على الملك. فدخل انيس فأستأذن له، فدخل عبد المطلب على ابرهة فأعجب به ابرهة، وقال: سل حاجتك. فقال: مائتا بعير اخذها الاسود بن مقصور. قال ابرهة: لقد كنت اعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك عند هذا: لانك سألتني مالك دون دينك، انا اريد هدم بيتكم الذي تحجونه، وهوعزمكم، وانت تطلب مني ابلا؟ فقال عبد المطلب: انما اطلب ابلي، واما البيت فله رب وسيمنعه. فردوا عليه ابله، واتى عبد المطلب قريشا وقال لهم: اتاكم مالا طاقة لكم به، فأرغبوا إلى ربكم، ثم اخذ بحلقة الباب فقال: يا رب لا ارجو لهم سواكا ... يارب فأمنع منهم حماكا ان عدو البيت من عاداكا وفي نسخة قال لا هُم ان المرء يمنع رحله ... فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم ... ابدا محالك ان كنت تاركهم وبيتك ... فافعل الهي ما بدا لك

خروج ابن ذي يزن إلى كسرى يستنصره إلى اليمن

قال فلما اصبح ابرهة وتهيأ لدخول مكة وعبأ الجيش وقدم الفيل اقبل نفيل بن حبيب الخثعمي فأخذ باذن الفيل وهو يقول: ابرك محمودا أو ارجع راشدا من حيث اتيت: فأنك في حرم الله. فبرك الفيل ولم يتحرك، وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل وضربوا الفيل فقام، فوجهوه إلى البيت فبرك، فوجهوه إلى المغرب فارفل، فوجهو إلى البيت فبرك. فصاح انيس سايس الفيل: ايها الملك، نفيل سحر الفيل. قال اطلبوه. فجعلوا يصيحون يا نفيل يا نفيل وارسل الله عليهم طيرا ابابيل فاقبل كأمثال الخطاطيف، مع كل طير ثلاثة احجار في كفيه وفي منقاره امثال الحمص، فلما غشيت القوم ارسلت عليهم ما معها من الحجارة، فلم تصب الحجارة الا السودان، كانت تصيب الاسوديين الابيضين والاسودين بينهما الابيض. قال عبيد بن شريه: اخبرني رجل: اصيب اسودان وانا بينهما، فنظرت اليهما تقع الحجر على اليافوخ فتمر في جوفه إلى الدابة فتنفذ إلى الارض، فلا يرى شيئا - وجعلوا يبتدرون الطريق يسألون عن نفيل، فأنشأ نفيل يقول عند ذلك شعرا: الا حييت عنا يا رُدَيْنا ... نِعمناكم مع الاصباح عَينا رُدينة لو رأيت ولن تريه ... لذي جَنْبِ المُحَصَّبِ ما رأينا إذا لعذرتني وحمدت امري ... ولم تاسي على ما فات بينا حمدت الله اذ عانيت طيرا ... وخِفتُ حجارة تُلقى علينا وكل القوم يسأل عن نفيل ... كأن علىَّ للأحبوش دينا قال فخرجوا يتساقطون في كل طريق، فأصيب أبرهة أيضا، فخرجوا متوجهين إلى صنعاء، فجعلت تسقط أنامله، كلما سقطت أصبع تبعها دو وقيح، حتى قدموا صنعاء وهو مثل الفرخ، فانصدع قلبه فمات، فمَلَّكت الحبشةُ على الجيش يكسوم بن أبرهة، فلم يلبث أن هلك، فقام مقامه مسروق بن أبرهة. خروج ابن ذي يَزَن إلى كِسْرَى يستنصره إلى اليمن

قال: وكان ابن ذِي يَوَن، سواسمه النعمان بن الحارث بن قَيْس بن مَعْدِي كَرِب بن عبد سيف بن ذي يَزَن. واسمه عامر بن أسلم ابن زيد بن سهل بن عمرو بنقيس بن معاوية بن جُشَم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قَطَن بن عَرِيب بن زُهَيِر بن أيْمن بن الهَمَيَسُع بن حِمْيَر بن سبأ. ومن قبل ذلك بسنين خَرَج حتى قدم على قَيْصَر الروم يستمده على الحبشة، فَمَطَلَهُ قَيْصَر ثلاث سنين، ومال إلى النصرانية، فلما عرف ابن ذي يزن ذلك خرج من عنده حتى قدم على النعمان بن المنذر اللخمي، وكان النعمان يأتي كِسْرى في كُلِّ خمس سنين كَرَّةً فركب معه النعمان حتى دَخَلا على كِسْرى في إيوانه، وتاجه معلق فيه كالقنديل العظيم، مضروب فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ. فيعلق في سلسلة من الذهب في رأس إيوانه لأنه كانت عنقه لا تحمل تاجه، إنما تستر بالثياب حتى يجلس مجلسه، ثم يدخل رأسه في تاجه وتكشف الثياب عنه. فلما دخل ابن ذي يَزَنَ من باب الإيوان طأطأ رأسه، فلما سار كسرى كَلَّمه وشَكَا إليه ما هُمُ فيه من الحبشة، وسأله أن يبعث معه جُنْداً لمحاربتهم. قال له كسرى: بَعُدَت بلادك عنا. فقال له ابن ذي يَزَن إنما أريد من الرجال سُمْعَةً بقدر ما يذهب به الصوت فإني لو قَدْ صِرْتُ إلى بلدي لصار إليّ، من الخيل والرجال ما شئتُ فقال له كسرى: أُنْظُرُ في حاجتك. ثم دعا بطعامه وحبس ابن ذي يَزَن يأكُل معه: فوضع كسرى بين يديه بَطَّةٌ ثم قال لرجل من أساورته: خذها فمد يده ليأخذها فضربه ابن ذي يَزَن بالسكين فقطع أصبع الفاريس، وكان ابن ذي يزن حين دخل إلى كسرى فكَلَّمَه سَقْطَت مِخْصَرَتُه من يده، فقطع كلام كِسْرَى حتى أخذ المِخْصَرَة، ثم تكلم. فقال له كسرى: قد فعلت منذ دخلتَ عَلَيَ ثَّلاث خلال ما رأيتُ أعجبَ منهن. قال: وما هنَّ؟ قال: دخلت وأنت رجل قصير وإيواني ذاهب في السماء وطأطأت رأسك ثم دخلت باب الإيوان ثم كلمتني فسَقَطَت مِخْصَرَتُك من يدك فقطعت كلامي حتى أخذتها، وما فعل هذا أحد قط، ثم جلست على طعامي فمدّ رجلّ من أساورتي يده ليأخذ شيئاً مما بين يديك فقطعت أصبعه بسكينك، ما رأيت مثلك! قال ابن ذي يزن: أما قولك طأطأت رأسي فإن همتي أعظم من ايوانك، وأما قطعي كلامك حتى أخذت مخصرتي فإن كلامي بها وما كنت لأتكلم وليس معي مخصرة. وأما قطعي ليد رَجُلٍ من أساورتك فإني ما خرجت من اليمن إلا مخافة أن أُضَام، فكيف أُقَرُّ على الضيم رأي العين. فعجب كسرى من قوله، ثم شاور أصحابه، فقالوا: ما ينبغي أن تنجد هذا الرجل بخيل، وبلده بعيده، وليس لك من الرأي إلا أن تُخْرِج مَنْ في سجونك من الفُرْس وتعطيهم السلاحَ، وتقويهم بالخيل والآلة، ثم وَجِّه بهم مع هذا الرجل، فإن فتحوا فتحا كان ما أردت، وإن قتلوا كان قتل قوم كنت تخافهم على مملكتك. فأخرج كسرى جميع من كان في حبسه من الفُرْس مِمَّن كان يخافهم على مملكته - وكانوا ثمانمائة رجل - وأعد لهم السلاح والآلة، وحملهم على الخيل. ثم قال لابن ذي يَزَن ليس عندي ما أنجدك به غير هؤلاء، فوجه بهم عنده، وولى عليهم ابن عمِّ له كان قد تشغّب عليه يقال له خرزاد بن موسى، من نسل يَهْرَام جُور، وكان رجلا حازما وهو من الأساورة المتقدمين، وقد أتت عليه مائة وعشرون سنة. وسقط حاجباه على عينه. فحملهم في ثمان سفائن، فخرج بهم ابن ذي يزن في البحر فغرق منهم مركبان فيهم مائتا رجل، ونجا منهم ستمائة، وساروا حتى أرست مراكبهم بساحل عَدَن، فلما خرجوا إلى عَدَن كتب ابن ذي يزن إلى اليمن يخبرهم بقدومه ويستنجدهم، وكان أوَل من أمده السكاسك من كندة في جمع عظيم، ونزلت إليه حِمْيَر وهَمْدان من جبالها، فصاروا في أربعين ألفا من اليمن، وصارت الفرس فيهم كالشامة لا يعاونوهم إلا بالاسم. فلما رأي خرزاد بن موسى كثَرَةَ مَنْ صَارَ مع ابن ذي يزن أو حشه ذلك، فقال له: بم تأمرني فإني لا أظن بك إليَّ حاجة؟ قال: بل أنت معي حتى نظفر جميعا أو نموت فسُرَ بمقالته.

ذكر خروج عبد المطلب بن هاشم في وفد قريش لتهنئة ابن ذي يزن بالملك حين

وسمع مسوق ابن أبرهة ملك الحبشة بابن ذي يزن وما اجتمع إليه من الناس فَجَمَعَ أصحابه. وسار بهم ليقاتل حتى التقوا، فاقتتلوا قتالا شديدا، وعمد خُرْزَاد إلى ابن له فَوَلاَّه فرسان أصحابه، وقدَّمَه فصار في موضع لم يمكنه الخروج منه فقتَل وجميع أصحابه، واصطكت الناسُ حتى حَمَيَت الشمس، وكان مسروق على الفيل، واشتد القتال، وكان عليه تاجٌ بين عينيه ياقوته حمراء، فلما حِمَيت الحربُ قال لهم خرزاد بن موسى: ويقال إن اسم خُرْزاد وهرز. فقال: يا معاشر اليمن على أي الدَّوَاب مَلِكُهُمُ؟ فقالوا على الفيل، فقاتلهم ساعة، ثم قالوا: قد تحوّل إلى الفرس، فقاتلهم ساعة، ثم قالوا: قد تحول إلى البغل، فقال ابنُ الحمار: ذَلَّ وذَلَّ مُلْكُه اسمتوا إلى سمته. فلما استقر بَصَرُه عليه وقَد رَبَط حاجِبَه بجريرةٍ فأخذ قوسه وكان لا يوترها غيره، ثم نزع فيها بسهم، ورمى مسروقا بسهم، فأصابه السهمُ على الياقوته التي بين عينيه، فتغلغل السهمُ في رأسه حتى خرج من قفاه، وخَر ضريعا، وحمل أهلُ اليمن على أهل الحبشة فانكشفوا، وقتلوا تحت كل حجر ومدر وشجر، فلم يُجْمَع منهم إلا الشريد، وملك ابن ذي يزن اليمنَ، ودخل صنعاء، ونزل غمدان - وهو بيت مملكتهم - وله حديث طويل اختصرناه، ووفدت إليه الوفود، وامتدحته الشعراء، وفيه يقول أمية بن أبي الصلت الثقفي ويذكر صنيعه وبلاءه: - لله دَرُّهُمُ منْ عُصْبةٍ خرجوا ... مَا إنْ أرى لَهُمْ في الناس أمثالا بيضُ الوجوهِ كرامٌ من ذوي يمن ... أسْدُ ترشح في الغْيضَاتِ أشْبَالا لا يرمضون إذا طال الوقوف بهم ... ولا ترى لهم في الطعن مَيَّالا لا يتكلمون إذا نادت طلائعهم ... إلا اركبوا فلقد نبهت أبطالا كيد الأنيس ورمى الجن عن شرر ... وهصر أسد إذا أنكلن إنكالا لم يطلب الثأر ابن ذي يزن ... خيم في البحر يبغي العز أحوالا أتى هرقلا وقد شالت نعامته ... فلم يجد عنده نجح الذي سالا ثم انتحى نحو كسرى بعد ثالثة ... من السنين لقد أيغلت إيغالا حتى أتي ببني الأحرار يقدمهم ... تخالهم فوق متن الخيل أجبالا صب الأسود على سود الكلاب فقد ... أضحى شريدهم في الناس اسلالا فاشربْ هَنيئاً عَليك التّاجُ مرتفعا ... في رأس غَمْدان قصرا منك مِحْلالا قصر منيف بناه الفيل ذُويزن ... فهل ترى أحدا نال الذي نالا واشرب هنيئا فقد سالت نعامتهم ... وأسْبِل اليوم في بُرديك إسبالا تلك المكارم لا قَعْبَانِ مِن لَبَن ... شيِبَا بماءٍ فعادا بَعْدُ أبوالا وغمدان حصن باليمن على جبل، وهو بناء كان بصنعاء لم يُدْرَك مثله، هدمه عثمان بن عفان في الإسلام، وله رسومٌ باقية إلى اليوم وصنعاء من المدن التي لا يُدْرى مَنْ بناها، وهي باليمن واصطخر بفارس والأبلَّة بالعراق. ذكر خروج عبد المطلب بن هاشم في وفد قريش لتهنئة ابن ذي يزن بالملك حين ظفر بالحبشة وأخبار ابن ذي يزن عبد المطلب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين بشر به قال محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما ظفر ابن ذي يزن بالحبشة، ورجع المُلْكُ إلى حِمْيَر بُشِّرت بذلك جميعُ العرب لرجوع الملك فيها، وهلاك الحبشة، وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، فخرجَت وفودْ العرب وأشرافُها وشعراؤها لتهنئة سيف بن ذي يزن، وتمدحه وتذكر ما كان من بلائه، وطلبه بثأر قومه. فأتاه وفدُ قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس، وعبد الله بن جُدْعان وخويلد بن أسد. في أناس من وجوه قريش من أهل مَكَّة. فأتوه بصنعاء. فإذا هو في رأس قصره غمدان، وهو الذي ذكره أميه بن أبي الصلت الثقفي في مدحه: فاشْرَبْ هنئاً عليك التاج مرتفعا ... في رأس غمدان قصرا منك محالا

في شعر له طويل. فاستأذنوا عليه فأذن لهم، فدخلوا عليه فإذا الملك مضمخ بالعَنْبَرِ، ينطف من وجهه، وينبض المسك من مفرقه، وسيفه بين يديه، وعن يمينه وشماله الملوكُ وأبناءُ الملوك، والمقاول. فدنا عبد المطلب فاستأذنه في الكلام. فقال له سيف بن ذي يزن: إن كنت ممن يتكلم، بين يدي الملك فقد أذنا لك. فقال له عبد المطلب إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا، صعبا منيعا، شامخا باذخا، وأنبتك منبتا علت أرومته، وعزت جرمته، وثبت أصله، س وبسق فرعه، في أكرم معدن وأطيب موطن، وأنت - أبيت اللعن - رأسُ العرب وربيُعها الذي به تخصب، وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يحمل ذكر من أنت سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه، نحن أيها الملك أهل حرم اللهِ وسَدَتَة بيته، أشْخَصَنَا الذي أبهجنا، لكشف الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة. قال الملك وأيهم أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب المطلب ابن هاشم بن عبد مناف. قال له الملك: ابن أختنا؟ قال نعم - وكانت أم عبد المطلب من اليمن من الخزرج من بني عَدِيْ بن النجار من أهل المدينة - فعند ذلك قال له الملك: أدْنُ فأَدْنى، ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحبا وأهلا، وناقَةً ورَحْلا، ومناخا سهلا، وملكا رِبْحلاً، يعطي عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، وأنتم أهل الليل وأهل النهار، لكم الكرامة ما أقمتم، والحياء إذا ظعنتم. ثم قال: انهضوا إلى دار الضيافة والوفود. فأقاموا شهرا لا يَصِلون إليه، ولا يؤذن لهم في الأنصراف. قال: وأُجْرِيَت عليهم الأنزال والمائد، ثم انتبه لهم انتباهةً فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه، وأخلى مجلسه وأدناه، وخلا به، ثم قال: يا عبد المطلب، إني مفض إليك من سِرِّ علمي أمرا، لو غيرك يكون لم أبح له، ولكني وجدتك معدنه فأطلعتك عليه، فيكن عندك مطلوبا حتى يأذن الله فيه، الله بالغ أمره، إني أجد في الكتاب المكنون والعلْمِ المخزون الذي اختَزَنَّه لأنفسنا واحتجبنا به دون غيرنا خيرا عظيما، وخطبا جسيما، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة، ولك أنت خاصة. قال عبد المطلب: أيها الملك مثلك مَن سَرَّ وبَرّ فما هو فداؤك أهل البر والمدر زمرا بعد زمر؟ قال: إذا ولد بتهامة غلامُ بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الدعامة، إلى يوم القيامة. فقال له عبد المطلب: أبيت اللعن، لقد أبتُ بخير ما آب بمثاه وافد قوم. ولولا هيبةُ الملكِ وإعظامُه وإخلالُه لسألته من سرّه أياي ما أزداد به سرورا. قال ابن ذي يزن: هذا حينه الذي يولد فيه، وُلد، واسمه محمد صلى الله عليه وسلم يموت أبوه وأمه، ويكفله جَدُّه وعمُّه، قد وجدناه مرارا، والله باعثه جِهَارا. وجاعل له منا أنصارا، يُعِزُّ بهم أولياؤه، ويُذْلُ بهم أعداءه، يرمى بهم الناس من عرض، ويستبيح بهم كرايم الأرض، يكسر الأوثان، ويعبد الرحمن ويخمد النيران، وَيدْحَرُ الشيطان، قوله فصلَّ، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله. قال له عبد المطلب: أيها الملك عَزَّ جدك، وعلا كعبك، وطال عمرك، فإن رأى الملك أن يخبرني مَنْ سَارَّني إياه بإفصاح فقد وضح لي بعض الإيضاح. قال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب، والعلامات على النصب، إنك يابن عبد المطلب فَجَدُّهُ غير الكذب. قال: فخر عبد المطلب ساجدا. فقال له: أرفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا كعبك، فهل أحسست بشيء مما ذكرتُ لك، قال عبد المطلب: نعم أيها الملك، كان لي أبنٌ، وكنت به معجبا، وعليه شفيقا، فزوجته كريمةً من كرائم قومي، آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام فسمّضيْتُه محمدا، مات أبوه، وهو يتيم، بين كتفيه شامة، وفيه كل ما ذكرت من علامة. قال ابن ذي يزن: إن الذي قلت كما قلت، فاحتفظ بابنك واحذر عليه من اليهود، فهم أعداؤه، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا. واطو ما ذكرتُ لك دون هؤلاء الرهط الذين معك، فإني لست آمن أن تدخلهم النَّفَاسَةُ من أن تكون له الرياسة، فيبغون له الغوائل، وينصبون له الحبائل، وهم فاعلون وأبناؤهم، ولولا إني أعلم أن الموت مجتاحني قبل مبعثه لسرتُ بخيلي ورَجلي حتى أصير بيثرب دار مُلكه، فإني أجده في الكتاب الناطق والعلم السابق أنّض بيثرب استحكام أمره، وأهل

ملك أبرهة بن الصباح الأصبحي ذي أصبح

نصرهره وموضع قبره، ولولا أني أقية الآفات، وأحذر عليه العاهات. لأوطأت رقاب العرب كعبه، ولأَعْلَيْتُ ذِكْرَه على حداثة سنه، ولكني صارف ذلك إليك، من غير تقصير بمن معك. وموضع قبره، ولولا أني أقية الآفات، وأحذر عليه العاهات. لأوطأت رقاب العرب كعبه، ولأَعْلَيْتُ ذِكْرَه على حداثة سنه، ولكني صارف ذلك إليك، من غير تقصير بمن معك. ثم أمر لكل واحد منهم بمائة من الإبل، وعشرة أعبد، وعشر إماء، وعشرة أرطال ذهب، وعشرة أرطال فضة، وكرش مملوة عنبرا. وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك، ثم قال لعبد المطلب: إئتيني بخبره، وما يكون من أمره عند رأس الحول فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول وكان عبد المطلب يقول: أيها الناس لا يغط أحدكم بجزيل عطاء الملك لي فإنه إلى نفاد، ولكن ليعطني بما يبقى لي ولعقبي شرف وذكره وفخره، فإذا قيل له: وما وراء ذلك؟ قال: سَيُعْلَم ولو كان بعد حين وفي رواية: ولتعلمن نبأه بعد حين، على ماقال الله عز وجل - وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس شعرا: جلبنا النصح تحقبه المطايا ... على أكوار أجمال ونوق مغلغلة مراتعها تعالى ... إلى صنعاء من فج عميق نؤم بها ابن ذي يزن ونفري ... ذوات بطونه أم الطريق ونرعى من مخايله بروقا ... مواصلة الوميض إلى البروق فلما وافقت صنعاء صارت ... بدار الملك والحسب العريق إلى ملك يُدِرّ لنا العطايا ... بحسن بشاشة الوجه الطليق ملك أبرهة بن الصباح الأصبحي ذي أصبح قال عبيد بن شربه: ثم ملك أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة الحمد بن مَر الخير بن نكيف بن نيف معدي كرب بن مصحاء، وهو عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح بن مالك بن زيد بن الغوث الأصغرين بن سعد بن عدي بن مالك بن زيد سدد بن زرعة بن سبأ الأصغر واسمه كعب - بن زيد بن سهل بن عمرو بن قين بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن وائل بن الغوث بن قَطَن بن عريب بن زهير بن الهَمَسع بن حمير بن سبأ. وكان من أحلم ملك كان باليمن، وإعطائه للمال وأحسنهم رأيا في ولد معد. قال معاوية: ولأي شيء كان ذلك؟ قال: كان عنده علم، وكان يرى في علمه أن الملك صاير إلى بني فهر. وذلك قوله: صبرا بني حمير عن ملككم ... فكل ملك صائر لا يدوم وقولي القول به يهتدي ... فأكرموا فهراً تروا يوم نبيّ رشيد كائن بعدنا ... يدعو إلى الله بخير الدعا واسمه أحمد في زُبُرِنا ... وخاتمُ الرسل إذا ما أنقضى أوصيكم حميرُ بعدي به ... لا يستعن أولاد ماء السما يُؤْوونه فيهم ويحمونه ... من كل من كذبه أو طغا ويبذلون المال في حُبِّه ... ويصدقون الحرب عند اللقا فالأوس والخزرج أنصاره ... ابناء عمرو خير من يجتبى من بعد ما تسمو قريش له ... بالكيد والتكذيب فيما أتى ذلك حق كايِّن بعدنا ... إذا طوانا الدهر وسط الثرى ولم يزل الملك في حمير يتوارثونه إلى أن جاء بالإسلام. وكانت أم أبرهة بن الصباح ريحانة بنت أبرهة الأشرم ملك الحبشة. ومن ولده أبو شمر بن أبرهة. قتل مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه بصفين وأبو رشد بن أبرهة. كان سيد حِمْيَر في زمانه بالشام، والنضر بن يَرِيم بن مَعْدِي كَرِب بن أبرهة، وكان سيد حمير، وأمه بنت معيد بن العباس بن عبد المطلب. فوالله لا أدري وإني لسائل ... أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل فيا ليت شعري هل لذا الدهر أوبة ... فحسبي من الدنيا رجوعك في بجل تذكرنيه الشمسُ عند طلوعها ... ويقرب ذكراه إذا غَرْبُها أفل فإن هبت الأرواح هَيَّجْنَ ذكره ... فيا طول ما حُزْني عليه وما وجل ومنهم امرؤ القيس بن جماح بن عبيدة بن هُبَل بن عبد الله بن كنانة.

ومنهم بنو المدينة - اسم امرأة حضنتهم، نسب إليها ولد عمرو بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد بن اللات بن زفيرة بن ثور ابن كلب بن وبرة. ومنهم الفحل بن عياش بن حسان بن شراحيل بن عميرة أحد بني جابر بن زهير الذي قتل يزيد بن المهلب وقتله يزيد فماتا. ومنهم محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود وابنه أبو المنذر هشام بن محمد - وكانا جميعا من أعلم أهل ومانهما بعلم العرب وأيامها وأنسابها، وكان محمد بن السائب ممن حَضَر الجَمَاجم مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وكانا عالمين بتفسير القرآن وأيام العرب، وقد روى عنه أنه قال حضرتُ مجلس ضِرَارَ بن عُطَارِد من ولد حاجب بن زُوَارة بالكوفة، فينما أنا عنده إذ ريت رجلا في المجلس كأنه جرذ يتمرغ في الحر، فغمزني ضِرَارُ فقال اسأله ممن أنت. فسألته فقال لي: إن كنت ناسبا فانسبني فإني من أشراف بني تميم. فابتدأت النسب، فنسبت تميما حتى بلغتُ غالبا. فقلت: وولد غالب هماما، فاستوى جالسا وقال: والله ما سماني به أبواي إلا ساعة من النهار. فقالت: والله إني أعرف اليوم الذي سَمَّاك فيه أبوك الفرزدق. فقال: وأي يوم: كان ذلك؟ فقلت: حين بعثك في حاجة فخرجت تمشي وعليك منشقة لك - فقال والله لكأنك فرزدق دهقان قرية سمَّاها بالجبل فقال: صدقت والله. ثم قال: أتروى شيئا من شعري؟ قلت: لا، ولكني أروى لجرير مائة قصيدة. فقال لي: أتروى لابن المراغة ولا تروي لي؟ لأهجون كلباً سنة أو تروي لي كما رويت لجرير. فجعلت أختلف أقرأ عليه النقائض خوفا منه. ومالي في شيء منها حاجة. ومنهم أبو ثور صاحب أبي جُهَيْنَة - واسمه إبراهيم بن خالد. ومنهم بنو رِقَاشْ، وهم مالك وربيعة وثعلبةُ بنو عامر بن عوف، منهم حميد بن أسلم صاحب المرة مرة كلب. ومن شعرائهم حسان بن الطوامة. ومنهم بنو زيد مناة بن عامر. ومنهم الخزرج رهط دِحْيَة ابن خليفة بن فروة بن فصالة بن امرئ القيس بن الخزرج - وهو زيد مناة بن عامر بن بكر، ومنهم بنو شحمه بنت كلب بن عمرو بن عَدِيّ إمرأةٌ من الأزد، غلبت على ولد عوف بن عامر، فولد كعب والحارث وحجر بنو عوف بن عامر. وبها يعرفون. ومنهم الأبرش، الكلبي واسمه الوليد بن هاشم. وكان نسَّابةً عالماً بالأخبار وسِيَر الملوك، وكان مصاحبا لهشام بن عبد الملك، فلما أفضت إليه الخلافة سَجَد هشامُ وسَجَد كل من عنده من جلسائه، والأبرش شاهد لم يسجد، فقال له هشام: ما منعك من السجود؟ فقال: ولم أسجد وانت اليوم معي ماشيا وعلى قومي طائرا؟ فقال هشام: فإن طِرْتُ طِرْتُ بك معي قال: اتراك فاعلا؟ قال: نعم والله. قال الأبرش: الآن طاب السجود ومن كلب أم يزيد بن معاوية، واسمها ميسون بنت بحدل بن أنيف بن دجلة بن قيافة بن عَدِيّ بن زهيد بن حارثة بن جَنَاب ابن هُبَل. ومنهم حارثة بن صخر بن مالك بن عبد مناه بن هُبَل بن عبد الله بن كنانه بن بكر بن عوف، عاش مائة وثمانين سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم، وقال في ذلك: من عاش خمسين حَوْلاً قَبْلَها مائِةً ... من السنين وأضحى بعد ينتظر وصار في البيت مثل الحِلْسِ مُطَّرَكاً ... لا يستشار ولا يعطى ولا يذر ملَّ المعاش وملَّ الأقربون له ... طول الحياة وشر العيشة الكبر وأسلم ابنه، ومنهم بنو حُنّ، وفيهم. يقول الشاعر تَجَنَّبْ بني جُنَّ فإن لقاءهم ... كريه وإن لم تَلق إلابِصَابِر ومن ولد عمران شيع الله بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران، ووائلة بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران. س فمن القين حبيش بن دجلة - ولي المدينة لمرقان في حرب عبد الله بن الزبير - وهو الذي كان يأكل على مِنْبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن شعر القين أبو الطيحان القيني، س وأسمه حنظلة بن الشرقي، ومن جيد شعره في ذلك: واني لأرجوا مَلْحَها في بطونكم ... وما بسطت من جلد أشعث أغبر

بطون عمرو بن الحاف

ومن موالي القَيْن بن ثعلب بن حُلْوَان بن عمران. ومنهم خشين واسمه وايل بم تَيّم الله بن النمر بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران. ومنهم تنوخ، واسمه مالك بن فهم بن تيم الله بن النمر بن وبره بن تغلب بن حلوان بن عمران. ومنهم راسب بن جدير بن حرب بن ريان بن تغلب بن حلوان بن عمران، ويقال حزم بن زياد بن حلوان بن عمران بن الحاف. بطون عمرو بن الحاف منهم أسلم بن عمرو بن الحاف، ومنهم إراشة بن عمرو، ويَليّ بن عمرو ومنهم فرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب بن قاران بن بَلَي بن عمرو، ومنهم الهادي بن التَّيَّهان - واسمه مالك - وهو من خيار الصحابة وعداده في الأنصار. وبهر بن عمرو، ومن بهراء المقداد بن الأسود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم، حليم الأسود بن عبد يَغُوث بن مُغِيث بن مناف بن زهرة، واسم أبيه عمرو، ولكن غلب عليه اسم الأسود بن عبد يغوث الزهري. وكان يوم بدر راكبا فرسا. ومن: هُبِيْلة بنت هُبَل بن عمرو بن أبي جُشَم بن كعب عمرو بن لحيون بن بهراء. غلب على اسم ولده حوط بن عامر بن عبدود وزيد بن حوط. ومن بهراء ماوية بنت جشم بن كعب بن عمرو بن لَحْيون بن بهراء غلبت على ولد امرئ القيس كلب. وخولان بن عمرو بن الجاف، ومهرة بن حيدان بن عمرو الحاف. مهرة رشيد ابن سعيد أسلم بن عمرو، وهم بطون بمصر، والحوتك وقتيبة بن أبي بن عمرو ونهد بن زيد بن ليث بن سُود بن أسَلُم بن عمرو، ومن نهد عبد الله عجلان الشاعر، وهو أحد عُشّاق العرب المشهورين صاحب هِنْد. وجُهَيْنَة بن بن ليث بن سُود بن أسْلُم بن عمرو بن الحاف. ومنهم عُقْبَة بن عامر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أسلم بعد قدوم النبي عليه السلام المدينة وكان يكثر الرمي لحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الرَّمي. ومات وترك سبعين قَوْساً بجعابها ونِبالها، وشهد صفين مع معاوية وتحول إلى مصر، وكان يخضب بالحناء وسعد بن زيد زيد بن سُودين أسلم بن عمرو. وسعد بن زيد وهو سعد هُذَيم، وكان هُذَيم عبدا حَبَشِيَّاً حَضَن سعْداً فنُسِب إليه، ووايل بن سعد بن عمرو. فمن أشراف عُذْرة رِزَاح أجلى نهد بن زيد وحَوْتَكة بن أسلُمْ، وهما كانا أكثر من بطون قضاعة وأنماها واجتماعها ببلادها فقال قُصْي بن كلاب - وكان تحت قضاعة لما بينه وبين رِزَاح من الرحم. ولبلائهم عنده - أعنى عند قُصْي - حين أجابوه إلى نصره على كنانة حين دعاهم، فكر ما صنع بهم، فقال قصي يعاتبه: ألا مَن مبلغ عني رِزَاحاً ... كما فَرّقت بينهم وبيني وجَوْتَكة بن أسلمُ إن قوما ... عنوهم بالمساءة قد عنوني ورَزاح بن ربيعة العُذْري هو الذي أخرج رِفَاعة بن عُذْرة من جملة بلاد بني عذرة فألحقهم بيني يَشْكُر، وهو رهط عبد أسْلَم الخارجي، وألحق قبائل عَامِلَه بالحجاز، حتى سكن بعضُهم جزائر البحر، وأخرج طائفة منهم إلى مصر. وهو الذي رَدّض حِجَابَة البيت إلى قُصْي بن كِلاب. ومن عذره النَّجَّار بن أوس الخطيب، وسمى النَّخَّار لأنه كان إذا حمى أكْرَهَ وأنكَرَ مَكَنَه وازدراهُ في مجلسه. فلما علم ذلك منه النَّخَّار قال لمعاوية: ليست العباءة تكلمك ولكن يكلمك من فيها، فاستنطقه فملأ سَمْعَهُ وأصابه كما أحَبَ، وعظَّمَ حاله، ثم نهض ولم يسأله، فقال معاوية: ما رأيت رجلا أحقر ولا أجل قدراً منه وأنشأ النَّخَّار يقول: فإن تك أثوابي تخرقن للبلى ... فإني كَنَصْلِ السيّف في خَلَقِ الغِمِد فأرسل إليه معاويةُ بالخِلَع والجوائز، وألزمه مجالسته، حتى إنه كان لا يفارقه. وكان النخار أحد نُسَّاب العرب وعلمائها.

ومن عذرة زياد بن زيد الشاعر. ومن عذرة هُدْبَة بن خَشْرَم بن كُرز بن أبي حيّة الكاهن، وهو أول من أفتدى في الإسلام، ومن عُذْرة جميل ابن عبد الله بن مَعْمَر بن قمية بن الحارث بن ظَيبان بن جرير بن ربيعة بن خزام بن ضَبْة بن عبد الله بن كثير بن عذرة بن سعد هدبة، العاشق لبُثَيْنَة ابنة عمْه، وهي بثينة بنت منار بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن الحارث بن منار بن الحرث بن لاحب بن جرير بن ربيعة، ومنهم عُرْوَة بن حِزام صاحب عفراء، وقد مات من شِدة عِشْقِه، وهي قبيلة كثيرة العُشَّاق صادقين المحبة، مات منهم بالعشق جماعة. وقد ذكروا أن رجلا من عُذْرة وَقَفَ بباب سُكَيْنَة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، فاستسقى بعض خدمها ماءً، فقالت سكينة لخادمها: إذا سَقَيْتَه فاسإلية عن قبيلته. فسألته عن ذلك فقال: أنا من قوم إذا عَشِقوا ماتوا. فلما أخبرت سُكَيْنَة بذلك قالت: هو إذا من بني عُذرَة. ومنهم ثَمّ من بطون عمرو بن الجاف سلامان بن سعد بن زيد بن سود ابن اسلم بن عمرو. ومنهم جلهمة بن عمرو بن زيد بن سود بن اسلم بن عمرو. ومن قبائل نهد بن زيد بن سود بن اسلم بن عمروز مالك وسود وصباح وحزينة. وحنظلة وعامر ومعرق وطول وجمل وربيعة وغنم. ومن بطون قضاعة غشم ووديعة والحادين ومنهم بنو الذئب والنمر والدب والثعلب وفهد وراسية وضبيع بنو وبرة بن ثعلب بن خولان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، والبريد والدحيد وعبد مناة ومصاده وراسية وفويد. ومنهم بنو ضنة بن سعد بن هذيم بن زيد ورفيد وهذيم بن ليث بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير. ومن غير هذا الكتاب نسب مهرة بن حيدان - يقال: مهرة ومهري مثل كندة وكندي - قال ولد جيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير مهرة وعمران فولد عمرو مجيدا وعريدا وعربيا ويزيد والنعمان والضيغر واللحاد وجنادة. قال: ودعوة هذ القبائل غير مهرة بآل حيدان. وولد مهرة بن حيدان عمرو اصطمري بن مهرة، فولدا اصطمري ثلاثة نفر، الآمري وبادغم والديل، فولد الآمري القمر - مثل قمر السماء - والقراء والمصلاء والسكاء. فمن قبائل القمر بنو ريام، وبلدهم قرية يقال لها رضاع على ساحل بحر عمان، ولهم جبل حصين بناحية عمان يمتنعون فيه، يعرف بجبل بني ريام. ومن القمر بنو حتريت وبنو بيرج. ومن قبائل الدِّيل حسريت، والسموح ويختن ابي حسريت بن الدِّيل بن اصطمري بن مِهْرة. فولد يختن كرشان والثعين. فمن الثعين بنو تبلة بن شماسة رهط أبي ثور صاحب الأشعار، وهو عمرو بن محمد بن كنانة بن جبل بن تبلة، يقال لهم بنو قضف. ومن قضف بنو وتار - بكسر الواو - وهم الوِتارِيُّون. فأما وَتار بفتح الواو - ففي ولد الهَمَيْسَع بن حِمْيَر. ومن قبائل بادعْم بن اصطمري بن مهرة العفار، والهنسم، والعيدي، وإليهم نَسَبْ الإبل العيدية، والعتب والثغر والقرحاء وهم أفصح مِهْرة. فهذه قبائل مِهْرة. وقال بعض أهل النسب: ولد مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة أربعة، الآمري والذيل وبادغم ونيدع - بطن - فولد الآمري اصطمري ومهرهي، فولد اصطمري القمر وبيرج، فولد بيرج القراء بطن - وبني ريام - بعمان - وولد المهرهي الهداد والمسكاء، والمصلاء. فمن بني الهداد بنو لإسماعيل ابن علي بن إسماعيل بن الحسين بن محمد بن عيسى بن محمد بن المشير بن ملدج بن عمرو بن بلد بن وعاث بن العادي بن الهداد ابن مِهرهي بن الآمري بن مِهْرَة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وهم بسمائل. فولد المصلا الموافر وغيرهم، وولد الديل الوحد والعثب بنو دهن وبنو ناعب، وهم بعمان. وولد بادغم العيدي والحسريت الذين إليهم نسبت الإبل العيدية. فولد حسريت السوحم ويختن. فولد يختن الثعين والكرشان والثعران. فمن ولد الثعين آل تبلة، وهم سادة مِهْرة، رهط أبي ثور صاحب الأشعار. وهو عمرو بن محمد بن كنانة بن جبل بن تبلة، يقال لهم بنو قضب.. ومن قضف بنو وتار بكسر الواو وهم الوتاريون. فأما وَتَّار بفتح الواو ففي وتر الهَمَيِسَع بن حمير، وهو تبلة بن شماسة بن عثيران بن شمام بن عجل بن وتار بن عجل بن ثعين ابن حسريت بن بادغم بن مهرة بن حيدان.

نسب بني مجيد بن عمرو بن حيدان

ويزعم بعضهم أن يختن من بني عمرو بن مُرّة بن حمير، دخل في حمير. ويقال بعض الحضارم: من بادغم بنو جديل وبنو نخ، قال بحضرموت، فيقال في باد دغيمي مصغرا. وبحضرموت من هذه القبائل الهَيْسَم، والضيغر، وليس من بالساحل أحدُ والباقي ها هنا والكرشان بن يختن بن حسريت بنون من حضرموت مع بني قضاعة، وإليهم نسبت ربذة الضيغر. بحضرموت. وبقلعة ربسوت جميع القبائل ما خلا مِهْرَةٌ، ولكنهم يَتَزَّوَجون إلى مِهْرَة، وكان ساكنها البياسب وهي في المنتصف ما بين عَدَن وعُمَان، منها إلى كل واحد منهما ثلاثمائة فربما بزعمهم، وأنا أستكثر هذا، إلا أن يكون بِجَوْرِ البحر عن القصد. قال وبجير سُقُطْرَى من جميع القبائل من مِهْرَة، وهي جزيرة طولها ثلاثمائة فرسخ، وبها الطريق السُّقطري، وبها نخل كثير، ويسقط إليها العنبر، وبها دم الأخوين، فإذا لِمِهْرِيّ يا سُقُطْرِيّ غضب، وإنما السُّقُطْري الروم الذين كانوا بها من أولاد الروم فدخلوا في نسب القمر بن مِهْرَة، وهم معروفون. قال ولها عشرة الآف مقاتل كانوا نصارى وذلك أنهم يذكرون أن قوما من بلد الروم طرحهم كسرى فيها فعمرو حتى عبرت إليهم مِهْرَة فغَلَبَتْ عليهم وعلى الجزيرة. قال وقد يقولون إنه لم يكن روم ولكن رهابنة على دين الروم من النصرانية، ثم دخلتها الشراة من مِهْرِة وحضرموت وعمان فقتلوا من بها. ومن مِهْرَةٌ ثُمّ من بني ريام بن القمري بن الآمري بن مِهْرَة بن جيدان، كان منهم منير بن النّير الرّيامي، وهو أحد العلماء الأربعة الذين حملوا العلم من البصرة إلى عُمَان، وهو منير بن النير بن عبد الملك ابن سار بن وهب بن عبيد بن صلت بن يحيى بن مالك بن حضرمي ابن ريام. نسب بني مجيد بن عمرو بن حيدان فولد مجيد بن حيدان يحيى وحيا وحياً وعيدلا والأرفاع ووداعة وبنو مسبح - بطون كلها - وآل أبي الغارات ساداتهم وملوكهم من آل يحيى. انقضت قَضَاعة. تباعة حمير وإنما سموا التبابعة لأن ملك اليمن كان لملكين، ملك بأرض حضرموت، وملك بأرض سبأ. فمن ملكها جميعا سمى تُبَّعاً لاتِّبَاع أهل البلدين إياه. وأول من ملك البلدين وسُمِّيَ تُبَّعاً الحارث وهو الرائش، ويقال له ملك الأملاك، واسمه الحارث بن سدد - ويقال - شددبن الملطاط بن عمرو بن ذي أنس بن الضرار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن عمرو بن قَطَن بن عمرو بن الهَمَيْسَع بن حِمْيَر بن سبأ بن يشْجُب بن يَعْرُب بن قحطان. ومنهم زيد بن كهلان بن عياد بن عبد شمس بن وائل بن حمير قال الحسن بن أحمد الهمداني: ذو القرنين، المتعارفون بهذا الاسم ربعة: قال: أولهم باني سد يأجوج ومأجوج، وهو الصعب بن مالك بن الحارث بن الجبار بن مالك بن زيد بن كهلان وأهل السجل يقولون: هو الهميسع بن عريب بن زيد بن كهلان، وهذه درجة متقدمة لعصره. وابن شربة، وأهل الخبرة يقولون: اسمه زيد بن مالك بن زيد بن كهلان. روايتهم أنه لقي إبراهيم عليه السلام، وأنه صاهر إليه حيدان بن قطن وقيس بن الهبوب بن الأزد، يَدْحَضْ هذه الدرجة من النسب، ويوجب أنزل منها، ويؤيد الرواية الأولى أنه من ولد مالك بن زيد بن كهلان. والثاني الإسكندر بن بيلوش، ويقال بيطيوش، وهو فيلفوس ملك مصر، وهو من اليونانيين وهو الذي بنى الإسكندرية، ويقال إنه من ولد هرمس ملك مصرالمنجم صاحب الأحكام، وهو الإسكندر بن بيلوش بن مصر بن هرمس ابن هردس بن ميطون بن رومي بن ليطن بن يونان بن يافث بن نوح. ويقال: بل هو الإسكندر بن بيلوش بن يونة بن شرحون بن رومية بن يربط بن نوفل بن رومي بن الأصفر وهو الرقم بن العيص ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وكان ملكه - الذي بلغ فيه أقصى المغرب وأرض المشرق - خمس عشرة سنة، وكان عمره ستة وثلاثين سنة، وكان مؤدبه أرسطا طاليس الحكيم. والثالث المنذر بن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة، وهو جد النعمان بن المنذر ابن النعمان بن المنذر بن ماء السماء اللخمي.

ومن تبابعة حمير

والرابع الذي أتى فيه الخبر عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس خاصة، وسئلا عن ذي القرنين السَّيَّاح فقالا: هو الصعب بن عبد الله بن مالك بن شدد ابن زرعة، وهو حمير الأصغر، وهو زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهَمَيْسَع بن سبأ بن حمير، فإن صح هذا الخبر عن ابن عباس وعلى فأنه الذي ملك بعد تُبَّع الأكبر الأسعد المدة التي نُسَبت إلى ذي منار وهي خمس وخمسون سنة، وإن لم يصح فإن الذي ملك بعد تُبَع الأكبر ذو منار. وسئل علي بن أبي طالب عن الذين اجتمع لهم ملك الأرض فقال: الذي ملك الأرض كلها أربعة، مؤمنان وكافران، فامؤمنان سليمان بن داوود وذو القرنين، واسمه الصعب بن عبد الله ابن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر. والكافران، نمرود وتُبْع لعله يريد تبع الأكبر. وقال بعض من يدعى همدان من حمير هو همدان ابن سلة بن تُبْع الأقرن بن ذي القرنين. وكان من هؤلاء من يقولون إنه شمر يرعش. وقال أبو نصر يصحح في أن ذا القرنين بن همدان الأصغر بن زياد بن حسان بن ذي الشعبين. وقد سمعت بعد هذا الصحيح الذي ذكرناه في ذي القرنين أحاديث مختلفة وأخبارا متناقضة، من ذلك أن بعض حمير ذكر أن الإسكندر اليوناني بني المصانع، وهو جد الصَّعْب ذي القرنين أب أمه، والصعب بن خالة الخضر، وهو أرميا، وإنما دخل على هؤلاء الشّك في الخضر وظنوه أرميا، ورأوه في عصر الإسكندر أقرب فصّيَّرُوا ذا القرنين في هذا العصر، إنما هو الخضر، واسمه إيليا بن ملكان بن فالج بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ. ومن تبابعة حمير أسعد تبان - وتبان هو الثور بلغة حمير - ومنهم كليكرب، وكلكي بلغة حمير: وجه، وكرب: فلاح، كأنه وجه فلاح. ومنهم حسان بن تُبَّع، وهو ذو معاهن، وقد مرّ تفسير حسان، ومعاهد: مُفَعِل من العَهِدْ هو والزَّنا بِعْيِنه، أو يكون موضعا. ومنهم ذو صبح، واسمه الحارث بن مالك بن زيد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل ابن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وايا بن الغوث بن فَطَن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهَمَيْسع بن حمير ابن سبأ وإليه ينسب السياط الأصبحية. ومنهم الفقيه مالك بن أنس بن أبي عانر الفقية، وعداده في بني تميم بن مُرَة بن قريش. وكان الربيع بن مالك عم مالك يروي الحديث. وأبوه أنس بن أبي عامر يروي عن عُمر بن الخطاب وعثمان وطلحة، واسمه مرثد بن عَلْس الذي استمده امرؤ القيس بن حجر الكندي على بني أسد. ومنهم ذو قيفان الذي قتله عمروُ بن مَعْدِي كَرِب، واسم ذي قيفان شراحيل، ويقال علقمة بن شراحيل بن علس - وهو ذو جَدَن - بن الحارث بن زيد بن الغوث الأصغر. ومن التبابعة ذو قَيْفَان الذي قتله عمرو بن معدي كرب الزبيدي واسمه شراحيل. ومنهم ذو جدن واسمه علقمة. الملوك من حمير ومنهم ذو كلاع، واسمه حِمْيَر الأصغر، وهو ذو قايش. ومنهم ذو يَزَن، واسمه عامر، وابنه سيف بن ذي يزن ابن شريك بن ياليل بن الشمراخ بن صردف بن مالك بن ذي أصبح ابن علي بن شهاب بن عامر بن زيد بن زُرعة بن حمير الأصغر، وهو أوّل من عمل سنانا من حديد، وكانت قبله من صياصي البقر، فسميت اليَزْنيّة، وفي ذلك يقول الشاعر: يُهز هِزُ صَعدةً جرداء فيها ... نقيعُ السُّمْ أو قَرنٌ مِحَيقُ ومن ولد سيف بن ذي يزن عُفَير بن زُرعة بن غُفير بن الحارث بن النعمان بن قيس بن عبد سيف، وكان سيد حمير أيام عبد الملك بن مروان بالشام. ومنهم ذو هلاهلة، وأسمه شرحبيل بن عمرو. ومنهم ذو رُعَين، واسمه يَرِيم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس. بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل. ومنهم ذو جدد واسمه علس الشاعر بن المعمر بن الحارث بن زيد بن العوث بن سعد. ومنهم سبأ الأصغر الذي ينسب إليه، واسمه سماعة بن كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن غَريب بن زُهير بن أيمن بن الهَمَيْسع بن حمير بن سبأ الأكبر. ومن ولدانهم قيس الذي وجَّهَهُ دُرَيْد غَسَّان إلى حرب الضجاعم بالشام، وهم كانوا ملوكا قبل غَسْان. ومنهم حمير الأصغر، وإليه ينسب، وهو ذو كلاع بن قَطن بن عَريب ابن هير.

ومن بطون حمير بنو شِهَال، واشتقاق شِهَال من أشياء، إما من قولهم: عين شهلاءُ والشَّهَل: دُونه الزُّرقة، أو من قولهم: امرأة كَهْلَةٌ شَهْلَة. كأنَه إتباعٌ أو وهي الحاجة من الشهلاء كما قال الراجز رجزا. لم أقض حتَّى ارتحْلَتْ شَهلاتي ... من الكَعَاب الرُّودة الغَيداء ومنهم ذو نواس قاتل خثيعة، ولم يمنعنا عن استقصاء ملوك اليمن من حمير إلا أنّضا نَظَمْناهم ملكا ملكا من لدن قحطان إلى سيف بن ذي يزن في موضع تأريخ ملوك الدنيا، ما ستراه في موضعه إن شاء الله. وكان الملك في اليمن مِنْ قَبْلُ في الأزد من ولد كهلان وحمير. وأما مُلْك العراق فكان نصفين بين الأزد ولَخْم، وكانت الأزد تسكن الحِيَرة، وكانوا يغشون ملوك البلد، وكانوا مَرَّة يستعملون من هؤلاء ومَرة من هؤلاء، فإذا اضطرب جبل الأعاجم قاتلت إحدى القبيلتين الأخرى على الملك، فأيتهما غلبت ملكت حتى صَنعا مُلْك العراق واجتمعوا على جَذِيمة الأبرش، وهو الوَّضاح الأزدي صاحب الزَّبَّا، وهو أول عربي ملك العراق. حتى كان آخرهم إياس بن قُبَيْصة الطائي. وأما ملك الشام فكان لسليخ حتى نزلت عليهم غَسّان فَتَغَّلبوا على سليج، وملكتها غسان، وبقي فيهم نحو ثلاثين ملكا حتى جاء الله بالإسلام، وكان آخر من مَلَكَهُم جَبَلَة بن الأيْةَ، أتينا بأسمائهم في التأريخ، تاريخ ملوك غسان. ومن ولد ذي رُعَين أم المهدي، واسمها أم مُوسَى بنت منصور بن عبد الله بن شهر بن يزيد بن مُثَوب بن الحارث بن شَمَر ذو الجناح بن لهيعة بن يَعْفر بن نيكف بن فهدي بن ذي غشيم ابن أعرب بن نيكف بن عبدان بن يريم ذي رُعَين بن زيد بن سَهُل بن عمرو بن قَيْس بن معاوية جُشَم بن عبد شمس ابن وائل بن الغوث بن قَطَن بن عَرِيب بن زُهَير بن أيمن بن الهَمَيْسع ابن سبأ بن حمير، ومنهم كعب الأحبار وهو كعب بن مانع، ومنهم أبو حميد السمرقندي، واسمه محمد بن إبراهيم - وكان - أحد قواد أبي سلمة الحلال، وهو أول من بايّع السَّفاح خيفة من أبي سلمة. ومن مواليهم عبد الرزاق بن همام بن نافع، المحدث صاحب التفسير. ومن شعرائهم العترف الحميري، واسمه النعمان بن يعفر من ولد شرحبيل بن عمرو بن ذي أنس، وكان ذو أنس على مقدمة الرائيش الحميري حين سار إلى الهند. وقيل نعمان المعترف لغواة شِعرِه واقتداره عليه. ومنهم يحيى بن نوفل الجميري، وكان كثير الهجاء قَلّ ما يمدح أحدا، وهو القائل في ابن بُردة بن أبي موسى الأشعري: فلو كنت مُمتَدِحا لنوال ... فتى لا متدحت عليه بِلالا في قصيدة له طويلة. ومنهم يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ الشاعر، وانما سمى مُفرغا لأنه قل ما يَشرَب من إناء إلا فَرّغه، ومن ولده السيد الحميري، ومن جيد شعر يزيد بن مفرغ في زياد ابن ابيه قوله شعرا: إن زيادا أو نافعا وأبا بكر ... عندي من أعجب العجب إن ثلاثة خلقوا من ... بطن أنثى مخالفوا النسب ذا قرشى كما تقول وذا ... مولى وهذا عمه عربي ومن رجال حمير ناب بن أبي الحرة الذي قَتَل شهرك قائد يزدجرد، وكان ناب من أصحاب عثمان بن أبي العاص الثقفي يوم لقى الفرس، وهو صاحب زقاق ناب الذي بالبصرة، وهو الزقاق الذي من آخر دار صحارب بن سلم بن زياد إلى دار الشعراني في الكبرى في الصدر. وذكر أبو عبيدة: أن يزدجرد بعث شهرك ومعه قيل من ثلاثين ألأفا من الأسارة، فلقيهم عثمان بن أبي العاصى فيمن عَبَر معه من عُمان والبحرين، وهم في ثلاثة الآف، فركب نابُ جَمَلا وقال: أنا صاحب قيل العرب، وكان وصل بن محين - فطعن شهرك فصرعه، وانهزم العسكر، فنفله عثمان منطعة شهرك، وكان طولها ثلاثة عشر شبرا مرصعة بالجوهر، باعها بالبصرة بثلاثين ألف دينار. وفي ناب وشهرك يقول الشاعر: نابُ من ذى الحرة أردى شهركا ... والخيل تجتاب العَجاجَ الأرمكا ومنهم أبو شمر بن أبرهة بن الصباح، قتل مع علي بن أبي طالب يوم صفين. ومن قبائل حمير اليان والأملوك وجرش، واشتقاق جرش فهو فُعل من قولهم: جَرَشتُ الشيء أجرشُه إذا نَحَتُّه وبه سُمى الرجل جُراشة، وأجرشه أكثر والصدق. واسمه مالك، وردمان ومقرِى، والأحموش، ووحاظة.

أنساب حمير

وهم رهط ذى الكَلَاع الذي قُتل مع معاوية بصفين. واسمه سُميفع بن ناكور بن عمرو بن يَعْفُر بن يزيد، وهو ذو الكَلاَع الأكبر الوحاظي. ومَيْدَع، والأكُلْوم، والأوزاع، منهم الأوزاعي، شَعْبان بن عمرو بن قيس، واسمه حسان ذو الشّعبين، وهم الشَّعْبِيُّون، ومنهم علي بن شعبان، وهم رهط عامر بن شراحيل ابن عبد الشَّعْبِي، وعِدَادُه في همدان، فكل من سكن منهم اليمن والشام فهو حميري، ومن كان بالكوفة فهو هَمْدَاني، وكذلك هذان الحيان إذا قلت حِمْيَري في بلاد دخلوا في هَمْدَان، فإن قلت همدان في البلاد دخلوا في البلاد دخلوا في حمير. ويقال إنهم نُسِبُوا إلى جَبَل بالينت نَزَله حسّان ابن عمرو والحميّري هو وولده، ودفن فيه، فمن كانت منهم بالكوفة قيل لهم شَعْبَيَّون، ومن كان منهم بمصر والمغرب قيل لهم الأشعوب، ومن كان منهم بالشام قيل لهم الشَّعْبَانُّيِون، ومن كان منهم باليمن قيل لهم آل ذي شَعْبين، وكان عامر الشَّعْبي أحد علماء العراق المشهور ذكرهم، ومن ولد عامر الشّعبي أبو سعيد الجندي المحدث، واسمه المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن سعيد بن عامر الشعبي. ومنهم شَرَعَبَ، وإليه تنسب الرماح الشَرْعَبية ومنهم حلوان، والقضاعة، وحيلان، والسميفع وحمزة، وذلان، وحصور - منهم شُعَيْب النبيّ صلى الله عليه وسلم - والنمر، والسحول - وإليهم تنسب الثياب السحولية - وهم في همدان. وولد مالك بن حمير أيضا زهران، وكانت لهم اليمامة فيما يذكر بعض الرواة بالانساب - وولد العمودَ بَن مالك، والأخطون بنَ مالك وعدادها في حَضَرَمْوت عامر بن حمير. فولد عامر بن حمير دهمان، فولد دهمان يحصب كلها. سعد بن حمير. وولد سعد بن حمير واسمه ربيعةُ السلف أسلم كلها. عمرو بن حمير وولد عمرو بن حمير الحارث، وولد الحارثُ آل ذي رُعين. واثلة بن حمير وولده وائلة ابن حمير السكاسك، وهم بنو سَكْسَك بن وائلة، والعدد من حمير في السكاسك، وفيهم الشجرة إلى وقتنا هذا. وأعظم بيت في السَّكَاسِك بيت ربيل بن عبد الرحمن، ثم بيت سعيد بن رايت، ثم بيت عامر بن أحمد، وفي بني عسراء من السكاسك بيت، وفي بني الجعاشة بيت وبيت المعافرين يعفر، ومن السكاسك أبن روح الفقيه، واسمه حَوْشَب ابن يوسف. أنساب حمير ومنهم ذو الكلاع الأكبر، والتكلع بلغتهم التحالف، وذو الكَلاَع اسمه: يزيد بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن زُرعة بن سبأ، وهو كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشَم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قَطَن بن عَريب بن زُهَيْر بن أيمن الأصغر بن الهَمَيْسع بن حمير. ومنهم: ذو الكَلاَع الأكبر، واسمه سُمَيْفَع بن ناكور بن عمرو بن يعفر بن يزيد بن ذي الكَلاَع الأكبر، وسُمَيْفَع تصغير سَمفع إن كان أوله مضموما وإلا فهو مثل سَمَيدع - والسَّمْفَعَة: الجرأةُ والإقداْم في لغتهم، وناكور: فاعول من النُّكْر الدهاء - وأدرك ذو الكَلاَع الإسلام، وقُتِل يوم صفين عند معاوية، وفي ذلك يقول شاعر العراق من أصحاب علي بن أبي طالب. ان تَقَتُلُوا الصَّقَر بن عمرو بن الحصن ... فغ، ّا قَتلنا ذَا الكَلاَع وحَوْشَبَا والحوشب ذو ظليم أيضا. والحوشب عُظَيم في باطن الحافر يتصل بالرّثسغ، والحوشب أيضا القَصِيرُ من الرجال الضخم، والجمع حواشب ومن قبائل ذي الكَلاَع مِنْهُم بنو نَجْلاَن، وهو فَعْلاَن من قولهم: عينٌ بجلاء وطعنة نجلاء أي واسعة، ويقال نجلت الرجلَ بالرُّمح أنجله نجلا إذا طَعْنته، سمِّي الرُّمح مِنجلا مفعلا. والنجل ماء، يظهر في بطن وادٍ أو سفح جبل حتَّى يسيح، والجمع نِجال. والنجيل ضروب من النبت يجمعها هذا الأسم، هؤلاء نَجْلُ فلانٍ: أي نسلهُ، وزعم قومٌ من أهل العلم أنَّ الإنجيل إفعيل من النّضجل، كأنه ظهر بعد كُمُونه. ومن قبائلهم: بنو عْنَّة. واشتقاق عنة من الخيمة التي تتخذ من أغصان الشجر وغيره، وجمعه عنن.

ذكر كهلان بن سبأ وكهلان فهلان من الكهل من

ومنهم بنو السحُول بن سوادة ابن عمرو بن سعد بن عوف بن عَدِي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ الأصغر وإليه تنسب السحولية، وهم في هَمْدَان، والسّحول: فعول من السَّحْل، وهو الثوب الأبيض، أو يكون اشتقاقه من سَحَلْت الشيء أسْحَلُه إذا قشرته أو بردته بمبرد، أي سحلته بمسحل والمسحل بلغتهم المبرد، والمسحلان حديدتا اللجام اللتان تكتنفان الحَّنك، والسحل: الفتل الرخو، وخيط سحيل ومسحول والسحيل ضد المُبْرَم، الأرز ما قشر عنه، وسمى ساحل لأن الماء يقشره، وحمار مِسْحل، وهو مفعل من السحيل: وهو نهاق غَلِيظٌ يُرَدّده في الهواته انقضت أنساب حمير، وهذه شجرة أنسابهم منير بن النِّير بن عبد الملك بن وسار بن وهب بن عبد صلت. هشام ابن محمد بن السائب بن بشؤ بن عمرو بن الحارث بن عبد العزيز بن امرئ القيس ابن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن يحيى بن مالك ابن حضرمي بن ريام بن القَمَر بن الامري بن اصطمري بن مِهْرَة بن حيدان. القراء المصلاء. المسكاء. الغفار بن ناد بن عمرو. والهيثم العبدي حتريت العتب بنو ناعت بن الوجد بن داهي. جميل بن عبد الله بن المقمر بن قصبة الحارث بن ظفار، رزاح بن ربيعة بن حزام بن صمته بن عبد الله بن كثير بن عذرة بن سعد بن هديم. نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن عمرو. أراشة بلى بن نهد. هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث ابن عبد العزيز بن امرئ القيس بن عامر بن النعان بن عبدود بن عوف. زيد بن حارثة - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - بن شرحبيل ابن كعب. أسعد الأصغر بن تُبَّع بن حَسْان ذي معاهن بن أسعد أبي كرب - وهو تبع الأوسط - بن ملكيكرب بن تُبّع ذي الشأن بن تبع الأقرن - وهو تبع الأكبر - بن عميكرب بن شَمَر يَرْعَش بن أفريقيش ابن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرايش بن سدد بن الملطاط. ذكر كهلان بن سبأ وكهلان فهلان من الكهل من الناس، ومن النبيت، ولد كهلان بن سبأ بن يَشْجب بن يَعْرُب بن قحطان. خولان بن عمران بن الجاف بن قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ. عوف. سعد، واثلة، عمرو، سليم، واسمه عمرو بن أسب بن الخوص، جَدُّه ناحية بن الحرم بن ذبان. مالك بن فَهْم بن عبد الله بن أسد بن مشجعة بن تميم بن النَّمِر بن كنانة بن القيس بن حُشَم. سبع الله سبأ الأصغر، واسمه سماعة بن كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشَم بن حمير الأصغر، وهو ذو الكَلاَع. سعد. ربيعة. الأيسر الأخصوص الأرغون الحياومة، رسوان. الأيفع أصحاب. أنساب ولد كهلان وَوَلد كَهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان زيد بن كهلان فولد زيد بن كهلان مالك بن زيد، وأدد بن زيد. فولد أدَدُ بن زيد بن كهلان خمسةً طياً ومالكا - وهو مذحج - ومَرّةَ وعريبَ والأشعر ويقال: إن الأشعرَ بن سبأ - وقد أتينا به فيما تقدم - فهؤلاء بنو أدَد بن زيد بن كهلان. وقد ذكر بعضٌ: أن ولدَ ولدا يقالُ له عدي بن كهلان. ومن ولده لَخم وجذام وعاملة وأبناء عمرو بن زيد بن مالك بن عدي بن كهلان، ويقال: إن من ولد زيد بن كهلان الأشعر بن عمرو بن الغةث بن نَبْت بن مالك بن زيد بن كهلان والرواية الصحيحة على خلاف ذلك، وقد أتينا بالاختلاف ليكون أمعن للناظر فيه إن شاء الله. بسم الله الرحمن الرحيم أخبار طيء بن أُدَد وانتشار ولده قال الخليل: أصل طيء من طاء، وأصله الواو، فقلبوا الواو ياء فصارت ياءً ثقيلة، وكان الأصل فيه طَوْي. وقال ابن الكلبي: نقول إنما سُمي طيء طيئاً لأنه أوّل من طَوْي المناهل، ويقال طَوَيْتُ الشيء أطْويه طَيَّا. وكذلك طويتُ البئر أطويها بالحجارة وبه سميِّت الطَّوِىَّ. واسم طيئ جُلهُمة، وإنما سمي طيئا لأنه أوّل من طوى المناهل. وهو جُلْهُمة بن أدَد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يُشْجُب ابن يَعْرب بن قحْطان، وقال بعض: هو جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان وكذلك هذا الاختلاف في نسب كندة.

حتى يحل الحمي أرضا سهلا

قال: كان طيئ - وهو جُلْهُمة بن أدد - هو وابن أخيه مُراد بن مالك بن أدد بوادٍ باليمن يقال له طريف. وإنه نزل بطيء ضيف فأنزله وأكرمه وسقاه لبناً صريحاً كثير الرَّغوة طيَّب الطّعم، ثم أعْقَبَهُ بالليل مِثْلَهُ، وإن الضيف خَرَج من طيء فنزل بابن أخيه مُرَاد بن مالك، فسقاه لَبناً رقيقا لا طَعْمَ له ولا زُهْومَة، فقال الضيف: إني نزلت بإخوانكم هؤلاء فسقوني لَبَناً ما شَرِبْتُ مِثْلُهُ، ولا رأيت قَط لبنا طيِّباً - طعما ولونا - مثله، وذقتُ ألبانكم فوجدتها لا دَسَم لها، ولا رَغْوة، ولا طعما. فقالوا له: ولِم ذلك ترى؟ قال: لأنهم في أعلْى الوادي، فهم يسرحون إبلهم مَشْرِقَ الشمس، فنضرب أعطافها الشمس فتحس سخونتها وتصفو ألبانها وتدر أخلافها، ويطيب طعمُ ألبانها. ويبقى جلودها وأخلافها لاستقبالها الشمس واستدبارعا الصِّرد، وتسرحون أنتم مواشيكم فتستدبرها الشمس حتى تعود في أعطابها فلا تنفع بمرعاها، فاستعطبوا إخوتكم. فرحل مراد إلى طيء في ولده فقال: يا عم، إنا قد اجتوينا شَوْلَنا ورأينا الضرر في أموالنا، فقد مَسّها جهد وضُرَّ فأعقبونا ترجع إلينا أنفسنا، وتصلح أموالنا. فقد مسها جهد وضر. قال طيء: لا يوقع بينهما تلاح وتدابر، وتناقلوا أشعارا أظنها في النسخ الشامية، ولم ينشدها أحد من رواة العراق، فقال أحدٌ ولد مراد بن مالك في ذلك: إن كنتم إخوتنا فأعقبوا ... نعقبكم إن جاء يوم غَيْهَب ثم أقبلوا الحثَ ولا تنّكَّبُوا ... والحق يعلو نوره فَيَغْلِبُ والضيم يشكوه مضيم مغضب ... والحُرّ من ذات القناع يَهْرَب فأجابه حية بن فطرة بن طيء فقال: إنا لكم لإخوة لم نبعد ... وما أستوت كَفُّ وكَفُّ في يد إن التداني ليس بالتهدد ... والحُرّ يأبى سُبَّة المجلعد وقال شاعر من مراد في ذلك: - إن كنتم إخوتنا فانصفوا ... ننصفكم إن جاء يوم أكلف إن الإخاء بالتأسي يُعَرف ... والحُرَّ من ذات الخمار يأنف فأجابه حية بن قطرة فأنشأ يقول في ذلك شعرا: - ليس أخونا من أتانا من عَلِ ... يطلب ما كان لي من أوّل تحطه جايزة من منزل ... فهاجرونا بالحروب نصطل بَحَّها حتى هلال الأعجل وقال العيثم بن عدي: فلما رأى طيء التفاني، ووقوع الشرّ بينهم، خرج عن الوادي في ولده حتى قطعوا جبلا يقال له بهلا، وكان طيء كاهنا فأنشأ يقول: إمض ودع عنك جبال بهلا ... تركت أهلا وأصبت أهلا حتى يحل الحمُّي أرضاً سهلا ثم أخذ في طريق يقال له ويران في دار الجبل، وهو الطريق الذي قالت فيه العرب: لا تُكِلّم رعيل بن كعب بن عمرو بن خلة بن مالك - وهو مذحج - في أدد بن أخ طيء في أناس من مذحج يسألون طيُا الرجوع، فلما توسط رعيلٌ الطريق قال: لا تمر ظعينة حتى تمرّ ظعينتي. فكف القوْم حتى مرت ظعينته، وقالوا: لا تُكَلِّم رعيل. فذهب مثلا. قال الهيثم: ثم انحدر طيء في وداي يقال له الهرجاب بتهامة، فقال طيء: - هرجان هرجان. هرهان هرهان. ذهاب لا إياب. لا عتاب بعد عتاب. ثم امتنع طيء من الرجوع، فسمى طياً لطية المراحل مُرَاغِماً لقومه. فارتحل طيء لوجهته، وتخلف مراد. حتى إذا انتهى طيء إلى مضيق الوادي متقدما بولدة فجاز ساير، وقضّ الله صخرة من أعلى الوادي فسدت الطريق بين طيء ومراد، وتخلف عن طيء من ولده اعلا وانيم وطبيان وبذول ورضا، فانتسبوا في ولد زاهر بن عامر بن عربيان بن مراد، وسَمَّت العربُ ذلك الموضع ضيقةً، وقال مراد عند انصرافه عن طيء: لو كان أأسى طيء ما أمسى ... مغتربا يزجر طيرا نحسا لو كان في أهل طريق بأسا وأنشد الهيثم لطيء: اجعل مُرَاداً كَحَدِيثٍ يُنْسّى ... لِكل حيّض مُصْبَحٌ ومُمْس قال ومضى طيء حتى أتي بئرا بناحية حصن، فأقام هناك بها. وسرحٍ إبله. ثم أن ولده انتشى لهم المَرْعى، فرجعوا إلى طيء فأخبره أنهم قد أصابوا قرية من قُرى عاد، يقال لها إحليلا، فانتشروا إلى وراء ذلك إلى فضاء من الأرض، فأقاموا بها.

قال وأقبل جمل أذب أخشب، فضرب في أبلهم فأقام، فلما كان ذهاب هياج الإبل

قال وأقبل جمل أذب أخشب، فضرب في أبلهم فأقام، فلما كان ذهاب هياج الإبل رجع عنهم إلى وطنه. فلما كان من قابل أقبل أيضا فضرب في الإبل، ثم رجع. فلما كان في العام الثالث عَاوَدَهم على عادته، فرأوا في سنامه ووبره عَثَاكيلَ التَّمْر، وفي بعره النَّوى، فقال طيء. لولده إن هذا البعير ليجيء من مكان مُخْصب، انظروه إذا انصرف، وتبعه أولادهُ فَلْيَرْكَب رجلان منكم في طلبه. فلما انصرف البعير لم يبق شيء من ولده إلا تبعه، وقفا أثره أسامةُ بن لؤي بن الغوث بن طيء، والحارث بن فطرة بن طيء، على جملين، فكان يرعى النهار ويرعيان معه حتى المساء، ثم مضى ويمضيان معه، ويجعلان الصوى والآكام والانهار ليعلما بهلا السبيل والقصد، فمضى حتى دخل باب أجا، وكان عليه باب من حديد مصراعاه عرضهما خمسة أذرع، فنزعهما عبد الملك بن مروان، ووسّضع الباب فجعله تسعة أذرع حين بلغة تعريض الطِّرماح ابن عدي بن حاتم الطائي على الحُسَين بن علي بن أبي طالب أن يأتي به الجبلين، وخاف عبد الملك أن يجعله بعض من يناويه حِصناً. قال فدخل الجملُ بابَ أجأ فدخلا معه، فإذا بحصن ونخل وعيون، وإذا الأرض خلاء ليس بها سفر، وإذا التمر قد غَطَّى كَرَانِيف النخل، فجالا ونظرا ثم انصرفا إلى طيء فأخبراه، فرحل طيء في جميع ولده حتى نزل الجبلين، فبينما طيء ذات يوم جالس ومعه ولده إذ أقبل عليه رجلٌ من بقايا جَدِيس بن عامر بن سام بن نوح، ممتد الخَلْق، قد كادَ أنَ يَسُدّ الأفق، يقال له الأسود بن غِفَار. فقال لطيء من أدخلكم بلادي وأرومتي وميراثي من آبائي؟ اخرجوا من بلادي وإلا فعلتُ بكم وفعلتُ. فقال طيء البلاد بلادُنا لقد دخلناها وما فيها أحد، بل بخلت أنت بخلا فادّعيتها. فقال لتخرجن منها أو لأفعلن بكم الأفاعيل. قال له طيء فاضرب لنا أجلا. ففعل وانصرف الجَبَّار. فقال طيء لجُنْدُب بن خارجة بن سعد بن فُطْرَة بن طيء، وأمه جَدِيلة بنت سُبَيْع من حمير - وقال آخرون جَديلة بنت يسلع من حضرموت، وقالوا جديلة بنت أنمار أخت بجيلة، وإليها ينسب فُطْرة بن طيء، وكان طيء لجُنْد مُكْرِمَا مؤثرا يا بُني قاتِل عن مَكْرَمِتك. قالت له أمه بالله لا تتركن بنيك وتعرض ابني للقتل، لا والله لا يفعل. قال ويُحْكَ، إنما خصصته بذلك. فأبت عليه. قال وكان طيء يُحِب جُنْدباً دون إخوته، ويخبئ له الحيس والطعام الطيّب. فلما أبَت عليه أمه أن يلحقه العادي حين أمره طيء فخالفته وبخلت بابنها. فأمر طيء عند ذلك عَمْرَو بن الغوث بن طيء وقال يا عمرو دونك الرجل. فأنشأ عمرو عند ذلك يقول لضُمهْرة بن خارجة أخ جُندب بن خارجة بن سعد بن فُطْرَة بن طيء شعرا يا ضمر أخبرني ولست بكاذب ... وأخوك صاحبك الذي لا يكذب هل في القضية أن إذا استغنيتم ... وأمنتمُ فأنا البعيد الأجنب وإذا الشدائد بالشدائد مَرةً ... أشجتكم فأنا الحبيب الأقرب وإذا تكون كريهة أدْعى لها ... وإذا يُحاس الحيسُ يُدعْى جُنْدُب تَباً لتلك قضية وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب ولجندب رُعي البلاد وسهلة ... ولي الحَزُوَنةُ والمَحَلَّ الأجدب ومن البلية أن شاةً بيننا ... فَيَديِ بقرنيها وإنك تحلب هذا وجدكم الصغار بأسره ... لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب قال فقال طيء لعمرو بن الغوث بن طيء يا بني هذه أكرم دار على وجه الأرض. قال: لن أفعل إلا علي ألا يكون لولد جُنْدب فيهما حقّض يعني الجبلين. قال ذلك لك. قال فمضى عمرو بن الغوث في طلب العادي فوجده يخترق رُطَباً وهو يقول: تُطَأطُِئ أجنى جناك قَاعدا، مالي أرى حملك ينزوا صاعدا وقال العادي حين أبصر بعمرو: يا طالب الظبي أصبت أثَرَه ... إن أنت لم تحرم لصيد خطره أنصفَ رام إن أنْذَرَه

نسب ولد طيء بن أدد

قال الهيثم بن عدي الطائي: ولم أصِب هذا الشعر عند رُواة العراق. قال: فأقبل العادي ومعه قوس من حديد ونشاب حديد له نصالُ عظام، وهي التي يقال لها: العقارية. فقال لعمرو: إن شئت صَارَعْتَك، وإن شئت رَامْيتك، وإن شئت سايفتك. قال عمرو: الصراع أحَبّ إليّ قال: أرى معك قوسا. قال: إني أكسرها - وكانت قوس عمرو متى شاء جعلها ومتى رَدَّها - فأهوى بها إلى سفح الجبل. فظن أنه قد كسرها، فاعترض العاديّ بقوسه ونِصَاله الجَبَل فكسرها. فلما رأى ذلك عمرو وأخذ قَوْسه فركبها. فقال اسْتَعِن بقَوْسَك والرَّمْيُ أحبّ إليّ. فذكر الأسود غَدْرَته بطسْم فقال: مَنْ ير يوماً يُرَيه. فذهبت مثلا. ورماه عمرو ففلق قلبه، فقال الأسود - وهو يجود بنفسه: أما أن أكون عادتها. قال له: أين هي؟ قال: شرقي غربي طلل طلل طلل - يردد ذلك حتى مات وانصرف عمرو بن الغوث بن طيء وهو يقول: قلتُ الحارس العاديَ لما ... رأيت بجَنْدُبٍ عنه ازْوِرَارَا فقلت له ودمع العين يجري ... على الخَدّضين ينحدر انحدارا سأكفيك الذي حاذَرْتَ منه ... فأرخ الذيل واحتلب العشارا وأقام طيء وولده منذ ذلك الحين بالجَبَلَيْن وسميا أجَأ وسلمى فنزلوا بهما واطمأنوا، وصار قرار ولد طيء الجبلين، فهما اليوم بلادهم، ولهم أيضا قُرْى خارج الجبلين، وأكثر مالهم من القُرى خارجا لبني جَدِيلة والغالب على الجبلين بنو الغوث بن طيء. قال سامة بن لؤي بن الغوث بن طيء في ذلك شعرا: حلفنا لا نفارق بطن سلمى ... وأجأ مابقينا في الليالي بحيث الشعب أنزلنا ابن غوث ... وطاح الغوثُ منها بالنهال رمينا قلب عاديٍ بسهم ... كأن قَتِيره رَهَجُ النصال وكان طيء بن أدد قد عاش وعَمَر إلى أن بلغ ولدهُ ووَلدُ ولدهُ خمسمائة رجل، حتى أدركه سُلامان بن ثُعل بن عمرو بن الغوث بن طيء وأنشد الهيثم بن عَدِيَ لطيء أدد في ذلك: أنَّا من القوم اليمانينا ... إن كنت عن ذلك تسألينا وقد ثوبنا بظُريف حبنا ... ثم تفرقنا مغاضبينا لينة كانت لنا شطونا ... إذ سامنا الضيم بنو أبينا فتفرقت من رجلين الغوث بن طيء وفُطْرة بن طيء، وبنو فُطْرَة هم بنو جَدِيلة أمهم، وبها يُعْرَفون بنو جُنْدُب بن خارجة بن سعد بن فُطْرَة بن طيء. نسب ولد طيء بن أدد ولد طيء بن أدد رجلين الغوث بن طيء، وفُطْرة بن طيء، فولد الغوث بن طيء عَمْراً ولؤياً، فولد سامة بن لؤي بن الغوث، وولد عمرو بن الغوث أسودان - واسمه نَبْهان - وثُعل وجَرْم وبَوْلان، وحبه، فهؤلاء بنو عمرو بن الغوث بن طيء، والعدد فيهم. ومنهم تفرقت أكثر قبائل طيء. وأما فُطْرة بن طيء فولد سعداً والحارث وحة والعدد في ولد سعد، فولد سعد بن فُطْرة خارجة بن سَعْد، فولد خارجة ابن سعد جُنْدُب بن خارجة، وضهرة بن خارجة. فمن ولد جُنْدُب بن خارجة بن سعد بن فُطْرة بنو جَدِيلة، وهم بنو جُنْدُب بن خارجة ابن سعد بن قُطْرة بن جَدِيلة، وهم بنو جُنْدُب بن خارجة ابن سعد بن فُطْرة طيء، وجَدِيلة أمهم، وقد مضى نسبها، وهم بها يعرفون. ومن قبائل الغوث بن طيء بنو نَبْهان بن عمرو بن الغوث، وبنو ثُعل بن عمرو بن الغوث، وبنو جَرْم واسمه ثعلبة - بن الغوث، وبنو بولان - واسمه غصين - بن عمرو ابن الغوث. ومن بطونهم بنو هنيء بن عمرو بن ثُعل، وبنو سنبس بن عمرو بن ثُعَل، ابن سعد بن نَبْهان - وهم نُعْمان - وبنو الصامت - واسمه عمرو - بن غَنْم ابن مالك بن سعد بن نَبْهان - وهم أيضا بُعمان - وأفخاذ طيء كثيرة غير أن جمهور النسب إلى الأب الأكبر وهو طيء بن أدد. نَبْهَان، فنن بني نَبْهان. وهو أسودان: بن عمرو بن الغوث بن طيء نابل ابن نَبْهان - بطن - والنّضابِل: الحاذق بااشيء. قال الشاعر: ابن نبهانبطنوالتنَّابِل وابن نابِلأي حاذق وابن حاذق والنابل: حامل النَّبْل، ويقال تَنَبَّل الرجلُ إذا استنجى، ويقال للرجل نَبِلْني أحجارا: أي أعطني استعملها في ذلك الشأن. والنبيلة زعموا جيفة الميَّت، والنبل عندهم من الأضداد، ويقال للشيء الحسن النبيل وللشيء الخسيس قال الشاعر:

أفرح أَرْزَاً الكرام وأن ... أورَثَ ذوداً شَصَايصاً نَبَلا فمن نابل زيد الخيل بن مهلهل الطائي، وصاحب غاراتها، وهو فارس العرب كافة، وكان يكنى أبا مِكْنَف. وأدرك الإسلام، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد طيء وأسلم على يديه، وهو أحد من أكرمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وبسط له رِداءه، وسماه زيد الخير، وعلّمه ودَعَا له، ومات في رجوعه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ذكر لي أحد فرأيته إلا كان دوُنَ ما وصُفَ لي إلا زيد. وكان عرفه بالإجابة حين دعا به، وهو زيد الخيل بن مُهِلهِل بن زيد بن منهب بن عبد رُضي ابن المختلس بن ثوب بن كنانة بن مالك بن نابل بن نَبْهان بن عمرو بن الغوث بن طيء. ونحن نذكر من مقاماته ووقائعه لمعاً يستدل بها ويستكفي بشاهر أخبارة ووقائعه ومقاما عن الإطالة. قال أبو بكر محمد بن الحسن القسملي، عمن حدثه قال: غار زيد الخيل ابن مُهلهل الطائي على بني فزارة، وعندهم يومئذ زُهير بن أبي سُلمى المُزني، والحطيئة العبسي، وقد جمع عُيينة بن حصن الفرازي سيدُ فزارة جُموع كثيرة من أحياء معد، وكان خروج زيد الخيل اليهم، فاستعد وتأهب لقتالهوجموعه، فأوقع بهم زيد الخيل في عدد يسير من فرسانه، فهزم بني فزارة، وفض جموعهم، واستباحهم، وولى قتال ذلك اليوم هو نفسه، فأسر عُيينة بن حِصن الفرازي سيد قيس وفارسها، فقال له: يا أبا مكنف، خل سبيلي أثبك على ذلك فجزّ ناصيته وأطلقه. وأما زُهير جز ناصيته وأطلقه، فدفع إليه زُهير فرسه الكميت المشهور بالسبق، فقبله زيدُ الخيل. وأما الحطيئة فأنشأ يقول: ظفرت بقيس ثم أنعمت فيهم ... ومن آل بدر قد أسرت الأكبر جرزت النواصي منهمُ إذ ملكتهم ... وأطلقتهم إذ كنت يا زيد قادر وحىّ سليم قد تركت شريدهم ... فلولا وقد كانوا حلولا كراكر ومُرَّة أمرت الشراب عليهم ... جهارا وقد أخزيت بالمس عامر نبلت ولم يدرك لقيس نبيلها ... وسقت السبايا واستقدت الأبار فإن يشكرو فالشكر حق عليهمُ ... وإن يكفروا لا ألف يا زيد كافر فأجابه زيد الخيل وهو يقول: أقول لعبدي جرول ملكته ... أثبني ولا يغررك أنك شاعر أنا الفارس الحامى حقيقة مذحج ... لها المكرمات واللُّها والأكابر وقومي رءوس الناس والرأس قائد ... إذا الحرب شبتها الرجال المساعر فلست إذا ما الموت رنّق ظله ... وأنزع حوضاه ورنق ناظر توافقني أخشى الحروب محاذرا ... يباعدني عنها من القبّ ضامر ولكنني أغشى يصعدني الوغى ... مجاهرة إن الكريم مجاهر أروى سناني من دماءٍ غزيرة ... على أهلها إذ ليس ترعى الأناضر فلما صار زيد الخيل إلى بني فزارة يطلب نعمته عندهم أغار عامر بن الطفيل العامري على بني فزارة، فاستاق إبلاً، وأصاب امرأة منهم. فقال عُيينة بن حصن لزيد الخيل: يا أبا مكنف. أجعلها نعمة في إثر نعمة. قال: وما ذلك؟ قال: أغار عامر بن الطفيل عدوانا فاستاق إبلا وأصاب امرأة من نسائنا. فركب زيد الخيل حتى أتى عامرا. فلما رآه عامر أنكر ما رأى من هيئته، فوقف عامر وقال له: من أنت؟ قال: وما سؤالك وخلّ عما معك. قال: لا والله حتى أنظر من أنت. قال: أنا من بني فزارة. قال: لا والله ما أنت من الفلج أفواها - في كلام كثير - قال: فأنا زيد الخيل، خلّ ما معك. قال: لا والله، مالي إلى ذلك من سبيل. فحمل علية زيد الخيل فحمله فصرعه إلى الأرض، فاستسلم عامر، وأقبل به زيد، الخيل إلى الحي حتى ردَّ على بني فزارة هذه الفَزَاريّة، ورد ما استاق عامرٌ من إبلهم، ثم إنه بعد ذلك جَزّ ناصية عامر، ومنّ عليه بنفسه، وأطلقه بلا فداء. وقال في ذلك زيدُ الخيل: إنا لنُكثر في زيدٍ وقائعنا ... وفي تميم وهذا الحي من أسد وعامر بن طُفيل قد نحوت له ... صدر القناة بماضي الحدِّ مضطرد لمّا تَيِقَّن أن الورد مٌدركه ... وصارما وربيط الجأش كالأسد

نادىالى السلم منى بعد ما علقت ... منه المنية بالحيزوم واللغد ثم زيد الخيل - بعد ما منّ على عامر بن الطفيل وجزّ ناصيته وأطلقه - رجع إلى فزارة يطلب نعمته عندهمز فأما الحطيئة فشكا الحاجة، وزعم أنه لا شئ عنده فخلى سبيله. فقال الحطيئة لزيد يمدحه: إلا يُكن مال يُثاب فإنه ... سيأتي ثنائي زيدا بن مُهلهل فما نِلتنا غَدرا ولكن صَبَحتنا ... غداة ألتقينا في المضيق بأخيل في شعر طويل ومن طى أيضا ثم من بني نبهان حُريث بن عتاب الشاعر، ومنهم بنو خطامة بن سعد بن نبهان - وهم بعمان - كان منهم مازن بن غضوبة بن سبيعة بن شماسة بن حيان بن أبي بشر بن سعد نبهان بن عمرو بن الغوث بن طئ، وكان من أهل سمايل، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أول الإسلام بعمان، وأسلم ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، ولأهل عُمان بخيرٍ. وكان من قصته وخبر إسلامه وقدُومه على النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسدون صنما له في الجاهلية بأرض عُمان بقرية سمايل، يقال له ناجر، تعظمه بنو خطامة وبنو الصامت من طئ. قال مازن: فعترنا عنده ذات يوم عَتيرةٍ: يعنى الذبيحة، فسمعت صوتا من الصنم يقول: يا مازن اسمع تُسرّ ... ظهر خيرٌ وبَطَن شرّ بعث نبي من مضرة ... يدين بدين الآله الأكبر فدع نَحيتا من حَجَر ... تسلم من حَرّ سقر. قال مازن، إن هذا لعجب، وإنه لخيرٌ يُراد بي. فبينما نحن كذلك بعد ذلك إذ ورد علينا بأرض سمايل رجل من أهل الحجاز يريد أن ينزل أدما. قال فقلت ما الخبر وراءك. قال: ظهر رجلٌ يقال له محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، يقول لِمن أتاه أجيبوا داعي الله. فلست بمُتكبر ولا جبَّار، ولا مختال ولا عصاء، أدعوكم إلى الله وترك عبادة الأوثان، وأبشركم بجنة عرضها السموات والأرض، واستنقذكم من تلظى لا يطفأ لهيبها، ولا ينعم ساكنها. قلت: هذا والله نبأ ما سمعته من الصنم. فوثبت إليه وكسرته أجذاذا، وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عمَّا بُعث به، فشرح لي الإسلام، ونَوَّر الله قلبي للهدى، فأسلمت، وقلت: كسَّرت ناجرَ أجذاذا وكان لنا ... ربَّا نظيف به ضلا بتضلالِ بالهاشمي هَدَانا مِن ضلالتنا ... ولم يكن دينه منى على بالِ يا رَاكِباً بَلَّغن عَمراً وإخوتها ... إنّى لمن قال: ربي ناجر قالى قولهبلَّغت عمرا: يعنى يريد بني الصامت، واسمه عمرو بن غنم بن مالك بن سعد بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء. وإخوتها: يريد بني خطامة بن سعد بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء. قال مازن: فقلت يا رسول الله صلى الله عليك. أدع الله تعالى لأهل عُمان. فقال: اللهم أهدهم وأثبهم. فقلت: زدني يا رسول الله. فقال: اللهم أرزقهم العفاف والكفاف والرضى. بما قدرت لهم، قلت: يارسول الله، البحر ينضح بجانبنا. ادع الله في ميرتنا وخُفنا وظلنا. قال: اللهم وسِّع لهم وعليهم في ميرتهم، وأكثر خيرهم من بحرهم. قلت زدني، قال: لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم، قل يا مازن آمين، فإن آمين يستجاب عنده الدعاء قال: قال: يارسول الله إني مولع بالطرب، وشرب الخمر، لجوج بالنساء. وقد نفذ أكثر ما لي في هذا. وليس لي وَلَدٌ فادع الله أن يُذهب عني ماأجد، ويهب لي ولدا تقرّ به عيني، ويأتينا بالحياء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن، وبالحرام الحلال، وبالعهر عفة الفرج، وبالخمر ريا لا إثم فيه، وآتهم بالحياء. وهب له ولدا. قال مازن: فأذهب الله تعالى عني ما كنت أجد من الطرب والنشاط لتلك الأسباب، وحججت حججاً، وحفظت شطر القرآن، وتزوجت أربع عقائل العرب، ورزقت ولدا فسميته حَيّان بن مازن، وأحصبت عُمان في تلك السنة وما بعدها، وأقبل عليهم الخُّف والظِّلف، وكثر صيد بحرها، وظهرت الأرباح في التجارات وآمن عدد كبير من أهل عُمان، ولمازن في ذلك شعر حيث يقول: إليك رسول الله خَبَّت مطيتي ... تجوب الفيافي من عمان إلى العرج لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى ... فيغفر لي ربي وأرجع بالفلج

إلى معشر خالفت في الله دينهم ... فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي وكنت أمراُ باللهو والخمر مولعا ... شبابي حتى آذن الجسم بالنهج فبدلني بالخمر خوفا وخشية ... وبالعهر إحصانا فحصن لي فرجي لإأصبحت همي في الجهاد ونيتي ... فلله ما صومي ولله ماحجي قال: فلما كان في العام القابل الذي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا بن المباركين، الطيب بدينك، وقد أخصبت عُمان خِصبا هنيا، وكثرت الأرباح والصيد بها، فقال عليه السلام: ديني دينُ الإسلام، وسيزيد الله أهل عُمان خصوبة وصيدا، فطوبى بي لِمن آمن بي ورآني، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني، وطوبى طوبى لمن آمن بي ولم يرني ورآى من رآني، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ولم ير من رآني، وسيزيد الله أهل عمان إسلاما. بطون بني خطامة جُرش وشرح وعرابة - وقالوا عراب. فهؤلاء حطامة، فمن بني جرش ساقر وصهبان وبطل وعرابة، وهم بعُمان بقرية حا وأما شرح بن خطامة فمن ولده سعيد وراشد وأخزم ووهيب ومعيناء وهم أهل صي ومنهم إخوتهم بن والصامت. واسمه عمرو بن غنم بن مالك بن سعد بن نبهان والصامت. يقال: لهُ من المال صامت وناطق، فالصامت: ما كان من الذهب والورق، والناطق: ما كان من الماشية وشبهها. فمن بني الصامت سعد وشرح وجُشم بنو الصامت، وسمه عمرو بن غنم بن مالك. فمن سعد كلب بن سعد، وبعدان ابن جشم بن سعد، وبعدان بن جشم بن سعد، وعمرو بن مالك بن الصامت فهؤلاء كلهم. ومن بني شرح الصامت صَبهان، وهادية، وأشرف بنو شرح بن الصامت. وهؤلاء كلهم بعُمان. ونهم أكلب بن سعد بن عمرو بن عمرو الصامت بن خالد بن مَعد جد قحطبة بن شبيب بن غنم بن مالك بن سعد ابن نبهان بن عمرو بن طيء، وكان قحطبة أحد نقباء بني العبَّاس، وصاحب مقدمة أبي مسلم الخرساني إلى العراق. وغرق في الدجلة، كبا به فرسُه. ومن ولده الطّوسي، وكان له من هارون الرشيد موضع، وداره بالبصرة في المهالبة. ومن قبائل نبهان سعدُ ونابلٌ - وفد مَرَّ نابل - فمن ولده خطامة بن سعد نبهان، والصامت، واسمه عمرو بن غنم بن مالك بن سعد بن نبهان - وقد مرّ ذكر نسبهما - وأما الباقون من ولد سعد فهم بنو أصمع، وبنو سُدوس بن أصمع بن أبي عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد بن نبهان، وفي بني سُدوس يقول امرؤ القيس: إذا ما كنت مُفتخراً ففاخر ... ببيت مثلى بيت بني سُدُوسا بيت تبصر الرؤساء فيه ... قياما لا تنازع أو جلوسا ومنهم خالد بن سدوُس، وزيد بن جابر بن سُدُوس بن أطمع، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم الغوث بن طئ، ومنهم قيس بن عازب الفارس، ومنهم عامر بن جوين، واسمه الأسود - وكانا سيدين رئيسين. ومن قول عامر بن جوين: فلا مُزتَةٌودقت ودقها ... ولا الأرض أبقل إبقالها ومنهم أبو حنبل جابر بن مرّ، الذي أجار امرأ القيس، من ثُعل، ومنهم قيس بن عايد الذي خاصم عليَّا على الراية يوم صفين. ومنهم عبد بن الجعل، صحب عليَّا. ومنهم الخشخاش - واسمه الخياش بن أبي كعب بن عبد الله بن سعد بن فرير، وهو الذي كان فيه بدء حرب الفساد. ومنهم جوش، بن وديعة الشاعر. ومنهم حابس بن سعد وهو الذي كان على طيء بالشام مع معاوية، وقتل يوم صفين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاَّه قضاء حمص. ومنهم ثرملة بن شُعاث بن عبد كُثرى الشاعر، وثُرملة اسم من أسماء الثعالب وهي الأنثى خاصة، وشُعاث فُعال من الشَّعث ورجل أشعث الرأس وامرأة شعثة وشعثاء: وهو الذي قد طال عهده بالدهن وقاسى السفر فشعث شعر رأسه، والجميع شُعث والشَّعث: التفرق والتبدد، وكل شئ بددته وفرقته فقد شعثته، ويقال لمَّ الله شعثك، أي جمع متفرق أمرك، فهو يلم شعثه لماّ وقد شعثت أطراف المساويك أي تفرقت. وكثرى تأنيث أكثر كما كُبرى تأنيث أكبر، وكثرت بنو فلان بني فلان إذا كانت أكثر منهم، والفاعل كاثر والمفعول مكثور. ومنهم عبد عمرو بن عمار بن أمتى الشاعر. ومنهم المقعد الشاعر. ومن بني نبهان بنو الضرُّيس، منهم حُريث بن زيد المختلس، كان فارسا. ومنهم القشعم بن ثعلبة قاتل داهر ملك الهند. ومنهم حُبشِى بن حارثة الجّراح الفارس.

ومنهمعُويج ابن الضُّريس الشاعر. ومنهم أعور بني نبهان، واسمه حُريث بن عَنَاب، ويقال نعيم بن شريك وهو أحد من هجا جريرا الخطفي، ومما هجاه به وهو يقول: ألست كُليبيًّا وأمك كلبة ... لها عند أطناب الكلاب هرير وقلت لها أمي سليطا بأرضنا ... فبيس مناخ النازلين جرير ومنهم كعب الأشرف اليهودي، الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، ومنهم كنف بن حكيم الشاعر، وإبنه إبراهيم بن كنف شاعر أيضا. ومن جيد شعره: تَعَزَّ فإن الصبر بالحُرّ أجمل ... وليس على ريب الزَّمان مُعوّل وإن تُكن الأيام فينا تبدلت ... ببؤسٍ ونُعمى والحوادث تفعل فما ليَّنت منا قناةٌ صليبة ... ولا ذلَّلتنا مالا يحملُ البعض تُجعل ولكن رجلناها نفوسا كريمة ... تحمَّل مالا يحمل البعض يذلل أما بنو ثُعل، ويقال: إن ثعل وثعاله اسم من أسماء الثعالب، والثَّعَل: سنٌّ زائدة في الأسنان، والثعل: خلف زائد لاصق بضرع الشاة، ويقال لها ثعلاء إذا كانت كذلك، وثُعل: موضع ومن ثُعل بن عمرو بن الغوث بن طيء. حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن قطن بن أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثُعل بن عمرو بن الغوث بن طيء وأخزم بن أبي أخزم جُدُّ حاتم طيء. وهو الذي يُضرب به الأمثال، فيقال: شِنشنة أ'رفهامن أخزم أي نُطفة شَنششنها أجزم. والحشرج الحسى الصافي الماء البارد. قال الشاعر:. شُرب النَّزيف ببرد ماء الحشرج. والحشرجةُ: صوت يجيء من الصدر عند السعال أو المرض. وقد سارت الأمثال بسخائِة وجُده وكرمه، بحيث تكفى شُهرة ذلك عن تعداده. وكان قدر حاتم في قومه أنهم وضعوا عنه المغازي، وضربوا له بالسهام، وكان ينحر كل يوم جزورا وكان له قِدر نُحاس على الأثافي لا تزال أبدا. وكان إذا دخل رجب نادى في الأحياء، ونَحَر كل يوم وأطعم. ومن المحفوظ من جود حاتم أن بني جَدِيلة ما جَدُوه بالحيرة، فنحر مائة من الإبل أدماء، ووهب عشرة أفراس. واشترى كل لحم وخمر وطعام بسوق الحيرة في ذلك اليوم، وما جدوه جماعة من أهل اليسار بالجيزة فمجدهم في ذلك اليوم، وغلبهم، فأطعم الطعام وسقى الخمر في وسط الحيرة ومضى بذكر ذلك المقام. وحاتم هو الذي خرج ممتاراً حتى أتى بلاد عنزة، فإذا أسيرٌ قد خَذَله قوُمه، وطال أسرُه، فلما رأى حاتما صاح به يا سيد العرب يا حاتم فُكَّ أسري. فقال حاتم: والله ما عندي فداك، ولكني ألطف لك ذلك. فأتى نادي القوم فقال: يا قوم، أطلقوا هذا الأسير وأعطيكم عهدا إلى أن آتيكم بفدائه: فقالوا: لانفعل إلا بفداء حاضر. قال: فأوثقوني مكانة، وينطلق فيأتي بفدائه. ففعلوا، فأعطى حاتم الرجل علامة إلى منزل حاتم ليقبض فداءه فمضى الرجل، ولبث حاتم وهم لا يعرفونه، وأصبح في غداةٍ باردةٍ، فأتته العالية العنزية ببعير فقالت له: أفصد لي هذا البعير فنحره، فصاحت المرأة، وقالت: أمرتك أن تفصده فنحرته!! فقال إنه هذا قصدي. قالت: ومن أنت؟ قال: أنا حاتم ثم قال: - أنا المغيثُ حاتمُ بن سعد ... أعطى الجزيل مُوفيا وشيمي البذل وصدُق الوعد ... واشترى الحمد بِفِعل ورَّثني المجد نباتُ المَجَد ... إني وجدي حشرج ذُو هلا سألت الوفد عني وجدَّي ... كيف طعاني بالقنا وكيف ضربي بالحسام الفرد ... وكيف بذلي المال غير وكيف تِضافي وكيف فصدى ... وكيف إعلافي وكيف فلما عرفته العنزية - وكانت سيدة قومها - دعته إلى تزويجها فتزوجها، فولدت شبيب بن حاتم. وحاتم هو الذي كان يخرج وهو صبيُّ بطعامه إلى الطريق، فإن وجد من معه أكل وإلا ردَّه

ورجع. فلما رأى أبوه هذا منه ومن فعله أخرجه إلى إبل له فيها، ووهب له فرسا ومعها فلو، ووهب له جارية فخرج حاتم فلما رأى طفق يبغى الناس، فلا يجدهم، ويأتي الطريق فلا يجد أحدا، فلما كان كا بصر بركب على الطريق فأتاهم، فقالوا: يا فتى، هل من قِرى؟ فقال: هل من قِرى وأنتم تَرون الإبل أمامكم؟ ميلوا معي. وكان الرَّكب عمر الأبرص، وبشر بن أبي حازم الأسديان، والحطيئة العبسي، وزياد بن وهو النابغة الذبياني - وكانوا يريدون النعمان بن المنذر النعمان بن ماء اللخمي. فنحر لهم حاتم أربعا من إبله. فقال عبيد: ما أردنا الإبل؟ فإن متكلفا فبكرة. قال: رأيت أربعة رجال من بلدان شَتَّى فأجبت أن أنحر زاحد منهم بكرة. فقال عبيد والنابغة وبشر والحطيئة: ليقل كلُّ واحد منا فقالوا مدائح في حاتم لم نوردها ها هنا حذر الإطالة. ومن طريق ما روت الأخبار عن حاتم، ونحن نقول كما قالوا، ونروي كما رووا - قال المهلبي: ذكر لنا أن رجلا أتى معاوية بن أبي سفيان فقال: أخبروني من أسخى العرب؟ فقال له: حاتم اسخى العرب: الأحياء منهم والأموات: فقال له: أسرفت: أما سخاء الأحياء علمناه، فما سخاء الأموات؟ قال: نعم، خرج ركب فمروا بقبر حاتم فنزلوا، فمضى إليه رجلُمنهم ويكنى أبا الخيبري - فصاح بالقبر: أبا عدي ضيافك. فلما كان في السحر وثب أبو الخيبري. وهو الرجل الذي صاح حاتم - فصاح: واراحلتاه. فقال له أصحابه؟ ما شأنك؟ قال: خرج والله بسيفه - وأنا أنظر إليه - حتى عَفَر ناقتي فنظروا إلى راحلته فإذا هي لا. فقالوا له: قد والله أقوك. فنحروا الناقة، وظلوا يأكلون منلحمها. فلما شبعوا أنطلقوا، فبينما هم كذلك في مسيرهم إذ طلع عليهم عَدِيُّ بن حاتم، ومعه جمل أسود وقد قَرَنه ببعيرة، فقال لهم: يا معشر الركب، إن حاتما جاءني في اليَّوم وذكر لي شتمك إياه، وأنه أقرك وأصحابك راحلتك، وأمرني أن أدفع إليك جملا. جملك، ذلك فخذه. وقال في ذلك أبياتا: - االخيبري وأنت امرؤ ... حسودُ العشيرة لوّامها ماذا أردت إلى رَّمة ... بداوية قد صدت هامها في أذاها وإعسارها ... وحولك عوفٌ وأنعامها فهذا يا أمير المؤمنين أسخى الأحياء والأموات. وأدرك حاتم الإسلام إلا أنه لم يسلم، ومات نصرانيا. وقد ذكرت النوارُ امرأته أنها قالت: أصابتنا سنةٌ أقشعرت لها الأرضُ، واغبر أفق الماء، وراحت الإبل جُرْبا جُدْبا، وضَنَّت المراضعُ عن أوردها، فما تنض، وأتلفت السنة المال، وأيقنَّا بالهلاك، فو الله إني لفي ليلةٍ صبيرة بعيدة ما بين، تَتَصايَحُ من الجُوع - عبدُ الله وعديّ وسفانة - فقام حاتم إلى الصبَيَّيْن، وقُمْتُ أنا إلى الصَّبيّة، فو الله ما سَكَتوا إلا بعد هدو من الليل، وأقبل بالحديث، فعرفت ما يريد، فتناومت، فلما تهوَّرت النجومُ إذا بشيء قد رَفَعَ كسر الخباء، فقام حاتم: من هذا؟ فقالت: جَارَتُكَ فلانةُ، أتَيْتُك من عند صِبْيِةٍ يتعاوَو} ن عُوَاءَ الذئاب من الجوع، فما وجدتُ مُعَوَّلاً إلا عليك أبا عَدِي. فقال لها: أعْجِلِيهم فقد أشْبَعَك الله وإياهم. فأقبلت المرأةُ تَحْمِلُ اثنين وتُمْشي جانبها أربعة كأنها نعامةٌ حولها ريالها. فقام حاتم إلى فرسه فَوَجأَ لبَّتَهُ بمُدْيِته فَخَّر صريعا، ثم كشطه، ودفع المدية إليّ، ثم قال: شأنك. فاجتمعنا حوله، وأججنا ناراً، وجعلنا نَشْوي ونأكل، ثم جعل حاتم يأتي بَيْتا بَيْتا ويقول: هُبُّوا أيها النُّوَّام، عليكم بموضع النَّار، والتفع هو بثوبه، فو الله ما ذَاق منها مُزْعة واحدة. وإنه لأحوج إليها منا. فلما أصبحنا وما على وجه الأرض من الفَرَس إلا عظم وحافر، وأنشأ في ذلك حاتمٌ يقول شعرا: مَهْلاً نَوَارُ أقلي اللَّوْم والعَذَلا ... ولا نُقُولي لشيء فاتَ ما فَعَلا ولا تقولي لمالٍ كنتُ مُهْلِكَه ... مَهْلاً وإن كنُت أَعْطي الحيَّ والحَفَلا لا تَعْذِلِيني في مالٍ وصلتُ به ... رَحِماً فخيرُ سبيل المال إن أُكِلا يرى البخيل سبيل المالِ واحِدَة ... إنّ الكريمَ يَرَى في ماله سُبُلاَ

وفَدَ حاتمٌ بن عبد الله وزيدُ الخيل على النعمان بن المنذر فأمر بإدخال حاتم وحده، وأراد أن يُفْسِد بَيْنَه وبين زيد الخيل، فقال النعمان: أحَقاً ما يقولُ زيدٌ؟ قال أبيت اللَّعْنَ: وما يقول زيد؟ قال: يزعم أنه أفضل منك. فقال له أبيتَ اللعن، بنُوه ليسوا مثله، ولا يعاشرون فِعْله، أخسهم أفضل مني. قال له النعمان: أوَرَضيت بذلك؟ فقال حاتم: ما يُبارىَ زيدٌ ولا يُنازع. فانصرف حاتم وهو يقول: يحاولني النعمان كَيْ يستفزّني ... وهيهات مَنْ ذا قال حَاتَمُ يُخْدَع كَفَاني عاراً أن أُضيِم عشيرتي ... بِقَوْلٍ في غيرهِ مُتَوَسَع ثم أمر بإدخال زيد الخيل، فلما صار عنده قال له النعمان: أحقا ما يقول حاتم؟ قال: وما يقول أبيتَ اللّعْنَ؟ قال: إنه يقول إنه أفضل منك. قال: صَدَق حاتمٌ، هو أصْلَبُنا عودا. وأسبَقْنا جُوداً. قال له أرضيت بذلك؟ قال: لو أن حاتما ملكني وولدي لاستوهبنا. ثم انصرف زيد وهو يقول: يقول لي النعمان لا مِن نصيحة ... أرى حاتما في فضله متطاولا له فوقنا باعٌ كما قال حاتم ... وما الصلح فينا كالذي كان حاولا ومن ثعل أبو حَنْبل، واسمه حارثة بن قُرَ وفي نسخة جابر بن مُرّ، وكان من أشراف ثعل في أيامه، هو الذي أجار امرأ القيس بن حجر الكندي، وله حديث. والحنبل القصير، ويقال للرجل القصير حَنْبَل، وهو القائم بحرب الغوث، وقد عاش حتى أدرك حاتما. ومنهم مُجِيرُ الجراد. وهو أبو حَنْبَل مُدْلج بن مُرّ بن سويد بن مَرْثد بن عمروا، وكان عزيزا منيعا. وفي قول بعض: إنه هو أبو حَنْبَل حارثة ابن مُرْ، وإنما سمي مُجِير الجراد لأن الجراد سَقَط بقْرب داره، وقَعَد الناس يصيدونه، فَحَماه منهم وأجاره منهم، فسُمِّي مُجِيرَ الجراد. وكان من حديثة فيما ذكره ابن الاعرابي عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أنه خلا ذات ذات يوم في قُبَّته فإذا هو بقوم من طيء ومعهم أوعيتهم. فقال: ما خطبكم؟ قالوا: غزونا جارَك. فقال: وأي جيراني؟ قالوا: جرادٌ نَزَل بفنائك. فقال: أما إذ قَدْ سَمَّتْمُوه لي جارا فَلَن تصلوا إليه أبدا. ثم ركب فرسه. وأخذ رُمْحه وقال: والله لا يعرض له منكم أحدٌ إلا قَتْلته. ثم نادى في بني أبيه وفتيانه وولده فاسْتَلَّوا السيوف وأشرعوا القنا، وانصرف الناسُ عن الجراد، ولم يزل يحرسه حتى حميت عليه الشمس، فضربت العرب به المثل، فقالت: أنت أحمى من مجير الجراد وفيه يقول شاعر طيء: وبالجَبَلَيْن لنا مَعْقِلٌ ... سَمَوْنا إليه بضُمّ الصعاد ملكناه في أولَيَاتِ الزَّمَان ... مِن بَعْدِ نوحٍ ومِن قَبْل عَاد ومِنَّا ابنُ مُرَّ أبُو حَنْبَل ... أجارَ مِنَ الناسَ رَجْلَ الجراد وزَيْدٌ لنا حَاتِمٌ ... غياثُ الوَرَى في السِّنين الشداد ومن شعرائهم المفضل وهو أوّل من قال الشعر من بعد طيء. ومنهم عارض الشعر، واسمه قيس بن جروة. ومنهم قيس بن جحدر جد الطَّرَمَّاح. وكان شاعرا وكان حاتم بن عبد الله استوهبه من بعض مُلُوك آل جفنة - كان أسره - فوهبه فقال في ذلك: فككتَ عَدِيَّا كلَّها من إسارها ... فأفضْل وشَفَّعني بقيس بن جَحْدر أبوه أبي والأم من امهاتنا ... فأنعم فِدَاك اليومَ أهلْي ومَعْشِري ومنهم الطرماح بن حكيم بن نفر بن قيس بن جَحَدر بن ثعلبة بن عبد ابن مالك بن أنمار بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثُعل بن عمرو بن الغوث بن طيء. وكان الطرمَّاح لا يدافع عن الخطابة والبلاغة والشعر، وزعم محمد بن سهل راوية الكميت أنشد قول الطّرمَّاح شعرا: إذا قُبضَت روحُ الطّرمَّاح أخْلَقَتْ ... عُرْى المَجْدِ واستَرْخَت عِنَانُ القصايد فقال الطّرمّضاح: أي والله، وعِنَان الخطابة والبلاغة، وكان الطّرمَّاح يرى رأيا الخَوَارِج، والطرماح هذا غير الطِّرمَّاح الذي وفد إلى الحسن بن علي، ذلك الطَّرمَّاح بن عَدِي بن حاتم الطائي أيضا. والطَّرمَّاح: الطويلُ، وكل شيء طويل فقد طَرْمَحْتَه. قال الشاعر: طرمَحوا الدَّورة الحداج وأضخت ... مثل ما أمتدّض من عماية

ونَفْر: إما من النَّفور عَن الشيء وإمَّا مِنْ نَفَر الرّجل الذين بهم يتقوى، من ذلك قولهم: فلان لا في العيد ولا في النفير. أي مِمّن يخرج في العيد للتجارة، لا مِمَّن يَنْفِرْ في الحرب ومن قبائل ثعل بنو سلسلة، منهم الأعرج الشاعر واسمه عَدِي بن عمرو بن سُوَيْدة بن زياد بن سلسلة. ومن قبائل ثعل منهم بنو عُنَيْن، بنو عَتُود وبنو فَرِير، وهو جاهلي. ومنهم بنو دغيش منهم عنترة بن الأخرس الشاعر الجاهلي. ومنهم بنو يُحْتُر بن عَتُود بن عُنِيْن بن سُلاَمَان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء. وبنو بُحتُر بطن عظيم. والبُحتُر: القصير من الرَّجال، كذلك البُهتْر. وعُنَيْن: فَعيل من عنّ يَعِنّ ويَعُنّ إذا اعترض، وعُنّ لي كذا وكذا، وأعن الرجلُ الفرس إذا حبسه بِعنانه، وهو مأخوذ من العِنَان، والعُنَّة خيمة من أعضاد الشجر، والجمع عُنَنٌ، ورجل مِعَنٌ إذا كان يعترض في الأمور مما لا يلزمه، وفرس معَنٌّ إذا كان يعترض في جريه. وعَتُود: والعتود: الجدي الذي قد استحكم، وقارب أن يكون تيسا، والجمع عتدان. والفَرِيرُ والفُراَرُ: ولد البقرة الوحشية، قال لبيد: خنساءُ ضَيَّعت الفَرير فلم يَرِمْ ... عُرْضَ الشَّقائق طَوْفُها ونُعَامُها سِلْسِلة والسِّلسلة كل ما تسَلْسَل من شيء، وتَسلسل البرقُ إذا استطال في عُرض السَّماء، وماءٌ سلسلٌ وسَلْسال: إذا كان سهل المُزْدرد، وسلاسل الرمل الرمل قطعٌ تستطيل وتتداخل. ومنهم الهيثم بن عَدِي بن عبد الرحمن. ومن رجالهم في الإسلام الهيثم ابن عبد الرحمن بن زيد بن راشد بن جابر بن عَدِي بن تُدُول بن بُحْتر بن عَتُود بن عنين بن سُلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء. وكان من رواة الأخبار. واسم الهيثم فرخ النسر. ويقال الهيثم ضرب من الشجر، ومنهم البُحْتُري الشاعر، وهو أبو عبادة الوليد بن عبيدي بن يحيى بن عبيد بن جابر بن مسلمة بن مشهر بن الحارث بن حوط بن عبد الله بن أبي حارثة بن عَدِي الشاعر بت تُدول بن عَنُود ابن سُلاَمان بن ثُعل. ومنهم حرب بن حوط بن عبد الله بن أبي حارثة بن عَدِي الشاعر، الذي حكم في الجاهلية في الخنثى كما يُحْكم فوافق السنة، كما حكم عامر بن الظرب ولم يكن سمع به. وله يقول أدهم بن أبي الذعري الطائي في الإسلام يفخر بذلك: منا الذي حكم الحكومة وافقت ... في الجاهلية سُنَة الإسلام ومن ولده معرض بن صالح، وكان شريفا سيدا. ومنهم الأعرج الشاعر، شاعر ثُعل كلها، وكان ذا حكم في الجاهلية فوافق السنة كما وافق. ومن ولد حارث بن حوط ذرب، واسمه سُوْيد بن مسعود بن جعفر بن عبد الله بن طَرِيف بن حارث بن حوط. ومنهم عمرو ابن المُسَبح وهو أحد المعمرين، عاش مائة وخمسين سنة، ووفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم وكان أرْمى العرب كلها، وله قول امرؤ القيس: رُبَّ رامٍ من بني ثُعلِ ... مخرج كَفَّية من سُتره ومنهم الكَروَّش الشاعر، وهو الذي جاء بقتل أهل الحّرَّة إلى الكوفة، وفيه يقول الشاعر: لعمري لقد جاءَ الكرَّوش كاظما ... على خَبَرٍ للمسلمين وَجيعِ ومن رجالهم في الجاهلية باعثُ بن حريص، وكان فارسا، وهو الذي أغار على إبل امرئ القيس، وفيه يقول امرؤ القيس: تَلاَعَبَ باعثُ بِذَمَّة خالد ... وأردى دثارٌ في الخطوب الأوائل ودثار: راعي امرئ القيس. ومنهم الجبر بن ثعلبه، ومنهم ثعلبة بن عبد بن عامر بن أفْلَتَ، كان شريفا وهو صاحب وقعة يوم المَجَمر. بنو سِنْبِس ومن قبائل ثعل بنو سنبس بن عمرو بن ثعل ويقال سنبس بن معاوية بن جرول ابن ثُعل، وسِنْبِس أصله من الهزال واليُبْس. ومنهم القابض السِّنْبِسي وفيه يقول الشاعر. فصبحها القابض السنبسي ومنهم زيد بن حصن بن وَبَرة بن جو بن عمرو بن جو بن محصب بن جرمز بن لبيد بن سِنْبس بن عمرو بن ثعل، وهو صاحب الخوارج يوم النَّهرَوان، متى إلى علي بن أبي طالب حتى ضربه، فقال فيه عمران بن حطان شعرا: أنْبَئتُه قد مشى في الرمح معترضا ... فيه فيقصد أحيانا وينجزا وكان من عُبَّاد أهل الكوفة. ومنهم عامر بن جُوَين وابنه الأسود ابن عامر كان سيد بني ثعل. ومنهم قيسَ بن عازب الفارس.

بنو بولان

ومنهم الأخرم السِّنْبِسّي الشاعر، وهو القائل: لما التقى الجمعان جمعا طيء ... كُلُّ يقول فَلَيْتَنا لا نُهْزَم فتصادم الجمعان ثم علاهما ... أمرٌ وسيف للمنّية مخدم ولي بخير والسنان بِخَلْقه ... ويقول نحنُ لَكُم أعقَّ وأظلم يدعو جديلة والرماح تكبهم ... حتى استتَبُهُم شقيق أدهم زعموا بأنا لا تُكِرُّ جِيَادنا ... وهمُ الفوارِسُ والفَوَارِسُ أعْلَم بنو هني: ومن ثعل بَنُو هني بن عمرو ثُعل. ومنهم إياس بن قَبِيصة بن أبي نفر بن النُّعمان بن حيَّة بن سعنه بن الحارث بن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن سقر بن هني بن عمرو بن ثُعل، ملك الحيرة بعد النعمان بن المنذر، وهو الذي كان كسرى يُتيَّمن به، وهو الذي هَزَم الروم وفرّق جموعهم لما نزلوا النهروان في أيام أبرويز، وللأعشى فيه مدائح كثيرة، وغيره من شعراء العرب. ومنهم عمه حنظله الخير بن أبي عُفْر بن النعمان بن حيّة بن شعنة بن الحارث، وكان يتكلم بالمواعظ، وتَفدُ إليه العرب لتسمع من مواعظه، ويزعم في شأنه أن دينه ليس بدين الحق، وكان كاهن العرب، يزعم أنه نبي، فلما طال عُمره تبتَّل وترك الدنيا، ورفض بها، وكان ابنه الحبارس، واسمه حسان فارس الضُّبَيْب - وهو اسم فرسه - وهو أفرس العرب في زمانه، وهو الذي قال لكسرى أبرويز يوم هزيمته بهرام جور وقذفت به فرسه. وطلب من النعمان فرسه اليحموم أبى أن يعطية إياه فقال له حسان: حياتك خيرٌ للعامة من حياتي، فاركب الصُّبَيْب فرسي وأنْجُ بنفسك. ففعل وركب، وركب حسان السندان فرس أبرويز ونجا في غمور الناس. وفي ذلك يقول حسان شعرا: أعطيت كسرى ما أراد ولم أكن ... لأتركه في الجيش يعتثر راجلا بذلت له ظهر الضُّبَيب وقد بدت ... مسومة من خيل بزل ورايلا فلما قَرّ كِسْرى في ملكه أتاه حسان فأقطعه ضياعا بالسواد، وكان أول عربي يُقطِع له بالسواد. ومنهم الأخيل، وهو أبو المقادم بن عبيد ابن أرغْشَمَ الشاعر، يُرَد إلى بني بُحْتُر. والأغشم من الغشم وهو الظلم والبغي - والسَعنةٌ من قولهم ماله سَعْنَةٌ ولا مَعْنةٌ والسُّعن سِيقَاءٌ صغير يُنتبذَ فيه أو يُسْتَقى فيه. ومنهم أبو زبيد الشاعر واسمه حَرْملة بن المنذر بن معدي كرب بن حنظلة بن النعمان بن حية ابن سعنة بن الحارث بن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن سقر بن هني بن عمرو بن ثعل وكان نصرانيا. وزبيد تصغير زبد والزَّبْدُ العطاء. بنو بَوْلان ومن طيء بنو بَوْلان واسمه غصين بن عمرو بن الغوث بن طيء، أغار على بني بَوْلان فاستاق سبيهم واستاق في السبي ابنة لمعتر يقال لها ماوية. فلحقها أبوها معر فقتله. ومنه بنو صيفي وهو سادن الفلس والفِلس صنم كان لطيء. ومنهم خالد بن عَنَمة الشاعر الجاهلي. ومنهم قَلْطف الكاهن - والقلطفة الخِفَّة في قِصَر جسم. وكان منهم عبد الله بن خليفة، وكان سيدا شاعرا، وكان على قومه عند علي بن أبي طالب يوم صفّين. ومنهم معين بن ضغير، وكان يعد من دهاة العرب، وهو قاتل عبيد ابن أبي الحارث الغساني. ومن شعراء بني بَوْلان أبو ضغير، ومن جيد شعره قوله: أودهم ودَّا إذا خامر الحشا أضاء على الأضلاع والليل دامس بني رجل لو كان حَيَّا أعانني ... على ضُرِّ أعداي الذين أمارس ومنهم وَبَرة بن سلامة بن أوفى الشاعر. ومنهم قَسَامة بن رَوَاحة الشاعر. ومنهم بنو حزم، واسمه ثعلبة بن عمرو بن الغوث بن طيء، ويقال حزم بن عمرو بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن كيء. وكان منهم فارس حزم عامر بن جوين بن عبد رضي بن قمران بن ثعلبة ابن عمرو بن ثعلبة بن حيان بن حزم، وكان جمرة من جمرات العرب وكان شاعرا مع بأسه وشرفه. ومنهم عبد عمرو بن عمار الشاعر، وكان من خطباء مدبح كلها، وكان من أمتع الناس حديثا، فبلغ النعمان حسنُ حديثه، فدعاه إلى منادمته، وكان النعمان أحمر العينين أحمر الشعر والجلد، وكان شديد العربدة قَتَّالاً للندماء، فنهاه أبو قردود الطائي عن منادمته، فلم يقبل منه، فلما قتله النعمان رثاه فقال: إني نَهَيْتُ ابنَ عمار وقلت له ... لا تأمْنَنْ أحمر العينين والشعر

" بنو جديلة "

إن الملوك متى تَنْزِل بساحتهم ... يَطِر بِنَارِكَ من نيرانهم شَرر يا جفنه وكأن الحوض قد دهموا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحِبَر ومنهم الإياس بن الأرَتَ بن عبيد بن الكور بن حيان بن حزم. ومنهم جابر بن الثعلب الشاعر. ومن ولد حزم سَمْحَاءُ وحنانٌ. وسمحاء فَعْلاء من قولهم سمحت الشيء إذا خلطته بيدك خلطا خفيفا، والعدد من بني حزم في حيان، والشرف منهم في بني عامر بن جوين بن عبد رضى بن فهران بن حيان بن حزم. ومنهم بنو الشر منهم جواب بن نُبيط، مأخوذ من استنبط فلان بئرا إذا نبطها أي حفرها، واستنبط هذا الأسم إذا فكرت فيه واضمرته، واستنبطت بئرا إذا حفرتها. ومنهم قلطف الكاهن والقلطفة الخفة في قصر الجسم. " بنو جَدِيلة " ومن قبائل طيء بنُو جديلة بن خارجة بن فُطرة بن طيء بن أدد بن زيد بن الهَمَيسع بن عمرو بن يَشجب بن عريب بن زيد بن كَهّلا بن سبأ الأكبر بن يَشجُب بن يَعرُب بن قحطان بن هود عليه السلام - وهو عابر بن عبد الله، وهو شالح بن أخلود بن الخلود ابن عاد بن عابر بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام ابن لمك بن المتوشلخ بن أخنوخ - وهو إدريس عليه السلام - بن اليارد ابن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم - صلوات الله عليه وجديلة أمُّهم، وبها يعرفون، وإنما هم بنو جُندب بن خارجة بن سعد ابن فُطرة بن طيءفتركوا الأب وهو جُندب بن خارجة ونسبوهم إلى أمهم جَدِيلة امرأة خارجة: فقالوا: جديلة. وجُور من الجور وهو من الضلال، ومثل من أمثالهم " حُور في محارة " ضلال لا يهتدى لسبيله. وجوّاب فَعَّال من قولهم جُبت الشيء أجوبه جوبا إذا قطعته، وفي التنزيل) الِين جَابُوا الصَّخرَ بالواد (أي قطعوه، والله أعلم. والمحوب معروف والعروف وهو الجديدة التي يستعملها الحدادون وهي غايةالرأس والجوية الحفرة بين البيوت، لأنها انجابت أي أنقطعت، ونُبيط تصغير نبط، والاسم النَّبط، وهو الفرس الذي ابيض بطنه وما م منه، واعلاه من أي لون كان. والنَّبط نبط البئر وهو أول ما يخرج من مائها، قال الشاعر: قريب تراه لا ينال عدوُّه ... له نبطا عند الهوان قَط فمن بني جديلة البُحير، واسمه عمرو، وهو من ولد طريق بن عمرو بن ثُمام وإنما سمى البُحير لجوده، وفيه يقول قيس بن زهير العبسي للربيع ابن زياد العبسي حربهم: لقد نهق الربيع نُهاق عَير ... ونادى قد أهنت بنى ولا تذهب بك الخيلاء فخرا ... تخالك كالحصين أبى أو الديان أو حجر بن عمرو ... أو المامون أو عمرو ال " ويقال أن منهم خمر بن زياد بن الكيس " ومنهم بنو لأم بن عمرو بن طريف بن مالك بن جدعاء بن لوذان بن ذهل بن رومان بن جديلة بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء وإليه البيت. والَّلأم: السهم المراش الذي استوت قذذه، فإذا كان كذلك فهو لأم، وفَسَّر قومٌ بيت امرئ القيس. كَرَّكَّ لأَمَيْنِ على نَابِل أي سهمين لأمين، والّلأمة مهموز - وهو السلاح مصدر اللئيم - من قولهم استلأم الرجل، وفي بعض اللغات اللُّؤمة. ومن رجالهم أوْس بن حارثة بن لأمِ رأس طيء وكان من أصحاب الملوك وسادات العرب، وعاش مائِتي سنة ونيف، وكان شريف، وقدم يوما على النعمان ابت المنذر فدعا النعمان بحُلَّةٍ - وعنده وجوه العرب ووفودها - فقال لهم اجتمعوا في غد حتى ألبس هذه الحلة أكرمكم، فحضروا كلهم إلا أوسا، فقيل له لم تتخلف؟ فقال: إن كان المراد غيري فالأجمل بي أن لا أكون حاضرا، وإن كنت المراد طُلِبْت. فلما جلس النعمان لم ير أوسا قال: أذهبوا إلى أوس وقولوا له احضر آمامنا مما خفت. فحضر فألبس الحلة، فحسده قومٌ من أهله فقالوا للحطيئة: اهجه ولك ثلاثمائة ناقة. فقال لهم، كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي شيئا إلا من عنده؟! ثم قال: كَيْفَ الهَجاء ومَا تَنْفَك صَالِحَةٌ ... مِنْ آلِ لأم بظهر الغَيْب تأتيني فقال لهم بشر بن أبي حازم: أنا أهجوه، فهجاه، فأخذه أوس وأراد أن يحرقه بالنار، فقالت له أمه: لا تفعل، فإنه لا يغسل هجاه إلا مدحه فأطلقه صلته فمدحه بكل بيت هجاه فيه قصيدة فمن قوله فيه:

وَمَا وَطِيء الحَصَى مِثْل ابن سُعْدى ... ولاَ لَبِسَ النَعَّالَ ولا احْتَذَاهَا واجتمع عند النعمان بن المنذر حاتم بن عبد الله وأوس بن حارثة وهما يومئذ سيدا طيء في نفر من الناس، فدعا النعمان حاتما فقال له: إني مُخِصُّ بالجائزة أشرفكما وأكرمكما، فإياك أعطي أم ابن عمك أوسا؟ فقال له حاتم: أبيت اللعن، أتعدلني بأوس بن حارثة، لأوضع ولده أشرف مني، فلما خرج حاتم بعث إلى أوس فدعاه. ولم يشعر بالذي قال لحاتم - فلما دخل عليه قال له النعمان: إنك قد وردت إليّ وابن عمك، وإني معطي الجائزة أشرفكما وأرفعكما، فقال له أوس: أتعدلني بحاتم، والله لو أني وأهلي لحاتم لأعطانا في مجلس واحد. فقال له النعمان: كلاكما سيد له عندي الشرف والجائزة، والمنزلة الحسنة، ولو كنتما دائنين لم تفعلا الذي فعلتما، ثم أرسل إلى كل واحد منهما بجائزة منهما بجائزة سينة، وقال حاتم في ذلك: - ألا مَن مُبْلغ النعمان عني ... بأنك سيّد ملكٌ همام جوادٌ طيّب الأخلاق سَمْحٌ ... كريم كلما غشى المدام خرجنا نحوه نبغي نَدَاه ... وكان الغيث ليس به اكتتام فزدتَّ على الذي كنا نُرَجِّي ... وأنت الماجد العضب الحسام فقد أبنا بذلك شاكراه ... فلما أنساه ما سَجَعَ الحمام جزاه الله خيرا من ميلك ... ولاقته التحيّة والسلام فمن ولد أوس بن حارثة بن لأم الرَّبِيعُ بن مُرِي بن أوس، شريف مذكور، وليَ الحِمَى بظَهْر الكوفة، ولاَّه الوليدُ بن عُقبة، وكان لوِلاية الحِمى قَدْرٌ في ذلك الزمن، ومُرَيُّ تصغير مِرْء، والجمع مَرْوُن. أخبر بذلك عيسى بن عُمَر عن رُؤْبَة. ومنهم ثعلبة بن لأم من ولده نَوْفَل بن زَبْن بن مَشْجَعَةَ، وكان شريفا فارسا. ومنهم بسطام بن شِنْظِير بن أنَافَ، والشِّنَظير: السِّيئ الخُلُق الزَّعِر. ومن ولد حارثة بن لأم عَرِّم بن الحارث بن المنذر بن رشد بن قيس بن حارثة بن أوس بن لأم، عاش في الجاهلية دَهْراً، وهو من المعمرين، وأدرك أيّام عمر بن عبد العزيز، وأدخل عليه ليزمن: أي ليُكْتب في الزَّمْني، فقال له عمر: وما زمانتك هذه؟ فقال: فو الله ما أدري أأدْرَكْتُ أمَةُ ... على عهدي ذي القرنَينِ أم كنتُ أقْدما مَتى تَترِعا عني القميصَ تَبَيَّنا ... جَنَاجِن لم يُكْسين لحما ولا دما ومنهم شهاب بن لأم، وكان شاعرا. ومنهم مجير الجراد أبو حنبل حارثة ابن مر، وقد ذكرنا قصته هذه قبل. ومنهم أبو جابر بن الخلاس، اجتمعت له طيء ولم يجتمع لغيره. ومن جديلة بنو تَيْم الله، منهم المعلاّ بن تَيْم الله بن ثعلبة بن جديلة بن ذهل بن رومان بن جديلة ابن خارجة بن سعد بن فطرى بن طيء، وهو الذي يقول فيه امرؤ القيس ابن حجر الكندي لما استجار به عن المنذر بن النعمان ماء السماء اللخمي: كأني إذ نزلتُ على المَعَلاَّ ... نزلتُ على البَوَاذِخ مِن شمام فما مَلِكُ العراق على المعَلا ... بمقتدر ولا ملك الشام أصدُّ شِنَاص ذي القرنين حتى ... تولّى عارض الملك الهمام أقَرَ حَشَا امرئ القيس بن حُجر ... بَنُو تَيْم مصابيحُ الظلام فلزمهم هذا الأسم فهم يسمون اليوم مصابيح الظلام. ومنهم أبو حذام الشاعر الذي ذكره امرأ القيس بن حجر. عوجا على الطلل المحيد لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن جزام

ومن بني جديلة بنو ملقط أشراف فرسان. منهم عمرو بن ملقط بن عمرو بن ثعلبة بن عوف بن جذعا ابن ذهل بن رومان بن جديلة بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طي. وكان رئيسا فارسا وهو الذي بعثه عمرو بن هند الملك على مقدمته في حرب بني تميم وهو الذي أحرقهم بالنار. ووزر بن جابر هو قاتل عنترة العبسي وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم. والوزر الملجا وفي القرآن كلا لا وزر. والوزر الأثم وسمى الوزير الخليفة عنه أوزراه كذا قال بعض أهل اللغة وقال قوم بل الوزير المعين من وزارته على وزارته على كذلك إذا أعتبه وفي نسخة على عمله. وقال بعض ان أسم الأسد الرهيص الجبار بن عمرو وهو جاهلي. ومنهم أخوه غياث بن ملقط ومن ولده الأسد الرهيص واسمه الجبار ويقال بل اسمه خالد بن زيد بن عمرو بن عميرة بن ثعلبة بن غياث بن ملقط بن عمرو بن ثعلبة بن عوف بن جذعا بن ذهل بن رومان بن جديلة بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء وكان فارسا وإنما سميّ الأسد الرهيص لأنه كان لايبرح ولا يولىّ عن القتال وهو القاتل عنترة العبسي في وقعة كانت بين طيء وبين عبس وفي ذلك يقول الأسد الرهيص. أنا الأسدُ الرَّهِيصُ بِحيَّ طي ... إذا أدْعَى لنائبةٍ أجبت قتلت مُجاشعاً وبني أبيه ... وعنترة الفوراس قد قتلتْ فإن أسِفت بنْو عبس عليه ... فلا وأبي جديلة ما أسفت وقال في ذلك الربع بن زياد العبسي: فإن تك طيء خلجت أخانا ... وما نيلنا به منهم بَوَاء فإن الوتْر بعد الموت يَحْيا ... كَمَا أذْكَيْتَ بالحطب الصِّلاء ومن رومان بن جديلة بن خارجة بن سعد بن فُطرة بن طيء بن أدد مشجعةُ الكتائب، وأطَيط المقانب، ومنهم مصلح القائل فيه الشاعر: هل مُصْلِحٌ إلاّ فَتى ... يَنْمي إلى أزكى العناصر مِن كَابِر مُتَرَدِّيا ... ثوب العُلا ينْمي لِكَابر وقالت فيه أبنة عمه، يقال لها شبيبة: فو الله ما أحببت إلا مهذبا ... له في فؤادي لذة ليس تبرح إذا علقت كفاه يوما بمنكبي ... وأوعية هَزَّ الجناجن مصلح فتسمع وقعا ليس في الأرض مثله ... تخال به صوت المحالة تصدح ومنهم خول بن شهلة الشاعر. ومنهم جبلة بن رافع. ومنهم البُرْج بن مُسهر بن الجُلاَس، وهو أحد المعمرين. ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم. والبُرْج اشتقاقه من بُروج القصر أو بروج السماء، وهو بالقصر أشبة، وكان عظيم الخلق فَشُبِّه به. ومنهم المكيع. ومنهم قُطْبَة بن شهاب. ومنهم ابن مُجير الملوك. واسمه الحُرّ بن مشجعةً الأشيم، وكان رئيس جذيلة يوم مُسَيْلمة الكذاب، وكُلَّ هؤلاء قادوا الجيوش، وشُهَروا في الناس. وما منهم واحدٌ إلا وقد أوقع، وقيل في ذلك شعرا: وحوادث الأيام لا ... تبقى لها إلا الحجارة ها إن عجرة أمة ... بالسفح أسفل من أواره تسقى والرياح حلاحلا ... كشْحية قدْ سَلَبوا إزاره فاقتل زُرَارَة لا أرى ... في القوم أو في من زْرَارة وهذا كان سبب توجيه عمرو إلى بني تميم. صَيارة: قطع الحديد، والبغداديون يروونه صيارة بالياء، ويقولون: إنها حجارة تبنى بها الزَّرب للشتاء. ومنهم رافع بن عميرة دليلُ خالد بن الوليد، وفيه يقول الشاعر: لِلهِ عَينا رافع أنَّى اهتدى ... فوق من قُراقرٍ إلى سُوى ومنهم الهدلق، دَلِيلٌ، وكان قد عمى. وكان في عمائه أدّل من غيره، فامتحنه قوم بعد ما عمى، فحملوا ترابا كان من قَو حتى أتو الدَّو، وقالوا: يا هدلق، أين نحن؟ قال: أروني تراب الأرض. حتى أشمه. ففعلوا وأعطوه من التراب الذي حملوه من قوّ، فقال لهم: التربة قوّ وأيدي الركاب في الدَّو. فقالوا: لا يخلسك الله عقلك، لا نُكذبك بعد هذه الدلالة أبدا. ومن شعرائهم حولى، والريان ابنا سهل، وابن شماء، والوذل.

ومنهم الشقراء أخت شبيب بن عمرو تزوجها عبد الملك بن مروان، ثم تزوجها بعض من بني العباس، وكان شبيب أخوها شاعرا. ومنهم أم شبيبة، ومنهم عبيد بن طريف - وكان أسَرَ جناب بن هبل الكلبي، فقال له: افد نفسك. قال: نعم قال: لست أقبل مالاً. قال: فما تريد؟ قال: حُبَّي ابنتك. قال: ما كنت لأزوجها وأنا في أسارك أبدا. قال فإني لا أخليك ولا أقبل منك سواها. فقال لها زُهير بن جناب أخوها: ما ترين يا حُبّى؟ فقالت: أرى أن أبرّ والدا. وانكح ماجدا. فبعث بها إليه فتزوجها وأطلق لها أباها جناب بن هبل. ومن قبائل جديلة بنو جدعاء بن رومان بن جديلة بن خارجة بن سعد بن فُطرة بن طيء بن أدد. ومنهم الثعالب، وهم ثلاثة أبطن، ثعلبة بن ذهل بن جدعاء وثعلبة بن رومان، يقال لهؤلاء ثعالب طيء، ومنهم بَنُو رُهم - درجوا - ويقال: إن أفعى نَجران منهم. ومنهم بنو عَكوة ومنهم الحُرّ بن النعمان، كان له بلاء عظيم في الإسلام أيام الرِّدَّة. ومنهم الأصدقُ بن ضليع الشاعر. ومنهم مُنهب بن حارثة بن خَبيرِي وقد درج - ومنهم عَوَانة بن شبيب بن القَرثع بن مشجعة. ومنهم أبو حارثة مسعود بن غَلبة. ومنهم قيس بن عنم بن أبي ربيع. ومنهم إياس بن المُجر الشاعر. ومنهم بنو أشنع. ومنهم بنو حجبة، ومنهم قرواش. ومنهم عبد الله بن الجوشاء الذي خرج على معاوية يوم النخيلة. فبعث إليه معاوية فقُتل وجميع من كان معه، وفيه يقول قيس بن الأصم شعرا: إني أدِيْنْ بما دَانَ الشراةُ به ... يوم النخيلة عند الخَوْشَق الجرب قومٌ إذا ذُكِّرُوا بالله وَادَّكَرُوا ... خَرُّوا من الخوف للأذقان والرّكب ومنهم داوود الطائي: وكان قد سمع الحديث وفَقُه في الدين، وعرف النحو وأيام الناس، ثم تعبَّد بعد ذلك فلم يتكلم بشيء بعد ذلك. وأما روُمَان فهو فَعْلان من رُمت الشَّيء أرُومه رَوما. والجَدْعاء فَعْلاء من الجَدْع وهو القطع، وأما عُكْوَة فاشتقاقه من عقد أصل ذنب الفرس، ويقال عكَوت إذا شدته، قال الشاعر: أيَّما شاطِن عَصَاه عَكَاه ... ثُمَّ يُلْقى في الغُلِّ والأكبالِ وأما الأصْدَف فمأخوذ من الصَّدَف، والصَدَف مَيْلٌ في أحد رُسْغي الفرس فرسٌ أصدف والأنثى صَدْفاء، وصدَف فلان عن كذا وكذا إذا صدَّ عنه، فهو صادفٌ والصَّدفَ من البحر معروف، والجمع أصداف. وأما مُنِهْب فهو مُفعِل من أنهب يُنْهب إنهاباً فهو مُنْهب. والنَّهب: ما انتُهِب من عسكر أو غيره، وهو النَّهاب. وأما عَوَانة فهو فعالة من العون، أعَنْتَهُ أعيِنه إعانةً فأنا مُعين وهو مُعَان ومسجد بني فلانٍ مُعان من النَّاس أي كثير الأهل. وأما القَرثَع فهو من تقر الصُّوف. تقرثع إذا تقزد، وامرأة قَرثَع: بلْهاء. وأما أشنع فاشتقاقه من قولهم ذِكْرُ فلانٍ أشْنَعُ: أي عالٍ مرتفعٌ. ما أمْر شنَعْ بيِّن الشَّنَاعة، فأحْسِبْه من الأضداد ومن بني أشنع عمرو بن صخر بن أشنع صاحب البَقِيرة الذي طعن زيد الخيل في حرب الفساد. والبَقِيَرة فرس. ومنهم حُبِيُّ الفوارس بن مَصَاد، ومنهم نَهِيلٌ بن قَعْنب بن أوس شاعر. وعَبْسُ الفوارس وتشنع الثوب إذا تَفَزَّرَ وتشنع البعير إذا عدا عدوا شديدا، وهي غَدْرَة شنعا أي مرتفعة الذكر بالشنعة، قال الشاعر: وكانت غدرة شنعاء فيكم ... تَقَلدها أبوك إلى الممات أنقضت أنساب طيء. وهذه صورة شجرة أنساب طيء.

أنساب مذحج، واسمه مالك بن أدد

زيد الخيل ابن المهلهل بن مُنْهِب بن عبد رُضي بن المختلس بن ثور بن كنانة بن مالك بن نابل بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء. وكندة وهو ثور بن مُرَقع بن عُفَيْر بن عَدِي بن الحارث بن مُرّة الأسعد. حاتم بن عبد الله بن سعد بن ربيعة بن الحشرج بن امرئ القيس ابن عدي بن امرئ القيس بن ربيع بن جرول. بنو هني بن عمرو بن ثُعَل. بنو بُحتُر بن عَتُود بن عُنين بن سَلاَمان. سمحاء بنو حبان ابن حية. أوس بن حارثة بن لأم بن عمرو بن أنمار بن عمرو بن طريف بن مالك بن أوران. الأسد الرهيص بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن عَتْاب بن مِلْقط بن عمرو بن ثعلبة بن عوف. بنو تَيْم الله بن ثعلبة بن جَدِيلة بن ذُهل بن رُومان بن جديلة بن خارجة بن سعد بن فُطْرَة بن طيء. مصلح بن رُومان بن جديلة بن خارجة بن سعد بن فُطْرة بن طيء. أوس بن تَيْم الله بن ثعلبة ابن جَدِيلة بن ذُهل بن رُومان بن جَدِيلة بن خارجة بن سعد ابن فُطْرَة بن طيء. وقد قال القائل فيها: قومي بنو نَبْهان أهل مكارم ... تُحْصِي الحَصى مِنْ قَبْل أن تُحْصيها سادات طَيِّ وطيُّ سادات الورى ... ومكارم العرب العريضة فيها وإذا المكارم لم تُصَادِف مَوْطِناً ... في الناس ألقْت وسط طيِّ عَصِها أنساب مَذْحج، واسمه مالك بن أُدد فأما مذحج فهو مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يَشّجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان. وقال بعض: هو مالك بن أُدد. بن زيد بن الهَمَيسع بن عمرو بن عَرِيب بن زيد بن كهلان، وسمي مالك بن أدد هذا مَذْحَجَاً باسم أمّه مُدِلّة، وهي مذحج، وأيضا سُميِّت مّذحَج لأنها ولدت على أكمة يقال لها مّضْحَج فسميت بها، وسَمِّى ولدها مالك مذحج باسمها، وهي أم مالك هذا المعروف بَمذْحج وأم مُرّة وطيء بنو أدد، ومُرّة هو أبو كندة. ومذحج مَفِعل من الذَّحْج، من قولهم ذَحَجتُ الأديم وغيره إذا دَلَكْتَه. قال ومّذحِج أكمة وُلِدَت عليها أمَ مالك بن أدد ومُرّة وطيء بن أدد، وهو أبو كندة، فسميت أمّه. بها. واسمها مُدِلة، وسمى ولدها مالك مذحجا باسم أمه، ومذحج مَفْعِل من الذّحج من قولهم ذحجت الأديم وغيره إذا دلكته. فولد مذحج وهو مالك بن أدد بن زيد بن الهَمَيَسع مُرَاد بن مالك، واسمه يحابر، وسعد العشيرة بن مالك، وخالد بن مالك، وعبس بن مالك. مراد: وأما مراد بن مالك فاسمه يَحَابر، وإنما سمي مُرَاداً لأنه أوّل من تَمرَّد باليمن، وتَحَابُر جمع يَحْبورة وهو ضرب من الطير، فولد مراد بن مالك ناحية بن مُرَاد وزاهر بن مراد فقبائل مراد الرَّبض، وكانت له صنجية، وقال قوم إنه من صُنَابِح. وعَسَّال من فعَّال من العَسَلاَن، وهو ضرب من العَد} وِ فيه اضطراب ومنهم صفوان بن عمرو بن الرَّبض بن زاهر بن عامر بن عَوْتَبَان بن زاهر بن مُراد. وبنو زَّوْف وصنابح ورَدْمان بن ناحية بن مراد. منهم بنو قَرَن بن رَدْمان بن مالك بن مُراد. والرَّبض مأخوذ من أشياء، إما من أرباض البطن وهي الأمعاء، وإما من رَبَض المدينة وهو ما رَبَض حولها. وربض الرجل أهلهُ وامرأتهُ. ومن ذلك قال الشاعر: جاءَ الشّتاءُ ولمَّا أتَّخِذْ رَبَضاً ... يا ويَح كَفَّي من حفر القراميصَ ومرابض الغنم معروفةٌ واحدها مَربض، والرَّبيض: القطيع من الغنم، ويقال: جاءَنا بَثَرِيدٍ كَرِبْضَة الخَرُوف. وأما زَوْف فمصدر زَافَ يَزُوف زَوْفاً: وهو الطَّفْرُ من موضع إلى موضع. وزافت الحمامةُ تَزيفُ زَيَفاناً. واشتقاق صُنَابح إن كانت النون زائدة فهي من الصُّبح. وهو الضوء وقال قوم الصُّنَابح العَرَق المُنْتِن فإن كان كذلك فهو فُعَالِل.

فمن الرَّبض صَفْوان بن عسال وبنو مالك بن مراد. وبنو قَرَن كان منهم أويس القَرَني، وهو أوَيس بن عمرو بن جزء بن قيس ابن مالك بن عمرو بن عصوان بن قَرَن بن ردمان بن ناجية بن مراد. وكان أوَيس رجلا صالحا، وهو من التابعين، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا له ولم يصحبه. وروى أن النبي عليه السلام أنه قال ذات يوم لأصحابه: أبشروا برجلٍ من أمتى يُقِالُ له أوَيس القَرَني يشفع يوم القيامة بمثل ربيعة ومُضَر. ثم قال لعمر: إن أدركته فأبلغه عني السلام، وقل له يا عمر: إن مكانه بالكوفة. فكان عُمَرُ يطلبه من المَوسِم لَعَلَّه أن يُحُجّ فيلقاه، حتى وقع عليه مع أصحاب له وهو أخشنهم وأرثهم حالا، فلما سأل عنه عُمَر أنكر ذلك أصحابه وقالوا: يا أمير المؤمنين، تسأل عن رجلٍ لا يسأل عنه مثلك!! قال: ولم؟ قالوا: لأنه مغبون في عقله، وربما عَبَث الصبيان به، فقال عمر: ذلك أحبّ إليّ، فدلوني عليه، فدّلوه عليه، فقال عمر: يا أُوَيْس إنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أودعني إليك رسالة، وهو يقرئك السلام، وقد أخبرني أنك تشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر، فخر أويس ساجدا، فمكث طويلا لا تَرْقَالَهُ دمعة. فظنوا أنه قد مات. فنادوه: يا أويس، هذا أمير المؤمنين فرفع رأسه ثم قال يا أمير المؤمنين أفعل. قال: نعم يا أويس، أدخلني في شفاعتك. فقال: يا أمير المؤمنين، أشهرتني وأهلكتني. فعاش أكثر دهره مستخفيا، وجعل الناس في طلبه من كل موضع، ويتمسحون به، وكان - كثيرا - يقول: ماذا لقيتُ من عمر بن الخطاب حين عرفني الناس، ثم قتل بصغين مع علي بن أبي طالب وكان على الرَّجالة، فأصيب بها قتيلا رحمه الله. ومنهم بنو عطيف، وهو بيت مراد. منهم بيت عمرو بن قعاس بن عبد يغوث الشاعر الجاهلي، وهو جد هانيء بن عُرْوة المُرادِيّ، وعمرو بن قعاس الذي يقول: أأمنتي في سراة بني عطيف ... إذا ما ساءني شيء أبل أُرُجِّلُ لِمَّتي وأجُرّ ذَيْلي ... وتحمل بزتي أفق كمل ومنهم سُودان بن حُمران أحدُ من قدم من مِصر على عثمان بن عفان رضي اله عنه. ومنهم ذو التاج مَرْوان، وهم من بني عُطَيف، ومنهم فَرْوة بن مِسِّيك عُطيف بن سَلم بن الحارث بن الذويب بن مالك بن مُنَيّة بن عُطَيف بن عبد بن ناجية بن مراد، وكان شاعرا فارسا، وكان قد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مفارقا كِنْدة، وقال في ذلك: اما رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرجل خان الرجل عرق نسب قربت راحاتي أ} م محمدا ... أرجو فواضلها وحسن ثوب فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم قال: يا فروة هلي ساءك ما أصاب قوم يوم الردم - وهو كان قبل الإسلام بين مُراد وهمدان، أصابت فيه همدان من مراد أرادوا، حتى أثخنوهم، فقال: يا رسول الله ومن ذا الذي أصيب قومه. بمثل ما أصيب قومي يوم الردم فلا يسوءه ذلك؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ذلك يَزْد قومَك في الإسلام إلا خيرا. فأسْلَم فَرْوَة وحَسُن إسلامه، فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على مُراد وزَبيد ومَذْحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العلص الصَّدقة، وكان معه في بلاده حتى تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أشراف بيوت مُراد بيت هُبَيرة المكشوح سيْد مُراد، وابنه قيس فارس مذحج، وهو قيس بن هُبَيَرة المكشوح ابن عبد يغوث بن الغُزَبْل بن سَلم عَوْتَبان بن زهران بن مراد، وإنما سمي المكشوح لأنه كشح نفسه بالنَّار، قيس بن هُبَيَرة المكشوح، وهو الذي قَتَل الأسود العَنْسي الذي تنبأ باليمن الذي يقول لعمرو بن معدي كرب شعرا: تمَنَّانِي لِيَلْقَاني عُمْير ... بضاحي دملك حكما غميضا فأقسم لو بهذا قال قيس ... لغُودرت الغداة بها نقيضا وكان قيس بن هُبَيْرة المكشوح وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد فتوح فارس أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالقادسية ونَهاوَنْد، وهو أحد فُرسان العرب المذكورين في الجاهلية والإسلام. ومن عوتبان عبد الرحمن بن يحيى بن عمرو بن بجير بن مُلجم من بن أظلم بن عمرو بن عُوتَبان بن زاهر بن مراد الذي عَلَي بن أبي طالب. ومنهم أبَيْ الذي يقول فيه عمرو بن معدي كرب:

" سعد العشيرة "

تمناني ليلقاني أبَيّ ... وددت وأينما مِني واددي أريد حياته ويريد قتلي ... عَ1ِؤي من خليلي من مرادي ومن قبائل مُراد صُنَابح. وقد مَرّ ذكره - وأعلا وأنعم وبذول وطيبان بنو زاهر بن عامر بن عَويبان بن زاهر بن مراد. ومنهم مراد وهي التي قتلت قيسا أبا بن مَعْدي كَرِب الكِنْدي، وكان الذي قتله عمرو بن نزال المرادي وكان صنم مراد الذي يعبدونه في الجاهلية يغوث، قال قتادة: كان بالحرف من سبأ يغوث صنم لبني عطيف بن مراد. " سعد العشيرة " وأما سعد العشيرة بن مالك وهو مَذْحج بن أدد فإنما سمي سَعْد العشيرة لكثرة وَلِده، وأنه لم يَمُتْ حتى ركب معه من ولده وولد ولده في زهاء ثلاثمائة فارس، فإذا سئل: من هؤلاء يا أبا الحكم؟ قال: هم العشيرة. فقال الناس: هؤلاء عشيرته، فسمي سعد العشيرة بذلك - فولد سعد العشيرة الحكم بن سعد، وبه كلن يُكنى، وجُعْفى بن سعد، وصعب بن سعد، وحارثه بن سعد، وخارجة بن سعد، وجنب بن سعد، وعبد الله بن سعد، وعائذ الله بن سعد، وأنس الله بن سعد، وعمرو الله بن سعد، وسبأ الله بن سعد، وزيد الله بن سعد، مرة بن سعد، ومجمع بن سعد، ومازن بن سعد، واللبو بن سعد، وأسد بن سعد، وحمل بن سعد، وعبد شمس ابن سعد. ومنهم العقد وإليه ينسب العقدي. قال هشام: فمن ولد عمرو بن سعد حولان، واسمه الفضل بن عمرو، وقد مَرّ نسبه في ولد عمرو بن الحاف بن قضاعة. الحكم: فأما الحكم بن سعد فهم الذين قِيل فيهم وحكم، فمن ولد الحكم بنو جُشَم، وبنو سِلم، وبنو مضة، وبنو شهم، وبنو مِرْداس، وبنو صَبيح، وبنو دَوّة. واشتقاق سِلهم من قولهم اسْلَهَّم الرجلُ إذا ضَمُرَ، وجَسْمٌ مُسْلَهِمِّ: ضامر. والدَّوَة: القفر من الأرض، فمن دَوَّة الجَّراح بن عبد الله بن جعاد بن أفلح بن جوين بن دوة بن الحكم والجراح هذا صاحب خراسلن، وهو مولى هانيء بن الحسن بن هانيء المكنى أبا نواس، وإليه ينسب أبو نواس فيقال الحكمي، وجُعاد فعال من الجَعْد. جُعْفِي: وأما جُعْفِي بن سعد فاشتقاقه من قولهم جعفت الشيء أجعفه إذا اقتلعه من أصله. وضربه حتى انجعف أي انصرع. وفي الحديث " حتى يكون انجعافها مرة أي تقلع بمرة واحدة. فولد جُعْفي بن سعد مَرّان وحَريم بن جُعْفي، وفيهما يقول لبيج: ولقد بكت يوم النخيل وقبله ... مَرّان مَن أيّامنا وحَريم فمن ولد كَرّان شراحيل بن الأصهب الجُعْفي، واسمه دهرا، وكان بعيد الغارة. وهو الذي يقول فيه عمرو بن معد كرب: وهُمْ بَثُّوا على الدَّهْنا جُيُوشاً ... يُعيدُ بها شَراحيلٌ ويُبْدي وهو شراحيل بن القسطان بن الحارث بن الأصهب، واسمه عوف بن مالك بن كعب بن الحارث بن سعد بن عمرو بن ذُهل بن مَرَّان بن جُعْفي بن سعد بن مَذْحج، وكان شراحيل من أشد العرب غارات على معد، وعلى أطراف أرض فارس والسواد. وقيل إن خالد بن الوليد لما دخل الأُبُلّة قال لأهلها: هل دخل عليكم؟ قالوا: قدم عمرو بن معدي كرب المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من شهد الحيّ من ولد عمرو بن عامر؟ فقيل له: سعد بن عبادة الخزرجي. فأقبل يقود راحلته حتى أناخ ببابه، ثم خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقام أياما، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجيز الوفود، وانصرف إلى بلاده، فلما كان أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم عليه، وخرج إلى الشام، وشهد فتح اليَرْمُوك والقادسية ونَهْاوَنْد. وقعة القادسية

وكان من حديث وقعة القادسية ومشاهدة عمرو بن معدي كرب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجه سعد بن أبي وقاص إلى القادسبة لمحاربة العجم أقبل سَعد حتى وافى القادسية فعسكر بها، وكانت الفرس اذ ذاك قد ملكت أمرها غلاما قد نجب من عقب كسرى بن هرمز، يقال له: يزدجرد، وهو آخر من ملك من العَجَم، فأجلسوه على سرير الملك، وعصبوه بالتاج، وبايعوه على السمع والطاعة، فجمع يَزْدَجرد إليه أطرافه، واستجاش جنوده، فاجتمع إليه عالمٌ عظيم، وَقَّواهم بالسلاح والأموال، وولي عليهم عظيما من عظماء مرازينه، له سنُّ وتَجْربة، يقال له رسُتُم بن مهر مرد، فوجَّهه في زهاء خمسين ألف من أبطال العجم وفرسانهم، وأقبل رُسْتُم حتى وافى دبر الأعور، فنزل هناك بعسكره، وبلغ الخبر سعد بن أبي وقاص - وهو بالقادسية - وبلغ ذلك جرير بن عبد الله اليحلي، والمثنى ابن حارثة الشيباني، ومن كان معهما من المسلمين، وكان جرير بناحية فلما بلغهم توجُّهُ رُسْتُم إليهم في زهاء خمسين ألفا من أبطال العجم وفرسانهم سعد إلى عمر بن الخطاب يطلب المَدد والنُّصْرة فأمد عمرُ بن الخطاب بعمر بن معدي كرب الزبيدي، وقيس بن هُبَيرة المكشوح المُرادي، وهو ابن أخت بن معدي كرب. وطليحة بن خويلد الأسدي، وكانوا من فرسان العرب المذكورين في الجاهلية والإسلام، فكتب عمرُ بن الخطاب إلى سعد، إني وجَّهْتُ إليك يقومان في الحرب مقام ألفي رجل، ولا أحسب لهما كثير نية في الجهاج، عهدهما بالشرك، فاعرف مكانهما وقدَّمْهُما واستشرِهما في أمورك وأعلمها أنا مستغن عنهما، فإنك تستخرج بذلك نُصْحُهما. فلما قدما على سعد بالقادسية فرح بهما المسلمون فرحا شديدا، لبعد صيتهما، وعظم ذكرهما، وإن رستم بعسكره يدبر الأمر أربعة أشهر، كراهية لقتال العرب، وخوفا أن يصيبه ما أصاب مهران، فصار يستريح إلى المطاولة يرى أنها مكيدة. فكان العرب يوجهون للميرة فيأخذون على البر ثم يعطفون إلى أي النواحي شاءوا من ابسواد، الميرة ثم يرجعون نحو البر ختى يخرجوا إلى معسكرهم، وكان الذي في حمل والميرة عمروُ بن معدي كرب وطليحة بن خويلد، وهما يومئذ شيخلن كبيران السن. وكان للمثتى ابن حارثة جارية من أجمل نساء بكر بن وائل، فمرض عند قدوم سعد بن أبي وقاص بالحيرة، فأقام بها ومعه امرأته تُمَرَّضُه، فكتب إلى سعد. بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن الذي خلَّفَتي عنى المّصير إليك أصحابي شكوة قد أصابتني، وقد خِفْت على نفسي أن أهلك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله ولا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله، وأن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. وإن يَدْفع الله فإنني في أثر كتابي والسلام. وإن رأيت أن تُقِيم بمكانك بالقادسية والعذيب حتى توافيك فحاربهم على أدنى حجر من أرض العرب، فإن نصرك الله فتلك عادته وامتنانه، وإن تكن الأخرى كنت أنت ومن معك من العرب أعرف بسبُلُ وأرضكم. فلم يلبث المُثَنَّى أياماً حتى هلك بالحيرة، ودفن بالقادسبة. فلما انقضت عِدّضة المرأة خطبها سعد بن أبي وقاص فَتَزوجها وحملها إلى رحله ووافي إليه جرير بن عبد الله اليُحلي في قومه من بجيلة ومن كان معه من المسلمين، فعسكر معسكرهم مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية.

ثم إن رستم أقبل في عسكره وجنوده حتى قرب من معسكر المسلمين بالقادسية - بعد مخاطبة ورُسُل وكلام جرى بينه وبين سعد يطول ذكره - وجعل كلا الفريقين حتى دنا بعضهم من بعض في ليلتهم تلك يصفون الصفوف، ويعبئون الخيل والرجال، ويقفون الرايات، وكان بسعد علة لم تمكنه الخروج بنفسه إلى الحرب، فولى خالد بن عرفطة. وجعل على القَلْب قَيْس بن هُبَيْرة المكشوح المُرادي، وعلى المدينة شَرحْبيل بن السمط الكندي، وجعل على المسيرة هشام بن عُنْتَبة المعروف بالمِرْ قال، لأنه كان يُرْقل في الحرب إرقالا، وهو الخبب من المشي، واستعمل على الرجالة قَيْس بن خزيم، وبُسط لسعد في أعلى القصر بمكان يُشرف منه على الفريقين إذا اقتتلوا، ومعه في القصر ما كان من العرب من النساء والَّريّضة، فأصبح الفريقان تحت راياتهم ومصافاتهم، وجعلت الأمداد من قبل الملك يزدجرد تترى على رستم - عسكرا بعد عسكر - حتى صاروا في زهاء مائة ألف رجل، بين فارس وراجل، وقام خالد بن عرفطة في العرب خطيبا وقال: يا معشر العرب، إن هذه بلاد قد أذَلَّ الله لكم أهلها، فأنتم تقتلونهم وتُغيُرون عليهم منذ حَوْلَين كاملين، وقد جاءكم منهم هذه الجموع، وأنتم لها ميم العرب وساداتهم وخيار كل حي: وعز من وراءكم، فإن صدقتموهم الطعن والضرب كانت لكم بلادهم وذرايهم، وإن تقتلوا لم يبق منكم باقية، ألا ترون الأرض من خلفكم صفصفا قفرا، ليس فيها ملجأ ولا وزر، فلتكن حصونكم سيوفكم ورماحكم، ثم زحف الفريقان بعضهم إلى فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون بمثله، وتقدم عمرو بن معدي كرب الزبيدي وقيس بن هبيرة المكشوح المرادي أمام المسلمين كالاسد الاساود وجعل قيس بن هبيرة يرتجز ويقول: قد علمت واردة الوشايح ... ذات النقاب والجبين الواضح إني سمام البطل المشابح ... وفارج الامز المهم الفادح

ثم حمل هو وعمرو بن معدي كرب، وتبعتهم أبطال العرب وفرسانهمن فحملوا على العجم حملة رجل واحد، فتطاعنوا بالرماح، وتجالدوا بالسيوفن وصبرت لهم العجم صبرا صادقا، وقتل من الفرقين مقتلة عظيمة، حتى خاضت الخيل في الدماءن واظطربوا شديدا، بجد واجتهاد، وثار بينهم القتام، وكان من القوم جولة حتى لحقوا برستم - وهو آخر صفوفهم - فلما نظر رستم إلى ذلك نادى في العجم وقال: ما لكم ثكلتكم امكم تحتمون عن هؤلاء القوم وانتم إخوان الحرب وأحلاس الطعن والضرب. ثم صار في اوائل أصحابهن ثم حمل وحملوا معه حملة رجل واحد، فكان العرب في جولة شديدة حتى دنوا من القصر الذي فيه سعد ابن ابي وقاص ومع النساء والذراري. فأمر سعد أن يخرجن ومعهن اصاغر اولادهنن فخرجن جميعا. من القصر، واستقبلن المنهزمين من العرب فصحن وأعولن وقلن ويحكم، عاد بكم أن تدعونا وتهربوا. فأخذتهم الحمية فرجعوا إلى الحربن وانصرفن النساء والاولاد إلى القصر، وسعد ينظر إلى ذلكن ومعه المرأة التي كانت امرأة المثنى بن حارثة. فحملت العرب حملة صادقةن وأمامهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي، وقيس بن هبيرة المكشوح المرادي، وطليحة بن خويلد الاسدي، وصبرت لهم العجمن فتطاعنوا وتضاربوا بالرماح حتى تكسرت، وقبل ذلك تراموا بالسهام حتى تفصدت، وصاروا إلى السيوف، وعمد الحديد، وحملت العجم على يحيلة - وهم في الميمنة وعليهم جرير بن عبد الله البجلي - وصَبَرت لهم يحيلة فاقتتلوا قِتالاً شديدا، وكثرت فيهم القتلى والجراحات. وسعد ينظر إلى ذلك وهو جالس بأعلى القصر، والى جانبه امرأته التي كانت أمرأة المثنى، فقال سعد وابجيلتاه، ولا بجيلة إلى اليوم. فقالت المرأة: وامُثناه ابن حارثاه، ولا مُثنى لي اليوم. فدخلته الغيرة من ذكرها المُثنى فلطم سعدٌ حُر وجهها، فقالت: يا بن وقاص، أغيرةً وجُبنا ثم عطف عمرو ابن معدى كرِب وابو محجن الثقفي حتى صاروا في أوائل بُجيلة وقد زالوا عن مصافهم، فأنقذهم حتى ردهم إلى مصافهم، وحملت العربُ معها حملة رجل واحد فقتلوا في حملتهم تلك من العجم مقتلة عظيمة، نهنهوهم عن أنفسهم، وسعد ينظر إلى ذلك. فقال لامرأته: لقد من الله على بجيلة. ثم اشتد القتال فاقتتل الفريقان قتالا لم يسمع السامعون بمثله وتقدم امام العجم رجل منهم كان يُعَدُّ لألف فارس، يعمل عمل الأسد البواسل وتقتل من المسلمين من أدرك منهم، فحمل عليه عمرو بن معدى كرب فاحتمل عن دابته وجعله أمامه على قَربُوس سرجه، وانصرف به حتى توسط به العرب فرماه عن القربوس فكسر عُنُقه. وقال:: يا معشر العرب هكذا فافعلوا. فقال بعض من حضره: يا أبا ثور من يستطيع منَّا أن يفعل كذا. ثم أضطرب الفريقان مِليَّا من النهار بالسيوف والعُمد وأمامهم عمرو بن سعدى كرب الزبيدي حتى أزالوا العجم عن أمكنتهم، وأفضى عمرو إلى رستم وكان في أواخر أصحابه - فحمل كُل واحد منهما على صاحبه، فتضاربا بسيفهما فلم يحك سيفاهما شيئا، وأثاب إلى رستم أصحابهُ وجُنوده، وقطعوا عمرو بن معدى كرب، فوقف في وسط العجم يجالدهم بسيفه - وهو على متن فرسه - حتى طُعن فرسه فسقط الفرس، ووثب عنه عمرو كالأسد، وجعل يضارب القوم لا يدنو منه رجل إلا جلده، وتحاماه القومُ. فنادى قيس بن هبيرة المكشوح وقال:

يا معشر العرب، ماذا تنتظرون بصاحبكم؟ أدركوه قبل أن يقتل، واحملوا معي حملة رجل واحد فداكم أبي وأمي لتُخلصوه بإذن الله. ثم حمل قيسٌ وحمل معه عامة الناس حملة رجل واحد، فزحزحوا من كان في وجوههم ما العجم حتى انتهوا إلى عمرو - وهو يضاربهم - قدما - وقد اختصب بالدماء - فلما نظر عمرو إلى اصحابه استبشر، وتناول رجلٌ من العرب فرس فارس من العجم فحبسه، وجعل الفارس يضرب فرسه فلا يستطيع براحاً من يدي عمرو، فلما نظر الفارس إلى العرب قد أرهقته نزل عن الفرس وولى هاربا. فقال عمرو لأصحابه: امسكوا أنتم على عنانه، فأمسكوا عليه العنان، فأستوى عليه وحمل معه، فدخل في القوم حتى انتهى إلى فيل من تلك الفيلة، فضرب مِشفره فَبَراه، وولى الفيل وله صياح، وانهزم من كان معه من الفيلة ومن العجم، فلما رأى رُستم ذلك نادى في أبطال العجم وفرسانهم، فأحدقوا به، فحمل على المسلمين وحملوا معه، وحمل عمرو بسيفه المعروف بالصّمصامة على القوم يضاربهم به، ثم حمل رُستم على هلال بن عقبة - وكان من أطال العرب - فضربه على خده فقطعها مع الدرع إلى الجلد، وشدها هلال بن عقبة إلى قربوس سرجه، وجعل يقاتل بها، فلم يزالوا كذلك من طول النهار إلى وقت العصر، ثم تنادت القبائلُ على الموت - من كل مكان - وزحف أصحاب الرايات من العرب - وقد وطنوا أنفسهم على الموت - وتبعتهم جميع القبائل، وحملوا على العجم حملة رجل واحد فأزالهم عن مواقفهم، فلما رأى رُستم ذلك تَرجَّل وتَرجلت معه جميع العجم، وحمل الفريقان بعضهم على بعض، فتضاربوا بالسيوف والأعمدة، حتى تقمصت عامة السيوف وتقصفت عامة الأعمدة، وقتل من الفريقين - وقت المساء - مقتلة عظيمة، ونادى قيس بن هُبيرة في الناس: ألا يا معشر العرب، روِّحوا بنا الجنة، فاحملوا على القوم، فإنه لم يبق إلا آخر نفس. ثم حمل قيسُ بن هبيرة، وحمل معه الناس، وأمامهم عمرو بن معدى كرب حملةً صادقةً، فقتلوا في حملتهم تلك من العجم مقتلة عظيمة، فولت العجم منهزمة، وثبت مع رُستم أهل الوفاء والحِفاظِ من أصحابه، فشدّت عليهم العربُ بأسيافهم - وأمامهم عمروُ بن معدى كرب - فقتل رُستم وقتل من ثبت معه من مَرَازِبته وأبطال جنوده - في ربضة واحدة - ومرت العرب في إثر العجم يقتلون من أدركوا منهم. إلى أن حال بينهم الليل، فانصرفوا نحو القصر الذي فيه سعد بن أبي وقاص، فخرج سعد بن أبي وقاص من القصر إلى أصحابه فرحا بِهجاً حتى أتى المعركة، وأمر بطلب رستم بين القتلى، فوجدوه وبه نحو من عشرين ضربة، كلها في مقاديمة، لأنه باشر الحرب بنفسه، ويقال: بل انهزم عند مقتل أصحابه حتى انتهى إلى نهر القادسية ليجوزه فغرق - والله أعلم أي ذلك كان وقال سعد بن أبي وقاص في ذلك شعرا: لقد أبلت بجيلة غير أني ... أؤمل أجرهم يوم الحساب لقد لَقِيت جُمُوعهم أسودا ... فما حاموا لمختلف الضِّراب ولم تزل العجم تركض خيولهم منهزمة طول تلك الليلة، وأتبعتهم من العرب عالمٌ عظيم، حتى إذا أصبحوا أشرفوا على مردا قد أقبل إلى العجم من قبل الملك يزدجرد زهاء جمسة الآف من الفرس، وعليهم قائد لهم يقال له جيلاش، فلما استقبل المنهزمين قال: قفوا وموتوا كِراما، وقد طمعوا وشربوا وعلفوا دوابهم وأراحوها. ثم أقبل عظيم من عظماء الفُرس فقال: انج بنفسك وبأنفسنا معك قبل أن نقتل: فإن هذا أوان زورال المُلك عنَّا. فأبى جيلوش أن ينصرف أو يدع أحد من الفرس أن يمضي. فقال الرجل لجيلوش: انظر إلى هذا الرَّمي ثم حلق بكُرةٍ نحو السماء، فكانت الكُرة كُلما هبطت رماها بنشابة فتحلقها في الهواء حتى صارت الكرة كهيئة القُنفذ. فقال:هل رأيت رميا أحسن من هذا؟ قال جيلوش: ما رأيت. فقال الرجل: سأريك أن هذا الرمي لا يغني في القوم شيئا.

ثم أقبلت أوائل العرب في آثارهم. فلما رآهم جيلوش وأصحابه زحفوا إليهم، فرشقهم ذلك الرجل - وجيلوش ينظر فلم يصيبوا من العرب أحدا: فقال الرجل لجيلوش: ألا ترى أن ما أخبرتك به. ثمولوا منهزمين، ومرت أوائل العرب على آثارهم، وأمامهم عمرو بن معدى كرب وقيس بن هُبيرة المكشوح المرادي، وطُليحة بن خُويلد الأسدي، وجرير بن عبد الله البُجلي، حتى انفرد جرير ابن عبد الله عن أصحابه في نفر يسير، فلما نظر العجم إلى قلتهم عطفوا عليهم وحملوا على جرير فطعنوه فسقط عن فرسه، فلم تعمل فيه الرماح لحصانة ردعه، وعاد فرسه فلحق بالفل، وتلاحق جرير بأصحابه من بُجيلة، وحالوا بينه وبين العجم، فانهزمت العجم عنهم، وأقبل إلى جرير بعضُ أهل بيته ببرذون من برذان العجم مضروب بالسف على كَفَله، وقال اركب أبا عمرو: فقال جرير: والله لا تتحدث العرب أني ركبت بِرذوناً مضروب الكفل بالسيف، وأقبل عليه بعض بني عمه ببرذون من براذين العجم مطوق بطوق من ذهب، وقال: اركب أبا عمرو. فقال: مثل هذا فنعم، فركبه وطلب القوم، فقتل من أدرك منهم، حتى أمعنوا في الهرب، ومرت العجم على وجهها هاربين منهزمين، حتى وافوا المدائن، فسقط في يد يزدجرد الملك، فتحمل من المدائن بأهله وحشمه وولىّ الحرب مرداتشاه أخا رستم المقتول، وسار حتى أتى مدينة نَّهاوَند. فأقام بها. وجمع سعد بن أبي وقاص أصحابه، وجميع قُوَّاده، وسار بالناس من القادسية حتى نزل بحذاء المدائن على شاطئ دِجلة، فعسكر هنالك حتى استعد، ونادى في العرب فركبوا خيولهم، ولبسوا أسلحتهم، ثم أقحموا خيولهم دجلة ليعبروا إلى المدائن، وقال لهم: إن الذي سلمكم في البرِّ قادر أن يسلمكم في البحر. وخرج مرداتشاه خليفة الملك يزدجرد في الليل هربا، وألقى الله الرعب في قلوب العجم فانهزموا وتركوا المدائن، وأخذوا نحو نهاوند - وفيها يَزدجرد الملك - حتى انتهوا إلى جلولا، فأقاموا بها، وكان يزدجرد يمددهم في كل يوم بالأمداد من نهاوند، وولى الحربّ رجلا من عظماء المَرَازَبة يسمى خُرزاد، ودخل المسلمون المدائن فغنموها، وما كان فيها من خزائن الأكاسرة من الأموال وآتيه الذهب والفضة والأثاث، وكان الرجلُ منهم تقعُ في يده الصفحة فينادي: من يأخذ حمراء ويعطي بيضاء. ووقعوا على بيوت مملوءة كافورا وعودا، فظنوا أن ذلك الكافور ملح، فجعلوا يلقونه في العجين فيخرج الخبز مُرَّا كالعلقم، فيقولون ما أمرّ ملحهم، ووقعوا على تاج كسرى بن هرمز وهي في يمينه فبعث بها سعدٌ إلى عُمر فأمر بها عمر فحملت إلى مكة، وعلقت في الكعبة، وهي فيها إلى الآن. ولما أن نصر الله المؤمنين بالقادسية، وقتلوا العجم وهزموهم، واستباحوا سوادهم، كتب سعدُ بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه كتابا هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله عمر أمير المؤمنين من سعد بن مالك، سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، واسأله أن يصلي على محمد وآله. أما بعد فإنا لقينا جموع العجم بالقادسية، وهم في عدد وعدة. يقصر عنها الوصف فقاتلناهم قتلا شديداً لم يسمع السامعون بمثله، من لدن طلوع الشمس إلى أن توارت بالحجاب، فأنزل الله علينا نصره، وثبت أقدامنا، فضرب الله تبارك وتعالى وجوه العجم، ومنحنا أكتافهم فقاتلناهم في كل فج عميق، وعلى شاطئ كل نهر لإاحمد الله يا أمير المؤمنين على إغزاز دينه، وإظهار أوليائه، وقُتل من المسلمين ناس كثير صالحون، لو رأيتهم قبل الوقعة لسمعت لهم في صلاتهم دَوَيَّ اكدوي النحل من قراءة القرآن، فاحتسبهم يا عمر رحمك الله، فقد حَلّت فيهم المصيبة وعظمت وقد أصبنا ما كان في عساكرهم من سلاح وكراع، وأثاث وذهب وفضة، وغيرها محصية، وكاتب إليك بمبلغ الخمس منه والسلام.

وقعة جلولاء

ثم وجه بالكتاب مع رجل يسمى مُخالد بن سعد، وكان عمر بن الخطاب يخرج حين أبطأ عليه خبرُ الناس من القادسية كلَّ يوم باكرا من المدينة وجده ماشيا في طريق الخُبَر، فيمشي ميلا أو ميلين طمعا أن يرى أحد يسأله عن الخبر فلا يجد أحدا فبينما هو كذلك ذات يوم إذ نظر إلى راكب من بعيد فاستقبله مُخالد - وهو لا يعلم أنه عمر رحمه الله - فقال له عمر: ما الخبر؟ فقال: أظفر الله المؤمنين وقتل المشركين - ثم جاء وترك عمر وجعل عمر يعدو معه ويسأله حتى دخل المدينة، فاستقبل الناسُ عمر فسلموا عليه بالخلافة، فوقف عمر وسلّم عليه مُخالد وقال: سبحان الله تعدو معي نحواً من ميلين ولا تعلمني أنك أمير المؤمنين!! فقال له عمر: سبحان الله. وما في ذلك؟؟ ثم نزل مخالد وناوله كتاب سعد بالفتح فقرأه على الناس واستبشروا به. وكتب عمر إلى سعد يأمُره أن يبني لمن قِبله من العرب دار هجرة ولا يكون بها بحر، فأقبل إلى موضع الكوفة فبناها، وجعلها خططا لمن كان معه من العرب وجعل لكُل حي من أحياء العرب خطة، وبنى مسجدا جامعا، وبنى لنفسه المسجد قصرا، وهو قصر الإمارة. وأعطى الناس عطاءً جزيلا، وأمرهم بالبناء، وبنى لنفسه فبنوا، واسكن فيها النساء والذرية، وخلف فيهم ثمانية الآف من المسلمين يحفظونهم بإذن الله، وسار سعد بالناس حتى نزل بالمدائن فعسكر بها، وأقام بها حولين. ثم كانت وقعة جلولاء ونهاوند، وقتل يزدجرد الملك بعد وقعة نهاوند، ولم أدع أن أشرح وقعة جلولاء ونهاوند: إذ كانتا على أثر وقعة القادسية، ويقتصان خبر زوال سلطان العجم، وإظهار المسلمين عليهم. وقعة جلولاء ثم إن سعد بن أبي وقاص لما نزل بالمدائن وأقام بها حولين بعد وقعة القادسية عقد لابن أخيه عمرو بن مالك في اثني عشر من سادات العرب، من اليمانية والعدنانية، وفرسانهم وصناديد رجالهم، وأمره أن يسير إلى جلولاء فيحارب جرزاد الذي ولاه الملك يزدجرد أمر الحرب حتى وافى جلولا وخرج اليه جرزاد في جنوده وعساكره، فاقتتلوا قتلا شديدا، وصبر بعضهم لبعض، فتراموا بالسهام حتى أنفذوها، وتطاعنوا بالرماح حتى كسروها، ثم أفضوا إلى السيوف وعمد الحديد فتضاربوا بها أشد ما يكون من الضرب، واقتتلوا أشد ما يكون من القتال، من لَدُن طلوع الشمس إلى أن اصفرت وأفلت للغروب، فلم يكن صلاة المسلمين إلا بالإيماء في وقت كل صلاة، ثم تداعت العرب وحضّ بعضُهم بعضا، وحملوا على القوم عند اصفرار الشمس حملةً واحدة، فلم تثبت العجم لحملتهم فانهزموا على وجوههم نحو نهاوند، وأفاء اللهُ على العرب مال العجم فغنموا منه غنيمة لم يغنموها قبل ولا بعد، وأقبلت العجم حتى أوغلوا في الخيل نحو نهاوند: وقعة نهاوند

قال: فلما كان من وقعة جلولاء ما كان وانهزمت العجم حتى كانت هزيمتهم إلى نهاوند - وبها الملك يزدجرد - فعند ذلك تحمل من نهاوند في حرمه وحشمه وما اجتباه من خزائنه وسار حتى نزل قُم فأقام بها، ووجه إلى الآفاق من أرضه، وأقطار بلاده يستجيشهم، فغضبت له العجم، وانجفل إليه الناس من أقطار البلاد، وأتاه مَدَدٌ جُرجان وَقومس وطبرستان والرَّي ودبناوند، ونهاوند وقُمٌ وأصبهان وهمدان والماهين وأذربيجان، فاجتمع عنده من الناس زُهاء ثلاثمائة ألف رجل من فارس وراجل، فتعاقدوا وتواثقوا على الصبر في الحرب حتى يظفروا أو يموتوا، وولى الملك عليهم مردانشاه أخا رُستم المقتول بالقادسية، وأمره بالمسير إلى نهاوند، والمقامبها إلى أن توافيه جميع العرب فيحاربهم، وأقام الملك ينظر ما يؤول إليه الأمر، وقد كان عُمر بن الخطاب رضي الله عنه عزل سعد بن أبي وقاص عن ثغر الكوفة، واستعمل عليها عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب عمار بن ياسر إلى عمر من الكوفة يخبره بكثرة ما أجتمع من العجم بنهاوند، وما تعاقدوا عليه وتواثقوا من الصبر حتى يموتوا أو يظفروا، فلما انتهى كتابُ عمار إلى عمر أقبل حتى أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - والكتاب بيده - وأمر مناديا فنادى في الناس فاجتمعوا اليه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم فال: أيها الناس، إن الشيطان قد جَمَع جُموعا من العجم ليطفئ نور الله، والله مُتم نوره. هذا كتاب عمار بن ياسر، يذكر فيه أن يزدجرد ملك العجم وجَّه رُسله إلى أقطار الأرضين وأطراف البلدان، فارتحلت إليه الناس من جُرجان وطبرستان والرّضي ودنباوند ونهاوند وأصبهان وقُم وقاشان والماهين وهمدان حتى أجتمع إليه زهاء ثلاثمائة ألف رجل، وأنهم قد تعاقدوا وتواثقوا على الموت عن آخرهم أو يظفروا. ولست آمن أن يسيروا إلى إخوانهم بالكوفة والبصرة فيقتلوهم أو يخرجوهم من أرضهم، ويسيروا إلى بلادكم فيجتاحوكم، فأشيروا علي وأوجزوا، فإن هذا يوم له ما بعده. فتكلم طلحة بن عبد الله فقال: يا أمير المؤمنين، إن التجارب قد حنكتك. والأمور قد احكمتك، وأنت الوالي مهما أمرتنا به لم نعصيك، وما رأيت من شئ لم نُخالفك، ومتى تدعنا نُجب، ومتى تأمرنا نُطع رأيك، فأمرنا بأمرك. فقال أيها الناس، أشيروا عليّ برأيكم وأوجزوا. فتكلم عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: الرأي يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل اليمن فيسيرون من يمنهم، وإلى أهل الشام أن يسيروا من شامهم، والى أهل البصرة أن يسيروا من بصرتهم، ويجتمع إليك من الجنود من آفاق الأرضين وأقطار البلاد، وسير بنفسك حتى توافي الكوفة، وينضم إليك المصرين، ثم تزلف إلى القوم فتلقاهم - وقد اجتمع إليك من العرب كأعدادهم - وإن العرب رأوك نُصب أعينهم كام ذلك أعز لهم، وأقوى لظهورهم، وأصدق في جهاد عدوهم، فإنه لا بقاء بعد إخواننا بالمصرين. فقال عمر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ما ترى أنت يا أبا الحسن؟ فقال علي: إنك إن أشخصت العرب من اليمن سارت اليهم الحبشة فقلبوا على أرضهم، وإن أخليت الشام من جنودك سارت إليهم الروم فغلبوا عليها واجتاحوا أهلها وأولادها، وإن سرت من هذه البلدة انتقصت عليك الأرض من أقطارها وأطرافها حتى يكون ما تخلف وراءك من النساء والذرية أهم إليك مما بين يديك، وإن العجم إذا رأوك عيانا نُصب أعينهم قالوا هذا ملك العرب كلها، وفرعها وأصلها، فيكون أشد لقتالهم وأصعب لمزاولتهم، فما خوفك من مسيرهم إلى أخواننا بالمصرين حتى يجتاحوهم ويسيروا بجموعهم نحوك، فإن الله لم يجعل لهم إلى ذلك سبيلا أبدا، لأنه يقول تبارك وتعالى - وقوله الحق هو الذي أرسل بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وإنا لم نقاتل الناس فيما مضى بالكثرة، وإنما قاتلناهم بنصرة النبوة.

والرأي أن تكتب إلى عُمَّالك باليمن والشام أن يميزوا نصف من كان معهم من الجنود ويحبسوا منهم النصف معهم، فيكونوا حرسا للأرض وحُماة البلاد، ويوجه كل واحد منهم إلى العراق بالنصف الآخر، فيكونوا مدداً لإخوانهم بالعراق، وتقيم أنت بمكانك هذا ردءاً لأصحابك، وتستجيش من الأعراب ما أمكنك، وتوجه بهم إلى إخواننا بالكوفة اولا أولا، فإن الله ناصرهم بمنَّه وطوله، وتلك عادته في أوليائه وأهل طاعته. قال عمر:هذا لعمري هو الرأي الوثيق والمشورة الصادقة. فعندها دعى عمر بالسائب بن الأقرع. وأمره بالمسير، وكتب عهدا للنعمان بن مُقرن المزني بولاية الحرب وكان النعمان بن مقرن ببلاد كسكر - قد ولاه عمرُ أمرها - وكان له فضل في دينه، وسابقة صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونجدةٌ في الحرب. فلما كتب عهد النعمان بولايته تلك الحرب دفع عمرُ كتاب العهد إلى السائب ابن الأقرع، وأما أن يسير به إلى النعمان بن مُقرن - وهو ببلاد كسكر - فوصل اليه وكتب معه إلى عمار بن ياسر أن يُقيم بالكوفة في ستة الآف من فرسان العرب ورجالهم، ويسير الباقون مع النعمان بن مُقرن إلى نهاوند، وكتب أيضا إلى أبي موسى الأشعري وكان بالبصرة - مثل ذلك - وكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح - وكان على ثغر الشام - والى المُهاجر بن أمية وكان على اليمن وحُذيفة بن اليمان، وأمرهما أن يحسبا من خيلهما نصف ما معهما من الجنود، ويسير الباقون إلى أرض العراق، وينضمون إلى النعمان بن مُقرن. وقال للسائب، إن قُتل النعمان فالأمير من بعده حُذيفة بن اليمان، وإن قتل حُذيفة فالأمير من بعده جرير بن عبد الله الَجِلي وإن قتل جرير فالأمير من بعده المُغيرة بن شُعبة، وإن قتل المُغيرة فالأمير من بعده الأشعث بن قيس الكندي. وكتب إلى النعمان بن مُقرن: إن قبلك بالكوفة رجلين هما فارسا العرب، عمرو بن معدي كرب، وطليحة بن خُويلد، فشاورهما في الحرب، وتولهما شيئا من الأمر، وأرِهما أنك غير مستغن عنهما، لتستخرج بذلك نُصحهما. ثم سار السائب بن الأقرع حتى ورد الكوفة، وأوصل إلى عمار بن ياسر كتاب عمر بن الخطاب رحمة الله - ثم سار إلى كسكر فأوصل النعمان بن مُقرن عهده، ووجه إلى أبي موسى الأشعري بكتاب عمر، فحبس عمار وأبو موسى الأشعري نصف من كان معهما بالكوفة والبصرة بالنصف الآخر إلى النعمان بن مقرن، وأتاه أيضا المدد من اليمن وأرض الشام، فلما اجتمعت إليه الجيوش سار أرض الخيل حتى وافى نهاوند، فعسكر على ثلاثة فراسخ من المدينة بُرستاق يسمى الأسفيذهان بقرية تسمى قد يسجان، وخندق على عسكره، وخرج أمير جيوش العجم مردانشاه حتى نزل بعسكره عند قرية يقال لها خياهشت، وبين العسكرين مقدار نصف فرسخ، وأن مردانشاه أمر بجميع الفعلة إليه من كل قرية، فحفروا كهيئة الخندق مستطيلا فيما بين العسكر العرب وبين جبل يسمى ابراي، فحفرَ في عرض عشرين ذراعا وحفر في الأرض عشرين ذراعا، ثم طمر بتراب السبخة، وأجرى عليه الماء، وجعل طوله فرسخين، مع بطن ذلك الرستاق، وجعل مكيدة للعرب، وظن أن الخيل إن انهزمت أخذت نحو الجبل فتهورت في ذلك الخندق. فلما وافى النعمان بن مُقرن بجيوش العرب بنهاوند، وكان في زهاء ثلاثين ألفا من سادات العرب، من اليمانية والعدنانية وفرسانهم ورجالهم، عمر بن معدي كرب الزبيدي، وطليحة بن خويلد الأسدي، وقيس ابن هُبيرة المكشوح المُرادي، وعروة بن زيد الخيل بن مهلهل الطائي، وجرير بن عبد الله البجلي، والأشعث بن قيس الكندي، وغيرهم من فرسان العرب وشجعانهم. ونزل مردانشاه بجيوش خياهشت، وكانوا في زهاء ثلاثمائة ألف راجل وفارس من العجم، وقد خندقوا على أنفسهم، وكانت امداد العجم تترى على مردا نشاه، من قبل يزدجرد الملك، وكان مقيما بمدينة قم في كل يوم، ومكثوا أياما كثيرة لا يبرحون من معسكرهم، ولا يخرج العجمُ من صفوفهم ومعسكرهم. فقال النعمان بن مُقرن لعمرو معدى كرب، وطليحة بن خويلد: إن هؤلاء العجم قد عسكروا بمكانهم هذا، وخندقوا على أنفسهم، وأمسكوا عن الخروج إلى الحرب، وأمدادهم تترى عليهم كل يوم، وليس الرأي إلا معالجتهم، فكيف الحيلة في ذلك؟ فقال عمرو بن معدى كرب: الرأي أن تُشيع أن عمر أمير المؤمنين قد مات، ثم ترتحل بجميع جُنُودك مُولياً، فإنك لو فعلت ذلك خرجوا من معسكرهم واتبعونا، فإذا فعلوا ذلك فاعطف عليهم، فإن

ولواا كانت هزيمة، وإن وقفوا حاربتهم. قال النعمان: هذا لعمري نعم الرأي. ثم إن النعمان بن مُقرن بات ليلته تلك يعبئ أصحابه، ويعقد لهم الريات، ويؤمِّر عليهم الأمراء، وجعل لكل أمير من أمرائه شِعارا معروفا، فإذا دعوا به اجتمعوا اليه. فلما أصبح سار بهم على تعبيتهم تلك وتحت راياتهم مُولياً - وقد أمر أصحابه بحمل أثقالهم وتقديمها أمامهم - وأشاعوا أن عمر بن الخطاب قد مات. فلما بلغ الخبرُ مردانشاه نادى جميع جيوش العجم فأفرغوا عليهم الدروع والأقبية، ولبسوا آله الحرب، واستلأموا وركبوا خيولهم، وسار بهم تابعا جيش العرب في إثرهم حتى لحقوهم قريبا لم يتباعدوا، فعند ذلك عطف عليهم النعمان بمن معه من فرسان العرب في جنوده على التعبئة التي عبأهم بها، وذلك يوم الأربعاء، والتقى الفريقان فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون بمثله، حتى حجر بينهم الليل، وانصرف كل فريق منهم إلى معسكره. فلما أصبحوا صباح الخميس وقد لبتكروا إلى مصافهم تراموا بالنشاب والنبل حتى نفذت، وتطاعنوا بالرماح حتى تكسرت، ثم أفضوا إلى السيوف وعمد الحديد فتضاربوا بها من لدن انبسط النهار إلى أن هجم عليهم الليل، ثم أنصرفوا أيضا إلى معسكرهم، فلما أصبحوا يوم الجمعة ابتكروا إلى مصافهم وتواقفوا مليا من النهار، ولا يزول واحد من الفريقين عن مصافه لشدَّة ما أصابهم في اليومين الماضيين من ألم الجراح، والعرب سكوت خفوت إلا من ذكر الله والعجم وقوفٌ على خيولهم وتحت راياتهم، تدور عليهم السقاة بالخمور، وتُغنيهم القيون. ويعزف بين يدي كل صفٍّ من صفوفهم بالمعازف. انت هزيمة، وإن وقفوا حاربتهم. قال النعمان: هذا لعمري نعم الرأي. ثم إن النعمان بن مُقرن بات ليلته تلك يعبئ أصحابه، ويعقد لهم الريات، ويؤمِّر عليهم الأمراء، وجعل لكل أمير من أمرائه شِعارا معروفا، فإذا دعوا به اجتمعوا اليه. فلما أصبح سار بهم على تعبيتهم تلك وتحت راياتهم مُولياً - وقد أمر أصحابه بحمل أثقالهم وتقديمها أمامهم - وأشاعوا أن عمر بن الخطاب قد مات. فلما بلغ الخبرُ مردانشاه نادى جميع جيوش العجم فأفرغوا عليهم الدروع والأقبية، ولبسوا آله الحرب، واستلأموا وركبوا خيولهم، وسار بهم تابعا جيش العرب في إثرهم حتى لحقوهم قريبا لم يتباعدوا، فعند ذلك عطف عليهم النعمان بمن معه من فرسان العرب في جنوده على التعبئة التي عبأهم بها، وذلك يوم الأربعاء، والتقى الفريقان فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون بمثله، حتى حجر بينهم الليل، وانصرف كل فريق منهم إلى معسكره. فلما أصبحوا صباح الخميس وقد لبتكروا إلى مصافهم تراموا بالنشاب والنبل حتى نفذت، وتطاعنوا بالرماح حتى تكسرت، ثم أفضوا إلى السيوف وعمد الحديد فتضاربوا بها من لدن انبسط النهار إلى أن هجم عليهم الليل، ثم أنصرفوا أيضا إلى معسكرهم، فلما أصبحوا يوم الجمعة ابتكروا إلى مصافهم وتواقفوا مليا من النهار، ولا يزول واحد من الفريقين عن مصافه لشدَّة ما أصابهم في اليومين الماضيين من ألم الجراح، والعرب سكوت خفوت إلا من ذكر الله والعجم وقوفٌ على خيولهم وتحت راياتهم، تدور عليهم السقاة بالخمور، وتُغنيهم القيون. ويعزف بين يدي كل صفٍّ من صفوفهم بالمعازف.

ثم إن النعمان بن مُقرن ركب فرسا أشهب ولبس ثيابا بيضا فوق الدرع، ووضع على رأسه قلنسوة بيضاء فوق البيضة، ثم تربع على فرسه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر العرب، إنكم نظام الإسلام، والباب بين المسلمين وأهل الشرك، فالله الله في الإسلام وأهله، يا معشر العرب استعملوا الصبر تُثابوا عليه بالأجر، فإنكم على إحدى الحسنيين، إما الغنيمة والفضل، وإما الشهادة والفوز. ثم حرك فرسه وجعل يدور في الرايات والصفوف، رايةً رايةً وصفاً صفاً، ويقول: أيها الناس، إنما قوام الإسلام باله ثم بكم، اصبروا وصابروا، فإن الله وعد الصابرين أجرا عظيما، إن هربوا سلموا إليكم خزائنهم وأموالهم، وإن هربتم أوهنتم الإسلام وأضعفتم الحرمات، ليشتغل كل واحد منكم بقرنه، ولا يحيل قرنه على أخيه، فإن في ذلك عار الدنيا وعقابُ الآخرة. أيها الناس إن عاقبة الصبر محمودة، ومع الصبر يكون النصر. فجعل يدور في الرايات وقول هذا وشبهه، والعسكران متواقفان، والناس تحت راياتهم وصفوفهم. وأقبل المغيرة بن شُعبة على فرسه حتى دنا من النعمان فقال: أيها الأمير، إن الناس قد تشوقوا إلى لقاء هؤلاء القوم، وقد استعدوا للحرب، فماذا تنتظر؟ فقال النعمان: رويدا يرحمك الله، فإني منتظر الساعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل فيها، وهي زوال الشمس، وتهب الرياح، فلما أن قارب ذلك الوقت نادى النعمان: أني هارُّ الراية ثلاثا، فإذا هززتها أولا فكبروان وليشد كل واحد منكم حزام فرسه، ويسوي عليه شكتهن فإذا هززتها الثالثة فكبروان وأحملوا فأني حامل أولكمن ولا قوة إلا باللهز فمد الناس أعينهم إلى الراية، فلما زالت الشمس وهبت الريح هز الراية فنزل الناس عن خيولهم فشدوا حزمهان واستوثقوا من ألبابها واتقارها، ثم هزها ثانية فأسند القوم أسنة الرماح نحو العجمن وهزوا سيوفهم، ثم هزها الثالثة فحمل وحمل معه عمرو بن معدي كربن وفرسان العربن وحمل المسلمون على آثارهم حملة رجل واحد، وأسندوا رؤسهم إلى قرابس سروجهمن فلم يكن للعجم ثبات عند حملتهمن فأنهزموا على وجوههمن وكان النعمان بن مقرن اول قتيلن فحمله اخوه سويد بن مقرن فأدخله معسكر العرب، وأخذ أثوابه فلبسها، وركب فرسه متشبها به لئلا يعلم المسلمون بقتله فينكسروا، ثم ان العجم تابوا وتداعوا ووقفوا يحاربون العرب بجد واجتهاد. فتجالدوا بالسيوف وتشاكو بالرماح، وحميت الحرب بين الفريقين، واشتد القتال وثار القتامن وكثرت القتلى بينهمن فنادى عمروبن معدي كرب بصوت له جهوري وهو شيخ كبير: يا معشر العرب، إنه لم يبق من القوم إلا اخر نفسن فأحملوا معي فداكم ابي وامي حملة اخرى ترضون بها الله وتعزون بها الدينن ونادى طليحة بن خويلد وقال: إلى فركض نحوه وحملا أمام الناس، وحمل معهما جميع المسلمين، وسادة العرب وفرسانهم حملة رجل واحدن ووطنوا انفسهم على الموت، فقتلوا في حملتهم تلك مقتلة عظيمة، فولت العجم من بينهم منهزمين على وجوههم، وأخذوا نحو الجبل الذي يسمى ابراين ليعتصموا به، فأنتهوا إلى ذلك الخندق الذي كانوا احتقروه وأجروا عليه الماء وغطوه بتراب السباخ. وجعلوه ليكون مكيدةن ورجوا ان يتقدم اليهم العرب إلى مصاربهم وان ينهزموا فيأخذوا نحو ذلك الجبل فيغرقهم ويغرقوا في ذلك الخندق والحماةز فجعل الله ذلك الخندق مهلكة لهم، فسقط فيه زهاء مائة الف رجل فغرقوا في ذلك الخندق وقتل منهم في المعركة زهاء اربعين الف رجل، وانهزم بقيتهم نحو مدينة قم وبها يزدجرد الملك المقيم بها، لينظر ما يكون من امر الفريين - وأقبل دهاقين نهاوند مع من انضم اليهم من الرازبة، واشراف الاساورة وعظمائهمن حتى انتهوا في هزيمتهم تلك إلى مدينة نهاوند، ولم يجدوا عليها سور حصينان وقد كان سورها العتيق تهدم، ولم يكن فيها حصنن فجاوزوها وساروا منها بالحث الشديد وفرسان العرب على آثارهم، حتى انتهوا إلى قرية من قرى المدينة على فرسخين من المدين تسمى دهمردين وكان فيها قصر عظيم حصين، وعليه باب من حديد فدخلوا ذلك الحصن فتحصنوا فيه، واغلقوا عليهم الباب الحديد الذي كان عليهم وقد استباح المسلمون جميع سواد العجم، وغنموا اموالهم ن واشتغل المسلمون يومها ذلك بموضع المعركة يدفنون قتلاهم. فلما اصبحوا من الغد استعد المسلمون الىذلك البلد الذي تحصن به القومز وقد تولى الامر

حذيفةة بن اليمانن فسار الناس نحو تلك القرية التي تحصن بها القومن حتى انتهى اليها، فأحاط بها في فرسان العرب وأبطالها محاصرا لهم فيها، وكانت العجم تقاتلهم من فوق ذلك القصر بالحجارة والنشاب، ثم خرجوا ذات يوم وقد استعدوا للحرب، وخرج معهم من انضم اليهم من مرازبة الملك وعظماء اساورته، فناوشوا العرب ساعة واحدة وحملت عليهم العرب فأنهزموا نحو ذلك الحصن فدخلوهن وانقطع منهم نفر وقتل منهم قتل، وتحصن الباقي منهم، فلم يزالوا كذلك حتى طال عليهم الامر فعند ذلك نزلوا إلى الامان، وطلب الصلح جميع من كان في ذلك الحصن من اهل البلد. ومن انضم اليهم من مراوبة الملك. واشراف اساورتهن فاجابهم حذيفة إلى ذلك، وصالحوه على البلاد على نحو ما كانت ملوك العجم يأخذون منها الخراج. فكتب حذيفة لهم كتابا، واعطاهم الامانن وامروا بفتح الباب ففتحوه وخرجوا وامنوا ودخل بعضهم في امان بعض، وانصرف حذيفة بالجموع عنهم، وأقبل حتى انتهى مدينة نهاوند فنزلها، ثم قسم السائب بن الاقرع ما افاء الله من جميع تلك الغنائم فيمن حضر تلك الوقعة من العربن لكل ذي حق حقه. فكتب له حذيفة كتابا بالفتح، وما افاء الله على المسلمين، فركب السائب ناقته نحو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحل ويرتحل حتى انتهى اليهان ودخل على عمر ومعه كتاب حذيفة بالفتح، فأمر بالكتاب فقرئ على الناس، فتباشروا بذلك، وحدثه السائب بحديث تلك الحرب، ومقتل النعمان بن مقرن وغيره ممن قتل من المسلمين، ممن يعرفهم وممن لا يعرفهمن فقال عمر: يا بن مليكة فإن لم أكن عارفا بهم فأن الله عارف بهم، ثم حدثه أن حذيفة أعطى كل ذي حق حقه، ففرح عمر رحمه الله وجماعة من كان معه من المسلمين بما فتح الله لهمن واستبشروا بذلك فهذه وقعة نهاوند. ن اليمانن فسار الناس نحو تلك القرية التي تحصن بها القومن حتى انتهى اليها، فأحاط بها في فرسان العرب وأبطالها محاصرا لهم فيها، وكانت العجم تقاتلهم من فوق ذلك القصر بالحجارة والنشاب، ثم خرجوا ذات يوم وقد استعدوا للحرب، وخرج معهم من انضم اليهم من مرازبة الملك وعظماء اساورته، فناوشوا العرب ساعة واحدة وحملت عليهم العرب فأنهزموا نحو ذلك الحصن فدخلوهن وانقطع منهم نفر وقتل منهم قتل، وتحصن الباقي منهم، فلم يزالوا كذلك حتى طال عليهم الامر فعند ذلك نزلوا إلى الامان، وطلب الصلح جميع من كان في ذلك الحصن من اهل البلد. ومن انضم اليهم من مراوبة الملك. واشراف اساورتهن فاجابهم حذيفة إلى ذلك، وصالحوه على البلاد على نحو ما كانت ملوك العجم يأخذون منها الخراج. فكتب حذيفة لهم كتابا، واعطاهم الامانن وامروا بفتح الباب ففتحوه وخرجوا وامنوا ودخل بعضهم في امان بعض، وانصرف حذيفة بالجموع عنهم، وأقبل حتى انتهى مدينة نهاوند فنزلها، ثم قسم السائب بن الاقرع ما افاء الله من جميع تلك الغنائم فيمن حضر تلك الوقعة من العربن لكل ذي حق حقه. فكتب له حذيفة كتابا بالفتح، وما افاء الله على المسلمين، فركب السائب ناقته نحو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحل ويرتحل حتى انتهى اليهان ودخل على عمر ومعه كتاب حذيفة بالفتح، فأمر بالكتاب فقرئ على الناس، فتباشروا بذلك، وحدثه السائب بحديث تلك الحرب، ومقتل النعمان بن مقرن وغيره ممن قتل من المسلمين، ممن يعرفهم وممن لا يعرفهمن فقال عمر: يا بن مليكة فإن لم أكن عارفا بهم فأن الله عارف بهم، ثم حدثه أن حذيفة أعطى كل ذي حق حقه، ففرح عمر رحمه الله وجماعة من كان معه من المسلمين بما فتح الله لهمن واستبشروا بذلك فهذه وقعة نهاوند. وقال في ذلك عروة بن زيد الخيل بن المهلمل الطائي - وكان أحد المتقدمين في قبائل طئ - في تلك الواقعة، وجميع حروبهم تلك شعرا: ألا طرقت سلمى وقد نام صحبتي ... بإيوان سيرين المزخرف حلت ولو شهدت يومي جلولا وحربنا ... ويوم نهاوند الحروب استهلت إذا لرات ضرب امرئ غير ناكل ... ضروب بنصل السيف أروع مصلت حملت عليهم رجلتي وفوارسي ... وجردت سيفي فيهم وأبلت فكم من كمي أشوس متمرد ... أخي شرس خيلي عليه اظلت وحرب عوان قد شهدت وفتية ... وطاعنتهم حتى ثوت فأخزالت

فتح تشتر

وكم كربة فرجتها وكريهة ... شددت لها ازري إلى أن تجلت وقد أضحت الدنيا لدي ذميمة ... وسليت عنها النفس حتى تسليت فهذه وقعة نهاوند. فتح تشتر

كان من حديث تشتر أن ابا موسى الاشعري لما بنى البصرة، ولم يكن ألا الخريبة، فإنها كانت قرية تسكنها العجم ليمنعوا العرب من الغرات بتلك الناحيةن وكان موضع البصرة فيه حجارة سود فسميت من أجل ذلك البصرةن وكان المسلمون ايام عمر بن الخطاب - رحمه الله - إذا خرجوا لحرب العجم جعلوا مضاربهم ونصبوا الفساطيط والقباب في ذلك الموضع - وهو موضع البصرة - وكانوا على ذلك إلى ان ولى عمر بن الخطاب ابا موسى عبد الله بن قيس الاشعري امر الناس وتلك البلادن وكان ذلك قبل وقعة القادسية، فامر عمر عند ذلك ابا موسى الاشعري ان يضرب بموضع البصرة خططا لمن هنالك من العرب، ويجعل كل قبيلة في محلة، ويأمرهم أن يبنوا لأنفسهم المنازل وبنى فيها مسجدا جامعا متوسطا. وأن ابا موسى الاشعري لما بنى البصرة اسكن فيه ذراري من كان معه من العربن وخلف بها ستة آلاف رجل يحفظونها، وسار في جميع كرر الاهواز، فأفتتحها كورة بعد كورة الا مدينة تشترن فإن الهرمزان عامل يزدجرد الملك كانقد اقام بها واحصنها، فأجتمع اليه جميع من كان في تلك الارض من الاساورة والمرازبةن فلما ان كان من اوان حرب القادسية وجلولاء، وكان من امرهما ما كان، سار ابو موسى الاشعري إلى تشترن واستعد في جميع تلك الارض من المرازبة والاساورة والهرمزان في جموعه، وخرج اليه لمحاربتهن فالتقى الفريقان فأقتتلوا قتالاشديدا، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وقتل البراد بن مالك الانصاري اخو انس بن مالك ولم يزالوا يقتتلون ذلك اليوم حتى نفذت السهامن وتكسرت الرماح وتقطعت السيوف، وتخضبت الخيل بالدماء، إلى وقت المساء، لم يكن صلاة المسلمين الا بالتكبير في وقت الصلوات، فأنزل الله تبارك وتعالى نصرة على المسلمين، فحمل عليهم ابو موسى في جميع المسلمين وألقى الله الرعب في قلوب العجم فانهزموا حتى دخلوا مدينة تشتر واغلقوا ابوابها. وحاصرهم ابو موسى الاشعري اشهرا كثيرة في حديث وحروب كثيرة - يطول ذكر ذلك - إلى ان سأل الهرمزان من ابي موسى الامانن فأجابه ابوموسى إلى ان يؤمنه ومن معه في الحصن وجنوده، على حكم عمر، فخرج اليه الهرمزان، ووجه به ابو موسى إلى عمر في خمسين رجلا من المسلمين، وعلهم انس بن مالك، وحبس ابو موسى اصحاب الهرمزان في ذلك الحصن، وحمل اليهم فيه الطعام والشراب، اينظر ما يكون من امر عمر بن الخطاب - رحمه الله - في الهرمزان، حتى وافوا به مدينة الرسول عليه السلام، فأتوا منزل عمر بن الخطاب فصادفوه وقد خرج إلى حائط له وحده خارج المدينةن فمضوا منطلقين نحوه - والهرمزان معهم - حتى دخلوا ذلك الحائط فصادفوه نائما في إزاره - قد جمع ثوبه ووضعه تحت رأسه - فقال لهم الهرمزان: من هذا؟ قالوا امير المؤمنين. قال هذا ملك العرب، وكل من بالعراق عماله؟ قالوا: نعم: قاله فماله حرس ولا شرط؟ قالوا: لا هو حارس نفسه وشرطها. قال والله هذا هو الملك الهني، عدلت فنمت واستيقظ عمر بحسهم. فنظر إلى الهرمزان مع القوم وقد وضعوا تاجه على رأسه وشدوا عليه منطقه وسيفهن وهما مفصلان بالياقوت واصناف الجوهرن والبسوه قبءه - وكان منسوجا بالذهب - فلما نظر عمر اليه بتلك الحال صرف بصره عنه، واقبل نحو منزله والقوم يمشون خلفه والهرمزان معهم. فقال عمر: والله لا التفت اليه حتى يلقي هذه البزة عنه. فخلعوها عنه، وادنوه من عمر، فقال له عمر: تكلم: قال الهرمزان: كلام حتى اتكلم ام كلام ميت؟ فقال: بل كلام حي، قال: فأمرلي بشربةماء، فأنه قد بلغ بي العطش. فقال عمر: اسقوهزفأتوه بماء في قعب قد كان فيه اللبن قبل ذلك. فلما وضعه في فيه وجد زهومة اللبن. فقال: لا اقدر اشرب بهذا القعب. فأمر ان يؤتى بماء في قدح زجاج. فأمر له بماء في قدح زجاج، فشرب. فقال له عمر: ما كنا لنجمع عليك العطش والقتل. فقال الهرمزان: فكيف تقتلني وقد امتني؟ فقال عمر: متى امنتك؟ فقال: اني سئلتك اكلام حي ام كلام ميت؟ فقلت بل كلام حي، فهذا امان فقال من حضر: صدق يا امير المؤمنين هذا امان، فقال عمر: ما احب ان ادع قاتل البراء بن مالك حيا فأصدقني عن نفسك، ودلني على اموالك، فقال: عن أي الاموال تسأل، اما ما كان في يدي من اموال الملك يزدجرد فقد احتوى عليها عاملك ابو موسى الاشعري. وأما فاموالي خاصة فأني اوصلها اليك كلها فقال له عمر ويحك هل لك في الإسلام حاجة؟ قال: نعم، فادع بأقرب

مقتل الملك يزدجرد

الخلقلق إلى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فدعا العباس بن عبد المطلب فقال له عمر: هذا عم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأسأل على يديه، وفرض له عمر الفي ردهم في كل عطاء، وكتب إلى ابي موسى بأطلاق اصحابه الذين كانوا معه في الحصن. إلى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فدعا العباس بن عبد المطلب فقال له عمر: هذا عم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأسأل على يديه، وفرض له عمر الفي ردهم في كل عطاء، وكتب إلى ابي موسى بأطلاق اصحابه الذين كانوا معه في الحصن. مقتل الملك يزدجرد قال: وبلغ يزدجرد الملك - وهو مقيم - هزيمة اصحابه بنهاوند واخر الهرمزان فهرب على وجهه نحو فارسن وكان عثمان بن الحكم بن ابي العاص الثقفي عامل عمر علىاليمامة والبحرين وعمان، فكتب اليه عمر يأمره أن يتوجهبمن معه من العرب نحو ارض فارس يطلب يزدجرد الملك. فسار عثمان بن ابي العاص حتى إذا وافى مدينة فارس بالجنود هرب يزدجرد نحو خراسانن حتى اتى مدينة مرو واخذ عامله على خراسان واسمه ما هويه قد صاهر خاقان ملك التركفوجه له ملك الترك طرخانا من طراخنته في ثلاثين الفا فارس، فأقبل نحو ماهويه وجازمنها النهر الاعظم، وسار على المفازة حتى خرجالى ارض مرو ووافى مدينة مرو وجنوده نصفا من الليل، وفتح لهم ماهويه ابواب المدينة، ةامر يزدجرد فدلي بحبل من سور المدينة حتى نزل خارجا من سور المدينة، ومضى هاربا حتى انتهوا إلى نهر يسمى الزرق، وتعب واعيا اعياء شديدا فأنتهى إلى رحى فخرج اليه الطحان فأدخله الرحا وبسط له كساء فنام لما به من التعب، فلما استقل نومه قام الطحان بمنقار الرحا فضربه وقتلهن واخذ ما كان عليه من بزته، والقاه في نهر الرحاة فلما اصبح من كان مع يزدجرد من مرازبة وعظماء اساورته تداعوا، فأجتمع اليهم جميع اهل مدينة مرو، فحاربوا الترك حتى اخرجوهم من المدينة وطردوهم، وطلبوا يزدجرد فاصابوه قتيلا في ذلك النهرن واصابوا بزته مع الطحان فقتلوا الطحان واخذوا بزة الملكن وهرب ماهويه على وجهه نحو فارس حتى اتى عثمان بن ابي العاص الثقفي، فأستأمن اليه، ويقال: بل قتل بمرو، فيومئذ انقضى سلطان العجم. قد ذكرنا نسب عمرو بن معدي بن كرب الزبيدي، ولمعا من اخباره في الجاهلية والاسلام، عند ذكر هذه الوقائع وما فيها من اخباره. واخبار غيره من فرسان العرب، إذ كان ذلك يقتضي بعضه بعضا، وقد اكثرت الاطالة في ذلك على وجه الاختصاص من الكتب، لما في ذلك من فائدة المعرفة، ونرجع الان إلى ذكر إتمام انساب قبائل زيد ومذحج. رجع إلى ذكر زبيد: بنو شرمح بن الفحيل بن جزء بن قيس بن ربيعة بن زبيد كان فارسا يغير مع عمرو بن معدي بن كرب. ومنهم يزيد بن شريح بن شرلحبيل. كان شاعراز ومنهم زهير بن خنساء بن كعب من فرسان جعفى جاهلي. وأبو جُمَيْر بن خَنْساء الذي قَتَلَ الهُرادِيّ. ومنهم عافية بن شداد بن ثُمامة قتل مع علي بن ابي طالب رضي الله عنه. ومنهم عَافِيةُ بن يزيد أبي قيس المعروف بالعوفي القاضي، الذي يقول فيه أبو نواس: لو أمكن العوفي في خلوة ... عامله الشيخ على عِفَّتِه وولي القضاء للمهدي. ومنهم الأسْوَد بن يزيد الفقيه على أصحاب عليّ. " أوْد " فأما أُوْد بن صعب بن سعد العشيرة فمنهم الأَفْوَه الأوْدِيّ الشاعر، واسمه صلاءة بن عمرو بن مالك بن الحارث بن عمرو بن مالك الأوْدِي، كان على عهد المسيح عليه السلام، وهو أوّل من حمل عنه الشعر، وهو القائل: أيها الساعي على آثارنا ... نحن ممن لست من يسعى معه نحن أوْد حين يصطفك القنا ... والعوالي بالعوالي مُشْرَعَه

" جنب "

ومنهم مَحْمِية بن جزء، وكان على المقاسم يومَ بدر، وكان حليفا لبني جُمَح، ومَحِمية: مَفعِلة من قولهم حَمَيْت المكان أحمية حماية إذا جعلته حميً وأحميته إذا أصبته حمي، وحوامي الفَرَس: من عند يمين حافرة وشماله الواحدة حامية والجمع حوامي. وأحميتُ الحديدة في النار إحماءً. وحَوَامي الجبل: أطرافه التي تحمي مَنْ صار إليها. والحِميَّة من الغضب معروفة، وفي القرآن) حَمِيَّة الجَاهليَّة (وقد سَمَّت العرب والخَمرَ حُمَيَّاً فإما أن يكون من هذا، وإما يكون تصغير أحَمّ. والأحمُّ: الأسْوَد يَضِرب إلى الحُمْرة. وفرسٌ أحُّم كذلك، وحُمَيَّا الخمر سَوْرتُها. ومن شعرائهم عاصمُ بن الأصْقَع، والاصقع طائر أبيض الرأس شبيه العصفور والأنثى صقعاء وكذلك عُقَابٌ صَقْعاء إذا كانت كذلك. ومنهم عمرو بن مَيْمُون الأوْدِي صاحب ابن مسعود. ومنهم أبو ادريس الأوْدي، واسمه إبراهيم بن أبي حديدة صاحب إسماعيل بن أبي خالد المحدث. ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن الأوْدي المحدث. ومنهم إدريس المحدث، كان معلم محمد بن إبراهيم الهاشمي. ومنهم أبو مسكين، واسمه جرير فقية. ومنهم داود الأوْدي الذي يروي عنه الحسن بن صالح وأبو عوانه. ومنهم داود بن زيد بن عبد الرحمن الأودي المحدث. " جَنْبُ " وأما جَنْبُ بن سعد، ويقال جَنْب بن عمرو بن علة بن خالد بن مذحج، فمن جنب معاوية الخير صاحب أبو مذحج، معاوية بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن مُنبه بن جَنْب بن سعد. ومعاوية هو الذي أجار مهلهل ابن ربيعة حين انتفت منه تَغْلب، وحركوا الحربَ معه، وتزوج ابنته فقال في ذلك، مُهَلْهل وقد انصرف عنهم: عزّ على تغلب ما لَقِيَت ... أختُ بني المالكين من جُشَم أنكحها فَقْدُها الأراقم في ... جَنْبٍ وكان الحِ [َاءْ مِن أدَم لو بأبانين جَاء يخطبها ... ضُرج ما أنف خاطبٍ بِدَم ومنهم أبو ظَبْيان الجَنْبيّ الفقيه واسمه الحُصين بن جُنْد كان فقيها محدثا. ومنهم إبراهيم بن الأعمش. ومن قبائل جنب بنو مُنبه بن حارث بن يزيد، والحارث، وعُلَيّ، وسِنْحَان وشِمْران، وهِفَّان، هؤلاء كلهم بنو جَنْب، وسمي جَنْباً لأنه جانب قومه فسمي بذلك. " جَمَل " وأما جَمَل بن سعد فمنهم نهيد بن عمرو الجملي، وابنه هند بن عمرو الجَمَلي، وكان هند بن عمرو مع علي بن أبي طالب يوم الجمل، وقتل معه بصفين، وكان الذي ولي قتله عمرو بن يثربي الضبي وفي ذلك يقول: قتلتُ عِلْباءَ وهِنْدَا الجَمَلي ... زابناً لصُوحان عَلى دين عَلي فأسره عّمارُ بن ياسر، فأُتي به علياً، فأمر بقتله، ولم يقتل اسيرا غيره، فقيل له في ذلك. فقال: رغم أنَّه قتلهم على دين علي، ودين محمد صلى الله عليه وسلم. " مازن " وأما مازن بن سعد فمنهم المُخَزَّم بن سَلَمة الذي قتل عبد الله ابن معدي كرب، أخا عمرو بن معدي كرب براعي إبله، وكان ذلك سبب خروج بني مازن بن سعد من مَذْحِج وادّعائهم إلى بني تميم إلى اليوم، وكانت بنو مازن بن سعد قبل ذلك مع جُعْفِيّ بن سعد حتى قتل المخزم بن سلمة عبد الله بن مَعْدِي كَرِب، فخافت بنو مازن بن سعد من عَمْرو وأن يصطلهم، فارتحلوا إلى تميم، وانتسبوا إلى مالك بن عمرو بن تميم، وفيهم يقول الأشقر بن أبي حمران شعرا: أريدُ دِمَاء بني مازن ... وراعَ المُعَلَّى بياضُ اللبن خليلان مُخْتَلِفٌ شأننا ... نريد العَلا ويُريدُ السَّمَن ومن مازن بن سعد أبو عمرو بن المعلى، وهم اليوم في بني مالك بن عمرو بن تميم، فيقال مازن بن عمرو مالك بن تميم. ومن سعد العشيرة عَدْلُ بن جَزْء بن سعد، وكان العَدْل على شرطة تبع، وكان إذا أراد تَبَّعٌ قتلَ رجل دفَعه إليه ليقتله، فضرب به المثل في كل ما يُخْشَى عليه " وضُعِ على يَدَي عَدْل "

خالد بن مذحج: وأما خالد بن مذحج فولد علة وعلة اسم ناقص مثل قلة وكرة وهي الخشبة التي تسمى القاقبين، واشتقاق قلة من قلا يقلو. من العدو والشديد، وكرة من كرا يكرو، فكان علة من علا يعلو. فولد علة بن خالدعمرو بن علة. وحارث بن علة. فولد حارث بن علة رها بن حارث، وولد عمرو علة كعب بن عمرو، وجسر بن عمرو بن علة، وعامر بن عمرو. فأما كعب بن عمرو بن علة فهو أبو الحارث بن كعب. وأما جسر بن عمرو بن علة فهو أبو النخع بن جسر، واسم النخع بن عمرو بن جسر بن عمرو بن علة بن خالد بن مذحج. وسمي النخع لأنه انتخع قومه: أي بعد عنهم. وأما عامر بن عمرو بن علة فمن ولده معاوية بن الحصين بن أنس بن ربيعة أسد بن مسلية بن عامر بن عمرو بن خالد بن مذحج. الحارث بن كعب: وأما الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مذحج، وهو جمرة من جمرات العرب، وبيت بني الحارث بن كعب في بني عبد المدان، وهو احد بيوتات العرب الثلاثة، وبيوت العرب الثلاثة هم وبيت زرارة ابن عدس في بني تميم، وبليت حذيفة بن بدر في بني فزارة، وبيت بني عبد المدان في بني الحارث بن كيب. وقال ابو بكر محمد بن الحسن القسملي: بيوت العرب ثلاثة. فمن بني الحارث بن كعب بنو عبد المدان ولسمه عمرو بن الديان، وهو بيت بني الحارث بن كعب، وقد تقدم ذكرنا له، وهو عبد المدان بن الديان واسمه يزيد بن قطن بن زياد بن عبد الله بن الحارث بن مالك بن عبد الله بن ربيعة ابن كعب بن الحارث بن كعب. قال ابن دريد: ولابن الكلبي في المدان خبر ليس هذا موضعه، واحسب ان المدان صنم، واشتقاقه من دان يدين والدين: الجزاءن والدين: الطاعة: ةالدين: الراب والعادة. قال الشاعر: تقول إذا درات لها وضيني ... أهذا دينه أبدا وديني وقال في الطاعة: زعموا في التنزيل " ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك " أي في طاعة الملك، والدين: الملة. واشتقاق المدينة كأنها مَفْعَلَة من هذا، وكان الأصل مَدْيَنة، مِفْعَلة فَنْقَلُوا كسرة الياء على الدال، وأسكنوا الياء والدين الحساب، وهو راجع إلى الجزاء. وكان عبد المَدَان بن الدَّيَّان من الأجواد المُطْعِمِين الممدوحين. وله يقول الزُّبِيْر بن عبد المطلب بن هاشم ولرهطه يَمْدَحُهم: - قَوْمٌ إذا نَزَل الغريبُ بَدَارِهِم ... رَدُّوهْ رَّبَّ صَوَاهلٍ وَقَيانِ وإذا غَزَوْا بالجيش يومَ كَرِيهةٍ ... سَدُّوا شُعَا'َ الشَّمسِ بالحرمان لاَ يَنْكُثُونَ الأرضَ عِنْدَ سُؤَالهم ... كَيْ يَطْلُبَ العِّلاَتِ بالعَيدانِ بَل يَبْسُطُون وُجُوهَهُم فَتَرى لَها ... عِنْدَ السَّؤَالِ كَأحْسَنِ الألْوَان ورَأيْتَ مِن عَبْدِ المَدَانِ مَكَارِماً ... فَضَلَ الأنَامِ بِهِنَّ عبدُ مَدَانِ ألئن نبيت بالسهاد طعامهم ... للظاعنين بها وللقطان هّذا لعُمْرو أبي مَا مِثْلُه ... لاَمَا يُعِدّلَنا بَنُو جَدْعَانِ وللأعشى وغيره من الشعراء في بني المَدان مدائح وأشعار، كانوا أجوادا وسادة وفرسانا وشجعانا. ومنهم يزيد بن عبد المَدَان؛ كان شريفا شاعرا، والحارث بن عبد المدان الذي قَتلهُ جَرْمٌ. وعبد الحجر بن عبد المَدَان، وزياد بن عبد الله بن عبد المَدَان. ومن بني الحارث بن كعب بنو قَنَان من قولهم قَنَّ في الجبل وأقُنّ: إذا صار في قُنَّته، أي أعلاه. والقُنان بضَمّ القاف: رُدْن القميص - لغة يمانية - ويقال له: كم أيضا والقِنُّ: العبدين العبد بن والجمع أقْنان. وقال بعضُ أهل اللَّغة: عبدٌ قِنّ والجمع قِنَّ، الواحد والجمع فيه سواء. فمن بني القَنان الحُصَين ذو الغُصَّة بن زياد بن شداد بن قنان بن سلم بن وَهْب بن عبد الله بن ربيعة بن كعب، رأس بني الحارس، عاش مائة سنة، ولولده شرف عظيم، وإنما سمي ذا الغَصّضة لأنه إذا أراد كلاما يغتص بريقة، فيصعب عليه الكلام، وأصل الغَصصَ بالرِّيق ونَحوه. فإذا كان بالرِّيق فهو غَصص، وإذا كان بالماء فهو الشَرَقُ، وإذا كان من مرض أو ضَعْف فهو الجَرض، وإذا كان من كَرْب أو بكاء فهو جاز من جيز يجأز ومن الأجواد بني عبد المدان شدَّادُ بن الأوبر، من فرسانهم، وهو الذي عني المجاشي في قوله:

تالّلهِ لو نحنُ أجَرنا القَشْعما ... مايلَّ شدّاد دارِسَيْه دما ومنهم هند بن أسماء، الذي قتل المنتشر بن دهب الباهلي، وله يقول أعشى باهلة: قتلت في حَرَمِ منا أخاثفةٍ ... هندَ بنَ أسما فلا يهنالك الظَّفرُ واشتقاق الأوبَر من البعير إذا كان كثير الوَبر، والوبر: دويبة معروفة، والجمع وَبارِ، وبنات أوبَر: ضرب من الكمأة صغار سود، ونَسَخِة الأوبر. قال الشاعر: ولقد جَنْبتك أكْمُوءاً وعَسَاقلاً ... ولقد نَهَيتك عن بنات الأوبر وَوَبَّرتْ الأرنبْ توبيراً إذا مشَت على وَبَر قَوايمها ليلا يُقْتَّص أثَرُها. ومن أشراف بني عبد المَدَان الربيعُ بن عبيد الله بن عبد المدان قتله بسر بن أرطاه لما بعثه معاوية إلى اليمن. ومنهم زياد بن النضر، شهد مع علي بن أبي طالب المشاهد كلها، وكان على المقدمة يوم صفين. وأصغَرُ ابن الحارث كان صاحب القادسية، وعلى بني الحارث. وجَعفر بن عُلْبة، كان شاعرا فارسا، يُغير على بني عُقيل، وقُتِلَ صبراً بالمدينة، ومن جيد شعره: ولا يكشف الغَمَّاء إلاّ ابن حُرَّة ... يَرَى غَمراتِ المَوْتِ ثم يَزُورُها تقاسمهم أسيا فُناشرّ قسمة ... فَفَينا غَواشِيها وفيهم صُدُورها ومن أشراف بني عبد المَدَان الرَّبيع بن زياد بن النَّضر بن بشر بن مالك بن الديان بن عبد المدين ولي خراسان وفتح بعضها وكان عمر رضي الله عنه يقول: دُلَّوني على رجلٍ إذا كان وهو أمير فكأنه ليس بأمير وإذا كان ليس بأمير فكأنه أمير بعينة من تواضعه وخيره، وكان خيَّرا وكانت له منزلةٌ عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومنهم المهاجر بن زياد، وكان شريفا، وكان شاعرا، وقتل مع أبي موسى الأشعري بتشتر. ومنهم المخرَّم بن جزن ابن زياد، وقد كان رَأسَ، وكان شريفاً، وكان شاعرا. ومُخَرَّم مفعَّل من الخَرم وهو خَرْمك الشَّيء، والمَخَرِم: النَّقْب في الجَبَل، والطريق في الجبل، وجمع الكل مخارم، والخورمة بالصخرة يكون فيها نقب والأخرم: مَخرم الكَتِف وهو موضعُ انقطاع عيْره، العيرة العظم الناتيء في جسده. ومنهم الهِجرِس بن الحُرّ، كان شريفا جوادا. والهِجِرس: ولد الثعلب. ومنهم الحارث بن زيدا بن الربيع ولم يكن في الأرض عربي أبَصَر منه بنجم في أيامه. ومنهم يزيد بن أبانَ نابغة بني الحارث. ومن فرسانهم المأمور، واسمه الحارث بن معاوية الكاهن، وكانت مَذْحج في أمره تتقدم وتتأخر، وكان نصرانيا، وكان - كثيرا - يقول: نهارٌ يَحُولُ، وليلٌ يزُول، وشمس تَجْرِي، وقَمْرُ يَسْري ونجوم تَغُورُ، وفَلَكٌ يَدُور، وسحاب مُكْفَهِرُّ، وبحر مستطر، وجبال غُبءر، وأشجار خُضْرٌ، وخلق يمور بعضه في بعض، بين أسماء وأرض، وولد يتلف، وآخر يخلف، ما خلق الله هذا باطلا، وإنّ بعد ما ترون ثوابا وعقابا، وحشراً ونشرا، وقوفا بين يدي الجبار. فقالوا له: الجبار!! فقال: الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. ومنهم سَلَمةُ بن صَلاَة بن كعب، وسَلَمَة هذا المعروف بذي المَرْوة، وإنما سميَ ذا المَروة لأنه رَمَى رجلاً بهرْوةٍ فقتله. والهروة الحجارة التي تكون في سفوح الجبل، والجمع المَرْو، وأحسب أن اشتقاق مَرْوان منه. ومن فرسانهم مُزاحم بن كعب بن حَزْن، وهو الذي يقول له عامر بن الطُّفَيل: ولَقَدْ رأيتُ مُزَاحماً فكرِهتُه ... ولقد حفظتُ وَصَاة أمَّ الأسود ومنهم مسهر بن الجلاج، وكان فارسا. ومسهر هذا الذي طعن عامر بن الطفيل العامري - يوم فيف الريح - ففقأ عين عامر، وفيه يقول عامر: لعمري وما عَمِري عليَّ بِهَيَّن ... لقد شان حُرّ الوجه طعنةُ مُسهر ومنهم عبد يغوث بن الحارث بن وَقَّاص، قتل يوم الكلاب وكان على مذحج يومئذ. ومنهم زهير، وقَطَن، وجَفْنة، وعمروٌ، وزيد، وجمانة، بنور ربيعة بن مالك بن ربيعة، وهم فَوَارسُ الأغراض، وكانوا رُماةً لا يخطئون. ومنهم أبَيّ بن معاوية ابن صًبْح، كان فارسا وأخوه شاعرا، وإياه عَنَى عمرو بن معدي كرب بقوله: وابنُ صُبحٍ سَادِراً يُوعِدني ... ماله إن عشتُ في الناس مُجيرُ

ومنهم عاهانُ بن الشَّيطان، كان شريفا، واشتقاق عِاهَان من العاهة. من قولهم رجل مَعُوةٌ: إذا كانت به ععاهة، ورجل مُعِيةٌ: إذا وقعت في إبله عاهة وَعوّضة بالمكان: إذا أقام به. قال الراجز شأزش بمن عَوَّة جَذْب المُنَطَلق. والمعوَّه: الموضع الذي يقيم به. ومنهم الحارث بن كعب بن الدَّيان بن قَطَن بن زياد. ومنهم القَعْنبي الفقيه، واسمه عبد الله بن سلم بن قَعْنب. ومن مواليهم سيبويه، واسمه عمرو بن عثمان بن قُنْبُر النحوي مولى لهم. ومنهم عامر بن إسماعيل الحارثي: قاتل مَرْوَان بن محمد الجَعْدِي، وكان من الفُتَّاك. ومنهم رَبْطة أم أبي العباس السَّفاح بنت عبد الله بن عبد المَدَان بن قَطَن بن زياد بن عبد الله بن الحارث بن مالك بن عبد الله ابن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كَعْب. ومنهم المجلجل الشاعر، واسمه يزيد بن جون بن مُرْنة بن معاوية بن الحارث بن مالك بن عبد الله ابن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب. ومن قبائل الحارث بنو الدار، واسمه يزيد، وبنو الحِمَاس، وبنو النجاش، واسمه عامر بن ربيعة، وبنو مُسْلِية بطن، ومُسْلِية مُفْعِلة من أسْلَيته كذا وكذا وهو السُّلُوُّ والسُّلْوَان. ويقال: سَقَيِتني عنك سلوةً، أي عِملت بي عملة فسلوتُ عنك. فأمَّا سَلاْنْ السَّمن فهو مهموز من أسْلأة سَلأَ، وهو السَّلاء ممدود والسُّلَيُّ: موضع معروف. والسُّلْواَنَة: خرزة من خرز الأعراب يعلقونها على العاشق ليسلو - بِزَعْمهم. ومن بني النجاش النَّجاشُّي الشاعر، واسمه قَيس بَن عمرو بن مالك بن معاوية بن جُرَيْج بن النجاش، وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب. وهَجَا النجاشي بني العَجْلاَن فاسْتَعَدوا عليه عمر بن الخطاب رحمه الله فقال لهم عمر: ما قال فيكم؟ قالوا: قد قال: إذا الله عادى أهل لُؤْمٍ ورقةٍ ... فعادى بني العجلان رَهْطَ بن مُقْبِلِ فقال عمر:إنما دّعّا، إن كان مظلوما اسْتَجَبْتُ، وإن كان ظالما لم أستجب له. قالوا له: وقد قال: قبيلته لا يغدرون بِِّمَّةٍ ... ولا يَظْلِمُون الناسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ فقال عمر: ليت آل الخطاب هكذا. قالوا له: وقد قال: ولا يَرِدُون الماءَ إلاَّ عَشِيَّةً ... إذا صَدَر الوُرَّادُ عن كُلَّ مَنْهَل قال عمر: هو أهدأ لسقيهم. قالوا له: وقد قال: وما سُمِّيَ العَجْلانَ إلاّ لِقيلِهِمْ ... خُذِ القَعْبَ واجلب أيها العبدُوا عْجَل قال عمر: خَيْر القومِ خَادِمُهم. قالوا له: وقد قال: تَعَافُ الكلاب الذاريات ببابهم ... ويأكُلْن مِن كعب وعَوْفٍ ونهشل فقال عمر: خير القوم موتاهم ولم يضيعوهم. وكفى ضياعا من أكل لحمة الكلاب. ثم بعث إلى النجاشي فقال له: إن عُدْتَ قَطَعْتُ لسانك. وأُتِيَ به لعلي بن أبي طالب في شهر رمضان سكراناً فَجَلَدهُ مائة جلدة، فقال له: يا أمير المؤمنين. هذا الحَدُّ فما هذه العلاوة؟ فقال: لأن ولائدنا وصبياننا صيامُ وأنت مُفْطِر - فهرب إلى معاوية. والنَّجاشيُّ اسم ملك الحبشة، فإن جعلته عربيا فهُو مِنَ النَّجْش، والنَّجْشُ كشفُك الشيء وبَحثُك عنه، ورجل مِنْجَش ونَجَّاشٌ: إذا كان يكشف عن أمور الناس. ومَنْجَش: عبد كان لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد، وكان كسرى وَلَّي قيساً الأبلة، وجعلها طُعْمةً له فاتخذ مَنْجَشُ المنجشانية وكان يقال روضة الخيل. ومنهم شَرِيك بن الأعور، وشُرَيح بن الأعور، واسم الأعور هانئ بن نهيك بن دُرِيْد بن سَلَمَة، وهو الضباب بن ربيعة أخو النجاشي بن ربيعة بن الحارث بن كعب، وشَريك بن الأعور هذا كان من رجالهم، وهو الذي دخل على معاوية بن أبي سفيان، وكان شريك رجلا قصيرا، وأراد معاوية أن يضع مِنْ قَدْره فقال له معاوية - وقد دخل عليه ذات يوم - إنك لشريك، ومالِله من شريك، وإنك لابن الأعور، والبصير خيرٌ من الأعور، وإنك لقصير، والطويل خير من القصير. فقال له شَرَيك: مَهْلاً يا معاوية، مَهْلاً يا معاوية، إنك لابن حَرْب والسلم خيرٌ من الحرب، وإنك لابن صَخْر. والسهل خيرٌ من الصَّخْر، وإنك لمعاوية وما معاوية إلا كلبة عَوَت فاسْتَعْوَت. ثم استشاط غيظا، وسلَّ من سيفه شِبْراً، وأنشأ يقول:

أيشتُمني معاوية بن حرب ... وسيفْي صارمٌ ومعي لساني وحَوْلي من ذَوي يَمِنٍ رجالٌ ... غطارفة تَهَشُّ إلى الطعان فإن يَكُ مِن أُمَيَّة في ذُراها فإني في ذرى عبد المَدَان وإن يكنُ الخليفةُ من قُرَيش ... فإنا لا نقر عَلَى الهوان ثم خرج مُغْضَباً، فخرج وراءه خلقٌ كثير من اليمانية كانوا حضروا، فغضبوا لغضَبِهِ. فعند ذلك قَامَ معاوية ماشياً خلفه، خَوْفاً من الفتنة، فترَّضاه واعتذر إليه من الذي كان منه، ولم يزل به حتى رَضَى وَرَجَع معه، وحَبَاهُ ووَلاَّه على بلد قومه. ومنهم بنو رعيد وبنو معقل. النّضخع: فأما النَّخعَ جَسْر بن عمرو بن عْلة بن مَذحج، فاسمه عمرو وإنما سمي النَّخع لأنه انتتخع عن قومه، أي بعدُ عنهم والنَّخاع: عَصَبَية تَنْتَظم فَقَار الإنسان وغيره. ونَخَعت الشَّاة إذا شققت نحرها بعد ذبحها ليخرج دمُ فؤادها. ومن النَّخَع أرطأةُ بن كَعْب بن شراحيل بن كَعْب بن سُلامان بن عامر بن حارثة بن سعد بن مالك بن النَّخع، وأرطاة هذا وافد النَّخع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عقد له لواء على قومه، فكان مع أخيه يوم القادسية ومن ولده الحَجّاج بن أرطاة الفقيه، والأرطي: ضرب من النَّبت، والجمع أراطي، وأديمٌ مأروط: إذا دُبغَ بالأرطي. ومنهم عَرفجة بن وَهْم بن سنان بن عامر بن مالك، صاحب لواء النَّخع. ومنهم الأرقم بن جَهِيشْ بن بدر وهو من أشرافهم، وكان قدم مع أرطاة إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم. ومنهم الأشتْر النَّخعي، واسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مَسلم بن ربيعة بن جذيمة بن سعد بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النَّخَع وجَهَيْش فُعَيل قولهم أجهش الرجل إذا همّ بالبكاء قال الشاعر: جاءت تشكَّي إليَّ النَّفسُ مُجْهِشةً ... وقد حَملتُك سبعاً بعد وكان مع علي بن أبي طالب في سائر حروبه كلها، وفي يده رايته، وهو الذي رَفَع معاوية بن أبي سفيان المصاحف كانت معه رايةُ علي بن أبي طالب وهو يقول: نقَّيت وَفْري وانحرفتُ عن العُلَي ... ولَقيِت أصيْافي بَوجْهِ إنْ لَمْ أشنّ على ابن هند غارةً ... لم تَخْلُ يوما مِن نِهَاب خيلا كأمثال السعالي شربا ... تعدو ببيض في الكريهة حَمِيَ الحديدُ عليهمُ فكأنه ... وَمَضَانُ بْرقٍ أو شُعاع وهو الذي تَولى كشف صفين والأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن عبد البجلي ووجوهٌ كثير من اليمانية وفرسانها، وصفين كانت بين علي بن أبي طالب ومعاوية بعد عمر. ولما خرج مالك الأشْتر النَّخعي من عند علي بن أبي طالب سلَّم إليه العَهْد على مصر، بلغ معاوية ذلك فأتبعه مولى لعثمان بن عفان ومعه من سُمٍّ، فلما لحقة الرجل تنكَرَ على الأشتْر وأوهمه أنه مولى لعُمَر بن الخطاب فقرّبه وسار به معه، س فلما انتهى الأشتر إلى عين الشمس نزل بامرأة من ففرحت به وأتته بالسمك، فأكل منه، ثم قالت: الذي يقتل هذا عندنا فقال لبعض من حضر معه: أحضر لي شربةً من عَسَل. فسبق إليه ذلك فخرج ذلك السمّ في شربة من عسل وناوله، فلما شربه واستقر في جوفه ويقال: إنه مات بالفَرَما من عمل مصر، فبلغ الخبرُ معاوية فَخَطب وقال: إن الله قد كفاكم الأشتر النخعي. فقام إليه عَمْرو بن العاص فقال: فيم وبمَ يا أمير المؤمنين؟ فقال: بشربةٍ من عسل. فقال عمرو: إن لله جنودا منها العَسَل.

وابنه إبراهيم بم مالك الذي أوقع بعُبَيْد الله بن زياد، وعمير بن سعد بن أبي وقَّاص وجماعة ممن حضر قَتْل الحسين بن علي بن أبي طالب، فَقَتَلَهم، وبعث برأس عُبَيْد بن زياد إلى أبي حَمْزة المُخْتار بن عَوف الأزدي، وبعث المختار برأسه إلى عَلِيَّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فَأدْخل عليه وهو يصلي فقال عليُّ بن الحسين: الحمد لله الذي ما أماتني حتى أراني رأس عُبَيْد الله بن زياد. وقام إبراهيم هذا مع أبي حَمْزة المختار بن عَوْف، وكان أحد ذوي النَّجْدَة والبَسَالة والإقدام والرأي. ومن النَّخع الهيثُم بن الأسود بن قيس بن معاوية بن سُفْيان بن هِلال بن عمرو بن جُشَم بن عوف بن النَّخع، الذي قال لعبد الملك - حين وجه الحجاج لقتال الزُّبَيّر بمكة: إنك وجَّهْت هذا الغلام الثقفي إلى الكعبة الحَرَام، فَتَقَدَّمَ إليه ان لا يَكْسِر أحجارها، ولا يُنَفِّر أطيارها، ولا يَهْتِك أستْارها. وابنه العُرْبان بن الهيثم، ولي شُرط الكوفة لخالد بن عبد الله، وكان خطيبا شاعرا. ومنهم المِسْوَر بن نَهيِك بن كَهِيل بن بَشَّار بن مالك بن عَوْف بن جحفل بن جشم بن عوف بن النخع. ومنهم بنو صهبان كهيل بن زياد بن نهيك بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع، وكان من أصحاب علي بن أبي طالب، وقَتَلَهُ الحجاجُ بن يوسف - لعنه الله. ومنهم شريك بن عبد الله بن الحارث بن أوس بن الحارث بن الأذهل بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع، وفيه يقول المُعَلاَّ بن المنهال - وقد ولي قضاء الكوفة فدخله عجب وتيه - فقال فيه شعرا: فليت أبا شَريك كان حَيَّا ... فينتظر ابنه القاضي شريكا ويترك من يُرَزِّنُه علينا ... إذا قلنا له هَذا أبوكا ومنهم الأسود، وعلقمة، وإبراهيم الفقهاء، أولاد يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك. ومنهم حَفْص بن عتاب بن طلق بن معاوية، كان الرشيد وَلاَّه قضاء بغداد، ثم ولاه قضاء الكوفة فمات بها ستة أربع وتسعين ومائة. ومنهم أبو الأشهب المحدّث، واسمه جعفر بن الحارث. ومنهم أبو نعيم، واسمه عبد الرحمن ابن هانيء الفقيه. ومنهم سِنان بن أنس بن عمرو بن حيّ بن الحارث بن غالب بن مالك بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع، قالت الحسين بن علي. ومن قبائل النَّخع بنو صلاة، ورِزام. والصَّلَة معروفة وهي العطاء واسم صلاة معاوية بن الحارث بن موله، منهم الحارث بن ثعلبة بن ناشرة الأبيض الشاعر. ومنهم بنو رَدَاة من ولده كعب بن رداة الذي طال عمره فقال: لم يبق يا خَالِدُ مِنْ لِداتي ... أبو بنين لا ولا بناتِ ولا عقيمٌ غير ذي بناتٍ ... من مسقط الشِّحر إلى الفراتِ إلاَّ يُعَدُّ اليومَ في الأموات ... هل مشتر أبيعهُ حياتي وكان من المعمرين. والرَّدَة: الصخرة التي تَرمي بها حجراً لتكسره ورديته بالصَّخرة أرْديه رَيْاً ومنه قولهم مِرْدي حروب أي يُقذف به فيها. والرَّدى: الموت: معروف رديِ يَرَدى رداء فهو ردٍ كما ترى في وزن فَعِل، وردى البعيرُ والفرسُ رَدَيَانَا: ضرب من المشي وَردُؤ الرجلُ رَديء والمصدر مهموز، وفي نسخة الرداة مهموز. ومنهم حشرج بن زياد وحبش بن الحارث بن لقيط. وحرمله بن قيس، كلهم فقهاء. ومنهم يحيى بن حيّان. وكان من الأجواد. وفيه يقول بعض الأسديين: ألا جعل الله اليمانيين كُلّهم ... فِدى لفتى الفِتْيان يحيى بن حيان ولولا عُريق فيَّ مِن عَصَبَّيةِ ... لقلتُ وألْفاً من مَعَدِّ بن عدنان ولكنّ نفسي بعشيرتي ... وطابت له نفسي بأبناء قحطان رُهَاء: وأما رُهاء بن حارث بن عُلَة بن خالد بن مَذْحج، أحد بطون مَذْحج، وهو ممدود، ورهاء من قولهم عَيْشٌ رأه: أي ناعم ساكن. ويقولون أره على نفسك: أي ارفق بها. والرَّهاء: الفضاء من الأرض، واختلفوا في الرَّهْو فقالوا: هو العُلو منها. وقالوا: هو المُنَهَبِط منها، وهي الرَّهوةُ: إمَّا ارتفاع وإمَّا هبوط، كأنه من الأضداد.

وكان منهم يزيد بن شجرة الرُّهاويُّ. وكان فارسا، وهو الذي وجَّهَهُ معاوية بن أبي سفيان ليُقيِم بالناس الحَجّ، ووجَّه علي بن أبي طالب عبد الله بن العباس، فلما اجتمعا بمكة خشيا أن يكون في حرم الله حَرْب فاصطلحا. على أن يصلي بالناس شَيْبَة ابن عثمان بن أبي طلحة الشيبي. ومنهم تُجِيب بنت ثوبان بن سُلَيْم بن رُهاء، وهي التي غَلبت على ولد السكون بن أشرس بن كندة. ومنهم مالك ابن مروان الرُّهَاوي الذي كان على طوائف البحر معاوية. ومنهم مُسْلية ابن عامر بن رُهَاء بن حارث بن عُلَة بن خالد بن مذحج. عَنْس: وأما عَنْس بن مذحج بن أدد فاسمه زيدُ بن مالك. والعَنْسر الصُّلبة من قولهم عَنَسَت المرأة إذا كبرت ولم تتزوج، وكذلك الرَّجل. وقيل حتى أنت أشْمط عانس. فولد عَنْس، وهو زيد بن مالك ابن الحارث - عبد الله، ومالكاً وسعد. فمن بني الحارث عمار بن ياسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عَمَّار بن عبد الله ابنا ياسر بن عمار بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن سعد - وهو يام بن عبس بن مذحج النبيُّ صلى الله عليه وسلم يمرّ بعمار وأبيه ياسر وأمُه سُمَيَّة وأخيه عبد الله يعذبون بمكة قبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالهجرة، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: اصبروا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، وكان الذي يتولى عذابهم أبو جهل بن هشام لعنه الله. واجتاز عمارٌ يوم بدر أبو جهل بن هشام فوجده صريعا فأجاز عليه، وكان عمار شهد بدرا - من قولهم وذَمت الناقة توذيماً إذا جعلت على فمها وذيمة، وهي قطعة من مستطيلة - وكان عمّار بن ياسر رحمه الله من خِيار المسلمين، شهد المواضع كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له تقتلك الفئة الباغيةُ، قاتِلكُ وسَالِبُك في النار يوم صفين، وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما بلغ قتلهُ معاوية قال في الشام: إنما قتله الذي أخرجه معه.

أنساب ولد مرة بن أدد

ومن بني عبد الله بن عَنْس بن مذحج لَمِيسُ بن عبد الله بن الحارث بن عبد الله بن عَنْس. ومن بني مالك من عنس صَعْب بن مالك بن من بني عَنْس الأسود العَنْسي الكذَّاب الذي تَنَبأ باليمن، واسمه عَبْهَلةُ بن كَعْب بن عوف وفي نسخة: عوف بن كعب بن الحارث بن عمرو بن بن سعد بن عنس. وسمي الأسود لأنه كان أسود الوجه. وكان قد تَكَهَّن النبّوة فاتبعته عنس وغيرها، وسمي نفسه رَحْمن اليمن، كما سَمْى مُسَيْلَمة من اليمامة. وهو ذو الحِمار، وذلك أنه كان له حمار معلم، يقول له: لربك. فيسجد، ويقول له أبرك. فيبرك، فسمى ذا الحمار. ورواه: ذو الخِمار - بالخاء المعجمة، وذلك أنه كان مُخْتَمِراً مُعْتَماً أبداً وجهه، وكان الأسود هذا قد تَجَبَّرَ بصنعاء. واستذل الأبناء، وهم بقيةُ الذين وجَّهَهَم كِسْرَى إلى اليمن مع سيف بن ذي يزن الحِمَيَري، وكان وهرز. والأبناء من بقية أولئك، فاستخدم الأسود العَنْسِيَّ وأضَرَّبِهم،، وتزوج ابنته المَرْزُبانة، وكان باذام مِلَكهم، وكان عامل ابرَويز عليهم، أبا مسلمة الخولاني وسأله أن يشهد أنه رسول الله، فلم يفعل، فأجج له وألقاه فيها، فلم تضره. فقيل له: انفه عن بلادك، وإلا أفسد عليك ما أنت عليه. فأمره أن يخرج من بلاده، فأتى إلى المدينة، فلما بلغت أخباره النبي وجه قيس بن هُبَيْرة المكشوح المُرادِي لقتاله، وبعث معه فَرْوة ابن مِسَّيك ثم المُرَادي، أحد بني غُطَيْف، وأمره باستمالة الأبناء. فلما صار قيسٌ بلغه وفاةُ النبي صلى الله عليه وسلم، فأظهر قَيْسٌ للأسود أنه على رأيه حتى خَلَّى بينه وبين صنعاء فدخلها ومن معه من مذحج وهمدان وغيرهم، واستماب الأبناء، وبروز بن الديلمي، ويقال: إن الأسود لما قتل باذام رأس الأبناء أقرّ بعده يُسَمّى دَيْدُونهْ، فأسلم دَيْدُونه، وبقي قيس بن ذي الحرة البختري، وثّبَّت دَيْدُونه دعاته في الأبناء فأسْلَموا، وتصافق هؤلاء كلُّهم على قتل واغتياله، ودَسُّوا إلى المَرْزُبانة امرأته من أعلمها الذي همّ عليه، وكانت مبغضة لرؤيته حَنِقة عليه، لقتله أباها باذام، فدلتهم على جَدْول يَدْخل الماء. فدخلوا عليه بسَحر، ويقال: بل ثَقَبوا عليه جدار بيته ومعهم قيس بن هبيرة المكشوح، فدخلوا عليه بسحر - ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم قبل وفاته: قد قتل الله الأسود الكذَّاب، قتلة الرجل الصالح فَيْروز الديلمي، وفي ذلك يقول فَيْروز: أبرمت امري وقتلت عيهلة ... حتى تحملنا إليه العيهلة ينتظر الرسول والقتيل ارسله فجعل الأسود حين ذبح يخور خوار الثور حتى افزع حرسه، فقالوا للمرزبانه: ما شأن رحمن اليمن قالت ان الوحي ينزل عليه فأمسكوا عند قولها وسكنوا واخبر قيس اصحابه فاحتزوا رأسه ثم علو رأس المدينة حتى اصبعوا فقالوا: نشهد ان لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأسود الكذاب عدو الله فأجتمع اصحاب الاسود فألقى اليهم رأسه فتفرقوا غلا قليلا مخرج اصحاب قيس ففتحوا الباب ووضعوا في بقية أصحاب الاسود السيف فلم يبق الا من اسلم منهم وجيء رأسه إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ووثب قيس على ديدونه فقتله غيله وقال يستميل عنسا: قد عَلِمَ الأحياءُ من مَذْحج ... ما قتل الأسودَ إلا أنا طلبتُ ثأراً كان لي عنده ... بقتلي الأسود مستمكنا ثأرت عنسا وبني عامر ... وكنت لَمَّا أن أسَوْا مُحْسِنا ومن عَنْس كعب بن حامد. أنساب ولد مُرّة بن أُدَد

أنساب كندة

فأما مُرّة بن أدد بن زيد بن كهلان - وبعض قال: مرة بن أدد بن زيد بن هَمَيْسع بن عمرو بن يَشْجب بن عَريب بن زيد بن كهلان - وأمَ مُرّة بن أدد مدلة وهي مذحج، وبها سُميَّ ابنها مالك بن أدد مَذْحج، فغلبت على اسمه دون سائر ولد أدد، وإنما سُمِّيت مَذْحج لأنها وُلِدَت على أكمة يقال لها مَذْحج، فسميت بذلك - هكذا قال ابن الأنباري: فَولد مُرَّة بن أدد الحارث، عفيرا ومالكا، ومالك وهم لحم، وعمرا وهو جذام عاملة - فاما عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد فولد مُريعاً، واسمه عمرو، وإنما سمي مُرْيعاً لأنه إذا سألها رجلُ شيئا أعطاه أرضا يَرتَع فيها، فسمي بذلك. فولد مُرْتَع بن عفير ثور بن مرتع، وهو كندة بن مُرْتع، ويزيد بن مُرْتع. فولد يزيد بن مرتع صَدَّاء بن يزيد. أنساب كِنْدة فأما كِنْدة فاسمه ثور بن مرتع بن عُفير بن عَدِي بن الحارث بن مُرّة بن أدد، وإنما سمي كِنْدة لأنه كَنَدا أباه: أي كفر نعمه، من قولهم كند نعمة الله أي كفرها، ومن ذلك قوله تعالى " إنَّ الإنسانَ لربِّه لَكَنُودٌ (أي لكفور. فولد كِنْدَةُ ثَوْرُ بن مُرْتع رجلين: معاوية بن كندة، وأشرس بن كندة. أمهما رَمْلَةُ بنت أسد بن ربيعة، وكل كندة من ولدها. ولذلك كانت كِنْدَة تمت بحلفها لربيعة للقرابة التي بينهم، فولد الأشرس بن كندة السَّكون، ويقال بل اسمه السكن، وعدادها في واثلة بن حمير والسكاسك والسكون قبيلتان عظيمتان، وهما ابنا أشرس بن كندة، والسكون فعول من سَكَن في الموضع يَسْكن سكونا والسكاسك: من قولهم تَسَكْسَك الرجل كأنه ضرب من التضرع. وأما معاوية بن كندة فإليه جماع كندة وبيتها. فولد معاوية بن كِنْدة مُرتْعا، فولد مُرْتع ثورا، فولد ثور، معاوية، فولد معاويةً الحارث الأكبر بن معاوية، فولد الحارث الأكبر رجلين: معاوية الأكرمين بن الحارث، وبداء بن الحارث. فولد بداء بن الحارث الأكبر بنت معاوية عمرو بن معاوية، والحارث الأضغر بن معاوية، وهَيَاج بن معاوية. وبيت كندة من هؤلاء بني عمرو بن معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع معاوية بن كندة. وهو ثور مُرْتع وهو عمرو بن عُفير بن عدي بن الحارث بن الهَمَيْسع بن عمرو بن يَشْجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ يشجب بن يعرب بن قحطان. فهؤلاء بنو معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر ثور بن معاوية بن كندة - وهو ثور بن مرتفع - وكنده هم الذين خبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنهم لسان العرب وسَنَامها، والبيت منهم في بني مُعاوية ابن كندة - في القَسْملي وغيره. ومنهم حُجْرُ آكل المُرَار مَلِك العرب وهو قالت بن الهبولة السلنحي. والد حُجْراً غائباً فاستاق جميع الحيّ، وأخذ امرأة حُجْر وهي هند الهنود، أخت ذات القرطين، وهما ابنتا ظالم بن وهب بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر معاوية الأكرمين بن كندة - ويقال: بل هما ابنتا الأرقم بن ثعلبة بن عمرو حقبة - فلما سُبيت هِنْد الهنود، ونظرت إلى ابن الهَبُولة القضاعي - وكان أجما أهل زمانه - فهويته، وأشارت إليه بالمقام معها والنزول بها: للذي وقع بقلبها من حبه. فقال لها: ما ظنك بحُجْر؟ فقالت: فكأنك به قد طلع علينا كما جمل أكل مرارا. وقيل إنه سُمِّي آكل المرار لأنه لمّا لقي ابن الهَبُولة القُضاعي جعل يأكل أصل شجرة المارا، شجرة مُرّة إذا أكلتها الإبل تقلَّصت مَشافرها والجمل إذا أكل المُرَارَ أزْبَد، فسمي من ذلك آكل المرار. هذا قول أحمد بن علي وقال ابن الكلبي: لإنما سُمِّيَّ حُجُر آكل المرار لقول هند امرأته حين سألها القُضاعي فقالت: كأني أنظر إليه يدمر فوارسه كأنه جمل أكل المرار. ويقال درته فأنا أدمره ودُمُورا إذا أوثقته وحبسته عن الشيء فلما بلغ حجرا حَبِّيه أقبل في خيله وفوارسه على الحالة التي ذكرت هند الهنود، فسمي آكل المرار،، وأصاب ابن الهَبُولة وهو نائم مع هند الهنود فقتلهما جميعا، واستنقذ الحيّ من جميع السَّبْي، فأنشأ حُجْرَّ يقول: إنّ من غّرّه النساءُ بشيء ... بَعْد هندٍ لجاهلٍ مغرور حلوة العيش والحديث ومُرُّ ... ما سُواه وما يجن الضمير كل أنثى وإن بَدَالك منها ... آية الحب حُبُّها خَيْعَتُور

أخبار كندة

ومنهم ابنه عمرو المقصور بن حُجْر آكل المرار، وإنما سمي المقصور لأنه اقتصر على مُلْك أبيه حُجْر آكل المرار. هذا قول يعقوب بن السكيت. وقال أحمد بن عبيد: إنما سمي المقصور لأنه قصر على الملك كأنه كرهه، فمُلِّكَ شَاءَ أو أبى. وقال: هذا أصح ما قيل في ذلك. ومنهم الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حُجْر آكل المرار بن عمرو بن معاوية الأكرمين، وهو جد امرئ القيس بن حُجْر الكِنْدي، وكانت بنوه مُلُوكاً، ومَلَكوا بعده. ومنهم حجر أبو امرؤ القيس، وسلمة غلفاء، وشرحبيل، ومعديكرب، وعبد الله بن قيس فهؤلاء بيت آكل المُرار بن عمرو بن معاوية، وهم بيت أهل المملكة من كندة، وبيت المملكة من بعدهم في كندة بيتُ بني الحارث الأصغر بن معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر، والبيتُ منهم في آل جَبَلة بن عَدِيّ رَهّطُ الأشعث بن قَيْس الكِنْدي، وهو الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عَدَيّ بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر بن معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن ثور - وهو كندة بن مرتع. ونحن نبتدئ بشيء من ذكر أخبار ملوك كندة، وما كان من أمورهم، ثم نَرْجع إلى بقية شرح أنسابهم إن شاء الله تعالى. أخبَار كِنْدة كان من حديث الحارث بن عمرو المقصور ملك كنْدة: أنه كان أعظم ملوك كِنْدة قَدْرا، وأشدهم عِتِيا، وأوسعه مملكة. وذكروا أنه اجتمع له من سعة البلاد ما لم يكن لآبائه من قبله، فُتِّج وسمي الحَرِّاب، لكثرة حربه، وهو الذي تزوج أم إياس بنت عوف بن محلم الشيباني، وهو الحارث الملك الملقب الحّراب بن عمرو المقصور بن حُمْر آكل المرار بن عمرو بن معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة - وهو ثور بن مُرتع - بن عُفير بن عدي بن الحارث بن مُرّة بن أدد زيد بن كهىن بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وكان من أشد كندة ملكا وسلطانا. وهو الذي قرن بنيه في حياته وملَّكهم على قبائل معد، فكان شرحبيل وهو قتيل الكلاب الأول على قبائل من بني تميم بن مرو الرَّباب. فمن قبائل تميم الذي كان ملكا عليها منهم بنو حنظلة بن مالك بن يزيد مناة بن تميم والرباب. وبنو أسيد بن عمرو بن تميم، وطوائف من بني عمرو بن تميم. وأما الرباب فهو تيم وعدي وعكل ومزينه وضبة وسائر بطونهم فهؤلاء الثلاثة هم الرباب. بنو عبد مناة بن أد بن طانجة بن إلياس بن مضر - وكان معدي كرب على النمر بن قاسط، وقبائل من قيس وسعد بن زيد مناة بن تميم، وطوائف من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، والصنائع وهم بنو رقية، وهم قوم يكونون مع الملوك من شذاذ العرب. وشذاذ العرب: ما تفرق منهم. وكان سلمة - وهو غلفاء على تغلب وبكر بن وائل، وإنما سمي سلمة غلفاء لأنه كان يغلف رأسه بالطيب. وكان عبد الله على عبد القيس وكان عبد القيس سيارة على العرب، وكان حجر وهو أبو امرئ القيس على بني أسيد، وكنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وعلى غطفان. والحارث هذا هو الذي غزا أهل الحيرة، وأجلى نضر اللخميين عن الحيرة، وأغار على بلاد فارس، وكان قد سار في أربعين ألف رجل من العرب، كندة من ذلك اثنان وعشرون ألفا، وسائر ذلك من أفناء القبائل. وقاد الخيل إلى الحيرة، وكان حوله ثلاثمائة وستون مقنبا، حتى أغار على فارس ثم رجع إلى موضعه، ثم اتخذ الأنبْار بعد ذلك منزلا، فلم يزل أمره ظاهرا، وَوَاَدَع الفرسَ، وكان على الفرس قُبَاذ بين فيروز وصالحهم، ولم يزل ملكة كذلك ستين سنة، ثم أوقع به المنذر بن ماء السماء اللخمي - وهو لا يعلم - فخرج هاربا نحو الشام، وظفر المُنْذر بأربعين رجلا من بني أبية، لحقهم في الطريق فأسرهم، حتى أتي بهم ديار بني مرينا بموضع بين دير والكوفة. فضرب أعناقهم، وذلك أن الحارث الملك كان قد قتل في بني نضر قَتْلا ذريعا، فلم يستبق المنذر أحدا ممن في يده، وذلك قول امرئ القيس بن حجر: ألا يا عَيْن بَكِّي لي شنينا ... وبكي لي الملوك الذاهبينا ملوكا من بني حجر بن عمرو ... يُساقون العشية يُقتَلُونا فَلَوْ في يوم معركةٍ أصيبوا ... ولكن في ديار بني مرينا

أخبار امرئ القيس بن حجر الكندي

ولم تغسل جماجمهم بغسل ... ولكن بالدماء مُرَمَّلِينا في شعر طويل فمات الحارث الملك في أرض كلب بعد ذلك بمُدّه يسيرة، ثم رجع بنوه من بعده حين ملكوا على القبائل التي كانوا عليها، فلم يزل أمرهم على ذلك حتى بغي بعضهم على بعض - وتحاسدوا واختلفت كلمتهم، وأراد كل واحد منهم ملك أخيه يضمه إلى ملكه، وبعث شرحبيل بني تميم فأغاروا على مُلك سلمة، وهو ملك على تغلب وبكر ابني وائل، فأتوا بأفراس وغنموا - ثم يزالوا يتعازون حتى زحف شرحبيل إلى سلمة، وقال شرحبيل لبني تميم: لا عليكم أمر تغلب وبكر: فو الله إن ألقى بمائة أعزال من تميم أحبّ إلي من أن بمائة من تغلب شاكين في السلاح، فساروا حتى التقوا بماء يقال له الكلاب كل واحد منهم: أيكم يأتيني برأس أخي فله مائة من الإبل، فاقتتلوا شديدا، فانهزمت بنو تميم، فصاح بهم شرحبيل: ويلكم يا بني تميم: فلم عليه أحد منهم، فنزل يقاتل حتى قتل، فجاء أبو حنش التغلبي إليه وندم وأكب الأرض. فلما رأى أبو حنش ما به من الحُزْن على أخيه خاف منه فهرب ساعته. وفي ذلك اشعار، فمن ذلك قول قيس بن الحارث يرثى أخاه شُرحبيل: ألا قَبَح الله البَراجم كلَّها ... وقبح يَربْوعاً وقبح فما حاربوا عن ربهم وربيبهم ... ولا آذنوا سِلْما فيرجع في شعر طويل، فلم يزل أمرهم كذلك حتى أصاب سلمة بن الحارث ومات، وغدت بنو أسد فقتلت حُجْر بن الحارث غدراً، وهو أبو امرؤ القيس وكان ابنه امرؤ القيس غائبا، فقتل امرؤ القيس من بني أسيد خلقا كثيرا لقتلهم أباه، وأفنى منهم قبيلتين، حتى كان من امرئ القيس وخبره عند ملك الروم ما كان، ولذلك حديث يأتي بعد هذا إن شاء الله. أخبار امرئ القيس بن حُجْر الكندي

كان من حديث امرئ القيس بن حجر بن الحارث الملك بن عمرو وحُجْر آكل المرار بن عمرو بن معاوية الأكرمين الحارث الأكبر بن معاوية بن مُرْتع بن كنْدة - وهو ثور بن مُرْتع - قال: واسم امرئ القيس سليم القيس بقية، وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: امرء القيس بمنزلة عبد الله وعبد الرحمن، وفي إعرابه أربعة أوْجه: يقال امرؤ القيس بضم الراء والهمزة ويقال: امرؤ القيس بفتح الراء وضم الهمزة فمن ضم الراء والهمزة بغير ألف وقال امرؤ القيس بفتح الراء وضم الهمزة والميم قال معرب من جهتين ومن فتح الراء والميم قال هو معرب من جهو ةاحدة على هذا تقول أعجبني شعر امرئ القيس بكسر الراء والهمزة وأعجبني شعر امرئ القيس - بفتح الراء وكسر الهمزة، وأعجبني شعر امرئ القيس بكسر الراء والهمزة. قال الأصمعي حدثني من سمع عبد الله بن دالان التميمي - وكان رواية الفرزدق - قال: لم أر رجلا ولم أسمع به كان أروى لأحاديث امرئ القيس بن حُجْر أشعاره من الفرزدق، لأن امرأ القيس كان صحب عمه شرحبيلا قتيل الكلاب لأول حتى قيل أبوه وكان شرحبيل مسترضعا في بني دارم وكان امرؤ القيس رأى من أبيه جفاء فلحق بعمه شرحبيل حتى قتل أبوه، ثم إنه لما جعل يقول الشعر لرّدّه أبوه وأبعده عن نفسه. فلحق بعمه شرحبيل إلى أن قُتِل شرحبيل. فجعل بعد ذاك ينتقل في أحياء العرب، واتبعه صعاليك منهم، وكان يغير بهم، وينتقل في احيائهم. وقال عبد الله بن دالان: إن الفرزدق قال: أصابنا مطرٌ بالبصرة جود، لما أصبحت ركبت بغلة لي وخرجت نحو المِرْبد، فإذا ابا آثار دواب قد خرجن إلى ناحية البرية، فظنت أنهم قوم قد خرجوا يتنزهون وهم خلفاء أن يكون معهم سفرة شراب، فأتبعت آثارهم حتى انتهيت إلى بغال عليها رحائل موقوفة على غدير ماء، أسرعت السَّير إلى الغدير، فأشرفت فإذا فيه نسوة ميتنقعات في الماء، فقلت: لم كاليوم قط شبيها بيوم دارة جُلْجُل. قال: ثم انصرفت ففناديتني: يا صاحب البغلة ارجع نسألك عن شيء. فانصرفت إليهن، وقعدن في الماء إلى حلوقهن. ثم قلن: نسألك بالله لما حدثتنا حديث يوم دارة جلجل. فأخبرتهن كما كان. قال عبد الله بن دالان: فقلت يا أبا فراس، وكيف كان يوم دَارَة جُلْجُل؟ قال: حدثني جديَّ وأنا يومئذ غلام حافظ لما أسمع - قال كان امرؤ القيس عاشقا لجارية من قومه يقال لها عُنَيْة، وإنه طلبها زمانا فلم يصل إليها، وكان محتالا في كلب الغِرة منها من أهلها ليزورها، فلم يمكنه ذلك، حتى كان يوم الغدير وهو يوم دارة جلجل، وذلك أن الحي احتملوا فتقدم الرجال وخلَّفوا النساء والعبيد والثَقل والعسفاء، فلما رأى ذلك أمرؤ القيس تخلف بعد ما سار الرجال من قومه غلوة فكمن في غيابة من الأرض، حتى مرت به النساء، فإذا فتيات كالمها، عُنَيْزة، فلما رأين الغدير قلت: لو نزلنا ها هنا واغتسلنا في هذا الغدير، لذهب عنا بعض الطلال. فقالت إحداهن: نعم فافعلن. فعدلن إلى الغدير فنزلن، ونحيَّن عنهن العبيد، ودخلت الغدير، فأتاهن امرؤ القيس محتالا وهن غوافل، فأخذ ثيابهن في الغدير، ثم جمعها وقعد عليها وقال: والله لا أعطي جارية منكن ثوبها ولو ظلت في الغدير إلى الليل حتى تخرج كما هي متجردة فتكون هي التي تأخذ ثوبها. فأبين ذلك عليه حتى أرتفع النهار، وخفن أن يقصرن دون المنزل الذي يردنه، فعند ذلك خرجت إحداهن، فوضع لها ثوبها ناحية، فمشت إليه فأخذته فلبسته، ثم تتابعن على ذلك حتى بقيت عُنَيْزة، فناشدته الله أن يضع لها ثوبها، فقال: لا والله لا تمسيه دون أن تخرجي عُرْيانة كما خرجن، فخرجت، فنظر إليها مُقْبِلة ومُدْبرة، فوضع لها ثوبها فأخذته فلبسته، وأقبلت النسوة عليه فقلن: غدِّنا فقد حبستنا وجوَّعتنا، فقال إن نحرت لكن ناقتي أتأكلن منها؟ فقلن: نعم فاخترط سيفه وعرقب ناقته ثم كشطها، وجمع الخدم حطباً كثيراً وأجج نارا عظيمة، وجعل يقطع لهن ويشر بن من فضلة خمر كانت معه في ركوة له، ويُغنيهن، وينبذ إلى العبيد من الكباب حتى شبعن وطربن وطربوا، فلما ارتحل النهار وارتحلوا قالت إحداهن: أنا أحمل طنفسته وأنساعه، وقالت الأخرى أنا أحمل خشبته ورحله، فقسمن متاع راحلته بينهن وزاده، وبقيت عنيزة لم تحمل شيئا، فقال لها امرؤ القيس: يا بنت الكرام ليس لك بُدُّ من أن تحمليني معك، فإني لا أطيق المشي ولم أتعوده.

فحملته على عارب بعيرها، وكان يميل إليها ويدخل رأسه في خدرها ويقبلها، فإذا مال مال هودجها. فقالت يا امرأ القيس قد عَقَرْت بعيري، فحكى امرؤ القيس قولها في قصيدته التي أولها: على عارب بعيرها، وكان يميل إليها ويدخل رأسه في خدرها ويقبلها، فإذا مال مال هودجها. فقالت يا امرأ القيس قد عَقَرْت بعيري، فحكى امرؤ القيس قولها في قصيدته التي أولها: قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل نقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يامرأ القيس فأنزل ورغم بعض الرواة: أن أول بيت من هذه القصيدة هذا - والله اعلم - وسار معهن حتى كن قريبا من الحي فنزل، واقام حتى جن عليه الليل اتى اهله، فقال في ذلك هذه القصيدة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل قال ابو حاتم بن محمد السجستاني: قال بعض الرواة عن المنفضل الكوفي عن ابي الغول النهشلي الأكبر قال: لما نزل امرؤ القيس بن حجر الكندي طيئا تزوج امرأة منهم تسمى ام جندب، وكان امرؤ القيس يعترض الشعراء، فنزل به علقمة بن عبدة الفحل وكان صديقا لهن فتذاكر الشعر، وادعى كل واحد منهما الفضل على صاحبه، فقال امرؤ القيس: أنا اشعر منك. وقال علقمة: انا اشعر منك. قال: فقل شعرا تنعت فيه فرسك والصيدن واقول شعرا مثل شعرك، هذه الحكم بيني وبينك، يعني الطائية أمرأة امرئ القيس فبدأ امرؤ القيس يقول: خليلي مرا بي على ام جندب ... لنقضي لباب الفؤاد المعذب فنعت فرسه والصيد حتى فرغ وكان علقمة قال: ذهبت من الهجران كل مذهب فنعت فرسه والصيد، وكان في قول امرئ القيس حيث يقول: فللساق الهوب وللسوط درة ... وللزجر منه وقع اهوج منعب وفي قول علقمة بن الفحل فأقبل يهوى ثانيا من عنانه ... يسمر كمر الرائح المتغلب ويروي المتجلب. فلما فرغ من قصيدتهما تحاكما إلى الطائية امرأة امرئ القيس فقالت: لأنك ضربت فرسك بسوطك، وامتريته بساقك، وزجرته بصوتك وأدرك فرس علقمة طريدته ثانيا من عنانه، قال: فغضب وطلقها، وقال هذه القصيدة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل قال الاصمعي: لم تقل الجاهلية لامية هي اجود منها، ولم تقل لامية في الإسلام هي اجود من " انا محيوك " للقطامي، ولم تقل في الجاهلية ميمية هي أجود من قول علقمة بن عبدة الفحل وهي: هل ما علمت وما استدوعت مكتوم قال: ولم تقل زائية هي اجود من زائية الشماخ، قال: ولو طالت زائية الهذلي لكانت اجود منها. إلا انها قصيرة. قال: واول من عشق امرئ القيس ن وهو اول من شبه الفرس بالعصا واول من قيد الاوابد، وجعل الفرس قيدا لهن، وهو اول من وقف على الاطلال والرسوم فبكى، وتبعته الشعراء. قال ابن الكلبي: اول من بكى في الديار امرؤ القيس. ابن حارثة الحمام وقال ابو عبيدة: هو ابن خذام: عوجا على الطلل المحبل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن خذام وقال وهو القائل: كأني غذاة البين يوم تحلموا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل أراد أنه بكى في الديار عند تحملهم، فكأنه ناقف حنظل، وناقف حنظلة ينقفها بظهره فإن صوت علم أنها مدركة فأجتناها، فعينة تدمع لحدة الحنظل وشدة رائحته، كما تدفع عينا منتقف من حب الخردل فشبه نفسه حين ناقف الحنظلة. قال ابو عبيدة: إن أول من قيد الاوابد امرؤ القيس بن حجر الكندي، يعني بقوله في صفة الفرس " قيد الاوابد هيكل " فتبعه الناس على ذلك. وقال غيره: هو اول من شبههن الثغر في لونه بشوك السيال فقال: منابته مثل السدوس ولونه ... كشوك السيال وهو عذب يفيض فأخذخ الاعشى فقال: باكرتها الاعراب في سنة النوم ... فتجري خلال شوك سيال فأتبعه الناس، وهو اول من قال: فعادى عداء بين ثور ونعجة. وهو اول من شبه الحمار بمقلاء الوليد، وهو عود القلة، وبكر الاندري، والكرة الحبل، وشبه الطلل بوحي الزبور في العسيب، والفرس بتيس الحلب فقال: لمن طلل أبصرته فشجاني ... كحظ زبزر في عسيب يماني ومما انفرد به قوله في العقاب: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي

فشبه شيئين بشيئين في بيت واحد، وشبه اربعة اشياء بأربعة اشياء في بيت واحد فقال: له ايطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل وقد تبعه الناس في هذا الوصف وأخذوه، ولم يجتمع لهم ما اجتمع له في بيت واحدن وذكره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعلم شعرائكم امرؤ القيس، وكأني أنظر إلى حمش ساقية وبيده لواء الشعراء، وهو يقودهم إلى النارز قوله حمش ساقية: أي دقة ساقية، يقال رجل احمش وامرأة حمشاء: إذا كانا دقيقي الساق، وهذا الوصف مما يمدح به الرجل، وتذم به المرأة. قال ابن الكلبي: أقبل من اليمن يريدون النبي صلى الله عليه وسلم فضلوا فوقعوا على غير ماء فمكثوا ثلاثا لا يقدرون على الماء فجعل الرجل منهم يستذري بفئ السمر والطلح. فبينما هم كذلك إذا اقبل راكب على بعير له فأنشد بعض القوم بيتين من شعرا امرئ القيس حيث يقول: ولما رأت أن الشريعة همها ... وأن البياض من فرائصها دامي تيممت العين التي عند ضارج ... بفئ عليها الظل عرمضها طامي يقول: العرمض والطحلب واحد الشبه الخضرة التي على وجه الماء. نقص 344 - 351 يسير بضج العود منه يمينه ... أخو الجهد لا يلوي عل من تعذرا ولم ينسني ما قد لقيت ظغائنا ... وخملا لها كالقر يوما مخدرا كأثل من الأعراض من دون بيشة ... ودون الغمير عامدات لغضورا فدع ذا وسل الهم عنك بحسرة ... ذمول إذا صام النهار وهجرا نقطع غيطانا كأن متونها ... إذا اظهرت تكسني ملاء منشرا بعيدة بين المنكبين كانها ... ترى خلفها هرا جنينا مسخرا تطايرا ظران الحصى بمناسم ... صلال العجمي ملثومها غير امعرا كان الحصى من خلفها وامامها ... إذا نجلته رجلها حذف أعسرا كان صليل المروحين تثيره ... صليل زيوف يوف ينتقدن بعبقرا هو المنزل الالاف من جو ناعط ... بني اسد حزنا من الارض اوغرا بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن انا لا حقان بقصيرا وإني زعيم إن رجعت مملكا ... يسير ترى منه الفرانق أزورا عليها فتى لم تحمل الارض مثله ... أبر بميثاق وأوفى وأصبرا ولو شاء كان الغزو من أرض حمير ... ولكنه عمدا إلى الروم انفرا فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذر فأني أدين إن رجعت مملكا ... بسير ترى منه الفرائق أزورا على لاحب لا يهتدي بمنارة ... إذا سافه العود النباطي جرجرا على كل مقصوص الذنابي معود ... بريد السرى بالليل من أرض بربرا اقب كسرحان العضى متمطرا ... ترى الماء من اعطافه قد تحدرا لقد انكرتني بعلبك واهلها ... ولابن جريج في قرى حمص انكر نشيم بروق المزن اين مصابه ... ولا شئ يغني عنك يا ابنه عفرزا من القاصرات الطرف لودب محول ... من الذر فوق الاتب منها لأثر له الويل إن امسي ولا ام هاشم ... قريب ولا البسباسة ابنة يشكر ارى أم عمرو دمعها قد تحدرا ... بكاء على عمرو وما كان اصبح كذلك دهري ما اصاحب صاحبا ... من الناس إلا خانني وتغيرا وما جبنت خيلي ولكن تذكرت ... مرابطها من بريعص وميسرا رب يوم صالح قد شهدته ... بتاذق ذات التل من فوق طرطرا مثل يوم في قذران ظلته ... كأني وأصحابي على قرن أعفرا هل أنا ماش بين شوط وحية ... وهل انا لاق حي قيس بن شمرا

فلما قدم امرؤ القيس قيصر، ودخل عليه انتسب إليه، وقال: أنا من أهل بيت كان لنا الملك على العرب، فغلبنا عليه من نحن اشرف منه. قال: من هو قال: منذر بن ماء السماء اللخمي، وفد رجوتك ان يرد الله علينا ملكنا بك. قال:لم يكن في العجم ولا العرب اجمل من امرئ القيس بن حجر الكندي، فلما كلم قيصر بما اعجبه كلمه ما رأى منه من فصاحته وجماله وعقله وكمال امره، فرفع قدره واكرمه وقربه وزوجه ابنته، ووعده النصرة، وأقام عنده ما أقام - بعدما اتبنى بابنة قيصر، ثم تذكر اهله وما هو فيه فكلم قيصر في ذلك، وطلب منه ما وعده من نصرة له، فجهزه بجيش عظيم، وأعطاه كراعا وسلاحا، وكان عند قيصر رجل من بني اسد يقال له الطماح فلما رأى ما صنع قيصر عند امرئ القيس من كرامة وتقربه أسءه ذلك واغمه، فوشى به إلى قيصر، وقال:اتدري ما يقول هذا العربي؟ قال قيصر: وما يقول؟ قال يقول: إذا ظفرت يبغيتي عطفت على ملك الروم وقتلته، واستلبت ملكه. فلم يتهمه قيصر في قوله ذلك. وقال: هذا رجل جائنا ولا نعرفه، ولم تكن له بنا حرمة، فأكرمناه وزوجناه كريمتنا، واعطيناه جيشا. يدبر في هلاكنا!! فتذمم ان يقتله. فلما بعث معه الجيش وسار امرؤ القيس وجه قيصر في إثره رجلا من اصحابه معه حلة مسمومة، وقال أقرأ عليه السلام، وقل له ان الملك قد بعث إليك بحلة قد لبسها ليكرمك بها، فإذا غسلت بماء حار فالبسها. وأدخله في الحمام، فإذا خرج منه فألبسه إياها. فأدركه الرجل بالحلة وهو بالحمام بأنقرة، وكان به قروح لا تندمل ولذلك كان يسمى ذا القروح، فدفع اليه الحلة، فلما لبسها تساقط جلده وجميع لحم جسده، وصار قرحه من قرنه إلى قدمه، فلذلك قوله في لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا وبدلت قرحا داميا بعد صحة ... وبدلت بالنعماء والخير ابوسا ثم نزل إلى جنب جبل يقال له عسيب، والى جانبه قبر لبعض بنات ملوك الروم، فسأل عن ذلك القبر فأخبر به. فقال: اجارتنا ان الحطوب تنوب ... واني مقيم ما اقام عسيب أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب فأن تصلينا فالقرابة بيننا ... وإن تهجرنا فالغريب غريب فلما ايقن الموت قال: كم طعنة مثعنجرة ... وخطبة مُسحنفرة وجفنة مدعثرة ... قد غودرت بأنقرة فمات بأنقرة، ودفن بها، وقبره هنالك، ورجع الجيش إلى قيصر. وله أيضا قبل موته: تأويني دائي القديمُ فغسلنا ... أُحذار أن يرتد دائي فأنكسا ألم تَرمِ الدَّار فَعَسعَسا ... كأني أُناجي أو أُكلم أُحرسا فلو أن أهل الدارِ أضحوا مكانهم ... وجدت مقيلا عندهم ومُعرسا فلا تنكروني إنني أنا جاركم ... ليالي حَلَّ الحىُّ عولاً فالعسا فإما تريني لا أغمض ساعة ... من الليل إلا أن أكب فأنعسا فيارب مكروب كررت وراءه ... وطاعنت عنه الخيل حتى تنفسا ويا رب يومٍ قد أروح مُرجلا ... حثيثاً إلى البيض الكواكب املسا يرعن إلى صوتى إذا ما سمعته ... كما ترعوني عيط إلى صوت اعيسا أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوسا وما خلت تبرج الليالي كما أرى ... يقوم ذراعي أن أقوم فألبسا وبُدلت قرحا داميا بعد صحةٍ ... فيالك نعمى قد تَحّولن أبؤسا فلو أنها نَفس تَموت سويَّة ... ولكنها نفسٌ تساقط أنفسا لقد طمح الطّماح من بُعد أرضه ... ليلبسني من ردائه ما تلبسا إلا إن بعد العُدم للمرء رقتوةً ... وبعد المشيب طول عُمر وملبسا وقال أيضا: أحار بن عمرٍ كأني خَمِر ... ويعدو على المرء ما يأتمر ألا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعّضى القومُ أني أفر تَمِيم بن مُرو أشياعها ... وكندةُ حولى جميعا صُبًر

اختلاف ملوك كندة بعد موت امرئ القيس بن حجر

سكاسكها والسّكون الكرام ... وأحيا معُاوى ذوى المُفتخر وصيَدُ الصَّدى الصّدق عند الحصى ... عصائب غرسٍ بناه ذمر حِسان الوُجُوه كرام الجُدو ... دأولئك قومى بهاليل غُرّ مُلوك الوَرَى وأسود الشَّرى ... يَطُوفون حولى عند الذعر إذا ركبوا الخيل واستلامُوا ... تحرقت الأرضُ واليوم قر تُروح من الحَىِّ أم تبتكر ... وماذا يَضُرّك لو تنتظر أمرخٌ خيامُهُمُ أم عُشر ... أم القلبُ في إثرهم مُنحدر وشاقك بين الخليط الشُّطر ... وفيمن أقام من الحىّ هرّ وهوُّ تصيد قلوب الرجال ... وأفلت منها ابن عمرو رَمَتني بسهم أصابَ الفؤادَ ... غَدَاة الرَّحيل فَلَم أن فأسبل دمعي كمثل الجمان ... أو الدُّر رقراقة إذاهي تمشي كمنثنى النزيف ... يصرعه بالكثيب البُهُ برهرهةُ رودة رَخصةٌ ... كخُرعُوبة البانة المنفصل فتور القيام قطيعُ الكلا ... م تفتر عن ذى غروب كأن المَدَام وصوب الغمام ... وريح الخُزامى ونَشرَ القُ يُعل به بَردُ أنيابها ... إذا طَرَّبَ الطائرُ المُست فبتُ أكابدُ ليل التما ... م والقلبُ من خشيةٍ فلمَّا دَنَوتُ تسديها ... فَثَوباً نسيت وثوبا فلم يرنا كالئٌ كاشحٌ ... ولم يُفش منا شرا وقد اغتدى ومعي القانصان ... وكلَّ بمربأةٍ مُقتف فيدركنا فاغمٌ داجنٌ ... سميعٌ بصير طلوب سٌ الضرُّوس حَنِىُّ الضلوع ... تبوغٌ طلوب نشيط أُشر فشَبَ أظفاره في النَّسا ... فقلت هُبلت فلا تنتصر كر عليه بِمِبراته ... كما خَلّ ظهر اللسان المُجر يريح في غَيطل ... كما يستدير الحمار النعر كبُ في الرَّوع خَيفانةً ... كسا وجهها شَعَرٌ حافز مثلُ قعب الوليد ... رُكب فيه وظيف عجر اقان كعباهما أصمعا ... ن لَحمُ حماتيهما مُنتر عَجز كصفاةِ المسيل ... أبرز عنها جحافٌ مُضِر ذَنَبٌ مثلُ العروس ... تَسُدُّ به فَرجَها من دُبُر متنان خطاتاً كما ... أكب على ساعديه النَّمِر شن كخوافى العُقا ... ب سود يفين إذا تزتئر وإن أقبلت قلت دُبَّاءةً ... من الحذر مغموسة في الغدر وإن أدبرت قلت أُثِفية ... ململمة ليس فيها أُثر وإن أعرضت قلت سُرعوفة ... لها ذنب خلفها مُسبطر وسالةلإ كسحوق اللُّبا ... ن أضرم فيها الغوىُّ السُّعُر لها جبهة كسراة المِجَن ... حَذقةُ الصانعُ المقتدر لها مِنخرٌ كوجار الضَّباع ... فمنه تُريحُ إذا تنبهرِ وتعدو كعدو نجاة الظبا ... ء أخطأها الحاذق المقتدر وعين لها حدرة بدرة ... فشُقت مآقيها مِن أُخر وللسوط فيها مجالٌ كما ... تنزل ذو بَرَدٍ منهمر لها وَثباتٌ كوثب الظباء ... فوادٍ خِطاءُ ووادٍ مَطِر اختلاف ملوك كندة بعد موت امرئ القَيس بن حُجر ورجوع المُلك إلى معدى كَرِب جدّ الأشعث بن قيس

قال فلما مات امرؤ القيس بن حُجر في طريقه عند مُنصرفة من عند قيصر ملك الروم ضَعُف أمر كندة من بعده، واختلفت كلمتهم، فقام فيهم ابن عمه عمرو بن أبي كرب بن سلمة غلفاء بن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حُجر آكل المُرار بن معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مُرتع بن معاوية بن كندة - وهو ثور بن مُرتع، فجمع كِندة وسارلا بهم حتى رجع إلى أرض اليمن، فنزل بهم حضرموت، وعمروٌ هذا على خبرهم، وكانت بنو الحارث الأصغر بن معاوية على خبرهم قد مَلَّكوا معدى كرب بن معاوية ابن جَبَلة بن عدىّ بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر بن معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مُرتع بن معاوية بن كندة - وهو ثور بن مُرتع. ومعدى كرب هذا هو جدّ الأشعث بن قيس الكندي، فوقع الاختلاف بينهم، وصار معدى كرب بن معاوية في حزب من كندة، وصار عمرو بن أبي كرب في حزب آخر. فلم يزالا كذلك إلى أن هلك عمر بن أبي كرب، فقام من بعده عمرو بن يزيد بن شرحبيل - قتيل الكُلاب - بن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حُجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية، فدعا السكون وبنى عمرو بن معاوية على أن يُملكوه عليهم فأجابه الجميعُ منهم إلى ذلك، وأبت عليه بنو الحارث الأصغر بن معاوية وبايعته السكون وبنو عمرو بن معاوية، ووقع الاختلاف بين بني الحارث الاصغر بن معاوية وبنو عمر بن معاوية معهم السكون فسار عمرو بن يزيد بن ربيعة بن الحارث الأصغر بن معاوية وسارت مع عمرو بن يزيد بن شرحبيل من بايعه من عمرو بن معاوية ومعهم السكون - عليهم جفنة بن قتيرة التيجيبي، وهو جفنة بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس بن معاوية بن جُعفى بن أسامة بن سعد بن أشرس بن كندة، فلقيتهم بنو الحارث الأصغر بن معاوية - عليهم معدى كرب جَدّ الأشعث بن قيس - فاقتتلوا بضيقا قتالا شديدا حتى فشت القتلى والجراحات بينهم، ثم جالت بنو الحارث الأصغر بن معاوية، فخرجت عليهم نساؤهم ومعهن أولادهن، وعليهن الخش فخذن يحرضنهم، وقيس بن معدى كرب أبو الأشعث يومئذ صبىُّ قد وجهه من كثرة ما يرى من البارقة، ووثب الزّبير - وهو علقمة - بن سلمة بن مالك أحد بني الحارث الأصغر بن معاوية - وهو ابن عبدة - فعقل بعيرة فقال أنا زبيركم اليوم - والله لا أزول حتى يزول جملي هذا، فجعلت بنو الحارث الأصغر ترتجز وتقول: نحن مَنَعنا جَحجا بن عبده ... أقتابه وكوره وق يوم تلافت بالمضيق كِنده. ثم حملت بنو الحارث الأصغر بن معاوية فقتلت في بني معاوية بن يزيد بن شرحبيل، وأخاه الهُمام بن يزيد، فأُخذا جريحين، ثم جالت بنو عمرو بن معاوية وتبعتهم بنو الحارث الأصغر بن معاوية فصدقوهم القتال حتى كثرت بينهم القتلى والجراحات، وانهزمت بنو الحارث الأصغر بن معاوية، واستنفذت عمرو بن معاوية ما كان في يد بني الحارث من الأسارى، وافتكوا عمرو بن يزيد وأخاه الهُمام بن يزيد، وانكسرت بنو الحارث، وظهرت بهم بنو عمرو بن معاوية والسكون، وأخذوا عمرو بن يزيد وأخاه الهُمام بن يزيد وهما جريحان، ف لأيديهم. فلما ماتا ضعف أمرُ بني عمرو بن معاوية عن حرب إخوتهم بني الحارث بن معاوية، وكان مَلِك بني الحارث الأصغر مَعِدى كَرِب قد سلم في حربهم من القتل فتراسلوا حتى أذعنت بنو عمرو بن معاوية فملكوه على وكان أبو الخير بن عمرو بن يزيد ابن شرحبيل بن الحارث الملك صبيا صغيرا شبّ وكبر نهَض يطلب المملكة، فدعا بني الحارث الأصغر بن معاوية إلى الذي كان دعاهم إليه من تمليكه، فأجابوه، وكان للمُلك مُحتملا، ثم إن كرب دعاهم إلى الغدر بأبي الخير، فقال أبو الخير: ياني الحاريث، إنما أسألكم تجعلوا لنا تحية دونكم وتطرحوا لنا الوسائد ولا نطرحها. فسمعته مُليكة بنت الشيطان بن حُديج بن امرئ القيس بن ربيعة بن معاوية ابن معاوية ابن الحارث الأصغر فقالت - وهي خالة أبي الخير: حقّ للسماء أن تنشق، والأرض كان هذا، فأخذ أبو الخير ضِعثاً من الأرض ثم قال: مُسى هذا فقالت: هذا ضِعث.:والله لبنو الحارث ألين من هذا مسًّا، وهم أهون شوكة، ثم انطلق حتى أتى عمرو بن معاوية فاعتزل بهم ونزل فيهم، ودعا السكون فأجابته، فلما همّ أن بني الحارث نعا عليه عَمّه شرحبيل، فسعى به في عمِّه عمرو بن معاوية

فجاء ابو الخير بن عمرو لقومه ... بداهية عن مثلها يكشف البصر طماطمة فرس تنوش جعابهم ... على صفحات الخيل هولا لمن نظر وأقبل ابو الخير إذا انتهى إلى كاظمة ومعه ذلك الجيش - فلما نظروا إلى وحشة بلاد العرب قالوا: أني يذهب بنا هذا؟ فسموه، فلما اشتد وجعه قالوا له: قد بلغت هذه الغاية فأكتب لنا إلى الملك أنك أذنت لنا، فكتب لهم فانصرفوا راجعين إلى كسرى، وخف عن ابي الخير ما كان به، فخرج إلى الطائف إلى الحارث بن كلدة الثقفي - وكان طبيب العرب - فداواه حتى صح، وأهدى اليه سميه وعبيدا هما أبو زياد وامه - ثم ارتحل يريد اليمن فانتقضت به علته فمات في الطريق. فقالت أمه كبشة بنت الشيطكان بن جديح بن امرئ القيس بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر ترثيه: ليت شعري وقد شعرت أبا الخير ... بما قد لقيت في الترحال أتمطت بك الركاب أبيت ... اللعن حتى حللت بالأقبال اشجاع فأنت اشجع من ليث ... هموس السرى إلى أشبال أجواد فأنت أجود من سيل ... تداعى من مسبل هطال أكريم فأنت أكرم من ضمت ... حصان ومن مشى في النعال أنت خير من عامر وابن وقاص ... وما جمعوا ليوم المحال أنت خيرمن الف الف من القو ... م ما كبت وجوه الرجال فلما مات ابو الخير استقام الامر لمعدي بن كرب بن معاوية بن جبلة ابن كندة، وهو الاشعث بن قيس الكندي. ثم كان بعده ابنه قيس ابن معدي بن كرب ملك كندة بعد ابيه وهو الذي قدم عليه الاعشى ممتدحا، وله فيه قصائد كثيرة ومدائح فيها: من ذلك قصيدته التي يقول فيها: اتهجر غانية أم تلم ... ام الحبل واه من منخذم في شعر طويل وقال فيه - يمدحه ايضا - القصيدة التي اولها: لعمرك ما طول هذا الزمن ... على المرء إلا عناء معن في شعر طويل، فلم يزل قيس بن معدي بن كرب ملكا على كندة بعد موت ابيه إلى ان قتله مراد: وولى قتله منهم عمرو بن نزال المرادي، ثم ولى امر كندة وملكهم من بعد ابنه الاشعث بن قيس بن معدي بن كرب، فكان الاشعث ملك كندة، وهو آخر ملوكهم، فلم يزل ملكا إلى ان جاء الاسلام، وأدرك الاشعث الاسلام، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وبسط له رداءه واجلسه عليه، وقال: إذا اتاكم كريم قوم فأكرموه، ويروي كريمة قوم فأكرموها، وهذه الهاء للمبالغة كقولهم للرجال نسابة وعلامة. وقد لاوي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الفعل في جماعة كلهم قحطانية، منهم الاشعث - وقد مضى ذكره - وجرير بن عبد الله البجلي - وكان سيدا مطاعا، وزيد بن المهلهل الطائي الفارس المشهور والرئيس المذكور الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كل موصوف لي فرأيته كان دون ما وصف إلا أنت يا زيد الخير فسماه النبي صلى الله عليه وسلم إلا زيد الخير وكان في الجاهلية اسمه زيد الخيل - ثم أدرك الاشعث ابن قيس صفين، وكان جماع اليمانية اليه، وربيعة للحلف، وهو الذي زحزح معاوية بن سفيان عن الماء، يوم صفين، فأفرج عن مكانهبعد ان كاد يقتل أهل العراق عطشا فقاتله على الماء، حتى نحاه عنه، وهو مع ذلك يمد رمحه ويقول للناس: قاتلوا إلى اخر الرمح فإذا بلغ آخر الرمح أخذه فأعاده الثانية وقال قاتلوا الثانية إلى اخره. فلم يزل كذلك إلى ان هزم أهل الشام عن الماء، ومن ارتجازه في تلك الليلة قوله: موعدنا اليوم بياض الصبح ... لا يصلح الزاد بغير لا ولا الامر بغير نصح ... لا صلح للقوم وما للصبح حسبي من الاقدام قاب رمحي ... دبوا إلى القوم بطعن

والاشعث هو الذي زوج ابو بكر الصديق رضي الله عنه اخته لما اتى اسيرا حين ارتد فقال لأبي بكر: إن اطلقتني لم يختلف عليك يمانيان. فلمااطلقه ارسل إلى علي بن ابي طالب يطلب ان يزوجه احدى بناته، فأبى علي: إني لاجد ريح السوج في جبته، وذلك لان الاشعث كان لأبيه قيس معدي بن كرب ألف حايك مما ملكت يمينه ينسجون الديباج. فلما سمع ذلكقحافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأن عليا قد رد الاشعث عن التزويجذهب إلى ابي بكر وقال له: يا بني إذا ارسل اليك الاشعث بن قيس فزوجه احدى اخواتك فأنه ملك ابن ملك، والله لو أدركت اباه في الجاهلية لظننته لك فأرسل اليه ابو بكر رحمه الله فزوجه أخته فروة بنت ابي قحافة، فلما رأى بن حصن ما فعل ابو بكر رحمه اللع للاشعث قال: ما أبالي ما يصتع بي كما بالاشعث - وكان قد ارتد مع الاشعث في جملة من ارتد. فأتى به ابو بكر وهو يومئذ سيد قومه من غطفان وقيس، فقال سالم بن دارة الغطفاني يخاطب بن حصن الفزاري - وعيينية غطفاني ايضا - وهو يقول: يا عيين بن حصن آل عدي ... أنت في قومك الصميم لست كالأشعث المعصب بالتاج ... قديما قد ساد وهو جده اكل المرار وقيس ... خطبه في الملوك خطب إن تكونا اتيميا خطة الغدر ... سواء كما يقد فله هيبة الملوك والأشعث ... إن جاء حادث أو قيس وغيلان والرباب وحيا ... وايل يعلمونه ان الاشعث بن قيس معدي ... كرب غرة وانت ولمل تزوج الاشعث بن قيس أم فروة بنت أبي قحافة اخت ابي بكر رضي الله عنه اعترض بسيفه كل فرس وبغل وجمل وناقة وشاة وغيرها من سائر الحيوانات رقبة ويذبحه. فقيل له في ذلك فقال: بعدت على بلادي وناسي ولن ليعد كل مكنكم علي بثمن ما نحرت له. ففعلوا ذلك فوفاهم ثمن ذلك - فلم ير الناس أشبه بيوم الاضحى من ذلك اليوم. فقال نجاشي بني الحارث بن كعب في ذلك: أولم الكندي يوم ملاكه وليمة حمال لثقل العظائم سل سيفا طالما كان مغمدا ... لدى الحرب منها في الطلا والجماجم غمده في كل بكر وسابح ... وغير وثور في الحشا والقوائم قل للفتى الكندي يوم مِلاكه ... ذهبت بأسنى ذكر اولاد آدم وكانت أم فروة بنت أبي قحافة قبل الأشعث عند سعيد بن قيس الهمداني، ثم خلف عليها بعده الأشعث بن قيس، فولدت له محمد بن الأشعث الذي خَلَع عبد الملك بن مروان، وخرج من بعده على الحجاج. وكان الأشعث ابن قيس مع هذا من أجود العرب حتى ثبتت عطاياه في ماله، وهو الذي جمع عُزَّاب كِندة وحَضرموت والنخع فبلغوا ثلاثة الآف فزوجهم وأبان كل كريمة منهم بكفوها، وساق عنهم المهور، وأغناهم من ماله. ومنهم شُرحبيل بن السِّمط بن حُمر بن النعمان بن عمرو بن عُرفُجة بن امرئ القيس بن نجاب بن معاوية بن ذهل بن معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور مُرتع بن معاوية بن كِندة، وكان شرحبيل بن السمط هذا قد أدرك الاسلام وأدرك القادسية، وهو الذي قسم منازل حِمص بين أهلها حين افتتحوها، وكان من أشراف أهل الشام، وإياه أطاع أهل الشام في زمان معاوية، وهو بيت كِندة اليوم بِحمص. وشرحبيل كل اسم كان مثله في آخر إيل: فهو منسوبٌ إلى الله تعالى، والسِّمط القلادة من الجوهر وغيره والجمع سُمُوط وأسماط.

رجع إلى ذكر أنساب كندة

فأما عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث بن قيس، وكان من خَبَره وخلعه لعبد الملك بن مروان وخروجه على الحجاج: كان ولَّاه سجستان فخلع عبد الملك بن مروان وأتَّبعه أهل العراق: قراؤهم وعلماؤهم. منهم الشَّعبي - وهو عامر ابن شراحيل - ومنهم سعيد بن سيَّار أخو الحسن البصري. ومن أشبههم. وغلب على البصرة والكوفة، وقاتل الحجاج مُدة طويلة، ثم أنهزم والتجأ إلى أرتبيل التركي، فبذل فيه الحجاج مالاً كثيرا، فغدر به أرتبيل التركي وسلَّمه إلى رُسُل الحجاج، فلما صاروا بالرَّي باتوا على سطح حِصن مرتفع، وكان قد قُرِن إلى رجل من بني تميم بسلسلة في أيديهما. وكان يمّر وهو أسير، فلما كان في بعض الليل قال للتميمي: قم معي لأبول. فلما قام معه أشرف من السطح إلى الأرض وجمع ثيابه عليه فقال له التميمي: ما تصنع أيها الأمير؟ قال: الساعة أعلمك. ثم رمى بنفسه فوقع هو والتميمي، وحُمل رأسه إلى الحجاج. وفي قصته هذه يقول أبو بكر محمد بن الحسن بن دُريد الأزدي في مقصورته شعرا: وابن الأشج الفيل ساق نفسه ... إلى الرَّدى حذار إشمَاتِ العِدا وابن الاشج يريد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدى كرب الكندي، وكان قيس بن معدى كرب يُسمى الاشج، وقال أعشى همدان: بين الاشج وبين قيس باذخا ... بخٍ بخٍ بوالده وبالمولود وكام لملوك كندة وحمير، وملوك بني عمرو بن عامر إمرة وعلامة يُعرفون بها دون غيرهم من قبائل العرب، وذلك أن العرب كان يصيبهم داءٌ يقال له داء الكلب، وإنما سمى الكلب لأنه كان يعرض عن أصابه ذلك الداء نباح وعضاض كما تنبح الكلاب وكما تعض، فسمي بذلك كلبا، وكذلك العرب إذا أصاب احدهم ذلك فيقطر له من دمه فليعقه فيبرأ من ذلك الداء. وان رجلا أتى الأشعث بن قيس الكندي في حياته بالكوفة فقال: يا أبا محمد. قد أصبنا الداء الذي يقال له الكَلِب، ونُبئت أنه لا يبرأ إلا أن العق من دم الملوك. فاقطر من دمك. فقال له: إني شيخ كبير لا أقدر على قطر دمي. ولكن ائت ابني محمدا حتى تأخذ من دمه ودم فرسه. فلما ولّى ناداه فأقبل إليه، فقال له: أما ابني قيس فإني انتجبته من بنات ملوك اليمن. فذهب إلى قيس فأخذ من دمه ودم فرسه فبرئ. وكان أكثر ما يؤخذ ذلك وأسرع نجاحا في غسان والأوس والخزرج وخزاعة وبني عمرو بن عامر، وفي ذلك يقول الاحوص بن جعفر الكلابي، وذلك أنه أصاب بنو أبيه دِماءً في قومهم، فقال القومُ لا نقتل به الأحوص، شيخ بشيخ. فأنشأ الأحوص يقول: فلستم من بني حُجر بن عمرو ... ملوكا والملوك لهم سناء ولا العنقاء ثعلبة بن عمرو ... دماؤهم من الكلب الشفاء ولا الأقيال من أولاد صعب ... هم الأرباب ليس بهم خفاء وأهل البيت من أبناء عمرو ... فمالكهم ومن حي علاء وليس لسوقة فضل علينا ... ولا أمثالكم لهم بواء أما قوله حجر بن معاوية فكندة، وهم بنو حجر بن عمرو بن معاوية. وأما العنقاء، فغسان، واما قوله أهل البيت: فخزاعة وأما قوله اولاد صعب: فحمير. فهذا ما حضر ذكره من أخبار ملوك كندة ولولا تجنب الإطالة لأوردنا من أحاديثهم وأسلافهم أكثر من ذلك. ولكن قد بينا لهم بجاهلية وإسلامهم. وفي بعض ما أوردنا دلالة على عظم مقاماتهم وملكهم ونرجع إلى ذكر تمام أنسابهم. رجع إلى ذكر أنساب كندة ومن كندة ثم من بني عمرو بن حُجر بن معاوية منهم بمصر بيت بني قيس بن سلمة بن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حُجر اكل المُرار بن عمرو بن معاوية ومنهم أبناء الجون حسان ومعوية ابناء عمرو بن الجون بن حُجر بن معاوية ويسمى الجون لشدة سواده. ومنهم معاوية بن شرحبيل بن الأخضر بن الجون بن حُجر بن عمرو بن معاوية ومنهم امرؤ القيس بن عمرو بن معاوية.

قبائل بني الحارث الأصغر بن معاوية

ومنهم مِخوش ومشرح وجمد وأبضعة والعَمَّردة أولاد معدى بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية حجر بن الفرد والفرد كلامهم: الجواد - بن الحارث بن بن معاوية ابن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مُرتع بن معاوية بن كندة بن ثور بن مُرتع. ومِخوش مِفعل من خاش يخوش خوشا. وفي نسخة مخوس من خاس يخوس خوسا ومشرح مِفعل من الشَّرح وجمد مشتق من الصُّلب الشديد، والجمد الصَّلابة من الأرض والغلظ، والجمع أجماد، وجمد يجمدجُموداً وغيره، وهو في الماء أكثر. وستة جَمَادٌ: لا مطر فيها، وناقة جماد: لا لين لها، والجامد: حمل أرضين في وزن خاتم وسميت جُمادي لجمود الماء فيها، لأنها وافقت الأيام، أياما فسميت الشهور بها وأبضعه: أفعله إما من بضعت اللَّحم بضعا، وإما من قولهم: الخَضعة والبضعة فالخضعة السيُّوف؟ السياط، ويقال تتبضع جلدُه إذا تفطر قال الشاعر: إلا الحميم فإنه يتبضع. وروي الخليل: " يتبصّع " بالصاد غير معجمة: أي يرشح. وبُضع نكاحها. وباضع: موضع والبضيع: جزيرة تنقطع من الأرض في البحر ف والبضاعة من المال كأنها قطعة منه. وبُضيع: موضع وكلُّ حديدةٍ شوطت: مِبضع. وكانت لهذه الأخوة أودية يملكونها فسموا الملوك الأربعة، وقد كانوا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا في وقت الردة، فقتلوا أختهم العمردة. وأبضعة من معدى كرب هو أول من وقف به النبي صلى الله عليه وسلم حين أمره الله عز وجل أن يعرض نفسه على القبائل فلم يُجبه، فانصرف عنه إلى أحياء ربيعة. ومنهم شرحة بن مشرح بن معدى كرب بن وليعة: وهي جدَّة علي بن عبد الله بن عبد المطلب، وفيها يقول علي بن عبد الله حين دخل مسلم بن عُقبة المُزني - وهو الذي يسمى مشرفا - المدينة يعترض أهلها، يأخذهم بالبيعة ليزيد بن معاوية فقال: أبي العباسُ قرمُ بني قصي ... وأخوالي الملوك بنو وليعتة هم منعوا ذمارا يوم جاءت ... كتائب مشرف وبني اللكيعة أراد بي التي عِزَّ فيها ... فحالت دونه أيد منيعة وكان مسلم بن عُقبة - هذا الذي يسمى مشرفا - قد وجَّهه يزيد بن معاوية إلى المدينة ليعترض أهلها من المهاجرين والأنصار وأبناءهم، فلقوه بالحرة فقتلهم وهزمهم، ثم أخذ الباقين منهم بالبيعة ليزيد بن معاوية على أنهم عبيد أقنان، فبايعت قريش على هذا الشرط، والناس كلهم ما خلا علي بن عبد الله بن العباس، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فاما علي بن الحسين فاعفوه. واما علي بن عبد الله بن العباس فمنعه الحُصين بن نُمير السكوني ثم الكندي. وكان الحصين من قواد عسكر يزيد بن معاوية يومئذ وسيد أهل الشام فقال: والله لا يبايع ابن أختنا على هذا الشرط، ولكنه يبايع على أنه ابن عم المؤمنين. فقال له مسلم بن عقبة: أخلعت يديك من الطاعة؟ فقال له الحصين أما فيه فنعم. وكان الحصين بن نُمير يومئذ سيد أهل الشام وصاحب رأيها، وفي هذه القصة يقول دِعِبل بن علي الخزاعي شعرا: ويوم الحرة السودا منعنا ... هناك ابن اختنا من أن يدينا فجلت كِندة الأسلاك فيها ... سحائب عن وجوه الهاشمينا فآب به الحُصين بلا جزاء ... فإن يشكر فنحن المنعمونا يعني ما صنع بعلي بن عبد الله بن العباس، ومن رحفهم شُرحبيل ابن السِّماء بن حُجر بن النعمان بن عمرو بن عُرجفة بن امرئ القيس بن الحارث بن معاوية بن ذهل بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة، وكان شرحبيل بن السِّمط هذا أدرك الإسلام، وأدرك القادسية، ومن كندة شراحيل بن حسنة، واسم أبيه عبد الله بن المطاع بن عمرو بن حُجر، وحسنة أمهُ مولاة معمر بن حبيب بن وهب بن حذاقة بن جمع، غلبت على أسم أبيه، وقد حضر فتح مكة وله بها خطبة. قبائل بني الحارث الأصغر بن معاوية ومن كِندة ثُم من بني الحارث الأصغر بن معاوية الأكرمين بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة - وهو ثور بن مُرتع.

ومنهم آل جَبَلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر بن معاوية. واشتقاق جبلة من الغلظ، وقد سمَّيت العربُ جَبَلة وجُبلة وجَبلا. وجِبلة الانسان: خِلقته وجَبَلهُ الله على كذا وكذا وكذا خلقة ورجل ذو جِبلة إذا كان غليظا والجِبلة الخليقة، ورجلٌ مجبول أي غليظ. وبنو جَبَلة هم أهل بيت الأسعث بن قيس بن معدى كرب بن معاوية بن جَبَلة بن عدي بن ربيعة. وقد مر ذكر جَبَلة عند أخبارة وأخبار آبائه، عند ملوك كندة من بني عمرو بن معاوية بن معدى كرب. ومنهم الأسود بن جَبلة بن عدي بن ربيعة ابن معاوية بن الحارث الأصغر بن معاوية ومنهم عدي بن الأدير بن عدي بن جبلة بن عدي بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر بن معاوية وابنه حُجر بن عدي، قتله معاوية بمرج الديباج مع جماعة، وكان حُجر قدوفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وافتتح مرج غدراء وبها قتله معاوية بن أبي سفيان وابناه عبد الله وعبد الرحمن قتلهما مُصعب بن الزّضبير. ومنهم بنو حمزة ابني النعمان بن وهب بن ربيعة بن معاوية ابن الحارث الأصغر بن معاوية. ومنهم هند الهنود، وماوية ذات القرطين ابنتا ظالم بن وهب بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر بن معاوية، ويقال بل هما ابنتا الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جَفنة بن غسان. ومنهم ظالم وربيعة بنُو وهب بن ربيعة بن الحارث الأصغر بن معاوية. ومنهم الأسود وسعيد ابنا الأرقم بن النعمان بن وهب ابن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر بن معاوية، وهما ملوك كِندة. وللأعشى في الأسود بن الأرقم قصيدة أولها: - ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسُؤالي وما يرد سؤالي وفيها يقول: لا تشكي إلي وانتجعي الأسود ... أهل الندى وأهل الفعال فرع جود يهتز في غصن المجد ... كثير الندا عظيم المحال عنده البر والتقى وأسى الجر ... ح وحمل لمضلع الاثقال وصلات الارحام قد علم النا ... س وفك الاسرى من الاغلال ويقال إن هذه القصيدة في الأسود بن المنذر بن ماء السماء اللخمي اخي النعمان بن المنذر. فاما سعد بن الارقم فصار ولده بعمان. فمن ولده حاضر وأزدك ويرى حبيب وسعد وسعيد بن الارقم بن النعمان ابن وهب بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر بن معاوية وهم بعمان. فأما بنو حاضر بن سعد فمنهم بنو كاوس بن حاضر، وهم اهل سولى وعيبي من رستاق اليحمد. ومنهم بنو رفد بن حاضر، اليوم بجبال كندة بعمان. ومنهم أهل شوكة وهم بنو مناع بن ملد بن يزيد بن مالك بن كليب بن سليمان بن أيوب بن عبد الله بن الملك بن حميم بن بلال بن رفد بن حاضر بن سعد بن الارقم. ومنهم بوادي مدخاء والقرية بنو يحيى بن عبد الله ابن محمد بن يزيد بن ملد بن كليب. ومنهم بنو باقي بن محمد بن يزيد بن ملد بن كليب. ومن بني حاضر بن سعد أيضا جرير وأسلم وعزيز وصبرة بنو حاضر بن سعد بن الارقم، وهم متفرقون بعمان. وأما بنو سعيد بن الارقم فكانو اهل كرشا وأما بنو سعيد بن سعد فكانوا اهل ذوت. وأما بنو أزدك وحبيب فهم متفرقون بجبال كندة، منهم اليوم بمدحاء عدد كثير، وكانوا بنو حبيب في الاول هم اهل حتى، فهؤلاء بنو سعد بن الارقم ابن النعمان بن وهب بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر بن معاوية. ومن قبائل بني الحارث الاصغر بن معاوية منهم أهل بيت الصمة يسكنون فدا، وهم بنو السيد بن سعد بن جابر بن دعم بن عدن بن مالك بن امرئ القيس بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر، ومنهم بنخل بيت بنو عمرو بن مسعود بن عدن بن مالك بن امرئ القيس بن معاوية بن الحارث الاصغر ومنه من كان بكدم. وأهل العيون بنو معن بن عدن، ومنهم بنو جرير بن عدن، وبنو حجر بن عدن، وبنو ماء السماء بن عدن، فهؤلاء كلهم بنو عدن بن مالك بن امرئ القيس ابن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر. ومن اهل سمد بتزوي وهم بنو سيار بن عبد الله بن الخيار بن يحيى بن زيد بن عمرو بن مالك ابن امرئ القيس بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر ومن اهل سمد بنو عمهم وهم بنو اليمانية بن الخيار بن يحيى بن زيد بن عمرو بن مالك بن امرئ القيس بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر.

ومن قبائل كندة

ومنهم بنو نهذلة بن المهلهل بن معايوة بن الحارث الاصغر، ومنهم بنو شيبان بن العتيك بن معاوية بن الحارث الاصغر، فهؤلاء بنو الحارث الاصغر بن معاوية الأكرمين بن الحارث الاكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية ابن كندة - وهو ثور بن مرتع بن معاوية ابن كندة - وهو ثور بن مرتع انقضت بنو معاوية الاكرمين. ومن قبائل كندة بنو ثابت بن زيد بن الحارث الاكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معايوة بن كندة بن ثور بن مرتع. فمن بني ثابت غليب وهلال وكعب وداهر وشرقي بنو ثابت. فمن بني غليب هاشم بن سليمان بن هاشم وهو بيت بني ثابت، وهو اليوم بقرية حتى بجبال كندة، ومنهم بعمان بيوت متفرقة. ومن كندة شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن عامر بن الرائش بن معاوية الاكريم بن الحارث الاكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية ابن كندة - وهو ثور بن مترع - وكان شريح قاضي عمر بن الخطاب بحضرموت. ومن بطونهم بنو أشاءة، وأشاوة: امة من حضرموت بها يعرفون والاشفاءة: الفسيلة المتمكنة من الارض الكثيرة السعف. قال الشاعر: كان خزيزنا لما التقينا ... هزيز أشاءة فيها حريق ومنهم المكدد واسمه شريح، وكان جوادا، وانما سمي المكدد لقوله: سلوني فكدوني فإني لباذل ... لكم ما حوت كفاي في العسر واليسر وكان ممن وفد على النبي عليه السلام، ومكدد مفعل من كد، ومثل من الامثال " عش بجدك لا بكدك " والكديد موضع. ومن رجالهم كبس بن هانئ وهو المطلع، كان من فرسانهم في الجاهلية، وكبس من مصدر من كبست الشئ أكبسه كبسا ورجل كباس عظيم الرأس، والكباسة العذق من النخل والكساء الكرمة العظيمة. وقد سمت العرب كاسا وكباسا. ومنهم القشعم بن يزيد بن الارقم، كان احد رؤسائهم يوم لقوا بني الحارث بن كعب. والقشعم المسن من النسور، والجمع قشاعم. ومنهم بنو المثملة، بطن، وقد درجوا، ومثملة: مفعلة من الثمال ومن بطونهم بنو الطمح والطمح فعل من قولهم طمح الرجل ببصره إذا نظر يمينا وشمالا، وفرس طموح وطامح: إذا شخص في جريه، وهو عيب ورجل طماج يطمج بعينه إلى كل شئ وطمحان: فعلان، وهو الاسم. ومن قبائل معاوية بن كندة بنو الرايش - والرايش: فاعل من قولهم: راش السهم يريشه رشا، والريش معروف. وريش الانسان بزته ولباسه قال فلان يرش ويبري: أي ينفع ويضر. ورياش الانسان: نحو الثياب والبزة. فمن بني الرايش هؤلاء شريح القاضي بن الحارث، وليس بالكوفة منهم غيره، وهو شريح بن الحارث بن قيس. كان عمر رضي الله عنه بعثه قاضيا على الكوفة، وكان سبب استقضاء عمر رحمه الله - كما روي عن الشعبي أن عمر اشترى فرسا من رجل فاستجوبه على أن رضيه والا فلا يبيع بينهما. ثم إن عمر حمل على الفرس فارسا من عنده فنفق تحته فطلب صاحبه ثمن فرسه. فقال عمر بيني وبينك رجل من المسلمين. فقال له الرجل بيني وبينك شريح فقال عمر: ما أعرفه. قال الرجل: آتيك به قال فجاء به فقال عمر:إن هذا الرجل لم يرض إلا بك فاقض بيننا بالحق فقال شريح للرجل: تكلم فقال الرجل: بعته فرسا فاستوجبه على إن رضية وإلا فلا بيع بيننا. ثم حمل عليه فارسا فنفق. فقال عمر: صدق. فقال: رد على الرجل فرسه وإما أن تغرم له. فقال عمر: قضيت والله بمر الحق قال: فبعثه على قضاء الكوفة قال: وكان شريح شاعرا وكان كوسجا. ومنهم أبو قترة القاضي واسمه سلمة بن معاوية بن وهب بن قيس بن حجر. ومن القضاء من كندة بالكوفة اربعة جبر بن القشعم ثم شريح ثم عمرو بن أبي قريرة، ثم حسين بن الحسين ولاه خالد بن عبد الله القسري.

ومنهم رجاء بن حيوة بن خنزل، وكان من رجال كندة بالشام، وفقائهم، وهو الذي ولى عمر بن عبد العزيز، وكان قاضيه، وكان سبب ولايته إن سليمان بن عبد الملك لما توفي ابنه شاور رجاء فيمن بعده، فقال: يا أمير المؤمنين إن الارض لتجدب فيخرج الناس إلى مصلاهم يدعون الله أن يسقسهم، وهذا اعظم من سقي المطر. فلو كتبت إلى جميع عمالك إن يخرجوا إلى مصلياتهم ليوم معلوم من شهر معلوم فيسألون الله أن يخيرهم في خليفتهم، ثم خرجت فدعوت الله واستخرت لرجوت أن الله لم يكن يختار للأمة إلا من يرضاه لهم فكتب سليمان بن عبد الملك بذلك إلى عماله. ثم خرج في ذلك اليوم فدعا الله فوقع في قلبه عمر بن عبد العزيز، وكانوا يرون إن ولاية عمر بن عبد العزيز بدهوة استجيبت لهم ببركة رجاء. واشتقاق حيوة من الحياة كانها فعلة. وخنزل: النون فيه زيادة وهو من الخزل وهو القطع: خزله يخزله جزلا إذا قطعه، وانخزل فلان عن كذا وكذا إذا عجز عنه وضعف. ومنهم أبو الزعراء الفقيه وتمامة في الحاشية التي تليه. ومن كندة عبد الله بن يحيى الشاري المسمى بطالب الحق، وهو الذي وجه بأبي حمزة المختار بن عوف الازدي إليه أبو حمزة من عمان، ثم خرج أبو حمزة من عنده بالعساكر إلى الحجاز، فغلب على مكة والمدينة، وكانت له وقعة بقديد حتى دخل المدينة وملكها، وخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبته العجيبة المشهورة، وملك عبد الله بن يحيى اليمن كلها. واخرج عمال بني امية منها. ومنهم عبد الله بن حرب بن عمرو وهو أول من ادعى الامر لنفسه من الإمامية. ومنهم محمد بن المعلى الفسحي من عمان، وهو اول من قام في دولة الاباضية بعمان، وهو احد الاربعة الذين حملوا العلم من البصرة إلى عمان ونقلوه إلى عمان. ويقال إنه من بني السكون بن أشرس بن كندة. ومنهم أبو الزعراء الفقيه، واسمه عبد الله بن هانئ. والزعراء فعلان من الزعر. والزعر خفة الجسد من الشعر. يقال رجل ازعر وارماءة زعراء، وفي خلقه زعارة ليس من هذا، أي ضيق، ورجل زعر الاخلاق. ومن شعرائهم من كندة قابوس بن قيس بن سلمة، وقابوس اسم اعجمي، وانما هو كأووس، وهو اسم بعض ملوك العجم، فإن جعلت اشتقاقه من العربية فهو فاعول من القبس، والقبس الشهاب من النار. وفحل قبس: سريع الالقاح، والقابس: المشعل النار، وقبسته نارا، واقبسته علما: إذا افدته. وأبو قبيس جبل معروف. ومنهم مسروق بن يزيد له خط بالكوفة، ومسروق:مفعول من قولهم سرق الشئ إذا ضعف. وفي نسخة اسرق، والسرق معروف وأحسب اشتقاق سراقة من الشئ المسروق والسرق ضرب من الثياب الحرير: وفي نسخة: السرق واحسبه فارسيا معربا. ومنهم المقطع النجد، واسمه معاوية، وكان لا يسير معه احد إلا قطع نجاده، والنجاد ما وقع على المنكب من الحمالة، الواحد نجاد والجمع نجد. ومنهم الشجار الشاعر في الجاهلية - وشجار فعال من قولهم: شجرته بالرمح أشجره شجراً إذا طعنته، وفي نسخة الشجار - بالفتح والتثقيل - والشجر مركب من مراكب النساء - وموضع شجير أي كثير مجمع الشجر - والشجر مجمع اللحيين - والمشجر المشجب ومن شعرائهم من كندة المقنع الكندي، واسمه محمد بن عمرو، وانما سمي المقنع لكثرة ملازمته القناع، ومما يتمثل به من شعره: إذا رأيت وليد الحي قد ثغرت ... أسنانه واطاق القوس والقرنا وقلت قد يستحي سترا لعورته ... من إن تراه نساء الحي مختتنا لا يحسن الخظ في رق ولا كتف ... وليس يرمي ولا يروي فقد غبنا غما شديدا فلم فيه أباه وقل ... أفالا بنك من ابن وقد افنا لقن وليدك يفهم ما تلقنه ... إن الوليد إذا لقنته لقنا أعربه يعرب وقوم قدح منطقه ... يعجبك منطقه وازجره إن لحنا والقول كاللبن المحلوب ليس له ... رد وكيف يرد الحالب اللبنا في ضرعه وكذلك القول ليس له ... في الجوف رد قبحا كن أو حسنا وصاحب السوء كالداء الدفن إذا ... ما ارفض في الجسم يجري هاهنا وهنا يبدي ويخبر عن عورات صاحبه ... وما يرى عنده من صالح دفنا

السكون

كمهر سواء إذا سكنت سيرته ... رام الجماح وان حركته حرنا إن عاش ذاك فكن منه على حذر ... أو مات يوما فلا تهد له كفنا وقال ايضا ولا احمل الحقد القديم عليهم ... فليس رئيس القوم من يحمل الحقدا وليسوا إلى نصرى سراعا وهم ... دعنى إلى نصر اتيتهم شدا فان اكلوا لحمى وفرت لحومهم ... وان هدموا مجدي بنيت لهم مجدا وان طلعوا نجدا إلى ما يسؤنى ... طلعت لهم فيما يسرهم نجدا يعيرني بالدين قومى وانما ... تداينت في اشياء تكسبهم حمدا ومنهم امرؤ القيس بن عباس بن المنذر الشاعر، ادرك الإسلام واسلم. ومنه الحارث بن قيس الشاعر، ومن قوله: ليتني القي على غضبي ... فتية من اشجع العرب ومنهم العباس بن يزيد الاسود، الذي رد على جرر حين بلغه قوله: إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبي الناس كلهم غضابا ولو إن الغراب راى كليبا ... وما فيها من السوءات شابا يريد كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهم رهط جرير الشاعر. انقضت بنو معاوية بن كندة. السكون فاما السكون - يقال السكن - بن اشرس بن كندة، وهو فعول من سكن في الموضع. فولد السكون ثلاثة نفر وهم: سعد وشبيب وعقبة، فمن بني شبب اشرس بن شبيب السكون بن اشرس بن كندة ومنهم قيسبة بن كلثوم بن حباشة بن عمرو بن وائل بن سوم، وكان قيسبة بن كلوم من ساداتهم في الجاهلية وله حديث. وابنه عمرو بن قبيسة وقد سادهم في الجاهلية ايضا، وبنو كلثوم هم اهل بيت بني تجيب، وبنو تجيب هم ولد اشرس بن شبيب بن السكون بن اشرس بن كندة وتجيب امهم نسبوا اليها، وهي تجيب بنت ثوبان بن سليم بن رهاء بن منية بن عمر ابن خالد بن مذحج غلبت على ولد اشرس بن شبيب. وقيسبة ضرب من الشجر، والقسب: المأكول بالسين، ولا يقالبالصاد وسمعت قسيب الماء إذا سمعت صوت جريه. وحباشة فعالة من قولهم جبشت الشيء احبشه إذا جمعته. وسوم مصدر. سمت بالشيء اسوم ا1اساومت به وسمته شرا اسود سوما، وسامت السائمة، وهي الراعية من الابل وهي السوام والرجل مسيم. ومنهم بنو قتيرة بن حارثة بن عبد شمس بن معاوية بن جعفى بن اسامة بن سعد بن اشرس بن شبيب ابن السكون بن اشرس بن كندة. وبنو قتيرة رجال اشراف كندة، وكان منهم جفتة ابن قتيرة التجيبي، كان قائد السكون في الجاهلية، وهو جد معاوية بن حديج ابن جفنة بن قتيرة بن حارثة الذي قتل محمد بن أبي بكر - وقتيرة تصغير وابن قترة ضرب من الحيات، وقتير الدرع مساميرها، وقتير الشيب اول ما يبدو. قال الراجز: من بعد مالاح بك القتير. وقتار النار معروف: وهو الدخان، والقترة: الغبرة، وهو القتر. قال الشاعر: يا جفنة كازاء الحوض قد هدمو ... تبنى صفين يعلو فوقها اقتر وفي نسخة " كأن الحوض قد هدموا " وفي التنزيل " ترهقها قترة ورجل تمام القترة، ورجل قاتر، وكذلك السرج إذا كان حسن اللاخذ لظهر الدابة والقتر الناحية، مثل القطر سواء، وتقتر الرجل للرجل إذا مال لاحد قتريه ليرميه، والاقتار: القطار، قال الشاعر: والخيل مقعية على القتار. اى على النواحى، وقتر فلان على اهله، اى ضيق عليهم، والتقتير ضد التبذير. وقال قوم على اقتارها أي على نواحيها أي هي صوافن.

ومنهم الاكيدر بن عبد الملك بن عبد الحى صاحب دومة الجندل - ويقال عبد الجن صاحب دومة الجندل - اسلم، وصالحه النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل المدينة وعليه قباء اخه حسان، وكان منسوجا بالذهب، فتعجب المسلمون منه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " اتعجبون من هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة احسن من هذا وكان كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبا، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم منع اكدير الصدقة، ونقض العهد، وخرج من دومة الجندل إلى موضع بقربها، وابتني بناء فسماه زولة الجندل: فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد - وهو بعين التمر - بان يسير إلى اكيدر، فسار اليه فقتله، وثبت أخوه حريث بن عبد الملك على الإسلام، وتزوج يزيد بن معاوية ابنته. واخوه بشر بن عبد الملك، يقال: انه علم خطنا لاهل الانبار وتقال إن اسمه الرلجزم، وكان تعلم الخط من مرامر بن مرة، واسلم بن جدرة. ومن السكون الحصين بن نمير بن ناتل بن لبيد بن جهثمة وناتل فاعل: من قولهم نتل بين القوم، إذا خرج من بينهم، واستنتل وانتتل والجعثن: اصول الصليان، وهو ضرب من الشجر. والحصين بن نمير هذا كان سيدا، وهو الذي استخلفه مسلم بن عقبة المزني الذي يدعى مسرفا، وكان استخلفه لحرب عبد الله بن الزبير، وحاربه بمكة ايام يزيد بن معاوية، وفي حصاره احترقت الكعبة، وهو الذي منع على بن عبد الله بن العباس يوم الحَرّة حين دخل مُسلب بن عُقبَة المدينة يعترض اهلها ويأخذهم بالبيعة ليزيد بن معاوية، فأخذ الناس وبايعهم ليزيد بن معاوية ما خلا على بن عبد الله بن العباس منعه الحُصين بن نمير السكوني ثم الكندي وقد اتينا بقصته قبل هذا فلما توفي يزيد بن معاوية خرج الحصين يحارم ابن الزُبير بالعساكر إلى الشام، وهو يومئذ امير اهل الشام وشيخهم، فلما اختلف اهل الشام بعد موت يزيد بن معاوية قال له مالك بن هُبيرة السكوني: سِر بنا نَعقد لخالد بن يزيد. فأبى عليه الحُصين. فقال له مالك ويحك يا حُصين، انك والله لا تزال في سوأة وتوقعنا في مثلها، وقد رأيت رأى معاوية وابنه، كانا فينا قَعْدَة، وهؤلاء الأصاغر من ابنائهم مثلهم فأطعني نُمَلِك خالد بن يزيد، فانه يكون الامر لنا دونه، فوالله لا يبلغ الامر الذي يُخاف منه حتى يُبْرم الامور ويحكم بما يريد، وكان مالك آيس من الحُصين. فقال:لا والله لا يأتي بشيخ ونحن نأتي بصبي ابدا، ومروان افضل اهل زمانه. قال: ويحك، انك انسان تائه العقل، وقد ذهب حِلمك: إن لاهل مروان اهل بيت من قيس ثوبك، وعلاقة سوطك، وعلى الشجرة تستظل، فقال الحصين:دعنا عنك اني والله لا اترك هذا الامر ولا أؤمر الصبيان. فقال له مالك: أما والله لكأني بك قد بعثوك على اقصى ثغورك، واستعملوا عليك سفيههم، ثم تهلك فيما بين ذلك ضيعة، فلما استُخْلَف عبد الملك بن مروان بعث الحُصين بن نمير إلى العراق لقتال المُختار وقطع معه ستين الفا من اهل الشام، ثم بعث عبد الله بن زياد اميرا عليهم، فقدم عليه عبيد الله قبل قتل سليمان بن صدد الخزاعي، وهو مقيم بالجزيرة بلوائه وولايته، فلما نظر الحصين إلى ذلك قال: ما هذا اللواء؟ قالوا هذا لواء عبيد الله بن زياد، قدم اميرا عليك، فقال الحصين: قد صدق والله مالك بن هبيرة، والله بعثوني إلى اقصى ثغورهم، واستعملوا علىّ سفيههم ولا اظنني هالكا الا ضيعة، فقتل هو وعبيد الله زياد جميعا تجارر قتلهما ابراهيم بن الاشتر النخعي وبعث برأسيهما إلى أبي حمزة المختار بن عوف، وبعث المختار برأسيهما إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأدخلت عليه وهو يصلي فلما فرغ ونظر اليهما قال: الحمد لله ما اماتني حتى اراني رأس عبيد الله بن زياد وفي ذلك يقول دعبل بن علي الخزاعي: في ثأرنا للدين يوم ابني زياد ... تجارر والميانا طروبا يريد قتل إبراهيم بن الاشتر عبيد الله بن زياد بدم الحسين بن علي ومن السّكون الجون بن يزيد بن حماد، وهو الذي يقول: لما رأيت الملوك قد تغدوا ... واستشرف الناس كل قال غيره: وصار من عَزَّيزَّ صاحبه ... إلى حليف وداني ال احييت من وائل قبائل للعز ... وجرّ الرحا على الق

تجيب

وهو اول من جلب حلف شيبان إلى كندة، وعمرو بن مرثد اول من حلف وائل إلى كندة. ومنهم مالك بن الشرعبي الشاعر، والشرعبي منسوب إلى شرعب. يقال شَرْعَب، والجمع شراعب وهم الطوال الحسان، والشَّرعَّبية ضرب من اليمن. قال الشاعر: وصونه من الحمى مشرعب. وقال الاعشى - البغايا يركض اكسية الاخذ مريح والشرعبي ذا الامر ويروى مصعب: ومنهم إبراهيم بن جبلة بن محرم الخطيب. ومنهم بنو قادح النار وهم في بني شيبان، لهم عَدَدَ. ومنهم بنو تَدُول بن الحارث. وتدول تَفْعُل من دال يدول وقد مرّ ومنهم تُراغِم وتراغم تُفاعِل من المُراغَمة، وهي إن تفعل ما يرغم صاحِبُك. كانوا يسمون مًنْ هاجر راغَم قومه كأنه تَركَهُم. ومنهم السِّلْقِم جميعا، وهو اوس بن عبيد الله كان ممن خرج مع امريء القيس بلاد الروم والسِّلِقم الجريء الصدر، الماضي في الامور. ومن السكون بنو عامر بنت مالك ثعلبة بن دودان بن اسد بن خزيمة غلبت ولد شكامة بن حبيب، والسكون أخي اشرس بن السكون بن فرس بن كندة - وهي امهم. تُجِيب ومن السَّكون بنو تُجِيب، وتُجِيب اسم امهم ن وهي تُجِيب بنت ثوبان بن حليم بن رهاء بن منيه بن حرب بن علة بن خالد بن مَذْحج، غلبت على اسم اشرس بن شبيب بن السكون بن اشرس بن كندة، وهي امهم فنسبوا اليها، وكان اشرس بن شبيب بن السكون بن اشرس بن كندة تزوجها ن فولدت له عديا وسعدا اشرس فنسبا اليها. فولد عدي وسعدهم تُجِيب. وبيت تُجِيب بنو قَيْسَبَة بن كلثوم بن حباشة بن عمرو بن وائل بن سوم، وقد تقدم ذكره. ومنهم عمرو بن قيسبة وكان عمرو سادهم في الجاهلية، وهو الذي يقول حين الحارث بن كعب فمر به راكب وهو على اكمة فكتب في مؤخر الرحل إلى قومه فقال: كندة الملوك رسولا ... حيث سارت بالاكرمين رجال ردوا العير بالخميس عجالا ... فاصدروا منه والروايا ثقال سيروا إلى العقيق ثلاثا ... واعتزوا في السفالها اسجال وكان قائد السكون يومئذ جفنة بن قتيرة جد معاوية بن حديج ومعاوية بن حديج والذي قتل محمد بن أبي بكر وكان مع معاوية في حرب صفين، وقد ولي افريقية في آخر ايام عثمان بن عفان، وهو معاوية بن جُعفى بن اسامة بن سعد بن اشرس بن شبيب بن السكون بن اشرس بن كندة. ومنهم كهانة بن عتاب بن بشر من بني قُتَيْرة، وهو احد من دخل على عثمان في الدار وضربه بالعمود وفيه يقول الشاعر وهو الوليد بن عقبة: الا إن خير الناس بعد ثلاثة ... قتيل التُّجِيبيّ الذي جاء من مصر ومنهم بنو الشيطان بن غراب بن خالد، وهو اول من امتنع من أبي يَكْسُوم الحبشي. ومن تُجِيب بيت شرِيك بن أبي الاعقل، الذي اجار بحر ثقيف وهو غلام يرعى مع الصبيان، فأعطاهم سهما من كنانته فلما مروا ببني معاوية تركوا جواره واحتقروه لصغر سنه، واستجاروا ببني معاوية بن جعفى بن اسامة، فبلغ ذلك قيسبة فتبعهم فأخذ ما معهم، فرجعوا إلى شريك بن أبي الاعقل، فأخذ ما في يدي قيسبة فرده عليه، فقال في ذلك الثقفي: يا صاحب العير الذي يَعْتَلي ... انت شريك بن أبي الاعقل قل لشريك إن بها جِيَرة ... لم تنقض العهد ولم تحلل قول سيفه جاير ظالم ... إن اباك الخير لم يجها وقال شريك: ظَنَّت ثقيف بأني غير مُصْدِرها ... إن الركايك منهم بئس ما زهدوا ومنهم ربيعة بن الغزالة، وهو ربيعة بن عبد الله بن ربيعة بنسلمة ابن الحارث بن وائل بن سَوْم، وامه الغزالة بنت قنان بن اياد، وهو الذي يقول: إن الغزالة امنا لم تُخْزِنا ... وبها إذا كثر الوغاد عوانا اسد تحل شعر كل تنوقة ... ما يستطيع بها النزول سوانا وربيعة هذا هو الذي سبي ابنته حسان بن المنذر بن ضرار بن عمرو الضبي قمر بها عليهم وقال في ذلك: لقد اهديت قد علمت مَعدُّ ... هدية ماجد لبني ضرار فان اشكر فقد اوليت خيرا ... وان أكفر فبالله انتصاري ومنهم حُجْبّة بن مُضَرَّب الشاعر، ادرك الإسلام واسلم. ومنهم سعد ابن مسعود المحدث الفقيه.

حذام وبطونها

ومنهم عُقْبة بن قُدَامة، وليّ افريقية لهشام بن عبد الملك. ومنهم الحسن بن حرب، ولي افريقية لابي جعفر المنصور. ومن تُجِيب بنو عَتاهية، ولهم عدد كثير بالاندلس، وقد كانوا تغلبوا على بعض ثغورها، ولهم بها عَدَدَ. ومنهم بنو حلاوة ابن معاوية بن جعفى. ومنهم بنو اسد بن مرة بن محرق بن الاعجم، وبنو سلمة بن مرة، ويعرفون ببني دَرْمَكة، وهي امهم دَرْمَكَة بنت عبد الله بن سعد بن مرة بن محرق، غلبت على اسم ابيهم. ومن السكون بعُمَان عدد كبير منهم ام سعيد بن هباد بن عبد الجليد بن المستكبر امه منهم، واسمها عُيَيْنَة بنت عبادة بن بكر بن لان بن سبحان بن شبيب ابن سلمة بن جبر بن رافد بن الحارث بن عمرو بن عتيك بن مليح بن ربيعة بن شكامة بن شبيب بن اشرس بن السكون، ويقال السكون كندة، وهو ثور بن مرتع. ومنهم ام عباد بن عبد الجُلَنْدى، واسمها حفة بنت شكامة بن بكر أبي سبحان. ومنهم السكاسك. وأما السكاسك بن اشرس بن كندة فهو من قولهم: تسكسك الرجل كأنه ضرب من التضرع - فمن بطون السكاسك خِدَاش، وصعب وضمام والاخدر وهجعهم، وبطون سوى هذه وضمام اشتقاقه من ضممت الشيء اضُمه ضما وهو فِعَال. والاخدَر أما من خّدَرَ الليل وهو الظلمة، أو من قولهم: أخْدَر الاسدُ إذا دخل الاكمة، فهو خادر ومخدور والاخدر كان فرسا في الجاهلية صار في الوحش فنسب اليه الحمير الاخدرية. وهَجعم من الهَجَعَمِة، وهي الجرأة والاقدام قال أبو بكر بن دريد قد استقصينا تفسير هذه الاسماء الرباعية في كتاب الجمهرة. " صداء " وأما صداء فهو بن يزيد بن مرتع بن عُفَير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد، ويقال بل هو صداء بن يزيد بن كندة - والله اعلم. ويقال انه الصرف بن يزيد في بعض الروايات - وصد افعال من قولهم سمعت صداءة أي صياحة. وأما الصدى بفتح الصاد مقصور - فهو الصوت الذي يرجع اليك من جَبَل أوواد. فمن صداء بن يزيد بن الحارث وكان من رجال صداء، وكان قدم على النبي صلى الله عليه وسلم. وسأله في البئر التي كان منها شربهم، وأن مائه زعق فلا يشرب منه الا في الضرورات، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم حصيات فألقاها فعذب ماؤه إلى يومنا هذا. وهم يفتخرون بذلك. انقضت انساب كنادة. وهذه صورة شجرة انساب كندة: مضر بن قيس بن سلمة، وابو الخير بن عمرو، بن يزيد بن شرحبيل بن معدي كرب بن عبد الله بن قيس. امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية الأكرمين بن الحارث الاكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة - وهو ثوؤ بن مرتع بن عفير ابن عدي بن الحارث بن ادد بن زيد بن الهميسع بن عمرو بن غريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب نبي قحطان بن هود بني الله صلى الله عليه وسلم بن اخلود بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح بن لمك بن المتوشلح بن اخنوع وهو ادريس عليه السلام ابن اليارد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيت بن آدم عليه السلام ابن التراب. الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن مثوبة ابن جبلة بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر. حجر بن عدي الأدبر بن عدي الأسود. شرحبيل بن الأخضر بن حسان بن عمرو بن معاوية بن حجر بن النعمان. حاضر أزدي بن أبي حبيب. أهل عيبي الرستاق بنو كاوس. واهل كرشا بنو سعد بن الارقم بن النعمان بن وهب بن ربيعة ابن ظالم بن عمرو. ومضر بن قيس بن سلمة. وأبو الخير بن عمرو بن يزيد بن شرحبيل بن عبد الله بن معدي كرب. والنعمان بن المنذر بن النعمان بن ماء السماء بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نضر بن ربيعة بن عمرو الحارث بن عمرو بن انمار. اهل بيت نحل عمرو بن مسعود بن سور، وافصى اهل كدم. وأهل العيون بنو معن بن حجر بن ماء السماء. أهل الكوفة شيبان بن العتيك. بنو نهلة المهلهل. واهل سمد تروي بنو سيار بن عبد الله بن زيد بن عمرو بن ملحان. حذام - همدان - عمرو بن الغوث حذام وبطونها 1 - بنو غطفان حذام وولد حزام، واسمه معمرو بن عدي حذام وجشما بنو حذام. ومنهما تفرعت حذام، وجشم الرجل حذمه المطيفون، وقول العامة: احتشمت أي " استجيب "، كلمة مولدة بالعربية الصحيحة. ويقال: ان بني عتيت، الذين هم من حفدة في البصرة، ينسب اليهم من هؤلاء وهم اليوم في بني شيبان والله اعلم. فولد حذام غطفان ومالك واياس، فمن بني غطفان رطه والاحنف وبنو الضبيب منهم النعمان بن أبي جمال. ومنهم رفاعة بن زيد، وبنو هدالة وبنو ثعابة، وبنو ضليع، ومنهم الهنيد بن العوص الضبيعي؛ وابنه العوص ابن الهنيد، الذي اغار على دحية بن خليفة الكلبي حين قدم من عند قيصر ملك الروم، فأخذ جميع ما كان معه، فبلغ ذلك بني الضبيب رهط رفاعة بن زيد، وكانوا أسلموا فنفروا إلى الهنيد وابنه، فاستنفذوا جميع ما اخذه الهنيد وابنه. شكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا لهم بالنجدة فهم انجد حي في حذام الحريون. ومنهم بمصر كثير، وهو الحري بن حذام، ومنهم بنو عائدة، وبنو شر، وبنو عبد الله، وبنو الخضر، وبنو سليم، وبنو مخالة، وبنو غنم، وبنو فاكهة. وروى ابن اسحاق، ان غطفان مات في طريق مكة سريعن العرال. فكان في الجاهلية، بنو غطفان بن حذام بن حذام، وبنو غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان في كل موسم، إذا حج القبيلتان تبتدران قبره أيهما سبق رش على رأس القبر بالماء، ورش المسبوق على رجليه، وربما سبق هؤلاء هؤلاء، ولا ينكر بعضهم على بعض. 2 - بنو إياس وولد إياس بن حذام بن حذام، سعد ومالك ووائل بني إياس، فولد سعد بنو ثعلبة وبنو أقصى زمزمة، وبنو عوف، وبنو حبيب، وبنو دريم، وبنو دبيل، وبنو حديدة، وبنو عامر، وبنو أمية، وبنو سيارة وبنو عوف، وبنو حياة وبنو كثير الأكبر، وبنو الأخفش، وبنو صحيحة، وبنو كثير الأصغر في سعد. ومنهم قيس بن الحازم، وكان أولاد سعد كلهم، فلما مات قيس ولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، نايل بن قيس مكان ابيه، وكان نايل بن قيس واليا بالشام. ولما ولي معاوية فرق بني قيس فرقتين؛ فولى نائل بن قيس على احدهما، وولى رجلاً آخر على الأخرى، فرحل إليه نائل من فلسطين فدخل عليه فقال له معاوية: ادن يا نائل، وهو لا يفعل فقال له نائل: لقد نالنا سعيك ورأيك يا معاوية، ونحن بفلسطين، قال: وما ذلك القول، أنخت الابل في مواطن الهرى، وقدت الخيل بأذنابها، قال: أولانا الصديق والفاروق وعثمان وعلي أئمة الهدى. وخلفاء الدين. قال الشماخ سلعين، قال له معاوية: كل ذلك برغبته. قال نائل: والله مالي إليك من خداعة، وعاد ورأى أوسع ما بيني وبينك، فان مثلي ومثلك كما قال الشماخ: لقد رمت إذ رميت صفاتنا ... ما كانا سحيقاً ما تطاق مراتبه وحملتني ذنب امرئ غير عاجز ... وما السيف الا حده ومضاربه ريرة فما لا نفع عندها وما للمرء الا عقله وتجاربه فللموت خير من حياة زهيدة ... عليك ومن ولى تدث عقاربه فقال له معاوية: كم كان عطاؤك، قال له: كذا وكذا، قال له: قد اعطيتك مثله، ووليناك مكانك أما الآن فقد وجبت. ولما كانت فتنة ابن الزبير، قام نائل على عبد الملك فدعا لابن الزبير، وبنو عدي، وبنو جشم، وبنو حزم، وبنو التيم، وبنو المطعم، وبنو مالك، وبنو دهمان، وبنو مليكة، وبنو ناهل. ومن بني رحال حداد بن زنباع بن روح بن سلامة بن حداد بن حديدة بن أمية بن امرئ القيس بن حمانة بن وائل بن مالك بن زيد مناة بن أقصى بن سعد بن إياس بن حذام بن حذام وزنباع فعلال والنون فيه زائدة، من قولهم تزبع علينا إذا ساء خلقه: فان تلقه في الشرب لا تلق فاحشا ... على الكأس إذ قاذورة متربعا وقال عمر بن الخطاب، - رحمه الله - لزنباع: فان الق زنباع بن روح ببلدة لي النصف منه نفر السن. روح بن زنباع وأمر عمران بن حطان

ومنهم ابنه زنباع بن سلامة، وكان وزير لعبد الملك بن مروان، وكان له دار ضيافة لا يكاد يفارقها في وقت من الأوقات، وكان عمران بن حطان أسيراً عند عبد الملك بن مروان وأهدر دمه، وطلبه الحجاج أشد الطلب حتى خرج عن العراق، وجعل ينتقل في قبائل العرب، إذا عرف زال إلى قبيلة غيرها، وكان إذا نزل في حي انتسب اليهم منهم، وكان سبب طلب الحجاج له انه لما دخلت غزالة الحرورية الكوفة، وتحصن الحجاج منها، وأغلق عليه باب قصره؛ كتب اليه عمران بن حطان بهذه الأبيات: ذعرت غزالة قتله بفوارس ... تركت مناظرة كأمس الدائر هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر أسد علي وفي الحروب نعامة ... ربداء تفزع من صفير الصافر فطلبه الحجاج بعد ذلك، فهرب منه، فكتب الحجاج فيه إلى عماله وأطرافه بحليته وكتب إلى عبد الملك بن مروان فيه فاعجزه، وضاقت عليه العراق، فخرج إلى الشام. وجعل ينتقل مرة في غسان، ومرة في لخم، واخرى في حذام، وآخر في عاقف، واخرى في خزاعة، ومرة في مراد، وفيها يقول عمران بن حطان: فإني في بني كعب بن عمرو ... وفي عك وعامر عوتبان وأرباب القبائل من حذام ... ومن لخم وحي بن العدان كذلك ان أصلي من سواهم ... وما كانت بلادهم مغاني وأنزل عندهم واحيل اسمي ... فلانا مرة وابا فلاني فلم يزل هاربا حتى اتى دمشق، فنزل على روح بن زنباع، ودخل في ضيافته، وكان روح يقري الأضياف، ويكرمهم، ومجالساً لعبد الملك بن مروان، اثيرا عنده، ذا فهم وشعر وفقه، قال: فسأل روح بن زنباع عمران عن اسمه ونسبه فقال: من الأزد أزد شنوة، فأحسن نزله وأكرمه. وكان روح إذا انصرف عن عبد الملك بن مروان، وخلا في داره أذن لعمران فجلس معه مسامراً له، وكان روح لا يسمع شعرا نادرا، ولا حديثا غريبا من عبد الملك فيسأل عنه عمران، الا عرفه، وربما زاد فيه، فيزداد عمران عنده محبة، ولديه جلالة، فحدث بذلك عبد الملك، فقال له: إن لي جارا من الأزد ما سمع من أمير المؤمنين خبرا ولا شعرا الا عرفه، وربما زاد فيه. فقال له عبد الملك: خبرني ببعض اخباره، فخبره وانشده بعض ما سمع من عمران. فقال له عبد الملك: اللغة عدنانية، وإني لأحسبه عمران ابن حطان. فسكت روح، وجعل عبد الملك ينشد هذه الأبيات، من قول عمران بن حطان: يا ضربة من تقي ما أراد بها ... الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يوما فأحسبه ... اوفى البرية عند الله ميزانا أكرم بقوم بطون الطير قبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغيا وطغيانا ثم قال عبد الملك: من تعلم قائل هذا الشعر؟ فقال لا وانصرف روح إلى ضيافته فحدثهم بذلك، وسأل عمران بن حطان عنه، أتدري من قائل هذه الأبيات؟ فقال: نعم يقولها عمران بن حطان، يمدح عبد الرحمن بن ملجم، قاتل علي بن أبي طالب. وانشده هذه القصيدة. فقال له: من أين أصبت هذا يا خلف؟ فقال: من ضيفي الأزدي، الذي أخبرتك به، لم أر مثله قط. قال عبد الملك: صفه لي، فوصفه له. فقال عبد الملك: على كتاب الحجاج، فجيء به اليه، فنظر فيه، فقال: عمران بن حطان ورب الكعبة. انطلق فاتني به فهو آمن، واعلمه أني امرتك ان تأتيني به. فقال: افعل. قال: فانصرف روح إلى ضيافته من السمر فدعا بالطاقة، وأقبل عمران. فقال: إني حدثت أمير المؤمنين عنك. فقال ائتني به فقال له عمران: قد كنت احب ذلك، وأردت أسألك فاستحيت منك، فامض في أثرك. فخرج روح إلى عبد الملك، فاخبره بذلك، فقال له عبد الملك: أما انك سترجع إلى منزله، فلا تراه، ولا أراه الا قد ذهب. فانصرف روح إلى منزله فالفى عمران قد ذهب، واذا رقعة في كوة عند البيت مكتوب فيها هذه الأبيات: يقول لي حي مثوى قد نزلت به ... قد ظن ظنك من لخم وغسان حتى رحلت وفارقت منزله ... من بعد ما قيل عمران بن حطان قد كنت ضيفك حولا ما يروعني ... فيه روايع من أنس ولا جان حتى أردت العظمى فاوحشني ما ... يوحش الناس من خوف ابن مروان

عمران بن حطان يرتحل إلى الجزيرة

فاعذر أخاك ابن زنباع فان له ... في الحادثات هنات ذات الوان يوما يمان إذا لاقيت يمن ... وان لقيت معديا فعدنان لو كنت مستغفرا يوما لذي ملك ... كنت المقدم في سري واعلاني لكن ابت لي آيات مطهرة ... عند الولاية في طه وعمران عمران بن حطان يرتحل إلى الجزيرة ثم ارتحل حتى أتى الجزيرة فنزل بها زفر بن الحارث الكلابي، فألطفه زفر فأكرمه، وسأله فقال له: من أنت؟ قال عمران: أنا رجل من حمير من الأوزاع، وكانت لزفر فيهم خؤولة، فأعجب به، وقربه، وكلم رجلا لم يناطق مثله في العلم والفقه. ورأى فيه شيخا حسن الهيبة والحديث فأعجبه واكرمه. واقبل عمران على الصوم والصلاة، وكان شباب من بني عامر يتولعون به بكثرة صلاته وصيامه ويهزأون به واستقلوه، فبينما هو جالس مع زفر إذا اقبل من عند روح رجل إلى زفر وقد كان رأي عمران أيام كونه عند روح، فلما رأى عمران عرفه فسأله زفر: تعرفه؟ قال: نعم، هذا رجل من أزد شنوءة، كان ضيفا لروح بن زنباع. فقال له زفر: هذا إن لك قصة وشأنا، أزديا مرة وأوزاعيا مرة؟ اخبرني بقصتك، ان كنت خائفا آمناك، وان كنت عائلا واساناك، وان كنت طريدا آويناك. قال عمران: الله المولى والمغني، وإنما رجل عابر سبيل. ثم ان عمران لما أمسى أخذ غفلة الناس، وخلف في منزله رقعة وخرج هارباً، وكان في الرقعة هذه الأبيات: ان التي أصبحت اعيت بها زفر ... أعيت عيانا على روح بن زنباع ما زال يسألني حولا لأخبره ... والناس ما بين مخدوع وخداع حتى انحدمت مني حبائله ... كف السؤال ولم يولع باهلاع فاخفف سؤالك عني انني رجل ... أما صميم واما قعقة القاع واكفف سؤالك عن لومي ومسألتي ... ماذا تريد إلى شيخ لأوزاع أما الصلاة فإني غير تاركها ... كل امرئ في الذي يسعى به ساع أكرم بروح بن زنباع وأسرته ... قوم دعا أوليهم للعلى داع جاورتهم سنة فيما ذعرت به ... عرضي صحيح ونومي غير تهجاع واعلم فانك منعي بحادثة ... حسب اللبيب بهذا الشيب من ناع عمران بن حطان يرتحل إلى أزد عمان وزوندستان قال فارتحل حتى أتى عمان، فنزل في الأزد وإذا بقوم يتناشدون اشعاره ولا يعلمون انه عمران، فدعاهم إلى رأيه، وأقام بين أظهرهم، وأظهر أمره، ووجد قوما مساعدين له يبكون على مرداس بن أدية، ويذكرون فضله، ويظهرون أمره شاهرا، حتى بلغ الحجاج امره، فكتب إلى أهل عمان في قتله. فلما سمع ذلك عمران بن حطان خرج هاربا إلى زوندستان اسفل الفرات، فأتى قوما من الأزد فلم يزل فيهم حتى مات. وفي نزوله عند الأزد ومصيره إلى عمان يقول: نزلت بحمد الله في خير اسرة ... اخبر بما فيهم من الانس والخفر من الأزد ان الأزد خير اسرة ... يمانية يوما إذا نسب البشر وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر ... أتوني فقالوا: من ربيعة ومضر هي الحي قحطان وتلك سفاهة ... كما قال ري وصاحبه زفر وما منهم الا بشير بسيبه ... يقربني منه وإن كان ذا نفر فنحن بنو الاسلام والله واحد ... وأولى عباد الله بالله من شكر كهلان 1 - بنو الاشعر بن أدد بن زيد بن كهلان في الجاهلية والاسلام فأما الأشعريين بن أدد بن كهلان، فاسمه نبت بن أدد، وبعض النساب يجعله الاشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن يشجب ابن عريب بن أدد بن كهلان. وقال بعضهم: هو الاشعر بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. فولد الأشعر: الجماهر ومجيد والرمب والختبك والانعم والأدغم والأرغم وجده وعبد شمس. فمن قبائل الاشعر ثم بني الجماهر بنو ثابت وبنو حكم وكاهل وسلمة ووجر ورضاء وحرب وزوفر وسائبة ومسور ولوية ونوبة وناجية وزعيج، وبنو ضيامة وعريصة.

2 - همدان

فمن الجماهر محمد بن زيدان قاد عكا والأشعريين في الجاهلية، ومنهم ابو موسى وابو رهم وابو عامر وابو بردة بنو قيس، واسم أبي موسى الأشعري: عبد الله بن قيس بن سليم بن حصان بن حرب بن عامر بن خين ويقال عين. ثم بكر بن عامر بن عدن بن وائل بن ناجية.. من الجماهر بن الأشعر، ابو عامر الاشعري وهو صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كانت بيده يوم حنين فلقيه عشرة من المشركين كلهم اخوة فحمل عليه احدهم، فحمل عليه ابو عامر وهو يدعوه إلى الاسلام، ويقول: اللهم اشهد عليه، ثم جعلوا يحملون عليه رجلا رجلا، ويحمل عليه أبو عامر وهو يقول ذلك حتى قتل تسعة وبقي العاشر فحمل على أبي عامر، وحمل عليه أبو عامر، وهو يدعوه إلى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه؛ فقال العاشر: اللهم لا تشهد عليه، فكف عنه أبو عامر وأفلت. ثم اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: هذا شريد أبي عامر. ورمى ابو عامر أخوين بسهمين، واسمهما المعلى وأوفى ابنا الحارث منبني جشم بن معاوية فأصاب احدهما قلبه، والآخر ركبته فقتلاه لساعته واخذ الراية ابو موسى الاشعري وحمل عليهما فقتلهما جميعا، وكان قتل أبي عامر باوطاس يوم حنين، رحمه الله. ولأبي موسى، اخبار كثيرة، وهو أحد الحكمين، وهو صاحب علي بن أبي طالب المتحمل عنه الرسائل إلى معاوية، والمناظر عمرو بن العاص؛ واخباره المشهورة. ومن ولد أبي موسى الأشعري: بلال بن بردة، ولي قضاء البصرة وعمالتها زمانا طويلا، ومن موالي أبي بردة خلف بن حيان المعروف بالأحمر، وهو من اعلام النحويين المشهورين. ومن بني الأشعر: مالك بن عامر بن هانئ بن كهام بن كلثوم بن يرعب، ويقال فرعب بن زفدة بن ذخران بن ناجية بن الجماهر بن الأشقر. ومنهم ابو مشافع بن زيد بن هيد بن عامر بن حسين بن حر بن الحارث بن طعمة بن عكاية بن ذخران بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر، وكان حليفا لقريش وقتل يوم بدر كافرا، ومنهم السائب بن مالك عامر بن هانئ بن كهام ابن كلثوم بن رعد بن رفدة بن ذخران بن ناجية بن الجماهر، وكان شريفا، وكان شرطة المختار بن عوف، وقتل معه، ومنهم عبد الله وعبد الرحمن ابنا عصاه بن الكوك، كانا من أشراف أهل الشام ايام معاوية، وبني مروان ومن موالي عبد الله بن عصاة ابو عبد الله الكاتب، كاتب المهدي، واسمه معاوية بن عبد الله بن عصاة ابو عبد الله الكاتب، كاتب المهدي، واسمه معاوية بن عبد الله بن سيار. ومنهم القاسم بن الوليد بن مسلمة بن خارج بن كريب بن انفع بن زيد بن المنذر بن مالك بن ذي بارق الفقيه. ومنهم شهر حوشب المحدث. ومنهم ابو روق، واسمه عطية بن الحارث المفسر وعداده في همدان. ومنهم علي بن موسى بن طلحة المعروف، بالقمي، الذي يقول فيه اسحاق بن خالد النهرواني: ولكرد منك إذا زرتهم ... بكراك يوم كيوم الجمل وما زال عيسى بن موسى ابو ... مواهب المكل بسل السيوف وشق الصفوف ... وطعن الرماح وضرب القلل ولبس العجاجة وشق الصفوف ... تريك المنايا بروس الأسل وقد نشرت عن سنا نارها ... عروس المنية بين السعل فجاءت تهادى وأبناؤها ... كأن عليهم شروق الطفل خروس نطوق إذا استنطقت ... جهول تطيش على من جهل إذا خطبت أخذت مهرها ... رؤوسا تحاور قبل النقل الذالية من المسمعات ... وحل للؤسة في يوم طل وشرب المدام ومن يشتهيه ... معاط له بمزاج القبل بعثنا البراعم ... سرى في الجدل إذا ماخذين المحدث العجل 2 - همدان وولد مالك بن زيد بن كهلان من سبأ بن يعرب بن قحطان رجل بن نبت بن مالك وخيار بن مالك، فولد خيار بن مالك ربيعة بن خيار، فولد ربيعة بن خيار وسلة بن خيار، وهو همدان.

فمن ولد همدان: نوفا وحقران، منهم بنو حاشد بن جشم بن حيران ابن ثور بن همدان، وبنو نكيل بن جشم بن حيران بن ثور بن همدان، ومن بطونهم أيضاً عليان بن أرحب بن الدعام بن مالك بن معاوية بن صعب بن ذبيان بن نكيل بن حيران بن يثور بن همدان. ومن بطونهم ايضا قادم وبنو حجون، وبنو حجية وبنو حرجة، وقدم وادران وبنو القدام، وبنو ضيرة، وبنو قابس. فمن بني قابس سيف بن الحارث بن سريع، قتل مع الحسين بن علي هو وأخوه لأمه بن مالك بن عتبة بن سريع. ومنهم بنو ساجد، وبنو حجدم وبنو يرمى، وبنو سيام. ومنهم ذو جعران، وذو حدان اسما موضعين نسبوا اليهما. ومنهم ابو شعير بن قمشة، كان منهم شهود معاوية يوم الحكمين، ومن فرسانهم الحكيم بن عبد الرحمن، كان من فرسانهم يوم دير الجماجم، ومنهم عبد العزى بن سبيع بن نمر بن ذهل شاعر جاهلي، وابنه مدرك بن عبد العزى، ومنهم بنو ناغط أهل جبل نسبوا اليه، ومنهم بنو عامر بن الشمر الذي وفد إلى النبي، صلى الله عليه وسلم مع الوفد، وفد همدان، ومنهم بنو الشعير، وهي امهم نسبوا اليها، ومنهم بنو ناسخ وذووبار، وحبوان ابنا محمد بن مالك. وابنته تعدل بنت العاقب؛ وبهم كانت تخفر قريش في الجاهلية، إذا اتجروا إلى اليمن فيجيروهم وعلى اليمن قاطبة، ومنهم ذواد بن قيس، كان شريفا. ومنهم بنو أسرع، ومنهم بنو الجيدع، ومنهم بنو ذمود، وبنو جحدر ووداعة، ومنهم زيد بن الحارث الفقيه، ومنهم شرقي، وهو حشيش بن عبد الله بن مر بن سليمان بن معمر، وهو الوراع الشاعر. ومنهم الأخدع بن مالك الشاعر، وفد على عمر بن الخطاب، رحمه الله، فسماه عبد الرحمن، وهو الذي قتل ثلاثة من بني الحصين، وهو الذي اجار زبيد، فأبوا ان يقبلوا جواره، فأصابتهم بعض العرب، فقال في ذلك الاخدع: أتانا بأقصى الأرض من شر حمير ... ولم يمنع الأخيار من دارنا البعد بأن الموالي من زبيد تهضموا ... وقد وهصوهم وهصة مالها ورد ومن ولد مسروق بن الأخدع بن مالك بن امية بن عبد الله بن سلامان ابن معمر بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وداعة بن عامر من نهشة بن رافع ابن نوف بن همدان. ومنهم المذنوب الشاعر واسمه كثير بن أبي حية، ومنهم غرار وبنو جوب وبنو الصائد، واسمه الصايد كعب، ومنهم الخرندق الشاعر، واسمه معقل. ومنهم بنو موهبة وبنو ساول وبنو ملالة، ومنهم أبو رهم بن مطعم الشاعر، هاجر وهو ابن مائة وخمسين سنة، ومنهم قيس بن ثمامة بن مبعوث بن كعب بن علوي بني عليان بن ارحب بن الدعام بن مالك ابن صعب بن ذبيان بن نكيل، وكان رئيسا شريفا، ومنهم سيف بن هانئ كان من رجالهم في الاسلام. ومنهم بنو ناغط، وناغط اسم جبل سموا به. ومنهم بنو ارحب، وقد انقضى نسبه، والى ارحب تنسب الجمال الأرحبية. ومنهم الخطاب بن هانئ بن مالك بن قيس بن عامر بن الأمي بن سلمان بن سفيان بن ارحب بن الدعام بن مالك بن معاوية بن صعب بن ذبيان بن نكيل ابن جشم بن حيران بن نوف بن همدان ومنهم بنو شاكر بن ربيعة بن مالك بن معاوية بن صعب بن ذبيان بن نكيل، كان منهم عمرو بن براقة بن شيبة الشاعر. ومنهم حوشب بن شاعي بن مسان بن ذي ظليم، قتل يوم صفين مع معاوية، وكان سيدهم بالشام، وفي قتله يقول شعرا بعض أهل العراق: فإن تقتلوا الصقر بن عمرو بن الحصين ... فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوش ومنهم بنو السبيع، وبنو السبيع رهط ابن اسحق السبيعي الفقيه، واسمه عمرو بن عبد الله بن علي بن يوسف بن السبع بن السبيع بن سبع بن صعب بن معاوية بن كثير بن جشم بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيران بن بوف بن همدان. ومنهم حارف واسمه مالك بن عبد الله بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد. ومنهم مالك بن بط الحارني، ومنهم الأعور، وكان من احسب الناس في وقته. ومنهم سعيد بن قيس، كان إذا مر في قبائل اليمن لم تره امرأة الا قعدت حتى يجوز اجلالا له. ومن موالي السبيع ابو سلمة الخلال، واسمه حفص بن سليمان، وهو كان السفير بين دعاة بني العباس بخراسان، وبين إبراهيم الامام بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، فسموه وزير آل محمد. وهو أول من سمي بهذا الاسم في الاسلام.

عمرو بن الغوث

ومن همدان النقد ولوذان، وهم المشرق، منهم مالك بن فريد بن حران بن زيد. ومن بني حاشد مجالد بن سعيد الفقيه، وهو مجالد بن سعيد ابن مجالد بن عبير وهود ومران بن افلح بن شرحبيل بن ربيعة بن جشم بن حاشد. ومنهم همدان واسمه عبد الرحمن بن الحارث بن نظام بن جشم بن عمرو بن مالك بن عبد الحر بن يزيد بن حارث بن قيس بن عامر بن مالك بن حبشة بن حاشد، وكان نسابا عالما فغلب عليه رواية الاخبار. ومن حاشد بنو تام، وبيت تام عبد القيس بن سبيع الذي يقول: ونعم قد انعمتها فاتبعهتا بأخرى ... ولم احضر عروق ترابها ومنهم الأسلوب الباني، وكان حرم الخمر والزنا على نفسه في الجاهلية وقال في ذلك: وسالمت قومي بعد طول فضاضة ... والسلم أبقى في الأمور وأعرف وتركت شرب الخمر وهي أثيرة ... والمرسمات وترك ذلك أشرف وعففت عنه يا أميم تكرما ... وكذاك يفعل ذو الحجى المتعفف ومنهم عبيدة والسلماني بن عمرو بن الاجدع بن سلمان بن حبيب بن مواحد - ومذكر بن يام بن اصنى بن رافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيران بن همدان، وعداده في مراد، ومن الثقات في الحديث، ممن لا يشك في حديثه ومنهم طلحة بن مصرف بن كعب بن عمرو بن جحدر بن معاوية بن الحارث بن ذهل سلمة بن بذول بن جشم بن يام بن اصنى بن رافع، وكان قارئ أهل الكوفة، فلما كثرت الناس عليه كره ذلك، فمشى إلى الأعمش، فقرأ عليه فمالت الناس إلى الأعمش، وتركوا طلحة بن مصرف. ومنهم ذر بن أبي ذر وكلهم زهاد صلحاء عباد، وقد وقف عمرو بن ذر على قبر أبيه فقال: يا ذر شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، ثم قال: الللهم انك وعدتني الصبر على ذر صلواتك ورحمتك، اللهم اني وهبت له اساءته إليّ فهب لي اساءته إلى نفسه، فإنك اجود وأكرم، فلما انصرف قال: يا ذر انصرفنا وخليناك، ولو أقمنا عندك ما نفعناك. ومنهم زبيد بن الحرث النامي الفقيه المحدث التابعي. ومنهم عرار بن عبد الله النامي المحدث، ومنهم عبد الله بن داود الحربي المحدث، وإنما سمي الحربي لانه سكن الحربية بالبصرة، ومنهم صمصام بن مالك السلماني أحد الوفد الذي وفدوا على النبي صلى الله عله وسلم، مع مالك بن نمط بن مالك بن أنفع الحاربي، وعمرو بن مالك، وفدوا بوفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من وجوه همدان، وغيرهم، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عليهم مقطعات الحيرات والعمائم العدنية على رحال المليس والمهرية والارحبية مخطمات بحبل الليف وراجزهم يرجز بين أيديهم يقول: إليك جاوزنا سواد الريف ... في هبوات الصيف والخريف مخطمات بحبال اللليف ومن فرسانهم عبد الرحمن بن سعد بن قيس، الذي كان على همدان كلها وبني تميم، وبين يدي المهلب بن أبي صفرة في حرب الأزارقة. ومنهم الحارث بن عمرو الذي قتل الزبير على السليطي الشارلي الذي قام بحرب المهلب بعد قتل بني الماجون. وفيه يقول اعشى همدان: ان المكارم اكملت اسبابها ... لابن الليوث الغر من قحطان الفارس الحامي الحقيقة معلما ... زاد الوفاق وفارس الفرسان ود الأزارق لو يصاب بطعنة ... ويموت من فرسانهم مائتان ومنهم عبد الله بن عياش المسوي، كان من رواة الأخبار والحديث، ومنهم ابو روق الهمداني، واسمه عطية الحارث، وكان من الخطباء العظماء، ومنهم عمرو بن براعة الذي يقول: إذا الليل دجى واشتعلت نجومه ... وصاح من الفراط هيم الحرايم ومنهم الجراع بن المجرع وابنه الذي يقول: ويرجون أيام السلامة والغنى ... وتغتالهم دون الرجا غوائله عمرو بن الغوث 1 - انتشار ولد عمرو بن الغوث وأنسابهم وأما عمرو بن الغوث أخو الأزد بن الغوث، فولد راش بن عمرو، وولد راش بن عمرو انمار، فولد أنمار بجيلة بن أنمار، وجثعم بن أنمار؛ فبجيلة وجثعم أباء أنمار بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقد جئنا باختلاف لئلا يكون امنع للناظر. 2 - أنساب بجيلة بن أنمار وأخبار ولده

3 - جرير بن عبد الله البجلي

فأما بجيلة بن أنمار بن اراش بن عمرو بن الغوث، فاسمه أقيل وانما بجيلة اسم امرأته فنسب اليها. فولد بجيلة بن أنمار بن أراش بن عمرو خمسة رهط: عبقر، وصهيبة، والغوث، وخزيمة ووداعة. فولد عبقر بن بجيلة قشرا واسمه مالك فولد قشر يزيد بن قشر فولد يزيد تسعة رهط وهم سعد مناه وأسعد، وغمغمة، وغمامة واقصى واتبع وافرز وشيبة واقزل وعرينة، وهم سكان شعب جبلة اليوم. وولد الغوث بن بجيلة ثلاثة رهط وهم: يزيد وأخمش وقبس كبه وكبه فرسه، فولد يزيد بن الغوث بن بجيلة وائلة ومعاوية. فولد وائلة ثلاثة رهط: قذار وذبيان وثعلبة. فولد قذار بن وائلة بن يزيد بن الغوث بن بجيلة عامر منقذ الذهب. وولد ثعلبة بن وائلة سخمه رهط شبل بن معبد. وولد خزيمة بن بجيلة ولان بن خزيمة. واما قشر فاسمه: مالك بن عبقر بن بجيلةى. فمنهم شق الكاهن صاحب سطيح الكاهن. عُمِّرَ ثلاثمائة سنة، وهو جد خالد بن عبد الله القشري، وهو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كريرا بن عامر بن عبد الله ابن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق بن صعب بن كشكر بن رهم بن أقزل بن يزيد بن قشر بن عبقر بن بجيلة. وكان أخو خالد بن عبد الله القشري، وهو قاتل الوليد بن عبد الملك بن مروان، وقال له الوليد حين أهوى اليه بالسيف: يا ابن سيد العرب لا تقتلني بابيك، فو الله ما قتلت، وما امرت به. قال له يزيد، ما أقتلك إلا بمولاي غزوان، في حديث يطول شرحه. وفي ذلك يقول الأسود مولى خالد بن عبد الله القشري: تركنا امير المؤمنين بخالد ... مكبا على خيشومه غير ساجد فإن يقتلوا منا كريما فإننا ... قتلنا أمير المؤمنين بخالد وان يشغلوا عنا يدانا فإننا ... شغلنا وليدا عن غناء الولائد وفي ذلك يقول دعبل بن علي الخزاعي: قتلنا بالفتى القشري منهم ... وليدهم امير المؤمنينا فخالدا ابن عبد الله منا ... مبارى الريح جاريه جنونا يحرق في العراق ندا وبأسا ... وانعش من نزار المنعمينا وكان خالد بن عبد الله القشري يضرب بجوده المثل. ومن بجيلة ثم من قشر، ابو أراكة، واسمه عامر بن مالك بن عامر بن دينار بن ثعلبة بن عمر بن يشكر بن رهم بن أفزل بن بدر بن قشر بن عبقر بن بجيلة. 3 - جرير بن عبد الله البجلي ومن بجيلة ثم من قشر، جرير بن عبد الله بن جابر. وهو السليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن حرب بن مالك بن سعد بن يريد بن عبقر بن بجيلة. وكان جرير بن عبد الله البجلي من أجمل أهل زمانه. وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطلع عليكم رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة الملك ". وكان إذا رآه قال " جرير يوسف هذه الأمة لحسنه، وكان جرير أحد من يقبل الطعن لطوله، وكانت نعله ذراعا، وجمعت رواة الأخبار ونقلة الآثار ان الرسول صلى الله عليه وسلم بسط رداءه لجرير بن عبد الله البجلي، وقال: " إذا اتاكم كريم قوم فأكرموه "، وروي " كرّامة " قوم فاكرموه، وهذه الهاء للمبالغة كقولهم للرجل نسابة، وعلامة، وجرير بن عبد الله البجلي هو صاحب فتوح العراق في أيام عمر بن الخطاب رحمه الله. وكان لجرير الربع، مما غلب عليه مع سهمه ايضا، المضروب له في الفيء والمغانم، وهو قاتل المرزبان صاحب المدار، وكان المرزبان عظيما من عظماء فارس.

وجرير بن عبد الله البجلي هو الذي ولي حرب وقعة مهوان، وكان امير تلك الوقعة، مع المثنى بن حارثة الشيباني، وشهد من بعد ذلك وقعة القادسية، مع سعد بن أبي وقاص، وكان ذلك في أيام عمر بن الخطاب رحمه الله، لما كتب اليه المثنى بن حارثة الشيباني عند عروة بن زيد الخيل بن مهلهل الطائي يعلمه بقتل أبي عبيد بن مسعود الثقفي، وسليط بن قيس الأنصاري، وتسمية من قبل معهما من العرب من عسكر المسلمين، وما كان من أمر الناس والتجائهم إلى الثعلبية ونسلة، ويوجه اليه بالمدد، فسار عروة بن زيد الخيل ابن مهلهل بالمسير الحثيث، ومعه كتاب المثنى بن حارثة حتى وافى المدينة، ودخل على عمر بن الخطاب فأوصل اليه الكتاب، وامره بقيام المثنى بن حارثة وحاميته للمسلمين، فبكى عمر بكاء شديدا، وقال لعروة بن زيد الخيل: انصرف لأصحابك وامرهم اني اعلمهم ان يقيموا بمكانهم فإن المداد وارد عليهم وشيكا، فرجع عروة إلى المثنى بن حارثة ومن عنده من المسلمين بخبر قدوم المدد إليهم، وان عمر بن الخطاب نادى في الناس بالنفير إلى العراق، فخف الناس للخروج، وارسل رسله إلى قبائل العرب ليستفزهم فقدم اليه محنف بن سليم الأزدي في سبعمائة من الأزد، وقدم الحصين بن معبد التميمي في جمع من بني تميم، وقدم عليه عدي بن حاتم الطائي في جمع عظيم من طيء، وقدم اليه المثنى بن مالك النمري في جمع عظيم من النمر بن قاسط، فلما اجتمعوا عنده بالمدينة دعا جرير بن عبد الله البجلي، فولاه أمرهم، وخرج معه جمع عظيم من قومه بجيلة فسار بهم جرير بن عبد الله البجلي، حتى وافى الثعلبية وانضم اليه المثنى بن حارثة الشيباني فيمن كان هناك من المسلمين من أصحاب أبي عبد الله عبيد بن مسعود الثقفي، فقد كان ابو عبيد عقد له عمر بن الخطاب على جيشه الذي بالعراق إلى ان قتل أبو عبيد وقام بأمر الناس المثنى بن حارثة الشيباني، إلى ان قدم عليه جرير بن عبد الله البجلي معينا لهم بالمدد. فسار جرير بن عبد الله البجلي بهم والمدد الذي عقده نزل دير هند ووجه سراياه الغازية بأرض السواد مما يلي الفرات، وتحصن الدهاقين من الفرس في الحصون والقصور، وبعثوا رسلهم إلى المدائن، فاجتمع عظماء الوزراء والمرازبة والأساورة وأهل الولات، واستأذنوا على ازر ماخت، الملكة بنت كسرى ابرويز، فكلموها من وراء حجاب، واعلموها بما أقبل نحوهم من جموع العرب وأمرت أن أن يندب من مقاتلتها إثنا عشر ألف فارس من أبطالهم وفرسانهم المذكورين فندبوا، وكتبت اسماءهم وولت عليهم عظيما من عظماء المرازبة يسمى مهران بن مهرية. وسار الجيش حتى وافى الحيرة، ورجعت سرايا العرب، واحتمعوا وتهيأ الفريقان للقتال وزحف بعضهم إلى بعض، وزحفت العجم في ثلاثة صفوف في كل صف فيل. وقد عبأوا مع كل فارس راجلا، ومع كل رامح ناشبا، فجاءوا وهم زجل كزجل النحل، ثم حمل المسلمون وحملت عليهم العجم. فتطاعنوا بالرماح، وتضاربوا بالسيوف مليا من النهار بقتال لم يسمع السامعون بمثله، وصدتهم العجم بالقتال، وكانت للعرب جولة، وثبت بعضهم يقاتلون. ونادى جرير بن عبد الله في قومه: يا قوم ان لكم سابقة في الاسلام وفضلا، وإن لكم في هذه البلاد ان فتحها الله عليكم حقا وخطا ليس لأحد مثله، ولا تكونن قبيلة من العرب احرص على الصبر والطعن منكم. ثم نادى: أيها الناس قاتلوا: احدى الحسنيين، أما الشهادة وعظم حظوها. ثم نادى المسلمين ودعا والتمسوا بعضهم بعضا وثاب من انصرف منهم، وحملوا وحملت عليهم العجم من كل ناحية؛ وتطاعنوا بالرماح، وتضاربوا بالسيوف، واقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون بمثله، حتى خضبت الفرسان بالدماء وكثرت بينهم القتلى والجرحى من وقت الزوال إلى ان توارت الشمس بالحجاب. فنادى المثنى بن حارثة يا معشر العرب الرواح إلى الجنة، ونادى جرير ابن عبد الله البجلي، ومن كان معه من الأمراء والرؤساء من كل ناحية. ثم حملوا على العحم حملة واحدة فلم يكن من العجم للحرب شدة ثبات وانهزموا على وجوههم حتى اتوا نهر بني سليم، فوقفوا هناك، واتبعهم المسلمون ايضا فقاتلوهم قتالا شديدا، وخرج مهران رئيسهم، فوقف أمام أصحابه يجالد بسيفه قدما، فحمل عليه المثنى بن حارثة الشيباني وهو يقول: أيها المعترك تقدم ... واثبت اضاربك بنصل مخذم

بشير بن جرير بن عبد الله البجلي

اثبت لقدم بطل مصمصم ... إذا دعي القرن لم يحجم يمشي اليه مشي الضيغم ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه، فضربه مهران على هامته بالسيف فنبا السيف على البيضة، وضربه المثنى على منكبه فسقط ميتا، فلما نظرت العجم إلى رئيسهم ميتا ألقى الله في قلوبهم الرعب. فانهزموا على وجوههم، فاتبعهم عبد الله بن سليم، وعروة بن زيد الخيل، والمثنى بن حارثة في زهاء ألف رجل من العرب، فلم يعرجوا على غنيمة ولا غيرها فقطعوا من العجم زهاء ثلاثة آلاف رجل، فصاروا في ايديهم أسرى، ومضى بقية العجم بالركض الشديد حتى لحقوا المدائن، وبات المسلمون يعصبون الجراحات ويدفنون قتلاهم، وقد استولوا على ما كان من اموال العجم، وسوادهم. وفي ذلك يقول عروة بن زيد الخيل بن مهلهل الطائي: ط هاجت لعروة دار الحسن أحزانا ... إذ بدلت بعد عبد القيس همدانا وقد دابى بها والشمل مجتمع ... أدرى بجبلة يردي جيش مهرانا غداة سار المثنى بالخيول لهم ... فقتل القوم رجالا وركبانا سما لأجناد مهران على مهل ... حتى ابادهم مثنى ووحدانا ما رأيت أميرا بالعراق مضى ... قبل المثنى الذي من آل شيبانا ان الأمير المثنى يوم بارزه ... مهران أشجع من ليث بخفانا فتزعم بجيلة وسائر اليمانية أن الأمير كان في هذه الوقعة جرير بن عبد الله البجلي، وقالت ربيعة بل المثنى بن حارثة الشيباني، لما ورد سبيع بن زهير البجلي برسالة جرير بن عبد الله البجلي. والبشرى بالفتح إلى عمر بن الخطاب، بما فتح الله على يده، وبقتل المرزبان؛ جعل الناس يقولون لسبيع ما تركت وراءك يا سبيع قال: تركت بجيلة يهيلون الذهب هيلا، فكبر الناس، وكبر عمر رحمه الله مرارا، وحمد الله وحرض الناس على اللحاق بجرير بن عبد الله البجلي. وفي ذلك يقول عبيد بن عمرو البجلي: تلك بجيلة قومي ان سألت بهم ... قادوا الجياد وفضوا جمع مهرانا فسائل الجمع يوم القادسية عن ... قومي ومن شهد اليرموك عينانا وبالبجيلة قد لاقوا كتائبها ... رجلا يسيل بهم سيلا وفرسانا فهزم الله جمع المشركين بهم ... يوما دوائر شيطانا فشيطانا ثم كان على وقعة مهران وقعة القادسية، وقد اتينا بشرحها مستقصاة عند اخبار عمرو بن معدي كرب في أنساب مذحج عند ذكر زبيد من هذا الكتاب. بشير بن جرير بن عبد الله البجلي ومن ولد جرير بن عبد الله البجلي، بشير بن جرير كان أحد قواد المهلب في حرب الأزارقة. وكان ولد اقصى بن بدير بن قشر إذا نزل بهم نازل عمدوا إلى ماله فحبسوه ودفعوه إلى رجل يرضونه لأمانته وعانوه من اموالهم ما قام بين أظهرهم، فاذا ظعن ادوا اليه ماله، ورحلوا معه، فإن مات ودوه وان قتل طلبوا دمه، فان سلم الحقوه بأمته، ففي ذلك يقول عمر بن الختارم: إلا من كان مغتربا فإني ... لغربته على أقصى دليل يعينون الغنى على غناه ... ويثرى في جوارهم القليل ومن أخمس بن الغوث بن بجيلة كلب بن عمرو بن لؤي بن زهير بن معاوية بن أسلم بن أخمس. ومنهم قيس بن أبي حازم الفقيه، واسم أبي حازم عوف بن الحارث ولد معاوية بن أسلم بن أخمس. ومنهم ابو كابل، واسمه قيس بن عايد المحدث، وله صحبة. ومنهم طارق بن شهاب المحدث. ومنهم أبو الطفيل، واسمه سبل بن عوف بن أبي ناجية؛ ونفيلة، شهد القادسية، وروي عنه انه قال: ما عيرت مذ اسلمت في طلب دية خلا مذ كنت رب بيت، ولا جلست في مجلس الا انتظر أخباره أو تكون لي حاجة. ومنهم علي بن الحسين، الذي أدخل مذهب أهل البيت في المغرب، وانتهى إلى السّوس، وبه يعرف المذهب، حتى أنه لا يقال له شيعي، ولا يقال لمن تولى هذا المذهب إلا محلي. وكان من أحد علماء النار في عصره، وكان مثقفا في العلوم كثير الرواية عن رجال أهل البيت، وقتل بدرعة غيلة، وولده. ومن موالي أخمس، أبو خالد المحدث عن أنس بن مالك، وابن أبي اوفى، وابنه هرمز. ومنهم ولد ولان بن خزيمة بن بجيلة بنو ذهن. منهم معاوية بن عامر الذهني المحدث، يحدث عن أبي الطفيل، وسعيد بن جبير. ومنهم عايد بن عامر بن قرادة.

4 - خثعم

ومنهم مالك بن عتبة العابدي. ومنهم ابو يوسف القاضي واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد ابن حبيب. وكان سعد بن حبيب استصغر يوم أحد، وعداده في الأنصار مالك بن المعول المحدث. ومن بجيلة المغيرة بن سعيد، الذي ادعى أنه إله، وانه يحيي الموتى، وإن ما كان من أول قيامه يدعو بدعوة آل محمد؛ ثم أنكر إمامتهم وادعى النبوة ثم ادعى الالوهية، وبلغ خبره خالد بن عبد الله القشري انه يحيي الموتى، فأمر به وصلب، وقال له أي احي نفسك. وتبعه طائفة وهم يسمون المغيرية إلى اليوم. ومن بجيلة أم خارجة، التي يضرب بها المثل " اسرع من نكاح خارجة " كان إذا قال لها الرجل خطب قالت نكح. وقد ولدت في نيف وعشرين حيا من أحياء العرب. ومنهم مرقش الذي أعان جثعم على بني عامر. وقال في ذلك الأزرق: اني وما صار بالغريف وما ... قرقر بالجهلتين من سرب قال السرب جمع بقر الوحش وغيره من الطير. ومنهم سفيان بن الأزورن. ومنهم أقصى بن عبد الله. 4 - خثعم فأما خثعم بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث اخو الأزد بن الغوث، فولد خلف بن خثعم عز قيس بن خلف فولد عز قيس أربعة رهط فهم: شهران وياهش وربيعة ولاوي. فولد شهران أربعة رهط وهم وهبة والفرع، ويقال له فرع الليت ومحمية وعمرو بن شهران. فولد وهب بن شهران ثلاثة: يشرف وأحرب وتابة. وولد بشر بن وهب بن شهران، مالك ابن بشر، فولد مالك زيد، فولد زيد معاوية، فولد معاوية عامر، فولد عامر ربيعة، فولد ربيعة حد وعامر وولد قحافة، هم أهل بيت الشرف والسؤدد في خثعم، وفيهم العدد منهم عثعت بن وحش بن نصلة بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب بن شهران بن عز قيس بن خلف بن خثعم بن أنمار وهو الذي يقول له الشاعر حيث هزمت خثعم همدان ومذحجا بمنى وكان رئيسهم يومئذ نفرس: وجرثومة لا يدخل الذل وسطها ... قرينة أنساب كثير عديدها ململمة فيهالا فوارس عثعث ... بنوه وابناء الأقيعر جيدها وولد لاوي بن عز قيس بن خلف بن خثعم: حام، ومعاوية والحبيذ. وكان منهم صليحة وعامر أبناء تميم. ومن هذا البطن أنس بن مدرك بن عمرو ابن سعد بن عوف بن عتيك بن حارثة بن عامر بن تيم الله بن مبشر بن اكلب ابن ربيعة بن عز قيس بن خلف بن خثعم، وهو الذي قتل السليك بن السلكة السعدي؛ وفيه يقول أوس: اني وقتلي سليكا ثم اعقله ... كالثور يضرب لما عافت البقر وعاش مائة وأربعا وخمسين سنة، وأدرك الاسلام وحسن اسلامه، وفي ذلك يقول: إذا المرء قد عاش الهنيهة سالما ... وخمسين عاما بعد ذاك واربعا ونادى به الأدنى فاعجزه الندى ... وصار كمثل الدال احدر اخضعا رهينة قعر البيت ليس يريمه ... لقي ثاويا لا يبرح المهد مضجعا يخبر عمن مات حتى كأنما رآى ... الصعب ذا القرنين أو رأى تبعا ومنهم حمران الذي يقول فيه حين احدقت به بنو عامر وهو الذي يقول: اقسم لا أموت إلا حرا ... وان رأيت الموت شيئا مرا أخاف ان اخدع أو اغرا ومن خثعم، النعمان بن عبد الله بن جابر بن وهب بن اقيعر. ومنهم ابو ليلى بن محمية بن خدرجان بن أقيعر، قتله علي بن أبي طالب يوم الطائف. ومنهم، مالك بن عبد الله بن سنان بن سرح بن وهب بن الأقيعر بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب بن شهران بن عز قيس بن خلف بن خثعم؛ ولي الصوائف يوم معاوية، كسر على كنزه اربعون لواء. ومنهم الحجاج بن حارثة، كان فارسا في الاسلام، ومنه الحجاج بن يوسف. ومنهم كريم بن عفيف بن عبد الله بن كعب بن غزية بن مالك، قتل مع حجر بن عدي بمدح عدوا وقبر فيه. ومنهم ابو رويحة عبد الله بن عبد الله على الولاية وهو الذي اجار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أنساب الأزد

ومنهم نفيل بن حبيب الخثعمي الذي خرج على أبرهة، امير جيش الحبشة، صاحب الفيل، ليقاتله ويصده عن بيت الله الحرام، فكان نفيل لما خرج لقتال أبرهة حين أراد هدم الكعبة كان على قبيلتين من خثعم: شهران وياهش، فلما التقوا قاتلوا قتالا شديدا فهزم أبرهة نفيل بن حبيب الخثعمي اسيرا، فأتى به ابرهة فقال: لا تقتلني بأبي انا دليلك بأرض العرب، فلما وصل أبرهة قرب مكة، واصبح يريد دخولها، وهيأ فيله وكان أبرهة حل نفيلا من وثاقه، فأتى نفيل إلى الفيل فأخذ اذنه، فقال ابرك محمودا وارجع راشدا من حيث جئت؛ فانك في بلاد الله الحرام، ثم ارسل اذنه، ثم خرج نفيل ينشتد حتى صعد في الجبل، واستنهضوا الفيل ليمضي نحو مكة، فلم يمش فضربوا رأسه بالطيرزين، فأبى فردوه راجعا إلى اليمن، فجعل يهرول فوجهوه نحو الشام ففعل ذلك، ووجهوه إلى مكة فلم يمش، وارسل الله عليهم من البحر طيرا امثال الخطاطيف أو اصغر منها مع كل طير منها كلالة أحجار، يحمل حجرا في منقاره، وحجرين في رجليه، في مثل امثال الحمص أو العدس، فكان لا يضرب احدا منهم الا هلك. وقيل كان الطائر إذا القى الحجر على الفارس منهم، وهو لابس مع الفرس ينفذه الحجر إلى أرض اليمن. فقال نفيل لما رأى ما صنع الله بهم أنشد وهو يقول: الا درى جمالك يا درينا ... بعملقكم مع الاصباح عينا فإنك لو رأيت ولن تراه ... لدى جنب المحصب ما رأينا إذا لعذرتني وحمدت امري ... ولم تأس على ما فات مينا حمدت الله إذا بصرت طيرا ... بأحجار نرى تلقى علينا وكل اليوم يسأل عن نفيل ... كأن عليّ للاحبوش دينا ومن خثعم الذي ارجا سليك بن السلكة، وهو مالك بن عبد الله مالك. ومنهم زهير بن جابر، والذي عقد بين عامر وخثعم شهرا. ومنهم اسماء بنت عميش بن معد بن الحارث بن تيم بن ذرب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة، صاحب جباية بشر بالكوفة؛ وهو الذي كتب إلى ابن الخطاب، رضي الله عنه، أنخت بباب القادسية ناقتي، وسعد بن وقاص. ومن شعرائهم خثعم بن الدميثة الخثعمي الشاعر عبد الله بن عبد الله، والدميثة انه نسب اليها، ومن جيد شعره في ابنة عمه: وأنت التي كلفتني دلج السرى ... وجون القطى بالجهلتين حتوم وانت التي قطعت قلبي حرارة ... وقرحت قرح القلب وهو كليم وأنت التي احقطت قومي كلهم ... لعبد الرضى داني الصدور كظيم فردت عليه ابنة عمه: وأنت الذي خلفتني ما وعدتني ... واشمت لي من كان فيك يلوم وابرزتني للناس حتى تركتني ... لهم عرضا أرمى وأنت سليم فلو ان قولا يكلم الجسم قد بدا ... بجسمي من قول الوشاة كلوم " انقضت أنساب بنو عمرو بن الغوث ". أنساب الأزد فضائل الأزد وما جاء فيهم من الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم رواية حدثنا زيد بن الزرقا بإسناد عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم القوم الأزد يحسنون ولا يغلون هم مني وأنا منهم، من لم يكن له أصل في العرب فليلحق بالأزد، فإنهم أصل العرب ". وعن وكيع بن مسعود التميمي قال: حضرت معاوية بن أبي سفيان، فسمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " الأمانة في الأزد وحضرموت ". وعن عبد الله بن ادريس، عن يحيى بن صالح الليثي، قال: قدم على عثمان بن عفان حاف بن عرابة العبسي من مذحج وحديج وهما حيلان باليمن من جماعة قومه، فعرض لهم عثمان العطا وألحقهم بالشام، وقال مرحبا بكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الايمان يمان ألا ورحى الايمان دائرة في قحطان، والجفا والقسوة فيما ولد عدنان ". أهل اليمن دعائم الاسلام وعمود الدين ومادة المسلمين: حمير رأس العرب وبابها؛ وكندة لسانها وسنامها؛ ومذحج هامتها وغلصمتها؛ والأزد جمجمتها وكاهلها؛ وهمدان ذروتها وغاربها. وكان يقال: مازن غسّان أرباب الملوك؛ وحمير أرباب العرب؛ وكندة كندة الملوك؛ ومدحج مدحج الطعان؛ وهمدان أحلاس الخيل؛ واأزد أسد الباس، وتسمّى أيضا أسد الله؛ وتسمى السنية. 2 - الأزد

انتشارهم - أنسابهم - ما جاء فيهم

انتشارهم - أنسابهم - ما جاء فيهم فأما الأزد، ويقال الأسد، واسمه أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. واليه جماع قبائل الأزد كلها، وهو أبوهم، وأصلهم الأزد والأسد واحدة العرب تبدل من الزاي سينا، كما قال، واشتقاق الأسد من قولهم: أسد الرجل يأسد أسدا إذا شبه الأسد. وفي حديث أم زرع ان دخل فهد وان خرج أسد، يشبه بالفهد إذا دخل لتغافله وتناعسه، وبالأسد إذا خرج ليقضته وشدته. حدثنا زيد بن أبي الزرقا، بإسناد عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم القوم الأزد طيبة أفواههم فخرة أبدانهم تقية قلوبهم "، وبإسناد عن أبي قلابة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الأزد لا يخيبون ولا يعلون، هم مني وأنا منهم، من لم يكن له أصل بالعرب فليلحق بالأزد، فإنهم أصل العرب ". وعن وكيع بن مسعود التميمي، قال: حضرت معاوية بن أبي سفغيان فسمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأمانة في الأزد وحضرموت فاستعينوا بهم "، وعن أنس بن مالك، أنه حضره رجال من التغالبة ورجلان من الأزد، فقال التميمي: يا أبا حمزة، من ذانك الرجلان؟ فقال: من الأزد، فقال التميمي: نعم الحي الأزد، إلا أنه لا سابقة لهم، فقال أنس بن مالك: وأي سابقة أفضل من الأنصار منهم. ثم قال لهم: ادفعا عن قومكما، أما والله لو كان هاهنا عبد الحميد بن محمود المعولي، أو عبد الله بن فضايلة الزهري، انى لدفعا عن قومهما. وعن عبد الله بن ادريس، عن يحيى بن صالح اللثي، قال: قدم على عثمان بن عفان، عفاف بن عرابة العبسي من مدحج وصريج، وهما حيلان باليمن من جماعة في قومه، ففرض لهم عثمان بن عفان العطاء، والحقهم بالشام؛ وقال: مرحبا بكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الايمان يمان ألا رحى الايمان دائرة في قحطان، والجفا والقسوة في ولد عدنان ". أهل اليمن دعائم الاسلام وعمود الدين ومادة المسلمين، وحمير رأس العرب، وبابها؛ وكندة لسانها، وسنامها؛ ومدحج هامتها، وغلصمتها؛ والأزد جمجمتها، وكاهلها؛ وهمدان ذروتها وغاربها. وكان يقال: مازن غسان أرباب الملوك، وحمير أرباب العرب، وكندة كندة الملوك، ومدحج مدحج الطعان، وهمدان أحلاس الخيل، والأزد أسد الباس؛ وتسمى أيضا أسد الله، وتسمى السنّية. 3 - اولاد الأزد ولد الأزد بن الغوث سبعة نفر: نصرا، وكان أكبر ولده. ومازن، وهو غسان، واليه جموع غسان؛ وقال الذين يدرونه: ان مازن هو أكبر ولد الأزد. وعمرا. وعبد الله. والهنو. وقلاد، ويقال: قدار. والهبوب. فهؤلاء سبع، ويقال: ولد ثمانية، وأسمر ثامنهم مالك بن الأزد. أولاد عمرو بن الأزد عمرو بن الأزد فولد أحد عشر رجلا: سعد بن عمرو، والضيق بن عمرو؛ ودخلا في عبد القيس. وجابر بن عمرو، ودخل في مدحج. وماويّة بن عمرو. وعزمان بن عمرو، وبطنين بعمان على نسبهم. وحدحمة بن عمرو، وبطنين بالحجاز على نسبهم. ويشكر بن عمرو. ومهاجر بن عمرو، وهما بالشام على نسبهم. وصعة بن عمرو. وامرؤ القيس، دخلا في غسان. فهؤلاء احد عشر رجلا. وعزمان فهو فعلان، وعوهاير في بطن؛ واشتقاق الهنو من قولهم هنأت البعير أهنأه هنأ إذا طليته بالقطران، أو من قولهم موهن في الليل أي ساعة، أو من هنأت الرجل هنأه، إذا أعطيته. ومثل من أمثالهم انما سميت هانيا لتهنا أي تعطى. قال الشاعر: هناناهم حتى أعان عليهم ... سوافي السماك ذي السلاح السواجم وعوها اشتقاقة من التعوية، وهو اشباه الشيء من الشيء إذا أشبهه، ويقال عوّه بالمكان، إذا قام به وترفى تفعل من قولهم رفيت القوم وارفيتهم إذا مسكتهم. وقال الشاعر: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترغ ... فقلت وأنكرت الوجوه هُمُ هُمُ قال الشاعر: نام عن غنم مستوهم هل ... في سواد الليل مكسوم وأرفت السكينة ارفأ وارفيت، ورفأت الثوب، رفاء، إذا لاءمت خروقه مهموزة. وقوله للملك بالرفا والبنين به أي الالتئام والبنين، والأرفا لين الظبا. أولاد الهنو بن الأزد

أولاد عبد الله بن الأزد

وولد الهنو بن الأزد، ستة نفر: الهون بن الهنو. والهان بن الهنو. ويشكر بن الهنو. وحجر بن الهنو. وعقب بن الهنو. وخوالة بن الهنو. ويقال أن شعيباً النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد الهان بن الهنو، فولد الهان بن الهنو الأزد بن الغوث الندب بن الهنو، ونكيل بن الهنو. فجميع ولد نكل بن الهنو بالحجاز، ما خلا الندب، فإنهم بعمان. ويقال: بل بهم بالحجاز؛ وان الندب الذين بعمان، وهو الندب بن شمس، واسمه زياد بن شمس. وبعمان، ومنهم أيضاً قليل وبالسراة منهم كثير. وولد الحجر بن الهنو: ربيعة، وجهينة، ورياله، والديان، وشهر، والأوس بني الحجر. فمن الأوس بن الحجر علقمة بن حياد جد بني محية بن عبد العزيز. أولاد عبد الله بن الأزد وولد عبد الله بن الأزد: قرن بن عبد الله، والاسرار بن عبد الله، وهو أبو عك، وهو عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد قبيلا نسبهم من الأزد وفيه يقول الشاعر: عك بن عدنان الذين تلاعبوا ... بعدنان حتى طرد أكل مطرّد فهؤلاء عك بن عدنان بن النبت بن عبد الله بن نصر بن الأزد؛ ويقال: عك بن الغوث بن بدر بن زيد بن كهلان. واشتقاق عك من أشياء. أما من قولهم عك يومنا إذا اشتد حره، ويوم عك. فولد عك: الشاهد بن عك، فولد الشاهد بن عك عامر بن الشاهد بن مقاتل الغلى، الذي ولي المغرب أيام الرشيد. ومنهم الهيثم بن معاوية. ومنهم ثولان بنو نهيد. ونسب عك إلى نسب الأشعريين، لأنه تزوج بأم عك بعد موت أم عافق إلى الأشعريين، فصارت الدار واحدة. وقد حضر بعضهم حرب الأزارقة مع المهلب، وقال: ألا أبلغ أبا ورقاء إنا ... فلولا اننا كنا غضابا على الشيخ المهلب إذ جفانا ... للاقت خيلكم منا ضرابا الأهيوب بن الأزد وأما الأهيوب بن الأزد، فولد قيس بن الأهيوب، الضحاك بن قيس، وهو ذو الحيتين، ملك الأزد كلها ثلاثمائة، وتزعم الفرس أنه ملك سنة. وله يقول حسان بن ثابت الأنصاري: بلغا عني معدا كلها ... ما خلا أحمد مصباح الظلم اننا في أول الدهر وفي ... آخر الدهر لأصحاب القدم ملك الضحاك منا حقبة ... عرب الناس جميعا والعجم وبنو نصر لهم أملاكهم ... وبنو جفنة أملاك الشأم خير من يعلم في آفاقهم ... حين لا خيرة الا في القدم في قصيدة طويلة يفتخر فيها، ويحتج، ويقال: ان الضحاك بن قيس، هذا هو الذي ذكره الله - تعالى -:) وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا (. مازن بن الأزد وولده ومازن وهو غسان، وهو ابن الأزد، أخو نصر بن الأزد، وأما مازن بن الأزد، فهو غسان أبو الملوك. وهو زاد الركب، واليه جماع غسان كلها، وانما سمي غسانا بماء كان ينزله بجنتي مأرب يقال له غسان. وكان مازن بن الأزد وولده ينزلون ذلك الماء دون بني أبيهم. ويقال: ان ذلك الماء كان شربا لهم بجنتي مأرب. وكان الرجل من الأزد وغيرهم إذا جاءهم بطيهم الأمر، قال: أريد غسانا، فسمي بذلك هو وولده غسانا، واستمرت نسبتهم بذلك. وقال بعضهم: بل غسانا بين قديد والجحفة، وأقاموا به زمانا فسموا بذلك الماء غسانا، وهو بالمسلك قريب من الجحفة، وقال بعضهم: بل هو اسم ماء بالشام وهو أول مكان نزول ولد مازن بالشام، فنسبوا اليه حين نزلوا عنده، وقد ذكرنا اختلافهم، وهو اسم ماء بالجحفة، وفيه يقول حسان بن ثابت الأنصاري: أما سألت فإنا معشر نجب ... والأزد نسبتنا والماء غسانا وقال حسان بن ثابت الأنصاري: وغسان ماء كان في الدهر منزلا ... وحمى لنا من كل بادٍ وحاضر وقال كعب بن مالك الأنصاري: غسان أصلي وهم معقلي ... فنعم الأرومة والمعقل هم يبذلون لأضيافهم ... سديف المخاض إذا محلوا فمن رامهم لم ينل عزمهم ... إذا ذكر الحسب الأطول قال أبو بكر بن دريد إنه سمى ولد جفنة غسان بماء نزله تمامه في البياض، الذي في أنساب مدحج، فولد مازن وهو غسان أبو الملوك زاد الركب بن الأزد بن الغوث بن نبت بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أربعة رهط: ثعلبة بن مازن. وعمرو بن مازن. وعدي بن مازن. عمرو بن مازن

ثعلبة بن مازن بن الأزد

فأما عمرو بن مازن، فمن ولده الخشخاش بن بكر بن عوف بن عمرو بن عدي بن مازن. ومنهم بنو الذيب بن عدي بن حارثة بن عدي بن عمرو بن مازن. كان منهم سطيح الكاهن، واسمه ربيعة بن معاوية بن ذيب بن عدي بن حارثة بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد، وعاش عمرا طويلا حتى سطح في القطن فسمي سطيحا. وولد في سيل العرم، وأدرك أيام كسرى ابرويز سلمه عن خمود، وروى المريدان، وكان عمره ثلاثمائة سنة. وفي نسخة الذي يتكلم به. ومنهم بنو شقران بن عمرو بن صريم بن حارثة بن عمرو بن مازن بن الأزد، ولهم أشراف الشأم. وفي بني عمرو بن مازن، بطون، قل ما تعرف الا ما ينسبون إلى القبيل الأكبر. ثعلبة بن مازن بن الأزد فأما ثعلبة بن مازن بن الأزد، فهو ثعلبة البهلول، وولده أربعة رهط: امرؤ القيس، وعامر وكرز في غسان جميعا. فولد امرؤ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول، فولد حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق ثلاثة رهط وهو: عامر السماء بن حارثة. وعدي بن حارثة. وسمي عامر ماء السماء لأنه عال العرب لما قحطت، وجدبت، سبع سنين، فأقم عليهم ماء السماء وهو الغيث؛ فسمي ماء السماء. فولد عامر ماء السماء رجلان: عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، وعمران الكاهن بن عامر ماء السماء، وعمران لا عقب له. وانما سمي عمرو مزيقيا لأنه كان يؤتى في كل يوم بحلة فيلبسها، فإذا فارقت العشاء نزعها عن نفسه ومزقها كراهة أن يلبسها غيره، لأنه لا يعيد لبس ثوب غير مرة واحدة. 1 - نسب عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء وولده ولد عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن زاد الركب، وهو غسان أبو الملوك. وولد عمرو ثلاثة عشر رجلا، وهم: ثعلبة العنقا بن عمرو، وهو أبو الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقا، وانما سمي العنقا لطول عنقه. وجفنة بن عمرو، واليه جماع الملوك وغسّان. وكعب بن عمرو وقاتل الجوع، من ولده السوءل بن عادية بن ربيعة بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب قاتل الجوع بن عمرو مزيقيا، الذي يضرب به المثل في الوفاء. وكان السموءل يهوديا، وهو صاحب تيما، وهو سمويل فأعربته العرب، وكذلك حيا وعاديا. والسمءل الأرض السهلة، إذا اشتققته من العرب. وهو أول من عذب بالنار فسمي محروقا. وخزاعة، واسمه حارثة بن عمرو. وعمران بن عمرو، وهو الذي قتل عامل ملك الروم. وقال خذ من جدع ما أعطاك، فذهب مثلا. وذهل بن عمرو. ومن ولد أساقفة نجران الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو الحارثة بن عمرو، وجمل بن عمرو، وهم في مراد. ووداعة بن عمرو. ومن ولد عمرو بن عامر، كرد بن عمرو، ونسبهم في اليمن، وقال الشاعر: لعمرك ما كرد من أبناء فارس ... ولكنه كرد بن عمرو بن عامر والكرد، بفتح الكاف الكذب، سوق العدد الجملة، يقول: هم بكرد، ونهم كردا وبزرونهم زرا. والكرد أيضاً لغة في القرد، وهو فحتم الرأس في العنق. 2 - جفنة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء هو اخر خزاعة، وال العنقا، وال المحرق وكعب. واسمه محرق الحارث بن عمرو، وكان ملكا وتوج. وانما سمي محرق لأنه أول من عذب بالنار. قال أبو بكر بن دريد: والجفنة، إما من الجفنة المعروفة، وإما من الجفن وهو الكرم. وجفن السيف، وجفن الانسان، معروفان، ومثلا من أمثالهم: عند جفينة الخبر اليقين، وتقول العامة: جهينة، وهو خطأ، ولهذا حديث. ان جفنة، اسمه حارثة بن غلبة بن عمرو بن عامر ماء السماء. وانما سمي جفنة، لأنه أول من أطعم الطعام في الجفنة، فغلب عليه اسمه، وأكثر القول انه هو جفنة بن عمرو بن عامر. وآل جفنة هم ملوك غسان، وأرباب الشام وملوكها، قد فرقهم سيل العرم، الذي ذكره الله - تعالى - في كتابه؛ وخرجوا من جنتي مأرب يسيرون في الأرض، وكافة قوم من الأزد. وكان كل فرقة منهم دخلت أرضا وبلادا ملكها أولاد جفنة ملوك الشام، وهم رهط الملوك، وآل العنقا وآل محرق. وفيهم يقول حسان بن ثابت الأنصاري: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما تسود ذرى المال القليل إذا بدت ... مروءة من فينا وان كان معدما

وإنا لنقري الضيف إذا جاءنا طارقا ... من المال ما أمسى صحيحا مسلما ولدنا بني العنقاء وابني محرق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا برما فولد جفنة بن عمرو مزّيقيا ثلاثة رهط: عمرو بن جفنة، ومن ولده كانت ملوك غسان، هكذا عن شرقي بن القطامي الكلبي. وقال محمد بن سائب الكلبي: سمي مزيقيا، حين مزقهم الله - عز وجل -، وهو قوله - تعالى -:) ومزقناهم كل ممزق (. والحارث بن جفنة وثعلبة بن جفنة، وهم بنو رايح، وهم في الأنصار. فولد عمرو بن جفنة، وثعلبة بن عمرو. فولد ثعلبة بن عمرو بن جفنة رجلان: الحارث الأكبر، والأرقم، ابني ثعلبة. فولد الأرقم بن ثعلبة: مارية ذات القرطين بنت الأرقم بن ثعلبة. فولد الحارث الأكبر بن ثعلبة: يزيد، وجبلة، ابني الحارث الأكبر. فتزوج جبلة بن الحارث الأكبر بن ثعلبة، مارية بنت الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة. وبني قصم معان، ومن ولده جميع ملوك بني جفنة بعده. وولد الحارث الأعرج، وهو ابن مارية، الذي ذكر حسان بن ثابت في شعره: أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول فملك الحارث الأعرج بن جبلة بن الحارث الأكبر، ست سنين، وولد له ستة كلهم ملوك، وهم: المنذر وجبله والأيهم وعمرو والمنذر وأبو شمّر، وهو النعمان والحارث الأعرج، وهو الذي قتل المنذر ماء السماء اللخمي، بعد ما قتل المنذر ابنين له غدرا. ثم ملك بعده ابنه المنذر بن الحارث لستّ سنين. وولد له النعمان بن المنذر بن مالك بعده أخوه جبلة بن الحارث الأعرج. وكان منزله الجابية. وولد له الأيهم والحارث والمنذر وشراحيل وعمرو بن جبلة وحيلة. ثم ملك بعده ابنه الأيهم بن جبلة، ثم ابن الحارث الأعرج ثلاث سنين. ثم ملك عمرو بن عمرو. ثم ملك المنذر بن الحارث ست سنين، ولم تبين شيئا. وولد النعمان الأصغر وعمرو والحارث وحجر ثم ملك أبو شمر النعمان بن الحارث الأعرج. واشتد ملكه، وولد له حيلة والمنذر وعمرو وحجر والنعمان بن النعمان. ثم ملك النعمان بن المنذر بن الحارث الأعرج سنين. ثم ملك ابنه جفنة بن النعمان بن المنذر. ثم ملك النعمان الأصغر بن المنذر بن الحارث الأعرج سنة. ثم لم يملك من ولد المنذر بن الحارث الأعرج غير النعمان. ثم ملك عمرو بن المنذر هذا يقول: علي لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب ومنهم حجر بن المنذر، لم يملك، ثم ملك النعمان بن عمرو بن الحارث الأعرج، وتوج وبنى قصرا، وهو حارث، وبها قبره. وهو الذي ذكره: لئن كان للقبرين قبر بجلق ... وقبر بصيدا التي عند حارث والقبر الذي بجلق، قبر ابن أبي شمر. والقبر الذي بحارث قبرالنعمان. هذا، ومنهم الحارث بن أبي شمر الغساني، ملك واشتد ملكه. وابنه المنذر بن الحارث بن أبي شمر، ملك وعظم ملكه. وهو الذي كان في الشام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المنذر بن الحارث بن أبي شمر بن النعمان بن الحارث الأعرج بن جبلة بن الحارث الأكبر بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة. والحارث بن أبي شمر الغساني يقول: والحارث الجفني سيد قومه ... ليلتمسن بالجمع أرض المحارب لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم ... من الناس والأحلام غير عوازب مخافتهم ذات الاله ودينهم ... مقيم فما يرجون غير العواقب وثقت لهم بالنصر إذا قيل قد غزوا ... بغسان غسان الملوك الاشايب بني عمه دينا وعمرو بن عامر ... أولئك قوم بأسهم غير كاذب إذا ما غزا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب قوم تهتدي بعصائب على عارفات للطعان عوابس ... بهن كلوم بين دوام وحالب إذا استنزلوا عنهن للطعن ارقلوا ... إلى الحرب ارقال الجمال المصاعب ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب يخبرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب

3 - جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث الأعرج

يقد السلوقي المضاعف نسجه ... ويوقدن بالصفاح نار الحباحب بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كايراع المخاض الصوارب في شعر طويل اختصرنا منه هذه الأبيات. دلالة على ملكهم وكثرة مناقبهم. ولم يزل أولاد جفنة، وهم ملوك غسان أرباب الشام، وأملاكها، مذ فرقهم سيل العرم، الذي قص الله قصته في كتابه، وأبانها في خطابه، إلى أن أتى الله - عز وجل - بالاسلام. 3 - جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث الأعرج وكان آخر من ملك، جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث الأعرج بن جبلة بن الحارث الأكبر بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء. وهو الذي أسلم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ثم ارتد في أيام عمر - رحمه الله -. وكان من قصته أنه لما أسلم، أيام عمر بن الخطاب - رحمه الله -، كتب إلى عمر من الشأم يستأذنهه في القدوم عليه، فأذن له عمر. فتحمل جبلة من الشام في خمسمائة فارس من آل جفنة وأشراف قبائل غسان، حتى كان بذي خشب، نزل فلبس أصحابه أقبية الديباج، وجعل على رؤوسهم الأكاليل، وتقلدوا السيوف المحلاة، وحملهم على أعناق الخيل وقد قلدوها قلائد الذهب، وقد لبس جبلة تاج الملك وقد كلل باللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وفي مفرق منكبه قرط ماربة بنت الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة. فتلقت الأنصار جبلة بذي خشب بالنزول والطرايف، وأقبلوا يحفونه حتى دخل المدينة؛ وأهل الحجاز لم يروا مثله قط، فلم يبق امرأة، فضلا عن الرجال، الا خرجت تنظر اليه، والى موكبه ويفتخرون به على قريش والعرب كلها من معد بن عدنان. فدخل على عمر بن الخطاب، فسرّ بقدومه وأمر الأنصار بإنزاله وإكرامه، ثم حضر الحج، فحج عمر، وحج معه جبلة، وقدم جبلة مكة في الزي الذي أتى به وهيئة المملكة، وعظم السلطان، فلم يكن لأهل الموسم حديثا غيره. واستعظمت ذلك العرب، وأتت وجوه قريش اجلالا له واعظاما وفخرا به. فبينما جبلة يطوف بالكعبة، إذ وطىء رجل من فزارة على إحرام جبلة، فانحنى حتى بان جسده، فرفع جبلة يده فلطم أنف الفزاري، فجعلت الدماء تسيل على صدره، فأتى عمر مستعديا على جبلة؛ فلما رأى عمر ما بالفزاري أشاطه غيظا على جبلة، فبعث اليه فأتى به. فقال: ما حملك أن صنعت بهذا ما أرى؟ فقال: يا أمير المؤمنين، تعمد حل إزاري تالله، ولولا حرمة البيت ودين الاسلام، ما ضربته الا بالسيف. فقال عمر: أنت وهو في الاسلام سوي، فأرضه والا أنصفه من نفسك. قال جبلة: فإن لم أفعل فماذا؟ قال: آمره ان يهشم أنفك كما فعلت. قال: يا أمير المؤمنين لقد ظننت أن أكون في الاسلام أعز مني في الجاهلية. قال: هوذا. فلما رأى جبلة العزيمة من عمر، أيقن أنه فاعل به ما فعل به. ما قال، فقال له: نعم انظرني في ليلتي هذه إلى الغد، ثم أنصفه، فبذل للفزاري عشرة الآف درهم، فأبى الا أن يهشم أنفه، فاستعظم من حضر الموسم من قبائل اليمن كلها وتداعت قبائلهم، حتى طاف أهل الموسم الفتنة؛ ثم حجز بينهم الليل. فلما رأى جبلة ذلك تحمل في ليلته تلك، فجمع جبلة رواحله، من غير علم عمر بشيء من ذلك؛ فسار إلى الشام، ثم تحمل من دمشق في مائة ألف بيت من آل جفنة وأشراف قبائل غسان، فاقتحم بهم أرض الروم، ووصل بهم القسطنطينية متنصراً، فسر ذلك هرقل ملك الروم، لما كان من قدوم جبلة، ودخوله في دينه والتجائه اليه، ورأى ذلك فتحا عظيما وأمر بطارقة الرزم بإنزاله واكرامه، وأقطعه وأصحابه حيث أحبوا من أرض الروم. وفي ذلك يقول بعض شعراء هذا العصر: تنصرت بعد الحق من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكلفت فيها لجاجا ونخوة ... وبعت لها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قاله عمر وياليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر وياليت لي الشام أدنى معيشة ... مجاور قومي ذا السمع والبصر أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يصبر العود الكبير على الدير فلم يزل جبلة على ذلك ببلاد الروم إلى أن مات. عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة

القطبون الملك " عامر بن عامر بن ثعلبة "

ومن علماء غسان وشعرائهم وملوكهم ومعمراتهم عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة. وانما لقب بابن بقيلة، لأنه كان يمشي بين ثوبين أخضرين، فشبهت ثيابه بخضرة البقل، فسمي بذلك. وهو ابن أخت سطيح. وكان قد أرسله كسرى ابرويز إلى سطيح يسأله عن خمود النيران، ورؤيا المويدان. وأدرك الاسلام فلم يسلم. وكان ينزل الحيرة. وهو باني قصرها، وعاش ثلاثمائة وخمسين سنة. فلما دخل الحيرة، خالد بن الوليد، قال لأهلها: أخرجوا الي رجلا من عقلائكم. فأخرجوا له عبد المسيح. فقال له خالد: من أين أقبلت؟ قال: من ورائي. قال: وأين تريد؟ أمامي. قال: فمن أين أقصى أثرك؟ قال: من صلب أبي. قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي. قال: فعلى ما أنت. قال: على الأرض. قال: وفيم أنت؟ قال: في ثيابي. قال: أتعقل إذا عقلت؟ قال: والله اني أقيد. قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل وامرأة. قال: ما سنك؟ قال: عظم. قال: ما تزدني في مسألتك الا عمى. قال: ما أجبتك الا عن مسألتك. قال: أعرب أنت، أو نبط؟ قال: عرب استنبطنا ونبط استعربنا. قال: حرب أم سلم؟ قال: بل سلم. قال: فما بال هذه الحصون؟ قال: بنيناها للسفيه حتى يحيا الحليم فيها. قال: كم سنة أتت عليها؟ قال: ثلاثمائة وستون سنة. قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر تجري الينا في هذه الخرق، ورأيت المرأة من أهل الجزيرة تأخذ مكتلها على رأسها فلا تزود الا رغيفا واحدا، فلا تزال في قرى مخصبة متواترة ثم ترد الشام، ثم قد أصبحت خرابا يبابا. وذلك حكم الله في العباد والبلاد. قال: فأخبرني بأفضل المال. قال: أرض حوارة في عين خرارة. قال: ثم ماذا؟ قال: فرس في بطنها فرس يتبعها فرس. قال: فأين أنت من الابل؟ قال: تلك حمالة الأثقال، قال: فأين أنت من الغنم؟ قال: ليس ذلك شيئاً، انما ذلك طعام. قال: فأين أنت من الذهب، والفضة؟ قال: هما الحجران ان تركتهما عندك لم يزيدا، وان أقبلت عليهما بإنفاق لم تدر ما بقاؤهما عندك. قال له: أنشدني من قولك. قال: ولقد بنيت للحدثان بيتا ... لو أن المرء تنفعه الحصون رفيع الرأس أحوى مشمخرا ... بأنواع الرياح له حنين قال: فأنشدني بعض ما قلت في قومك. قال: أبعد المنذرين أرى سواما ... تروح بالخورنق والسدير تحاماهم فوارس كل حي ... مخافة أعصف عالي الزبير وبعد فوارس النعمان أرعى ... رياضا بين مروة والحفير وصرنا بعد ملك أبي قبيس ... رعايا الشاء في يوم مطير تقسمنا القبائل من معد ... علانية كاسار الجزور وكنا لا يرام لنا حريم ... فنحن كصرة الضرع الفجور نؤدي الخرج بعض فرح بصرى ... وخرج بني قريضة والنظير كذاك الدهر دولته سجال ... فيوم من مساءة أو سرور القطبون الملك " عامر بن عامر بن ثعلبة " ومنهم القطبون الملك. وكان يهوديا، واسمه عامر بن عامر بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن محرق بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء. والقطبون، اسم عبراني أيضا. وكان القطبون ملك يثرب، فأكثر البغي، فقتله مالك بن العجلان الخزرجي، وكان في الجاهلية الأولى، وله حديث. وقد شهد البعض أن القطبون قد استشهد يوم بدر، وبعضهم قال يوم اليمامة. ومن ولد القطبون: أبو المقسعر، واسمه أسيد بن عبد الله كان رجالهم. 4 - ثعلبة بن عمرو مزيقيا ولد ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، رجلا فسماه حارثة بن ثعلبة. فولد حارثة بن ثعلبة رجلين: الأوس والخزرج، وهما همدان الحيان، اللذان يعرفان بالأنصار. وعنهما تفرقت بطون الانصار.

في الأوس والخزرج وانسابهم

أمهما قبلة بنت الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، وعن ابن السكيت في روايته: انها قبلة بنت الارقم بن سلمة بن عمرو بن جفنة بن عوف بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، وأختها ماربة، ذات القرطين، وقال بعضهم: ان ماربة هي أخت ظالم بن هوب بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر بن معاوية الاكرمين بن كندة، وأختها هند الهنود، امرأة حجر آكل المرار، ملك كندة، وقال بعضهم من أهل النسب: ان أم الأوس والخزرج هي قبلة بنت كاهل بن عمرو بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير. في الأوس والخزرج وانسابهم الاوس والخزرج، اسما طائرين من سباع الطير، شبها بهما لبأسهما ونجدتهما. والأوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن زاد الركب، وهو غسان أبو الملوك بن الأزد، وعنهما تفرقت بطون الأنصار والخزرج وبطون الأوس ورجالها. الأوس ولد الأوس بن حارثة رجلا، وهو مالك بن الأوس، وولد مالك خمسة رهط: عمرو بن مالك، وهو النبيت، فمن النبيت بنو عبد الاشهل، وبنو حارثة، وبنو ظفر، واسمه ظفر كعب، فهذه النبيت. وهم سكان قباء. ومن بني مالك بن الأوس، عوف بن مالك وولده. يعرفون ببني عوف. وهم أهل قباء أيضاً مع النبيت. ومنهم مرة بن مالك، وهم يعرفون بالجعاورة، وانما سموا بذلك لأنهم كانوا يقولون للرجل إذا اتاهم: ورا كجعد شيت، فأنت آمن، أي اذهب حيث شئت. وسالم بن مالك، وهو واقف. وامرؤ القيس بن مالك بن الأوس، وهم رهط سعد بن جثيمة بن الحارث بن مالك، احدى بني المسلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس. وجثم بن مالك. فهؤلاء ستة رهط بنو مالك بن الأوس. فولد عمرو، وهو النبيت بن مالك، رجلا الخزرج بن عمرو، فولد الخزرج رجلين: الحارث وكعبا وهو ظفر. فولد ظفر هيثم، فولد هيثم سوادا. ومنه تفرقت أولاد ظفر. فمن ولد الحارث بن الخزرج: عبد الله بن يزيد الانصاري، الذي رأى الأذان. ومن ولد ظفر، وهو كعب بن الخزرج قتادة بن النعمان، الذي أصيبت عينه يوم أحد، فأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي في يده، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعها في موضعها، فكانت احسنهما نظراً، وكانت الأخرى ربما رمدت وهي لا ترمد، ولم تؤلمه حتى مات - رحمه الله - ولما دخل زيد الحجاز على عمر بن عبد العزيز، وفيهم رجل من ولده، فقال عمر: ممن الرجل؟ فأنشأ يقول: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بفضل المصطفى أحسن الرد فعادت كما كانت لاول عهدها ... فيا احسن ما عين ويا حسن ما يد فقال له: بخ بخ، ثم انشد عمر متمثلاً بقول امية: تلك المكارم لا قيعان من لبن ... شيئاً بماء فعاد أبعد أبوالا ومن ولده عاصم بن عمرو بن قتادة يحدث عنه. ومنهم عبيد بن اوس، كان يدعى مقرنا، وكان انه قرن الأسارى يوم بدر. ومنهم خالد ثابت، قبل يوم مؤتة. ومنهم بشر بن أبيرق الشاعر، وأبيرق تصغير أبرق، وكل جيل اجتمع فيه لونان فهو أبرق، والبرق يقال: برق الرجل يبرق برقا، ومنه اشتقاق البرق إذا تلألأ. وبارق قبيلة من العرب. وبارق موضع. والبرق فارسي معرب، وهو جمل، وقد سموا برقان، وهو جمع أبرق، كما سموا دهمان، وحمران. والبريق، اسم وهو تصغير أبرق، وتصغير برق، ويجمع أبرق على براق وأبارق. والابريق معرب. وأما قولهم سيف بريق، هو فعيل من البرق، وهو عربي صحيح، والتبريق تهدد الانسان، ولا شيء عنده، ويقال برّق لي ورعد إذا تهدد، وأجاز البغداديون أبرق وأرعد في هذا المعنى، ورفعه الأصمعي. قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: أتقول انك لتبرق وترعد؟ قال: لا. قلت: فميف تقول؟ قال: أقول: انك لتبرق وترعد، ثم أنشدني: إذا جاوزت من ذات عرق ثنية ... فقل لأبي وأبويه ما شئت فارعد ثم قال: هذا كلام العرب، فقلت: قد قال الكميت: أبرق وأرعد يا زيد ... فما وعيدك لي بصائر وارعدنا إذا رأينا البرق، والبارقة السيوف. ويقال كثرت البارقة في هذا الجيش.

قيس بن الحطيم

ومنهم مغيث بن عتبة، ومنهم غشمير بن حرشة القارئ، قاتل عكيما بنت مروان اليهودية، التي كانت تهجو النبي صلى الله عليه وسلم. وغشمير فعليل من الغشمرة، وهو أخذك الشيء بالغلبة، وفلان يتغشمر على بني فلان، أي يأخذهم بالغلبة. ومنهم خزيمة بن ثابت، ذو الشهادتين، اجتزت شهادته شهادة رجلين وله حديث. ومنهم حبيب بن حاشة، صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما دفن. ومنهم يزيد بن طعيم الشاعر بن الطفيل. قيس بن الحطيم ومن شعراء بني ظفر قيس بن الحطيم بن عدي بن عمرو بن سواد من ظفر، وهو كعب بن الخزرج بن عمر، وهو النبيت بن مالك بن الأوس. وكانت بنو حارثة بن الحارث بن الخزرج بن النبيت قتلت الحطيم بن عدي أبا قيس بن الحطيم، وكانت عبد قيس قتلت جده عدي بن عمرو. وكان قيس صغيرا، فلما شاب وبلغ عيّر بذلك، فلم يزل يلتمسه في المواسم حتى وافقه بذي المجاز، فوجده في جمع عظيم من قومه، وليس مع القيس الا نفر قليل من الأوس. فخرج حتى أتى حذيفة بن بدر الفزاري فاستنجده فنهض ينجده، فأتى حداش بن دهير العامري، وكان صديقا فاستنجده فنهض معه بنو عامر حتى أتوا قاتل عدي، فإذا هو واقف على راحلته بالسوق فطعنه قيس بحربته حتى أنفذ خصييه فأرداه. ثم استمر على قتله فأرداه رهط الرجل من بني عبد القيس فحالت دونه بنو عامر حتى نجا، فذلك قول قيس: تذكرت ليلى حسنها وبهاءها ... وبانت فأمست لا ينال لقاها ومثلك قد أصبت ليست بكية ... ولا جارة أفضت إلى خباها إذا ما اصطحبت أربعا ... فاتبعت دلوي في السماح رشاها ثارات عديّا والحطيم فلم أضع ... وصية أشياخ جعلت أراها طعنت ابن عبد الله طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاها ملكت بها كفي فانهزت فتقها ... يرى قايم من دونها ما وراها يهون علي أن يروع جراحها ... عيون الأواسي إذا حمدت بلاها وكنت أمأً لا أسمع الدهر سبة ... أسب بها الا كشفت غطاها لأني في الحرب الهوان موكل ... بتقديم نفسي لا أريد بقاها إذا سفهت نفسي إلى ذي عداوة ... فإني بصدر السيف باع دواها متى يأتي هذا الموت لا تلف حاجة ... لنفسي الا قد قضيت قضاها وقد جربت مني لدى ماقط ... رحى إذا ما الحرب ألقت رداها ويلحقها مسورة صررّية ... بأسيافها حتى يذل أباها ونحن منعنا من بغاةٍ نساءنا ... ومن منعت من مخزيات نساها في شعر طويل. وهو القائل: أتعرف رسما كالطراد المذاهب ... لعمرة قفرا غير موقف راهب ديار التي كانت ونحن على منى ... تحل بنا لولا نجا الركائب تبدت لنا كالشمس تحت غمامة ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب ولم أرها الا ثلاثا على منى ... وعندي بها صقرا ذات ذوائب ومثلك قد أظنيت ليست بكية ... ولا جارة الا حليلة صاحب دعوت بني عوف لحقن دمائهم ... فلما أبوا سافحت في حرب حاطب وكنت امرأً لا أبعث الحرب ظالما ... فلما أبوا أشعلتها كل جانب أرأيت بدفع الحرب حتى رأيتها ... على الدفع لا تزداد غير تقارب فإن لم يكن عن غاية الحرب مدافع ... فأهلا بها إذا لم تزد في المراحب ولما رأيت الحرب حربا تحطمت ... لبست مع البردين ثوب المحارب مضاعفة تغشى الأنامل ربعها ... كأن قتيريها عيون الجنادب وسامحني منذ الكاهنين ومالك ... وثعلبة الأثرين رهط ابن غالب رجال متى يدعون إلى الموت أرقلوا ... إلى الموت ارقال الجمال المصاعب لقيتهم يوم الحديقة معلما ... كان يرى بالسيف محزاق لاعب صبحناهم شهبا تبرق بيضها ... برّن خلاخيل النساء الهوارب

الحارث بن الخزرج

ترى قصد المران فينا كأنه ... تدرع خرصان بأيدي السواطب إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا بالقواضب ونروي إلى أعدائنا فبضارب ... ونروي إلى القوم الذين نضارب وهذا البيت أشجع ما وصف من السيف. وعليه عمل كعب بن مالك حيث يقول: نصل السيوف إذا قصرت بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق ويوم بعاث أسلمتنا سيوفنا ... إلى خشب في خذم ثاقب يجرون بيضا حين نلقى عدونا ... ونغمدن جمرا بارقات المضارب إذا ما فررنا كان أسوى فرارنا ... صدود خدود وازورار المناكب شعر جميل، وانما كتبنا منه المعاني الجياد التي قلّما يوجد مثلها في الشعر. وقد مر في قصيدته الهائية الممدودة في صفة الطعنة شيء أحسن ما وصفت به الطعنة. وقيس الذي يقول: تروح من الحسنا أم أنت مغتد ... وكيف انطلاق عاشق لم يزود ترأت لنا يوم الرحيل بمقلتي ... قدير بملتف من السدر مفرد وجيد كجيد الريم خال يزينه ... على النحر ياقوت وفضل زبرجد كأن الثريا فوق ثغرة نحرها ... توقد في الظلماء أي التوقد الا ان بين السر عبي ورايح ... صرنا لتخديم السبال المعضد لنا حائطات الموت أسفل منهما ... وجمع متى يصرح بيثرب يصعد تر الحرة السوداء يحمر لونها ... ويسهل منها كل ربع وفدفد وما الذي خالفت ذبيان كلها ... وعلسا على ما في الأديم المفرد تحملت ما كانت مزينة تشتكي ... من الظلم في الأخلاق حمل التعّمد وأقبلت من نحو الحجاز بنفرة ... تعم الفضاء كالقطأ المبدد أرى أكثر المعروف يهلك أهله ... وسّود عصر السوء من لم يسوّد إذا المرء لم يطعن ولم يلق نجدة ... مع القوم فليقعد بصفر ويبعد واني لأعني الناس من كل مبرع ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتد تراه كثيراً لمن لا صبر عنده ... إذا جاع يوما يشتكيه ضحى الغد وذي شيمة عرايكه شيمتي ... أقول له دعني ونفسك أرشد فما المال والأخلاق الا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد متى أتيت الأمر من غير بابه ... ضللت وان تعمد إلى الباب تهتدي في شعر طويل. الحارث بن الخزرج فولد الحارث بن الخزرج بن عمرو، وهو النبيت بن مالك بن الأوس، ثلاثة: جشم. وحارثة، والربيع؛ تشرف في الجاهلية في بني مقاعش من بني تميم، ثم من بني سعد. فولد حارثة بن الحارث بن الخزرج رجلين: مجدعة بن حارثة، رهط محمد بن مسلمة، فشهد بدرا وولاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صدقات جهينة. وأخوه محمود، قتل يوم خيبر، رمي من الحصن بحجر، فندرت عينه؛ والذي رماه مرحب اليهودي. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " غدا يقتل قاتل أخيك " فقتل محمد بن سلمة، مرحب اليهودي. وله حديث. ومنهم، عرابة بن أوس بن قبطي، الذي مدحه الشماخ. ومنهم: أبو الهيثم، مالك بن التيهان، شهد العقبة وبدرا، وكان بقيبا، والتيهان فعلان من التيه، من قولهم: تاه يتيه تيها، وتيهانا إذا أتاه على وجهه، فأما من التيه تاه يتيه تيها. وأخوه عتيك بن التيهان، شهد بدرا وقتل يوم أحد. ومنهم، عباد بن بشير، كان فيمن قتل كعب بن الأشرف اليهودي. ومنهم، سلمة بن ثابت، قتل يوم أحد، وهو الذي دخل الجنة ولم يُصل قط. ومنهم علية بن زيد، أحد البكائين، الذين كانوا لا يجدون ما ينفقون، ومرارة بن ربعي، ومحمد بن سلمة، وجشم بن حارثة، رهط أبي عيسى بن جبر، واسمه عبد الرحمن بن الخزرج؛ وكان ممن يكتب قبل الاسلام بالعربية، وولد جشم بن الحارث بن الخزرج، ثلاثة: عبد الاشهل، وعمرا، وزعورا؛ وأمهم صخرة بنت كعب، فلذلك يدعون بني صخرة.

كعب بن الأشهل

فمن بني عمرو رافع بن حديج بن رافع بن عدي بن يزيد بن عمرو بن جشم بن يزيد بن عمرو بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس. وأما عبد الأشهل ولد عمران والاشهل صنم؛ والشهلة في العين دون الزرقة، ورجل أشهل وامرأة شهلاء، ويقال امرأة شهلة كاملة ابتدع، والشهلة الحاجة. قال الراجز: لم أفض حتى ارتحلت شهلا ... من العروب الكاعب الغيداء والعروب الجارية تحب زوجها. واما زعورا بن جشم، فهو فهم أهل رابح، وهو أطم، واشتقاق زعورا، أما من زعارة الخلق، واما من الزعر وهو قلة الشعر. وبنو عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج: زيد، وزعورا، وكعب، وجريش بن عبد الأشهل، وهم رهط سعد بن معاذ، واسد بن حصين الكندي. وسعد بن معاذ، من بني زيد بن عبد الأشهل، وهو سعد ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو، وهو النبيت الذي حكم بحكم الله في بني قريظة، حين قال النبي صلى الله عله وسلم: " انزلوا على حكمي " فقالوا: لا ننزل الا بحكم سعد بن معاذ. وكان سعد بن معاذ، قبل ذلك أصابه منهم سهم في أكحله يوم الخندق. وهو يوم الاحزاب، وكانت قريش اجتمعت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم مع اسد وسليم وغطفان، ونقضت بنو قريظة العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خاف سعد الموت قال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من بني قريظة فرقا دمه فلما حكمه بنو قريظة في نفسها، بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ باذن يأتيه فركب سعد أتانا له، ثم أقبل حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده المهاجرون والأنصار: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قوموا إلى سيدكم فانزلوه " فوثبوا اليه فأنزلوه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا سعد ان قريظة قد حكمتك في أنفسها وأموالها، وانت حكم فاحكم "، فقال سعد: يا معشر المسلمين. ارضيتم بحكمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " كأنك تريدني يا سعد ". قال: نعم يا رسول الله. قال: فاحكم. قال: يارسول الله اني قد حكمت فيهم بقتل المقاتلة وسبي الذرية وإباحة الأموال ونظائرها فيئا للمهاجرين والأنصار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق، لقد وافق حكمك حكم الله. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بانفاذ حكم سعد بن معاذ الأوسي في بني قريظة فانفجر اكحله، فمات رحمه الله، فجاء جبرائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، عليه السلام فقال له: اهتز العرش لموت رجل من أصحابك، وما أهتز لموت أحد من قبله، فقام النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا فاذا سعد، قد قضى نحبه، والأنصار حوله، فلما خرجوا من البيت، ولم يبق فيه الا سعد وحده، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتخلل في مشيته في البيت، يذهب مرة يمينا، ومرة شمالا، حتى جلس إلى جنب سعد، وحزن عليه حزنا شديدا، حتى رأى ذلك في وجهه، وامر بجهازه فجهز، ثم خرج معه لحمله، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبر سبعا، ثم وقف على قبره طويلا، فسأل على مشيته متخللا في بيت سعد، والبيت خال. فقال: ما وجدت اليه مخلصا من الملائكة حتى قبض منهم ملك جناحه. وهذا جبرائي يخبرني ان العرش اهتز لموت سعد بن معاذ. قال ابن المنذر هشام بن محمد: حدثنا عبد الحميد بن أبي عيسى الانصاري، بينما قريش في المسجد الحرام، إذ سمعت في الليل قائلا يقول على أبي قبيس؛ ان يسلم السعدان، يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف مخالف؛ فلما اجتمعت قريش قال بعضهم لبعض: من السعود. قالوا: سعد بكر سعد هذيل، فلما كان القابلة، سمعوا ذلك الصوت في ذلك المكان يقول: فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصري ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف اتينا إلى واعي الهدى وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف فقال بعضهم: هذان والله سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة. كعب بن الأشهل وولد كعب بن عبد الأشهل؛ سعدا وزيدا؛ وهؤلاء كلهم يقال لهم النبيت. وهم بنو زعورا وسلكان بن سلامة بن وقش؛ وهو ابو نائلة، وسلمة بن سلامة بن وقش، والوقش: الحركة في البطن. يقال احد وقش في بطني.

عوف بن مالك بن الأوس

وبنو وقيش بطن من العرب، وهو تصغير وقش، والزغبة واحد من الريش، وغيره، وزغب تزغيبا، إذ بدا الريش الضعيف على جسمه كالشعر. وسلكان: جمع سلك، والسلك طائر. والأمر سلكه، وسليك تصغير سلك وسلكان. منهم: عمرو بن معاذ، شهد بدرا يوم أحد. عوف بن مالك بن الأوس فأما عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، فولد رجلا عمرو بن عوف. فولد عمرو بن عوف، اربعة: عوفا وثعلبة والوزان بن حبيب بن عمرو بن عوف. فولد ثعلبة بن عمرو، رهط عبد الله بن جبير، امير الرماة يوم أحد، وخوات بن جبير، صاحب ذات النجبين في الجاهلية، وسليم وسالم بن جبير احد البكائين. وخوات فعال من قولهم: خات العقاب، تخوت خوتا، إذا سمعت حصف جناحها في انقضائها. وختت تختى ختتا. والوذان بن عمرو، رهط نبيل بن الحارث؛ وآل وائل، وآل حارثة بن عامر. وولد حبيب بن عمرو، وسويد بن الصامت، وولد عوف بن عمرو بن عوف كلفة، ومالك بن عوف. فولد كلفة جحجيا بن كلفة، رهط احيحة ابن الحلاج بن الحرس بن جحجيا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. ومن بني جشم بن عوف شهدوا عثمان، شهد بدرا، وكان عثمان بن حبيب. ولي لعلي بن أبي طالب البصرة. وولد الوذان، وكان احيحة بن الحلاج من سادات يثرب في زمانه، وهو احد المتقدمين في الشعر من شعراء الأوس. ومن قوله الابيات التي يتمثل بها الناس: استغن أو مت ولا يغررك ذو نسب ... من ابن عم ولا عم ولا خال إني اكب على الزورا أعمرها ... ان الحبيب إلى الاخوان ذو مال كل النداء إذا ناديت يخلفني ... الا ندائي إذا ناديت يا مالي وهو القائل لمالك بن عجلان: يا مالِ لا تنعين ظلامتنا ... يا مالِ انا معشر انف ان يجيرا مولى لاخوتكم ... الحق يوفى به ويعترف قد سلكوا في سبيله وضح ... القصد وفيكم عن قصده حتف لاتطلب الدخل بالتهدد ... والايعاد ان الوعيد ما ضلف في شعر طويل. وفي ذلك يقول: والبيض قد أرهقت مضاربها ... بها نفوس الكماة تختطف كأنها في الأكف إذا لمعت ... وميض برق يبدو أو ينكشف ثم وصف قومه فقال: يمشون مشي الأسد في وهج ... الموت اليه وكلهم لهف واشعار احيحة كثيرة مشهورة. ومن ولد أحيحة، محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واسم أبي ليلى يسار وقد ولي القضاء لبني امية ووليه لبني العباس. وولد مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، زيدا ومعاوية وعزيرا بني مالك، فأما عزير درج ولم يكن له بقية. واما معاوية بن مالك بن عوف، فمن ولده: ابو جبر بن عتيك، وسعد بن أكال، جد أيوب بن بشير، وانغم صباحا أيها الجبر والعتيك. وهيشة من قولهم هاشه بهيشه هيشا، وهو من ترك الشيء أو خلطك اياه، وتهايش القوم إذا اختلط بعضهم ببعض، وكذلك تهاوشوا. ومنهم حاطب بن قيس بن هيشة، فيه كانت الحرب التي يقال لها حل طب مالك. واما زيد بن مالك بن عوف، فولد ضبيعة، وامية ابني زيد بن مالك. واما ضبيعة فمن ولده حنظلة بن أبي عامر، غسيل الملائكة، يوم احد، وعاصم بن ثابت بن أبي الاقلح، وهو قيس بن عاصم بن النعمان بن امية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. وعاصم هو الذي حمت لحمه الزبر والزبر: هو النحل، وله حديث. والاقلح هو مشتق من القلح، وهي صفرة في الاسنان كدرة. ومن ولد الاحوص الشاعر، واسمه محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والاحوص هو القائل يذكر جده ويفخر به: فخرت فانتمت فقد ذريني ... ليس جهلا أتيته ببديع أنا ابن الذي حمت الزبر ... من ابن الهذيل يوم الرجيع غسلت جدي الملائكة الأبرار ... ميتا أكرم به من صريع ومنه مليل بن الازعر بن يزيد بن العطاف، شهد بدرا. ومليل اشتقاق من الملل، وهي الملة من الحمر والرماد. والازعر من الزعر، وهو قليل الشعر، ورجل ازعر وامرأة زعراء. والعطاف يقال من العطف، وعطفت عطفا، وتعطفت تعطفا، واعطاف الانسان نواصيه، والعطاف الرد، والجمع عطف.

مرة بن مالك بن الأوس

منهم مغيث بن قشير، شهد بدرا، وهو الذي يقول ان بيوتنا عورة، وقشير تصغير قشر، وقشر والقشر. قال الشاعر: وابعث عليهم سنة قاشورة ... تحتلق المال احتلاق النورة وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر وسهمه، واستخلفه على المدينة. وهو من النفر الذين تاب الله عليهم، وقتل يوم حنين، ومبشر بن عبد الله شهد بدرا. ومنهم عديم بن ساعدة؛ وساعدة من اسماء الاسد. ومنهم درهم بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف. وهو جاهلي. كان في عصر أحيحة بن الجلاح. وهو القائل: متى يدع في الزيد بن زيد بن مالك ... وزيد بن عمرو تائها ثروة اليسر وان تدع في عمرو وحطمة تاتها ... اسود كرام لا لئام ولا ضمر مراجيح ان هيجوا ليوم عظيمة ... مساميح عند النجل يسر لدى العسر وهو القائل: منعنا على رغم بن عجلان ضيمنا ... بمرهفة كالملح مخلصة الصقل ضربناهم حتى استباحت سيوفنا ... حماهم وولوا هاربين من القتل ورد سراة القوم ما قال مالك ... بضرب كأفواه المعبدة الهزل وطاح بجبر عنوة جار مالك ... على رغمه بع التسدر والجهل قتيلا واوصى مالكا من نديمه ... أقل الذي يرضي الذليل من القتل فأما أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، فمن لوده، ابو لبابة بن عبد المنذر بن زبير: واسمه بشير. ثم يحول بعده إلى بيت أبي ايوب. وفي نسخة أم ايوب: والهدم الكعبا الخلق، والجمع هدام، والهدم: ايضا ما يسقط من حائط إذا هدمته، والمصدر: هدم، وما يسقط هدم. وهدم الرجل، إذا دار رأسه في البحر، فهو مهدوم. ومنهم جبر بن عتيك بن قيس بن هيشة، شهد بدراً، والجبر الملك. ومنهم سعيد بن عبيد بن قيس بن عمرو بن زيد بن امية بن زيد بن مالك بن عوف، وهو اول من جمع القرآن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم كلثوم بن الهدم بن أمرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن أمية بن بدر بن مالك بن عوف بن الأوس، وهو الذي كان نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقباء قبل دخوله المدينة. ومنهم حزام بن خالد بن أبي وديعة. مرة بن مالك بن الأوس وولد مرة بن مالك بن الأوس. ومن الجعاورة اربعة نفر الأوس: فمن مرة بن مرة، وهم أهل رايخ، ومازن بن مرة لا عقب له. فولد عامر ابن مرة رجلا قيسا، فولد قيس بن مرة عامر رجلا زيدا. فولد زيد بن قيس، اربعة: وائلا، وعطية، وأمية، وعمرا، وسالما، وسالم لا عقب له. ومن ولد عامر بن مرة بن مالك بن الأوس، ابو قيس، واسمه صيفي ابن الأسلت، وهو عامر بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس، واسم الأسلت عامر، واسمه قيس صيفي. ويقال الحارث. ويقال عبد الله. والاسلت الذي قطع انفه فاسئوصل. يقال سلت انفه يسلته سلتا، إذا قطعه. والسلت شبيه بالشعير المعروف. ومنهم وحوح، اخو أبي قيس، والوحوحة التوجع من البرد إذا تردد صوته في صدره. يقال: حا يو حوح، إذا جاء يفعل ذاك، وزعموا ان الوحوح ضرب من الطير وليست ببيت. ومما اختير من شعر أبي قيس: قالت، ولم تقصد لقيل الخنا ... مهلا فقد ابلغت أسماعي انكرته حين توسمته ... والحرب غول ذات أوجاعي من يذق الحرب يجد طعمها ... مرا وتتركه بجعجاعي قد خصت البيضة رأسي فما ... اطعم نوما غير تهجاعي اسعى على جل بني مالك ... كل من في شانه ساعي اعددت للأعداء موصوفة ... فضفاضة كالنهى بلقاعي اخفرها عني بذي رونق ... ابيض مثل الملح قطاعي صدق حسام مخذم حده ... ومازن أسمر قراع ابن أمرئ مستبسل حاذر للدهر جلد غير مفزاعي الحزم والعزم فخير من ... الأذهان والفهة والهاعي ليس قطا مثل قطا ولا ... المرعي في الاقوام كالراعي لا تألم الحرب وتجري بها ... الاعداء كيل الصاع بالصاع نذودهم عنا بمستنة ... ذات عنانين ودفاع

جشم بن مالك بن الأوس

حتى تجلب ولنا غاية ... من بين جمع غير جماع كأنهم اسد لدى اشبل ينهمن في غيل وأجزاع هلا سألت القوم إذ ... فصلت ما كان ابطائي واسراعي هل ابذل المال على حبه ... فيهم واتي دعوة الداع واضرب القوس يوم الوغى ... بالسيف لم يقصر به باعي ذاك وقد أقطع خرق الفلا ... يؤم يوما على ادمائه الواعي ذات اساهيج جمالية ... زينة بحادي واقطاعي تعطي على الاين وتنجو ... منا السوط أمون غير مضلاعي كأن اطراف ولياتها ... في شمال حضان زعزاعي اقضي بها الحاجات ان الفتى ... وهو بذي لونين خداعي جشم بن مالك بن الأوس وولد جشم بن مالك بن الأوس رجلا، وهو القائل عبد الله، وهو حطمة، فمن شعراء بني حطمة بن جشم في الجاهلية، عدي بن حرشة بن امية بن عامر بن حطمة، وهو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس. وهو القائل: فغادرته يكبو الحر بجنبيه ... كأن عليه رزاقيا مضرجا أرى عصبة وسط البقيع رخوا ... حمام المنايا مستمنيا وخرجا تداعاهم في قومهم كل فارس ... إذا هيج يوم للقا متهيجا على كل هوجاء الفؤاد مطلب ... واجرد يقفو بالعجاجة اهوجا يقولون جمعا ذا زهاء كأنه ... اتى لبطاح إذ جر فتعميجا بأيديهم البيض الخفاف إذا استوى ... بهن مخوف الثغر يوما ما تفرجا اكر وراء المستطيعي إذا دعا ... جواري واعتام الرئيس المتوجا وفي اشعار كثيرة له. أنساب الخزرج بن الحارث ولد الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر خمسة نفر: عوفا وجشم، وهما الخرطومان؛ والحارث وكعبا وعمرا. فأما عوف وجشم إبنا الخزرج، فهما الخرطومان، كما يقال في الجاهلية للخائف المستجير بيثرب عليك بالخرطومين: عوف وجشم، فان اردت العرجح في جشم. جشم بن الخزرج فولد جشم بن الخزرج، رجلين، وهم: عصب ويزيد. والعصب: الاحمر الغليظ، والعصبة: الصخرة الحسنة، والعصاب: ما يكسو احوال العين من الجلد. والعصب من الانسان معروف. فولد يزيد بن جشم بن الخزرج رجلا، سلمة، فولد سلمة رجلا سارد، واسمه: يزيد وساردة: ماخوذ من السرد، والسرد: صك الشيء بعضه إلى بعض، نحو النظم، وما اشبهه، ومنه قولهم: سرد الدرع: أي ضم حديدع بعضها إلى بعض، وفي التنزيل: وقدر في السرد. والمسرد المنظم، من حرن وغيره. وقيل لأعرابي: اتعرف الاشهر الحرم. فقال: اني لأعرفها ثلاثة سرد، وواحد فرادى، أي ثلاثة متصلة وواحد فرد. فولد سارد، وهو يزيد، سلمة رجلا. اسد. فولد اسد بن سارد رجلا عليا، فولد علي بن اسد رجلا سعدا، فولد سعد بن علي رجلين: سلمة وأوس. فأما أوس بن سعد، فهم رهط معاذ بن جبل، رحمه الله، وهو معاذ ابن جبل بن عمرو بن أوس بن عايد بن عدي بن كعب بن عمرو بن اوس بن سعد بن علي بن اسد بن سارد، وهو يزيد بن سلمة بن جشم بن الخزرج بن حارثة. واما سلمة بن سعد بن علي بن اسد بن سارد، وهو يزيد بن سلمة بن جشم بن الخزرج، فولد رجلين: كعبا وغنما. فولد كعب سلمة، فولد سلمة رجلا غنما وولد بن سلمة ثلاثة: كعبا وعبيدا، وسودا فولد كعب ابن غنم رجلين: حزام وستان فمن بني سواد بن غنم بن سلمة، مالك بن أبي كعب وهو عمرو بن القين بن سواد بن غنم بن سلمة بن سعد بن علي بن اسد بن سارد ابن يزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة. وهو بيت من بيوت الشعر في الجاهلية. وابنه كعب بن مالك بن أبي كعب، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عوف بن الخزرج

فأما جشم بن الخزرج بن حارثة، فولد رجلا مالك بن عصب. فولد مالك بن عصب، ستة نفر: عبد حارثة، والاجدع، وغنم، وغانم، وكعب، وربيعة لا عقب له. فولد عبد حارثة بن مالك رجلين وهما: الازرق وحبيب فولد الازرق بن حارثة رجلا هو عامر. فولد عامر بن الازرق رجلين: زريق وبياضة. وولد حبيب بن عبد حارثة، رجلا زيد مناف، فولد زيد مناف بن حبيب رجلين: مالك بن زيد مناف، رهط بن المعلا، وهم في بني زريق، كان منهم هلال بن المعلا، وابو سعيد بن المعلا؛ والآخر الحارث بن زيد مناف بن حباب. وهذه بطون جشم. عوف بن الخزرج من الخزرج عوف بن الخزرج. فأما عوف بن الخزرج، فولد رجلين وهما عمرو وغنم. فولد عمرو بن عوف رجلا وهو قوقل، واسمه عوف. فولد قوقل، وهو عوف بن عمرو بن عوف. رجلين: سالم. وهو الحبلى، سمي بذلك لعظم بطنه؛ وغنم، رهط عبادة بن الصامت، وهما القواقل، والقوقلة: التغلغل في الشيء. والدخول فيه يقال قوقل يقوقل قوله؛ وهو الرمق بن يزيد بن غنم، الشاعر الجاهلي، والرمق معروف وهو باقي النفس، والترميق اخذك الشيء قليلا قليلا؛ ومن كلامهم: صرعت الضأن فرمق رمق، صرعت المعزى فرفق، وذلك ان الضأن تصرع تباجها بيوم، ويروي بثلاثة ايام، فيقول: خذ لبنها قليلا قليلا؛ والمعزى تصرع على رؤوس اولادها. فيقول: أتخذ لها الأرياق والربق،: الخيط الذي يشد في عنق الجدي والضأن وام الربيق: الداهية. ومن كلامهم جاءت أم الربيق على اريق، واريق تصغير ورق، وهو لن من الابل. ورمقه ببصره إذا نظر اليه. وكان يقال للرجل في الجاهلية استجاد بأهل يثرب: قوقل حيث شئت، أي قد أمنت. وولد سالم الحبلى، اربعة نفر وهم: غنم، ومالك، والوذان، وزيد، وهذه بطون بني سالم، وهو الحبلى بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج. ومن بني سالم الحبلى، عبد الله بن أبي سلول، رأس المنافقين، وكان ابنه عبد الله من خيار المسلمين، شهد بدراً، وقتل يوم الأمامة. ومن بني زيد بن سالم، مالك بن العجلان بن زيد بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج. وكان سيد الخزرج في زمانه. وكان شاعراً. وهو الذي قتل يوم القيطون اليهودي، صاحب زهدم، واسم القيطون، عامر بن عامر بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الحارث المحرق بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء. وكان القطيون قد تهددوا بملك على أهل يثرب حتى ما كانت تدخل عروس على أهل يثرب على زوجها حتى يأتوا بها اليه فيصيبها قبله، فلم يزل على ذلك حتى قتله مالك بن العجلان، وله حديث يطول تركته. ومالك بن العجلان هو القائل: ما مثلنا يحتذى بسفك دم ... مادام فينا الرماح والجحف والبيض ارهفت مضاربها ... ملسا وفينا القس والزعف نحمد واجمعت كتائبنا ... بعزنا والرماح تختلف ما مثل قومي قوم إذا غضبوا ... عند لقاح الحرب وانصرفوا نحن بني الحارث حين مشتجر ... الحرب إذا ما نبا بها الكشف في شعر طويل: الحارث بن الخزرج وولد الحارث بن الخزرج بن حارثة، خمسة نفر: الخزرج بن الحارث، وجثعم بن الحارث، وزيد مناة، وهما التوأمان، وعوف بن الخزرج، وصخر بن الحارث. فولد الخزرج بن الحارث رجلا كعبا، فولد كعب ثلاثة: مالكا، وهو الأعز، وعديا، فولد الأعز، وهو مالك بن ثعلبة ستة نفر: امرأ القيس، وزيدا، والنعمان، وزيد مناة، وكعبا، وصقر لا عقب له. فمن بني زيد مناة بن مالك الأعز عمرو بن الأطنابة. ومن زيد بن مالك الأعز، النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك الأعز بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. وكان النعمان بن سعد الخزرج بن سعد الخزرج في الاسلام، ومولده في الجاهلية. ومن عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، أبو الدرداء المحدث. واسمه عديم بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن الحارث بن الخزرج. ومنهم نعيمان بن عمرو، شهد بدراً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستحف نعيمان، وكان كثير الدعاء، وكان عمرو هذا من سادات الخزرج في زمنه، وهو عمرو بن الأطنابة، واسمه الأطنابة عامر بن زيد مناة بن مالك الأعز بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بن حارثة، وهو القائل:

ابلغ الحارث بن ظالم ذا الا ... يعاد والناذر المنذور عليا فما يقتل النيام ولا يقتل ... يقظان لا سماح كميا وكان قال بهذا الشعر لما بلغه قتل الحارث بن ظالم المري، لخالد بن جعفر، وهو نائم، وكان عمرو بن الأطنابة لقي الحارث بن ظالم المري، فأسر عمرو الحارث وأطلقه ومن عليه بروحه، فلما بلغه قتل الحارث لخالد بن جعفر وهو نائم، قال عمرو هذا الشعر يعير به الحارث بن ظالم. وعمرو هذا الذي يقول مفتخراً: الخالطين فقيرهم بغنيهم ... والباذلين عطائهم للسائل والضاربين الكبش يبرق بيضة ... ضرب المجهجه عن حياض الناهل والمدركين عدوهم بدخولهم ... والنازلين بضرب كل منازل ليسوا بانكاس ولا ميل إذا ... ما الحرب شبت بالضرام الشاعل الناطقين فلا يعاب خطيبهم ... يوم القيامة بالكلام الفاصل في شعر طويل. وولد علي بن كعب بن الخزرج، رجلين: عامرا وعامرة. وعامر بن كعب بن عمرو بن جديح بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج. وكان من شعراء الخزرج في زمانه، وليس شعره بكثير. وهو: أنا أبو زغبة يعدو بالهرم ... أحمي الذمار خزرجياً من جشم لست براعي إبل ولا غنم ... ولا بجزار على ظهر وضم ولا برتاع بأكناف الحرم ... ململم الهامة شداخ القدم من يلفني بودي كما أوددت ارم وولد عوف بن الخزرج، ثلاثة نفر: الأعز، وهو خدره، رهط أبي سعيد الخدري، وخدارة، رهط أبي مسعود البدري، وشهد العقبة. فمن بني خدرة أبو سعيد الخدري، واسمه مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن خدره. واسمه الأعز بن عوف بن الخزرج بن حارثة. ومن بني جشم بن الحارث بن الخزرج بن حارثة، رجل أبو زغبة، واسمه كعب بن الخزرج بن حارثة رجل ساعدة، فولد ساعدة بن كعب بن الخزرج رجلا الخزرج بن ساعدة. فولد الخزرج بن ساعدة، رابعة نفر: ثعلبة، وعمرا، وطريفا، وعامرا. فمن بني طريف بن الخزرج بن ساعدة فولد الخزرج بن ساعد اربعة نفرة ثعلبة وعمرا طريفا عامرا فمن بني طريف بن الخزرج بن ساعدة بن عباد بن دليم أبي حزيمة بن ثعبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الحزرج بن حارثة بيت عزيز في السؤدد وابنة قيس بن سعدبن عبادة بن دليم بن أبي خزيمة، سادة كلهم شهد سعد العقبة بدرا كان نقيبا سيدا جواداً، وابنه قيس أجود أهل دهره في ايام معاوية. ودليم: تصغير أدلم، والادلم الأسود ليل أدلم ليلة دلماء، والدلمة السواد. وكان سعد من خيار اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قام بأمر بيعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بيده، وكان جماع الانصار يومئذ اليه ولولا تجنب الاطالة لأوردنا من احاديثه واقاماته ما يستدل به على كثير قدره وحسن مأثره. قال: وجدت يزيد بن حبيب يرفع الحديث إلى الزهراء، يعني فاطمة - عليها السلام - قال: كانت النقباء من الانصار اثني اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الاوس. فأما الخزرجيون، فسعد بن عبادة بن دليم بن الصامت، وعبد الله بن رواحة، والبراء بن معرور، والمنذر بن عمر الساعدي، وابو جابر عبد الله بن جابر، وسعد بن رواحة، وسعد بن الربيع ورافع بن مالك. واما الاوسيون: فأسيد بن الحصين، وسعد بن جثيمة، وابو الهيثم - رضي الله عنهم -. وقيل انه لما امر الرسول صلى الله عليه وسلم من يتخذ النقاء، قال: " اللهم اني لااعرفهم "، فنزل جبريل وجلس إلى اخيه صلى الله عليه وسلم فعرفه اياهم سرا واحدا واحدا، حتى عرفهم صلى الله عليه وسلم. ومن ولد سعد بن عبادة، قيس بن سعد بن عبادة دليم. وهو معروف في الاسلام، وكان احد من يعد ممن تصل الظعن في هوادجها. وكانت سراويله ثمانية اشبار، وفي نسخة عشرة اشبار. وكان انفة كالفتر.

عمرو بن الخزرج

وكان من اتم أهل زمانه اقامة. وقيس بن سعد هذا، هو الذي ارسل اليه معاوية الهدايا، وكان في جملة ما ارسل اليه: ان الملوك قبلك كانت تراسل الملك منا، ويجهد بعضهم ان يعرب على بعض، وقد ارسلت اليك برجلين، احدهما طويل الجسم، والاخر بدو اريد ان تهدي الي من ثيبك التي تلبسها. فقال معاوية لعرو بن العاص: أما الطويل فقد اصدنا كفره، وهو قيس بن عبادة، واما الاخر فقد احتجنا إلى رايك فيه. فقال: ادلك على رجلين كلاهما اليك بغيض، وهو بن الحنفية، وعبد الله بن الزبير. فقال معاوية: ابن الزبير اقرب الي على كل حال. فلما دخل العلجان على معاوية وجه إلى قيس بن سعد يعلمه، فلما مثل بين يدي معاوية اخبره بحير العلج. ثم قال: ابعث الي ببعض سراويلك، وانما اراد معاوية انها سراويله. فعلم قيس ما اراد معاوية فقام على رؤوس الناس ثم خلع سراويله، ثم رمى بها إلى العج. فقال له: البسها، فلبسها العلج، فبلغت ثنوتيه، فأطرق مغلوباً. ثم قال قيس لمعاوية: اعطني بعض سراويلك البسها، فجيئ بواحدة منها، فلما لبسها قيس صارت عليه كالثياب. فنزعها ورمى بها إلى معاوية. وقال: اغنى عنا ثيابك بهذا. فقال معاوية: أما قريش فأشباح مسربلة ... واليثربيون اصحاب الثيابين تلك اليهود التي يعني ببلدتنا ... كما قريش هم أهل السخاخيني ثم ان معاوية وجه إلى ابن الحنفية، فلما دخل عليه أخبره بما دعي له، فقال: قل له ان شاء فليجلس وليعطني بيده، حتى أقيمه أو يقعدني، وان شاء هو القائم، وأنا القاعد فاختار الرومي الجلوس، فأقامه محمد وأعجز هو عن اقعاده. ثم أختار الرومي أن يكون هو القاعد، فأقعده وعجز الرومي عن اقامته، وانصرف الروميان مغلوبين. فولد النجار، واسمه تيم اللات، وانما سمي النجار لأنه ضرب رجلا أي قطعه النجار. فقيل لقيس: لما نزعت سراويلك بين أيديهم الا بعثت اليهم. فأنشأ يقول: أردت لكي ما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود والا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادي نمته ثمود واني من القوم اليمانين سيدا ... وما الناس الا سيد ومسود بدوا جميع الخلق أصلي ومنصبي ... وجشم به أعلى الرجال مديد ولقيس بن سعد أشعار كثيرة في يوم صفين، وغير ذلك. عمرو بن الخزرج وولد عمرو بن الخزرج رجلا: ثعلبة، وولد ثعلبة بن عمرو رجلا نجار واسمه تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، أربعة نفر وهم: مالك، وعدي، ومازن، وذبيان. وولد مالك بن النجار أربعة: عمرو، وعيما، وعامرا، وهو مندوب، ومعاوية، رهط عمر بن حنله، انقرضوا. فولد عمرو بن مالك بن مالك بن النجار رجلين: معاوية، وأمه جديلة بنت مالك بن زيد مناة بن كنانة من بني كنانة بن النظر، وأختهم من بني خزيمة. وولد عامر، وهو مبذول بن، مالك رجلين وهما: عمرو مالك، فهذه بطون الخزرج بن حارثة. ومبذول مفعول، أتى من البذل، بذل يبذل فهو باذل. وبذال المبذول ثوب تبتذله المرأة في بيتها، والجمع مباذل، والبذالة ابتذالك الشيء. فمن بني معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أبي بن كعب بن قيس بن عبد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك. وهو أحد من جمع القرآن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم واليه تنسب القراءة، شهد بدرا. وأبيّ: تصغير أب. واحد الآباء، وتصغير أبّ وهو المرعي. من قوله - عز وجل -:) وفاكهة وأبا (. ومن بني غنم بن مالك بن النجار، أبو أيوب، واسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار. وهو أول من نزل عليه سلى الله عليه وسلم عند دخوله المدينة، فأقام عنده سبعة أشهر، وقبره بسور القسطنطينية من بلاد الروم، حيث حضرته الوفاة. وذلك أنه غزا في أيام معاوية، مع ابنه يزيد فوصلت العساكر بمدينة القسطنطينية من بلاد الروم، فحضرت الوفاة لأبي أيوب الأنصاري، فأوصى أن يقبر تحت سورها فقبر هناك. حسان بن ثابت

ومن بني عدي بن النجار أم عبد المطلب بن هاشم. ومن بني عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، حسان بن ثابت بن المنذر بن خزام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وهو تيم اللات بن ثعلبة بن حسّا، إذا قتلهم ذريعا. ويقال البرد يحس النبت، أي يستأصله، والمحسة التي تحس بها الدابة بكسر الميم، والحس تجده المرأة بعد الولادة، وتقول العرب للشيء المؤلم إذا أصاب الواحد حس متينة على الكسب، ويقول حست أحس به إذا شعرت به وفطنت له. والحساس ضرب من السمك، وهو أحد شعراء بني النجار، وقد كان قتله قوم من شعرائهم، الا أن حسان أشعر منهم وأشرف ذكرا، وهو أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من شعره على قريش أشد من وقع السيوف عليهم. وعن عاصم بن عمر بن قتادة بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وابتغاه مهاجرا الينا مع من أسلم من قومه، تناولته قريش بالهجاء، وتناولت الأنصار، وأغرت بهم أشراف قريش شعراءها، وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولهم عرضه، فمشى اليه رجال الأنصار، فقالوا: يارسول الله، ان شعراء قومك قد تناولوا عرضك وأعراضنا، وفينا شعراء، فقال: قولوا لشعرائكم فليصيبوا منهم كما أصابوا مني ومنكم، فأمروا كعب بن مالك. فقال ولم يصنع شيئاً فأتوا عبد الله بن رواحة، فقال ولم يصنع شيئاً، فأتوا حسان بن ثابت، فقالوا: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تناضح، وفي نسخة أن تنافح عنه وعن أحساب قومك. قال: والله حتىآتيه فأسأله، فأتى حسان النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك. فقال: أجل. فنافح، وأتى أبا بكر فسأله عن معايب القوم فإنه أعلم قومه بقريش فإنه يسب القوم بما فيهم، وانك لن تزال تعان بروح القدس، ما نافحت عن نبيك ثم أقبل عليه فقال يا حسان: كيف تصنع بأبي سفيان بن حرب بن عبد المطلب، وهو منا؟ قال: والذي بعثك بالحق لأسلنك من ذلك كما تسل الشعرة من العجين. وكان مما قال: عفت ذات الأصابع فالحواء ... إلى عذراء منزلها خلاء ديار من بني الحشحاش قفر ... تعقبها الروامس والسماء ألا أبلغ بني سفيان عني ... مغلغة فقد برح الخفاء هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمدا برا نقيا ... أمين الله شيمته الوفاء أتهجوه ولست له بكفء ... فشر كما لخير كما الوفاء فإن أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء فسوف يحكموا حسان عنه ... يصوغ المحكمات كما يشاء لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تداركه الدلاء قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت حسان ولسانك حسام، فأخرج حسان لسانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما سرني به مقول على ظهر الأرض، وما زال بي حتى ظننت لو شئت لغريت به الأدم. وقيل: انه - عليه السلام - قال: أهج المشركين، وجبريل معك، وقيل: انه كان عليه السلام يقول له: قل يا حسان، وروح القدس يؤيدك، وعاش حسان مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية وستين منها في الاسلام. ومن قوله: لساني وسيفي صارمان كلاهما ... ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي فلا الجهد ينسيني حياتي وعفتي ... ولا وقعات الدهر يفللن مبردي وأكثر أهلي من عيالي سواهم ... وأطوي على الماء القراح المبرد فإن أك ذا مال كثير أجُدْ بِهِ ... وإن يقصر عودي على العدم يحمد واني ليدعوني الندى فأجبته ... وأضرب ببعض العارض المتوقدي واني لقوّال لدى الليث مرحبا ... وأهلا إذا ما ريع من كل مرصدي في شعر طويل. ومن قوله: ونحن إذا ما الحرب حل مرارها ... فجادت على الحلات بالموت والدم فمنا زمام السابقين إلى الوغى ... إذا الفشل الرعديد لم يتقدم ونحن إذا لم يبرم الناس أمرهم ... نكون على خف من الأمر مبرم ولو وزنت رضوي بحلم سراتنا ... لمال برضوى حلمها وترمرم ونحن إذا ما الآل أمسى كأنما ... على حافتيه ممسى لون عندم

أبو قيس " صرمة بن أبي أنس "

لنطعم في المشتى ونطعن بالقنا إذا الحرب كانت كالحريق المضرم وتلقى لدى أبياتنا حين نحتدي ... مجالس فيها كل خرق معمم رفيع عماد البيت يمنع عرضه ... من الذم ميمون النقيبة خضرم ومن قوله: ما بال عيني دموعها تتكفف ... من ذكر جود شطت بها قذف فأنت بهم غربة فهم بهم ... أرضا سواتا فالشمل مختلف ما كنت أدري بينهم ... حتى رأيت الحدوج تعسف أبو قيس " صرمة بن أبي أنس " ومن شعراء بني عدي بن النجار: أبو قيس، واسمه: صرمة بن أبي أنس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. وكان أبو قيس ترهب في الجاهلية، ولبس المسوح، وفارق الأوثان، واغتسل من الجنابة، وهمّ بالنصرانية، ثم أمسك عنها، ودخل بيتا، واتخذ مسجدا لا يدخله عليه طامث ولا جنب. وقال: أعبد رب إبراهيم حتى فارق الأوثان وكرهها، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم، وحسن اسلامه. وهو شيخ كبير. وكان قوالا بالحق معظما لله - عز وجل - في الجاهلية. يقول في ذلك الأشعار الحسنة. ومن قوله في ذلك في الجاهلية: يقول أبو قيس وأصبح غاديا ... ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا وأوصيتم بالله بالبر والتقى ... وأعراضكم بالله والبر أول وان قومكم سادوا فلا تحسدوهم ... وان كنتم أهل السيادة فاعدلوا وان نزلت احدى الدواهي بقومكم ... فأنفسكم دون العشيرة فاجعلوا وان أنتم أعزوتم فتعففوا ... وان كان فضل المال فيكم فافضلوا وان ناب أمر فادح فارفدوهم ... وما حملوكم في الممات فاحملوا ومن قوله " في الجاهلية ": سبّح الله شرق كل صباح ... طلعت شمسه وكل هلال عالم السر والبيان جميعا ... ليس ما قال ربنا بضلال وهو القائل حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة: ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى صديقا مواتيا ويعرض في أهل المواسم عرضه ... فلم ير من يروي ولم ير داعيا فلما أتانا أظهر الله دينه ... وأصبح مسرورا بطيبة راضيا وألفى صديقا واطمأنت به النوى ... وكان له عونا من الله هاديا ومن رجال الخزرج: عامر بن أمية بن زيد بن الخشخاش، شهد بدرا، وقتل يوم أحد، وهو الذي ذكره حسان في شعره. والخشخاش: من قولهم خشخشت اللحم على النار، إذا قبلته. ومنهم سليم بن ملحان، شهد بدرا يوم بير معاوية، وملحان: فعلان إما من الملح، وهو لون يقال له كبش أملح، إذا كان في أعلى صوفه بياض، ولون صوفه أي لون كان، والملحة البياض. وفي الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عقّ عن الحسن والحسين بكبشين أملحين، وسمك ملح ومليح، ولا يقال مالح وماء ملح لا غير والملح الرضاع. قال الشاعر: واني لأرجو ملحها في بطونكم ... وما نشطت من جلد أشعث أغبرا وقالت هوازن للنبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: إنا لو ملحنا للمنذر وللحارث بن أبي شمر لنفعنا عنده، وأنت خير المكفولين، أي لو كنا رضعناه. والأملح: جمع أرض ملحة، وأملاح، وملحت ملحا: إذا مسحت جباهها بالملح لداء يصيبها. والملاحة؛ معروفة في الناس وغيرهم. ومن بني غنم بن مالك: ابن النجار، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة، وكان أبو إمامة أحد النقباء الذين بايعوا تحت الشجرة. أنساب خزاعة وانتشارها

1 - ربيعة لحي

وأما حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، فهو خزاعة، واليه اجماع قبائل خزاعة كلها، وهو أبوهم، واشتقاق خزاعة من قولهم: خزع القوم عن القوم إذا انقطعوا عنهم وفارقوهم. قال أبو بكربن دريد: ذلك انهم انخزعوا عن جماعة الأزد أيام سيل العرم، لما أن صاروا إلى الحجاز، فارتفعوا بالحجاز، فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام. وقال غيره: انما سمي حارثة خزاعة لأنه لما مرّ مع قومه واخوته بعد خروجهم من جنتي مأرب، وتفرقهم في البلاد، قامت الأزد بمكة، ما قامت، حتى جاءهم روادهم من الأماكن، فافترقوا من مكة فرقا: فرقة توجهت إلى عمان، وفرقة توجهت إلى الشام، وفرقة نحو العراق، وفرقة نزلت يثرب، وهم الأوس والخزرج ابنا حارثة بن عمرو بن عامر، وهم رهط من الأنصار، وانخزع عنهم حارثة بن عمرو بن عامر في ولده، وأقام بمكة إلى بطن فسمي خزاعة، وولي أمر مكة، وحجابة الكعبة. وانما كان افتراق خزاعة عن قومه فيما حكى أولو العلم بأخبارهم من بطن مرو؛ يدل ذلك، حسان بن ثابت الأنصاري: فلما هبطنا بطن مرو تخزعت ... خزاعة عنا في حلول الدار وسوف نورد أخبار خزاعة، وقصة ولده بعد هذا مختلطة بأخبارهم. فولد الحارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، ثلاثة نفر: عدي بن حارثة، وربيعة لحي بن حارثة، وأقصى بن حارثة. 1 - ربيعة لحيّ فأما ربيعة لحي بن حارثة، وهو خزاعة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء. فولد رجلا، وهو عمرو بن ربيعة لحي. فمن عمرو بن لحي تفرقت قبائل خزاعة. عمرو بن ربيعة بن لحي فولد عمرو، أربعة نفر، وهم: كعب، وعوف، ومليح، وسعد. وعمرو بن ربيعة لحي، هذا أول من عبد الأصنام من العرب بمكة، وكان سبب ذلك أن جرهما لما كثر بغيهم في الحرم، دخل رجل منهم يقال له أساف بن سهيل ونائلة بنت عمرو ففجروا في البيت فمسخهما الله حجرين، فأخرجتهما جرهم، ونصبتهما على الصفا والمروة، ليعتبر بهما من رآهما، ويزدجر الناس أن يفعلوا مثل فعل هذا، ولم يزالا وهما يندرس ويقدم، إلى أن قدمت الأزد مكة، وأجلت عنها جرهما، وولي حارثة بن عمرو بن عامر مكة، وولده من بعد ذلك، ولم يزالوا على ذلك حتى ولي أمر مكة من ولد عمرو بن ربيعة لحي، وكان اليه أمر مكة وسدانة البيت. وكان عمرو شريفا في قومه، مطاعا فيما قال لهم، وهو المتبع، وكانت أمه فهيرة بنت عامر بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي. فبلغ عمرو بن ربيعة بن لحي في العرب من الشرف ما لم يبلغه عربي من قبله. وهو أول من أطعم الحجاج بمكة سدايف الابل ولحمها على الثريد، وحمى الحامية، وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وبدل الخيفية، وغير دين إسماعيل. وأما البحيرة: فإنه كانت إذا نتجت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس، ما لم يكن ذكرا فشقوا أذنها وخلوها، ولا يجز لها وبر، ولا يذكراسم الله عليها، ان ذكيت، ولا أن يحمل عليها شيء، وكانت ألبانها للرجال دون النساء. وأما الوصيلة: فكانت الشاة إذا وضعت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع فإن كان ذكرا ذبح، وان كانت أنثى تركت في الشاة، وان كان ذكرا وأنثى قيل وصلت أخاها، فحرّما جميعا، ولبن الأنثى للرجال دون النساء. وأما السائبة: فإن الرجل كان يسيب لآلهته من ماله الشيء إما نذرا، وإما تطوعا، إما بهيمة وإما انسانا، فيكون حراما أبدا نفعهما للرجال دون النساء. وأما الحام: فالفحل إذا أدركت أولاده فصار ولده جدا، قال حمى ظهره اتركوه، فلا يحمل عليه، ولا يركب، ولا يمنع ماء ولا مرعى، فإذا ماتت هذه التي جعلوها لآلهتهم اشترك في أكلها الرجال والنساء. وهو الذي قال الله - عز وجل -:) وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا (، وقال الله - عز وجل -:) وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء (. فكان عمرو بن ربيعة بن لحي هذا أول من أحدث هذه الأشياء واستنها في العرب.

كعب بن عمرو بن ربيعة

ثم جاء بهبل من أرض هيت إلى مكة، وقال للعرب ان أساف ونائلة، انما أوقفهما إبراهيم واسماعيل أساف ونائلة، فأطاعت العرب أمره، وكسا من كل حج تلك السنة ثلاثة أثواب، من برود اليمن؛ فحمدت العرب فعله، ورضيت امره. وكانت جرهم قد حلت لأساف ونائلة بين الصفاوالمروة فوقفهما تجاه الكعبة عند موضع زمزم، لا نعرف لان العماليق لما أحسوا بغلبة جرهم ردمت زمزم وطمست آثارها وكانت تذبح بين أساف ونائلة من كانت عليه ذبيحته، وجعل هبل في جوف الكعبة يقتسمون عنده باللازلام. ولم يزل عمرو بن لحي يلي بالبيت وولده من بعده كابرا عن كابر، وأولا عن آخر خمسمائة سنة، حتى كان آخرهم جليل بن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن لحيّ فعمرو بن ربيعة لحيّ، هذا ومن ولده اكثر بطون خزاعة. وفيه وفي ولده كانت السدانة. كعب بن عمرو بن ربيعة فأما كعب بن عمرو بن ربيعة بن لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر، فولد خمسة نفر سلول بن كعب، وحبشية بن كعب، وسعد بن كعب، والحارث بن كعب، ومازن بن كعب. وسلول: فعلول. أما من السلة وهي السرقة، واما من قولهم سللت الشيء من الشيء، اسله سلا. ويقولون في بني وفيك أي سرقة وسليل الرجل ولده وهو السلالة ايضا، والسال مسيل ماء دقيق والجمع سلال. وفي نسخة سال سلان مثل عال علان، والاسل الرماح شبهت بنبات الأسل المعروف في الآجام، وحبشة حزب من النمل الكبار. فأما سلول بن كعب، فمنهم جليل بن حبشية بن سلول بن كعب. وجليل: أما تصغير جل. أو تصغير أجل وهو المسترخي العصب من القوم في الدواب، فرس أجل، والخلط القوم المجتمعون في محلتهم، والحلال ضد الحرام، وأحل المحرم إحلالا، وحل المكان حلولا، وحل الدين محلا، وحللت العقد حلا. وكان لجليل بن حبشية، سدانة الكعبة، ومن بعده رجعت سدانة الكعبة إلى قصي بن كلاب، وولده، وذلك ان قصي بن كلاب تزوج حتى بنت جليل، وكان آنذاك سدانة البيت إلى قصي بن كلاب وولده، والبيت بيد جليل بن حبشية، فلما حضرته الوفاة جعل ولاية البيت إلى ابنته حتى، فقالت: لا أقدر على فتح البيت واغلاقه، فجعل معها ابا غبشان، واسمه: سليم بن عمرو، ويقال المحترش بن عمرو بن ثور بن ملكان بن اقصى بن خزاعة، وكانت حتى ربما اشتغلت في بعض اشغال النساء، تدفع مفتاح البيت إلى قصي فيفتحه، فلم يزل كذلك حتى ولدت من قصي: عبد الدار وعبد مناف، وعبد العزى. فلما كثر ولقد قصي وكثر ماله، وعظم شرفه رأى انه اولى بأمر الكعبة من خزاعة، وقد كان اولاد جليل بن حبشية الذكور قد ارتحلوا من مكة إلى مر الظهران فرارا من وباء قد وقع بمكة، وكان جليل بن حبشية قد تخلف مفردا مع ابنته حتى زوجة قصي، فحضرته الوفاة وهو معها، ولم يكن احد من اولاده الذكور حاضرا معه فلأجل ذلك اوصى إلى ابنته حتى، ودفع اليها مفاتيح الكعبة، وجعل عندها اباغيشان معينا لها على فتح البيت وغلقه، وقال لها: إذا إذا رفع الله هذا الوباء ولم يبقى داء فابعثي إلى اخوتك فادفعي هذه المفاتيح الهم ليكونوا مكاني. فلما مات ورجع امر حتى إلى زوجها قصي بن كلاب، وكثر ولده وطال التنحي بولد جليل بن حيشية. ورأى قصي انه اولى بامر الكعبة من خزاعة، فقال عند ذلك قصي، لعبد الدار ولده وهو ابن حتى، وكان اكبر ولده: يا بني لو سألت امك ان تصير اليك مفاتيح الكعبة فتكون في يدك، فإذا رجع اخوالك اخوتها رددت ذلك اليها، فسلمته اليهم. فسألها ولدها عبد الدار ذلك ففعلت له، واجابت ذلك، ودفعت اليه المفاتيح، ثم ان قصيا جعل يتلطف لابي غيشان وختدعه حتى اشترى منه ما كان له من معاونة حتى فثبتت في اديهم غدرا واختداعا. ففي ذلك يقول بعض شعرائهم ينفي الظلم عن قصي بن كلاب: ابوغبشان اظلم من قصي ... وأظلم من بني فز خزاعة فلا تحلوا قصيا من شره ... ولوموا شيخكم إذ كان باعه

ولد جليل بن حبشية

فلما ارتفع الداء وتخم الوباء، وعاد بنو الخيلل بن حبشية يطلبون إلى اخنهم المفاتيح، فامتنع بها قصي بن كلاب والاده وثبتت في ايديهم، فعزمت خزاعة على حرب قصي، وكلم قصي رجلا من قريش وبني كنانة، وقال لهم ان البيت مأثرة وزمزم سقي إسماعيل، وانما الغيب امرها عن الناس إذ سكنها غير ولد إسماعيل ان يظهرها الله لهم، كما سقاها جرهم، ثم دعاهم إلى اخراج خزاعة وبني البكر من مناة بن كنانة من مكة، فأجابته قريش وبنو كنانة إلى ذلك، وزاعانه على ذلك اخوه رزاح بن ربيعة بن حزام العذري، واستنصر قومه ولده عذرة وقبائل ققضاعة، فأجابوه ونصروه، حتى صارت في ايدي قصي وولده إلى يومنا هذا. وانما اخرج الله مكة من يدي خزاعة، لما كثر بغيهم وظلمهم، كما اخرج جرهما والعماليق من قبلهم، وكانت مكة في الجاهلية لا يقر فيها ظال ولا باغي، ولا يبغي فيها الا اخرجته، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها الا اهلك مكانه. وكانت العرب تسميها الباسة. قال هشام الكلبي، واخبرني ابو عبيدة، ان بكة، اسم لبطن مكة لانها يباكون فيها، أي يزدحمون فيها. كما في الشعر: إذا الشريب اخذته اكة ... فخله حتى يبك بكة ويقال انما سميت بكة، لانها كانت تبك اعناق الجبابرة، إذا احدثوا فيها بظلم، وكان كل من ظلم صام شهر رجب، ثم تقدم إلى الكعبة في آخر الشهر، فيدعو على ظالمه، فينتقم له من ساعته، فيمتنع الناس من الظلم بعضهم لبعض، فانما انقطع هذا في الاسلام لأن المسلمين قد آمنوا بالبعث والجزاء في الآخرة، فأخر الله لهم الانتفام منهم ليكف ظالمهم وتتمنع ملوكهم وأقويائهم م ظلم ضعفائهم لئلا يكثر في الارض الفساد، وذلك تقدير العزيز العليم. ولد جليل بن حبشية كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة بن عبد تميم بن جليل بن حبشية، وهو الذي اقتفى اثر النبي صلى الله عليه وسلم، حين انتهى إلى الغار، الذي استخفى فيه، فرأى عليه نسج العنكبوت، وراى دونه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفها، وقال هذه قدم محمد ومنها انقطع الاثر، وهو الذي كتب معاوية، وهو إذ ذاك إلى عامله بالمدينة يأمر ان كان كرز حيا يكلفه اقامة معالم الحرم لمعرفته بها. وكان معمرا فأقامهم عليها، وهي مواضع الانصاف. 2 - بنو كعب عمرو نب سالم الكعبي، ويقال المليحي، ومن بني مليح بن عمرو بن ربيعة بن لحي. وهو الذي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الىالمدينة يشكو اليه من قريش وبني بكر بن كنانة، وكان سبب ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم الحديبية: من كان على دين الله ودين رسوله، وحلف بيته، فليقم فقامت خزاعة لله ورسوله. وكان على عهد الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ان لا يغادر على حلفائه. وقيل في ذلك الوقت من كان على عهد قريش وعقدهم فليقم، فقامت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة، فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم. فبينما نفر من خزاعة، بعد ذلك، ونفر من بني بكر جلوسا، إذا انشد رجل من بني بكر قاله في النبي صلى الله عليه وسلم. والبكري الذي انشد هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، انس بن أبي زنيم الديلي، فغضب لذلك رجل من خزاعة، فقام إلى انس فلطمه، واستجاش البكريون، فانحازت خزاعة إلى بشر بن سفيان بن عمرو بن عديم بن صرمة بن عبد الله بن عمير بن حبشية بن سلول فاغار على بني الدليل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، واصابوا غنائم فبهث بها بشر بن سفيان يبيعها بمكة. وكانت خزاعة لما اغاروا على الدليل قتلوا: سلمى بن نوفل سيد كنانة، وذؤيب بن كلثوم في قتلى كثيرة من بني الدليل، واقبلت بنو كنانة النفر من خزاعة بمكة فقتلوا منهم قوما، وانحاز الباقون إلى دار بديل بن ورقا الخزاعي. وهذه رواية أبي عمرو الشيباني. واما غيره فيقول: لما اصابت خزاعة من بني الدليل، ما اصابت خرج عمرو بن معاوبة الديلي، حتى ثبت خزاعة في جماعة من قومه على الوبير فأصاب منهم رجلا ورفده قوم من قريش مستخفين بالسلاح، فاستجاشوا مع الكنانيين على خزاعة فنشبت الحرب يبنهم. وكان الخزاعيون نفرا قليلا فنالوا منهم جراحات وقتلوا منهم رجلا، وقد كانت الهدنة التي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

وركب الخزاعيون من مكة بجراحاتهم، واثار الحرب بينهم، حتى وردوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد مع اصحابه فقال: يا رب اني ناشد محمدا ... حلف ابينا وابيه الا تلدا انا ولدناك وكنت ولدا ... ثمت اسلمنا فلم نخلع يدا فانصروا رسول الله نصرا ابدا ... وادعوا عباد الله يأتوا مددا فيهم نبي الله قد تجردا ... ابيض من البدر يسمو مصعدا قرم القروم من قروم اصمد ... برا رحيما ذا عفاف مرشدا ان سيم خسفا وجهه تزيدا ... في فيلق كالبحر يرمي مزبدا ان قريشا اخلفوك موعدا ... ونقضوا مثاقك المؤكدا وزعموا ان لست تدعى محمدا ... وهم اذل وأقل عددا هم قتلونا بالصعيد هجدا ... نتلو القرآن ركعا وسجدا فانصر هداك الله نصرا ابدا ... نصرا عزيزا دائما سرمدا فلما فرغ عمرو بن سالم من شعره، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نضرب يا عمرو بن سالم. ثم قصو االقصة، وكيف هاجت الحرب بينهم وبين قريش وبني كنانة، وارتفعت سحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة، وسار بالمهاجرين والانصصار. وكتب لخزاعة بهجرتها فاستقبلته خزاعة ولم يتخلف منهم احدا في حمل السلاح. قال ابو عمرو، وبلغنا ان الرسول صلى الله عيه وسلم، قسم خزاعة قسمين، فقال ليتخلف نصفكم في بلادكم، فاني اخاف على حرمكم، وكونوا وراءنا حتى نأمن قبلكم، وسار ينصف المقاتلة من خزاعة، فقال النصيب وهو اسد بن وهب بن احدم بن عبد الله بن قصير الخزاعي: ونحن الالى شدت عزالا خيولنا ... وثقبا سددناه وفتح طلاح بملمولة شهباء تخطر بالقنا ... تمرندسه فيها الكماة رداح اقمنا وراء المسلمين بجحفل ... ذوي عضد من خيلنا ورماح على كل ورهاء العناء طمرة ... إذا كان يوم ذولقا وشباح تمر بذي الدرع العريض كانما ... تمر به فتحا ذات جناح إذا ما رايت الناس قد سبقوا لنا ... وحلت سرايانا جنوب محاح وذات حليل طلقتها رماحنا ... يطيف بها الخطاب بعد نكاح ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قدم خزاعة. وقال: كونوا اول من يدخل مكة وقاتلوا من قاتلكم، واعلموا اني أمنت من اغلق عليه ومن جلس في المسجد الحرام، ومن دخل دار أبي سفيان. وسار في المهاجرين والانصار وسائر قبائل العرب حتى نزل بمر الظهران، وقريش توكف الاخبار ولم يأتها خبر أبي سفيان، حتى دخل مكة في عشرة آلاف وكانت رايته صلى الله عليه وسلم يومئذ بين سعد بن عبادة الخزرجي، وهو كتيبة الانصار من الاوس والخزرج، وهم مقنعون بالحديد لا تبصر منهم الا الحدق، فسار حتى انصب على مكة، من جانب كدا، وتقدمت خزاعة فدخلت، فدخلت مكة اول الناس. فقتلت خزاعة رجلا منهم مقيس بن صبابة، وابن خطل، قتله ابو برزة الاسلمي. ثم نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة: كل يرفع السيف الا خزاعة عن كنانة ثلاثة ايام ليدركوا ثأرهم. وقال صلى الله عليه وسلم: " ضعوا السلاح الا خزاعة، يطوفون به ثلاثة ايام ليذلوا عدوهم ". فكان الخزاعي يلفى بالكناني متعلقا بأستار الكعبة فيقتله وانزل الله - تبارك وتعالى -:) قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم (يعني خزاعة. فأحلت لخزاعة حرمة مكة، ولم تحل لاحد قبلهم، ولا بعدهم، ونصرهم الله بالسحاب. فقال عمران بن نجيد الخزاعي في ذلك. الا يا لقومي للدموع السواكب ... وللذكر يعدو من حبيب محائب وللزمن الماضي الذي فات عصره ... بايام اذات الصبا والعجائب وللقلب يرجو ان يعاود عيشه ... باسماء كانت في العصور الذواهب فلا يبعدن ايام صدق مضت لنا ... بفاتحة للحاء ذات التناسب

وسائمة للفخر قلت لها اقصدي ... ولا يعجلي ان تسمعي للمجاوب فحن الاولى انشأ السحاب لنصرنا ... ركاما سرى ذا هيدب متراكب ومن اجلنا حلت بمكة حرمة ... ليدرك ثأرا بالسيوف الفواضب وهجرتنا في ارضها عدد بابها ... كتاب اتى من خير حمل وكاتب وان تسألي عني تنبأ بانني ... طويل عماد البيت جزل المواهب واني امرؤ في عز غسان تلتقي ... على عز مجد فات طول عز المجانب وفي بيت سهم سالت وجدتني ... لقرمين وهاين هام المصائب وفي هاشم بيت طمحت بي فرعه ... إلى مشرفات طمطمت كل طالب فأي بيوت المجد لم يعد فرعه ... وأي ندى لم تحوه بالزواجب وقال بديل بن سلمة بن خلف الجبيري، من بني جبير بن عدي بن سلول بن عمرو بن كعب بن ربيعة لحي في ذلك اليوم، محييا لانس بن أبي زنيم الديلي ثم الكناني: بكل انس ذرءا فاعوله البكاء ... واشفق لما اوقد الحرب موقد بكيت لقتلي ضرجت في دمائها ... وخضب منها السمهري المقصد ولم يغن عنهم غيرر افرغ عبرة ... جداول ناعيكم لذلك تكمد بكيت على سلمى وكلثوم بعدما ... سقاهم بكأس الموت بشر ومعبد وقلت ملوك قد اصيبوا ولم يكن ... لقومك ملك فارضوا الذل واقعدوا وما كان منكم قائد لجماعة ... ولا دافع ضيمها إذا مدت اليد ومنهم ام معبد، واسمها عاتكة بنت خلف التي نزل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت هجرته إلى المدينة، ومعه ابو بكر، والدليل. فسألها النبي صلى الله عليه وسلم ان تسقيه لبنا ان كان معها. ومن بني كعب ثم من ولد حبشية بن سلول بن كعب بن فمير بن حبشية، وبنو اكليب بن حبشية، وبنو ظااهر بن حبشية بن سلول بن كعب. زمنهم بنو عاصرة، بطن حبشية بن كعب، وقمير: تصغير قمر. قال الشاعر وقمير بدا خمس وعشرين ... له قالت الصاتان قوما وظاطرا اشتقاقه من قوم ظياطر. ورجل ظبطرة، وهو الضخم، الذي لا منفعة فيه ولا غنى. والجمع ظياطر وظياطرون. ومنهم بنو الحزمر، والحزمر من الحزمزة، وهي الضيق، وفي نسخة الحرمزة. الومن بني قمير الحجاج بن عامر بن اقرم شريف. واقرم أفعل، واما من قولهم رقمت الشيء إذا قطعته، أو من البعير المقرم، وهو الفحل، والذي يخلفه ولده من خطمه فيقع عليها الخطام لتذل، والفصيل القادم، الذي يتناول البقل بعد رضاعه يقومه، ويأكله، والقرامة كل شيء اقرمته بفيك والقيته، وقرم إلى اللحم قرما إذا اشتهاه. والاسم: القرم، والقرامة ازار يطرح على الفراش نحو المحيس وما اشبهه. ومنهم محلة بن عمرو كليب شريف. ونمهم، ومن ولده قبيصة بن ذؤيب كان على خاتم عبد الملك بن أبي حبتر بن عدي بن سلول بن كعب. وبنو هنية، والحنتر: القصير، يقال رجل حبتر، وحباتر. والهنية: الهدوء والسكون، يقال فلان يمشي على هني، أي على هدوء، والهون الهوان. ومنهم بديل بن ام احرم شريف. وبديل: تصغير بدل، ومن قولهم هذا بدل من هذا، والابدال قوم زهاد، زعموا لا تخلو الارض منهم، إذا واحد مات بدل اللعه به آخر، وزعموا انهم سبعون، اربعون في الشام، وثلاثون في سائر الاقطار. فمن بني عامر بطن بن حبشية ب كعب بن زنيم بن صيفي بن فروة، وكان شريفا. وزنيم: تصغير ازنم من قولهم تيس ازنم، له زنمتان، وبنو زنيم بطن من بني تميم. ومنهم عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف، صاحب النبي صلى الله عليه ولم وهو ابو نجيد عنه ذلك، وكانت تصافحه الملائكة وتناجيه، فاكتوى لداء كان فيه فذهب عنه ذلك، وذهب عنه ما كان يسمع ويروى، وثقد ذكرته في موضع غير هذا. ومن بني صبر، وشعرائهم، ومن رجال خزاعة، مطرود بن كعب بن عرطفة، الشاعر الذي رثى هاشم وعبد شمس ونوفلا والمطلب بن عبد مناف والعرفط: ضرب من الشجر.

ومنهم الحسيمان بن عمرو، وهو الذي جاء بخبر قتلى بدر إلى مكة، وكان يومئذ

ومنهم عمرو بن الحمق، الكاهن، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وشهد المشاهد وعلي، وقتله معاوية بالجزيرة. وكان راسه اول راس نصب بالاسلام. والحمق: زعموا الخفيف اللحية، والانحماق: الجزع، قال الشاعر: والشيخ يضرب احيانا فينحمق والحمق معروف والحمق: نثر يخرج على الصبيان، والمرأة محمقة، إذا ولدت الحمقى، قالت امرأة من العرب: لست ابالي ان اكون محمقة ... إذا رأيت خصية معلقة أي إذا ولدت غلاما وجاء احمق. زمنهم مالك، وهو اسيد بن ععمرو بن الاحجم: الجاحظ العينين، وحجمت الاسد عيناه لغة، والاحجم هو الاحجم بن دندنة، واحسب ان امه خالدة بنت هاشم بن عبد مناف، والدندن يبس الشجرة. قال الشاعر: والمال يغشي رجلا لا خلاق له ... كالسيل يغشى عروق الدندن البالي ومنهم الحسيمان بن عمرو، وهو الذي جاء بخبر قتلى بدر إلى مكة، وكان يومئذ مشركا ثم اسلم. والحيسمان: فيعلان من الحسم، ومن قولهم حسمت الشيء قطعته، وحسمت الجرح كويته، واشتقاق السيف الحسام من الحسم وه القطع. ومنهم الحصين بن نصلة بن الكاهن، سيد أهل تهامة. ومنهم متعب ابن اكوع الشاعر، ومنهم السفاح، فعال من سفحت الماء، إذا اصببته، وسفح الجبل ينسفح عليه ماء السيل، والسفاح ضد انكاح، كتسافح الرجل والمرأة وهما إذا اجتمعا. وقد سمعت العرب سفيحا ومسافحا وسفاحا. ومنهم بنو الضريبة بن عمرو بن الحريش، لهم شرف. منهم مسروح بن قيس بن الضريبة، ايضا حده، يقولون ما في الضريبة والمضريب الجليد، والضريب العسل الجامد، وضرب البعير النقة ضرابا، إذا قرعها، واضربت عن الشيء اضضرابا إذا عرضت عنه، والضريبة ما كان على الانسان من خراج اة نحوه، وفلان محضر الضريبة: أي كريم الاخلاق، والضربى: الذين إذا سافر فيها مسترزقا أو تاجر، والضارب الخيام وما اشبهها للمسافرين. ومنهم بنو بحتر بن عدبي بن سلول بن كعب. كان من شعرائهم ابو رمح عمير بن مالك بن حطب بن عبد شمس بن سعد بن أبي غنم بن حبيب بن بحتر بن عدي بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة لحي مولده في الجاهلية، عمر حتى ادرك مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فرثاه: أجالت على عيني سحابة ماطر ... فلم تصح بعد الدمع حتى ارملت وتبكي على رهط النبي محمد ... وما اكثرت في الدمع لا بل اقلت لقد ضر قومي قبلهم وتبهكنت ... بهم حرمات بعدهم واستحلت فقد اصبحوا من بعد بنت نبيهم ... على فتنة عمياء ما ان تجلت عن ابن الدعي ابن الدعي تتابعت ... عليهم جنود ضللت واضلت فلا قتلت دعوى سميّ وابنها ... ولا ابن ابنها ان كبرت أو صلت لعمرو والدعي ابن الدعي لقدعتا ... عتوا كبيرا ان ذنوبا املت لقتل حسين وابنه في عصابة ... تصلت بنار الحرب حين تظلت ليوث لقاء لا تسام سيوفهم ... ولم تكثر القتلى إذا هي سلت دعا دعوة أو دعوتين محمدا ... وقد نهلت منه الرماح وعلت امية قرت بالقتيل عيونها ... وقد جدلت منها النفوس وسرت مررت على أبيات آل محمد ... فلم الفها كعهدها حين حلت ولا يبعد الله البيوت وأهلها ... وان اصبحت من أهلها قد تخلت فلم تر كأمن حرم لا أخا لها ... ولا عم أمست بالفجيعة هدت تبكي على رهط النبي محمد ... ونجدة أنجاد ذا الحرب عضت فمن لليتامى والمساكين بعدهم ... إذا ما السنون أجدبت واجرهدت اتى فارس الاشقين يجري برأسه ... ولم يخش عقبى كره ان المت فليت الذي عالى عليه بسيفه ... أصاب به يمنى يديه فشلت فقد اظلمت كل البلاد لفقده ... ولو كان حيا فيهم لتحلت وقد اصبحت بعد الرخاء رزية ... وقد عظمت تلك الرزايا وجلت

إذا ذكروا مادت بي الارض قائما ... وجادت دموع العين ثم استهلت ولم تظلم العينان ان تجهد البكاء ... وهابت لهم تلك الدموع وفيت فلله قتلى بالفرات وعصبة ... من آل النبي لو حياة تملت هم الضاربون الكبش يبرق بيض ... إذا الحرب في يوم الهياج اطلت وان قتيل الطف من آل هاشم ... اذل رقابا من قريش فذلت ومنهم جاعدة بن أبي الجون، واسمه أبي الجون عبد العزى بن عمرو بن بذي بن جهلمة بن عاصرة بطن بن حبشية بن كعب بن عمرو بن ربيعة لحيّ. وهو القائل يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه، يلقب جهضم: نهنيكم يوم البقيع فقلتم ... تجهضمت إذا انتم حضور محارس وقلتم غداة الدار فتح مبارك ... وما الفتح الا الشارعات المداعس والا الاولى يخرجن من كل ساطع ... طويل العماد نفعه متكاوس شوارز في نقع من النقع ثائر ... جنوحا على أكنافهن الفوارس لعمري لئن كانت بجنب وغافق ... لكم مثلا فيه كليب وداحس علا عليهم حتى إذا ما تجردت ... لبسوس عفرناه من الحرب عابس بمشعلة شعراء فيها اسنة ... عمايمها تحت العجاج العوانس يطأن بأطراف السنابك منهم ... عصائب صرعى ليس منهن بايس في شعر طويل. وهو القائل: تقول لي ابنة البكري يوم لقيتها ... لعمري لقد امسى الخزاعي سهبا وكنت من الضرب القديم وضربها ... الحديث فلم يأرب بها القلب مأربا ومنهم أخوة الجون بن أبي الجون. وهو عبد العزى، شاعر واخوهما ابو الكنود بن عبد العزى، وكان شاعرا. وبنو عبد العزى هؤلاء بيت من بيوت الشعر في عصرهم، لهم اشعار كثيرة والكنود الكفور للنعمة. ومن ذلك قول الله عز وجل:) ان الانسان لربه لكنود (. ومنهم ابو ضبيش، فعيل من قولهم رجل ضبيش، إذا كان سيء الخلق. ومنهم اكثم بن أبي الجون؛ وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رأيت عمرو ابن لحيّ يجر قصبة في النار " واشبه بن عمرو بن اكتم، والاكتم عظيم البطن. ومن شعراء بني كعب مطرف بن عمرو، وهو الذي رثى عبد المطلب بن هاشم بقصيدته التي يقول فيها: يا عين جودي واذري الدمع وانهمري ... وابكي على السر من كعب المغيرات وكان من المعمرين، ومن جيد شعره قوله: يا ايها الضيف المحرك رحله ... الا نزلت بعبد آل مناف الآخذين العهد في ايلافهم ... والراحلين برحلة الأيلاف ومن بني كعب لبني صاحبة قيس بن ذريح وأما سعد بن عمرو بن ربيعة لحيّ بن حارثة، وهو خزاعة بن عمرو، فولد ثلاثة نفر جذيمة بن سعد، وهو المصطلق، وعامر بن سعد، وهو لحبى والكاهن بن سعد، وسمي جذيمة ابن سعد المصطلق لحسن صوته، كأنه مفتعل من الطلق، والصلق شدة الضرب. وجذيمة من قوله عز وجل،) سلقوكم بألسنة حداد (. ويقال صلق بنو فلان. فمن بني المصطلق وهو جذيمة بن سعد، حويرلة، واسمها برة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عايد بن مالك بن جذيمة، وهو المصطلق ابن سعد بن عمرو بن ربيعة لحيّ بن حارثة، وهو خزاعة بن عمرو بن عامر. ومنهم سليمان بن صرد، الذي كتب إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، بالقدوم إلى العراق، فلما قتل الحسين، قام مع المختار يطلبون بثأر الحسين، ويدعون إلى محمد بن الحنفية، فخرج اليهم عبيد الله بن زياد فقتل سليمان بن صرد وجماعة من اصحابه، ورجع المختار إلى الكوفة. ومنهم بديل بن قريط بن عبد العزى، شريف كتب اليه النبي صلى الله عليه وسلم، يدعوه إلى الاسلام، وكان له قدر في الجاهلية. ومنهم عبد الله بن بديل بن ورقا، الذي قتل مع علي بن أبي طالب بصفين، فأمر معاوية من يشبره، وهو مقتول، فكان ستة عشر شبرا، فقال معاوية؛ هو والله كما قال الشاعر: اخو الحرب ان عضت به الحرب عضها ... وان شمرت يوما به الحرب شمر " وكان احد ممن تقبل الظعن في هوادجها ". ومنهم عمرو بن الحمق الكاهن، صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي طيف برأسه في الجزيرة إلى الشام: وهو اول رأس طيف به.

3 - مليح بن عمرو بن ربيعة لحي

ومنهم علقمة بن القعو، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، والقعو: اول ما يبدو من نور الشجر، إذا انفتح، يقال انفتح، يقال الشجر واقعي. ومنه اشتقاق الفاعية من النور واقعي، النخل إذا ركبته. القحشرة والتي والحمق، وهؤلاء من بني المصطلق، وهو جذيمة بن سعد بن ربيعة لحيّ. 3 - مليح بن عمرو بن ربيعة لحيّ وأما مليح بن عمرو بن ربيعة لحيّ بن حارثة، وهو خزاعة بن عمرو بن عامر. فولد رجلين: سعد بن مليح، وتميم بن مليح. فمن بني مليح: عبد الله بن خالد بن سعد بن عامر بن بياضة بن مليح؛ وابنه طلحة بن عبد الله الذي يقال له طلحة الطلحات وأمه طلحة بنت الحارث بن أبي طلحة. فلذلك سمي طلحة الطلحات. وهم اصحاب قصر ابن خلف البصرة. وكان طلحة يسمى الفعيدور. قال الشاعر: احسان انا ابن آكلة الفعا ... لعمرك تقتال الحروب كذلك ومن اجود أهل البصرة في زمانه، غير مدافع. ومن مواليه طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق، ومن مواليه ايضا حميد الطويل، الذي يروي عنه مالك. ومنهم ابو عبيد القاسم بن سلام. 4 - عدي بن حارثة واما عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر، فولد رجلا: عوف بن عدي، فولد عوف بن عدب سعدا، وهو بارق وعمرا ابني عوف بن عدي فولد عمرو بن عوف بن عدي، ستة رهط: مالك بن عمرو، وهم في بارق، وشبيب بن عمر، والمع بن عمرو، وملادس بن عمرو، وهم بعمان، والريغة بن عمرو وهم بعمان؛ وثعلبة بن عمرو وهما في غسان. فأما بنو ألمع وبنو ملادس وبنو شبيب بن عمرو بن عدي، اخي بارق، وهو سعد بن عدي. منهم من يجعلهم من قبائل بارق، وليس كذلك وانما هم بنو عمرو بن عدي. بارق واما بارق، وهو سعد بن عدي بن حارثة، وهو خزاعة بن عمرو بن عامر، فإنما سمي بارقا لأنه اتبع بقومه البرق، للكلأ وطلب المرعى، فسمى بذلك، وقيل سمي بارقا بجبل نزله بالسراة، فسمي بذلك سراقة البارقي، الشاعر بن مرداس بن اسما بن حارثة بن عوف بن عمرو بن سعد بن ثعلبة بن كنانة بن مسبعة بن بارق، وهو معدود من شعراء الكوفيين، وهو احد من هجا جريرا، وكثيرا هو القائل في كثّير: لعمري لقد جاء العراق كثير ... باحدوثة من افكه المتكذب وذلك ان كثيرا خرج إلى العراق لينشد على المنبر الشعر الذي جعل فيه خزاعة من ولد النظر بن كنانة فلقيه سراقة فخوفه القتل فلم يفعل، وذكر ابو عبيدة ان بشر بن مروان جعل لسراقة خمسمائة درهم، وجعله ان يهجو جريرا، ويفضل عليه بالفرزدق فقال: ذهب الفرزدق بالمكارم والندى ... وابن المراغة مخلف محسور وجرى الفرزدق سابقا لما جرى ... عفوا وغودر في العنان جرير ومن بني بارق المعقر فولد بارق، وهو سعيد بن عدي بن حارثة، وهو خزاعة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء ثمانية رهط: مسبعة ولحمة وحذيم وعبد الله، وهيدبان، والاصم، وشهران، ووسل بني بارق، ويزعم بعض النساب ان شهران هو ابن حولان بن عمرو جاهلي. وهو الذي يقول: فألقت عصاها واستدلت بها القوى ... كما قر عينا بالاياب المسافر فمن بني بارق المعقر بن اوس بن جماز البارقي، وكان احد فرسان بارق في الجاهلية، وكان مع ذلك شاعراً، واسمه سفيان، وانما سمي معقراً لبيت قاله: لها ناهض في الوكر قد مهدت له ... كما مهدت للبعل حسناء عاقر فسمي معقراً، وكان قال هذا البيت في قصيدته التي قالها في شعب جبلة، وهو الشهر يوم من ايام العرب المذكورة ان بني عبس لما كثر ترددهم في حربهم تلك ومعقر مفعل من العقر. ومن القبائل بارق بنو ملادس، وبنو لمع، وبنو شبيب، وبنو عمرو بن عدي. اخي بارق بن عدي، وكان ابو عبيدة يقول: ملادس، وهذا هو الذي معد بني سعد عنده نافلة. فأما بنو لمع وبنو شبيب، فهم بالشام. قال الشاعر: فالحق بقومك بارق وشبيب ومن بني بارق، وسراقة، والبارقي الشاعر بن مرداس بن اسما بن خالد ابن عوف بن عمرو بن سعد بن ثعلبة بن كنانة بن بارق، هجاه جرير، وله حديث مع المختار.

5 - اقصى بن حارثة

ومنهم بعجة بن اوس، وبعجة: فعلة، من قولهم بعجت بطنه بعجا، وانبعج السحاب بالمطر، إذا كثر، والبعاجة رملة تتسع في قاع من الارض يتبجع فيها السيل. احد ابنى عمرو بن عدي، اخى بارق، وهذا هو الذي في بني سعد، كانهم عنده نافلة. ومنهم بنو المع، وبنو شبيب، وهم بالشام. قال الشاعر: فالحق بقومك بارق وشبيب ومنهما بطنان. والمع: افعل من لمع الشيء يلمع إذا برق والمع الرجل سيفه إذا هزه لينذر قوما أو ليحذرهم، والمعت الفرس إذا استبان حملها وهي ملمع والمع لهم إذا الدهر نهب بهم. وفي ارض فلان لمعة من كلأ أي ققطعة عظيمة، وعقاب لموع سريع الاختطاف. والتلميع في الخيل وغيرها كل سواد خالط. ومن قبائل بارق وملادس، بنو عمرو بن عدي اخى بارق بن عدي وكان ابو عبيدة يقول: ملادس هذا هو الذي في بني سعد كانهم عندهم نافلة. ومنهم حذيفة بن محصن. ويقال ان عثمان الغلفاني ثم الرقي، وكان حليفا للانصار، وهو الذي وحهه ابو بكر إلى عمان، اميرا، وكان له بصر فسار إلى عمان، فصدقهم، فلما صار إلى دبا في ولد الحارث بن مالك بن فهم، ليصدقهم، تناول بعض اصحابه من امرأة من العفاة، كان عليها فربضة شاة مسنة، فاعطتهم عتودا أو عناق امكان الشاة، فابوا ان يقبلوها، فاخذوا ما ارادوا فنادت: يا مالك فاتجاش الها ناس منبني مالك. فقال حذيفة: دعوة جاهلية، وخاف ان يكون القوم قد ارتدوا، وكان ذلك في اوان ارتداد العرب، فأغار عليهم فأخذ ناسا منهم، وهم قليل، فمضى بهم إلى المديتة واتبعه سبيعة بن عراك الصليمي والمعلى بن سعد الحمامي، والحارث بن كلثوم الحيدي، وفي اصحابهم فوفدوا إلى أبي بكر. ويقال انهم وفدوا إلى المدينة، وابوو بكر قد مات، ولي امر الناس عمر ابن الخطاب رض الله عنه. 5 - اقصى بن حارثة فاما اقصى بن حارثة، وهو جزاعة بن عمرو بن عامر، فولد عشرة وهم: اسلم بن اقصى، وهو في خبر من تخزع، وسلامان بن افصى، وملكان بن اقصى، وهم من خير من تخزع بعض ولد مالك، وبعضهم في غسان، وعمرو بن اقصى وعدي بن اقصى، وصهيبة بن اقصى، وسواد بن اقصى، وزيد بن اقصى وزيد مناة بن اقصى، فهؤلاء جميعا في غسان. قال شرقي بن القطامي: غسان مابين الملسل والجحفة. وقديد من شرب منه، فهو غساني. ومن انخزع عنه، فهو خزاعي، لم يزالوا كذلك وكان اسلم بن اقصى ممن انخزع مع خزاعة، واخوه مالك بن اقصى، واخوته وهم: سيمون اسلم، فولد اسلم سلامان ومنهم مالك والنعمان، أبناء خلف، كانا طليعتين للنبي صلى الله عليه وسلم يوم احد فقتلا، ودفنا في قبر واحد. ومنهم جرهد بن خويلد، وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم (" ياجرهد غط فخذك، فان الفخذ عورة ". واشتقاق جرهد من قولهم اجرهد بنا السير، أي طال، واجرهدت ليلتنا، إذا طالت. فمن ولد ملكان: اهبان بن اسنان بن الاكوع بن ملكان بن اقصى بن حارثة، وهو خزاعة بن عمرو بن عامر. واهبان هذا هو مكلم الذئب. وكان من خبره انه كان يرعى ضأنا له على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه الذئب واحتمل له كبشا عظيما فلحفه اهبان، فانتزعه منه، ففاقبل عليه الذئب مقعيا على ذنبه، فقال: يا عبد الله تمنعني رزقا رزقنيه اياه الله، فقال أهبان: تا لله ما رأيت كاليوم عجبا، ذئب مقعي على ذنبه يكلمني بكلام لانس. فقال الذئب: وما العجب من ذلك فقال اهبان: والله ما زدتني الا اعجوبة، واي شيء اعجب من ذئب يتكلم، مخاطبا لي واخاطبه مقعيا على ذنبه. فقال الذئب: أفلا اخبرك بما هو اعجب من ذلك؟ قال: ما هو يا ذئب؟ قال الذئب: محمد رسول الله بيثرب، يدعوكم إلى شهادة ان لا اله الا الله، أفلا تجيبونه؟ فقال اهبان: لولا ضأني هذه اتخوف عليها من السباع لأتيته، وآمنت به وصدقته وبايعته. فقال له الذئب: أنا ارعاها لك حتى ترجع، ولا صنيعة عليها.

فاسترعاه الذئب لأهبان، وخرج يريد النبي صلى الله عليه وسلم ليؤمن به. فلما صار قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم من بعيد. قال لأصحابه، قبل وصول أهبان اليه: قد أتاكم أهبان، وقد كلمه الذئب، وقال له: كذا وكذا. فلما صار أهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أخبره الخبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، وأخبر الناس وآمن به وصدقه وبايعه، ورجع إلى ضأنه فوجدها على حالها، والذئب يحويها ويرعاها. فأنشأ أهبان يقول شعرا: رعيت الضأن أحميها بنفسي ... من اللص الخفي وكل ذيب فلما أن رأيت الذئب يعوي ... يبشرني بأحمد من قريب يبشرني بدين الحق حتى ... تبينت الشريعة للمجيب قصدت اليه قد شمرت ذيلي ... عن الساقين قاصده ركيب ألا أبلغ بني كعب بن عمرو ... وأخوتها خزاعة أن أجيبي دعاء المصطفى لا شك فيه ... فإنك ان فعلت فلن تخيبي فكان بعد ذلك من خيار المسلمين، وشهد القادسية، ومات بالكوفة في خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. ومنهم اياس بن سلمة الأكوع، الذي في كوع يده اعوجاج، والكوع المفصل بين الذراع والكف مما يلي الابهام. الرجل أكوع والمرأة كوعاء. ومن ولد أهبان، جعفر بن الأشعث، من أحد الذين دخلوا بالعساكر إلى بلاد المغرب، في أيام المنصور. ومنهم سليمان بن كثير، كان من نقباء بني العباس، فقتله أبو مسلم. ومنهم عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف، وهو الذي كانت تصافحه الملائكة، كانت تصافحه في غدوه وعشيه دهرا من دهره، وذلك لجرح كان أصابه بمكة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكتمه عمران طويلا، فكان يسمع حفيف أجنحة الملائكة وتسليمها عليه وتصافحه طرفي النهار، ولا يدري من هم، ثم شكا ذلك الجرح إلى بعض أصحابه. ويقال كوى جرحه فانقطع عنه ذلك السلام والحس. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان يسمع، وانقطاع ذلك عنه، فقال له صلى الله عليه وسلم: يا عمران كيف جرحك الذي أصابك يوم كذا وكذا؟ قال: انه لامجة، قال: فشكوت وجعه إلى أحد. قال: نعم أمس الأدنى. قال تلك الملائكة، كانت تحف بك لصبرك، فلما شكوته انقطعت عنك. والذي بعثني بالحق لو صبرت إلى أن تموت لسلمت عليك الملائكة إلى أن تموت. فكان عمران يتلهف بعد ذلك على ماضيع بجرحه، إلى أن مات، فلم تعد اليه. ومنهم بريدة بن عبد الله بن بريدة الفقيه، وهو بريدة بن الخصيب، ولبريدة صحبة. وبريدة إما تصغير بردة، وإما تصغير بَرَدة، والبرد معروف، والبرد من قولهم ثور أبرد، إذا كان في طرف ذنبه بياض. والأنثى برداء، ومنه اشتقاق الأبرد الشاعر. والبرد معروف، والربد: النوم. وفسروا في التنزيل) لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا (قالوا: النوم، والله أعلم واحكم. واحتج أبو عبيدة، في هذا يقول الشاعر: بردت مراشفها علي فصدّني ... عنها وعن قبلاتها البرد والأبردة، داء معروف. والبريد عربي معروف، قال الشاعر: " بريد السوى من جبل بريدا " وبردى: نهر بدمشق معروف. قال الشاعر: " بردى تصفق بالبريد السلسل " والبردي نبت معروف، والأبردان طرف النهار. قال الشاعر: إذا الأرطي توسد بردة ... خدود حواري بالرمل غيره ومنهم الحيسمان بن عمرو، وهو الذي جاء بخبر قتلى بدر إلى مكة، وكان يومئذ مشركا، وأسلم بعد ذلك. والحيسمان فيعلان. ومنهم محمد بن مسلم، أول من قتل من المسلمين يوم أحد. ومنهم أسما بن حارثة، الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " مر قومك ليصوموا عاشوراء ". قال: ومن أكل؟ قال: ومن أكل. ومنهم عبد الله بن أبي أوفى، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم بنو بُوي. وبوي: تصغير بّو، والبّو أن يسلخ جلد الفصيل ويحشى تبنا، ويقدم إلى امه لترام وتدر عليه. ومنهم أبو قيلة، وهو جرّ بن غالب، وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والقيل ما كان دون الملك نفسه كأنه هذا الملك ووجر من قولهم وجر. ومنهم ذو الشمالين، واسمه عمير بن عبد عمرو، وقد شهد بدرا، وخلفه في بني زهرة، وجده الحارث بن عبد عمرو، وكان ممن حجب البيت، وذو الشمالين هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم حين سها في صلاته.

نسب عمران بن عمرو مزيقيا وانتشار ولده

ومنهم بصلة بن عبد الله، الذي قتل هلال بن خطل الأدرمي، يوم فتح مكة، وهو يتعلق بأستار الكعبة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد هدر دمه وقتل احدى قنيتيه اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلمت الأخرى. ومنهم أبو نصاف واسمه جراد بن عامر، الذي أصاب بسهمه الوليد بن المغيرة المخزومي، فلم يزل جرحه ينتقض عليه حتى قتله فمات. وفي ذلك يقول الجون بن الجون بن عبد العزى بن عمرو الكعبي ثم الخزاعي: بها أباؤنا وبها ولدنا ... كما أرسى بهيئته ثبير تنازعني وأنت لعبد سجع ... لئيم البيت نجدته قصير أكلب الجن ينبح كلب أنس ... فذاك لعمرك العجب الكبير فإن دم الوليد أطلانا ... نطل دما وأنت له خفير رماه الفاتك الهبري سهما ... زعافا وهو ممتلئ بهير فخر لبطن مكة مخلعبا ... كما يهوى على الثفن البعير فليس لنا بنا غلق إذا ما ... تاوبنا لحاجته الفقير ومنهم ولد أقصى بن خزاعة، أبو برزة الأسلمي، وقد اختلفت في اسمه واسم أبيه. فمنهم من ذكر أن اسمه عبد الله بن جبلة. ومنهم من قال: عبد الله بن بصلة، ويقال بصلة بن عبيد، ويقال هلال بن عويم. ومن موالي خزاعة عبد الرحمن بن بري، الذي يروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعن غيره. ومن قبائل خزاعة عققاف. ومن ولد أسلم بن أقصى بن حارثة، أبو الشيص، واسمه محمد بن رزين بن سليمان بن تميم، وشهد القادسية بن نهش، وشهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن نهش بن حراش بن خلف بن دعيل بن أنس بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم بن أقصى. ومنهم ابن أخته، دعيل بن علي بن رزين الخزاعي، ودعبل: هو العظيم الخلق. قال الكلبي: قرأت على قبر دعبل بالسوس شعرا: أعد لله يوم نلقاه ... دعبل لا اله الا هو يقولها مخلصا عساه ... بها في القيامة يرحمه الله الله مولاه والرسول ومن ... بعدهما فالوصي مولاه ومنهم كثّير عزة بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويم بن مخلد، وجده أبو امامه الأثيم بن خالد بن عبيد، وهو أبو جمعه، واليه ينسب كثير عزة. وكان كثير شيعيا ممن يؤمن بالرجعة، وشعره كثير، وقصائده في عزة مشهورة، وكثّير: تصغير كثير، والكثير ضد القليل، والكثر الجمار. ومنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قطع في ثمر ولا كثر. وعدد كثار أي كثر. وكثر بنو فلان بني فلان، ان كانوا أكثر منهم، واشتقاق الكوثر من الكثرة، والواو زيادة. ويقال عدد كثر في معنى كثير. نسب عمران بن عمرو مزيقيا وانتشار ولده فأما عمران، ويسمى عمران الوّضاح بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن زاد الراكب، وهو غسان بن الأزد، فولد رجلين: الأسد بن عمران، والحجر بن عمران. 1 - الأسد بن عمران وولده فولد الأسد بن عمران ستة رهط: العتيك بن الأسد، وسهيل بن الأسد، ومالك بن الأسد، وأبا وائل بن الأسد، والحارث بن الأسد، وثعلبة بن الأسد. وأمهم هند بنت سامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وكان سبب ميلاد هند بنت سامة للعتيك بن الأسد وأخوته، أن سامة بن لؤي، لما أراد الخروج من مكة إلى عمان اجتمع اليه وجوه قومه وكرهوا عليه الخروج، فقال لهم: ماتخافون عليّ. فقالوا: نخاف عليك أن تجاوز دليلا، أو تزوج لئيما. فقال: إئمنا من الخصلتين. فخرج حتى نزل توام وجاور بها حمام بن عبد بن رفد بن شبانه بن مالك بن مالك، وانتجعه وجوه الأزد، وغيرهم من نزار، ممن كان بتوام وعمان بن عبد القيس يسلمون عليه ويخطبون اليه ابنته هند بنت سامة، وهو يردهم، حتى ورد عليه عمران بن عمرو بن عامر، في جماعة من وجوه الأزد، فتعرف اليه بقومه من الحجاز، وقال هذان بنو حجر والأسد فزّوج أيهما شئت، فزوج الأسد، فولدت هند منه غلاما سماه العتيك، وكتب إلى سامة إلى مكة بهذه الأبيات:

2 - العتيك بن الأسد وأولاده

ساكني الأبطح اني يعدكم ... في جوار الأسد مثلوج الكبد خطب القوم إلى أختكم ... وهو في الدار أرباب معد فرددت القوم لما خطبوا ... رغبة عنهم وزوّجت الأسد سيد القوم وباني مجدهم ... ما انتوى في الغورمن بطن أحد فكتب اليه أهل مكة: أسامة وقيت سام النكد ... ولا زلت تسعى بعيش رغد كرهنا خروجك من عندنا ... وقلنا نخاف اغتراب البلد وقلنا نخاف عليك الضياع ... فعدّ ضياعك صهر الأسد وبنيت فينا لها سجلة ... يسمى العتيك هاك الولد ومنهم بنو قيس بن ثوبان بطن لهم عدد بفارس. وثوبان فعلان من قولهم: ثاب يثوب، إذا رجع وكل راجع ثائب، ومنه ثواب الله العبد كأنه يرجع اليه أجره، ومثابة البير، موضع موقف المستقى؛ والمثابة أيضا رجوع الماء إلى جمته ثاب الماء يثوب، فأما الثوباء، فليس من هذا. واما شهميل، فقد تقدم قولنا في هذه الأسماء، مثل شراحيل، وشرحبيل. وشهميل وعبديل وعبد ياليل، انها مضافة إلى الله - عز وجل -. 2 - العتيك بن الأسد وأولاده فأما العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو بن عامر، واشتقاقه من قولهم: عتك الرجل أبناءه ورحماءه بالسيف، وغيره. وعتك عن يمين فاجره أي قدم عليها، وعاتكة اشتقاقه من قولهم: وعتكت الفرس إذا حمرت، وذلك في الفرس العربية، وعتكت المرأة بالطيب، إذا تضمخت به حتى يحمر جلدها، وكان اسم أم هاشم بن عبد مناف عاتكة بنت مرة. وقد مر ذكرها. والعواتك: جمع عاتكة. وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " أنا ابن العواتك ". وكانت أم العتيك بن الأسد، هند بنت سامة، ويقال: انه سامة بن لؤي قتل ابن اخيه عدي بن عامر بن لؤي. ويقال: بل فقأ احدى عيني أخيه كعب بن لؤي. وأكثر القول الأول قال فخاف سامة أن يقاد فخرج من مكة ومعه ابنه الحارث بن سامة، وهند بنت سامة، وأمها سلمى بنت تميم بن غالب بن فهر بن مالك. وسار سامة هاربا حتى أتى سيف البحر، فتزوج ناجية بنت حزم بن ريان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فولده منها في تلك البلاد، ينسبون إلى ناجية، وله منها بتلك البلاد بقية نسل. واسم ناجية ليلى، ويقال هند بنت حزم، وانما سميت ناجية لأنها سارت مع سامة يريد بها عمان، صارت في مفازة فعطشت فاستسقت سامة بن لؤي، فقال لها الماء بين يديك، وهو يريها السراب، وجعل يتخطى بها الرقاق حتى جاء بها توام، فأتى بها إلى الماء فشربت فنجيت، وقال لها: اذهبي فأنت ناجية، فسميت بذلك ناجية، وسمي ولدها بني ناجية. أولاد العتيك بن الأسد فولد العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو بن عامر، رجلين: الحارث بن العتيك، ولد ثلاثة نفر: مالكا وسعدا وجشما، فوقع عوف وولده في بجيلة وفي قيس وفي خثعم. أولاد الحارث بن العتيك له ستة نفر: وائل بن الحارث، وبه كان يكنى، وأسد بن الحارث، وخالد بن الحارث، وعمرو بن الحارث، وزيد بن الحارث، وبدي بن الحارث. فزيد وبدي لا عقب لهما، وأمهم رقاش بنت عمرو بن قمية، من بن القين بن حشر بن قضاعة، ثم من بني النمر بن وبرة، أخي كلب بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. فولد خالد بن الحرث بن العتيك: الحارث بن خالد، فولد الحارث بن خالد ثلاثة، حياة فوقع خالد وولده في بني شبيان. فولد وائل بن الحارث بن العتيك رجلا عدي بن وائل بن الحرث بن عتيك سبعة نفر: عمرا؛ وقصه، وأمهما عمرة بنت الحارث بن سعد بن الحارث بن عبد الله، من آل الحرث الغطاريف؛ وعبد ربه، وأمه ميمونة بنت مالك؛ وتنعم، وتناعم وهم التناعم. وقد ذكر وائل فولد عمرو بن عدي بن وائل، ثمانية رهط: كنديا، وضحيان، والحرث، وربيعة، وعديا، وجبلا، ومالكا، وأمهم قابل بنت مازن بن سعد بن ثابت بن ندا، من كندة، وأمهما هند بنت جشم، من بني سليم بن منصور. وزعم حاتم بن قبيضه أن أمهم زينب بنت الحارث بن ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية من كندة.

3 - اولاد أبي صفرة، والغزو

فولد كندة بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك، ثلاثة نفر: صبيحا، وقطنا، ومغا، وأمهم سلمى بنت عبد الله بن قصبة بن عدي خلفه، فولد سراق بن صبيح بن كندة بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك، ثلاثة نفر: أبا صفرة، واسمه ظالم، وقبيصة، وخداعة، وأمهم كبيشة بنت أمير بن عمرو. وداع احدى بني الحضيض من عبد القيس، ثم من بني عامر بن الحارث. 3 - اولاد أبي صفرة، والغزو فولد أبو صفرة، واسمه ظالم بن سراق تسعة عشر ذكرا، وثمان بنات، منهم المهلب والمغيرة، وأمهما عناق بنت حاصر بن مالك بن شهاب بن عكيف بن دحي بن عبد شمس بن الحدان بن شمس. وزعم حاتم بن قبيضة أن أمهما سلمى بنت مالك بن حمن بن مالك، من ب ني عمرو بن كندة بن عبد القيس. وزعم المثنى أن أمهما مسكة ابنة داحية، من بني عمرو بن بكره؛ ويحف، وصفرة، وصبر، وعبد الرحمن، وسيرة، وحبيب، واستشهد في يوم خور في آخر خلافة عمر بن الخطاب، وحول بن أبي صفرة، وأمهم عتيقة بنت المستكبر بن غضوبة بن خيار بن المستكبر بن يرسان؛ وقبيصة وأمه من الحدان، من بني بشران والمعارك، قتلته الخوارج؛ والحوفزان والحرد، وبشر، والمنجاب، والشماخ، والعلا، وهاني، وعطي، وفكيهه، وسلما، وعطا، وفاطمة، ونورة، وأم القسم، وأم عثمان، وثلجة. ونظر عرفجة بن هزيمة بن عرفجة، إلى المهلب، وهو غلام صغير مع غلملن العتيك، فتفرس فيه علامات الرياسة والسيادة. قال حسان في شعر طويل يقول فيه: خذوني ان لم يسد سرواتكم ... ويبلغ حتى لا يكون له مثل وكان أبو صفرة، ظالم بن سراق، شريفا في قومه، مقدما فيهم، فلما أسلم زاد شرفه وقدمه قومه، وغزا مع عثمان بن أبي العاص الثقفي شهرك بفارس، فقتل أبو صفرة شهرك، ويقال بل تعاون على قتله ابو صفرة، وناب الحميري. وكان سبب قتل شهرك قائد الملك؛ عثمان بن أبي العاص الثقفي، سنة خمسة عشر، فسار عثمان إلى عمان، وقد كان عمر - رحمه الله - يلتمس عاملا للبحرين، فسأله عثمان أن يولي على البحرين أخاه الحكم بن أبي العاص، فأجابه إلى ذلك، وولاه البحرين. وخرج الحكم في صحبة أخيه عثمان إلى عمان، وتقدم عمرلا إلى أخيه عثمان بالاشراف والمراعاة لأموره، فأخذه بالانصاف، وحسن السيرة. وكان عثمان إذا قدم البحرين أقام بها مدة، وبعث أخاه إلى عمان، نائبا عنه فيها إلى أن بعود عثمان إلى عمان، ورجع أخوه الحكم إلى البحرين فكانا كذلك حتى اتصل الخبر بعمر أن بشطوط سيراف وفارس عددا من المجوس من جهة الملك يزدجر بن كسرى، وكان ذلك بعد وقعة جلولاء بيسير، فخشي عمر أن تقوى شوكتهم، فكتب إلى عثمان بن أبي العاص بأن سر نقطع البحر إلى كسرى بفارس. وكتب إلى عبد وجيفر - ابني الجلندي - بمعونته بمن معه من قبائلهم من أزد عمان، فلما أتى كتاب عمر إلى عثمان بن أبي العاص، وهو بعمان يأمره بذلك، فقال: ابعثوا إليّ رجلا أشاوره. قالوا: عليك بأبي صفرة، فدعاه. فقال: ما اسمك؟ قال: ظالم بن سراق. قال عثمان: اسمان من أسماء الجاهلية. فكره الاسمين، فلم يشاوره، وندب عثمان الناس، فانتدب ثلاثة ألاف، ويقال ألفان وستمائة من الأزد من عمان، مع ما انضم اليه من راسب وناجية وعبد قيس، وأكثرهم من الأزد. وكان رأس شنوة، صبرة بن سيحان الحداني. ورأس بن مالك بن فهم بن مالك بن زيد بن جعفر الجهضمي. ورأس عمران، أبو صفرة ظالم بن سراق، معه جماهة من ولد يحف والمغيرة وحبيب، فخرج بهم عثمان بن أبي العاص، طريق البر، إلى جرفار " جلفار "، وركب بهم من جرفار البحر في السفن، وقد قدم على كل قبيلة منهم من ذكرنا من رؤساء الأزد، فعبر بهم من جرفار إلى جزيرة بني كاوان، وكان بها قائد كبير مع عدد من العجم، فسالم عثمان، ولم يقاتله، وترك ما بينه وبين الغنائم، وكاتب في وقته صاحبه يزدجر، فكتب يزدجر إلى صاحبه بكرمان، وكان عظيما من عظماء كرمان، وأمره أن يقطع جزيرة كاوان فيحول بين العرب الذين بها وبين اخوانهم، وأن يخرج في عدد كثير وان يستظهر في جميع ما يحتاج اليه. فخرج في أربعين ألف رجل من رجالات العجم، وقطع لهم من هرمز، فاتصل الخبر بعثمان بن أبي العاص، فلقيهم بجزيرة القسم، واسمها جاش، وعربوها، فاقتتلوا فيها قتالا شديدا، فقتل الله قائد العجم، وانهزم المشركون.

ويقال إن عثمان بن أبي العاص، لما تحصن بجزيرة كاوان فيمن معه من الأزد وغيرهم، وأنه لم يكن معه في تلك السرية غير الأزد الا نفر قليل من عبد القيس، لا يؤبه لهم لقلة عددهم، فامتنعت الأزد أن تخالط بهم في غزوتهم هذه غيرهم، فلما أن تحصلوا بجزيرة بني كاوان، وكان أمرهم ماكان، واتصل خبرهم بالملك يزدجر، بعث اليهم شهرك في أربعين ألفا، ويقال ثلاثين ألفا من الأساورة والمرازبة وأجلاء العجم في عدة من السلاح والآلة الكاملة، علم ذلك عثمان بن أبي العاص، فخرج في لقائهم، فقالت الأزد: لا نخرج في قتال هؤلاء المشركين ومعنا من غير قومنا أحد، فأخر عثمان عبد القيس بجزيرة بني كاوان، وخرج بقبائل الأزد ومن كان معه من قومهم، فالتقوا بموضع يعرف بنابيجان، وكان عدد الأزد ثلاثة آلاف رجل، منهم ألفان من أزد عمان، وألف واحد من أزد البحرين، فاقتتلوا قتالا شديدا، وثبتت الأزد حتى هزم الله - تعالى - العجم، واستباحهم المسلمون، فقتل شهرك، وانهزم المشركون. وكانت العرب تدعو شهرك بن الحُمّير، وكان الذي قتل شهرك أبو صفرة ظالم بن سراقة، وأشركه ناب بن ذي الجرة الحميري. وكان ناب فيما يزعمون أنه هو الذي حمل على شهرك، فطعنه وأراده عن ظهر جواده إلى الأرض، وأردفه أبو صفرة، وجابر بن حديد اليحمدي، فاشتركوا في قتله، وفي ذلك يقول بعض الشعراء: ناب بن ذي الجرة أردى شهركا ... والخيل تجتاب العجاج الأرمكا ويقال إن ناب بن ذي الجرة لما قتل شهرك أخذ منطقته فحملها الىعثمان بن أبي العاص، فنحله ونفله اياها وخصه بها. ويقال انها بيعت بالبصرة بأربعين ألفا. وبلغنا عمن يصدّق، ممن شاهد الوقعة: أن المسلمين لما استباحوا العجم وقتلوا شهرك، وجدوا في جملة رجالهم من حبال الشعر السود شيئا كثيرا. قال: فدعا عثمان ببعض الأسارى من العجم. فقال: اصدقني عن هذه الحبال، لماذا استكثرتم منها؟ فقال: ان يزدجرد الملك أمرنا بالاستكثار من حبال الشعر لنشد بها العرب، وكان وكنا متصورين انا لا محالة ظافرين بكم. قال: فلما ظفرت الأزد بشهرك خافتهم العجم وانتشرت أخبارهم وقويت أيديهم، وسارت الأزد من فوزها ذلك، حتى قدموا أرض العراق، فنزلوا نوح، وفيهم أبو صفرة ظالم بن سراق، ومن كان في تلك السرية من رؤساء الأزد، وذلك بعد افتتاح الكوفة والمدائن بيسير. ثم فاضوا إلى البصرة يزعمون أن أهل البصرة كانوا قد حسدوهم منزلتهم، وكان قدومهم البصرة حين أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يبصر البصرة، وذلك أن المسلمين كانوا أيام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا خرجوا لحرب العجم جعلوا مضاربهم وقبائلهم ومنازلهم في مواضع البصرة، وهو يومئذ حجارة سوداء، ولم يكن حينئذ قرية الا الحزبية. وكان المسلمون على ذلك ينزلون موضع البصرة إلى أن ولى عمر بن الخطاب أبو موسى الأشعري أمر الناس، وتلك البلاد، فأمره أن يضرب بموضع البصرة خططا لمن هناك من العرب، ويجعل كل قبيلة في محلة، ويأمرهم أن يبنوا لأنفسهم المنازل، ويستروا فيها ذراريهم، وبنى بها مسجدا جامعا متوسطا. ويقال: ان الذي بصّر البصرة، عتبة بن غزوان، بإذن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأن الكوفة كوفها سعد بن أبي وقاص أن العرب لا تصلح الا بأرض يصلح بها الابل والخيل والغنم، فأتاه ابن بقيلة العيلاي، فقال: أدلك على بقعة ارتفعت عن البقعة وسفلت عن الفلاة، فدله على الكوفة. وأمر عمر بعد ذلك أن يضرب بموضع البصرة خططا لمن هناك من العرب، ويجعل كل قبيلة في محلة، وأمرهم أن يبنوا لأنفسهم المنازل. وكان أول من قدم البصرة من أهل عمان، ثمانية عشر رجلا: كعب بن سوار اللقيطي، من بني لقيط بن مالك بن فهم. وفد إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - موتوح، فاستقضاه عمر على البصرة. وقدم مسعود بن عمر الثقفي، وكان كاتبا لكعب بن سوار، ثم أن جماعة الأزد الذين قدموا من عمان مع أبي صفرة، ورؤساء الأزد في سرية عثمان بن أبي العاص، أقام منهم بتوخ مع أبي صفرة، مع من أقام، ونزل منهم بالبصرة من نزل مع من ذكرنا.

وكان سبب الذين نقل منهم من البصرة أنه لما كان خلافة عثمان بن عفان استعمل على البصرة عبد الله بن عام ضمنهم، فقدم بهم من توخ، إلى البصرة، وأما أبو صفرة ظالم بن سراق، فأقام بتوخ، إلى أن استقرت به الديار وأمن المكايد؛ ثم غزا مع عبد الرحمن بن سمرة القرشي، خرج إلى خراسان بمائة فرس ومائة حمرا، كان قطع بها من عمان، وكان أبرهة ثم عاد، بعد وقعة الجمل بثلاثة أيام وقد ظفر علي بن أبي طالب، فقال له علي: يا أبا صفرة، ما لقيت من أحد مثل الذي لقيت من قومك. فقال: عن علي، والله يا أمير المؤمنين، لو كنت حاضرا ما اختلفت عليك منهم سفيان. فدعا له وولاه نهر يبري، ومنادر الكبرى، وولاه أيضا رئاسة الأزد. وقال له: آتني ببعض ولدك لأعقد له لواء يكون له شرفا، وتعقبه يخرج إلى أهل البوادي يؤمنهم، لأن قومأ قد خرجوا هربوا إلى البادية ليرجعوا إلى بلادهم. فأتى ابو صفرة إلى ولده النجف بن أبي صفرة. فقال له ذلك. وكان النجف أسن أولاد أبي صفرة، وكان مولده في الجاهلية، فأبى عليه، وقال: يا أبت ما لاتي رجلا جعل قومي أقل العرب وقتل منهم بالأمس ألفين وخمسمائة رجلعلى غير ذنب، فتركه وعدل عنه إلى أخيه الهلب، وكان أصغر ولده، وهو غلام ابن نيف وعشرين سنة، له ذؤابة في رأسه، فعرض عليه ذلك فأجاب فبلغ ذلك علي، وما كان من جواب النجف لأبيه. فقال علي: اللهم أقل عقله واهوج ولده إلى ولد أخيه. وانطلق أبو صفرة بالمهلب، ويومئذ ابن سبع وعشرين سنة، فأدخله على علي، فمسح من مقدم رأسه إلى قدميه، ومن ذؤابته إلى عقبية، وعقد له الراية، وقال اللهم ارزقه الشجاعة والسخاء والنهى، وأمره أن يسير يؤمن الناس، وقال: اخرج في أثر أهل البصرة نحو الأهواز والبادية، وكان بعضهم مضى إلى الأهواز وبعضهم إلى سفوان، فأمنهم وأخبرهم أن يرجعوا إلى منازلهم في ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد عفا الله عنه ما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه. قال: والناس يومئذ هراب من وراء الحشر من علي، فانطلق المهلب وسار إلى الناس وهم ورأى الحشر الأصغر، لواءه ودعاهم إلى الأمان فأجابوه ودخلوا البصرة، وأقام ثلاثة أيام ثم سار حتى سفوان، وكان طريق الناس يومئذ إلى الحجاز، فنصب لواءه وأقام ثلاثة أيام حتى تراجع الناس إلى البصرة، فتيمن الناس بلواء المهلب والقى في قلوبهم الرعب، من ذلك الوقت محبته. قال: وكان أبو صفرة قد شخص مع عبد الرحمن بن سمرة القرشي حين ولاه عثمان بن عفان في خلافته، سجستان، وكان معه أبو صفرة ومعه أبنه المهلب، يروون أنه يومئذ ابن عشرين سنه. فلما أن صار ابن سمرة بسجستان وأراد الغزو، وعرض الناس المهلب، فاعترض فيم اعترض على فرس بلقاء، فلما مر على ابن سمرة قال له: من أنت؟ قال: أنا المهلب بن أبي صفرة. قال: انك احدث، فارجع. قال: ثم عرضهم الثانية، فاعترض المهلب فرده. قال المهلب: أصلح الله الأمير، اني قد رغبت في الغزو، فلا تكرهن ما ترى من حداثة سني، ولا تصرفني عن وجهي. قال: أما والله لولا ما تحتك ما أذنت لك بالغزو. قال: وتحته فرس رائعة، فغزا معه، وكان أول يوم رئى في المهلب أن عظيما من عظماء أهل كابل خرج يعترض الناس لايبرز له أحد الاقتله. قال: فهابة الناس، قال: ومر في الناحية التي فيها المهلب، قال: وتهيأ له المهلب، فهز رمحه، فلما مر بالمهلب حمل عليه بالرمح فطعنه طعنة نشب الرمح فيه، فأوجزه اياه، فاعتق العلج برذونه، ومضى فانتهى إلى الناس بتلك الطعنة فادعاها غير واحد. فلما كان بعد ذلك، وصالح ابن سمرة العلج، قال: هل تعرف صاحبك الذي طعنك؟ قال: ان عرضتم في الهيئة التي كانوا عليها عرفته. قال: فأمر الناس فتهيأوا على ما كانوا عليه، ثم عرضهم، فلما مر المهلب، قال: أصلح الله الأمير، هذا صاحب الفرس البلقاء، فقال ابن سمرة للمهلب: ما منعك أن تتباهى كما تباهى بها غيرك؟ قال المهلب: ما كنت لأتباهى بطعنة هذا العلج. قال: فانه لأول يوم رأى فيه المهلب شيئا.

4 - نسب المهلب ب ن أبي صفرة وولده وما كان من شأنه

قال: ثم توفي أبو صفرة بالبصرة، في ولاية ابن العباس، لعلي بن أبي طالب، وكان ابن عباس، الذي ولي الصلاة عليه، وقال: لقد دفنا اليوم سيد هذه النفرة. قال: وحدث محمد بن عييبة أن خيل أبي صفرة التي قطع بها من عمان لم تزل معه حتى قدم بها البصرة، وكان رباطه بها معروفا، وكان بها رباطان احدهما في بني سعد، ولأخر في بني جعدة. قال: وحدث جرير أنا نفسي ادركت بقية خيل أبي صفرة تلك ولم تزل في أيدي أصحابنا حتى صارت إلى بشر بن عبد الملك، وأظنه أراد مسلمة. قال: وحدث محمد بن النضر أن مسلمة أخذ بقية تلك الخيل أيام يزيد بن المهلب، وأنه قال: والله هذه لمأثرة كريمة ان مائة وسبعين فرسا رباطا لقوم موصولا بجاهليتهم. 4 - نسب المهلب ب ن أبي صفرة وولده وما كان من شأنه وولد المهلب بن أبي صفرة بن ظالم بن سراق بن صبيح بن كندة بن عمرو بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو بن مزيقيا بن عامر ماء السماء، ثلاثة وعشرين رجلا، واحدى عشرة بنتا، وهم: سعيد، وبه كان يكنى المهلب أبا سعيد، ولا عقب له. والمغيرة، والقبيضة، ويزيد، وحبيب، والحجاج، والبحتري، والمفضل، وعبد الملك، وعمرو، وأبو عيينة، وجعفر، وعطاء، ومدرك، ومروان، وعمرو، وزياد، وفاطمة، وهند، ولقيسة، وأم مالك، وأم عبد الله، وأم يزيد، ومنيعة، وأم الربيع، وأم مراد، وأم نصر، وأم مداش. ولم يزل المهلب ميمونا منصورا لبقية، يعرف ذلك منه. دعا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ثم أردفها دعوة سعد بن أبي وقاص، بعد ذلك في خلافة معاوية بن أبي سفيان، في غزوة الحكم بن عمرو الغفاري ببلاد خراسان، بحيث بعثه زياد بن أبي سفيان. وذلك أن زياد بن ابيه لما ولى العراق لمعاوية، أخرج الحكم بن عمرو الغفاري بالعساكر نحو خراسان، فخرج المهلب، فلما لقي المسلمون العدو ومعهم الفيل وخيل العرب تنفر منه، فترجل الملتهب عن دابته، وتقدم إلى الفيل فضرب خرطومه بالسيف أفأبانه، وهزم الله - جل جلاله - المشركين. ثم ان الناس لما ان قفلوا من غزواتهم اصابهم الثلج والبرد، وجعل العدو يتتبعهم، وليس على الناس صاحب ساقة، فلم يجبه احد إلى ذلك غير المهلب، فانه لمنا راى تقاعد الناس وان العدو قد انتهز الفرصة، فجعل يصيب الناس لعدم الساقة، والمحامى في اعقاب الناس، ودعا المهلب نفسه ان يكون صاحب السلقة، فعقد له وجعله على الساقة، ثم ان المهلب دعا جماعة اختارهم من المعسكر ان يكونوا خلفاءه، وثقاته فيما يقول عليهم فيه، فاجلبه منهم من اختار العسكر جماعة، وكان فيمن اجابه، قطري بن الفجاءة، وكان لا يكاد يفار ق المهلب في غزواته، فلم يزل المهلب يحمي الناس في الساقة، فاذا مر برجل حمله، أو جريح فعل به مثل ذلك وعالجه، حتى سلم الناس وعادوا بالسلامة، وقد دنا لذلك لقب، فبلغ معاوية خبرالمهلب وما فعل عند الناس وعند سعد بن الوقاص، فقال سعد: اللهم لا تره ذلا ابدا، واكثر ماله وولده. فيقال ان المهلب انما ما نال على طول ممارسته بالحروب من الخوارج والمشركين، وكثر ظفره وفتوحاته، ونمو ولده، بدعوة علي بن أبي طالب، ودعوة سعد. وكان سعد يسمى المستجاب من بين اصحاب النبي صلى الله ععليه وسلم ويقال ان المهلب لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده واخوته واولادهم ثلاثمائة وخمسون راكبا، وانه لم ينال من عدوه إلى ان مات. ولم يكن في وق المهلب، في جميع العراق، وقبائل العرب، رجل منهم بقي في الحزم زالعزم والعلم والصدق والامانة والوفاء والرواية للحديث والخطابة والبلاغة والشعر والبيان، الذي ليس في الارض مثله. وكان اجمع الناس للخصال المحمودة للرجل، ومن كمال عقله انه لم يحضر في فتنة قط وكان اكثر وصاياه لاولاده بلزوم الطاعة، ولم يطعن عليه في سب، ولم يسابب احدا في شبيبته، ولم يسب احدا في كهولته الا مرة واحدة، قال لخالد بن ورقاء: ياابن الخنا. وهكذا حكي عن الجاحظ، فاذا كان الجاحظ على معرفته وكثرة علمه بالخبر، لم يحسب له الا هذه السقطة، وعلى ولايته على الرجال، وعلو أمره، ونفوذ رايه. 5 - المهلب وحرب الخوارج

والمهلب، وهو الذي احتاج اليه الناس إلى عزمه وشجاعته مع كثرة رجالات تالعرب، إذ عجزوا عن موضعه، وذلك في وقت قيام الشراة في الفتنة ابن الزبير وعبد الملك بن مروان، فبلغت حينئذ قطري بن الفجاءة واصحابه وجميع الخولرج على بلاد فارس والاهواز، حتى وصلوا إلى سواد البصرة، قبل ذلك بثلاثين هزيمة، وألقوا بأيديهم، فكان أهل البصرة على حالتين: إما أهل القوة فتحملوا بنسائهم وذراريهم إلى البوادي، واما أهل الضعف، فوطنوا انفسهم على القتل وسبي الذراري، وكانت الازارقة ترى السبي والقتل. ثم اجتمع رأي جميع أهل البصرة، انه لا يخلصهم مما وقعوا فيه الا المهلب، فأتوا إلى عاملهم، حارث بن عبيد الله بن أبي ربيعة المخزومي، الملقب بالقناع، وكان قد ولاه عبد الله بن الزبير البصرة، فقال له جماعة وحوه العرب وفرسان قبائلهم: اصلح الله الامير، انظر امور هؤلاء القوم. فقال لهم: والله ما ادري في امورهم اكثر مما تدرون، انتم وجوه قابئكم، وفرسان قومكم، وهذا العدو انما يريد اخذ اموالكموسبي ذراريكم، فأشيروا علي برأيكم. قالوا: مل إلى المهلب فلعله ان يتولى حربهم، فان فعل، وقبل منا رجونا ان يدفعع الله عدونا، ويكفينا فبعث الحارث إلى المهلب فأتاه، وعنده جماعة أهل البصرة. فقال يا ابا سعيد: قد ترى ما ارهقنا ايه من هذا العدو، وقد عجز أهل مصرك عنهم، واجتمع رأيهم عليك، وافترقوا اليك، فكن لهم في موضع ظنهم ب، ورجائهم فيك. ثم تكلم الاحنف بن قيس التميمي فقال: يا ابا سعيد، انا والله ما اثرناك لم نر من يقوم لنا مقامك، فكن عند ظننا بك. فقال له الحاث، واومأ إلى الاحنف: ان هذا الشيخ لم يسمك الا ايثارا للدين، فكل من في مصرك، ماد عينيه اليك راج ان يكشف الله عنهم هذه الغمة بك، وتيمن نقيبك، وميمون طائرك. فلما سمع المهلب كلامهما، ونظر إلى اجتماع وجوه رجال العرب من القحطانية والعدنانية. قال: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، وايها الامير ان نفسي دون ما وصفتني أنت وهذا الشيخ، لست انما دعوتني اليه ان امكنتموني مما اشير به عليكم. قالوا بأجمعهم: لك ما سأت. قال لهم: علي اني اخذ جميع نصف غلاتكم، وكل بلد فتحته من يد العدو، فجبايته لي من الاموال، إلى ان يهلك الله عدوكم، وان انتخب لنفسي من جميع العرب وأخماس البصرة من اردت من الرجال. فوجعوا ساعة. فقال لهم الاحنف: ان كان فيكم من وجوه العرب احد يقدر على حرب هذا العدو بدون هذه الشروط فليفعل. فلم ينطق احد منهم فضرب بيده عللى يد المهلب. ثم قال له: لك الوفاء بجميع ما شرطت على كرههه من كره، أو رضى. فقام المهلب في بنيه وبني اخيه، فمششى على الاخماس، وانتخب من شجعان االقبائل أهل البأس والنجدة، وكان اكثر من انتخب من البائل الارذ. ثم قال: يامعشر الازد والله ما اخترتكم بغضا مني فيكم، ولا القيكم في صدور هذا العدو، ولكني حملني انتدابكم ما سمعته من امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو يقول: للازد اربع ليست في قبائل العرب، بذل في ايديهم، ومنع لجورهم، وشجعا لا يجبنون وحي عماده، ولا يحتاجون إلى غيرهم. بل نصر الله هذه الدين وأفنى صناديد المشركين، وبهم تشتت شمل المارقين. فلما سمع الازد ذلك منه مع ما كان ينالهم من معروفه. قالوا: يا ابا سعيد تقدم بنا حيث شئت، فوالله ما انهزم احد منا عنك ولا مات امامك. ثم ان المهلب قصد قطرى بن الفجاءة، وكانوا في زهاء الف مقنعين بالحديد والدروع والبيض، ولا يبصر منهم الا الحدق، فلقيهم على الجسر وناوشهم الحرب، حتى ازالهم عن الجسر، وكانم جل اصحابه رجاله، فترجل المهلب من دابته وترجل جميع اولاده بين يديه، واخذ المهلب لواءه بيده وتقدم إلى القوم وهو يقول: ان على كل رئيس حقا ... ان يخضب الصعدة أو يندفا فكانت عليه وعلى اصحابه درعة، ثم منحه الله اكنافهم، فاكثروا فيهم القتل. وكان المهلب لما نزل إلى الازارقة ضرب حول سرادقه اثنى عشر سرادقا لبنيه وقد فرض على كل رجل منهم يوما يلي القتال فيه بنفسه وباصحابه، دون اخوته، فيخرج مدرك في قومه وزاخر من بين يديه أهل عمان وهو يقول:

قل للازارق مدرك ان جاها ... هو الذي بسيفه افناها وهو الذي لحتفكم اتاها ... هو الذي يصليكم لظاها أو يفنى من بلاده سراها ... كما صلى من قبلكم اشقاها فخرج اليه عمرو القي، فهزم الناس، حتى افضى الهزيمة إلى المهلب، ففحص الجيش، فقال مدرك لابيه: دعهم فليغلبوا على ما غلبوا عليه، فانهم يرضون من باول ما يصيبون منا، فاذا رجعوا حملت عليهم. فقبل المهلب رأيه لمعرفته بالله، وكان كثيرا ما يقبل من اولاده على معرفته بامور الحرب. فكان يتيمن برأي اولاده فتهيأ لهم مدرك في خيله، فقتل منهم قتلا ذريعا وحمى مدرك الناس، ونزع مغفره، فرمى به، وصاح بالازارقة: انا مدرك، ادرك فيكم ما امل، ولم يزل في اثرهم حتى ادخلهم خندفهم، فرجع إلى لبيه فحمد له رأيه، وشكر له فعله. وفي ذلك يقول زياد بن الاعجم: امدرك لا عدمتك كل يوم ... وهذا اليوم أنت فتى العتيك كففت عن المهلب خيل عمرو ... وعمرو قد اذل على ابيك فلما ان رأيت الخيل رهوا ... اشار مشارة الرجل الحنيك ملت عليهم بالسيف صلتا ... وقد كسروا الجناح مع الفنيك وكنت كالف مقتتل مشيح ... وذلك كان من صنع المليك فرمحك في العجاج لتمر غاب ... وحد السيف للبيض الحنيك وقومك والملوك وانت يوما ... إذا انتسبوا من اولاد الملوك واشتد القتال، وطال على الازارقة حرب المهلب، وكثر مناحبته لهم. فبلغنا ان قطرى بن الفجاة، نظر ذات يوم في حربهم تلك، فرأى رجلا في القلب من عسكر المهلب، فالتفت إلى اصحابه فقال: ما رأيت هذا الساحر صنع الحزم الا اليوم، الا إلى خفة القلب، وحللة الشدة، والخملة، وعشر المؤمنين، عسى الله ان يقتله ويريحكم منه. فسمعها المهلب منه، فسل من سيفه نحو اربع اصابع، وتحزم وتهيأ، ولم يشك انهم فاعلون. قال الحجاج بن القاسم، وكنت مع المهلب، وقد سمعت من قطرى ما سمعت فتركت المهلب، وقد تحزم وتهيأ، ومضيت اركض إلى الميمنة، فجئت إلى المغيرة وهو على الميمة، فقلت له الحق اباك لا يؤخذ برقبته الساعة، واخبرته ما سمعت فجئت انا والمغيرة يركض فوافقنا قطريا، وقد حمل فضرب المغيرة بيد إلى مغفرة وعمامته، فالقاهما، وحسر على وجهه، فخلناه استأسد يومئذ، ثم لقي القوم مضاربهم حتى ردهم إلى مراكزهم، وجعل يقول: الي يا اعداء الله. فخلص اليه قطرى فشد عليه المغيرة، فضربه بالجرز، وحامى عليه الخوارج، فحملوه، وقد اتنته الضربة فقال عبيدة بن هلال: من آل قطري بالمغيرة وحده ... فيضربه بالجرز والنقع اصهب فاقعى امير المؤمنين على استه ... وقد كان لا ذا هيبة يتهيب ثلاث ايام علينا نحوسها ... واني ليوم رابع مرتقب أقول لاصحاب القرآن نصيحة ... دعوا الظن ان الظن جدع مشذب كشفت قناعي يوم قلت انا الذي ... غضبت ومثلي للذي نال يغضب وكان قطري بن الفجاءة، يقول لاصحابه قبل حرب المهلب لهم ان حاكم المهلب فهم الذي تعرفونه، ان اخذتم بطرف ثوب، اخذ بطرفه الاخرى، يمده إذا ارسلتموه، ويرسله إذا امددتموه، لا يبدأكم لا ان تبدأوه، الا ان يرى فرصة فينتهزها فهو الليث الهزبر، والثثعلب الرواغ والبلاء المقيم. قال قطري ايا لاصحابه: ان جاءكم المهلب، رجل لا يناجزكم حتى تناجزوه، وياخذ منكم ولا يعطيكم، وهو البلاء اللازم، والمكر الدائم. فلما اتاهم المهلب، بالحرب ومكره فيه، انه لما اعيى حرب الازارقة وطال الامر بينهم، ومكر بهم، حتى اختلفت كلمتهم، وتشتت امورهم، فوصل إلى ما يريد وذلك ان رجلا من الازارقة كان يعمل نصالا مسمومة، فيرمي باصحاب المهلب، قوقل من كان إذا اصابته نصلة من نصاله يعيش، فوقع خبره الىالمهلب. فقال لاصحابه: انا اكفيكموه ان شاء الله، ووجه رجلا من اصحابه بكتاب، والف درهم إلى عسكر قطري فقال له: الق هذا الكتاب، والكيس اليهم في العسكر، واحذر على نفسك. وكان الحداد يقال له ابرى.

فمضى الرجل وعفل ما امره المهلب، وكان في الكتاب: أما بعد، فأن نصالك قد وصلت الي، وقد وجهت اليك بالف د رهم، وزدنا منها، وزندك انشاء الله. فوقع الكتاب إلى القطري، فدعا بابرى. فقال له: ما هذا الكتاب؟ فقال ابرى: لا ادري. فقال قطرى: فهذه الدراهم؟ قال ابرى: ما اعلم علمها. فأمر به قطرى، فضربت عنقه. فجاءه عبد ربه الصغير، مولى بني قيس بن ثعلبة. فقال له: قتلت رجلا مؤمنا، على غير ثقة ولا تبين الا بكتاب كافر، فكان هذا اول اختلافهم، فرحل عنه عبد ربه مع من اتبعه. فلما اختلفت كلمة الخوارج، ظفر بهم المهلب، وهزمهم، فلم يزل يهزمهم هزيمة بعد اخرى، حتى ادخلهم إلى اصبهان، والى اصطخر بلاد كرمان، فاستأصل الله شأفتهم، وهزمهم على يدي المهلب، وأبادهم حتى لم يبق من جمعهم احد الا من استتر في بعض قبائل العرب في البادية، أو هرب بروخه إلى اقاصي النغرب حتى كثر اليوم، وهو اكثر البلدان سراة، الا ان فيهم كثرة اختلاف في ذلك الذي شتت امرهم ومنعهم من القيام على كثرتهم. فلما فتح الله على يدي المهلب، وهزم الاوارقة، ورجع الناس، واعل البصرة اليها، قالبصرة نسمى بصرة المهلب، اذاك، كان يكتب على الاموال، وهذا ما أفاء الله على المهلب بن أبي صفرة العتكي، وكان اعل الكوفة يقولون لاعل البصرة يا موالي المهلب. وبعث المهلب بكتاب الفتح، مع كعب بن معدان الاشعري، احد بني عمرو بن مالك بن فهم، فلما قدم علىالحجاج. قال له: ياكعب اخبرني عن بني المهلب قال: لهم المغيرة سيدهم وفارسهم، وكفى بيزيد فارسا، وجوادا سمحا، وسخيهم قبيضة، ولا يستحي الشجاع ان يقر عن مدرك، وعبد الملك سم ناقع، وحبيب موت زعاف، محمد ايث غاب، وكقى بالمفضل نجدة. قال له الحجاج، وقد غاضه صفته لهم، يريد ان يقط كلامه: فأين هم من الشيخ؟ قال كعب: فضله عليهم كفضلهم على الناس قال الخجاج: صدفت، فصف لي احوالهم. قال كعب: هم حماة السرج نهار، فأذا الليل ففرسان الثبات. قال الحجاج فأيهم كان انجد؟ قال كعب: كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى اين طرفها. قال الحجاج فكيف كان لكم المهلب؟ وكيف انتم له؟ فال كعب: كان لنا مثل شفقة الوالد ن وله منا بر الولد. فاعجب الحجاج من بلاغته عن جميع ما يأله عنه. قال الحجاج: اكنت اعددت هذا الكلام. قال كعب: ايها الامير، اكنت مطلعا على ضميرك، ختى اعلم ما تسألني عنه فاعتدله جوابا، ولا يعلم الغيب الا الله، وانما جوابي على قدر سؤال الامير، اعوه الله. قال الحجاج: لله درك مثل يوعز إلى الملوك، فالمهلب كان اعلم بك حين وجهك. وامر له بصلة سنبية. وهذا والله هو الكلام المخلوق، لا ما يوضع اناس. ولما قدم المهلب إلى الحجاج، بعد الفنح، واجلسه معه على السرير، واظهر اكرامه وبره. وقال: يا أهل العراق انتم عبيد المهلب. ثم قال له: انبت والله يا ابا سعيد كنا قال لقيط الايادي: وقلدوا امركم لله دركم ... رحب الذراع بامر الحرب مطلعا فقام اليه رجل فقال: اصلح الله الامير، والله لكأني اسمع الساعة قطريا، وهو يقول في المهلب، كما قال لقيط الايادي، ثم انشد الشعر فسر الحجاج، حتى امتلأ سرورا: ما زال يحلب هذا الدهر اشطره ... يكون متبعا طورا ومتبعا حتى اسننم على شزو مريرته ... مستخكم الرأي لا رأيا ولا ضرعا لا مترفا ان رخاء العيش ساعده ... ولا إذا غص مكروه به خشعا فقال خبيب بن عوف وكان من قواد المهلب: ابا سعيد جزاك الله صالخة ... فقد كفيت ولم تعنف على احد داويت بالخلم أهل الجهل فاتقمعوا ... وكنت كالوالد الحاني على الولد قال المغيرة بن حيتل الحنظلي: ان المهلب ان اشتاق رؤيته ... وامتدخه فان الناس قد علموا ان الاديب الذي ترجي نوافله ... والمستعان الذي تجلي به الظلم القائل الفاعل الميمون طائره ... ابو سعيد إذا ما عدت النعم ازمان اومان ان عض الحديد بهم ... إذا تمنى رجال انهم هزموا

فلما وصل كتاب فتح المهلب، إلى عبد الملك بن مروان، ولاه خرسان، وجوارها، كلها ففتح اكثر ثغورها، فأتاه المغيرة بن حينا الخنظلي، فقال له: ايها الامير ان الشعراء مدحوك، فأطالوا ومدحنك فاوجزت. قال له كيف قلت: امسى العراق سليبا لا غيلب له ... الا المهلب بعد الله والمطر من ذا يجود ويخمي عن ذمارهم ... وذا تعيش به الاتعام والشجر سهل عليهم حليم عن مجاعلهم ... كأنه فيهم الصديق اة عمر يزيده الحربوالاهوال ان حضرت ... رأيا وحزما يجلو وجهه السفر فقال له المهلب سلني: قال بكل بيت عشرة الاف درهم فاعطاه اربعين الفا. قال دعبل بن علي الخزاعي، يذكر حرب المهلب، وقومه من الازد، للازارقة، واجلائهم عن البصرة، وذهاب الخوف عن أهلها، ورجوعهم اليها نبعد ان اجلوا منها، قوله: فاما الازد ازد أبي سعيد ... لا هوان اسميه الأمينا فنعم الوكل حين يرام دفع ... ونغمة خيرة المتخيرينا هم الاسد الذين علمت معد ... يحوط بكل معركة عرينا هم رفعوا البصيرة فاستقلت ... وقد ساحت باسفل سافلينا وقد عزمت قبائلها ارتحالا إلى الاعراب خوفا ان يحينا وكادوا ان يكونوا بعد عز ... وبعد الهجرة المتعدينا فلما قيل أين أبو سعيد ... تنادوا اننا بك مرتضونا وكانوا كلما ذكروا سواه ... ترى منهم اباء كارهينا فقادهم إلى الهيجاء شيخ ... قديم يقدم المتعرضينا اخو العزمات يحسرها أعز ... تضي بياض غرتها الدجونا يرشح مشركا ودعا يزيداً ... اليها والمغيرة والحرونا هؤلاء كلهم ولد المهلب، وقوله والحرون، يريد حبيب بن المهلب، وذلك انه إذا اشتدت الحرب هم عليهم همة لا تلوي عن يمينه ولا عن شماله، فسمي الحرون لذلك. وكان إذا انهزم اصحابه لم يبرح مكانه، وكان من احسن اولاد المهلب رأيا في أمر الحرب، كثيرا ما كان المهلب يشاوره في حروبه فيتيمن برأيه: وقلدها المفضل مستقلا ... وعبد مليكهم وأبا عيينا ومروانا وقلدها زيادا ... وكان محمد فيها ضمينا وأوقدها قبيضة واصطلاها ... وقد يصلى الحروب الموقدونا نتائج غارة وملى حروب ... تشيب قبل مولده الجنينا فإن تكن الليالي قدمتهم ... فقد وسموا يمجدهم السنينا فخلى العار عن نسوان قوم ... حيارى ضاق منهن البرينا فاضحى الشيخ بعد الشيب فيهم ... تحن الغانيات به الجنونا احب إلى النساء ابو سعيد ... من الأزواج عند المصلتينا يفدى بالبعولة كل يوم ... ويدعى باسمه في الغائرينا يعني إذ أذهب المهلب الخوف عن أهل البصرة، وأجلى الجيش عنها، في انفس النساء أبر من ازواجهن ز وقد كان المهلب لما طال الحرب بينه وبين الأزارقة، وعمى على الناس الخبر، طاش الخبر بالبصرة، ان المهلب قد مات، فهّم أهل البصرة بالنقلة إلى البادية حتى ورد كتابه بالفتح، وما قتل منهم. فأقام الناس، وتراجع من كان خرج منهم إلى البادية. وقيل في ذلك اليوم، يقول المهلب، متمثلا بشعر ابن البرصي: تأخرت استبقى الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل ان اتقدما إذا المرء لم يغش المكارة أوشكت ... حبال الهوينا بالفتى ان تجذما وفي ذلك يقول بعض النتمثلين: أبا سعيد جزاك الله صالحة ... عن العراق ليالي الحرب يلتهب والناس في فتنة عمياء مكذبة ... والدين مهتجر والفئ ينتهب لولا دفاعك إذ حل البلاء بهم ... لأصبحوا من جديد الأرض قد ذهبوا واقام المهلب نبعد الفنح نعلى ولاية خراسان، خمس سنين، ثم توفي بمرو الرحود، سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن اثنين وسبعين سنة.

6 - خبر ولد المهلب، وما كان من شأنهم

وكان مولده في العام الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما حضرته الوفاة قال: لا وبلت انفس الجبناء، قد حضرت الحروب، ونازلت الاقران، وقارعت الفرسان فها انذا اموت حتف. وفيه يقول بهار بن برسعة السلولي: الا نهب العرف المقرب للغنى ... ومات الندى والجود بعد المهلب اقام بمرو الرود رهن ضريحه ... وقد قبضا من كل شرق ومغرب وقال ابن حينا: ترحلت الاخيار تبغي عميدها ... إذا العرف وارته السفايف والقبر يقولون هل بعد المهلب مثله ... الا لا بل الأمصار من مثله قفر كانا سكارى يوم قاموا بنعيه ... وليس بنا الا المصاب بنا سكر اتى دون ابصار الرجال بغية ... بمثل العمى والسمع حالفه وقر وقد مادت الارضون حتى كأنما ... بكت جبال الصم وانصدع الصخر اترجون ان سمرقندبعده ... وأعلى طحارستان لو يقطع النهر ومن دون ان يشا بأرض سناؤها ... من القصر اشراط القيامة والحشر وقد جعل الله أحدا يأخذ نصف اموال المهلب وخصائله الكريمة، ولم يقدر ان يحوي شيئا من ذلك، لانه ليس من كتاب الف من بعده، في أي جنس، كان من تاليف، الا وقع فيه من اخبار المهلب، واحكامه، وبلاغته وسياسته، وجوده. ولقد وصفه ابن الكلبي فأحسن واختصر فاجزم، وذلك ان ابن الكلبي حبس مع خالد بن عبد الله القشيري، فتذاكروا ام السؤدد. فقال ابن الكلبي: ايها الامير، ما تعدون السؤدد؟ قال خالد: في الجاهلية فالرياسة، واما في الاسلام فالسياسة، وخير ذا وذلك التقوى. فقال ابن الكلبي: صدقت، كان أبي يقول: لا يدرك الشرف الا بالعقل، ولا يدرك الآخر الا بما أدرك الاول. خالد: صدق ابوك، ساد الاحنف بحلمه، وساد مالك بن مسمع بمحبة العشيرة له، وساد قتيبة بدمائه، وساد المهلب بهذه الخلال كلها، إلى ما زاد فيها من الكرم، والشجاعة، والحزم، والعفة، والعلم. ابن الكلبي: صدقت، كان المهلب ابقى الناس للناس، خيرهم لنفسه، وذلك انه إذا كان كذلك أبقى على روحه من السرق، لئلا يقطع، ومن القتل لئلا يقاد نته، ومن الزنى لئلا يجلد، ومن الفرية لئلا يحد، فسلم الناس منه لاتقائه على نفسه. خالد: فهذه الخصال كانت في المهلب. 6 - خبر ولد المهلب، وما كان من شأنهم وكان المهلب، لما حضرته الوفاة، استخلف ابنه يزيد على خراسان، وهو ابن ثلاثين عاما، فأقره عبد الملك على ما ولاه المهلب. ثم ان الحجاج حث على عزله، فلم يقدر على ذلك، لمعرفة عبد الملك بحسد الحجاج للمهلب وولده. فلما مات عبد الملك، وولي ابنه الوليد بعده، زاد في محبة الحجاج عند الوليد، على ما كان عليه عبد الملك، حتى انه قال له في مجلسه: ان أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، كان يقول الحجاج جلدة ما بين عيني. وانا أقول: ان الحجاج جلدة وجهي كله. فلما علم الحجاج محبة الوليد له، كتب اليه يخبره: ان يزيد بن المهلب قد اكل اموال خراسان، واستجلب بها محبة العرب له، واني اخاف من اجانبه نفان اذن لي امير المؤمنين ان اتلطف له بالحيلة لعلي اقلعه من خراسان، واستقدمه إلى ما قبلي، فإنه ان قدم العراق قدرت على اخذ الأموال منه. فكتب اليه الوليد: أمره اليك، فافعل ما ترته، ولم يكن احد من بني المهلب ينادي يزيد الا المفضل، فإنه كان ذا جمال، وسخاء وعلم مع فصاحة، وجودة شعره وكانت الازد تذكر المفضل وسؤدده نوتقولون نعزي ولكن يفضل يزيد عليخه للذي فضله ابوه. وجعل الحجاج يسأل عن أموال بني المهلب، فلما خبر سؤدد المفضل، ازداد حسده لولد المهلب. وكان سبب زيادة حسد الحجاج لولد المهلب، وحقده ليزيد، ان يزيد لما اسر من اشراف أصحاب ابن الاشعث، كتب اليه الحجاج ان ينفذ اليه بالاسرى، فبعث بهم اليه، وخلى عن عبد الرحمن بن طلحة الطلحات، وعبد الله بن فضالة الزهراني نوبعث بالباقين، وفيهم محمد بن سعد بن أبي وقاص، وعمرو بن عبيد الله القرشي، والعباس بن الأسود الزهري، والهلقام بن نعيم التميمي، ثم الداري وقيرود بن حصين، ثم دعا بالهلقام بن نعيم التميمي، فسبقه الهلقام إلى الكلام. فقال: لعنك الله يا حجاج، ان افلتك هذا المزوني، يعني يزيد بن المهلب.

قال الحجاج: لم؟ لا ام لك. قال شعرا: لأنه كاس في اطلاق اسرته ... وساق نحوك في اغلالها مضرا وفي بقومك ورد الموت اسرته ... وكان قومك ادنى عنده خطرا الحجاج: وما أنت وذاك لا ام لك زووقعت في نفسه نوحقد الحجاج على يزيد بن المهلب، وازداد غيظا وحنقا. وقال: والله ما اتحدى ابن المهلب الا جزار المصر، وجعل لا يزال حانقا، حاسدا لولد المهلب، الا يقول ان يزيدا لا يعطيك الطاعة ابدا. فلما ان استأذن بن عبد الملك نوأوهمه في يزيد ما اوهمه، واذن له الوليد في أمره نوقلد الحجاج الأمر في ذلك، جعل الحجاج يدبر الأمر في انقطاع الحيلة على يزيد بن المهلب، واخوته. فعند ذلك احتال حيلة يستدل بها على ما في نفسه، وكتب إلى يزيد في اطلاق من اطلق من الأساري، ويلومه في فوت ابن العباس الهاشمي اياه نواغلظ في كتابه بعض الاغلاظ. فكتب اليه: انا لم نأل جهدا عن رضا امير المؤمنين من لا والنصيحة للامير، ولسنا نملك احاديث الكذبة الحسدة، وان بباب امير المؤمنين من لا احسب الامير ليسره، ان يصدق عليه. فلما قرأ الحجاج كتاب يزيد اليه، أغاضه فظن ان الذي بلغه عنه، كالذي بلغه. فأخذ في ايقاع الحيلة والمكيدة ليزيد. فكتب اليه، وبعث اليه بألطاف العراق، وهداياها، وبعث بذلك مع الخيلر بن سيرة بن ذؤيب المجاشعي. وقال له: اعلم لي خبر يزيد وحاله ومحبة أهل خراسان له نوكان في جملة ما كتب اليه: ان الناس قد أكثروا عليك، فابعث اليّ اوثق من قبلك في نفسك أسأله عما اشكل عليّ من امرك. فلما قدم الخيار بن سيرة، على يزيد بكتب الحجاج، وهداياه اليه، اكرمه يزيد، واقام الخيار عنده شهرا، ومكث يزيد يشاور في ذلك نصحاءه، ويطلبه فيجده ناصحا غير اريب ناويجده أريبا غير مامون. حتى وقع اختياره على الخيار بن سيرة نوكان الخيار قبل ذلك من فرسان المهلب وخواصه، ولم يزل مع المهلب إلى أن حضرته الوفاة، فأوصى بنيه به، فكان يزيد له على ما أوصى المهلب به، فلما ان قدم عليه بكتب الحجاج وهداياه اليه، اختصه واكرمه وسكنت نفسه اليه، لما كان يولونه من الكرامة، فعند ذلك اعاده إلى الحجاج، وكتب عنده جواب كتابه، واوصاه وصية الرجل لأهل بيته، وأمر له بجائزة، وكتب معه أيضاً إلى الحجاج من حوائج الجند وغيرهم. فلما قدم الحيار على الحجاج، دفع اليه بكتب يزيد، فقرأها، ثم قال له: اني أسالك عن بعض ما أريد من خراسان، فكيف علمك بها؟ الخيار: يسألني الأمير عما بدا له، فإني خابر وناصح، عالم بأمر القوم، قديم النصيحة للأمير. الحجاج: فأخبرني عم يزيد بن المهلب وأخويه. الخيار: خبر سر، أم خبر علانية. فلما قالها عرف الحجاج أن عنده ما يحب عليه. الحجاج: بل خبر سر. الخيار: أدن مني. فدنا منه، حتى لصق خده بخده. وقال: أصلح الله الأمير، أخبر خبر رجل إذا أخبرك بما في نفسه ونصحك وصدقك، رددته إلى صاحبه، فهو واليه وأميره، يحكم فيه بما شاء، أم خبر رجل إذا أخبرك بالحق وجلا لك عن العمى قربته واستنصحته واحتسبته. الحجاج: لا، بل خبر رجل إذا نصحني وصدقني قربته واستنصحته واحتسبته. الخيار: جئتك من عند قوم قد أسرجوا ولم يلجموا، ورأيت رجلا جبانا، ان أقررته ولم تهجه فالجري أن يفي لك، وان عزلته فلا أحسبه، والله يعطيك الطاعة أبدا. فصدقه الحجاج واحتسبه وأثبته في أصحابه، ولم يزل فيه حسن الرأي والسيرة، حتى استعمله على عمان عداوة لبني المهلب، وأمره باستذلال أهل عمان، فقبح الخيار السيرة اليمانية من أهل عمان، يقصد بذلك أذية يزيد بن المهلب، ويتقرب إلى الحجاج بذلك، ولم يزل حتى تمكن منه يزيد بن المهلب، بعد موت الحجاج، فقتل بأمره. ثم ان الحجاج لما أخبره الخيار بن سيرة بما أخبره من أمر يزيد واخوته، وصدقه الحجاج واستنصحه، وكان الوليد في ذلك الوقت قد رد أمر خراسان وولايتها إلى الحجاج، فكتب نسخة عهده إلى يزيد، واستقدمه وأمره أن يستخلف على موضعه المفضل، فقال حصين بن المنذر ليزيد بن المهلب، وقد كان أشار عليه ألا يشخص، وأن لا يعبر نهر بلخ، فلم يقبل منه لكثرة وصايا المهلب لبنيه بإلزام الطاعة، فقال له الحصين بن المنذر: أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الامارة نادما

فما أنا بالباكي عليك صبابة ... ولا أنا بالداعي لترجع سالما وأقبل يزيد في جماعة من أهل بيته وقواده، على قدم الحجاج بواسط، فقال له الحجاج: أما ان رسولي أخبرني انك أسرجت ولم تلجم. فعرف يزيد أن الخيار في ذلك اليه، فأسرها يزيد في نفسه للخيار، ثم أن الحجاج أخذ يزيدا بمال. فقال له: آتني بمن يكفل لك، وأخذ من بني المهلب مدركا، وزيادا، وعبد الملك، وأبا عيينة، ثم حبسهم لانتظار عزل المفضل، وكتب إلى قتيبة بن مسلم، وهو الذي تعمده على خراسان. فكتب اليه: أن سر إلى المفضل، حتى توقع القبض عليه، وسر الليل والنهار، واياك أن تعلم بخبرك أحدا، حتى تكون أنت القادم عليه بخبرك. فسار قتيبة حتى دخل على المفضل، فأوقع القبض عليه، ثم بعث به إلى الحجاج، فلما تحصل عند الحجاج، تمكن من بني المهلب، وبعث إلى يزيد والى من في يده من بني النهلب فحبسهم واستأذاهم، وسلط عليهم العذاب. فسمعت هند أصواتهم، وهي بنت المهلب، عند الحجاج، فصرخت، فلما سمعها الحجاج خاف منها أن تقتله، وطلقها، وبعثها يوما إلى يزيد، فجيئ به في قيوده فأقيم بين يديه يشمته الحجاج، فقال له يزيد: استأذن لي في الكلام. الحجاج: قد أذنت لك، وما عسى أن تقول. يزيد: أصلح الله الأمير، ما نعرف شيئا مما أنعم الله علينا الا من الله، ومن أمير المؤمنين، وعلى يدي الأمير. ولنا الأموال ولنا جاه ولنا عشيرة. فإن رأى الأمير أن يسهل علينا في الدخول لعشيرتنا ووجوه رجالنا، فنرجو أن ندفع إلى أميرنا ما طلب منا. فأمر الحجاج أن يؤذن بالدخول لمن أراد الدخول عليهم. ثم كتب الحجاج إلى قتيبة، أن سل الخصين بن المنذر، فإن كان أشار على يزيد بما بلغنا، فاضرب عنقه. فسأله، فأنكر. قال قتيبة: فما قال الناس عنك، انك قلت: أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الامارة نادما الحصين: انما قلت له، وقد أشرت عليه أن يحمل ما كان عنده من الأموال، وأمرته بالمسيرة إلى الحجاج. فقلت: أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الامارة نادما فإن يبلغ الحجاج ان قد عصيته ... فإنك تلقى أمره متفاقما فأقام يزيد واخوته في السجن، وهم يؤدون الأموال، فلم يزالوا على ذلك إلى أن احتال يزيد لنفسه ولاخوته، حتى تسللوا من السجن وخرجوا منه بالحيلة من حيث لا يشعر بهم السجان، ولا أحد من الناس، وقد هيئت لهم الخيل فركبوها من وقتهم وركضوها حتى بلغوا آخر عمل واسط في الدجلة، فركبوا في السفن حتى وردوا البصرة ولم يدخلوها، وقد هيئت لهم الدواب والابل، وبعث بها اليهم فركبوها حتى قدوما على سليمان بن عبد الملك ليلا بفلسطين. ونزلوا برجل من الأزد يقال له عثمان بن المحصن، فأقاموا عنده ثم ارسلوا إلى سليمان بخبرهم، فأمر سليمان الرجل الأزدي أن أبلغهم داره، فأقبل بهم حتى بلغهم داره، فأكرمهم وأجازهم. ثم بعث إلى الوليد يخبره خبرهم، وانه قد أجازهم، فأجاز الوليد جوار سليمان. فلما بلغ إلى الحجاج كتب إلى الوليد: لا يتخذن ذلك علة، فلعمري ما ذهب به غير بني المهلب، أكثر أضعافا مضاعفة. ثم ان سليمان ضمن عنهم ما كان بقي عليهم من مطالبة الأموال، وأخرجها من أعطيات أهل الشام من القحطانية وغرمها، عن بني المهلب. ثم مات الحجاج بن يوسف ليلة الجمعة، لأربع ليال بقين من شهر رمضان سنة خمس وتسعين، وكانت امارته على العراق عشرين سنة. وكان على عمان يوم مات الحجاج، الخيار بن سيرة المجاشعي، فأقره الوليد بن عبد الملك على عمان، وأقر يزيد بن المهلب على خراج العراق. فبعث يزيد بن أبي مسلم، سيف بن الهاني الهمداني إلى عمان، لاستيفاء صدقاتها، ثم مات الوليد بن عبد الملك يوم السبت النصف من جمادى الآخر سنة ست وتسعين. واستخلف سليمان بن عبد الملك يوم مات الوليد بن عبد الملك، فعزل العمال الذين كانوا على عمان واستعمل عليها صالح بن عبد الرحمن بن قيس مشرفا ومستوفيا عليهم، ففعل ذلك. ثم استخص يزيد بن المهلب فأكرمه ورفع من شأنه، وولاه أمر العراق وخراسان، وجعله مكان الحجاج. فولي يزيد بن المهلب أخاه زياد بن المهلب، عمان. وكتب إلى سيف بن هاني الهمداني يأمره بإيثاق الخيار بن سيرة وحبسه والاحتفاظ به إلى أن يقدم عليه زياد بن المهلب.

فلما قدم زياد عمان، بسط على الخيار العذاب، فلما كان بعد مدة، ورد مرتع غلام يزيد بن المهلب، على أخيه زياد، بكتاب منه يأمره فيه أن يمكن مرتعا من قتل الخيار، فمكنه من ذلك وقتله، وكتب إلى زياد: اني لم أبعثك جابيا، ولكن بعثتك ثائرا. وبعث يزيد بن المهلب، المنهال بن عيينة، إلى جزيرة بني كاوان، وأمر زياد بن المهلب أن يفرض لأهل كاوان ويوجههم المنهال إلى البصرة. ثم ان سليمان بن عبد الملك، أثر في نفسه محبة، يزيد بن المهلب، ورفع من أمره وقدره، وقدمه على سائر خواصه وأعماله وملكه، أعنة الخيل وتدبير الأمر، فبلغ من أمر يزيد بن المهلب حتى صار بالعساكر وفتح جرجان وزاد علو همته وبذل المال، فقصدته صناديد العرب وشعراؤها، فأعطى وأكثر، ثم أنه ولى خراسان وقيادة الجيوش ابنه مخلد بن يزيد، وهو ابن اثني عشر سنة، وفيه يقول الكميت: قاد الجيوش لبضع عشرة حجة ... ولداته في ذلك عن اشغال قعدت بهم هماتهم وسما به ... همم لملوك وسورة الأبطال وفيه يقول، مرة بن بيض: بلغت لعشر مضت من سنيك ... ما يبلغ السيد الأشيب فهمك فيها حسام الأمور ... ولهم بداتك أن يبلغ ففتح مخلد: اليم، والقم، في يوم عيد لهم، وأخذ امرأة ملكهم وأفلت الملك، فافتداها بأصنامهم الذهب، وما في بيوت أموالهم. وكان يزيد يجلس على سرير سليمان بن عبد الملك في مغيبه. فإذا حضر سليمان جلس يزيد عن يمينه، فإذا نهض عاد إلى مكانه. واليه كان أمر جميع الناس لما علم فيه الكفاية والسياسة، وملكه أعنة الخيل، لمعرفته بشجاعته وبأسه ومحبة العرب له. وكان معه على ذلك إلى أن مات سليمان بن عبد الملك، واستخلف بعده عمر بن العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان. فعزل يزيد بن المهلب عن العراق، واستعمل على العراق عدي بن أرطاة الفزاري. وقد كان زياد بن المهلب عاملا من جهة أخيه يزيد بن المهلب على عمان مكرما لليمانية، إلى أن مات سليمان بن عبد الملك، وولى عمر بن عبد العزيز، واستعمل على العرق عدي بن أرطاة الفزاري، فاستعمل عدي بن أرطاة العرب تحت لوائه طوعا. فعند ذلك يزيد بن المهلب أن يغلب بني مروان. وجمع يزيد العساكر ومن أطاعه من اليمانية، من أهل الشام، منهم: كلب، وغسّان، ولخم، وخدام، وعامله، وأحياء قضاعة، وحمير، وكندة، والسكون، ومدجح، وجثعم، وقدم فيهم أخاه مسلمة بن عبد الملك، والعباس بن يزيد، فساروا بالعساكر يريدون يزيد بن المهلب وأهل بيته. فلما بلغهم خروج مسلمة ومن معه بالعساكر إلى ما قبلهم لمحاربتهم. قال حبيب بن المهلب لأخيه يزيد: أيها الأمير؛ امض بنا إلى خراسان، واجعل بيننا وبين بني مروان العراق. فلم يقبل منه، فلما أقبلت العساكر واختلفت الناس على يزيد وحسدته العرب أن يغلب بني مروان، فبلغ ذلك يزيدا، فاستقبل ووقف عند اخوته وأهل بيته، وكان عنده في عسكره نفر من بني تميم وغيرهم من المضرية. فلما التقى الجمعان يوم العقر، من بابل ببغداد، وقد أقبلت عساكر الشام من قبائل اليمانية مع مسلمة بن عبد الملك، إلى قبائل بني المهلب، ليس معهم أحد من ربيعة ولا مضر، فنظر ابن المهلب إلى كتائب مؤلفة، كلما أقبلت كتيبة قال يزيد لأصحابه: ما هذه؟ قيل: كنده، ثم جاءت أخرى، فقال: ما هذه؟ قيل: لخم، ثم أقبلت أخرى، فقال: ما هذه؟ قيل: حمير، ثم أقبلت الأخرى، فقال: ما هذه؟ قيل: غسان، ثم أقبلت الأخرى، فقال: وما هذه؟ قيل: همدان، وأقبلت الأخرى، فقال: وما هذه؟ قيل: قضاعة، ثم جاءت مدجح، وجاءت خثعم، وجاءت عامله، وجاءت السكون، وأقبل ينظر إلى قبائل اليمن ويعددهم حتى استتم عدد الكتائب. ثم قال: قبّح الله مسلمة، بقومي قتلني لا بقومه. ثم تقدم هو وأهل بيته للقتال، فتقدم أخوه حبيب بن المهلب. فقاتل قتالا لم ير مثله، فكان يحمل على أهل الشام حتى يغيب فيهم، ثم يخرج من ناحية أخرى، ففعل ذلك مرارا، فلم يرع الناس الا بفرسه يجول. فعلموا أنه قتل، فأخبر يزيد بذلك. فقال: لا خير في العيش بعد أبس بسطام. ثم تمثل بهذا البيت: أخو النجدات لا يبالي إذا انتضى ... حديدته من غاب عنه إذا اعتزم

ويقال: انه وقف بعض ولده، وولد بعض اخوته، على حبيب، وهو يجود بنفسه، فقال له: أي عم، اصبر عليك، حتى إذا مت قطعت رأسك ودفنته لئلا يعرف. فقال له وهو بآخر رمق: لا تفعل، فإنني أخشى إذا لم يجدوني في المعركة قتيلا يقولون هرب. فأخبر يزيد بذلك، فدعا يزيد حينئذ نافجة فيها مسك فشربه. فقال: الساعة أقتل، فأخب أن يوجد مني رائحة طيبة. وتقدم إلى القتال، وكانت به علة، قد تقدمت، فأضعفته وأنهكته، وأنشأ يقول متمثلا: فإن نغلب فغلابون قدما ... وان تغلب فغير فعلبنيا وما ان طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة أخرتنا ثم قال: يا أهل العراق، وأصحاب السبق والسباق، ومكارم الأخلاق، ان أهل الشام في أجوافهم لقمة دسمة، قد رأبت لنا الأشداق، وقاموا لها على ساق، وهم غير تاركيها لكم بالمراء والجدل، فألبستموها جلود النمر، والا لم يطيقوكم، ثم تقدم، فلم يزل يقاتل يمنة ويسرة حتى قتل، وكان الذي تولى قتله بيده، الفحل بن العباس الكلبي. فأتى عثمان، مولى بني حصيلة برأسه إلى مسلمة. فقال له: أنت قتلته. ولم يعرف مسلمة الرأس، فقيل له: مر به، فليغسل ويعمم، فإنا ما رأيناه قط بلا عمامة. فأمر به فغسل وعمم فعرف. وهذه مناقب يزيد، لم ير رأسا عمم، غير رأس يزيد. ثم قال لهم مسلمة: اطلبوا جثته، فإن برجله علامة. قال أبو عبيدة: كانت ابهام رجله والتي تليها ملتصقتين. وكان يزيد بن المهلب نفر من بني تميم، وجماعة من المضرية، فانهزموا عنه، فلما قتل يزيد، انهزم الناس. فقيل لمحمد بن المهلب: انج بنفسك فقد قتل اخوتك، وانهزم الناس عنك. فقال: والله لا يسألني أحد كيف كانت وقعتكم وخلاصك أبدا. فقاتل حتى قتل. وبقي المفضل يقاتل ولا علم له بموت اخوته. فقاتل قتالا شديدا وفقئت عينه. وقد أجمع رأي من بقي من آل المهلب أن يمضوا على حاميتهم، إلى عقر بابل، فأقبل عبد الملك إلى المفضل، وكره أن يخبره بموت يزيد يستقبل. فقال له: على ما تقتل نفسك يا أبا غسان، وقد انحاز الأمير إلى واسط. فقال له المفضل: ما تقول؟ قال: ما قلت لك الا حقا، وحلف له بالطلاق. فانحاز عبد الملك، والمفضل، ومن بقي من آل المهلب، يريدون واسطا، وقد أفرج لهم أهل الشام، لأن مسلمة وأهل الشام اتفقوا فيما بينهم أن بني المهلب لا يبرحون المعركة، أو نَفْي جميع أهل الشام. وقالوا: أن يفسحوا فرجوا لهم. وسألهم مسلمة ذلك. قال لهم: ان رأيتم آل المهلب، يطلبون منكم الخلاص، فلا تضيقوا عليهم، فإنهم لا يموتون حتى يفنوا رجالكم. فلما دنو من واسط، علم المفضل بقتل يزيد، فندم على الحياة وغضب على عبد الملك، وأقبل عليه يشتمه. وقال له: ويلك فضحتني إلى آخر الأبد، ما عذري عند الناس، إذا نظروا إلى شيخ أعور منهزم موتور، لاجرم، والله لا أكلمك بكلمة ما عشت. وما كلمه حتى مات. وقال المفضل، حين علم بقتل يزيد: ولا خير في القتل الصناديد بالقنا ... ولا في ركوب الخيل بعد يزيد ومضى أهل المهلب يريدون قيدابيل، والتعن، فلما سمع بمجيئهم أغلق الباب في وجوههم، وبعث مسلمة بن عبد الملك، عبد الرحمن بن سليم الكلبي، إلى البصرة، في عشرة الآف، وأمره ان قول أن يستأصل، ونسي وأمره أن يهدم دور بني المهلب، وكان الذي ولي هدمها عمر بن يزيد بن عمير الأسدي. وخرجت العساكر إلى آل المهلب، وتفرق الناس عنهم، ولم يبق الا ولد المهلب، وبعض مواليهم، وكثرت عليهم العساكر، وكان مسلمة أمرهم أن يقتلوا الا كل من قبل. فقبل منهم: المفضل، ومدرك، وزياد، وعبد الملك، وعمر بن المهلب، ومن بني بنيه حرث بن محمد، وعباد بن حبيب. وفي ذلك يقول المفضل: وما الجود الا أن نجود بأنفس ... على كل ماضي الشفرتين قضيب وما خير عيش بعد قتل محمد ... وبعد يزيد والحرون حبيب ومن هز القنا خشية الردى ... فليس لمجد حادث مسكوب وما هي الا رقدة تورث الشقا ... لعقبك ما جنت رواة ريبوا

وقدم مسلمة بن عبد الملك، بأسرى آل المهلب، إلى أخيه يزيد بن عبد الملك - لعنه الله - فجمع يزيد إلى بنيه وقواده ومن حضر من أهل وجوه الشام. فاستشارهم فيهم. فقال مسلمة: يا أمير المؤمنين، قال الله - عز وجل -:) إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتم فشدوا الوثاق فإمّا مّناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزراها (. وقد قتل الله طواغيتهم، وأمكن منهم وأظفرك ببقيتهم، فامنن عليهم. فإنه لم يبق منهم أحد تخافه. قال العبد الصالح:) رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا (. والله لا ينبغي لأمير المؤمنين أن يستبقي منهم أحدا فإنهم آفة العراق. ومتى لم يبق منهم أحد كنت قد حصنتها. قال يزيد: هذا والله الرأي، لا رأي أبي سعيد، وأمر بإخراجهم ليقتلوا، وكان في الأسرى دريد بن حبيب، زري به فقتل، ثم قتل الأول، فالأول، حتى بقي المهلب بن يزيد، وكانا حدثين فلما أمر بقتلهما. قال أحدهما: والله ما أنت، ولا وجب عليّ حدّ، ولا قتلت. قال يزيد لمسلم بن عقبة، وارجأ بن حبوة: قوما فانظرا هل أنبتا. قال: مسلم: قد أنبت. وقال ارجأ: لم ينبت. فقال يزيد: اضربوا أعناقهم. فقال المهلب ليزيد: أما والله يا يزيد ما حاكمتك الا إلى الحكم العدل الديّان بالقسط الذي لا يجور. فقال يزيد: اضربوا أعناقهما. فنظر المهلب إلى سيف السياف، وقد علا رأسه ملطخا بالدماء، فقال له: امسح سيفك من الدم قّبحك الله، ولعن من أمرك، فإنه أسرع له، فأهوى السياف لمسح سيفه. ونظر المهلب إلى أخيه، فإذا عينه قد دمعت، فعض على شفتيه كالزاجر له. فقال يزيد: قاتلكم الله صغارا وكبارا، ما أشجعكم. ثم قتلا، فقالت فاطمة بنت المهلب في ذلك: فإن الذي حانت بفلح دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد هـ ساعدوا الدهر الذي تبقى به ... وما خير كفّ لم يؤيد بساعد أسود شرى لاقت أسود خفية ... يساقوا على لوح دماء الأساود وقدمت هند بنت المهلب، إلى يزيد تسأله فيمن عنده من أهل بيتها. وكان موافاتها من الشام في عشية اليوم الذي قتل في نسمتها آل المهلب. فبعث اليها مسلمة يخطبها. وكان رسوله اليها رجل يقال له سياف. فلما أبلغها الرسالة قالت: كفء كريم، ولكن يأمني مسلمة على نفسه، وقد قتل اخوتي، والله لو أن مسلمة أعاد فيهم الروح، ما طابت نفسي بتزويجه، وقد كنت أحسب لمسلمة عقلا. فانطلق الرسول إلى مسلمة فأخبره بمقالتها، فقال: صدقت ابن المهلب، وما كان ارسالي اليها إلا هفوة، ثم أقبل على من حضره م أصحابه، فقال: كنت أحسب أن الشجاعة في رجالهم، فإذا هي في رجالهم ونسائهم جميعا. وانما اقتدى يزيد بن عبد الملك في قتله آل المهلب، جبرا بين يديه، لفعل بن معاوية - لعنهما الله بيت نبي الله صلى الله عليه وسلم ليرى أهل الشام انه قتل أهل بيت أعز العرب في وقته، كما قتل ابن معاوية - لعنه الله - أهل بيت بني الله صلى الله عليه وسلم فضربت العرب بهذين البيتين المثل، فقالوا: أضحى بنو حرب بالدين بكربلاء ... وأضحى مروان بالمروة ويوم العقر ببابل فيوم كربلاء، يوم قتل الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ويوم العقر، يوم قتل يزيد، وحبيب، ومحمد، وآل المهلب. وقال الفرزدق، يرثى يزيد بن المهلب: لا حملت أنثى ولا وضعت ... بعد الأعز أصيب بالعقر ذهب الجمال م المجالس كلها ... وخلا لفقدك مجلس القصر كنت المنوه باسمه لملمة ... حدثت تخاف وطارد الفقر وزعيم أهل عراقنا وقريعهم ... واليك مفزعنا لدى الذعر قال الطرماح بن حكيم الطائي، للفرزدق التميمي، يعيره بفرار بني تميم عن يزيد بن المهلب، يوم عقر بابل: فخرت ليوم العقر شرقي بابل ... وقد جبنت فيه تميم وولّت تميم بطرق اللوم أهدى من القطا ولو سلكت سبل المكارم ضلّت ولو أن عصفورا يمد جناحه ... لأهل تميم كلها لاستظلت ولو أن برغوثا على ظهر قملة ... يكر عليها صفا تميم لولّت ولو جمعت يوما تميم جموعها ... على ذرة معقولة لاستقلّت

نصر بن الأزد وانتشار ولده

أرى الليل يجلوه النهار ولا أرى ... عظام المخازي عن تميم تجلّت والشعر أكثر من هذا. وسمع مسلمة بن عبد الملك، رجلا من أهل الشام، وهو يقول: ماذا لقينا من ابن خايك كنده، ثم انساناه هذا الزوني. يعني بالمزوني: يزيد بن المهلب. فقال له مسلمة: اسكت ثكلتك أمك، أما والله لولا حسد العرب له، ومشي فريص قريش اليه، ما كان خليفتك غيره. وكان مولد يزيد سنة ثلاث وخمسين، وقتل سنة ثلاثين ومائة، وهو ابن تسعة وأربعين سنة. فلما قتل يزيد بن المهلب، وأهل بيته وانهزم جمعهم، وكان من أمرهم ما كان، مضى بقية آل المهلب يريدون عمان، وبها زياد بن المهلب، فاجتازوا بالبحرين، وبها مهزم بن الفرز العبدي، عاملا ليزيد بن المهب. فقال لهم: ياقوم، لا تفارقوا سفنكم فإنه أبقى لكم، فإني أخاف عليكم ان خرجتم منها أن يتخطفكم الناس ويتقربوا بكم إلى بني مروان. فقالوا له: ما شك فيما تقول، لكنا لا نقوى على طول المكث في البحر. ثم مضوا حتى انتهوا إلى عمان، فآواهم زياد بن المهلب، وسكن معهم، وقال لهم: قد عرفتم اني من أكثركم مالا، فأقيموا بعمان، فإن جاءكم ما لا تقوون عليه من الجنود وغلتم في بلاد السحر، فإنما أنتم مع قومكم، فأبو، فركب معهم وهم يريدون الديبل، فجزع النساء من البحر، فلما رأوا ذلك عدلوا إلى مكران، وولوا أمرهم المفضل بن المهلب. وكانت هند، وفاطمة، ونفيسة بنات المهلب ظاهرات، وذلك أنهن شخصن في البحر بعد خروج آل المهلب من العراق إلى عمان، فاتبعهم حتى قدمن عمان، فإذا القوم قد قطعوا إلى مكران، فأقمن بعمان حتى جاءهن أمان من مسلمة بن عبد الملك، فرجعن إلى البصرة. ولم يزل آل المهلب متبددين حتى ظهر أبو مسلمة بالكوفة وكان من أمره ما كان. فقام سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بالبصرة على سعيد بن مسلم بن قتيبة، وكانت بينهما وقعة قتل فيها ابن لسفيان بن معاوية يقال له معاوية، فأراد سفيان أن يحرق البصرة ورمى النار في درب الحريق، فبه سمي إلى اليوم. فلما نظر الناس إلى ذلك، مشوا بينهم على الصلح إلى أن يظهر أبو مسلمة إلى من يدعو، فلما بلغ ذلك أبا العباس السفاح، واسمه عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وهو أول من ملك من بني العباس، بعد ملك بني أمية ز فكتب ابو العباس بن عبد المطلب، وهو أول من ملك من بني العباس بعد ملك بني أمية. فكتب أبو العباس السفاح نحينبلغه ما كان من محاولة معاوية بن سفيان بن يزيد بن المهلب، وبذله نفسه، دون أبي العباس، إلى معاوية بن سفيان، يعيده، وولاه على البصرة، فلما ظهر أمر أبي العباس مضى اليه سفيان، قال له: يا سفيان؛تمنى ما تريد في دولتنا. فقال له: يا أمير المؤمنين؛ضياع جدّي، الني أخذتها بنو مروان. فقال: ولك ذلك. فلما خرج، قال أبو جعفر المنصور: يا أمير المؤمنين، انك أعطيت لسفيان نصف البصرة، وأنت محتاج في هذا الوقت إلى الأموال. أمير المؤمنين: فما نرى بمنعه ماله، وقد بذل روحه دوننا، وقتل ابنه في طلب دولتنا. المنصور: يا أمير المؤمنين، هو يرضى أن تشاطره، وله في ذلك مقنع. أمير المؤمنين: ان رضي بذلك، فافعل ما تراه. فخرج اليه المنصور، وقال له: يا سفيان، انك لتعلم أن أمير المؤمنين محتاج في هذا الوقت إلى الأموال إلى أن يهلك الله عدوه، فخذ نصف ضياع جدك، في هذا الوقت، إلى أن يهلك الله عدو الله وعدونا، ثم تأخذ ما بقي. فقبل منه، فأمر المنصور يقطين بن موسى أن يخرج معه، ويشاطره ضياع يزيد بالبصرة. فلما أخذ سفيان شطره كانت غلته في كل يوم أربعة آلاف دينار. وقام روح بن خاتم بن قبيضة بن المهلب بأكره، ودعا إلى أبي سلمة. فلما ظهر أبو العباس، كتب اليه بعهده على فارس، وقام سليمان بن حبيب بن المهلب بفارس، وقام سليمان بن حبيب بن المهلب بفارس، فدعا إلى أبي سلمة بفارس. فلما ظهر أبو العباس، كتب بعهده على السند، وبعث به مع السعيد بن الحميري، فلما دخل على سليمان بعهده، وكان شاعراً أنشا يقول: نصر بن الأزد وانتشار ولده 1 - مالك بن نصر

2 - ميدعان بن مالك

فأما نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. فولد رجلا، وهو مالك بن نصر، وكان مالك بن نصر بن الأزد، أحد أجواد ملوك العرب، وهو الذي كان يوقد نارا في كل بقاع من الأرض، والبقاع، هو ما أرتفع من الأرض ليقصد إلى ناره الوفود والأضياف، وذوو الحاجات والفاقات، ويبني المنازل على المناهل، وترك الأنعام والمواشي على المناهل نوكل من وصل من عابر سبيل لم ينحر له الموكلون بالأنعام، وله على الضيافة بكل منهل وكلاء انتجبهم من الناس، وكان ذلك دأبه في عصره. وهو الذي يقول فيه بعض شعراء ذلك العصر: يا مالك الخيرات يا ابن نصر ... يا ناحر الكوم بكل قطر ما دمت فالناس حليفو يسر ... قد قام جودك مقام القطر فمن مالك بن نصر، تفرقت قبائل نصر، أزد شنوة، منهم بنو دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وأنما سموا أزد شنوة لشنان كان بينهم، والشنان هو البغض. ومن أزد شنوة بنو عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. من قبائل نصر بن الأزد، بنو عامر. واسمه عامر. ويقال عمرو بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. ومنهم راسب، واسمه الحارث بن مالك بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد. وكان منهم عبد الله بن وهب الراسبي، صاحب الخوارج. فهؤلاء من قبائل نصر بن الأزد. وكان مالك بن نصر بن الأزد، قد ولد خمسة نفر: عبد الله بن مالك. وميدعان بن مالك. وميدعان كلهم بالحجاز، ليس منهم أحد بعمان، وعمرو بن مالك، وهم بالحجاز، ومعاوية بن مالك، وهم قليل بالحجاز. ومويلك بن مالك، ملك اليمن كلها، وهو أول من قطع الأيدي والأرجل. 2 - ميدعان بن مالك وولد ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد، ثلاثة رهط: عوف بن ميدعان، ومالك بن ميدعان، ومنهب بن ميدعان، ومر بن ميدعان. فولد مالك بن ميدعان، خمسة رهط وهم: معاوية، وراسب، ووهب، وقراد بني مالك، وولد عوف بن ميدعان. وميدعان اشتقاقه من الميدع، والميدع: ثوب يلبس فيودع به غيره، فإن كان من هذا فأصل هذه الياء. أو كأنه مودعان، والجمع ميادع، وقالوا ميادع. فمن قال ميادع، وجعله أصله من الساء نمن قال موادع، جعل أصله من الواو والميادع في لغة من قال ميازين، يريد موازين. والواو الأصل. فولد مفرج بن عوف سلامان نوهم رهط عبد الملك قبن أبي الكنود، الفقيه، فولد سلامان بن مفرج بن عوف بن ميدعان ستة رهط، وهم: مليل، وعامر، ومريع، والعصب. ويقال العصب، وسعد، ورمان، ومفرج: مفعل من فرجت الشيء افرجه فرجا، إذا وسعته، وفرش فريج واسع الشجوة. ومفرج جابر بن عوف، كان أحد من يغزو على رجليه، والحاجز، فاعل من حجزت بين القوم نوكل شيئين فصلت بينهما، فقد حجزتهما، وبه سميت الحجاز، لأنها بين نجد وتهامة. والحجزة ما يحتجز الرجل، كأنه فصل بين أعلاه وأسفله. فمن بني رمان الشنفري بن مالك، واسمه مالك بن مالك. ويقال بل اسمه عمرو بن مالك، وكان الشنفري بن مالك، من الأبطال الفتاك العدايين، وهو من أشعر من تأبط شرا. وروي ابن الخناس نعن ابن السكيت، قال: تزوج مالك، يعني أبا الشنفري، امرأة من بني فهم، فولدت له الشنفري، ونازع مالك رجلا من قومه حليلا، فعدا على مالك فقتله، فلم يطلب قومه ثأره، فلما رأت ذلك أم الشنفري تحملت بابنها الشنفري، وهو صبي، فخرجت هاربة إلى دار قومها، بني فهم تولول. فقال الشنفري، ويقال انه أول شعر قاله: تولول ان غلاها دهرها ... بريب المكاره بالأودع وكل امرئ عاش في غبطة ... يصير إلى حدث الأشنع فأقسمت ابرح ذا غارة ... تعزز بالنفس في المكرع وكان الشنفري، يصحب تأبط شرا، ولا يفارقه الفهمي، وكان تأبط شرا، خال الشنفري، أخا أمه، وكانت أم الشنفري تقول له: ابني احذر أن تقتل، فيقول: من حذر قصر، ومن أراد يشفى غليله غزر، وكل أمر مقدور. وكان لا يزال يغير على قومه، وكان الذي قتل أباه رجلا من غامد، فبرح بغامد، وأخاه فهم، من كثرة غارته عليهم.

ثم إن رجلا منهم أسره وهو لا يعرفه، فجعله في نعمة، فخلا بابنته يوما، فأهوى ليقتلها، فلطمت وجهه، وهربت إلى أبيها فأخبرته، فجاء اليه أبوها مزمعا على قتله، فسمعه يترنم ويقول: ألا هل أتى الفتيان قومي شناعة ... بما لطمت تلك الفتاة جهينها ولو علمت تلك الفتاة مناصبي ... ونسبتها ظلت تقاصر دونها فلما سمع أبوها قوله، قال له: يا ابن أخي من أنت؟ قال الشنفري: أنا الشنفري. قال: قد برحت بقومك واسعت على حربهم بأعدائهم، ولولا إني أخاف أن يقتلوني لأنكحتك. قال الشنفري كان قتلوك، قتلت منهم مائة رجل ز فأنكحه ابنته، وخرج معه، فعلم قومه بذلك، فقتلوا أباها، فبلغ ذلك الشنفري وامرأته. فجعل لا يظهر لها الجزع على أبيها، غير أنه يصنع النبل يبريها ويريشها، ويجعل فواقها من القرون والعظام. فقالت له: لقد خيب الله ظن أبي يوم أنكحك اياي. فأنشأ الشنفري يقول: كان قد فلا يغررك مني تمكني ... سلكت طريقا بين مريع فالسرد وأني زنيم أن نثور عجاجة ... على ذي كساء من سلامان أو لبد ثم قال بقومه: أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى أهل سواكم لأميل فقد حمت الحاجات والليل مقمر ... وشدت لطاتي مطايا وارحل لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ ... سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل ولست بمختار الظلام إذا نجت ... هدى الهوجل العسيف بهما هوجل إذا الأمعز الصوان لاقى مناسمي ... تطاير منه قادح ومفلل اذيل مطايا الجوع حتى اميته ... واضرب عنه الذكر صفحا فيذهل أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل فقد حّمت الحاجات والليل مقمر ... وشدت لطيات مطايا وأرحل وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متعزل لعمرك ما في الأرض ضيق على امرئ ... سري راغبا أو راهبا وهو يعقل ولي دونكم أهلون سيد عملسُ ... وارقط زهلول وعرفاء جّيل هم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جرّ يخذل ولكنني باسل غير أنني ... إذا عرضت أول الطرائد أبسل وان مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل وما ذاك الا بسطة عن تفضّل ... عليهم وكان الأفضل المتفضل واني كفاني فقد من ليس جازيا ... بحسنى ولاقى قمر به متعلل ثلاثة أصحاب فؤاد مشيع ... وأبيض أصليت وصفراء عيطل هتوف من المزن المتون يزينها ... رصايع قد نيطت اليها ومحمل إذا زل عنها السهم حنت كأنها ... مرزّاة ثكلى ترنّ وتعول ولست بمهياف يُعشى سوامه ... مخدعه سيقانها وهي بهَّل ولا جُياءٍ أكهى مُربّ بعرش ... يطالعها في شأنه كيف يفعل ولا خرق هيق كأن فؤاده ... يظل به المكاء يعلو ويسفل ولا خالف داريّة متغزّل ... يروح ويغدو داهنا يتكحل ولست بعلّ شرّه دون خيره ... الفّ إذا ما رعته اهتاج أعزل ولست بمجيار الظلام إذا نحت ... هدى الهوجل العسيف يهماء هوجل إذا الأمعر الصوان لاقى مناسمي ... تطاير منه قادح ومفلل أديم مطال الجوع حتى أميته ... واضرب عنه الذكر صفحا فأذهل أديم مطال الجوع حتى أميته ... واضرب عنه الذكر صفحا فأذهل واستف ترب الأرض كيلا ترى له ... عليّ من الطول امرؤ متطوّل

ولولا اجتناب الذام لم يلف مشرب ... يعاش به الا لدي ومأكل ولكن نفسا مرة لا تقيم بي ... على الضيم الا ريثما أتحول وأطوي على الخمص الحوايا كما انطوت ... خيوطه ماريّ نغار فتفتل وأغدو على القوت الزهيد كما غدا ... ازك تهاده التنائف أطحل غدا طاويا يعارض الريح هافيا ... يخوت بأذناب الشعاب ويعسل فلما لواه القوت من حيث أمّه ... دعا فأجابته نظائر نحّل مهللة شيب الوجوه كأنها ... قداح بكفي ياسر تتقلل أو الخشرم المبعوث حثحث دبره ... مجابيضُ ارساهنٌ سام معسل مهرته فوه كان شدوقها ... شقوق العصي كالحات وبسل فضج وضجّت بالبراج كأنها ... واياه نوح فوق علياء ثكّل فأغضى وأغضت وائتسى وائتست به ... سراميل غزاها وعزّته مرمل شكا وشكت ثم أرعوي بعد وارعوت ... وللصبر ان لم ينفع الشكوى أجمل وفاء وفاءت بادرات وكلها ... على نكظ مما يكاتم مجمل وتشرب أساري القطا الكدر بعدما ... سرت قربا احناؤها تتصلصل هممت وهمت وابتدرنا واسدلت ... وشمر مني فارط متمهل فوليت عنها وهي تكبو لعُقره ... تباشره منها ذقون وحوصل كان وغاها حجرتيه وحوله ... أضاميم من سفر القبائل نزّل توافين من شتى اليه فضمها ... كما ضم اذواد الأصاريم منهل فعّيت غشاشا ثم مرت كأنها ... مع الصبح ركب من احاطة مجفل وآلف وجه الأرض عند افتراشها ... باهدأ تنبيه سناسن قحّل واعدل منخوضا كان فصوصه ... كعاب دحاها لاعب فهي مثّل فإن تبتئس بالشنفري أم قسطل ... لما اغتبطت بالشنفري قبل أطول طريد جنايات تياسرن لحمه ... عقيرته لأيها جمّ أول تنام إذا ما نام يقضي عيونها ... حثاثا إلى مكروهة تتغلغل والف هموم ما تزال تعوده ... عيادا كحُمى الربع أو هي أثقل إذا وردت أصدرتها ثم انها تثوب فتأتي من تحيت ومن عل فاما تراني كابنة الرمل ضاحيا ... على رقة أحفى ولا أتنعّل فأني طويل الصبر أجتاب بزّه على مثل قلب السمع والحزم أفعل وأعدم أحيانا وأغني وانما ... نيال الغنى ذو البعدة المتبدل فلا جزع من خلة متكشف ... ولا مرحُ تحت الغنى أتخيل ولا تزهي الأجاهل حلمي ولا أرى ... سؤولا بأعقاب الأقاويل أنمل وليلة نحسٍ يصطلي القوس كاربها ... وأقطعه اللاتي بها يتبنسل دغشت على غطش وبعش وصحبتي ... سعار وارزيز وحر وأفكل فأيمت نسوانا وأيتمت ولدة ... وعدت كما أبدت والليل أليل وأصبح عني بالغميضاء جالسا ... فريقان مسئول وآخر يسأل فقالوا لقد هرت بليل كلابنا ... فقلنا أذئب عسّ أم عسّ فرعل فلم يك الا نبأة ثم هومت ... فقلنا قطا قد ريع أم ريع أجدل فإن يل من جن لأبرح طارقا ... وان يك انسا ما لها لانس يفعل ويوم من الشعرى يذوب لعابه ... أفاعيه في رمضائه يتململ نصبت له وجهي ولكن دونه ... ولا ستر الا تحمّى المرعبل وضاف إذا هبت له الريح طيرت ... لبائده عن أعطافه ما ترجل بعيد بمس الدهن والغلي عهده ... له عبس عافٍ من الغسل محول وخرق كظهر الترس قفر قطعته ... بعاملتين ظهره ليس يعمل

فألحقت أولاه بأخراه موفيا ... على قنّة أقعى مرارا وأمثل ترود الأراوي الضخم حولي كأنها ... عذارى عليهن الملاء المذيل ويركدن بالآصال حولي كأنني ... من العصم أوفى ينتحى الكيح أعقل ثم انه غزا قومه فأكثر الغزو فيهم، وقتل مرارا، وكان تأبط شرا، وعمرو بن براق معه. فغزا الشنفري هذيل فقتل منهم وأخذ بثأر خاله. قال الشنفري في قتل خاله، وقتله من قتل هذيل عدت على حال الشنفري، هو وتأبط شرا. قال الشنفري في قتل خاله: صليت مني هذيل بحرق ... ولا يمل الشر حتى يمل يورد الآلة حتى إذا ما ... نهلت كأن لها منه عل أسقيتها يا سواد بن عمرو ... ان خالا بعد خالي نحل حلت الخمر وكانت حراما ... وبلاي ما ألمت تحل فصبحنا كأس حتفت هذيلا ... عقبها خزي وعار وذل وكذا البصرى فيهم مليا ... ينتهي في هامهم ويصل مطلع الشمس فلما استحرت ... اقشعوا من فورهم فاستقلوا تضحك الضبع لقتل هذيل ... ويرى الذنب لها يستهل ثم ان الشنفري اكثر الغزو في قومه، فنذر به أسيد بن جابر الغامدي، فأقبل هو واثنان جروران، حتى انتهوا إلى قليب ماء يرده الإبل الشنفري من وروده إياه، فأثبتوا له في مكمن على القليب من صدواله، فأقبل الشنفري في الليل يريد الورود، فلما دخل الضيق وقرب من الريبة، وتوجس وهاب من الاقدام. وقال: اني أراكم أيها الريبة، وما بي من ظمأ، ثم ولى راجعا من حيث جاء. فقال الغلامان لأبيهما: يا أبانا رآنا الخبيث فرجع. فقال أبوهما: لم يركما، ولكنه حديس وتظنن، فاثبتا واسكتا. فقام يومه وليلته ظمآنا. ثم مر له ثائرا له ثانية وهو متلثم، وفي يده بعض نبله، فلما نظرت إلى النبل عرفته لان أفواقها كانت من قرون وعظام، وكانت معروفة، فاستدعى القرى فأطعمته اقطعا وتمرا، ليزداد عطشا، واستقاها فسقته رائبا، فزاده عطشا. فقالت له: الماء منك على بعد، وأوحت له إلى جبل بعيد المطمع ليتوهمه ويزيده عطشا. فلما ولى أتت قومها فوصفت لهم صفة نبله فعرفوه. وقالوا: هذه صفة الشنفري. واشتد بالشنفرى العطش، فأرسل القوم إلى صاحبهم أسيد بن جابر الغامدي، لا تبرح من مكانك فإن الشنفري يجول عنك، ولا بد ان يرد. واشتد به العطش، فأقبل بالليل يريد الماء. وقد خلع احدى نعليه شدها على قلبه مخافة من سهم يأتيه، وجعل يضرب الأرض بنعله، ويمشي بالأخرى حافيا، فسمع الغلامان حسّه، فقالا: يا أبانا الضبع، ولرجل تقبض إذا خطت. فقال أبوهما: كلا هو الخبيث يلبس علينا. فلما قرب الشنفري توجس فوقف يحد النظر يمينا وشمالا ويستنشق الريح ويقول: أونس ريح الموت في المكاسر ... لا بدّ يوما من لقاء المقادر هذا أونى أسد بن جابر ... بنبعه واسهم طوائرِ ومرهف ماضي الشباة باتر ... وابناه في الريبة والتحابر أخطأت ما أملت يا ابن الغادر ... لست بوارد ولا بصابر ثم نكص راجعا يضحك ويدهده الصخور، حتى إذا كان بأسفل الوادي، رفع عقيرته، يعني لوس بن برقيه، وهو يقول شعرا: أنا السمع الأزل فلا أبالي ... ولو صعبت شناخيب العقاب فلا ظمأ يؤخرني وحرّ ... ولا حمص يقصر من طلابي فقال الغلامان: يا أبانا، قد - والله - رآنا فأفلتنا ولن يعود ألينا، فامض بنا. فقال الشيخ: ما رآكما، وانما هذا منه حدس وخداع، اثبتا موضعكما فإنه سيعود. فثبتا، وعاد يعدو مبادرا، وهو يقول: يا صاحبي هل الحذار مسلمي ... أم هل لحتف منية من مصرف اني لأعلم ان حتفي في الذي ... أخشى لدى الشرب الظليل المشرف

مر بن ميدعان

ثم هجم على الماء يشرب، ورآه القوم، فلما همّ القوم بالخروج، رماه أحدهم بصخرة على هامته فأصدره في القليب. ثم قفز فتعلق برجل أحدهم فجره معه في القليب فقتله، وترامى اليه الآخر، فضرب شمال الشنفري فقطعها وسقطت في القليب، وسقط معها، فتناولها ورمى بها بعضهم فأصاب كبده، فجر معه في القليب، فوطئ الشنفري على صدره فدق عنقه. ثم انهم اجتمعوا عليه من كل ناحية، فقال بعضهم: استبقوه، فإنما هو رجل منكم، ولعله ان مننتم عليه يشكر ذلك، ويترك غاراته عليكم. فسمع قولهم. فقال: يا معشر الأزد، قد أخذتم ثأركم بقطع يدي. قالوا: ويلك، وهل في قطع يدك على كثرة ما قتلت منا. الشنفري: نعم، بعدد كل أنملة، وعضو، وعرق، وعصبة، وعظم في بدني ثأر منكم. وإني لا أعلم غير تاركي للومكم، وبه سلطت عليكم، ثم لم يأخذوا ثأر. وأنا الذي أقول: ومن يك مثلي يلقه الموت خاليا ... من المال والأهلين في رأس فدفد ألا ليت شعري أي دحل يصيبني ... وان ذنوبي تلفني وهو موعدي سعيت لعبد الله بعض حشاشتي ... ونلت لثأري حيث كنت بمرصد وقالوا أخوكم جهرة وابن عمكم ... ألا فاجعلوني مثلا بعد أبعد أنا ابن الألى شدوا وراء أكفهم ... ولست بفقع القاع من بين قردد أضعتم أبي قتلا فكنتم بشارة ... على قومكم ياآل عمرو بن مرثد فها أنذا كالليث يحمي عرينه ... وإن كنت عانٍ في وثاقي مصفد فإن تقطعوا كفي الأرب ضربة ... ضربت وقلبي ثابت غير مرعد وطعنة حلس معكم قد تركتها ... يثج على أقطارها سم أسود فإن تقتلوني تقتلوا غير ناكص ... ولا يرم هام على الحير ملهد ألا فاقتلوني انني غير راجع ... اليكم ولا أعطي لذل معوّدي فقال أسيد بن جابر: ان الرجل قد آيسكم من نفسه، فمن كان له قبله ثأر فليقتله. فسمع قوله قوم قد كان وترهم، فرضخوه بالحجارة حتى قتلوه، فأخرج فصلب. فبلغ ذلك عمرو بن براق. فقال يرثيه: على الشنفري صوب الغمام ورايح ... غزير الكلى مثغجر الماء ماطر عليك جزاء مثل يومك بالحيا ... وقد رعفت منك السيوف البواتر فإن تك مأسورا مصاعا مصفدا ... فإنك للأعداء يا خل واتر وحتى رماك المشيب في الرأس ضاحكا ... وخيرك مبسوط وزادك حاضر وأجمل موت المرء ان كان ميتا ... ولا بد يوما قتله وهو صابر إذا راع راع الموت عنه وان حمى حمى معه حر كريم مصابر فإن ضحكت منك الاماء فقد بكت ... عليك فاعوان النساء الحراير وسكن جاشي ان كل ابن حرة ... إلى مثل ما قد صرت لا بد صاير مرّ بن ميدعان وولد مرّ بن ميدعان نسعد بن مرّ. فولد سعد، سعيد خنبش بن سعد. وهو رهط شريك بن أبي العكر. واسم أبي العكر مسلم بن سمي. وكان العكر تزوج أم شريك، امرأة من بني عامر بن لؤي، فولدت له شريكا، ثم خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعكر مشتق من أشياء، وأصله كله راجع إلى المكدر، واعتكار الشيء: دخول بعضه في بعض، والعكرة من الابل ما بين الخمسين إلى المائة. وعكر الفارس على الكتيبة: إذا حمل عليها، واعتكر الليل: إذا اختلطت ظلمته. والمعكار: القطعة العظيمة من الابل، وعكر كل شيء ما غلظ منه. وقد سمت العرب عكيرا وعكارا ومعكرا. وولد سعد أيضا شجاعة بن سعد. ويقال شجاعة بن مالك بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد. وشجاعة في غامد نولهم بمضر عدد كثير. 3 - راسب بن مالك وأما راسب، واسمه الحارث بن مالك بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد. فمنهم عبد الله بن وهب الراسبي، صاحب الخوارج، وكان رئيسهم يوم النهروان. وهو القائل لنافع بن الأزرق نحين سمعه يصف الخوارج في السر ولا يظهر ذلك: لسانك لا تبكي من القوم إنما ... تنال بكفيك النجاة من الكرب فجاهد أناسا حاربوا الله واجتهد ... عسى الله أن يخزي بني حرب

عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد

وكان عبد الله ذا رأي وفهم ولسان وجرأة وإقدام في الحرب. وهو الذي لما أرسل علي بن أبي طالب، صعصعة بن صوحان، إلى الخوارج، كان هو المخاطب لصعصعة في كلام طويل. ثم قال لصعصة: أبلغ صاحبك انا غير راجعين عنه، أو يقرّ لله بكفره، ويخرج من دينه، فإن الله قابل التوب، وغافر الذنب، فإذا فعل ذلك بذلنا له دونه المهج. فقال له صعصعة: عند الصباح يحمد القوم السُّرى. عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد فأما عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد، فولد رجلا، وهو كعب بن عبد الله، وولد كعب رجلين هما: الحارث بن كعب، وأراش بن كعب، فهم قليل، وهم بالحجاز. وأما الحارث بن كعب بن عبد الله، فولد رجلين: كعب بن الحارث ونبيشة بن الحارث، واسمه ماسخة بن الحارث. ونبيشة ولد رجلين هما: عز بن نبيشة، وشديق بن نبيشة، وهو ماسخة بن ماسخة. فولد عز بن نبيشة: وزارة بن عز. وإزارة بالكوفة والرّي. وفي نسخة وزارة بالسراة. واسم زارة عامر بن عزر، وازارة أمهم وزارة الأجمة. والعزر: التكسر في الجلد، والجمع عزور، والعزر: آثار الطي في الثوب، وهو بكسرة. واشترى أعرابي ثوبا، فلما أراد أن يأخذه، قال للتاجر اطوه على عزره، أي على كسره. ومن رجالهم بالكوفة زهير بن ناجد، أحد الأشراف بالكوفة، عدادهم في غامد. وأما شديق، وهم ماسخة، فهم بالحجاز. وأليهم نبت القسيّ الماسخة زوهي العربية، وهو أول من يراها. قال الشاعر: شرعت قسي الماسخي رحالنا ... بسهام يثرب أم سهام الصاوي المسخ: تحويلك الشيء عن حليته نوفرس ممسوخ العجز، إذا كان مطمئن العجز، وهو عيب الورد، إذا انحل، وطعام مسيخ، تهم الطعام. قال الشاعر: وأنت مسيخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر وولد كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن مالك بن نصر بن الازد، خمسة نفر: زهران بن كعب، وأحجن بن كعب، وعبد الله بن كعب، وعمرو بن كعب، ومالك بن كعب. أحجن بن كعب فأما أحجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر. واشتقاقه من الأذن الحجنا، وهي المرجعة طرفها إلى القفا. وكل شيء عطفته فقد حجنته. وبه سمي المحجن، وهو الغطا المعطوف رأسها. واحتجن فلان حدا، أي عطفه إلى نفسه. والحجون بمكة معروف. وفي الحديث: استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر بمحجن في يده. والجمع: المحاجن. وقوله أربعة رهط، فهم: أسلم، ولهب، وغالب، وعامر بني أحجن. فأما لهب بن عبد الله بن أحجن بن كعب، فمن ولده بنو لهب العافة، وهم أعيف العرب، وأزجرهم بالطيرة، وفيهم العيافة إلى اليوم. وفيهم يقول كثيّر عزة نحين سئل بعضهم عن شيء في طريقه مقدم: تيممت شيخا فيهم ذا أمانة ... بصير بزجر الطير منحني الصلب تيممت لهبا أبتغي العلم عندهم ... وقد رد علم العايفين على لهب فقال حرى الطير السنيح بينهما ... فدونك اسبلي خد منهر السكب ولا تكن ماتت فقد حال دونها ... سواك حليل باطن من بني كعب السانح: ما جاء عن يمينك، وأراد شمالك. والبارح: خلاف ذلك. والقعيد: ما أتى من ورائك. واللهيب: الشعب الضيق في أعلى الجبل، والجمع الهاب ولهوب. قال الشاعر: " في هضبة دونها لهوب ". ولهب النار معروف، ولهيبها والتهابها سواء. وفرس ملهب في عدوه، ولهبان اسم من هذا اشتقاقه. 5 - أنساب غامد واشتقاق اسمائهم ورجالهم قال ابن الكلبي: فأما غامد، واسمه عامر بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وانما سمي غامد لأنه وقع بين عشيرته شر، فتغمد دونهم، أي غطاها وسترها. ومنه الغمد. وقال ابن الكلبي: سماه بهذا الاسم، قيل من أقيال حمير، وينشد بيت لغامد يحتج به: تلافيت شرا كان بين عشيرتي ... فسماني القيل الحصوري غامدا وغمدت ليلتنا، إذا أظلمت. قال الراجز: وليلة غامدة غمودا ... ظلما تغشى النجم والفرقودا يريد منت الفرقد. يقال غمدت السيف، وأغمدته، لغتان. وبرك الغماد موضح.

عبد الله بن كعب

وكان الأصمعي يقول: اشتقاق غامد من قولهم غمدت البرك. إذا كثر ماؤها. فولد غامد، وهو غامد بن عبد الله، سعد مناة بن غامد، وظبيان بن غامد. ومن قبائلهم بنو الدول بن سعد مناة. ومنهم بنو وابلة الفرخ من الزرع، يخرج في اصل كبيرة. ويقال أولب الزرع إذا خرج له أفراخ. ويقال ألب فلان إذا جرس عليه. ويقال ألب فلان مع فلان أي مثله معه. ومن رجالهم: مجنف بن سليم، وهو بيت الازد بالكوفة. ومن بني مازن بن زبيان بن ثعلبة بن الدول بن سعد بن مناة بن غامد. قال قتادة بن أبي طارق بن أبي فروة الشاعر: فلو فعل الفوارس مثل زيد ... لابنا غانمين لنا وقير ومجنف مفعل. من قولهم: جنف الرجل بأنفه، إذا ماله من كبر. والفرس جانف وجنوف، إذا مال رأسه في جريه وتقريبه. والجناف ضرب من سير الأبل. والجنف ثوب من الكتان حسن، والجمع جنيف، أيضا. ومنهم، فراص بن عتيبة، الشاعر الجاهلي. ومن رجالهم أبو ظبيان الأعرج، واسمه عبد شمس بن الحارث بن كثير بن جشم بن سبيع بن ذهل بن مازن بن زبيان بن ثعلبة بن الدول بن سعد بن مناة بن غامد. وهوأحد فرسان العرب المشهورة، وقد ذكر القسملي في كتابه عند ذكر فرسان العرب الثلاثة، وكان فارسا شاعرا، ووفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له كتابا، وكان في ألفين وخمسمائة من العطاء. وهو صاحب راية غامد، يوم القادسية، وكان أبو ظبيان كثير الغارة في الجاهلية، فمن فعله في الجاهلية أنه كان مضطجعا بالعقيق، فلم ينته الا حفيده الفحا في خثعم، يريد الغارة على غامد. وكانت غامد بهضبة الأمغر، وكان رسن فرسه في يده، فلما أتته من ورائه بصهيل الخيل، وثب فركب فرسه، ولم يأت قومه فيخبرهم، ولم يرجع حتى واقع القوم. فلم يزل يطعن فيهم حتى كشفهم وشد على حفيده، فطعنه فقتله، فانهزم أصحابه. فقالت غامد: نرجع إلى تمامه " من كتاب القسملي ". ومنهم، جندب بن زهير. قتل يوم صفين. وكان على الراحلة. ومنهم عبد الرحمن بن نعيم، والي خراسان لعمر بن عبد العزيز، وكان من رجالهم زومنهم مالك اللهية، كان شاعرا. ومنهم بنو اللهية، بطن. ومنهم الحجن بن المرفع، وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أشراف بالسراة، والحجن الغذاء من الناس والبهائم. فصيل محجن، واحجنه صاحبه، إذا أساء غذاءه. ومنهم عبد الله بن عوف بن الاحمر، الشاعر الذي أتى الحسين. ومنهم عبد السارق بن مطر بن لغط. واللغط الخط في الوجه من السواد، تفعله النساء. والمظ رمان البر. ومنهم رمان ربيعة بن مهرب، شاعر جاهلي. ومنهم سعيد بن أبي سعيد، الشاعر، صاحب الانبار، وله حديث. وعبد الله بن مسروح جاهلي. ومنهم غامد جندب الخير بن عبد الله بن ضبّ من أصحاب. وجندب بن كعب، الذي قتل الساحر، واسم الساحر بستاني. وكان بستاني يرى أنه يقتل نفسا ثم يحييها، ويعمد إلى الناقة فيدخل فيها من حبايها، فبينما هو يفعل هذا بين يدي الوليد بن عقبة بن أبي معيط نفي جامع الكوفة، وهو أميرها، إذ نظر اليه جندب، فأتى مولا له صيقلا وهو يصقل سيفا بين يديه زفقال له أعطني سيفك هذا، فأعطاه السيف. فأقبل جندب بن كعب يسير، والساحر بين يدي الوليد يفعل فعله ذلك، حتى اشرف على الساحر فضربه بالسيف، فأبان رأسه. ثم قال له: أحي نفسك الآن ان كنت صادقا. فأخذه الوليد بن عقبة فحبسه. فلما رأى السجان صلاته وصومه خلى سبيله. فأخذ السجان فقتله. وقيل لابن عمران المختار، يعهد إلى كرسي فتحمله على بغل أشهب، ويحفه بالديباج، فيطوف به أصحابه ويستنصرون ويستسقون، ويقولون: هذا مثل تابوت بني اسرائيل. فقال ابن جندبة الأزدي: لا يعقرونه وجنادبة الأزد جندب بن زهير بن جندب بن كعب نمن بني والبه، وجندب الخير بن عبد الله، وجندب بن كعب من بني ظبيان. وغامد هي الجمرة البينة من جمرات العرب، الذين ذكرهم القسملي، وهم الذين لم يغشهم احد من العرب في خيارهم. ومنهم بنو يشكر بن عامر، ولهم المقبرة بالبصرة، ومنهم بنو قطيعة، وهم في عشر. ويقال ان غامدا منهم زومنهم بنو وهم، رماة. وولد أسلم بن أحجن عوفا، وثمالة. وثمالة بالحجاز. ويقال: ان ثمالة هو عوف بن أسلم. وهم بالحجاز. والثمالة رغوة اللبن. والجمع ثمال. عبد الله بن كعب

مالك بن كعب

وولد عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن نصر بن الأزد، رجلا، عامر بن عبد الله، وهو غامد بن عبد الله. فولد غامد نوهو عامر بن عبد الله نسعد مناة بن غامد، ومالك بن غامد، وظبيان، ومالك بن غامد، وظبيان بن غامد. فمن غامد، مسافر الشاري، الذي كان في أيام السفاح، بأرمينية، فقتله محمد بن صول. مالك بن كعب وولد مالك بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد، رجلا، شجاعة بن مالك نوهم في غامد. وشجاعة لهم بمضر عدد كثير. زهران بن كعب فأما زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن نصر بن الأزد، فولد ستة نفر: عبد الله بن زهران، ونصر بن زهران، ومالك بن زهران، وعبرة بن زهران، وصقلب بن زهران، وهم الصقالبة، وقومحة بن زهران ز فمن بني عبرة، عبد الله بن عامر بن عبد الله بن عدي بن حيان بن معاوية بن حمزة بن عبيد بن عبرة. وولد عبد الله بن زهران، رجلا، عدنان بن عبد الله، فولد عدنان بن عبد الله رجلين: دوس بن عدنان، ودهثة بن عدنان، ودهثة بالحجاز. فولد دوس بن عدنان: غانم بن دوس، ومنهب بن دوس، وثائر بن دوس، وعبد الله بن دوس، ومنهب وثائر وعبد بالحجاز. فولد غانم رجلين: فهم بن غانم، ومعاوية بن غانم. ومعاوية بالحجاز، فولد فهم بن غانم رجلين: مالك بن فهم، وهم بعمان، وعمرو بن فهم، وهم بالحجاز، رهط أبي هريرة نصاحب النبي صلى الله عليه وسلم. فولد عمرو بن فهم، سبعة رهط: هميم بن عمرو، وسابخ بن عمرو، وطريف بن عمرو، والحزم بن عمرو، ووجلة بن عمرو، وفهم بن عمرو، وسليم بن عمرو. فمن عامر، أبو هريرة، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. واسمه عبد الله بن عامر بن عمرو بن فهم بن غانم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وكان خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو صاحب الروايات والأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سلمة بن طريف بن عمرو بن فهم. وقال بعض أهل النسب: بل هو من ولد مالك بن فهم. وهو الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن لقيط بن الحارث بن مالك بن فهم بن غانم بن دوس. وهو الذي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم. مالك بن فهم وولده نسب مالك وانتشار ولده 1 - نسب مالك بن فهم الازدي وانتشار ولده فأما مالك بن فهم بن غانم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد، فولد احد عشر رجلا وهم: نوبي بن مالك، وكان أكبر ولده، وبه يكنى مالك أبا نوبى، وهناة بن مالك ومعن بن مالك، وجذيمة الابرش بن مالك، وهوالوضاح، الذي ملك الحيرة بالعراق، وسليمة بن مالك، وولده بأرض كرمان وفارس، وبعمان منهم الاقل، والحارث بن مالك. وعمرو بن مالك. وفراهيد بن مالك. وشبانة بن مالك. وثعلبة بن مالك، وهم بتنوخ، وجماز ابن مالك، واسمه زياد. وكان مالك بن فهم الازدي، اول من قدم من الازد إلى عمان. وذلك حين خرج في جملة الازد عند عمرو بن عامر، من ارض مأرب حين فرقهم سيل العرم، وخرب الجنتين. ونحن نورد قصته، بعد ان نأتي بحديث الجنتين، وما كان من أمرهما وخرابهما، وانتقال الازد منهما، أن شاء الله. 2 - جنتا مأرب وما كان من أمرها وانتقال ألازد منها حين احشروا بسيل العرم اخبرنا ابو عبد الله الموصلي، باسناد عن أبي اسحاق، ووهب بن منبه، عن هشام بن محمد السائب الكلبي. ان سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان رزق عدة من الولد، ورزق اولاده اولاد كثير، وملهّم الدهر، حتى امتلأت الارض من نسولهم وكان جمهورهم بمأرب. وانما سمي سبأ لانه اول من سبأ الامم، واسمه عامر، ويسمى عبد شمس لحسنه، وهو سبأ الاكبر بن يعرب بن قحطان، وابناه حمير وكهلان. تفرقت اكثر قبائل اليمن وعدادها

وكانت ارض مأرب، من كهلان وولده، للأزد بن الغوث وولده، خاصة دون اخوتهم من بني كهلان. وكان اخوتهم من سائر ولد كهلان ينزلون الأطراف، من ارض اليمن، وغيرها. وكانت مأرب مدينة عظيمة، عليها سور من الصخر، لا يقل الصخرة الا خمسون رجلا. وكان السور مسيرة عشرة ايامن من قصر مشيد، إلى ظل ممدود، إلى سور متصل. وكان الاقدمون من اجدادهم، قد بنوا سدا، يحبسون به الامطار، إذا جاءتهم. وكانت الامطار لا تأتيهم، انما يأتيهم سيل لا يدرون من اين هو يغشى فيجيئها. ويقال ان ارضهم، هي الجزر، التي ذكرها الله تعالى، في كتابه:)) أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم ((إلى آخر القصة. ويروي عن علي بن أبي طالب، انه كان يقول: ان طول السد، الذي بنوه، يحبسون به الماء، ثمانون فرسخا، وعرض جداره ثلث ميل، وارتفاعه مثل ذلك. مع أساس قد عمق وفرش فيه الصخور. وكان الله سبحانه وتعالى، قد ألان لهم الحجارة، من قبل طلوع الشمس إلى زوالها، ومن الزوال إلى العشاء، وكانوا يباركونه بالغداة كالطين، أو كالعجين. فيوضعونه في الاساس، ويدخلون بعضه في بعض، ويجعلون ملاطه الرصاص المذاب، وجعلوا فيه ابوابا مبوبة، وقناطر معقودة، وركبوا عليها أوصادا من حديد محكمة. وكات جنتاهم من وراء السور، وقصورهم داخل الجنتين. والجنتان كل تؤتي اكلها كل حين. وكان أحدهم إذا اراد الماء رفع تلك ألابواب التي تلي جنته بابا، فخرج الماء إلى جداول تخترق في قصورهم، وجناتهم، وحدائقهم، واذا استغنى ارسل الباب. وكانوا قد غرسوا على ذلك الماء الجنتين اللتين ذكرهما الله تعالى في القرآن عن يمين وشمال وظللوها حتى كان لا تدخلها الشمس ولا الريح وكان من امرهم كما ذكر الله تعالى. وحدثنا سعيد، عن قتادة ن عن الحسن ن في قوله عز وجل:)) لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال ((. قال الحسن، كان واد بين جبلين ثمانية عشر ميلا. فكان كما قال الله عز وجل، جنتان: جنة عن يمين الوادي، وجنة عن يسار الوادي، ملتف بالشجر، ومنازلهم بين ذلك. ومن وراء الجنتين مزارعهم. وكانت أزكى ارض الله يومئذ، وهلها أخصب أهل اليمن. وكان شربهم من اعلى الوادي، من عين تخرج من ثقب في ذلك الجبل، فأن شاءوا سدوا ذلك الثقب، فأمسكوا الماء، وان شاءوا فجروه. وكانت الكهنة تخبرهم ان هلاك واديهم من قبل سيل يجيئهم في عين شربهم، فبنوا على تلك العين بنيانا بالحجارة والرصاص، لا تخرج اليهم من الماء، الا بقدر. مما خوفوا من السيل. فكانت الجنتان عن يمين الوادي، وعن شماله. وكان الوادي ملتفا بالشجر. قال: فكانت المرأة تخرج من مأرب، إلى بلد الشام، تريد بيت المقدس، ومغزلها في يدها، ومكتلها على رأسها، بلا زاد. وكانت إذا ارادت الاكل اصابت مكتلها مملوءا كله ثمر، مما القته الريح من غير أن تجتنيه، فتأكله. ولم يكن في بلدهم سبع، ولا حية، ولا شيء من الهوام يخاف منه. وقال الله، تبارك وتعالى:)) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا وظلموا انفسهم فجعلناهم احاديث ومزقناهم كل ممزق ((، إلى آخر القصة. قال الكلبي: وذلك ان الله تعالى ارسل اليهم رسلا، فدعتهم إلى الله عز وجل، وامرتهم بالشكر والمغفرة لما عليهم من نعمة، فكذبوهم. وقالوا: ما نعرف لله علينا من نعمة، ومازلنا في هذا الذي نحن فيه، وآباؤنا من قبلنا، وهذا من عمل آبائنا. وذكر قول الله عز وجل:)) لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ((إلى آخر القصة.

قال الكلبي: وانما كان القوم، إذ ذاك على توحيد الله، وايثار طاعته، فأعطاهم التي كانوا فيها من خير الجنتين وغيرهما. فلما قدم عهدهم حادوا عن التوحيد، واتخذوا أوثانا فعبدوها من دون الله ز فلما فعلوا ذلك وعظهم عمران بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امريء القيس ىبن مازن بن الازد بن الغوث، وكان كاهنا عنده علم، وقد رأى في كهانته أن بلدهم تخرب ان لم يرجعوا إلى التوحيد، فعصوه، واستخفوا به، فأمسك عنهم حتى حضرته الوفاة. ويقال انه عمّر فيهم ستمائة سنة وخمسون سنة. ويقال انه عمّر فيهم اربعمائة سنة وست واربعين سنة. وكان عقيما لم يكن له عقب. فلما حضرته الوفاة، دعا اخاه عمرا، وهو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة، فوعد اليه ان القوم هالكون، فلتعمل على نفسك واوصاه ان يتزوج طريفة بنت سعد، وكانت امرأة من أهل ردمان، من حمير، وكان عندها علم من كهانتهم، وعلم هلكتهم، مثل ما عنده. فلما مات عمران، ولم يكن له عقب، طلب اخوه عمرو بن عامر ن طريفة، وتزوجها فأقامت عنده، ولم يرزق منها ولدان. وكان عمرو بن عامر، يومئذ، سيد أهل مأرب، وصاحب أمرهم، وكان له بمأرب من القصور والحدائق، ما لم يكن لاحد غيره بها مثلها. قال: وكثر تغيير القوم، فقيض الله بعض من كان على دين صالح، فدعاهم إلى الله ن والمراجعة إلى ما كانوا عليه من المعرفة، بحق الله والشكر له، والقيام بطاعته، والاحسان فيما انعم الله به عليهم. فجحدوا نعمة الله ن وكذبوا رسله، وقالوا ما نعرف الذي ارسلك، وما زلنا في هذا الخير، وآباؤنا من قبلنا، فان كنت صادقا فادعه يذهب به، فلما كذبوه دعا الله ان يغير ما بهم. فوعده ان يستجيب له. قال: وان عمرو بن عامر رأى في المنام، ان سحابة غشيت ارضهم فارعدت وابرقت، ثم صعقت فأحرقت ما فيها، ثم وقعت على الارض. لم تقع على شيء الا احرقته. فقامت طريفة وقد ذعرت ذعرا شديدا، وهي تقول: يا عمرو بن عامر، ان في قلبي لزمجريرا ان ما قد رأيت في الغيم، قد اذهب عني النوم. رأيت غيما قد ابرق، ورعدا طويلا، قد اصعق، فما وقع برقه على شيء الا احرقه - فما بعد هذا الا الغرق. فلما رأى عمرو ما تداخلها من الرعب سكّنها، حتى سكنت، ثم سألها عما اعلمها اخوه. وقال: يا طريفة، هل لهذا السد من انهدام، ام لهذه النعمة من انصرام؟ قالت: اجل، ما اقرب الاجل، فقد دالت الدول، فقال لها: اعطيني قصة الخبر. قالت: الامر قد حل، والبلاء قد جل، والعز قد ذل. ثم ان عمرو بن عامر، دخل حديقة من حدائقه، ومعه جاريتان له، فبلغ ذلك طريفة، فخرجت نحوه، وامرت وصيفا لها يقال له سنان أن يتبعها، فلما برزت من باب بيتها، عارضها ثلاث مناجد منتصبات على ارجلهن، واضعات ايديهن على اعينهن. والمناجد: دواب تشبه اليرابيع. وقيل بل هي الفأر التي لا عيون لها، فلما رأتهن طريفة، رفعت يدها، وقالتلوصيفها سنان، إذا ذهبت هذه المناجد، فأعلمني. فلما ذهبت المناجد اعلمها. فخرجت مسرعة، فلما عارضها خليج الحديقة، التي فيها عمرو نبت من الماء سلحفاة، فوقعت في الطريق على ظهرها، وجعلت تريد الانقلاب، فلا تستطيع، وتستعبث بذنبها فتحثو التراب على بطنها وجنبها، وتقذف بالبول، فلما رأت طريفة جلست على الارض، فلما عادت السلحفاة إلى الماء، مضت طريفة حتى دخلت الحديقة التي فيها عمرو ابن عامر، حين انتصف النهار في ساعة شديدة الحر، واذا الشجر يتكفأ من غير ريح، فنفذت حتى دخلت على عمرو بن عامر ن ومعه الجاريتان، على الفراش. فلما رأت طريفة، استحيى منها، وامر الجاريتان، فنزلتا عن الفراش. ثم قال: هلمي يا طريفة إلى فراشك. قالت: والنور والظلماء، والارض والسماء، ان الشجر لهالك وليغمرن الماء. قال عمرو: ومن اخبرك بذلك، يا طريفة؟ قالت: اخبرتني المناجد بسنين شدائد، تقطع الولد والوالد. قال: فما تقولين؟ قالت: اقول ان النادم لهف، وقد رأيت السلحفاة تحرف التراب حرفا، وتقذف البول قذفا، فدخلت الحديقة، فاذا الشجر يتكفأ. قال: ما ترين ذلك؟ قالت: هي داهية وكيمة، أي محزنة، ومصائب عظيمة، بأمور جسيمة. قال: ما هي؟ ويلك!! قالت: اجل، ان لي فيها الويل، ومالك فيها من النيل، فلي ولك الويل، مما يجيء به السيل.

فألقى عمرو نفسه على الفراش. وقال: ما هذا يا طريفة؟ قالت: امر جليل، وحزن طويل، وصيف قليل، والقليل خير من تركه. قال: وما علامة ما تذكرين؟ قالت: اذهب إلى السد، فان رأيت جرذا يكثر بيديه في السد الحفر، ويقلب برجليه الصخر، فأعلم بأن العقر عقر، وان قد وقع الامر. قال: وما هذا الامر، الذي قد وقع؟ قالت: وعد من الله نزل، وباطل بطل، ونكل بنا نكل. فانطلق بنا ايها الملك فشاهد السد. فانطلق عمرو، إلى السد، فحرسه، واذا حوله الفأر قد دار به كله، واحدق به، فأمر بجميع الهررة، وارسلها على الفار. فبينما هم كذلك ينظرون اليها إذا هم بجرذ عظيم يقاتل هرا، حتى قتله، فاستعظم عمرو ذلك عمرو، وايقن بهلاك القوم، وكل ذلك، واهل مأرب لا يدرون بشيء من هذا، وذلك انه كان يكتمه منهم، فدار إلى مكان من السد آخر، فاذا هو بجرذ له اظفار ومخاليب من حديد ينشبها في السد، ويقلع الصخر، يدحو به كل صخرة، لا يقلبها الا خمسون رجلا، فرجع إلى طريفة فأخبرها بذلك. وقال: لقد رأيت من هذا الجرذ امرا عظيما. قالت طريفة: ليس هذا من الجرذ، هذا امر من السماء، ليس له مدافع فانج بنفسك. ومن علامة ما ذكرت لك، ان تجلس في مجلسك بالجنتين، تأمر بزجاجة، فتضع بين يديك، فان الريح ستملأها بطحا من سهلة الوادي، وقد علمت ان الجنتين قد ظللتا حتى لا يدخلها شمس ولا ريح، فأمر بزجاجة فوضعها بين يديه في مجلسه، فلم يلبث الا قليلا حتى امتلأت بطحا. فأخبر طريفة بذلك. وقال لها: ما ترين هلاك السد. قالت فيما بينك وبين سبعين سنة. قال: في ايها: لا يعلم ذلك الا الله، ولو علمه احد لعلمته، ولا يأتي عليك يوم وليلة، فيما بينك وبين سبعين سنة، الا ظننت ان هلاكه سيكون في ذلك اليوم أو تلك الليلة. فعرف عمرو ان ذلك واقع وان بلادهم، ستخرب. فكتم الامر واخفاه، وعزم ان يبيع كل ماله بأرض سبأ، ويخرج هو وولده. ثم خشي ان ينكر الناس ذلك، فجمع بنيه، وكانوا ثلاثة عشر رجلا. فقال لهم: احتالوا لانفسكم. فقالوا: يا اباه كيف؟ فقال: اني محتال لكم بحيلة، فأمر بابل فنحرت، ووضع طعاما واسعا. وبعث إلى أهل مأرب، ان عمرو ابن عامر، قد صنع يوم مجد وذكر، فاحضروا طعامه. ثم التفت إلى اصغر ابن له، يقال له وادعة أو مالك، ويقال بل كان ابنه ثعلبة، ويقال بل دعا يتيما كان في حجره، والله اعلم، انى ذلك كان. وقال له: إذا انا جلست اطعم الناس، فاجلس ونازعني الحديث، واردد علي، وافعل بي، مثل الذي افعل بك، فاذا امرتك بأمر فلتغفل عنه، فأذا شتمتك فلتقم اليّ فتلطمني. ثم التفت إلى اولاده، فقال: إذا لطمني فلا تغيروا عليه، فاذا رأى الجلساء انكم لا تغيرون على اخيكم لم يجسر احد ان يغير عليه، فأحلف عند ذلك يمينا بالله لا كفارة لها اني لا اقمت بين اظهركم، قام اليّ اصغر بنيّ فلطمني، ولم تغيروا عليه. قالوا نفعل. فلما جاء أهل مأرب، وجلس، يطعم الناس، ومعه بنوه، وقد اجلس عنده الذي امره بما امره، جعل ينازعه الحديث ويردد عليه، وامره عمرو ببعض امره، فلها عنه، ثم امره، فلها عنه، فشتمه، فقام ابنه، فقبض على لحيته، ولطم وجهه. فنظر الناس، وعجبوا من جرأة ابنه ونكسوا رؤوسهم، وعظموا الذي جاء منهم، وظنوا ان اولاده يغيرون ذلك، فلم يغيره احد، فعند ذلك صاح عمرو، واذلاه، يوم فخر عمرو ومجده، رضي بشتم، وضرب وجهه، وحلف ليتحولن عنهم. وليتبدلن بداره، ولا يقيم ببلد صنع به مثل هذا. ولا تقيم بين اظهر قوم لم يغيروا على ابنه، وليبيعن عقاره وامواله. فقام القوم اليه معتذرين، فقالوا: كنا نظن ان اولادك يغيرون، فذاك الذي منعنا. قال: قد سبني من ترون، فليس اليّ غير تحويلي. فعرض ضياعه للبيع، وكان الناس ينافسون فيها، ويغالبون بها. فقال الناس بعضهم لبعض: اغتنموا غضب عمرو، فاشتروا منه امواله، قبل ان يرضى فاشترى الناس لكل الذي له من ارض وضياع بالرخص، وهم لا يعلمون الخبر. ثم فشى بعض حديثه، فيما بلغ من شأن سيل العرم، فخرج هذا الحديث إلى الناس، من الازد، فباعوا أموالهم، فلما كثر البيع، استنكر الناس ذلك، فأمسكوا واجتمعت إلى عمرو بن عامر، أثمان ماله. وأخبر الناس يومئذ بأمر السيل العرم. فخرج من مأرب ناس كثير. وأقام من قضي عليه ان يصيبه.

ثم رحل عمرو بن عامر من مأرب، وحمل أثقاله وعياله عنها. ورحل معه مالك بن فهم الازدي في ولده وقومه. وساروا جميعاً فلم يلبث القوم الا قليلا بعد مسيرهم، حتى اتى الجرذ على الردم فاستأصله، فلم يفاجأ القوم ليلة بعدها هدأت العيون، إذ هم بسيل قد أقبل، فأحتمل انعامهم وأموالهم، وخرب الجنتين، ومنازلهم، وسال بجنتيهم سيل العرم، فلم يبق الا الأثل والخمط وشيئ من سدر قليل. فسال السيل بما كان فيها من الخير والأكل فلم يبق بواديهم إلا الخمط، وهو الأراك والأثل، وهو الطرفا، والسدر، وهو النبق، فكان كما قال الله في كتابه، إلى اخر القصة. وقيل ارسل الله مطراً على صدور أوديتهم، التي يجخمع فيها سيلها إلى السد، حتى سالها، فسمع ذلك من تخلف عنهم، فاشرفوا ينظرون إلى السيل فأقبل سيل احمر، كأن فيه النيران امامه كالرجل الفارس. فلما خالط الفارس سدهم، انهددم سدهم، انهدم السد، فغشى الماء ارضهم، فاحرق شجرهم، واباد انعامهم وكان الرجل ياخذ ابنه وامراته، فيصعد بهم الجبل، وفرارا من الماء، فنضب الماء على سدر واثل، وكل ذلك قيل، كما قال الله تعالى. ومضى عمرو بن عامر، ومالك بن فهم، ومن تبعهما من قومهما وعشائرهما من الازد، فاقبلوا في خلق كثير، لا يعلمه الا الله تعالى، من العدد والعدة والخيل والسلاح والوقية، واستاقوا الغنم والابل والشاة، وغيرها من البقر، واجناس السوام، وكانت الخيل السائمة عندهم عدد هذه الانعام كثرة وعددا، وساروا باجمعهم لا يدرون ما كثر اوقل الا ونزفوه وسحوه، ولا ينزلون بلدا الا وطنوه، وغلبوا اهله عليه وقحطوه واجدبوه. حتى نزلوا ببلاد عك بن عدنان بن عبد الله بن الازد بن الغوث، وملك عك يومئذ سلقمة. وكان بينهم وبين عك حروب قتل فيها من الفريقين. ثم استباحوا عك وقتلوا سلقمة، ولك عك، بعد قتال ايام جرت بينهم الخيل في الدماء. ومات عمرو بن عامر، ببلاد عك، فملكوا امرهم ابنه ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء. ثم ضربت لهم الرواد في بلاد، تلتمس لهم المراعي والموارد والكلا. فخرج من الرواد ناس إلى ارض اخوتهم من حمير، فرأوا بلادا ضيقة لا تحملهم، ولا تقوم بمواشيهم مراعيها ومياهها، مع ما فيها من كثرة اهلها، فأقاموا في بلاد عك، ما اقاموا، وما حولها، حتى استمرت خيلهم ونعمهم وماشيتهم على الحجر ثم ساروا منها وتخلف منهم في عك وثولان ابنا الحارث بن أبي الحارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء. وساروا فلما مروا ببلاد فهزمت الازد همدان، خرجت اليهم همدان فحاربتهم عن بلادها فهزمت الازد همخدان. ثم اقامت الازد ببلاد همدان، واقاموا على المسير منها إلى غيرها، وتخلف من الازد همدان، وما اقاموا على ابن زيد بن الفرار بن الازدي، ووداعة بن عمرو بن عامر. ثم ساروا حتى انتهوا إلى يلاد مدجح، فخرج اليهم أهل الحنق، وهو بنو احكم بن سعد العشيرة بن مدحج فحاربت الازد عن بلادها، فهزمت الازد. ثم ساروا، وتخلف منهم رجاء بن عمرو بن الازد. فلما انتهوا إلى ارض بجران، خرجت اليهم مدجح في قبائلها، فقالوا الازد في الليل، ثم ظفرت بهم الازد فهزمتهم. واقاموا في بلادهم سنين ثم بدا لهم المسير فساروا وتخلف عنهم ربيعة وكعب ابنا الحارث بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر، فأقاما هناك، ودخلا في بني عمرو بن عامر بن علة بن مدجح ومالوا بنو الحارث بن كعب بن عمرو بن علة مدجح. ثم ساروا حتى انتهوا إلى تبالة وبشة، واهلها خثعم وبجيلة أبناء انمار بن اراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن زيد بن كهلان، فناصبوهم الحرب، فهزوتهم الازد، وظفرت بهم، ثم ساروا حتى قاربوا مكة، ومعهم طريفة الكاهنة. فقالت لهم: سيروا فلن تجتمعوا، ومن خلفتم فهم لكم الاصل، وانتم لهم فرع. ثم قالت: مه مه، وحق ما اقول، وما علمني ما اقول الا الحكيم الحكم رب جميع النسم من عرب ومن عجم. قالوا لها: ما شأنك يا طريفة. قالت خذوا البعير الشدقم فخضبوه بالدم، يهزمون من تحتهم، وتجتثون اصل جرهم، خزان بيته المحرم بيت خليل ربه المعظم، ذلك النبي إبراهيم.

فلما انتهى إلى مكة واهلها جرهم، وقد قهروا الناس، وحازوا ولاية البيت على بني إسماعيل وغيرهم، وارسل اليهم ثعلبة بن عمرو بن عامر: يا قوم، انا خرجنا من دارنا، فلم ننزل بلدا خرج اهله لنا، وتزحزحوا عنا، فنقيم معهم خحتى نرسل روادا، فيرتادون لنا بلدا وارضا تحملنا، فافسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم قدر ما نستريح، ونرسل روادنا إلى الشام والشرق. فحثما بلغنا انه اميل لحقنا به، وارجو ان يكون مقامنا معكم يسيرا. فأبت جرهم اباء شديدا، واستكبروا في انفسهم. وقالوا: والله ما نحب ان ينزلوا فيضيقوا علينا مراتعنا ومواردنا، فارحلوا عنا حيث شئتم، فلا حاجة لنا في جواركم. فقال المضاض بن عمروا الجرهمي، لقومه: يا قوم اني لأحسب ان القوم لا يستظهرون عليكم ببغيكم في حرم ربكم وركوبكم ما انهاكم عنه وقلة رجوعكم عما انتم عله، وإياكم وسفك الدماء في الحرم، فأبت عليه جرهم، فاعتزلهم. فلما وصل جوابهم إلى ثعلبة بن عمرو، وارسل اليهم انه لا بد من المقام بحذا البلاد حولا، حتى ترجع الي رسلي الذي ارسلت، فإن تركتموني طوعا نزلت وحمدتكم وواسيتكم في الرعي والماء، وان ابيتم اقمت على كرهكم، ولم ترعوا إلا فضلا ولم تشربوا الا رتفا، والرتف: الكدر من الماء. وان قاتلتموني قاتلتكم. ثم ان ظهرت عليكم قتلت الرجال، وسبيت النساء، ولم اترك احدا منكم ينزل الحرم أبدا. فأبت جرهم ان تتركه طوعا. وان جرهم لما اعتزلهم المضاض بن عمرو، وولت امرهم رجلا يقال له مطعون. وتعبأت لقتال الأزد فحاربتهم الازد، فاقتتلوا ثلاثة ايام. فقتلت الازد مطعونا. ثم انهزمت جرهم. ولم يفلت منهم إلا الشريد. وأجلت الأزد جرهما عن مكة. فنزلت فرقة منهم وادي أضم فسلط اللع عليهم الذر فأفناهم. ثم يأتيهم سيل أضم ليلا فادهمهم واكسحهم، في حديث طويل اختصرناه، حذر الاطالة. ولحقت فرقة منهم باليمن. وكان مضاض بن عمرو، قد اعتزل عن جرهم، ولم يعز جرهم في ذلك. وقال: قد كنت احذركم هذا. ثم رحل هو وولده وأهل بيته، حتى نزلوا قنوبا وحامى وما حول ذلك، فبقايا جرهم إلى الآن وفنيت جرهم تلك الحرب. فأقام ثعلبة بمكة وما حولها في قومه وعساكره حولا، فأصابهم الحمى. وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى. فدعوا طريفة فشكوا الذي أصابهم. فقالت: قد أصابني الذي تشكون منه، وهو مفرق بيننا. قالوا: ما ترين؟ قال: فيكم ومنكم الأمير، وعليّ اليسير. قالوا: فما تقولين. قالت: من كان فيكم ذا هم بعيد، وحمل شديد، وزاد عتيد، فليلحق بقصر عمان المشيد. فكانت أزد عمان. وكان أول من قدمها منهم مالك بن فهم وولده. ثم قالت: من كان منكم ذا هم متقاصر، وحمل نافر، فليلحق بالشعب، من كاود ذات الجماعة وكاود من أرض همدان. فخرج وداعة بن عمرو بن عامر. فلحق بهمدان. فانتشر هو ومن لحقه فيهم. ثم قالت: من كان منكم ذا هم مدمن، وحمل مدعن، فليلحق بالثنى من سن، وهو موضع بالسراة. وكانت أزد السراة. ثم قالت: من كان منكم ذا جلد وقسر، وصبر على أزمات الدهر، فعليه بالأراك من بطن مرو. وكانت خزاعة. ثم قالت: من كان منكم يريد الدسيات، في الوحل المطمعات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل. وكان الأوس والخزرج. ثم قالت: من كان منكم يريد الخمر والخمير، والملك والتأمير، ويلبس الديباج والحرير، فليلحق ببصرى وغوير، وهما من أرض الشام، وكان الذي سكنها آل جفنة من غسان. ثم قالت: من كان منكم يريد الثياب الرقاق، والخيل العتاق، والكنوز والأوراق، والدم المهراق، فليلحق بأرض العراق. وكان الذي سكنوها جذيمة الأبرش، ومن كان بالحيرة من غسان وآل محرق. فمكثوا حتى جاءهم روادهم، فافترقوا في مكة فرقتين: فرقة توجهت إلى عمان، وهم أزد عمان، وسار ثعلبة نحو الشام، ونزلت الأوس والخزرج ابنا حارثة بن عمرو بن عامر. وهم الأنصار، بالمدينة، وانخزعت خزاعة عن قومهم بمكة. سموا خزاعة. وأقام بها حارثة، وهو خزاعة بن عمرو بن عامر فولي امر مكة وحجابة الكعبة، وولد له ربيعة، وهو الملقب لحيّ، وأقصى، وكعب، وعدي. ثم ولي من بعده أمر مكة وسدانة البيت ابن ربيعة لحيّ.

ولما توجهت غسان نحو الشام، وشارفوا أرضها، بلغ خبرهم الملك على بلاد الشام، وهو الضجعم. فجمع جموعه فلقيهم الضجعم، من حول الشام. فقاتلوه في حديث طويل. فقتلوه وأبادوا عسكره. ثم وقعت بين ملك الروم وبين هذا الحي مهادنة على شرط، فأقاموا بينهم على ذلك. حتى كان من والي الروم وهو المنذر بن السبيط الضجعي، وخدع ما كان من وقوع الفتنة هناك، عند ذلك قتل جدع الوالي. وقال جذ من جذع، فذهبت مثلا. ثم التقت الروم وغسان ببصرى، وهي مدينة حوان فظفرت غسان، ولم تزل تقتل الروم، حتى الحقتهم بالدروب، وغلبت غسان. وفي ذلك يقول بجيه بن الأسد بن أبي الدعلاء الغساني: ايما ضربة سيف صقيل ... يوم بصرى وطعنة نجلاء وعموس تصل فيها الأسى ... ويعيي طبيبها بالدواء حلفوا بالصليب يوم التقينا ... ليردن صولة الملحاء فصيرنا هناك للطعن حتى ... جرت الخيل بيننا في الدماء ووضع التاج عند ذلك على رأس جفنة بن عمرو بن عامر. وبني أحد عشر اطما، فيها المجلس المعروف بجلق، وولد له عمرو، والحارث ابو جفنة، تم الملك فيهم وفي ولدهم، إلى أن جاء الله بالإسلام، وكان آخر ملوكهم جبلة ابن الأيهم، الذي ارتد أيام عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. وقد أوردنا قصته مع العمر الخطاب. وقال حسان بن ثابت يذكر انخزاع خزاعة بمكة، ومسير الأوس والخزرج إلى المدينة، وغسلان بالشام: فلما هبطنا بطن مرو تخزعت ... خزاعة عنا في حلول كراكر حموا كل واد من تهامة واحتموا ... بصم القنا والمرهفات البواتر فكان لها المرباغ في كل غارة ... تشن بنجد والعجاج الغواير خزاعتنا أهل اجتهاد وهجرة ... وأنصارنا جند النبي المهاجر وسرنا فلما هبطنا بيثرب ... بلا وهن منا ولا بتشاجر وجدنا بها رزقا غدا أمر تفينت ... من النار غاد بالخلال الظواهر فحلت بها الأنصار ثم تبوأت ... بيثربها والأعلى خير طائر بنو الخزرج الأخيار والأوس انهم ... حموها بفتيان صباح مساعر نفوا من طغى في الدهر منها ودينوا ... يهودا بأطراف الرماح الخواطر وسارت لنا سيارة ذات قوة ... بكوم المطايا والخيول الجماهر يؤمون نحو الشام حتى تمكنوا ... ملوكا بأرض الشام فوق المنابر يصيبون فصل القول في كل خطبة ... إذا أصلوا ايمانهم بالمحاصر أولاك بنو ماء السماء توارثوا ... دمشقا بملك كابر بعد كابر تمت، في شعر طويل. فلما حاربوا أهل مكة، وصاروا أهلها جاءهم بنو إسماعيل، وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم، ولم يدخلوا في ذلك. فنالوهم السكنى معهم وحولهم، فأذنوا لهم فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن المضاض الجرهمي وكان آخر من ملك مكة، من جرهم، وهو مضاض الأصغر بن عمرو بن مضاض الأكبر بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن لحيّ بن أبي بن جرهم، فأرسل إلى خزاعة يستأذنها في الدخول إليهم، والنزول معهم بمكة في جواره، ومت إليهم برأيه وتوريعه قومه عن القتال، وسوء السيرة في الحرم، واعتزله الحرب. فأبت خزاعة ان يفهم عن الحرم كله، ولم تتركهم ينزلون معه. وقال لحيّ، وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، لقومه: من وجد منكم جرهميا وقد قارب الحرم، فدمه هدر. فنزعت إبل، المضاض بن عمرو بن مضاض بن عمرو الجرهمي من اقتونا، تريد مكة، فخرج في طلبها، حتى وجد اثرها قد دخلت مكة، فمضى على الجبال من نحو أجياد، على ظهر أبي قبيس، ينتظر الابل، في وادي مكة، فأبصر الابل تنحر وتؤكل لا سبيل له اليها، فخاف ان يهبط الوادي أن يقتل، فولى منصرفا إلى أهله، وأنشأ يقول: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر ولم يتربع واسطا فجنونه ... إلى المنحنى من ذي الاراكة حاضر بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر

وبدلنا ربي بها غربة بها الذئب يعوي والعدو المحاصر فإن تمل الدنيا علينا بكلها ... ويصبح حال بعدنا وتشاجر فكان ولاة البيت من بعد ثابت ... نمسي بهذا البيت والخير ظاهر وانكح جدي خير شخص علمته ... فأبناؤنا منا ونحن الأياصر فأخرجنا منها المليك بقدرة ... كذلك عضتنا السنون العوابر وسحت دموع العين تبكي لبلدة ... بها حرم آمن وفيها المشاعر بواد أنيس ليس يؤذي حمامة ... ولا منفر يوما وفيها العصافر وفيها وحوش لا تزال انيسة ... إذا ؤخرجت منها فما أنم تغادر فياليت شعري هل لعمرو هل لعمرو بعدنا ... جياد ومضا سبيله فالظوهر قال، وانطلق مضاض بن عمرو نحو اليمن إلى أهله، وهم يتذاكرون ما حال بينهم وبين مكة، وما فارقوا من أمنها، وملكها، فحزنوا على ذلك حزنا شديدا، فبكوا على مكة. ويقولون الاشعار في مكة، واختارت خزاعة حجلابة الكعبة وولاية أمر مكة، وفيهم بنو إسماعيل بن إبراهيم بمكة، لا ينازعهم أحد في شيء من ذلك، ولا يطلبونه إلى أيام قصي بن كلاب، فتزوج لحيّ وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر فهيرة بنت عمرو بن عامر بن مضاض بن عمرو الجرهمي، ملك جرهم. فولدت له عمرو بن ربيعة بن لحيّ بن حارثة فلما شب عمرو وساد وشرف وعاش ثلاثمائة سنة وبلغ عدد ولده وولد ولده في حياته الف مقاتل بمكة، وفي العرب من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده في الجاهلية. وهو الذي قسم بين العرب حكمة حكموها عشرة الآف ناقة. وكان قد اعوز عشرين فحلا، فكان الرجل في الجاهلية،إذا ملك ألف ناقة فقأ عين ابله، وكان قد فقأ عين عشرين فحلا. وكان أول من أطعم الحاج بمكة سدائف الابل ولحماتها على الثريد، وعم في ذلك السنة جميع العرب. وكان ذهب شرفه في العرب كل مذهب. وفي هذه القصة يقول عمرو هذا بن ربيعة لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر اشعارا كثيرة، وكلمات طويلة كتبنا منها ما ندل على هذه الصفة: ونحن ولينا البيت من بعد جرهم ... لنمنعه من كل باغ وظالم ونمنعه من كل شيء يريده ... فيرجع عنا مرجعا غير سالم ونحفظ حق الله فيه بجهدنا ... ونمنعه بالحق من كل آثم وكيف يريد الظلم وفيه ربنا ... بصير بأمر الظلم من كل غاشم فوالله لا ننفك نحفظ حقه ... ونعمره ما حج أهل المواسم ونحن نفينا جرهما عن بلادها ... إلى بلد الافيال أهل المكارم " في شعر طويل ". فكان عمرو يلي البيت وولده من بعده خمسمائة سنة، حتى كان آخرهم خليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو. فتزوج إليه قصي بن كلاب ابن مرة ابنته حتى نبت خليل، وسنأتي بقصتهم إن شاء الله. ولم أدع أن أفسر سبب رجوع سدانة البيت إلى قريش. إذا كان ذلك يقتضي ما قد أوردته وشرحته ليقف عليه من لا يعلم صحته. كان سبب ذلك ان رزاح بن ر بيعة العذري، كان أخا قصي بن كلاب لأمه، فلما همت كنانة تقتل قصي بن كلاب، وانتزاع ما في يده وطرده واذلاله. استنجد اخاه رزاح بن ربيعة العذري، واستصرخه، فانجده رزاح في خيل كثيرة من فرسان اليمانية من الشام، وأجاب دعوته، فقتل رزاح كنانة وأفنى جموع العدنانية، واستأصل شوكتهم وأبادهم وجمع لأخيه قصي قومه. فلما شدد أمره، وشد عضده، وادرك له رغمه، أراد رزاح الارتحال فخاف على أخيه قصي غائلة كنانة، وأن تعاوده الحرب إذا هو فارقه فخطب رزاح لاخيه قصي، إلى الخليل بن حبشية الخزاعي، وهو يومئذ سادن البيت ليمنع قصيا بخزاعة، ومنعتها من كنانة، إذا أرادت بقصي كيدا. فزوجه خليل ابنته حتى ولدت لقصي: عبد الدار، وعبد مناف، وعبد العزى، وعبد قصي بن قصي بن كلاب.

3 - خبر مسير الأزد حين أخرجهم سيل العرم وتفرقهم في البلاد

ووقع بمكة رعاف شديد، ووباء، فأخرج خليل ولده من بطن مكة إلى مر الظهران، فرارا من الوباء، فارتحلوا عنه، وتخلف خليل مفردا مع ابنته " حتى "، زوجة قصي. فمات خليل في ذلك الوباء بعد أولاده الذكور، فأوصى إلى ابنته " حتى "، ودفع إليها مفاتيح الكعبة. وقال: إذا رفع الله هذا الوباء، ولم يبق داء فابعثي إلى اخوتك، فادفعي إلى اخوتك هذه المفاتيح اليهم ليكونوا مكاني، ولتبق سدانة البيت فيهم. وأكد عليها العهد ووثق بها بوفائها. فلما وصل وصارت المفاتيح إلى " حتى "، طال التناحي باخوتها عن البيت، حذر الوباء. قال قصي لعبد الدار، ولده، وهو ابن حتى، وكان أكبر ولده: لو سألت أمك ان تصير إليك مفاتيح الكعبة، فتكون في يدك، فإذا رجع أخوالك، اخوتها، رددت ذلك اليها فسلمته إليهم. فسألها ولدها عبد الدار، ففعلت له وأجابت ولدها فدفعت المفاتيح اليه، وهو عبد الدار بن قصي بن كلاب. فلما ارتفع الداء. ونجم الوباء. عاد بنو خليل بن حبشية، يطلبون إلى أختهم المفاتيح، فامتنع بها قصي، وأولاده، فثبت في ايديهم غدرا لا غلبة يد ولا حق، على ما شرحت لك من أمرها إلى اليوم. وفي ذلك يقول زهير بن خداس العامري في منافرة حرب، بين قومه وبين ولده قصي: بصهركم في لحيّ كعب بلغتم ... سدانة بيت الله غدار بلا غصب فما نلتموها باغتصاب فتفخروا ... ولا جرأة الا بصهر بني كعب ولولا رزاح في كتائب قومه ... لكنتم عبيدا بالصفاح لدى الشعب ولولا الإطالة لتقصيت الحديث والشرح، ولجئت بما يدلك زيادة على ما أوردت، لكن حذر الإطالة، اوردت هذه اللمع، وان جاء في هذا الكتاب تكرير لهذه الاقاصيص أعدتها وشرحتها ان شاء الله. 3 - خبر مسير الأزد حين أخرجهم سيل العرم وتفرقهم في البلاد قال: ثم أن الأزد لما خرجوا من جنتي مأرب حين احسوا سيل العرم، وساروا في مسيرهم ذلك، حتى وصلوا إلى مكة وبها يومئذ جرهم بن قحطان. وكان من امرهم ما قصصناه، فأقامت الأزد بمكة حتى أتتهم روادهم، فعند ذلك افترقوا من مكة فرقا، كما ذكرناه في أصل القصة. فكان كل فرق منهم في أرض وبلاد ز فمنهم من نزل السروات. ثم افترقوا من السروات. فسار بعضهم إلى عمان، وأقام منهم من أقام بالسروات، ونزل بعضهم السهل. ومنهم من تخلف بمكة، وما حولها. ومنهم من سار إلى يثرب. ومنهم من خرج إلى العراق. وسار ثعلبة وجفنة إبنا عمرو بن عامر، ومن بقي من إخوتهم وقومهم، فنزلوا بالمشلل نبين قديد والجحفة، على ماء يقال له غسان، فاقاموا به زمانا، فسموا بذلك الماء غسانا. وقد ذكرنا الاختلاف في تسميتهم غسانا في موضع قبل هذا. ثم انهم نهضوا من بعد ذلك حتى لحقوا بأرض الشام: وكان منهم ملوك غسان بالشام وكان من أمرهم ما قد ذكرنا، قبل هذا. وكان نزول غسان الشام، في عهد عيسى بن مريم، عليه السلام، وأن غسان إنما نزلت الشام، بعد مسير الأزد من مأرب ونزول الأزد في البلدان، من نزل منهم بالسراة، وعمان، وبطن مرّ ويثرب، والعراق. وقال بعضهم ان الأزد خرجت من مأرب، ومعها قضاعة، افترقت، فنزل وادعة بن عمرو بن عامر أرض ضوار، فصاروا مع همدان. ونزل عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد شمام، وشردد، ومرد، وهذه أرضون من تهامة على ساحل البحر. ثم سار الباقون من الأزد حتى نزلوا الناصف من أبيدة، وهو واد فيما بين نجد والسروات في سند جبل السراة، وهو احد مجامع شتوة اليوم، الذي يجمعهم فيه المصدق. وافترقت الأزد من أبيدة، فرقا ثلاثا: فسارت فرقة منهم، ومعهم مهرة بن جيدان بن عمرو بن الحاف، وقضاعة بن مالك بن حمير، ومالك وعمرو ابنا فهم تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن الحاف بن قظاعة، في قبائل قضاعة ومن استجمع معهم من اليمن، وقد ملكوا عليهم مالك بن فهم الأزدي، فسار بهم مالك بن فهم على اليمانية. ثم سار بهم على برهوت، وهو واد بحضرموت، ثم جنب الخيل وامتطى الابل، وجعل على مقدمته ابنه هناة بن مالك في ألفي فارس من صناديد الازد وفرسانهم، وجعل يجد السير حتى انصب على عمان في طريق الشحر، وقد تخلفت مهرة فنزلت ارض الشحر.

وتقدم مالك بن فهم الأزدي، في قبائل الأزد. ومالك وعمرو ابنا فهم ابن تيم الله نوقضاعة حتى وردوا إلى ارض عمان. وانما سميت عمان لأن منازلهم كانت على واد لهم بمأرب يقال لع عمان، فسموها به. وفرقة من الأزد، أقامت بموضعها، فنزلوا السروات من الجبل، وبعضهم نزل السهل. وأقامت معهم قبائل قضاعة. منهم نهيد، وسعد، وهديم بنو زيد بن ليث بن سود بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير. ومنهم حزم بن ريان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وولده الثلاثة: مالك بن حزم، وجدة بن حزم، وباجية بن حزم. ومن ولد ولده راسب بن الخزرج بن جدة بن حزم. فأقاموا في السهل، مع من أقام به من قبائل الأزد. ونزل سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر، جبل بارق، وتبرق، فسمي بارقا. ونزل معه ابن اخيه مالك بن عمرو بن عدي بن حارثة ابن عمر بن نجران، وهم من بني الحارث بن كعب بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر. وقد كانت بنو الحارث بن كعب قبل ذلك، عند خروجهم من الجنتين، قد سكنوا نجران، فدخلوا في مدجج، وانتسبوا فيهم، فهم يعرفون بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن مدجح، وهم ساكنو نجران. وفرقة من الأزد، توجهت قبل مكة، فانخزعت عنهم خزاعة، فنزلوا مكة، وبطن مر. فأقاموا بهذه البلاد زفسموا خزاعة. فاقام بها حارثة، وهو خزاعة بن عمرو بن عامر، وهو الذي ولي أمر مكة نوحجابة الكعبة. وولد له ربيعة، وهو الملقب لحيّ وأقصى، وكعب، وعدي. ولي من بعده أمر مكة وسدانة البيت إبنه ربيعة لحيّ البيت. ومضى الباقون، وهم آل جفنة، من غسان، سار بهم ثعلبة بن عمرو ابن عامر فنزل على ماء يقال له غسان بين قديد والجحفة. واقاموا بها زمانا، فسموا بذلك الماء غسانا. وهو بالمشلل. ثم سار بهم ثعلبة بن عمرو بن عامر حتى نزل بهم أرض الشام. وعظم شأنه. ومنهم كانت ملوك آل جفنة من غسان بالشام. وقال قوم بل سموا غسانا بماء كانوا ينزلونه بجنتي مأرب، يقال له غسان. وكانت بنو مازن بن الأزد ينزلونه دون إخوتهم، وبني أمهم من الأزد. وكان الرجل من الأزد، وغيرهم إذا جاء يطلبهم الأمر، قال: أريد غسانا. فاستمرت تسميتهم بذلك. وقد ذكرت هذه الاختلافات فيما تقدم من نسب غسان، قبل هذا. ثم ظعنت عنهم الاوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر. امهما قيلة بنت عمرو بن جفنة بن عمرو بن عامر. فنزلوا يثرب. وقال بعضهم بل امهما قيلة بنت كاهل بن عمرو بن سود بن اسلم بن عمرو بن الجاف بن قصاعة. فلما اكرمهم الله بنصر نبيه محمد صلى الله عله وسلم وسماهم الله انصارا فصار اسما ونسبا. واقام مع الاوس والخزرج، آل المحرق، وهي رهط القطيون عامر بن عامر بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الحارث المحرق بن عمرو بن عامر. فنزلوا معهم يثرب. واقام ايضا مع الاوس والخزرج، ابنا حارثة بنو الاصم بن ثعلبة بن جفنة وهو الحارث بن عامر. ومضى الباقون إلى الشام، فنزلوا اذرعات، وقر الثنية، " أو في نسخة الثنية "، ومن ارض دمشق فهم غسان وغسان نحو الشام. وقد قال حسان بن ثابت الانصاري. واما من سكن العراق من الازد فجذيمة الابرش، وهو الوضاح بن مالك بن فهم ومن كان معه بالحيرة من غسان، ومن آل محرق، فملكوا امرهم جذيمة الابرش. فسار بهم حتى نزل السواد. فملك الحيرة والعراق، وشطي الفرات ستين سنة، وتجبر وعظم شأنه. وقتل دارا بن دارا ملك الفرس، وكان من امره ما كان، وهو رب العصا. والعصا اسم فرس كان مشهورا. وهو الذي قتل الزباء. وغلب على ملكها. والجأ الزباء إلى طرف من مملكة ابيها، لغلبته اياها على كثرة ممالكها. وكان ابو الزباء ملكا بالشام، فقتله جذيمة، وذلك قبل غلبة غسان على لشام وقتلهم من كان من امره. وامر الزباء، وقد ذكرناه في موضع بعد هذا عند ذكر جذيمة. ومضى الباقون من الزد، حتى نزلوا البحرن، وحجر اليمامة. ثم ترحل عامتهم ولحقوا باصحابهم الذين ذهبوا من قبل لبشحر إلى عمان، ومعهم قضاعة بن جشم بن جلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وعايد بن حلوان، وهما في الغير من غسان. ونزلت ثمالة، وابو ثمالة عوف بن اسلم بن احجر بن كعب بن الحارث بم كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد، فأقامت بأرض نجد إلى الطائف منقطعة عن السروات. وبين ثمالة والسروات قبائل من عيلان.

واما من نزل عمان من الازد، وكان اول من لحق بها منهم، مالك بن فهم الازدي، فيمن تبعه من ولده وقومه الازد، وغيرهم، من احياء قضاعة. ثم لحقت به قبائل الازد من بعد طريق البحرين. وكان قد حدثنا خالد بنخداش، عن اشياخه. قال: لما أغرق مأرب سيل العرم، مضت قبائل الازد يرتادون منزلا، فنزلوا بمكان يدعى ذا الاراك وبهم سمي ذلك، وذلك ان ابلهم كانت اوارك، فبعرت به فانبت الاراك. ثم ساروا من ذي الاراك يرتادون حتى نزلوا موضع حجر في اليمامة. وحجر عمران بن عمرو بن عمر وانما سمي حجرا باسم حجر اليمامة لانه ولد به، ثم انهم استوخوا منزلهم، فارسلوا روادهم في لبلاد، فأتوهم حامدين للبحرن، واصفين لها بالخصب، فساروا اليها فنزلوها واستوخموها، ففرقوا روادهم يرتادون منزلا فأتوهم فخبروهم عن ريف عمان وطيبها وعلايها. فساروا اليها، حتى لحقوا بملكهم، وهو إذ ذاك مالك بن فهم الازدي، ومن كان معه من الازد، فنزلوا معه بعمان إلى جانب شطها الشرقي وينتقل منهم إلى غيره. فكان اول من خرج من الزد اللا عمان، ولحق مالك بن فهم، عمران ابن عمرو بن عامر ماء السماء. وعمران هم جد العتيك. وخرج معه ابناه الحجر والاسد أبناء عمران بن عمرو مزيقيا بن ماء السماء. ولقام بنو عقب بن ثوبان بن سهيل بن عمران بالسراة. قال: وكان سبب خروج عمران بن عمرو بن عامر إلى عمان، انه كان قد غضب على بني عمه بني مازن بن الازد، ففارقهم، فلحق بعمان، ففي قصة يقول الملتمس في شيء كان بينه وبين قومه: كونوا كعمران لم يسكن بمسكنه ... فقال ضيق وحسن شانى رصد شد المطية بالانساع فانتطغت ... نحو البسيطة حتى مسها النجد وكأن ارض عمان بعد مسكنه ... من بعد ضيق يكون رحبه بلد ان الهوان حمار الذل يعرفه ... والمرء ينكره والحسرة الاجد ولا يقيم بدار الذل يعرفها ... الا الحمار حمار الاهل والوتد هذا على الخسف مربوط بزمته ... وذا يسح ولا يبكي له احد ينوي عمان على بعد فاحمدها ... من بعد ضيق فكان الرحب والبلد وكان من خرج الىعمان، وسكنها من بعد عمران، قيس وهنيل، أبناء ثوباء بن سهيل بن عمران. والحجر والاسود ابنا عمران، ككما ذكرنا فقبائل الحجر بن عمران: عود بن سود بن حجر، واياد بن سود، وعبد الله ابن اسود، وعلي بن اسود، وطاحية بن اسود. فهؤلاء بنو سود بن الحجر بن عمران. ومنهم زهران بن الحجر، وهداد بن زيد مناة بن الحجر. وقبائل الاسد بن عمران: العتيك بن الاسود، وبنو الحارث، وهو ابو وائل بن الاسد وبنو ثعلبة بن الاسد، وبنو سلمة بن الاسد بن عمران. فكان بعد ذلك العتيك بن الاسد، سيد ولد عمران، ورئيسهم. وامه هند بنت سامة بن لؤى بن غالب. ثم خرجت الربعة. واسمه ربعة بن الحارث بن عبد الله بن عامر بن الغطريف، واخوته من بني الحرث بن عبد الله. وخرجت مدلاس بن عمرو بن عدي بن حارثة بن عمرو مزيقيا، فدخلت في هداد علىنسب فيهم. ثم خرجت عرمان بن عمرو بن الازد. ثم خرجت اليحمد بن حمى، واسم حمى عبد الله بن عثمان بن نصر بن زهران. ثم خرجت بنو غنم بن غلب بن عثمان، وبطونها جذيمة بن غنم، وسعد بن غنم. ثم خرجت الحدان، واخوتها زياد، وهو الندب الاصغر، وبالسراة منهم كثير، ومعولة ونحو بني شمس بن عمرو بن غانم بن عثمان. ثم خرجت الندب، وهو الندب الاكبر، ونكل بن الهنى بن الهور بن هنو بن الازد، فدخلت الندب في بني غالب بن عثمان، فقالوا الندب بن غالب، وخرجت الضيق بن عمرو بن الازد، فدخلت في عبد القيس بن غالب، فانتسب منهم. وخرجت ناس من بني غامد بن عببد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد. وخرجت ناس من خوالة. فخرجت هذه القبائل كلها على راياتها، لا يمرون باحد الا اكلوه. فساروا إلى عشائرهم الازد بعمان، حتى نزلوها واقتطعوها. فملأوها، واقاموا في بلد ريف، وخير واتساع. وقال، وسسمت الازد عمان عمانا، لأن منزلهم كانت على ود لهم بمأرب يقال له عمان فشبهوها به. فسموها عمان. وتسمى بالفارسية مزون. وفيها يقول بعض العرب:

اولاد مالك بن فهم

ان كسرى سمى عمان مزونا ... ومزون يا صاح خير بلاد بلدة ذات مزرع ونخيل ... ومراع ومشرب غير صاد قال، ونزلت قبائل الازد تنتقل إلى عمان، حتى كثروا بها، وقويت ايديهم واشتدت شوكتهم، وتظاهر بعضهم إلى بعض. لم نذكر من مصاهرتهم ومناسبتهم شيئا لطوله. ثم انهم ملأوا عمان فانتشروا منها حتى نزلوا البحرين، وهجر، وفي ذلك يقول شاعرهم، وهو عامر بن ثعلبة، حين نزلوا عمان: ابلغ ابيدة اني غير ساكنها ... ولو تجمع فيها الماء والشجر ولا اقيم بذي الاحقاف من طربى ... كما تروح إلى اوطانها البقر ولا اقيم بقملى لا افارقها ... كما يناط بخنب الراكب العمر من بارض عمان سادة رجح ... عند اللقاء وحي دارهم هجر فالازد، اول من نزل بعمان من العرب، بعدهم سائر الناس. وذكر آخرون ان نزار كثرت بناحية البحرين. اولاد مالك بن فهم 1 - سليمة بن مالك " خروجه وولده " حديث سليمة بن مالك بن فهم حين قتل اباه وخروجه إلى ارض فارس وكرمن وما كان من شأنه قال مكان من حديث سليمة بن مالك بن فهم الازدي، وقتله اباه ان اباه مالكا لما استولى على ملك عمان والعراق، وحاز اطرافها وما حولها، كان بنزل ما بين شط عمان إلى ناحية اليمن وكان ينتقل إلى ناحية اخرى. وكان بينه وبين ملوك اليمن تنافس وتحاسد. إلى ان طمع احدهما في ملك الاخر. وقد اختلفت الرواية في ذلك. وكان مالك بن فهم قد جعل على اولاده الحرس بالنوبة، في كل ليلة على رجل منهم مع جماعة من خواصه وامنائه من قومه الازد. وكان احظى ولد مالك اليه واقربهم، ابنه سليمة. وهو اضغر ولده. فحسد اخوته مكانه من ابيه، وجعلوا يطلبون له زلة عند ابيه وقومه. وكان مالك يعلم سليمة في صغؤه الرمي بالسهام إلى ان يعلم وكبر، واشتد عضده، فكان يحرس كأحد اخوته بالنوبة. وان اخوته لما بلغ حسدهم له مكانة عند ابيه، واقبل نفر منهم إلى ابيهم. فقالوا: يا ابانا انك قد جعلت على جماعة اولادك الحرس بالنوبة، وما احد منهم الا قائم بما يليه، ما خلا سليمة، فانه اضعف همة، واعجز منه، وانه إذا جنه الليل في ليلة التي تكون نوبته من الحرس يعتزل عن فرسان قومه، ويتشاغل بالنوم والغفول عما يلزمه، فلا يكون لك فيه كفاية ولا معني. وجعلوا يوهنون أمره عند أبيه، وينسبونه إلى العجز والتقصير. فقال لهم مالك: إنكم لكذلك، وما أحد منكم الا وهو قائم بما يليه. واما قولكم في ابني سليمة بما قلتم، فليس هو كذلك وان ظني فيه كعلمي، ومذ لم تزل الاخوة يحسد بعضهم بعضا لإيثار الآباء بعضا دون بعض. فانصرفوا من عنده راجعين بغير ما كانوا يأملون في أخيهم سليمة. ثم ان مالكا دخله الشك فأسر كل منهم ذلك في نفسه. إلى ان كانت الليلة التي كان فيها نوبة إبنه سليمة. وقد خرج سليمة في نفر من فرسان قومه يحرسونه في العادة، إلى ان جنهم الليل. ثم اعتزل عنهم المكان الذي يكمن فيه بقرب دار ابيه. فبينما هو كذلك، إذا أقبل مالك بن فهم من قصره في جوف الليل، س مختفيا من حيث لا يعلم به أحد، قاصدا، يريد ابنه سليمة إلى ذلك الموضع، لينظر انه كما القى اليه ولده عنه ام لا. وكان سليمة في ذلك الوقت قد لحقته سنة، فأغمض على ظهر فرسه، وهو متنكب كتانته، وفي يده قوسه، وهو على ذلك الحال إذا اقبل مالك بن فهم في سواد الليل قاصدا نحوه فحسب الفرس حس مالك ورأت شخصه من بعيد وهو متنكر، فصهلت الخيل. فانتبه سليمة من سنته تلك مذعورا. ونظر إلى الفرس وهي ناصبة أذنيها نحو شخص مالك وحسه، ففوق سهمه في كبد قوسه، ويممه نحو شخص مالك وهو يعلم أنه أبوه. فسمع مالك صوت السهم، وقد حشق في القوس حين أرسله نحوه. فهتف به: يا بني لا ترم أنا أبوك. فقال سليمة يا أبت قد ملك السهم قصده. فارسلها مثلا. فأصاب السهم مالكا في قلبه، فقتله. فقال مالك حين أصاب السهم من ابنه سليمة هذه القصيدة، ونعى نفسه فيها إلى القبائل بأرض اليمن وذكر مسيره الذي ساره من أرض السراة، وخروجه من برهوت إلى عمان، وما كان من شأنه: ألا من مبلغ أبناء فهم ... بمالكه من الرجال العماني

وبلغ منبها وبني حنيس ... وسعد الله ذي الحي اليماني ومن أمسى بحي بني صريح ... إلى حرس وحي بني عدان ومن حل الثنية من كلاع ... إلى بطن المناقب والمثان بلاد قد نأى عنها مزاري ... وجيران المجاورة الأدان بغته الدار من أبناء فهم ... ومن أبناء دوس والقنان قتلت محرقا وحميت نفسي ... وراغمت الاعادي من اسان وفي العرنين كنا أهل عز ... ملكنا بربرا وبني قران جلبت الخيل من سروات نجد ... وواصلت الثنايا غير وان صددنا قومنا الادتيت قدما ... لدى بطن المبالغ والدعان بها عمران من اولاد عمرو ... ونسوتها ذوا النسب الأوان وسرنا بين احقاف ورمل ... وغلفات تعاطاها بنان وأودية بها نعم وشاء ... يردن الماء تنزحه السوان به اولاد ناجية بن حزم ... وأوباش من الأمم الغوان حلبت الخيل من برهوت شعثا ... إلى قلهات من أرضي عمان قتلت بها سراة بني قياد ... وحاميت المعالي غير وان وفي الهيجاء كنا أهل بأس ... قتلنا بهمنا وبني كران لقينا خيلهم عند التعادي ... بابطال المرازبة الدعان يؤمون الذرى والخيل تترى ... بفرسان اللقاء كجن عان فصالت فهم الأملاك فيهم ... بمرهقة تحل عرى المتان نصفناهم فنصف الخيل قتلي ... ونصف في الوثاق وفي القران ثأرنا الملك يوم بني قياد ... وبهمن والمنايا في العيان فأضحت بهمن وبنو قياد ... موالينا حيارى في الرهان فامتعناهم بالمن عفوا ... وجدنا بالمكارم والأمان وجزت مملكا قطري عمان ... وقدت الهبرزي مع كل عان نكحت بها فتاة بني زهير ... وخودة بنت نصر الأسودان وجعدة بنت حارثة بن حرب ... من الخور المحبرة الحسان وأم جذيمة وهناة بكر ... عقيلة من ذرى العرب الهجان ومعن والعميقي ثم عمرو ... وحارث منهم ذرب اللسان شربت الماء من قطر عمان ... فلم ار مثل ماء البيذحان جزاه الله من ولد جزاء ... سليمة انه ساحي جزان اعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني توخاني بقدح شك لبي ... دقيق قد برته الراحتان فأهوى سهمه كالبرق حتى ... أصاب به الفؤاد وما اتقاني الا شلت يمينك حين ترتمي ... وطارت منك حاملة البنان فلما مات مالك بن فهم، أنشأ ابنه هناة بن مالك يرثيه ويقول شعرا: لو كان يبقى على الأيام ذو شرف ... لمجده لم يمت فهم وما ولدا حلت على مالك الأملاك جائحة ... هدت بناء العلا والمجد فانقصدا إذا جذيمة لا تبعد ولا غلبت ... به المنايا وقد أودى وقد بعدا لو كان يفد البيت العز ذو كرم ... فداك من حل سهل الأرض والجلد يا راعي الملك أضحى الملك بعدك لا ... تدري الرعاة أجار الملك أم قصدا قال، فلما رأى سليمة أنه قد قتل أباه، خاف إخوته على نفسه، فاعتزلهم. وأجمع أمره على الخروج من بينهم. فسار اليه اخوه هناة بن مالك، في جماعة من وجوه قومه من الأزد. واجتمعوا اليه، وكرهوا عليه الخروج، وكان أكثر أوقاته متخوفا من أخيه معن بن مالك. فقال سليمة: اني لا أستطيع المقام بينكم، وقد قتلت أبي، وكان ذلك سبب حسد اخوتي لي، ويأتي من معن ما أكره، فاخاف ان يغتالني، في بعض سفهاء قومه. فناشدوه الله والرحم، لما أن يرجع عندهم. وضمن هناة عنه بتسليم الدية من ماله إلى أخيه معن، دون سائر ولد مالك. وأعفوه عن القود. فقبل ذلك منهم ورجع معهم.

وسلم هناة عنه الدية من ماله، ووفى له بما عهده، وطمع أن يصلح ذات بينهن. فكان هناة أرأف ولد مالك، وأسيدهم سيرة في إخوته وقومه. ثم ان معنا خلا زمانا لا يتعرض لسليمة بمكروه. إلى أن أكل الدية من يده. ثم انه جعل يطلب غفلة سليمة ويبايع عليه سفهاء قومه بحيث لا يعلم به من اخوته قومه، وبلغ ذلك سليمة فأقسم أنه لا أقام بأرض عمان. وقد بلغه من معن، ما بلغه من العذل، فاعتزل اخوته، وأجمع رأيه على ركوب البحر. فخرج هاربا في نفر من قومه. وقطع البحر حتى وصل بأرض فارس وكرمان، لذلك السبب. فلما رأى أخوة ثعلبة بن مالك، اعتزل أخوته، وخرج مراغم عند اخواله، من تنوخ. فصار فيهم، وسارت تنوخ بأجمعها، حتى لحقت بجذيمة الابرش بن مالك بن فهم، وهو يومئذ ملك الحيرى. ثم انتشروا من بعد ذلك إلى الشام والجزيرة فتفرقوا بها، وهم إلى الآن كثيرون هناك. فولد ثعلبة بن مالك بن فهم الازدي في تنوخ إلى اليوم. وقد ذكرنا قصته فيما تقدم فمن ولده: القفص، وهم أصحاب كرمان، والمتوجات. غير ما تفرق منهم بأرض فارس وجزائرها، ورجع منهم إلى عمان. وقد ذكر بعضهم، أن سليمة بن مالك، لما قدم أرض فارس كان أول موضع نزل فيه من ساحل البحر، بر، جاشاه، وانه تزوج امرأة منهم من قوم يقال لهم الاسفاهية، فولدت له غلاما فولده منها يسمون بني الاسفاهية، نسبوا إلى امهم. وأن سليمة بينما هو ذات يوم بين حاشيته، إذا ذكر أرض عمان، وانفراده عن اخوته وقومه، وما كان فيه من العز والسلطان فأنشأ يقول: كفى حزنا أني مقيم ببلدة ... أخلائي عنها نازحون بعيد أقلب طرفي في البلاد فلا أرى ... وجوه أخلائي الذين أريد ثم أنه رحل من برجاشاه، حتى نزل إلى ارض مكران. فأقام بها عند ملوك بعض اهلها، وانتسب اليهم. وقال: إني رجل من أهل بيت كان لنا الملك في العرب وكان لأبي عدة من الولد، وكنت أنا أقربهم اليه وأحبهم، فحدسني أخوتي مكاني من أبي، وكان ذلك سبب قتل أبي على يدي. ثم انه أخبرهم بقصته وأمره، وقال: إني قدمت إلى هذه البلاد مستجيرا بأهلها، ومستعديا بهم، وقد رجوت الله ان يمن علي بجوارهم، ويشد ازري بمكانهم. فلما انتسب إلى أهل مكران، وعرفهم قصته، وما كان من أمره، س عرفوه وتبينوا موضعه، ومكانه، وشرفه من آبائه وقومه. فأنزلوه وأكرموه واعجبهم ما رأوا من فصاحته وجماله، وكمال أمره، فرفعوا قدره، س واكرموا منزلته، وزوجوه بإمرأة من كرائم نسائهم. ويقال ان سبب تزويجهم إياه أن سليمة لما قدم إلى أرض كرمان، وانتسب إلى أهلها وملوكها، س وعوفوا موضعه وشرفه من آبائه وقومه، أرادوا أن يزوجوه بامرأة من بنات ملوكهم. وكان الملك إذ ذاك على أرض كرمان، حين قدم سليمة إلى أرضهم، بعض ولد دارا بن دارا بن بهمن. وكانوا قد كتموا مجيء سليمة وقدومه عليهم مخافة ان يعؤض له سبب ما كان من أبيه، مالك بن فهم، وأخيه جذيمة الأبرش، إلى ملوك فارس، وكان ملكا جبارا كثير العسف والظلم لأهل مملكته وقومه. وكان قد بلغ من أمره، أنه ما زُفَّتْ عروس على بعلها، حتى يؤتي بها إليه فيصيبها قبله، وإلا قتل بعلها، وبدد أهلها. فكان ذلك دأبه في أهل كرمان إلى أن قدم عليهم سليمة بن مالك فرأى ما صنع الملك عندهم، وشكوا عند أمره وحكوا اليه قصته، وما يصنع عندهم في آبائهم، وما يلقون منه من العسف والظلم، فانهم لا يتوصلون إلى دفعه بحيلة من كثرة حرسه وحجابه ومنعته. فقال سليمة: وماذا لي عليكم ان انا كفيتكم أمر بأسه، وارحتكم من سلطانه؟ قالوا: وأَنَّى لك ذلك، ولم يرمه أحد من أهل العز والسلطان ممن كان قبلنا؟!! فقال سليمة: تدبير الأمر في ذلك عليّ، فماذا لي عليكم. قالوا: ما شئت. قال: فإذا اردتم ذلك فيجتمع إليّ من الغد أهل الوفاء والتقديم منكم قالوا: نعم. فلما كان من الغد اجتمع اليه عظماء أهل كرمان وأهل الوفاء منهم وجرى الكلام بينهم كما جرى بالأمس. فقال سليمة: إن امكنتموني مما اشترط عليكم دبرت الأمر. قالوا باجمعهم: لك ما شرطت، طلبت وسألت.

قال سليمة: على أنكم تصيرون ملكه وسلطانه، إن أنا أمكنني الله منه لي، ولعقبي من بعدي، دون سائر أهل كرمان. وعلى ان آخذ جميع غلاتكم وجباية جميع أموال كرمان، إلى ان أتمكن وأبلغ غاية مرادي، وأن انتخب لنفسي من جميع ما قدرت عليه من رجال العرب، ومن أجناس أهل كرمان، من أردت من الرجال، وان تزوجوني إمرأة من كرائم عقائل نسائكم. قال: فأمسك القوم لذلك، ونكسوا لرؤوسهم ساعة، ثم أقبل بعضهم على بعض. فقالوا: إن كان فيكم معاشر أهل كرمان من يقدر على هذه المعاني بدون هذه الشروط والمطلب، فليفعل. فسكتوا ولم يتكلم منهم أحد. قال سليمة: فإني لا أستطيع إلى فعل ذلك إلا على هذه الشروط. فعند ذلك ضربوا بأيديهم على يد سليمة. وقالوا له: لك جميع ما شرطت وطلبت. ثم أنهم بايعوه على قتل الملك، وأهل بيت الملك والسلطان. وهم قوم أمر الملك، ونظام ملكه وسلطانه. فلما كثر بغيه وظلمه لأهل مملكته كرهه الكل منهم. فلما فرغوا من أمر البيعة، عمدوا إلى سليمة فزوجوه بإمرأة من كرائم بناتهم، وكل ذلك والملك لا يعلم بشيء من أمرهم. إلا أنهم أشهروا من ترويج المرأة باسم رجل من بعض أهل كرمان، ممن شهد البيعة. ولم يذكر اسم سليمة لئلا يعلم الملك بشيء من أمره. وأن سليمة لما فرغ القوم من بيعتهم له وتزويجهم إياه، عاهدهم إلى ليلة معلومة ليكونوا يزفونه إلى الملك. وقال لهم: إذا عزمتم على ذلك فاشهروا أمر هذه المرأة إلى بعلها، حتى يبلغ ذلك الملك، ليكون متأهباً للتعريس. ثم إنكم اعهدوا إلي في خفاء من الناس، فالبسوني أنواع الحلي والحلل، وزفوني إلى بعلها. فإذا أنا صرت إليه، وأغلق الأبواب وأرخيت الستور دوني، وأمر الخدم بالانصراف، وأشرف علي، وتمكنت من ضربه بيدي على هذه السكين التي في حجرة سراويلي ووجأته بها فاستمسك في يدي، فإذا أنا ظفرت به، وتمكنت من حجابه وأهل حرسه، وسمعتم الصريخ، فبادروا إلي بأجمعكم في سلاحكم، وآلة حربكم، وأعينوني على ما حاولت وعاهدتموني اليه. فقالوا: نعم. فلما كانت تلك الليلة التي يريدون يزفونه إلى الملك، أشهروا أمر هذه المرأة إلى بعلها من النهار، ليعلم الملك بذلك، فيكون متأهبا للخلوة. وعمدوا إلى سليمى وهو إذ ذاك شاب، وكان جميلا حسن الوجه والهيئة، فألبسوه أنواع الحلي والحلل، وقد جدد سكينه وجعله معه في حجرة سراويله، وسار عنده النساء وأنواع الخدم والحشم، يزفونه بينهم، في هيئة المرأة، حتى انتهوا به إلى الملك. فحين نظر إليه الملك، في الأشماع وضوء المصباح، وهو على تلك الهيئة والجمال، هاله منظره وما رأى من حسنه وجماله. وقد أقبل إليه يرفل في انواع الحلي والحلل، بين الخدم والحشم. فأعجب به، وتيقن أنه المرأة المهداة إلى بعلها. فأوما إلى النساء والخدم بالانصراف، فانصرفوا عنه. وأمر بالأبواب فاغلقت، ورخيت عليه الستور. وبقي هو وسليمة جميعا. ثم أنه أهوى على سليمة ليقبله ويضمه إليه. فاسترخى سليمة متماثلا عليه حتى إذا تمكن منه أهوى على السكين في حجرة سراويله، فوجأ به الملك في خاصرته اثبتها فيه، ثم أردفه الثانية في لبته، فبعج بطنه. فخر الملك ساقطا على فراشه يخور في دمه خوار الثور. ثم وثب سليمة من فوره ذلك فلبس درع الملك وبيضته وتقلد سيفه ونظر إلى الملك وإذا فيه رمق الحياة، فضربه بالسيف، فأبان رأسه عن جسده. وبات ليلته على تلك الهيئة، ولا يدري أحد ما عنده. وبات وجوه أهل كرمان، الذين بايعوا ليلتهم تلك في خوف ووجل، لا يدرون ما يكون من أمره. فلما أصبح وثب إلى الأبواب ففتحها. وخرج إلى حراس الملك وحاميته، فشد عليهم. فلم يزل يجالدهم بسيفه ويقتل من لحق منهم حتى أباد عامتهم، وباب الدرب مغلق عليه وعليهم. ثم تصايح الناس وتهافتوا بالسلاح، ووقع الصريخ، وأقبل إليه جماعة وجوه أهل كرمان، أهل البيعة منهم، وغيرهم من أعوان الملك، في آلة حربهم وخيلهم وعددهم، فعندما أشرف عليهم سليمة من رأس الحصن، وعليه الدرع والبيضة، شاهرا لسيف الملك بيده وهو مخضب بالدم. وألقى اليهم جثة الملك ورأسه.

ذكر ولد سليمة بن مالك بن فهم

فلما نظروا إلي ذلك هالهم أمره واكبروا شأنه، واعظموه، وتحاجز الناس عنه، وسدّ بذلك، فأمسك عنه الجميع، وحمد اليه عظماء أهل كرمان والأشراف منهم، ممن كان بايعه على قتل الملك، فاستجاشوا اليه، وصوفوا إليه جميع الناس، وفرحوا بذلك فرحا شديدا، لما كان من عسف الملك وسوء سيرته فيهم. ثم انهم شدوا في رجل الملك حبلا وأمروا الصبيان ان يجروه ويطوفوا فيه شوارع كرمان وسككها. ثم اجتمع العظماء والأشراف فتآمروا بينهم في تمليك سليمة اياهم وتسليم الأمر إليه دونهم. فاجتمعوا على ذلك ووفوا له بما بايعوه، وصرفوا اليه جميع الناس، واستقبلوه بالسمع والطاعة حتى استقر الأمر وتمهد. ثم أنهم اهدوا اليه عرسه، فابتنى بها. واستقام له أمر كرمان وملكها. فاستولى على جميع كورها وثغورها وأطاعه الجميع من أهلها، ومكنوه من أنفسهم وأموالهم، وأعانوه على جميع أمره. فلم يزل أمره فيهم كذلك، إلى أن بغى بعضهم وحسدوه. وقالوا: إلى كتى يملكنا هذا العربي ونحن أهل القوة والمنعة والعز والسلطان. وجعلوا يتعرضون له في أطراف أعماله وناحية ثغره. فعند ذلك كتب سليمة إلى أخيه هناة بن مالك بعمان يستصرخه، ويطلب منه المعونة والمدد، أن يمده بخيل ورجل من فرسان الأزد وأبطالهم، يشد بهم عضده، ويقيم بهم أود من تعاوج عليه من العجم. فأمده هناة بثلاثة آلاف من فرسان الأزد وأبطالهم بالعدد والعدة والدروع وحملهم في المراكب، حتى أوردهم إلى كرمان. فتحصلوا عند سليمة وأقاموا معه بأرض كرمان، فشد بهم عضده، وأقام بهم صَفّي من تعاوج عليه من العجم. واستقام الأمر، وسياسة الملك. وفي هذه القصة يقول بعض أهل هذا العصر: فنحن سلبنا الملك من آل بهمن ... على رغمهم قسرا بجدع المناسم وكان لنا الملك الأكاسر قلبهم ... وكنا الذرى من مالك والقوادم اليس الفتى الأزدي أسرى بغرمه ... إلى بهمن بالموبقات الحواتم الم يخترمهم يوم بوس بسيفه ... ويصرم راس الأعوج المتفاقم وأهدى بجيشه بعد ذلك يقوده ... إلى الحرب أبناء الليوث الخضارم أمد هناة من أخيه بعسكر ... سليمة فاثبتوا كأسد ضراغم ثلاثة آلاف كرام فروعها ... إلى القفص صارت بالعتاق الصلادم فأسكنهم كرمان ليست بدارهم ... ثلاثون محصنا من ملوك أكارم إذا سلت عنكم سليم بن مالك ... روت رؤوسكم عنها بفرس اعاجم فلا أنتم منهم فيلزم خدمكم ... ولا من شريك في العلا والجراثم قال: ولم يزل سليمة بن مالك بن فهم بأرض كرمان مستقيما، قد أذعن له أهلها، ويؤدون إليه خرجها، إلى أن اشتد ملكه، وقوي سلطانه. وولد له عشرة أولاد ذكور وهم: عبد بن سليمة، وحماية بن سليمة، وسعد بن سليمة، ورواحة بن سليمة، ومخاش بن سليمة، وكلاب بن سليمة، وأسد بن سليمة، وأسود ين سليمة، وعثمان بن سليمة. ثم أن سليمة بن مالك، مات بأرض كرمان، فاختلف رأي ولده من بعده واضطرب أمرهم، ودخل الناس بينهم. وكان سبب زوال أمرهم، ورجوع الملك إلى العجم، حين وجدوا عليهم المدخل، لما كان من حسد بعضهم بعضا، فتغلبت عليهم الفرس، واستولوا على ملك أبيهم، فاضمحل أمرهم، وتفرقوا في أرض فارس وكرمان وجزائر فارس وأعمالها، وفرقة منهم توجهت إلى جبال عمان، فلحقت باخوالهم ويروى بإخوانهم. فمن ولد سايمة؛ اصحاب جبال القفص من كرمان المتوجان، وأهل المربد، وبنو بلال، وآل الجلندي بن كركر. وآل الجلنديبن كركر والجلندي بن كركر هو جد الصفاق، ومن ولده ملوك هروا إلى اليوم. وجمهور بني سليمة، بأرض فارس وكرمان، لهم بأس وشدة وعدد كثير وبعمان منهم الأقل. ذكر ولد سليمة بن مالك بن فهم

2 - جذيمة الابرش بن مالك بن فهم وولده

قال: ولد سليمة بن مالك بن فهم عشرة رهط، وهم من قبائلهم وعرايفهم أيام المهلب وحربه للأزارقة، من حماية بن سليمة، وبنو مخاشن بن سليمة، عرافة وبنو سعد بن سليمة، عرافة وبنو عبد بن سليمة، عرافة، وهم الروادف لهم عدد كثير، كان لهم لمازة بن مشجعة السليمي، صاحب المهلب، الذي تقدم لمكاره الناس لقاء الخوارج. ومنهم ابو حمزة الشاري، واسمه المختار بن عوف بن يحيى بن مازن، وهو صاحب وقعة قديد. وملك الحرمين، وهو صاحب عبد الله بن يحيى الشاري الكندي، المسمى بطالب الحق، وكان وجه أباحمزة، المختار بن عوف بالعساكر إلى الحجاز، فغلب على مكة والمدينة، وكانت وقعة قديد حتى ملك الحرمين، ودخل المدينة وملكها وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، خطبته العجيبة المشهورة. وكان منزله في عمان بقرية حجز من جنوب صحار. ومنهم أبو حمزة الفقيه، واسمه ثابت بن أبي صفية، واسم أبي صفية ديثار. ومنهم الفضل بن يزيد، الفقيه، الذي يروي عن الشعبي. ومنهم بعد ذلك الشيخ ابة محمد عبد الله بن محمد بن بركة، العالم، رحمه الله. وهو العالم المشهور، والبليغ المذكور، صاحب الكتاب الجامع، وكتب التقييدات، ومسائل أصول الدين، وغير ذلك من مسائل الفروع الحرام والحلال، والكتاب المبتدأ في خلق السموات والأرض وما فيهن من الخلق. ومنزله من عمان بقرية بهلاء وهو حامل العلم عن الشيخ أبي مالك غسان بن محمد الخضر الصلاني وحمل عنه الشيخ ابو الحسن علي بن محمد البسيوي، رحمه الله تعالى. ومنهم بنو صامت وجميعهو يسكن بحسا المنقال. منهم: ابو سليمان بن صامت، وبنو سعد بن صامت، وبنو حيان بن صامت، وبنو هانىء بن صامت. فمولد سليمان بن صلمت، محمد بن سليمان، وهو بيت المشايخ زمنهم، وداود بن سليمان، وعمرو بن سليمان، وعبد الرحمن بن سليمان وشكير بن سليمان وطاهر بن بنسليمان، وولد سعد بن صامت: المغيرة، والخليل، والمخاشن، وخشين. فمن بني مخاشن: ابو حمزة المختار بن عوف بن عبد الله بن يحيى بن مازن ابن مخاش بن سعد بن صامت بن مخاشن بن سليمة بن مالك بن فهم. وولد حيا نبن صامت: شكير، وزيد، وحمدي. وولد هانىء بن صامت: ابا تميم بن هانىء. فأما محمد بن سلمان بن صامت، فمن ولده: اسحاق، محمد، واببراهيم، وعلي، وتمام بنو موسى بن اسحاق بن إبراهيم بن محمد بن حبش بن محمد ابن سلمن بن صامت. وهم بيت بنى سليمة اليوم بعمان. ولهم التقدمة والنجدة والسخاء. فمولد اسحق بن محمد بن اسحق بن محمد بن حبش بن محمد بن سلمان ستة رهط: موسى، ومحمد، وتماما، وعبد الملك، واحمد، وعبد الله بن اسحق بن موسى. فمولد موسى بن اسحق بن موسى لربعة نفر: المبارك، وعيسى، ومحمدا، وعليا. وولد عبد الملك بن اسحق بن موسى ثلاثة رهط: يحيى، وزكريا، وعيسى. وولد أحمد بن اسحق بن موسى بن إبراهيم بن أحمد أحمد. وولد عبد الله بن اسحق بن موسى غدانة بن عبد الله. فهؤلاء بنو اسحق بن موسى بن اسحق بن إبراهيم المتقالي. واما محمد بن موسى بن اسحق بن إبراهيم، فمولد: مروان، وحبشيا، ومحمدا، وعليا، واحمدا. واما إبراهيم بن موسى بن اسحق بن إبراهيم، فولد ثلاثة: جابرا، ومحمدا، والحسن. فمولد محمد بن إبراهيم رجلا الحسن بن محمد. ومن بني شكير بن سليمان بن عبد الله بن أحمد بن نسيم بن صخير بن حماة بن حديد بن هلال بن شكير بن سلمان بن صامت. ومن ولد محمد بن حبش: محمد بن أحمد بن محمد بن عطارد بن محمد بن الحسين بن محمد بن حبش بن محمد بن سلمان بن مجيب بن الحسين ب جابر بن غريب بن يزيد بن محمج بن عيسى. ثم من بني بلال: سليمان بن عبد الملك بن بلال. ويقال بلال بن حاضر بن سويد. وكان سليمان بن عبد الملك بن بلال سيدا وجيها في قومه من ولد مالك بن فهم، وكان يسكن مجز من قرية الباطنة، وله فيها مال ومساكن وهد في عمان وقائع كثيرة ايام اختلاف أهل عمان، وتقدم راشد بن النظر الفجمي اماما على الصلت بن مالك. وكان سليمان بن عبد الملك قد شهد من جملة هذه الوقائع وقعة الروضة بتنوف في جماعة من قومه من ولد مالك بن فهم واسر بها في جملة - من اسر - وقتل فيها اخوه حاضر بن عبد الملك ب بلال في جماعة من قومه ونحوهم. 2 - جذيمة الابرش بن مالك بن فهم وولده

هنة بن مالك بن فهم وولده

قال: وولد جذيمة الابرش بم مالك بن فهم رجلا وهو عوف بن جذيمة لربعة رهط: جهضهم بن عوف، وجرير بن عوف، وانمار بن عوف، وولد انمار بن عوف بن جذيمة رجلا، وهو الجون ابن انمار بن عوف بن جذيمة. فمن بني الجون بن انمار: فرازة بن عمران بن مالك ب بلال بن حارث اببن زرارة بن الجون بن انمار بن عوف بن جذيمة الابرش بن مالك بن فهم. وكان فرازة قد ولي مظالم البصرة. فقال فيه بعض الشعراء: ومن المظالم ان تكون على المظالم يا فرازة ومن بني الجون ابو عمران الجوني، والذي يحدث عنه جماز بم مالك بن فهم، فاما جماز بن مالك بن فهم، فاسمه زياد بن مالك. وملك جماز بن مالك هذا مائة وعشرين سنة. وكان ملكه عل معد وطوائف من اليمن. وهو الذي ذذكره الله تعالى في القرآن، وصف جنته فقال تعالى:) فقال لصاحببه وهو يحاوره (إلى قوله تعالى:) أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا واحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية على عروشها (فخرب الله جنته بكفره. وهو الذي يقول فيه العرب لانت اكفر من جماز. قال: ولم يملك العرب قط ملكا كان اعظم كبرا ولا اقتل لمعد منه كان اذذا راى رجلا في معد دهينا حلق راسه، واذا رآه جميلا ضرب وجهه فاذا رآه متكلما هشم فاه. وكان هذا دأبه في معد. وكان ملكه من بلاد العالية إلى جانب ايلة من الشام، فصار كفره في الناس حيث يقال: لانت اكفر من جماز. ولم تستطع معد ان تخرج من سلطانه. فسار جماعة من عدوان فدعى المستنير بن عمرو، ويقال المستحير بن عمرو الىى جماعة الازد إلى ما سأل واراد. وأنشأ يقول هذا الشعر: إلى الله اشكو لا إلى الناس ... بوائق جاءت من جماز بن مالك فيا معشر الازد الذين هم هم ... خيار عباد الله ترضون ذلك لكم شيمة لم يعطها الله غيركم ... وحاجة احلام واصل مرابك قهرتم معدا غثها وسمينها ... ملوكا لهم والقوم تحت السنابك وكنتم خيار الناس ملكا وقدرة ... فكي فبهذا بينكم شر مالك ثم ان العدوني اقام بعمان مع الازد في جوارهم، وخاف ان يرجعع إلى بلاده فيبلغ جمازا امره انه شكاه إلى اخوته وقومه من الازد فيعابه. فمولده اليوم في الازد. هنة بن مالك بن فهم وولده وولده فأما هناة بن مالك بن فهم سيرة واكملهم رأيا وجودهم مروءة. وكان من ولد مالك ما لهناة من هذه الخصال. فملك هناة بعد ابيه وقام بتدبير الامر وسياسة الملك إلى ان مات وولد ثلاثة نفر: اسلم بن هناة، وجهمن بن هناة، وصائد بن هناة. فمن بني هنة: عقبة بن اسلم بن نافع بن هلال بن ضهيان بن هراب ابن عائد بن اجود بن اسلم بن هناة بن مالك بن فهم. ومنه جناح بن عبادة بن قيس بن عمرو الهنائي، وهو اخو عقبة بن اسلم الهنائي لامه. وكان جناح بن عبادة قد قام في شهر رمضان، سنة سبع ومائة إلى عمان عاملا علها لابي جعفر المنصور. وجناح بن عبادة الهنائي، وهو صاحب المسجد المعروف بمسجد جناح. وهو الذي داهن الاباضة واعانهم حتى صارت الولاية الاباضية بعمان. والوالي بها لبني العباس يومئذ محمد بن جناح بعد ابيه جناح بن عبادة الهنائي. واشرف بني هاة بن مالك كثير ورأس الازد مهم بالبصرة وعمان وخرااسان رؤساء عدة، وكان منهم ثمانية عرفاء بنو بكر اسلم بن هناة عرافة وبنو كليب وتميم عرافة، بنو اسهم بل مجارب عرافة، وبنو عايد بن جرير بن اسلم بن هناة عرافة، وبنو عقبان بن بشير عرافة، وهذه عرائف بني جرير بن اسلم بن هناة عرافة، وبنو عقبان بن بشير عرافة، فهذه عرائف بني هناة. كان منهم سهم بن معدان، قد رأس الازد، ثم سار بعده الحكم بن تعيب الهنائي. وفيهم بخراسان شدة كثيرة.

ومن بني هناة في الجاهلية عند ناتقالهم إلى عمان: ثعلبة بن بكر بن اسلم بن هناة، وكان ثعلبة اغار على أهل اليمامة في خيل من الازد، وهو إذ ذاك بالبحرين عند اتشارهم من عمان اليها، فأصاب نعما من نعم بني حنيفة، فكر راجعا. فلقيه قوم من بني عامر بن صعصعة فقاتله على ما في يديه فقاتلهم ثعلبة وصبرت معه فرسان الازد. فقتل عامرا ووهزيما ابنى قرط الجعدي من بني عامر، وكانا رئيسي الجيش وهما من القوم، وانهزمت بنو عامر، هزيمة لم ير اقبح منها، واسر منهم خلق كثير، وقتل في المعركة منهم ستمائة رجل. فقالت نائحة بني عامر تبكيها وتعير قومها من بني عامر: الا ياعين فابكي لي هزيما ... وعامر المخلف في القيام هما حميا الذمار وقد اضعتم ... وشتان المصيع والمحام فلولا مثل صبرهما صبرتم ... وكان الصبر من شيم الكرام لقد قسمت سيوف الازد فيكم ... هوانا ما اقام أبناء شمام فلا تدركوا بالثأر ثمل ... على جدباء خالعة الخطام وقال ثعلبة بن بكر بن اسلم بن هناة في ذلك: جلبت الخل من اكناف سرج ... إلى أهل الحواجز والكثيب {بكل طوالة شطبا وطرف اقب مقلصى عند الجنيب عليها كل اروع شمرى ... وفور الجاش ف اليوم العصيب صبحت بها حنيفة وهي خوص ... كان زهاءها جفل الجنوب فكان كلا ولا ما ابصروها ... وضلوا من قتيل أو سليب فأصبحت السباع تجر لحما ... غبيطا من نفيرا أو نحيب وملت بها هناك وهن خوص ... سواهم قد شفين من الدروب فأبت بهجة خور صفايا ... كان جبينها رجع القضيب وانكلت الفتى من آل قرط ... وكان فتى المعارك والشروب ومن بني اسلم بن هناة: ربخة بن حارث بن عابد بن خوثر بن اسلم بن هناة بن مالك بن فهم. وكان ربخة بن حارث شربفا مطاعا، وانه وقعت بن بني حمام بن عبد رفد بن شبانة مالك بن فهم دماء، وان حارث بن كعب عبد الله بن حمام تحملها فكير فيها ماله فلم يف بحملها. فخرج مسترفدا لبني مالك بن فهم على ربخة بن حرب ب عابد الهنائي. فقال: ان وقعت بين العشيرة دماء تخوفت فيها علهم فتحملها اصطلاحا للعشيرة واطفاء للنايرة. وقد بقيت على فيها بقية فايتتك مسترفدا أو مستعينا على بني مالك. فقال ربخة: اهلا بك وسهلا، كم بقى علك من حمالتك. قال عشرون ومائة الف درهم، فاعطاه. وقال: فعلي وقد اباحك الله منها، وخففت ظهرك من ثقلها، لا على عريك بها دون مالك. وقال عريك بن كعب الحمامي يذكر ذلك: إذا ما قد حث بحمل ثقيل ... نحث المطى إلى ربخة الىالضامن الدهر المتقى ... به زامة السنة الثرحة تجده حمولا لاعبائها ... جواد العربة ذا شدخة تخيرته من بني مالك ... عزيز النوال من همخة يقيد العشار ويحمي الذمار ... غداة العوار له تنخه فتى خل من مالك في الذرى ... نفاعا لقبلة سمحة تبحبح في منتمى عزها ... فأضحى له فوقها دمحة به يصلح الحق من مالك ... كما يصلح القوم بالرشحة فخفف ظهري بإعطائه جراحين كرما به فتحه وهبا النوال بكشف السؤال ... وكانت عطية الديحة ساشكره ما سرى كوكب ... وما احتك عود من المرخة وقال ربخة بن حرب في ذلك: أتاني حرب حين ضاق بامره ... وقد اثقلت حربا دماء حمام وتلف فيها ماله وسوامه ... فاصبح محربا بغير سوام ينادي بأعلا الصوت يا ربخ انني ... تحملت غرما من ثقيل غرام فنحن ونتم من ارومة مالك ... من النبع لا من جزوع وثمام نمت بارحام لنا قد تواشحت ... وحق عظيم لأزم وذمام فقلت له اهلا وسهلا ومرحبا ... كفيت بلا رجع يرجع كلام ولبت داعية واني بمثلها ... نهوض إذا احملت غير كهام

فراهيد بن مالك بن فهم وولده

بذلك اوصاني هناة وعايد ... وكل همم ينتمي بهمام ومن بني هناة: غسان بن سعد الهنائي، من بني محارب. وهو الذي وقع بنزوي، ونهبها، وهزم بني نافع، وكانت الدائرة على بني نافع وبني هميم بعد ان قتل منهم خلق كثير، وذلك في شعبان من خمس واربعين ومائة. ثم ان أهل إبراء من بني الحارث عصبوا لبني الحارث وكان مع بني الحارث من أهل إبراء رجل عبدي من بني بكرة، يقال له زياد بن سعيد البكري. واجتمع رأي البكري، ورأي بني الحارث على الفتك بغسان، فوجده قد وصل عائدا لرجل من بني هناة من بني ربخة، وكان مريضا فجلسوا له بين دار جناح بن سعد ودار غسان، بموضع يقال له الخور. فمر بهم وهو لا يشعر بمكانهم نفقتلوه عند المقصرة. فغضب لذلك منازل بن حبش العابري، من بني هناة، وكان منزله بناء بموضع يقال له العقير، وكان عاملا لمحمد بن زايدة، وراشد بن النظر الجلندايين. فساروا إلى أهل ابراء على غفلة منهم، فلما أحسوا به برزوا اليه فاقتتلوا قتالا شديدا، ووقعت الهزيمة على أهل ابراء، وقتل منهم أربعون رجلا، ومنهم راشد بن شاذان بن غسان بن سعيد بن شجاع الهنائي من بني محارب، وهو الذي سار إلى، دما، فانتهبها، وقتل واليها قومه، وكان ذلك في أيام ولاية الامام غسان بن عبد الله الغجحي. فوجه غسان بن عبد الله على آثارهم في طلبه، ومن كان معه من بني محارب من بني هناة، فلم يلحقوا. ثم ان راشد بن شاذان طرح بالرستاق على الفجح من البحر فأخذوا له امانا من غسان ولأصحابه. ومن بني هناة الأهيف بن حماحم الهنائي، وكان رئيس بني هناة، وصاحب رأيهم، وشاهد في عمان حروبا كثيرة، وهو صاحب وقعة القاع والخيام، وكان معنيا فيها لعزان بن تميم الخروصي، وهو يومئذ إمام. وقد خرج الحواري بن عبد الله الحداني السلوتي، والفضل بن الحواري السامر، ومن كان معهم من النزارية وبني الحارث، الذين في السر. فخرجوا إلى صحار، فملكوها على الامام، وهو إذا ذاك عزان بن تميم. فخرج اليهم الامام الأهيف بن حماحم الهنائي، في اجلاد قواده وأصحابه، فسار بهم الأهيف حتى قدم بهمالى ناحية صحار. فالتقوا هم والحواري بن عبد الله، وكثير من رجالهم. وكانت الدائرة عليهم والظفر للأهيف بن حمحام، ومن معه من عسكر الامام، والأهيف بن حمحام، وهو الذي واقع محمد بن بور، بدما، وهزم محمد بن بور، حتى الجأه سيف البحر، إلى ان كان آخر النهار، وثاب محمد بن بور عبيدة بن محمد السامي، في جمع كثير من قومه ورجاله، فأعانوا محمد بن بور، على أهل عمان، فهزموا وقتل الأهيف بن حمحام مع مشايخ أهل عمان. وكان الظفر لمحمد بن بور. ومن ولد الأهيف بن حمحام الهنائي: أبو الصقر محمد بن الأهيف بن محمد بن الأهيف. ومن بني هناة أبو شح الهنائي، وكان احد عباد أهل البصرة. فراهيد بن مالك بن فهم وولده فأما فراهيد بن مالك بن فهم، فولد رجلا؛ظالم بن فراهيد. فولد ظالم بن فراهيد، رجلا حاضر بن ظالم بن فراهيد رجلا جشم بن حاضر فولد جشم بن حاضر رجلين: بكر بن جشم، وظالم بن جشم. فهؤلاء بنو جشم بن حاضر بن ظالم بن فراهيد بن مالك بن فهم. ومن بطونهم: بنو هانئ، وبنو بكر، وبنو وهب، وبنو ضحيان. كان منهم ابن ضحيان بن قطن بن هانئ بن جشم بن حاضر بن ظالم بن فراهيد بن مالك بن فهم. وكان الحر بن الحر هذا من فرسان زمانه. ومنهم بنو حديد بن جشم، كان منهم بعمان الموازع، الذي يقول فيه كعب بن معدان الاشقرى، حين هاجاه، يزيد بن أبي غسان الايادي، ويفخر به على عمران بن عمرو. وقال: ألم يك ذو التيجان ضحيان منهم ... اليه تؤدي خرجها والمرابع له حول ما بين جعلان والقرى ... إلى القيع قسرا والأنوف خواضع

5 - عمرو بن مالك بن فهم وولده

والموازع ضحيان بن مازعة جاهلي، وفيهم بخراسان محمد بن مثنى، وكان رأس الأزد، وكان فارسا شديدا، وفي بني حديد أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية بن جشم بن الحسن بن حمادي بن جرو بن واسع بن وهد بن سلمة بن جشم بن ظالم بن جشم بن حاضر بن ظالم بن فراهيد بن مالك بن فهم، الشاعر النسابة، صاحب كتاب الجمهرة، وله مصنفات كتب عدة وهو الخطيب المذكور، والشاعر المشهور، الفصيح الذي تقف عن كلامه البلغاء وتعجز عن آدابه الأدباء، وتستعير منه الفصحاء، وتستعين بكلامه الخطباء، وهو خطيب في شعره، مصقع في خطبه، وقدوة في أدبه، وحكيم في نثره، لا زيادة عليه في فنون العلوم والآداب. ووجدت في نسخة في نسب ابن دريد اختلافا. قال: هو أبو بكر محمد ابن الحسن بن دريد بن عتاهية بن جشم بن الحسن بن حمادي بن جرو بن واسع بن سلمة بن جشم بن حاضر بن جشم بن ظالم بن اسد بن عدي بن عمرو بن فهم. وحدثني رجل من فارس من أهل شيراز، قال حضرت جنازة ابن دريد، فلما تفرع من دفنه حتى جئ بجمال فدفن إلى جنبه، فعجب الناس وقالوا: من إلى جنب من، فحضرتني هذه الابيات فقلت: مضى الشح في اثارد ... أمرئ القيس بن حجر ودغفل وراح على آثاره الع ... م الضيف في أثر شمال ثوى ابن دريد مسه وثوى به ... كما قيل قف يوما بهم وتامل ثوى حثوتين هذه لحجائه ... وهذا لمر ويك حول قال العتكي: دخلت على أبي بكر بن دريد قبل موته فسمعته يقول: ولدت يوم الجمعة في أحد الربيعين سنة خمس وعشرين ومائتين. وتوفي لأثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان سنة احدى وعشرين وثلاثمائة، وصلى عليه رجل من الأنصار يقال من بني هاشم. ودفن في مقبرة الحيران بمدينة السلام. ومن فراهيد، ثم من أهل عمان؛قيل ابن دريد أبو عبد الرحمن الخليلي بن أحمد الفراهيدي. وكان خرج إلى البصرة، وأقام بها، فنسب اليها. وهو صاحب العين، الذي هو إمام الكتب في اللغة، وما سبقه إلى تأليف مثله أحد، واليه يتحاكم أهل العلم والأدب فيما يختلفون فيه إليه من اللغويين، فيرضون به ويسلمون اليه. وهو صاحب كتاب النحو، واليه ينسب، وهو أول من بوبه، وأوضحه، ورتبه، وشرحه. وهو صاحب كتاب العروض في النقط والشكل، والناس تبعُ له، وله فضيلة السبق إليه والتقدم فيه. ومن فرهيد، المبرد النحوي. وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن يزيد ابن عبد الأكبر الفراهيدي. ويقال الثمالي، من ثمالة زواسم ثمالة عوف بن اسلم بن احجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر ابن الأزد. وهو صاحب كتاب المقتضب في النحو وما سبقه احد إلى تأليفه، واليه يتحاكم أهل النحو فيما يختلفون فيه من النحو. ومن فراهيد، بلج بن عقبة الشاري، صاحب المختار بن عوف الشاري وكان المختار من سلينمة. ومنهم الربيع بن حبيب بن عمرو، وهو احد العلماء الأربعة الذين حملوا العلم، ونقلوا به من البصرة إلى عمان. وهو الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي، وكان يسكن في البصرة بموضع يسمى الخريبة، ومنير بن نير الريامي، وبشير بن المنذر النزواني، ومحمد بن المعلا الكندي الفحشي من الفحش من جبال كندة. ومنهم راشد بن عمرو الحديدي بن النعمان بن حمى بن حاضر بن حديد. وولد راشد بن عمرو خمسة نفر: الربيع بن راشد، وبشير بن راشد، والعلاء، ودريح، وأبو ارحى بن راشد، لا عقب له. فولد الربيع بن راشد رجلين: أبا بكر، وعمرو. ولد العلاء بن راشد: ابا درمة، ويسكن ولده اصطخر، وولد بشير حاجب وبحر ابني بشير. وولد دريح بن راشد سليمان، وعمرو، وسكنوا السند فهؤلاء بنو راشد بن عمرو الحديدي. وأما شهاب بن عمرو بن النعمان من ولده منحرس بن بركه، يسكن ولده عمان. 5 - عمرو بن مالك بن فهم وولده وأما عمرو بن مالك بن فهم، فولد ثمانية رهط: عايد بن عمرو، وهو صليم ومعاوية بن عمرو، وهو قسلمة، ومالك بن عمرو، وعدي بن عمرو، وصجعان بن عمرو، وكلاب بن عمرو، ووائل بن عمرو. فولدصليبم، وهو عايد بن عمرو اشقر واسمه سعد بن عايد ويقال لولده الأشاقر، وراكب بن عايد وثعلبة بن عايد. وولد مالك بن عمرو بن مالك بن فهم ثلاثة رهط: شريك بن مالك وبن مالك، ودهنان بن مالك.

وولد عديبن عمرو بن مالك بن فهم رجلا وهو اسد بن عدي. فولد أسد بن عدي رجلين: حاضر بن أسد، وعدي بن أسد. فمن صليم بن عايد بن عمرو بن مالك بن فهم، كان منهم سبيعة بن غزال الصليمي وغنم، وسيدهم، وهو الذي خرج إلى المدينة في أزد سبأ أهل دبا، وخرج عنده المعلى بن سعد الخماصي، والحارث بن كليب الحديدي، في وجوه اصحابهم، وقد اتينا بقصتهم. ومن بني قسملة نوهو معاوية بن عمرو بن مالك بن فهم زوقبائل القسامل كلها منهم: أبو بكر محمد بن بكر القسملي، صاحب كتاب الايضاح عن الأغفال نوكان فقيها عالما بأنساب العرب، وأيامها. ومن بني أشقر، وهو سعد بن عايد بن عمرو بن مالك بن فهم، قبائل الاشاقر كلها منهم كعب بن معدان الأشقري، الخطيب البليغ، الشاعر وأكثر شعره في المهلب وولده لأنه كان معه في حروبه كلها، وهو رسوله بالفتح إلى الحجاج. فقال الحجاج: يا كعب كيف كان محاربة المهلب للقوم؟ فقال: إذا وجد الفرصة سار كما يسير الليث، واذا دهمته الطمحة راغ كما يروغ الثعلب، فاذا مادت القوم صبر الدهر. الحجاج: كيف كان فيكم؟ قال: كان لنا مثل إشفاق الوالد الحذر، وله منا طاعة الولد البار الحجاج: فكيف أفلتم قطرى بن الفجاءة؟ قال: كاذبا ببعض مالك والاجل احسن جنة وانفذ عدة الحجاج: فكيف اتبعتم عبد ربه وتركتموه. قال: أثرنا الحد على العد، وكانت سلامة الجنداب الينا من سحب المعد. الحجاج: اكنت عددت هذا الجواب قبل لقائي؟ قال: لا يعلم الغيب إلا الله. ومن جيد شعره: ايا كعب يوشك ان تصيبك فاقة ... فيما تقلب في البلاد وتيفر ليس التقلب في البلاد مقربا ... اجلا هديت ولا المقيم يعمر ولقد رايت الشيب يغتال الفتى ... حتى يصير كميت من يكبر ويصير بعد تجلد وبشاشة ... للطير أو جدث يحط فيقبر لكفى بذلك عبرة وبصيرة ... فيما خلا لك لو علمت فتنذر وكفى بما جرت فيما خلا ... لو كنت تعقل في الأمور وتبصر فصديقنا كالمستكين كما يرى ... مما يرى وعدونا مستبشر وخلقت فياض الهواجر والضحى ... ينتاب شيبك ذو الغنى والمقتر كالنيل فجر في الجنان فزانها ... وحفافها الشجر الكريم المثمر والحزم يجمعه بنانك والندى ... كف يفيض بها واخرى تجبر فاثنى الصنايع ما تزال سيوبه ... ابدا تروح مع الزمان وتكبر لا مقصر عما يريد من الندى ... الا ونفسي تستزيد وتنظر شيخ أعز بدفعه وبرأيه ... عمر العراق وكان ما لا يعمر أيام فارس والتي من قبلها ... كانت وقائعها أجل وأكبر فيها مهالك فتحت أبوابها ... كثرت مواردها وطاب المصدر فيهن نار الحرب توقد بيننا ... والشيخ يغشى هول ذاك ويحشر فدعا المهلب لا كريهة قومه ... واخو الحفيظة في الكريهة ينفر فأجاب شيخ لا يزال مشايخا ... وأخو الحروب مشايح ومشمر فتراه كالمغضى إذا نزلت به ... جربا ليقرعها وان يشذر والحرب تفزع بالأباة ولينها ... حينا ويهلك من يخف ويبطر وتراه يرقبها على حذر لها ... والحرب كيد لها من يحذر حتى إذا ما قلت قد فني القنا ... والخيل فيها ما تنوء وتعثر برزت ململة تسوق أمامها ... حتف النفوس وردها لا يسكر والبرق فوق رؤوسنا ورؤوسهم ... تنشق منه لوامع ما تفتر طارت بأيدي قواطع ... تجدد للقراع فتشهر من ضربنا ... قطع الصفايح والقنا المتكسر هذا وكم من غمزة فرجتها ... زالت عجاجتها ووجهك مسفر قصرت مساعي الناس عن مسعاته ... والمجددون شأنه والمفخر اعطاك ذاك ولي كل خزانة ... فيه تدافع من تكيد وتنصر وقال أيضا فيه:

الحارث بن مالك بن فهم وولده

بدأ المهلب هذا الناس كلهم ... عفوا كما بدأ ضوء الكوكب القمر إذا تلقى ومآثره ... ونائلا لا اذى فيه ولا كدر إن الهلب اعطى المال سائله ... ولا خير كل غداة منه ينتظر كهل يفيض على الأعداء نائلة ... تسرى العشاء عطاياه وتبتكر هو الربيع لمن ... واصل يعلو وينحدر فللمهلب نعما لا به ... من طول الدهر تذتكر أرى العدو وقد ارادوا مساكنها ... وكل باب لنا منهم به عسكر وبعد ما كان أهل الحق قد قهروا ... منه وكادت جبال الدين تنبتر ومن موالي الأشاقر، شعبة بن الحجاج، المحدث. فأما شريك بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم، فمن ولده قبائل بني شريك. كلها بنو الأسد بن شريك، اللذين لهم الخطبة بالبصرة، وليس لبني أسد بن جذيمة البصرة خطبة، ومن رجالهم مسدد بن مسرهد بن مسربل بن ماسل بن جرو بن يزيد بن سيب بن الصلت بن مالك بن اسد بن شريك بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم. ومن موالي مسدد، مقاتل بن سليمان، صاحب التفسير. ومنهم بنو والبة بن الدول. ومنهم جندب بن كعب الذي قتل الساحر، واسم الساحر ستالي. وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جندب يضرب ضربة يفصل بها بين الحق والباطل ". وكان هذا الساحر يقتلنفسا، فيما يرى الناس، ثم يحييها، ويعمد إلى ناقة فيدخل في فمها، ويخرج من حيائها، فينما هو يفعل ذلك بين يدي الوليد بن عقبة بن أبي معيط في جامع الكوفة، وهو أميرها. إذ نظر اليه جندب فأتى مولاهم صقيلا، وهو يصقل سيفا بين يديه، فقال له اعطني سيفك هذا، فأعطاه. فأقبل جندب بن كعب يسير، والساحر بين يدي الوليد يفعل فعله ذلك، حتى اشرف على الساحر فضربه بالسيف فأبان رأسه. ثم قال له: احي نفسك الآن إن كنت صادقا. فأمر به الوليد فحبس. وكان جندب نهاره أجمع في السجن يصلي، فلما رأى السجان كثرة صلاته خلى سبيله. فلما بلغ الوليد الخبر، قتل السجان. واياه عنا عبد الله بن عمر، حين قيل له ان المختار بن أبي عبيد يعمد إلى كرسي، فبيحمل على بغل أشهب؟، ويحفه بالديباج، فيطوف به أصحابه، ويستنصرون به ويستقون، ويقول هذا مثل تابوت بني اسرائيل. فقال لهم ابن عمر: فأين جنادبة الأزد، لا يعقرونه وجنادبة الأزد جندب بن كعب، هذان وجندب بن زهير، وجندب بن عبد الله. ومن مواليهم، واليه سفيان بن عوف، صاحب الصوائف، في أيام معاوية وبعده. وفيه يقول: رجل من ولد الحكم بن سعد يعير عبد الرحمن بنمسعود الفرازي، وقد ولي موضعه فقال: أقم يا ابن مسعود قناة صليبة كما كان سفيان ... بن عوف يقيمها وسم يا ابن مسعود مدائن قيصر ... كما كان سفيان بن عوف يسومها وسفيان قرم من قروم قبيلة ... تضيم وما في الناس حي يضيمها لتبك على سفيان خيل تطاعنت ... بسمر القنا حتى استطار حطيمها وبنو سيد، وبنو ذهبان ابنا مالك بن عمرو بن مالك بن فهم. كان منهم اثنا عشر عريفا. في سيد عرافة، وفي ذهبان خالد بن بذل الذهباني. قال خلف: سمعت بعض مشيخة الأزد قال: لما قدم يزيد بن المهلب البصرة كان أول من سأل عنه خالد بن بذل، فلما أخبر سلامته، قال: لا أبالي من غاب، فأرسل ابنه مكانه للبيد أو ذهبان. الحارث بن مالك بن فهم وولده وأما الحارث بن مالك بن فهم فولد خمسة نفر: المعفى بن الحارث، وفردوس بن الحارث، ويقال لولده الفراديس، وجرموز بن الحارث، ويقال الجراميز، ويحيى بن الحارث. فولد لقيط بن الحارث بن فهم ثلاثة رهط: مسعود بن لقيط، وقيد بن لقيط، وذهل بن لقيط، رهط كعب بن سور الازدي، الذي استقضاه عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه.

7 - معن بن مالك بن فهم وولده

قال الاندلسي، فمن بني الحارث بن مالك بن فهم، بنو لقيط بن الحارث، منهم كعب بن سور بن بكر بن عبد بن ثعلبة بن سليم بن لقيط بن الحارث بن مالك بن فهم، ولي القضاء البصرة لعمر، وعثمان، وهو ال1ذي استحسن عمر بن الخطاب حكمه حين قضى بين المراة وزوجها، حكم لها في كل أربع ليال بليلة، في قصة لذلك طويلة. ثم التفت إلى عمر، وقال: يا أمير المؤمنين: الرجل له من النساء مثنى وثلاث ورباع، فجعلت له ثلاثا يصومهن ويقومهن، ولها منه يوما واحدا وليلة. فقال عمر: اني لأعجب من فهمك قصتهما، أو من حكمك، أو من قضائك بينهما، اذهب فقد وليتك قضاء البصرة. وعاش إلى ان شهد يوم الجمل، فخرج يوم الجمل وفي عنقه مصحف ليصلح بين فأتاه سهم غائر قتله. ومنهم الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن لقيط بن الحارث بن مالك بن فهم. ويقال بل هو الطفيل بن عمرو بن طريف ابن العاص بن ثعلبة بن طريف بن عمرو بن فهم، أخو مالك بن فهم. وكان لعمرو بن طريف أبي الطفيل بن عمرو بن الطفيل هذا في الجاهلية صنم من خشب يقال له ذو الكفين. فكان يبعث اليه بابنه الطفبل، وهو صغير، ومعه عس من لبن كل يوم نويقول له أسق الهك. فلما ألقى الله الاسلام في قلب الطفيل كان إذا أتى الصنم شرب اللبن. ثم ألهب في الصنم النار وجعل يرتجز ويقول: يا ذا الكفين لست من عَّبادك ... ميلادنا أكبر من ميلادك اني حشوت النار في فؤادك ثم هرب من أبيه خوفا منه، متوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات ليلته تلك خائفا فأصبح يقول: أيا ليلة من طولها وعنائها ... ألا إنها من دارة الكفر نجت ورأى في منامه. تلك الليلة، ان رأسه حلق وأن طائرا أبيض خرج من جوفه إلى السماء، وأن امرأته ادخلته في فرجها. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه الرؤيا. فقال له: أما حلق رأسك فالاستشهادج فاستشهد باليمامة يوم مسيلمة الكذاب، واما الطير فروحك تعرج إلى السماء، وأما فرج المرأة فقبرك. ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه دوس، يدعوهم إلى الاسلام فسأله أن يجعل له علامة يعرف بها صدقه. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم. فأعطاه الله نورا بين عينيه. فقال: يا رسول الله اني اكره في جسدي فيكون مثله، ولكن في علاقة سوطي. فجعل ذلك في علاقه سوطه، فسمي الطفيل ذا النور، وعقبه إلى اليوم بفلسطين. ومن شعراء دوس عدي بن زراع بن العقى بن الحارث بن مالك بن فهم بن دوس، عُمَّر ثمانمائة سنة، وأدرك الاسلام، فأسلم وقال: لا عيش الا الجنة المخظرة ... من يدخل النار يلاقي ضرة ومن دوس معيقب بن أبي فاطمة، وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في رواية يحيى بن معين. وكان ممن أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة وكتب لعمر بن الخطاب، وكان من أمنائه. ومن بني الحارث بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، الفراديس، وهم بنو فردوس بن الحارث بن مالك بن فهم. كان منهم سعد بن نجد الفردوسي " الحجاج بن يوسف "، إذ ظن برجل ان نفسه عجيبة، لو كنت سعد بن نجد الفردوسي ماعدا ما بدا، وهو الذي طعن قتيبة بن مسلم، وقال لأصحابه: قد اسعرت لكم الرجل فدونكم امره فوثب اليه عبد الملك بن علوان، فاجتر رأسه وأتوابه إلى وكيع بن أبي الأسود، وقد أخطأ من زعم ان وكيعا قتله، وفي ذلك يقول الحصين بن المنذر: ألم تر سعدا وابن رمز تعاورا ... بسيفهما رأس الهمام المتوج وما دركت في قيس غيلان ثأرها ... بنو منقر الا بأسياف مدجح والا بفتيان العتيك وغيرهم ... من الأزد في دراج من الليل ادعج أتاها ابن نجد بعدما هبت جمعها ... فيا شرها في حرها المتوهج ومنهم الجراميز، وهم بنو جرموز بن الحارث بن مالك بن فهم، وهم بالبصرة خطة. 7 - معن بن مالك بن فهم وولده فأما معن بن مالك بن فهم فولد ثمانية رهط: شرطان بن معن نومعن ابن معن، وخدري بن معن، وجهيم بن معن، وصيفي بن معن، وحدادة ابن معن، وكوز بن معن، فهؤلاء بنو معن بن مالك بن فهم.

8 - نوبي بن مالك بن فهم وولده

وكان منهم هميم بن عامر المعني، وهو احد بني شرطان نوهو الذي اغار على خارجة بن عمرو العامري، فاستاق نعمه في نفر من قومه. وكان خارجة بن عمرو أكبر بني عامر بن بنونة مالا. وأن خارجة بن عمرو، اتبع هميم بن عامر المعني، في جماعىة من بني عامر، ففاته هميم بالابل، حتى انتهى بها إلى الحجاز فيما بين عمان والشحر. ومنهم مسعود بن عمرو بن عدي بن محارب بن صنم بن مليح بن شرطان بن معن بن مالك بن فهم. وكان مسعود بن عمرو يسمى قمر العراق. وهو الذي قتله الخوارج بالبصرة. فوقع من الحرب بين مضر والأزد وحلفائهم ربيعة - وكان من المتولي حربهم زياد بن عمرو بن الأشرف العتكي، الذي كانت الأزد تسميه القمر لجماله. وكانت من قصة مسعود بن عمرو، المعني الذي يسمى قمر العراق ان رجلا من الأزارقة رماه وهو على المنبر بالبصرة يخطب الناس فقتله، فادعت بنو تميم قتله، فحاربتهمالأزد عليه، فظفرت بهم وأكثرت فيهم القتل. فلما رأى ذلك الأحنف بن قيس، صالح الأزد على ان يؤدي دية مسعود بن عمرو، ودية الملك مائة الف درهم. وبرئ كل من قتل من الأزد في تلك الحروب ويهدر دم القتلى من بني تميم، وكان قتلاهم أضعافا كثيرة على قتلى الأزد، وعلى أن يجعل للأزد خراج دسمستان في تلك السنة، على أن يكفوا عنهم الحرب، فاصطلحوا على ذلك وتركوا الحرب. وفي ذلك يقول دعبل " الخزاعي ": وكَّنا يوم مسعود بن عمرو ... غداة البصرة المتحكمينا وولد معن بن " معن " سبعة بن علاح، وهو الذي ذهب بعبيد الله بن زياد إلى مسعود بان " عزوان " بن عوف، وانما سمي بكرمان لأنه ولد بها وهو " جذيع " بن علي بن سبيت بن عامر بن عمرو. وهو الذي خرج على نصر بن سيار الليثي وكان سبب خروجه ذهاب ملك بني أمية، ومجيء سلطان الدولة. والعقب من ولد مسعود بن عمرو والمعني الاربعة: شقيق، وميمون، وبسطام، ونجد ابني مسعود الوحيا بن داوود، من ولد ميمون الكرماني، حذيع بن علي بن سبيت بن عامر بن عمرو، ومسعود بن عمرو، ومن ولد حبير بن مليح. وكان الكرماني شيعة لعلي بن أبي طالب، وخرج معه من اللبصرة، فسكن الكوفة، وسمى ابنه عليا، بعلي بن أبي طالب. فعلي بن الكرمانيَّ وهو شبيب. 8 - نوبي بن مالك بن فهم وولده فأما نوبي بن مالك بن فهم. كان أكبر ولد مالك. وبه كان يكنى مالك أبا نوبي. ويقال أن أكبر ولده فراهيد. فولد نوبي بن مالك بن فهم ثلاثة رهط: شبيب بن نوبي، وحنيش بن نوبي، وعمرو بن نوبي. 9 - شبانة بن مالك بن فهم وولده فأما شبانة بن مالك، فولد رجلا، وهو رفد بن شبابة، فولد رفد بن شبابة رجلين: عبد بن رفد، وشبيب بن رفد. فولد عبد بن رفد رجلين: خمام بن عبد، وأسد بن عبد. ويقال ان فراهيد من ولد شبيب بن رفد بن شبابة بن مالك بن فهم.. فمن بني خمام بن عبد رفد بن شبابة بن مالك بن فهم: حرب بن كعب الخسامي الذي يحمل دماء بني خمام، وخرج إلى ربخة بن حرب الهنائي مسترفدا ومعينا به على بني مالك وقد أتينا بقصتهما في موضع قبل هذا. ومنهم المعلى بن سعد الخمامي. كان في الجاهلية، وفي صدر الاسلام من أشراف ولد مالك، وقد اتينا خبره في سبي أهل دبا. وكان منهم كعب بن شهرى من وجوه أهل خراسان، ومن أشراف الأزد ورؤسائهم بالبصرة، ومن عرفاء بني خمام بنو نعل، وسعد عرافة، وبنو خيار ابن خمام عرافة، وبنو أسد والترخم عرافة، قبائل بنو خمام عرافة. 10 - ثعلبة بن مالك بن فهم وولده وأما ثعلبة بن مالك بن فهم، فولد رجلا؛مالك بن ثعلبة. وثعلبة في تنوخ بأسرهم بن فهم بن غانم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن حمى، وهوعبد الله بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك ابن نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن شمس بن عمرو بن غانم بن عبد الله بن عامر الغطريف ابن بكر بن يشكر بن مبشر بن مصعب بن دهمان. 11 - من أشراف بني مالك بن فهم سبيعة بن عراك الصيلمي، والمعلى بن سعد الخمامي، والحارث بن كلثوم الحديدي ومن اشراف بني مالك بن فهم: سبيعة بن عراك الصيلمي، والمعلى ابن سعد الخمامي، والحارث بن كلثوم الحديدي، وهم الذين خرجوا في شأن أهل دبا المدينة.

أنساب اخوة بني مالك بن فهم

وكان من خبر ذلك ان أبا بكر الصديق وجهّ حذيفة بن محصن الفلفاني وهو من بارق حليف للأنصار، وكان له بصر. فوجهه إلى عمان، أميرهم، ليجمع منهم الصدقة. فلما صار في ولد الحارث بن مالك بن فهم، ليصدقهم، تناول بعض اصحابه إمرأة من العفاة، وكان عليها فريضة شاة مسنة، فاعطتهم عتودا أو عناقا مكان الشاة المسنة. فأبوا ان يقبلوها، فأخذوا ما أرادوا. فنادت يا آل مالك. فقال حذيفة: دعوة جاهلية. وخاف ان يكون القوم قد ارتدوا فأغار عليهم فأخذ ناسا منهم، وهم قليل فمضى بهم إلى المدينة. واتبعه سبيعة بن عراك الصيلمي، والمعلى بن سعد الخمامي، والحارث بن كلثوم الحديديفي اصحابهم. فوفدوا إلى أبي بكر. فقالوا: يا خليفة رسول الله، إنا على اسلامنا لم ننتقل عنه، ولم نمنع زكاة، ولم ننزع يدا في طاعة، ولم نرجع عن دين، وقد عجل الينا صاحبك وكففنا أيدينا إلى أن آتيناك. فقال: أصنع بكم ما صنعت بالعرب، إن شئتم خليت المال، وأخذت السبي فعادوا السبي. فقالوا: على كل أسير أربعمائة وخمسين درهما. ويقال ان سبيعة بن عراك، خرج إلى أبي بكر الصديق في شق دبا، الذين أخذهم حذيفة بن محصن القلفاني. وكان سبيعة زعيم القوم، والمعلى بن سعد، وكان إسم المعلى ثعلبة، فسماه عمر بن الخطاب المعلى. فقدموا المدينة، وقد مات أبو بكر الصديق، رحمه الله، وقام بأمر الناس عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. فكلماه في سبي أهل دبا. وقال المعلى بن سعد الخمامي: يا أمير المؤمنين: ان حذيفة بن محصن تعدى طوره، وعظم في الناس حدثه، ولولا مراقبة أمير المؤمنين لكان شكامه متانا جزاء له عن غيره، واعظا لغيره، ولكن حملنا على مخافة نكله، فنرادف العثرة، وسكنت الحرة ولم نكد. فقال عمر: يا معلى إن في الحق سعة وكف غربك أولى ان الاسلام سوى بين الناس فرفع الوضيع ورفع الشريف، واعطى كل امرئ قسطه من خيره وشره. ثم أمر عمر برد السبي. فذلك حيث يقول كعب بن معدان الاشقري، يفخر على يزيد بن حسان الايادي: في زمان سبيعة بن عراك ... والمعلى إذ يبنيان الفعالا حين ردا سبي أهل عمان ... اكثر الحل فيه والترحالا وفيه يقول أيضا: وما ولد المخاصن كالمعلى ... أخي النجدات ثعلبة بن سعد " انقضت أنساب وأخبار بني مالك بن فهم ". أنساب اخوة بني مالك بن فهم شرح نسب اخوة بني مالك بن فهم من الأزد وشئ من أخبارهم مطاعين في حومة الملتقى ... مطاعيم في الأزمة البارية يداه ندى للعلى انه ... وتلك بسوء الجزاء كافية ترى الناس من بين راض به ... ومن بين أخرى به راضية فما جار في تلك عند القضا ... ولا خاش في هذه الثانية وللخير داع إلى بابه ... وللشر من دجر ناحية 1 - نسب نصر بن زهران وانتشار ولده وولد نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد عثمان بن النضر. فأما عثمان بن نصر بن زهران بن كعب ابن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث بن بنت بن يزيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فولد أربعة رهط: عبد الله نوهو الذي يسمى حمى بن عثمان، والنمر بن عثمان، وهم بعمان والحجاز وغالب بن عثمان، وليس بعمان منهم احد، وغانم بن عثمان. فهولاء اربعة رهط. فولد عبد الله، وهو حمى بن عثمان رجلا واحدا وهو اليصمد بن عبد الله. وولد النمر بن عثمان بن نصر بن زهران اربعة رهط: حفين بن النمر، وبعليم بن النمر، وسليم بن النمر، وأنمار بن النمر. فهؤلاء اربعة. فولد حفين بن النمر: عامر. فولد عامر حفين بن النمر الأوس، وكنانة، وثور بني عامر. وولد أنمار بن النمر جبيش بن أنمار بن النمر بن عثمان. وولد غالب بن عثمان ثلاثة رهط: غنم بن غالب، جماع قبيل يسمون. وولد غانم بن عثمان بن نصر بن زهران رجلا عمرو بن غانم. فولد عمرو بن غانم رجلا شمس ربن عمرو. نسب شمس بن عمرو وانتشار ولده

2 - الحدان بن شمس

وولد شمس بن عمرو بن غانم بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب ابن الحارث بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد اربعة رهط: الحدان بن شمس، ومعولة بن شمس، ونجو بن شمس، وزياد بن شمس. وزياد وهو الندب بن شمس، فهؤلاء أربعة. 2 - الحدان بن شمس فأما الحدان بن شمس بن عمرو بن غانم بن عثمان بن نصر بن زهران، فولد خمسة رهط وهم: ضحيان، ومالك، وعبد شمس وكيوم، وعبد الربيع، بنو حدان بن شمس. فولد عبد شمس بن حدان: دحيّ بن عبد شمس، ورسن، منهم بنو حاود وبنو نعم، وبنو عبد بني رسن، فمن بني دحيّ عناق بنت حاضر بن شهاب بن عكيف بن دحيّ بن عبد شمس بن الحدان، وهي أم المهلب بن أبي صفرة العتكي. وولد ضحيان بن الحدان: ضحيان بن ضحيان بن الحدانة، ثلاثة رهط: خشبة بن ضحيان، ولقيط بن ضحيان، وميسان بن ضحيان. فولد لقيط بن ضحيان بن الحدان بن شمس ثلاثة رهط: ابا الحواري، ومعدان، وقطن. فولد أبو الحواري بن لقيط ثلاثة رهط وهم: محمد، وبادى، ومعولة. فولد محمد بن أبي الحواري بن لقيط ثلاث رهط وهم: جناح، وموفق، وبشر، بنو محمد بن أبي الحواري بن لقيط. وولد قطن بن لقيط رجلين: عزان، ونعيم ابني قطن بن لقيط بن ضحيان بن ضحيان بن الحدان بن شمس بن عمرو. وأما مالك بن الحدان بن شمس بن عمرو، فولد رجلين: جرهم بن مالك، ومالك بن مالك. فولد مالك بن مالك بن الحدان رجلين: حي بن مالك، وبشر بن مالك. فولد حي بن مالك رجلين: مري بن حي، وعضة بن حي. فولد مري بن حي بن مالك بن الحدان بن شمس ستة رهط: عبد الله ابن مري، ومناري بن مري، وشجاع بن مري، ونوبة بن مريو العتُلَّين ابني مري. فولد منازل بن مري رجلا سعيد بن منازل بن مري فولد سعيد بن منازل بن مري بن حي بن مالك بن الحدان. وولد عضة بن حي بن مالك بن مالك ثلاثة رهط: شبيب بن عضة وخالد بن عضة، ومن بني مخلد بن عضة الوليد بن عضة، فهؤلاء جميعا بنو عضة بن حي بن مالك بن مالك بن الحدان بن شمس. وأما بشر بن مالك بن مالك بن الحدان بن شمس بن عمرو بن غانم بن عثمان بن نصر بن زهران، فولد أربعة رهط: أحمد، ومحمد، وعبد الله، ويزيد بن بشر بن مالك بن مالك بن الحدان بن شمس بن عمرو بن غانم بن عثمان بن نصر بن زهران. فمن بني الحدان بن شمس: صبرة بن سليمان الحداني، كان رأس شنوة يوم قتل شهرك قائد يزدجر ملك فارس، وكان ذلك في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وصبرة بن سليمان الحداني هو الذي دخل على معاوية بن أبي سفيان، والوفود عنده، فتكلموا فأوجز واقفا صبرة بن سليمان. فقال: يا أمير المؤمنين إنا حي ولسنا مقال، ونحن بأدنى فعالنا عند احسن مقالهم. فقال له معاوية: صدقت. وهو الذي اجار زياد بن الأصمعي.، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: رأيت اعرابيا بمكة فاستفصحته فقلت: من الرجل؟ قال: من الأزد. قلت: من أيهم؟ قال: من بني الحدان بن شمس قلت: من أي البلاد؟ قال: من عمان. قلت: صف لي بلادك. قال: سيف أفيح وفضاء صَحصَح وجبل صلدح ورمل أصيح. فقلت: اخبر بي مالك. قال: النخل. قلت: وأين أنت من الابل؟ قال: كلا، ان النخل افضل، أما علمت أن حملها غذاء وسعفها ضياء، وكربها صلاء وليفها رشاء وجذعها غما وفروها إناء. قلت: وأني لك هذه الفصاحة؟ قال: إنّا بقطر لا نسمع فيه ناحجة التيار. نسب معولة بن شمس وانتشار ولده وملكه فأما معولة بن شمس بن عمرو بن غانم بن عثمان بن نصر بن زهران ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، فمن ولده كانت ملوك عمان، وإليه صار الملك في عمان، من بعد مالك بن فهم وولده.

فأول ملوك المعاول بعمان عبد العزيز بن معولة بن شمس بن عمرو. فملك واشتد ملكه. وكان من اعز الناس نفسا ومملكة، وهو الذي سبى أهل العباب واستاق منهم ألف فارس، وكان في جملة السبى عير لدوالة بن صعدت النخل، فقدم دوالة على عبد العزيز في شأنها، فسأله ردها فردها على أهلها. وكان بلغ ملك عبد العزيز في شأنها، فسأله ردها فردها على أهلها. وكان قد بلغ ملك عبد العزيز بن معولة إلى اليمامة والبحرين وما والاهما. وكان له على أهل البحرين واليمامة اتاوة معلومة، وكان عامله ورسوله إلى أهل اليمامة في قبضها باقل بن ساري بن اليحمد، وكان منزله إذا قدم اليمامة على عمرو بنعمرو الحنفي من أهل اليمامة، فقدم باقل اليمامة في بعض مراته فاعجل أهلها بالأتاوة. فاغلظ عليهم فيها وحبس منهم بشرا كثيرا في مجلس كان له باليمامة يسمى محبس الهوان. فبينما باقل ذات ليلة في منزلة إذ سمع قائلا يقول: ولولا تعدية الخيار بن جنة ... سقته سيوف الأزد سما مقبسا فدانوا واعطوا بالاتاوة عنوة ... ولو فعلوه أولا كان أصوبا ولو عبد عز رام جيشا مكبكبا ... لزلزل بالجيش العماني كبكبا ولو قدحت كفاه بالنبع صخرة ... غداة الفخر قدى واثقبا وقال مصعب بن عمرو الحنفي: ثمامة قادنا للحين جهرا ... وعرضنا البلاء لعبد عز وصبحنا بحر صباح سوء ... على خيل تقحمها نبقز فكم قد تعرى ... وشتان المعز والمعز وقال المستنير بن عبد عز: حنيفة غدرت فاذقتها ... بالسيف وبال فعالها غدرة عاد تسحى بها ... يوما وبحربه بقدر مثالها حنيفة أن تقوم بخرجنا ... ياسر ماذا فيه من آمالنا وان عفوى واسع ... لطحنتهم طحن الرحى بثقالها الا المسهودين منها التي ... رب الأسعار سوى هداها وأما خبره في الاسلام، في قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث يطول. جعفر بن محمد الثقفي، عن أبي اسحق، عن المنذر، قال عمرو بن عمارة بن جبر بن عمرو بن معدي كرب، فقال: من سيد هذا البحر؟ فقيل: سعد بن عبادة. فأقبل أياما وأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الوفود وانصرف راجعا إلى بلاده، فلما قدم كتاب عمر إلى النعمان، بعث إليهما فقالوا: عندك. فقال: اروني، وأعتقه، وأخذ لهم قبضا. ولما كان يو مالقادسية، ركب عمر بغلا، ثم وقف فقال: أيها الناس إني في القوم فلا تستبطوني الا بقدر نجر حروم الفراس، وهو يقول: اضربهم يوم الوغى تأمنه ضرب الغلام للغلام الهه. قال: كان سعد وإمرأته في غرفة ينظرون إلى الحرب، فلما رأت امرأة سعد إلى عمر وقد انغمس فيهم. قالت: يا ملك مثنى مثنى الخيل، تعني زوجها المثنى بن أبي حارثة فلما أقبل زرجها سعد. قالت: ادخل مدخل المثنى الزبيدي إن كنت فارسا. قال: وحمل عمر وقيس بن هبير ة المكشوح المرادي وهو يقول: اضربهم يوم الوغى بذي النون ... ضرب بال وسدالهم ثمانون وحمل زياد بن زيد الخيل وهو يقول: لا عيش إلا تطرد الخيل الخيل ... مع الصبوح والغبوق والقيل قال: والقادسية يوم زاحم رستم لمسهى كلها شطآن: الضاربون بكل صارم محذوم ... والطاعنون مجامع الفرسان قوم هم ضربوا الكتائب إذا بغوا ... بالمشرقين من نبي ساسان ومضى ربيع بالجيوش مشرقا ... ينوي الجهاد وطاعة الرحمن حتى استباح قرى السواد وفارسا ... والسهل والأجيال من كرمان وقال عمرو لقيس بن هبيرة المكشوح: فلولا لقيتم فرس ... وفوق سراته أسده على مفاضة مفضة ... والنهى اجعلن ماه إذا للقيتم اشتن ... البر ابن ياما لنده يسامي القرن ان قرنا ... تيممه معتضده ظلوم الشرك فيما ... اعلقت أظافره ويده يلوث القرن ان لاقاه ... لو نائم يضطهده يرتف كما يرتف العجل ... فوق شدقه زبده

3 - عمرو بن مامة " ابو المنذر "

بذبذبة عن مشافره ... البعوض فميعا بلده ولو أبصرت ما جمعت ... فوق الورد تر شهده رأيت مضاضة زعفا ... وبركا منها برده وحمصا ما يكفى ما ... يذوق الماء من برده وذي النون الصفر معي ... وتحت الورد معتقده إذا لعلمت أن أخاك ... ليث فوق لبده ولو أكثرنا من أخبار عمر ولطال به الكتاب، لكنا اختصرنا. وفيما أتينا به كفاية دليل على ما كان ما ذكرنا وأخبار عمرو. وهو أحد فرسان العرب في الجاهلية، والفارس في الاسلام قيس بن هبيرة المكشوح المرادي، وهو الذي نيا. وكانت أم قيس بن هبيرة بنت معدي يكرب، اخت عمرو. فأبصر قيس سيف عنرو معلقا في قبة له، وهو الصمصامة. فقال له قيس: يا خال ناولني الصمصامة لأنظر اليها. فناوله. فلما قبض عليها مصلتا، وكان قيس من أقتل الناس واشدهم اهتماما بذلك. قال، فقال: يا خال ما ظنك بالصمصامة في كف ابن اختك؟ قال: صارم بكف كريم. قال: صارم بكف كريم. قال قيس: لولا حسن جوابك، وخق الرحم لضربت الغداة منك ما أخذوا. ولكن شم سيفك ولا تمكن منه أحدا بعدي. فلما قبض عمرو على قائم السيف مصلتا. قال: اجل لولا انك ضيف لعلمت أن خالك لا يقيل العثرة، إذا امكنته القدرة، ولولا ان لك حقا وذماما وان فتكي بك علي حرام لعلمت، فلا تعودون لوعيد رجل ابدا حتى تعرفه، فإن في الرجال من لا يعاف الخنا ويمنع الحمى. فانصرف قيس من عنده، فلقي عبد الله بن المدان، وتناقلا الأشعار. فقال قيس: ألم ترني صباح بني زبيد ... من الخيل الهوادي ارد الخيل دامية كلاهما ... مرفض الصعادي بضرب يخرج المسمار منه ... المرادي وخيلك بالدماء مخضبات كالأسد العوادي فما الصكم حين ولكن ... منيتم بالقبائل من مرادي فنعم فوارس الهيجاء منكم ... غداة الروع إذا هتف المنادي لولا صبركم ما آب منكم ... إلى الاحباب قاطع بطن وادي فأجابه عمرو: تمناني ليلقاني قيس ... وددت واين ما منىَّ ودادي وسيف لاين العصيان عندي ... تخيره الفتى من عهد عاد تمناني وسانعتي ولاحي ... تمور فضولها تحت النجاد وعلجزة يزل اللبد عنها ... مسومة من الدهم الجياد فلولا قيتني للقيت قرنا ... وصرح شخص قلبك عن فؤادي وخيل تحمل الأبطال شعث ... تباري في العجاجة للطرادِ مسومة تخب عن وجاها ... إذا ما النقع ثار لدى الجلاد وزعت رعيلها بالرمح شزرا ... على زبد كسرحات الوهاد اريد حياته ويريد قتلي ... من صينك من مرادي ولهم نقائض كثيرة. 3 - عمرو بن مامة " ابو المنذر " كان من حديث قيس وقتله الملك عمرو بن اللخمي. ما رواه ابن حارث بن عبد الله بن خلف وهو ابو المنذر: خرج من الحيرة مراغما لأخيه عمرو بن هند، أفصاه ولم يدنه، وفضل عليه إخوته لابيه وأمه، فخرج مراغما من عماله. وسار في جمع عظيم حتى نزل أرض قيس، فأخذ مرباعها ورهائنها، وسار حتى نزل بأحياء من أحياء العرب كثيرة يفعل بهم ذلك حتى انتهى إلى مدجح. قالت له امه: انك وردت على أقتل حي من العرب، فابعث إلى نفر منهم فإن أتوك فقد أمنتهم، وإلا كنت منهم على حذر. فبعث إلى رؤوس مدجح فاجتمعت منهم عمرو بن معدي كرب، وقيس بن هبيرة، والمأمون بن الحارث بن معاوية الحارثي، وعبد الدان الديان، وشراحيل بن الأصهب الجعفي فقال لهم قيس بن هبيرة: أيما أحب إليكم ان تسيروا وانا اكفيكم أو أسير وتكفوني. قالوا: بل نسير وتكفينا. قال: فسيروا فإن سأل عني فقولوا: به الكشح. فساروا حتى دخلوا على عمر بن مامة، وهو ابن المنذر. فقال لهم أين قيس؟ قالوا: به الكشح. فأخبر عمرو أمه بذلك. فقالت: قد تخلف عنك فارس القوم فابعث بطبيب يكويه، فإن وجد للكي وجعا فليس هو بمكشوح، وإن لم يجد له وجعا فهو مكشوح.

4 - قيس بن هبيرة

فبعث اليه طبيبا، فلما وصل إليه الطبيب شرب قيس المغرة، وجعل يقيئها كأنها دم، وكان أول ذلك من العرب، فعمد إليه الطبيب فجعل يكويه، وقيس يقول: انضج فلم أجد لمساوئك مساة. فرجع الطبيب إليه فأخبره فقال: مالي أراني وصارت اليك حتى مات. وعمد قيس إلى عصابة يشد على بطنه. ثم خرج في خيل قومه، والملك بموضع يقال له قضيب، وهو نهر بمراد، فدخلت مامة إلى ابنها. فقالت: يا عمرو اني لأجد ريح الحديد. قال: ليس هذا بشيء. ثم أتته. قالت: اني لأجد صهيل الخيل. قال: هذا من عسكري. فبينما هي كذلك إذ مر بها اسراب القطا. فقالت: يا عمر لو ترك القطا لنام. فذهبت مثلا. قلم يلبث إلا والصيحة في عسكره، فخرج عمرو فقام في الناس فاقتتلوا أشد القتال، فلما بلغ عمرو الجهد انشأ يقول: كل امرئ مقاتل عن طوقه ... كالثور يحمي جلده بروقه لما رأيت الموت قبل ذوقه ... أتى الجبان حتفه من فوقه فقعفت الخيل، وقيس على الخيل فكشفها حتى وصل إلى الملك فضربه ضربتين فقتله وأسرع القتل في عسكره فاستبيح. قال: فلما وصل الخبر لعمرو بن هند الملك، ان قيس بن هبيرة في جمع مراد قد قتل أخاه عمرو بن مامة. غضب من ذلك غضبا شديدا، وعزم على غزو مراد. ففي ذلك يقول طرفة بن العبد، يحرض عمرو بن هند على مراد: أعمروا بن هند ما ترى رأي معشر ... أماتوا باحسان جارا مجاورا دعا دعوة إذ خالط السيف صدره ... إمامة واستغوى هناك معاشرا ولو خطرت انباء قران حوله ... لظل على ما كان يطلب قادرا ولكن دعا من قيس غيلان عصبة ... يسوقون في أعلى الحجاز الأباعرا إلا ان خير الناس حيا وميتا ... ببطن قضيب عارفا ومناكرا يقسم فينا ماله وقطينه ... قياما عليه بالمال جواسرا في شعر طويل. قال، فخرج عمرو بن هند في جمع عظيم حتى اتى مراد فخرج اليه قيس بن هبيرة في جمع مراد فلقيه. ففعل عسكره ولم يصب عمرو بن هند بشئ. قول قيس فلذلك قول قيس بن هبيرة شعرا: فجاءوا سراعا بالحديد وحسرا ... على كل محبوك من الخيل ضامر فأبصرته والخيل بني وبينه ... بأبيض محشوب الغرارين باتر فغادرته ميتا وولت جموعه ... حذار المنايا كالنعام النوافر كذلك فعلي بالملوك وراثة ... حبيت بها من كابر بعد كابر فهذه من فعلاته في الجاهلية التي لا يعرف لأحد مثلها. 4 - قيس بن هبيرة ذكر أبو عبيدة، وهو أيضا قاتل الأسود بن كعب العبسي، وكان من حديثه، ما حدث هشام عن مخنف قال: لما تغلب الأسود على صنعا، عمد إلى من بصنعا من الابناء فاستعبدهم، وأمرهم يمشون بين يديه إذا ركب، وأخذ المرزبانة بنت فيروز، إمرأة صاحب الأنباء فاغتصبهم عليها وكانت جميلة، وكان للعبسي كل ليلة على الأبناء جارية من نسائهم. فجمع قيس بن هبيرة مراد ومن أطاعه من ألاحياء. ثم ارسل إلى العبسي، وقال: إن امري وأمرك واحد. فأجابه العبسي على ذلك. وقال قيس لأعمل حيلة على قتل العبسي. وبعث المرأة باذام التي اغتصبها العبسي على نفسها في ذلك إلى وقت السحر، ولم تصل اليه الا من جدول تخرج منه الماء في قصره. فلما كان وقت السحر أقبل قيس وأصحابه ودخلوا عليه وهو نائم. فصعدوا إليه، فإذا بأربعة مجالس كل مجلس فيها شمع يتوقد وفرش، فلم يدر القوم في أي المجالس. وكان العبسي سكران نائما فدخل قيس، فإذا به نائم فركاه برجله حتى جلس. ثم قال له: خذ سيفك فإني لا أقتلك نائما. فقام الأسود فأخذ سيفه، ثم ضربه به قيس، فقتله، فاجتز رأسه. ونادى فروة بن مسيك بالأذان في رأس غمدان، واجتمعت بنو عبس. فلما رأت مراد النار في رأس القصر اقبلوا على الخيل سراعا. وطافت بنو عبس بالقصر، فألقى اليهم قيس رأس الأسود، فلما أحسوا بخيل مراد قد أقبلت عمدوا إلى ما وجدوا من نساء الابناء وأمتعتهم أخذوا وأردفوا ذراري الأبناء وبناتهم. وتوجهوا إلى جبل عيسى. قال المكشوح: دعانا رسول الله من دون قومه ... من بعد طول عتاب فسرنا اليه ما لنا ثَم خامسٌ ... سوى الله ان الله خير مجاب

فجللته في رأس غمدان ضربة ... بكف مرادي النجاد لباب وكنت امرأ في مدجح ذا أرومة ... نصابي منها بعدُ خير نصاب وقال فروة بن مسيك، وفي نسخة مسيدة: ما إن رأيت ولا سمعت بضربة ... شفت الغليل كضربة المكشوح وفجعت عبسا كلها بمتوج ... جار البلاد على دم مسفوح فعلا ابن يغوث قيس رأسه ... بمهند عضب الحسام مريح أمر الاله بقتله ورسوله ... وصبوح عبس بعد شر صبوح وقال عبد الرحمن بن ذي الحرة الحميري: لعمري وما عمري عليّ بهينّ ... لقد جزعت عبس بمقتل أسود يزيد وقيس ما تعاكل حرمة ... وفروة لا وغد ولا بمريد لنا وذ حقيقة ... ويبدونا قيس بعضب مهند فيضربه فوق بسيفه ... ليد طاوي الحشا متمرد فشلت يميني يوم ... مرما رأي مفند فادعى دادوى مع القوم في قتل الأسود، وإنما قتله قيس بن هبيرة. وفي ذلك يقول قيس: قد يعلم الأحياء من مدجح ... ما قتل الأسود الا أنا أدركت ثأرا كان لي عنده ... بقتلي الأسود مستمكنا ثارت عبس وبنو عامر ... وكنت لما أن أتى محسنا ولما انقضت وقعة اليرموك وأجلت الروم عن الشام، قدم قيس بن هبيرة إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في سبعمائة فارس من مراد، والمغيرة بن شعبة في أربعمائة. كتب عمر إلى سعد انه انظر قيسا ولا تعص واسمع من جرير بن عبد الله، وشرحبيل بن السمط الكندي. فمن قول قيس لأصحابه: نشق الوطاب يا صم وجلابا ... العراق سعدا لسنا نرى من نصر سعد بدا ... أن يلق سعد يلق اسد اسدا لا بد ان يفل حد حدا ... لا بد ان يعلق جد جدا ثم اقبل قيس والمغيرة بن شعبةن القادسية وحرب رستم. وكان على القلب جرير بن عبد الله البجلي، وعلى الميمنة العدوي، وعلى الميسرة قيس بن هبيرة. فهزم من يليه وأبلى يومئذ بلاء حسنا. وكان قيس وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم في أول الاسلام على أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، بعد مقتله العبسي، قضمه أبو بكر، رضي الله عنه، إلى أبي عبيدة بن الجراح حين ولاه أمر من سار إلى الشام. ثم شهد من بعد ذلك فتوح فارس، أيام عمر بن الخطابنرضي الله عنه، بالقادسية، ونهاوند، وان أبا بكر الصديق حين ضم، قيسا إلى أبي عبيدة بن الجراح حين ولاه أمر من سار إلى الشام قال: إنك قد صحبك رجل عظيم الشرفن فارس، فارس العربن وليس للمسلمين غنى عن رأيه وبأسه فلاطفه فإنك غير مستغن عنه. ثم دعا قيسا فقال أما أني قد بعثتك مع أبي عبيدة وأمرته ان يسمع منك، فقد يسمع بسياستك في الحروب على من كفر بالله. قال: فسيبلغك ما يسرك. فلما كان يوم أحاد وجه ابو عبيدة خالد بن الوليد في الخيل، فخرجت عليه خيل عظيمة من الروم. فقال خالد: يا قيس احمل عليهم. فحمل قيس فهزم من يليه من المشركين، وقتل سبعين رجلا، ويقال ان قيسا قطع يومئذ ثلاثة أسياف، ودق بضعة عشر رمحا، وهو يقول: لا تبعدن كل فتى كرار ... ماضي الحبان شرس صبار يقدم إقدام الهزبر الضاري ... حتى تهم الخيل بالادبار وهو الذي أشار على المسلمين بالمقام بالشام، لما لأقبل ماهان في ثلاثة الآف، وكان الناس، قالوا لأبي عبيدة ارجع بنا إلى المدينة، قال قيس: لا ردنا الله اليها أبدا حتى ندع المال والذهب والخيل والحمير والفضة، والله لو كان ذلك أبدا. فقبل خالد الرأي وقال: ما رأيت والله يا قيس. فتوجه إلى الوليد في ألفي فارس ومعه قيس، فلما لحقهم قيس على الخيل وترك خالدا، فالتقى ومن معه بخيل الروم وفيهم فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم اضطرهم قيس إلى خالد فالتقاهم، فضرب الله وجوههم فولوا منهزمين وطردهم قيس.

5 - عمان

قبينما هو كذلك إذ مر به البطريق يركض، قال قيس لرجل من اصحابه: شأنك البطريق لا يفوتك. فشد الرجل على البطريق، ورجع اليه البطريق فاعتنقا فوقعا على الأرض، وقبض البطريق على الرجل، فلم يقدر الرجل ان يتحرك. فلما رأى قيس ذلك نزل فضرب احدى يديه فقطعها ثم قال للرجل: قم اليه فاقتله. ففعل. ولما دنا ماهان، وعزموا على لقائه أمر أبو عبيدة خالدا على الرجال. فخرج في خيل عظيمة عظيمة، ودعا خالدا قيسا، فقال له أنت فارس هذه الخيل، فخرج معه قيس فولاه خالد على ربع، وولى الطفيل بن عمرو الدوسي على ربع. فخرج عند ذلك بطرق يدعو إلى المبارزة، فأراد أحد الفرسان أن يخرج. فقال له خالد: لا تخرج، وأراد عمرو بن الطفيل الدوسي أن يخرج. فقال له خالد لا تخرج. واراد عبد الحارث بن عبد ان يخرج. فقال له خالد لا تخرج. فخرج اليه قيس بن هبيرة وهو يقول: ألست حرب الحرب من أبطالها. وحمل عليه قيس فضربه فصرعه، وكبر المسلمون وصاح قيس بخيله اسدوا والله لا تفلحون، وكان أولهم المنغفر المضاحك، فأحلوا على من يليهم فكشفوهم فهزموهم. فبلغ ذلك أبو بكر الصديق، رحمه الله. فقال: صدق قيس ووفى. وقد ذكرنا لقيس اشياء كانت في الاسلام لأنه مشهور بفروسيته وفتكه. وقتله لابن مامة ملك متوج وهو غير فارس. فهذا فارس من فرسان العرب في الجاهليةوالاسلام، ورأس أبي ظبيان عبد شمس بن الحارث بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدول بن غامد. فمن فعله في الجاهلية ما أخبر به أبو قيس، عن أشياخه. قال: كان أبو ظبيان نائما بالعقيق ورسن فرسه بيده، فإذا هو بصهيل الخيل فوثب فركب فرسه، فاذا حصيدة الفجا في قومه خثعم يريد الغارة على غامد. وكانت غامد بهضيبة الأمعز. فلم يخبر أبو ظبيان قومه، وواقع القوم فلم يزل يطعن فيهم حتى كشفهم، وشد على حصيدة فطعنه فقتله، فانهزم أصحابه. فقالت غامد لأبي ظبيان: لو أنك اخبرتنا لقاتلنا معك. فقال: العواذل أمهن ألم يروا ... بلى محسبه لنخل المسجد فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سوادا كخافية الغراب الأسود بدر الفوارس أخذها فمنعتها ... حوبا وأدما مثل حب العرقد لي صاحب فألومه ... يوم العقيق ولست بالمستبعد بعدما ... بالرمح القشب الردى وخرج أبو ظبيان يوما من غامد، فأبصر أسدا، ولا سلاح معه. فمنعه الأنف والحمية ان يولي على الأسد. فشد على الأسد جاسرا، فجعل يمارسه وعقره الأسد. فلم يزل أبو ظبيان يمارسه حتى لحقوه بسيف فأخذه وضرب له الأسد فقتله. فشمت بأبي ظبيان رجل من بني غامد كان يحسده لأن الأسد عقره فقال: ألا ابلغ أبا ظبيان عني ... ففيم اللوم ان لم يحمدوني كسوت السيف جمجمة وقاحا ... وأنتم تنظرون إلى القرون فإن تك شامتا جهلا وظلما ... فقد عزلت يمينك عن يميني. وان تعنف علي فإن عندي ... مكارمة اجنبها مهيني واعطيها الكريم إذا نعاها ... فتبلغ يقيني وهو الذي خرج بجمع غامد حتى لقى النجاشي التي مرت بالسراة فهزمها وقتل الخثعمي. 5 - عمان في العصر الاسلامي قال: ولم يحدث من الفرس إلى عمان رجعة منذ ملكها مالك بن فهم، وأجلاهم عنها، إلى ان انقضى ملكه، وأمر ولده بعده. وصار ملك عمان إلى آل الجلندي بن المستنير المعولي. وصار ملك فارس إلى ساسان، وه رهط الاكاسرة وكانت المهادنة بينهم وبين آل الجلندي بعمان. فكان فيها اربعة الاف من الاساورة والمرازبة، مع عامل يكون له بها عند ملوك الازد، في مهادنتهم تلك. فكانت الفرس في السواحل وشطوط البحر. والازد ملوكا في الجبال والبادية، وغير ذلك من اطرفا عمان. وكانت الامور منوطة بهم. وكان كل من غضب عليه كسرى من الفرس وأهل بيته ومملكته، أو خافه على نفسه وملكه، ارسله إلى عمان يحبسه فيها.

فلم يزالوا كذلك بين ظهراني الازد في مهادنتهم تلك، إلى أن أظهر الله الاسلام بعمان، وشاع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في البلدان. وذلك في عصر كسرى الملك ابرويز بن هرمز بن كسرى انوشروان. فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ابرويز يدعوه إلى الاسلام. فمزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك منه " اللهم مزق ملكه كل ممزق ". فلم يفلح كسرى بعد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فسلط الله عليه ابنه شيرويه، فقتله. ثم ان شيرويه كتب إلى باذان مرزبانه إلى عمان، ويقال بل يقال فستحان. وكان مرزبانه وعامله إلى عمان: ابعث من قبلك رجلا عربيا فارسيا صدوقا مأمونا - وقد قرأ الكتب - إلى الحجاز يأتيك بخبر هذا الرجل العربي، الذي يزعم أنه نبي، ليأتيك بخبره. وعني بقوله عربيا فارسيا، أي قد يتكلم بالعربية والفارسية ويعرفهما، وهو عذره. فبعث باذان ويقال الفستحان رجلا من طاحية يقال له كعب بن برشه الطاحي. وكان قد تنصر وقرأ الكتاب. فقدم المدينة، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فرأى فيه الصفات التي يجدها في الكتب. فعرف انه نبي مرسل فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام فأسلم كعب. فرجع إلى عمان، فأتى باذان ويقال له الفستحان، وهو بعمان. فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي مرسل. فقال باذان ويقال الفستحان: هذا امر أريد أن اشافه فيه الملك. فاستخلف على أصحابه الذين بعمان رجلا من أصحابه يقال له مسكان. وخرج باذان إلى الملك كسرى بفارس. ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل عمان. وكان الملك في ذلك العهد بعمان الجلندي بن المستكبر. وأرسل اليه يدعوه، ومن معه إلى الاسلام. فأجاب وارسل إلى الفرس الذين بعمان، - وكانوا مجوسا - يدعوهم إلى التدين بهذا الدين، والاجابة إلى دعوة محمد صلى الله عليه وسلم فأبوا، فأخرجهم الجلندي قهر وصغرا من عُمان. وقال آخرون، ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل عمان يدعوهم إلى الاسلام، وعلى أهل الريف منهم عبد وجيفر ابنا الجلندي. وكان أبوهما قد مات في ذلك العصرز فكان في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان. فأقروا شهادة: أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أدوا الزكاة، واعمروا المساجد، والا غزوتكم. وعن الواقدي، باسناد، عن النبي صلى الله عليه وسلم. كتب إلى جيفر وعبد إبني الجلندي الازدي بعمان وبعث عمرو بن العاص بن وائل السهمي بكتابه اليهما وكان كتابه صحيفة أفل من الشبر، فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله، إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، السلام على من أتبع الهدى. أما بعد فإني ادعوكما بداعية الاسلام، اسلما تسلما. فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين. وانكما ان اقررتما بالاسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالاسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تطأ ساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما ". وكان الكاتب بهذا أبي بن كعب، وهو عليه السلام المملي عليه. وطوى الصحيفة، وختمها بخاتمه المبارك. وكان نقش الخاتم: لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال: فقدم عمرو بن العاص بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد وجيفر إبني الجلندي بعمان. فكان اول موضع دخله من صحار، دستجرد، فنزل بها وقت الظهر، وبعث إلى بني الجلندي، وهم بادية عمان. فكان اول من لقيه منهما عبد بن الجلندي، وكان احلم الرجلين وأحسنهما خلقا. فأوصل عمرو إلى أخيه جيفر بن الجلندي بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه اليه مختوما. ففض ختامه وقرأه، حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى اخيه عبد، فقرأه مثل قرائته. ثم التفت إلى عمرو، فقال: ان هذا الذي تدعو اليه من جهة صاحبك أمر ليس بصغير، وأنا أعيد فكري فيه، واعلمك أنه استحضر جماعة الازد وبعثوا إلى كعب بن برشة العودي. فسألوه عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل نبي. وقد عرفت صفته، وسيظهر على العرب والعجم.

الباب الرابع

فأجاب إلى الاسلام، هو وأخوه في ساعة واحدة، ثم بعث إلى وجوه عشائره فبايعهم لمحمد صلى الله عليه وسلم وأدخلهم في دينه، وألزمهم تسليم الصدقة. وأمر عمرو بن العاص بقبضها، فقبضها على الجهة التي أمره بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعث جيفر إلى مهرة والشحر ونواحيها، فدعاهم إلى الاسلام، وأعلمهم بالاسلام، فأسلموا معه. ثم بعث إلى دبا وما يليها إلى آخر عمان. فما ودر رسول جيفر إلى أحد الا وأسلم واجاب دعوته، الا الفرس الذين كانوا في ذلك العهد بعمان. واجتمعت الازد إلى جيفر بن الجلندي. وقالوا: لا يجاورنا العجم بعد هذا اليوم، واجمعوا على إخراج مسكان ومنكان معه من الفرس. فدعا جيفر بالمرازبة والأساورة الذين بعمان، فقال: إنه قد بعث منا في العرب نبي، فأختاروا منا إحدى الخصلتين: أما ان تخرجوا عنا، وإما نقاتلكم. فأبت الفرس إلا القتال، وتعبأت لحرب الازد، فعند ذلك اجتمعت وتعادهت وتعاقدوا وساروا إلى مسكان وأصحابه من المرازبة والاساورة، فحاربوه فقتلوه هو وكثير من اصحابه وقواده بعد رحب شديدة. ثم احتصن بقية اصحابه في مدينة دستجرد بصحار، وهي مدينة ابتنتها العجم بعمان. فلما طال بينهما القتال دعو أهل عمان إلى الصلح، فأستنزلهم على ان يعطوا أهل عمان كل صفراء وبيضاء وحلقة وكراع، ويحملوهم بأهاليهم وحاشيتهم في سفينة حتى يقطعوا إلى ارض فارس، فاجباوهم إلى ذلك وأخرجوا الفرس من عمان إلى فارس. واستولت الازد على ملك عمان. وقال شاعر الازد في ذلك، وهو ثابت بن قطنة العتكي: ألم تنبئك عن سكانها الدار ... وعندها من بيان الحي اخبار كأنهم يوم راحو تاركين لها ... من حدهم بجناحي طائر طاروا صادفت مسكان وسط النقع متجدلا ... اثوابه بعد تاج الملك أطمار ويل امه فارسا ما هو يعنبله ... كانما نظاره في الوغى نار بقية من سراة الأزد يقدمهم ... رئيس صدق إلى الروعات كرار لا هم ضعاف ولا ازرى بهم خور ... عند الطعان ولا عزل وأغمار إذا أقول لهم والحرب ساطعة ... والموت يكره سيروا نحوه ساروا نحن العتيك مضاض الناس قد علموا وفي القبائل آساد وأحرار قوم نعز ولا ترجى ظلامتنا ... ولا يكون أكالي بيننا الجار من كان فيه من الاحياء مختلف ... فنحن لا عيب فينا ولا عار والله يعلم والاقوام قد علموا ... أنا لنصر إذا ما معشر جاروا وحدثني من لا اتهم ان الازد ... كانوا بعمان مع الفرس يتهادنون فلما جاء رسول الله إلى عمان اجابوا دعوته. وعرضوا على الفرس الاسلام، فأبي من ابى. ودعو انفسهم إلى التسليم فخرجوا من عمان. وخلوا اموالهم وهذه الصوافي. وبقي احوال من خرج من عمان من الفرس. الباب الرابع أيام العرب وأخبارهم ووقائعهم 1 - يوم سلوات خبر انتقال مالك بن فهم الأزدي، وخروجه إلى عُمان وحربه الفرس، وما كان من شأنهم، وشأن انتقال الأزد اليه قال الكلبي: كان أول من لحق بعمان من الأزد، مالك بن فهم بن غانم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب ابن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وكان سبب قصة خروج مالك بن فهم الأزدي، ثم الدوس عن قومه إلى عمان، انه كان له جار، وكان لجاره كلبة، وكان بنو أخيه عمرو بن فهم ابن غانم يسرحون ويروحون على طريق ذلك الرجل. وكانت الكلبة تنبحهم وتفرق غنمهم، فرماها رجل منهم بسهم، فقتلها. فشكا جار مالك إليه ما فعل بنو أخيه، فغضب مالك. وقال: لا أقيم ببلد ينال فيه هذا من جاري. ثم خرج مراغما لأخيه عمرو بن فهم، لما كان من بنيه إلى جار مالك وبني أخيه.

أبو حاتم السجستاني، عن عبيدة، عن أبي اليقظان، قال سبب خروج مالك بن فهم عن قومه، بعد تفرقهم في البلاد، حين أخرجهم سيل العرم، من جنتي مأرب، ونزلوا بالسراة. أن راعيا لمالك بن فهم، خرج بغنم، وكان من طريقه ثنية له فيها كلب عقور لغلام من دوس، فشب الكلب على راعي مالك، فرماه الراعي بسهم، فقتله. فتعرض صاحب الكلب لراعي مالك فخرج من السراة، هو ومن اطاعه من قومه. فاسم ذلك النجد الكلبة إلى اليوم. قال: فخرج مالك بن فهم من أرض السراة، يريد عمان، فيمن أطاعه من ولده وقومه وعشيرته من الأزد، ومن اتبعه من احياء قضاعة. وسار متوجها نحو عمان. وقد اعتزل عنه من قبل ذلك من ولده جذيمة الأبرش بن مالك بمن سار معه من الأزد إلى ارض العراق، كما ذكرنا. قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي، اخبرني أبي وشرقي بن القطامي. قالا: لما خرج مالك بن فهم من السراة يريد عمان، قد توسط الطريق، حنت ابله إلى مراعيها، وقبلت تلتفت إلى نحو السراة وتردد الحنين فقال مالك في ذلك: تحن إلى أوطانها ابل مالك ... ومن دونها عرض الفلا والدكادك وفي كل أرض للفتى متقلب ... ولست بدار الذل طوعا برامك ستغنيك عن ارض الحجاز مشارب ... رحاب النواحي واضحات المسالك وقال ايضا: تحن إلى اوطانها بزل مالك ... ومن دون ما تهوى الفرات المقارف وسيح أبي فيه منع لضائم ... وفتيان أنجاد كرام غطارف فحنى رويدا واسترجى وبلغى ... فهيهات منك اليوم تلك المآلف ثم سار من فوره ذلك يريد عمان، فجعل لا يمر بقبيلة من قبائل من معد وغيرهم، من اليمن الا سالموه، ووادعوه، لمنعته وكثرة عساكره. ثم أنه سامى في مسيره ذلك حتى أخذ على برهوت، وبرهوت واد في حضرموت. فلبث فيه حتى راح واستراح، وبلغه أن بعمان الفرس، وهم ساكنوها. فعبأ أصحابه وعساكره وعرضهمن - فيقال انهم بلغوا زهاء ستة الآف فارس وراجل. ثم أنه أعد واستعد وأقبل يريد عمان. وقد جعل على مقدمته ابنه هناة بن مالك. ويقال فراهيد بن مالك، في ألفي فارس من صناديد الأزد وفرسانها. ثم سار يؤم عمان. حتى أنصب على ابن حمير. فنزلت الشحر. قال الكلبي: كان أول من خرج من العرب من تهامة عند مالك بن فهم الأزدي، وعمرو ابنا فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان ابن عمران بن الحاف بن قضاعة، فنزلت الشحر. وتقدم مالك بن فهم الأزدي، في قبائلا الأزد، ومن معه من احياء قضاعة إلى أرض عمان، فدخلها في عسكرهم، في قبائل من فوقهم، من قضاعة من الخيل والرجل والعدة والعدد. فوجد بعمان الفرس، من جهة الملك دارا بن دارا بن بهمن بن اسفيديا، وهم يومئذ أهلها وسكانها. والمتقدم عليها المرزبان عامل ملك الفرس. فعند ذلك نزل مالك بن فهم، ومن كان معه من الحشم والعيال والنساء والأثقال، إلى جانب قلهات من شط أرض عمان، ليكون أمنع لهم وترك عندهم من الخيل والرجال من يحفظونهم. ثم سار هو ببقية عساكره وصناديد رجاله من فرسان الأزد، وغيرهم من احياء قضاعة. وقد جعل على مقدمته ابنه هناة بن مالك، في الفي فارس من فرسان قومه وثقات الأزد، وأقبل مالك بن فهم في جلّ عساكره وصناديد رجاله حتى دخل ناحية الجوف فعسكر معسكره، وضرب مضاربه بالصحرى. وارسل إلى الفرس والمتقدم عليهم يومئذ المرزبان عام الملك على عمان. فأرسل إليهم يطلب منهم النزول في قطر من عمان، وان يفسحوا له ويمكنوه من الماء والكلأ ليقيم معهم في قطر من عمان، فلما وصل إلى المرزبان، واصحابه رسل مالك بن فهم الأزدي، وما يطلب منهم من النزول في عُمان، وأن يفسحوا في الماء والكلأ، ائتمروا بينهم في ذلك وتشاوروا في امره، حتى طال ترديد الكلام والتشاور بينهم.

ثم أنهم أحمع رأيهم على صرفه وأن لا يمكنوه إلى ما سأل طلب منهم، وقالوا: مان حب ان ينزل هذا العربي معنا، فيضيق علينا أرضنا وبلادنا، فلا حاجة لنا في قربه وجواره. فلما وصل جوابهم إلى مالك بن فهم، ارسل إليهم: انه لا بد من المقام في قطر من عمان، وان تواسوني في الماء والمرعى، فإن تركتموني طوعا نزلت في قطر من البلاد وحمدتكم، وإن ابيتم أقمت على كرهكم، وإن قاتلتموني قاتلتكم. ثم ان ظهرت قتلت المقاتلة وسبيت الذراري، ولم أترك احدا منكم ينزل عمان أبدا. فأبت الفرس أن تتركه طوعا، وجعلت تستعد لحربه وقتاله، وأن مالك بن فهم قام في مدته تلك بناحية الجوف، حتى أراح واستراح واستعد لحرب الفرس وتأهب للقائهم. وحفر بناحية الجوف الفلج الذي بمنح اليوم، بفلج مالك، وكان معسكره هناك، إلى ان اس تعدت الفرس لحربه وقتاله. ثم أن المرزبان أمر أن ينفخ في البوق، الذي يؤذن فيه بالحرب، وأن ضرب الطبل وركب في جنوده وعساكره. وخرج من صحار في معسكر جم يقال انه كان زهاء أربعين ألفا، ويقال ثلاثون ألفا. وخرج معه بالفيلة، وسار يريد الجوف في لقاء مالك بن فهم الأزدي ومن معه من الأزد. فجمع عسكره وأصحابه من الأزد، وغيرهم من أحياء قضاعة، وكان في زهاء ستة الآف فارس وراجل على مقدمته إبنه هناة بن مالك في الفي فارس من صناديد الأزد وفرسانها. واقبل نحوهم في تلك الهيئة حتى أتى صحراء سلوت، فعسكر بإزاء عسكر المرزبان، فمكثوا يومهم ذلك إلى الليل، ولم يكن بينهم حرب ولا قتال. ثم ان مالك بن فهم، بات ليلته تلك يعبئ أصحابه، يمنة ويسرة وقلبا، ويكتب الكتائب، ويوقف فرسان الأزد مواقفهم. فولى الميمنة هناة ابن مالك، وولى الميسرة ابنه فراهيد بن مالك. وصار هو في القلب، في أهل ىالنجدة والشدة من أصحابه. وبات المرزبان يعبئ ويكتب كتائبه. حتى إذا أصبحوا توافقوا للحرب، وقد استعد كلا الفريقين. وركب مالك بن فهم فرسا له أبلق، وظاهر بين درعين، ولبس عليها غلالة حمراء وتكمم على رأسه بكمة حديد، وتعمم عليها بعمامة صفراء. وركب معه ولده وفرسان الأزد على تلك التعبئة، وقد تقنعوا بالدروع والبيض والجواش، فلا يبصر منهم الا الحدق. فلما توافقوا للحرب جعل مالك بن فهم يدور على أصحابه راية راية، وكتيبة كتيبة، ويقول يا معشر الأزد، أ÷ل النجدة والحفغاظ، حاموا عن أحسابكم، وذبوا على مآثر أبائكم، وقاتلوا، وناصحوا ملككم وسلطانكم، فإنكم إن انكسرتم وهزمتم، اتبعكم العجم في كافة جنودهم، فاختطفوكم، واصطادوكم بين كل حجر ومدر، وباد عنكم ملككم، وزال عنكم عزمكم وسلطانكم، فوطنوا أنفسكم على الحرب، وعليكم بالصبر والحفاظ فهذا اليوم له ما بعده. فجعل يحرضكم ويأمركم بالصبر والجلد، ويدور عليهم راية راية وكتيبة كتيبة، حتى استفرغ جميع كتائبه وعساكره. ثم ان المرزبان زحف بعسكره، وجميع قواده، وجعل الفيلة أمامه. واقبل نحو مالك بن فهم، واصحابه. ونادى، ونادى مالك بن فهم أصحابه بالحملة عليهم. فقال: يا معشر فرسان الأزد احملوا معي، فداكم أبي وأمي على هذه الفيلة فاكتنفوها بأسنتكم وسيوفكم. ثم حمل وحملوا معه على الفيلة، بالرماح والسيوف وزرقوها بالسهام فولت الفيلة راجعة بحميتها على عسكر المرزبان، فوطئت منهم خلقا كثيرا. وحمل مالك بن فهم بالنبل في كافة أصحابه من فرسان من الأزد على المرزبان وأصحابه، فانتقصت تعبئة المرزبان، وجالوا حوله. ثم باءت العجم ورجعت إلى بعضها بعضا، واقبلت في حدها وحديدها. وصاح المرزبان واصحابه وكافة جنوده وامرهم بالحملة فحملوا. والتقى الجميع، واختلط الضرب، واشتد القتال. فمل يكن تسمع الا صليل الحديد، ووقع السيوف. فاقتتلوا يوم ذلك اشد ما يكون القتال. وثبت بعضهم لبعض، إلى ان حال ظلام الليل فانصرفوا، وقد انتصف بعضهم من بعض. وابتكروا من غد للحرب، فاقتتلوا قتالا شديدا. وقتل في اليوم الثاني من الفرس خلق كثير، وثبت لهم الأزد، فلم يزالوا كزذلك إلى ان حال بينهم الليل، فانصرف بعضهم عن بعض وقد كثر القتل والجراح في الجميع.

فلما أصبحوا في اليوم الثالث، زحف الفريقان بعضهم إلى بعض، فوقفوا مواقفهم تحت راياتهم. وأقبل أربعة نفر من المرازبة والأساورة، ممن كان يعدّ الرجل منهم بألف رجل، حتى دنوا من مالك. فقالوا: هلمّ الينا لننصفك من أنفسنا، ويبادرك منا رجل رجل. فتقدم اليهم مالك، وخرج اليه واحد منهم، وطارد مالكا ساعة، فعطف عليه مالك، ومعه نجدة الملوك وحمية العرب، فطعن الفارس طعنة حطم في صلبه، فوقع الفارس إلى الأرض عن فرسه. ثم علاه مالك بالسيف فضربه، فقتله. ثم حمل الفارس الثاني على مالك على مفرق رأسه، ففلق السيف البيضة، وانتهى إلى رأس الفارس، حتى خالط دماغه، فخرّ ميتا. ثم حمل عليه الفارس الثالث، وعليه الدرع والبيضة، فضربه مالك على عاتقه، فأبانه مع الدرع نصفين، حتى انتهى سيف مالك إلى زح دابة الفارس، فرمى به قطعتين. فلما نظر الفارس الرابع ما صنع مالك بن فهم من أصحابه الثلاثة، كاعت نفسه، وأحجم عن لقاء مالك، فولى راجعا نحو أصحابه، حتى دخل فيهم. ثم انصرف مالك إلى موقفه فيه، وقد تفاءل بومه ذلم بالظفر الثلاثة القواد من المرازبة. وفرحت بذلك الأزد فرحا شديدا، ونشطوا للحرب. فلما رأى المرزبان، قائد جيش الفرس ذلك، وما صنع مالك بن فهم في قواده الثلاثة، دخلته الحمية والغضب، وخرج من بين أصحابه. وقال: لا خير في الحياة بعدهم. ثم نادى مالكا. وقال: أيها العربي، اخرج اليان كنت تحاول ملكا فأينا ظفر بصاحبه كان له ما يحاول، ولا نعرض أصحابنا للهلاك. فخرج اليه مالك برباطة جأش، وشدة قلب، فتجاولا بين الصفين مليا، وقد قبض الجميع أعنة خيولهم، لإوقفوها ينظرون إلى ما يكون منهما. ثم أن حمل على مالك بالسيف حملة الأسد الباسل، فراغ منه مالك روغان الثعلب، وعطف عليه بالسيف، فضربه على مفرق رأسه، وعليه البيضة والدرع، ففلق البيضة، وأبان رأسه، وخرّ ميتا. وحملت الأزد على الفرس وزحف الفرس اليهم فاقتتلوا قتالا شديدا، من ظهر النهار إلى العصر، وعض اصحاب المرزبان السيف، وصدقتهم الأزد الضرب والطعن، فولوا منهزمين النهار، حتى انتهوا إلى معسكرهم، وقد قتل منهم خلق كثير وكثر الجراح في عامتهم. فعند ذلك. ارسلوا إلى مالك بن فهم يطلبون منه أن يمن عليهم بأرواحهم ويجيبهم إلى الهدنة والصلح، وان يكف عنهم الحرب ويؤجلهم إلى سنة ليستظهروا على حمل أهلهم من عمان. وأن يخرجوا منها بغير حرب وقتال. واعطوه على ذلك عهدا وجزية على الموادعة، فأجابهم مالك بن فهم إلى ما طلبوا. وسألوا منه. وهادنهم واعطاهم على ذلك عهدا وميثاقا، أنه لا يعارضهم بشئ إلا أن يبدأوه بحرب وقتال. فكف عنهم الحرب، وأقرهم في عمان، على ما سألوه فعادوا إلى صحار وما حولها من الشطوط. وكانت الفرس في السواحل والشطوط وكانت الأزد ملوكا في البادية وأطراف الجبال. فانحاز عنهم مالك إلى جانب قلهات. فيقال ان الفرس في مهادنتهم تلك طمسوا في عمان أنهارا كثيرة وأغموها. ثم انهم من فورهم ذلك في مهادنتهم تلك كتبوا إلى الملك دارا بن ديل، فاعلموا بقدوم مالك بن فهم الازدي من شأنه، ويخبرونه بما هم فيه من الضعف والعجز، ويستأذنونه في التحمل اليه بأهلهم وذراريهم إلى فارس. فلما بلغ ذلك الملك دارا، غضب غضبا شديدا، ودخله القلق، واخذته الحمية، لمن قتل من أصحابه وقواده. فعند ذلك دعا بقائد من عظماء مرازبته واساورته، وعقد له على ثلاثة الآف من اجلاء أصحابه وشجعان مرازبته وقواده وقدمه فيهم، وبعث فيهم لأصحابه الذين بعمان، فتحملوا إلى البحرين، ثم تخلصوا إلى عمان. وكل ذلك، مالك بن فهم لا يعلم بشي من أمرهم. ثم ان الفرس الذين كانوا بعمان مكثوا في عمان أيام مهادنتهم تلك إلى أن تركهم الروع واستراحوا وأتاهم المدد من عند الملك، من عند الملك، من ارض فارس. فعند ذلك جعلوا يستعدون ويتأهبون لحرب مالك بن فهم، ومن معه من الأزد.

ولم يزالوا على ذلك، إلى ان انقضى اجل الهدنة وانتبه لهم مالك بن فهم وجعل يستطلع من أخبارهم. حتى بلغه وصول المدد عندهم. وقد انقضى اجل الهدنة، فارسل اليهم: اني قد وفيت بما كان بيني وبينكم من عهد وأكيد صلح، وقد انقضى رالأجل الذي كان بيني وبينكم، ونتم بعد حلول بعمان، وبلغني أن أتاكم من عند الملك مدد عظيم، وأنكم تستعدون لحربي وقتالي، فأما ان تخرجوا من عمان طوعا، والا زحفت اليكم بخيلي ورجلي في كافة عساكري وجيوشي، ووطأت ساحتكم وقتلت مقاتلتكم، وسبيت الذراري، وغنمت الأموال، وأقمت على كرهكم. فلما وصلت رسل مالك بن فهم إلى الفرس بذلك، هالهم أمره وعظموه رسالته اليهم مع قلة أصحابه وعسكره لديهم، عند كثرة ما اجتمع اليهم من العساكر والجنود، وما هم فيه من القوة والمنعة والعدة والعدد. فزادهم غيظا وحنقا، وردوا عليه أقبح رد. فعند ذلك زحف مالك بن فهم إليهم في خيله ورجله وجميع عساكره. وسار حتى وطئ أرض الساحل، وبلغ ذلك الفرس واستعدت للقائه، وخرجت لحربه، ومعهم الفيل، واقبلوا حتى قربوا معسكر مالك بن فهم. وقد عبأ مالك بن فهم أصحابه كتيبة كتيبة، وراية راية، وجعل على ميمنته ابنه هناة بن مالك وعلى الميسرة ابنه فراهيد بن مالك، وهو في القلب على بقية من ولده، وأهل النجدة والشدة من أصحابه وخواصه من فرسان الأزد وغيرهم. ثم التقوا، ونادى بعضهم بعضا، وحملت فيهم فرسان الأزد، ميمنة وميسرة وقلبا، وصدقتهم الأزد الضرب والطعن. فاقتتلوا قتالا شديدا، ودارت الحرب بينهم كأمثل ما يكون مليا من النهار، ثم انكشف عنهم العجم. وكان معهم فيل فتركوا الفيل، فدنا من هناة بن مالك، فضرب خرطومه بالسيف، فقطعه، فولى له صياح، وحمل عليه معن بن مالك، فعرقبه بالسيف، فسقط. ثن نادى مالك بن فهم: يا آل الأزد، يا آل الأزد. فثابوا واجتمعوا اليه من كل فج. فحمل بهم على العجم حملة فكشفهم. ثم نادى يا معشر الازد، اقصدوا إلى لوائهم، فاكتنفوه نصفين قبل ان يدهمكم العجم فتكنفكم من كل وجهة. فحمل مالك وحمل معه اولاده في كافة فرسان الزد وأبطالهم حملة واحدة، فاكتنفوا لواء العجم. واختلط الضرب، والتحم القتال، وارتفع الغبار، وثار العجاج. حتى حجب الشمس ولم يكن يسمع الا صليل الحديد، ووقع السيوف. فتراموا بالسهام، حتى تفصدت. وتطاعنوا بالرماح حتى تكسرت، وتضاربوا بالسيوف وأعمدة الحديد، في الحرب لم يسمع السامعون بمثلها. حتى اختضبت الفرسان بالدماء، وكثرت بينهم القتلى والجرحى فكان ذلك كأسرع ما يكون. ثم لم يكن للفرس لشدة الحرب بثبات، فولوا منهزمين على وجوههم، واتبعهم هناة بن مالك في اخوته، وفرسان الازد.، فجعلوا يقتلون ويأسرون من لحقوا إلى ان قتلوا منهم خلقا كثيرا. ولحق فراهيد بن مالك سندفار بن مرزبان، وكان من اعظم قوادهم، فطعنه فارداه عن فرسه، ثم علاه بالسيف فقتله. وسارت فرسان الازد، ومن حف من ابطالهم على آثار العجم، لا يلون على سلب ولا غيره، يومهم ذلك كله، يقتلون ويأسرون حتى حال بينهم الليل، فما افلت منهم الا من ستره الليل، فتحمل من بقي منهم من تحت ليله، وركبوا في السفن وعبروا إلى ارض فارس، واجلوا من عمان. واستولى مالك بن فهم الأزدي في كافة أصحابه وقومه من الأزد على سوادهم، فاستباحهم، وغنم أموالهم، وأسر منهم خلقا كثيرا. فمكثوا في السجون زمانا، ثم اطلقهم، ومنَّ عليهم بأرواحهم وكساهم ووصلهم وزودهم، وحملهم في السفن إلى ارض فارس. واستولى مالك بن فهم، يومئذ على عمان. فملكها وما يليها من اطراف عمان، وساسها، وسار فيها سيرة جميلة. ولمالك بن فهم وولده في امر ورودهم إلى عمان، وحربهم للفرس اشعار وشواهد كثيرة، تركتها وطويت اختصارا، الا اني اذكر من ذلك ما حضر ذكره. فمن ذلك يقول هناة بن مالك بن فهم الازدي، والعتيك تزعم أنها لبكير بن وائل الطاحي: يذكرنا في الود أيام شعتم ... ليالي أسباب الهوى لم تجذم وما ذكره عصر الصبا وقد اكتست ... مفارقه لوني خليس واسحم واني عداني ان ازورك فاعلمي ... شباب حروب كالحريق المضرم الا هل اتى عنا حجازي قومنا ... على النأي أبناء الخميس العرمرم

ومزلقنا للمرزبان وقومه ... بكل فتى عاري الا ساجع ضيغم على كل محبوك السراة مصدر ... ومن كل مضخام الحرارة صلدم عليهم من الماذي كل مفاضة ... كمتن الغدير سردها لم يخضرم فلما التقينا لم تهنه زيادنا ... ولم تلف انكاسا ولم تتلعثم إذا ما بدرنا بدرة لنا ... قسيا كأعناق المطي المخذم يصيحون في ادبارها وورودها ... بحل وترجيف الوشيج القدوم في شعر طويل، يذكر فيه حربهم وشدة مناصبتهم، وما كان من صبرهم وحسن بلائهم. وفي ذلك يقول المهدي سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي ثم الأزدي، في شعر طويل اختصرنا منه هذه الأبيات: لأبو مالك وبنوه شادوا ... قصورا في عمان مالكينا واجلوا مرزبانا من عمان ... وكانت في عمالته مزونا هم العز الكرام من آل فهم ... سلالة مالك المتغطرسونا كماة كريهة وأسود غاب ... إذا ما سمتم سمت المنونا سنابك خيلهم في كل حرب ... لها أرض خدود الدراعينا وفي أكناف فارس حل منهم ... بهاليل بها متبوئونا ملاكها الأعلون عزوا ... بقدرتهم فنعم القادرونا وهم القواد راع الرعف حتى ... عدت بسراتهم منين جونا وهم جابوا البلاد ودوخوها ... وهم ملكوا بلاد الأعجمينا وهم صالوا على الدنيا اقتدارا ... وكانوا للأعاجم قاهرينا اولئك من بني قحطان حقا ... جحاجح من سليمة معربونا أبوهم مالك وسليل فهم ... من الصيد الأولى المتغطرفينا واخوتهم فهم أبناء شمس ... ويحمد للكرام الأطيبونا وحارث بن عبيد الله صيد ... إلى الأمد المفاخر سابقونا ملوك الناس في العلياء كانوا ... بتيجان الملوك متوجينا في شعر طويل، ادركنا منه هذه الابيات. ولبعضهم في هذه القصة يعني بعض أهل العصر: ونحن حسون الخيل من سد مأرب ... إلى جرهم بيض اللها واللهازم فواقعتهم بالحرب من بطن مكة ... وغادرتهم صرعى بهذا العظائم ومن فور هذا ذو العز مالك ... فوافى عمان بالحماة الغواشم فأبادهم منها وقهرهم فاذعنوا له. ثم انه أقرهم في ناحية من عمان. ثم نزلها يامة بن لؤي بن غالب، فنزل بتوام، في جوار الأزد، وزوج ابنته هند بنت سامة، بالأسد بن عمران بن عمرو بن عامر. فولدت له العتيك بن الأسد، وبنو سامة اليوم بتوام. وفيها ناس من بني سعد، وأناس من بني عبد القيس. ونزل بعمان عند الأزد، قبائل من قبائل الأزد وغيرهم كثير. وقد ذكرنا. ونزل بعمان، بغير اهلها اناس من بني تميم: منهم آل خزيمة بن خازمن وغيرهمز ونزلها ايضا قوم من بني النبيت من الأنصار، في الجاهلية، ومنازلهم في قرية يقال لها ضنك من عمل السر. ونزلها بنو قطن من الانصار في الجاهلية، ومنازلهم عبرى والسليف وتنعم من السر. ونزلها ناس من بني الحارث بن كعب، ومنازلهم بضنك، وهذه البلاد فيها النخل والموز والرمان والاترنج ومزارع الحنطة والذرة. ونزلها ناس من بني رواحة بن قطيعة بن عبس. منهم ابو الهيثم العبسي الرواحي. قال، وكان مالك بن فهم ملكا عظيما، شديد البأس كثير المال. وكانت قبائل اليمن وغيرهم من معد بن عدنان على منازلهم وعددهم يهابونه ويخافون بأسه، فيعدون به، ويتعززون به. وكانت له جرأة واقدام، لم تكن لغيره من الملوك. وكان ينزل ما بين عمان إلى ناحية اليمن. وكان أكثر نزوله بشاطئ قلهات من شط عمان، وينتقل منها إلى غيرها.

وكان في ناحية اخرى من نواحي مالك بن فهم، قد نزل ملك من ملوك الأزد، يقال له مالك بن زهير، من ولد عبد الله بن الأزد. وكان عظيم الشأن وكاد يكون مثل مالك بن فهم في العز والقدرة. وأن مالك بن فهم خشي ان يقع بينهما تحاسد وان يطمع أحدهما في ملك الآخر، فيقع بينهما الحرب. فخطب مالك بن فهم ابنته الحزام بنت مالك بن زهير، فزوجه على ان لولدها منه يكون لهم الكبر والتقديم على سائر ولد مالك بن فهم، فأجابه مالك إلى ذلك الشرط وتزوجها، فولدت له سليمة بن مالك. وكان سليمة فيما يقال أصغر ولد مالك. وملك مالك بن فهم عمان وما حولها إلى ناحية سبعين سنة، ولم ينازعه في ملكه عربي ولا عجمي. وعاش مائة وعشرين سنة. وامتدحه أوس بن زيد العبدي وكان عظيم القدر في معدن وهو في جوار مالك بن فهم: ان الاسد الكرام ان حل جار ... فمع النجم لا يخاف عربيا عز من كان مالك له جار ... لست في الأزد ان حللت غريبا ليكن أوسط الأقارب في ... النسبة فيهم كل يراك نسيبا كان فهما أوصى بنيه وصاة ... حفظوها وكان فيهم مصيبا أكرموا الضيف واحفظوا حرمة ... الجار وكونوا ممن أحب قريبا فرعى مالك وصاة أبيه ... وكذاك النجيب يحيي النجيبا مالك يأخذ اتلخراج من الناس ... ومعد تخاف منه الوثوبا فلما سمع مالك بن فهم، شعر أوس بن يزيد ومدحه إياه له، قسم له أرضا وأعطاه مائة ناقة، واتخذه وزيرا له. وكان شريفا في قومه. فلم يزل وزيرا لمالك بن فهم حتى مات. فاقبل بنوه يفتخرون بما كان من مالك بن فهم إليه حتى الساعة. ابن عائشة وغيره. عن خالد بن خداس. قال: حدثني أشياخنا عن الجّسام بن المصك البوناني، قال أشياخنا: وذكروا أهل عمان، فقالوا: ان كل الحي من احياء العرب ليخرج من قومه ثلثا، فيفخروا على سائر قومه، وأن الأزد اقبلت تحظى العرب من السراة، حتى نزلوا عمان. وقال قوم شذوا عن قومهم الا احتفظوا غيرهم فإنهم لم يعرض لهم أحد. قال ابو عبد الرحمن بن قبيصة، عن أبيه، عن ابن عباس، في حديث موسى والخضر عليهما السلام، قال: فأنطلق موسى والخضر ويوشع بن نون، حتى إذا ركبوا السفينة، وقالوا: ولجوا خرق الخضر السفينة، وموسى عليه السلام نائم، فقال أهل السفينة: ماذا صنعت، خرقت سفينتنا واهلكتنا؟ وايقظوا موسى. وقالوا: ما صحب الناس شرا منكم، فخرقتم سفينتنا في هذا المكان. فغضب موسى حتى قام شعره. فخرج من مدرعته، واحمرت عيناه، واخذ برجل الخضر، ليلقيه بالبحر. فقال ") اخرقتها لتهلك اهلها، لقد جئت شيئا إمرا (. قال يوشع: يا نبي الله، اذكر العهد الذي عاهدته. قال: صدقت. فرد غضبه، وسكنشعره، وجعل القوم يغرقون من سفينتهم الماء، وهم منها على خطر عظيم. وجلس موسى في ناحية السفينة يلوم نفسه، ويقول: لقد كنت في غنىعن هذا في بني اسرائيل أقرأ لهم كتاب الله غدوة وعشوة، فما ادناني إلى ماصنعت؟ فعلم الخضر ما يحدث به نفسه، فضحك، ثم قال:) الم اقل لك انك لم تستطيع معي صبرا (، احدثت نفسك بكذا وكذا. قال موسى:) لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من امري عسرا (. فأنطلقوا حتى انتهوا إلى عمان. وكان الملك يريد ان ينتقل منها. وكان كلما مرت سفينة اخذها، والقى اهلها. فاذا الناس على ساحل ساحل البحر كالغنم لا يدرون ما يصنعون. فلما قدمت سفينتهم. قال اعوان الملك: اخرجوا عن هذه السفينة. قالوا: ان شئتم فعلنا. ولكنها مخروقة. فلما راوها وخرقها. قالوا: لا حاجة لنا بها. فقال اصحاب السفينة: جزاكم الله عنا خيرا، فما صحب قوم قوما اعظم بركة منكم. واصلح الخضر السفينة، فعادت كما كانت.

2 - وفاة النعمان بن المنذر

ثم انطلقا وكان من امر الغلام حين قتله الخضر وحين دخلا القرية ما قصه الله في كتابه. قال الخضر:) هذا فراق بيني وبينك، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر (،وحملونا بغير أجر،) وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا (، يعنى أمامهم ملك كل سفينة صالحة غصبا.) فأردت أن أعيبها (بخرق، ولا يضرُّ بها، فتنجو من الملك فسأله نبي الله، عليه السلام، عنه. فقال: يا بني الله، اخبرني أبي عن أبيه، عن جده، انه عهده على هذا الحال. فقال. في ذلك بعض الشياطين الذين صحبوا سليمان عليه السلام: غدونا من قرى اصطخر ... إلى القصر فقلناه فمن يسأل عن القصر ... فمبينا وجدناه يقاس المرء بالمرء ... إذا ما المرء ماشاه وللشئ على الشئ ... مقاييس واشباه ويقال، والله اعلم، ان سليمان بن داوود عليه السلام، دخل عمان، وأهلها بادية، فأقام فيها عشرة أيام. وأمر الشياطين في كل يوم يحفرون الف نهر، فسار منها. وقد جرى منها عشرة الآف نهر. وحدثني أبو المنذر عن خالد بن محمد، انه بلغه ان في الجبل اليحمد قبر نبي. فيصيب هؤلاء المساكين فضلا في ذلك إلى ان ترد السفن. قال: كان الملك الذي ذكره في كتابهن يأخذ كل سفينة غصبا مالك ابن فهم الأزدي، وكان ينزل قلهات من شط عمان وينتقل من هناك إلى ناحية اخرى. وقال بعض هو مسدلة بن الجلندي بن كركر الأزدي، وهو من ولد مالك بن فهم الأزدي، وهو جد الضفاق، ومن ولده ملوك مروى، إلى اليوم. وقال بعض: بل هو الجلندي بن المستكبر، ويقال المستنير بن مسعود ابن الحرار بن عبد العزى بن معولة بن شمس بن غانم بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد. وليس هو كذلك. والأقاويل الاولى اشبه دلالة واوضح حجة، واقرب في النظر صحة في هذا القول الأخير. لانه يستحيل من أوجة احدهما؛ ان الجلندي هذا كان قبل الاسلام وقيل انه ادرك الاسلام. وابناه عبد وجيفر ابنا الجلندي، واليهما كتب النبي صلى الله عليه وسلم على يد عمرو بن العاص. وقصة السفينة كانت في عصر موسى عليه السلام. وبين موسى إلى ان بعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، على جميع الانبياء. اعوام كثيرة. وعن وهب بن منبه قال: كثير من أهل العلم يقولون هو موسى بن ميثى نبي الله. كان من بعد موسى بن عمران، عليه السلام، عليه بدهر. والله أعلم. ذكر ان سليمان بن داود كان يغدو من اصطخر فيتغدى بيت المقدس، ويروح من بيت المقدس فيتعشى باصطخرز فبينما هو يسير وقد حملته الريح إلى نحو البر. فقال للريح: شائمي. فهبت في برية عمان. فرأى قصرا في صحراء كأنما رفعت عنه اليد الساعة. واذا عليه نسر واقع. فقال للريح حطي. ثم قال لمن معه: ادخلوا القصر. فدخلوا. فلم يروا شيئا. فعادوا اليه فاعلموه. فدعا بالنسر. فقال: لمن هذا القصر؟ فقال: ما ادري انا عليه منذ ثمانمائة سنةن هكذا عهدته. وفي نسخة اخرى ان سليمان بن داود عليه السلام، سار من ارض فارس من قلعة اصطخر إلى عمان في نصف يوم، إلى ان نزل منها موضع القصر من سلوت، وهو بناء حديث، كأنما رفع الصناع ايديهم منه في ذلك الوقت، واذا عليه نسر. 2 - وفاة النعمان بن المنذر كانت وفاة النعمان بن المنذر، عند زيارته كسرى، ونزوله عليه معتذرا اليه ما كان من مقتل عدي بن زيد الايادي حين قتله النعمان بن المنذر.

وهو عدي بن زيد بن أيوب بن جمان محرون بن عصية بن امرئ القيس بن زيد بن مناة بت تميم، وكان لعدي بن زيد رأي وجمال عقل ولسان، وكان شاعرا اديبا متكلما باللسانين الفارسية والعربية، يكتب بهما جميعا، وكان من أهل بيت فارقوا قومهم نزلوا الحيرة بأسباب التجارة. فجاوروا من كان فيها من ملوك لخم من أولاد عمرو بن معدى بن نضر واتجروا بالحيرة، فأفادوا بها أموالا. وكان سبب كينونة عدي بن زيد من ملوك العجم بان قابوس بن النعمان بن المنذر الأول المعروف بابن ماء السماء، ملك الحيرة، وكان في عصرهم من دين كسرى أنوشروان، وأن قابوس بن المنذر أراد ان يوفد وفدا إلى هرمزد ملك العجم في بعض حوائجه، فاختار من أهل الحيرة زيدا أبا عدي بن زيد وابن عمه، وكان يقال له عمرو بن أيوب، فسارا حتى دخلا على هرمزد بالمدائن، فلما رآهما هرمزد اعجبه جمالها وحسن كلامها ز وقال: ما ظننت ان يكون في العرب مثل هذين الرجلين، فحبس زيدا عنده وجعله كاتبا بالعربية وترجمانه بالفارسية، وانصرف عمرو بن أيوب إلى قابوس بن المنذر، فلما قتل هرمزد بن كسرى أنوشروان، وافضى الأمر إلى ابنه بن هرمزد، وهو كسرى الأخير، مات زيد في حدثان ملك كسرى فجعل كسرى إبنه عدي بن زيد مكان ابيه، فكان عدي كاتب كسرى بالعربية وترجمان فيما بينه وبين العرب. وكان بين أهل بيت عدي وبين أهل الحيرة بيت يقال له بنو نفيلة، وهم أهل بيت بني عبد المسيح بن حيان بن عمرو بن نفيلة. وكان عبد المسيح من المعمَّرين عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، وكان حكيما من الحكماء. وكان بين بيت أهل عدي وبين هؤلاء عداوة متقدمة وشحناء؛ فوجد النعمان على بني نفيلة فأخذ ضياعهم ومعايشهم وظنوا ان عدي بن زيد بين أهل بيته. وكان في بني نفيلة ذو دهاء ومكر يسمى عدي بن أوس بن مزينا، فقال للنعمان ذات يوم وقد خلا معه: أيها الملك إن عدي بن زيد بن عمّ، انه هو الذي - وكذلك هذا الملك؛ وطد له امر الصلة بينك وبين كسرى، ولما كان من مشورته على كسرى بالميل اليكم دون اخوتك. فأضغن بذلك قلب النعمان على عدي، وكان عدي يقيم بالحيرة في اهله ثلاثة اشهر وسائر ذلك بباب كسرى، ثم ان عدي بن أوس كتب كتابا إلى كسرى على لسان عدي ينتقض النعمان، والوقيعة فيه بينه وبين كسرى، ثم دس الكتاب إلى من أخذه وأتى به النعمان غضب على عدي بن زيد وامهله ذلك، ولم يظهر له شيئا مما في قلبه فأقام عدي في منزله بالحيرة في ذلك العام ثلاثة اشهر ثم انصرف إلى المدائن، فأقام سائر ذلك العام بباب كسرى، فلما جاء الحول إلى النعمان بهذين البيتين: أبا منذر كافأت بالود سخطه ... فماذا جزاء المحرم المتعيض فإن جزاء المحرم مثل كرامه ... ولست لنصح فيك بالمتعرض فلم يحفل النعمان بهذين البيتين وتمادى في حبسه؛ وفي ذلك يقول عدي ابن زيد هذه القصيدة التي حضرنا منها هذه الأبيات: ان للدهر صولة فاحذرها ... لا تنامن قد امنت الدهورا قد يبيت الفتى صحيحا فيردى ... ولقد كان آمنا سرورا إنما الدهر لين ونطوح ... يترك العظم واهيا مسكورا ولقد كان ذا جنود وبأس ... تحذر الأسد صولة ان تزيرا وبني الأصفر الكرام ملوك ... الروم لم يبق منهم مذكورا ثم ان عدي بن زيد كتب إلى أخ له وكان له بكسرى خاصة ومنزلة يسمى ايبا، وكان عدي إذا قدم الجيرة جعله بباب كسرى فاذا انصرف إلى المدائن رده إلى منزله بالحيرة فكتب اليه بهذه الأبيات: لدى ملك موثقا بالحديد ... أما بحق واما ظلم فلا تلتقين كثيرا الرقاد ... بل احزم برأيك ثم اعتزم

فلما قرأ أخوه هذه الأبيات دخل من ساعته على كسرى فأخبره بما من النعمان إلى عدي في حبسه اياه، فغضب كسرى من ذلك وكتب إلى النعمان مع رجل من المرازبة يسأله ان يمن عليه بالاطلاق لعدي بن زيد من حبسه وترجيعه اليه فإنه قد احتاج اليه في بعض امروه، فأقبل الرسول إلى الحيرة فبدأ بعدي فدخل عليه في حبسه فأعلمه انه قدم بكتاب كسرى إلى النعمان باطلاق عدي وبعثه اليه فقال عدي للرسول: انه لابد من الدخول عليه حتى اوصل اليه كتاب الملك، وبلغ النعمان قدوم كسرى عليه في امر عدي في مجلسه، وانه يريد ان ينطلق به معه قبل دخول الرسول عليه، وان عديا إذا اتى كسرى افسد عليه الحال التي بينه وبين كسرى فأرسل من ساعته قبل دخول الرسول عليه إلى عدي ثلاثة نفر، وامرهم ان يأخذوا بنفسه حتى يموت ففعلوا به ذلك، ودخل الرسول على النعمان بكتاب كسرى، فلما قرأه قال للرسول: انطلق اليه فأخرجه فإنما كان حبسي اياه ملاعبة ومزاحا، فأنطلق الرسول إلى الحبس فصادف عديا ميتا، فأنصرف إلى النعمان فأخبره بذلك، وقال: ايها الملك ما قتل عديا غيرك وانا عائد إلى الملك ومخبره بذلك، فأعطاه النعمان الف دينار، وسأله ان يزين ارمه عند كسرى ويعلمه ان عدياغ مات فجأة. واخبر كسرى بذلك وبقتل عدي، وان عديا كان له ابن يقال له زيد فلما بلغ مبلغ الرجال خاف من النعمان على نفسه ان يلحقه بأبيه، فخرج زيد من الحيرة هاربا نحو المدائن، ودخل على كسرى فتعرف اليه واخبره ان زيد بن عدي بن زيد فقربه كسرى وبره والطفه، وامر له بصلة جزيلة زجعله كاتبه بالعربية وترجمانا بينه وبين العرب على مرتبة ابيه. وكان زيد وأبوه من قبله جده زيد ماهرا باللسان العربي واللسان الفارسي، وبالخطين العربية والفارسية. وكانت لملوك العجم للنساء اللواتي يصلحن لهن صفات معروفة مثبتة في خزائنهم، فأذا ارادوا شيئا منها وجهوا في ذلك خصيانهم ودفعوا اليه تلك الصفة ليتحتذي عليها، وان كسرى عند قدوم زيد بن عدي وجه خصيا في طلب اختيار تزويج بعض النساء اللواتي يصلحن ودفع اليه نسخة تلك الصفات فقال زيد بن عدي: أيها الملك ان للملك النعمان بنتا تسمى حرقة، واختا تسمى سعدى وبنت عم تسمى لباب، هن جميعا على هذا النعت وهذه الصفة المسطرة في هذا الكتاب. فقال كسرى. فأكتب كتابا على لساني إلى النعمان، فاسأله ان ينعم لي بتزويج هؤلاء النسوة الثلاث ان كن على ما ذكرت، وامر ذلك الخصي ان يقصد في ذلك النعمان. فقال له زيد ابعثني معه أيها الملك، فقال كسرى، انطلق معه، فسار معه حتى قدما الحيرة ودخلا على النعمان، فدفعا اليه الكتاب، فلما قرأه قال بالعربي، ولم يكن الخادم يفهم العربي: أما في عين السواد وفارس ما يغني الملك عن نساء العرب الحمس السود، فقال الخصي لزيد: ما يقول الملك. قال له زيد بالفارسية يقول: أما في نفر فارس والسود ما يغني الملك عن العربيات السود، الالوان الحمس السوق، وانما اراد النعمان بالين بقر الوحش والعرب تنسب النساء ذوات الجمال اليهن. وغير زيد اللفظة في ترجمة الخصي فخرج الخصي مغضبا من ذلك، وخرج معه زيد حتى قدما المدائن، ودخلا على كسرى، فأخبره الخصي بما كان من مردود النعمان، وحرف زيد بن عدي عنده الكلام على النعمان، فوقع ذلك في قلب كسرى فدخله العتب في نفسه عند غضب منه، وان النعمان خرج إلى طئ يحاول منهم الطاعة، فقد كانوا منعوا الاتاوة، فهربت منه طئ حتى لحقت عظمؤها بالجبلين واقبل النعمان حتى اتاهم بالجبلين فامتنعت منه طئ بالجبلين فحاصرهم، ثم رجع عن محاربتهم إلى الحيرة. وبلغه ان كسرى قد مسه من اجله عتب شديد، عند غيظ قد دخله لما كان من تحريف زيد بن عدي للخصي في جواب النعمان بن المنذر، وقد كان أغلظ عنده القول في النعمان، فلما بلغ ذلك النعمان، اشتد عليه وخشي ان يفسد الحال بينه وبين كسرى فأجمع رأيه على الخروج إلى كسرى والزيارة له معتذرا وينفي عن نفسه ما قد حرف عليه من القول وخاف من غائلة كسرى وسكره، عند قدومه عليه، فجمع عند ذلك اهله وولده، وخدمه وابنته خرقة وابنته وائلة وخيلة وسلاحه، ودروعهن واودعها هانئ بن مسعود ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو الذي بالزدلف.

1 - يوم ذي قار

ثم خرج من الحيرة قاصدا إلى كسرى فاقبل حتى وافى المدائن فاستقبله زيد بن عدي، فقال له النعمان: با ابن اللخنا، والله ان بنيت لك الحقتك بأبيك، قال له زيد: أما والله ايها الملك لقد بنيت لك عند الملك مبنية لا تقلع ابدا. ثم دخل على كسرى وقال له: ايها الملك ان هذا الغلام، يعني زيد بن عدي، ترجم للخصي في جواب كلامه فيما كتبت به اليك على التحريف، ودخل زيد على اثره، فقال لكسرى: ايها الملك ان هذا الملك إذا جلس على سرير ملكه، ووضع التاج على رأسه، دعا بشرابه لا يظن ان لك سلطانا ولا ملكا. ثم التفت إلى النعمان، فقال له: ألست القائل انك تسلب العجم ملكها، ويفضي اليك سلطانها، وفهم ذلك كسرى فحده عليه وابلغ ذلك نفسه، فأمر لإالقي له السم في بعض شرابه فمات. وتزعم المعدية ان كسرى امر به فألقي في البيت الذي فيه الفيلة فوطئته الفيلة فمات. وقال العشى في وفاة النعمان عند قدومه إلى كسرى: ولا الملك النعمان يوم لقيته ... بغبطته يعطي القطوط ويأفق ويحي اليه السيلحون ودونها ... صريفون في أنهارها والخورنق ويقسم امر الناس يوما وليلة ... وهم ساكتون والمنية تنطق ويأمر لليحموم كل عشية ... بقت وتعليق قد كان يسبق ويعالي عليه الجل كل عشية ... ويرفع نفلا بالضحى ويعلق فذاك وما انجى من الموت نفسه ... بساط حتى مات وهو وحزوق 1 - يوم ذي قار فلما سمع كسرى ما اجابه النعمان عرف صدقه في ذلك وعلم انه لم يبدل في مقالته، ولم يكذب في لفظه، لانه كان يحقق ذلك عنده ويبلغه من غير النعمان فعجب من رصانة النعمان ودخلانه بالصواب في قوله وما احتج به عن قومه اسستحلى حسن لفظه، فاعجبه جرأة مقدمه وحسن محاربته، فقال له: بالله لاهل لما كنت فيه من الرياسة على قومك وعشائرك، وماكنت أنت فيه على العرب، ولقد قلت جميع ما قلت في مفقالك كله من غيرك، وبحلم تكلمت، ثم انه اهدى اليه طرفا وخلعا كثيرة من لبوسه واكرمه ثم رجع النعمان من عند كسرى إلى مملكته. وقد زاد به نيلا عنده وخطرا لديه. حديث الوفد من العرب الذين اوفدهم النعمان لالى كسرى، وقد تكلموا به من الكلام الرصين المبين والحلة البالغة. وان النعمان بن المنذر لما قدم إلى الحيرة من زيارة كسرى، بعث رسله في احياء العرب وفرسانهم، واهل النباهة والرياسة منهم، واهل الحكمة والعقل فيهم، فشخصوا اليه، وكانوا: اكثم بن صيفي التميمي، وعطا بن حاجب بن زرارة التميمي، وكان رئيس بني تميم وسيدهم في ذلك العصر، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وكان فارس العرب في الجاهلية والاسلام، وقيس بن هبيرة المكشوح المرادي، وزيد الخيل بن المهلهل الطائي، وحاتم الطائي، واوس بن حارثة برأيه فامرهم وقال لهم لا ارى غير لفتنة ان تعطفوا بقتل النقاتلة وسبي الذرية، وسلموا خفارتكم، ولا يكون ذلك وان تضيعوا في الفلاة قتلكم العطش، وافضيتم إلى بلاد بني تميم فقطعن عايكم واخذوا الاموال وما الرأي الا القتال، فأمروا بينهم، وقالوا: أما ان نسلم خفارتنا فلا يكون ذلك، وان اضعنا في الفلاة افضينا إلى بلاد فيقطعون علينا فيأخذون الاموال وما الرأي الا القتال. وجهزوا خمسمائة من الابطال، وولوا علهم، وولوا عليهم زيد بن جمان اليشكري، وامرهم نا يكمنوا للعجم وسائر اصحاب اياس بن قبيضة وكمنت لهم بمكان يسمى إلى الان الجنا. فزحف الفريقان بعضهم إلى بعض وعلى ميمنة بكر بن وائل بن حنظلة ابن سيار العجلي، وعلى ميسرتهم بشر بن شريك. وصار هانىء بن وسعومد في القلب في ابطال بني شيبان، واشرافهم. وعلى ميمنة اياس قبيضة حتى وقف ربن الصفين. ونادى بالفارسية: مرد ومرد. فقال: وابيكم لبقد انصف، ثم خرج واختلف بنهما ضربتان، فضربه مرثد ضربة بالسيف على منكبه فقد درعه فأبان فخر صريعا.

وكان الهامر مزد اول قتيل قتل من الفريقين فتباشرت بكر بن وائل صبرا صادقا، ودارت الحرب بينهم كأشد ما يكون مليا من النهار، وعطشت العجم عطشا شديدا، وكاعوا عن الحرب لشدة ما اصابهم من العطش. وهو بين الجو وبن ذي قار فلم يجدوا هناك ماء فضضعفوا عن الحرب وحال بينهم الليل، فأتوا بالماء على الابل في الروايا. وباتوا ليلتهم فلما اصبحوا ارسل طىء ونهد واياد والعياد وسائر من كان من العجم من جنود ايلس بن قبيضة من العرب إلى بكر بن وائل رسولا يعلمونهم ان ظفرهم احب اليهم من ظفر العجم، ويخبرونهم انهم يعتزلون الحرب، ولا يكون عليهم ولا لهم ولينهزموا إذا التحمت الحرب بينهم وبين العجم. فلما اصبحوا في اليوم الثاني، وقد وطنت بكر انفسهم بالرجال والنساء والعبيد والاماء على الموت، ولا يرجون الظفر عليهم، ولكن قالوا: نموت كراما، وقد ابلوا عذرا. وكان اكثرهم الرجالة، فعبأوا الخيل، وقد السبعة الالاف درع التي للنعمان..وصفوا الرجالة صفوفا امام الخيل معهم القسي والنبل، ومع المعازيل الترسة، والرماح، وبين رامحين نابل، وقد تواصلوا الا تطارلهم عند المناوشة حتى يحملوا عليهم. ثم زحف الفرقان بعضهم إلى بعض، حتى إذا كانوا بحيث ينالهم نشابهم، واعجلتهم بكر ببن وائل بالملابسة بالقنا ثم بالسيوف، وقصدوا إلى الكتيبة العظمى وهي سود اكانها حرة، فصدقوهم الطعن والضرب حتى اكبوهم على اخرهم، فلم يكن يسمع الا وقع الحديد على الحديد، وصبرت لهم بكر بن وائل في حملتهم تلك حتى انتعلت الخيل بالدماء، وطفقت تعثر بالقنا، وحتى كشفوا رجالتهم، وولى من كان من العرب مع اياس بن قبيضة، فانكسرت العجم لذلك انكسارا شديدا. وقد نفد ما كان معهم من اللماء فاصابهم الحر والعطش وبكر بن وائل لا يبالون بحر ولا عطش، وهو عليه وعاداتهم عليه. ثم خرج زيد بن جمان السكون، ومن كان معه من بكر بن وائل وراء العجم فولوا منهزمين على وجوههم ولا يلوون على شيء، فاتبعهم سرعان بكر بن وائل فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولحق حنظلة بن ثعلبة بن شيبان هرمزد جرايرة وكان على ميسرة العجم وقد جهده العطش فطعنه طعنة خر منها ميتا وشد الحوفزان واسمه الحارث بن شريك عليه فقتله، ورفع هانىء بن مسعود فأراد قتل اياس فمنعه قيس بن مسعود المعروف بذي الحدين، وحال بينه وبن ذلك واتبع العجم خمسمائة فارس من بني شيبان وبني عجل لا يلوون على سلب ولا غيره يومهم ذلك كله يقتلون من ادركوا منهم حال بينهم الليل وانهزمت العجم، حتى لحقوا بكسرى بالمدائن. واستولت بكر بن وائل من مكان من العرب من القحطانية، عند اياس ابن قبيضة على سواد العجم، وغنموا اموالهم، فتهادت النساء المسك في صحاف الذهب والفضة، وكانت على جميع كسرى للعرب دائرة لم يسمعبها. وقالت شعراء العرب في ذلك واكثروا، ففي ذلك يقول الاعشى: فلدي لبني ذهل شيبان ناقتي ... وراكبها يوم اللقاء وقلت هم ضربوا بالحنو حنو قراقر ... مقدمة الهامرز حتى تولت ثم قال الفرزدق في ذلك: اني وان كانت تميم عمارتي ... وان كنت منها في فروع الجماجم لأثني على فتيان بكر بن وائل ... يوافي جمعهم في المواسم اقاموا لكسرى يضربون جموعه ... ونهرا إذا جاءت وجمع الاراقم فلما برحوا حتى تهادت نساؤهم ... ببطحاء ذي قار عباب اللطائم فيوم ذي قار، يوم فضيلة للقحطانية والعدنانية، لا شتراكهم فيه، وهو على العجم شهرته تغني، وقال فيه الطائي: فانتم بذي قار قد امالت سيوفكم ... عروس اللذين استرهنوا قوس حاجب يعني بكر بن وائل. وهذا يوم اليمانية والعدنانية. قال دعل وصفت هذه الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة، فقال لأصحابه ومن حضر منهم: " يوم ذي قار اول يوم انتصفت العرب من العجم وبي نصرا " يقول اسمي حين جعلوا شعارهم يا محمد يا محمد.

يوم شعب جبلة

قال وكانت خرقة بنت النعمان اجمل أهل عصرها جمالا فتنصرت بعد مهلك ابيها، وترهبنت في الدين، الذي كانت لعمتها هند بنت المنذر المترهبنة، الذي خطبها الحارث الغساني الملك، فلم تحبه. وكان الناس بعد ذلك بزمان ودهر يختلفون إلى خ9رقة فينظرون إلى جمالها بعد ان طعنت في السن، وهي مترهبنة في هذا الدين. وهو الذي الان هند وان فروية بن اياس بن قضيبة، اتاها ذات يوم في خلافة عمر بن الخطاب، فألفاها وهي تبكي، قال لها: ما يبكيك وقد عشت زمانا في رغد من العيش فقالت يا ابن اياس ما من دار انتلأت سرورا الا امتلأت بعد ذلك ثبورا وترحا، ثم تمثلت بهذه الابيات شعرا: بينا نسوس الناس والامر امرنا ... إذا نحن صرنا سوقة فنقسم فأف لدينا لا يدوم نعيمها ... واف لمرءلا يزال يهضم يوم شعب جبلة ثم انهم اصطلحوا هم وبنو فرازة على التوادع بعد الدماء التى جرت بينهم فمكثت بنو عبس، وبعد ذلك زمانا، ثم لم تأمن مكر بني قزارة، فخرجوا إلى بني عامر، وكانوا في جوار عمرو بن عبد الله، سيد بني كعب، فلما طال مقامهم في بني عامر، في جوار عمرو بن عبد الله، سيد بني كعب، فلما طال مقامهم في بني عامكر، في جوار عمرو بن عبد الله، سيد بني كعب، اقبل الربيع بن زياد العبسي، على قيس بن زهير العبسي، فقال: ويحك يا قيس إنا لن نامن عامرا ولا يأمنونا فأنطلق بنا إلى الأحوص بن جعفر فليشد لنا هو ايضا عقدا. ونقول له: إنما اردناك، ولكنه كان من الأمر الذي كان ولم نرض به الا ان تجمع لنا أنت ايضا عقد الجوار، فإنك سيد بني عامر والمنظور فانطلقا حتى نزلا على شكل بن ربيعة بن كعب بن الحريش، وسألوه الحلف، وان يتوصل لهم في ذلك إلى الاحوص. فقالوا: امكثوا حتى آتيكم، وانطلق إلى الاحوص بن جعفر، فاخبره بذلك، فوثب عوف بن الاحوص. فقال: يا قوم اطيعوني وانتبهوا بني عنبس فو الله لا يصلح بنو غطفان بعدهم ابدا ليصالحن قومهم يوما، ثم ليعودن معهم عليكم. فقال الاحوص: اعقدوا لهم فعقدوا لهم وارسلوا اليهم. فاقبل قيس بن زهير، والربيع بن زياد حتى أتيا الأحوص بن جعفر، وهو شيخ كبير. فقلا له: انه قد لجئنا اليك من بين الناس، وان كنا قد أخذنا في عقد جوار عمر وففي عقدك التمام والصلاح. فقال الأخوص: مرحبا بكم واهلا وسهلا، نعطيكم دية زهير مائة ناقة، ونمنعكم مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فأعطاهم الأخوص الدية ورضوا بذلك. وجاؤوا حتى نزلوا في جواره. فلما بلغ بني ذبيان، وبني فزارة اجارة الاحوص بني عبس، جمعوا لبني عامر من افناء العرب وسارت معهم بنو حنظلة بن تميم، تطلب بدم زرارة بن عدس التميمي، وكان زرارة، قد اسرته بنو عامر يوم زجزجان؛ فمات في ايديهم، فاجتمع معهم من بني تميم جمع عظيم عليهم حاجب ولقيط إبنا زرارة التميميان في خيل عظيمة، ومعهم ايضا بنو اسد بن خزيمة وطيء وبنو الضأن، فاجتمع منهم جمع عظيم، عليهم إبنا الجون، وهما: حسان بن عمرو بن الجون، وهو معاوية بن حجر، وعاوية بن شرحبيل بن احصر بن الجون الكنديان، في كتيبتين من قومهما من كندة، وكان احدى ابني الجون، قد تزوج امرأة من بني بدر، ودخل فيهم، وكان ملكا عليهم. وقالوا لهما: ان بني عامر غنائم، فسار معاوية بن شرحبيل بن احصر بن الجون بهؤلاء اجمعين، وسار حسان بن عمرو بن الجون ببني تميم، وكان ملكا عليهم، وبني سعد بن زيد مناة بن تميم، وهو في عدد كثير، فلما بلغ بني عامر مسيرهم اجتمعوا إلى الاحوص بن جعفر. فقالوا: ما ترى؟ فقال: ما الرأي، فقد فقدته من نفسي منذ كبرت سني، وانما قلبي بعضه مني، ولكن إذا سمعت الرأي عرفته. ثم التفت إلى قيس بن زهير ما الحيلة؟ ويحك يا قيس. اطيعوني يا بني عامر. قالوا: أئتم بما احببت فأمرنا في يديك

فقال. ارى من الرأي ان تجرزوا اهليكم واثقالكم وذراريكم في رأس جبلة وتكونوا انتم به واعقلوا الابل واجعلوها امامكم وعطوشها حتى يحدها العطش، واكمنوا لهم في اعلى الشعب، حتى إذا صعد عدوكم في الشعب فكونوا في المضيق منه، فحلوا عقال الابل وسرحوها في وجوههم وقعقعوها في اثرها بالشنان، فإنه اروع لها، واركبوا كساها فإنها تطلب الورد، فلا تمر بشيء الا حطمته، وقاتلوهم من فوقهم، وان اقاموا في اصل الشعب تشتت امرهم وتفرقوا، ففعلوا ما أمرهم به قيس. فدخلوا شعب جبلة وهو على طريق مكة، وصنعوا كما أمرهم به قيس، وقيس وعبس كلهم يومئذ مع بني عامر ودعت بنو عامر، بجيلة، وكان بينهم حلف فأجبتهم بجيلة من كل بطن، في خلق كثير، حتى انتهوا اليهم فعمدت بنو عامر إلى بطن بجيلة فجعلت مع كل بطن من بني عامر بطنا من بجيلة. فلما احرزوا حرمهم في الجبلة قام الرجال ينتظرون وابطأ عليهم الخبر فبينما هم كذلك، إذ اقبل راكب يؤم نحوهم، فجعل يسير حتى نزل قريبا من محلتهم، فلما رأوه، قالوا: هذا ضيف قد نزل بكم؛ فبعثوا اليه بعس من لبن ناقته. ثم بعثوا اليه بعس آخر فشرب منه، ثم سقى منه ناقته. قال: ثم عمد إلى ضربين، فجعل في احدهما ترابا، وجعل في الاخر شوكا، والقاهما في مجلس الاخوص بن جعفر، وولى راجعا ولم يتكلم بشئ حتى اتى قومه، وانما غاب عنهم ساعة. فأنطلق القوم من بني عامر بالضربين حتى اتوهما الاحوص بن جعفر: ذلك كرب بن صفوان وبيننا وبينه في المدة ما لا يبلغ كنهها؛ وانما اتاكم عمدا ولم يستطع ان يخبركم بشئ لما قد اخذ عليه من العهود والمواثيق. فهلما هاتان الضربان قالوا: لا قال؛ فأنه يخبركم، قد اتتكم شوكة شديدة، واتاكم من القوم عدد التراب. ثم التفت الاحوص إلى قيس بن زهير. فقال: ما ترى يا قيس، فيما رأيت؟ فقال قيس: كذلك الرأي، وقد اصبت وجه الصواب. قال: وذلك ان القوم لما توجهوا نحو بني عامر، وكانوا من كرب بن صفوان بن سبحية السعدي، من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، على خوف ان ينذرهم، وكانوا قد اخذوه من قبل فأخذوا عليه العهود والمواثيق، الا يتكلم بشئ من امرهم حتى يفرغ من بعضهم عن بعض. فلما سار القوم ساروا قريبا من بني عامر، خرج كرب بن صفوان تحت الليل حتى اتى محلة الاحوص بن جعفر، وبني عامر. وكان من امره ما كان حتى القى اليهم الضربين، وولى راجعا إلى بلاد قومه، قال: ثم اقبلت بنو فزارة وذبيان وبنو تميم وبنو الضأن وكندة وطيء عليهم ابنا الجون الكنديان. وكان في الجبل حصد بن حذيفة بن بدر الفزاري، وقومه من فزارة ولقيط وحاجب ابنا زرارة سيد بني تميم، فلما اشرفت قالت بنو بارق وغير: والله لا نصعد الجبل ابدا وكان سبب حضور بني بارق يوم جبلة ان بني عامر بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد، اجلت بارق عن السراة، وبارق هي سعد وعمرو ابنا عدي بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، فلما اجلت بارق عن السراة دخلت ارض قيس، فحالفت بني نمير، واقامت معهم فشهدت بارق شعب جبلة، وكان لهم في ذلك اليوم احسن البلاء. فلما صعدت بنو عامر وبنو عبس الشعب على ما وصفنا قالت بارق: والله ما نصعد؛ وقالت نمير، مثل ذلك. فكانوا من وراء الشعب، فلما انتهت جنود ذبيان وتميم إلى الشعب تقدموا في الخيل. وكان بنو عامر قد علقوا الابل ان تنزع إلى السهل، فتركوهم، واستعد كل انسان منهم احجارا، وتوشحوا السيوف، وامهلوهم يصعدون، حتى إذا كانوا بين ثنيتي الجبل حلوا سبل الابل من عقلها واحدروها في وجوههم، وقعقعوا في اثرها بالشتان، ورموها بالحجارة والنبل، واتبعوها كساها، وانحطت الابل تريد السهل فغشيت القوم. فلم ترم بشئ الا حطمته، وبنو عامر وبنو عبس ومن معهم في اكساء الابل، وقد اصتلتوا سيوفهم فجعلوا يغيلون القوم كيف شاءوا والابل تحطمهم حتى انحطوا منهزمين إلى قرار الجبل وبنو عامر، ومن معهم في الجبل في آثارهم، يقتلونهم، حتى إذا ساروا إلى قرار الارض خرجت عليهم بارق وبنو نمير على الجبل فوضعوا فيهم السلاح.

فقتلوا منهم بشرا كثيرا، فانهزمت طئ وبنو الضأن وكندة وابناء الجون وفزارة وذبيان وبنو تميم على وجوههم، وجعل لقيط بن زرارة التميمي يقول للناس: ياقوم كروا فلا بأس؛ فيقول الناس: أنت والله شامتنا برأيك. وجعل لقيط يرتجز يومئذ ويقول: سيان هذا والعتاق والنوم ... والمقعد البارد في ظل الدوم يا قوم قد اهلكتوني باللوم ... ولم اقاتل عامر قبل اليوم ةاليوم إذ قتلتهم فلا لوم وقال لقيط ايضا وكان تحته فرس اغر: ان الشوا والنشل والرعف ... والقينة الحسناء والكاس الانف الطاعنين الخيل والخيل جنف ... تعدو بغثيان الوغى وتعترف عدو الظباء في مداهيس الحقف فقال عنترة العبسي للقيط، وكان تحت جرف، ان كنت صادقا فأقحمها الجرف؛ فضرب لقيط فرسه، فأقمحها الجرف، وحمل عليه مالك ابن سلمة بن قشير، وهو ذو الرقيبة، فقتله، واسر بشرا كثيرا من فزارة وبني ذبيان وغيرهم. وانطلق حاجب بن زرارة منهزما واتبعه الزهدمان العبسيان، وهما اخوان من بني عبس، ويزعم بعض الناس انهما من بارق وكانا حليفين لبني عبس. وزعم بعض ان الزهمدين اسم رجل قال: واتبع الزهمدان حاجب بن زرارة فلحقاه فأسراه بعد مراددة طويلة، ولحقهم ذو الرقيبة مالك ابن مالك القشيري، فأشرك الزهدمان في اسار حاجب، ثم ان حاجبا بعد ذلك ضمن للزهمدين مائة ناقة على ان يخلص بها ذو الرقيبة، وضمن هو على نفسه لذي الرقيبة بخمسمائة فداء لنفسه يخلص ذو الرقيبة بحاجب وافتدى منه حاجب. ودفع ذو الرقيبة إلى الزهمدين كائة ناقة، بعد ان كاد ان يقع بين الزهمدين، وذي الرقيبة شره. قال: وكان معقر بن اوس بن جماز البارقي، في يوم شعب جبلة على فرس له فلحق به سنان بن أبي حارثة المري، فأسره، ثم جعله كفيل نفسه فخلى سبيله، وكان سنان حين خلى عنه معقر اعطاه الموزاثيق بالذي جعله على نفسه، وقد كان معقر اراد قتله؛ فقال له قومه: اطلقه، فأنه سيد قومه، وسيدج القوم لا يكذب، ولا سيما مثل سنان. وخاله في قومه وشرفه، فخلاه معقر عنه وكفله بنفسه. فلما انقضى يوم شعب جبلة، بع ث المعقر اليه يطلب نعمته عند سنان بعدما انتظره فجحدها سنان، ولم يبعث اليه بشئ فقال المعقر في ذلك يهجو سنان بن أبي حارثة المري: متى تك في ذبيان منك ضيعة ... ولا يجحدنها الدهر بعد سنان وظل يمينا بحسن ثوابه ... لكم مئة يحدو بها فؤسان مخاض أؤديها وجل لقائح ... واكلرم منوى منكم فراتان فجئناه للنعمى وكان ثوابه ... رعوب ووطيا حاذر مرفان وظل ثلاثا يسأل الحي ما يرى ... يؤامرهم فيناله املان فأن كنت هذا الدهر لا بد منعما ... فلا تبعثن الكشف في غضفان وقال نعقر بن اوس بن جماز البارقي، في يوم شعب جبلة، وما كان من امرهم: من آل شعثاء الجدود البواكر ... مع الصبح قد زمت بهن الاباعر وحلت سليمى بين اثل وهضبة ... فليس عليها بعد ذلك قادر وما برحت بالاون حتى بدا بها ... على الماء من اضرام ذبيان حاضر وخبرها الرواد ان ليس بينهما ... وبين قرى نجد ونجران ضامر فلو كان مدوا قبل الامر للفتى ... كمدبرة الفتية لا يؤامر يهيبك الاسفار من خشية الردى ... وكم قد رأينا من ردى لا يسافر فالقت عصاها واستمرت على النوى ... كما قر عينا بالاياب المسافر وصبحها املاكها بكتيبة ... عليها إذا اضحت من الله ناظر معاوية بن الجون ذبيان حوله ... وحسان في جمع الديار يكاثر وقد جمعا جمعا كأن نبالهم ... جراد سفى في هبوة متطاير ومروا بأطناب البيوت فرلدهم ... فوارس امثال الليوث مساعر يفرج عنا كل ثغر نخافه ... جواد كسرحان الالية ضامر

خبر يوم حضورة (حضوة)

وكان طموح في الحراء كأنها ... إذا اغتمست في الماء فتحاء كاسر لها ناهض في الوكد قد مهدت له ... كما مهدت للبعل حسناء عاقر تخاف نساء يجتلبن حليلها ... محرسة قد اوجعتها الصراير هوى زهدم تحت الغبار لحاجب ... كما انقض افتاد جناحين ماهر هما بطلان يعتران كلاهما ... يريد زياد السيف والسيف نادر ولا فضل الا ان يكون جراءة ... دواء بيدتين والرؤوس حواسر ينوء وكفا ذهدم من ورائه ... وقد علقت ما بينهن الأظافر وباتوا لنا ضيفا وبتنا نعمة ... لنا مسمعات فالدفوف وسامر فلم نفرهم شيئا ولكن فصرهم ... صبوح لدينا مطلع الشمس جازر فباكرهم عند الشروق كتائب ... كأركان سلمى سيرها متواتر من الضاربين الكبش يهصون مقدما ... إذا غص بالريق القليل الحناجر وظن سراة الحي ان لن يقتلوا ... إذا دعيت بالسفح عبس وعامر كأن نعام الدوباض عليهم ... واعينهم تحت الحديد جواجر ربنا مسبك النبض في غمض لجة ... فلم تنج في الناجين منهم مفاخر لم ينج الا ان يكون طمرة ... مثابرة أو ذو طمر مثابر لما اتعبته الخيل لا بان لها ... ومستشرق تحت الغيابات طاحر لودر منهم حاجب بعد شدة ... وبعد اعتراك موثق وهو صاغر سرت حشائش الطير فرسان غالب ... بأيديهم بيض خفاف بواتر سرنا كما عودتنا رماخنا ... لدى معركالجبلين والنقع ثائر .... تميم للذهاب فارقلوا ... عباديد منهم مستقيم وصابر .... ان يلقوا من الشر نكبة ... وكاهل قد ولت وولى العواضر .... تميم فاستمروا واسلموا ... لقيطا وعمرا لم يكن ثم ناصر خبر يوم حضورة) حضوة ( هو من الأيام المذكورة في الجاهلية. وكان بين دوس وبين بني الحارث ان عبد الله بن عامر الغطريف. وكان لهم فيه احسن البلاء. وكان من خبره ان غلامين من آل الحارث الغطريف، اتيا حكما في دوس. كانت دزس تحاكم عليه، وكان شيخا كبيرا فحسد دوسا موضع الحكم، قوم من العرب، وأتى الغلامان إلى الحكم. فقال احدهما يا عم: احكم بيننا، واخرجه من منزله. فقال احدهما: دخلت في رجلي شوكة، فأنزعها، فنكس الشيخ لينزعها وضربه الاخر بسيفه فقتله. فغضب دوس. وقال لبني الحارث: لا بد من سيد منكم نقتله، فدلوا على رجل يغثونا كان سيدا، فخرج من دوس اربعون رجلا على الخيل. ثم انهم استقلوا خيلهم فأزدادوا حتى صاروا تسعة وسبعين فارسا. فقالوا نكون ثمانين فارسا، فأبتغوا لنا فارسا نتم به ثمانين. فمروا برجل من دويس وهو يتغنى: فإن السلم زائدة نواها ... وان نوى المحارب لا يرود وكان له فرس فارة، فقالوا لا يتبعنكم هذا، فأنه جبان. فأتوا حمحة ابن الحارث بن نافع بن سعد بن ثعلبة بن لؤي بن عامر بن غانم بن دهمان بن مهنب بن دوس بن عدنان، وفيه بيت دوس. فقالوا له: ارسل معنا فارسا من ولدك نغزو حي ضماد سيد آل الحارث. فقال لهم حممة: وأنا ان شئتم. ثم ارسل معهم رجلا من ولده. وقال لهم صبحوا القوم ولا تغيروا عليهم في الليل فيقتل بعضكم بعضا، ولكن مغلسين إذا عرف بعضكم وجوه بعض. فساروا حتى أتوا بياتا من بني الحارث، في الليل، فوقفوا حتى إذا اضاء الصبح، افترقوا اربعين اربعين، ثم سدوا من وجهين على الأبيات من بني الحارث اتوا عليهم وهم في حي ضماد، وقتلوا بني الضماد، وذلك بفتونا، وانصرفوا. كان في ذلك حدرب بن الغامدية، وهو جندب بن طريف بن عامر بن عبد الله بن عمش بن معاوية بن رابية بن محارب بن دهمان بن مهنب بن دوس بن عدنان: فكم عصبة من هوة حارثية ... رددنا بمجود من الرأي يطلب رميت بسهم الموت حتى لقيتهم ... وقلت انا ابن الغامدية جندب في شعر طويل:

وكان ضماد بن مسرح غائبا عن اهله، ولم يشاهد وقعة ابن حممة به. فقدم بعد ذلك وقد كان خلف ابا سفيان ابن اخيه، على اهله قال: ان كنت تكفيني، والا اقمت عليهم. فقال ابن اخيه: انا امنعهم عوزهم عن مائة، ففر عنهم ليلة غزاهم بن حممة. وكان مع ابن حممة رجل من دوس، اخته عند ضماد بن مسرح اليشكري بن الحارث، فقصد اليها اخوها الدوسي، فقالت: يا أخي استأخر عني فأني حائض. فقال اخوها: لست بحائض، ولكن في درعات سخل سوء من ابن الحارث. ووضع شبة قوسه في درعها فخرج غلام كانت خبأته، فقتله الدوسي، وكان يقال لأخته نصرة. فقال الدوسي: ألا هل اتى أهل الحصين وقد نأت ... خلافتنا في أهله ام مسرح تركناك لا اهلا نثوب اليهم ... ومالك بالأهجار من متمنح تركناك ان تذكر علامات أرضنا ... ودون اخيال العقاقير تكلح ونصرة تدعو بالفتى ويكرها ... برائبة ينفحن من كل منفح فلما قدم خماد، ورأى ما صنع بأهله وولده، قطع اذني ناقته. ثم صاح ببني الحارث فأجتمعوا فتغازوا سبع سنين لا يتراجعون ويتناقلون الاشعار وقيل في ذلك قول الطفيل، ذي النون بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن عمرو بن فهم بن غانم بن دوس بن عدنان: فلا وإله الناس ارام سلمهم ... وان ريمته مهنب وبنو فهم أسلم على خسف وما كنت خالدا ... وما لي من واق إذا راعني حتم فلا سلم حتى تقرع الخيل بالقنا ... وتصبح طير كانسات على لحم ولما يكن يوم أغر محجل ... تسيره الركبان من دوننا ضخم ثم ان بني الحارث الغطريف، اوقعوا بدوس، بذي الحور، فنالوا فيهم. وتنحت دوس حولا إلى تهامة، فقال ابو هند بن الصبيب الحارثي لعمرو بن حممة الدوسي: أاي عمرو ان الخبث أضحى كانه ... زرابي غصاب فهل أنت مانعه ومثل أبي وهب وان كان حازما ... تركناه في صم العوالي تنازعه هنالك شتى غير حول وجوبها ... يظل بها للبرد جعدا أصابعه يبت بها العود السديد محللا ... يرادعه نضر بن ليلى مسامعه فتلك نوى عمرو فلا يبرحنها ... من الموت أو يدنو لنا فنماصعه فأجابه ابن سعد الدوسي: فإن تمنعونا حيث حول فإنه ... كثير سوافنه كثير نواقعه به ابعد يعتاد غاد ورايح ... وباغي على ولا يزال يطالعه فنحن منعناكم تراث ابيكم فأمست لنا آطامه ومزارعه ونحن حللنا طاهر الحرث منزلا ... فخرج بني درب فحلت موارعه بعز ارومي ومجد موثل ... وجد كريم صارع من يصارعه فلم يزالوا كذلك تسع سنين، ولا يتراجعون، حتى كان يوم حضوره، فأجتمعت بنو الحارث إلى ضماد بن مسرح الحارثي، وسارت دوس عليها عمرو بن حممة الدوسي، حتى التقوا بحضوة إلى ضماد مسرح، حتى وقف على رأس عويرة، وهو جبل، وكان يافعا. ونزل إلى الحارث، وأفنى يشكر، واتتهم دوس، فأمر خالد بن ذي الشامة، هندا، وجندلة وفطيمة، ونصرة قبتن بنتا. وكن صباحا، فجعلن يسقين دوسا، ويحضضنهم على القتال، وكن إذا رجع رجل من دوس فارا لقينه بمحكة وقلن مرحبا بك معنا فأنك من النساء، فيرجع مشحوذا، وقال راجز دوس وقد اصطفوا: قد علمت صفرا خرسا الذيل ... نرجى قرونا مثل اذناب الخيل سرابة المحصن تروك القيل ... ام مروقا دونها كالسيل ودتها خط القتاد بالليل فكان اول ما بدأ من حربهم ان رجلا خرج من دوس، فرمى سهما. وقال: انا ابو زين: فقال ضماد، وهو رأس الجبل، يا قوم رأيتم فأرجعوا. ثم رمى آخر من دوس. وقال خذها وانا ذكر. فقال ضماد: ذهبوا بذكرها. فقالوا حنبت. قال كلا، ثم تزاحفوا فأقتتلوا حتى كثر القتل في كلا الفريقين. ثم انهزمت بنو الحارث الغطريف. وكان الظفر لدوس. ففي ذلك يقول جندب بن الغامدية الدوسي: ومعرور بحضوة قد تركنا ... مقيما كلما ذكر النضاري كانا بالصعيد فجانبيه ... على آثار يشكر لسفح ناري وسال المصطلحات فشعب عبد ... نجيعا مثل ضياء الجواري

فأن تسروا فإنا قد تركنا ... على شقراء منكم غير ساري وقال حرو الموسى الحبشي، يوم حضورة وكان مع دوس: ألم تعرف علامات الرسوم ... ومغنى ربع فاطمة القديم ومبرك حامل ومصام خيل ... لدى الصحراء كالحوض الثليم فإن عذلتك عاذلة فقالت ... أصغت ولم يعنك على الهموم فقلت لها للت ان نفسي ... أراها لا تعوز بالتميم فأنك شهدت لقاء دوس ... ويشكر يوم حضورة لم تلوم وان بجندب كعب وسعد ... بيشكر عند يشكر والصميم إلى دوس وقد جمعت دراحا ... عليها البيض تربق كالصخوم وغودر كل أبيض حارثي ... طويل الساعدين بها عظيم كأن صفائح البصري تنجي ... على افلاق دباء هضيم وهم شطاط حضوة بين صرعي ... ومن نفق على شزن كليم وكانت النمر تدافع الحرب، فلم يشهد معهم بحضوة. فقال المتمطر الحارثي شعرا: اتقتلنا دوس عدنان بينكم ... وفهم كاقام النساء الروامق فليت أبانا لم يلده ابوكم ... وكانت بصري يوم حضوة بارق وقال رواس بن تميم الحارثي الغطريف بن عبد الله بن عامر الغطريف بن بكر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بت تصر بن زهران: أبت فعلات الأزد الا تكرما ... كما سبقت اولادهم بالمكارم وانا لنحن المنعمون واننا ... لجرثومة سادت خيار الجرائم وانا لنعطي الحق منا واننا ... لناخذه من كل اشوس ظالم بضرب يزيل الهام عن مستقره ... وطعن كيايزاع المخاض المعاقم وانا لنحمي راية المجد وسطنا ... ونرسو لديها بالصفيح الصوارم ومكننا في قارع السنن العلا ... لدى غمرات الموت ضرب الجماجم بأحكامنا عقد الامور وحلها ... إذا حميت ايماننا بالقوائم بكل يماني إذا هز هزة ... تزعزع منه بين خذ وقايم كان رؤوس الدارعين لنصله ... درى حنضل احمى به الصيف ناعم وسار لنا في كل باد وحاضر ... وسار لنا في مستقر المواسم نهانا عن الجهل المبين سعينا ... إلى الحمد واستجثاثنا بالمطاعم تطلق ازواج العدو سيوفنا ... جهارا على ما كان من رغم راغم ونجمع يوم البأس حلقة امرنا ... ولا ننثني في الامور العظيام ونقطع اقران الصفوف بضربنا ... ونقدم اقدام الاسود الهواجم وكم هو فينا من رئيس معمم ... رؤوب لصدق الهائل المتفاقم تحل يموننا بأكتاف بيشة ... وترمي شامونا قصور الاعاجم ونعترف الحاجات قبل اعترافها ... ونقطع فيها كل أغبر لماسم نخوض دقيقات الخطى عصف ... ينازعن جند القوم صفر الحزايم السرى ... مدلقة الا لحى دقاق الخراطم يقابلن صدفا من خدود أسيلة ... من الحزن نرمي غولها بالزمارم إذا القوم خاضوا غول كل تنوفة ... على كل كردوس من الليل جاثم رمت بهاواديها ولو مسها الوجى ... حلاسا بسبق الأعوجي الحلاخم ويوم رهان قد ذهبت بسيفه ... من النقع امثال القطا المتداوم خا طوالا إذا اقبلن زعف المناسم بساط إذا ادبرن ترضحن بالحصى ... فعن عن غاياتها باللهازم إذا غابة السبق استوت بحدودها ... من الحرى تأوي في صدور صلازم تناولتها شمسا بايد دقيقة في شعر طويل. وهو القائل جميعا: أممنا بها خير المحلين معشرا ... بني عامر سقيا روعيا لعامر بني يشكر عني فيا صدق مادح ... ويا طيب ممدوح ويانشر ساعر بني محصنات لم تدنس حجورها ... وصوم وابناء الملوك الجبابر

ذكر اولاد مالك بن فهم، واخبارهم ومعرفة قبائلهم

ذكر اولاد مالك بن فهم، واخبارهم ومعرفة قبائلهم ومعرفة اولاد عمرو بن فهم اخي مالك بن فهم جذيمة والزباء فمن ولده الذين بعمان، وهم ببهلا، في زمن ابن عبد الملك بن مروان، واسمه القصابي. وكان وزيرا له، فأبى معرضهما. وكانت العصاء فرس جذيمة لا تلحق، فلما اقبل بالخيل والعدة والسلاح، ونزلوا عن خيولهم، وحيوه، ثم ركبوها واخذوا عن صينته، فأحدقت به الخيل من كل جانب. فقرب قصير العصاء ليركبها، فشغل عنها جذيمة، وحالت الخيل بينه وبين قصير والعصاء. فركبها قصير، وولى هاربا فنجا. وقد احدقت بجذيمة. فأخذ جذيمة إلى قصير قد ركب العصاء موليا وقد حال دونه. وقال: " ما ظل من تجري به العصاء " فذهبت مثلا. واخذ جذيمة فسير به حتى ادخل على الزباء وكانت قد وفرت شعر عانتها حولا. فلما رأته تكشفت له. فإذا هي مصفورة العانة ... فقالت: يا جذيمة اذات عروس ترى؟ قال جذيمة وإلهي ما بنا من عدم المواسي، ولا قلة الأواسي، ولكن شيمة إناسي، فذهبت مثلا. فأمرت به فأجلس على نطع، ودعت بطشت من ذهب فأعد وسقته من الخمر حتى اخذت مأخذها منه فأمرت براهيشه فقطعا، وقدمت الطشت. وقد قيل لها ان قطر من دمه شئ في غير الطشت طلب بدمه. وكانت الملوك لا تقتل بضرب الاعناق الا في قتال، تكرمه للملوك. فلما وضعت يداه في الطشت تقطر من دمه في غير الطشت. فقالت للجزار لا تضيعن دم الملك. فقال جذيمة: دعوا دما ضيعه أهله. فلم يزل دمه يسيل حتى هلك جذيمة. وفي ذلك يقول عدي بن زيد: وقدمت الأديم لراهيشة ... والفا قولها كذبا ومينا وونزف دمه، أي ذهب، فهو نزيف وما اشبهه قد نزف نزوفا وانزف إنزافا. قوله لراهيشة: يعني ناطر عصب يديه، والرواهش عصب اليدين من باطن الذراع. وقوله كذبا ومينا: المين هو الكذب. ولكن إذا اختلف اللفظان حسن معهم التكرير. كما قال الشاعر: وهند اتي من دونها النأي والبعد والنأي والبعد. ومثله كثير. فهلك جذيمة، واستبقت دمه فجعلته في ثوبين في ربعة لها. قال، وأن قصير بن سعد اقبل في مسيرة ذلك. وقد نجا على العصاء، إلى ان نفقت تحته قدم على عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر، وهو ابن اخت جذيمة، الذي كان جذيمة قد استخلفه هلى ملكه بالحيرة. فلما دخل قصير على عمرو بن عدي، وهو بالحيرة. اخبره خاله جذيمة، عند الزبا، وما كان من امره يوم وردت الاخبار على عمرو بقتل خاله جذيمة، فقال له قصير: يا عمرو استعد ولا تترك خالك يمر هدرا. فقال عمرو: وكيف لي بالزبا وهي امنع من عقاب الجو. فأرسلها مثلا. قال قصير: اجدع أنفي واذني، واضرب ظهري بالسياط حتى تؤثر فيه، ودعني واياها. فقال عمرو: وما انا بفاعل، وما أنت بمستحق ان افعل بك ذلك؟ فقال قصير: خل عني ودعني وإياها. قال عمرو: وانت أبصر، فجدع انفه وأثر ظهره بالسياط. وخرج قصير كانه هارب، حتى قدم على الزبا. فقيل لها: ان قصيرا بالباب. فأمرت به. فأدخل عليها. فنظرت اليه فاذا انفه قد جدع. وظهر فيه اثار الضرب. فقال: ما الذي انكر بك؟ قال قصير: لقيت هذا من اجللك. قالت وكيف قصير: عن عمرو زعم اني اشرت على خاله بالخروج اليك حتى فعلت به ما فعلت، ففعل بي ما ترين، واوعدني القتل. فأقبلت هاربا منه اليك. فقبلته وأكرمته وألطفته وأديته، واصابت عند معرفته بامر الملوك. فلما علم انها قد استرسلت اليه ووثقت به. قال لها: إن لي بالعراق مالا وبزا وعطرا وذخائر تقية، فأبعثيني لأحمل اليك من بزوزها وطرائفها وتجراتها وتصيبين في ذلك ارباحا عظيمة. فدفعت اليه مالا. وقدم العراق، فأتى الحيرة متنكرا فدخل على عمرو ليلا، فأخبره بالخبر وقال: جهزني بصنوف البز والامتعة فاعطاه حاجته وزاده مالا على مالها، واشترى له طرفا من اطراف العرق. ورجع بذلك كله إلى الزبا، فعرضه عليها. فأعجبها وما رأت من تلك الارباح وسرت به سورا عظيما. ثن كر مرة اخرى فاضعف لها المال. فلنا كان في المرة الثالثة، وعاد إلى العراق، لقي عمر بن عدي. وقال له: اجمع لي ثقات اصحابك وجندك، وهيء لهم الغرائر من المسموح، وهي الجواليق وادخل في كل جواليق رجلا بسلاحه، واحمل كل رجلين على بعير في غرارتين، واجعل مقعد رؤوس الغرائر وصاحوا باهل المدينة، فمن قاتلهم قتلوه. وان اقبلت الزبا تريد النفق جللتها بالسيف.

وذلك ان الزبا لما قتلت جذيمة، وفعلت به ما فعلت، سألت كاهنة امرها. فقالت: ارى هلاكك بسبب غلام مهين غير امين. وهو عمرو بن عدي، ولن تموتي الا بيديه. فحذرت واتخذت له نفقا من قصرها في مجلسها الذي كانت تجلس فيه إلى حصن لها داخل في مدينتها. وقالت: ان فاجاني عمرو دخلت النفق إلى الحصن. وكانت قد صور لها عمرو قائما وقاعدا وراكبا وراجلا. قال فلما سمع ذلك عمرو من كلام قصير، وما اشار عليه فعل ما امره به. وحمل الرجال في الغرائر على ما وثف له قصير. واقبل قصير يسير الليل ويكمن النهار حتى قربوا من مدينة الزبا. وكان قد ابطأ عليها مجيئه فكانت كل غداة تصعد سطحا لها مشرفا في الهوى، تترءاى له، إلى ان يظهر الوقت ثم تنزل منه إلى اسفل. فلما كان تلك الغداة التي يصبحها فيها قصير اشرفت على سطحها تنظر كما كانت تفعل من قبل، فأبصرت الابل مقبلة ومعها قصير، قد تقدمها، فنظرت إلى الابل تكاد تسوخ قوائمها في الارض من ثقل احمالها. فقالت: ما للجمال مشيها رويدا ... اجند لا يحملن ام حديدا أم صرفانا مصمدا عتيدا ... ام رجالا لا جثما قعودا فلما دخلت الابل المدينة، وعلى الباب بوابون من النبط، وفيهم واحد معه متحسة فطعن بها الجواليق التي تليه، فأصابت خاصرة الرجل الذي فيها، فضرط، فقال البواب: الشر الشر. فلما توسطت الابل المدينة وانتخت. تقدم قصير فدل عمروا على باب النفق، واوقفه عليه، وقد حلت الرجال الجواليق وخرجوا منها فصاحوا باهل المدينة، ووضعوا السلاح، وعمرو قد وقف على باب النفق مصلتا سيفه. واقبلت الزباء مبادرة تريد النفق، فأبصرت عمرا على باب النفق، فعرفته بالصفة، فمصت سم خاتمها، وكان مسموما. وقالت: بيدي لابيدك يا عمرو. وجللها عمرو السيف فقتلها، واصاب من أهل المدينة، واستباح بلدها، وانكفأ راجعا إلى العراق. وبقي الملك في آل لخم بعد جذيمة، وسميت الزبا. لانها كانت شعرة البدن. والأزب الكثير الشعر، وبه سميت. ويقولون حرب أزب، يريدون النقا والقنا، جعلوه كالشعر على البدن. ويقال ان جذيمة ورث ملك بني اخته، واولهم وارثا له عنه عمرو بن عدي بن مرة بن ربيعة بن نصر بن عمرو بن الحارث بن غنم بن نمارة بن لخم ابن عدي بن الحارث بن ادد بن زيد بن الهميسغ بن عمرو بن عريب بن ادد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وعمرو بن عدي هذا ابن اخت جديمة، هو جد النعمان بن المنذر بن ماء السماء اللخمي. قال الشرقي بن القطامي، ومحمد بن السائب الكلبيان الراويان، والهيثم بن عدي الطائي، ان جذيمة لعظم شأنه وشرف مكانه، اقتدى به الزنج والهند في ايثار بني الاخت بالميراث على العصبة. وذلك ان جذيمة ورث ملكه وجعله في بني اخته دون والده، وولد اخوته، ايثار لهم. قال ابن قتيبة كان السبب في ذلك، ان جذيمة كانت له أخت، وكان يقال لها رقاش، وهي ام عمرو بن عدي، وكان احصن إلى جذيمة من اصحابه وقواده، واقربهم منه فتى من سادات بني لخم، يقال له عدي بن ربيعة بن نصر اخته الرقاش، وهو سكران وأجازه اليها. فلما صحا من سكره ندم على ذلك. وامر بعدي بن ربيعة بن نصر، فضرب عنقه وحملت اخته لعمرو بن عدي، فأحبه جذيمة وعطف عليه وانجده كأقرب ولده اليه. من اجل ذلك استخلفه على ملكه وورثه اياه، وكان من بعده عمرو اريبا عاقلا فملك بعد خاله جذيمة، واستقام له الملك وعظمته الملوك وهابته الملوك. لما كان من حيلته في الطلب بثأر خاله جذيمة حتى ادركه، وكان ملكه نيفا وستين سنة. ثم بقيت المملكة في هذا البيت من لخم سبعمائة سنة. حتى كان آخر ملوكها النعمان بن المنذر بن ماء السماء اللخمي، وهو النعمان المنذر الاكبر. ابن النعمان بن ماء السماء بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر بن عمرو بن الحارث بن غنم بن نمارة بن لخم.

1 - وقعة الروضة من تنوف

وكان بين هذا البيت من لخم وبين ملوك آل جفنة من غسان حروب كثيرة في أيام مشهورة ووقائع مذكورة منها يوم حليمة، وهو اشهر يوم من ايام العرب. ولذلك قال: ما يوم حليمة بشر. فذهبت مثلا. وفي ذلك قتل المنذر الاكبر بن النعمان الملقب بماء السماء. وهو الملك يومئذ على العراق، وعلى أهل الشام من آل جفنة الحارث الاعرج بن جبلة بن الحارث الاكبر الغساني وقتل أبناء الحارث يومئذ غدرا ومكرا، ولهم خبر طويل يأتي في موضعه ان شاء الله. 1 - وقعة الروضة من تنوف وكان من حديث وقعة الروضة من تنوف لما ولي راشد بن النظر الفحجي، وتقدم على امامة الصلت بن مالك، وهو يومئذ امام لم يغير ولم يبدل عاد جماعة من اليحمد على راشد بن النظر، وارادوا عزله. وكان من وجههم الفهم بن وارث الكلبي، ومصعب وأبو خالد أبناء سليمان الكليبان، وخالد بن شعوة الخروصي، وسليمان بن اليماني، وشاذان بن الصلت، ومحمد بن مرجعة، وغيرهم، من وجوه اليحمد، فأجتمعوا بالرستاق، وكاتبوا مسلما وأحمد بن عيسى بن سلمة العوتبيين وسألوهما ان يبايعا لهما في الباطنة من العتيك من بني عمران، وما كان على رأيهم من ولد مالك بن فهم. فكاتبا نصر بن المنهال العتكي الهجاري، من ولد عمران. واستجاشا سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي من ولد مالك بن فهم، وسألوه المعونة لهم. وكان سليمان شيخا مطاعا في قومه بالباطنة. وكان نصر بن المنهال رئيسا تقدمه العتيك في الباطنة وتطيعه. فأستحضر اليهما وبايعهما على نصرة شاذان بن الصلت، ومن اليحمد على عزل راشد بن النظر، فأجابهما إلى ذلك وانجز لهما ما استدعياه منهما من معونة. وخرج نصر بن المنهال، فبايع العتيك في الباطنة. وخرج معه سليمان ابن عبد الملك بن بلال السليمي، فبايع من بالباطنة من قومه من سليمة، وفراهيد وغيرهم من سائر ولد مالك بن فهم. وساروا جميعا إلى شاذان بن الصلت والفهم بن وارث، ووجوه اليحمد بالرستاق فأكدوا البيعة لهم وخرجوا جميعا إلى نزوى. فأخذوا طريق الجبل يريدون عزل راشد بن النظر. وكان الخبر قد اصتل به. فلما صاروا بالروضة من تنوف من حدود الجوف وجه اليهم راشد بن النظر السرايا والجيوش، خيلا ورجالا، وكان من قواده على السرايا يومئذ عبد الله بن سعيد بن مالك الفحجي، والحواري ابن عبد الله الحداني، واهل سلوت، والحواري بن محمد الداهني، فكبسهم ليلا، وهم نزول بالروضة من تنوف وهم لا يشعرون. فوقعت بينهم وقعة شديدة، وقتل مقتلة عظيمة، ورجال كثير من أهل الروع والعفاف. ووقعت الهزيمة على اليحمد والعتيك وبني مالك بن فهم ومن معهم. فأما اليحمد فإنهم كانوا عارفين بالموضع فتعلقوا برؤوس الجبال، بعد ان قتل منهم جماعة وأسر منهم من نحن نذكره ونسميه. وأما العتيك وبنو مالك بن فهم، فصبروا في المعركة حتى قتل نصر بن المنهال العتكي، وولداه، المنهال وغسان، أبناء نصر بن المنهال، واخوه صالح بن المنهال العتكي، وقتل من بني مالك بن فهم، حاضر بن عبد الملك بن بلال السليمي، وابن اخيه المختار بن سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي، في نفر من قومه. وقتل من فراهيد: خداس بن محمد الفرهودي، واخوه جابر بن محمد، في جماعة من قومه، واسروا من اليحمد، الفهم بن وارث الكلبي، وخالد بن شعوة الخروصي، وغيرهم، فحبسهم راشد بن النظر سنة أو اكثر ثم سأل في بالهم موسى بن موسى وجماعة من وجوه أهل عمان ونزوى عمان، فأطلقهم. ووقعت الفتنة بين أهل عمان بسبب الوقعة. ثم انهم انكروا على راشد بن النظر وضللوه لتقدمه على امامة الصلت بن مالك، وهو يومئذ إمام لم يغير ولم يبدل ولم تلحقه قالة. وكل ذلك والصلت حي لا يمت وهو معتزل في بيته، وإنما مات بعد هذه الوقعة بزمن. وفي هذه الوقعة يقول أبي بكر محمد بن حسين بن دريد الازدي، يعير قبائل قومه من ولد مالك بن فهم ويحرضهم على أخذ الثأر بمن قتل منهم في الروضة من تنوف. وانشأ يقول: نبأ نابه وخطب جليل ... بل رازيا لهن عبء ثقيل بل عرام مباده بل ... دهارس وقعهن وبيل ان للبقاع من تنوف محلا ... ليس للمكرمات عنده حويل حال فيه الردى يحيل قدحا ... ارحزت حصلها وفات الخليل

لم تدع للعلا اكف المنايا ... من به يعتلي ولا يستطيل يا بني مالك بن فهم قتيلا ... لا يباريه في الأنام قتيل أي عز قدموه لرمح ... منكم لم يصد وهو دليل أي طرف سما اليكم سكيد ... لم تردوه وهو عنكم كليل أي جد كافحتموه بجد ... منكم لم يدعه وهو قليل كنتم والكثير فيكم قليل ... وللعظيم الخطير فيكم ظئيل كنتم الهامة التي لو زالت ... وجه الدهر لم تقل لا ازول كنتم أهل سطوة ان تصدت ... مال وجه الحمام حين تميل اقليل عزيزكم فتقولوا ... اننا في الوغى نفير قليل ام ضعاف عن ثأركم فتلذوا ... مشرب الذل والضعيف ذليل ام نساء يبغى لهن بعول ... ام ستر المحصنات البعول ام عبيد لراشد ولموسى ... أي هذا الانصاف أنتم فقولوا ليس يسعى لها امرؤ وسدته ... معصميها الوهنانة العطبول لا ولا المحسن الظنون بريب ... الدهر يمشي المقيد المعقول ام سلكتم إلى المصادر سبيلا ... وضحت لي إلى المقال سبيل أوتابا ثم شكلت عن الجرا ... وهل يبلغ المدى المشكول اين عز نارها هناة فروع ... العز بل اين كهفه المأمول اين وهم إذا استحمسن البا ... س ليوث تنجاب عنها الغيول اين عن دعوى سليمة أطواد ... المعالي إلى فتيانها والكهول وبنو جهضم هو جبل العز ... الذي عن فرعه المستطيل والجراميز حصننا الركن ... ومن في الوغى اليه نؤول والعفاة الذين يستدفع البأس ... بهم وهو مقمطر مهليل وحمام حماتها حين لا تعطف ... الا المضمر الخنشليل وفراهيد الذين على الروضة ... من خيلهم دماء تسيل وحماة الزمان من آل دهنان ... إذا البرز البري والحجول وعمادي من آل سيد إذا ما ... شمرت الحرب والمنايا تزول وسليما الباسلون إذ ما ... ذوا العدة والنجدة والبسول وشريك فتياننا حين لا ... ينفع الا المهند المسلول والمداريك الدخول بنو قشمل ... ان خفت ان يفوت الدخول وبنو العم من حديد خصوصا ... وعمادي في كل خطب ثقيل وبنو ظالم يدي ولساني ... وحسامي المهند المصقول يا بني فاهم بن فهم قتيلا ... بدهارس عن هن الليول ان بالروضتين هاما تراقا ... لم يقل من ثوى بهن قتيل اتضيع الدماء يا قوم فرعا ... لا بواء ولا دم محمول ولطودي والسيف منكم ... عدد كابر وعن بجيل لبني سامة السمو على الخسف ... بما نالكم من الذل نيلوا لا شمأزت قلوبها ولا ضخى ... يا بني الاهل ربعها المأهول افترضون ان تساموا الذي ... ساماه عن سوم مثلها تستقيل يا ابن حمحام للعلى شمر الذيل ... فلا جبن ان تجر الذيول وصبوح مباكر وغبوق ... وشواء ودرمك ونشيل ليس شان المدثرين بعاد ... وغنى مزهر وشمول انما ثوبه إذا اعتكر الظلام ... الا ثوب الدجنة المسدول ومهاداه نمرق فوق كفل ... عرشه عنهم النجاد مثول ونديماه دائر الحد عضب ... وامين الغصوص نهد ذليل واكبلاه نهدة ام اجر ... والطريد العشلق الهذول ذلك الثأر لا الذي وهلته ... نومة الصبح فهو زحف مذيل

يا سليمان جرد العزم قدما ... تدرك الوتر منجدا وهو نول يا فراهيد اين نجم المساعي ... انتم العدة الحماة النصول يا سليم بن مالك المتني ... قد هدنا السيد العميد القتيل قد اوصى حلف له يمينا ... ليس منهما المقسم تحليل اتقاضت عنه المنون لأضحى ... يهتدى بالرعيل عنه الرعيل ما تضيع الدماء ما طالبتها ... فيهم شهمة وصبر جميل أي يوم لباس موسى ... ذاك يوم لو يعلمون طويل يوم لا ينفع اتصال بقربى ... يوم لا العذر عنده مقبول فلحى الله مانع الروع منا ... حيث يستصحب الضليل الضليل وقال ايضا يرثي جماعة من قتل بتنوف من قومه وغيرهم من العتيك واليحمد: انما فاوت قداح المنايا ... يوم حازتخضلها بتنوفا يوم قالت للردى استقض حقي ... يوم يصطفي آه الشريفا وصن التالد مجدا وعزا ... ان عرا ان يصون الطريفا واخذ افضل من الف الف ... فخذ الواحد واسف الالوفا انما نهضت هضاب المعالي ... واكتست اقمارهن الكسوفا يوم يبقى الدهر ارواح قومي ... تحت ظل الخافقات الحتوفا عجبا عن حرة الموت إذا لم ... ينقمع عنهم مروعا مخوفا وبهم كأن يريش ويبري ... وبهم كان يخيل الصفوفا فقدهم هد من المجد ركنا ... كان عمر الله صعبا منيفا فقدهم غادر واما روضته ... هضاب الجود افعيفا فقدهم غادر ما سهلته ... نفحات العرف حزنا صليفا فقدهم غادر من بعد لين ... حفظ عيش الناس فظا عنيفا ان بالروضة عضوا وحرته ... قطعت فيه السيوف السيوفا طفقت تجدع رجالا ... الازد جهلا بالاكف الأنوفا حكم الموت فضم اليه ... سادة المحض واللعاء اللفيفا يا له من مستنكف حمام ... واجهت فيه الصفوف الصفوفا سدل النقع عليهم سجوفا ... هتكت فيه الروايا السجوفا فترى الارواح تجتث شوقا ... وترى فيه المنايا وقوفا صار من صوب الدماء ربيعا ... صار مركي الضراب مصيفا ما انجلى حتى اكتست من دجاه ... بهجة الارض ظلما كثيفا ترك الدهر وشاع المعالي ... بعد شيخ الازد نصر قطوفا يا سويد بن سرات ترقب ... ضربة تجتث الصليفا قد جنت كفاك للنجح يوما ... تترك الصاحي منها نزيفا وابن منهال سعيد استسقى ... بظباه البيض سماه مدوفا مثل ما امتدت يداه حلاسا ... لفتى الشيخين نصلا نحيفا ان يك اسلاف قومي تولوا ... فلقد انفوا اناسا خلوفا سنجازي السفح الوتر بالسفح ... حتى يدع الصيف لديهم صنوفا عكف الدمع على كل عين ... رأت الطير عليهم عكوفا لهف ما أما عليهم لحرب ... يتخذى بالزحوف الزحوفا عجبا للارض كيف طوتهم ... في الثرى الغامض طيا لطيفا وهم الهضب الشوامخ عزا ... وهم الابحر سيبا وريفا ابلغا فهما وان حسمته ... حلفات النكل مسيا رسيقا رأته الباب المبر الاعادي ... بلده ضغما وطورا مريفا وهو قطب الازد انى استدارت ... شاء ان يعدل أو ان يحيفا يا ابا راشد اعلم ان اللبيب ... لا يقدم حتى يطيفا وكذلك الصقر أما تعالى ... فهو لا يتخط حتى يحيقا فوق السهم ولا ترم حتى ... تعرف البرع لكي لا يصيفا

2 - وقعة القاع

ان يكن يوما تصدى بنحس ... فلعل السعد يأتي رديفا أو يكن ينفك لدغ الزمان ... فعسى هو ان يزف زفيفها لا تهللن قرب ريح ... قد قفا منها النسيف الهيوفا ليس برا يوم الروضة جميعا ... ان للايام كرا عطوفا جرد العزم وشمر ليوم ... يترك العار الثقيل الخفيفا اقعود لقلوب تلظى ... فانبذ المغفر والبس نصيفا ليس يمحو الاشمار بكذب ... الضال إذ تدعو اليه الغريفا فهذه وقعة الروضة من تنوف ولأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الازدي فيها قصائد عدة يرثي فيها من قتل بها، ويحرض قومه من الازد على القيام بأمرهم بأخذ الثأر إلى ان جمعت اليحمد، وبنو مالك، والعتيك. وسارت إلى دار الامامة بنزوى، فاسروا راشد بن النظر، بعد ان هزموا اعوانه، وفضوا عساكره، وعزلوه من الامامة، ووقع اختيار الجميع على عزان بن تميم الخروصي، فبايعوا له ذلك في يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر صفر، من سنة سبع وسبعين ومائتين. وذلك بعد موت الصلت بن مالك، رحمه الله. فكانت ولاية راشد بن النظر اربع سنين وثمانية وخمسين يوما. 2 - وقعة القاع ولم يزل سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي بعمان في ايام تلك الفتنة بها ومقاساة حربها، إلى ان شهدوا وقعة القاع بالخيام من ظهر عوتب عند الاهيف بن حمحام الهنائي، في جماعة ولد مالك بن فهم، وفيهم الصلت ابن نصر بن المتهال العتكي الهجاري، على العتيك، وشاذان بن الصلت على اليخمد، وامر الجيش كله مناط بالاهيف بن حمحام الهنائي في جميع قومه من بني هناة، وسائر ولد مالك بن فهم من الباطنة. والامام يومئذ عزان بن تميم الخروصي. ةانما ندب الاهيف بن حمحام الهنائي، في هؤلاء القبائل والجيوش إلى صحار، لحرب الحواري بن عبد الله الحواري بن عبد الله الحداني السلوتي، والفضل بن الحواري السامي، ومن معهما من جموع النزارية، وغيرهم، حين اخذ الفساد على الامام عزان بن تميم، وذلك حين قتل موسى بن موسى بازكى، ومن معه من قومه، فأستوحش الناس لذلك، وخاصة النزارية، ومن كان مواليا لهم من اليمانية. فخرج من اجل ذلكالفضل بن الحواري السامي، إلى ناحية السر، وخرج زياد بن مروان السامي ايضا إلى السر، وخرج ابو هدانة من الباطنة ولحق بالفضل بن الحواري بن عبد الله الحداني السلوتي، بجبال الحدان، وجمع بها ناسا كثيرا. ثم خرج إلى الفضل بن الحواري، إلى توام، واستعان ببني عوف بن عامر، فأجابه منهم ناس كثير. وكان معه ناس كثير من السر وبني سامة. وكان اجتماعهم بتوام. ثم خرج الفضل بمنن معه حتى ساروا بينقل من جبال الحدان، فبايعوا الحواري بن عبد الله الحداني السلوتي، وعزموا على محاربة عزان بن تميم. فخرجوا بمن معهم يريدون صحار حتى دخلوها، فملكوها على الامام عزان بن تميم. فبلغ الامام عزان بن تميم الخبر، وانهم قد ملكوا عليه صحار، ندب اليهم الاهيف بن حمحام الهنائي، رئيس القوم بني هناة، بمن معه من القواد الذين ذكرناهم لحربهم. وبلغ الحواري، وقد امموا عليهم الحواري بن عبد الله السلوتي وخطب له على المنبر بصحار. فلما بلغ عزان بن تميم من خبر حرب الحواري بن عبد الله السلوتي والفضل بن الحواري. عسكر عزان بن تميم اليهم في صحار. فلما كانوا بالقرب منها خرجا بمن معهما من العساكر وكان عسكرا ضخما. فالتقوا بالخيام من ظهر عوتب، بموضع يسمى القاع. وقد حكي انها كانت بالخيام، فيجوز ان يكون بأحد الموضعين لأنه كان بالموضعين وقعتان عظيمتان. فاقتتلوا قتالا شديدا، وحملت اليحمد والعتيك في الميمنة والقلب، وحملت بنو هناة، وسائر ولد مالك بن فهم على الميسرة، فما كان يسمع الا طنين السيوف على صفائح الدرق والبيض والحلق. وارتفع بين الكتيبتين غبار عظيم حتى ستر الشمس، وانجلى القتام على قتلى كثيرة.

وابلى يومئذ بن عبد الملك بن بلال، بلاء حسنا فيمن معه من أهل بيته وحمل فشد على الريان بن محجن السامي. وكان من فرسان بتي سليمة. فطعنه في لبته فألقي عن فرسه ميتا. وانهزمت النزارية هزيمة لم ير اقبح منها. واسر منهم خلق كثير، وقتل منهم في المعركة ستمائة رجل. وقتل من اليمانية من اصحابهم خمسة وثمانون رجلا. وقتل الفضل بن الحواري، والحواري بن عبد الله، وورد بن أبي الدوانيق، ويحيى بن عبد الرخمن السامي، ومحمد بن الحسن السامي، صاحب الراية الكبيرة، وكان فاري الكتيبة، وناس كثير من بني سامة من وجوههم، وصعصعة العوفي، وموسى بن عبد الله الواشحي، في خلق كثير من بني عمه وسعيد بن المنهال الفجحي، فهؤلاء الوجوه فأما غيرهم فلا يأتي عليهم العدد كثرة ولا يعلم اسماؤهم. والذي قتل من اليمانية منن اصحاب عزان: محمد بن يزيد اليحمدي من أهل تنعم، ورجل من العتيك، يقال له منبه بن مخلد، وجماعة من الاخرين. وولى اصحاب الحواري بن عبد الله، والفضل بن الحواري، الادبار منهزمين بعد ان قتل منهم من ذكرنا، واسر منهم فيمن اسر ابو هدنة، فمات بصحار في ايديهم، بعد ان ضربوه، وكان مريضا فمات. وبلغنا ان الفضل بن الحواري لما تراءى بعسكر اليمانية، من اصحاب عزان قال: يا لهفي على الدنيا، ما تزودت منها، ولقد جاشت نفسي وكان اول قتيل من الوجوه في المعركة. وافلت محمد بن القاسم، فطارعلى بعير حتى حصل على بتوام، ثم لحقه بشر بن المنذر، والي توام وخرجا إلى البحرين إلى محمد بن بور، حتى كان من امره ما كان. فهذه وقعة القاع من ظهر عوتب بالخيام، وهي من الوقائع المذكورة المشهورة المذكورة بعمان. وكانت هذه الوقعة يوم الاثنين السادس والعشرين من شوال، سنة ثمان وسبعين ومائتين. وفي هذا اليوم يقول أحمد بن جميل، احد بني حديد من بني مالك بن فهم: يا لك بالقاع من صباح ... قيام خيام إلى القراح انعلت الخيل هام عوف ... من بيت طاها إلى وقاح وخضنا من منبه دماء ... كزاخر اليم ذي الطماح خيل بن نصر فتى المعالي ... والقوم من مالك الصباح واليحمد المانعي حماها ... ومدركي الوتر بالصفاح لما اتانا بأن عوفا ... يدعوها بجهل إلى الاطاح سرنا اليهم بمقربات ... في ظل غاب من الرماح يقدمنا الاسد من هناة ... في جحفل شاهر السلاح فكم كعاب هناك تدعو ... بالويل أباها رداح في شعر طويل، ذكرنا منه موضع الحجة. فلما كان من امر هذه الوقعة ما كان، وانهزمت جموع النزارية، وكان الظفر للأهيف بن حمام الهنائي. وجماعة من قواده من اصحاب الامام عزان بن تميم. خرج محمد بن القاسم، وبشير بن المنذر إلى البحرين، وبها محمد بن بور، فشكوا اليه وسألاه الخروج معهما إلى عمان، واطمعاه في امور جليلة. فأجابهما إلى ذلك، فأقام عنده بشير بن المنذر بالبحرين. ومضى محمد بن القاسم إلى الخليفة ببغداد، وكان المعتضد بالله. فأستخرج عهد محمد بن بور على عمان، وهو يومئذ بالبحرين، فرجع إلى البحرين، وقدم عليه ومعه عهده على عمان، واخذ في جمع العساكر من سائر القبائل، وخاصة نزار. وحصل عندهم ايضا من بني طئ من الشام خلق كثير. وتهيأ محمد بن بور، للخروج إلى عمان. فخرج اليها فيما بلغنا في خمسة وعشرين الفا. وكان معه من الفرسان ثلاثة الاف وخمسمائة فارس بالدروع والجواشن، وغير ذلك من العدد والامتعة. واتصل الخبر باهل عمان. فأضطربت عمان من كل جانب. ووقع الخلف والعصبة بين اهلها. فكانت النزارية، ومن كان على رأيهم في حزب، واليمانة في حزب. وتخاذل الناس عن الامام عزان بن تميم. وتنقضت الامور عليه. فخاف أهل صحار وما حولها من الباطنة. فخرجوا بأموالهم وذراريهم وعيالاتهم إلى سيراف والبصرة وهرمز، وغير ذلك من البلدان.

اهل عمان يعبرون البحر لقتال الفرس

وفي تلك السنة خرج سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي بولده وجماعة عياله وحرمه ومن خف معه من قومه. فركبوا البحر في بعض السفن حتى قدموا إلى هرمز، فتحصل بها وأقام هناك، إلى ان اتخذ بها دارا ومالا، وذلك بعد ان بلغه مجئ محمد بن بور إلى عمان بالعساكر وقتله لأهلها وما جرى فيها من المحن. ومن احل ذلك اقام بهرمز، واتخذها وطنا إلى ان مات. ثم اقام بها المهدي بن سليمان، وكان اميرا بهرمز وعاملا عليها من جهة السبكري، صاخب مرو. ولم يزل بها اميرا إلى ان مات. فبقيت ولده بها إلى اليوم. ومنهم قد نقل بعد ذلك إلى عمان. منهم: بنو مسيار بن علي المهدي بن سليمان بن عبد الملك بن بلال. كان منهم بختيار بن مسيار بن علي بعمان، وله بها اولاد وذرية منهم: علي والمهدي ابنا بختيار بن مسيار بن علي ابن المهدي بن عبد الملك بن سليمان بن بلال. اهل عمان يعبرون البحر لقتال الفرس ) عثمان بن أبي العاص ( يزيد بن جعفر الجهضمي ) من مالك بن فهم ( ومن بني مالك بن فهم ايضا ثم من بني جهضم: يزيد بن جعفر الجهضمي. كان رأس بني مالك يوم قتل شهرك، قائد يزدجرد بن كسرى، وكان سبب ذلك إن عمر بن الخطاب، استعمل على عمان، عثمان ابن أبي العاص الثقفي، سنة خمس عشرة. فسار إلى عمان، فكان فيها، حتى كتب اليه عمر بعد وقعة جلولاء، حتى يقطع البحر إلى ابن كسرىبفارس. فلما اتاه كتاب عمر ويأمره بذلك. قال: ابغوا لي رجلا اشاوره. قالوا: ابا صفرة. فدعاه. فقال: ما اسمك؟ قال: ظالم بن سراق. قال: اسمان من اسماء الجاهلية. فكره الاسمين فلم يشاوره. وندب عثمان الناس، فانتدب اليه ثلاثة آلاف، ويقال الفان وستمائة من: الازد، وراسب، وناجية، وعبد القيس، واكثرهم من الازد. كان رأس شنوة: صبرة بن سليمان الحداني، ورأس بني مالك بن فهم: يزيد بن جعفر الجهضمي، ورأس عمران: أبو صفرة ومعه جماعة من ولده، والمغيرة وجثعم. فعبر بهم عثمان بن أبي العاص من جرفار إلى جزيرة كاوان. وفيها قائد العجم. فسالم عثمان ولم يقاتله. فكتب يزدجرد إلى عظيم كرمان إن اقطع إلى جزيرة بني كاوان، فخل بين العرب الذين بها وبين اخوانهم. فقطع في ثلاثة آلاف أو اربعة من هرمز إلى رأس القسم. فلقيه عثمان بن أبي العاص في جزيرة القسم، واسمها جاش. فاعربوها، واقتتلوا قتالا شديدا، فقتل الله شهرك، وهزم المشركون، وكان قائدهم شهرك. قال، وحدثنا ابن عائشة عن عبد الله بن الكوفي. قال: سألت ابا شيبان عمن قطع بالأزد من عمان. فقال إن شئت اخبرتك بالحق في امرهم، قال: كان رأس شنوة صبرة بن سليمان الحداني، ورأس عمران أبو صفرة، ظالم بن سراق، ورأس مالك بن يزيد بن جعفر الجهضمي، فعبروا من جرفار، فلما بلغ يزدجرد قطوع اهل عمان إلى شاطيْ فارس، وجه اليهم شهرك في اربعين الفا من الاساورة، وقد انتخبهم وقواهم، فالتقوا بشهرك، فاقتتلوا قتالا شديدا، وقتل شهرك، وانهزم المشركون، وكانت العرب تدعو شهرك ابن الحميرا، وكان الذي قتل شهرك جابر بن حديد اليحمدي، ويقال اشترك في قتل شهرك جماعة أبي صفرة، وناب بن ذي الحرة الحميري، وكان ناب فيما يزعمون انه هو الذي طعن شهرك فارداه. وفي ذلك يقول بعض الشعراء: ناب بن ذي الحرة اردى شهركا ... والخيل تجتاب العجاج الارمكا فلما ظفر اهل عمان بشهرك، وساروا حتى قدموا إلى ارض اهل العراق فنزلوا بوح. وذلك بعد افتتاح الكوفة والمدائن بيسير. يزعمون إن اهل البصرة كانوا قد حسدوهم منزلتهم. وكان قدومهم البصرة، حين امر عمر ابن الخطاب إن تبصر البصرة. وذلك إن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص إن العرب لا تصلح الا بأرض تصلح بها الابل. فأتاه ابن نفيلة القبادي. فقال: ادلك على بقعة ارتفعت على البقية، وسفلت عن الفلاة. فدله على الكوفة. وامر عمر إن يضرب بعد ذلك بموضع البصرة خططا لمن هناك من العرب، ويجعل كل قبيلة في محلة، وامرهم إن يبنوا لانفسهم المنازل. وكان اول من قدم البصرة من اهل عمان، ثمانية عشر رجلا. وفد كعب بن سور من بني لقيط بن الحارث بن فهم، إلى عمر بن الخطاب، من بوح، فاستقضاه على البصرة.

1 - عمرو بن براق يثأر من تأبط شرا

ثم إن جماعة الازد الذين قدموا من عمان، مع أبي جعفر ظالم بن سراق ابن شريح بن أبي العاص، كانوا جند عثمان أبي العاص، لما كان ايام خلافة عثمان، واستعمل على البصرة عبد الله بن عامر، ضمهم اليه بالبصرة، اعنى جماعة الازد الذين من عمان، فقدم بهم من بوح إلى البصرة. 1 - عمرو بن براق يثأر من تأبط شرا ولد حزام بن حذام: بني حرة بن جتنم، وبني نهية، وبني حبس الفتكي. فمن شعرائهم عمرو بن براق يقال البراق وكان مع شعره بطلاً عداء. وكان تأبط شراً غزا قومه، فقتل منهم؛ فحلف عمرو وقال: والله ل غزون وان ظفرنا بتأبط شراً لنقتلّنه. فخرج حتى ورد ارض فهم بن عدوان، فأذا تأبط شراً واخوته قد خرجوا بواد لهم في جبالهم، فرنا عمر ومشاهقه، فلما امسى نزل وطاف بالجبال، وتأبط شرا داخل في الخبا، وهم يشربون فقال تأبط شرا: لقد انكرت من امر هذه الليلة واخاف إن يكون بقربي طالب ثأر عمرو، فأراد بعض اخوته ليخرج من الخبا، فقام تأبط شرا وقال: اقعد فقعد، وتوحش ثانية فقام حليف له مسرعا، وقال: لأعرفن حقيقة الخبر فخرج من مخرج في الخبا فضربه عمرو فقتله، وسمع تأبط شرا الصوت فخرج ولا سلاح معه فضربه عمرو مامونة فصاح تأبط شرا بأخوته دونكم الرجل، فعدا عمرو وعدا خلفه ثفاتهم فرجعوا إلى تأبط شرا فكروا جرحه وعصبوه، فلم يزل كذلك حتى برئ. ثم إن تأبط شرا لقي عمرو بن براق، بعد ذلك، فقال له: يا عمرو انت الذي ضربتني وقتلت حليفي. قال: نعم، ولا معذرة اليه. وكان مع تأبط شرا جماعة، وكان عمرو لوحده. فقال له تأبط شرا: فما ترى؟ قال: ارى الذي تراه. واحب الامور الي المناصفة، ولا نصفة عندك. فقال له: وما المناصفة التي هي احب اليك؟ قال: إن تبرز لي وحدك، فأبرز لك، ويموت اعجزنا. قال: ذلك لك فأبرز. قال عمرو: فأني لا بأصحابي ولا أنت صحابك. قال: فكيف تحب؟ فقال إن تعدو فأعدو إلى اصحابي، وتعدو بأصحابك معك واحد لك الحلايد ثم ابعدوا اصحابك بعدنا عنهم نازلتك لا ان لحقتني قبل فذاك، قال: قد انصفت فاعد فاعدو واتبعه تابط شرا وادام عمرو العدو وجعل يزداد نشاطا على طول الامد، وجعل اصحاب تأبط شرا خلفه. فعند ذلك صاح به عمرو، يا ثابت أفيك مسكنة لنزال، فأنازلك، ام تحب الراحة فأمهلك فقال له ثابت: لا راحة بعد دون المجتلد، فعطف عليه عمرو فضربه بسيفه ضربة منكرة فنبا عنه السيف، واذا به علا يحف لحمه على عظمه حتى يصير اشد من الحديد ولا تحيك فيه السيوف، ولا تكلمه الصخور. وبذلك كان يقول على الجد والسير في البر والبحر والحزن والوعرة فلما رأى عمرو سلاحه لا يحيك فيه ترك الاشتغال بسيفه وانكشف عنه فرجع تأبط شرا ناقضا. ففي ذلك يقول عمرو بن مروان الاصمعي، فمن غريب قصائده التي قل مثلها: عرفت الديار توهما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلاد ابلادها 2 - امر عدي بن الرقاع وجرير وماجاء عن النبي) في معنى الرقاع قال أبو عبيدة: دخل جرير على الوليد بن عبد الملك، وعنده عدي بن الرقاع. فقال له الوليد: اتعرف هذا؟ قال: هذا ابن الرقاع. قال جرير فشر الثياب الرقاع. قال: فممن هو؟ قال: من عاملة. قال افمن الذين قال الله عز وجل (عاملة ناصبة (.قال: فقال الوليد: يا ابن اللخنا ليركبنك فقد اسن واكبر، وانه لحقيق بأن السرقة يا غلام على باكاف ولجام. فقام اليه عمرو بن الوليد يستعفيه فأعفاه. وقال: والله يا ابن اللخنا لئن هجوته لأقتلنك. وفي الحديث عن النبي) انه قال لسعد بن معاذ في حكمه في بني قريظة: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. والرقيعي: منسوب إلى رجل من بني تميم اسمه رقيع. قال الراجز: رقيع هل لها من مغبوه 3 - امر أبي امامة في التحكيم بين الهذلي والاسدي ومن بني سعد بنو موهنة وبنو سنبس، فعن سنبس كان رئيسا واسر عدي بن حاتم يوم اغارت بنو سنبس على شعيب بن ربيع بن مسعود وهم من بني عليم. وقال له أما انت واسر الاشراف؟ ومن عليه من غير فداء. ومن بني سعد ابن عوض الشاعر، ومن قبائل عاملة وكلان ورجمال وطيسمان. ومن رجالهم ثعلبة بن محدم بن عمرو الاحدم. وولي الاردن وكان فارسا.

4 - امر مالك وسماك وثأر مالك لسماك

ومن عامله أبو امامة، الذي تنافر اليه الهذلي والاسدي، فلما سألاه إن يحكم بينهما، قال لهما: اني لا اقضي بينكما الا إن تجعلا عقدا وثيقا إن لا تضرباني، ولا تشتما لي عرضا، فأني لست في بلاد قومي؛ ففعلا. فقال الاسدي: كيف تفاخر يا اخا بني اسد العرب، وانت تعلم انه ليس في حي العرب احب إلى الحبس، ولا ابغض إلى الضيف، ولا اقل لحب الرايات منكم. وأما انت يا هذلي فكيف تكلم الناس وفيكم ثلاث خلال: انتم أغدر قبيل العرب، واكثرهم فسادا للحرم، وسألتم النبي) إن يحل لكم الزنا. ولكن إذا اردتم ببني مضر فعليكم بهذين الحيين تميم وقيس، وان اردتم موضعا يصلح للخلافة فعامله. وانا الذي اقول: إذا ما قريش قضت امرها ... فأن الخلافة في عاملة قوما في غير حفظ الله 4 - امر مالك وسماك وثأر مالك لسماك ومنهم مالك بن عمرو صاحب مالك، وسماك الذي قال: اطلب أثرا لخديعين. وكان من حديثه إن بني قشير كان يطلب في عاملة، وخلا فأخذ منهم رجلين، وهما اخوان، يقال لاحدهما: مالك، والاخر سماك. فقال لهما اني اخذ ثأري منكما، أو قاتل احدكما، فاختار ايكما بكم أقتل. فجعل كل واحد منهم يقول: انا اقتل مكان اخي، فأنا، فلما رأى ذلك قتل سماكا وخلى سبيل مالك. وفي ذلك يقول سماك حين أقتل بالقتل: الا من شحت ليلة عامدة ... كما ابدا ليلتي واحدة فابلغ قضاعة إن جئتهم ... وحض سراة بني ساعدة وابلغ لعاملة إن نأت ... بان الرماح هي العائدة فاقسم لو قتلوا مالكا ... لكنت لهم حية راصدة فيا ام سماك لا تجزعي ... فللموت ما تلد الوالدة ثم انصرف مالك إلى قومه فسألوه عن سماك، فقال لهم: هوي البلد فأقام به، فلبث بهم لا يخبرهم بموته، فبينما هو ذات يوم نائم في حجر امه إذا بركب على الطريق يتغنى ويقول: فأقسم لو قتلوا مالكا ... لكنت لهم حية راصدة فيا ام سماك لا تجزعي ... فللموت ما تلد الوالدة فلما سمع مالك الصوت، قام مذعورا قد تغير لونه، فاستيقنت امه إن سماك قد قتل. فقالت: قبح الله يا مالك العيش بعد سماك. اخرج في طلب ثأر اخيك. فخرج في الطلب، فلقي قاتل اخيه وهو سائر في نفر من قومه، وقد تنكر مالك لهم، فلم يعرفه احد، فسار معهم، فلما نزلوا. قال له مالك: إن جملا لي قد ذهب في هذا الموضع، وهو جمل احمر نفيس الثمن. فأن اردت إن تطلبه معي فافعل، فقام مع مالك، فلما غابا عن الركب، واستخلى به، اسفر له عن تلثيمه فعرفه، فقال: يامالك هل لك إلى مائة من الابل تأخذها، وتكف عما تريد تفعل. فقال له مالك: لا اطلب اثرا بعد عين، فارسلها مثلا، ثم حمل عليه، فقتله، وهو يقول: يا راكبا بلغن ولا تدعن ... بني قشير وان هم جزعوا فليجدوا مثل ما وجدت فقد ... كنت حزينا مسنى وجع لا اسمع اللهو في الحديث ولا ... ينفعني في الفراش مضطجع ولا وجدت نكلا كما وجدت ولا ... وجدوا عجوزا ضلها ربع ولا كبيرا ضل ناقته ... يوم توفى الحجيج واجتمعوا ينظر في وجوه الرجال فلا ... يعرف شيئا فالوجه ملتفع حللته صارم الحديدة كالملح ... وفيه شقائق لمع اضربه باديا بواحدة ... يدعو صداه والرأس منصدع بني قشير قتلت سيدكم ... فاليوم لا رقة ولا جزع 5 - أخبار قوس الكسعي، وندمه قال بعض اهل النسب، إن مرا وعاملة ولخما وحذاما وانمار أو الاشعار من ولد كهلان بن سبأ، كما ذكرنا في متقدم انسابهم. وقال بعض: بل هو من بني سبأ، والاشعر بن سبأ، وعاملة بن سبأ، وانمار بن سبأ، وعمرو بن سبأ، وهو أبو لخم وحذام بن عمرو بن سبأ والله اعلم. فولد مر بنو سبأ، ويقال انه من ولد كهلان بن سبأ ثلاثة رهط: المعافر، وشعبان، وكسع بن مر فولد المعافر بن مر اربعة رهط: الاحروب والاشعوب، والسفاعة واخوه. فمن هؤلاء تفرقت معافر.

6 - اسباب اغتصاب الاحباش ملك اليمن

ومن معافر أبو قبيل الفقيه، واسمه حي بن هانيء، ومن معافر بطن يقال لهم الحيل، منهم أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن يزيد الحيلي، وقد دخل جمهور المعافر نسب حمير. أما بنو كسع بن مر فهم رماة العرب. وفيهم يقول الشاعر: قدم قدوم صلبها مباركا ... من آل مر مجدنا مداعكا ومن ولد كسع بن مر الكسعي الذي يضرب به المثل في الندم. وقال ابن اسحاق، بل هو من بني كسعة بن محارب بن قيس. وقال الاصمعي انما سمي الكسعي انه كسر قوسه، وقد نظر إلى الأُتُن صرعى، والى القوس مكسورة، جعل يكسع اسبه فسمي الكسعي. وكان من خبره انه كان يرعى ابلا له بواد كثير العشب والخمط، فبينما هو كذلك إذ ابصر نبعة في صخرة فأعجبته، فقال: بليغي لهذه النبعة إن تكون قوسا، فجعل يتعاهدها كل يوم، ويرفيها، حتى إذا ادركت قطعها، وجففها فلما جفت نحت منها قوسا، وانشأ يقول شعرا: يارب وقفني لنحت قوسي ... فانها من لدني لنفسي وانفع بقوسي ولدي وعرسي ... انحتها صفر الكون الورس صلد اليست كقسي النكس ثم ذهب واخطمها بوتر، ثم عهد إلى مكان من مراثيها فجعل منها خمسة اسهم وجعل يقلبها في كفه، وهو يقول: هن وربي اسهم حسان ... يلذ للرامي بها البنان كأنما قوامها ميزان ... فابشروا بالخصب يا صبيان إن لم يعقني الشؤم والحرمان ثم خرج إلى مورد من موارد الوحش، فكمن فيها، فلم جنه الليل مر به قطيع من الحمر فرمى عيرا فأصابه، وانتظمه السهم، فأجازه واصاب حجرا فأودي نارا، فظن انه أخطأ. فأنشأ يقول: أعوذ بالله الواحد الرحمن ... من نكد الجد ومن الحرمان مالي رأيت السهم في الصوان ... يوري شرارا في ضبا العقيان فاخلف اليوم رجا الصبيان ثم مكث على حالته فمر به قطيع آخر فرمى عيرا منه فانتظمه السهم وصنع كصنع الاول وانشأ يقول: يا اسفا للشؤم والجد والنكد ... في قوس صدق لم تعرين ياود اخلف ما ارجو لاهل وولد ... فيها ولا يغني الحذار والجلد فخاب ظن الاهل فيها والولد ... وخانني السهم بضرب في الصلد ثم مكث ساعة فمر به قطيع آخر فرمى عيرا فانتظمه السهم، وصنع كصنع الاول وانشأ يقول: ما بال سهمي يوقد الحباحبا ... قد كنت ارجو إن يكون صائبا وامكن البعير وأودى خائبا ... فصار ظني فيه كاذبا اظل منه في اكتئاب دائبا ثم صبر مكانه فمر به قطيع آخر فرمى عيرا فانتظمه السهم وصنع كصنيعة الاول. وانشأ يقول: لا بارك الرحمن في السهم مر ... اعوذ بالقادر من شر القدر افحظ السهم لارهاق الضرر ... ام ذاك من سوء احتيال وبصر ام ليس يغني حذر عن قدر ثم مكث مكانه فمر به قطيع آخر فرمى عيرا فانتظمه السهم، وصنع كصنيعة الاول، وأنشأ يقول: أبعد خمس قد حفظت عدها ... أحمد قوسي واريد ردها اخزى الاله لينها وشدها ... والله لا تسلم مني بعدها ولا ارجي ما حييت رفدها ثم عمد إلى قوسه فضرب به الحجر حتى كسرها، ثم غلبته عينه، فنام، فلما اصبح نظر فأذا بالحمر مطروحة حوله مصرعة واسهمه بالدماء مضرجة، فندم على كسر قوسه. فشد على ابهامه فقطعها. ثم انشد يقول: ندمت ندامة لو إن نفسي ... تطاوعني إذا لقطعت خمسي تبين لي سفاه الرأي مني ... لعمر ابيك حين كسرت قوسي فضربت العرب به المثل فيمن ندم على شيء عمله. قال الفرزدق حين طلق امرأته نوار: ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الفرار وقال الراجز: ندمت ندامة الكسعي لما ... رأت عيناه ما صنعت يداه 6 - اسباب اغتصاب الاحباش ملك اليمن وأما ما ذكرت، من ارض اليمن، ما كان من توطئة لها مملكتها فانما جدك، انما ثب اليها سيف بن ذي يزن، حين اتاه مستنصرا على الجيش حين اتاه.

مذاق الشحوم

وقد كان ملك اليمن، قبل ذلك ن مستوقى لولا ذلك كان من تحاسدهم على سلطانهم، وتنافسهم في ملكهم، ووقوع العصبية بينهم، حتى حملهم ذلك على التحاسد، وجرأهم على التخاذل. مما حدث الاحباش على اغتصابهم سلطانهم، وابتزازهم من ملكهم، فدخلوا ارضهم وامتنعت حمير بجبالها واهل العز منهم بخيولها، ومنهم من وداعته الحبش لعزة جانبه، وانما اوغلوا في الاطراف من ارضهم وارض العرب. وقد كان فيهم من يجيد الطعان، ويأنف من الضيم من إن يحتاج إلى انتصار احد غيرهم. مذاق الشحوم الشحوم وخيمة المذاق، فليست كذلك، بل هي اكثر البهائم شحوما، واطيبها لحوما، واحلاها مضغة، واقلها عائلة، وانه ليس شيء في اللحمان يطبخ بماء الا طبخ به لحوم الابل بالماء والملح الا استبان لحوم الابل عليها. وانما تركت العرب ما سوى الابل اختبارا منهم لها فعهدوا فعمدوا إلى اعظم الانعام عظما يجعلونها ركابهم وطعامهم. تم كتاب الأنساب تأليف سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري رحمه الله.

§1/1