الأموال للقاسم بن سلام

أبو عُبيد القاسم بن سلاّم

الأموال للقاسم بن سلام بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلم 1 قرئ على الشيخة الصالحة الكاتبة فخر النساء , شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر الإبري الدينوري بمنزلها ببغداد في الحادي عشر من شعبان سنة أربع وستين وخمسمائة: أخبركم النقيب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ §قُرِئَ عَلَى الشَّيْخَةِ الصَّالِحَةِ الْكَاتِبَةِ فَخْرِ النِّسَاءِ , شُهْدَةَ بِنْتِ أَبِي نَصْرِ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ عُمَرَ الْإِبَرِيُّ الدَّيْنُورِيُّ بِمَنْزِلِهَا بِبَغْدَادَ فِي الْحَادِي عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ: أَخْبَرَكُمْ النَّقِيبُ الْكَامِلُ أَبُو الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِِّ الزَّيْنَبِيُّ , فِي ثَانِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِِ الْهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْأَزْدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

باب حق الإمام على الرعية، وحق الرعية على الإمام

§1 - بَابُ حَقِّ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقِّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْإِمَامِ

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قِيلَ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِلْأَئِمَّةِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» 2 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»

3 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى -[11]- النَّاسِ رَاعٍ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلَ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» 4 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ نَحْوَهُ

5 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْسَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§نِعْمَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِحِلِّهَا وَحَقِّهَا، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا وَحِلِّهَا، تَكُونُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسْرَةً وَنَدَامَةً»

6 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَارَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا»

7 - وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ طَارِقٍ الْمِصْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ حُجَيْرَةَ الشَّيْخَ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ، يَقُولُ: نَاجَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا أَوْ قَالَ: لَيْلَةً حَتَّى الصُّبْحَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِّرْنِي فَقَالَ: «§إِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا»

8 - وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي §وُلِّيتُ أَمْرَكُمْ، وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، وَلَكِنَّهُ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَسَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَّمَنَا فَعَمِلْنَا، وَاعْلَمُنَّ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ الْهُدَى» أَوْ قَالَ: «التُّقَى» ، شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ: التُّقَى - «وَأَنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ، وَأَنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَأَنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، فَإِنْ أَنَا أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَنَا زُغْتُ فَقَوِّمُونِي أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ» 9 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ يَعْنِي ابْنَ الْبَرِيدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، نَحْوَ ذَلِكَ

10 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ §الْقُوَّةَ فِي الْعَمَلِ أَنْ لَا تُؤَخِّرَ عَمَلَ الْيَوْمِ لِغَدٍ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ تَدَارَكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَعْمَالُ، فَلَمْ تَدْرُوا بِأَيِّهَا تَأْخُذُونَ، فَأَضَعْتُمْ، وَإِنَّ الْأَعْمَالَ مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْأَمِيرِ مَا أَدَّى الْأَمِيرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا رَتَعَ الْأَمِيرُ رَتَعُوا، وَإِنَّ لِلنَّاسِ نَفْرَةً عَنْ سُلْطَانِهِمْ، فَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكَنِي أَوْ قَالَ: تُدْرِكَنَا فَإِنَّهَا ضَغَائِنُ مَحْمُولَةٌ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُتَّبَعَةٌ فَأَقِيمُوا الْحَقَّ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ "

11 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، وَأَبُو إِسْمَاعِيلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ وَالْأَشْجَعِيُّ وَاسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ كُلُّهُمْ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ -[13]- بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَلِمَاتٍ أَصَابَ فِيهِنَّ الْحَقَّ، قَالَ: «§يَحِقُّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَأَنْ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ، وَيُطِيعُوا وَيُجِيبُوهُ إِذَا دَعَا»

12 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَنَحْنُ بِأَرْضِ الرُّومِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: «إِنَّ §الْخَلِيفَةَ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ شَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ» ، فَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: صَدَقَ

13 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ §الْإِمَامَ الْعَادِلَ لِيُسْكِتُ الْأَصْوَاتَ عَنِ اللَّهِ، وَإِنَّ الْإِمَامَ الْجَائِرَ لَتَكْثُرُ مِنْهُ الشِّكَايَةُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

14 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§لَعَمَلُ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فِي رَعِيَّتِهِ يَوْمًا وَاحِدًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْعَابِدِ فِي أَهْلِهِ مِائَةَ عَامٍ، أَوْ خَمْسِينَ عَامًا» شَكَّ هُشَيْمٌ

15 - قَالَ وَحَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، وَيَعْقُوبُ الْقَارِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: «§لَا تَمْشِ ثَلَاثَ خُطًى لِتَأَمَّرَ عَلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ، وَلَا تَرْزَأْ مُعَاهِدًا إِبْرَةً فَمَا فَوْقَهَا، وَلَا تَبْغِ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ غَائِلَةً»

16 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، أَنَّ سَعْدًا دَخَلَ عَلَى سَلْمَانَ يَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: اعْهَدْ إِلَيْنَا عَهْدًا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ نَأْخُذُ بِهِ، فَقَالَ: «§اذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ، وَعِنْدَ يَدِكَ إِذَا قَسَمْتَ، وَعِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ»

باب صنوف الأموال التي يليها الأئمة للرعية وأصولها في الكتاب والسنة قال أبو عبيد: أول ما نبدأ به من ذكر الأموال ما كان منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون الناس وذلك ثلاثة أموال: أولها: ما أفاء الله على رسوله من المشركين، ما لم يوجف المسلمون

§بَابُ صُنُوفِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَلِيهَا الْأَئِمَّةُ لِلرَّعِيَّةِ وَأُصُولِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنْ ذِكْرِ الْأَمْوَالِ مَا كَانَ مِنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصًا دُونَ النَّاسِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ: أَوَّلُهَا: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مَا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَهِيَ فَدَكُ، وَأَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ، فَإِنَّهُمْ صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَرَضِيهِمْ، بِلَا قِتَالٍ كَانَ مِنْهُمْ، وَلَا سَفَرَ تَجَشَّمَهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ وَالْمَالُ الثَّانِي: الصَّفِيُّ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْطَفِيهِ مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ يَغْنَمُهَا الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَ الْمَالَ، وَالثَّالِثُ: خُمْسُ الْخُمُسِ بَعْدَمَا تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ وَتُخَمَّسُ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ آثَارٌ قَائِمَةٌ مَعْرُوفَةٌ.

17 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَأَمَّا أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ، فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا -[15]-، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: «§كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

18 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: §حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ، وَهُمْ سِبْطٌ مِنَ الْيَهُودِ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ، وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الْإِبِلُ مِنَ الْأَمْتِعَةِ، إِلَّا الْحَلْقَةَ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحَلْقَةُ: السِّلَاحُ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمْ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2] إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5]

19 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: «أَنَّ §وَقِيعَةَ بَنِي النَّضِيرِ، مِنَ الْيَهُودِ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقِيعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ وَنَخْلُهُمْ نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاءِ» ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ

20 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «§أَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ» وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: [البحر الوافر] -[16]- لَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

21 - قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " §أَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَطَعَ، وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5] "

22 - قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ §سُئِلَ عَنْ سُورَةِ الْحَشْرِ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا مَا جَاءَ فِي أُولَئِكَ

23 - وَأَمَّا فَدَكُ فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: {§فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] فَقَالَ: " هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً: قُرًى عَرَبِيَّةٌ: فَدَكٌ وَكَذَا " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهِيَ فِي الْعَرَبِيَّةِ قُرًى عَرَبِيَّةٌ بِتَنْوِينٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالُوا: دَارُ الْآخِرَةِ وَصَلَاةُ الْأُولَى، وَالْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ: قُرًى عَرَبِيَّةٌ، بِغَيْرِ تَنْوِينٍ

24 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ §أَهْلُ فَدَكٍ قَدْ أَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى أَنَّ لَهُمْ رِقَابَهُمْ وَنِصْفَ أَرَضِيهِمْ وَنَخْلِهِمْ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَطْرَ أَرَضِيهِمْ وَنَخْلِهِمْ " فَلَمَّا أَجْلَاهُمْ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهِ بَعَثَ مَعَهُمْ مَنْ أَقَامَ لَهُمْ حَظَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ، فَأَدَّاهُ إِلَيْهِمْ

25 - قَالَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ الْمِصْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا أَدْرِي ذِكْرَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَمْ لَا - قَالَ: §أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَهُودَ خَيْبَرَ، فَخَرَجُوا مِنْهَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ وَالْأَرْضِ شَيْءٌ، فَأَمَّا يَهُودُ فَدَكٍ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ -[17]- الْأَرْضِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَأَقَامَ لَهُمْ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ نِصْفَ الثَّمَرِ وَنِصْفَ الْأَرْضِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَالَحَهُمْ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَإِبِلٍ وَأَقْتَابٍ، ثُمَّ أَعْطَاهُمُ الْقِيمَةَ وَأَجْلَاهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا صَارَ أَهْلُ خَيْبَرَ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَالثَّمَرِ لِأَنَّ خَيْبَرَ أُخِذَتْ عَنْوَةً فَكَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا شَيْءَ لِلْيَهُودِ فِيهَا، وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ عَلَى مَا جَاءَ فِيهَا مِنَ الصُّلْحِ، فَلَمَّا أَخَذُوا قِيمَةَ بَقِيَّةِ أَرْضِهِمْ خَلَصَتْ كُلُّهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا تَكَلَّمَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِيهَا

26 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ مَالِكٌ: §بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِ خَيْبَرَ مَتَعَ النَّهَارُ إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: " هَاهُنَا يَا مَالِكُُ، إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ وَقَدْ أَمَرْتُ لَهُمْ بِرَضْخٍ فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، فَقَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ إِذْ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ -[18]- بْنِ الْعَوَّامِ، وَسَعْدٍ، يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا فَلَبِثَ يَرْفَأُ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ؟ قَالَ: فَأْذَنْ لَهُمَا، فَلَمَّا دَخَلَا سَلَّمَا وَجَلَسَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: اقْضِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ: " إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَقَالَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مِنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَةً، ثُمَّ وَاللَّهِ مَا اخْتَارَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ سَنَتَهُمْ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حياتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِلْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ: «أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟» قَالَا: نَعَمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا اخْتَصَرْنَا مِنْهُ هَذَا. 27 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ نَحْوَهُ. 28 - قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ حَدِيثًا مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَنِي فَاشْتَهَيْتُ أَنْ أَكْتُبَهُ فَأَتَانِي بِهِ مَكْتُوبًا، ثُمَّ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ نَحْوُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي فَدَكٍ، وَأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ

قَالَ وَأَمَّا الصَّفِيُّ، فَإِنَّ هُشَيْمَ بْنَ بَشِيرٍ حَدَّثَنَا، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ -[19]- طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: " كَانَ §لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيٌّ مِنْ كُلِّ مَغْنَمٍ: عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ فَرَسٌ "

30 - حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسَ الْجُرَيْرِيِّ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسَ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: كُنَّا بِالْمِرْبَدِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ قَالَ: وَمَعَنَا مُطَرِّفٌ - فَأَتَانَا أَعْرَابِيٌّ.، وَمَعَهُ قِطْعَةُ أَدِيمٍ، فَقَالَ: أَفِيكُمْ مَنْ يَقْرَأُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ فَأَعْطَانَا الْأَدِيمُ، فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، §مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ مِنْ عُكْلٍ، إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَفَارَقْتُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمْسَ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفِيَّ أَوْ قَالَ وَصَفِيَّهُ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا تُحَدِّثُنَا بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ وَحَرِ صَدْرِهِ أَوْ وَغَرَ صَدْرِهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ» فَقُلْنَا لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَفَتَرَوْنِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ وَانْطَلَقَ

31 - حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ -[20]- الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَعْمَلُ بِهِ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا فَقَالَ: " آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ لَهُمْ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةَ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُقَيَّرِ " 32 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ أَبِي هِلَالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ فِيهِ: وَتُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفِيَّ

33 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ: «§مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى شُرَيْحِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قِيلَ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ بِنَا رَسُولُكُمْ، مُنْقَلَبَنَا مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ هَدَاكُمْ، إِنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمْسَ وَسَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الصَّفِيِّ

34 - وَأَمَّا خُمْسُ الْخُمْسِ، فَإِنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي -[21]- عَائِشَةَ، قَالَ: §سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ الْجَزَّارِ عَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «خُمْسُ الْخُمْسِ» 35 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، مِثْلَهُ

36 - قَالَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ الْمِصْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «§رَأَيْتُ الْمَغَانِمَ تُجَزَّأُ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ يُسْهَمُ عَلَيْهَا، فَمَا صَارَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لَهُ، لَا يَخْتَارُ»

37 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، قَالَ: " كَانَتِ §الْغَنِيمَةُ تُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ: فَأَرْبَعَةُ مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَخُمْسٌ وَاحِدٌ مُقَسَّمٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ: فَرُبُعٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِذِي الْقُرْبَى يَعْنِي قَرَابَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَلِلْرَسُولِ فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا، وَالرُّبُعُ الثَّانِي لِلْيَتَامَى، وَالرُّبُعُ الثَّالِثُ لِلْمَسَاكِينِ، وَالرُّبُعُ الرَّابِعُ لِابْنِ السَّبِيلِ: وَهُوَ الضَّيْفُ الْفَقِيرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ "

38 - قَالَ وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ، فَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ سَهْمُ بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُقْسَمُ مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَةٍ، فَيَكُونُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ، قَالَ: وَالَّذِي جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ هُوَ السَّهْمُ الَّذِي لِلَّهِ -[22]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]

39 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِهِ: {§وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ: لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

40 - قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: «§خُمْسُ اللَّهِ وَخُمْسُ رَسُولِهِ وَاحِدٌ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ مِنْهُ، وَيُعْطِي مِنْهُ، وَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ، وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِمَّا كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَصَّ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَالِ دُونَ النَّاسِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِذَهَابِهِ، وَصَارَتِ الْأَمْوَالُ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: الْفَيْءُ، وَالْخُمُسُ، وَالصَّدَقَةُ، وَهِيَ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْكِتَابُ، وَجَرَتْ بِهَا السُّنَّةُ، وَعَمِلَتْ بِهَا الْأَئِمَّةُ، وَإِيَّاهَا تَأَوَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ ذَكَرَ الْأَمْوَالَ

41 - قَالَ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، نَحْوَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي دُخُولِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَزَادَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ، وَبَعْضُهُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ، نَحْوَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، قَالَ: §ثُمَّ قَرَأَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءِ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ -[23]- لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمُهَاجِرِينَ، أَوْ قَالَ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} قَالَ: فَاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسَ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لَهُ فِيهَا حَقٌّ أَوْ قَالَ حَظٌّ إِلَّا بَعْضَ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ، وَإِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَيُؤْتَيَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ حَقَّهُ أَوْ قَالَ: حَظَّهُ حَتَّى يَأْتِيَ الرَّاعِيَ بِسَرْوَ حِمْيَرَ، وَلَمْ يَعْرَقْ فِيهِ جَبِينُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: السَّرْوُ الْخَيْفُ وَالنَّغَفُ: كُلُّ مَوْضِعٍ بَيْنَ انْحِدَارٍ وَارْتِفَاعٍ

42 - قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، §لَقَدْ قَسَّمَ اللَّهُ هَذَا الْفَيْءَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَتَحَ فَارِسُ وَالرُّومُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَنَرَى عَبْدَ اللَّهِ إِنَّمَا تَأَوَّلَ الْآيَةَ الَّتِي تَأَوَّلَهَا عُمَرُ، فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْقِتَالِ يَعْنِي سُورَةَ الْحَشْرِ وَهَذِهِ قُوَّةٌ لِعُمَرَ فِي الْفَيْءِ، لِأَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ إِنَّمَا افْتُتِحَتَا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا لِمَنْ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا وَقَبْلَ أَنْ تُفْتَتَحَا -[24]-. فَالْأَمْوَالُ الَّتِي تَلِيهَا أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ هِيَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ، وَتَأَوَّلَهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: الْفَيْءُ، وَالْخُمُسُ، وَالصَّدَقَةُ وَهِيَ أَسْمَاءٌ مُجْمَلَةٌ يَجْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَنْوَاعًا مِنَ الْمَالِ، فَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَزَكَاةُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحَبِّ، وَالثِّمَارِ فَهِيَ لِلْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فِيهَا سِوَاهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ، وَأَمَّا مَالُ الْفَيْءِ فَمَا اجْتُبِيَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ: مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمُ الَّتِي بِهَا حُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ وَحُرِّمَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَمِنْهُ خَرَاجُ الْأَرَضِينَ الَّتِي افْتُتِحَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ أَقَرَّهَا الْإِمَامُ فِي أَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى طَسْقٍ يُؤَدُّونَهُ، وَمِنْهُ وَظِيفَةُ أَرْضِ الصُّلْحِ الَّتِي مَنَعَهَا أَهْلُهَا حَتَّى صُولِحُوا مِنْهَا عَلَى خَرَاجٍ مُسَمًّى، وَمِنْهُ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا عَلَيْهِ لِتِجَارَتِهِمْ، وَمِنْهُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا دَخَلُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ لِلتِّجَارَاتِ، فَكُلُّ هَذَا مِنَ الْفَيْءِ وَهُوَ الَّذِي يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ: غَنِيَّهُمْ وَفَقِيرَهُمْ فَيَكُونُ فِي أَعْطِيَةِ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَرْزَاقِ الذُّرِّيَّةِ، وَمَا يَنُوبُ الْإِمَامُ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ بِحُسْنِ النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. وَأَمَّا الْخُمُسُ: فَخُمُسُ غَنَائِمِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَالرِّكَازُ الْعَادِيُّ، وَمَا يَكُونُ مِنْ غَوْصٍ أَوْ مَعْدِنٍ: فَهُوَ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ لِلْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ الْمُسَمَّيْنَ فِي الْكِتَابِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ، وَقَالَ -[25]- بَعْضُهُمُ: سَبِيلُ الْخُمُسِ سَبِيلُ الْفَيْءِ، يَكُونُ حُكْمُهُ إِلَى الْإِمَامِ: إِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهُ فِيمَنْ سَمَّى اللَّهُ جَعَلَهُ وَإِنْ رَأَى أَنَّ أَفْضَلَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ صَرَفَهُ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ سُنَنٌ وَآثَارٌ، تَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

كتاب الفيء، ووجوهه، وسبله

§كِتَابُ الْفَيْءِ، وَوُجُوهِهِ، وَسُبُلِهِ

باب الجزية، والسنة في قبولها، وهي من الفيء

§بَابُ الْجِزْيَةِ، وَالسُّنَّةِ فِي قَبُولِهَا، وَهِيَ مِنَ الْفَيْءِ

43 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» أَوْ قَالَ: " لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالَوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ "

44 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ عِنْدَ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» 45 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 46 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِهِ

47 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ حَرُمَ دَمُهُ وَمَالُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا تُوَجَّهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، وَقَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ سُورَةُ بَرَاءَةَ وَيُؤْمَرُ فِيهَا بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ، فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَإِنَّمَا نَزَلَ هَذَا فِي آخِرِ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ أَحَادِيثُ. سَمِعْتُ الْيَزِيدِيَّ يَحْكِي عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: قُبُولٌ، وَالْمَصْدَرُ قَبُولٌ، فَهَذَا عَجِيبٌ يَسْتَظْرِفُونَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي قَوْلِهِ: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ يَدٍ: نَقْدًا، يَدًا بِيَدٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَمْشُونَ بِهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يُعْطُونَهَا قِيَامًا

48 - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُثْمَانَ، رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: «كَانَتْ §بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ»

49 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ -[28]- عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قَالَ: نَزَلَتْ حِينَ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِغَزْوَةِ تَبُوكَ

قَالَ: وَسَمِعْتُ هُشَيْمًا يَقُولُ: كَانَتْ §تَبُوكُ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

50 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، أَوْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] قَالَ: «مَنْ قَاتَلَكَ وَلَمْ يُعْطِكَ الْجِزْيَةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ جَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا فَالْجِزْيَةُ، وَبِذَلِكَ كَانَ يُوصِي أُمَرَاءَ جُيُوشِهِ وَسَرَايَاهُ

51 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوِيٍّ: «سَلَامٌ أَنْتَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ §مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ الرَّسُولِ، فَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُ آمِنٌ، وَمَنْ أَبَى فَإِنَّ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ»

52 - قَالَ: وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لَعِبَادِ اللَّهِ الْأَسْبَذِيِّينَ مُلُوكِ عُمَانَ، وَأُسْدِ عُمَانَ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ أَنَّهُمْ إِنْ آمَنُوا، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَعْطَوْا حَقَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَسَكُوا نُسُكَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ آمِنُونَ، وَإِنَّ لَهُمْ مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ -[29]-، غَيْرَ أَنَّ مَالَ بَيْتِ النَّارِ ثُنْيَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنَّ عُشُورَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَنِصْفَ عُشُورِ الْحَبِّ، وَإِنَّ لِلْمُسْلِمِينَ نَصْرَهُمْ وَنُصْحَهُمْ، وَإِنَّ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَاءَهُمْ يَطْحَنُونَ بِهَا مَا شَاءُوا»

53 - قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: «§مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ» بِرِسَالَةٍ فِيهَا: «وَأَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَنُ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ» 54 - قَالَ وَكَتَبَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَشُرَيْحِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا سَمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى عِبَادَةِ فَرَسٍ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: أسب، فَنُسِبُوا إِلَيْهِ. قَوْلُهُ: لِعِبَادِ اللَّهِ، يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارَامَ، فَقَالَ -[30]- عِبَادِ اللَّهِ كَمَا قَالُوا: الْعَبَادِلَةُ، كَقَوْلِكَ: هَلَّلْتُ، وَمَنْ قَالَ الْأَسَدِيِّينَ فَإِنَّهُ نَسَبَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي مِنَ الْيَمَنِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ الْأَزْدُ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْأَسَدُ بِالسِّينِ، وَهُوَ عِنْدِي الصَّوَابُ، كَذَلِكَ سَمِعْتُ ابْنَ الْكَلْبِيِّ يَقُولُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْفُرْسِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِهَا عَرَبٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ إِلَى هَؤُلَاءِ وَإِلَى هَؤُلَاءِ

55 - حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: §كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ صَاحِبِ الرُّومِ: " مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ: إِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمْتَ فَلَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْطِ الْجِزْيَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ: أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُرِدِ الْفَلَّاحِينَ خَاصَّةً وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّ الْعَجَمَ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلُّهُمْ فَلَّاحُونَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ زَرْعٍ وَحَرْثٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَزْرَعُ فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ فَلَّاحٌ، إِنْ وَلِيَ ذَلِكَ بِيَدِهِ أَوْ وَلِيَهُ لَهُ غَيْرُهُ

56 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ، فِي الْمُدَّةِ الَّتِي مَادَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ بِإِيلِيَاءَ، فَسَأَلَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[31]- فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَإِذَا فِيهِ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، §مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنٍ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي بِالْأَرِيسِيِّينَ أَعْوَانَهُ وَخَدَمَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأَرْسِيِّينَ، وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْمَحْفُوظُ

57 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى، وَأَمَرَ أَنْ يَدْفَعَ الْكِتَابَ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ، قَالَ: فَحَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ» يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ "

58 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: §كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَأَمَّا كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ مَزَّقَهُ، وَأَمَّا قَيْصَرُ فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَاهُ ثُمَّ وَضَعَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَمَّا هَؤُلَاءِ - يَعْنِي: كِسْرَى - فَيُمَزَّقُونَ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَسَتَكُونُ لَهُمْ بَقِيَّةٌ "

59 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: §كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ كِتَابًا وَاحِدًا: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، أَمَّا بَعْدُ {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] " فَأَمَّا كِسْرَى فَمَزَّقَ كِتَابَهُ وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُزِّقَ وَمُزِّقَتْ أُمَّتُهُ» ، وَأَمَّا قَيْصَرُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا كِتَابٌ لَمْ أَرَهُ بَعْدَ سُلَيْمَانَ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَإِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - وَكَانَا تَاجِرَيْنِ بِالشَّامِ فَسَأَلَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: بِأَبِي، لَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ، لَيَمْلُكَنَّ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَهُ مُدَّةً» ، وَأَمَّا النَّجَاشِيُّ فَآمَنَ - أَوْ قَالَ: فَأَسْلَمَ - وَآمَنَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «اتْرُكُوهُ مَا تَرَكَكُمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُهُ: وَآمَنَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَانَ، يَعْنِي مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ

60 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: " §اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمُ -[33]-: ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا فَإِنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ "

61 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: §حَاصَرَ سَلْمَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ حِصْنًا مِنْ حُصُونِ فَارِسَ، فَقَالَ: «حَتَّى أَفْعَلَ بِهِمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ» ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: «إِنِّي رَجُلٌ مِنْكُمْ أَسْلَمْتُ، فَقَدْ تَرَوْنَ إِكْرَامَ الْعَرَبِ إِيَّايَ، وَإِنَّكُمْ إِنْ أَسْلَمْتُمْ كَانَ لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمُ الْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ قَاتَلْنَاكُمْ» ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي غَيْرِ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي قَوْلِ سَلْمَانَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمُ الْجِزْيَةُ وَخاك بر سر بِالْفَارِسِيَّةِ، يَقُولُ: هُوَ التُّرَابُ عَلَى رُءُوسِكُمْ فَإِنْ أَبَيْتُمْ قَاتَلْنَاكُمْ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ

كتاب سنن الفيء، والخمس، والصدقة، وهي الأموال التي تليها الأئمة للرعية

§كِتَابُ سُنَنِ الْفَيْءِ، وَالْخُمُسِ، وَالصَّدَقَةِ، وَهِيَ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَلِيهَا الْأَئِمَّةُ لِلرَّعِيَّةِ

باب أخذ الجزية من عرب أهل الكتاب

§بَابُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ عَرَبِ أَهْلِ الْكِتَابِ

62 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاتَلَ الْعَرَبُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرُهُ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَاتَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَى الْحَسَنَ أَرَادَ بِالْعَرَبِ هَهُنَا أَهْلَ الْأَوْثَانِ مِنْهُمُ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدْ قَبِلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي أَحَادِيثَ

63 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ: هَلْ قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ الْجِزْيَةَ؟ فَقَالَ: «§مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُقْبَلَ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنَ الْعَرَبِ الْجِزْيَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَإِلَيْهِمْ»

64 - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: " §بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كَلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً بَقَرَةً - أَوْ قَالَ: تَبِيعًا - وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً -[35]-، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ " قَالَ الْأَعْمَشُ: وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ مِثْلَ ذَلِكَ

65 - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ: «إِنَّ §فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ غَيْلًا الْعُشْرَ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي الْحَالِمِ أَوِ الْحَالِمَةِ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ، وَلَا يُفْتَنُ يَهُودِيُّ عَنْ يَهُودِيَّتِهِ»

66 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: " كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: إِنَّهُ §مَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَنُ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، عَلَى كُلِّ حَالِمٍ: ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، عَبْدٍ أَوِ أَمَةٍ، دِينَارٌ وَافٍ أَوْ قِيمَتُهُ مِنَ الْمَعَافِرِ، فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى رُسُلِي فَإِنَّهُ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَهُ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَهُمْ عَرَبٌ، إِذْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَقَبِلَهَا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ

67 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «§أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَهْلُ نَجْرَانَ، وَكَانُوا نَصَارَى»

68 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَشُرَيْحِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ §يَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ إِنْ أَبَوُا الْإِسْلَامَ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى أَسَدِ عُمَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ» -[36]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ قَبِلَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، حِينَ افْتَتَحَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ صُلْحًا، وَبَعَثَ بِالْجِزْيَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَبِلَهَا، وَهُمْ أَخْلَاطٌ مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ: مِنْ تَمِيمٍ وَطَيِّئٍ وَغَسَّانَ وَتَنُوخٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَخْبَرَنِيهِ ابْنُ الْكَلْبِيِّ وَغَيْرُهُ

69 - قَالَ وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ §غَزَا أَهْلَ الْحِيرَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَالَحَ أَهْلَ الْحِيرَةِ وَلَمْ يُقَاتِلُوا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بِبَنِي تَغْلِبَ

70 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ السَّفَّاحِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كُرْدُوسٍ، قَالَ: «§صَالَحْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ بَنِي تَغْلِبَ، بَعْدَمَا قَطَعُوا الْفُرَاتَ وَأَرَادُوا اللُّحُوقَ بِالرُّومِ، عَلَى أَنْ لَا يَصْبِغُوا صِبْيَانَهُمْ، وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِهِمْ، وَعَلَى أَنَّ عَلَيْهِمُ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» ، قَالَ: فَكَانَ دَاوُدُ يَقُولُ: «لَيْسَ لِبَنِي تَغْلِبَ ذِمَّةٌ، قَدْ صَبَغُوا فِي دِينِهِمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: لَا يَصْبُغُوا أَوْلَادَهُمْ أَيْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ الْمُلَائِيُّ يَزِيدُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ: بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْهُ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ السَّفَّاحِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كُرْدُوسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ عُمَرَ

71 - قَالَ وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُغِيرَةُ، عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَوِ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -[37]- وَكَلَّمَهُ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ أَوْ زُرْعَةُ بْنُ النُّعْمَانِ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ، يَأْنَفُونَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، إِنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشٍ، وَلَهُمْ نِكَايَةً فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تُعِنْ عَدُوَّكَ عَلَيْكَ بِهِمْ، قَالَ: «فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، عَلَى أَنْ §أَضْعَفَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ»

قَالَ مُغِيرَةُ: فَحُدِّثْتُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: §لَئِنْ تَفَرَّغْتُ لِبَنِي تَغْلِبَ لَيَكُونَنَّ لِي فِيهِمْ رَأْيٌ: لَأَقْتُلَنَّ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَلَأَسْبِيَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ، فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَبَرِئَتْ مِنْهُمُ الذِّمَّةِ، حِينَ نَصَّرُوا أَوْلَادَهُمْ

72 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: أَنَّ عُمَرَ «أَمَرَهُ أَنْ §يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ كُرْدُوسٍ، وَزُرْعَةَ أَوِ النُّعْمَانِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمُ الضِّعْفَ مِمَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَلَا تَسْمَعْهُ يَقُولُ: مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا مَرُّوا بِأَمْوَالِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ فَذَاكَ ضِعْفُ هَذَا، وَهُوَ الْمُضَاعَفُ الَّذِي اشْتَرَطَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَمْوَالِهِمْ: مِنَ الْمَوَاشِي وَالْأَرَضِينَ يَكُونُ عَلَيْهَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ الضِّعْفُ أَيْضًا، فَيَكُونُ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي الْعَشْرِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ عَلَى هَذَا مَا زَادَتْ وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ، وَعَلَى هَذَا الْحَبُّ وَالثِّمَارُ فَيَكُونُ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فِيهِ عُشْرَانِ، وَمَا سُقِيَ بِالْغُرُوبِ وَالدَّوَالِي فِيهِ عُشْرٌ، وَفِي مَذْهَبِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَشَرْطِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَمْوَالِ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ مِثْلُ مَا عَلَى أَمْوَالِ رِجَالِهِمْ كَذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَقَالُوا أَيْضًا: إِنْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ أَوِ اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضَهُ تَحَوَّلَتِ الْأَرْضُ إِلَى الْعُشْرِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ -[38]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يُخْبِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: أَمَّا نِسَاؤُهُمْ فَهُنَّ بِمَنْزِلَةِ رِجَالِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَمَّا صِبْيَانُهُمْ فَإِنَّمَا يَكُونُونَ مَثَلَهُمْ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَرْضِ خَاصَّةً، فَأَمَّا الْمَوَاشِي وَمَا يَمُرُّونَ بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ أَوِ اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضَهُ فَإِنَّ الْعُشْرَ عَلَيْهِ مُضَاعَفٌ عَلَى الْحَالِ الْأُولَى قَالَ أبو عبيد وَمَعْنَى حَدِيثِ عُمَرَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ أَشْبَهُ، لِأَنَّهُ عَمَّهُمْ بِالصُّلْحِ، فَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ صَغِيرًا دُونَ كَبِيرٍ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، كَمَا جَازَ عَلَى نِسَائِهِمْ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ جَمِيعًا مِنَ الذُّرِّيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا بِهَذَا الصُّلْحِ عَلَى ذَرَارِيِّهِمْ مِنَ النِّسَاءِ، كَمَا أَمِنُوا بِهِ عَلَى رِجَالِهِمْ مِنَ الْقَتْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي أَرْضِهِ: إِنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ أَوِ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ إِنَّهَا تَكُونُ عَلَى حَالِهَا الْأُولَى، فَإِنَّ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِلَى النَّاسِ حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ غَيْرَ هَذَا، أَلَا تَرَى أَنَّ كُتُبَهُ إِنَّمَا كَانَتْ تَجْرِي إِلَى النَّاسِ: أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ؟ فَالْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا شَرْعٌ سَوَاءٌ. 73 - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِجَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا

74 - حَدَّثَنِي أَبُو مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِجَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ: «يَا جُبَيْلَةُ» ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا جُبَيْلَةُ» ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا جُبَيْلَةُ» , فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: " اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلَاثٍ: §إِمَّا أَنْ تُسْلِمَ، فَيَكُونُ -[39]- لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ، وَإِمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ، وَإِمَّا أَنْ تَلْحَقَ بِالرُّومِ "، قَالَ: فَلَحِقَ بِالرُّومِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَعَلَى هَذَا تَتَابَعَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ فِي الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ: أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الْقَتْلُ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَتَقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ، لِلسُّنَّةِ الَّتِي جَاءَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجُوسِ، وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَقَبِلَتْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّابِئِينَ فَأَمْرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّأْوِيلُ أَيْضًا مَعَ السُّنَّةِ

75 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجِ، فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {§فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] قَالَ: مُشْرِكِي الْعَرَبِ، يَقُولُ: فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ مُشْرِكِي الْأَعَاجِمِ، حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ أَبَوْا فَحَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، فَيُحْرِزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ خَاصَّةً، دُونَ الْمِلَلِ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]

باب أخذ الجزية من المجوس

§بَابُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ

76 - حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: «§كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَدْعُوهُمْ -[40]- إِلَى الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَا ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي أَنْ لَا تُؤْكَلَ لَهُ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحَ لَهُ امْرَأَةٌ»

77 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ بَجَالَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: أَنِ §اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ، وَانْهَوْهُمْ عَنِ الزَّمْزَمَةِ ": قَالَ فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ، وَجَعَلْنَا نُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ حَرِيمِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَصَنَعَ طَعَامًا كَثِيرًا، وَدَعَا الْمَجُوسَ، وَأَلْقَوْا وِقْرَ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ مِنْ وَرِقٍ وَعَرَضَ السَّيْفَ عَلَى فَخِذِهِ، قَالَ: فَأَكَلُوا بِغَيْرِ زَمْزَمَةٍ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ: كُلِّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ

78 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِالْمَجُوسِ، وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»

79 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَأَنَّ عُمَرَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ، وَأَنَّ عُثْمَانَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْبَرْبَرِ 80 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مِثْلَ ذَلِكَ. -[41]- 81 - وَحَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مِثْلُ ذَلِكَ

82 - وَحَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ حَلِيفِ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَقَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا» ، قَالَ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالِ الْبَحْرَيْنِ» 83 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ

84 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَهْلُ نَجْرَانَ، فِيمَا بَلَغَنَا، وَكَانُوا نَصَارَى، وَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَكَانُوا مَجُوسًا، ثُمَّ أَدَّى أَهْلُ أَيْلَةَ وَأَهْلُ أَذْرُحَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَأَسَرُوا رَئِيسَهُمْ أُكَيْدِرَ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْجِزْيَةِ

85 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: §قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَبِلَ -[42]- إِسْلَامَهُ، وَأَحْرَزَ لَهُ إِسْلَامُهُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، إِلَّا الْأَرْضَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ فِي مَنَعَةٍ

86 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى يَنْزِلَ الْحِيرَةَ، ثُمَّ يَمْضِي إِلَى الشَّامِ، فَسَارَ خَالِدٌ حَتَّى نَزَلَ الْحِيرَةَ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَأَخْرَجَ إِلَيَّ ابْنُ بُقَيْلَةَ كِتَابَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَرَازِبَةِ فَارِسَ، السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: §فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّ خَدَمَتَكُمْ، وَفَرَّقَ كَلِمَتَكُمْ، وَوَهَّنَ بَأْسَكُمْ، وَسَلَبَ مُلْكَكُمْ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَاعْتَقِدُوا مِنِّي الذِّمَّةِ، وَاجْبُوا إِلَيَّ الْجِزْيَةَ، وَابْعَثُوا إِلَيَّ بِالرَّهْنِ، وَإِلَّا فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَأَلْقَيَنَّكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ الْحَيَاةَ، وَالسَّلَامُ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَامِلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُو أَهْلَ فَارِسَ إِلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَهُمْ مَجُوسٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَبِلَهَا مِنْهُمْ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَبِلَهَا عُثْمَانُ مِنَ الْبَرْبَرِ -[43]-، فَقَدْ صَحَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنَّهُمْ قَبِلُوهَا مِنْهُمْ، ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّاسُ بَعْدُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا قُبِلَتْ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَيُحَدِّثُونَ بِذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا أَحْسِبُ هَذَا مَحْفُوظًا عَنْهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَائِحَهُمْ وَمَنَاكِحَهُمْ، وَهُوَ كَانَ أَوْلَى بِعِلْمِ ذَلِكَ، وَلَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ عَلَى كَرَاهَتِهَا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَبِلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ حِينَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] وَيُحَدِّثُونَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي بَعْضِ النَّصَارَى وَالرُّومِ

87 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ الطَّائِيِّ، عَنْ وُسَّقَ الرُّومِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يَقُولُ لِي: «§أَسْلِمْ فَإِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ اسْتَعَنْتُ بِكَ عَلَى أَمَانَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَسْتَعِينَ عَلَى أَمَانَتِهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ» ، قَالَ: فَأَبَيْتُ، فَقَالَ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَعْتَقَنِي، وَقَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ

88 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: «§رَأَيْتُ الَّذِيَ أَعْتَقَهُ عُمَرُ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا» -[44]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى عُمَرَ أَنَّهُ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالتَّأْوِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَجِدْ فِي أَمْرِ الْمَجُوسِ شَيْئًا يَبْلُغُهُ عِلْمُنَا، إِلَّا اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ فَالْجِزْيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالتَّنْزِيلِ، وَمِنَ الْمَجُوسِ بِالسُّنَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ لَمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُمُ انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ وَقَبِلَهَا مِنْهُمْ، وَقَدْ كَانَ هُوَ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِالْمَجُوسِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ الْكِتَابِ؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَا أُرَاهُ كَتَبَ إِلَى جَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِمَا كَتَبَ مِنْ نَهْيِهِمْ، عَنِ الزَّمْزَمَةِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حَرَائِمِهِمْ، إِلَّا قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِالْحَدِيثِ، فَلَمَّا وَجَدَ الْأَثَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعَهُ، وَلَمْ يَسْأَلْ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ حَتَّى أَخَذَهَا أَيْضًا مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ، وَلَمْ يَكْتُبْ فِي أَمْرِهِمْ بِتَفْرِيقٍ، وَلَا نَهَى عَنْ زَمْزَمَةٍ، وَقَدِ احْتَجَّ بِالِاتِّبَاعِ فِي أَمْرِهِمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ

89 - حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: «§لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ مَا أَخَذْتُهَا» ، يَعْنِي الْمَجُوسَ

90 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: §سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ -[45]- نِيرَانِ الْمَجُوسِ لِمَ تُرِكَتْ؟ قَالَ: «عَلَى ذَلِكَ صُولِحُوا»

91 - وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدِ، قَالَ: §كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْحَسَنِ يَسْأَلُهُ: مَا بَالُ مَنْ مَضَى مِنَ الْأَئِمَّةِ قَبْلَنَا أَقَرُّوا الْمَجُوسَ عَلَى نِكَاحِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ؟ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِهِمْ قَدْ سَمَّاهَا. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ وَالسَّلَامُ»

92 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَسْأَلُهُ عَنِ §الْمَجُوسِ كَيْفَ ثَبَتَتْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ؟ وَكَيْفَ تَرَكُوا مُشْرِكِي الْعَرَبِ؟ فَكَتَبَ: «قَدْ كَانَ لَكَ فِي أَمْرِ مَنْ قَدْ مَضَى مَا يُغْنِيكَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ مِثْلِ هَذَا»

باب من تجب عليه الجزية ومن تسقط عنه من الرجال والنساء

§بَابُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَمَنْ تَسْقُطُ عَنْهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

93 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ §كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: " أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَلَا يَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ، وَلَا يَقْتُلُوا إِلَّا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى، وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنْ يَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ، وَلَا يَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا يَضْرِبُوهَا إِلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى " -[46]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مَنْ أَنَبَتَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَاهُ إِنَّمَا جَعَلَهَا عَلَى الذُّكُورِ الْمُدْرِكِينَ، دُونَ الْإِنَاثِ وَالْأَطْفَالِ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ لَوْ لَمْ يُؤَدُّوهَا وَأَسْقَطَهَا عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ وَهُمُ الذُّرِّيَّةُ. وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: أَنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا مَا فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ عُمَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ الْحَالِمَ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ؟ إِلَّا أَنَّ فِيَ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كُتُبِهِ الْحَالِمَ وَالْحَالِمَةَ فَنَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَحْفُوظَ الْمُثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي لَا ذِكْرَ لِلْحَالِمَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَبِهِ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْحَالِمَةِ مَحْفُوظًا فَإِنَّ وَجْهَهُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِذْ كَانَ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَوُلْدَانُهُمْ يُقْتَلُونَ مَعَ رِجَالِهِمْ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ

94 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: إِنَّ §خَيْلًا أَغَارَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُشْرِكِينَ -[47]-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ جَاءَ النَّهْيُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ

95 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْمُرَقَّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ: فَمَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ وَالنَّاسُ عَلَيْهَا، فَأَفْرَجُوا عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَا، مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، الْحَقْ خَالِدًا، فَقُلْ لَهُ: «§لَا تَقْتُلْ ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأُرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ النِّسَاءَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ 96 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُرَقَّعُ بْنُ صَيْفِيٍّ التَّمِيمِيُّ، عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ الْحَنْظَلِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ

97 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَأَصَابَ النَّاسُ ظَفَرًا حَتَّى قَتَلُوا الذُّرِّيَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ ذُرِّيَّةً، أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ ذُرِّيَّةً»

98 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، وَأَبُو النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ §امْرَأَةَ وُجِدَتْ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»

99 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ عَنْ اللَّيْثِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§نَهَى النَّفَرَ الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ بِخَيْبَرَ حِينَ خَرَجُوا إِلَيْهِ عَنْ قَتْلِ الْوَالِدَانِ وَالنِّسَاءِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمَّا أُعْفِيَتِ الذُّرِّيَّةُ - وَهُمُ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ - مِنَ الْقَتْلِ أُسْقِطَتْ عَنْهُمُ الْجِزْيَةُ، وَثَبَتَتْ عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ إِنْ مَنْعِهَا، وَهُمُ الرِّجَالُ، وَمَضَتِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ، وَعَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ

باب فرض الجزية، ومبلغها، وأرزاق المسلمين، وضيافتهم

§بَابُ فَرْضِ الْجِزْيَةِ، وَمَبْلَغِهَا، وَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَضِيَافَتِهِمْ

100 - حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ §ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ: أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ: أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَمَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

101 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنَجَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ §ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ - أَوْ قَالَ: عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ - أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَأَرْزَاقَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحِنْطَةِ مُدَّيْنٍ، وَثَلَاثَةَ أَقْسَاطِ زَيْتٍ، لِكُلِّ إِنْسَانٍ كُلَّ شَهْرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ، قَالَ: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ فَإِرْدَبٌّ كُلَّ شَهْرٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، قَالَ: وَلَا أَدْرِي كَمْ ذَكَرَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنَ الْوَدَكِ وَالْعَسَلِ

102 - وَحَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أَعْلَمُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا قَدْ حَدَّثَنَا بِهِ أَيْضًا - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَوَضَعَ عُثْمَانُ عَلَى أَهْلِ الرُّءُوسِ: «§عَلَى كُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا كُلَّ سَنَةٍ، وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ» ثُمَّ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَأَجَازَهُ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ

103 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ -[50]- الْمُضَرِّبِ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ §بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، «فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ»

104 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ أنَّ عُمَرَ، رَحِمَهُ اللَّهُ «§وَضَعَ عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةَ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ»

105 - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أَعْلَمُ الْحَجَّاجَ إِلَّا قَدْ حَدَّثَنِي بِهِ، أَيْضًا - عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنِي الْحَكَمُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَتَاهُ ابْنُ حُنَيْفٍ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ، قَالَ: فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ لَهُ: «وَاللَّهِ §لَئِنْ وَضَعْتُ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ مِنَ الْأَرْضِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَعَلَى كُلِّ رَأْسٍ دِرْهَمَيْنٍ، لَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُجْهِدُهُمْ» ، قَالَ: «فَكَانَتْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، فَجَعَلَهَا خَمْسِينَ»

106 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ قَبْلَ قَتْلِهِ بِأَرْبَعِ لَيَالٍ وَاقِفًا عَلَى بَعِيرٍ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: انْظُرَا مَا لَدَيْكُمَا، انْظُرَا: «§أَلَّا تَكُونَا حَمَّلْتُمَا أَهْلَ الْأَرْضِ مَا لَا يُطِيقُونَ» ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَضَعْتُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا لَوْ أَضْعَفْتُهُ عَلَيْهِمْ لَكَانُوا مُطِيقِينَ لِذَلِكَ، وَقَالَ حُذَيْفَةُ: وَضَعْتُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مَا فِيهِ كَثِيرُ فَضْلٍ. ثُمَّ ذَكَرَ مَقْتَلَ عُمَرَ إِلَى آخِرِهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ -[51]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا عِنْدَنَا مَذْهَبُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، إِنَّمَا هُمَا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، بِلَا حِمْلٍ عَلَيْهِمْ، وَلَا إِضْرَارٍ بِفَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُؤَقَّتٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ فَرَضَهُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا عَلَى كُلِّ حَالِمٍ، فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِهِ إِلَى مُعَاذٍ، وَقِيمَةُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ إِنَّمَا كَانَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا؟ فَهَذَا دُونَ مَا فَرَضَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهَ هَذَا مِنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا زَادَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ يَسَارِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُ ذَلِكَ

107 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ بَلَغَنِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا: §لِمَ وَضَعَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ مِنَ الْجِزْيَةِ أَكْثَرَ مِمَّا وَضَعَ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ؟ فَقَالَ: لِلْيَسَارِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا وَظَّفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ أَطَاقُوا أَكْثَرَ مِنْهَا، قَالُوا: وَنَرَى فِي النُّقْصَانِ مِنْ ذَلِكَ إِذَا عَجَزُوا عَنِ الْوَظِيفَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي اخْتَرْنَاهُ أَنَّ عَلَيْهِمُ الزِّيَادَةَ كَمَا يَكُونُ لَهُمُ النُّقْصَانُ، لِلزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا عُمَرُ عَلَى وَظِيفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِلزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا هُوَ نَفْسُهُ حِينَ كَانَتْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ فَجَعَلَهَا خَمْسِينَ -[52]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَوْ عَجَزَ أَحَدُهُمْ لَحْظَةً، عَنْ دِينَارِ لَحَطَّهُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَجْرَى عَلَى شَيْخٍ مِنْهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ شَيْخٌ وَهُوَ يَسْأَلُ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ 108 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ جِسْرِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَذْكُرُ فِيهِ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَوْ عَلِمَ عُمَرُ أَنَّ فِيهَا سُنَّةً مُؤَقَّتَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَعَدَّاهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَ نَحْوُ ذَلِكَ أَيْضًا

109 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ «§فَرَضَ عَلَى رُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ عَلَى كُلِّ رَاهِبٍ دِينَارَيْنِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أَرَى عُمَرَ فَعَلَ هَذَا إِلَّا لِعْلِمِهِ بِطَاقَتِهِمْ لَهُ، وَأَنَّ أَهْلَ دِينِهِمْ يَتَحَمَّلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، كَمَا أَنَّهُمْ يَكْفُونَهُمْ جَمِيعَ مَؤُونَاتِهِمْ

باب اجتباء الجزية والخراج، وما يؤمر به من الرفق بأهلها وينهى عنه من العنف عليهم فيها

§بَابُ اجْتِبَاءِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وَمَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الرِّفْقِ بِأَهْلِهَا وَيُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْعُنْفِ عَلَيْهِمْ فِيهَا

110 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يُعَذَّبُونَ فِي الْجِزْيَةِ بِفِلَسْطِينَ فَقَالَ هِشَامٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ §اللَّهَ يُعَذِّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا»

111 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ رَأَى نَبَطًا يُعَذَّبُونَ فِي الْجِزْيَةِ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِمْ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُعَذِّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا» 112 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ -[54]- أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ لِعِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

113 - وَحَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ قَالَ لِعِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عِيَاضٌ لِهِشَامٍ: قَدْ سَمِعْتُ مَا سَمِعْتَ، وَرَأَيْتُ مَا رَأَيْتَ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُو بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ»

114 - حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ، قَالَ: مِنَ الْجِزْيَةَ - فَقَالَ: «§إِنِّي لَأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمُ النَّاسَ» ، قَالُوا: لَا وَاللَّهِ مَا أَخَذْنَا إِلَّا عَفْوًا صَفْوًا قَالَ: «بِلَا سَوْطَ وَلَا نَوْطَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدَيَّ وَلَا فِي سُلْطَانِي»

115 - حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَدِمَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرِ -[55]- بْنِ حِذْيَمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا أَتَاهُ عَلَاهُ بِالدِّرَّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: سَبَقَ سَيْلُكَ مَطَرَكَ، إِنْ تُعَاقِبْ نَصْبِرْ، وَإِنْ تَعْفُ نَشْكُرْ، وَإِنْ تَسْتَعْتِبْ نُعْتِبْ، فَقَالَ: «§مَا عَلَى الْمُسْلِمِ إِلَّا هَذَا، مَا لَكَ تُبْطِئُ بِالْخَرَاجِ؟» قَالَ: أَمَرْتَنَا أَنْ لَا نَزِيدَ الْفَلَّاحِينَ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، فَلَسْنَا نَزِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّا نُؤَخِّرُهُمْ إِلَى غَلَّاتِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: «لَا عَزَلْتُكَ مَا حَيِيتُ» قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: لَيْسَ لِأَهْلِ الشَّامِ حَدِيثٌ فِي الْخَرَاجِ غَيْرُ هَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا وَجْهُ التَّأْخِيرِ إِلَى الْغَلَّةِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ، وَلَمْ نَسْمَعْ فِي اسْتِيدَاءِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَقْتًا مِنَ الزَّمَانِ يُجْتَبَى فِيهِ غَيْرَ هَذَا

116 - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ خَلَفٍ مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَجُلًا عَلَى عُكْبُرَى، فَقَالَ لَهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ: «لَا تَدَعَنَّ لَهُمْ دِرْهَمًا مِنَ الْخَرَاجِ» ، قَالَ: وَشَدَّدَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «الْقَنِي عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ» ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: " إِنِّي كُنْتُ قَدْ أَمَرْتُكَ بِأَمْرٍ، وَإِنِّي أَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ الْآنَ، فَإِنْ عَصَيْتَنِي نَزَعْتُكَ: §لَا تَبِيعَنَّ لَهُمْ فِي خَرَاجٍ حِمَارًا وَلَا بَقَرَةً، وَلَا كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ، وَارْفُقْ بِهِمْ، وَافْعَلْ بِهِمْ، وَافْعَلْ بِهِمْ "

117 - حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَنْتَرَةَ، قَالَ: كَانَ -[56]- عَلِيٌّ §يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ كُلِّ ذِي صُنْعٍ: مِنْ صَاحِبِ الْإِبَرِ إِبَرًا، وَمِنْ صَاحِبِ الْمَسَانِّ مَسَانَّ، وَمِنْ صَاحِبِ الْحِبَالِ حِبَالًا، ثُمَّ يَدْعُو الْعُرَفَاءَ فَيُعْطِيهِمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَيَقْتَسِمُونَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: «خُذُوا هَذَا فَاقْتَسِمُوهُ» ، فَيَقُولُونَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، فَيَقُولُ: «أَخَذْتُمْ خِيَارَهُ، وَتَرَكْتُمْ عَلَيَّ شَرَارَهُ، لَتَحْمِلُنَّهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا يُوجَدُ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ هَذِهِ الْأَمْتِعَةَ بِقِيمَتِهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهِمْ مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى بَيْعِهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنَ الثَّمَنِ، إِرَادَةَ الرِّفْقِ بِهِمْ وَالتَّخْفِيفِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِ مُعَاذٍ، حِينَ قَالَ بِالْيَمَنِ: ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ كَانَ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي الْجِزْيَةِ

118 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ كَانَ §يُؤْتَى بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ مِنْ نِعَمِ الْجِزْيَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: إِنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ تَقْوِيَةٌ لِفِعْلِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَلَا تَرَاهُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُمُ الثِّيَابَ وَهِيَ الْمَعَافِرُ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ الرِّفْقُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ لَا يُبَاعَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْءٌ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِمَّا سَهُلَ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ، أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ عِدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ؟ فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْعِدْلَ أَنَّهُ الْقِيمَةُ

119 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ جِسْرٍ أَبِي جَعْفَرٍ -[57]-، قَالَ: شَهِدْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ، قُرِئَ عَلَيْنَا بِالْبَصْرَةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ رَغِبَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَارَ الْكُفْرَ عِتِيًّا وَخُسْرَانًا مُبِينًا، فَضَعِ الْجِزْيَةَ عَلَى مَنْ أَطَاقَ حَمْلَهَا وَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عِمَارَةِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِمَعَاشِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّةً عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَانْظُرْ مِنْ قِبَلِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَدْ كَبِرَتْ سِنُّهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَوَلَّتْ عَنْهُ الْمَكَاسِبُ، فَأَجْرِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُصْلِحُهُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ كَبِرَتْ سِنُّهُ وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ وَوَلَّتْ عَنْهُ الْمَكَاسِبُ كَانَ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُوتَهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ عِتْقٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ مَرَّ بِشَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَسْأَلُ عَلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَقَالَ: «مَا أَنْصَفْنَاكَ، أَنْ كُنَّا §أَخَذْنَا مِنْكَ الْجِزْيَةَ فِي شَبِيبَتِكَ ثُمَّ ضَيَّعْنَاكَ فِي كِبَرِكَ،» قَالَ: ثُمَّ أَجْرَى عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يُصْلِحُهُ

120 - حُدِّثْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: " سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ §أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ وَشِدَّةٌ وَجَوْرٌ فِي أَحْكَامٍ، وَسُنَنٌ خَبِيثَةٌ سَنَّتْهَا عَلَيْهِمْ عُمَّالُ السُّوءِ، وَإِنَّ أَقْوَمَ الدِّينِ الْعَدْلُ وَالْإِحْسَانُ، فَلَا يَكُونَنَّ شَيْءٌ أَهَمَّ -[58]- إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكِ أَنْ تُوَطِّنَهَا لِطَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا قَلِيلٌ مِنَ الْإِثْمِ، وَأَمَرْتُكَ أَنْ تُطَرِّزَ عَلَيْهِمْ أَرْضَهُمْ، وَأَنْ لَا تَحْمِلَ خَرَابًا عَلَى عَامِرٍ، وَلَا عَامِرًا عَلَى خَرَابٍ، وَلَا تَأْخُذَ مِنَ الْخَرَابِ إِلَّا مَا يُطِيقُ، وَلَا مِنَ الْعَامِرِ إِلَّا وَظِيفَةَ الْخَرَاجِ، فِي رِفْقٍ وَتَسْكِينٍ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَمَرْتُكَ أَنْ لَا تَأْخُذَ فِي الْخَرَاجِ إِلَّا وَزْنَ سَبْعَةٍ، لَيْسَ لَهَا آسٌ، وَلَا أُجُورَ الضَّرَّابِينَ، وَلَا إِذَابَةَ الْفِضَّةِ، وَلَا هَدِيَّةَ النَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ، وَلَا ثَمَنَ الْمُصْحَفِ، وَلَا أُجُورَ الْبُيُوتِ، وَلَا دَرَاهِمَ النِّكَاحِ - قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَوْ قَالَ النِّكَاحَ -، وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَاتَّبِعْ فِي ذَلِكَ أَمْرِي، فَقَدْ وَلَّيْتُكَ مِنْ ذَلِكَ مَا وَلَّانِي اللَّهُ، وَلَا تَعْجَلْ دُونِي بِقَطْعٍ وَلَا صَلْبٍ حَتَّى تُرَاجِعَنِي فِيهِ، وَانْظُرْ مَنْ أَرَادَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الْحَجَّ فَعَجِّلْ لَهُ مِائَةً يَتَجَهَّزُ بِهَا، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ " قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَوْلُهُ: دَرَاهِمَ النِّكَاحِ، أَوِ النِّكَاحَ: يَعْنِي بِهِ بَغَايَا، كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُنَّ الْخَرَاجُ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: الذُّرِّيَّةِ: يَعْنِي مَنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ

باب الجزية على من أسلم من أهل الذمة، أو مات وهي عليه

§بَابُ الْجِزْيَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَوْ مَاتَ وَهِيَ عَلَيْهِ

121 - حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تَأْوِيلُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ السَّنَةِ، وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَنَّ إِسْلَامَهُ يُسْقِطُهَا عَنْهُ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ لَزِمَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلَا تَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ، كَمَا لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِيمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى

122 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنَ الشُّعُوبِ أَسْلَمَ، فَكَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَسْلَمْتُ، فَقَالَ: «§لَعَلَّكَ أَسْلَمْتَ مُتَعَوِّذًا» ، فَقَالَ: أَمَّا فِي الْإِسْلَامِ مَا يُعِيذُنِي؟ قَالَ: «بَلَى» ، قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ «أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشُّعُوبُ: الْأَعَاجِمُ

123 - حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَسْلَمَ -[60]- دِهْقَانٌ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «§إِنْ أَقَمْتَ فِي أَرْضِكَ رَفَعْنَا عَنْكَ جِزْيَةَ رَأْسِكَ، وَأَخَذْنَاهَا مِنْ أَرْضِكَ وَإِنْ تَحَوَّلْتَ عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا»

124 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، أَنَّ دِهْقَانًا أَسْلَمَ، فَقَامَ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «§أَمَّا أَنْتَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْكَ، وَأَمَّا أَرْضُكَ فَلَنَا»

125 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «§مَنْ شَهِدَ شَهَادَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَاخْتَتَنَ، فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ الْجِزْيَةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ قَدْ تَتَابَعَتْ عَنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَمَّنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يَنْظُرُوا: فِي أَوَّلِ السَّنَةِ كَانَ ذَلِكَ وَلَا فِي آخِرِهَا، فَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ أَهْدَرَ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى هَذِهِ الْآثَارِ فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْهُمْ، أَوْ عَنْ بَعْضُهُمِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا مِنْهُمْ وَقَدْ أَسْلَمُوا، يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرَائِبِ عَلَى الْعَبِيدِ يَقُولُونَ: فَلَا يُسْقِطُ إِسْلَامُ الْعَبْدِ عَنْهُ ضَرِيبَتَهُ، وَلِهَذَا اسْتَجَازَ مَنِ اسْتَجَازَ مِنَ الْقُرَّاءِ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ مَا يُثْبِتُ مَا كَانَ مِنْ أَخْذِهِمْ إِيَّاهَا

126 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: " §أَعْظَمُ مَا أَتَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ خِصَالٍ: قَتْلُهُمْ عُثْمَانَ -[61]-، وَإِحْرَاقُهُمُ الْكَعْبَةَ، وَأَخْذُهُمُ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الذِّمِّيِّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَأَمَّا مَوْتُهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ

127 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنَادَةَ، كَاتَبِ حَيَّانَ بْنِ سُرَيْجٍ وَكَانَ حَيَّانُ بَعَثَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَتَبَ يَسْتَفْتِيهِ: أَيَجْعَلُ جِزْيَةَ مَوْتَى الْقِبْطِ عَلَى أَحْيَائِهِمْ؟ فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَسْمَعُ فَقَالَ: " §مَا سَمِعْتُ لَهُمْ بِعَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، إِنَّمَا أُخِذُوا عَنْوَةً، بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى حَيَّانَ بْنِ سُرَيْجٍ يَأْمُرُهُ أَنْ يَجْعَلَ جِزْيَةَ الْأَمْوَاتِ عَلَى الْأَحْيَاءِ، قَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ: وَكَانَ حَيَّانُ وَالِيَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى مِصْرَ

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: «§لَيْسَ عَلَى مَنْ مَاتَ، وَلَا عَلَى مَنْ أَبَقَ جِزْيَةٌ» ، يَقُولُ: «لَا تُؤْخَذُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَلَا يَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ، وَلَا مِنْ أَهْلِهِ إِذَا هَرَبَ عَنْهُمْ مِنْهَا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا ضَامِنِينَ لِذَلِكَ»

باب أخذ الجزية من الخمر والخنزير

§بَابُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ

128 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حُدِّثْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَعْلَى الْجُعْفِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ §نَاسًا يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْخَنَازِيرِ، وَقَامَ بِلَالٌ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، فَقَالَ عُمَرُ: «لَا تَفْعَلُوا، وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا»

129 - وَحَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ عُمَّالَكَ §يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوا مِنْهُمْ، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنَ الثَّمَنِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ، مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَخَرَاجِ أَرَضِيهِمْ، بِقِيمَتِهَا، ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ بِلَالٌ، وَنَهَى عَنْهُ عُمَرُ، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ أَثْمَانِهَا، إِذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُتَوَلِّينَ لِبَيْعِهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا تَكُونُ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ -[63]- وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثٌ لِعُمَرَ آخَرُ

130 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ، «§يَأْمُرُهُمْ بِقَتْلِ الْخَنَازِيرِ وَتُقْتَصُّ أَثْمَانُهَا لِأَهْلِ الْجِزْيَةِ مِنْ جِزْيَتِهِمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهُوَ لَمْ يَجْعَلُهَا قِصَاصًا مِنَ الْجِزْيَةِ إِلَّا وَهُوَ يَرَاهَا مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَأَمَّا إِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْعَاشِرِ، فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ أَنْ يُعَشِّرَهَا، وَلَا يَأْخُذَ ثَمَنَ الْعُشْرِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ الذِّمِّيُّ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِبَيْعِهَا أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُشْبِهُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى رِقَابِهِمْ وَأَرْضِيهِمْ، وَإِنَّ الْعُشْرَ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُوضَعُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ أَنْفُسِهَا، فَكَذَلِكَ ثَمَنُهَا لَا يَطِيبُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهِ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَفْتَى فِي هَذَا بِغَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

131 - حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيِّ، أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ بَعَثَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِأَرْبَعِينَ -[64]- أَلْفَ دِرْهَمٍ، صَدَقَةَ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: §بَعَثْتَ إِلَيَّ بِصَدَقَةِ الْخَمْرِ، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّاسَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا، قَالَ: فَتَرَكَهُ

132 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ: أَنِ §ابْعَثْ إِلَيَّ بِفَضْلِ الْأَمْوَالِ الَّتِي قِبَلَكَ مِنْ أَيْنَ دَخَلَتْ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَصَنَّفَهُ لَهُ: فَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ: مِنْ عُشْرِ الْخَمْرِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، قَالَ: فَلَبِثْنَاهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ جَوَابُ كِتَابِهِ إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَذْكُرُ مِنْ عُشُورِ الْخَمْرِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِنَّ الْخَمْرَ لَا يُعَشِّرُهَا مُسْلِمٌ، وَلَا يَشْرَبُهَا وَلَا يَبِيعُهَا، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَاطْلُبِ الرَّجُلَ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِمَا كَانَ فِيهَا، فَطَلَبَ الرَّجُلَ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ الْآلَافِ، وَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِنِّي لَمْ أَعْلَمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا عِنْدِي الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَدْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ

133 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي §الذِّمِّيِّ يَمُرُّ بِالْخَمْرِ عَلَى الْعَاشِرِ، قَالَ: «يُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْعُشُورُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِذَا مُرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ -[65]- عَشَّرَ الْخَمْرَ وَلَمْ يُعَشِّرِ الْخَنَازِيرَ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ، عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْخَمْرِ عُشْرٌ أَيْضًا

باب الجزية كيف تجتبى؟ وما أخذ به أهلها من الزي، وختم الرقاب

§بَابُ الْجِزْيَةِ كَيْفَ تُجْتَبَى؟ وَمَا أُخِذَ بِهِ أَهْلُهَا مِنَ الزِّيِّ، وَخَتْمِ الرِّقَابِ

حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ - قَالَ: فَفَلَجَا الْأَرْضَ بِالْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ، وَقَالَا: «§مَنْ يَأْتِنَا فَنَخْتِمُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةِ» ، قَالَ: فَحُشِدُوا وَكَانُوا أَوَّلَ مَا افْتُتِحُوا خَائِفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَخَتَمَا أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ فَلَجَا الْجِزْيَةَ: عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ حَسَبَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَمَا عَلَيْهِمْ، وَقَالَا لِدِهْقَانِ كُلِّ قَرْيَةٍ: عَلَى قَرْيَتِكَ كَذَا وَكَذَا، فَاذْهَبُوا فَتَوَزَّعُوهَا بَيْنَكُمْ -[66]-، قَالَ: فَكَانُوا يَأْخُذُونَ الدِّهْقَانَ بِجَمِيعِ مَا عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ

135 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، يَقُولُ: §حَلَقَ حُذَيْفَةُ رَأْسَهُ بِالْمَدَائِنِ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَحْلِقُ رَأْسِي لِأَنِّي لَمْ أُؤَدِّ الْخَرَاجَ أَوْ قَالَ: الْجِزْيَةَ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - يُفْزِعُ بِذَلِكَ الدَّهَّاقِينَ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْخَرَاجَ حَلَقَ رَأْسَهُ قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: وَكَانَ الْحَلْقُ عِنْدَهُمْ عَظِيمًا، أَوْ قَالَ: مُثْلَةً

136 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ، وَمُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ، وَقَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنْ «§يَخْتِمُوا رِقَابَ أَهْلِ الذِّمَّةِ»

137 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ §أَمَرَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَنْ تَجُزَّ نَوَاصِيهِمْ، وَأَنْ يَرْكَبُوا عَلَى الْأُكُفِ، وَأَنْ يَرْكَبُوا عَرْضًا، وَأَنْ -[67]- لَا يَرْكَبُوا كَمَا يَرْكَبُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَنْ يُوَثِّقُوا الْمَنَاطِقَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي الزَّنَانِيرَ

138 - حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ قَالَ عُمَرُ: يَا يَرْفَأُ، §اكْتُبْ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: أَنْ تُجَزَّ نَوَاصِيهِمْ، وَأَنْ يَرْبُطُوا الْكُسْتَيْجَانَ فِي أَوْسَاطِهِمْ؛ لِيُعْرَفَ زِيُّهُمْ مِنْ زِيِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ

139 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الْأَيْدِيِّ، قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي §أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَنْ «يُحْمَلُوا عَلَى الْأُكُفِ، وَأَنْ تُجَزَّ نَوَاصِيهِمْ»

140 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ §كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُتْعِبَ الْأَنْبَاطَ فِي الْجِزْيَةِ إِذَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَمْ يُرِدْ سَعِيدٌ فِيمَا نَرَى بِالْإِتْعَابِ: تَعْذِيبَهُمْ، وَلَا تَكْلِيفَهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُعَامَلُوا عِنْدَ طَلَبِهَا مِنْهُمْ بِالْإِكْرَامِ لَهُمْ، وَلَكِنْ بِالِاسْتِخْفَافِ بِهِمْ، وَأَحْسِبُهُ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَقَدْ فَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ: عَنْ يَدٍ قَالَ -[68]-: نَقْدًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْشُونَ بِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْطِيهَا وَهُوَ قَائِمٌ، وَالَّذِي يَقْبِضُهَا مِنْهُ جَالِسٌ

كتاب فتوح الأرضين صلحا وسننها وأحكامها

§كِتَابُ فُتُوحِ الْأَرَضِينَ صُلْحًا وَسُنَنِهَا وَأَحْكَامِهَا

باب فتح الأرض تؤخذ عنوة، وهي من الفيء والغنيمة جميعا قال أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم ملك أيمانهم، وهي أرض عشر، لا شيء عليهم فيها غيره،

§بَابُ فَتْحِ الْأَرْضِ تُؤْخَذُ عَنْوَةً، وَهِيَ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ جَمِيعًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجَدْنَا الْآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ قَدْ جَاءَتْ فِي افْتِتَاحِ الْأَرَضِينَ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ: أَرْضٌ أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَهِيَ لَهُمْ مِلْكُ أَيْمَانِهِمْ، وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيهَا غَيْرُهُ، وَأَرْضٌ افْتُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى خَرْجٍ مَعْلُومٍ، فَهُمْ عَلَى مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، لَا يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَأَرْضٌ أُخِذَتْ عَنْوَةً، فَهِيَ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَبِيلُهَا سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ، فَتُخَمَّسُ وَتُقَسَّمُ، فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا خُطَطًا بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، وَيَكُونُ الْخُمُسُ الْبَاقِي لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ حُكْمُهَا وَالنَّظَرُ فِيهَا إِلَى الْإِمَامِ: إِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهَا غَنِيمَةً، فَيُخَمِّسَهَا وَيُقَسِّمَهَا، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهَا فَيْئًا فَلَا يُخَمِّسَهَا وَلَا يُقَسِّمَهَا، وَلَكِنْ تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً

مَا بَقُوا، كَمَا صَنَعَ عُمَرُ بِالسَّوَادِ، فَعَلَ ذَلِكَ فَهَذِهِ أَحْكَامُ الْأَرْضِ الَّتِي تُفْتَحُ فَتْحًا، فَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي يَقْطَعُهَا الْإِمَامُ إِقْطَاعًا، أَوْ يَسْتَخْرِجَهَا الْمُسْلِمُونَ بِالْإِحْيَاءِ، أَوْ يَحْتَجِزُهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِالْحُمَّى، فَلَيْسَتْ مِنَ الْفُتُوحِ، وَلَهَا أَحْكَامٌ سِوَى تِلْكَ وَبِكُلِّ هَذَا قَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ

141 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَمَّا الْحَكَمُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَالِحٍ حَدَّثَنَا، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ، وَكَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فَخَمَّسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلَاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى -[71]- أَنْ تَعْمَلُوهَا، وَيَكُونُ ثَمَرُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَأُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ، قَالَ فَقَبِلُوا الْأَمْوَالَ عَلَى ذَلِكَ»

142 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ بَشِيرَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ قَسَّمَهَا عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمْعُ كُلِّ سَهْمٍ مِنْهَا مِائَةُ سَهْمٍ، وَعَزَلَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ، وَقَسَّمَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَسَّمَ: الشَّقُّ وَالنَّطَاةُ وَمَا حِيزَ مَعَهُمَا، وَكَانَ فِيمَا وَقَفَ: الْكَتِيبَةُ وَالْوَطِيحَةُ وَسُلَالِمُ، فَلَمَّا صَارَتِ الْأَمْوَالُ فِي يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْعُمَّالِ مَا يَكْفُونَ عَمَلَ الْأَرْضِ، فَدَفَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ، يَعْمَلُونَهَا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا، فَلَمْ تَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَكَثُرَ الْمَالُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَوُوا عَلَى عَمَلِ الْأَرْضِ، فَأَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ إِلَى الشَّامِ وَقَسَّمَ الْأَمْوَالَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَوْمِ

143 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: §لَوْلَا آخِرُ النَّاسِ مَا فُتِحَتْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ

144 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ الْمِصْرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَنْ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ وَهْبٍ الْخَوْلَانِيَّ، يَقُولُ: لَمَّا افْتُتِحَتْ مِصْرُ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: §اقْسِمْهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ

145 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْهُ حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا وَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْقَسْمِ

146 - وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْقَسْمِ، فَإِنَّ هُشَيْمَ بْنَ بَشِيرٍ حَدَّثَنَا: قَالَ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: §لَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ السَّوَادَ قَالُوا لِعُمَرَ: اقْسِمْهُ بَيْنَنَا، فَإِنَّا افْتَتَحْنَاهُ عَنْوَةً، قَالَ: فَأَبَى، وَقَالَ: فَمَا لِمَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ وَأَخَافُ إِنْ قَسَمْتُهُ أَنْ تَفَاسَدُوا بَيْنَكُمْ فِي الْمِيَاهِ، قَالَ: فَأَقَرَّ أَهْلَ السَّوَادِ فِي أَرَضِيهِمْ، وَضَرَبَ عَلَى رُءُوسِهِمُ الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَرَضِيهِمُ الطَّسْقَ، وَلَمْ يَقْسِمْ بَيْنَهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي: الْخَرَاجَ

147 - وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا -[73]- الْمَاجِشُونُ، قَالَ: قَالَ بِلَالٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقُرَى الَّتِي افْتَتَحَهَا عَنْوَةً: اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، وَخُذْ خُمُسَهَا، فَقَالَ عُمَرُ: «لَا §هَذَا عَيْنُ الْمَالِ، وَلَكِنِّي أَحْبِسُهُ فِيمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ» ، فَقَالَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ: اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ» ، قَالَ: فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: وَأَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «تُرِيدُونَ أَنْ يَأْتِيَ آخِرُ النَّاسِ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ»

148 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، قَالَ: «§لَوْلَا آخِرُ النَّاسِ مَا افْتُتِحَتْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا»

149 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ وَهْبٍ الْخَوْلَانِيَّ، يَقُولُ: §لَمَّا افْتُتِحَتْ مِصْرُ بِغَيْرِ عَهْدٍ، قَامَ الزُّبَيْرُ فَقَالَ: يَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، اقْسِمْهَا، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أَقْسِمُهَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: لَتَقْسِمَنَّهَا، كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ -[74]-، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أَقْسِمُهَا، حَتَّى أَكْتُبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ دَعْهَا حَتَّى يَغْزُوَ مِنْهَا حَبَلُ الْحَبَلَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أُرَاهُ أَرَادَ: أَنْ تَكُونَ فَيْئًا مَوْقُوفًا لِلْمُسْلِمِينَ مَا تَنَاسَلُوا، يَرِثُهُ قَرْنٌ بَعْدَ قَرْنٍ، فَتَكُونُ قُوَّةً لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ

150 - وَحَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ افْتَتَحَ الْعِرَاقَ: " أَمَا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ سَأَلُوا أَنْ تُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ غَنَائِمُهُمْ، وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَانْظُرْ مَا أَجْلَبُوا بِهِ عَلَيْكَ فِي الْعَسْكَرِ، مِنْ كُرَاعٍ أَوْ مَالٍ: فَاقْسِمْهُ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، §وَاتْرُكِ الْأَرَضِينَ وَالْأَنْهَارَ لِعُمَّالِهَا؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ فِي أَعْطِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّا لَوْ قَسَمْنَاهَا بَيْنَ مَنْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ شَيْءٌ "

151 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ §أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ السَّوَادَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَ أَنْ يُحْصُوا فَوُجِدَ الرَّجُلُ يُصِيبُهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْفَلَّاحِينَ فَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: دَعْهُمْ يَكُونُوا مَادَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَتَرَكَهُمْ وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ

152 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ -[75]- عَطِيَّةَ الْعَنْسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَيْسٍ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيِّ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - قَالَ: قَدِمَ عُمَرُ الْجَابِيَةَ، فَأَرَادَ قَسْمَ الْأَرْضِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: وَاللَّهِ إِذَنْ لَيَكُونَنَّ مَا تَكْرَهُ، إِنَّكَ §إِنْ قَسَمْتَهَا صَارَ الرِّيعُ الْعَظِيمُ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ، ثُمَّ يَبِيدُونَ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ إِلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَوِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَسُدُّونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مَسَدًّا، وَهُمْ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا، فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ 153 - قَالَ هِشَامٌ: وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ أَوِ ابْنِ قَيْسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ، يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي قَسْمِ الْأَرْضِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ مُعَاذٍ إِيَّاهُ، قَالَ: فَصَارَ عُمَرُ إِلَى قَوْلِ مُعَاذٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ فِي افْتِتَاحِ الْأَرَضِينَ عَنْوَةً بِهَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ: أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَهَا غَنِيمَةً، فَخَمَّسَهَا، وَقَسَّمَهَا، وَبِهَذَا الرَّأْيِ أَشَارَ بِلَالٌ عَلَى عُمَرَ فِي بِلَادِ الشَّامِ، وَأَشَارَ بِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، كَذَلِكَ يُرْوَى عَنْهُ. وَأَمَّا الْحُكْمُ الْآخَرُ فَحُكْمُ عُمَرَ فِي السَّوَادِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَهُ فَيْئًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا تَنَاسَلُوا، وَلَمْ يُخَمِّسْهُ، وَهُوَ الرَّأْيُ الَّذِي أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ -[76]-، وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْخِيَارُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ إِلَى الْإِمَامِ، إِنْ شَاءَ جَعَلَهَا غَنِيمَةً فَخَمَّسَ وَقَسَّمَ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا فَيْئًا عَامًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُخَمِّسْ وَلَمْ يُقَسِّمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكِلَا الْحُكْمَيْنِ فِيهِ قُدْوَةٌ وَمُتَّبَعٌ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، إِلَّا أَنَّ الَّذِيَ أَخْتَارُهُ مِنْ ذَلِكَ: يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ، كَمَا قَالَ سُفْيَانُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا دَاخِلَانِ فِيهِ، وَلَيْسَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَّادٍ لِفِعْلِ عُمَرَ، وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَعَمِلَ بِهَا، وَاتَّبَعَ عُمَرُ آيَةً أُخْرَى فَعَمِلَ بِهَا وَهُمَا آيَتَانِ مُحْكَمَتَانِ فِيمَا يَنَالُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَيَصِيرُ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] فَهَذِهِ آيَةُ الْغَنِيمَةِ، وَهِيَ لِأَهْلِهَا دُونَ النَّاسِ، وَبِهَا عَمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ -[77]- اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فَهَذِهِ آيَةُ الْفَيْءِ وَبِهَا عَمِلَ عُمَرُ، وَإِيَّاهَا تَأَوَّلَ حِينَ ذَكَرَ الْأَمْوَالَ وَأَصْنَافَهَا، فَقَالَ: فَاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسَ وَإِلَى هَذِهِ الْآيَةِ ذَهَبَ عَلِيُّ وَمُعَاذٌ، حِينَ أَشَارَا عَلَيْهِ بِمَا أَشَارَا فِيمَا نَرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ عُمَرَ إِنَّمَا فَعَلَ بِرِضًى مِنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوا الْأَرْضَ، وَاسْتِطَابَةً لِأَنْفُسِهِمْ -[78]-، لَمَّا كَانَ عُمَرُ كَلَّمَ بِهِ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَرْضِ السَّوَادِ، وَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَانَ مِنْ كَلَامِهِ إِيَّاهُ

154 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: §كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعَ النَّاسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَجَعَلَ لَهُمْ عُمَرُ رُبْعَ السَّوَادِ، فَأَخَذُوهُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَوَفَدَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ إِلَى عُمَرَ، وَمَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ لِجَرِيرٍ: يَا جَرِيرُ، «لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا جُعِلَ لَكُمْ، وَأَرَى النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا فَأَرَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ» فَفَعَلَ جَرِيرٌ ذَلِكَ، فَأَجَازَهُ عُمَرُ بِثَمَانِينَ دِينَارًا

155 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَجِيلَةَ يُقَالَ لَهَا أُمُّ كُرْزٍ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَبِي هَلَكَ، وَسَهْمُهُ ثَابِتٌ فِي السَّوَادِ، وَإِنِّي لَمْ أُسْلِمْ، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ كُرْزٍ، إِنَّ قَوْمَكِ قَدْ صَنَعُوا مَا قَدْ عَلِمْتِ، قَالَتْ: إِنْ كَانُوا قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا فَإِنِّي §لَسْتُ أُسْلِمُ حَتَّى تَحْمِلَنِي عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ وَتَمْلَأَ كَفِّي ذَهَبًا، قَالَ: فَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ، فَكَانَتِ الدَّنَانِيرُ نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ دِينَارًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَاحْتَجَّ قَوْمٌ بِفِعْلِ عُمَرَ هَذَا قَالُوا: أَلَا تَرَاهُ قَدْ أَرْضَى جَرِيرًا وَالْبَجَلِيَّةَ، وَعَوَّضَهُمَا؟ وَإِنَّمَا وَجْهُ هَذَا عِنْدِي: أَنَّ عُمَرَ كَانَ نَفَّلَ جَرِيرًا وَقَوْمَهُ ذَلِكَ نَفَلًا قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَأَمْضَى لَهُ نَفَلَهُ، وَكَذَلِكَ يُحَدِّثُهُ عَنْهُ الشَّعْبِيِّ

156 - حَدَّثَنِي عَفَّانُ، حَدَّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ وَجَّهَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْكُوفَةِ، بَعْدَ قَتْلِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ: §هَلْ لَكَ فِي الْكُوفَةِ، وَأُنَفِّلُكَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَعَثَهُ قَالَ عَفَّانُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، إِلَّا أَنِّي لِحَدِيثِ مَسْلَمَةَ أَحْفَظُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَنَرَى أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا خَصَّ جَرِيرًا وَقَوْمَهُ بِمَا أَعْطَاهُمْ لِلنَّفَلِ الْمُتَقَدِّمِ، الَّذِي كَانَ جَعَلَهُ لَهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَفَلًا مَا خَصَّهُ وَقَوْمَهُ بِالْقِسْمَةِ خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ، أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ سِوَاهُمْ؟ وَإِنَّمَا اسْتَطَابَ أَنْفُسَهُمْ خَاصَّةً، لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَحْرَزُوا ذَلِكَ وَمَلَكُوهُ بِالنَّفَلِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِجَرِيرٍ: لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا جُعِلَ لَكُمْ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَيْسٌ وَالشَّعْبِيُّ فِيمَا بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْأَصْلِ، فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ قَوْلُهُ هَذَا: أَنَّهُ قَدْ كَانَ جَعَلَهُ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَلًا، فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا -[80]- لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْإِمَامِ مِنِ اسْتِرْضَائِهِمْ فَكَيْفَ يَسْتَرْضِيهِمْ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى بِلَالٍ وَأَصْحَابِهِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ؟ فَأَيُّ طِيبٍ نَفْسٍ هَاهُنَا؟ وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي إِلَّا عَلَى مَا قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّ الْإِمَامَ يَتَخَيَّرُ فِي الْعَنْوَةِ بِالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْحَيْطَةِ عَلَيْهِمْ: بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا غَنِيمَةً، أَوْ فَيْئًا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ نَفْسَهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَسَمَ خَيْبَرَ ثُمَّ يَقُولُ مَعَ هَذَا: لَوْلَا آخِرُ النَّاسِ لَفَعَلْتُ ذَلِكَ. فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ هَذَا أَنَّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا إِلَيْهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا تَعَدَّى سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَيْرِهَا وَهُوَ يَعْرِفُهَا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِالرَّأْيِ أَنَّ لِلْإِمَامِ فِي الْعَنْوَةِ حُكْمًا ثَالِثًا قَالَ: إِنْ شَاءَ لَمْ يَجْعَلْهَا غَنِيمَةً وَلَا فَيْئًا، وَرَدَّهَا عَلَى أَهْلِهَا الَّذِينَ أُخِذَتْ مِنْهُمْ وَيَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ افْتَتَحَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ عَلَيْهِمْ بِهَا وَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ

157 - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ؟ فَذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ ثُمَّ قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمَجْنَبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمَجْنَبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ عَلَى الْحُسَّرِ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَتِهِ، فَنَظَرَ، فَرَآنِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَقَالَ: «اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ، وَلَا يَأْتِينِي إِلَّا أَنْصَارِيُّ» فَهَتَفْتُ بِهِمْ، فَجَاءُوا حَتَّى أَطَافُوا بِهِ، وَقَدْ وَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وَأَتْبَاعًا، فَلَمَّا أَطَافَتِ الْأَنْصَارُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعَهَا؟» قَالَ بِيَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى: «احْصُدُوهُمْ حَصْدًا، حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَنْ يَشَاءُ إِلَّا قَتَلَهُ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُبِيحَتْ - أَوْ قَالَ: أُبِيرَتْ - خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ فَلَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» قَالَ: فَغَلَّقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ

158 - قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدَةَ، قَرِيبٌ لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: §لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ أَيَّامَ الْفَتْحِ فَدَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، فَنَادَى: أَيْنَ الْأَنْصَارُ؟ وَلَا يَأْتِي إِلَّا -[82]- أَنْصَارِيُّ، فَلمَّا جَاءُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ فِيكُمْ غَيْرُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، إِلَّا ابْنَ أُخْتٍ لَنَا، فَقَالَ: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ مُلَاقُو أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ غَدًا فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا وَقَالَ بِيَدَيْهِ عَلَى عُنُقِ الدَّابَّةِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِيعَادُكُمُ الصَّفَا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا دَخَلُوا مَكَّةَ فَرَأَى أَهْلُ مَكَّةَ مَا قَدْ أَتَاهُمْ، نَادَى أَبُو سُفْيَانَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ قُرَيْشٌ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ: وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ: وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ

159 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: §أَلَا لَا يُجْهَزَنَّ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُتْبَعَنَّ مُدْبِرٌ، وَلَا يُقْتَلَنَّ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ صَحَّتِ الْأَخْبَارَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ افْتَتَحَ مَكَّةَ، وَأَنَّهُ مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَقْسِمْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا فَيْئًا فَرَأَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ جَائِزٌ لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ وَلَا نَرَى مَكَّةَ يُشْبِهُهَا شَيْءٌ مِنَ الْبِلَادِ، مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ خَصَّهُ مِنَ الْأَنْفَالِ وَالْغَنَائِمِ بِمَا لَمْ يَجْعَلْهُ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] فَنَرَى هَذَا كَانَ خَالِصًا -[83]- لَهُ وَالْجِهَةُ الْأُخْرَى، أَنَّهُ قَدْ سَنَّ لِمَكَّةَ سُنَنًا لَمْ يَسُنَّهَا لِشَيْءٍ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ

160 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ §أَلَا تَبْنِي لَكَ بَيْتًا، أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ؟ تَعْنِي بِمَكَّةَ فَقَالَ: «لَا إِنَّمَا هِيَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ»

161 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §إِنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ، لَا يَحِلُّ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَلَا أُجُورُ بُيُوتِهَا

162 - حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أُرَاهُ رَفَعَهُ قَالَ: §مَكَّةُ مُنَاخٌ، لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُؤْخَذُ إِجَارَتُهَا، وَلَا تَحِلُّ ضَالَّتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ

163 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «§مَنْ أَكَلَ مِنْ أُجُورِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ»

164 - حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَطَاءِ، أَنَّهُ §كَرِهَ الْكِرَاءَ بِمَكَّةَ

165 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: §قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى النَّاسِ يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ

166 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَمِيرِ مَكَّةَ أَنْ «§لَا يَدَعَ أَهْلَ مَكَّةَ يَأْخُذُونَ عَلَى بُيُوتِ مَكَّةَ أَجْرًا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ»

167 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ §نَهَى أَنْ تُغْلَقَ دُورُ مَكَّةَ دُونَ الْحَاجِّ، وَأَنَّهُمْ يَضْطَرِبُونَ فِيمَا وَجَدُوا مِنْهَا فَرَاغًا

168 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §الْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ

وَحَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْمُؤَدِّبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§الْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ»

170 - حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: §الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِذَا كَانَتْ مَكَّةُ هَذِهِ سُنَنُهَا أَنَّهَا مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا يَطِيبُ كِرَاءُ بُيُوتِهَا، وَأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِجَمَاعَةِ -[86]- الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ غَنِيمَةً، فَتُقْسَمُ بَيْنَ قَوْمٍ يَحُوزُونَهَا دُونَ النَّاسِ، أَوْ تَكُونُ فَيْئًا فَتَصِيرُ أَرْضَ خَرَاجٍ، وَهِيَ أَرْضٌ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامُ، أَوِ الْقَتْلُ فَإِذَا أَسْلَمُوا كَانَتْ أَرْضُهُمْ أَرْضَ عُشْرٍ، وَلَا تَكُونُ خَرَاجًا أَبَدًا؟ ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ مُفَسِّرًا حِينَ قَالَ: لَا تَحِلُّ غَنَائِمُهَا فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. 171 - قَالَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَشَرِيكٍ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا، وَزَادَ فِيهِ: وَلَا تَحِلُّ غَنَائِمُهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَيْسَتْ تُشْبِهُ مَكَّةُ شَيْئًا مِنَ الْبِلَادِ، لِمَا خُصَّتْ بِهِ، فَلَا حُجَّةَ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى غَيْرِهَا كَمَا حُكِمَ عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ تَخْلُوَ بِلَادُ الْعَنْوَةِ سِوَى مَكَّةَ مِنْ أَنْ تَكُونَ غَنِيمَةً، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، أَوْ تَكُونَ فَيْئًا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِالسَّوَادِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ

باب أرض العنوة تقر في أيدي أهلها، ويوضع عليها الطسق، وهو الخراج

§بَابُ أَرْضِ الْعَنْوَةِ تُقَرُّ فِي أَيْدِي أَهْلِهَا، وَيُوضَعُ عَلَيْهَا الطَّسْقُ، وَهُوَ الْخَرَاجُ

172 - حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أَعْلَمُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا قَدْ حَدَّثَنَاهُ أَيْضًا - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ: عَلَى صَلَاتِهِمْ وَجُيُوشِهِمْ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ: عَلَى قَضَائِهِمْ وَبَيْتِ مَالِهِمْ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ ثُمَّ فَرَضَ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً -[87]- بَيْنَهُمْ، قَالَ: أَوْ قَالَ: جَعَلَ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً: شَطْرُهَا وَسَوَاقِطُهَا لِعَمَّارٍ، وَالشَّطْرَ الْآخَرَ بَيْنَ هَذَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا أَرَى قَرْيَةً يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ شَاةٌ إِلَّا سَرِيعًا فِي خَرَابِهَا» . قَالَ فَمَسَحَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ الْأَرْضَ، §فَجَعَلَ عَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَصَبِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَعَلَى جَرِيبِ الْبُرِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ وَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمُ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ بِهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَجَعَلَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَعَطَّلَ الصِّبْيَانَ وَالنِّسَاءَ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا كُلَّ سَنَةٍ، كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَأَجَازَهُ، وَرَضِيَ بِهِ، قَالَ: فَقِيلَ لِعُمَرَ: تُجَّارُ الْحَرْبِ كَمْ نَأْخُذُ مِنْهُمْ، إِذَا قَدِمُوا عَلَيْنَا؟ قَالَ: «كَمْ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ إِذَا قَدِمْتُمْ عَلَيْهِمْ؟» قَالُوا: الْعُشْرَ، قَالَ: «فَخُذُوا مِنْهُمُ الْعُشْرَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَبُو مِجْلَزٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَدُوسٍ مِنَ التَّابِعِينَ

173 - حَدَّثَنِي عَفَّانُ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ §بَعَثَ ابْنَ حُنَيْفٍ إِلَى السَّوَادِ فَطَرَّزَ الْخَرَاجَ، فَوَضَعَ عَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنٍ، وَعَلَى جَرِيبِ الْحِنْطَةِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَصَبِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةً، وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةً، وَعَلَى جَرِيبِ الزَّيْتُونِ اثْنَا عَشَرَ، وَوَضَعَ عَلَى الرَّجُلِ الدِّرْهَمَ فِي الشَّهْرِ وَالدِّرْهَمَيْنِ فِي الشَّهْرِ

174 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ §عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَعَلَى جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّجَرَةِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرِ النَّخْلَ، وَعَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ

175 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ «§بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَمَسَحَ السَّوَادَ فَوَجَدَهُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا» -[89]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ هَذَا غَيْرَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِ خَاصَّةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ فِي حَدِيثِ مُجَالِدٍ؟ وَإِنَّمَا مَذْهَبُ الْخَرَاجِ مَذْهَبُ الْكِرَاءِ، فَكَأَنَّهُ أَكْرَى كُلَّ جَرِيبٍ بِدِرْهَمَ وَقَفِيزٍ فِي السَّنَةِ، وَأَلْغَى مِنْ ذَلِكَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا أُجْرَةً، وَهَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ السَّوَادَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا عُمَّالٌ لَهُمْ بِكِرَاءٍ مَعْلُومٍ يُؤَدُّونَهُ، وَيَكُونُ بَاقِي مَا تَخْرُجُ الْأَرْضُ لَهُمْ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ، وَلَا يَكُونُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ، لِأَنَّ قَبَالَتَهُمَا لَا تَطِيبُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى، فَيَكُونُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَقَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ، وَهَذَا الَّذِي كَرِهَتِ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْقَبَالَةِ

176 - حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ إِنَّا §نَتَقَبَّلُ الْأَرْضَ فَنُصِيبُ مِنْ ثِمَارِهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: - يَعْنِي: الْفَضْلَ - قَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا الْعَجْلَانُ

177 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: §جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَتَقَبَّلُ مِنْكَ الْأُبُلَّةَ بِمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: فَضَرَبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِائَةً وَصَلَبَهُ حَيًّا

178 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§الْقَبَالَاتُ حَرَامٌ»

179 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: §الْقَبَالَاتُ رِبًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَى هَذِهِ الْقَبَالَةِ الْمَكْرُوهَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا أَنْ يَتَقَبَّلَ الرَّجُلُ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ وَالزَّرْعَ النَّابِتَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَيُدْرَكَ، وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ

180 - حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ §الرَّجُلِ يَأْتِي الْقَرْيَةَ فَيَتَقَبَّلَهَا وَفِيهَا النَّخْلُ وَالشَّجَرُ وَالزَّرْعُ وَالْعُلُوجُ؟ فَقَالَ: لَا يَتَقَبَّلُهَا فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا أَصْلُ كَرَاهَةِ هَذَا أَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَمْ يُخْلَقْ، بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، فَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ فَلَيْسَتَا مِنَ الْقَبَالَاتِ، وَلَا تَدْخُلَانِ فِيهَا، وَقَدْ رُخِّصَ فِي هَذَيْنِ، وَلَا نَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الْقَبَالَاتِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى حَدِيثَ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ هُوَ الْمَحْفُوظُ. قَالَ: وَمِمَّا يُثْبِتُهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ

181 - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَلَا أَعْلَمُ الْحَجَّاجَ إِلَّا قَدْ حَدَّثَنِيهِ أَيْضًا، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنِي الْحَكَمُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، يَقُولُ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَتَاهُ ابْنُ حُنَيْفٍ فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «وَاللَّهِ §لَئِنْ وَضَعْتَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ مِنَ الْأَرْضِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامٍ لَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُجْهِدُهُمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمْ يَأْتِنَا فِي هَذَا حَدِيثٌ عَنْ عُمَرَ أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ -[91]-، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِمَّا وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنَ الدِّرْهَمِ وَالْقَفِيزِ. وَمَعَ هَذَا قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لَهُ وَحُجَّةٌ لِعُمَرَ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدِّرْهَمِ وَالْقَفِيزِ

182 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ بنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتِ الشَّامُ دِينَارَهَا وَمُدَّيْهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ دِينَارَهَا وَأَرْدَبَّهَا، وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَهِدَ بِذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كَائِنٌ وَأَنَّهُ سَيُمْنَعُ بَعْدُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَاسْمَعْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّرْهَمِ وَالْقَفِيزِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِالسَّوَادِ، وَهَذَا هُوَ التَّثَبُّتُ وَفِي تَأْوِيلِ فِعْلِ عُمَرَ أَيْضًا، حِينَ وَضَعَ الْخَرَاجَ وَوَظَّفَهُ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ جَعَلَهُ شَامِلًا عَامًا عَلَى كُلِّ مَنْ لَزِمَتْهُ الْمِسَاحَةُ وَصَارَتِ الْأَرْضُ فِي يَدِهِ، مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ -[92]- أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عَبْدٍ، فَصَارُوا مُتَسَاوِينَ فِيهَا، أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَسْتَثْنِ أَحَدًا دُونَ أَحَدٍ؟ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ فِي دِهْقَانَةِ نَهْرِ الْمَلِكِ حِينَ أَسْلَمَتْ، فَقَالَ: دَعُوهَا فِي أَرْضِهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا مَا أَوْجَبَ عَلَى الرِّجَالِ. وَفِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ عُمَرَ أَيْضًا، مِنَ الْعِلْمِ: أَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرَضِينَ الَّتِي تُغِلُّ: مِنْ ذَوَاتِ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ، وَالَّتِي تَصْلُحُ لِلْغَلَّةِ مِنَ الْعَامِرِ وَالْغَامِرِ، وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَسَاكِنَ وَالدُّورَ، الَّتِي هِيَ مَنَازِلُهُمْ، فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا فِيهَا شَيْئًا. وَيُقَالَ: إِنَّ حَدَّ السَّوَادِ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمِسَاحَةُ مِنْ لَدُنْ تُخُومِ الْمَوْصِلِ، مَادًّا مَعَ الْمَاءِ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، بِبِلَادِ عَبَّادَانَ مِنْ شَرْقِيِّ دِجْلَةَ، هَذَا طُولُهُ، وَأَمَّا عَرْضُهُ فَحَدُّهُ مُنْقَطَعُ الْجَبَلِ مِنْ أَرْضِ حُلْوَانَ، إِلَى مُنْتَهَى طُرُقِ الْقَادِسِيَّةِ الْمُتَّصِلُ بِالْعُذَيْبِ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ فَهَذِهِ حُدُودُ السَّوَادِ، وَعَلَيْهِ وَقَعَ الْخَرَاجُ. وَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْضُ الْخَرَاجِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمِسَاحَةُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: هِيَ كُلُّ أَرْضٍ بَلَغَهَا مَاءُ الْخَرَاجِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُهُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِمَّا يُثَبِّتُ حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ فِيمَا أَعْطَى جَرِيرًا وَقَوْمَهُ مِنَ السَّوَادِ يُثْبِتُهُ، يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِجَرِيرٍ: لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا جُعِلَ لَكُمْ. فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ قَوْلُهُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ جَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَلًا -[93]-، وَمِمَّا يُثْبِتُ حَدِيثَهُ فِي الدِّرْهَمِ وَالْقَفِيزِ: الْحَدِيثُ الَّذِي يُحَدِّثُهُ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمْ يَأْتِنَا عَنْ عُمَرَ فِيمَا فَرَضَ عَلَى أَرْضِ السَّوَادِ وَجْهٌ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، وَهُوَ نَحْوُ الْحَدِيثِ الَّذِي يُحَدِّثُهُ عَنْهُ مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَيُصَدِّقُهُمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَضَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدِي: أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا أَعْطَاهُمُ الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ بِخَرَاجٍ مَعْلُومٍ، كَالرَّجُلِ يُكْرِي أَرْضَهُ بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْخَرَاجِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: إِنَّمَا هُوَ الْكِرَاءُ وَالْغَلَّةُ، أَلَا تُرَاهُمْ يُسَمُّونَ غَلَّةَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْمَمْلُوكِ: خَرَاجًا؟ وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ الْفَزَارِيَّ مَرْوَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ فَيَسْتَغِلَّهُ، ثُمَّ يَجِدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ: أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ، وَتُطَيَّبُ لَهُ تِلْكَ الْغَلَّةُ بِضَمَانِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ مَاتَ مِنْ مَالِهِ -[94]- وَكَذَلِكَ حَدِيثُهُ الْآخَرُ

183 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: §احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وتَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَاهُ سَمَّى الْغَلَّةَ خَرَاجًا؟ وَهَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ أَرْضَ الْخَرَاجِ إِذَا كَانَ أَصْلُهَا عَنْوَةً فَهِيَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، يُؤَدِّي أَهْلُهَا إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي يَقُومُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ خَرَاجَهَا، كَمَا يُؤَدِّي مُسْتَأْجِرُ الْأَرْضِ وَالدَّارِ كِرَاءَهَا إِلَى رَبِّهَا الَّذِي يَمْلِكُهَا، وَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَا زَرَعَ وَغَرَسَ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ آخَرُونَ: بَلِ السَّوَادُ مِلْكٌ لِأَهْلِهِ، لِأَنَّهُ حِينَ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ عُمَرُ صَارَتْ لَهُمْ رِقَابُ الْأَرْضِ وَنَحْنُ نَرَى عَنْ عُمَرَ غَيْرَ هَذَا، ألَا تَرَاهُ قَالَ لِعُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ حِينَ اشْتَرَى أَرْضًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ قَالَ: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهَا؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُهَا وَأَشَارَ إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ حَدَّثَنِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُمَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَاحْتَجَّ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا فَرَضَ عُمَرُ عَلَى النَّخْلِ وَالشَّجَرِ -[95]-، وَقَالُوا: لَوْلَا أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِأَهْلِ السَّوَادِ مَا اسْتَجَازَ عُمَرُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ نَخْلًا وَشَجَرًا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مُسَمًّى، وَالْأَصْلُ لِغَيْرِهِمْ. فَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ فِعْلِ عُمَرَ مَحْفُوظًا فَهُوَ حُجَّةٌ وَقَوْلٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَكِنَّ الثَّبْتَ عِنْدِي مَا أَعْلَمْتُكَ: أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا جَعَلَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِ خَاصَّةً، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا بَعْدَمَا دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ بَيْضَاءَ غَرَسُوهَا فَوَجَبَ لَهُمْ أَصْلُ الْغَرْسِ وَثَمَرُهُ، وَصَارَ الْخَرَاجُ عَلَى مَوْضِعِ ذَلِكَ الْغَرْسِ مِنَ الْأَرْضِ، فَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ جَائِزٌ مُسْتَقِيمٌ، فَأَمَّا أَنْ يُعْطِيَهُمْ نَخْلًا وَشَجَرًا بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ، وَرَأَيُ عُمَرَ الَّذِي هُوَ رَأْيُهُ أَنْ أَصْلَ الْأَرْضِ لِلْمُسْلِمِينَ: فَهَذَا مَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ وَهَذِهِ الْقَبَالَةُ الْمَكْرُوهَةُ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، الَّذِي جَاءَتِ السُّنَّةُ بِكَرَاهَتِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ

184 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ، حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ»

185 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ، حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ

186 - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى - أَوْ §نَهَانَا - رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ

187 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " §نَهَى الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخِيلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ مِنَ الْعَاهَةِ: نَهَى الْبَائِعَ وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ "

188 - وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: §نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا

189 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: §نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، قَالَ: فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: مَا زَهْوُهُ؟ قَالَ: أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ، أَرَأَيْتَ -[97]- إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلَّ مَالَ أَخِيكَ؟ 190 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقَ بْنَ الْأَجْدَعِ: مَا صَلَاحُهُ؟ قَالَ: أَنْ يَحْمَرَّ، أَوْ يَصْفَرَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ صَحَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ هَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَدَّ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِهَا بَعْدَمَا أَخَذَهَا عَنْوَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ

191 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَرْضَهَا وَنَخْلَهَا إِلَى أَهْلِهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ»

192 - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ

193 - وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: §خَرَصَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ، وَزَعَمَ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا خَيَّرَهُمُ ابْنُ رَوَاحَةَ أَخَذُوا الثَّمَرَ، وَعَلَيْهِمْ عِشْرُونَ أَلْفَ وَسْقٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَشَبَّهَ قَوْمٌ هَذَا بِالَّذِي صَنَعَ عُمَرُ بِالسَّوَادِ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ هَذَا ذَاكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ كَالْمُزَارَعَةِ وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْمُسَاقَاةُ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى بَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ كَانَ لَهُمْ شَرْطُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَالَّذِي يَحْكُونُ، عَنْ عُمَرَ قُبَالَةَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى، فَلِهَذَا أَنْكَرْنَا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ فَعَلَهُ

باب شراء أرض العنوة التي أقر الإمام فيها أهلها وصيرها أرض خراج

§بَابُ شِرَاءِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ الَّتِي أَقَرَّ الْإِمَامُ فِيهَا أَهْلَهَا وَصَيَّرَهَا أَرْضَ خَرَاجٍ

194 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «§لَا تَشْتَرُوا رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ خَرَاجٍ، وَأَرَاضِيهِمْ فَلَا تَبْتَاعُوهَا وَلَا يُقِرِّنَّ أَحَدُكُمْ بِالصَّغَارِ بَعْدَ إِذْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُ»

196 - حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ بَشِيرِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «§لَا تَشْتَرُوا رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا أَرَضِيهِمْ» ، قَالَ: فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ

وَحَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §اشْتَرَى عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ أَرْضًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ لِيَتَّخِذَ فِيهَا قَضْبًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهَا؟ قَالَ مِنْ أَرْبَابِهَا فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ عِنْدَ عُمَرَ، قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُهَا فَهَلِ اشْتَرَيْتَ مِنْهُمْ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْدُدْهَا عَلَى مَنِ اشْتَرَيْتَهَا مِنْهُ، وَخُذْ مَالَكَ

197 - وَحَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَنْتَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: «§إِيَّايَ وَهَذَا السَّوَادُ»

198 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: §تَبِعَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي أَكُونُ بِهَذَا السَّوَادِ فَأَتَقَبَّلُ، وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَزْدَادَ، وَلَكِنِّي أَدْفَعُ الضَّيْمَ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَقَالَ: لَا تَنْزِعُوهُ مِنْ أَعْنَاقِهِمْ وَتَجْعَلُوهُ فِي أَعْنَاقِكُمْ

199 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - قَالَ يَزِيدُ: عَنْ أَبِيهِ - أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ §اشْتَرَى مِنْ دِهْقَانٍ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ جِزْيَتَهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِالطَّسْقِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أُرَاهُ يَعْنِي بِالشِّرَاءِ قَالَ: الِاكْتِرَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا وَالْجِزْيَةُ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَدْ خَرَجَتِ الْأَرْضُ مِنْ مِلْكِهِ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ

200 - حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «§لَيْسَ بِشِرَاءِ أَرْضِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ بَأْسٌ» ، يُرِيدُ كِرَاءَهَا قَالَ: وَقَالَ ذَلِكَ أَبُو الزِّنَادِ

201 - حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ يَعْنِي، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ خَالِدٍ اللَّجْلَاجِ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: §مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا فَقَدْ بَاءَ بِمَا بَاءَ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنَ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ

202 - حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُسْلِمُ بْنُ مِشْكَمٍ، قَالَ: §مَنْ عَقَدَ الْجِزْيَةَ فِي عُنُقِهِ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

203 - حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سَمُرَةَ أَبُو هَزَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «§أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالرَّاجِعِ عَلَى عَقِبَيْهِ؟ رَجُلٌ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَهَاجَرَ فَحَسُنَتْ هِجْرَتُهُ، وَجَاهَدَ فَحَسُنَ جِهَادُهُ، فَلَمَّا قَفَلَ حَمَلَ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا، فَذَلِكَ الرَّاجِعُ عَلَى عَقِبَيْهِ»

قَالَ: §وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالُوا: أَحَدُنَا يَأْتِي النَّبَطِيَّ فَيَحْمِلُ أَرْضَهُ بِجِزْيَتِهَا؟ فَقَالَ: تَبْدَءُونَ فِي الصَّغَارِ وَتُعْطُونَ أَفْضَلَ مِمَّا تَأْخُذُونَ

204 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: §مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ مَا بَيْنَ الرُّهَا إِلَى حَرَّانَ بِخَرَاجِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ

205 - حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ - وَقَالَ غَيْرُ قَبِيصَةَ: هُوَ عِيسَى بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحَرَامِيُّ - عَنْ §شِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ، فَقَالَ: «مَا أَقُولُ إِنَّهُ رِبًا، وَلَا آمُرُ بِهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَتَابَعَتِ الْآثَارُ بِالْكَرَاهَةِ بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَإِنَّمَا كَرِهَهَا الْكَارِهُونَ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْأُخْرَى: أَنَّ الْخَرَاجَ صَغَارٌ، وَكِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي حَدِيثَيْ عُمَرَ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا، فَأَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: وَلَا يُقِرَّنَّ أَحَدُكُمْ بِالصَّغَارِ بَعْدَ إِذْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ -[103]-، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَمُسْلِمُ بْنُ مِشْكَمٍ، فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَمَذْهَبُهُ فِي الْفَيْءِ قَوْلُهُ لِعُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ حِينَ اشْتَرَى الْأَرْضَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُهَا، يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

206 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: أَسْلَمَ دِهْقَانٌ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ، فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: «§أَمَّا أَنْتَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْكَ، وَأَمَّا أَرْضُكَ فَلَنَا»

207 - حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ قُرَّانِ بْنِ تَمَّامٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَنْتَرَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: §لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَقْسِمَ مَالَ هَذَا السَّوَادِ، فَيَمُرُّ أَحَدُهُمْ بِالْقَرْيَةِ فَيَتَغَدَّى فِيهَا أَوْ يَتَعَشَّى، وَيَقُولُ: قَرْيَتِي

208 - وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ الْحِمَّانِيِّ، قَالَ: بَلَغَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ السَّوَادِ فَسَادٌ، فَقَالَ: مَنْ يَنْتَدِبُ؟ فَانْتُدِبَ لَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَقَالَ: «§لَوْلَا أَنْ تُضْرَبَ وُجُوهُ قَوْمٍ عَنْ مِيَاهِهِمْ لَقَسَمْتُ السَّوَادَ بَيْنَهُمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمْ يَقُلْ عَلِيٌّ لِلدِّهْقَانِ: وَأَمَّا أَرْضُكَ فَلَنَا، ثُمَّ يَرَى قَسْمَ السَّوَادِ إِلَّا وَهُوَ عِنْدَهُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ الْآخَرِينَ

209 - وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ رَأْيَهُ كَانَ هَذَا، قَالَ: §كُلُّ أَرْضٍ افْتُتِحَتْ عَنْوَةً فَهِيَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ

وَأَخْبَرَنِي هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ «كَانَ §يُنْكِرُ عَلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ دُخُولَهُ فِيمَا دَخَلَ فِيْه مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» . -[104]- 210 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَنَافِعِ بْنِ يَزِيدَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِهِمْ وَأَظُنُّهُ، قَالَ: وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَشُيُوخُهُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى اللَّيْثِ أَيْضًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهَا اللَّيْثُ لِأَنَّ مِصْرَ كَانَتْ عِنْدَهُ صُلْحًا، وَكَانَ يُحَدِّثُهُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ. 211 - كَذَلِكَ حَدَّثَنِي عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَغَيْرُهُمَا، فَلِذَلِكَ اسْتَجَازَ الدُّخُولَ فِيهَا وَكَرِهَهَا الْآخَرُونَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ عَنْوَةً

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ §يَكْرَهُ الدُّخُولَ فِي بِلَادِ الثَّغْرِ، لِأَنَّهَا عَنْوَةٌ وَلَمْ يَتَّخِذْ بِهَا زَرْعًا حَتَّى مَاتَ. 212 - حَدَّثَنِي بِذَلِكُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الثَّغْرِ، فَهَذِهِ أَخْبَارُ مَنْ كَرِهَ الدُّخُولَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ إِذَا صُيِّرَتْ خَرَاجًا. فَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ فَالْأَمْرُ فِيهَا أَيْسَرُ

213 - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: §مِنَ السَّوَادِ مَا أُخِذَ عَنْوَةً، وَمِنْهُ مَا كَانَ صُلْحًا، فَمَا كَانَ صُلْحًا فَهُوَ مَالُهُمْ، وَمَا كَانَ عَنْوَةً فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَوْلُهُ: فَهُوَ مَالُهُمْ، يُعْلِمُكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ، وَمَا كَانَ فَيْئًا كَرِهَهُ، وَأُرَاهُ عَنَى بِالصُّلْحِ أَرْضَ الْحِيرَةِ وَبَانِقْيَا وَأُلَّيْسَ، وَهِيَ الَّتِي يُرْوَى عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي شِرَائِهَا بَيْنَ أَرْضِ السَّوَادِ

214 - حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: §لَا تَشْتَرِيَنَّ مِنَ السَّوَادِ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَبَانِقْيَا وَأُلَّيْسَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَمَّا أَهْلُ الْحِيرَةِ فَإِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَانَ صَالَحَهُمْ فِي دَهْرِ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَمَّا أَهْلُ بَانِقْيَا وَأُلَّيْسَ فَإِنَّهُمْ دَلُّوا أَبَا عُبَيْدٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مَخَاضَةٍ حَتَّى عَبَرُوا إِلَى فَارِسَ، فَبِذَلِكَ كَانَ صُلْحُهُمْ وَأَمَانُهُمْ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ

215 - فَأَمَّا الْحِيرَةُ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنَا، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «§بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ وَأَمَرَ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى يَنْزِلَ الْحِيرَةَ» ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ

216 - وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، §أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لَمَّا نَزَلَ الْحِيرَةَ صَالَحَهُ أَهْلُهَا صُلْحًا وَلَمْ يُقَاتِلُوهُ 217 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ شَيْءٌ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّهُمْ صَالَحُوا أَهْلَ الْحِيرَةِ عَلَى كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا وَرَحْلٍ» ، قَالَ: قُلْتُ: مَا حَالُ الرَّحْلِ؟ قَالَ: صَاحِبٌ لَنَا ذَهَبَ رَحْلُهُ فَصَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ رَحْلًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا أَمْرُ الْحِيرَةِ فَأَمَّا أَمْرُ بَانِقْيَا

218 - فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: «§عَبَرَ أَبُو عُبَيْدٍ بَانِقْيَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَطَعَ الْمُشْرِكُونَ الْجِسْرَ، فَأُصِيبَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ كَانَ يَوْمُ مِهْرَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» ، قَالَ قَيْسٌ: «فَعَبَرَ إِلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ، فَأُصِيبَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مِهْرَانُ، وَهُمْ عِنْدَ النَّخِيلَةِ» 219 - قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: كَانَ يَوْمُ مِهْرَانَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَالْقَادِسِيَّةِ فِي آخِرِ السَّنَةِ، قَالَ: وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: قَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ «وَأَتَى رُسْتُمُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِيلًا، وَاشْتَكَى سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ قُرْحَةً بِرِجْلِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ، فَهَزَمْنَاهُمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ -[107]-: فَهَذَا سَبَبُ أَمَانِ أَهْلِ بَانِقْيَا وَصُلْحِهِمْ، وَهُمْ كَانُوا جَوَّزُوا أَبَا عُبَيْدَةَ، وَأَمَّا أَهْلُ أُلَّيْسَ فَلَهُمْ حَدِيثٌ لَا يَحْضُرْنِي الْآنَ فَهَذِهِ الْأَرْضُونَ الثَّلَاثَ قَدْ تَرَخَّصَ فِيهَا بَعْضُ مَنْ كَرِهَ شِرَاءَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَيْهُمَا، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ الرُّخْصَةُ فِي شِرَاءِ أَرْضِ الصُّلْحِ وَالْكَرَاهَةُ لِأَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَهُوَ رَأْيُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. 220 - حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ أَرْضٍ افْتُتِحَتْ صُلْحًا فَهِيَ لِأَهْلِهَا، لِأَنَّهُمْ مَنَعُوا بِلَادَهُمْ حَتَّى صُولِحُوا عَلَيْهَا، وَكُلُّ بِلَادٍ أُخِذَتْ عَنْوَةً فَهِيَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَنَعَ هَذَا كُلَّهُ أَنَّهُ قَدْ سَهَّلَ فِي الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِهِمْ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا عَنْوَةً وَلَا صُلْحًا مِنْهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ ذَلِكَ رَأْيَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِيمَا يُحْكَى عَنْهُ

221 - فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّ حَجَّاجًا حَدَّثَنِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ طَيِّئٍ - حَسِبْتُهُ قَالَ عَنْ أَبِيهِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: §نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّبَقُّرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -[108]-: فَكَيْفَ بِمَالٍ بِرَاذَانَ، وَبِكَذَا وَبِكَذَا؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّبَقُّرُ التَّوَسُّعُ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ بَقَرْتُ الشَّيْءَ أَيْ وَسَّعْتُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى عَبْدَ اللَّهِ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ بِرَاذَانَ مَالًا

222 - حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قُرَيْرٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ §كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، فَكَانَ يُعْطِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ

223 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ رَجَاءٍ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ «§أَعْطَاهُ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا» . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَعْنِي مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَتَأَوَّلُ بِالرُّخْصَةِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ، أَنَّ الْجِزْيَةَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] إِنَّمَا هِيَ عَلَى الرُّءُوسِ، لَا عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْهُ

225 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ -[109]-: إِنَّمَا §الْجِزْيَةُ عَلَى الرُّءُوسِ، وَلَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ جِزْيَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَقُولُ: فَالدَّاخِلُ فِي أَرْضِ الْجِزْيَةِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّذِي يُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَقَرَّ الْإِمَامُ أَهْلَ الْعَنْوَةِ فِي أَرْضِهِمْ تَوَارَثُوهَا وَتَبَايَعُوهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ رَأْيَهُ الرُّخْصَةُ فِيهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى الْعُلَمَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَكُلُّهُمْ إِمَامٌ، إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْكَرَاهَةِ أَكْثَرُ، وَالْحُجَّةُ فِي مَذْهَبِهِمْ أَبْيَنُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ بِإِقْطَاعِ عُثْمَانَ مَنْ أَقْطَعَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّوَادِ وَلِذِكْرِ ذَلِكَ مَوْضِعٌ سِوَى هَذَا، نَأْتِي بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَهَذَا مَا تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالرُّخْصَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَرَضِينَ الْمُغَلَّةِ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْخَرَاجُ: مِنْ ذَوَاتِ الْمَزَارِعِ وَالشَّجَرِ، فَأَمَّا الْمَسَاكِنُ وَالدُّورُ بِأَرْضِ السَّوَادِ فَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا كَرِهَ شِرَاءَهَا وَحِيَازَتَهَا وَسُكْنَاهَا، قَدِ اقْتُسِمَتِ الْكُوفَةُ خُطَطًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مِنْ أكَابِرِ أَصْحَابِ -[110]- رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ رِجَالٌ: مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٌ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَخَبَّابٌ، وَأَبُو مَسْعُودٍ، وَغَيْرُهُمْ ثُمَّ قَدِمَهَا عَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَقَامَ بِهَا خِلَافَتَهُ كُلَّهَا، ثُمَّ كَانَ التَّابِعُونَ بَعْدُ بِهَا، فَمَا بَلَغَنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمُ ارْتَابَ بِهَا، وَلَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْهَا شَيْءٌ، بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ السَّوَادِ، وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، وَكَذَلِكَ أَرْضُ مِصْرَ هِيَ مِثْلُ السَّوَادِ

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ دَخَلَ مِصْرَ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَشْفَقُ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ الزُّبَيْرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَأَدْرَكَهُ فَشَهِدَ مَعَهُ فَتْحَ مِصْرَ، قَالَ: §فَاخْتَطَّ الزُّبَيْرُ بِالْفُسْطَاطِ وَبِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي الْأَرَضِينَ وَفِي الْمَسَاكِنِ، وَأَمَّا الْأَسْوَاقُ فَحُكْمُهَا غَيْرُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ

226 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى السُّوقِ، فَرَأَى أَهْلَ السُّوقِ قَدْ حَازُوا أَمْكِنَتَهُمْ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» فَقَالُوا: أَهْلُ السُّوقِ قَدْ حَازُوا أَمْكِنَتَهُمْ فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ، §سُوقُ الْمُسْلِمِينَ كَمُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ، مَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ يَوْمَهُ حَتَّى يَدَعَهُ»

227 - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: §كُنَّا نَغْدُو إِلَى السُّوقِ زَمَنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَمَنْ قَعَدَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إِلَى اللَّيْلِ فَلَمَّا جَاءَنَا زِيَادٌ، قَالَ: مَنْ قَعَدَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَ فِيهِ

228 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا: §إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ

229 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عِنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «§نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْلُفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي مَجْلِسِهِ، إِذَا قَامَ» ، قَالَ: «وَإِذَا رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»

230 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا

باب أرض الخراج من العنوة يسلم صاحبها، هل فيها عشر مع الخراج أم لا؟

§بَابُ أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنَ الْعَنْوَةِ يُسْلِمُ صَاحِبُهَا، هَلْ فِيهَا عُشْرٌ مَعَ الْخَرَاجِ أَمْ لَا؟

231 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ -[112]- بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُتِبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي دِهْقَانَةِ نَهْرِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ، فَكَتَبَ أَنِ «§ادْفَعُوا إِلَيْهَا أَرْضَهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ»

وَحَدَّثَنَا هُشَيْمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: §أَسْلَمَ دِهْقَانٌ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ أَقَمْتَ فِي أَرْضِكَ رَفَعْنَا عَنْكَ جِزْيَةَ رَأْسِكَ، وَإِنْ تَحَوَّلْتَ عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا

233 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: §أَسْلَمَ دِهْقَانٌ، فَقَامَ إِلَى عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ أَقَمْتَ فِي أَرْضِكَ رَفَعْنَا عَنْكَ جِزْيَةَ رَأْسِكَ، وَإِنْ تَحَوَّلْتَ عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا

234 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَسْلَمَ دِهْقَانٌ، فَقَامَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: «أَمَّا §أَنْتَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْكَ، وَأَمَّا أَرْضُكَ فَلَنَا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَتَأَوَّلَ قَوْمٌ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنْ لَا عُشْرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ، يَقُولُونَ: لِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ يَشْتَرِطَاهُ عَلَى الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنَ الدَّهَاقِينِ وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ -[113]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ فِي تَرْكِ ذِكْرِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ الْعُشْرَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِهِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَرَضِيهِمْ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ، لَا يُحْتَاجُ إِلَى اشْتِرَاطِهَا عَلَيْهِمْ عِنْدَ دُخُولِهِمْ فِي الْأَرَضِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا الْعُشْرَ فَهَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: لَا عُشْرَ عَلَيْهِ فِيهَا؟ وَكَذَلِكَ إِقْطَاعُهُ الْأَرَضِينَ الَّتِي أَقْطَعَهَا هُوَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، لَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْعُشْرِ عِنْدَ الْإِقْطَاعِ وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي أَرْضِهِ، إِنْ ذُكِرَ ذَلِكَ أَوْ تُرِكَ، وَإِنَّمَا أَرْضُ الْخَرَاجِ كَالْأَرْضِ يَكْتَرِيهَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ مِنْ رَبِّهَا الَّذِي يَمْلِكُهَا بَيْضَاءَ فَيَزْدَرِعُهَا، أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ كِرَاءَهَا لِرَبِّهَا، وَعَلَيْهِ عُشْرُ مَا تَخْرُجُ، إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ وَمِمَّا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَيُوَضِّحُ لَكَ أَنَّهُمَا حَقَّانِ اثْنَانِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ سِوَى مَوْضِعِ الْعُشْرِ، إِنَّمَا ذَلِكَ فِي أَعْطِيَةِ -[114]- الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْزَاقِ الذُّرِّيَّةِ، وَهَذَا صَدَقَةٌ يُعْطَاهَا الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ، فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنَ الْحَقَّيْنِ قَاضِيًا عَنِ الْآخَرِ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ إِنَّهُ قَدْ أَفْتَى بِهِمَا جَمِيعًا رِجَالٌ مِنْ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ

235 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْعَرَبِيُّ - أَوْ قَالَ: الْمُسْلِمُ - تَكُونُ فِي يَدِهِ أَرْضُ الْخَرَاجِ، فَيُطْلَبُ مِنْهُ الْعُشْرُ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا عَلَيَّ الْخَرَاجُ؟ فَقَالَ: «§الْخَرَاجُ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْعُشْرُ عَلَى الْحَبِّ»

236 - حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ - أَوِ ابْنِ أَبِي عَوْفٍ شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - عَامِلُهُ عَلَى فِلَسْطِينَ، §فِيمَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ أَرْضٌ بِجِزْيَتِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَنْ يُقْبَضَ مِنْهَا جِزْيَتُهَا، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهَا زَكَاةُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْجِزْيَةِ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: أَنَا ابْتُلِيتُ بِذَلِكَ، وَمِنِّي أُخِذَ

237 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: «§مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عُشْرَ مَا يَزْرَعُ، وَإِنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ»

238 - وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: §عَلَيْهِ الْعُشْرُ مَعَ الْخَرَاجِ

239 - وَحَدَّثَنِي أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ كَانَ رَأْيُهُمَا أَنَّ §عَلَيْهِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ -[115]- 240 - وَحَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، مِثْلَ ذَلِكَ. 241 - قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَرَى الْعُشْرَ وَاجِبًا وَكَانَ هُوَ يُخْرِجُ الْعُشْرَ مِنْ أَرْضِهِ مَعَ الْخَرَاجِ

242 - وَحَدَّثَنِي قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، أَنَّهُ «§كَانَ يَرَى عَلَيْهِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ»

243 - وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ غَيْرَ مَرَّةٍ §يَأْمُرُ أَهْلَ مَرْوَ بِالْعُشْرِ مَعَ الْخَرَاجِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَكَذَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَلَيْهِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ

244 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: §مَا أُحِبُّ أَنْ يُجْمَعَ - أَوْ قَالَ: يَجْتَمِعَ - عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةُ الْمُسْلِمِ وَجِزْيَةُ الْكَافِرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ وَجْهُهُ ذَلِكَ عِنْدِي، إِنَّمَا مَذْهَبُهُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ لِلْمُسْلِمِ: أَنْ يَدْخُلَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْحَقَّانِ، أَعْرِفُ ذَلِكَ بِكَرَاهَتِهِ لِلدُّخُولِ فِيهَا، حِينَ سُئِلَ عَنْهَا، فَقَرَأَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِيَنَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ -[116]- أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ثُمَّ قَالَ: لَا تَنْزِعُوهُ مِنْ أَعْنَاقِهِمْ وَتَجْعَلُوهُ فِي أَعْنَاقِكُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُ هَذَا

245 - وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّهُ «§كَرِهَ شِرَاءَ أَرْضِ الْخَرَاجِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ رَأْيِهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ، وَلَا نَعْلَمُهُ مِنَ التَّابِعِينَ، إِلَّا شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ عِكْرِمَةَ رَوَاهُ عَنْهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يُكْنَى أَبَا الْمُنِيبِ، سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْحَقُّ عِنْدِي فِيهِ مَا قَالَ أُولَئِكَ فَهَذَا حُكْمُ أَرْضِ الْخَرَاجِ تَكُونُ فِي يَدَيِ الْمُسْلِمِ فَأَمَّا أَرْضُ الْعُشْرِ تَكُونُ لِلذِّمِّيِّ فَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفِيهَا أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ:

246 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: §إِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ أَرْضَ عُشْرٍ تَحَوَّلَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ -[117]-. قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ كَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَرَجُلٍ ثَالِثٍ ذَكَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ مِنَ الذِّمِّيِّ بِأَرْضِ الْبَصْرَةِ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ: عَلَيْهِ الْعُشْرُ عَلَى حَالِهِ، أَظُنُّ ذَلِكَ ظَنًّا، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ سُفْيَانَ، فَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَكَانَ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ كُلِّهِ. 247 - حَدَّثَنِي عَنْهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ زَكَاةً لِأَمْوَالِهِمْ، وَطُهْرَةً لَهُمْ وَلَا صَدَقَةَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي أَرَضِيهِمْ وَلَا مَوَاشِيهِمْ، إِنَّمَا الْجِزْيَةُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، صَغَارًا لَهُمْ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ إِذَا مَرُّوا بِهَا فِي تِجَارَاتِهِمْ. -[118]- 248 - وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا عُشْرَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِبَيْعِهَا، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِبْطَالًا لِلصَّدَقَةِ. 249 - وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا عُشْرَ عَلَيْهِ وَلَا خَرَاجَ، إِذَا اشْتَرَاهَا الذِّمِّيُّ مِنْ مُسْلِمٍ، وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ، وَقَالَ: وَهَذَا بِمَنْزِلَتِهِ لَوِ اشْتَرَى مَاشِيَتَهُ، أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ فِيهَا، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ شَيْءٌ شَبِيهٌ بِهَذَا؛ 250 - قَالَ فِي ذَمِّيٍّ اسْتَأْجَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضَ عُشْرٍ، قَالَ: وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَرْضِهِ، لِأَنَّ الزَّرْعَ لِغَيْرِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَلَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ، لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ لَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَشَرِيكٍ فِي هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ عَنِ الذِّمِّيِّ إِذَا كَانَ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْخَرَاجُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، كَمَا أَعْلَمْتُكَ أَنَّ الْخَرَاجَ بِمَنْزِلَةِ الْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْعُشْرُ، لِأَنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَى الْكَافِرِ فِي مَاشِيَةٍ، وَلَا صَامِتٍ، فَكَذَلِكَ أَرْضُهُ إِنَّمَا هِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ يُرْوَى مُفَسَّرًا أَوْ كَالْمُفَسَّرِ عَنِ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ

251 - وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ صَدَقَةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا الْجِزْيَةُ

252 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§الصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ تَجَرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» 253 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ التِّجَارَاتِ صَدَقَةٌ، وَهُوَ عِنْدِي تَأْوِيلُ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يُحَدِّثُونَهُ

عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: §مَا فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ فَقَالَ الْعَفْوُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ عُفِيَ لَهُمْ عَنِ الصَّدَقَةِ

وَهَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §عَفَوْنَا لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ -[120]- 254 - حَدَّثَنا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى إِسْقَاطَ الصَّدَقَةِ عَفْوًا؟ فَكَذَلِكَ الْعَفْوُ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا هُوَ إِسْقَاطُ الصَّدَقَةِ عَنْهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كُلِّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَسْقَطَ عَنْهُمُ الْخَرَاجَ، وَلَمْ يَأْخُذْهُمْ بِالْعُشْرِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كُتِبَ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ أَهْلِ السَّوَادِ: أَنْ يَرُدَّهُمُ إِلَى الْعُشْرِ فَأَبَى. وَكُلُّ هَذَا فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَى أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ

255 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ الْمِصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ §كَلَّمَ مُعَاوِيَةَ لِأَهْلِ الْحَفْنِ وَهِيَ قَرْيَةُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ عَنْهُمُ الْجِزْيَةَ "، أَوْ قَالَ: الْخَرَاجَ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي خَرَاجَ الْأَرْضِ، لَا خَرَاجَ الرُّءُوسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَيْهِمُ الْعُشْرَ حِينَ أَسْقَطَ عَنْهُمُ الْخَرَاجَ قَالَ ابْنُ طَارِقٍ: الْحَقْنُ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الصَّعِيدِ بِمِصْرَ مَعْرُوفَةٌ

256 - وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ §تِنَاءَ أَهْلِ السَّوَادِ سَأَلُوا أَنْ تُوضَعَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، وَيُرْفَعُ عَنْهُمُ الْخَرَاجُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنِّي لَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَثْبَتَ لِمَادَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ فَيْئًا، فَمَنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ أَهْلٌ وَمَسْكَنٌ فَأَجْرِ عَلَى كُلِّ جَدْوَلٍ مِنْهَا مَا يَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلٌ وَلَا مَسْكَنٌ فَارْدُدْهَا إِلَى النَّبَكِ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ: قَالَ حُصَيْنٌ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّهُ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَرْضٌ فَرَضِيَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ عَنْهَا الْخَرَاجَ، وَإِلَّا فَلْيَرْدُدْهَا إِلَى مَنْ يُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكَانَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ كَانَ يَرَاهَا فَيْئًا -[122]-، وَلِهَذَا كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهَا مِنْ بَيْعِهَا

257 - وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ، §فَحُلْ بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ بَيْعِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَبِيعُونَ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ

258 - وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ «§لَا يُبَاعَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ آلَةٌ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَقُولُ: يَسْتَبْقِيهَا مِنْ أَجْلِ خَرَاجِهَا، لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَ أَدَاةَ الزَّرْعِ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَ فَيَبْطُلَ خَرَاجُهُ

باب ما يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا في أرض العنوة، وفي أمصار المسلمين، وما لا يجوز

§بَابُ مَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُحْدِثُوا فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَفِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا لَا يَجُوزُ

259 - حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي تَوْبَةُ بْنُ النَّمِرِ الْحَضْرَمِيُّ، قَاضِي مِصْرَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ

260 - حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: §لَا كَنِيسَةَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا خِصَاءَ 261 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ

262 - وَحَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «§لَا تَهْدِمُوا كَنِيسَةً وَلَا بَيْعَةً وَلَا بَيْتَ نَارٍ، وَلَا تُحْدِثُوا كَنِيسَةً وَلَا بَيْعَةً وَلَا بَيْتَ نَارٍ، وَلَا تُحِدُّوا شَفْرَةً عَلَى رَأْسِ -[124]- بَهِيمَةٍ، وَلَا تَجْمَعُوا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ»

263 - وَحَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَاوُسًا، يَقُولُ: §لَا يَنْبَغِي لَبَيْتِ رَحْمَةٍ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَيْتِ عَذَابٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أُرَاهُ يَعْنِي الْكَنَائِسَ وَالْبِيعَ وَبُيُوتَ النِّيرَانِ، يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَعَ الْمَسَاجِدِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَبُيُوتِ النَّارِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ وَالْخَنَازِيرُ، قَدْ جَاءَ فِيهِمَا النَّهْيُ عَنْ عُمَرَ

264 - حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ -[125]-: §أَدِّبُوا الْخَيْلَ، وَإِيَّايَ وَأَخْلَاقِ الْأَعَاجِمِ، وَمُجَاوَرَةِ الْخَنَازِيرِ، وَأَنْ يُرْفَعَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمُ الصَّلِيبُ

265 - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ «§يَأْمُرَهُمْ بِقَتْلِ الْخَنَازِيرِ، وَنَقْصِ أَثْمَانِهَا مِنَ الْجِزْيَةِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْخَنَازِيرِ، وَأَمَّا الْخَمْرُ

266 - فَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ §رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ قَدْ أَثَرَى فِي تِجَارَةِ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ: أَنِ اكْسِرُوا كُلَّ شَيْءٍ قَدَرْتُمْ لَهُ عَلَيْهِ، وَسَيِّرُوا كُلَّ مَاشِيَةٍ لَهُ، وَلَا يُؤْوِيَنَّ أَحَدٌ لَهُ شَيْئًا

267 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §وَجَدَ عُمَرُ فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ شَرَابًا، فَأَمَرَ بِهِ فَأُحْرِقَ، وَكَانَ يُقَالَ لَهُ: رُوَيْشِدٌ، فَقَالَ: أَنْتَ فُوَيْسِقٌ

268 - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ الْمُكْتِبُ، حَدَّثَنَا حَذْلَمٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ زَكَّاءٍ أَوْ رَبِيعَةَ بْنِ زَكَّارٍ - هَكَذَا ذَكَرَ مَرْوَانُ - قَالَ: نَظَرَ -[126]- عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى زُرَارَةَ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ؟» قَالُوا: قَرْيَةٌ تُدْعَى زُرَارَةُ، يُلَحَّمُ فِيهَا، تُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ، فَقَالَ: «أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَيْهَا؟» فَقَالُوا: بَابُ الْجِسْرِ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نَأْخُذُ لَكَ سَفِينَةً تَجُوزُ مَكَانَكَ، قَالَ: «§تِلْكَ سُخْرَةٌ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي السُّخْرَةِ، انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى بَابِ الْجِسْرِ» ، فَقَامَ يَمْشِي حَتَّى أَتَاهَا، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِالنِّيرَانِ، أَضْرِمُوهَا فِيهَا فَإِنَّ الْخَبِيثَ يَأْكُلُ بَعْضُهُ بَعْضًا» ، قَالَ: فَاحْتَرَقَتْ مِنْ غَرْبِيِّهَا حَتَّى بَلَغَتْ بُسْتَانَ خواستَا بْنِ جبرونا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا هُوَ يُلْحِمُ مَنْ فِيهَا - مُخَفَّفَةً - وَلَكِنْ هَكَذَا قَالَ الْفَقِيهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ السَّوَادِ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا حَدِيثَ رُوَيْشِدٍ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا وُجُوهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مُنِعَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنَ الْكَنَائِسِ وَالْبَيْعِ، وَبُيُوتِ النِّيرَانِ، وَالصَّلِيبِ وَالْخَنَازِيرِ، وَالْخَمْرِ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً وَبَيَانُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ

269 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §وَأَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بَيْعَةً، وَلَا يُبَاعَ فِيهِ خَمْرٌ، وَلَا يُقْتَنَى فِيهِ خِنْزِيرٌ، وَلَا يُضْرَبَ فِيهِ بِنَاقُوسٍ، وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوَفُّوا لَهُمْ بِهِ -[127]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَوْلُهُ: كُلُّ مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ، يَكُونُ التَّمْصِيرُ عَلَى وُجُوهٍ: فَمِنْهَا الْبِلَادُ الَّتِي يُسْلِمُ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، مِثْلُ الْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ، وَالْيَمَنِ، وَمِنْهَا كُلُّ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَهْلٌ فْاخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ اخْتِطَاطًا ثُمَّ نَزَلُوهَا، مِثْلَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَكَذَلِكَ الثُّغُورُ، وَمِنْهَا كُلُّ قَرْيَةٍ افْتُتِحَتْ عَنْوَةً، فَلَمْ يَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى الَّذِينَ أُخِذَتْ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ قَسَمَهَا بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ خَيْبَرَ، فَهَذِهِ أَمْصَارُ الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي لَا حَظَّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهَا، إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ مُعَامَلَةً لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتُغْنِيَ عَنْهُمْ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَعَادَتْ كَسَائِرِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَهَذَا حُكْمُ أَمْصَارِ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا نَرَى أَصْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ

270 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: §أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ

271 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لَا أَدَعَ فِيهَا إِلَّا مُسْلِمًا» . قَالَ: فَأَخْرَجُهُمْ عُمَرُ

272 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §أَجْلَى عُمَرُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَقَالَ: لَا يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، وَضَرَبَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ أَجَلًا قَدْرَ مَا يَبِيعُونَ سِلَعَهُمْ

273 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالُوا: شَفَاعَتُكَ بِلِسَانِكَ، وَكِتَابُكَ بِيَدِكَ، أَخْرَجَنَا عُمَرُ مِنْ أَرْضِنَا، فَرُدَّهَا إِلَيْنَا صَنِيعَةً، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ، «§إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الْأَمْرِ، فَلَا أُغَيِّرُ شَيْئًا صَنَعَهُ عُمَرُ» 274 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ الْأَعْمَشُ: فَكَانُوا يَقُولُونَ -[129]-: لَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَاغْتَنَمَ هَذَا

275 - وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَمَّنْ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ هَاهُنَا - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي الْكُوفَةَ -: «§مَا قَدِمْتُ لِأَحُلَّ عُقْدَةً شَدَّهَا عُمَرُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَى عُمَرَ اسْتَجَازَ إِخْرَاجَ أَهْلِ نَجْرَانَ وَهُمْ أَهْلُ صُلْحٍ لِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ خَاصَّةً

276 - يُحَدِّثُونَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ، مَوْلَى آلِ سَمُرَةَ، عَنِ ابْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: §أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنَ الْحِجَازِ، وَأَخْرِجُوا أَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نُرَاهُ قَالَ ذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَكْثٍ كَانَ مِنْهُمْ، أَوْ لِأَمْرٍ أَحْدَثُوهُ بَعْدَ الصُّلْحِ: وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ عُمَرُ إِلَيْهِمْ قَبْلَ إِجْلَائِهِ إِيَّاهُمْ مِنْهَا

277 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: انْظُرْ كِتَابًا قَرَأْتُهُ عِنْدَ فُلَانِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَكَلِّمْ فِيهِ زِيَادَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: فَكَلَّمَتْهُ فَأَعْطَانِي فَإِذَا فِي الْكِتَابِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، §مِنْ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ رُعَاشٍ كُلِّهِمْ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكُمْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ مُسْلِمُونَ، ثُمَّ ارْتَدَدْتُمْ بَعْدُ، وَإِنَّهُ مَنْ يَتُبْ مِنْكُمْ وَيُصْلِحْ لَا يَضُرُّهُ ارْتِدَادُهُ، وَنُصَاحِبُهُ صُحْبَةً حَسَنَةً، فَادَّكِرُوا وَلَا تَهْلِكُوا، وَلْيُبْشِرْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ، فَمَنْ أَبَى إِلَّا النَّصْرَانِيَّةَ فَإِنَّ ذِمَّتِي بَرِيئَةٌ مِمَّنْ وَجَدْنَاهُ بَعْدَ عَشْرٍ تَبْقَى مِنْ شَهْرِ الصَّوْمِ مِنَ النَّصَارَى بِنَجْرَانَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ يَعْلَى كَتَبَ يَعْتَذِرُ أَنْ يَكُونَ أَكْرَهَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ عَذَّبَهُ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَسْرًا جَبْرًا وَوَعِيدًا لَمْ يَنْفُذْ إِلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَمَرْتُ يَعْلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْكُمْ نِصْفَ مَا عَلِمْتُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِنِّي لَنْ أُرِيدَ نَزْعَهَا مِنْكُمْ مَا أَصْلَحْتُمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ الْأَمْصَارُ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ وَأَشْبَاهِهَا مِمَّا مَصَّرَ الْمُسْلِمُونَ هِيَ الَّتِي لَا سَبِيلَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهَا إِلَى إِظْهَارِ شَيْءٍ مِنْ -[131]- شَرَائِعِهِمْ، وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي لَهُمْ فِيهَا السَّبِيلُ إِلَى ذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْهَا صُلْحًا صُولِحُوا عَلَيْهِ، فَلَنْ يُنْتَزَعُ مِنْهُمْ، وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوَفُّوا لَهُمْ بِهِ. فَمِنْ بِلَادِ الصُّلْحِ: أَرْضُ هَجَرَ وَالْبَحْرَيْنِ، وَأَيْلَةُ، وَدَوْمَةُ الْجَنْدَلِ، وَأَذْرُحُ، فَهَذِهِ الْقُرَى الَّتِي أَدَّتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ، فَهُمْ عَلَى مَا أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ بَعْدَهُ مِنَ الصُّلْحِ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ -[132]-، افْتَتَحَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صُلْحًا، وَكَذَلِكَ مَدِينَةُ دِمَشْقَ، افْتَتَحَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ صُلْحًا، وَعَلَى هَذَا مُدُنُ الشَّامِ كَانَتْ كُلُّهَا صُلْحًا، دُونَ أَرْضِهَا، عَلَى يَدَيْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، وَأَبِي عُبَيْدَةِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَكَذَلِكَ بِلَادُ الْجَزِيرَةِ يُرْوَى أَنَّهَا كُلُّهَا صُلْحٌ، صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ، وَكَذَلِكَ قِبْطُ مِصْرَ صَالَحَهُمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَذَلِكَ بِلَادُ خُرَاسَانَ يُقَالَ إِنَّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا صُلْحًا عَلَى يَدَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ، وَكَانَ مُنْتَهَى ذَلِكَ إِلَى مَرْوَ الرُّوذِ وَهَذَا فِي دَهْرِ عُثْمَانَ، وَأَمَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا افْتُتِحَتْ بَعْدُ عَلَى يَدَيْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَالْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَؤُلَاءِ عَلَى شُرُوطِهِمْ، لَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ بِلَادٍ أُخِذَتْ عَنْوَةً، فَرَأَى الْإِمَامُ رَدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا، وَإِقْرَارَهَا فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى ذِمَّتِهِمْ وَدِينِهِمْ، كَفِعْلِ عُمَرَ بِأَهْلِ السَّوَادِ، وَإِنَّمَا أُخِذَ عَنْوَةً عَلَى يَدَيْ سَعْدٍ وَكَذَلِكَ بِلَادُ الشَّامِ كُلُّهَا عَنْوَةً، مَا خَلَا مُدُنَهَا عَلَى يَدَيْ يَزِيدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَشُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَكَذَلِكَ الْجَبَلُ أُخِذَ -[133]- عَنْوَةً فِي وَقْعَةِ جَلُولَاءَ وَنَهَاوَنْدَ عَلَى يَدَيْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَكَذَلِكَ الْأَهْوَازُ، أَوْ أَكْثَرُهَا، كَذَلِكَ فَارِسُ عَلَى يَدَيْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَعُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ عَلَى يَدَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ

278 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «§الْمَغْرِبُ كُلُّهُ عَنْوَةٌ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ الثُّغُورُ

279 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْعَصْمَاءِ الْخَثْعَمِيِّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ فَتْحَ قَيْسَارِيَّةَ قَالَ: حَاصَرَهَا مُعَاوِيَةُ سَبْعَ سِنِينَ إِلَّا أَشْهُرًا ثُمَّ فَتَحُوهَا وَبَعَثُوا بِفَتْحِهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَامَ عُمَرُ، فَنَادَى: «أَلَا §إِنَّ قَيْسَارِيَّةَ فُتِحَتْ قَسْرًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ بِلَادُ الْعَنْوَةِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَى مِلَلِهِمْ وَشَرَائِعِهِمْ، وَلِكُلٍّ هَذِهِ قِصَصٌ وَأَنْبَاءٌ، نَأْتِي بِمَا عَلِمْنَا مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّذِي فَعَلَهُ عُمَرُ بِالَّذِي أَثَرَى فِي تِجَارَةِ الْخَمْرِ مِنْ تَسْيِيرِ مَاشِيَتِهِ وَكَسْرِ مَتَاعِهِ، وَمَا فَعَلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَهْلِ زُرَارَةَ مِنْ إِحْرَاقِهَا، وَهُمْ مِمَّنْ قَدْ أُقِرَّ عَلَى مِلَّتِهِ، فَإِنَّمَا وَجْهُهُ عِنْدَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِأَنَّ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ لَمْ تَكُنْ مِمَّا شُرِطَ لَهُمْ، إِنَّمَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِمْ شُرْبُهَا، فَأَمَّا الْمُتَاجَرَةُ -[134]- فِيهَا وَحَمْلُهَا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَادٍ فَلَا وَهُوَ بَيِّنٌ، فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

280 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْكُوفَةِ أَنْ §لَا تَحْمِلِ الْخَمْرَ مِنْ رُسْتَاقٍ إِلَى رُسْتَاقٍ، وَمَا وَجَدْتَ مِنْهَا فِي السُّفُنِ فَصَيِّرْهُ خَلًّا، فَكَتَبَ عَبْدُ الْحَمِيدِ إِلَى عَامِلِهِ بِوَاسِطَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ بِذَلِكَ فَأَتَى السُّفُنَ، فَصَبَّ فِي كُلِّ رَاقُودٍ مَاءً وَمِلْحًا فَصَيَّرُهُ خَلًّا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمْ يَحُلْ عُمَرُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شُرْبِهَا، لِأَنَّهُمْ صُولِحُوا، وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حَمْلِهَا وَالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَإِنَّمَا نَرَاهُ أَمَرَ بِتَصْيِيرِهَا خَلًّا، وَتَرَكَهُ أَنْ يَصُبَّهَا فِي الْأَرْضِ صَبًّا، لِأَنَّهَا مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ مَا جَازَ إِلَّا هِرَاقَتُهَا فِي الْأَرْضِ، يَتَّبِعُ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ

281 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو -[135]-، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ §يَتَّجِرُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَاشْتَرَى بِهَا خَمْرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْرِقْهَا» فَقَالَ: إِنَّهَا أَمْوَالُ الْيَتَامَى، فَقَالَ: «أَهْرِقْهَا» فَقَالَ: إِنَّهَا أَمْوَالُ الْيَتَامَى، فَقَالَ: «أَهْرِقْهَا» فَهَرَاقَهَا، حَتَّى سَالَتْ فِي الْوَادِي قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَوْ جَاءَتِ الرُّخْصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَصْيِيرِهَا خَلًّا، لَكَانَتْ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ

282 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: §سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا؟ فَقَالَ: لَا

283 - وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، §أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا يَعْمَلُ لَهُ بِهِ فَخَرَجَ فَاشْتَرَى بِهِ خَمْرًا، ثُمَّ قَدِمَ فَأَرْبَحَ فِيهِ مَالًا كَثِيرًا، فَأَتَى عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِ اشْتَرَى بِهِ بَيْعًا فَأَرْبَحَ فِيهِ مَالًا -[136]- كَثِيرًا، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: خَمْرٌ، قَالَ: فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى شَاطِئِ النَّهَرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْخَمْرِ فَهُرِيقَتْ فِي دِجْلَةَ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: لَا وَأَمَرُ بِهَا فَصُبَّتْ كُلُّهَا

284 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي §رَجُلٍ وَرِثَ خَمْرًا، أَيَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: «كَانَ يَكْرَهُهُ، وَنَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحَرَامَ حَلَالًا، وَالْحَلَالَ حَرَامًا»

285 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي §رَجُلٍ وَرِثَ خَمْرًا فَقَالَ: يُهْرِقُهَا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ صَبَّ عَلَيْهَا مَاءً فَتَحَوَّلَتْ خَلًّا؟ قَالَ إِنْ تَحَوَّلَتْ خَلَا فَلْيَبِعْهُ

286 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْمُعَلِّمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: §وَرِثَ رَجُلٌ أَصْنَامًا مِنْ فِضَّةٍ، وَخَمْرًا وَخَنَازِيرَ، فَسَأَلَ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَمَرُوهُ أَنْ يَكْسِرَ الْأَصْنَامَ فَيَجْعَلَهَا فِضَّةً، وَنَهَوْهُ عَنِ الْخَمْرِ وَثَمَنِ الْخَنَازِيرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ بِمَالِ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ حِينَ أَحْرَقَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا خَلًّا

287 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §وَجَدَ عُمَرُ فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ شَرَابًا، فَأُمِرَ بِهِ فَأُحْرِقَ، وَكَانَ يُقَالَ لَهُ: رُوَيْشِدٌ، فَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ فُوَيْسِقٌ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَسْتُ أَرَى أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ، رَخَّصَ فِي نَقْلِ الْخَمْرِ إِلَى الْخَلِّ، وَلَا دَلَّ فِي ذَلِكَ عَلَى حِيلَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَالْكَرَاهَةُ لَهُ بِعَيْنِهِ

288 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئبٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْلَمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: §لَا تَأْكُلْ خَلًّا مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ، حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ بِفَسَادِهَا، وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الْخَلُّ، وَلَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَصَابَ خَلًّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَبْتَاعَهُ، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا إِفْسَادَهَا 289 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خَلِّ التَّمْرِ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَفِيهِ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ

290 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ - أَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -[138]-، §إِنَّا خَرَجْنَا مِنْ حَيْثُ عَلِمْتَ، فَنَزَلْنَا بَيْنَ ظَهْرَيْ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ فَمَنْ وَلِيَنَا؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا أَصْحَابَ كَرْمٍ وَخَمْرٍ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَا نَصْنَعُ بِالْكَرْمِ؟ قَالَ: تَجْعَلُونَهُ زَبِيبًا قَالُوا: وَمَا نَصْنَعُ بِالزَّبِيبِ؟ قَالَ: تَنْقَعُونَهُ فِي الشِّنَانِ، تُنْقِعُونَهُ عَلَى غَدَائِكُمْ وَتَشْرَبُونَهُ عَلَى عَشَائِكُمْ، وَتَنْقَعُونَهُ عَلَى عَشَائِكُمْ، وَتَشْرَبُونَهُ عَلَى غَدَائِكُمْ، فَإِنَّهُ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ الْعَصْرَانِ صَارَ خَلًّا، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الدِّيلمِيِّ هُوَ عِنْدَنَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ وَقَعَ إِلَى الدَّيْلَمِ وَهُوَ صَغِيرٌ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا رَضِيَ مَا انْتَقَلَ مِنَ الْحَلَالِ إِلَى الْحَلَالِ، وَلَمْ يَعْرِضْ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ

291 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ، عَنْ سُلَيْمَانَ -[139]- التَّيْمِيِّ، عَنْ أُمِّ خِدَاشٍ، قَالَتْ: «رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ §يَصْطَبِغُ بِخَلِّ الْخَمْرِ» وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَاحْتَجَّ قَوْمٌ بِهَذَا، أَنَّهُ مِنْ خَمْرٍ تَحَوَّلَتْ خَلًّا، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالُوا، وَهَلْ يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا كَانَ حَدِيثُهُ مُبْهَمًا، إِلَّا مِثْلَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ إِلَّا فِيمَا تَخَلَّلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهُ تَحْرِيمٌ، أَوْ كَمَذْهَبِ عُمَرَ حِينَ قَالَ: لَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَصَابَ خَلًّا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَبْتَاعَهُ، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا إِفْسَادَهَا، وَلِهَذَا كَانَ يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ فِيمَا نَرَى، لَا يَقُولُ: خَلُّ الْخَمْرِ

292 - حَدَّثَنِي أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ §كَانَ لَا يُسَمِّيهِ خَلُّ الْخَمْرِ، وَيُسَمِّيهِ خَلُّ الْعِنَبِ، قَالَ: وَكَانَ يَأْكُلُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَقُولُ إِنَّمَا هُوَ عَصِيرُ عِنَبٍ تَحَوَّلَ خَلًّا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ حَدَّثُونِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ بِالثَّغْرِ يَأْمُرُهُمْ، إِذَا أَرَادُوا اتِّخَاذَ الْخَلِّ مِنَ الْعَصِيرِ أَنْ يُلْقُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ خَلٍّ سَاعَةَ يُعْصَرُ فَتَدْخُلَهُ حُمُوضَةُ الْخَلِّ قَبْلَ أَنْ يَنِشَّ فَلَا يَعُودُ خَمْرًا أَبَدًا، وَإِنَّمَا فَعَلَ الصَّالِحُونَ هَذَا كُلَّهُ تَنَزُّهًا عَنِ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَمْرِ، بَعْدَ أَنْ تَسْتَحْكِمَ مَرَّةً خَمْرًا وَإِنْ آلَتْ إِلَى الْخَلِّ، وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنَ الْمَاضِينَ رَخَّصَ لِمُسْلِمٍ وَلَا أَفْتَاهُ بِتَخْلِيلِ الْخَمْرِ إِلَّا شَيْئًا يُرْوَى عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ

293 - فَإِنِّي سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، فِي §رَجُلٍ وَرِثَ خَمْرًا، قَالَ: يُلْقِي فِيهَا مِلْحًا، حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَيْنَ هَذَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا؟ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءٍ فِي الْمُرِّيِّ فَغَيْرُ هَذَا

294 - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ قَالَ: «§لَا بَأْسَ بِالْمُرِّيِّ ذَبَحَتْهُ الشَّمْسُ وَالْمِلْحُ وَالْحِيتَانُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ فَيَبْتَاعُهُ الْمُسْلِمُونَ مُرِّيًّا، لَا يَدْرُونَ كَيْفَ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَهَذَا كَقَوْلِ عُمَرَ: وَلَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَصَابَ خَلًّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَبْتَاعَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا إِفْسَادَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا رَخَّصَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؟ وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، حِينَ أَلْقَى فِي خَمْرِ أَهْلِ السَّوَادِ مَاءً، إِنَّمَا فَعَلَهُ بِخَمْرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي خَمْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ

باب الحكم في رقاب أهل العنوة من الأسارى والسبي قال أبو عبيد: جاءنا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الأسارى من المشركين بثلاث سنن: المن، والفداء، والقتل، وبها نزل الكتاب. قال الله جل ثناؤه فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها

§بَابُ الْحُكْمِ فِي رِقَابِ أَهْلِ الْعَنْوَةِ مِنَ الْأُسَارَى وَالسَّبْيِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: جَاءَنَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُكْمِ الْأُسَارَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِثَلَاثِ سُنَنٍ: الْمَنُّ، وَالْفِدَاءُ، وَالْقَتْلُ، وَبِهَا نَزَلَ الْكِتَابُ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] وَقَالَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَبِكُلٍّ قَدْ عَمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمِنَ الْمَنِّ فِعْلُهُ بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَقَدِ اقْتَصَصْنَا حَدِيثَهَا، وَكَيْفَ كَانَ فَتْحُهُ إِيَّاهَا، ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا فِي نَفْسٍ وَلَا فِي مَالٍ، ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِ: أَلَا لَا يُجْهَزَنَّ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُتْبَعَنَّ مُدْبِرٌ، وَلَا يُقْتَلَنَّ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَذَلِكَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ. 296 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْءٌ لَمْ أَحْفَظْهُ عَنْ هُشَيْمٍ حُدِّثْتُ بِهِ، قَالَ: فَأَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، إِلَّا أَرْبَعَةً: ابْنُ خَطَلٍ، وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ -[142]-، وَسَارَةُ الَّتِي حَمَلَتْ كِتَابَ حَاطِبٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَظُنُّ الرَّابِعَ مِقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ حَدِيثٌ

297 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: §دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ فَلَمَّا نَزَعَهُ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقًا -[143]- بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ وَفِي فَتْحِ مَكَّةَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَطُولُ. وَأَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِرَهُمْ، وَخَطَبَهُمْ بِذَلِكَ

298 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: §لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ دَخَلَ الْبَيْتَ، فَصَلَّى بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى عِضَادَتَيِ الْبَابِ، فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ مَاذَا تَقُولُونَ، وَمَاذَا تَظُنُّونَ؟» قَالُوا: نَقُولُ خَيْرًا، وَنَظُنُّ خَيْرًا: أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ، وَقَدْ قَدَرْتَ، قَالَ: " فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ وَمَالٍ وَمَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمَيَّ، إِلَّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ " -[144]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: السِّدَانَةُ خِدْمَةُ الْبَيْتِ، وَالسَّدَنَةُ الرِّجَالُ، وَالْوَاحِدُ: سَادِنٌ

299 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: §الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَعُدُّ أَوْ تُدْعَى، وَكُلَّ دَمٍ أَوْ دَعْوَى، مَوْضُوعَةٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، إِلَّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ، أَلَا وَفِي قَتِيلِ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ -[145]- وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إِلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ

300 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §كُفُّوا السِّلَاحَ إِلَّا خُزَاعَةُ عَنْ بَنِي بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُمْ حَتَّى صَلَاةِ الْعَصْرِ. ثُمَّ قَالَ: كُفُوًا السِّلَاحَ، فَلَقِيَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَامَ خَطِيبًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: إِنَّ أَعْدَى - أَوْ قَالَ: أَعْتَى - النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ عَدَا فِي الْحَرَمِ، وَمَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتَلِهِ، وَمَنْ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ -[146]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَمِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلُ خَيْبَرَ، وَإِنَّمَا افْتُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهَا وَظُهُورَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَهَا وَمَنَّ عَلَى رِجَالِهَا، وَتَرَكَهُمْ عُمَّالًا فِي الْأَرْضِ، مُعَامَلَةً عَلَى الشَّطْرِ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ إِلَيْهِمْ، حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ اسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُمْ وَمِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ أَيْضًا عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ أَوِ ابْنُ سُعْدَى وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا يَوْمَ قُرَيْظَةَ، وَقَدْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ

301 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §غَدَا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَحَاصَرَهُمْ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَضَى بِأَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَتُقْسَمَ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ كَذَا وَكَذَا رَجُلًا، إِلَّا عَمْرَو بْنَ سَعْدٍ أَوِ ابْنَ سُعْدَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوَفَاءِ وَيَنْهَى عَنِ الْغَدْرِ» ؛ فَلِذَلِكَ نَجَا - قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى وَأُرَاهَا أُمَّهُ - قَالَ: وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ إِلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَأَعْتَقَهُ -[147]-، وَكَانَ الزُّبَيْرُ أَجَارَهُ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَقَالَ ثَابِتٌ لِلزُّبَيْرِ: أَجْزِيكَ بِيَوْمِ بُعَاثٍ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَعِيشُ بِغَيْرِ أَهْلٍ وَلَا مَالٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ إِنْ أَسْلَمَ فَقَالَ ثَابِتٌ لِلزُّبَيْرِ: قَدْ رَدَّ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَكَ وَأَهْلَكَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَأَبُو نَافِعٍ، وَأَبُو يَاسِرٍ، وَابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ؟ فَقَالَ: قُتِلُوا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَعِيشُ فِي النَّادِي وَلَا أَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَا أَصْبِرُ عَنْهُمْ إِفْرَاغَ دَلْو، خُذْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ ارْفَعْ سَيْفَكَ عَنِ الطَّعَامِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنِّي ذِمَّتُكَ، قَالَ: فَدُفِعَ إِلَى مُحَيِّصَةَ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ فَقَتَلَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنَ الْمَنِّ أَيْضًا مَقَالَتُهُ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، حِينَ شَفَعَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ

302 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَلَا أَظُنُّنِي إِلَّا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: §أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُكَلِّمَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِبَ، أَوِ الْعِشَاءَ فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ - أَوْ قَالَ: يَقْرَأُ - وَقَدْ خَرَجَ صَوْتُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ -[148]- مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 8] قَالَ: فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَلَّمْتُهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَقَالَ: شَيْخٌ لَوْ كَانَ أَتَانَا فِيهِمْ شَفَّعْنَاهُ. يَعْنِي أَبَاهُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ. قَالَ هُشَيْمٌ وَغَيْرُهُ: وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدٌ -[149]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنِّ وَقَدْ عَمِلَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ

303 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: §ارْتَدَّ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِي نَاسٍ مِنْ كِنْدَةَ، فَحُوصِرَ فَأَخَذَ الْأَمَانَ لِسَبْعِينَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ، فَأُتِيَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ، إِنَّا قَاتِلُوكَ، لَا أَمَانَ لَكَ، فَقَالَ: تَمَنُّ عَلَيَّ، وَأُسْلِمُ؟ قَالَ: فَفَعَلَ، وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ

304 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: §حَاصَرْنَا تُسْتَرَ فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوسَى مَعِي إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِ سَكَتَ الْهُرْمُزَانُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «تَكَلَّمْ» ، فَقَالَ: أَكَلَامُ حَيٍّ أَمْ كَلَامُ مَيِّتٍ؟ فَقَالَ: «تَكَلَّمْ فَلَا بَأْسَ» فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ مَا خَلَّى اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كُنَّا نَقْتُلُكُمْ وَنُقْصِيكُمْ فَلَمَّا كَانَ اللَّهُ مَعَكُمْ لَمْ تَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ، فَقَالَ عُمَرُ: «مَا تَقُولُ يَا أَنَسُ؟» قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَرَكْتُ خَلْفِي شَوْكَةً شَدِيدَةً وَعَدَدًا كَثِيرًا، إِنْ قَتَلْتَهُ يَئِسَ الْقَوْمُ مِنَ الْحَيَاةِ، فَكَانَ أَشَدَّ لِشَوْكَتِهِمْ، وَإِنِ اسْتَحْيَيْتَهُ طَمِعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: «يَا أَنَسُ، أَسْتَحْيِيَ قَاتِلَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ، وَمَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ؟» - -[150]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي الْحَدِيثِ مَجْزَأَةٌ وَهُوَ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَجْزَأةُ - قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ، قُلْتُ لَيْسَ إِلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ، قَالَ: «لِمَ؟ أَعْطَاكَ، أَأَصَبْتَ مِنْهُ؟» قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنَّكَ قُلْتَ: تَكَلَّمْ، فَلَا بَأْسَ، فَقَالَ عُمَرُ: «لَتَجِيئَنَّ مَعَكَ بِمَنْ يَشْهَدُ أَوْ لَابُدَّ مِنْ عُقُوبَتِكَ» قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَإِذَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ قَدْ حَفِظَ مَا حَفِظْتُ، قَالَ: فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، وَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ 305 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ نَحْوَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْمَنِّ عَلَى الْأُسَارَى

306 - وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: §لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُسَارَى، قَالَ: قَالَ مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ بِوَادٍ كَثِيرِ الْحَطَبِ، فَأَضْرِمْهُ نَارًا، ثُمَّ أَلْقِهِمْ فِيهَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَطَعَ اللَّهُ -[151]- رَحِمَكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِتْرَتُكَ، وَأَصْلُكَ وَقَوْمُكَ، تَجَاوَزْ عَنْهُمْ يَسْتَنْقِذْهُمُ اللَّهُ بِكَ مِنَ النَّارِ قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا قَوْلُكُمْ فِي هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟ إِنَّ مَثَلَهُمَا كَمَثَلِ إِخْوَةٍ لَكُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلِكُمْ: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] وَقَالَ مُوسَى: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [يونس: 88] وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَشُدُّ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَيُلَيِّنُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللِّينِ - وَقَالَ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ: مِنَ اللَّبَنِ - وَإِنَّ بِكُمْ عَيْلَةً، فَلَا يَفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ، أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْتُ: إِلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، مَتَى تَقَعُ عَلَيَّ الْحِجَارَةُ فَقُلْتُ: أُقِدِّمُ الْقَوْلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ حَتَّى قَالَ: إِلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ فَفَرِحْتُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَغَازِي فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّمَا هُوَ سَهْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ، أَخُو سُهَيْلٍ فَأمَّا سُهَيْلٌ فَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَقَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا

307 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ -[152]-، حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدُّولِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: §أَسَرُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَقَتَلُوا سَبْعِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ، وَالْعَشِيرَةِ، وَأَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةٌ عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَلَكِنَّنِي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنَا مِنْهُمْ، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ، فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ - نَسِيبٍ لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ، وَصَنَادِيدُهُ، قَالَ فَهَوَي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، لَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ -[153]-، وَأَنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، وَلَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 68] فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ

308 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «كَانَ §فِدَاءُ أُسَارَى بَدْرٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ إِلَى مَا دُونَ ذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ أُمِرَ أَنْ يُعَلِّمَ صِبْيَانَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَ»

309 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: §كَانَ فِدَاءُ أُسَارَى بَدْرٍ مُخْتَلِفًا وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ فِدَاؤُهُ أَنْ يُعَلِّمَ غِلْمَانَ الْكِتَابَ، أَوْ قَالَ يُعَلِّمَ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَ

310 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدِ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ فَتَأْكُلُهَا فَلَمَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَقَعُوا فِي الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ -[154]- فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]

311 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] ، قَالَ: " لِأَهْلِ بَدْرٍ، {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68] "، قَالَ: " مِنَ الْفِدَاءِ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] "

312 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: §كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ - عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

313 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {§مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] قَالَ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] فَجَعَلَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا فَادُوهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَإِنْ شَاءُوا مَنُّوا عَلَيْهِمْ -[155]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا فَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَارَى بَدْرٍ بِهِ مِنَ الْمَالِ، وَقَدْ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ، وَمَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ، وَسَبَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَبَلْعَنْبَرَ، وَفَزَارَةَ، وَبَعْضِ الْيَمَنِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ أَحَادِيثُ مَأْثُورَةٌ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَدَى أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَالٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِمَّا أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ، تَطَوُّلًا بِلَا عِوَضٍ كَفِعْلِهِ بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَأَهْلِ خَيْبَرَ، وَكَمَا فَعَلَ بِسَبْيِ هَوَازِنَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ، وَإِمَّا أَنْ يُفَادِيَ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ -[156]-، فَأَمَّا مَنُّهُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَخَيْبَرَ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ

314 - وَأَمَّا أَمْرُ هَوَازِنَ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَالِحٍ حَدَّثَنَا، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §رَدَّ سِتَّةَ آلَافٍ مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ، مِنَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَالرِّجَالِ إِلَى هَوَازِنَ حِينَ أَسْلَمُوا وَخَيَّرَ نِسَاءً كُنَّ عِنْدَ رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ: مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَقَدْ كَانَا اسْتَيْسَرَا الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُمَا، فَخَيَّرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتَا قَوْمَهُمَا، قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ ". قَالَ: وَكَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُوا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ» فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[157]-: «إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا ذَلِكَ وَأَذِنُوا فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ

315 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْهُ هَوَازِنُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتُمُ الْوَالِدُ وَنَحْنُ الْوَلَدُ - أَوْ قَالُوا: أَنْتُمُ الْوَلَدُ وَنَحْنُ الْوَالِدُ - جِئْنَاكَ لِنَسْتَشْفِعَ بِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَنَسْتَشْفِعُ بِالْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكَ، أَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْوَالِنَا فَهِيَ لَكَ طَيِّبَةً بِذَلِكَ أَنْفُسُنَا، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَرَارِيِّنَا فَرُدَّهُ عَلَيْنَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ الْعَشِيَّةُ فَقُومُوا فَقُولُوا مِثْلَ مَقَالَتِكُمْ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامُوا فَقَالُوا مِثْلَ مَقَالَتِهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مَا كَانَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَهُوَ لَكُمْ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: أَمَّا مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي سُلَيْمٍ فَلَا أَهَبُهُ، فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: أَمَّا مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ لَكَ فَشَأْنَكَ بِهِ، وَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ مِثْلَ ذَلِكَ، فَرَدَّتْ إِحْدَى الْقَبِيلَتَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِمْ مِثْلَ قَوْلِ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ لَا أَدْرِي أَيَّتُهَا هِيَ؟ -[158]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا أَمْرُ هَوَازِنَ

316 - فَأَمَّا بَنُو الْمُصْطَلِقِ: فَإِنَّ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ: هَلْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْقِتَالِ؟ فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ §أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى سَبْيَهُمْ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ

317 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «§غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ» . ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا فِي الْعَزْلِ

318 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ -[159]-، قَالَ: §أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا وَعَتَقَ مَنْ سُبِيَ مِنْ قَوْمِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَهَذِهِ قِصَّتُهُمْ

319 - فَأَمَّا أَمْرُ الْيَمَنِ وَبَلْعَنْبَرَ: فَإِنَّ ابْنَ أَبِي عَدِيٍّ أَخْبَرَنَا، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، قَالَ أَحَدُهُمَا: §إِنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمَّاهَا الْآخَرُ فَقَالَ: إِنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَ عَلَيْهَا مُحَرَّرٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا جَاءَ سَبْيُ أَهْلِ الْيَمَنِ أَرَادَتْ أَنْ تَعْتِقَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَعْتِقِي مِنْهُمْ فَلمَّا جَاءَ سَبْيُ بَلْعَنْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْتِقِي مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكُلُّ هَؤُلَاءِ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ مَنَّ مِنْهُمْ بِلَا فِدْيَةٍ وَلَا مَالٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ فَادَى الرِّجَالَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهَذِهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ عَنْهُ

320 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو النَّضْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: §بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ، وَخَرَجَتْ مَعَهُ، فَرَأَيْتُ عُنُقًا مِنَ النَّاسِ، فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ، وَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ مَعَهَا ابْنَتُهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ: فَجِئْتُ أَسُوقُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ، هَبْ لِي الْمَرْأَةَ» ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي، وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَقَالَ: «هَبِ لِيَ الْمَرْأَةَ، لِلَّهِ أَبُوكَ» فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَفَدَى بِهَا أُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ

321 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَدَى رَجُلَيْنِ مِنَ -[161]- الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْكُفَّارِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَدْ أَفْتَى بِالْفِدَاءِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ

322 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ §كَرِهَ قَتْلَ الْأَسِيرِ، وَقَالَ: مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَادِهِ، 323 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ

324 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ، قَالَ: §سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَتْلِ الْأَسِيرِ، فَقَالَ: «مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَادِهِ»

قَالَ: وَسَأَلْتُ الْحَسَنَ، فَقَالَ: " §يُصْنَعُ بِهِ مَا صُنِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُسَارَى بَدْرٍ: يُمَنُّ عَلَيْهِ أَوْ يُفَادَى بِهِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكَانَ الْحَسَنُ قَدْ رَخَّصَ هَهُنَا فِي أَخْذِ الْفِدْيَةِ مَالًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ شَيْءٌ يَرْجِعُ تَأْوِيلُهُ إِلَى هَذَا

325 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، قَالَ: §شَاكَيْتُ -[162]- أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فِي بَعْضِ مَا يُشَاكِي الرَّجُلُ أَمِيرَهُ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ وَذَلِكَ عِنْدَ حُضُورٍ مِنْ وِفَادَةِ أَبِي مُوسَى، فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اصْطَفَى أَبُو مُوسَى مِنْ أَبْنَاءِ الْأَسَاوِرَةِ أَرْبَعِينَ لِنَفْسِهِ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ - قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى قَدِمَ أَبُو مُوسَى، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا بَالُ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ اصْطَفَيْتَهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَسَاوِرَةِ لِنَفْسِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، اصْطَفَيْتُهُمْ وَخَشِيتُ أَنْ يُخْدَعَ الْجُنْدُ عَنْهُمْ، وَكُنْتُ أَعْلَمُ بِفِدَائِهِمْ، فَاجْتَهَدْتُ فِي الْفِدَاءِ ثُمَّ خَمَّسْتُ وَقَسَمْتُ قَالَ: يَقُولُ ضَبَّةُ صَادِقٌ وَاللَّهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا كَذَّبَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا كَذَّبْتُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: فَاجْتَهَدْتُ فِي الْفِدَاءِ ثُمَّ خَمَّسْتُ وَقَسَمْتُ يُنْبِئُكَ أَنَّهُ إِنَّمَا افْتَدَاهُمْ بِالْمَالِ، لَا بِافْتِكَاكِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَهَذَا رَأْيٌ يَتَرَخَّصُ فِيهِ النَّاسُ. وَأَمَّا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فَعَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنْ يُفَادَى الْمُشْرِكُونَ بِمَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَيُمَدُّوا بِالرِّجَالِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْقُوَّةِ لَهُمْ، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ، فِيمَا يُرْوَى عَنْهُمْ

باب الحكم في رقاب أهل العنوة من الأسارى والسبي أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام الحافظ العالم الأمير الورع أبو الحسن علي بن خلف بن معزوز التلمساني عرف الكومي قال: أخبرتنا الشيخة الصالحة فخر النساء الكاتبة شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر الإبري - قراءة

§بَابُ الْحُكْمِ فِي رِقَابِ أَهْلِ الْعَنْوَةِ مِنَ الْأُسَارَى وَالسَّبْيِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْعَالِمُ الْأَمِيرُ الْوَرِعُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ مَعْزُوزٍ التِّلْمِسَانِيُّ عُرِّفَ الْكَوْمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ فَخْرُ النِّسَاءِ الْكَاتِبَةُ شُهْدَةُ بِنْتُ أَبِي نَصْرِِ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ عُمَرَ الْإِبَرِيُّ - قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ , فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَانِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ - قِيْلَ لَهَا: أَخْبَرَكُمْ الْكَامِلُ أَبُو الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ؟ فَأَقَرَّتْ بِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْبَادِيِّ قاَلَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِِّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِِ الْهَرَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي مُفَادَاةِ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ، وَكُلُّهُمْ يَرَى أَنْ يُفَادَى الرَّجِالُ وَالنِّسَاءُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. -[165]- 326 - فَأَمَّا الصِّبْيَانُ مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ يُحْكَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى أَنْ يُرَدُّوا إِلَيْهِمْ أَبَدًا، بَعْدَ أَنْ يُبَاعُوا، أَوْ يُقْسَمُوا بِفِدَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ إِذَا صَارَ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ جَمِيعًا، وَهُمَا كَافِرَانِ، وَيَقُولُ: الْمِلْكُ أَوْلَى بِهِ مِنَ النَّسَبِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ بِمُفَادَاةِ الصَّغِيرِ بَأْسًا إِذَا كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ عَلَى دِينِهِ إِذَا سُبِيَ مَعَهُ، وَيَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَنْ مَالِكِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِيهِ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَمَا بَالُ أَبَوَيْهِ يَكُونَانِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ، وَهُمَا مَا دَامَا مَمْلُوكَيْنِ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ، فَلَيْسَ بَيْنَهَمَا وَبَيْنَهُ وِلَايَةٌ وَلَا مِيرَاثٌ، وَسَيِّدُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمَا فِي مَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ فَكَذَلِكَ الدِّينُ، بَلِ الدِّينُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى

327 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أَحْسِبُهُ -[166]-، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّ ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ مِثْلُ رِجَالِهِمْ فِي الْفِدَاءِ، يَحِقُّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ فِكَاكُهُمْ وَاسْتِنْقَاذُهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ بِكُلِّ وَجْهٍ وَجَدُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا، إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِرِجَالٍ أَوْ مَالٍ، وَهُوَ شَرْطُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

328 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ بِهَذَا الْكِتَابِ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، مِنْ قُرَيْشِ وَأَهْلِ يَثْرِبَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ، فَحَلَّ مَعَهُمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ: أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ النَّاسِ: الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَبَعَاتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَهُمْ يَفُكُّونَ عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الْمَعَاقِلِ 329 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، مِثْلِ ذَلِكَ بِطُولِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَلَى رَبَاعَتِهِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْمَحْفُوظُ

330 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، قَالَ: §فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِبَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ -[167]-، وَجَاهَدَ مَعَهُمْ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مَفْدُوحًا مِنْهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ: مُفْرَحًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ: وَهُوَ الْمُثْقَلُ بِالدَّيْنِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالْعَانِي وَالْمَفْدُوحُ قَدْ تَشْتَرِكُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ، وَقَدْ يَدْخُلُ الصَّغِيرُ فِي مَعْنَى الْعَانِي فَاشْتَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، وَكَأَنَّهُ مُفَسَّرٌ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ

331 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: §عَلَى مَنْ فِدَاءُ الْأَسِيرِ؟ قَالَ: «عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُقَاتِلُ عَنْهَا» ، قِيلَ: فَمَتَى يَجِبُ سَهْمُ الْمَوْلُودِ؟ قَالَ: «إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِذَا اسْتَهَلَّ، يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْفِدَاءَ -[168]- وَيَسْتَحِقُّ الْعَطَاءَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ

332 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبَّارُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، 333 - أَوْ أَحَدُهُمَا، بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ يُجَاهَدُ مِنْ دُونِهِمْ، وَيَفْتَكُّ عُنَاتِهِمْ، فَإِذَا اسْتُنْقِذُوا رَجَعُوا إِلَى ذِمَّتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ أَحْرَارًا وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ

334 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ كَانَ فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: §أُوْصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِكَذَا وَكَذَا وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا: أَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ

335 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي §نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَبَاهُمُ الْعَدُوُّ فَاسْتَنْقَذَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: «لَا يُسْتَرَقُّونَ»

336 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، قَالَ: §سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَبَاهَا الْعَدُوُّ فَصَارَتْ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي سَهْمِهِ، قَالَ أَرَى أَنْ تُرَدَّ إِلَى عَهْدِهَا وَذِمَّتِهَا

337 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ رِفَاعَةَ كَتَبَ إِلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي §نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَبَاهُمُ الْعَدُوُّ فَبَاعُوهُمْ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ ثُمَّ بَاعَهُمْ أَهْلُ قُبْرُسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا خَاصَمُوهُمْ فَكَتَبَ هِشَامٌ: أَنْ أَجْرِ بَيْعَهُمْ لِمَنِ اشْتَرَاهُمْ 338 - وَقَالَ اللَّيْثُ: أَرَى أَنْ يَفْدُوهُمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيُقَرُّوا عَلَى ذِمَّتِهِمْ

339 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَخْرُجُ بِهِ لِفِدَاءِ الْأُسَارَى، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا سَنَجِدُ §نَاسًا فَرُّوا إِلَى الْعَدُوِّ طَوْعًا أَفَنَفْدِيهِمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَعَبِيدًا فَرُّوا طَوْعًا وَإِمَاءً؟ فَقَالَ: «افْدُوهُمْ» ، قَالَ: وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا أَمَرَ بِفِدَائِهِمْ

340 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي §حُرٍّ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: يَسْعَى لَهُ فِي ثَمَنِهِ، وَلَا يَسْتَرِقُّهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ -[170]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَهَذَا مَا جَاءَ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى

341 - وَأَمَّا قَتْلُهُمْ: فَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: §أُسَرَاءَ الْمُشْرِكِينَ يُقْتَلُونَ وَلَا يُفَادُوهُمْ حَتَّى يُثْخِنَ فِيهِمُ الْقَتْلُ وَقَرَأَ: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشَدُّوا الْوَثَاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]

342 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {§مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] قَالَ: " كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] فَجَعَلَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا فَادُوهُمْ ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَظُنُّهُ قَالَ: «وَإِنْ شَاءُوا مَنُّوا عَلَيْهِمْ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - وَلَمْ يَصِيرُوا عَبِيدًا»

343 - قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحَجَّاجٌ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {§فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْلُهُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]

344 - قَالَ وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: §هِيَ مَنْسُوخَةٌ، قَدْ قَتَلَ -[171]- رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا

345 - قَالَ وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ - أَوْ حُدِّثْتُ عَنْهُ -، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " §قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً صَبْرًا: عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا حَدِيثُ هُشَيْمٍ، فَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَيُنْكِرُونَ مَقْتَلَ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ يَوْمَئِذٍ، يَقُولُونَ: مَاتَ بِمَكَّةَ مَوْتًا قَبْلَ بَدْرٍ، وَإِنَّمَا قُتِلَ أَخُوهُ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَلَمْ يُقْتَلْ صَبْرًا، قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَمِمَّا يُصَدِّقُ قَوْلَهُمُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حِينَ كَلَّمَهُ فِي الْأُسَارَى شَيْخٌ لَوْ كَانَ أَتَانَا لَشَفَّعْنَاهُ، يَعْنِي أَبَاهُ مُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْتُولًا يَوْمَئِذٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ؟ وَأَمَّا مَقْتَلُ عُقْبَةَ وَالنَّضْرِ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ

346 - قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ قِيلَ لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا نَنْزِلُ عَلَى -[172]- حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْكُمْ فِيهِمْ فَحَكَمَ فِيهِمْ: أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ»

347 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ §بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ»

348 - قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَحَسَمَهُ أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ يَدَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: اللَّهُمَّ §لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ، وَتُسْتَحْيَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ؛ لِيَسْتَعِينَ بِهِمُ -[173]- الْمُؤْمِنُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَصَبْتَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ» وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ قَتْلِهِمُ انْفَتَقَ عِرْقُهُ، فَمَاتَ

349 - قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، فَقَضَى بِأَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ، وَتُقْسَمَ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ كَذَا كَذَا

قَالَ وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: §عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَشَكُّوا فِيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرُوا، هَلْ أَنْبَتَ؟ فَنَظَرُوا فَلَمْ أَكُنْ أَنْبَتُّ، فَجُعِلْتُ فِي الذُّرِّيَّةِ

351 - قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقِيلَ: هَذَا §ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَهَذَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْأُسَارَى، وَقَدْ عَمِلَتْ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ

352 - قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: §كُتِبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي أَسِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أُعْطِيَ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَكَتَبَ: أَنْ لَا تُفَادُوا بِهِ وَاقْتُلُوهُ

353 - قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُلْوَانُ بْنُ دَوَادَ، مَوْلَى أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: §دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: مَا أَرَى بِكَ بَأْسًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا تَأْسَ عَلَى الدُّنْيَا، فَوَاللَّهِ إِنْ عَلِمْنَاكَ إِلَّا كُنْتَ صَالِحًا مُصْلِحًا، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَا آسَى عَلَى شَيْءٍ إِلَّا عَلَى ثَلَاثٍ فَعَلْتُهُمْ، وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْهُمْ، وَثَلَاثٍ لَمْ أَفْعَلْهُمْ وَوَدِدْتُ أَنِّي فَعَلْتُهُمْ، وَثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، فَأَمَّا الَّتِي فَعَلْتُهَا وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْهَا: فَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا لِخَلَّةٍ ذَكَرَهَا - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا أُرِيدُ ذِكْرَهَا - وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ كُنْتُ قَذَفْتُ الْأَمْرَ فِي عُنُقِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ، أَوْ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَكَانَ أَمِيرًا وَكُنْتُ وَزِيرًا، وَوَدِدْتُ أَنِّي حَيْثُ كُنْتُ وَجَّهْتُ خَالِدًا إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ أَقَمْتُ بِذِي الْقَصَّةِ، فَإِنْ ظَفَرَ الْمُسْلِمُونَ ظَفَرُوا وَإِلَّا كُنْتُ بِصَدَدِ لِقَاءٍ، أَوْ مَدَدٍ. وَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي تَرَكْتُهَا وَوَدِدْتُ أَنِّي فَعَلْتُهَا: فَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَسِيرًا كُنْتُ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يَرَى شَرًّا إِلَّا أَعَانَ عَلَيْهِ -[175]-، وَوَدِدْتُ أَنَّنِي يَوْمَ أُتِيتُ بِالْفُجَاءَةِ لَمْ أَكُنْ أَحْرَقْتُهُ، وَكُنْتُ قَتَلْتُهُ سَرِيحًا، أَوْ أَطْلَقْتُهُ نَجِيحًا، وَوَدِدْتُ أَنِّي حَيْثُ وَجَّهْتُ خَالِدًا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ كُنْتُ وَجَّهْتُ عُمَرَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَأَكُونُ قَدْ بَسَطْتُ يَدِي، يَمِينِي وَشِمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَوَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُهُ: فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، فَلَا يُنَازَعُهُ أَهْلُهُ؟ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ سَأَلْتُهُ: هَلْ لِلْأَنْصَارِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ نَصِيبٍ؟ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ سَأَلْتُهُ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَابْنَةِ الْأَخِ، فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهَا حَاجَةً 354 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُلْوَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، مِثْلَهُ

355 - قَالَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ حَبِيبٍ أَبِي يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْمُزَنِيِّ، وَكَانَتْ عَيْنُهُ أُصِيبَتْ بِالسُّوسِ -[176]-، قَالَ: حَاصَرْنَا مَدِينَتَهَا، فَلَقِيَنَا جَهْدًا، وَأَمِيرُ الْجَيْشِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَصَالَحَهُ دِهْقَانُهَا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ وَيُؤَمِّنَ لَهُ مِائَةً مِنْ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ فَأَخَذَ عَهْدَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ مَعَهُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: «اعْزِلْهُمْ» فَجَعَلَ يَعْزِلُهُمْ، وَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: §إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَخْدَعَهُ اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَعَزَلَ الْمِائَةَ، وَبَقِيَ عَدُوُّ اللَّهِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو مُوسَى، قَالَ: فَنَادَى، وَبَذَلَ مَالًا كَثِيرًا، فَأَبَى عَلَيْهِ وَضَرَبَ عُنُقَهُ

356 - قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: §بَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ إِلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ بِفَارِسَ بِأَسِيرٍ مُوثَقٍ، يَقْتُلَهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَا وَهُوَ مَصْرُورٌ فَلَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَصْرُورُ: الْمُوثَقُ

357 - قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، §أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِأَسِيرٍ مِنَ الْخَزَرِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَأَقْتُلَنَّكَ، فَقَالَ الْأَسِيرُ -[177]-: إِذَنْ لَا يَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الْخَزَرِ شَيْءٌ، فَقَتَلَهُ عُمَرُ، قَالَ: وَلَمْ يَقْتُلْ أَسِيرًا فِي خِلَافَتِهِ غَيْرَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ أَحْكَامُ الْأُسَارَى: الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ وَالْقَتْلُ، وَكَانَتْ هَذِهِ فِي الْعَرَبِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا رِقَّ عَلَى رِجَالِهِمْ، وَبِذَلِكَ مَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِقَّ أَحَدًا مِنْ ذُكُورِهِمْ وَكَذَلِكَ حَكَمَ عُمَرُ فِيهِمْ أَيْضًا حَتَّى رَدَّ سَبْيَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوْلَادَ الْإِمَاءِ مِنْهُمْ أَحْرَارًا إِلَى عَشَائِرِهِمْ، عَلَى فِدْيَةٍ يُؤَدُّونَهَا إِلَى الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ، قَالَ: وَهَذَا مَشْهُورٌ مِنْ رَأْيِهِ

358 - قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَامَ عُمَرُ، قَالَ: «§لَيْسَ عَلَى عَرَبِيٍّ مِلْكٌ، وَلَسْنَا بِنَازِعِي مِنْ يَدِ رَجُلٍ شَيْئًا أَسْلَمَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّا نُقَوِّمُهُمُ الْمِلَّةَ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ»

359 - قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §كَانَ الرَّجُلُ لَا يَزَالُ قَدْ عَرَفَ ذَا قَرَابَتِهِ فِي بَعْضِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ قَدْ سُبِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَفَدَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَفَدَى عُثْمَانُ رَجُلًا مِنْ هَمَذَانَ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ

360 - قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا غَاضِرَةُ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ فِي نِسَاءٍ أَوْ إِمَاءٍ مُبَاعِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، «§فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهِنَّ أَنْ يَقُومُوا عَلَى آبَائِهِمْ، وَأَنْ لَا يُسْتَرَقُّوا»

361 - قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ عِنْدَ مَوْتِهِ اعْقِلْ عَنِّي ثَلَاثًا: «§الْإِمَارَةُ شُورَى، وَفِي فِدَاءِ الْعَرَبِيِّ عَبْدٌ، وَفِي ابْنِ الْأَمَةِ بَعِيرَانِ» ، قَالَ: وَكَتَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ الثَّالِثَةَ

362 - قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، §أَنَّ عُمَرَ فَرَضَ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ فُودِيَ مِنَ الْعَرَبِ بِسِتِّ قَلَائِصَ، وَكَانَ يَقْضِي بِذَلِكَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ الْوَلِيدَةَ مِنَ الْعَرَبِ: أَنْ يُفَادَى كُلُّ إِنْسَانٍ بِسِتِّ قَلَائِصَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَوْلَادَهُمْ مِنَ الْإِمَاءِ. فَهَذِهِ أَحْكَامُ الْأُسَارَى إِذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُؤْسَرُ وَتُسْبَى، فَقَدِ انْقَرَضَ ذَلِكَ، وَافْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْعَجَمِ، فَاسْتَرَقُّوا الْأُسَارَى أَيْضًا مَعَ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ، فَأَمْرُ النَّاسِ عَلَى هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَسِيرِ مِنَ الرِّجَالِ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ: الْمَنُّ، وَالْفِدَاءُ، وَالْقَتْلُ، وَالرِّقُّ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُمَرَ

363 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: §مَا كَانَ عُمَرُ يَصْنَعُ بِالْأَسَارَى؟ قَالَ: رُبَّمَا قَتَلَهُمْ، وَرُبَّمَا بَاعَهُمْ -[179]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا إِلَّا عَلَى الْعَجَمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بِلَادٍ افْتُتِحَتْ فِي دَهْرِهِ إِنَّمَا كَانَتْ بِلَادَ الْعَجَمِ، فَارِسُ، وَالرُّومُ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ

364 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: " لَقَدْ قَعَدْتُ مَقْعَدِي هَذَا §وَمَا لِأَحَدٍ مِنْ قِبْطِ مِصْرَ عَلَيَّ عَهْدٌ وَلَا عَقْدٌ، إِنْ شِئْتُ قَتَلْتُ، وَإِنْ شِئْتُ بِعْتُ، وَإِنْ شِئْتُ خَمَّسْتُ، إِلَّا أَهْلَ إِنْطَابُلْسَ: فَإِنَّ لَهُمْ عَهْدًا يُوَفَّى لَهُمْ بِهِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي الْأُسَارَى الْقَتْلَ وَالْبَيْعَ، وَأَمَّا الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ فَفِي التَّنْزِيلِ، مَعَ مَا جَاءَ فِيهِمَا مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَهَذِهِ أَحْكَامٌ أَرْبَعَةٌ، وَإِنَّمَا هَذِهِ فِي الرِّجَالِ خَاصَّةً، فَأَمَّا النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ فَلَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا حُكْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الرِّقُّ لَا غَيْرُ، وَلَيْسَ الْمَنُّ عَلَى الْأَسِيرِ أَنْ يُتْرَكَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ كَافِرًا وَلَكِنَّهُ يَكُونُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ، كَفِعْلِ عُمَرَ بِأَهْلِ السَّوَادِ، وَكَحَدِيثِهِ الْآخَرِ

365 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَيُّوبَ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ أَبَا مُوسَى، فَأَصَابَ سَبْيًا، فَقَالَ عُمَرُ: §خَلُّوا سَبِيلَ كُلِّ أَكَّارٍ وَزَرَّاعٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي الْأُسَارَى مَا لَمْ يُقِرُّوا بِالْإِسْلَامِ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِهِ زَالَتْ عَنْهُمْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ إِلَّا سَبِيلُ الرِّقِّ خَاصَّةً، إِنْ كَانُوا قَدْ بِيعُوا أَوْ قُسِمُوا وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ

366 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسِيرٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ وَلَا أَتُوبُ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَرَفَ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ، دَعُوهُ»

367 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «§إِذَا أَسْلَمَ الْأَسِيرُ حَرُمَ دَمَهُ»

368 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ الْمِصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: إِنِّي قَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ أَنْ §تَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لَكَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ سَهْمُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنِ اسْتَجَابَ لَكَ بَعْدَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْهَزِيمَةِ فَمَالُهُ -[181]- فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ فَهَذَا أَمْرِي وَكِتَابِي إِلَيْكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى عُمَرَ قَدْ جَعَلَ مَالَهُ فَيْئًا، وَلَمْ يَجْعَلْ رَقَبَتَهُ فَيْئًا، وَأَطْلَقَهُ لِإِسْلَامِهِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمُ الْحُكْمُ بِبَيْعٍ أَوْ قِسْمَةٍ، فَأَمَّا إِذَا حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ خُمْسُ اللَّهِ وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ فَقَدِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الرِّقُّ، فَلَا يُسْقِطُ الْإِسْلَامُ عَنْهُمْ حِينَئِذٍ رِقًّا وَهَذَا مُفَسَّرٌ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ

369 - قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: §أَيُّمَا مَدِينَةٍ افْتُتِحَتْ عَنْوَةً فَأَسْلَمَ أَهْلُهَا قَبْلَ أَنْ يَقْسِمُوا فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَأَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَذْهَبُ فِي أَمْرِ أَهْلِ السَّوَادِ إِلَى هَذَا، يَقُولُ: إِنَّمَا تُرِكُوا أَحْرَارًا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَسَمُوا. 370 - وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هَذَا فِي الْعَرَبِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُمْ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ رَقٌّ. -[182]- 371 - وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُمْ إِذَا أُخِذُوا مَرَّةً عَنْوَةً فَقَدْ لَزِمَهُمُ الرِّقُّ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمُوا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا مِنَ الْأَثَرِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَيْسَ الْقَوْلُ عِنْدِي إِلَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ مَا لَمْ يَقْسِمُوا، فَإِذَا قَسَمُوا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، إِلَّا بِاسْتِيهَابٍ وَطِيبِ أَنْفُسِ الَّذِينَ صَارُوا لَهُمْ، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ حُنَيْنٍ، حِينَ لَمْ يَرْتَجِعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنَ السَّبْيِ إِلَّا بِاسْتِيهَابٍ وَطِيبٍ مِنَ الْأَنْفُسِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَسَمَهُمْ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِأَهْلِ خَيْبَرَ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا، وَلَمْ يَسْتَوْهِبْهُمْ مِنْ أَحَدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَرَى عَلَيْهِمُ الْقَسْمُ. 372 - وَمِمَّا يُبَيِّنُ قَسْمَ أَهْلِ حُنَيْنٍ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ كَانَا اسْتَيْسَرَا الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُمَا، حَتَّى خَيَّرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتَا قَوْمَهُمَا. 373 - وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَصَبْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ، فَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ، وَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ

374 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ -[183]-، عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا، فَلَمَّا غَشَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ، فَاسْتَقْبَلَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: «§شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَهُ تُرَابًا فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ

375 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: §قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ وَالْحَدِيثُ فِي أَمْرِ حُنَيْنٍ وَخَيْبَرَ كَثِيرٌ. فَهَذَا فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَهُمَا سُنَّتَانِ قَائِمَتَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ لِلْإِمَامِ الْخِيَارَ فِي السَّبْيِ، مَا لَمْ يَقْسِمُوا، وَأَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إِذَا قَسَمُوا كَفِعْلِهِ بِأَهْلِ خَيْبَرَ، وَفِعْلِ عُمَرَ بِأَهْلِ السَّوَادِ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ سُبُوا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِمْ سِبَاءٌ وَلَا رِقٌّ

376 - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسَاوِرٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، جَالِسَهُ بِمَكَّةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ §أَنَّ الرُّفَيْلَ وَرُءُوسًا مِنْ رُءُوسِ أَهْلِ السَّوَادِ أَتَوْا عُمَرَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا كُنَّا قَدْ ظَهَرَ -[184]- عَلَيْنَا أَهْلُ فَارِسَ، فَأَضَرُّوا بِنَا وَأَسَاءُوا إِلَيْنَا، وَذَكَرُوا مَا افْتَرَطُوا فِيهِمْ مِنَ الشَّرِّ بَعْدُ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِكُمْ أَعْجَبَنَا مَجِيئُكُمْ وَفَرِحْنَا فَلَمْ نَهْدِكُمْ عَنْ شَيْءٍ، وَلَمْ نُقَاتِلْكُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِآخِرَةٍ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْتَرِقُّونَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَالْآنَ فَإِنْ شِئْتُمْ فَالْإِسْلَامُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَالْجِزْيَةُ وَإِلَّا قَاتَلْنَاكُمْ قَالَ: فَاخْتَارُوا الْجِزْيَةَ

377 - قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، قَالَ: حَاصَرْنَا مَنَاذِرَ، فَأَصَابُوا سَبْيًا، فَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ، «إِنَّ §مَنَاذِرَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى السَّوَادِ، فَرَدُّوا إِلَيْهِمْ مَا أَصَبْتُمْ»

378 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ كَيْسَانَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُوَيْسٌ أَبُو الرُّقَادِ، قَالَ: §أَخَذْتُ الدِّرْهَمَيْنِ وَالْأَلْفَيْنِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَبَيْتُ -[185]- جَارِيَةً مِنْ أَهْلِ مِيسَانَ، فَوَطِئْتُهَا زَمَانًا، ثُمَّ أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ: أَنْ خَلُّوا مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ سَبْيِ مِيسَانَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهَا فِيمَا خُلِّيَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي عَلَى أَيِّ وَجْهٍ خَلَّيْتُهَا، أَحَامٍلًا كَانَتْ أَمْ غَيْرَ حَامِلٍ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صُلْبِي بِمِيسَانَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ أَنَّهَا عَنْوَةٌ، لِأَنَّهَا انْتُزِعَتْ مِنْ أَيْدِي فَارِسَ، إِلَّا ثَلَاثَةَ مَوَاضِعَ مِنْهَا قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. وَاخْتَلَفُوا فِي رِقَابِ أَهْلِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُخِذُوا عَنْوَةً، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُقْسَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُعْرَضْ لَهُمْ، وَلَمْ يُسْبَوْا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُحَارِبُوا، وَلَمْ يَمْتَنِعُوا، فَأَيُّ الْوَجْهَيْنِ كَانَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي جِزْيَتِهِمْ، لِأَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ سِبَاءٌ، فَهُمْ أَحْرَارٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِمُ السِّبَاءُ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمُ الْإِمَامُ وَلَمْ يَقْسِمْهُمْ فَقَدْ صَارُوا أَحْرَارًا أَيْضًا، كَأَهْلِ خَيْبَرَ، فَهُمْ أَحْرَارٌ فِي شَهَادَاتِهِمْ وَمُنَاكَحَاتِهِمْ وَمَوَارِيثِهِمْ وَجَمِيعِ أَحْكَامِهِمْ، وَمِمَّا يُثْبِتُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ أَخْذُ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ، وَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ إِلَّا عَلَى الْأَحْرَارِ

379 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ السَّوَادِ عَهْدٌ، فَلَمَّا أُخِذَتْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ صَارَ لَهُمْ عَهْدٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ قِبْطُ مِصْرَ قِصَّتُهُمْ شَبِيهَةٌ بِقِصَّةِ أَهْلِ السَّوَادِ، إِنَّمَا كَانَتِ -[186]- الرُّومُ ظَاهِرَةً عَلَيْهِمْ، كَظُهُورِ فَارِسَ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا عِزٌّ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ عَنْهُمُ الرُّومُ صَارُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِيهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُخِذُوا عَنْوَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَالَحَتْ عَنْهُمُ الرُّومُ الْمُسْلِمِينَ صُلْحًا وَفِي كُلِّ ذَلِكَ أَحَادِيثُ

380 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: لَقَدْ قَعَدْتُ مَقْعَدِي هَذَا، §وَمَا لِأَحَدٍ مِنْ قِبْطِ مِصْرَ عَلَيَّ عَهْدٌ وَلَا عَقْدٌ، إِنْ شِئْتُ قَتَلْتُ، وَإِنْ شِئْتُ بِعْتُ، وَإِنْ شِئْتُ خَمَّسْتُ، إِلَّا أَهْلَ أَنْطَابُلْسَ فَإِنَّ لَهُمْ عَهْدًا يُوفِي لَهُمْ بِهِ "

381 - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ بْنِ مَسْرُوحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §فُتِحَتْ مِصْرُ بِغَيْرِ عَهْدٍ

382 - قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: وَأَخْبَرَنِي الصَّلْتُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، كَاتِبُ حَيَّانَ بْنِ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَرَأَ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى حَيَّانَ بْنِ شُرَيْحٍ وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى مِصْرَ أَنَّ §مِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ

383 - قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو مَرْحُومٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُنَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ زَعَمَ فِيمَنْ فَتَحَ مِصْرَ أَنَّهُمْ «§دَخَلُوا مِصْرَ بِلَا عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ»

384 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ مَنْ يَرْضَى، عَنْ زَيْدِ -[187]- بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: §لَمْ نَجِدْ صُلْحَ مِصْرَ فِي كُتُبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّتِي وَجَدْنَاهَا عُهُودًا لِمَنْ كَانَ عَاهَدَ مِنَ الْأَعَاجِمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْعَنْوَةِ فِي حَدِيثِهِمْ

385 - فَأَمَّا الصُّلْحُ، فَحَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: §سَأَلْتُ شَيْخًا مِنَ الْقُدَمَاءِ: هَلْ كَانَ لِأَهْلِ مِصْرَ عَهْدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، كِتَابٌ عِنْدَ طَلَمَا صَاحِبِ إِخْنَا، وَكِتَابٌ عِنْدَ فُلَانٍ، وَكِتَابٌ عِنْدَ فُلَانٍ، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ عَهْدُهُمْ؟ قَالَ: عَلَيْهِمْ دِينَارَانِ مِنَ الْجِزْيَةِ وَرِزْقُ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: أَتَعْلَمُ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الشُّرُوطِ؟ قَالَ: نَعَمْ، سِتَّةُ شُرُوطٍ: أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ، وَأَنْ لَا تُنْزَعَ نِسَاؤُهُمْ، وَلَا أَبْنَاؤُهُمْ، وَلَا كُنُوزُهُمْ، وَلَا أَرَضُوهُمْ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَخْبَارُ فِي أَمْرِهِمْ، وَأَنَا أَقُولُ: إِنَّ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا قَدْ كَانَا وَقَدْ صَدَقَ الْخَبَرَانِ كِلَاهُمَا، لِأَنَّهَا افْتُتِحَتْ مَرَّتَيْنِ، فَكَانَتِ الْمَرَّةُ الْأُولَى صُلْحًا ثُمَّ انْتَكَثَتِ الرُّومُ عَلَيْهِمْ، فَفُتِحَتِ الثَّانِيَةَ عَنْوَةً وَفِي ذَلِكَ غَيْرُ خَبَرٍ يُصَدَّقُ هَذَا

386 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ §بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ بِمِصْرَ، فَمَرَّ عَلَى نَاحِيَةِ قَرْنِ الشَّرْقِيَّةِ، فَهَادَنَهُمْ وَأَعْطَوْهُ، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَهَا -[188]- عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَاتَلَهُمْ وَانْتَقَضَ عَلَى الصُّلْحِ "

387 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، §أَنَّ الْمُقَوْقِسَ الَّذِي كَانَ عَلَى مِصْرَ كَانَ صَالَحَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى أَنْ يَفْرِضَ عَلَى الْقِبْطِ دِينَارَيْنِ دِينَارَيْنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ هِرَقْلَ صَاحِبَ الرُّومِ فَتَسَخَّطَهُ أَشَدَّ التَّسَخُّطِ، وَبَعَثَ الْجُيُوشَ، فَأَغْلَقُوا الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ وَآذَنُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بِالْحَرْبِ، فَقَاتَلَهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَتَحَ عَلَيْنَا الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ عَنْوَةً قَسْرًا، بِلَا عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ قَالَ: فَمِصْرُ كُلُّهَا صُلْحٌ فِي قَوْلِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ غَيْرَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، قَالَ: وَبِهَذَا الْقَوْلِ كَانَ يَقُولُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ

كتاب افتتاح الأرضين صلحا وأحكامها، وسننها، وهي من الفيء ولا تكون غنيمة

§كِتَابُ افْتِتَاحِ الْأَرَضِينَ صُلْحًا وَأَحْكَامِهَا، وَسُنَنِهَا، وَهِيَ مِنَ الْفَيْءِ وَلَا تَكُونُ غَنِيمَةً

باب الوفاء لأهل الصلح، وما يجب على المسلمين من ذلك، وما يكره من الزيادة عليهم

§بَابُ الْوَفَاءِ لِأَهْلِ الصُّلْحِ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ

388 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، عَنْ رَجُلِ مِنْ جُهَيْنَةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ لَعَلَّكُمْ §تُقَاتِلُونَ قَوْمًا فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَيُصَالِحُونَكُمْ عَلَى صُلْحٍ، فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ» 389 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ -[190]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ السُّنَّةَ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى وَظِيفَتِهَا الَّتِي صُولِحُوا، وَإِنَّ قَوُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ فَجَعَلَهُ حَتْمًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ قُوَّتَهُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي فُتْيَا عُمَرَ

390 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، §أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَارْفَعِ الْخَرَاجَ عَنْ أَرْضِي، قَالَ: إِنَّ أَرْضَكَ أُخِذَتْ عَنْوَةً وَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ أَرْضَ كَذَا وَكَذَا تَحْتَمِلُ مِنَ الْخَرَاجِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهَا، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى أُولَئِكَ سَبِيلٌ، إِنَّا صَالَحْنَاهُمْ قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يُسَمِّي هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي هُوَ دُونَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، وَكَانَ قَاضِيًا بِخُرَاسَانَ

391 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، §أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِمَّنْ صَالَحَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يُضَيِّعُ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ نَزَلَ مِنْهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا نَظَرَ عُمَرُ فِي أُمُورِهِمْ، فَإِنِ احْتَاجُوا خَفَّفَ عَنْهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْنَوْا زَادَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ اسْتِغْنَائِهِمْ 392 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ

393 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ -[191]- أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَدِيمٌ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى وَرْدَانَ: أَنْ «§زِدْ عَلَى الْقِبْطِ قِيرَاطًا عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ» فَكَتَبَ إِلَيْهِ وَرْدَانُ: كَيْفَ أَزِيدُ عَلَيْهِمْ وَفِي عَهْدِهِمْ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فِي أَهْلِ الصُّلْحِ: أَنَّهُ لَا يَضَعُ عَنْهُمْ شَيْئًا فَلَا أُرَاهُ أَرَادَ إِلَّا مَا دَامُوا مُطِيقِينَ، وَلَوْ عَجَزُوا لِخَفَّفَ عَنْهُمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُنْقَصُوا، إِذَا كَانُوا عَاجِزِينَ عَنِ الْوَظِيفَةِ، وَأَمَّا كِتَابُ مُعَاوِيَةَ إِلَى وَرْدَانَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِبْطِ، فَإِنَّمَا نَرَى ذَلِكَ لِأَنَّ مِصْرَ كَانَتْ عِنْدَهُ عَنْوَةً فَلِهَذَا اسْتَجَازَ الزِّيَادَةَ، وَكَانَتْ عِنْدَ وَرْدَانَ صُلْحًا، فَكَرِهَ الزِّيَادَةَ فَلِهَذَا اخْتَلَفَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا كَانَ مِنَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي افْتِتَاحِهَا

باب الشروط التي اشترطت على أهل الذمة حين صولحوا وأقروا على دينهم

§بَابُ الشُّرُوطِ الَّتِي اشْتُرِطَتْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ حِينَ صُولِحُوا وَأَقَرُّوا عَلَى دِينِهِمْ

قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ، قَالَ: §ضَرَبَ عُمَرُ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَمَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

394 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ الْمُضَرِّبِ -[192]-، قَالَ: «جَعَلَ عُمَرُ §الضِّيَافَةَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَا يَتَعَدَّى مَا عِنْدَهُمْ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَلَفٍ»

395 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ: §إِنَّا جَعَلْنَا الضِّيَافَةَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَإِنْ حَبَسَهُ مَطَرٌ أَوْ مَرَضٌ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ

396 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، §أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَطَ الضِّيَافَةَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ يَوْمًا وَلَيْلَةَ، وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ، وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ

قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ الْحِمْصِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَيُّمَا رُفْقَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ §آوَاهُمُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنَ الْمُعَاهَدِينَ، فَلَمْ يُؤْوُوهُمْ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمُ الذِّمَّةِ»

398 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذِي عَصْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ §اشْتَرَطَ عَلَى أَنْبَاطِ الشَّامِ لِلْمُسْلِمِينَ: أَنْ يُصِيبُوا مِنْ ثِمَارِهِمْ وَتِبْنِهِمْ وَلَا يَحْمِلُوا

399 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ -[193]- عَقِيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيِّ، قَالَ: §صَالَحَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَهْلَ أَنْطَابُلْسَ، وَهِيَ مِنْ بِلَادِ بَرْقَةَ بَيْنَ إِفْرِيقِيَّةَ وَمِصْرَ عَلَى الْجِزْيَةِ، عَلَى أَنْ يَبِيعُوا مِنْ أَبْنَائِهِمْ مَا أَحَبُّوا فِي جِزْيَتِهِمْ

400 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّهُ «§أَتَاهُ ابْنُ دِيَاسٍ حِينَ وَلِيَ أَنْطَابُلْسَ بِكِتَابِ عَهْدِهِمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ابْنُ دِيَاسٍ: نَصْرَانِيُّ مِنْ أنْبَاطِ مِصْرَ قِبْطِيُّ

401 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: §لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ مِصْرَ وَبَيْنَ الْأَسَاوِدِ عَهْدٌ وَلَا مِيثَاقٌ، إِنَّمَا هِيَ هُدْنَةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، نُعْطِيهِمْ شَيْئًا مِنْ قَمْحٍ وَعَدَسٍ، وَيُعْطُونَا دَقِيقًا، وَلَا بَأْسَ أَنْ نَشْتَرِيَ دَقِيقَهُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَسَاوِدُ وَالنُّوبَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ السُّودَانِ وَإِنَّمَا الصُّلْحُ لِلنُّوبَةِ خَاصَّةً

402 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: إِنَّمَا §الصُّلْحُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النُّوبَةِ عَلَى أَنْ لَا نُقَاتِلَهُمْ وَلَا يُقَاتِلُونَا، وَأَنَّهُمْ يُعْطُونَنَا دَقِيقًا وَنُعْطِيهِمْ طَعَامًا، قَالَ: وَإِنْ بَاعُوا أَبْنَاءَهُمْ لَمْ أَرْ بَأْسًا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُمْ 403 - قَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، قَالَ: وَمَنْ بَاعَ وَلَدَهُ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ مِنَ الْعَدُوِّ فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاءِ ذَلِكَ مِنْهُمْ -[194]- 404 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّ أَحْكَامَنَا لَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ. 405 - وَأَمَّا سُفْيَانَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ فَيَكْرَهُونَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ أَحَبُّ الْقَوْلَيْنِ إِلَيَّ؛ لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ أَمَانٌ، فَكَيْفَ يُسْتَرَقُّونَ؟

406 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَغَيْرُهُ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ " §غَزَا قُبْرُسَ بِنَفْسِهِ، وَنَفَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَمِنَ التَّابِعِينَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، قَالَ: فَقَفَلَ مِنْهَا وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ فَتْحًا عَظِيمًا، وَغَنَّمَهُمْ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَغْزُونَهُمْ حَتَّى صَالَحَهُمْ مُعَاوِيَةُ فِي وِلَايَتِهِ صُلْحًا دَائِمًا، عَلَى سَبْعَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَعَلَى النَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْذَارِهِمْ مَسِيرَ عَدُوِّهِمْ مِنَ الرُّومِ إِلَيْهِمْ " هَذَا أَوْ نَحْوُهُ

407 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، §أَنَّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ صَالَحَ أَهْلَ جُرْزَانَ وَبِلَادِ أَرْمِينِيَةَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ إِنْزَالَ الْجَيْشِ مِنْ حَلَالِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ

408 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، §أَنَّ عُثْمَانَ عَقَدَ لِمَنْ وَرَاءَ النَّهَرِ

باب ما يحل للمسلمين من مال أهل الذمة فوق ما صولحوا عليه

§بَابُ مَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَوْقَ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ

409 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كُلُّهُمْ، عَنْ وِقَاءِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: قُلْنَا لِسَلْمَانَ: مَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذِمَّتِنَا؟ قَالَ: «§مِنْ عَمَاكَ إِلَى هُدَاكَ، وَمِنْ فَقْرِكَ إِلَى غِنَاكَ، وَأَنْ تَصْحَبَ الرَّجُلَ مِنْهُمْ فَتَرْكَبَ دَابَّتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَصْرِفَهُ عَنْ وَجْهٍ يُرِيدُهُ، وَأَنْ تَأْكُلَ طَعَامَهُ وَيَأْكُلَ طَعَامَكَ»

410 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: §كُنَّا نُصِيبُ مِنْ ثِمَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ -[196]- وَأَعْلَاقِهِمْ، وَلَا نُشَارِكُهُمْ فِي نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَكُنَّا نَتَسَخَّرُ الْعِلْجَ لِيَهْدِينَا الطَّرِيقَ

411 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: §تَسَخَّرَ عُمَرُ أَنْبَاطَ أَهْلِ فِلَسْطِينَ فِي كَنْسِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَتْ فِيهِ مَزْبَلَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا وُجُوهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدِي الَّتِي كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِهَا: أَنَّهَا كَانَتْ شُرُوطًا عَلَيْهِمْ مُشْتَرَطَةً حِينَ صُولِحُوا عَلَيْهَا مَعَ الْجِزْيَةِ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْتَجِيزُونَ أَخْذَهُمْ بِهَا، إِذْ كَانَ يُوفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ هَكَذَا يُحْكَى عَنْ شَرِيكٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوٌ مِنْهُ. 412 - قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يُنَالُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، قَالَ: لَا يُنَالُ مِنْهُمْ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ، قِيلَ لَهُ فَالضِّيَافَةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يُخَفِّفُ عَنْهُمْ لَهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ

413 - قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ عَنْ ثِمَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ: «§كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُصِيبُونَ مِنْ ثِمَارِهِمُ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ، مَا لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ جَيْشٌ، فَلَا يَقُومُ ثِمَارُهُمْ لَهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُصِيبُونَ ذَلِكَ الْيَسِيرَ، مِمَّا كَانَ -[197]- اشْتُرِطَ عَلَيْهِمْ وَصُولِحُوا عَلَيْهِ، فَأَمَّا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا رَخَّصَ فِيهَا فِي قَدِيمَ الدَّهْرِ وَلَا حَدِيثَهُ وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ

414 - قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّا §نَمُرُّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَنُصِيبُ مِنَ الشَّعْرِ أَوِ الشَّيْءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ مِنْ ذِمَّتِكُمْ إِلَّا مَا صَالَحْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ

415 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صَعْصَعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: إِنَّا §نَسِيرُ فِي أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَنُصِيبُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: بِغَيْرِ ثَمَنٍ؟ قُلْتُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، قَالَ فَمَا تَقُولُونَ؟ قُلْتُ: نَقُولُ: حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75] 416 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ

417 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، وَيَعْقُوبُ الْقَارِئُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ الْمُصَرِّفِ، قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: «§لَا تَمْشِ ثَلَاثَ خُطًى لِتَأَمَرَّ عَلَى -[198]- ثَلَاثَةِ نَفَرٍ، وَلَا لِتَرْزَأَ مُعَاهِدًا إِبْرَةً فَمَا فَوْقَهَا، وَلَا لِتَبْغِيَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ غَائِلَةً»

418 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى سَعْدٍ، أَوْ قَالَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَعْدٍ فَأجَنَّنَا اللَّيْلُ إِلَى حَائِطٍ - وَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى حَائِطِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ - فَطَلَبْنَا صَاحِبَهُ، فَلَمْ نَجِدْهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: §إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلَا تَرْزَأَنَّ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ: فَبِتْنَا طَاوِيَيْنِ، حَتَّى أَصْبَحْنَا

419 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ §يَنْزِلُ الْقَرْيَةَ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَائِهِمْ، وَيَسْتَظِلَّ بِظِلِّهِمْ، وَتَرْعَى دَابَّتُهُ مِنْ مَرَاعِيهِمْ، فَيَأْمُرُ لَهُمْ بِالشَّيْءِ، أَوْ بِالْأَفْلُسِ

420 - قَالَ الْوَلِيدُ: وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةَ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ مَرَّ بِقَرْيَةٍ يُقَالَ لَهَا: دَمَّرُ، مِنْ قُرَى الْغُوطَةِ، §فَأَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يَقْطَعَ لَهُ سِوَاكًا مِنْ صَفْصَافٍ عَلَى نَهْرِ بَرَدَى، فَمَضَى لِيَفْعَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ارْجِعْ فَإِنَّهُ إِلَّا يَكُنْ بِثَمَنٍ فَإِنَّهُ سَيَيْبُسُ، فَيَعُودُ حَطَبًا بِثَمَنٍ»

421 - قَالَ الْوَلِيدُ: وَحَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِرَجُلٍ يُرِيدُ الْغَزْوَ -[199]-: §لَا تَطَأْ حَرْثًا وَلَا تَطْلُعْ شَرَفًا إِلَّا بِإِذْنِ إِمَامِكَ، وَإِيَّاكَ وَالْمِخْلَاةُ وَالْمِخْلَاتَيْنِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، ثُمَّ تَقُولُ: أَنَا غَازٍ، قَالَ: ثُمَّ لَقِيَ الرَّجُلُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ

422 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ وِقَاءِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: §كُنَّا مَعَ سَلْمَانَ بِجَلُولَاءَ أَوْ نَهَاوَنْدَ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ قَدْ أَوْقَرَ دَابَّتَهُ فَاكِهَةً يُطْعِمُ مَنْ مَرَّ بِهِ، فَسَبَّهُ سَلْمَانُ، فَسَبَّ سَلْمَانَ، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ: هَذَا سَلْمَانُ، فَأَقْبَلَ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ

423 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: §كَانَ الْمُسْلِمُونَ بِالْجَابِيَةِ، وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُخْبِرُهُ: أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْرَعُوا فِي عِنَبِهِ فَخَرَجَ عُمَرُ حَتَّى لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْمِلُ تُرْسًا عَلَيْهِ عِنَبٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «وَأَنْتَ أَيْضًا؟» فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ فَانْصَرَفَ عُمَرُ فَأَمَرَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ بِقِيمَةِ عِنَبِهِ

424 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ §تَبَرَّأَ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ

باب أهل الصلح يتركون على ما كانوا عليه قبل ذلك من أمورهم

§بَابُ أَهْلِ الصُّلْحِ يُتْرَكُونَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ

425 - قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَوِ ابْنَ أَبِي قَيْسٍ يَقُولُ: §كُنْتُ فِيمَنْ تَلَقَّى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ، مَقْدَمَهُ مِنَ الشَّامِ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَسِيرُ إِذْ لَقِيَهُ الْمُقَلَّسُونَ مِنْ أَهْلِ أَذْرِعَاتٍ بِالسُّيُوفِ وَالرَّيْحَانِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْ رُدُّوهُمْ وَامْنَعُوهُمْ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ سُنَّةُ الْعَجَمِ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، وَإِنَّكَ إِنْ تَمْنَعْهُمْ مِنْهَا يَرَوْا أَنَّ فِي نفْسِكَ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ فَقَالَ عُمَرُ: دَعُوهُمْ، عُمَرُ وَآلُ عُمَرَ فِي طَاعَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُقَلَّسُونَ قَوْمٌ يَلْعَبُونَ بِلُعْبَةٍ لَهُمْ بَيْنَ أَيْدِي الْأُمَرَاءِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْهِمْ فَأَنْكَرَهَا عُمَرُ وَكَرِههَا ثُمَّ أَقَرَّهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً لَهُمْ قَبْلَ الصُّلْحِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ سُنَّتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقَضَهُ وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوَفُّوا لَهُمْ بِهِ، قَالَ: وَفِي مِثْلِ هَذَا أَحَادِيثُ

426 - حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: §خَاصَمَ حَسَّانُ بْنُ مَالِكٍ عَجَمَ أَهْلِ دِمَشْقَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كَنِيسَةٍ، وَكَانَ فُلَانٌ سَمَّى رَجُلًا مِنَ الْأُمَرَاءِ أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ عُمَرُ: «إِنْ كَانَتْ مِنَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ كَنِيسَةً الَّتِي فِي عَهْدِهِمْ فَلَا سَبِيلَ لَكَ إِلَيْهَا»

427 - وَقَالَ ضَمْرَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمَلَةَ، قَالَ: §خَاصَمْنَا عَجَمَ أَهْلِ دِمَشْقَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كَنِيسَةٍ، كَانَ فُلَانٌ قَطَعَهَا لِبَنِي نَصْرٍ بِدِمَشْقَ، فَأَخْرَجَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْهَا وَرَدَّهَا إِلَى النَّصَارَى، فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رَدَّهَا عَلَى بَنِي نَصْرٍ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا النَّصَارَى

428 - قَالَ: وَقَالَ ضَمْرَةُ، عَنْ رَجَاءٍ، مَوْلَى أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيِّ، قَالَ: وَلَّانِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قِنَّسْرِينَ وَكَانَتْ صُلْحًا فَشَكَا إِلَيْهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّهُمْ قَدْ نَزَلُوا مَنَازِلَهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: أَنِ §انْظُرْ مَنْ كَانَ فِي مَنَازِلِ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا حِينَ صُولِحُوا، فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي مَنَازِلِهِمْ عَنْهَا، قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا أُولَئِكَ قَلِيلٌ فَسَأَلُونِي الْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ، فَكَفَفْتُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا حَكَمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِكَنَائِسِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ لَهُمْ، لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِهِمْ وَدِينِهِمْ مَعَ الصُّلْحِ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ مَا دَخَلَ فِي الصُّلْحِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِهِ، مِثْلُ الَّذِي فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِنَّمَا افْتَتَحَ الْبِلَادَ صُلْحًا، ثُمَّ حَالَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَرَ لَهُمْ فِيهِ حَقًّا

429 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ ثَابِتٍ الْفَهْمِيَّ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ -[202]- فِي جَيْشٍ، وَعُمَرُ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: فَقَاتَلَهُمْ فَأَعْطَوْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَا أَحَاطَ بِهِ حِصْنُهَا، عَلَى شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ، وَيَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْهَا، فَقَالَ خَالِدٌ: قَدْ بَايَعْنَاكُمْ عَلَى هَذَا، إِنْ رَضِيَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ يُخْبِرُهُ بِالَّذِي صَنَعَ اللَّهُ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «أَنْ قِفْ عَلَى حَالِكَ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ» ، فَوَقَفَ خَالِدٌ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَقَدِمَ عُمَرُ مَكَانَهُ فَفَتَحُوا لَهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ عَلَى مَا بَايَعَهُمْ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: §فَبَيْتُ الْمَقْدِسِ يُسَمَّى فَتْحُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

430 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَمَّارِ الْعَنْسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: §لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ زَارَ أَهْلَ الشَّامِ، فَنَزَلَ الْجَابِيَةَ، وَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ جَدِيلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَافْتَتَحَهَا صُلْحًا، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ وَمَعَهُ كَعْبٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، أَتَعْرِفُ مَوْضِعَ الصَّخْرَةِ؟ فَقَالَ أَذْرُعٌ مِنَ الْحَائِطِ الَّذِي يَلِي وَادِي جَهَنَّمَ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، ثُمَّ احْتَفِرْ -[203]-، فَإِنَّكَ تَجِدُهَا، قَالَ: وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مَزْبَلَةٌ فَحَفَرُوا فَظَهَرَتْ لَهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: أَيْنَ تَرَى أَنْ نَجْعَلَ الْمَسْجِدَ؟ - أَوْ قَالَ: الْقِبْلَةَ - فَقَالَ: اجْعَلْهَا خَلْفَ الصَّخْرَةِ، فَتَجْمَعُ الْقِبْلَتَيْنِ: قِبْلَةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِبَلَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، خَيْرُ الْمَسَاجِدِ مُقَدَّمُهَا قَالَ: فَبَنَاهَا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ

431 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: §تَسَخَّرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْبَاطَ أَهْلِ فِلَسْطِينَ فِي كَنْسِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَتْ فِيهِ مَزْبَلَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ عُمَرَ حَازَ الْمَسْجِدَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَحَالَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَهُ، فَهُمْ عَلَى هَذَا إِلَى الْيَوْمِ لَا يُدْخِلُونَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتِ الْبِلَادُ صُلْحًا، فَلَمْ يَجْعَلْ عُمَرُ الْمَسْجِدَ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِهِمْ

باب من أسلم من أهل الصلح كيف تكون أرضه، أرض خراج أم أرض عشر؟

§بَابُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ كَيْفَ تَكُونُ أَرْضُهُ، أَرْضُ خَرَاجٍ أَمْ أَرْضُ عُشْرٍ؟

432 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «§قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَبِلَ إِسْلَامَهُ، وَأَحْرَزَ إِسْلَامُهُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، إِلَّا الْأَرْضَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ فِي مَنَعَةٍ 433 - وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، مِثْلَ ذَلِكَ -[204]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَيْسَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ أَرْضَهُ، فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، أَنَّهَا تُنْزَعُ مِنْهُ إِذَا أَسْلَمَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهَا تَكُونُ أَرْضَ خَرَاجٍ عَلَى حَالِهَا، لِأَنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرْضَى مِنْهُ بِالْعُشْرِ كَأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَمْلِكُونَهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ كَرِهَ شِرَاءَ أَرْضِ أَهْلِ الصُّلْحِ، وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَيْءٌ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا

434 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: §أَيُّمَا قَوْمٍ صُولِحُوا عَلَى جِزْيَةٍ يُعْطُونَهَا، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ كَانَتْ أَرْضُهُ لِبَقِيَّتِهِمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَقُولُ: تَكُونُ سُنَّتُهُ كَسُنَّتِهِمْ، وَحُكْمُهُ فِي الْأَدَاءَ عَنْهَا كَحُكْمِهِمْ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا

435 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، §أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ فَإِنَّ أَرْضَهُمْ وَمَالَهُمْ -[205]- لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ قَدْ غُلِبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ، وَصَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا بِلَادَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ حَتَّى صُولِحُوا عَلَيْهِا، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَوَى أَشْعَثُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ شَيْئًا يُشْبِهُ هَذَا

436 - قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «§مِنَ السَّوَادِ مَا أُخِذَ عَنْوَةً وَمِنْهُ كَانَ صُلْحًا، فَمَا كَانَ صُلْحًا فَهُوَ مَالُهُمْ، وَمَا كَانَ عَنْوَةً فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَعَلَى تَأْوِيلِ مَذْهَبِ ابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشِرَى أَرْضِ الصُّلْحِ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ. 437 - قَالَ: وَكَذَا يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا، وَيَكْرَهُ شِرَى أَرْضِ الْعَنْوَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا: أَنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا صَارَتْ أَرْضُوهُمْ أَرْضَ عُشْرٍ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ أَيْمَانِهِمْ وَأَمَّا الَّذِي يَقُولُ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَغَيْرُ هَذَا. 438 - أَخْبَرَنِي عَنْهُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، أَوِ اشْتَرَى أَرْضَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ، فَإِنَّ الصُّلْحَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ. 439 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ أَنَا فَذَاكَ الْقَوْلُ، أَنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ رُدَّتْ أَحْكَامُهُمْ إِلَى أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ أَرَضُوهُمْ أَرْضَ عُشْرٍ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ: أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ فَلَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ -[206]- ذَلِكَ إِذَا أَسْلَمُوا، فَكَذَلِكَ بِلَادُهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجُ مَا كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ فَإِذَا أَسْلَمُوا وَجَبَ عَلَيْهِمْ فَرْضُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ وَكَانُوا كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ

باب الصلح والمهادنة تكون بين المسلمين والمشركين إلى مدة

§بَابُ الصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ إِلَى مُدَّةٍ

440 - قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ. وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، §441 - أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ الْحُدَيْبِيَةِ رَغِبَتْ تِلْكَ الْبَيْعَةَ مَنْ كَانُوا ارْتَهَنُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ دَعُوا إِلَى الْمُوَادَعَةِ وَالصُّلْحِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ -[207]- بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الفتح: 24] قَالَ عُرْوَةُ: ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقِتَالَ، فَقَالَ: {وَلَوْ قَاتِلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الفتح: 22] قَالَ: فَهَادَنَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَالَحَتْهُ عَلَى سِنِينَ أَرْبَعٍ، أَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، عَلَى أَلَّا إِغْلَالَ وَلَا إِسْلَالَ، فَمَنْ قَدِمَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ مُجْتَازًا إِلَى الْيَمَنِ أَوْ إِلَى الطَّائِفِ، فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَامِدًا إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى الْمَشْرِقِ، فَهُوَ آمِنٌ، قَالَ: وَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَهْدِهِ بَنِي كَعْبٍ، وَأَدْخَلَتْ قُرَيْشٌ فِي عَهْدِهَا حُلَفَاءَهَا بَنِي كِنَانَةَ: وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ إِلَيْهِ

442 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَا: كَانَ مِنْ شَرْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ «تَرْجِعَ عَامَكَ هَذَا، حَتَّى §إِذَا كَانَ عَامَ قَابِلٍ دَخَلْتَ -[208]- مَكَّةَ وَمَعَكَ مِثْلَ سِلَاحِ الرَّاكِبِ، لَا تَدْخُلْهَا إِلَّا بِالسُّيُوفِ فِي الْقِرَبِ، فَتُقِيمُ بِهَا ثَلَاثًا»

443 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: §اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدْعُوهَ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَدْخُلُهَا بِسِلَاحٍ إِلَّا بِالسَّيْفِ فِي الْقِرَابِ، فَلَمَّا كَتَبَ الْكِتَابَ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَذَا، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَأَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا أَمْحُوهُ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَهْلَ مَكَّةَ: عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا السَّيْفُ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلَيًا، فَقَالُوا -[209]-: قُلْ لِصَاحِبِكَ فَلْيَخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

444 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَعُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: §لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ أَتَاهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِيُحَاجَّهُمْ، فَكَانَ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ أَنْ قَالُوا: إِنَّ صَاحِبَكَ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ - أَوْ قَالَ: مَا قَاتَلْنَاكَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: امْحُ يَا عَلِيُّ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، أَخْرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا -[210]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا تَكُونُ الْمُوَادَعَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الشِّرْكِ إِذَا خَافَ الْإِمَامُ غَلَبَةً مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَأْمَنْ عَلَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَضْعُفُوا، أَوْ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ بِذَلِكَ كَيْدًا، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ، فَلَا وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] وَكَذَلِكَ لَوْ خَافَ مِنَ الْعَدُوِّ اسْتِعْلَاءً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَاحْتَاجَ إِلَى أَنْ يَتَّقِيهِمْ بِمَالٍ يَدْرَؤُهُمْ بِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ: فَعَلَ ذَلِكَ، كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ إِنَّمَا الْإِمَامُ نَاظِرٌ لِلْمُسْلِمِينَ

445 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَتْ §وَقْعَةُ الْأَحْزَابِ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ حَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ، وَرَئِيسُ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَحَاصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَخَلَصَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الْكَرْبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ -[211]- لَا تُعْبَدُ» وَحَتَّى أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَئِيسُ الْكُفَّارِ مِنْ غَطَفَانَ، وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُلُثَ ثَمَرِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ، عَلَى أَنْ يَخْذُلَ الْأَحْزَابَ وَيَنْصَرِفَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ عُيَيْنَةُ: بَلْ أَعْطِنِي شَطْرَ ثَمَرِهَا، ثُمَّ أَفْعَلُ ذَلِكَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَوْسِ وَإِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ فَقَالَ: «إِنَّ عُيَيْنَةَ قَدْ سَأَلَنِي نِصْفَ ثَمَرِ نَخْلِكُمْ، عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ وَيَخْذُلَ الْأَحْزَابَ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُهُ الثُّلُثَ، فَأَبَى إِلَّا النِّصْفَ فَمَا تَرَيَانِ؟» قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ فَافْعَلْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْتَأْمِرْكُمَا فِيهِ، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيٌ أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا» قَالَا: فَإِنَّا لَا نَرَى أَنْ نُعْطِيَهُمْ إِلَّا السَّيْفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَعَمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ فِي إِمَارَتِهِ

446 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، §أَنَّ الرُّومَ صَالَحَتْ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِمْ مَالًا، وَارْتَهَنَ مُعَاوِيَةُ مِنْهُمْ رَهْنًا فَجَعَلَهُمْ بِبَعْلَبَكَّ ثُمَّ إِنَّ الرُّومَ غَدَرَتْ، فَأَبَى مُعَاوِيَةُ وَالْمُسْلِمُونَ أَنْ يَسْتَحِلُّوا قَتْلَ مَنْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ رَهْنِهِمْ، وَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، وَاسْتَفْتَحُوا بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: وَفَاءٌ بِغَدْرٍ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ بِغَدْرٍ 447 - قَالَ: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ: لَا تَقْتُلِ الرَّهْنَ بِغَدْرِهِمْ

باب الصلح والموادعة تكون بين المسلمين والمشركين إلى وقت، ثم ينقضي ذلك الوقت، كيف ينبغي للمسلمين أن يصنعوا؟

§بَابُ الصُّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ إِلَى وَقْتٍ، ثُمَّ يَنْقَضِي ذَلِكَ الْوَقْتُ، كَيْفَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصْنَعُوا؟

448 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي الْفَيْضِ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ نَاسٍ مِنَ الرُّومِ عَهْدٌ، فَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ فَأَرَادَ إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحِلَّ عُقْدَةً حَتَّى يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» قَالَ يَزِيدُ: لَمْ يُرِدْ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ تَنْقَضِيَ وَهُوَ فِي بِلَادِهِمْ فَيُغِيرَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارُّونَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ إِلَّا أَنْ لَا يَدْخُلَ بِلَادَهُمْ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ غَزْوَهُمْ هَذَا الْكَلَامُ أَوْ نَحْوُهُ قَالَهُ يَزِيدُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ إِلَى مُدَّةٍ، ثُمَّ انْقَضَتْ، وَزَادَهُمْ فِي الْوَقْتِ أَيْضًا، وَبِذَلِكَ نَزَلَ الْكِتَابُ

449 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {§بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] قَالَ: إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ، مِن خُزَاعَةَ وَمُدْلِجٍ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[213]- مِنْ تَبُوكَ، حِينَ فَرَغَ مِنْهَا، فَأَرَادَ الْحَجَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ يَحْضُرُ الْبَيْتَ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ عُرَاةً، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا، فَطَافَا فِي النَّاسِ بِذِي الْمَجَازِ بِأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِيهَا كُلِّهَا، وَبِالْمَوْسِمِ كُلِّهِ، فَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بِأَنْ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرِ وَهِي الأشْهُرُ الْحُرُمُ الْمُنْسَلِخَاتِ الْمُتَوَالِيَاتِ: عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ تَخْلُوَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرَ، ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ وَآذَنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالْقِتَالِ، إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا 450 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ عَلِيٌّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يَقُولُ: لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. 451 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَزَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَسْتَفْتِحُ بَرَاءَةَ، حَتَّى يَخْتِمَ {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ} [التوبة: 7] هَذِهِ الْآيَةَ. 452 - وَزَعَمَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ يَقْرَؤُهَا بِمِنًى قَالَ -[214]- أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي عَلِيًّا

453 - وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {§فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5] الْأَرْبَعَةُ الَّتِي قَالَ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] وَهِيَ الْحُرُمُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا فِيهَا، حَتَّى يُسَيِّحُوهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ مُجَاهِدٌ: أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] وَلَوْ أَرَادَ تِلْكَ لَكَانَ انْسِلَاخُهَا مَعَ خُرُوجِ الْمُحَرِّمِ وَاسْتِهْلَالِ صَفَرَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ مُسْتَأْنَفَةً إِلَى عَشْرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، كَمَا قَالَ: وَذَلِكَ تَمَامُ أَرْبَعَةٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَمَا سَمَّاهَا حُرُمًا لِلْأَمَانِ وَالْعَهْدِ الَّذِي أَعْطَاهُمْ، وَجَعَلَ قِتَالَهُمْ فِيهِنَّ عَلَى نَفْسِهِ حَرَامًا

454 - وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§اعْتَمَرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ قَفَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى تِلْكَ الْحِجَّةِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ»

455 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -[215]-، قَالَ: §بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحِجَّةِ، فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِهَا: أَنَّ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ

456 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ مُؤَذِّنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ: فَنَادَيْتُ حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي، قَالَ: قُلْتُ بِمَ نَادَيْتَهُمْ؟ قَالَ: نَادَيْتُهُمْ: أَنْ §لَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ: فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ

457 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو نُوحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ بِبَرَاءَةَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ -[216]- كَئِيبًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُنْزِلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنِّي §أُمِرْتُ أَنْ أُبَلِّغَهَا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَقَالَ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، وَقَدْ بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِأَرْبَعٍ "، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا

باب أهل الصلح والعهد ينكثون، متى تستحل دماؤهم؟

§بَابُ أَهْلِ الصُّلْحِ وَالْعَهْدِ يَنْكُثُونَ، مَتَى تُسْتَحَلُّ دِمَاؤُهُمْ؟

458 - قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: §حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ، مَا بَيْنَ عِشْرِينَ لَيْلَةً إِلَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، وَإِنَّ أَهْلَ الْحِصْنِ أَخَذُوا الْأَمَانَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى ذَرَارِيِّهِمْ، وَعَلَى أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْحِصْنِ، قَالَ: وَكَانَ فِي الْحِصْنِ أَهْلُ بَيْتٍ فِيهِمْ شِدَّةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفُحْشٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بَنِي الْحُقَيْقِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا قَالَ، وَإِنَّمَا هُمْ بَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ - قَدْ عُرِفَتْ عَدَاوَتُكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْنِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ مَا أَعْطَيْتُ أَصْحَابَكُمْ، وَقَدْ أَعْطَيْتُمُونِي أَنَّكُمْ إِنْ كَتَمْتُمْ شَيْئًا حَلَّتْ لَنَا دِمَاؤُكُمْ مَا فَعَلَتْ آنِيَتُكُمْ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ فَقَالُوا: اسْتَهْلَكْنَاهَا فِي حَرْبِنَا، قَالَ: فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَأَتَوُا الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ الْآنِيَةُ فَاسْتَثَارُوهَا، قَالَ: ثُمَّ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ

459 - وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ كَنْزًا فَكَتَمُوهُ فَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ دِمَاءَهُمْ

460 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§بَعَثَ نَفَرًا إِلَى ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَتَلُوهُ»

461 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §عَاهَدَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَجَعَلَ اللَّهَ عَلَيْهِ كَفِيلًا، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ قُرَيْظَةَ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِابْنِهِ سَلَمًا -[218]-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْفَى الْكَفِيلُ» ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَعُنُقُ ابْنِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا اسْتَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِمَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمُظَاهَرَتِهِمُ الْأَحْزَابَ عَلَيْهِ، وَكَانُوا فِي عَهْدٍ مِنْهُ فَرَأَى ذَلِكَ نَكْثًا لِعَهْدِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَقْتُلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا وَنَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ

462 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {§إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} قَالَ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِي أَهْلِ نَجْدٍ {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 10] قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25] قَالَ: هُمُ الْأَحْزَابُ {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [الأحزاب: 26] قَالَ: قُرَيْظَةُ {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب: 26] قَالَ: حُصُونِهِمْ وَقُصُورِهِمْ {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب: 26] قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ

463 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الْأَحْزَابِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ، فَوَضَعَ السِّلَاحَ، §فَدَخَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: أَوَضَعْتَ السِّلَاحَ، وَمَا زِلْنَا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ؟ فَاخْرُجْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَأَنْزَلَ فِيهِمْ {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ -[219]- الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حَصْرِهِمْ وَنُزُولِهِمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، وَمَا حَكَمَ بِهِ فِيهِمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ "، مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ 464 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ نَكْثِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبِهِ اسْتَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِمَاءَهُمْ وَكَذَلِكَ آلُ أَبِي الْحُقَيْقِ، رَأَى كِتْمَانَهُمْ إِيَّاهُ مَا شَرَطُوا لَهُ أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ نَكْثًا وَقَدْ حَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِمِصْرَ

465 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي رُقْيَةَ، وَكَانَ مِمَّنِ افْتَتَحَ مِصْرَ قَالَ: افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: §مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ فَلْيَأْتِنَا بِهِ، قَالَ: فَأُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ وَبَعَثَ إِلَى عَظِيمِ أَهْلِ الصَّعِيدِ، فَقَالَ: الْمَالُ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَالٌ، قَالَ: فَسَجَنَهُ، قَالَ: وَكَانَ عَمْرٌو يَسْأَلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ: هَلْ تَسْمَعُونَهُ يَذْكُرُ أَحَدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَاهِبٌ بِالطُّورِ فَبَعَثَ عَمْرٌو، فَأَتَى بِخَاتَمِهِ، فَكَتَبَ كِتَابًا عَلَى لِسَانِهِ بِالرُّومِيَّةِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولٍ مِنْ قِبَلِهِ إِلَى الرَّاهِبِ، قَالَ: فَأُتِيَ بِقُلَّةٍ مِنْ نُحَاسٍ مَخْتُومَةٍ بِرَصَاصٍ، فَإِذَا فِيهَا كِتَابٌ، وَإِذَا فِيهِ: يَا بَنِيَّ، إِنْ أَرَدْتُمْ مَالَكُمْ فَاحْفِرُوا تَحْتَ الْفَسْقِينَةِ فَبَعَثَ -[220]- عَمْرٌو الْأُمَنَاءَ إِلَى الْفَسْقِينَةِ، فَاسْتَخْرَجُوا خَمْسِينَ إِرْدَبًّا دَنَانِيرَ، قَالَ: فَضَرَبَ عُنُقَ النَّبَطِيِّ، وَصَلَبَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْفَسْقِينَةُ فِي لُغَتِهِمْ: هِيَ بِالرُّومِيَّةِ السَّقَّايَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ عَمْرًا كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ أَمْوَالَهُمْ، كَحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّقَدُّمُ عَلَى مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْعَهْدِ وَاسْتِحْلَالِ دِمَائِهِمْ إِذَا صَحَّ نَكْثُهُمْ، كَمَا صَحَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتْمَانِ الْكَنْزِ بِظُهُورِهِ عَلَيْهِ، وَكَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى الْكَنْزِ أَيْضًا، وَكَمَا وَضَحَ أَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَمُمَالَأَتُهُمُ الْأَحْزَابَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا بِالظِّنَّةِ وَالشُّبْهَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَمِمَّا يُثْبِتُهُ حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ

466 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ أَوْ سَعْدٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الشَّامِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ قَدْمَةً، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مَدِينَةٌ يُقَالَ لَهَا -[221]-: عرْبَ السوسِ، وَإِنَّهُمْ لَا يُخْفُونَ عَلَى عَدُوِّنَا مِنْ عَوَرَاتِنَا شَيْئًا، وَلَا يُظْهِرُونَنَا عَلَى عَوَرَاتِهِمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: §فَإِذَا قَدِمْتَ فَخَيِّرِهُمْ بَيْنَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ مَكَانَ كُلِّ شَاةٍ شَاتَيْنٍ، وَمَكَانَ كُلِّ بَعِيرٍ بَعِيرَيْنٍ، وَمَكَانَ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئَيْنِ فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ فَأَعْطِهِمْ، وَخَرِّبْهَا فَإِنْ أَبَوْا فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ وَأَجِّلْهُمْ سَنَةً، ثُمَّ خَرِّبْهَا، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي عَهْدًا بِذَلِكَ، فَكَتَبَ لَهُ عَهْدًا، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ عَلَيْهِمْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَبَوْا فَأَجَّلَهُمْ سَنَةً ثُمَّ أَخْرَبَهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذِهِ مَدِينَةٌ بِالثَّغْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَدَثِ يُقَالَ لَهَا: عَرْبَ سُوس، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ هُنَاكَ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ، فَصَارُوا إِلَى هَذَا، وَإِنَّمَا نَرَى عُمَرَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا عَرَضَ مِنَ الْجَلَاءِ، وَأَنْ يُعْطُوا الضِّعْفَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ، أَوْ أَنَّ النَّكْثَ كَانَ مِنْ طَوَائِفَ مِنْهُمْ دُونَ إِجْمَاعِهِمْ وَلَوْ أَطْبَقَتْ جَمَاعَتُهُمْ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا الْقِتَالَ وَالْمُحَارَبَةَ، وَقَدْ كَانَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا قَرِيبًا الْآنَ فِي دَهْرِ الْأَوْزَاعِيِّ بِمَوْضِعٍ بِالشَّامِ، يُقَالَ لَهُ: جَبَلُ اللُبْنَانَ، وَكَانَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ فَأَحْدَثُوا حَدَثًا، وَعَلَى الشَّامِ يَوْمَئِذٍ -[222]- صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ، فَحَارَبَهُمْ وَأَجْلَاهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ، فِيمَا ذَكَرَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْهُ، بِرِسَالَةٍ طَوِيلَةٍ، فِيهَا: 467 - قَدْ كَانَ مِنْ إِجْلَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، مِنْ أَهْلِ جَبَلِ لُبْنَانَ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ خُرُوجُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ، وَلَمْ تُطْبِقْ عَلَيْهِ جَمَاعَتُهُمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً، وَرَجَعَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى قَرَاهُمْ، فَكَيْفَ تُؤْخَذُ عَامَّةٌ بِعَمَلِ خَاصَّةٍ؟ فَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؟ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْخَاصَّةَ بِعَمَلِ الْعَامَّةِ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَأَحَقُّ مَا اقْتُدِيَ بِهِ وَوُقِفَ عَلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَحَقُّ الْوَصَايَا بِأَنْ تُحْفَظَ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ: مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ فَأَنَا حَجِيجُهُ، مَنْ كَانَتْ لَهُ حُرْمَةٌ فِي دَمِهِ فَلَهُ فِي مَالِهِ وَالْعَدْلُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِعَبِيدٍ فَتَكُونُوا مِنْ تَحْوِيلِهِمْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فِي سَعَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ أَحْرَارٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ، يُرْجَمُ مُحْصِنُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ، وَيُحَاصُّ -[223]- نِسَاؤُهُمْ نِسَاءَنَا مِنْ تَزَوَّجَهُنَّ مِنَّا الْقَسَمُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِدَّةُ سَوَاءٌ - ثُمَّ ذَكَرَ رِسَالَةً طَوِيلَةً، 468 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثٌ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالرُّومِ، قَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ صَالَحَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ عَلَى خَرْجٍ يُؤَدُّونَهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يُؤَدُّونَ إِلَى الرُّومِ خَرْجًا أَيْضًا، فَهُمْ ذِمَّةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ عَلَى الثُّغُورِ، فَكَانَ مِنْهُمْ حَدَثٌ أَيْضًا، أَوْ مِنْ بَعْضُهُمْ، رَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ ذَلِكَ نَكْثٌ لِعَهْدِهِمْ وَالْفُقَهَاءُ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ، فَكَتَبَ إِلَى عِدَّةٍ مِنْهُمْ يُشَاوِرُهُمْ فِي مُحَارَبَتِهِمْ، فَكَانَ مِمَّنْ كَتَبَ إِلَيْهِ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، وَمَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ، فَكُلُّهُمْ أَجَابَهُ عَلَى كِتَابِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَوَجَدْتُ رَسَائِلَهُمْ إِلَيْهِ قَدِ اسْتُخْرِجَتْ مِنْ دِيوَانِهِ، فَاخْتَصَرْتُ مِنْهَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ وَقَصَدُوا لَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي الرَّأْيِ، إِلَّا أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَالْوَفَاءِ لَهُمْ، وَإِنْ غَدَرَ بَعْضُهُمْ، أَكْثَرُ مِمَّنْ أَشَارَ بِالْمُحَارَبَةِ، فَكَانَ مما كَتَبَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ لَمْ نَزَلْ نَتَّهِمُهُمْ بِالْغِشِّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْمُنَاصَحَةِ لَأَهْلِ الرُّومِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] وَلَمْ يَقُلْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَا تَنْبِذْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَبِينَ خِيَانَتَهُمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَنْبِذَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ يُنْظَرُوا سَنَةً يَأْتَمِرُونَ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْهُمُ اللِّحَاقَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ ذِمَّةً -[224]- يُؤَدِّي الْخَرَاجَ فَعَلَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَحِي إِلَى الرُّومِ فَعَلَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِقُبْرُسَ عَلَى الْحَرْبِ أَقَامَ، فَيُقَاتِلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا يُقَاتِلُونَ عَدُوَّهُمْ فَإِنَّ فِي إِنْظَارِ سَنَةٍ قَطْعًا لِحُجَّتِهِمْ وَوَفَاءً بِعَهْدِهِمْ، وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: 470 - إِنَّا لَا نَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ قَوْمًا فَنَقَضُوا الْعَهْدَ إِلَّا اسْتَحَلَّ قَتْلَهُمْ، غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ نَقْضُهُمُ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ غَزْوَهُمْ: أَنْ قَاتَلْتَ حُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُزَاعَةَ فَنَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ بَنِي بَكْرٍ عَلَى حُلَفَائِهِ، فَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ غَزْوَهُمْ، وَنَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَقَضُوا {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} وَنَزَلَتْ فِيهِمْ أَيْضًا: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: 56] وَكَانَ فِيمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ فِي صُلْحِهِ: أَنَّ مَنَ أَكَلَ مِنْهُمْ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ. وَالَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ الْعِلْمِ: أَنَّ مَنَ نَقَضَ شَيْئًا مِمَّا عُوهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى نَقَضِهِ، فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ -[225]-. وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: 471 - إِنَّ أَمَانَ أَهْلِ قُبْرُسَ كَانَ قَدِيمًا مُتَظَاهِرًا مِنَ الْولَاةِ لَهُمْ، يَرَوْنَ أَنَّ أَمَانَهُمْ وَإِقْرَارَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ ذُلٌّ وَصَغَارٌ لَهُمْ، وَقُوَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ: لِمَا يَأْخُذُونَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَيُصِيبُونَ بِهِمْ مِنَ الْفُرْصَةِ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْولَاةِ نَقَضَ صُلْحَهُمْ، وَلَا أَخْرَجَهُمْ مِنْ مَكَانِهِمْ، وَأَنَا أَرَى أَنْ لَا تَعْجَلْ بِنَقْضِ عَهْدِهِمْ وَمُنَابَذَتِهِمْ حَتَّى يُعْذَرَ إِلَيْهِمْ، وَتُؤْخَذَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهُمْ} [التوبة: 4] فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَتْرُكُوا غِشَّهُمْ وَرَأَيْتَ أَنَّ الْغَدْرَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِمْ أَوْقَعْتَ بِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ أَقْوَى لَكَ عَلَيْهِمْ، وَأَقْرَبَ مِنَ النَّصْرِ لَكَ وَالْخِزْيِ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ: 472 - إِنَّهُ قَدْ كَانَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا فِيمَا خَلَا، فَيَنْظُرُ فِيهِ الْولَاةُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى نَقَضَ عَهْدَ أَهْلِ قُبْرُسَ، وَلَا غَيْرِهَا، وَلَعَلَّ جَمَاعَتَهُمْ لَمْ تُمَالِئْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خَاصَّتِهِمْ، وَإِنِّي أَرَى الْوَفَاءَ لَهُمْ وَإِتْمَامَ تِلْكَ الشُّرُوطِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمُ الَّذِي كَانَ. قَالَ مُوسَى: وَقَدْ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْمٍ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَخْبَرُوا الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَتِهِمْ وَدَلُّوهُمْ عَلَيْهَا - قَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَخَرَجَ مِنْ ذِمَّتِهِ، فَإِنْ شَاءَ الْوَالِي قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ وَإِنْ كَانَ مُصَالِحًا لَمْ يَدْخُلْ ذِمَّةً نَبَذَ إِلَيْهِمُ الْوَالِي عَلَى سَوَاءٍ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] -[226]- . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: 473 - إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ أَذِلَّاءُ مَقْهُورُونَ، تَغْلِبُهُمُ الر

476 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، أَنَّ عَلِيًّا §نَهَى أَصْحَابَهُ أَنْ يَبْسُطُوا عَلَى الْخَوَارِجِ حَتَّى يُحْدِثُوا حَدَثًا، قَالَ: فَأَخَذُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ فَانْطَلَقُوا بِهِ، فَمَرُّوا عَلَى تَمْرَةٍ سَاقِطَةٍ مِنْ نَخْلَةِ فأخذها بَعْضِهِمْ، فَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ فَقَالَ لَهُم بَعْضُهُمْ: تَمْرَةُ مُعَاهَدٍ فَيِمَ اسْتَحْلَلْتَهَا؟ فَأَلْقَاهَا مِنْ فِيهِ ثُمَّ مَرُّوا بِخِنْزِيرٍ -[229]-، فَنَفَحَهُ أَحَدُهُمْ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: خِنْزِيرُ مُعَاهَدٍ فَيِمَ اسْتَحْلَلْتَهُ؟ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ: أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَقَتَلُوهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: «أَنْ أَقِيدُونَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ» ، فَقَالُوا: كَيْفَ نُقِيدُكَ بِعَبْدِ اللَّهِ، وَكُلُّنَا قَتَلَهُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: «أَوَ كُلُّكُمْ قَتَلَهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ» ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يَبْسُطُوا عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَسْتَجِزْ قِتَالَ عَوَامِّهِمْ بِمَا أَحْدَثَتِ الْخَاصَّةُ، حَتَّى انْتَحَلُوهُ جَمِيعًا، وَتَوَاطَئُوا عَلَيْهِ؟ فَكَذَلِكَ أَمْرُ النَّكْثِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ بِلَادًا افْتُتِحَتْ فَكَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً وَبَعْضُهَا صُلْحًا لَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ هَذَا امْضِيَ كُلُّهُ عَلَى الصُّلْحِ، مَخَافَةَ التَّقَدُّمِ عَلَى الشُّبْهَةِ، وَقَدْ كَانَ أَمْرُ دِمَشْقَ فِي فَتْحِهَا عَلَى نَحْو مِنْ هَذَا

477 - حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْخُشَنِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: §لَمَّا نَزَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَرْجَ الصُّفَّرِ، قَالَ وَاثِلَةُ: رَكِبْتُ فَرَسِي، ثُمَّ أَقْبَلْتُ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى بَابِ الْجَابِيَةِ - -[230]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ دِمَشْقَ - فَخَرَجَتْ خَيْلٌ عَظِيمَةٌ، فَأَمْهَلْتُهَا حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ دَيْرِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى حَمَلْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَكَبَّرْتُ، فَظُنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ أُحِيطَ بِمَدِينَتِهِمْ فَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، وَشَدَدْتُ عَلَى عَظِيمِهِمْ، فَدَعَسْتُهُ بِالرُّمْحِ، فَوَقَعَ، وَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى بِرْذَوْنِهِ فَأَخَذْتُ بِلِجَامِهِ فَرَكَضْتُ، فَلَمَّا رَأَوْنِي وَحْدِي أَقْبَلُوا عَلَيَّ، فَالْتَفَتُ فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ نَدَرَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، فَرَمَيْتُ بِالْعِنَانِ عَلَى قَرَبُوسِ السَّرْجِ، ثُمَّ عَطَفْتُ عَلَيْهِ فَدَعَسْتُهُ بِالرُّمْحِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَى الْبِرْذَوْنَ وَاتَّبَعُونِي ثُمَّ كَذَلِكَ، حَتَّى وَالَيْتُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَصْنَعُ انْطَلِقُوا رَاجِعِينَ، وَأَقْبَلْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الصُّفَّرَ ثُمَّ أَتَيْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا صَنَعْتُ، وَعِنْدَهُ عَظِيمُ الرُّومِ قَدْ كَانَ خَرَجَ إِلَيْهِ يَلْتَمِسُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَتَلَ فُلَانًا؟ يَعْنِي خَلِيفَتَهُ - فَقَالَ بِالرُّومِيَّةَ: مثانوس، يَعْنِي مَعَاذَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ وَاثِلَةُ بِالْبِرْذَوْنِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عَظِيمُ الرُّومِ عَرَفَهُ، فَقَالَ أَتَبِيعُنِي السَّرْجَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: لَكَ عَشَرَةُ آلَافٍ، فَقَالَ خَالِدٌ لِوَاثِلَةَ: بِعْهُ، فَقَالَ وَاثِلَةُ لِخَالِدٍ: بِعْهُ أَنْتَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَبَاعَهُ قَالَ: وَسَلَّمَ إِلَيَّ سَلَبَهُ كُلَّهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُرَاوَضَةَ فِي طَلَبِ الْأَمَانِ وَلَمْ يَسْتَحْكِمْ وَقَدْ صَارَ آخِرَ أَمْرِهَا إِلَى الصُّلْحِ

478 - حَدَّثَنِي أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، وَأَبِي عُثْمَانَ الصَّنْعَانِيِّينَ: §أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ أَقَامَ بِبَابِ الْجَابِيَةِ، فَحَاصَرَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. 479 - قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: دَخَلَهَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الْبَابِ الصَّغِيرِ قَسْرًا، وَدَخَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنَ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ صُلْحًا، فَالْتَقَى الْمُسْلِمُونَ بِالْمِقْسَلَاطِ فَأَمْضُوهَا كُلَّهَا عَلَى الصُّلْحِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ مَدِينَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَاقَدَ رُؤَسَاؤُهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَقْدًا، وَصَالَحُوهُمْ عَلَى صُلْحٍ، فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالثِّقَةِ وَالِاحْتِيَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مَاضِيًا عَلَى الْعَوَامِّ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا رَاضِينَ بِهِ

480 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: §إِذَا نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حِصْنٍ، فَالْتَمَسَ الْعَدُوُّ مُصَالَحَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَهْلِ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ يُعْطُونَهُمْ أَمَانًا لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْعَثَ أَمِيرُ الْجُيُوشِ رَجُلًا، فَيَدْخُلَ الْحِصْنَ وَيَجْمَعَ أَهْلَهُ وَيُعْلِمَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ اسْتَنْزَلُوهُمْ وَإِلَّا أُقِرُّوا فِي حِصْنِهِمْ، وَلَمْ يُصَالَحُوا " قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ، إِذَا صَالِحَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَبْعَثْ إِلَى أَهْلِ الْحِصْنِ يُعْلِمُهُمْ بِمَا صَالَحَ عَلَيْهِ، لَا يَشْتَرُونَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ شَيْئًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَحْوٌ مِنْ هَذَا

481 - حَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ: §كَانَ أَئِمَّةُ الْجُيُوشِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُصَالِحُ الْإِمَامُ رُءُوسَ أَهْلِ الْحِصْنِ وَقَادَتَهُمْ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ، دُونَ عِلْمِ بَقِيَّةِ مَنْ فِي الْحِصْنِ مِنَ الرُّومِ، قَالَ: فَنَهَى عُمَرُ -[232]- بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَ أُمَرَاءَ جُيُوشِهِ أَنْ لَا يَعْمَلُوا بِهِ، وَلَا يَقْبَلُوهُ مِمَّنْ عَرَضَهُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَكْتُبُوا كِتَابًا وَيُوَجِّهُوا بِهِ رَسُولًا وَشُهُودًا عَلَى جَمَاعَةِ أَهْلِ الْحِصْنِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَمَالِيكَ لَهُمْ، فَيَجُوزُ حُكْمُهُمْ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَتْبَاعُ غَيْرَ مُخَالِفِينَ لِلرُّؤَسَاءِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ عَقَدَ وَصَالَحَ مِنْ رُؤَسَاءِ أَهْلِ نَجْرَانَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَنْ مَلَإٍ مِنْهُمْ، وَأَنَّ الْأَتْبَاعَ غَيْرُ خَارِجِينَ لَهُمْ مِنْ رَأْيٍ وَلَا مُسْتَكْرَهِينَ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَا جَاءَ فِي أَصْلِ الصُّلْحِ وَسُنَّتِهِمْ، إِذَا كَانَ مِنْهُمْ نَكْثٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُقِيمُونَ بِأَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْيَهُودِ -[233]- وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ: أَنَّهُ إِذَا أَحْدَثَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَدَثًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي أَصْلِ الشَّرْطِ: حَلَّ بِذَلِكَ دَمُهُ، وَلَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ اسْتِتَابَةٌ وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ

482 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، §أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَكَانَتْ تُكْثِرُ الْوقُوعَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّتْمَ لَهُ فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، فَقَتَلَهَا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَ دَمَهَا

483 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقَيْنِ: أَنَّ «امْرَأَةً §سَبَّتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» -[234]- وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِصَّةُ عَصْمَاءَ الْيَهُودِيَّةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا حَلَّتْ دِمَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِشَتْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَحِلَّ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ صُولِحُوا: أَنَّهُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ، وَلَمْ يَكُنِ الشَّتْمُ فِي صَلْحِهِمُ الَّذِي صُولِحُوا عَلَيْهِ، وَسَوي فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، أَلَا تَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَتْلَى جَمِيعًا إِنَّمَا هُنَّ نِسَاءٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا ارْتَدَدْنَ قُتِلْنَ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّهُ يُرَدُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا ارْتَدَّتْ لَمْ تُقْتَلْ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ قَتْلَهَا، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَتَلَ مُرْتَدَّةً، وَأَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَتَلَ أُخْرَى؟

484 - حَدَّثَنِي أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ، §أَنَّ أُمَّ قِرْفَةَ الْفَزَارِيَّةَ كَانَتْ فِيمَنِ ارْتَدَّ، فَأُتِيَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَتَلَهَا، وَمَثَّلَ بِهَا. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: وَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يُخْبِرَنَا كَيْفَ مُثِّلَ بِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَنَا أَحْسَبُهَا غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ أُمَّ قِرْفَةَ قُتِلَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ يُرْوَى فِي الْمَغَازِي. 485 - وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِصَّةُ عَصْمَاءَ الْيَهُودِيَّةِ، إِنَّمَا قُتِلَتْ لِشَتْمِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[235]- فَاسْتَوَى حُكْمُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الِارْتِدَادِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ بَدَّلَ فِي دِينِهِ فَاقْتُلُوهُ. فَهَذَا يَعُمَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ حُجَّةُ مَنِ احْتَجَّ بِنِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِشَيْءٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُولَئِكَ يُسْبَيْنَ وَيُسْتَأْمَيْنَ، وَأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُسْتَأْمَى؟ فَلِهَذَا اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي نَكْثِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ

486 - حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: §لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ صَنَعَ بِي مَا تَرَى - قَالَ: وَهُوَ مَشْجُوجٌ مَضْرُوبٌ - فَغَضِبَ عُمَرُ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ لِصُهَيْبٍ: انْطَلِقْ فَانْظُرْ مَنْ صَاحِبُهُ فَأتِنِي بِهِ فَانْطَلَقَ صُهَيْبٌ فَإِذَا هُوَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ غَضِبَ عَلَيْكَ غَضَبًا شَدِيدًا، فَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَلْيُكَلِّمْهُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْجَلَ إِلَيْكَ، فَلَمَّا قَضَى عُمَرُ الصَّلَاةَ قَالَ: أَيْنَ صُهَيْبُ، أَجِئْتَ بِالرَّجُلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ -[236]- عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ أَتَى مُعَاذًا فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ، فَقَامَ مُعَاذٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَاسْمَعْ مِنْهُ، وَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رَأَيْتُ هَذَا يَسُوقُ بِامْرَأَةٍ مَسْلَمَةٍ عَلَى حِمَارٍ، فَنَخَسَ بِهَا لِتُصْرَعَ فَلَمْ تُصْرَعْ، فَدَفَعَهَا فَصُرِعَتْ فَغَشِيَهَا، وَأَكَبَّ عَلَيْهَا فَقَالَ: ائْتِنِي بِالْمَرْأَةِ فَلْتُصَدِّقْ مَا قُلْتَ، فَأَتَاهَا عَوْفٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا: مَا أَرَدْتَ إِلَى صَاحِبَتِنَا، فَقَدْ فَضَحْتَنَا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ مَعَهُ، فَقَالَ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا: نَحْنُ نَذْهَبُ فَنُبَلِّغُ عَنْكِ فَأَتَيَا عُمَرَ، فَأَخْبَرَاهُ بِمِثْلِ قَوْلِ عَوْفٍ فَأَمَرَ عُمَرُ بِالْيَهُودِيِّ فَصُلِبَ، وَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ فِي ذِمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ فَعَلَ مِنْهُمْ هَذَا فَلَا ذِمَّةَ لَهُ. قَالَ سُوَيْدٌ: فَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ أَوَّلُ مَصْلُوبٍ رَأَيْتُهُ صُلِبَ فِي الْإِسْلَامِ 487 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِثْلَهُ، أَوْ نَحْوَهُ

باب الحكم في رقاب أهل الصلح، وهل يحل سباؤهم، أم هم أحرار؟

§بَابُ الْحُكْمِ فِي رِقَابِ أَهْلِ الصُّلْحِ، وَهَلْ يَحِلُّ سِبَاؤُهُمْ، أَمْ هُمْ أَحْرَارٌ؟

488 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي شَيْبَانَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: §اكْتُبْ لِي بِابْنَةِ بَقِيلَةَ عَظِيمِ الْحِيرَةِ فَقَالَ: «يَا فُلَانُ أَتَرْجُو أَنْ يَفْتَحَهَا اللَّهُ لَنَا؟» فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَيَفْتَحَنَّهَا اللَّهُ لَنَا، قَالَ: فَكَتَبَ لَهُ بِهَا فِي أَدِيمٍ أَحْمَرَ فَقَالَ: فَغَزَاهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ مَعَهُ ذَلِكَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: فَصَالَحَ أَهْلُ الْحِيرَةِ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا، فَجَاءَ الشَّيْبَانِيُّ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَالِدٍ، فَلَمَّا أَخَذَهُ قَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ: دُونَكَهَا فَجَاءَ عُظَمَاءُ أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَقَالُوا: يَا فُلَانُ، إِنَّكَ كُنْتَ رَأَيْتَ فُلَانَةَ وَهِيَ شَابَّةٌ، وَإِنَّهَا وَاللَّهِ قَدْ كَبِرَتْ وَذَهَبَتْ عَامَّةُ مَحَاسِنَهَا، فَبِعْنَاهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَبِيعُكُمُوهَا إِلَّا بِحُكْمِي فَخَافُوا -[238]- أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، فَقَالُوا: سَلْنَا مَا شِئْتَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَبِيعُكُمُوهَا إِلَّا بِحُكْمِي، فَلَمَّا أَبَى قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَعْطُوهُ مَا احْتَكَمَ، قَالُوا: فَاحْتَكِمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكُمْ أَلْفَ دِرْهَمٍ: قَالَ حُمَيْدٌ وَهُمْ أُنَاسٌ مَنَاكِيرُ، فَقَالُوا: يَا فُلَانُ، أَيْنَ تَقَعُ أَمْوَالُنَا مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهَا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ فَأَعْطَوْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَانْطَلَقُوا بِصَاحِبَتِهِمْ فَمَا رَجَعَ الشَّيْبَانِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، قَالُوا: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: بِعْتُهَا بِحُكْمِي، قَالُوا: أَحْسَنْتَ، فَمَا احْتَكَمْتَ؟ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَسُبُّونَهُ وَيَلُومُونَهُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا قَالَ: لَا تَلُومُونِي، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ عَدَدًا يُذْكَرُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَيَجْعَلُ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ طَيِّئٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى هَذِهِ قَدْ سُبِيَتْ، وَإِنَّمَا افْتَتَحُوهُمْ صُلْحًا، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمُسْلِمِينَ: أَنْ لَا سِبَاءَ عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ، وَلَا رِقَّ، وَأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ، فَوَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي: أَنَّهَا إِنَّمَا رَقَّتْ لِلنَّفَلِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلشَّيْبَانِيِّ، فَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ مَرْجِعٌ، فَلِهَذَا أَمْضَاهَا لَهُ خَالِدٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا حَلَّ سِبَاؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِقَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ غَيْرَهَا وَفِي مِثْلِ هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ

489 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ -[239]-: §كَفَيْتُكَ أَنَّ تُسْتَرَ كَانَتْ فِي صُلْحٍ، فَكَفَرَ أَهْلُهَا، فَغَزَاهُمُ الْمُهَاجِرُونَ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَسَبَوْهُمْ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ نِسَاءَهُمْ، حَتَّى وُلِدَ لَهُمْ مِنْهُنَّ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْأَوْلَادِ مِنْ تِلْكَ الْوِلَادَةِ، قَالَ: فَأَمَرَ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ بِمَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ، فَرُدُّوا عَلَى حُرِّيَتِهِمْ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ سَادَتِهِنَّ، وَقَالَ لِي: قَدْ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ

490 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي اللَّوَاتِيَّاتِ: §مَنْ أَرْسَلَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَلَيْسَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْءٌ، وَهُوَ ثَمَنُ فَرْجِهَا الَّذِي اسْتَحَلَّهَا بِهِ - أَوْ كَلِمَةٌ تُشْبِهُ الثَّمَنَ - قَالَ: وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ فَلْيَخْطُبْهَا إِلَى أَبِيهَا، وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: اللَّوَاتِيَّاتِ هُنَّ مِنْ لَوَاتَةَ: فِرْقَةٌ مِنَ الْبَرْبَرِ، يُقَالَ لَهُمْ: لَوَاتَةُ أُرَاهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يُحَدِّثُ أَنَّ عُثْمَانَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْبَرْبَرِ، ثُمَّ أَحْدَثُوا حَدَثًا بَعْدَ ذَلِكَ فَسُبُوا فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِمَا كَتَبَ بِهِ

491 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ كَتَبَ عَلَى لَوَاتَةٍ مِنَ الْبَرْبَرِ، مِنْ أَهْلِ بَرْقَةَ فِي شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ: إِنَّ §عَلَيْكُمْ أَنْ تَبِيعُوا أَبْنَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ فِيمَا عَلَيْكُمْ مِنَ الْجِزْيَةِ "، قَالَ اللَّيْثُ: فَلَوْ كَانُوا عَبِيدًا مَا حَلَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ

492 - وَحَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، فِي §الْعَدُوِّ يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: لَا بَأْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُمْ قَالَ نُعَيْمٌ: رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ قَائِمًا عَلَى رَأْسِ حُسَيْنٍ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ

493 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنْتُ فِي جَيْشٍ فِيهِ سَلْمَانُ، فَحَاصَرْنَا قَصْرًا، فَصَالَحْنَا أَهْلَهُ، وَخَلَّفْنَا فِيهِ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَرِيضًا، فَجَاءَ بَعْدَنَا جَيْشٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَخَافُوهُمْ، فَأَغْلَقُوا الْبَابَ دُونَهُمْ فَقَاتَلُوهُمْ وَفَتَحُوا الْقَصْرَ، فَاحْتَمَلُوا الذُّرِّيَّةَ وَقَتَلُوا الرَّجُلَ فَسُئِلَ سَلْمَانُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: §أَرَى أَنْ تَحْمِلُوا الذُّرِّيَّةَ إِلَى حَيْثُ جِيءَ بِهِمْ، ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، قَالَ: وَأَمَّا الدَّمُ فَيَحْكُمُ فِيهِ عُمَرُ -[241]- 494 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ جَيْشًا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ صَالَحُوا أَهْلَ حِصْنٍ، ثُمَّ مَرَّ جَيْشٌ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ سَلْمَانَ جَعَلَ مُصَالَحَتَهُ إِيَّاهُمْ عَهْدًا لَهُمْ، صَارُوا بِهِ أَحْرَارًا مُحَرَّمًا سِبَاؤُهُمْ، وَلَمْ يَرَ مَا كَانَ مِنْ قِتَالِهِمُ الْجَيْشَ نَكْثًا؟ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الْخَوْفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا عَلَى التَّعَمُّدِ لِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَأَرَى ذِمَّتَهُمْ وَاجِبَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، وَقَالَ: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا سُنَّةٌ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

495 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ، أَنَا وَالْأَشْتَرُ، فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلِمَ عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً فَقَالَ: لَمْ يَعْهَدْ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا غَيْرَ مَا عَهِدَهُ إِلَى النَّاسِ، إِلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا وَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مِنْ جَفْنِ سَيْفِهِ، فِيهَا: «§الْمُسْلِمُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي إِذَا أَعْطَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ جَازَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ نَقْضُهُ، وَلَا رَدُّهُ، حَتَّى جَاءَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي النِّسَاءِ

496 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهَا §ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ - وَذَلِكَ ضُحًى - فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتَلَ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ هُبَيْرَةَ أَوْ قَالَ: فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غُسْلِهِ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ 497 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، وَأَبُو النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلٍ، عَنْ أُمِّ هَانئٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ نَحْوَهُ

498 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: §إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لِتَأْخُذُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ أَمَانُهَا

499 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنْ «§كَانَتِ الْمَرْأَةُ لِتَأْخُذُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ أَمَانُهَا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَتَّى أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ فِي أَمَانِ الْمَمْلُوكِ، وَبَعْضُهُمْ فِي أَمَانِ الصَّبِيِّ

500 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ زَيْدٍ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: §حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا، فَكَتَبَ عَبْدٌ أَمَانًا فِي مَشَاقِصَ فَرَمَى بِهِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: أَمَانُ عَبْدٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَعْرِفُ الْعَبْدَ مِنْكُمْ مِنَ الْحُرِّ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ: إِنَّ عَبْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَذِمَّتُهُ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ 501 - وَحَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ زَيْدٍ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: كُنَّا مُصَافِّي الْعَدُوِّ بِسِيرَافَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَبَّادٍ

502 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: §جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَهُمَا صَغِيرَانِ فَرَاوَدَهُمَا عَلَى الْأَمَانِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ سُفْيَانُ لَا يَرَى أَمَانَ الصَّبِيِّ شَيْئًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ وَادَعَ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ، فَلَمَّا أَحْدَثَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مُعَاوَنَتِهَا حُلَفَاءَهَا عَلَى حُلَفَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَتْ خَافَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ يَسْأَلُ الزِّيَادَةَ فِي الْمُدَّةِ وَفِي هَذَا حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي الْمَغَازِي

باب كتب العهود التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأهل الصلح

§بَابُ كُتُبِ الْعُهُودِ الَّتِي كَتَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِأَهْلِ الصُّلْحِ

503 - حَدَّثَنِي أَيُّوبُ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدَانُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ، إِذْ كَانَ لَهُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ: أَنَّ فِي كُلِّ سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءَ وَحَمْرَاءَ وَصَفْرَاءَ وَثَمَرَةٍ وَرَقِيقٍ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكَ ذَلِكَ لَهُمْ: أَلْفَيْ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ، مَا زَادَ الْخَرَاجُ أَوْ نَقَصَ فَعَلَى الْأَوَاقِي فَلْيُحْسَبْ، وَمَا قَضَوْا مِنْ رِكَابٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ دُرُوعٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِحِسَابٍ، وَعَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ مَقْرَى رُسُلِي عِشْرِينَ لَيْلَةً فَمَا دُونَهَا، وَعَلَيْهِمْ عَارِيَةُ ثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ دِرْعًا، إِذَا كَانَ كَيْدًا بِالْيَمَنِ ذُو مَغْدَرَةٍ، وَمَا هَلَكَ مِمَّا أَعَارُوا رُسُلِي فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى رُسُلِي حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَيْهِمْ. وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ -[245]- وَرَهْبَانِيَّتِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ، وَشَاهِدِهِمْ وَغَائِبِهِمْ، وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَعَلَى أَنْ لَا يُغَيِّرُوا أُسْقُفًّا مِنْ سَقِيفَاهُ وَلَا وَاقِهًا مِنْ وَقِيهَاهُ، وَلَا رَاهِبًا مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَعَلَى أَنْ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا يَطَأَ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ، وَمَنْ سَأَلَ مِنْهُ حَقًّا فَالنِّصْفُ بَيْنَهُمْ بِنَجْرَانَ، عَلَى أَنْ لَا يَأْكُلُوا الرِّبَا فَمَنْ أَكَلَ الرِّبَا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَعَلَيْهِمُ الْجَهْدُ وَالنُّصْحُ فِيمَا اسْتَقْبَلُوا غَيْرَ مَظْلُومِينَ، وَلَا مَعْنُوفٍ عَلَيْهِمْ «، شَهِدَ بِذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَمُعَيْقِبٌ، وَكُتِبَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْوَاقِهُ وَلِيُّ الْعَهْدِ بِلُغَتِهِمْ وَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ

504 - قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ فِيهِ قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوْا أَبَا بَكْرٍ فَوَفَّى لَهُمْ بِذَلِكَ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا نَحْوًا مِنْ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَصَابُوا الرِّبَا فِي زَمَانِهِ فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ وَكَتَبَ لَهُمْ: «§أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ وَقَعُوا بِهِ مِنْ أُمَرَاءِ الشَّامِ أَوِ الْعِرَاقِ فَلْيُوسِعُهُمْ مِنْ خَرِيبِ الْأَرْضِ، وَمَا اعْتَمَلُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لَهُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَعُقْبَى مِنْ أَرْضِهِمْ» ، قَالَ: فَأَتَوَا الْعِرَاقَ فَاتَّخَذُوا النَّجْرَانِيَّةَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْكُوفَةِ -[246]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا أُرَاهُ إِلَّا خَرَابُ الْأَرْضِ، وَلَكِنِ الْكَاتِبُ كَتَبَهُ: خَرِيبِ

505 - وَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ §الْعَاقِبَ وَالْأُسْقُفَّ وَسُرَاةُ أَهْلِ نَجْرَانَ أَتَوْنِي بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَوْنِي شَرْطَ عُمَرَ، وَقَدْ سَأَلْتُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَأَنْبَأَنِي أَنَّهُ كَانَ قَدْ بَحَثَ عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدَهُ ضَارًّا لِلدَّهَّاقِينَ لِيَرْدَعَهُمْ، عَنْ أَرْضِهِمْ، وَإِنِّي قَدْ وَضَعْتُ عَنْهُمْ مِنْ جِزْيَتِهِمْ مِائَتَيْ حَالَةٍ لِوَجْهِ اللَّهِ وَعُقْبَى لَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ، وَإِنِّي أُوصِيكَ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ لَهُمْ ذِمَّةٌ 506 - قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ: «مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ» ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ هَذِهِ النُّسْخَةِ، إِلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي حُرُوفٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ، فَكَانَ قَوْلُهُ «وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ» : «وَقَضَى عَلَيْهِمْ» وَفِي مَوْضِعِ قَوْلِهِ «كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ» : «كُلُّ حُلَّةٍ وَافِيَةٍ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَقِيفَاهُ وَلَا وَقِيهَاهُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ قِصَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَفِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ: «شَهِدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْلَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، مِنْ بَنِي نَضْرٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: «كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ» يَقُولُ: قِيمَتُهَا أُوقِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: «فَمَا زَادَ الْخَرَاجُ أَوْ نَقَصَ فَعَلَى الْأَوَاقِي» ، يَعْنِي بِالْخَرَاجِ الْحُلَلَ، يَقُولُ: إِنْ نَقَصَتْ مِنَ الْأَلْفَيْنِ أَوْ زَادَتْ فِي الْعَدَدِ أُخِذَتْ بِقِيمَةِ الْأَلْفَيْ أُوقِيَّةٍ، فَكَأَنَّ الْخَرَاجَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْأَوَاقِي -[247]-، وَلَكِنَّهُ جَعَلَهَا حُلَلًا لِأَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَالِ وَنَرَى أَنَّ عُمَرَ حِينَ كَانَ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي الْجِزْيَةِ، وَأَنَّ عَلِيًّا حِينَ كَانَ يَأْخُذُ الْمَتَاعَ فِي الْجِزْيَةِ إِنَّمَا ذَهَبًا إِلَى هَذَا وَقَوْلُهُ: «وَمَا قَضَوْا مِنْ رِكَابٍ، أَوْ خَيْلٍ، أَوْ دُرُوعٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِحِسَابٍ» ، يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُمْكِنُهُمُ الْحُلَلُ أَيْضًا فِي الْخَرَاجِ فَأَعْطَوُا الْخَيْلَ وَالرِّكَابَ وَالدُّرُوعَ، أُخِذَ مِنْهُمٍ بِحِسَابِ الْأَوَاقِي حَتَّى تَبْلُغَ أَلْفَيْنِ، وَقَوْلُهُ: «وَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمُ الرِّبَا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ» ، أَلَا تَرَاهُ غَلَّظَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ الرِّبَا خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ الْمَعَاصِي كُلِّهَا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ لَهُمْ مُبَاحًا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ مِنَ الْمَعَاصِي مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ: مِنَ الشِّرْكِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَغَيْرُهُ إِلَّا دَفْعًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ لَا يُبَايِعُوهُمُ بِهِ فَيَأْكُلُ الْمُسْلِمُونَ الرِّبَا، وَلَوْلَا الْمُسْلِمُونَ مَا كَانَ أَكْلُ أُولَئِكَ الرِّبَا إِلَّا كَسَائِرِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمَعَاصِي، بَلِ الشِّرْكُ أَعْظَمُ، وَإِنَّمَا أَجْلَاهُمْ عُمَرُ عَنْ بِلَادِهِمْ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ لَهُمُ عَهْدًا مُؤَكَّدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِتَرْكِهِمْ مَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَكْلِ الرِّبَا

وَهَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَقِيفٍ 507 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَقِيفٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ §هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَقِيفٍ، كَتَبَ أَنَّ لَهُمُ ذِمَّةَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَذِمَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّبِيِّ، عَلَى مَا كَتَبَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ: أَنَّ وَادِيَهُمْ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ كُلِّهِ: عِضَاهُهُ وَصَيْدُهُ، وَظُلْمٌ فِيهِ -[248]-، وَسَرَقٌ فِيهِ، أَوْ إِسَاءَةٌ، وَثَقْيفٌ أَحَقُّ النَّاسِ بِوَجٍّ، وَلَا يَعْبُرُ طَائِفُهُمْ، وَلَا يَدْخُلُهُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَغْلِبُهُمْ عَلَيْهِ، وَمَا شَاءُوا أَحْدَثُوا فِي طَائِفِهِمْ مِنْ بُنْيَانٍ أَوْ سِوَاهُ بِوَادِيهِمْ، لَا يُحْشَرُونَ وَلَا يُعْشَرُونَ، وَلَا يُسْتَكْرَهُونَ بِمَالٍ وَلَا نَفْسٍ، وَهُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يِتَوَلَّجُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ مَا شَاءُوا، وَأَيْنَ تَوَلَّجُوا وَلَجُوا، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَسِيرٍ فَهُوَ لَهُمْ، هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ حَتَّى يَفْعَلُوا بِهِ مَا شَاءُوا، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ فِي رَهْنٍ فَبَلَغَ أَجَلَهُ فَإِنَّهُ لِوَاطٌ مُبَرَّأٌ مِنَ اللَّهِ - وَفِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ لِيَاطٌ مُبَرَّأٌ مِنَ اللَّهِ - وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنِ فِي رَهْنٍ وَرَاءَ عُكَاظٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى إِلَى عُكَاظٍ بِرَأْسِهِ وَمَا كَانَ لِثَقِيفٍ مِنْ دَيْنِ فِي صُحُفِهِمُ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فِي النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَهُمْ وَمَا كَانَ لِثَقِيفٍ مِنْ وَدِيعَةٍ فِي النَّاسِ، أَوْ مَالٍ، أَوْ نَفْسٍ غَنَمِهَا مُودِعُهَا، أَوْ أَضَاعَهَا، أَلَا فَإِنَّهَا مُؤَدَّاةٌ، وَمَا كَانَ لِثَقِيفٍ مِنْ نَفْسٍ غَائِبَةٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْأَمْنِ مَا لِشَاهِدِهِمْ، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ بِلِيَّةَ، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْأَمْنِ مَا لَهُمْ بِوَجٍّ، وَمَا كَانَ لِثَقِيفٍ مِنْ -[249]- حَلِيفٍ، أَوْ تَاجِرٍ، فَأَسْلَمَ فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ قَضِيَّةِ أَمْرِ ثَقِيفٍ وَإِنْ طَعَنَ طَاعِنٌ عَلَى ثَقِيفٍ، أَوْ ظَلَمَهُمْ ظَالِمٌ، فَإِنَّهُ لَا يُطَاعُ فِيهِمْ فِي مَالٍ وَلَا نَفْسٍ وَإِنَّ الرَّسُولَ يَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ، وَالْمُؤْمِنُونَ وَمَنْ كَرِهُوا أَنْ يَلِجَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يَلِجُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ السُّوقَ وَالْبَيْعَ بِأَفْنِيَةِ الْبُيُوتِ، وَأَنْ لَا يُؤَمَّرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: عَلَى بَنِي مَالِكٍ أَمِيرُهُمْ، وَعَلَى الْأَخْلَافِ أَمِيرُهُمْ، وَمَا سَقَتْ ثَقِيفٌ مِنْ أَعْنَابِ قُرَيْشٍ فَإِنَّ شَطْرَهَا لِمَنْ سَقَاهَا وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنِ فِي رَهْنَ لَمْ يَلِطْ فَإِنْ وَجَدَ أَهْلُهُ قَضَاءً قَضَوْا، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا قَضَاءً فَإِنَّهُ إِلَى جُمَادَى الْأُولَى مِنْ عَامِ قَابِلٍ، مَنْ بَلَغَ أَجَلُهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَإِنَّهُ قَدْ لَاطَهُ، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ النَّاسِ مِنْ دَيْنٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا رَأْسُهُ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَسِيرٍ بَاعَهُ رَبُّهُ، فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ، ومَا لَمْ يَبِعْ فَإِنَّ فِيهِ سِتَّ قَلَائِصَ نِصْفَيْنِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي الْكِتَابِ نِصْفَانِ - حِقَاقٌ وَبَنَاتُ لَبُونٍ كِرَامٌ سِمَانٌ وَمَنْ كَانَ لَهُ بَيْعٌ اشْتَرَاهُ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: عِضَاهُهُ الْعِضَاهُ: كُلُّ شَجَرٍ ذِي شَوْكٍ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يُحْشَرُونَ يَقُولُ: تُؤْخَذُ مِنْهُمْ صَدَقَاتُ الْمَوَاشِي بِأَفْنِيَتِهِمْ، يَأْتِيَهُمُ الْمُصَدِّقُ هُنَاكَ، وَلَا يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَجْلِبُوهَا إِلَيْهِ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ: لَا جَلَبَ عَلَى هَذَا وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَذْهَبُ بِالْجَلَبِ إِلَى الْخَيْلِ وَقَوْلُهُ: لَا يُعْشَرُونَ يَقُولُ: لَا يُؤْخَذُ -[250]- مِنْهُمْ عُشْرُ أَمْوَالِهِمْ، إِنَّمَا عَلَيْهِمُ الصِّدْقُ، مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَقَوْلُهُ: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَسِيرٍ فَهُوَ لَهُمْ يَقُولُ: مَنْ أُسِرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمُوا وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ فَهُوَ لَهُمْ، حَتَّى يَأْخُذُوا فَدِيَتُهُ، وَقَوْلُهُ: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ فِي رَهْنٍ فَبَلَغَ أَجَلَهُ فَإِنَّهُ لِوَاطٌ مُبَرَّأٌ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَعْنِي الرِّبَا سَمَّاهُ لِوَاطًا أَوْ لِيَاطًا، لِأَنَّهُ رِبًا أَلْصَقُ بِبَيْعٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَلْصَقْتَهُ بِشَيْءٍ فَقَدْ لُطْتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: الْوَلَدُ أَلْوَطُ أَيْ أَلْصَقُ بِالْقَلْبِ، وَمِنْهُ يُقَالَ لِلشَّيْءِ تُنْكِرُهُ بِقَلْبِكَ: لَا يَلْتَاطُ هَذَا بِصَفَرِي، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِاللُّوَاطِ الرِّبَا، قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ فِي رَهْنٍ وَرَاءَ عُكَاظٍ، فَإِنَّهُ يُقْضَى إِلَى عُكَاظٍ بِرَأْسِهِ، يَعْنِي رَأْسَ الْمَالِ، وَيَبْطُلُ الرِّبَا أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي ثَقِيفٍ ثُمَّ صَارَتْ عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَقَوْلُهُ: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْنٍ فِي رَهْطٍ لَمْ يَلِطْ - يَعْنِي لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ رِبًا فَإِنْ وَجَدَ أَهْلُهُ قَضَاءً قَضَوْا، فَهَذَا هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي لَا رِبًا فِيهِ أَلَا تَرَاهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِقَضَائِهِ إِنْ وَجَدُوا، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا أَخَّرَهُ إِلَى جُمَادَى قَابِلٍ

§508 - وَهَذَا كِتَابُهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِي ثَقِيفٍ، بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ عِضَاهَ وَجٍّ وَصَيْدَهُ لَا يُعْضَدُ وَلَا يُقْتَلُ صَيْدُهُ، فَمَنْ وُجِدَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ -[251]-، وَمَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيُبَلِّغُ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَا يَتَعَدَّهُ أَحَدٌ، فَيَظْلِمْ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِثَقِيفٍ، وَشَهِدَ عَلَى نُسْخَةِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ صَحِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي كَتَبَ لِثَقِيفٍ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَكَتَبَ نُسْخَتَهَا لِمَكَانِ الشَّهَادَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ: إِثْبَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَقَدْ كَانَ يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تُكْتَبُ، وَيُسْتَنْسَبُونَ، فَيُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ فَهُوَ الْآنَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ: أَنَّهُ شَرَطَ لَهُمْ شُرُوطًا عِنْدَ إِسْلَامِهِمْ خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ النَّاسِ مِثْلَ تَحْرِيمِهِ وَادِيَهُمْ، وَأَنْ لَا يُعْبَرُ طَائِفُهُمْ، وَلَا يَدْخُلَهُ أَحَدٌ يَغْلِبُهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يُؤَمَّرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَعْضُهُمُ، وَهَذَا مِمَّا قُلْتُ لَكَ: إِنَّ الْإِمَامَ نَاظِرٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَإِذَا خَافَ مِنْ عَدُوٍّ غَلَبَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِمْ إِلَّا بِعَطِيَّةٍ يَرُدُّهُمْ بِهَا فَعَلَ، كَالَّذِي صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَحْزَابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا إِلَّا عَلَى شَيْءٍ يَجْعَلُهُ لَهُمْ، وَكَانَ فِي إِسْلَامِهِمْ عِزٌّ لِلْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَأْمَنْ مَعَرَّتَهُمْ وَبَأْسَهُمْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ لِيَتَأَلَّفَهُمْ بِهِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[252]- بِالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، إِلَى أَنْ يَرْغَبُوا فِي الْإِسْلَامِ وَتَحْسُنُ فِيهِ نِيَّتَهُمْ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْضٌ لِلْكِتَابِ وَلَا لِلسُّنَّةِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ فِيمَا أَعْطَاهُمْ تَحْلِيلَ الرِّبَا. أَلَا تَرَاهُ قَدِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنَّ لَهُمُ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ؟ هَذَا وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ إِذَا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِسْلَامِ أَشَدَّ تَحْرِيمًا وَأَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ، وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: أَنَّهُمْ كَانُوا سَأَلُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يُسْلِمُوا عَلَى تَحْلِيلِ الزِّنَا وَالرِّبَا وَالْخَمْرِ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ رَاغِبِينَ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ

هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ 509 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا هَذَا الْكِتَابُ فَأَنَا قَرَأْتُ نُسْخَتَهُ وَأَتَانِي بِهِ شَيْخٌ -[253]- هُنَاكَ مَكْتُوبًا فِي قَضِيمِ صَحِيفَةٍ بَيْضَاءَ، فَنَسَخْتُهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِذَا فِيهِ: §بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لِأُكَيْدِرَ حِينَ أَجَابَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ وَالْأَصْنَامَ، مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ سَيْفِ اللَّهِ فِي دَوْمَاءَ الْجَنْدَلِ، وَأَكْنَافِهَا: أَنَّ لَنَا الضَّاحِيَةَ مِنَ الضَّحْلِ، وَالْبُورَ، وَالْمَعَامِيَ، وَأَغْفَالَ الْأَرْضِ، وَالْحَلْقَةَ وَالسِّلَاحَ، وَالْحَافِرَ، وَالْحِصْنَ، وَلَكُمُ الضَّامِنَةُ مِنَ النَّخْلِ، وَالْمَعِينُ مِنَ الْمَعْمُورِ، لَا تُعْدَلُ سَارِحَتُكُمْ وَلَا تُعَدْ فَارِدَتُكُمْ، وَلَا يُحْظَرُ عَلَيْكُمُ النَّبَاتُ، تُقِيمُونَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَتُؤْتُونَ الزَّكَاةَ بِحَقِّهَا، عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَالْمِيثَاقُ، وَلَكُمْ بِذَلِكَ الصِّدْقُ وَالْوَفَاءُ، شَهِدَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا قَوْلُهُ: الضَّاحِيَةُ مِنَ الضَّحْلِ فَإِنَّ الضَّاحِيَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كُلُّ أَرْضٍ بَارِزَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْأَرْضِ وَأَطْرَافِهَا وَالضَّحْلُ: الْقَلِيلُ مِنَ الْمَاءِ، وَالْبُورُ: الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُحْرَثْ، وَالْمَعَامِي: الْبِلَادُ الْمَجْهُولَةُ -[254]-، وَالْأَغْفَالُ: الَّتِي لَا آثَارَ بِهَا وَالْحَلْقَةُ: الدُّرُوعُ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ السِّلَاحَ كُلَّهُ، وَالْحَافِرَ: الْخَيْلُ وَغَيْرُهَا مِنْ ذَاتِ الْحَافِرِ، وَالْحِصْنَ يَعْنِي حِصْنَهُمْ، وَالضَّامِنَةُ مِنَ النَّخْلِ الَّتِي مَعَهُمْ فِي الْمِصْرِ، وَالْمَعِينَ: الْمَاءُ الدَّائِمُ الظَّاهِرُ، مِثْلُ مَاءِ الْعُيُونِ وَنَحْوُهَا، وَالْمَعْمُورِ بِلَادُهُمُ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا. وَقَوْلُهُ: لَا تُعَدَلُ سَارِحَتُكُمُ السَّارِحَةُ: هِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ فِي الْمَرَاعِي، يَقُولُ: لَا تُعْدَلُ عَنْ مَرْعَاهَا، لَا تُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَا تُحْشَرُ فِي الصَّدَقَةِ إِلَى الْمُصَدِّقِ، وَلَكِنَّهَا تُصَدَّقُ عَلَى مِيَاهِهَا وَمَرَاعِيهَا. وَقَوْلِهِ: لَا تُعَدْ فَارِدَتُكُمْ يَعْنِي فِي الصَّدَقَةِ، أَيْ لَا تُعَدْ مَعَ غَيْرِهَا فَتُضَمَّ إِلَيْهَا ثُمَّ تُصَدَّقُ وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأُرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ جَعَلَ لِثَقِيفٍ عِنْدَ إِسْلَامِهِمْ شَيْئًا زَادَهُمْ إِيَّاهُ، وَأُرَاهُ أَخَذَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِنْدَ إِسْلَامِهِمْ، وَإِنَّمَا وَجْهُ هَذَا عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أُولَئِكَ جَاءُوا رَاغِبِينَ فِي الْإِسْلَامِ، غَيْرَ مُكْرَهِينَ، وَلَا ظَهَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُسْلِمُوا إِلَّا بَعْدَ غَلَبَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَلَمْ يَأْمَنْ غَدْرَهُمْ إِنْ تَرَكَ لَهُمُ السَّلَامَ وَالظَّهْرَ وَالْحِصْنَ، فَلَمْ يَقْبَلْ إِسْلَامِهِمْ إِلَّا عَلَى نَزْعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَبِمِثْلِ هَذَا عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ، حِينَ أَجَابُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا إِلَيْهِ قَسْرًا مَقْهُورِينَ

510 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَالْأَشْجَعِيُّ، كِلَاهُمَا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ، مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ -[255]-، عَلَى أَبِي بَكْرٍ، يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، فَخَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ الْحَرْبِ الْمُجْلِيَةِ وَالسِّلْمِ الْمُخْزِيَةِ فَقَالُوا لَهُ: هَذِهِ الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا السِّلْمُ الْمُخْزِيَةُ؟ فَقَالَ: أَنْ تُنْزَعَ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ وَتَتْرُكُوا أَقْوَامًا تَتَّبِعُونَ أَذْنَابِ الْإِبِلِ، حَتَّى يُرِي اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، وَنَغْنَمُ مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وَتَرُدُّوا إِلَيْنَا مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا، وَتَدُوا قَتْلَانَا، وَتَكُونُ قَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ، فَقَامَ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ رَأَيْتَ رَأَيًا وَسَنُشِيرُ عَلَيْكَ: أَمَّا مَا رَأَيْتَ أَنْ تَنْزِعَ مِنْهُمُ الْحَلْقَةَ وَالْكُرَاعَ، فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنْ يُتْرَكُوا أَقْوَامًا يَتَّبِعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِي اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَهُمْ بِهِ، فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنْ نَغْنَمَ مَا أَصَبْنَا مِنْهُمْ وَيَرُدُّوا إِلَيْنَا مَا أَصَابُوا مِنَّا، فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ -[256]-، وَأَمَّا مَا رَأَيْتَ أَنْ يَدُوا قَتْلَانَا وَتَكُونَ قَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ، فَإِنَّ قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ، لَيْسَتْ لَهُمْ دِيَاتٌ، قَالَ: فَتَابَعَ الْقَوْمُ عُمَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَقْبَلْ إِسْلَامَهُمْ وَصُلْحَهُمْ إِلَّا بِنَزْعِ الْحَلْقَةِ وَالْكُرَاعِ مِنْهُمْ، لِمَا أَعْلَمْتُكَ؟ ثُمَّ تَابَعَهُ عُمَرُ عَلَى هَذَا، وَالْقَوْمُ مَعَهُ وَلَا نَرَاهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ إِلَّا اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَأَشْبَاهِهَا مِنَ الْقُرَى الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا كَرْهًا، بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَى بَعْضِ بِلَادِهِمْ، وَلَوْ كَانَ إِسْلَامُهُمْ رَغْبَةً غَيْرَ رَهْبَةٍ لَسَلِمَتْ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَجْنَحُوا إِلَى السَّلْمِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ الظُّهُورَ كُلَّهُ، وَيَصِيرُوا أُسَارَى فِي أَيْدِيهِمْ، مَا تَرَكَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا وَلَكَانَتْ غَنَائِمَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا بَيْنَ الْحَالَيْنِ قَدْ نَالُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنَالَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، فَلِهَذَا وَقَعَ الصُّلْحُ

511 - وَكَذَلِكَ فَعَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ، فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَكَانَ خَالِدٌ قَدْ نَهَكَتْهُ الْحَرْبُ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَعَمَدَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ الْحَنَفِيُّ إِلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَأَلْبَسَهُمُ السِّلَاحَ وَأَقَامَهُمْ عَلَى الْحُصُونِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ خَالِدٌ فَظَنَّهُمْ مَقَاتِلَةً، وَقَدْ بَلَغَتِ الْحَرْبُ مِنْهُ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا بَلَغَتْ، فَدَعَاهُ مُجَّاعَةُ إِلَى الصُّلْحِ عِنْدَ هَذَا، §فَصَالَحَهُ عَلَى رُبْعِ الرَّقِيقِ، وَنِصْفِ الصَّفْرَاءِ، وَالْبَيْضَاءِ، وَالْحَلْقَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ خَالِدٌ الْحُصُونَ بَعْدَ الصُّلْحِ، فَلَمْ يَرَ فِيهَا إِلَّا الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ، قَالَ لِمُجَّاعَةَ: «خَدَعَتْنِي» ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: «قَوْمِي، وَلَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا مَا رَأَيْتَ» 512 - قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعَثَ سَلَمَةَ بْنَ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ إِلَى -[257]- خَالِدٍ يَأْمُرُهُ أَنْ لَا يَسْتَبْقِيَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ رَجُلًا قَدْ أَنْبَتَ، فَوَجَدَ خَالِدًا قَدْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ

وهذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل هجر

§وَهَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ هَجَرَ

513 - قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §كَتَبَ إِلَى أَهْلِ هَجَرَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ هَجَرَ: سِلْمٌ أَنْتُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِاللَّهِ وَبِأَنْفُسِكُمْ أَنْ لَا تَضِلُّوا بَعْدَ إِذْ هُدِيتُمْ، وَأَنْ لَا تَغْوُوا بَعْدَ إِذْ رَشَدَتْمُ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَدْ جَاءَنِي وَفْدُكُمْ فَلَمْ آتِ إِلَيْهِمْ إِلَّا مَا سَرَّهُمْ، وَإِنِّي لَوْ جَهِدْتُ حَقِّي فِيكُمْ كُلَّهُ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ هَجَرَ، فَشَفَّعْتُ غَائِبَكُمْ وَأَفْضَلْتُ عَلَى شَاهِدِكُمْ، فَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَدْ أَتَانِي الَّذِي صَنَعْتُمْ وَإِنَّهُ مَنْ يُحْسِنْ مِنْكُمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ذَنْبُ الْمُسِيءِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ أُمَرَائِي فَأَطِيعُوهُمْ، وَانْصُرُوهُمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ مِنْكُمْ عَمَلًا صَالِحًا فَلَنْ يَضِلَّ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا عِنْدِي "

وهذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل أيلة

§وَهَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ أَيْلَةَ

514 - بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، §هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِيُوحَنَّةَ بْنِ رُوبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ لِسُفُنِهِمْ، وَلِسَيَّارَتِهِمْ وَلِبَحْرِهِمْ وَلِبَرِّهِمْ، ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ كُلِّ مَارِّ النَّاسِ، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَإِنَّهُ لَا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ طِيبَةٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلَا طَرِيقًا يَرِدُونَهَا مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ» هَذَا كِتَابُ جُهَيْمِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُهَيْمٌ اسْمُ الْكَاتِبِ

وهذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خزاعة

§وَهَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُزَاعَةَ

515 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، أَوْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. 516 - وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ - دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الْآخَرِ - قَالَا: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُزَاعَةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، §مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى بُدَيْلٍ، وَبُسْرٍ وَسَرَوَاتِ بَنِي عَمْرٍو -[259]-، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ ذَلِكُمْ، فَإِنِّي لَمْ آلَمْ بِإِلْكُمْ، وَلَمْ أَضَعْ نُصْحَكُمْ، وَإِنَّ مِنْ أَكْرَمِ أَهْلِ تِهَامَةَ عَلِيَّ، وَأَقْرَبِهِ رَحِمًا أَنْتُمْ وَمَنْ تَبِعَكُمْ " قَالَ الشَّعْبِيُّ فِي حَدِيثِهِ: «مِنَ الْمُطَيَّبِينَ» ، وَقَالَ عُرْوَةُ: «مِنَ الْمُصَلِّينَ وَإِنِّي قَدْ أَخَذْتُ لِمَنْ هَاجَرَ مِنْكُمْ مِثْلَ الَّذِي أَخَذْتُ لِنَفْسِي، وَلَوْ كَانَ بِأَرْضِهِ، غَيْرَ سَاكِنٍ مَكَّةَ، إِلَّا حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، وَإِنِّي إِنْ سَلَّمْتُ فَإِنَّكُمْ غَيْرُ خَائِفِينَ مِنْ قِبَلِي وَلَا مُخْفَرِينَ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَسْلَمَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ، وَابْنَا هَوْذَةَ، وَهَاجَرَا وَبَايَعَا عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُمَا، وَأَخَذَا لِمَنِ اتَّبَعَهُمَا مِثْلَ مَا أَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَإِنِّي مَا كَذَبْتُكُمْ وَلِيَحَيِّكُمْ رَبُّكُمْ»

وَهَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زُرْعَةَ بْنِ ذِي يَزِنٍ 517 - قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى زُرْعَةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى زُرْعَةَ ذِي يَزِنٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ عِنْدَنَا زُرْعَةُ بْنُ ذِي يَزِنٍ - إِذَا أَتَاكُمْ رُسُلِي فَإِنِّي آمُرُكُمْ بِهِمْ خَيْرًا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ نِيَارٍ، وَمَالِكُ بْنُ مُرَارَةَ، وَأَصْحَابُهُمْ، فَاجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ لِلصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ فَأَبْلِغُوَهَا رُسُلِي، فَإِنَّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلَا يَنْقَلِبُنَّ مِنْ عِنْدِكُمْ إِلَّا رَاضِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَارَةَ -[260]- الرَّهَاوِيَّ حَدَّثَنِي أَنَّكُ أَسْلَمْتَ مِنْ أَوَّلِ حِمْيَرَ، وَفَارَقْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ، وَإِنِّي آمُرُكُمْ يَا حِمْيَرُ خَيْرًا، فَلَا تَخُونُوا وَلَا تُحَادُّوا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلَى غَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، وَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِأَهْلِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ زَكَاةٌ تُزَكُّونَ بِهَا لِفُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّ مَالِكًا قَدْ بَلَّغَ الْخَبَرَ وَحِفِظَ الْغَيْبَ، وَإِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي وَأَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ فَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا، فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ إِلَيْهِ وَالسَّلَامُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أُرَاهُ يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ

وَهَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ يَثْرِبَ وَمُوَادَعَتِهِ يَهُودَهَا، مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ 518 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ بِهَذَا الْكِتَابِ: §هَذَا الْكِتَابُ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِبَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، فَلَحِقَ بِهِمْ، فَحَلَّ مَعَهُمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ: أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ النَّاسِ وَالْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ - قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: عَلَى رَبَعَاتِهِمْ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ -[261]-: وَالْمَحْفُوظُ عِنْدَنَا رَبَاعَتِهِمْ - يَتَعَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: رَبَعَاتِهِمْ - وَهُمْ يَفْدُونَ عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَبَنُو عَوْفٍ عَلَى رَبَاعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَبَنُو الْحَارِثِ بْنُ الْخَزْرَجِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِبَاعَتُهُمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رَبَاعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رَبَاعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو النَّجَّارِ عَلَى رَبَاعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْقِسْطِ وَالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رَبَاعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو النَّبِيتِ عَلَى رَبَاعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رَبَاعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا مِنْهُمْ أَنْ يُعِينُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ، وَأَنَّ -[262]- الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ أَيْدِيهِمْ عَلَى كُلِّ مَنْ بَغَى وَابْتَغَى مِنْهُمْ دِسْيَعَةَ ظُلْمٍ أَوْ إِثْمٍ، أَوْ عُدْوَانٍ أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعِهِ، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ. لَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ، وَلَا يَنْصُرُ كَافِرًا عَلَى مُؤْمِنٍ، وَالْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ مَوَالِي بَعْضٍ دُونَ النَّاسِ، وَأَنَّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنَ الْيَهُودِ فَإِنَّ لَهُ الْمَعْرُوفَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ، وَلَا مُتَنَاصَرٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدٌ، وَلَا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّ كُلَّ غَازِيَةٍ غَزَتْ يُعْقِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هَذَا وَأَقْوَمِهِ وَأَنَّهُ لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا لِقُرَيْشٍ وَلَا يُعِينُهَا عَلَى مُؤْمِنٍ وَأَنَّهُ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إِلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ بِالْعَقْلِ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا كَافَّةً وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرَّ بِمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ أَوْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ -[263]- الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا أَوْ يُؤْوِيَهُ فَمَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَغَضَبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَأَنَّكُمْ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ حُكْمَهُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارِبِينَ، وَأَنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ وَمَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ دِينُهُمْ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ، فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ إِلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَأَنَّ لِيَهُودِ بَنِي النَّجَّارِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَأَنَّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَأَنَّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَأَنَّ لِيَهُودِ بَنِي سَاعِدَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَأَنَّ لِيَهُودِ الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ إِلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِإِذْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرُ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصِيحَةَ وَالنَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ، وَأَنَّ الْمَدِينَةَ جَوْفُهَا حَرَمٌ لِأَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَأَنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ يُخِيفُ فَسَادُهُ فَإِنَّ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرُ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ، وَأَنَّهُمْ إِذَا دَعُوا الْيَهُودَ إِلَى صُلْحِ حَلِيفٍ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَالِحُونَهُ، وَإِنْ دَعَوْنَا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إِلَّا مَنْ حَارَبَ الدِّينَ، وَعَلَى كُلِّ أُنَاسٍ حِصَّتُهُمْ مِنَ النَّفَقَةِ -[264]-، وَأَنَّ يَهُودَ الْأَوْسِ وَمَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ مَعَ الْبَرِّ الْمُحْسِنِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَنَّ بَنِي الشَّطْبَةِ بَطْنٌ مِنْ جَفْنَةَ، وَأَنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ فَلَا يَكْسِبْ كَاسِبٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَبَرِّهِ، لَا يَحُولُ الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَلَا آثَمٍ، وَأَنَّهُ مَنْ خَرَجَ آمَنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمَنٌ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ، وَإِنَّ أَوْلَاهُمْ بِهَذِهِ الصَّحِيفَةِ الْبَرُّ الْمُحْسِنُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: بَنُو فُلَانٍ عَلَى رَبَاعَتِهِمِ الرَّبَاعَةُ هِيَ الْمَعَاقِلُ وَقَدْ يُقَالَ: فُلَانٌ رِبَاعَةُ قَوْمِهِ، إِذَا كَانَ الْمُتَقَلِّدُ لِأُمُورِهِمْ، وَالْوَافِدُ عَلَى الْأُمَرَاءِ فِي مَا يَنُوبُهُمْ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا فِي فِدَاءِ الْمُفْرَحِ: الْمُثْقَلِ بِالدَّيْنِ، يَقُولُ: فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينُوهُ، إِنْ كَانَ أَسِيرًا فُكَّ مِنْ إِسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ جَنَى جِنَايَةَ خَطَأٍ عَقَلُوا عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا لِقُرَيْشٍ يَعْنِي الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانَ وَادَعَهُمْ. يَقُولُ: فَلَيْسَ مِنْ مُوَادَعَتِهِمْ أَنْ يُجِيرُوا أَمْوَالَ أَعْدَائِهِ، وَلَا يُعِينُوهُمْ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا فَهُوَ قَوَدٌ الِاعْتِبَاطُ: أَنْ يَقْتُلَهُ بَرِيًّا مُحَرَّمَ الدَّمِ، وَأَصْلُ الِاعْتِبَاطِ فِي الْإِبِلِ: أَنْ تُنْحَرَ بِلَا دَاءٍ يَكُونُ بِهَا، وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بِالْعَقْلِ، فَقَدْ جَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ فِي الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ أَوْ -[265]- أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِهِ الْآخَرِ: وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ إِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِي الْعَمْدِ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنَ الْقَاتِلِ وَمُصَالَحَةٍ مِنْهُ لَهُ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا أَوْ يُؤْوِيَهُ الْمُحْدِثُ: كُلُّ مَنْ أَتَى حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ الْآخَرِ: مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودٍ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ وَقَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: الصَّرْفُ التَّوْبَةُ، وَالْعَدْلُ: الْفِدْيَةُ. وَهَذَا أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْفَرِيضَةُ وَالتَّطَوُّعُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48] فَكُلُّ شَيْءٍ فُدِيَ بِهِ شَيْءٌ فَهُوَ عَدْلُهُ. وَقَوْلُهُ -[266]-: وَإِنَّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارِبِينَ، فَهَذِهِ النَّفَقَةُ فِي الْحَرْبِ خَاصَّةً، شَرْطٌ عَلَيْهِمُ الْمُعَاوَنَةُ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَنَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يُسْهِمُ لِلْيَهُودِ إِذَا غَزَوْا مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّفَقَةِ، وَلَوْلَا هَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ سَهْمٌ

519 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «§كَانَ الْيَهُودُ يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسْهِمُ لَهُمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمَّةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا أَرَادَ نَصْرَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَاوَنَتَهُمْ إِيَّاهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ بِالنَّفَقَةِ الَّتِي شَرَطَهَا عَلَيْهِمْ، فَأَمَّا الدِّينُ فَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ أَلَا تَرَاهُ قد بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ: لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ دِينُهُمْ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُوتِغُ إِلَّا نَفْسَهُ يَقُولُ: لَا يُهْلِكُ غَيْرَهَا، يُقَالَ: قَدْ وَتَغَ الرَّجُلُ وَتَغًا، إِذَا وَتَغَ فِي أَمْرٍ يُهْلِكُهُ، وَقَدْ أَوْتَغَهُ غَيْرُهُ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْكِتَابُ فِيمَا نَرَى حِدْثَانَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْإِسْلَامُ وَيَقْوَى، وَقَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ: بَنُو الْقَيْنُقَاعِ، وَالنَّضِيرِ، وَقُرَيْظَةَ فَأَوَّلُ فِرْقَةٍ غَدَرَتْ وَنَقَضَتِ الْمُوَادَعَةَ بَنُو الْقَيْنُقَاعِ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ بَنُو النَّضِيرِ، ثُمَّ قُرَيْظَةُ فَكَانَ مِنْ إِجْلَائِهِ أُولَئِكَ وَقَتْلِهِ هَؤُلَاءِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا

وهذا كتاب صلح خالد بن الوليد إلى 0 أهل دمشق

§وَهَذَا كِتَابُ صُلْحِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى 0 أَهْلِ دِمَشْقَ

520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ سُرَاقَةَ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ -[267]- كَتَبَ لِأَهْلِ دِمَشْقَ: §هَذَا كِتَابٌ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِأَهْلِ دِمَشْقَ: «إِنِّي قَدْ أَمَّنْتُهُمْ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ» - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ذَكَرَ فِيهِ كَلَامًا لَا أَحْفَظُهُ وَفِي آخِرِهِ -: شَهِدَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَشُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسَنَةَ وَقُضَاعِيُّ بْنُ عَامِرٍ وَكُتِبَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ

وهذا كتاب صلح عياض بن غنم أهل الجزيرة

§وَهَذَا كِتَابُ صُلْحِ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ أَهْلَ الْجَزِيرَةِ

521 - حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنِ الْمَعْمَرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ سَلْ أَهْلَ الرُّهَا: هَلْ عِنْدَهُمْ صُلْحٌ؟ قَالَ: فَسَأَلْتُهُمْ، فَأَتَانِي أُسْقُفُّهُمْ بِدَرَجٍ، أَوْ حُقٍّ، فِيهِ كِتَابُ صُلْحِهِمْ، فَإِذَا فِي الْكِتَابِ: §هَذَا كِتَابٌ مِنْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَهْلِ الرُّهَا: أَنِّي أَمَّنْتُهُمْ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَذَرَارِيِّهِمْ، وَنِسَائِهِمْ، وَمَدِينَتِهِمْ، وَطَوَاحِينِهِمْ، إِذَا أَدُّوا الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ شَهِدَ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ قَالَ: فَأَجَازَهُ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ عِيَاضًا لَمَّا صَالَحَ أَهْلَ الرُّهَا دَخَلَ سَائِرَ أَهْلُ الْجَزِيرَةِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ أَهْلُ الرُّهَا مِنَ الصُّلْحِ

وهذا كتاب حبيب بن مسلمة لأهل تفليس من بلاد إرمينية

§وَهَذَا كِتَابُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ لِأَهْلِ تَفْلِيسَ مِنْ بِلَادِ إِرْمِينِيَةَ

522 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْرَقِ مِنْ أَهْلِ إِرْمِينِيَةَ قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَوْ قُرِئَ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي مُصَالَحَةِ أَهْلِ تَفْلِيسَ، فَإِذَا فِيهِ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ §مِنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ لِأَهْلِ طَفْلِيسَ مِنْ أَرْضِ الهرمن بِالْأَمَانِ -[268]- لَكُمْ، وَلِأَوْلَادِكُمْ وَلِأَهَالِيكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَصَوَامِعِكُمْ وَبِيَعِكُمْ وَدِينِكُمْ، وَصلَوَاتِكُمْ، عَلَى إِقْرَارٍ بِصَغَارٍ بِالْجِزْيَةِ، عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ دِينَارٌ وَافٍ، لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ مِنَ الْأَهْلَاتِ اسْتِصْغَارًا مِنْكُمْ لِلْجِزْيَةِ، وَلَا لَنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، اسْتِكْثَارًا مِنَّا لِلْجِزْيَةِ وَلَنَا نَصِيحَتُكُمْ وَضِلَعُكُمْ عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِقْرَاءِ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ، وَإِقْرَاءُ الْمُسْلِمِ بِالْأَلِفِ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنْ قِبَلِ الْهِجَاءِ إِنَّمَا هُوَ قَرْيُ الْمُسْلِمِ - لَيْلَةً بِالْمَعْرُوفِ مِنْ حَلَالِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَحَلَالِ شَرَابِهِمْ، وَإِرْشَادُ الطَّرِيقِ عَلَى غَيْرِ مَا يَضُرُّ بِكُمْ فِيهِ. وَإِنْ قُطِعَ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَدَاؤُهُ إِلَى أَدْنَى فِئَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، إِلَّا أَنْ يُحَالَ دُونَهُمْ، فَإِنْ تُبْتُمْ وَأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُنَا فِي الدِّينِ، وَمَنْ تَوَلَّى عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْجِزْيَةِ فَعَدَوٌّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَرَضَ لِلْمُؤْمِنِينَ شُغْلٌ -[269]- عَنْكُمْ وَقَهَرَكُمْ عَدُوُّكُمْ فَغَيْرُ مَأْخُوذِينَ بِذَلِكَ، وَلَا نَاقَضٌ ذَلِكَ عَهْدَكُمْ، بَعْدَ أَنْ تَفِيئُوا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ هَذَا عَلَيْكُمْ وَهَذَا لَكُمْ شَهِدَ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: صَلَوَاتٌ: بُيُوتٌ تُبْنَى فِي الْبَرَارِي يُصَلُّونَ فِيهَا فِي أَسْفَارِهِمْ، تُسَمَّى صُلُوتًا، فَعُرِّبُتْ صَلَوَاتٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذَكُرُ فِيهَا} [الحج: 40] وَإِنَّمَا أَرَادَ هَذِهِ الْبُيُوتَ عَلَى مَا يُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعَرَبُ كُلُّ شَيْءٍ تَكَلَّمَتْهُ الْفُرْسُ بِالتَّاءِ تَجْعَلُهُ بِالطَّاءِ، مِثْلُ أَقْرَبِ حَدِيثٍ تَفْلِيسَ حِينَ جَعَلَهُ حَبِيبٌ طَفْلَيِسَ وَهَذَا كُتِبَ إِلَى أَهْلِ تَفْلِيسَ: مِنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ إِلَى أَهْلِ طَفْلِيسَ، سَلْمٌ أَنْتُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ رَسُولَكُمْ تَفْلِي قَدِمَ عَلَيَّ وَعَلَى الَّذِينَ آمَنُوا مَعِي، فَذَكَرَ عَنْكُمْ أَنَّا كُنَّا أُمَّةً ابْتَعَثَنَا اللَّهُ وَكَرَّمَنَا، وَكَذَلِكَ فَعَلَ اللَّهُ بِنَا بَعْدَ ذِلَّةٍ وَقِلَّةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ جَهْلَاءَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ وَصَلوَاتُهُ، كَمَا بِهِ هُدِينَا، وَذَكَرَ عَنْكُمْ تَفْلِي: أَنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّنَا مِنَّا الرُّعْبَ، فَلَا حَوْلَ بِنَا وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَذَكَرَ أَنَّكُمْ أَحْبَبْتُمْ سِلْمَنَا فَمَا كَرِهْتُ وَلَا الَّذِينَ آمَنُوا -[270]- مَعِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدِمَ عَلَيَّ تَفْلِي بِهَدِيَّتِكُمْ، فَقَوَّمْتُهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعِي - عَرْضُهَا وَنَقْدُهَا - مِائَةُ دِينَارٍ، غَيْرُ رَاتِبَةٍ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ دِينَارٌ وَافٍ، جِزْيَةً، وَلَا فِدْيَةً، وَكَتَبْتُ لَكُمْ عِنْدَ مَلَإٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كِتَابَ شَرْطِكُمْ وَأَمَانِكُمْ، وَبَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَزْءٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا جَزْءٌ كَمَا تَرَى مَهْمُوزٌ وَجَزٌّ مُشَدَّدٌ اسْمُ رَجُلٍ أَيْضًا غَيْرُ هَذَا السُّلَمِيِّ - وَهُوَ عَلِمْنَا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ فَإِنْ أَقْرَرْتُمْ بِمَا فِيهِ دَفَعَهُ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ آذَنُكُمْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْعَرَبُ كُلُّ شَيءٍ تَكَلَّمَهُ الْفُرْسُ بِالتَّاءِ تَجْعَلُهُ بِالطَّاءِ، مِثْلُ حَدِيثِ عمر: «مَطْرَسْ» ، مِثْلُ: «تَفْلِيسَ» ، جَعَلَهُ حَبِيبٌ: «طَفْلِيسَ» . قَالَ: " وَالْصَّلَوَاتُ: بُيُوتٌ تُبْنَى فِي الْبَرَارِي لِلنَّصَارَى يُصَلُّونَ فِيهَا فِي أَسْفَارِهِمْ، تُسَمَّى صُلُوتًا، فَعُرِّبُتْ صَلَوَاتٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] إِنَّمَا أَرَادَ هَذِهِ الْبُيُوتَ عَلَى مَا يُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ.

كتاب مخارج الفيء ومواضعه التي يصرف إليها، ويجعل فيها

§كِتَابُ مَخَارِجِ الْفَيْءِ وَمَوَاضِعَهُ الَّتِي يُصْرَفُ إِلَيْهَا، وَيُجْعَلُ فِيهَا

باب الحكم في قسم الفيء، ومعرفة من له فيه حق ممن لا حق له

§بَابُ الْحُكْمِ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ، وَمَعْرِفَةِ مَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ

524 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: §اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمُ: ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا فَإِنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ -[272]- إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا يَعْنِي مِنْ دَارِ التَّعَرُّبِ إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، يَقُولُ: إِنْ لَمْ يُهَاجِرُوا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُهُ فِي الْفَيْءِ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ لِمَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِالْمُهَاجِرِينَ وَيُعِنْهُمْ عَلَى جِهَادِهِمْ عَدُوَّهُمْ وَيُجَامِعُهُمْ فِي أُمُورِهِمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ حَقًّا. ثُمَّ رَوَى النَّاسُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ رَأَى لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ شِرْكًا

525 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ -[273]-، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «§مَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ، أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ»

526 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ - وَبَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ - فِي حَدِيثِ عُمَرَ، حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيُّ يَخْتَصِمَانِ فَذَكَرَ عُمَرُ الْأَمْوَالَ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {§مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] ، {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] ، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا} الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} قَالَ: فَاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسَ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لَهُ حَقٌّ فِيهَا - أَوْ قَالَ: حَظٌّ - إِلَّا بَعْضُ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ، فَإِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَيُؤْتَيَنَّ كُلُّ مُسْلِمٍ حَقَّهُ - أَوْ قَالَ: حَظَّهُ - حَتَّى يَأْتِيَ الرَّاعِيَ بِسَرْوِ حِمْيَرَ لَمْ يَعْرَقْ فِيهِ جَبِينُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ آيَةُ الْفَيْءِ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْآيَةَ مُحِيطَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَالَ قَائِلُونَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَاءٌ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي جِهَادِ عَدُوٍّ، أَوْ قِيَامٍ بِحُكْمٍ -[274]- أَوِ اجْتِبَاءِ مَالٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَفْعُهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي الْفَيْءِ كُلُّهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ دِينٍ وَقِبَلَةٍ، وَهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْأُمَمِ، يُوَاسِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَرُدُّ أَقْصَاهُمْ عَلَى أَدْنَاهُمْ يَذْهَبُونَ فِي ذَلِكَ إِلَى كَلَامِ عُمَرَ، مَعَ احْتِجَاجِهِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، فَاخْتَلَفُوا لِاخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ عِنْدَهُمْ: حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدِيثُ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ هُمَا فِي الظَّاهِرِ مُخْتَلِفَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَذْهَبٌ وَمَقَالَ، وَالْأَمْرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْحُكْمَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ غَيْرُ وَجْهِ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنَّ الَّذِيَ يَئُولُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدِي قَوْلُ الَّذِينَ رَأَوُا اشْتِرَاكَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفَيْءِ، وَلَيْسَ هَذَا بِرَادٍّ لِلْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّهُمَا جَمِيعًا قَدْ كَانَا وَإِنَّمَا حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ كَالتَّنْزِيلِ، وَلَيْسَ يَنْسَخُ سُنَّتَهُ إِلَّا سُنَّةٌ لَهُ أُخْرَى -[275]- أَوْ تَنْزِيلٌ، فَكَانَ مَنْعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنَعَ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، إِذْ تَرَكُوا الْهِجْرَةَ: هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ بَدْءُ الْإِسْلَامِ، وَإِذْ كَانَتِ الْهِجْرَةُ تُفَرِّقُ بَيْنَ حُكْمِ الْمُهَاجِرِينَ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ فِي الْوَلَايَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالْفَيْءِ نَزَلَ بِذَلِكَ الْكِتَابُ، وَجَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ، فَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ وَأَمَّا التَّنْزِيلُ فَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]

527 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانِ بْنِ عَطَاءٍ، كِلَاهُمَا، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، فِي قَوْلِهِ: {§إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُ لَا يَرِثُ الْأَعْرَابِيَّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَرِثُ الْأَعْرَابِيُّ الْمُهَاجِرَ، فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6]

528 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ، أَخْبَرَهُ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ: أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ؟ فَقَالَ: «§وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ، أَوْ دُورٌ؟» قَالَ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ؛ لِأَنَّهُمَا كَأَنَّا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ -[276]- قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، يَقُولُ: لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةِ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَصَارَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْكَافِرِ وَفِي الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ وَاحِدًا، فِي الْوَلَايَةِ وَالْمِيرَاثِ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي الِاسْتِنْصَارِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ: {فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72] . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ تَأَوَّلَهَا فِي الْعَصَبَاتِ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ أَنْ يَرِثَهُ فَنَزَلَتْ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] . 530 - وَكَانَ شُرَيْحٌ يَتَأَوَّلُهَا فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ: أَنَّهُمْ يَرِثُونَ دُونَ الْمَوَالِي؛ سَمِعْتُ مُعَاذًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَشُرَيْحٍ بِكَلَامٍ هَذَا مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَلَعَلَّ الْآيَةَ قَدْ جَمَعَتْهَا كُلَّهَا، إِلَّا أَنَّ الَّذِيَ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَلَا تَسْمَعْ قَوْلَهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] فَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ: أَنَّ الْهِجْرَةَ هِيَ الَّتِي فَرَّقَتْ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَيُصَدِّقُهُ آيَةٌ أُخْرَى -[277]-: قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} [محمد: 25]

531 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، §وَذَكَرَ الْكَبَائِرَ وَقَرَأَ بِهَا قُرْآنًا ثُمَّ ذَكَرَ فِيهَا وَالتَّعَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَقَرَأَ: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} [محمد: 25]- (أَوْ بَيَّنَ) - {لَهُمُ الْهُدَى} [محمد: 25] هَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَدِيثِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَ التَّارِكُ لِلْهِجْرَةِ مُرْتَدًّا يَكُونُ حُكْمُهُ فِي الْمِيرَاثِ كَحُكْمِ الْكَافِرِ الَّذِي لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ، وَمِمَّا يَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَ تَرْكُ الْهِجْرَةِ يَقْطَعُ الْوَلَايَةَ مِمَّنْ هَاجَرَ، وَيَحْرُمُ الْوَارِثَ مِيرَاثَهُ، فَهُوَ مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي الْفَيْءِ أَبْعَدُ، فَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى نَسَخَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] فَلَمَّا رَجَعَتِ الْمَوَارِيثُ إِلَى مَوَاضِعِهَا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْوِلَايَةِ الَّتِي صَارَتْ بَيْنَهُمْ، فَعَادَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ إِخْوَةٌ أَوْلِيَاءُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وَكَمَا قَالَ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ -[278]- أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] فَاسْتَوَتْ أَحْكَامُهُمْ، وَوَجَبَ لَهُمْ جَمِيعًا مَا وَجَبَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْأُسْوَةِ فِي الْفَيْءِ وَغَيْرِهِ، إِلَّا أَنَّ لِأَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَذَوِي الْغَنَاءِ عَنِ الْإِسْلَامِ الْفَضْلُ بِقَدْرِ غَنَائِهِمْ وَجَزْئِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. 532 - وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ قَدْ لَحِقَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ بِأَوَّلِهِمْ فِي الْحُكْمِ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ نُسِخَتْ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ. وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ

533 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَأْثُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §اسْتَقِرُّوا عَلَى سَكَنَاتِكُمْ، فَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا

534 - وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبَّارُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»

535 - وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ فُدَيْكٍ، أَنَّ فُدَيْكًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[279]-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا فُدَيْكُ §أَقِمِ الصَّلَاةَ، وَآتِ الزَّكَاةَ، وَاهْجُرِ السُّوءَ، وَلْتَسْكُنْ مِنْ أَرْضِ قَوْمِكَ حَيْثُ شِئْتَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ فَأُرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَسْقَطَ الْهِجْرَةَ عَنِ النَّاسِ وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي تَرْكِهَا، وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ

536 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَتْ: §وَلَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُ يَفِرُّ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَخَافَةً أَنْ يُفْتَنَ عَنْهُ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فَالْمُؤْمِنُ الْيَوْمَ يَعْبُدُ اللَّهَ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَسُنَّةٌ 537 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ قَالَ: لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ. فَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ آمَنَ وَجَاهَدَ فَهُوَ لَاحِقٌ بِالْمُهَاجِرِينَ فِي الْفَضِيلَةِ، وَالْأَحْكَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ وَلَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ لِلْهِجْرَةِ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ آخَرَ

538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الزُّبَيْدِيِّ زُهَيْرِ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ: هِجْرَةُ الْبَادِي، وَهِجْرَةُ الْحَاضِرِ، فَأَمَّا هِجْرَةُ الْبَادِي فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ إِذَا دُعِيَ وَأَنْ يُطِيعَ إِذَا أُمِرَ، وَأَمَّا هِجْرَةُ الْحَاضِرِ فَهِيَ أَشَدُّهُمَا بَلِيَّةً، وَأَعْظَمُهُمَا أَجْرًا "

539 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نِيَارٍ الْأَسْلَمِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَذَكَرَتْ عَائِشَةُ عِنْدَهُ الْأَعْرَابَ - فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ §لَيْسُوا بِأَعْرَابٍ، هُمْ أَهْلُ بَادِيَتِنَا، وَنَحْنُ أَهْلُ حَاضِرَتِهِمْ، فَإِذَا دُعُوا أَجَابُوا، فَلَيْسُوا بِأَعْرَابٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأُرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْجَبَ لَهُمُ اسْمَ الْهِجْرَةِ بِالْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانُوا فِي مَوَاضِعِهِمْ، إِلَّا أَنَّ لِأَهْلِ الْحَاضِرِ فَضِيلَتَهُمْ كَمَا أَعْلَمْتُكَ، فَهَذَا مِمَّا يُبَيَّنُ لَكَ أَنَّ لَهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حَقًّا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ، قَلَّ ذَلِكَ الْحَقُّ أَوْ كَثُرَ، إِنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ، وَمِمَّا يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

540 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَهُ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ، فَقَالَ: ارْتَدَدْتَ يَا سَلَمَةُ عَنْ هِجْرَتِكَ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنِّي فِي إِذْنٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §اسْكُنُوا الشِّعَابَ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَضُرَّنَا ذَلِكَ فِي هِجْرَتِنَا فَقَالَ: أَنْتُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُمَا كُنْتُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِمَّا يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ

541 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْمَيِّتِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَقُولُ: «§هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً؟» فَإِنْ حَدَثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . قَالَ: فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ، قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ»

542 - وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلحَةَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ -[282]- الْهَوْزَنِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَى اللَّهِ - وَرُبَّمَا قَالَ: فَإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ - وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، أَرِثُهُ وَأَعْقِلُ عَنْهُ

543 - وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَعْيَنَ أَبِي يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ دَيْنًا فَدَيْنُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ شَيْئًا فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُكْمُهُ الْأَوَّلُ فِي الدُّيُونِ قَبْلَ الْفُتُوحِ غَيْرَ حُكْمِهِ بَعْدَهَا: أَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ قَضَاءَهَا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ النَّاسِخُ فَإِذَا رَأَى لَهُمْ حَقًّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ فِي الْحَيَاةِ أَحْرَى أَنْ يَرَى وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ لَهُ آخَرُ

544 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» -[283]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَجَعَلَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَاحِدًا، قَالَ: فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ نَاسِخَةٌ لِلْهِجْرَةِ، وَلِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ كَمَا نَسَخَتْ آيَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] وَكَذَلِكَ آيَةُ الْفَيْءِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ، قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} نَاسِخَةٌ أَيْضًا لِتِلْكَ، لِأَنَّ تِلْكَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَالْأَنْفَالُ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ، وَهَذِهِ فِي الْحَشْرِ، وَنَزَلَتِ الْحَشْرُ فِي بَنِي النَّضِيرِ. يُعْلَمُ ذَلِكَ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

545 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: §سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ، قُلْتُ: فَسُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَمْرَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ

546 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §كَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقِيعَةِ بَدْرٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا هُوَ النَّاسِخُ لِتِلْكَ -[284]-، وَمِنْ أَبْيَنِ هَذَا وَأَوْضَحِهِ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، أَوْ عَنْ أَبِي نُعْمٍ - الشَّكُّ مِنْ قَبِيصَةَ -، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " بَعَثَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا - حَسِبْتُهُ قَالَ: مِنَ الْيَمَنُ - قَالَ §فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَسَمَ لِهَؤُلَاءِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، لَيْسُوا مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَشْرَكَهُمْ فِي الْفَيْءِ، فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ نُسِخَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا وَجَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَنَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُهُ فِي الْفَيْءِ الِاشْتِرَاكَ؛ لِهَذِهِ السُّنَنِ الَّتِي

سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلِمَا نَزَلَ مِنْ مُحْكَمِ الْقُرْآنِ النَّاسِخِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِنَّمَا وَجْهُ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ بِالنَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ

باب فرض الأعطية من الفيء، ومن يبدأ به فيها؟

§بَابُ فَرْضِ الْأَعْطِيَةِ مِنَ الْفَيْءِ، وَمَنْ يُبْدَأُ بِهِ فِيهَا؟

548 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: §مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ، فَلْيَأْتِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ فَلْيَأتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسَأَلَ عَنِ الْفِقْهِ، فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَالِ فَلْيَأْتِنِي؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَنِي لَهُ خَازِنًا وَقَاسِمًا: إِنِّي بَادٍ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُعْطِيهُنَّ، ثُمَّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، ثُمَّ أَنَا بَادٍ بِأَصْحَابِي، أُخْرِجْنَا مِنْ مَكَّةَ مِنْ دِيَارِنَا وَأَمْوَالِنَا، ثُمَّ بِالْأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ثُمَّ، قَالَ: فَمَنْ أَسْرَعَ إِلَى الْهِجْرَةِ أَسْرَعَ بِهِ الْعَطَاءُ، وَمَنْ أَبْطَأَ عَنِ الْهِجْرَةِ أَبْطَأَ عَنْهُ -[286]- الْعَطَاءُ، فَلَا يَلُومَنَّ رَجُلٌ إِلَّا مُنَاخَ رَاحِلَتِهِ

549 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: لَمَّا دَوَّنَ لَنَا عُمَرُ الدِّيوَانَ قَالَ: «بِمَنْ نَبْدَأُ؟» قَالُوا: بِنَفْسِكَ فَابْدَأْ، قَالَ: «لَا، إِنَّ §رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَامُنَا فَبِرَهْطِهِ نَبْدَأُ، ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ»

550 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ عُمَرُ الْعِرَاقَ وَالشَّامَ وَجَبَى الْخَرَاجَ، جَمَعَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ §أَفْرِضَ الْعَطَاءَ لِأَهْلِهِ الَّذِينَ افْتَتَحُوهُ، فَقَالُوا: نِعْمَ الرَّأْيِ رَأَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: فَبِمَنْ نَبْدَأُ؟ قَالُوا: وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ؟ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَبْدَأُ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَكَتَبَ سَائِرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، ثُمَّ فَرَضَ بَعْدَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَلِمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ

551 - قَالَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ §أَلْحَقَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِأَبِيهِمَا، وَفَرَضَ لَهُمَا فِي خَمْسَةِ آلَافٍ 552 - وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ

553 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْفَهْمِيِّ -[287]-، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ حِينَ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، «§فَرَضَ لِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّاتِي نَكَحَ نِكَاحًا، فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَفَرَضَ لِجُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ سِتَّةَ آلَافٍ، لِأَنَّهُمَا كَانَتَا مِمَّنْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا خَمْسَةَ آلَافٍ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَفَرَضَ لِلْأَنْصَارِ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَعَمَّ بِفَرِيضَتِهِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ فَرَضَ لَهُمْ كُلَّ صَرِيحٍ مِنَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا وَحَلِيفٍ وَمَوْلًى شَهِدَ بَدْرًا وَجَعَلَ مِثْلَ حُلَفَاءِ الْأَنْصَارِ وَمَوَالِيهِمْ، وَلَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ»

554 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ أَوَّلَ مَا فَرَضَ الْأَعْطِيَةَ §فَرَضَ لِأَهْلِ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ -[288]- وَالْأَنْصَارِ سِتَّةَ آلَافٍ سِتَّةَ آلَافٍ، وَفَرَضَ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَضَّلَ عَلَيْهِنَّ عَائِشَةَ وَفَرَضَ لَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَلِسَائِرِهِنَّ عَشَرَةَ آلَافٍ عَشَرَةَ آلَافٍ، غَيْرَ جُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ فَرَضَ لَهُمَا سِتَّةَ آلَافٍ سِتَّةَ آلَافٍ، وَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمُّ عَبْدِ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَلْفًا أَلْفًا

555 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: §فَرَضَ عُمَرُ لِأَهْلِ بَدْرٍ خَمْسَةَ آلَافٍ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَقَالَ: لِأُفَضِّلَهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ

556 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنِ " §افْرِضْ لِمَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فِي مِائَتَيْنِ فِي الْعَطَاءِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مِائَتَيْ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ - وَابْلُغْ ذَلِكَ لِنَفْسِكَ -[289]- بِإِمَارَتِكَ وَافْرِضْ لِخَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ فِي الشَّرَفِ لِشَجَاعَتِهِ، وَلِعُثْمَانَ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيِّ لِضِيَافَتِهِ "

557 - وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عُمَرَ §جَعَلَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي مِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَمِيرٌ، وَعُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيِّ فِي مِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى الضَّيْفِ، وَبُسْرَ بْنَ أَبِي أَرْطَاةَ فِي مِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَيْفٍ، وَقَالَ: رَبُّ فَتْحٍ قَدْ فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مِائَتَيْنِ فِي السَّنَةِ

558 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، أَنَّ عُمَرَ §فَضَّلَ أُسَامَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَتَّى كَلَّمَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَتُفَضِّلُ عَلَيَّ مَنْ لَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنِّي؟ فَرَضْتَ لَهُ فِي أَلْفَيْنِ، وَفَرَضْتَ لِي فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَلَمْ يَسْبِقْنِي إِلَى شَيْءٍ، فَقَالَ عُمَرُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمَرَ، وَأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ أَحَبَّ -[290]- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

559 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ - أَوْ غَيْرِهِ هَكَذَا قَالَ يَحْيَى - عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ لَمَّا كَلَّمَ أَبَاهُ فِي ذَلِكَ قَالَ لَهُ: «إِنَّ §زَيْدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ، وَإِنَّ أُسَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْكَ»

باب فرض العطاء لأهل الحاضر، وتفضيلهم على أهل البادية

§بَابُ فَرْضِ الْعَطَاءِ لِأَهْلِ الْحَاضِرِ، وَتَفْضِيلِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ

560 - حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، سَأَلُوهُ: أَنْ يَرْزُقَهُمْ: فَقَالَ لَا وَاللَّهِ §لَا أَرْزُقُكُمْ، حَتَّى أَرْزُقَ أَهْلَ الْحَاضِرَةِ فَمَنْ أَرَادَ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ

561 - حَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ §مُرْ لِلْجُنْدِ بِالْفَرِيضَةِ: وَعَلَيْكَ بِأَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَإِيَّاكَ وَالْأَعْرَابَ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ مَحَاضِرَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَشْهَدُونَ مَشَاهِدَهُمْ -[291]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَيْسَ وَجْهُ هَذَا عِنْدَنَا أَنْ يَكُونُوا لَمْ يَرَوْا لَهُمْ فِي الْفَيْءِ حَقًّا، وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ لَا فَرِيضَةَ لَهُمْ رَاتِبَةً تَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَالِ كَأَهْلِ الْحَاضِرَةِ الَّذِينَ يُجَامِعُونَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أُمُورِهِمْ، وَيُعِينُونَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ بِأَبْدَانِهِمْ، أَوْ بِأَمْوَالِهِمْ، أَوْ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ مَعَ هَذَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعُونَةِ عَلَى إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَحُضُورِ الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ، وَتَعْلِيمِ الْخَيْرِ فَكُلُّ هَذِهِ الْخِلَالُ قَدْ خَصَّ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ الْحَاضِرَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ. فَلِهَذَا نَرَى أَنَّهُمْ آثَرُوهُمْ بِالْأَعْطِيَةِ الْجَارِيَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَلِأُولَئِكَ مَعَ هَذَا حُقُوقٌ فِي الْمَالِ لَا تُدْفَعُ إِذَا نَزَلَتْ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَعَلَى الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ نَصْرُهُمْ وَالدَّفْعُ عَنْهُمْ بِالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، أَوْ تُصِيبُهُمُ الْجَوَائِحُ، مِنْ جُدُوبَةٍ تَحِلُّ بِبِلَادِهِمْ فَيَصِيرُونَ مِنْهَا إِلَى الْحُطَمَةِ فِي الْأَمْطَارِ وَالْأَرْيَافِ، فَلَهُمْ فِي الْمَالِ الْمَغُوثَةُ وَالْمُوَاسَاةُ، أَوْ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمُ الْفَتْقُ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ حَتَّى يَتَفَاقَمَ فِيهِ الْأَمْرُ، ثُمَّ يُقْدَرُ عَلَى رَتْقِ ذَلِكَ الْفَتْقِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَحَمْلِ تِلْكَ الدِّمَاءِ بِالْمَالِ فَهَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ لَهُمْ، فَهَذِهِ الْحُقُوقُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي تَجِبُ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: الْجَائِحَةُ، وَالْفَتْقُ، وَغَلَبَةُ الْعَدُوِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَعَلَيْهَا كُلِّهَا شَوَاهِدُ فِي التَّنْزِيلِ وَالْآثَارِ

562 - فَأَمَّا النَّصْرُ عَلَى الْعَدُوِّ فَإِنَّ حَجَّاجًا حَدَّثَنَا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ -[292]- آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " §تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ تُوُفِّيَ عَلَى أَرْبَعِ مَنَازِلَ: مُؤْمِنٌ مُهَاجِرٌ، وَالْأَنْصَارُ، وَأَعْرَابِيٌّ لَمْ يُهَاجِرْ، إِذَا اسْتَنْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَرَهُ , وَإِنْ تَرَكَهُ فَهُوَ إِذْنُهُ لَهُ، وَإِنْ اسْتَنْصَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرُهُمْ "، قَالَ: " فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 72] " قَالَ: «وَالرَّابِعَةُ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ» . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: " وَقَوْلُهُ: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] يَقُولُ: إِلَّا تَعَاوَنُوا وَتَنَاصَرُوا فِي الدِّينِ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا حَقُّهُمْ فِي النَّصْرِ عَلَى الْعَدُوِّ

563 - وَأَمَّا فِي الْجَائِحَةِ وَالْفَتْقِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي عَدِيٍّ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، حَدَّثَنَا، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا فَقَالَ: §يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْجَائِحَةِ وَالْفَتْقِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرِبَ اسْتَعَفَّ

564 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: §أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي -[294]- حَمَالَةٍ، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ: أَنْ قَدْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، وَأَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ، سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأُرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ، وَقَبِيصَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ بِهَذَا الْجَوَّابِ، وَرَأَى لَهُمَا فِي الْمَالِ حَقًّا، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، لَيْسَا مِنَ الْحَاضِرَةِ، وَلَا مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ لِقَبِيصَةَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ؟ فَرَأَى لَهُمَا عِنْدَ حَمَالَةِ الدِّمَاءِ لِإِصِلْاحِ الْفَتْقِ، وَعِنْدَ الْجَائِحَةِ، حَقًّا فِي الصَّدَقَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لَهُمْ وَاجِبًا مَا صَرَفَ إِلَيْهِمْ حَقَّ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ لِلصَّدَقَةِ أَهْلًا لَا تُوضَعُ إِلَّا فِيهِمْ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الصَّدَقَةِ فَالْفَيْءُ أَوْسَعُ وَأَعَمُّ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْفَيْءِ عَامَّةٌ وَآيَةَ الصَّدَقَةِ خَاصَّةٌ -[295]-. فَهَذِهِ الْخِلَالُ الثَّلَاثُ هِيَ الَّتِي وَجَدْنَاهَا تُوجِبُ حُقُوقَهُمْ: الْجَائِحَةُ، وَالْفَتْقُ، وَغَلَبَةُ الْعَدُوِّ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَاقَةَ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ، وَأَرَى الْجَائِحَةَ تَرْجِعُ إِلَيْهَا وَإِلَيْهَا يَصِيرُ الْمَعْنَى، فَأَمَّا دُرُورُ الْأَعْطِيَةِ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ، وَإِجْرَاءِ الْأَرْزَاقِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ فَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا بِأَهْلِ الْحَاضِرَةِ، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْغَنَاءِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ شَيْءٌ كَأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِهَذَا الْقَوْلِ

565 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ «كَانَ §لَا يُعْطِي أَهْلَ مَكَّةَ عَطَاءً، وَلَا يَضْرِبُ عَلَيْهِمْ بَعْثًا، هُمْ كَذَا وَكَذَا» ، كَلِمَةٌ لَا أُحِبُّ ذِكْرَهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَاهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عَطَاءً دَارًّا، إِذْ كَانَ لَا يُغْزِيهِمْ، وَرَأْيُهُ مَعَ هَذَا الْمَعْرُوفِ عَنْهُ فِي الْفَيْءِ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِحُقُوقِ أَهْلِ الْحَضَرِ الَّذِينَ يَنْتَفِعُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ: الْأَعْطِيَةَ وَالْأَرْزَاقَ، وَأَرَادَ بِحُقُوقِ الْآخَرِينَ: مَا يَكُونُ مِنَ النَّوَائِبِ، وَأَبَيْنُ مِنْ هَذَا حَدِيثٌ لَهُ آخَرُ

566 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: §لَمَّا زَوَّجَنِي عُمَرُ أَنْفَقَ عَلَيَّ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَهْرًا، ثُمَّ قَالَ: يَا يَرْفَأُ احْبِسْ عَنْهُ، قَالَ -[296]-: ثُمَّ دَعَانِي، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيْ بُنَيَّ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَرَى هَذَا الْمَالَ يَحِلُّ لِي إِلَّا بِحَقِّهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ عَلَيَّ مِنْهُ حِينَ وَلِيُتُهُ، وَعَادَ أَمَانَتِي، قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَيْكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَهْرًا، وَلَنْ أَزِيدَكَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَعَنْتُكَ بِثُمْنِ مَالِي أَوْ قَالَ بِثَمَنِ مَالِي بِالْعَالِيَةِ، فَانْطَلِقْ فَاجْدُدْهُ، ثُمَّ بِعْهُ، ثُمَّ قُمْ إِلَى جَانِبِ رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ قَوْمِكَ، فَإِذَا ابْتَاعَ فَاسْتَشْرِكْهُ ثُمَّ اسْتَنْفِقْ وَأَنْفِقْ عَلَى أَهْلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَاهُ قَدْ قَطَعَ الْإِجْرَاءَ عَنْهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ لَرَوَيْتُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْطَعُهُ عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا يُبَيِّنُ هَذَا

567 - حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ نَمِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ - لِرَجُلٍ مِنَ الْخَوَارِجِ - إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ §إِنِّي وَجَدْتُ هَذَا يَسُبُّكَ، قَالَ: فَسُبَّهُ كَمَا سَبَّنِي، قَالَ: وَيَتَوَعَّدُكَ، فَقَالَ: لَا أَقْتُلْ مَنْ لَمْ يَقْتُلْنِي، قَالَ عَلِيٌّ: لَهُمْ عَلَيْنَا - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَسِبْتُهُ قَالَ: ثَلَاثٌ -: أَنْ لَا نَمْنَعَهُمُ الْمَسَاجِدَ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا، وَأَنْ لَا نَمْنَعَهُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيهِمْ مَعَ أَيْدِينَا، وَأَنْ -[297]- لَا نُقَاتِلَهُمُ حَتَّى يُقَاتِلُونَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا رَأَى لِلْخَوَارِجِ فِي الْفَيْءِ حَقًّا، مَا لَمْ يُظْهِرُوا الْخُرُوجَ عَلَى النَّاسِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَسُبُّونَهُ وَيَبْلُغُونَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنَ السَّبِّ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي أُمُورِهِمْ وَمَحَاضِرِهِمْ، حَتَّى صَارُوا إِلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ، فَكُلُّ هَذَا يُثْبِتُ أَنَّ إِجْرَاءَ الْأَعْطِيَةِ وَالْأَرْزَاقِ إِنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ الْحَاضِرَةِ أَهْلِ الرَّدِّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالذَّبِّ عَنْهُ، وَأَمَّا مَنْ سِوَى ذَلِكَ، فَإِنَّمَا حُقُوقُهُمْ عِنْدَ الْحَوَادِثِ تَنْزِلُ بِهِمْ فَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْفَصْلُ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ، وَهَذَا سَبِيلُ الْفَيْءِ خَاصَّةً، فَأَمَّا الْخُمُسُ وَالصَّدَقَةُ فَلَهُمَا سُنَنٌ غَيْرُ ذَلِكَ وَسَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ حُقُوقُ أَهْلِ الْبَدْوِ فِي فَيْءِ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَأَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا حُقُوقُ بَعْضِهِمْ فِي أَمْوَالِ بَعْضٍ فَغَيْرُ هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إِنَّمَا هُوَ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ بِفَيْءٍ، فَهُوَ مَرْدُودٌ فِيهِمْ وَاجِبٌ لِفُقَرَائِهِمْ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ -[298]- وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ

568 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هُشَيْمٌ: أَمَّا حُصَيْنٌ فَلَمْ يُسَمِّهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَالَ: ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ - فَقَالَ: يَا غُلَامَ بَنِي هَاشِمٍ، إِنِّي وَافِدُ قَوْمِي وَسَيِّدُهُمْ، §وَإِنِّي سَائِلُكَ وَنَاشِدُكَ فَمُشْتَدَّةٌ نَشْدَتِي، فَلَا تَجِدَنَّ عَلَيَّ، بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَخَلَقَ مَنْ قَبْلَكَ وَيَخْلُقُ مَنْ بَعْدَكَ فَإِنَّهُ جَاءَتْنَا كُتُبُكَ وجَاءَتْنَا رُسُلُكَ: بِأَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَنَذَرَ عِبَادَةَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى، أَهُوَ الَّذِي أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: وَجَاءَتْنَا كُتُبُكَ وَجَاءَتْنَا رُسُلُكَ: بِأَنْ نُصَلِّيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، أَهُوَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: وَجَاءَتْنَا كُتُبُكَ، وَجَاءَتْنَا رُسُلُكَ: بِأَنْ نَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، أَهُوَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: وَجَاءَتْنَا كُتُبُكَ وجَاءَتْنَا رُسُلُكَ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِ أَغْنِيَائِنَا فَيُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِنَا، أَهُوَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ «نَعَمْ» . قَالَ: فَأَمَّا تِلْكَ الْهَنَاتُ - يَعْنِي الْحَوَاشِي - فَلَسْنَا سَائِلِيكَ عَنْهَا وَلَا قَارِبِيهَا ثُمَّ انْطَلَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَصْدُقْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَتْ سُنَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ

569 - حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي مَقْتَلِ عُمَرَ، قَالَ: §أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِكَذَا وَكَذَا، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ -[299]- خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَيُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ

570 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ عُمَرُ: §لَأَرْدُدَنَّهَا عَلَيْهِمْ: حَتَّى تَرُوحَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ؛ يَعْنِي: الصَّدَقَةَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي مِثْلِ هَذَا أَحَادِيثُ لَيْسَ مَوْضِعُهَا هَاهُنَا، فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْأَعْرَابِ، وَلَا أَرَى حَالَ مَنْ سَكَنَ الْقُرَى وَالسَّوَادَ وَالْجِبَالَ إِلَّا كَحَالِهِمْ: يَجِبُ لَهُمْ مَا يَجِبُ لَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ

باب الفرض للموالي من الفيء

§بَابُ الْفَرْضِ لِلْمَوَالِي مِنَ الْفَيْءِ

571 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ " §فَرَضَ لِأَهْلِ بَدْرٍ، الْمُهَاجِرِينَ مِنَ الْعَرَبِ وَالْمَوَالِي: خَمْسَةَ آلَافٍ وَلِلْأَنْصَارِ وَمَوَالِيهِمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ "

572 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَالْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: §وَمَنْ أَعْتَقْتُمْ مِنَ الْحَمْرَاءِ فَأَسْلَمُوا فَأَلْحِقُوهُمْ بِمَوَالِيهِمْ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً وَحْدَهُمْ فَاجْعَلُوهُمْ أُسْوَتَكُمْ فِي الْعَطَاءِ وَالْمَعْرُوفِ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ 573 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ ابْنُ كَثِيرٍ

574 - وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ قَوْمًا قَدِمُوا عَلَى عَامِلٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَعْطَى الْعَرَبَ وَتَرَكَ الْمَوَالِيَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ §فَبِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ 575 - وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُمَرَ، نَحْوَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ: أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟

576 - وَحَدَّثَنَا هُشَيْمُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ -[301]- بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَنَحْنُ بِهرَاةٍ فِي صَدَقَةٍ كَانَ أَمَرَ بِهَا، فَكَتَبَ: أَنِ «§اجْعَلُوهَا فِي الْعَرَبِ وَالْمَوَالِي أُولِي الْعَتَاقَةِ»

577 - وَحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، أَنَّ عُمَرَ §جَعَلَ عَطَاءَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ سِتَّةَ آلَافٍ

578 - حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، أَنَّ عُمَرَ §جَعَلَ عَطَاءَ سَلْمَانَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ

579 - وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عُمَرَ «§فَرَضَ لِلْهُرْمُزَانِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا مَرْوَانُ فَلَمْ يُسَمِّهِ، وَقَالَ غَيْرُ مَرْوَانَ: فَرَضَ لَهُ فِي أَلْفَيْنِ

باب الفرض للذرية من الفيء وإجراء الأرزاق عليهم

§بَابُ الْفَرْضِ لِلذُّرِّيَّةِ مِنَ الْفَيْءِ وَإِجْرَاءِ الْأَرْزَاقِ عَلَيْهِمْ

580 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ

581 - وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَى اللَّهِ» - وَرُبَّمَا قَالَ: قَالَ «فَإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَلُّ عِنْدَنَا: كُلُّ عَيِّلٍ، وَالذُّرِّيَّةُ مِنْهُمْ، فَجَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلذُّرِّيَّةِ فِي الْمَالِ حَقًّا ضَمِنَهُ لَهُمْ

582 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: سُئِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ: §مَتَى يَجِبُ سَهْمُ الْمَوْلُودِ؟ قَالَ: إِذَا اسْتَهَلَّ، قِيلَ: فَعَلَى مَنْ فِدَاءُ الْأَسِيرِ؟ قَالَ: عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُقَاتِلُ عَنْهَا

583 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ لَا يَفْرِضُ لِلْمَوْلُودِ حَتَّى يُفْطَمَ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ -[303]- مُنَادِيًا فَنَادَى: §لَا تَعْجَلُوا أَوْلَادَكُمْ عَنِ الْفِطَامِ؛ فَإِنَّا نَفْرِضُ لِكُلِّ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَكَتَبَ بِذَلِكَ فِي الْآفَاقِ بِالْفَرْضِ لِكُلِّ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ

584 - وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ الْمَدِينِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدَّتِي أَنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَفَقَدَهَا يَوْمًا، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: «مَا لِي لَا أَرَى فُلَانَةَ؟» فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَدَتِ اللَّيْلَةَ غُلَامًا، فَقَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَشَقِيقَةٍ سَنْبَلَانِيَّةٍ، ثُمَّ قَالَ: «§هَذَا عَطَاءُ ابْنِكِ، وَهَذِهِ كِسْوَتُهُ، فَإِذَا مَرَّتْ بِهِ سَنَةٌ رَفَعْنَاهُ إِلَى مِائَةٍ»

585 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ جَدَّهُ الْخَيَّارَ، مَرَّ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ: كَمْ مَعَكَ مِنْ عِيَالِكَ يَا شَيْخُ؟ فَقَالَ: إِنَّ مَعِي. . . . .، فَقَالَ: قَدْ §فَرَضْنَا لَكَ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ وَلِعِيَالِكَ مِائَةً مِائَةً

586 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الْحَجَّافِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمٍ -[304]-، قَالَ: §وُلِدَ لِي وَلَدٌ، فَأَتَيْتُ عَلِيًّا، فَأَثْبَتُّهُ فِي مِائَةٍ

587 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ ثَابِتٍ أَوِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ذُهْلِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَسِيحٍ، قَالَ: «§أَتَيْتُ عَلِيًّا بِمَنْبُوذٍ فَأَثْبَتُّهُ فِي مِائَةٍ»

588 - وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ الْجَزَرِيُّ، قَالَ: §أَثْبَتَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدٍ الْعَزِيزِ وَأَنَا فَطِيمٌ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ

589 - وَحَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: §ذُكِرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَقْرَعَ بَيْنَ الْفَطِيمِ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مَا أَرَى هَذَا إِلَّا مِنَ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجْهُ هَذَا عِنْدِي أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ فِي التَّفْضِيلِ أَوْ فِي التَّقْدِيمِ، يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ، وَأَحْسِبُ رَأْيَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْرِضُ لِلرَّضِيعِ حَتَّى يُفْطَمَ، فَإِذَا فُطِمَ فَرَضَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا رَأْيَهُ فَلَا أَعْلَمُهُ ذَهَبَ إِلَّا إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ، وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تَكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ -[305]- بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَيَقُولُ: رَضَاعُهُ عَلَى أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَعَلَى الْوَارِثِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَالٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَفِي مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ

590 - حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: «§رَضَاعُ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ»

591 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: §الرَّضِيعُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ، قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا

592 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: §أُتِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ فِي رَضَاعِ صَبِيٍّ، فَجَعَلَ رَضَاعَهُ فِي مَالِهِ، وَقَالَ لِوَلِيِّهِ: - أَوْ قَالَ لِوَارِثِهِ، شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - لَوْلَا أَنَّ لَهُ مَالًا لَجَعَلْتُ رَضَاعَهُ فِي مَالِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]

593 - وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] ، قَالَ: «§عَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لَهُ مِثْلَ مَا عَلَى أَبِيهِ»

594 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، {§وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] قَالَ: هُوَ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ

595 - وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ حَبَسَ - أَوْ قَالَ كَلِمَةً تُشْبِهُ الْحَبْسَ - §عَصَبَةَ صَبِيٍّ يُنْفِقُونَ: الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَنَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِنَّمَا ذَهَبَ فِي الْفَطْمِ هَذَا -[306]- الْمَذْهَبَ، وَيُثْبِتُهُ حَدِيثٌ لَهُ آخَرُ

596 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ يَفْرِضَ لِابْنٍ لِي، فَقَالَ: «§لَوْ كُنْتُ أَفْرِضُ لِابْنٍ لِي مِثْلَهُ فَرَضْتُ لِهَذَا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا أَعْرِفُ لِهَذَا وَجْهًا، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُطِمَ، لِأَنَّ هَذَا الْمَعْرُوفُ مِنْ رَأْيِهِ. 597 - وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَفْرِضَ لِلرَّضِيعِ حَتَّى يُفْطَمَ، ثُمَّ تَرَكَهُ وَفَرَضَ لِكُلِّ مَوْلُودٍ. 598 - وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَأَرَاهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ مَا دَامَ رَضِيعًا، فَإِذَا صَارَ إِلَى الْفِطَامِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، وَلَيْسَ يَكُونُ هَذَا إِلَّا لِذَرَارِيِّ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ الَّذِينَ وَصَفْنَا حَالَهُمْ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ، إِنَّمَا هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، قَالَ: §كَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِذَا وُلِدَ الْمَوْلُودُ، فُرِضَ لَهُ فِي عَشَرَةٍ، فَإِذَا بَلَغَ أَنْ يُفْتَرَضَ أُلْحِقَ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ أَفْرَدَ الْمَوْلُودَ، وَجَعَلَ ذَلِكَ لِلْفَطِيمِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَطَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ ذَلِكَ كُلَّهُ، إِلَّا لِمَنْ شَاءَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: أُلْحِقَ بِهِ يَعْنِي فِي الْفَرِيضَةِ، وَقَوْلُهُ: إِذَا وُلِدَ الْمَوْلُودُ فُرِضَ لَهُ، هُوَ رَأْيُ عُمَرَ الْآخِرُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ

600 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاتِكَةِ، أَوْ كُلْثُومِ بْنِ زِيَادٍ، مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ - الشَّكُّ مِنْ هِشَامٍ - قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ، §أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لِعِيَالِ الْمُقَاتِلَةِ وَلِذُرِّيَّتِهِمُ الْعَشَرَاتِ، قَالَ: فَأَمْضَى عُثْمَانُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْولَاةِ ذَلِكَ، وَجَعَلُوهَا مَوْرُوثَةً، يَرِثُهَا الْمَيِّتُ مِنْهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ فِي الْعَطَاءِ وَالْعَشَرَةِ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَسَأَلَنِي عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَنْكَرَ الْوِرَاثَةَ، وَتَرَكَهُمْ عُمُومًا: مِنْ عِيَالِ مَنْ لَيْسَ فِي الدِّيوَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: أَقْطَعُ الْوِرَاثَةَ وَأَعُمُّ الْفَرِيضَةَ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقُلْتُ مَهْلًا، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُسْتَنَّ بِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي قَطْعِ الْوِرَاثَةِ، وَلَا يُسْتَنُّ بِكَ فِي عُمُومِ الْفَرِيضَةِ، قَالَ: صَدَقْتَ، اتْرُكْهُمْ

باب الفرض للنساء والمماليك من الفيء

§بَابُ الْفَرْضِ لِلنِّسَاءِ وَالْمَمَالِيكِ مِنَ الْفَيْءِ

601 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ «§فَرَضَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، غَيْرَ جُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ، فَرَضَ لَهُمَا فِي سِتَّةِ آلَافٍ سِتَّةِ آلَافٍ»

602 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عُمَرَ §فَرَضَ لِلْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَلْفًا أَلْفًا

603 - حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §إِذَا أَتَاهُ فَيْءٌ قَسَمَهُ عَنْ يَوْمٍ: فَأَعْطَى الْآهِلَ حَظَّيْنٍ، وَأَعْطَى الْعَزَبَ حَظًّا وَاحِدًا

604 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ الْخَوْلَانِيِّ، أَنَّ عُمَرَ «§قَسَمَ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَصَابَ كُلَّ رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ، إِذَا كَانَ وَحْدَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَعْطَاهُ دِينَارًا»

605 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ §قَسَمَ مِرْطًا بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ - يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ - فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سُلَيْطٍ -[309]- أَحَقُّ بِهِ - قَالَ: وَأُمُّ سُلَيْطٍ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفُرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ - وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: تَزْفِرُ

606 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِأَبِي: §إِنْ كَانَ عُمَرُ لَيُرْسِلُ إِلَيْنَا بِأَحْظَائِنَا مِنَ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ

607 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ الْوَاسِطِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتَ: «§أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيَةٍ فِيهَا خَرَزٌ فَأَعْطَى الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ»

608 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فُلَانٍ، قَدْ سَمَّاهُ، أَوْ كَنَّاهُ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَظُنُّهُ أَبَا قُرَّةَ - قَالَ: §قَسَمَ لِي أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْفَيْءِ مِثْلَ مَا قَسَمَ لِسَيِّدِي

609 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَخْلَدٍ الْغِفَارِيِّ، §أَنَّ ثَلَاثَةَ مَمْلُوكِينَ لِبَنِي غِفَارٍ شَهِدُوا بَدْرًا، فَكَانَ عُمَرُ يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كُلَّ سَنَةٍ ثَلَاثَةَ آلَافٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيمَا بَلَغَنِي يُفَسِّرُ هَذَا الْحَدِيثَ: أَنَّهُ فَرَضَهُ لَهُمْ بَعْدَمَا عَتَقُوا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَأَلْحَقَهُمْ بِمَوَالِيهِمْ، فِيمَا نَرَى، لِأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّتُهُ فِيهِمْ: أَنْ تُجْعَلَ الْمَوَالِي وَالصَّلِيبَةُ سَوَاءً، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَحْسِبُ حَدِيثَ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ حِينَ ذُكِرَ الْفَيْءُ، وَقَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ، إِلَّا بَعْضَ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ - أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْمَمَالِيكِ الْبَدْرِيِّينَ، لِمَشْهَدِهِمْ بَدْرًا فَرَأَى لَهُمْ فِيهِ حَقًّا، أَلَا تَرَاهُ إِنَّمَا اسْتَثْنَى بَعْضَ مَنْ تَمْلِكُونَ، فَخَصَّ وَلَمْ يَعُمَّ، وَذَلِكَ الْغَنَاءُ عَنِ الْإِسْلَامِ. 610 - وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَعْطَى عُمَيْرًا مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ مِنْ خُرْثِيِّ الْغَنِيمَةِ، وَكَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ -[311]- مَعَ مَوْلَاهُ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا هُوَ رَضْخٌ يُرْضَخُ لِلْمَمْلُوكِ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ إِذَا أَغْنَى، فَأَمَّا الْعَطَاءُ الْجَارِي، فَلَا حَظَّ لِلْمَمَالِيكِ فِيهِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ: أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَمَالِيكِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَهُ يَأْخُذُ فَرِيضَتَهُ، فَإِنْ جُعِلَ لِلْمَمْلُوكِ نَصِيبٌ آخَرُ صَارَ ذَلِكَ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ أَيْضًا فَيَصِيرُ لَهُ فَرِيضَتَانِ، إِلَّا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَجْرَاهُ عَلَيْهِمْ، وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَمَّا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَرَزِ الَّذِي أَعْطَاهُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ: فَإِنَّمَا يُوَجَّهَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَاصَّةً، مِلْكَ يَمِينِهِ، بِهَدِيَّةٍ أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ فِي غَنِيمَةٍ فَصَارَ لَهُ فِي سَهْمِهِ مِنَ الْخُمُسِ فَهُوَ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْخَرَزُ أَمْوَالَ الْفَيْءِ وَلَا الصَّدَقَةِ، أَلَا تَرَاهُ قَدْ حُمِلَتْ إِلَيْهِ جِزْيَةُ هَجَرَ وَالْبَحْرَيْنِ وَعِدَّةِ بِلَادٍ، فَمَا بَلَغَنَا عَنْهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الْمَمَالِيكَ فِيمَا قَسَمَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَسَمَ لَهُ مِنَ الْفَيْءِ مِثْلَ مَا قَسَمَ لِسَيِّدِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُحَرَّرًا قَدْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحْرَارِ، وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِ عُمَرَ: أَنَّهُ فَرَضَ لِمَوْلَى قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ مِثْلَ مَا فَرَضَ لِلصَّلِيبَةِ مِنْهُمْ، سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْعَطَاءِ هَذَا عِنْدَنَا وَجْهُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا نَرَاهُمَا ذَهَبَا فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ. وَفِي كُلِّ هَذَا أَحَادِيثُ:

باب إجراء الطعام على الناس من الفيء

§بَابُ إِجْرَاءِ الطَّعَامِ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْفَيْءِ

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْحَافِظُ الْأَمِينُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ خَلَفٍ التِّلْمِسَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَتْنَا الشيَّخْةُ الصَّالِحَةُ الْكَاتِبَةُ الْمَدْعُوَّةُ فَخْرَ النِّسَاءِ شُهْدَةُ بْنُتُ أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ عُمَرَ الْأَبَّرِيُّ الدِّينَوَرِيُّ - قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ , فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ , مِنْ سنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قِيلَ لَهَا: أَخْبَرَكُمُ النَّقِيبُ الْكَامِلُ أَبُو الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّيْنِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ , فِي سَنَةِ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ , فَأَقَرَّتْ بِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْبَادِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَي أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ الْأَزْدِيِّ قَالَ: 611 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى عُمَرَ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ وَعِنْدَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ فَقَالَ: يَا عُمَرُ، يَا عُمَرُ، فَقَالَ عُمَرُ: «هَذَا عُمَرُ» فَقَالَ: «إِنَّكَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ أَحَدٌ، فَانْظُرْ مَنْ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَمَنْ عَنْ يَمِينِكَ، وَمَنْ عَنْ -[314]- شِمَالِكَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَاءُوكَ، وَاللَّهِ إِنْ يَأْكُلُونَ إِلَّا لُحُومَ الطَّيْرِ» ، فَقَالَ عُمَرُ: «صَدَقْتَ، لَا أَقُومُ مِنْ مَجْلِسِي هَذَا حَتَّى §تَكَلَّفُوا لِي لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمُدَّيْ بُرٍّ وَحَظِّهِمَا مِنَ الْخَلِّ وَالزَّيْتِ» ، فَقَالُوا: نَكْفُلُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هُوَ عَلَيْنَا، قَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَأَوْسَعَ: قَالَ: «فَنَعَمَ إِذًا»

612 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ الْمُضَرِّبِ، أَنَّ عُمَرَ §أَمَرَ بِجَرِيبٍ مِنْ طَعَامٍ فَعُجِنَ، ثُمَّ خُبِزَ، ثُمَّ ثُرِدَ بِزَيْتٍ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، فَأَكَلُوا مِنْهُ غَدَاءَهُمْ حَتَّى أَصْدَرَهُمْ، ثُمَّ فَعَلَ بِالْعَشَاءِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ يَكْفِي الرَّجُلُ جَرِيبَانِ كُلَّ شَهْرٍ، فَكَانَ يَزْرُقُ النَّاسَ: الْمَرْأَةَ، وَالرَّجُلَ، وَالْمَمْلُوكَ: جَرِيبَيْنِ كُلَّ شَهْرٍ

613 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ وَهْبٍ، يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ وَأَخَذَ الْمُدْيَ بِيَدٍ، وَالْقِسْطَ بِيَدٍ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ §فَرَضْتُ لِكُلِّ نَفْسٍ مَسْلَمَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مُدْيَ حِنْطَةٍ وَقِسْطَيْ خَلٍّ , وَقِسْطَيْ زَيْتٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَالْعَبِيدُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، وَالْعَبِيدُ

614 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ عَطِيَّةَ -[315]-، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، أَنَّ عُمَرَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا §أَجْرَيْنَا عَلَيْكُمْ أَعْطِيَاتِكُمْ وَأَرْزَاقَكُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَفِي يَدَيْهِ الْمُدْيُ وَالْقِسْطُ» ، قَالَ: «ثُمَّ حَرَّكَهُمَا فَمَنِ انْتَقَصَهُمْ فَفَعَلَ اللَّهُ بِهِ كَذَا وَكَذَا» قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ

615 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «§رُبَّ سُنَّةٍ رَاشِدَةٍ مَهْدِيَّةٍ قَدْ سَنَّهَا عُمَرُ فِي أُمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهَا الْمُدْيَانِ وَالْقِسْطَانِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا نَرَى عُمَرَ أَجْرَى الطَّعَامَ عَلَى الْمَمَالِيكِ، وَهُمْ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سَادَتَهُمْ قَدْ كَانُوا جَادُوا لَهُ بِإِعْطَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُمْ، فَعَوَّضَهُمْ ذَلِكَ الطَّعَامَ مِنْ أُعْطِيَاتِهِمْ، مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ

616 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ سَلَمَةَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: §سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الصَّدَقَةِ يَعْنِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَقَالَ: كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، فَلَمَّا قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -[316]- عُمَرَ كَلَّمَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: إِنَّا نَرَى أَنْ نُؤَدِّيَ عَنْ أَرِقَّائِنَا عَشَرَةً كُلَّ سَنَةٍ، إِنْ رَأَيْتَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: نَعَمْ مَا رَأَيْتُمْ، وَأَنَا أَرَى أَنْ أَرْزُقَهُمْ كُلَّ شَهْرٍ جَرِيبَيْنِ، قَالَ: فَكَانَ الَّذِي يُعْطِيهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ هَؤُلَاءِ قَالُوا: هَاتُوا الْعَشَرَةَ وَنَمْسِكُ الْجَرِيبَيْنِ فَلَا، وَلَا نُعْمَى عَيْنٍ

باب تعجيل إخراج الفيء وقسمته بين أهله

§بَابُ تَعْجِيلِ إِخْرَاجِ الْفَيْءِ وَقِسْمَتِهِ بَيْنَ أَهْلِهِ

617 - قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§لَمْ يَكُنْ يَقْبَلُ مَالًا عِنْدَهُ، وَلَا يُبَيِّتُهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا جَاءَهُ غَدْوَةً لَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى يَقْسِمَهُ، وَإِنْ جَاءَهُ عَشِيَّةً لَمْ يُبَيِّتْهُ حَتَّى يَقْسِمَهُ

618 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §لَوْ كَانَ عِنْدِي أُحُدٌ ذَهَبًا لَسَرَّنِي -[317]- أَنْ لَا تَمُرَّ بِي ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ يَكُونُ عَلَيَّ

619 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، أَنَّهُ §بَيْنَا يَسِيرُ هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، عَلِقَتِ الْأَعْرَابُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَعَلِقَتْ رِدَاءَهُ - أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - قَالَ: فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا كَذُوبًا، وَلَا جَبَانًا. 620 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ. 621 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ

622 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ -[318]-، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَوْ حَدَّثَ الْقَوْمَ وَأَنَا فِيهِمْ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: بَعَثَ إِلَيَّ عُمَرُ، قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: ظُهْرًا فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا دَخَلْتُ الدَّارَ إِذَا نَحِيبٌ شَدِيدٌ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اعْتُرِيَ وَاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ اعْتُرِيَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ: لَا بَأْسَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ لَا بَأْسَ، قَالَ: وَوَصَفَ ابْنُ عَوْنٍ: أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلُ مَا كَلَّمَنِي بِهِ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَعْجَبَكَ؟ بَلَائِي شَدِيدٌ» ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا، فَإِذَا حَقِيبَاتٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: «هَاهُنَا هَانَ آلُ الْخَطَّابِ عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ كَرُمْنَا عَلَيْهِ لَكَانَ إِلَى صَاحِبَيَّ بَيْنَ يَدَيَّ، فَلَأَقَامَا لِي فِيهِ أَمْرًا أَقْتَدِي بِهِ» قَالَ فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا جَاءَ بِهِ، قُلْتُ: اقْعُدْ بِنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَتَفَكَّرُ، قَالَ: فَقَعَدْنَا، فَكَتَبْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، وَكَتَبْنَا الْمُخَفِّفِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَتَبْنَا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَتَبْنَا مِنْ دُونِ ذَلِكَ §فَأَصَابَ الْمُخَفِّفِينَ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ، يَعْنِي: وَأَصَابَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَأَصَابَ -[319]- مِنْ دُونَ ذَلِكَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، هَكَذَا قَالَ الْمُحَدِّثُ، وَالْأَعْرَابُ اثْنَانِ حَتَّى وَزَّعْنَا ذَلِكَ الْمَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ

623 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَيَّانَ، وَكَانَ يَغْشَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَيَسْمَعُ مِنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: §دَعَانِي عُمَرُ، فَإِذَا حَصِيرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، عَلَيْهِ الذَّهَبُ مَنْثُورًا نَثْرَ الْحَثَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي مَا الْحَثَا؟ فَذَكَرَ التِّبْنَ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَاقْسِمْ بَيْنَ قَوْمِكَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ حَبَسَ هَذَا عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَعْطَانِيهِ، الْخَيْرَ أَرَادَ بِذَلِكَ، أَمِ الشَّرَّ؟ قَالَ: فَأَكْبَبْتُ أَقْسِمُ، فَسَمِعْتُ الْبُكَاءَ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ يَبْكِي، وَيَقُولُ فِي بُكَائِهِ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، مَا حَبَسَ هَذَا عَنْ نَبِيِّهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ إِرَادَةَ الشَّرِّ بِهِمَا وَأَعْطَاهُ عُمَرَ إِرَادَةَ الْخَيْرِ بِهِ

قَالُوا: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: خَطَبَنَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: إِنَّ §فِي بَيْتِ مَالِكُمْ فَضْلًا عَنْ أَعْطَيْتِكُمْ، وَأَنَا قَاسِمٌ بَيْنَكُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي قَابِلَ فَضْلٌ قَسَمْنَاهُ بَيْنَكُمْ، وَإِلَّا فَلَا عُتَيْبَةَ عَلَيْنَا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِنَا، إِنَّمَا هُوَ فَيْءُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَهُ عَلَيْكُمْ

625 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -[320]- إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ بِالْعِرَاقِ: أَنْ «§أَخْرِجْ لِلنَّاسِ أُعْطِيَاتِهِمْ» فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْحَمِيدِ: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ لِلنَّاسِ أُعْطِيَاتِهِمْ، وَقَدْ بَقِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ «انْظُرْ كُلَّ مَنِ ادَّانَ فِي غَيْرِ سَفَهٍ وَلَا سَرَفٍ فَاقْضِ عَنْهُ» ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ، إِنِّي قَدْ قَضَيْتُ عَنْهُمْ، وَبَقِيَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَالٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ «انْظُرْ كُلَّ بِكْرٍ لَيْسَ لَهُ مَالٌ فَشَاءَ أَنْ تُزَوِّجَهُ فَزَوِّجْهُ وَأَصْدِقْ عَنْهُ» ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ زَوَّجْتُ كُلَّ مَنْ وَجَدْتُ، وَقَدْ بَقِيَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَالٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ مَخْرَجِ هَذَا: أَنِ «انْظُرْ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ فَضَعُفَ عَنْ أَرْضِهِ فَأَسْلِفْهُ مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى عَمَلِ أَرْضِهِ، فَإِنَّا لَا نُرِيدُهُمُ لِعَامٍ وَلَا لِعَامَيْنِ» قَالَ: قَالَ الْعُمَرِيُّ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ

باب فصل ما بين الغنيمة والفيء، ومن أيهما تكون أعطية المقاتلة، وأرزاق الذرية

§بَابُ فَصْلِ مَا بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، وَمِنْ أَيِّهِمَا تَكُونُ أَعْطِيَةُ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَرْزَاقُ الذُّرِّيَّةِ

626 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ النَّهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ الْأَقْرَعِ، أَوْ عَنْ عَمْرِو بْنِ السَّائِبِ بْنِ الْأَقْرَعِ، عَنْ أَبِيهِ - شَكَّ الْأَنْصَارِيُّ - قَالَ: §زَحَفَ لِلْمُسْلِمِينَ زَحْفٌ -[321]-، لَمْ يَزْحَفْ لَهُمْ مِثْلُهُ، فَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى عُمَرَ، فَجَمَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: تَكَلَّمُوا وَأَوْجِزُوا وَلَا تُطْنِبُوا فَتَفَشَّغَ بِنَا الْأُمُورُ فَلَا نَدْرِي بِأَيِّهَا نَأْخُذُ، فَقَامَ طَلْحَةُ، فَذَكَرَ كَلَامَهُ، ثُمَّ قَامَ الزُّبَيْرُ، فَذَكَرَ كَلَامَهُ، ثُمَّ قَامَ عُثْمَانُ فَذَكَرَ كَلَامَهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، ثُمَّ قَامَ عَلِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا جَاءُوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَشَدُّ تَغْيِيرًا لِمَا أَنْكَرُوا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُكْتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَيَسِيرُ ثُلُثَاهُمْ وَيَبْقَى ثُلُثٌ فِي ذَرَارِيِّهِمْ وَحِفْظِ جِزْيَتِهِمْ، وَتُبْعَثَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَيُوَرُّوا بِبَعْثٍ، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، مَنْ اسْتَعْمِلُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْتَ أَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَعْلَمُنَا بِأَهْلِكَ فَقَالَ: لَأَسْتَعْمِلَنَّ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يَكُونُ لِأَوَّلِ أَسِنَّةٍ يَلْقَاهَا، اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا يَا سَائِبُ بْنُ الْأَقْرَعِ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، قَالَ: فَأَمَرَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَشَارَ بِهِ عَلِيٌّ. قَالَ: فَإِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ فَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، فَإِنْ قُتِلَ حُذَيْفَةُ فَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ قُتِلَ ذَلِكَ الْجَيْشُ فَلَا أَرَيَنَّكَ، وَأَنْتَ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنْ غَنِيمَةٍ، فَلَا تَرْفَعَنَّ إِلَيَّ بَاطِلًا، وَلَا تَحْبِسَنَّ حَقًّا عَنْ أَحَدٍ هُوَ لَهُ، قَالَ السَّائِبُ: فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِ عُمَرَ إِلَى النُّعْمَانِ، فَسَارَ بِثُلُثَيْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ حَتَّى الْتَقَوْا بِنَهَاوَنْدَ فَذَكَرَ وَقْعَةَ نَهَاوَنْدَ بِطُولِهَا. قَالَ: فَحَمَلُوا، وَكَانَ النُّعْمَانُ -[322]- أَوَّلَ مَقْتُولٍ، وَأَخَذَ حُذَيْفَةُ الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ السَّائِبُ: وَجَمَعْتُ تِلْكَ الْغَنَائِمَ فَقَسَمْتُهَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَتَانِي ذُو الْعُيَيْنَتَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّ كَنْزَ النُّخَيْرَجَانِ فِي الْقَلْعَةِ قَالَ: فَصَعِدْتُ، فَإِذَا أَنَا بِسَفْطَيْنِ مِنْ جَوْهَرٍ لَمْ أَرْ مِثْلَهُمَا قَطُّ، قَالَ: فَلَمْ أَرَهُمَا مِنَ الْغَنِيمَةِ فَأَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ، وَلَمْ أَحْرِزْهُمَا بِجِزْيَةٍ، أَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى عُمَرَ، وَقَدْ رَاثَ عَلَيْهِ الْخَبَرُ، وَهُوَ يَتَطَوَّفُ الْمَدِينَةَ وَيَسْأَلُ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ مُلَيْكَةَ، مَا وَرَاءَكَ؟ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي تُحِبَّ، ثُمَّ ذَكَرَ وَقْعَتَهُمْ وَمَقْتَلَ النُّعْمَانِ وَفَتْحَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ السَّفْطَيْنِ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهِمَا فَبِعْهُمَا، إِنْ جَاءَا بِدِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ اقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ بِهِمَا إِلَى الْكُوفَةِ، فَأَتَانِي شَابٌّ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالَ لَهُ: عُمَرُ بْنُ حُرَيْثٍ، فَاشْتَرَاهُمَا بِأَعْطِيَةِ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِأَحَدِهِمَا إِلَى الْحِيرَةِ، فَبَاعَهُ بِمَا اشْتَرَاهُمَا بِهِ مِنِّي، فَكَانَ أَوَّلَ لَهْوَةِ مَالٍ أتَّخِذُهُ -[323]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَصْلُ مَا بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّائِبَ قَدْ كَانَ أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْأَمْرِ، مِنْ أَيِّهِمَا يَجْعَلُ الْجَوْهَرَ حَتَّى سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَرْبِ، فَيَكُونُ غَنِيمَةً، وَلَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ جِزْيَتِهِمْ، فَيَكُونُ فَيْئًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي حَالٍ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، فَلِهَذَا ارْتَابَ بِهِ حَتَّى ذَكَرَهُ لِعُمَرَ، فَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَتِهِ بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُخَمِّسَهُ، فَقَدْ بَيْنَ لَنَا أَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ فَيْئًا، وَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ: أَنَّهُ مَا نِيلَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَنْوَةً قَسْرًا، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَهُوَ الْغَنِيمَةُ، الَّتِي تُخَمَّسْ وَيَكُونُ سَائِرُهَا لِأَهْلِهَا خَاصَّةً، دُونَ النَّاسِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُمْ بَعْدَمَا تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَتَصِيرُ الدَّارُ دَارَ إِسْلَامٍ فَهُوَ فَيْءٌ يَكُونُ لِلنَّاسِ عَامًا، وَلَا خُمْسَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مِثْلُهُ مَا نِيلَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، مَا كَانَ قَبْلَ لِقَائِهَا وَذَلِكَ كَجَيْشٍ خَرَجُوا يَؤُمُّونَ الْعَدُوَّ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ خَبَرَهُمُ اتَّقَوْهُمْ بِمَالٍ بَعَثُوا بِهِ إِلَيْهِمْ عَلَى أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُمْ، فَقَبِلَ الْمُسْلِمُونَ الْمَالَ وَرَجَعُوا عَنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحِلُّوا بِسَاحَتِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ الضَّحَّاكِ مُفَسَّرًا

627 - كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يُحَدِّثُهُ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ: §أَيُّمَا أَهْلُ حِصْنٍ أَعْطُوا فِدْيَةً مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ نَظَرُوا إِلَى الْجَيْشِ فَهُوَ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ -[324]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ الضَّحَّاكُ إِلَى أَنَّهُ فَيْءٌ وَلَيْسَ بِغَنِيمَةٍ، لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْقِتَالِ، وَعَلَى هَذَا يُوَجَّهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَسْمِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ قَيْصَرُ

628 - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا أَتَاهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَا إِنَّ قَيْصَرَ قَدْ تَرَكَ النَّصْرَانِيَّةَ وَاتَّبَعَ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ جُنْدُهُ قَدْ تَسَلَّحُوا حَتَّى أَطَافُوا بِقَصْرِهِ، فَأَمَرَ مُنَادِيَهُ، فَنَادَى: أَلَا إِنَّ الْقَيْصَرَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُجَرِّبَكُمْ، كَيْفَ صَبْرُكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَارْجِعُوا فَقَدْ رَضِيَ عَنْكُمْ، ثُمَّ قَالَ: لِرَسُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَخَافُ عَلَى مُلْكِي: وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِدَنَانِيرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَرَأَ الْكِتَابَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّهُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ. قَالَ: وَقَسَمَ الدَّنَانِيرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَبُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّنَانِيرَ وَقَسْمُهُ إِيَّاهَا كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَهَا: يُفَسِّرُ لَنَا أَنَّهَا فَيْءٌ وَلَيْسَتْ بِغَنِيمَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ -[325]- أَصَابَهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَدْ فَصَلَ خَارِجًا يُرِيدُهُمْ، وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَبِهَا جَاءَهُ كِتَابُ قَيْصَرَ، وَهُوَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثٍ آخَرَ

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، قَالَ: لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصَ، وَكَانَ جَارًا لِي شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ، قَالَ: §أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِتَبُوكَ بِكِتَابِ هِرَقْلَ، فَنَاوَلَهُ رَجُلًا عَنْ يَسَارِهِ، فَقَرَأَهُ، فَقُلْتُ: مَنْ صَاحِبُ كِتَابِكُمُ الَّذِي يَقْرَؤُهُ؟ فَإِذَا هُوَ مُعَاوِيَةُ، فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِي، قَالَ: إِنَّ لَكَ حَقًّا، إِنَّكَ رَسُولٌ، وَلَوْ وُجِدَتْ عِنْدَنَا جَائِزَةٌ جَوَّزْنَاكَ بِهَا، إِنَّا سَفْرٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا أُجَوِّزُهُ، فَفَتَحَ رَحْلَهُ فَأَتَى بِحُلَّةٍ، فَوَضَعَهَا فِي حِجْرِي، فَقُلْتُ: مَنْ صَاحِبُ الْجَائِزَةِ؟ فَقَالُوا: عُثْمَانُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُنْزِلُ هَذَا؟ فَقَالَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا، قَالَ: فَذَهَبَ -[326]- بِي الْأَنْصَارِيُّ: فَكُنْتُ مَعَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى الدَّنَانِيرَ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْهِ مِنْ هِرَقْلَ إِنَّمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ بِتَبُوكَ، لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ إِنَّمَا كَانَتْ مَعَ الْكِتَابِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ ابْتَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ وَلَا أَجَابَهُ إِلَّا بِوَاحِدٍ، فَهُوَ عِنْدَنَا هَذَا الْكِتَابُ: وَإِنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فَيْئًا وَلَمْ يَجْعَلْهَا هَدِيَّةً وَلَا غَنِيمَةً فِيمَا نَرَى لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الرُّومِ حِينَ أَتَتْهُ وَلَمْ يَلْقَ فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ حَرْبًا، فَتَكُونُ الدَّنَانِيرُ غَنِيمَةً، وَلَمْ تَصَلْ إِلَيْهِ مِنْ قَيْصَرَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الشُّخُوصِ، فَتَكُونُ هَدِيَّةً، وَلَكِنَّهُ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ فِي إِقْبَالِهِ نَحْوَهُ، فَلَا أَعْرِفُ لَهَا وَجْهًا، إِلَّا الْفَيْءَ، وَلَوْ كَانَتْ هَدِيَّةً مَا قَبِلَهَا وَذَلِكَ أَنَّ الثَّابِتَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَبِذَلِكَ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ

630 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَإِسْمَاعِيلُ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ الْحَسَنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ عِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيُّ يُخَالِطُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ أَهْدَى إِلَيْهِ هَدِيَّةً فَرَدَّهَا وَقَالَ: «إِنَّا §لَا نَقْبَلُ زبْدَ الْمُشْرِكِينَ» قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: يَعْنِي رِفْدَهُمْ

631 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ، مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَبَى، فَأَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ»

632 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ، §أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ بِي مِثْلُ الدُّبَيْلَةِ فَابْعَثْ إِلَيَّ بِدَوَاءٍ مِنْ عِنْدَكَ، قَالَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرَسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَأَهْدَى إِلَيْهِ عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، وَقَالَ: تَدَاوَ بِهِ مِنْ هَذَا الَّذِي بِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَيَقُولُونَ: عَامِرٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَامِرُ -[328]- بْنُ الطُّفَيْلِ: وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَيَقُولُونَ: هُوَ أَبُو الْبَرَاءِ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ لَمْ يَزَلْ عَلَى عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَبِلَ هَدِيَّةَ أَبِي سُفْيَانَ

633 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§أَهْدَى إِلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْرَ عَجْوَةٍ، وَهُوَ بِمَكَّةَ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْتَهْدِيهِ أُدُمًا، فَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا وَجْهُ هَذَا عِنْدَنَا: أَنَّ الْهَدِيَّةَ كَانَتْ فِي الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ فَتْحِهَا، فَأَمَّا مَعَ الْمُحَارَبَةِ فَلَا، وَكَذَلِكَ قَبُولُهُ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقَسِ، صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ عَظِيمَ الْقِبْطِ. 634 - يُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، أَكْرَمَ حَاطِبًا وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيًّا قَدْ بَقِيَ، وَإِنِّي كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّأْمِ، وَأَهْدَى إِلَيْهِ مَارِيَةَ الَّتِي وَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ -[329]-، وَبَغْلَةً، وَأَشْيَاءَ سِوَى ذَلِكَ، فَقَبِلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَنَرَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، وَلَمْ يُظْهِرِ التَّكْذِيبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُؤَيِّسْهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَلِهَذَا نَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ هَدِيَّتَهُ. 635 - وَأَمَّا النَّجَاشِيُّ فَقَدْ كَانَ أَسْلَمَ وَأَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ هَدِيَّتَهُ. وَكَذَلِكَ الْأُكَيْدِرُ، إِلَّا أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ عَلَى شَرْطٍ لَهُ وَشَرْطٍ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ كِتَابًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ كُتُبِ الْنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالثَّابِتُ عِنْدَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ مُحَارِبٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا فَصْلَ مَا بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، فَأَمَّا الصَّدَقَةُ، فَلَيْسَتْ تَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُكْمِ هَذَيْنِ الْمَالَيْنِ، إِنَّمَا هِيَ زَكَاةُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَوَاضِعُهَا الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي -[330]- سُورَةِ بَرَاءَةَ، وَلَا تَكُونُ عَطَاءً لِلْمُقَاتِلَةِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ

637 - قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ قَدْ «§أَمَرَ بَأُعْطِيَاتِكُمْ وَافِرَةً غَيْرَ مَنْقُوصَةٍ» وَقَدِ اجْتَهَدَ نَفْسَهُ لَكُمْ، وَقَدْ عَجَزَ مِنَ الْمَالِ مِائَةُ أَلْفٍ، وَذَلِكَ لَمَّا أَخَلَّ فِيكُمْ مِنَ الْإِلْحَاقِ وَالْفَرَائِضِ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ آخُذَهَا مِنْ صَدَقَةِ مَالِ الْيَمَنِ إِذَا مَرَّتْ عَلَيْنَا، قَالَ: فَجَثَا النَّاسُ عَلَى رُكَبِهِمْ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِمْ يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ، لَا نَأْخُذُ مِنْهَا دِرْهَمًا وَاحِدًا، أَنَأْخُذُ حَقَّ غَيْرِنَا؟ إِنَّمَا مَالُ الْيَمَنِ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَإِنَّمَا عَطَاؤُنَا مِنَ الْجِزْيَةِ، فَاكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَبْعَثْ إِلَيْنَا بِبَقِيَّةِ عَطَائِنَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِبَقِيَّتِهِ

باب العطاء يموت صاحبه بعدما يستوجبه

§بَابُ الْعَطَاءِ يَمُوتُ صَاحِبُهُ بَعْدَمَا يَسْتَوْجِبُهُ

638 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ جُمَيعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §شَهِدْتُ جَلُولَاءَ، فَابْتَعْتُ مِنَ الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ قَالَ لِي: أَرَأَيْتَ لَوَ عُرِضْتُ عَلَى النَّارِ، فَقِيلَ لَكَ: افْتَدِهِ، أَكُنْتَ مُفْتَدِيَّ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ إِلَّا كُنْتُ مُفْتَدِيكَ مِنْهُ، فَقَالَ: كَأَنِّي شَاهِدُ النَّاسِ حِينَ تَبَايَعُوا فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَنْتَ كَذَلِكَ، فَكَانَ أَنْ يُرَخِّصُوا عَلَيْكَ بِمِائَةٍ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَغْلُوا عَلَيْكَ بِدِرْهَمٍ، وَإِنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ، وَأَنَا مُعْطِيكَ أَكْثَرَ مَا رَبِحَ تَاجِرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، لَكَ رِبْحُ الدِّرْهَمِ دِرْهَمًا، قَالَ: ثُمَّ عَادَ التُّجَّارُ، فَابْتَاعُوا مِنْهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ فَدَفَعَ إِلَيَّ ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَبَعَثَ بِالْبَقِيَّةِ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: اقْسِمْهُ فِي الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ، وَمَنْ كَانَ مَاتَ مِنْهُمْ فَادْفَعْهُ إِلَى وَرَثَتِهِ

639 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ -[332]- بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ «كَانَ §إِذَا اسْتَوْجَبَ الرَّجُلُ عَطَاءَهُ ثُمَّ مَاتَ، أَعْطَاهُ وَرَثَتَهُ»

640 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: أَنِ §انْظُرْ فِي أَهْلِ الدَّوَاوِينِ، فَمَنْ كَانَ عَمِلَ عَلَى عَطَائِهِ سَنَةً كَامِلَةً وَغَرِمَ مَا نَابَهُ مِنَ الْحَمَائِلِ أَوْ قَالَ: الْجَعَائِلِ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - وَأَجْزَأَ بُعُوثَهُ، ثُمَّ يَقْبِضُ بَعْدَمَا يُؤْمَرُ لِلنَّاسِ بِأُعْطَيَاتِهِمْ، فَمُرْ لِأَهْلِهِ بِعَطَائِهِ حَقًّا وَاجِبًا، وَانْظُرْ مَنْ كَانَ اكْتُتِبَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْبُعُوثِ فَخَرَجَ لَهُ عَطَاؤُهُ، فَتَجَهَّزَ بِهِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ أَجَلُهُ، فَلَا تُغَرِّمُوا أَهْلَهُ شَيْئًا، إِنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ

641 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ لِعُثْمَانَ بَعْدَمَا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: §أَعْطِنِي عَطَاءَ عَبْدِ اللَّهِ، فَعِيَالُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا. قَالَ يَزِيدُ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ وَصِيَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَوْصَى إِلَى وَصِيَّيْنِ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَضِيَ مَالَهُ، دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَا جَمِيعًا وَصِيَّيْ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَأَرَى عُثْمَانَ قَدْ دَفَعَ مَالَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ

642 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَيٍّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَيُّ، «§أَنَّ رَجُلًا مَاتَ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنَ السَّنَةِ فَأَعْطَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُلُثَيْ عَطَائِهِ»

باب الفرض على تعلم القرآن والعلم، وعلى سابقة الآباء

§بَابُ الْفَرْضِ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، وَعَلَى سَابِقَةِ الْآبَاءِ

643 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَنْ §أَعْطِ النَّاسَ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ: أَنْ أَعْطِ النَّاسَ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ، فَتَعَلَّمَهُ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ فِيهِ رَغْبَةٌ إِلَّا رَغْبَةُ الْجُعْلِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنْ أَعْطِ النَّاسَ عَلَى الْمُرُوءَةِ وَالصَّحَابَةِ

644 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: §بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ أَلْحَقْتُهُ فِي أَلْفَيْنِ، فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ، أَيُعْطَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُهُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عُمَرَ: أَنَّ سَعْدًا

645 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَكِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي غَيْلَانَ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي -[334]- مَالِكٍ الدِّمَشْقِيَّ، وَالْحَارِثَ بْنَ يَمْجَدَ الْأَشْعَرِيَّ، §يُفَقِّهَانِ النَّاسَ فِي الْبَدْوِ، وَأَجْرَى عَلَيْهِمَا رِزْقًا، فَأَمَّا يَزِيدُ فَقَبِلَ، وَأَمَّا الْحَارِثُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: «إِنَّا لَا نَعْلَمُ بِمَا صَنَعَ يَزِيدُ بَأْسًا، وَأَكْثَرَ اللَّهُ فِينَا مِثْلَ الْحَارِثِ بْنِ يَمْجَدَ»

646 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: §كُنَّا يَوْمًا مَعَ عُمَرَ، إِذْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ أَعْرَابِيَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا ابْنَةُ خُفَافِ بْنِ أَيْمَاءَ، شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: نَسَبٌ قَرِيبٌ، وَأَمَرَ لَهَا بِطَعَامٍ وَكِسْوَةٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحْفَظُ مُبْلِغَهُ - فَقَالَ رَجُلٌ: أَكْثَرْتَ لَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: قَدْ شَهِدَ أَبُوهَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَعَلَّهُ قَدْ شَهِدَ فَتْحَ مَدِينَةِ كَذَا وَمَدِينَةِ كَذَا، فَحَظُّهُ فِيهَا، وَنَحْنُ نَجْبِيهَا، أَفَلَا أُعْطِيَهَا مِنْ ذَلِكَ

باب التسوية بين الناس في الفيء

§بَابُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفَيْءِ

647 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ §لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ الْمَالُ جَعَلَ النَّاسَ فِيهِ سَوَاءً، وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي أَتَخَلَّصُ مِمَّا أَنَا فِيهُ بِالْكَفَافِ، وَيَخْلُصُ لِي جِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

648 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ «§قَسَمَ بَيْنَ النَّاسِ قَسْمًا وَاحِدًا، فَكَانَ ذَلِكَ نِصْفَ دِينَارٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ»

649 - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: وَحَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَغَيْرِهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كُلِّمَ فِي أَنْ يُفَضِّلَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْقَسْمِ، فَقَالَ: §فَضَائِلُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَأَمَّا هَذَا الْمَعَاشُ فَالتَّسْوِيَةُ فِيهِ خَيْرٌ

650 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ خُطْبَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدَ، فَإِنَّ §هَذَا الْفَيْءَ شَيْءٌ أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، الرَّفِيعُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَضِيعِ، لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ، لَخْمٍ وَجُذَامٍ، فَإِنِّي غَيْرُ قَاسِمٍ لَهُمَا شَيْئًا -[336]-، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ لَخْمٍ أَحَدُ بَلْجَذْمِ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ فِي الْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ، فَقَالَ: مَا يُرِيدُ ابْنُ الْخَطَّابِ بِهَذَا إِلَّا الْعَدْلَ وَالتَّسْوِيَةَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْهِجْرَةَ لَوْ كَانَتْ بِصَنْعَاءَ مَا خَرَجَ إِلَيْهَا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ إِلَّا قَلِيلٌ، أَفَأَجْعَلُ مَنْ تَكَلَّفَ السَّفَرَ وَابْتَاعَ الظَّهْرَ بِمَنْزِلَةِ قَوْمٍ إِنَّمَا قَاتَلُوا فِي دِيَارِهِمْ؟ فَقَامَ أَبُو حُدَيْرٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاقَ الْهِجْرَةَ إِلَيْنَا فِي دِيَارِنَا فَنَصَرْنَاهَا وَصَدَّقْنَاهَا، أَذَاكَ الَّذِي يُذْهِبُ حَقَّنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَأَقْسِمَنَّ لَكُمْ، ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ نِصْفَ دِينَارٍ، إِذَا كَانَ وَحْدَهُ، فَإِذَا كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَعْطَاهُ دِينَارًا

651 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: لَئِنْ عِشْتُ إِلَى هَذَا الْعَامِ الْمُقْبِلِ §لَأُلْحِقَنَّ آخِرَ النَّاسِ بِأَوَّلِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا بَيَانًا وَاحِدًا ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَيَانًا وَاحِدًا: شَيْئًا وَاحِدًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ كَانَ رَأْيُ عُمَرَ الْأَوَّلُ التَّفْضِيلُ عَلَى السَّوَابِقِ وَالْغَنَاءِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ رَأْيِهِ، وَكَانَ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ التَّسْوِيَةَ، ثُمَّ قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ شَيْءٌ شَبِيهٌ بِالرُّجُوعِ إِلَى رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا وَلِكِلَا الْوَجْهَيْنِ مَذْهَبٌ. -[337]- 652 - قَدْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِيمَا يُحْكَى عَنْهُ يُفَسِّرُهُ، يَقُولُ: ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّسْوِيَةِ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا هُمْ بَنُو الْإِسْلَامِ، كَإِخْوَةٍ وَرِثُوا آبَاءَهُمْ، فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ تَتَسَاوَى فِيهِ سِهَامُهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ فِي الْفَضَائِلِ، وَدَرَجَاتِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ، قَالَ: وَذَهَبَ عُمَرُ إِلَى أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي السَّوَابِقِ حَتَّى فَضَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَبَايِنُوا فِيهَا، كَانُوا كَإِخْوَةِ الْعَلَّاتِ، غَيْرَ مُتَسَاوِينَ فِي النَّسَبِ وَرِثُوا أَخَاهُمْ، أَوْ رَجُلًا مِنْ عَصَبَتِهِمْ، فَأَوْلَاهُمْ بِمِيرَاثِهِ أَمَسُّهُمْ بِهِ رَحِمًا وَأَقْعَدُهُمْ إِلَيْهِ فِي النَّسَبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَمَسُّهُمْ بِهِ رَحِمًا وَأَقْعَدُهُمْ إِلَيْهِ فِي النَّسَبِ: أَنَّ أَخَاهَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ يَحُوزُ الْمِيرَاثَ، دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَخَاهُ، وَيَعْنِي بِالْأَقْعَدِ فِي النَّسَبِ: مِثْلُ الِابْنِ وَابْنُ الِابْنِ، وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ، يَقُولُ: أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ الْأَقْعَدَ يَرِثُ دُونَ الْأَطْرَافِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقَرَابَةُ تَجْمَعُهُمْ؟ يَقُولُ: فَكَذَلِكَ هُمْ فِي مِيرَاثِ الْإِسْلَامِ، أَوْلَاهُمْ بِالتَّفْضِيلِ فِيهِ أَنْصَرُهُمْ لَهُ وَأَقْوَمُهُمْ بِهِ، وَأَذَبُّهُمْ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ كَلَامٌ هَذَا مَعْنَاهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ فِيمَا تَأَوَّلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَيْسَ يُوجَدُ عِنْدِي فِي هَذَا تَأْوِيلٌ أَحْسَنُ مِنْهُ

باب توفير الفيء للمسلمين وإيثارهم به

§بَابُ تَوْفِيرِ الْفَيْءِ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِيثَارِهِمْ بِهِ

653 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ الْفِهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §مَنْ وَلِيَ لَنَا شَيْئًا، فَلَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلْيَتَزَوَّجِ امْرَأَةً، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَتَّخِذْ مَسْكَنًا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَرْكَبٌ فَلْيَتَّخِذْ مَرْكَبًا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَتَّخِذْ خَادِمًا، فَمَنِ اتَّخَذَ سِوَى ذَلِكَ: كَنْزًا، أَوْ إِبِلًا، جَاءَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَالًّا أَوْ سَارِقًا. 654 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ، وَعُمَرُ أَوْ عَمْرُو بْنُ غَيْلَانَ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - فَسَمِعَ الْمُسْتَوْرِدَ بْنَ شَدَّادٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. 655 - قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: غَالًّا وَسَارِقًا

656 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا، فَجَاءَ يَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " §مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ؟ أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ هَلْ يُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ عَلَى رَقَبَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةَ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ -[339]- بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ "

657 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، فَهُوَ غُلُولٌ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْوَدُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، أَلَا مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُعْطِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى»

658 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الصَّدَفِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: §لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: قَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ لِتَعْجَزَ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَقَدْ شُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ - أَوْ قَالَ: أَهْلُ - أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنَ الْمَالِ

659 - وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ: يَا بُنَيَّةُ §إِنَّ تِجَارَتِي قَدْ كَانَتْ تَفْضُلُ لِي فَضْلًا عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِي، فَلَمَّا شَغَلَتْنِي الْإِمَارَةُ عَنِ التِّجَارَةِ رَأَيْتُ أَنْ أَسْتَنْفِقَ مِنَ الْمَالِ لِقْحَةً كُنَّا نَشْرَبُ لَبَنَهَا، فَرُدِّيهَا إِلَى ابْنِ الْخَطَّابِ

660 - وَحَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ وَهِيَ تُمَرِّضُهُ: «أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ §كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، فَانْظُرِي مَا كَانَ عِنْدَنَا فَأَبْلِغِيهِ عُمَرَ» قَالَ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مَا كَانَ إِلَّا خَادِمًا وَلِقْحَةً وَمَحْلَبًا فَلَمَّا رَجَعُوا مِنْ جَنَازَتِهِ أَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ

661 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ قَالَ لِعَائِشَةَ: إِنِّي §لَمْ أُرِدْ أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا، فَلَمْ يَدَعْنِي ابْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى أَصَبْتُ مِنْهُ سِتَّةَ آلَافٍ، وَإِنَّ حَائِطِي الَّذِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فِيهَا، قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ بُعِثَتْ عَائِشَةُ إِلَى عُمَرَ، فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَاكِ، لَقَدْ أَحَبَّ أَنْ لَا يَدَعَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ مَقَالَا، وَإِنِّي وَلِيُّ الْأَمْرِ بَعْدَهُ وَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ -[341]- 662 - حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ

663 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا بِبَابِ عُمَرَ، فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ، فَقُلْنَا: هَذِهِ سَرِيَّةُ عُمَرَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَرِيَّةِ عُمَرَ، إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِعُمَرَ، إِنَّهَا مِنْ مَالِ اللَّهِ، قَالَ: فَتَذَاكَرْنَا بَيْنَنَا مَا يَحِلُّ مِنْ مَالِ اللَّهِ، قَالَ: فَرَقِيَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تَذَاكَرُونَ؟ فَقُلْنَا خَرَجَتْ عَلَيْنَا جَارِيَةٌ، فَقُلْنَا: هَذِهِ سَرِيَّةُ عُمَرَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَرِيَّةِ عُمَرَ، إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِعُمَرَ، إِنَّهَا مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَتَذَاكَرْنَا بَيْنَنَا مَا يَحِلُّ لَكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَقَالَ: §أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَسْتَحِلُّ مِنْ مَالِ اللَّهِ؟ حُلَّتَيْنِ: حُلَّةُ الشِّتَاءِ وَالْقَيْظِ، وَمَا أَحُجُّ عَلَيْهِ وَأَعْتَمِرُ مِنَ الظُّهْرِ، وَقُوتُ أَهْلِي كَرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لَيْسَ بِأَغْنَاهُمْ وَلَا بِأَفْقَرِهِمْ، ثُمَّ أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُصِيبُنِي مَا يُصِيبُهُمْ

664 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي حَدِيثٍ غَيْرِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ: عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَسْتَسْلِفُهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: §أَتَسْتَسْلِفُنِي، وَعِنْدَكَ بَيْتُ الْمَالِ، أَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ، ثُمَّ تَرُدُّهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: " إِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ يُصِيبَنِيَ قَدْرِي فَتَقُولُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ: اتْرُكُوا هَذَا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْ مِيزَانِي يَوْمَ -[342]- الْقِيَامَةِ، وَلَكِنِّي أَتَسَلَّفُهَا مِنْكَ لِمَا أَعْلَمُ مِنْ شُحِّكَ، فَإِذَا مِتُّ جِئْتَ فَاسْتَوْفَيْتَهَا مِنْ مِيرَاثِي "

665 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ يَوْمًا: §إِنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَكَاسِبِ الْمَالِ، فَأَيُّكُمْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهُ مِمَّا تَحْتَ أَيْدِينَا، فَلَا يَتَرَخَّصُ أَحَدُكُمْ فِي الْبَرْذَعَةِ أَوِ الْحَبْلِ، أَوِ الْقَتَبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ نَصِيبٌ، فَإِنْ كَانَ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ رَآهُ عَظِيمًا، وَإِنْ كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَرْخَصَ فِيهِ؟ وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ

666 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، §أَنَّ عَمْرَو بْنَ الصَّعْقِ لَمَّا نَظَرَ إِلَى أَمْوَالِ الْعُمَّالِ تُكْثُرُ اسْتَنْكَرَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِأَبْيَاتِ شِعْرٍ - قَدْ ذَكَرَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ فِي حَدِيثِهِ - قَالَ: فَبَعَثَ عُمَرُ إِلَى عُمَّالِهِ، فِيهِمْ سَعْدٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَشَاطَرَهُمْ أَمْوَالَهُمْ

667 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: «يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ، §أَسَرَقْتَ مَالَ اللَّهِ؟» قَالَ: لَسْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ وَلَا عَدُوِّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا، وَلَمْ أَسْرِقْ مَالَ اللَّهِ، قَالَ: «فَمِنْ أَيْنَ اجْتَمَعَتْ لَكَ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ؟» فَقَالَ -[343]-: خَيْلِي تَنَاسَلَتْ، وَعَطَائِي تَلَاحَقَ، وَسِهَامِي تَلَاحَقَتْ، فَقَبَضتُهَا مِنْهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَمَّا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ اسْتَغْفَرْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

668 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَزَادَ فِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ قَالَ لِي عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ: «أَلَا تَعْمَلُ؟» قُلْتُ: «لَا» ، قَالَ: " قَدْ عَمِلَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ: يُوسُفُ " فَقُلْتُ: «إِنَّ يُوسُفَ نَبِيُّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا ابْنُ أُمَيْمَةَ، وَأَخْشَى ثَلَاثًا وَاثْنَتَيْنٍ» ، قَالَ: «فَهَلَّا قُلْتُ خَمْسًا؟» قَالَ: «§أَخْشَى أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَحْكُمَ بِغَيْرِ حِلْمٍ» - أَوْ قَالَ: «أَقُولُ بِغَيْرِ حِلْمٍ، وَأَحْكُمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ» ، قَالَ: الشَّكُّ مِنِ ابْنِ سِيرِينَ - " وَأَخْشَى أَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي وَيُشْتَمَ عِرْضِي وَيُنْتَزَعَ مَالِي

669 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الْأُمَوِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ وَهُوَ مُسْنَدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: §مَا صَبْتُ فِي عَمَلِي الَّذِي بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَوْبَيْنِ مُعَقَّدَيْنِ كَسَوْتُهُمَا مَوْلَايَ كَيْسَانَ

670 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -[344]- بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: §لَمْ يَرْزَأْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَيْتِ مَالِنَا حَتَّى فَارَقَنَا غَيْرَ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَخَمِيصَةٍ دَرَابَجَرْدِيَّةٍ

671 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ بِالْخَوْرَنْقِ، وَعَلَيْهِ سَمَلُ قَطِيفَةٍ، وَهُوَ يُرْعِدُ فِيهَا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبًا، وَأَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا بِنَفْسِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: " إِنِّي وَاللَّهِ §مَا أَرْزَأَكُمْ شَيْئًا، وَمَا هِيَ إِلَّا قَطِيفَتِي الَّتِي أَخْرَجْتُهَا مِنْ بَيْتِي، أَوْ قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ "

672 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَرِيفٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ بَيْتَ الْمَالِ فَأَضْرَطَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: §لَا أُمْسِي وَفِيكَ دِرْهَمٌ، ثُمَّ أَمَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَقَسَمَهُ، حَتَّى أَمْسَى، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَوْ عَوَّضْتَهُ شَيْئًا؟ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ وَلَكِنَّهُ سُحْتٌ

673 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي حَكِيمٍ، صَاحِبِ الْحِنَّاءِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَلِيًّا §أَعْطَى الْعَطَاءَ فِي سَنَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ مِنْ أَصْفَهَانَ، فَقَالَ: اغْدُوا إِلَى عَطَاءٍ رَابِعٍ، إِنِّي لَسْتُ لَكُمْ بِخَازِنٍ، قَالَ: وَقَسَمَ الْحِبَالَ فَأَخَذَهَا قَوْمٌ، وَرَدَّهَا قَوْمٌ

674 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا بِالرَّحْبَةِ، يَوْمَ نَيْرُوزَ، أَوْ مِهْرَجَانَ، وَعِنْدَهُ دَهَاقِينُ وَهَدَايَا، قَالَ: فَجَاءَ قَنْبَرٌ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ رَجُلٌ لَا تَلِيقُ شَيْئًا، وَإِنَّ لِأَهْلِ بَيْتِكَ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبًا، وَقَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئَةً، قَالَ: «وَمَا هِيَ؟» قَالَ: انْطَلِقْ فَانْظُرْ مَا هِيَ، قَالَ: فَأَدْخَلَهُ بَيْتًا فِيهِ بَاسِنَةٌ مَمْلُوءَةٌ آنِيَةَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ، فَلَمَّا رَآهَا عَلِيُّ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، لَقَدْ §أَرَدْتَ أَنْ تُدْخِلَ بَيْتِي نَارًا عَظِيمَةً» ، ثُمَّ جَعَلَ يَزِنُهَا وَيُعْطِي كُلَّ عَرِيفٍ بِحِصَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ: « [البحر الرجز] هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهْ وَكُلُّ جَانٍّ يَدُهُ إِلَى فِيهْ لَا تَغُرِّينِي وَغُرِّي غَيْرِي»

675 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَلِيًّا أَتَى بِالْمَالِ، فَأَقْعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْوَزَّانَ وَالنَّقَّادَ، فَكَوَّمَ كَوْمَةً مِنْ ذَهَبٍ وَكَوْمَةً مِنْ فِضَّةٍ، فَقَالَ: «§يَا حَمْرَاءُ وَيَا بَيْضَاءُ، احْمَرِّي وَابْيَضِّي وَغُرِّي غَيْرِي» هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهْ وَكُلُّ جَانٍّ يَدُهُ إِلَى فِيهْ -[346]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَرُوَاةُ الشِّعْرِ يَرْوونَهُ: إِذْ كُلُّ جَانٍّ يَدُهُ إِلَى فِيهْ. قَالَ: وَالْبَاسِنَةُ: الْغَرَّارَةُ

كتاب أحكام الأرضين في إقطاعها، وإحيائها، وحماها، ومياهها

§كِتَابُ أَحْكَامِ الْأَرَضِينَ -[347]- فِي إِقْطَاعِهَا، وَإِحْيَائِهَا، وَحِمَاهَا، وَمِيَاهِهَا

باب الإقطاع

§بَابُ الْإِقْطَاعِ

676 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَعْنِي، قَالَ: «تُقْطِعُونَهَا النَّاسَ»

قَالَ: 677 - وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: §أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالَ لَهُ سُلَيْطٌ، وَكَانَ يُذْكَرُ مِنْ فَضْلِهِ أَرْضًا، قَالَ: فَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى أَرْضِهِ تِلْكَ، فَيُقِيمُ بِهَا الْأَيَّامَ، ثُمَّ يَرْجِعُ، فَيُقَالَ لَهُ: لَقَدْ نَزَلَ مِنْ بَعْدَكَ مِنَ الْقُرْآنِ كَذَا وَكَذَا، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي أَقْطَعْتَنِيهَا قَدْ شَغَلَتْنِي عَنْكَ، فَاقْبَلْهَا مِنِّي، فَلَا حَاجَةَ لِي فِي شَيْءٍ يَشْغَلُنِي عَنْكَ، فَقَبِلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْطِعْنِيهَا، قَالَ: فَأَقْطَعَهَا إِيَّاهُ

678 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ -[348]-: وَغَيْرُ أَبِي مُعَاوِيَةَ يُسْنِدُهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فِيهَا شَجَرٌ وَنَخْلٌ

679 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§أَقْطَعَهُ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ»

680 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَقْطَعَ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ الْعِجْلِيَّ أَرْضًا بِالْيَمَامَةِ

681 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ §اكْتُبْ إِلَيَّ بِأَرْضِ كَذَا وَكَذَا - أَرْضٍ هِيَ يَوْمَئِذٍ بِأَيْدِي الرُّومِ - قَالَ: فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ الَّذِي قَالَ، فَقَالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتُفْتَحَنَّ عَلَيْكَ، قَالَ: فَكَتَبَ لَهُ بِهَا

682 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: لَمَّا أَسْلَمَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ §اللَّهَ مُظْهِرُكَ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا، فَهَبْ لِي قَرْيَتِي مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ، قَالَ: «هِيَ لَكَ» ، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ وَظَهَرَ عَلَى الشَّامِ، جَاءَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا شَاهِدٌ ذَلِكَ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ قَالَ: وَبَيْتُ لَحْمٍ هِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ

683 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ، أَنْ تَمِيمًا الدَّارِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَنْ يُقْطِعَهُ قَرْيَاتٍ بِالشَّأْمِ: عَيْنُونَ -[350]- وَفُلَانَةَ، وَالْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ قَبْرُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانَ بِهَا رُكْحَهَ وَوَطَنَهُ، قَالَ: فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِذَا صَلَّيْتُ فَسَلْنِي ذَلِكَ. فَفَعَلَ، فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهُنَّ بِمَا فِيهِنَّ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ، وَفَتَحَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ الشَّأْمَ، أَمْضَى لَهُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا اشْتَرَوُا الدَّارَ قَالُوا: بِجَمِيعِ أَرْكَاحِهَا، أَيْ نَوَاحِيهَا 684 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عُمَرَ أَمْضَى ذَلِكَ لِتَمِيمٍ، قَالَ: لَيْسَ لَكَ أَنْ تَبِيعَ. قَالَ: فَهِيَ فِي أَيْدِي أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَى الْيَوْمِ

685 - قال وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَمَنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ الْمَازِنِيِّ، أَنَّهُ §اسْتَقْطَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ، فَقَطَعَهُ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّى -[351]- قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا أَقْطَعْتَهُ الْمَاءَ الْعَدَّ، قَالَ: فَرَجَعَهُ مِنْهُ 686 - قال أبو عبيد: وَكَانَ غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ يُسْنِدُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ سُمَيِّ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ شُمَيْرٍ، عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ فِيهِ، قَالَ: قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُحْمَى مِنَ الْأَرَاكِ؟ قَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ

687 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَزْهَرُ السَّمَّانُ، كِلَاهُمَا، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، فَأَمَّا أَزْهَرُ، فَقَالَ: عَنْ عُمَرِ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ، وَأَمَّا مُعَاذٌ، فَقَالَ: عَنِ الزُّرَقِيِّ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، قَالَ: أَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْضًا، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا كِتَابًا، وَأَشْهَدَ لَهُ نَاسًا فِيهِمْ عُمَرُ، قَالَ: فَأَتَى طَلْحَةُ عُمَرَ بِالْكِتَابِ -[352]-، فَقَالَ: اخْتِمْ عَلَى هَذَا، فَقَالَ: لَا أَخْتِمُ، أَهَذَا كُلَّهُ لَكَ دُونَ النَّاسِ؟ قَالَ: فَرَجَعَ طَلْحَةُ مُغْضَبًا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، §أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ عُمَرُ؟ فَقَالَ: «بَلْ عُمَرُ، وَلَكِنَّهُ أَبَى»

688 - قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ §أَبَا بَكْرٍ قَطَعَ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ قَطِيعَةً، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا كِتَابًا، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ، أَوْ غَيْرُهُ: إِنَّا نَرَى هَذَا الرَّجُلَ سَيَكُونُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ بِسَبِيلٍ - يَعْنِي عُمَرَ - فَلَوْ أَقْرَأْتَهُ كِتَابَكَ، فَأَتَى عُيَيْنَةُ عُمَرَ، فَأَقْرَأَهُ كِتَابَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ، وَزَادَ فِيهِ: أَنَّهُ بَصَقَ فِي الْكِتَابِ وَمَحَاهُ، قَالَ: فَسَأَلَ عُيَيْنَةُ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ كِتَابًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُجَدِدُ شَيْئًا رَدَّهُ عُمَرُ

689 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: §خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، مِنْ ثَقِيفٍ، يُقَالَ لَهُ نَافِعٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ افْتَلَا الْفَلَا، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ قِبَلَنَا أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ لَيْسَتْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَلَا تَضُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُقْطِعَنِيهَا أَتَّخِذُ فِيهَا قَضْبًا لِخَيْلِي -[353]-، قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: إِنْ كَانَتْ كَمَا يَقُولُ فَأَقْطِعْهَا إِيَّاهُ

690 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ إِلَى أَبِي مُوسَى: «إِنَّ §أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَنِي أَرْضًا عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضَ جِزْيَةٍ وَلَا أَرْضًا يَجْرِي إِلَيْهَا مَاءُ جِزْيَةٍ فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ»

691 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، §أَنَّ عُثْمَانَ أَقْطَعَ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الزُّبَيْرَ، وَسَعْدًا وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَخَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ، قَالَ: فَكَانَ جَارِي مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَخَبَّابٌ -[354]- 692 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عُثْمَانَ، مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِقْطَاعِ وُجُوهٌ مُخْتَلِفَةٌ إِلَّا أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي عَادِيِّ الْأَرْضِ هُوَ عِنْدِي مُفَسِّرٌ لِمَا يَصْلُحُ فِيهِ الْإِقْطَاعُ مِنَ الْأَرَضِينَ، وَلِمَا لَا يَصْلُحُ، وَالْعَادِيُّ كُلُّ أَرْضٍ كَانَ لَهَا سَاكِنٌ فِي آبَادِ الدَّهْرِ، فَانْقَرَضُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَنِيسٌ، فَصَارَ حُكْمُهَا إِلَى الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ أَرْضٍ مَوَاتٍ لَمْ يُحْيِهَا أَحَدٌ، وَلَمْ يَمْلِكْهَا مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ، وَإِيَّاهَا أَرَادَ عُمَرُ بِكِتَابِهِ إِلَى أَبِي مُوسَى: إِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضَ جِزْيَةٍ وَلَا أَرْضًا يَجْرِي إِلَيْهَا مَاءُ جِزْيَةٍ، فَأَقْطِعْهَا إِيَّاهُ، فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْإِقْطَاعَ لَيْسَ يَكُونُ إِلَّا فِيمَا لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ، فَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ كَذَلِكَ فَأَمْرُهَا إِلَى الْإِمَامِ، وَلِهَذَا

قَالَ عُمَرُ: §لَنَا رِقَابُ الْأَرْضِ 693 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ أَزْهَرَ السَّمَّانَ يُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُمَرَ -[355]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا وَجْهُ الْإِقْطَاعِ، وَلِتِلْكَ الْآثَارِ الْأُخَرِ مَذَاهِبُ سِوَى هَذَا، سَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا حَضَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا إِقْطَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا ذَاتَ نَخْلٍ وَشَجَرٍ، فَإِنَّا نَرَاهَا الْأَرْضَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهَا الْأَنْصَارِيَّ فَأَحْيَاهَا وَعَمَّرَهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَقَطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ، وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ فَلَعَلَّهَا مِمَّا اصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَدْ كَانَ لَهُ مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ الصَّفِيُّ وَخُمْسُ الْخُمُسِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا كَانَ لَهُ خَاصًّا مِنَ الْغَنَائِمِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ الزُّبَيْرِ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ مِلْكُ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيهَا مَنْ شَاءَ عَامِرَةً وَغَيْرَ عَامِرَةٍ، وَلَا أَعْرِفُ لِإِقْطَاعِهِ أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ وَشَجَرٌ وَجْهًا غَيْرَ هَذَا، وَأَمَّا الْقَرْيَاتُ الَّتِي جَعَلَهَا لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَهِيَ أَرْضٌ مَعْمُورَةٌ لَهَا أَهْلٌ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ النَّفَلِ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ الشَّامُ، وَقَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا الْمُسْلِمُونِ، فَجَعَلَهَا لَهُ نَفَلًا مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا، وَهَذَا كَفِعْلِهِ بِابْنَةِ بَقِيلَةَ عَظِيمِ الْحِيرَةِ حِينَ سَأَلَهُ إِيَّاهَا الشَّيْبَانِيُّ، فَجَعَلَهَا لَهُ قَبْلَ افْتِتَاحِ الْحِيرَةِ، فَأَمْضَاهَا لَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ، وَكَذَلِكَ إِمْضَاءُ عُمَرَ لِتَمِيمٍ حِينَ افْتَتَحَ فِلَسْطِينَ عَلَى مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ تَمِيمًا. وَقَدْ عَمِلَ عُمَرُ فِي السَّوَادِ بِمِثْلِ هَذَا، حِينَ جَعَلَ لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْهُ الثُّلُثَ، أَوِ الرُّبُعَ، عِنْدَ تَوْجِيهِهِ إِيَّاهُ إِلَى الْعِرَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُ فِي -[356]- فَتْحِ السَّوَادِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الَّتِي كَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، وَهِيَ بِأَيْدِي الرُّومِ يَوْمَئِذٍ، قِصَّتُهَا عِنْدِي كِقِصَّةِ قُرَى تَمِيمٍ، وَأَمَّا إِقْطَاعَهُ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ الْعِجْلِيَّ أَرْضًا بِالْيَمَامَةِ فَغَيْرُ هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمَامَةَ قَدْ كَانَ بِهَا إِسْلَامٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدِمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ، مِنْهُمْ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ، وَالرَّجَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ، وَمُحَكِّمُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَأَسْلَمُوا وَأَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَّاعَةَ أَرْضًا

قَالَ: حَدَّثَنَا بِذَلِكُ الْحَارِثُ بْنُ مُرَّةَ الْحَنَفِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ 694 - وَالْمَأْثُورُ عَنْ سِرَاجٍ أَنَّ مُجَّاعَةَ الْيَمَامَةِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْطَعَهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا كِتَابًا -[357]-: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ بْنِ سُلْمَى: إِنِّي §أَقْطَعْتُكَ الْغَوْرَةَ، وَغَرَابَةَ، وَالْحَبْلَ، فَمَنْ حَاجَّكَ فَإِلَيَّ ". قَالَ: ثُمَّ وَفَدَ بَعْدَمَا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَقْطَعَهُ الْخَضْرَامَةَ أَوْ َقالَ: الْخَضْرَمَةَ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَأَقْطَعَهُ الرَّيَّاءَ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ فَأَقْطَعَهُ قَطِيعَةً، قَالَ الْحَارِثُ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَكَذَلِكَ إِقْطَاعُهُ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ وَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْيَمَامَةِ، فَأَقْطَعَهُمْ مِنْ مَوَاتِ أَرْضِهِمْ، بَعْدَ أَنْ أَسْلَمُوا، يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّ الْرِّجَالُ وَمُحَكِّمُ الْيَمَامَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مُحَكِّمُ الْيَمَامَةِ، بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مُحَكِّمٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مُحَكَّمٌ، وَكَانَ عِنْدَهُمْ أَشْرَفَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ، فَقُتِلَا مَعَ مُسَيْلِمَةَ وَلَمْ يَرْتَدَّ هَذَانِ. وَأَمَّا إِقْطَاعَهُ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ، وَهُوَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَدِينَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا رَاغِبِينَ فِي الْإِسْلَامِ، غَيْرَ مُكْرَهِينَ، وَالسُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، وَأَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، وَهَذِهِ حَالُهَا، فَلَمْ يَأْتِنَا شَيْءٌ فِي الْإِقْطَاعِ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا عَرَفْنَاهُ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

695 - حَدَّثَنِي مَنْ، سَمِعَ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيَّ يُحَدِّثُ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَعَلُوا لَهُ كُلَّ أَرْضٍ لَا يَبْلُغُهَا -[358]- الْمَاءُ يَصْنَعُ بِهَا مَا يَشَاءُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَنَرَى أَنَّ الْعَقِيقَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُقْطِعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا شَيْئًا مِمَّا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ إِلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَ مِنْ أَرْضِ مُزَيْنَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَطُّ، وَأَمَّا إِقْطَاعُهُ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ الْمَأْرِبِيَّ الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ، ثُمَّ ارْتِجَاعُهُ مِنْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعَهُ وَهُوَ عِنْدَهُ أَرْضٌ مَوَاتٌ، يُحْيِيهَا أَبْيَضُ وَيُعَمِّرُهَا، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَاءٌ عَدَّ - وَهُوَ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ، مِثْلَ مَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ - ارْتَجَعَهُ مِنْهُ، لِأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلَأِ وَالنَّارِ وَالْمَاءِ أَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا فِيهِ شُرَكَاءُ، فَكَرِهَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِرَجُلٍ يَحُوزَهُ دُونَ النَّاسِ، وَسَيَأْتِي هَذَا مُفَسَّرًا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا إِقْطَاعُ أَبِي بَكْرٍ طَلْحَةَ وَعُيَيْنَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ إِنْكَارِ عُمَرَ ذَلِكَ، وَامْتِنَاعِهِ عَنِ الْخَتْمِ عَلَيْهِ، فَلَا أَعْلَمُ لِهَذَا مَذْهَبًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْيُ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ يَكْرَهُ الْإِقْطَاعَ -[359]-، وَلَا يَرَاهُ، أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: لِطَلْحَةَ: أَهَذَا لَكَ دُونَ النَّاسِ؟ ثُمَّ رَأَى بَعْدَمَا أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَقَطَعَ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي خِلَافَتِهِ، وَهَذَا كَالرَّأْيِ يَرَاهُ الرَّجُلُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ الرُّشْدُ فِي غَيْرِهِ، فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَأَمَّا إِقْطَاعُ عُثْمَانَ مَنْ أَقْطَعَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَبُولُهُمْ إِيَّاهُ، فَإِنَّ قَوْمًا قَدْ تَأَوَّلُوا أَنَّ هَذَا مِنَ السَّوَادِ، وَقَدْ سَأَلْتُ قَبِيصَةَ: هَلْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ السَّوَادِ؟ فَقَالَ: لَا، فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَأَوَّلُوا فَإِنَّهُ عِنْدِي مِنَ الْأَصْنَافِ الَّتِي كَانَ عُمَرُ أَصْفَاهَا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ

696 - حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي حُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: §أَصْفَى عُمَرُ مِنَ السَّوَادِ عَشَرَةَ أَصْنَافٍ -[360]-: أَرْضَ مَنْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ، وَأَرْضَ مَنْ هَرَبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلَّ أَرْضٍ لِكِسْرَى، وَكُلَّ أَرْضٍ لِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَكُلَّ مَغِيضِ مَاءٍ، وَكُلَّ دَيْرٍ بُرِيدٍ، قَالَ: فَكَانَ غَلَّةُ مَا أَصْفَى سَبْعَةَ آلَافِ أَلْفٍ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الْجَمَاجِمُ أَحْرَقَ النَّاسُ الدِّيوَانَ وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ مَا يَلِيهِمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ كُلُّهَا أَرَضُونَ قَدْ جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا، فَلَمْ يَبْقَ بِهَا سَاكِنٌ وَلَا لَهَا عَامِرٌ، فَكَانَ حُكْمُهَا إِلَى الْإِمَامِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي عَادِيِّ الْأَرْضِ، فَلَمَّا قَامَ عُثْمَانُ رَأَى أَنَّ عِمَارَتَهَا أَرَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَوْفَرُ لِخَرَاجِهِمْ مِنْ تَعْطِيلِهَا، فَأَعْطَاهَا مَنْ رَأَى إِعْطَاءَهُ عَلَى أَنْ يُعَمِّرُوهَا، كَمَا يُعَمِّرُهَا غَيْرُهُمْ، وَيُؤَدُّوا عَنْهَا مَا يَجِبُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ هَذَا عِنْدِي عَلَى مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَلَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ التَّغْلِيظُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ

697 - قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ الْحِمْصِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ نَاسًا §سَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ أَنْذِرِ كَيْسَانَ بِدِمَشْقَ، لِمَرْبَطِ خَيْلِهِمْ، «فَأَعْطَاهُمْ طَائِفَةً مِنْهَا، فَزَرَعُوهَا، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُمْ وَأَغْرَمَهُمْ لِمَا زَرَعُوا فِيهَا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذِهِ شَبِيهَةُ الْقِصَّةِ بِأَرْضِ السَّوَادِ، لِأَنَّ أَرْضَ الشَّأْمِ كُلَّهَا عَنْوَةٌ، إِلَّا الْمُدُنَ خَاصَّةً، فَإِنَّهَا صُلْحٌ كُلُّهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي افْتِتَاحِ الْأَرَضِينَ. 698 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِمَّا يُثْبِتُ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا كَانَ إِقْطَاعُهُ مِمَّا أَصْفَى عُمَرُ: أَنَّهُ يُرْوَى فِي غَيْرِ حَدِيثِ سُفْيَانَ تَسْمِيَةُ الْقُرَى الَّتِي كَانَ أَقْطَعَ -[361]-: صَعْنَبًا، وَالنَّهْرَيْنِ وَقَرْيَةُ هُرْمُزَ، وَكَانَ هُرْمُزُ أَحَدُ الْأَكَاسِرَةِ، فَهَذَا مُفَسِّرٌ لِمَا قُلْنَا: إِنَّهُ إِنَّمَا أَقْطَعَ مِنْ تِلْكَ الْأَرَضِينَ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا رَبٌّ. 699 - وَأَمَّا إِقْطَاعُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بِالْبَصْرَةِ الْأَرْضَ الَّتِي تُعْرَفُ بِشَطِّ عُثْمَانَ، فَإِنَّ أَرْضَ الْبَصْرَةِ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ كُلُّهَا سِبَاخًا وَآجَامًا، فَأَقْطَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ بَعْضَهَا فَاسْتَخْرَجَهَا وَأَحْيَاهَا. السِّبَاخُ مَوَاتٌ كَمَا قُلْنَا. وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ يَغْلُبُ عَلَيْهَا الْغِيَاضُ وَالْآجَامُ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مُسْتَخْرِجٌ كَانَتْ كَالْمَوَاتِ يُحْيِيهَا، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ نَهْرِ سَعِيدٍ الَّذِي دُونَ الرَّقَّةِ

700 - قَالَ: حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ فُلَانًا - ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ - §أَقْطَعَ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ نَهْرَهُ الَّذِي عَلَى الْفُرَاتِ، وَكَانَ غَيْضَةً فِيهَا سِبَاعٌ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ فَعَمَّرَهَا، فَهِيَ نَهْرُ سَعِيدٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ يَظْهَرُ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَيُقِيمُ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ ازْدِرَاعِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا، كَالْبَطَائِحِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ يُعَالِجُهُ قَوْمٌ حَتَّى يُزِيلُوا الْمَاءَ عَنِ الْأَرْضِ بِنَزْحٍ أَوْ تَسْهِيلٍ، حَتَّى يَنْضُبَ عَنْهَا الْمَاءُ، فَهِيَ كَالْأَرْضِ يُحْيِيهَا، فَتَكُونُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا

701 - وَإِيَّاهَا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ: §مَنْ غَلَبَ الْمَاءَ -[362]-، عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

باب إحياء الأرضين واحتجارها والدخول على من أحياها قال أبو عبيد: جاءت الأحكام في الإحياء على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يأتي الرجل الأرض الميتة فيحييها ويعمرها، ثم يثب عليها رجل آخر فيحدث غرسا أو بنيانا؛ ليستحق بذلك ما كان أحيا الذي قبله. والوجه الثاني:

§بَابُ إِحْيَاءِ الْأَرَضِينَ وَاحْتِجَارِهَا وَالدُّخُولِ عَلَى مَنْ أَحْيَاهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: جَاءَتِ الْأَحْكَامُ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ فَيُحْيِيهَا وَيُعَمِّرَهَا، ثُمَّ يَثِبَ عَلَيْهَا رَجُلٌ آخَرُ فَيُحْدِثُ غَرْسًا أَوْ بُنْيَانًا؛ لِيَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ مَا كَانَ أَحْيَا الَّذِي قَبْلَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقْطِعَ الْإِمَامُ رَجُلًا أَرْضًا مَوَاتًا، فَتَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُقْطَعِ، إِلَّا أَنَّهُ يُفْرِطُ فِي إِحْيَائِهَا وَعِمَارَتِهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا آخَرُ فَيُحْيِيهَا وَيُعَمِّرَهَا وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا رَبٌّ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْتَجِرَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ، وَالِاحْتِجَارُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهَا مَنَارًا، أَوْ يَحْتَفِرَ حَوْلَهَا حَفِيرًا، أَوْ يُحْدِثَ مُسَنَّاةً، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، مِمَّا يَكُونُ بِهِ الْحِيَازَةُ، ثُمَّ يَدَعُهَا مَعَ هَذَا فَلَا يُعَمِّرُهَا، وَيَمْتَنِعُ غَيْرُهُ مِنْ إِحْيَائِهَا لِمَكَانِ حِيَازَتِهِ وَاحْتِجَارِهِ، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ سُنَنٌ وَآثَارٌ

702 - فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ» -[363]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعَافِيَةُ مِنَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَالنَّاسِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَعْتَافُهُ

703 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: وَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي خِلَافَتِهِ

704 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ 705 - وَزَادَ الْجُمَحِيُّ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: قَالَ هِشَامٌ: وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ: أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِيَسْتَحِقَّ بِهِ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ

قَالَ أ‍َبُو عُبَيْدٍ: وَيُرْوَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: " إِنَّ مِنْ حُقُوقِ الْأَوْدِيَةِ مُسْلِمُ قَوْمٍ عَلَى مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، §فَمَنْ -[364]- أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَأَحْدَثَ فِيهَا أَحَدٌ حَدَثًا: غَرَسَ غَرْسًا، أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً، أَوْ زَرَعَ زَرْعًا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَرِثَهُ، وَلَا مَالٍ اشْتَرَاهُ، وَلَا قَطِيعَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ، وَلَا مُسْلِمٌ أَسْلَمَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الْعِرْقُ الظَّالِمُ "

707 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ رَجُلًا غَرَسَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ نَخْلًا، فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى لِلرَّجُلِ بِأَرْضِهِ، وَقَضَى عَلَى الْآخَرِ: أَنْ يَنْزِعَ نَخْلَهُ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا يُضْرَبُ فِي أُصُولِهَا بِالْفُئُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عَمٌّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا الْحَدِيثُ مُفَسِّرٌ لِلْعِرْقِ الظَّالِمِ، وَإِنَّمَا صَارَ ظَالِمًا لِأَنَّهُ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فَصَارَ بِهَذَا الْفِعْلِ ظَالِمًا غَاصِبًا، فَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَقْلَعَ مَا غَرَسَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُكْمِ الزَّرْعِ غَيْرُ هَذَا

708 - قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: §مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَهُ نَفَقَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ -[365]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلزَّارِعِ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الزَّرْعِ شَيْءٌ، إِلَّا بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْفُتْيَا، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِنَفَقَةِ الزَّارِعِ، وَجَعَلَ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ طَيِّبًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ، فَقَضَى بِقَلْعِ النَّخْلِ وَلَمْ يَقْضِ بِقَلْعِ الزَّرْعِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُوصَلُ فِي الزَّرْعِ إِلَى أَنْ تَرْجِعَ الْأَرْضُ إِلَى رَبِّهَا مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ وَلَا ضَرَرٍ يَتْلَفُ بِهِ الزَّرْعُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ سَنَتَهُ تِلْكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بَاقٍ فِي الْأَرْضِ، فَإِذَا انْقَضَتِ السَّنَةُ رَجَعَتِ الْأَرْضُ إِلَى رَبِّهَا وَصَارَ لِلْآخَرِ نَفَقَتُهُ، فَكَانَ هَذَا أَدْنَى إِلَى الرَّشَادِ مِنْ قَطْعِ الزَّرْعِ بَقْلًا، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَلَيْسَ النَّخْلُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ أَصْلَهُ مُخَلَّدٌ فِي الْأَرْضِ لَا يُوصَلُ إِلَى رَدِّ الْأَرْضِ إِلَى رَبِّهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ مُكْثُ النَّخْلِ فِيهَا، إِلَّا بِنَزْعِهَا، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَقْتٌ يُنْتَظَرُ لَمْ يَكُنْ لِتَأْخِيرِ نَزْعِهَا وَجْهٌ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا تَعْجِيلُ قَلْعِهَا عِنْدَ الْحُكْمِ، فَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ -[366]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ الْبِنَاءُ مِثْلَ النَّخْلِ عِنْدِي

حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «§مَنِ ابْتَنَى فِي أَرْضِ قَوْمٍ، وَهُمْ شُهُودٌ، فَإِنْ لَمْ يُنْكِرُوا فَهُمْ ضَامِنُونَ لِقِيمَةِ بِنَائِهِ، وَإِنْ هُمْ أَنْكَرُوا فَلَهُ نَقْضُهُ، وَعَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِي أَرْضِهِمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَأَنْ يُقْطِعِ الْإِمَامُ رَجُلًا أَرْضًا فَيَدَعُهَا بِغَيْرِ عِمَارَةٍ فَيَرَاهَا غَيْرُهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَيَحْسَبُهَا لَا رَبَّ لَهَا، فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا وَيُحْيِيهَا بِالْغَرْسِ وَالْبُنْيَانِ، ثُمَّ يُخَاصِمُ فِيهَا الْمُقْطِعُ، وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ

710 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ أَقْوَامًا أَرْضًا، فَجَاءَ آخَرُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فَأَحْيَوْهَا، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ حِينَ فَزِعُوا إِلَيْهِ: تَرَكْتُمُوهُمْ يَعْمَلُونَ وَيَأْكُلُونَ ثُمَّ جِئْتُمْ تُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ، لَوْلَا أَنَّهَا قَطِيعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَيْتُكُمْ شَيْئًا، ثُمَّ قَوَّمَهَا عَامِرَةً، وَقَوَّمَهَا غَامِرَةً، ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِ الْأَصْلِ: إِنْ شِئْتُمْ فَرُدُّوا عَلَيْهِمْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَخُذُوا أَرْضَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ رُدُّوا عَلَيْهِمْ ثَمَنَ أَدِيمِ الْأَرْضِ هِيَ لَهُمْ قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهَا لِقَوْمٍ، حِينَ عَمَرُوهَا

711 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ حُمَيْدٍ -[367]- الْأَعْرَجِ، وَغَيْرُ مَالِكٍ يَقُولُ: عَنْ مُجَاهِدٍ، §أَنَّ رَجُلًا أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا، فَغَرَسَ فِيهَا وَعَمَّرَ، فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: إِنْ شِئْتَ قَوَّمْنَا عَلَيْكَ مَا أَحْدَثَ هَذَا، فَأَعْطَيْتَهُ إِيَّاهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يُعْطِيَكَ قِيمَةَ أَرْضِكَ أَعْطَاكَ

712 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْخَوْلَانِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ §إِذَا أَخَذَ الْأَرْضَ، فَعَمَّرَهَا وَأَصْلَحَهَا، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا يَطْلُبُهَا، أَنَّهُ يَقُولُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: «ادْفَعْ إِلَى هَذَا مَا أَصْلَحَ فِيهَا، فَإِنَّمَا عَمِلَ لَكَ» ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ لِلْآخَرِ: «ادْفَعْ إِلَيْهِ ثَمَنَ أَرْضِهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا غَيْرُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَأْمُرُوا الْغَارِسَ بِالْقَلْعِ، وَلَكِنَّهُمْ خَيَّرُوا رَبَّ الْأَرْضِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ مَبْنِيَّةً غَيْرَ مَنْقُوضَةٍ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الْأَرْضِ بَرَاحًا؟ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فَأَنْ يَحْتَجِرَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ، إِمَّا بِقَطِيعَةٍ مِنَ الْإِمَامِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَتْرَكُهَا الزَّمَانَ الطَّوِيلَ غَيْرَ مَعْمُورَةٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ جَاءَ تَوْقيَتُهُ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَيَمْتنِعُ غَيْرُهُ، مِنْ عِمَارَتِهَا لِمَكَانِهِ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا إِلَى الْإِمَامِ

قَالَ: حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهُ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُمَرَ قَالَ لِبِلَالٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقْطِعْكَ لِتَحْجُرَهُ عَنِ النَّاسِ، إِنَّمَا أَقْطَعَكَ لِتَعْمَلَ، فَخُذْ مِنْهَا مَا قَدَرْتَ عَلَى عِمَارَتِهِ وَرُدَّ الْبَاقِيَ

714 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، §مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ رِجَالًا كَانُوا يَحْتَجِرُونَ مِنَ الْأَرْضِ مَا لَا يُعَمِّرُونَ 715 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ. 716 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ، وَحَدِيثِ الْعُمَرِيِّ ذِكْرُ الِاحْتِجَارِ

717 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ رُزَيْقٍ، قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي: إِنَّ «§مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِبُنْيَانٍ أَوْ حَرْثٍ، مَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أَمْوَالِ قَوْمٍ ابْتَاعُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ أَحْيَوْا بَعْضًا وَتَرَكُوا بَعْضًا، فَأَجِزْ لِلْقَوْمِ إِحْيَاءَهُمُ الَّذِي أَحْيَوْا بِبُنْيَانٍ أَوْ حَرْثٍ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا تَفْسِيرُ الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ ذِكْرُهُ الْبُنْيَانَ وَالْحَرْثَ، وَأَصْلَ الْإِحْيَاءِ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَاءِ، وَذَلِكَ كَاشْتِقَاقِ نَهْرٍ، أَوِ اسْتِخْرَاجِ عَيْنٍ، أَوِ احْتِفَارِ بِئْرٍ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ ابْتَنَى أَوْ زَرَعَ أَوْ غَرَسَ، فَذَلِكَ الْإِحْيَاءُ كُلُّهُ، فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا إِلَّا الْحَرِيمُ لِمَا أَحْدَثَ، وَيَكُونُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْيَاهُ وَعَمَّرَهُ، وَفِي الْحَرِيمِ آثَارٌ

718 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: §حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا لِأَعْطَانِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ

729 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ -[370]- سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: §حَرِيمُ الْبِئْرِ الْبَدِيءُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا، وَحَرِيمُ بِئْرِ الزَّرْعِ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: وَحَرِيمُ الْعَيْنِ لِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانُوا بَيْنَ أَفْوَاهِ الْقَنَوَاتِ إِذَا احْتَفَرُوهَا لِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «§حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي مَائِهِ وَلَا عَطَنِهِ»

قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: §السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَالْبَدِيءِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، قَالَ: وَهُوَ الْآبَارُ، مَا كَانَ مِنْهَا قَدِيمًا يَمْنَعُ النَّاسَ أَنْ يَحْفِرُوا فِيهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، لِئَلَّا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا، وَمَا كَانَ مِنْهَا حَدِيثًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ: لَا حِمًى إِلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: الْبِئْرُ، وَطُولُ الْفَرَسِ، وَحَلْقَةُ الْقَوْمِ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْحَرِيمُ لِلْمُحْتَفِرِ لِأَنَّهُ السَّابِقُ إِلَى الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ بِالْإِحْيَاءِ، فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ حَرِيمَهَا لِعَطَنِهِ، كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيُّ، لِئَلَّا يَضُرُّ بَهَا دُونَهَا، كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرِيمِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَكَانَ لَا يَرَى فِي الْحَرِيمِ حَدًّا مُؤَقَّتًا، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ مَا لَا يَدْخُلُ الْبِئْرَ ضَرَرٌ، وَكَانَ يَرَى فِي الْأَمْصَارِ مِنَ الْحَرِيمِ لِلْآبَارِ نَحْوَ ذَلِكَ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا احْتَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا، ثُمَّ احْتَفَرَ جَارُُ لَهُ بِئْرًا بَعْدَ الْأُولَى، فَغَارَ مَاءُ الْأُولَى إِلَى الْآخِرَةِ أُمِرَ الْآخَرُ بِأَنْ يُنَحِّيَهَا عَنْهُ. وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي حَدِّهِ مَا شَاءَ، وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِجَارِهِ، لِأَنَّهُ لَا حَرِيمَ لِلْآبَارِ فِي الْأَمْصَارِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْبَوَادِي وَالْمَفَاوِزِ، وَكِلَاهُمَا كَرِهَ بَيْعَ تِلْكَ الْآبَارِ الَّتِي تَكُونُ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ لِابْنِ السَّبِيلِ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ شُرَيْحٌ لَا يُضَمِّنُ مَنِ احْتَفَرَهَا

قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ §كَانَ يُضَمِّنُ أَصْحَابَ الْبَلَالِيعِ وَبَوَارِي الْبَقَالَيْنِ، وَلَا يُضَمِّنُ الْآبَارَ الَّتِي فِي الْجَبَّانَةِ وَالْمَفَاوِزِ الَّتِي حُفِرَتْ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي حَرِيمِ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ، وَأَمَّا حَرِيمُ الْأَنْهَارِ فَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ

باب حمى الأرض ذات الكلأ والماء

§بَابُ حِمَى الْأَرْضِ ذَاتِ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا حِمًى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَتَأْوِيلُ الْحِمَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِيمَا نَرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ تُحْمَى الْأَشْيَاءُ الَّتِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِيهَا شُرَكَاءَ، وَهِيَ الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ، وَقَدْ جَاءَتْ تَسْمِيَتُهَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَلَا اثْنَيْنِ

قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ حِبَّانَ أَوْ حَيَّانَ بْنِ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: وَكَانَتْ فِيهِ سُرْعَةٌ، وَكَانَ فِي غَزَاةٍ، فَكَانَ يَذُبُّ الدَّوَابَّ عَنْ رَحْلِهِ، فَزَجَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَمَّا يَصْنَعُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَقَدْ صَحِبْتَُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَهُ يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُقِطَ فِي يَدَيْهِ، وَأَقْبَلَ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: §النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ

730 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ -[373]- جَدَّتَيْهِ أُمِّ أَبِيهِ، وَأُمِّ أُمِّهِ، عَنْ قَيْلَةَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، يَسَعُهُمَا الْمَاءُ وَالشَّجَرُ، وَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى الْفَتَّانِ - أَوِ الْفُتَانِ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ

731 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، وَأَبُو النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلَأِ»

732 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ 733 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[374]-: «§مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ فَضْلَ الْكَلَأِ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

734 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدٍ، قَالَ: §نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمْنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ، 735 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ

736 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلَاهُمَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: «§نَهَى أَنْ يُمْنَعَ فَضْلُ الْمَاءِ»

737 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ الْفَزَارِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ يُقَالَ لَهَا بُهَيْسَةُ قَالَتْ: §اسْتَأْذَنَ أَبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ مِنْ خَلْفِهِ، قَالَ: قَالَ: فَجَعَلَ يَلْصِقُ صَدْرَهُ بِظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمَاءُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمِلْحُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: فَانْتَهَى قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا إِلَى الْمَاءِ وَالْمِلْحِ، قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَا يَمْنَعُ الْمَاءَ، وَإِنْ قَلَّ

738 - قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -[375]- بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: §ابْنُ السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ مِنَ التَّانِي عَلَيْهِ

739 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ - فِي حَدِيثٍ، ذَكَرَ أَوَّلَهُ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «§ابْنُ السَّبِيلِ أَوَّلُ شَارِبٍ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَا أَدْرِي هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ وَالسُّنَنُ مُجْمَلَةً، وَلَهَا مَوَاضِعُ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَأَوَّلُ ذَلِكَ مَا أَبَاحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَجَعَلَهُمْ فِيهِ أُسْوَةً، وَهُوَ الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْزِلَ الْقَوْمُ فِي أَسْفَارِهِمْ وَبَوَادِيهِمْ بِالْأَرْضِ فِيهَا النَّبَاتُ الَّذِي أَخْرَجَهُ اللَّهُ لِلْأَنْعَامِ مِمَّا لَمْ يَنْصَبْ فِيهِ أَحَدٌ بِحَرْثٍ وَلَا غَرْسٍ، وَلَا سَقْيٍ، يَقُولُ: فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَظِرَ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ تَرْعَاهُ أَنْعَامُهُمْ وَمَوَاشِيهِمْ، وَدَوَابُّهُمْ مَعًا، وَتَرِدُ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ كَذَلِكَ أَيْضًا، فَهَذَا , النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي المَاءِ وَالْكَلَأَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، يَسَعُهُمَا الْمَاءُ وَالشَّجَرُ. فَنَهَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحْمَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حِمًى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، وَمَذْهَبُ الْحِمَى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَكُونُ فِي وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تُحْمَى الْأَرْضُ لِلْخَيْلِ الْغَازِيَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

740 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -[376]-، قَالَ: §حَمَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيعَ - وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ - لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ، أَنْ تُحْمَى الْأَرْضُ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ إِلَى أَنْ تُوضَعَ مَوَاضِعَهَا وَتُفَرَّقَ فِي أَهْلِهَا، وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ عُمَرُ

741 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ وَهُوَ يَقُولُ لِهِنِّي حِينَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى حِمَى الرَّبَذَةِ: يَا هِنِّيُّ، §اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ النَّاسِ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا مُجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَدَعْنِي مِنْ نَعَمِ ابْنِ عَفَّانَ، وَنَعَمِ ابْنِ عَوْفٍ، فَإِنَّهُمَا إِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتَهُمَا رَجَعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ -[377]-، وَإِنَّ هَذَا الْمِسْكِينُ إِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ جَاءَ يَصْرُخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ أَمْ غُرْمُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ وَإِنَّهَا لَأَرْضُهُمْ، قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنَّا نَظْلِمُهُمْ، وَلَوْلَا النَّعَمُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَى النَّاسِ شَيْئًا مِنْ بِلَادِهِمْ أَبَدًا. قَالَ أَسْلَمُ: فَسَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ يَقُولُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَمَيْتَ بِلَادَنَا، قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، يُرَدِّدُهَا عَلَيْهِ مِرَارًا، وَعُمَرُ وَاضِعٌ رَأْسَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: الْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ وَتُحْمَى لِنَعَمِ مَالِ اللَّهِ، يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِيهِ - قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِلَادُنَا، قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، عَلَامَ تَحْمِيهَا؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ عُمَرُ، وَجَعَلَ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ - وَكَانَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ فَتَلَ شَارِبَهُ وَنَفَخَ - فَلَمَّا رَأَى الْأَعْرَابِيُّ مَا بِهِ، جَعَلَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: «§الْمَالُ مَالُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ» -[378]- 743 - قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُحْمَلُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنَ الظَّهْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَحَمَى عُمَرُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَلِابْنِ السَّبِيلِ جَمِيعًا. 744 - وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَأْخُذُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي فِي النَّقِيعِ، قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يُحْمَى النَّقِيعُ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ، إِذَا احْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ، وَلَا يُحْمَى لِغَيْرِهَا، قِيلَ لَهُ: فَلِإِبِلِ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لَا وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحَجَرْتُ الْأَحْمَاءَ. 745 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ فَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ أُبِيحَتِ الْأَحْمَاءُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يُحَدِّثُهُ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ مَا كَانَ لِلَّهِ، مِثْلُ حَمَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُ مَا حَمَى عُمَرُ، يَقُولُ: هَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي الْحِمَى لِلَّهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِلَى هَذَا انْتَهَى تَأْوِيلُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا فِي اشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ، الَّذِي يَكُونُ عَامًّا، وَتَأْوِيلُ اسْتِثْنَائِهِ فِيمَا يَكُونُ خَاصًّا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلَأِ فَغَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ عِنْدِي فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَهَا رَبٌّ وَمَالِكٌ، وَيَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ الْعَدُّ الَّذِي وَصَفْنَاهُ، وَالْكَلَأُ الَّذِي تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّفَ لَهَا رَبُّهَا لِذَلِكَ غَرْسًا وَلَا بَذْرًا، فَأَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ يَطِيبُ لِرَبِّهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَإِنْ كَانَ مِلْكَ يَمِينِهِ إِلَّا قَدْرَ حَاجَتِهِ، لِشَفَتِهِ، وَمَاشِيَتِهِ، وَسَقْيِ أَرْضِهِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ -[379]-. وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ أَهْلَ الْمُلْكِ: ذِكْرُهُ فَضْلَ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ، فَرَخَّصَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَيْلِ مَا لَا غَنَاءَ لَهُ بِهِ عَنْهُ، ثُمَّ حَظَرَ عَلَيْهِ مَنْعَ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ مَا كَانَ لِذِكْرِ الْفُضُولِ هَاهُنَا مَوْضِعٌ، وَلَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ شَرْعًا سَوَاءً. وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ حَدِيثِ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: أَنَّهُ سَأَلَهُ: مَا يُحْمَى مِنَ الْأَرَاكِ؟ فَقَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَيْسَ لِهَذَا وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا، وَلَوْلَا الْمِلْكُ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ شَيْئًا دُونَ النَّاسِ، مَا نَالَتْهُ الْإِبِلُ أَوْ لَمْ تَنَلْهُ، فَلِهَذَا كَرِهَتِ الْعُلَمَاءُ ثَمَنَ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ

746 - يُحَدَّثُ بِذَلِكَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ §يَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ الْكَلَأَ وَالْمَاءَ فِي أَرْضِهِ

747 - وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: §لَا تَأْكُلْ مِنْ ثَمَنِ الشَّجَرِ، فَإِنَّهُ سُحْتٌ قَالَ: يَعْنِي الْكَلَأَ وَنَحْوَهُ. 748 - وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو فِي ثَمَنِ الْمَاءِ: أَنَّ قَيِّمَ أَرْضِهِ بِالْوَهَطِ كَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ سَقَى أَرْضَهُ، وَفَضَلَ مِنَ الْمَاءِ فَضْلٌ يُطْلَبُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، أَنْ لَا تَبِعْهُ، وَلَكِنْ أَقِمْ قِلْدَكَ -[380]-، ثُمَّ اسْقِ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قِلْدَكَ: يَعْنِي يَوْمَ الشُّرْبِ وَالْوِرْدِ وَالسَّقْيِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْمَالِكِ لِلْمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا طُلِبَ مِنْهُ بِالثَّمَنِ. 749 - وَيُرْوَى أَنَّ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّهْيُ فِي مَنْعِ فَضْلِهِ وَبَيْعِهِ، إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ مِنَ الْمِيَاهِ الْأَعْدَادِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، مِثْلُ مَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ الَّتِي لَهَا مَادَّةٌ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا الَّذِي فِي سَقْيِ أَرْضِهِ، وَيُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَيْضًا

750 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§يَنْهَى أَنْ يُمْنَعَ نَقْعُ الْبِئْرِ» 751 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَذْهَبُ: إِلَى أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمَاءِ، قَالَ: هُوَ الْمَاءُ فِي مَوْضِعِهِ، يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُسْتَقَى. 752 - وَكَذَلِكَ يُحْكَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّهُمَا جَمِيعًا، قَالَا: لَيْسَ لِرَبِّ الْمَاءِ أَنْ يَمْنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ الْمَاءَ لِشَفَتِهِ وَلَا لِمَاشِيَتِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي سَقْيِ الْأَرْضِ. 753 - فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ فَضْلَ مَائِهِ. 754 - وَقَالَ سُفْيَانُ: لَيْسَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْأَرْضِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ قُوَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ -[381]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا اسْتَقَى الْمَاءَ مِنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى يَصِيرَ فِي الْآنِيَةِ وَالْأَوْعِيَةِ، فَحُكْمُهُ عِنْدِي غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ الَّذِي رَخَّصَتِ الْعُلَمَاءُ فِي بَيْعِهِ، لِمَا تَكَلَّفَ فِيهِ مُسْتَقِيهِ وَحَامِلُهُ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَاكَ الْإِسْنَادُ

755 - حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْمَشْيَخَةِ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ إِلَّا مَا حُمِلَ مِنْهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا آخِرُ -[382]- كِتَابِ الْفَيْئِ

كتاب الخمس وأحكامه وسننه

§كِتَابُ الْخُمُسِ وَأَحْكَامِهِ وَسُنَنِهِ

باب ما جاء في الأنفال وتأويلها وما يخمس منها

§بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَنْفَالِ وَتَأْوِيلِهَا وَمَا يُخَمَّسُ مِنْهَا

756 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: §لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَتَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَاصَ بْنَ سَعِيدٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا عِنْدَنَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، قَتْلُ الْعَاصِ - قَالَ: وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكَتِيفَةِ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَدْ قَتَلَ أَخِي عُمَيْرًا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ بِهِ فَأَلْقِهِ فِي الْقَبْضِ، فَرَجَعْتُ وَبِي مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، مِنْ قَتْلِ أَخِي، وَأَخْذِ سَلَبِي، فَمَا جَاوَزْتُ إِلَّا قَرِيبًا حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَخُذْ سَيْفَكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْقَبْضُ الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ الْغَنَائِمُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي: قَاتِلُ الْعَاصِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

757 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {§يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] ، قَالَ: " الْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ "

758 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: §مَا الْأَنْفَالُ؟ فَقَالَ: الْفَرَسُ، الدِّرْعُ، الرُّمْحُ، قَالَ: فَأَعَادَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، وَالْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: الْأَنْفَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ مِثْلُ صُبَيْغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ

759 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنَ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §السَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، وَفِي النَّفَلِ الْخُمُسُ

قَالَ: 760 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§السَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، وَفِي النَّفَلِ الْخُمُسُ»

761 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §السَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، وَالْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ وَفِي النَّفَلِ الْخُمُسُ

762 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: §مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، مِنْ عَبْدٍ أَوِ دَابَّةٍ، أَوْ مَتَاعٍ، فَهُوَ الْأَنْفَالُ -[384]- 763 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَعَلَى هَذَا جَاءَ التَّأْوِيلُ فِي الْأَنْفَالِ: أَنَّهَا الْغَنَائِمُ، وَهُوَ كُلُّ نَيْلٍ يَنَالُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَكَانَتِ الْأَنْفَالُ الْأُولَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى مَا أَرَاهُ اللَّهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ، ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ آيَةُ الْخُمُسِ، فَنَسَخَتِ الْأُولَى وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ

764 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " {§يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] قَالَ: " هِيَ الْغَنَائِمُ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ سُلَيْمٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ

765 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَاصِرُ بِوَادِي الْقُرَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُحَاصِرُ؟ فَقَالَ: §هَؤُلَاءِ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي الْيَهُودَ، قَالَ: فَمَنْ -[385]- هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى؟ قَالَ: الضَّالُّونَ: يَعْنِي النَّصَارَى، قَالَ: فَمَا فِي الْغَنَائِمِ؟ قَالَ: لِلَّهِ سَهْمٌ، وَلِهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ، قَالَ: فَالْغَنِيمَةُ يُصِيبُهَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: إِنْ رُمِيتَ بِسَهْمٍ فِي جَنْبِكَ فَاسْتَخْرِجْهُ فَلَسْتَ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: §لَمَّا هَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَبَةَ الْأَرِيكِ ضَوَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَهُ غَنَائِمَهُمْ، حَتَّى عَدَلُوا رَاحِلَتَهُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَحَتَّى تَعَلَّقَتْ سَمُرَةٌ بِرِدَائِهِ وَخَدَشَتْ ظَهْرَهُ، فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَجِدُونِي كَذُوبًا، وَلَا بَخِيلًا - قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَا جَبَانًا - لَوْ كَانَتْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ، وَمَا لِي فِيهَا إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ 767 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ -[386]- بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ نَحْوَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالْأَنْفَالُ أَصْلُهَا جِمَاعُ الْغَنَائِمِ، إِلَّا أَنَّ الْخُمُسَ مِنْهَا مَخْصُوصٌ لِأَهْلِهِ عَلَى مَا نَزَلَ بِهِ الْكِتَابُ، وَجَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَمَعْنَى الْأَنْفَالِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: كُلُّ إِحْسَانٍ فَعَلُهُ فَاعِلٌ تَفَضُّلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ النَّفَلُ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْوَالِ عَدُوِّهِمْ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهِ تَطَوُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ، بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الْغَنَائِمُ مُحَرَّمَةً عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ، فَنَفَّلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ

768 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " §لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدِ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ، كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ فَتَأْكُلُهَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَقَعُوا فِي الْغَنَائِمِ، قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] "

769 - قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عمر، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ §ذَكَرَ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِدَاءِ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ الْغَدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ يَبْكِيَانِ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكُمَا؟ فَقَالَ: عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 68]

770 - قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {§لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] ، قَالَ: لِأَهْلِ بَدْرٍ: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68] ، مِنَ الْفِدَاءِ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]

771 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: «§كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمُ»

772 - عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §ثُمَّ نَزَلَتْ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا كَثِيرٌ، فَنَفْلُ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمَغَانِمَ خُصُوصِيَّةً خَصَّهُمْ بِهَا دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ، فَهَذَا أَصْلُ النَّفَلِ، وَبِهِ سُمِيَّ مَا جَعَلَهُ الْإِمَامُ لِلْمُقَاتِلَةٍ نَفْلًا، وَهُوَ تَفْضِيلُهُ بَعْضَ الْجَيْشِ عَلَى بَعْضٍ بِشَيْءٍ سِوَى سِهَامِهِمْ، يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ عَلَى قَدْرِ الْغَنَاءِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالنِّكَايَةِ فِي الْعَدُوِّ، وَفِي هَذَا النَّفَلِ الَّذِي يُنَفِّلُهُ الْإِمَامُ سُنَنٌ أَرْبَعٌ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَوْضِعٌ غَيْرُ مَوْضِعِ الْأُخْرَى. فَإِحْدَاهُنَّ فِي النَّفَلِ الَّذِي لَا خُمُسَ فِيهِ. وَالثَّانِيَةُ: فِي النَّفَلِ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ. وَالثَّالِثَةُ: فِي النَّفَلِ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْخُمُسِ نَفْسِهِ. وَالرَّابِعَةُ فِي النَّفَلِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُخَمَّسَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَا خُمُسَ فِيهِ فَإِنَّهُ السَّلَبُ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْفَرِدَ الرَّجُلُ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِ -[388]-، فَيَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ مُسْلِمًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ أَوْ يُشْرِكَهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَهُوَ أَنْ يُوَجِّهَ الْإِمَامُ السَّرَايَا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَتَأْتِي بِالْغَنَائِمِ فَيَكُونُ لِلسَّرِيَّةِ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّبُعُ، أَوِ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَنْ تُحَازَ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا ثُمَّ تُخَمَّسُ، فَإِذَا صَارَ الْخُمُسُ فِي يَدَيِ الْإِمَامِ نَفَلَ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى. وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ فَمَا يُعْطِي الْأَدِلَّاءُ عَلَى عَوْرَةِ الْعَدُوِّ، وَرِعَاءِ الْمَاشِيَةِ وَالسُّوَّاقُ لَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ جَمِيعًا، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ أَحَادِيثُ وَاخْتِلَافٌ، وَسَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

باب نفل السلب، وهو الذي لا خمس فيه

§بَابُ نَفَلِ السَّلَبِ، وَهُوَ الَّذِي لَا خُمُسُ فِيهِ

773 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ

774 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ ابْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ قَتَلَ فَلَهُ السَّلَبُ»

775 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. 776 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، كِلَاهُمَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: §مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ

777 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: §مَنْ قَتَلَ رَجُلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. قَالَ: فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْإِفْرِيقِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي طَلْحَةَ مِثْلَ ذَلِكَ

778 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ «غَزَا هَوَازِنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَقَتَلَ رَجُلًا فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ»

779 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: §بَارَزَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا، فَقَتَلَهُ، فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَبَ

780 - قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ شِبْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ شِبْرٌ - قَالَ: §بَارَزْتُ رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَنَفَلَنِي سَعْدٌ سَلَبَهُ

781 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، وَيُونُسُ، وَهِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ -[390]-، قَالَ: بَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزَبَانَ الزَّارَةِ، فَطَعَنَهُ، فَدَقَّ صُلْبَهُ وَصَرَعَهُ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ وَقَطَعَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ سِوَارَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ، وَيَلْمَقًا مِنْ دِيبَاجٍ، وَمِنْطَقَةً فِيهَا ذَهَبٌ وَجَوْهَرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: «إِنَّا §كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ بَلَغَ مَالًا، فَأَنَا خَامِسُهُ، قَالَ فَكَانَ أَوَّلَ سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الْإِسْلَامِ» 782 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُمَرَ، وَالْبَرَاءِ، مِثْلَ ذَلِكَ

783 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ §سَلَبَ الْبَرَاءِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا

784 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: §إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ فَلَا نَفَلَ، إِنَّمَا النَّفْلُ قَبْلُ وَبَعْدُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَبُو عُمَيْسٍ هَذَا أَسَنُّ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيِّ، وَهُوَ أَخُوهُ، وَاسْمُ أَبِي عُمَيْسٍ: عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ

785 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، يَقُولُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مُنْذُ قَطُّ: «§إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمونَ وَالْكُفَّارُ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنَّ لَهُ سَلَبَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ أَوْ فِي زَحْفٍ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَى أَحَدٌ قَتَلَ أَحَدًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي قَوْلِ مَسْرُوقٍ، وَنَافِعٍ تَفْسِيرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ عِنْدَ الْبَرَازِ، أَوْ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ قَبْلَ اخْتِلَاطِ الصُّفُوفِ، فَيُسَلَّمُ لَهُ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمَّسَ، وَلَا يُلْحَقُ بِالْمَغْنَمِ. 786 - وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الْأَوْزَاعِيِّ، كَانَ يَرَاهُ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ سَمَّاهُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ السَّلَبُ عِنْدَهُ: مَا كَانَ عَلَى الْقَتِيلِ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ سِلَاحٍ، وَكَذَلِكَ فَرَسُهُ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ بِأَدَاتِهِ، هُوَ عِنْدَهُ مِنَ السَّلَبِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفَرَسِ وَالدِّرْعِ وَالرُّمْحِ: أَنَّهُ يُجْعَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ لَاحِقًا بِالسَّلَبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ. 787 - وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أَنَّهُ نَفَلَ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ فَرَسَ رَجُلٍ بِسَرْجِهِ كَانَ قَتَلَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِيهِ أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى الْخُشَنِيِّ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: خُشَيْنَةَ بَطْنٍ مِنْ قُضَاعَةَ - عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، عَنْ خَالِدٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الشَّأمِ. 788 - فَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَيَقُولُونَ: لَا يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ -[392]- الْعَسْكَرِ، وَهُمْ فِيهِ أُسْوَةٌ، يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ بِقُوَّتِهِمْ، قَالُوا: إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ نَفَلَهُمْ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِتَالِ، فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالُوا: فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ كَانُوا عَلَى مَا جُعِلَ لَهُمْ. 789 - وَيَحْتَجُّونَ فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: السَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَالُوا: فَلَمْ يُسَمِّهِ ابْنُ عَبَّاسٍ نَفَلًا، إِلَّا وَهُوَ كَسَائِرِ الْغَنِيمَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ رَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ

790 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §السَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، وَفِي النَّفَلِ الْخُمُسُ

791 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: §لَا مَغْنَمَ حَتَّى يُؤْخَذَ الْخُمُسُ، وَلَا نَفَلَ حَتَّى يُقْسَمَ جُفَّةً. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي بِجَفَّةٍ كُلَّهُ 792 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَكَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. 793 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ تَدَبَّرْنَا حَدِيثًا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَسَّرًا، فَوَجَدْنَاهُ -[393]- دَلِيلًا عَلَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَهْلِ الشَّأمِ، أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ كَانَتْ مِنْهُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ

794 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، كِلَاهُمَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْتُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، وَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ رِيحَ الْمَوْتِ مِنْهَا، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعُوا قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ بِهِ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» . قَالَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الثَّانِيَةَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ، فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الرَّجُلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَاهَا اللَّهِ، إِذًا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ» قَالَ: فَأَعْطَانِي، فَبِعْتُهُ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلَمَةَ؛ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ نِلْتُهُ - أَوْ قَالَ: تَأَثَّلْتُهُ - فِي الْإِسْلَامِ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ -[394]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ لِأَبِي قَتَادَةَ بِالسَّلَبِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ نَفَلَهُ إِيَّاهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ مَا قَالَُ بَعْدَ قَتْلِ أَبِي قَتَادَةَ صَاحِبَهُ، فَهَذَا عِنْدَنَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ: أَنَّ السَّلَبَ مَقْضِيُّ بِهِ لِلْقَاتِلِ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَعَلَهُ لَهُ الْإِمَامُ قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ. 796 - وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ بِحَدِيثِ عُمَرَ: أَنَّهُ خَمَّسَ سَلَبَ الْبَرَاءِ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ إِنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَرَ أَنْ يُخَمَّسَ السَّلَبُ لَا لِلْآخَرِينَ، أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَقَوْلُهُ: فَكَانَ أَوَّلَ سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الْإِسْلَامِ سَلَبُ الْبَرَاءِ، وَإِنَّمَا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ حِينَ اسْتَكْثَرَهُ، ثُمَّ اعْتَذَرَ مِنْهُ، وَقَالَ: إِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ بَلَغَ مَالًا، وَأَنَا خَامِسُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أَرَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرَ التَّسْمِيَةِ لِلنَّفَلِ مِنْ عُمَرَ قَبْلَ الْقِتَالِ، وَلَا فِي حَدِيثِ سَعْدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا إِلَّا حَدِيثَ أَبِي طَلْحَةَ، يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَئِذٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَنْ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَفَلَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ السَّلَبُ وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَنَا سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَتَعْلِيمٌ عَلَّمَهُ النَّاسَ: أَنَّ مَنَ قَتَلَ قَتِيلًا فَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ السَّلَبُ، وَلَوْلَا قَوْلُهُ هَذَا مَا عُلِمَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ، هَذَا عِنْدِي وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ

باب النفل والربع بعد الخمس

§بَابُ النَّفَلِ -[395]- وَالرُّبُعِ بَعْدَ الْخُمُسِ

797 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ، عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §لَا نَفَلَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ الْخُمُسِ

798 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ كِلَاهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: §شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ

799 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: «§نَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُثَ -[396]- وَالرُّبُعَ» قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَأَنَا أُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: «الرُّبُعُ فِي بَدَأْتِهِ وَالثُّلُثُ فِي رَجَعْتِهِ»

800 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: §نَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ

801 - قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: §غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَفَلَنَا فِي بَدَأْتِهِ الرُّبُعَ، وَحِينَ قَفَلْنَا الثُّلُثَ. 802 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ سُفْيَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ: لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بِبَدْرٍ هَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي آثَارِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ، وَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَسْكَرِ يَحْوُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ لَا يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ: نَحْنُ حَوَيْنَاهَا وَجَمَعْنَاهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ -[397]- فِيهَا نَصِيبٌ، وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا، نَحْنُ نَفَيْنَا عَنْهَا الْعَدُوَّ، وَهَزَمْنَاهُ، وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا، نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً، فَشُغِلْنَا بِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] قَالَ: فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فُوَاقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَلَ الرُّبُعَ، وَإِذَا أَقْبَلَ رَاجِعًا، وَكُلُّ النَّاسِ مَعَهُ، نَفَلَ الثُّلُثَ، وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَنْفَالَ، وَكَانَ يَقُولُ: لِيَرُدَّ قَوِيُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعِيفِهِمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ عَلَى فُوَاقٍ: هُوَ مِنَ التَّفْضِيلِ، يَقُولُ: جَعَلَ بَعْضَهُمْ فِيهِ أَفْوَقَ مِنْ بَعْضٍ

803 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ، يَتَكَافَئُونَ دِمَاءَهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَمُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ» -[398]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَتَأْوِيلُ نَفَلَ السَّرَايَا: أَنْ يَدْخُلَ الْجَيْشُ أَرْضَ الْعَدُوِّ، فَيُوَجِّهُ الْإِمَامُ مِنْهَا سَرَايَاهُ فِي بَدَأْتِهِ، فَيَضْرِبُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَيَمْضِي هُوَ فِي بَقِيَّةِ عَسْكَرِهِ أَمَامَهُ، وَقَدْ وَاعَدَ أُمَرَاءَ السَّرَايَا أَنْ يُوَافُوهُ فِي مَنْزِلٍ قَدْ سَمَّاهُ لَهُمْ يَكُونُ بِهِ مُقَامُهُ إِلَى أَنْ يَأْتُوهُ، وَوَقَّتَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَجَلًا مَعْلُومًا، فَإِذَا وَافَتْهُ السَّرَايَا هُنَاكَ بِالْغَنَائِمِ بَدَأَ فَعَزَلَ الْخُمُسَ مِنْ جُمْلَتِهَا، ثُمَّ جَعَلَ لَهُمُ الرُّبُعَ مِمَّا بَقِيَ نَفَلًا خَاصًّا لَهُمْ، ثُمَّ يَصِيرُ مَا فَضَلَ بَعْدَ الرُّبُعِ لِسَائِرِ الْجَيْشِ، وَتَكُونُ السَّرَايَا شُرَكَاءَهُمْ فِي الْبَاقِي أَيْضًا بِالسَّوِيَّةِ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِهِمْ بَعْدَ الْقُفُولِ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يَزِيدُهُمْ فِي الِانْصِرَافِ فَيُعْطِيهِمُ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَإِنَّمَا جَاءَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمُنْصَرَفِ لِأَنَّهُمْ يَبْدَءُونَ إِذَا غَزَوْا نِشَاطًا مُتَسَرِّعِينَ إِلَى الْعَدُوِّ، وَيَقْفُلُونَ كِلَالًا بِطَاءً، قَدْ مَلُّوَا السَّفَرَ وَأَحَبُّوا الْإِيَابَ، وَأَمَّا اشْتِرَاكُ أَهْلِ الْعَسْكَرِ مَعَ السَّرَايَا فِي غَنَائِمِهِمْ بَعْدَ النَّفَلِ فَإِنَّمَا يُشْرِكُونَهُمْ، لِأَنَّ هَذَا الْعَسْكَرَ رِدْءٌ لِلسَّرَايَا، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ حَوَوَا الْغَنِيمَةَ، وَهَؤُلَاءِ غُيَّبٌ عَنْهَا، وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: وَيَرُدُّ أَقْصَاهُمْ عَلَى أَدْنَاهُمْ، وَمُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ، فَهَذَا مَا جَاءَ فِي نَفَلِ السَّرَايَا، إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَرَوْنَ أَنَّ السَّرِيَّةَ الْأُولَى لَا نَفَلَ لَهَا، يَقُولُونَ: هُمْ وَسَائِرُ الْجَيْشِ فِي الْغَنِيمَةِ الْأُولَى بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى

804 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: §لَا نَفَلَ حَتَّى يُقْسَمَ أَوَّلُ مَغْنَمٍ 805 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُهُمْ يُسْنِدْهُ إِلَى عُمَرَ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْأَوْزَاعِيُّ -[399]-، وَلَسْتُ أَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا؟ وَقَدْ سَأَلْتُهُمْ عَنْهُ هُنَاكَ - أَوْ مَنْ سَأَلْتُ مِنْهُمْ - فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُمْ فِيهِ أَكْثَرَ مِنَ اتِّبَاعِ أَشْيَاخِهِمْ، وَأَمَّا أَنَا فَأَحْسَبُهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ لَعَلَّهُمْ لَا يَغْنَمُونَ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ الْأُولَى شَيْئًا، فَأَحَبُّوا الْأُسْوَةَ بَيْنَهُمْ، لِكَيْلَا يَرْجِعَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ مُخْفِقِينَ، وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مَخْصُوصٌ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مُجْمَلًا أَيْضًا

806 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: §لَا تُسَرَّى سَرِيَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِ أَمِيرِهَا، وَلَهُمْ مَا نَفَلَهُمُ: الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَالرُّبُعُ بَعْدَ الْخُمُسِ

807 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «قَدْ §كَانَ الْإِمَامُ يَنْفُلُ السَّرِيَّةَ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ، يُضَرِّيهِمْ» ، أَوْ قَالَ: «يُحَرِّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ»

808 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {§يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] قَالَ: ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ

باب النفل من الخمس خاصة بعدما يصير إلى الإمام

§بَابُ النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ خَاصَّةً بَعْدَمَا يَصِيرُ إِلَى الْإِمَامِ

809 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَة، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§نَفَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنَ الْخُمُسِ»

810 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: §مَا كَانُوا يُنْفِلُونَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ

811 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَجَعَ مِنْ حُنَيْنٍ رَفَعَ وَبَرَةً مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: §مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ

812 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " §بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ نَحْوَ نَجْدٍ، فَأَصَبْنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنَفَلَنَا بَعِيرًا بَعِيرًا - أَوْ قَالَ: وَنَفَلَنَا - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ "

813 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَزْهَرُ، وَمُعَاذٌ، كِلَاهُمَا، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ، §أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ عَشِقَ جَارِيَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالَ لَهَا: لَيْلَى، وَكَانَ يُشَبِّبُ بِهَا، فَقَدِمَ عَلَى يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ الْيَمَنَ، فَرَآهَا فِي السَّبْيِ، فَقَالَ: أَعْطِنِيهَا، فَقَالَ: مَا أَنَا بُمْعِطِيكَهَا، وَاكْتُبْ فِيهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنْ أَعْطِهَا إِيَّاهُ. وَزَادَ مُعَاذٌ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَأُرَاهُ أَعْطَاهَا إِيَّاهُ مِنَ الْخُمُسِ 814 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا مُسْهِرٍ الْغَسَّانَيَّ بِدِمَشْقَ، فَعَرَفَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: تِلْكَ لَيْلَى بِنْتُ الْجُودِيِّ، امْرَأَةٌ مِنْ غَسَّانَ مِنْ قَوْمِهِ، فَعَرَفَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ إِنَّمَا نَفَلَهَا عُمَرُ إِيَّاهُ بِالشَّامِ

815 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ -[402]- سِيرِينَ، §أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ غَزَا مَعَ ابْنِ زِيَادٍ، فَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ رَأْسًا مِنْ سَبْيِ الْعَامَّةِ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَعْطِنِيهِمْ مِنَ الْخُمُسِ، فَأَبَى ابْنُ زِيَادٍ أَنْ يُعْطِيَهُ إِلَّا مِنْ سَبْيِ الْعَامَّةِ، وَأَبَى أَنَسٌ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ

816 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ أَمِيرًا مِنَ الْأُمَرَاءِ §أَعْطَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ شَيْئًا - أَوْ قَالَ سَبْيًا - مِنَ الْفَيْءِ، فَقَالَ أَنَسٌ: «أَخُمُسٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَنَسٌ

817 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: §الْخُمُسُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ يَنفُلُ مِنْهُ الْإِمَامُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ

818 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمَهْدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي رُقْيَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ كَتَبَ: إِنَّ §سَبِيلَ الْخُمُسِ سَبِيلُ الْفَيْءِ

819 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّ رَأْيَهُمَا كَانَ: أَنَّ «§النَّفَلَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْخُمُسِ» 820 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ رَأْيِهِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا الْخُمُسُ لِلْأَصْنَافِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ، قَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41] . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِمَّا يُقَوِّي قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ: حَدِيثُ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَيْءِ، حِينَ ذَكَرَ أَصْنَافَ الْأَمْوَالِ، فَقَرَأَ آيَةَ الْخُمُسِ، فَقَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ -[403]-، وَأَمَّا عِظَمُ الْآثَارِ وَالسُّنَنُ فَعَلَى أَنَّ الْخُمُسَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْإِمَامِ يَنْفُلُ مِنْهُ إِنْ شَاءَ. 821 - وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ وَإِنَّمَا خَاطَبَ بِهَذَا الْكَلَامِ الْمُقَاتِلَةَ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ

822 - وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ سُئِلَ §مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ بِالْخُمُسِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَحْمِلُ مِنْهُ الرَّجُلَ، ثُمَّ الرَّجُلَ، ثُمَّ الرَّجُلَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا نَفَلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَبْنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا. فَهَذَا النَّفَلُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ السِّهَامِ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخُمُسِ، ثُمَّ جَاءَ مُفَسَّرًا مُبَيَّنًا فِي حَدِيثِ مَكْحُولٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْخُمُسِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا كَانُوا يُنَفِّلُونَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ، وَعَلَى هَذَا يُوَجَّهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حِينَ نَفَلَ الْجَارِيَةَ: أَنَّهَا مِنَ الْخُمُسِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ: أَنَّهُ أَبَى أَنْ يَأْخُذَ النَّفَلَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ، وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٍ: أَنَّ سَبِيلَ الْخُمُسِ سَبِيلُ الْفَيْءِ، وَرَأْيُ سُفْيَانَ وَمَالِكٍ مَعَ هَذَا كُلِّهِ، حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلُ الْخُمُسَ كُلَّهُ إِنْ شَاءَ

823 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: §سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْإِمَامِ يَبْعَثُ السَّرِيَّةَ؟ قَالَ: إِنْ شَاءَ خَمَّسَ، وَإِنْ شَاءَ نَفَلَهُمْ إِيَّاهُ كُلَّهُ

824 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، قَالَ: «§كُنْتُ عَلَى سَرِيَّةٍ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَنُفِّلَتِ الْخُمُسَ» وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَسَنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] قَالَ: ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُمُسِ، وَاسْتَجَازُوا صَرْفَهُ عَنِ الْأَصْنَافِ الْمُسَمَّاةِ فِي التَّنْزِيلِ إِلَى غَيْرِهِمْ، إِذَا كَانَ هَذَا خَيْرًا لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَأَرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ عَامَّتُهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ أَفْقَرَ، وَلَهُمْ أَصْلَحَ مِنْ أَنْ يُفَرَّقَ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ الرُّخْصَةَ فِي النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ إِلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ النَّاظِرُ فِي مَصْلَحَتِهِمْ، وَالْقَائِمُ بِأَمْرِهِمْ، فَأَمَّا عَلَى مُحَابَاةٍ أَوْ مَيْلٍ إِلَى هَوًى فَلَا

باب النفل من جميع الغنيمة قبل أن تخمس

§بَابُ النَّفَلِ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ تُخَمَّسَ

825 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: §لَا يَهَبُ أَمِيرٌ مِنَ الْمَغَانِمِ شَيْئًا، إِلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهِ، إِلَّا لِدَلِيلٍ، أَوْ رَاعٍ، أَوْ يَكُونُ سَلَبٌ، أَوْ نَفَلٌ، وَلَا نَفَلَ حَتَّى يُقْسَمَ أَوَّلُ مَغْنَمٍ 826 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُهُمْ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ وَأَمَّا حَجَّاجٌ فَلَمْ يُسْنِدْهُ. وَالنَّاسُ الْيَوْمَ فِي الْمَغْنَمِ عَلَى هَذَا: أَنَّهُ لَا نَفَلَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ حَتَّى تُخَمَّسَ، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُعْطِيَ الْأَدِلَّاءَ وَالرِّعَاءَ مِنْ صُلْبِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْخُمُسِ لِحَاجَةِ -[405]- أَهْلِ الْعَسْكَرِ إِلَى هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ، فَصَارَ نَفَلَهُمَا عَامًّا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ لَا غَنَاءَ بِهِمْ عَنْهُمَا، فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا نَفَلَ مِنْ نَفْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْخُمُسِ إِلَّا مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ

827 - قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: §أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، وَهُوَ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَكَانَ اسْتَنْقَذَ لِقَاحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: خَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ 828 - قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَحَدَّثْتُ بِهِ سُفْيَانَ، فَقَالَ: هَذَا خَاصٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ سُفْيَانُ إِلَى أَنَّ التَّفْضِيلَ فِي السِّهَامِ، وَإِلَى أَنَّ النَّفَلَ مِنَ الْغَنِيمَةِ لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَأْيُهُ أَنَّ النَّفَلَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْخُمُسِ نَفْسِهِ، بَعْدَ أَنْ يُعْزَلَ، يَقُولُ: فَكَانَ مَا آثَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَةَ خَاصًّا لَهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ -[406]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ شَيْءٌ يَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى مَذْهَبِ سُفْيَانَ

829 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ عَنِ النَّفَلِ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ غُلَامًا لَهُ - أَوْ قَالَ مَوْلًى لَهُ - يُقَالَ لَهُ بُرْدٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: «§لَا نَفَلَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَادَ سَعِيدٌ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا: أَنَّ التَّفْضِيلَ فِي السِّهَامِ وَالنَّفَلِ مِنَ الْغَنِيمَةِ كُلِّهَا لَيْسَ لِأَحَدٍ سِوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى هَذَا يُوَجَّهَ مَا فَضَّلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ

830 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، §قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْأَنْصَارَ - فَذَكَرَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ كَلَامًا بِحَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلِهَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ -[407]- ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ، فَيَكُونُ خَاصًّا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُفْيَانُ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ كَانَتْ مِنَ الْخُمُسِ، كَالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا جُعِلَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الْخُمُسِ، وَهَذَا أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ بِهِ عِنْدِي وَأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ هُوَ الْمُحَدِّثُ بِهَذَا الْفِعْلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدْ أَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْأَمِيرِ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ رَأْسًا مِنْ سَبْيِ الْعَامَّةِ، فَأَبَى أَنَسٌ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّبَعَ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ مَا رَوَى. 831 - وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ النَّاسِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَعْطَى هَؤُلَاءِ مِنْ سَهْمِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ خَاصًّا مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَهُوَ الْخُمُسُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَمَّا تَكَلَّمَتْ فِيهِ الْأَنْصَارُ، وَلَا جَهِلَتْهُ، لِأَنَّهُ مِلْكُ يَمِينِهِ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ، وَلَا كَانَ يُسَمَّى حِينَئِذٍ نَفَلًا، إِنَّمَا هُوَ هِبَةٌ، أَوْ عَطِيَّةٌ، أَوْ نَحْلٌ، أَوْ حِبَاءٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ

باب سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس

§بَابُ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخُمُسِ

832 - حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: §سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ الْجَزَّارِ عَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خُمُسِ الْخُمُسِ 833 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، مِثْلَ ذَلِكَ

834 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " §رَأَيْتُ الْمَغَانِمَ تُجَزَّأُ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ يُسْهَمُ عَلَيْهَا، فَمَا صَارَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لَهُ: لَا يُحْتَازُ "

835 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §كَانَتِ الْغَنِيمَةُ تُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَخُمُسٌ وَاحِدٌ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَرُبُعٌ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى، يَعْنِي قَرَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ مِنْهَا فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا، وَالرُّبُعُ الثَّانِي لِلْيَتَامَى، وَالرُّبُعُ الثَّالِثُ لِلْمَسَاكِينِ، وَالرُّبُعُ الرَّابِعُ لِابْنِ السَّبِيلِ، وَهُوَ الضَّيْفُ الْفَقِيرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ

836 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: §كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ، فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ، فَمَا وَقَعَ فِيهَا -[409]- مِنْ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ سَهْمُ بَيْتِ اللَّهِ، ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَةٍ، فَيَكُونُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ، قَالَ: وَالَّذِي جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ فَهُوَ سَهْمُ اللَّهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] يَقُولُ: فَقَوْلُهُ: «لِلَّهِ» سَهْمُ الْكَعْبَةِ، وَفِي هَذَا الْحَرْفِ تَفْسِيرٌ آخَرُ

837 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ قَوْلِهِ: {§وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فَقَالَ: " هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ: لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ ثُمَّ اخْتَلَفَتِ النَّاسُ فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

838 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: §خُمُسُ اللَّهِ وَخُمُسُ رَسُولِهِ وَاحِدٌ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَحْمِلُ مِنْهُ وَيُعْطِي، وَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ، وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِهَامُ الْأَخْمَاسِ، وَمَوَاضِعُهَا الَّتِي تَفَرَّقُ فِيهَا عَلَى مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: أَنَّهَا هَكَذَا تُقْسَمُ فِي دَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رُوِيَتْ أَشْيَاءُ سِوَى هَذَا فِي الرُّخْصَةِ فِي النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنَ الْوَجْهَيْنِ عِنْدِي يُنَاقِضُ الْآخَرَ، إِلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخُمُسِ عِنْدِي -[410]-: أَنْ يُوضَعَ فِي أَهْلِهِ الْمُسَمَّيْنَ فِي التَّنْزِيلِ، لَا يُعْدَا بِهِ غَيْرُهُمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَرْفُهُ إِلَى نَفَلِ الْمُقَاتِلَةِ خَيْرًا لِلْمُعْلَمِينَ عَامَّةً مِنْ أَنْ يُوضَعَ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ، فَيُصْرَفُ حِينَئِذٍ إِلَيْهِمْ، عَلَى مَا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأَصْنَافُ الْمُسَمَّوْنَ أَحْوَجَ إِلَيْهِ فَلَا. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ

كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُحَدِّثُهُ. 839 - بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي الْفَيْضِ عَنْ عُمَرَ أَبِي حَفْصٍ الْحِمْصِيِّ أَنَّ §مُعَاوِيَةَ أَعْطَى الْمِقْدَادَ حِمَارًا، فَقَبِلَهُ، فَقَالَ لَهُ الْعِرْبَاضُ: مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَكَ، فَكَأَنِّي بِكَ قَدْ جِئْتَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْمِلُهُ، قَالَ: فَرَدَّهُ الْمِقْدَادُ قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، فَعَرَفَهُ، وَقَالَ: كَانَ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ مِنَ الْخُمُسِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا لَيْسَ لَهُ عِنْدِي وَجْهٌ، إِذْ جَاءَتْ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَصْنَافُ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ -[411]-، فَهَذَا حُكْمُ الْخُمُسِ: أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى، فَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَمْ يَأْتِنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَا الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ رَأَى صَرْفَهَا إِلَى أَحَدٍ سِوَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا: فَاخْتَلَفَ حُكْمُ الْخُمُسِ وَحُكْمُ الصَّدَقَةِ فِي ذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا قَدْ سُمِّيَ أَهْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَنَرَى أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْخُمُسَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْفَيْءِ، وَالْفَيْءُ وَالْخُمُسُ جَمِيعًا أَصْلُهُمَا مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَرَأَوْا رَدَّ الْخُمُسِ إِلَى أَصْلِهِ عِنْدَ مَوْضِعِ الْفَاقَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى ذَلِكَ. 840 - وَمِمَّا يُقَرِّبُ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ أَوَّلَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: فِي الْخُمُسِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فَاسْتَفْتَحَ الْكَلَامَ بِأَنْ نَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلَهُ بَعْدُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْفَيْءِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ} [الحشر: 7] فَنَسَبَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ اقْتَصَّ ذِكْرَ أَهْلِهِ، فَصَارَ فِيهِمَا الْخِيَارُ إِلَى الْإِمَامِ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُرَادُ اللَّهُ بِهِ، فَكَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الصَّدَقَةَ فَقَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] وَلَمْ يَقُلْ: لِلَّهِ، وَلِكَذَا وَلِكَذَا، فَأَوْجَبَهَا لَهُمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهَا خِيَارًا: أَنْ يَصْرِفَهَا عَنْ أَهْلِهَا إِلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً، فَحُكْمُهَا أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ مِنْهَا نَفَلٌ وَلَا عَطَاءٌ: فَهَذِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَاكَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ، فَافْتَرَقَ حُكْمُ الْخُمُسِ وَالصَّدَقَةِ لِمَا ذَكَرْنَا. -[412]- 841 - وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ مَعَ هَذَا، فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّمَا اسْتَفْتَحَ الْكَلَامَ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ بِذِكْرِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُمَا أَشْرَفُ الْكَسْبِ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ يُشَرَّفُ وَيُعَظَّمَ، قَالَ: وَلَمْ يَنْسُبِ الصَّدَقَةَ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا أَوْسَاخٌ النَّاسِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بَرَّادٍ لِمَذْهَبِنَا، بَلْ هُوَ يُحَقِّقُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَنَ الْفَيْءَ وَالْخُمُسَ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا، وَأَبَانَ الصَّدَقَةَ مِنْ ذَلِكَ بِمَعْنًى سِوَى هَذَا، فِيمَا نَرَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب سهم ذي القربى من الخمس

§بَابُ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى مِنَ الْخُمُسِ

842 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَلِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ: ائْتِيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُولَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَلَغَنَا مَا تَرَى مِنَ السِّنِّ، وَقَدْ أَحْبَبْنَا أَنْ نَتَزَوَّجَ، وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُهُمْ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَبَوَيْنَا مَا يُصْدِقَانِ عَنَّا، فَاسْتَعْمِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ مَا يُؤَدِّي الْعُمَّالُ، وَلِنُصِيبَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ مَرْفَقٍ. قَالَ: فَأَتَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَنَحْنُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَ لَنَا: وَاللَّهِ لَا يَسْتَعْمِلُ مِنْكُمَا أَحَدًا عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ: هَذَا مِنْ حَسَدِكَ وَبَغْيِكَ، وَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ نَحْسُدْكَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَلْقَى عَلِيُّ رِدَاءَهُ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو حَسَنِ الْقَوْمِ، وَاللَّهِ لَا أَرِيمُ مَقَامِي هَذَا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْكُمَا ابْنَاكُمَا بِجَوَابِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ إِلَى -[414]- رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَالْفَضْلُ حَتَّى نُوَافِقَ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَدْ قَامَتْ , فَصَلَّيْنَا مَعَ النَّاسِ , ثُمَّ أَسْرَعْتُ أَنَا والفضل إِلَى بَابِ حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقُمْنَا بِالْبَابِ، حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِأُذُنِي وَأُذُنِ الْفَضْلِ، وَقَالَ: " أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ، ثُمَّ دَخَلَ، وَأَذِنَ لِي وَلِلْفَضْلِ فَدَخَلْنَا، فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ قَلِيلًا، ثُمَّ كَلَّمْتُهُ أَوْ كَلَّمَهُ الْفَضْلُ - شَكَّ فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ - قَالَ: فَكَلَّمْنَاهُ بِالَّذِي أَمَرَنَا بِهِ أَبَوَانَا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً وَرَفَعَ بَصَرَهُ قِبَلَ سَقْفِ الْبَيْتِ، حَتَّى طَالَ عَلَيْنَا وَظَنَنَّا أَنَّهُ لَا يُرْجِعُ إِلَيْنَا شَيْئًا، وَحَتَّى رَأَيْنَا زَيْنَبَ تُلْمِعُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ بِيَدِهَا، تُرِيدُ أَنْ لَا نَعْجَلَ، إِذْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِنَا، قَالَ: ثُمَّ خَفَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَنَا: «إِنَّ هَذِهِ §الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ، ادْعُوا لِي نَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ» ، فَدُعِيَ لَهُ نَوْفَلٌ، فَقَالَ: «يَا نَوْفَلُ، أَنْكِحْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ» ، قَالَ: فَأَنْكَحَنِي، قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُوا لِي مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ» ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَحْمِيَةَ: " أَنْكِحِ الْفَضْلَ، قَالَ: فَأَنْكَحَهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ فَأَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا؟» قَالَ: لَمْ يُسْمَعْهُ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ -[415]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ عِنْدَنَا جَزٍّ، بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَلَكِنَّهُ كَذَا قَالَ، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي زَيْدٍ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَخْمَاسِ

843 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: §لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَتَيْتُهُ أَنَا وَعُثْمَانُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ، لِمَكَانِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمٍ، أَرَأَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ؟ أَعْطَيْتَهُمْ وَمَنَعْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي - أَوْ قَالَ لَمْ يُفَارِقُونَا - فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ 844 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ جَاءَ هُوَ وَعُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ: وَلَمْ يَقْسِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسِِ وِلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسِ شَيْئًا، كَمَا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. -[416]- 845 - قَالَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُ مِنَ الْخُمُسِ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ مِنْهُ، وَعُثْمَانُ بَعْدَهُ. 846 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ

847 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِهِ: {§وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] فَقَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ، لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ قَائِلُونَ: سَهْمُ الْقَرَابَةِ لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: قَائِلُونَ: لِقَرَابَةِ الْخَلِيفَةِ، وَقَالَ قَائِلُونَ: سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ: فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْخَيْلِ وَالْعُدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَكَانَا عَلَى ذَلِكَ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ

848 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقُلْتُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا وَلِيَ -[417]-، §كَيْفَ صَنَعَ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى؟ قَالَ: «سَلَكَ بِهِ سَبِيلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ، قُلْتُ: وَكَيْفَ: وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ؟ فَقَالَ: «مَا كَانَ أَهْلُهُ يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ» ، قُلْتُ: فَمَا مَنَعَهُ؟ قَالَ: «كَرِهَ وَاللَّهِ أَنْ يُدْعَى عَلَيْهِ خِلَافَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»

849 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: §مَا قَدِمْتُ هَاهُنَا لِأَحُلَّ عُقْدَةً شَدَّهَا عُمَرُ

850 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: §اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الِاخْتِلَافَ، حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ، أَوْ أَمُوتُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَصْحَابِي

851 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ -[418]- إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ: §مَنْ ذَوُوا الْقُرْبَى؟ وَاكْتُبْ إِلَيَّ: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْهِمُ لِلْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ إِذَا حَضَرَا البَأَسَ؟ وَاكْتُبْ إِلَيَّ: هَلْ كَانَ الْنَّبِيُّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ قَالَ: فَدَعَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَزِيدَ بْنَ هُرْمُزَ، فَكَتَبَ: " مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى نَجْدَةَ بْنِ عُوَيْمِرٍ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي، عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى: مَنْ هُمْ؟ وَكُنَّا نَقُولُ إِنَّا نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ: هُمْ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا، وَقَالُوا: قُرَيْشٌ كُلُّهَا، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَ إِذَا حَضَرَا الْقِتَالَ سَهْمًا؟ وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِيهِمَا سَهْمًا، وَلَكِنْ يُرْضِخُ لَهُمَا، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمُ مِنْهُمْ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ قَالَ: مَا كَانَ يَعْلَمُ الْخَضِرُ مِنَ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ "

852 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْيَتِيمِ، مَتَى يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ الْيَتِيمِ؟ وَعَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ؟ وَعَنِ الْمَمْلُوكِ، هَلْ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ الْفَيْءَ؟ وَعَنِ النِّسَاءِ، هَلْ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْقِتَالَ؟ وَعَنِ الْخُمُسِ، لِمَنْ هُوَ؟ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْلَا أَنْ تَأْتِيَنِي مِنْهُ أُحْمُوقَةٌ مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ: §أَمَّا الْيَتِيمُ فَإِذَا احْتَلَمَ وَأُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَقَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ الْيُتْمُ، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا عَلِمَ الْخَضِرُ، وَإِلَّا فَلَا تَقْتُلْهُمْ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَقَدْ كَانَ يُحْذَى، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَقَدْ كُنَّ يُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيَسْقِينَ -[419]- الْمَاءَ، وَأَمَّا الْخُمُسُ فَنَقُولُ: إِنَّهُ لَنَا، وَيَقُولُ قَوْمُنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا

853 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ حَدَّثَهُ: أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ §يَسْأَلُهُ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّهُ لَنَا، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ دَعَانَا لِيَنْكِحَ مِنْهُ أَيَامَانَا، وَيَخْدُمَ مِنْهُ عَائِلَنَا، فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ لَنَا كُلَّهُ، وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا، قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ: أَنَا كَتَبْتُ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى نَجْدَةَ

854 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: " §كَانَ عُمَرُ يُعْطِينَا مِنَ الْخُمُسِ نَحْوًا مِمَّا كَانَ يَرَى أَنَّهُ لَنَا، فَرَغِبْنَا عَنْ ذَلِكَ، وَقُلْنَا: حَقُّ ذَوِي الْقُرْبَى خُمْسُ الْخُمُسِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْخُمُسَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهَا، فَأَسْعَدُهُمْ بِهَا أَكْثَرُهُمْ عَدَدًا وَأَشَدُّهُمْ فَاقَةً، قَالَ: فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنَّا نَاسٌ، وَتَرَكَهُ نَاسٌ "

قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ -[420]-، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: §إِنْ جَاءَنِي خُمُسُ الْعِرَاقِ لَا أَدَعُ هَاشِمِيًّا إِلَّا زَوَّجْتُهُ، وَلَا مَنْ لَا جَارِيَةٍ لَهُ إِلَّا أَخْدَمَتْهُ. قَالَ: وَكَانَ يُعْطِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ 856 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، مِثْلَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ: مِنْ قِصَّةِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَإِتْيَانِهِمَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ لَمْ يُسْنِدْهُ، وَجَعَلَ مَكَانَ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ، وَزَادَ فِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَحْمِيَةَ: أَنْكِحِ ابْنَتَكَ هَذَا الْغُلَامَ يَعْنِي الْفَضْلَ وَقَالَ: لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنْكِحِ ابْنَتَكَ هَذَا الْغُلَامَ يَعْنِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْمَحْفُوظُ عِنْدَنَا أَنَّهُ نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ مِثْلُ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ

باب الخمس في المعادن والركاز

§بَابُ الْخُمُسِ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ

857 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ»

858 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§فِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ»

859 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ - لَا أَدْرِي أَسْنَدَهُ إِسْمَاعِيلُ أَمْ لَا؟ -: أَنَّ الْمُزَنِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ §اللُّقَطَةِ تُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِرِ، أَوْ قَالَ: الْمِيتَاءُ، فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا يُوجَدُ فِي الْخَرِبِ الْعَادِيِّ؟ قَالَ: فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ 860 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يُسْنِدْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ -[422]-. قَالَ أًبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ عَجْلَانَ يُسْنِدْهُ أَيْضًا. 861 - حَدَّثَنِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى الرِّكَازِ. 862 - فَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: هُوَ الْمَعْدِنُ وَالْمَالُ الْمَدْفُونُ كِلَاهُمَا، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخُمُسُ. 863 - وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ: الرِّكَازُ هُوَ الْمَالُ الْمَدْفُونَ خَاصَّةً، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْخُمُسُ، قَالُوا: فَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ، وَلَا خُمْسَ فِيهِ، إِنَّمَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَقَطْ، وَكُلُّهُمْ قَدِ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ وَتَأْوِيلٍ

864 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ، وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْفَرْعِ، قَالَ: فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ 865 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ: أَنَّهُ أَقْطَعَهُ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ: غَوْرِيَّهَا وَجَلْسِيَّهَا 866 - وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغَوْرِيُّ: مَا كَانَ مِنْ بِلَادِ تِهَامَةَ، وَالْجَلْسِيُّ: مَا كَانَ مِنْ أَرْضِ نَجْدٍ

867 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ أَبِي عِكْرِمَةَ مَوْلَى بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: «§أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا أَرْضَ كَذَا، مِنْ مَكَانِ كَذَا إِلَى كَذَا، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ جَبَلٍ أَوْ مَعْدِنٍ» ، قَالَ: فَبَاعَ بَنُو بِلَالٍ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَخَرَجَ فِيهَا مَعْدِنَانِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا بِعْنَاكَ أَرْضَ حَرْثٍ، وَلَمْ نَبِعْكَ الْمَعْدِنَ، وَجَاءُوا بِكِتَابِ الْقَطِيعَةِ الَّتِي قَطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِيهِمْ فِي جَرِيدَةٍ، قَالَ فَجَعَلَ عُمَرُ يَمْسَحُهَا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لِقَيِّمِهِ: انْظُرْ مَا اسْتَخْرَجْتَ مِنْهَا، وَمَا أَنْفَقْتَ عَلَيْهَا، فَقَاضِهِمْ بِالنَّفَقَةِ، وَرُدَّ -[424]- عَلَيْهِمُ الْفَضْلَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ فِي الْمَعَادِنِ كَالَّذِي يُرْوَى فِي الْقَبَلِيَّةِ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ

868 - قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ §أَخَذَ مِنَ الْمَعَادِنِ الزَّكَاةَ

869 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: أَنْ §خُذْ مِنَ الْمَعَادِنِ الصَّدَقَةَ، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا الْخُمُسَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ

870 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: «§الْمَعْدِنُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ، يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ، كَمَا تُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ حِينَ يُحْصَدُ» ، قَالَ: " وَهَذَا لَيْسَ بِرِكَازٍ، إِنَّمَا الرِّكَازُ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ بِمَالٍ، وَلَا يَتَكَلَّفُ لَهُ كَبِيرُ عَمَلٍ، قَالَ: وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا، قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ يُؤْخَذُ مِمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْمَعْدِنِ شَيْءٌ، حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَا زَادَ أُخِذَ مِنْهُ بِحِسَابٍ، مَا دَامَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ، فَإِذَا انْقَطَعَ عِرْقُهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ نَيْلٌ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، يُبْتَدَأُ فِيهِ بِالزَّكَاةِ كَمَا ابْتُدِئَ بِهَا فِي الْأَوَّلِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا رَأْيُ مَالِكٍ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ. -[425]- 871 - وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَيَرَوْنَ الْمَعْدِنَ رِكَازًا، وَيَجْعَلُونَ فِيهِ الْخُمُسَ، بِمَنْزِلَةِ الْمَغْنَمِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ عِنْدِي بِتَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمَالِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْخَرِبِ الْعَادِيِّ، فَقَالَ: فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا الْآنَ أَنَّ الرِّكَازَ سِوَى الْمَالِ الْمَدْفُونِ، لِقَوْلِهِ: فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ فَجَعَلَ الرِّكَازَ غَيْرَ الْمَالِ، فَعَلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ الْمَعْدِنُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ جَعَلَ الْمَعْدِنَ رِكَازًا، فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْهُ مُفَسَّرًا

872 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ الْأَزْدِيِّ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مِنْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِمَعْدِنٍ، وَأَنَّهُ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدِ اسْتَخْرَجَ مَعْدِنًا، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ مُتْبِعٍ، فَأَتَى أُمَّهُ فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ الْمِائَةَ ثَلَاثُمِائَةٍ، أُمَّهَاتُهَا مِائَةٌ، وَأَوْلَادُهَا مِائَةٌ، وَكُفَاتُهَا مِائَةٌ، فَارْجِعْ إِلَى صَاحِبِكَ فَاسْتَقِلَّهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ضَعْ عَنِّي خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَبَى -[426]- ذَلِكَ، قَالَ: فَأَخَذَهُ، فَأَذَابَهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ثَمَنَ أَلْفِ شَاةٍ، فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: رُدَّ عَلَيَّ الْبَيْعَ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ. فَقَالَ: لَآتِيَنَّ عَلِيًّا فَلَأُثِينُ عَلَيْكَ، فَأَتَى عَلِيًّا يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا الْحَارِثِ أَصَابَ مَعْدِنًا، فَأَتَاهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: «§أَيْنَ الرِّكَازُ الَّذِي أَصَبْتَ؟» فَقَالَ: مَا أَصَبْتُ رِكَازًا إِنَّمَا أَصَابَهُ هَذَا، فَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ مُتْبِعٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «مَا أَرَى الْخُمُسَ إِلَّا عَلَيْكَ» ، فَقَالَ: فَخَمَّسَ الْمِائَةَ شَاةٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا وَفِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمِائَةُ الشَّاةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا قَدْ سَمَّى الْمَعْدِنَ رِكَازًا وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْخُمُسَ؟ وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِ الرِّكَازِ: أَنَّ فِيهِ الْخُمُسَ

873 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ §سُئِلَ عَنِ الرِّكَازِ وَالْمَعَادِنِ؟ فَقَالَ: يُخْرَجُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الْخُمُسُ -[427]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدِي فِي النَّظَرِ، أَنْ يَكُونَ بِالْمَغْنَمِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالزَّرْعِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّفُ فِيهِ الْإِنْفَاقَ وَالتَّغْرِيرَ بِالنَّفْسِ فَكَذَلِكَ مُجَاهَدَةُ الْعَدُوِّ، بَلِ الْجِهَادُ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ خَطَرًا، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ مِنْهُمُ الْخُمُسَ، فَأَدْنَى مَا يَجِبُ فِي الْمَعْدِنِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ مَا يُنَالُ مِنَ الْعَدُوِّ، وَمَعَ هَذَا إِنَّ حُكْمَ الزَّرْعِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِأَنَّ الزَّرْعَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً حِينَ يُحْصَدُ، ثُمَّ لَا يَكُونُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنْ مَكَثَ عِنْدَ صَاحِبِهِ سِنِينَ، وَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا زَكَاةَ فِيهِمَا عِنْدَ الْفَائِدَةِ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ، فَتَجِبُ حِينَئِذٍ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، ثُمَّ لَا تَزَالُ الزَّكَاةُ جَارِيَةً عَلَيْهِمَا فِي كُلِّ عَامٍ، فَأَرَى حُكْمَهُمَا قَدِ اخْتَلَفَ فِي الْأَصْلِ وَاخْتَلَفَ فِي الْفَرْعِ، وَأَبَيْنَ مِنْ هَذَا فِيمَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الزَّرْعِ مِنَ الزَّكَاةِ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَالْوَاجِبُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الزَّكَاةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَهَذَا اخْتِلَافٌ مُتَفَاوِتٌ شَدِيدٌ، فَكَيْفَ يُشَبَّهُ بِهِ مَعَ الْأَثَرِ الَّذِي يُحَدِّثُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ فِيهِ، وَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ شِهَابٍ مَعَ رِوَايَتِهِ؟ -[428]- فَأَمَّا حَدِيثُ رَبِيعَةَ الَّذِي رَوَاهُ فِي الْقَبَلِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ، وَمَعَ هَذَا إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَلِكَ، إِنَّمَا قَالَ: فَهِيَ تُؤْخَذُ مِنْهَا الصَّدَقَةُ إِلَى الْيَوْمِ وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُجَّةً لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا. 874 - وَالَّذِي يَرَى الْمَعْدِنَ رِكَازًا يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَعَادِنِ كُلِّهَا: مِنَ النَّحَّاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالْحَدِيدِ، كَمَا يَرَاهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالَّذِي يَرَى فِيهَا الزَّكَاةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا زَكَاةٌ إِلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خَاصَّةً

باب الخمس في المال المدفون

§بَابُ الْخُمُسِ فِي الْمَالِ الْمَدْفُونِ

875 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَجُلًا §وَجَدَ أَلْفَ دِينَارٍ مَدْفُونَةً خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَخَذَ مِنْهَا الْخُمُسَ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَدَفَعَ إِلَى الرَّجُلِ بَقِيَّتَهَا، وَجَعَلَ عُمَرُ يَقْسِمُ الْمِائَتَيْنِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ -[429]- الْمُسْلِمِينَ، إِلَى أَنْ أَفْضَلَ مِنْهَا فَضْلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: «أَيْنَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ؟» فَقَامَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ»

876 - قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا §أُتِيَ بِرَجُلٍ وَجَدَ فِي خَرِبَةٍ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالسَّوَادِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا قَضَاءً بَيِّنًا، إِنْ كُنْتَ وَجَدْتَهَا فِي قَرْيَةٍ خَرِبَةٍ تَحْمِلُ خَرَاجَهَا قَرْيَةٌ عَامِرَةٌ، فَهِيَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحْمِلُ فَلَكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَلَنَا خُمْسٌ

877 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: §لَمَّا فُتِحَتِ السُّوسَ، وَعَلَيْهِمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَجَدُوا دَانْيَالَ فِي إِيوَانٍ، وَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ مَالٌ مَوْضُوعٌ وَكِتَابٌ فِيهِ: مَنْ شَاءَ أَتَى فَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنْ أَتَى بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَإِلَّا بَرَصَ، قَالَ: فَالْتَزَمَهُ أَبُو مُوسَى، وَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: دَانْيَالُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي شَأْنِهِ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أنْ كَفِّنْهُ، وَحَنِّطْهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَادْفِنْهُ كَمَا دُفِنَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -[430]-: وَانْظُرْ مَالَهُ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَكَفَّنَهُ فِي قُبَاطِيٍّ بِيضٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدَفَنَهُ

878 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُمْ §أَصَابُوا قَبْرًا بِالْمَدَائِنِ، فِيهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ، وَوَجَدُوا فِيهِ مَالًا، فَأَتَوْا بِهِ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَكَتَبَ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ: «أَنْ أَعْطِهِمْ إِيَّاهُ وَلَا تَنْزِعْهُ مِنْهُمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ عَنْ عُمَرَ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكَنْزِ الْمَدْفُونِ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ الْخُمُسَ، وَأَعْطَى سَائِرَهُ مَنْ وَجَدَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْوَاجِدَ مِنْهُ شَيْئًا، وَرَفَعَهُ كُلَّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَعْطَاهُ كُلَّهُ الْوَاجِدَ، وَلَمْ يَرْفَعْ مِنْهُ شَيْئًا إِلَى بَيْتِ الْمَالِ. وَلِكُلِّ حُكْمٍ مِنْ هَذَا عِنْدِي وَجْهٌ غَيْرُ وَجْهِ الْآخَرِ، فَأَمَّا الَّذِي خَمَّسَهُ: فَإِنَّهُ عَمِلَ فِيهِ بِالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ فِي الرِّكَازِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْخُمُسُ، وَيَكُونُ سَائِرُهُ لِوَاجِدِهِ، وَالنَّاسُ عَلَى هَذَا. وَأَمَّا الثَّانِي، الَّذِي وُجِدَ مَعَ دَانْيَالَ: فَإِنَّمَا رَفَعَهُ كُلَّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَتَرَكَ أَنْ يُعْطِيَ الَّذِينَ وَجَدُوهُ مِنْهُ شَيْئًا، لِأَنَّهُ كَانَ مَالًا مَعْرُوفًا مُتَعَامَلًا، قَدْ تَدَاوَلَهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ بِالِاسْتِقْرَاضِ، عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، فَإِلَى مَنْ كَانَ يَدْفَعُهُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ عَرَفَهُ -[431]- وَصَارُوا فِيهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَكَانَ بَيْتُ الْمَالِ أَوْلَى بِهِ، لِيَكُونَ عَامًّا لَهُمْ، وَإِنَّمَا الرِّكَازُ مَا كَانَ مَسْتُورًا مَجْهُولًا، حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ وَاجِدُهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لَهُ، بَعْدَ الْخُمُسِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ الَّذِي لَمْ يُخَمِّسُهْ وَسَلَّمَهُ كُلَّهُ لِأَصْحَابِهِ: فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْخُمُسِ إِلَى الْإِمَامِ، يَضَعُهُ حَيْثُ يَرَى، كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ، فَرَأَى عُمَرُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى الَّذِينَ أَصَابُوهُ، وَذَلِكَ لِبَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا النَّاسُ النَّفَلَ مِنَ الْأَخْمَاسِ: إِمَّا لِغَنَاءٍ مِنْهُمْ كَانَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِمَّا لِنِكَايَةٍ فِي عَدُوِّهِمْ، فَرَآهُمْ عُمَرُ مُسْتَحِقِّينَ لِذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ فَكَانُوا هُمْ عِنْدَهُ مَوْضِعًا لَهُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا مُذْهِبُ حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، حِينَ قَالَ لِوَاجِدِ الرِّكَازِ: وَسَأُطَيِّبُهُ لَكَ كُلَّهُ، وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُ فِعْلِ عُمَرَ فِي الْفَضْلَةِ الَّتِي فَضَلَتْ مِنَ الْخُمُسِ، فَرَدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى هَذَا يُوَجَّهَ إِعْطَاؤُهُ مَمْلُوكًا مِنْ رِكَازٍ وَجَدَهُ

879 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، §أَنَّ عَبْدًا وَجَدَ رِكْزَةً عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَأَعْتَقَهُ، وَأَعْطَاهُ مِنْهَا، وَجَعَلَ سَائِرَهَا فِي -[432]- مَالِ اللَّهِ 880 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ كَانَ سُفْيَانُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَقُولَانِ فِي الْعَبْدِ يَجِدُ الرِّكَازَ 881 - وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَوْلَ مَالِكٍ أَيْضًا: أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُ مِنه , ولا يعطاه كله وذلك: أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَصِيرُ لِمَوْلَاهُ، وَلَيْسَ مَوْلَاهُ بِالْوَاجِدِ لِلرِّكَازِ، وَإِنَّمَا الرِّكَازُ لِمَنْ وَجَدَهُ، فَلِذَلِكَ لَا يُعْطَاهُ الْعَبْدُ كُلَّهُ، وَهَذَا كَالْمَغْنَمِ يَشْهَدُهُ الْمَمْلُوكُ فَلَا يُقْسَمُ لَهُ، وَلَكِنَّهُ يُرْضَخُ لَهُ مِنْهُ، كَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

882 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: §كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَنَا عَبْدٌ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَقْسِمَ لِي، فَأَبَى، وَأَعْطَانِي مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ

883 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي الْمَغْنَمِ نَصِيبٌ»

باب الخمس فيما يخرج البحر من العنبر والجوهر، والسمك

§بَابُ الْخُمُسِ فِيمَا يُخْرِجُ الْبَحْرُ مِنَ الْعَنْبَرِ وَالْجَوْهَرِ، وَالسَّمَكِ

884 - قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: §لَيْسَ الْعَنْبَرُ بِغَنِيمَةٍ، وَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

885 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ خُمُسٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ 886 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ سُفْيَانُ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أُذَيْنَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَانِ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَيَا فِيهِ شَيْئًا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ غَيْرَ ذَلِكَ

887 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§فِي الْعَنْبَرِ الْخُمُسُ وَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ»

888 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ §سُئِلَ عَنِ اللُّؤْلُؤِ يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ وَالْعَنْبَرِ، فَقَالَ: يُخْرَجُ مِنْهُ الْخُمُسُ

889 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: §كَانَ أَبُو الْمَلِيحِ عَلَى الْأُبُلَّةِ فَأُتِيَ بِجِرَابِ لُؤْلُؤٍ بَهْرَجٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا أَزْهَرُ فَقَالَ: نَبَهْرَجٍ، وَهُوَ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَهْرَجَ أَيْ أَخَذَ بِهِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقِ الْعَاشِرِ - فَكَتَبَ بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَكَتَبَ: أَنْ يُخَمَّسَ

890 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلِهِ فِي عُمَانَ: أَنْ «§لَا يَأْخُذَ مِنَ السَّمَكِ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ» ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: «فَإِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَخُذْ مِنْهُ الزَّكَاةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ عُمَرُ فِيمَا يُرَى إِلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ الْبَحْرُ بِمَنْزِلَةِ مَا أَخْرَجَ الْبَرُّ مِنَ الْمَعَادِنِ، وَكَانَ رَأْيُهُ فِي الْمَعَادِنِ الزَّكَاةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ، فَشَبَّهَهُ بِهِ، وَلَيْسَ النَّاسُ فِي السَّمَكِ عَلَى هَذَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَعْمَلُ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ، فَالْأَكْثَرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِيهِمَا، كَمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَهُوَ رَأْيُ سُفْيَانَ، وَمَالِكٍ جَمِيعًا. 891 - وَمَعَ هَذَا إِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَأْتِنَا عَنْهُ فِيهِ سُنَّةٌ عَلِمْنَاهَا، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ، فَنَرَاهُ مِمَّا عَفَا -[435]- عَنْهُ، كَمَا عَفَا عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. 892 - وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخُمُسَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ مَنْ أَوْجَبُهُ تَشْبِيهًا بِمَا يُخْرِجُ الْبَرُّ مِنَ الْمَعَادِنِ، فَرَآهُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَهَبَ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ. 893 - يَقُولُونَ: فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَعَلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ، وَسَكَتَ عَنِ الْبَحْرِ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ شَيْئًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ هُمَا عِنْدَنَا، لَيْسَا بِمُتَسَاوِيَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا حُكْمَ الْبَحْرِ وَالْبَرِّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي غَيْرِ خُلَّةٍ، وَلَا اثْنَتَيْنِ. 894 - مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ عَلَى الْمُحْرِمِينَ، وَأَوْجَبَ عَلَى قَاتِلِهِ مِنْهُمُ الْجَزَاءَ، وَأَبَاحَ لَهُمْ صَيْدَ الْبَحْرِ، فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِيهِ جُنَاحًا وَلَا كَفَّارَةً، وَكَذَلِكَ الْمَيْتَةُ، حَرَّمَ اللَّهُ مَيْتَةَ الْبَرِّ إِلَّا بِالزَّكَاةِ، وَجَاءَتِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَيْتَةِ الْبَحْرِ: أَنْ قَالَ: وَهُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ، فَفَرَّقَ الْكِتَابُ وَالسُّنَةُ بَيْنَ حُكْمِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَجَعَلَ مَا فِي الْبَحْرِ مُبَاحًا لِآخِذِهِ -[436]- عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ نَرَى سَائِرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِمَنْزِلَتِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَ فِيهِ شَيْئًا، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ لَيْسَ بِالثَّبْتِ عَنْهُ

895 - قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ رَوْحٍ، عَنْ رَجُلٍ - قَدْ سَمَّاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ: أَنْ §خُذْ مِنْ حُلِيِّ الْبَحْرِ وَالْعَنْبَرِ الْعُشْرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَمَعَ ضَعْفِهِ أَنَّهُ جَعَلَ فِيهِ الْعُشْرَ، وَلَا نَعْرِفُ لِلْعُشْرِ هَهُنَاكَ وَجْهًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ كَالرِّكَازِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ الْخُمُسَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَالْمَعْدِنِ، فَيَأَخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ، عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ فِي الْمَعَادِنِ الزَّكَاةَ، وَإِنَّمَا جَعَلَ فِيهِ الْعُشْرَ، وَلَا مَوْضِعَ لِلْعُشْرِ فِي هَذَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَبَّهَهُ بِمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ مِنَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَقُولُ بِهَذَا

كتاب الصدقة وأحكامها وسننها

§كِتَابُ الصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا وَسُنَنِهَا

باب فضائل الصدقة والثواب في إعطائها

§بَابُ فَضَائِلِ الصَّدَقَةِ وَالثَّوَابِ فِي إِعْطَائِهَا

896 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَاتِ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْهَا إِلَّا الطَّيِّبَ، وَيَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ 897 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ إِسْمَاعِيلَ يَزِيدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] -[438]- 898 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ. 899 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى الْمَهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْلَ ذَلِكَ، أَوْ نَحْوَهُ

900 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتَمْنَعُ مِيتَةَ السُّوءِ، وَإِنَّهَا لِتَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ

901 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَتَادَةَ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «§مَا تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ، وَهُوَ يَضَعُهَا فِي يَدِ السَّائِلِ» ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104]

902 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْحِمْصِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ §لِلَّهِ سِلْسِلَةً لَمْ تَزَلْ تَغْلِي بِهَا مَرَاجِلُ النَّارِ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ جَهَنَّمَ إِلَى يَوْمِ تُلْقَى فِي أَعْنَاقِ النَّاسِ، وَقَدْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْ نِصْفِهَا بِإِيمَانِنَا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، فَحُضِّي عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ -[439]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَادَ أَبُو الدَّرْدَاءِ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة: 34]

903 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَا أَحْسَنَ عَبْدٌ الصَّدَقَةَ إِلَّا أَحْسَنَ اللَّهُ الْخِلَافَةَ عَلَى تَرِكَتِهِ

904 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَا أَخْرَجَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهُ لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ لَحْيَيْ وَإِنَّمَا هُوَ أَلْحَيْ

905 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَكَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ

906 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ

907 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقِيَ إِلَّا كَتِفُهَا، فَقَالَ: «§كُلُّهَا بَقِيَ إِلَّا كَتِفُهَا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ مَا تَصَدَّقُوا بِهِ

908 - قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ فَرُّوخَ، §أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعِنْدَهُ تَمْرٌ فَأَعْطَاهُ تَمْرَةً، فَتَسَخَّطَهَا، فَقِيلَ لَهُ: مَا يَصْنَعُ بِهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَ بِهَذَا؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلَهُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]

909 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَدِينَةَ، §أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَبَقُ عِنَبٍ، فَأَعْطَاهُ عِنَبَةً، فَقَالَ: إِنَّ فِيهَا مَثَاقِيلَ ذَرٍّ كَثِيرٍ 910 - قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَدِينَةَ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ هُوَ الْفَاعِلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

911 - قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَازِبٍ، عَنْ جَدِّهِ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ نَصْرٍ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا سَائِلٌ، وَنَحْنُ عِنْدَهَا، وَعِنْدَهَا عِنَبٌ، فَتَنَاوَلَتْ حَبَّاتٍ، فَنَاوَلْتَهَا السَّائِلَ، قَالَتْ: فَضَحِكَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ فَقَالَتْ أَكُوفِّيَاتٌ أَنْتُنَّ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالَتْ -[441]-: «إِنَّ §فِيمَا تَرَيْنَ مَثَاقِيلَ ذَرٍّ كَثِيرٍ»

912 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: §سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «جَهْدُ الْمُقِلِّ»

913 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، بِنْتُمُونَا بَوْنًا بَعِيدًا - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: بِنْتُمُونَا، بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ بُنْتُمُونَا بِضَمِّ الْبَاءِ - قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تَصَّدَّقُونَ، وَتَفْعَلُونَ، وَتُعْطُونَ، قَالَ: وَإِنَّكُمْ لَتَغْبِطُونَا بِكَثْرَتِنَا هَذِهِ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ، فَقَالَ: عُثْمَانُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ §لَدِرْهَمٌ يُنْفِقُهُ أَحَدُكُمْ، يُخْرِجُهُ مِنْ جَهْدِهِ، يَضَعُهُ فِي حَقِّهِ، أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ يُنْفِقُهَا أَحَدُنَا غَيْضًا مِنْ فيضٍ

914 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْمَكِّيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سُئِلَ: §أَيُّ -[442]- الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ عُقَيْلٌ

916 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ 917 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ قَالَ: - عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ

918 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: §الصَّدَقَةُ مَغْنَمٌ وَتَرْكُهَا مَغْرَمٌ

919 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «§الصَّدَقَةُ تُضَاعَفُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»

باب منع الصدقة والتغليظ في حبسها

§بَابُ مَنْعِ الصَّدَقَةِ وَالتَّغْلِيظِ فِي حَبْسِهَا

920 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: §مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ 921 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ

922 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا قَالَ: §هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَقُلْتُ: مَا لِي، لَعَلِّي أُنْزِلَ فِيَّ شَيْءٌ، مَنْ هُمْ؟ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. فَقَالَ: الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا، وَحَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَيَدَعُ إِبِلًا، أَوْ غَنَمًا، أَوْ بَقَرًا لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مِمَّا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا نَفَذَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ

923 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ، وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَسْتَنُّ عَلَيْهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا، وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ، وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِقَوَائِمِهَا، وَلَا صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا، وَلَا صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ إِلَّا جَاءَ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ، فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ، فَيُنَادِيهِ رَبُّهُ: «خُذْ كَنْزَكَ الَّذِي خَبَّأْتَهُ، فَأَنَا عَنْهُ أَغْنَى مِنْكَ» . فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ سَلَكَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَيَقْضِمُهَا قَضْمَ الْفَحْلِ

924 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَّا يُؤْتَى بِهِ وَبِكَنْزِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَ، فَيُضْرَبُ صَفَائِحَ، ثُمَّ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ صَفِيحَةٌ أُحْمِيَتْ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا يُؤْتَى بِهِ وَبِإِبِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، ثُمَّ تَسْتَنُّ عَلَيْهِ وَتَخْبَطُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا انْقَضَى آخِرُهَا عَطَفَ عَلَيْهَا أَوَّلُهَا، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَ خَلْقِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ -[445]- مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ مِثْلَ ذَلِكَ 925 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا حَقُّهَا؟ فَذَكَرَ أَرْبَعًا قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ، قَالَ: تُحْلَبُ عَلَى الْعَطَنِ، وَتُحْمَلُ عَلَى رَاحِلَتَهَا، وَتُنْحَرُ سَمِينُهَا، وَتُمْنَعُ لَقُوحُهَا

926 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سُئِلَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، فَحَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: §نِعْمَ الْمَالُ الثَّلَاثُونَ، تُمْنَحُ مَنِيحَتُهَا، وَتُنْحَرُ سَمِينَتُهَا، وَيُحْمَلُ عَلَى نَجِيبَتِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَطَاوُسٌ أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَاشِيَةِ فِيهَا سِوَى الزَّكَاةِ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ

قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: «§فِي مَالِكَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ»

928 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ فُلَانٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ، وَقَرَى الضَّيْفَ، وَأَعْطَى فِي النَّائِبَةِ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الشُّحِّ

929 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ -[446]-: §إِذَا أَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي، أَيَطِيبُ لِي مَالِي؟ قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} [البقرة: 177] وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ 930 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، بِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ الشَّعْبِيُّ أَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ لَازِمَةٌ لِلْمَرْءِ فِي مَالِهِ سِوَى الزَّكَاةِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَرَى هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةً

931 - قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: «§نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا غَيْرُ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَأَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ. وَهُوَ مَذْهَبُ طَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، أَنَّ فِي الْمَالِ حُقُوقًا سِوَى الزَّكَاةِ مِثْلَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَقِرَى الضَّيْفِ، مَعَ مَا جَاءَ فِي الْمَوَاشِي مِنَ الْحُقُوقِ

932 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {§وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] الْآيَةَ قَالَ: نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ حِينَ نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ، وَحُدَّتِ الْحُدُودُ، وَأُمِرُوا بِالْعَمَلِ 933 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا يُنْفِقُونَ، فَنَزَلَتْ -[447]-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [البقرة: 215] قَالَ: فَتِلْكَ التَّطَوُّعُ، وَالزَّكَاةُ سِوَى ذَلِكَ

باب فرض صدقة الإبل وما فيها من السنن

§بَابُ فَرْضِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَمَا فِيهَا مِنَ السُّنَنِ

934 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْسَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَلْتَمِسُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَاتِ، وَكِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَوَجَدَ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ، وَوَجَدَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ كِتَابَ عُمَرَ فِي الصَّدَقَاتِ مِثْلَ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَنُسِخَا لَهُ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ أَنَّهُ طَلَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يَنْسَخَهُ مَا فِي ذَيْنِكَ الْكِتَابَيْنِ، فَنَسَخَ لَهُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ صَدَقَةِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ، وَالتَّمْرِ - أَوِ الثَّمَرِ - وَالْحَبِّ، وَالزَّبِيبِ، أَنَّ «§الْإِبِلَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، فَإِذَا صَارَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتِ الْإِبِلُ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ -[448]- شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ سَبْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَمَانِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ عَشْرًا وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ عَشْرًا وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتَا لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا سِتُّ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَوْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا سَبْعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَوْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَبِنْتَا لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ تِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا سِتُّ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، أَوْ خَمْسُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ فَفِيهَا سِتُّ حِقَاقٍ، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ، وَمِنْ أَيِّ هَاتَيْنِ السِّنِينَ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ أَخَذَ، فَإِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» -[449]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَتَأْتَيِ فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. 935 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَاتِ. قَالَ: وَكَانَتْ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَهَذَا كِتَابُ تَفْسِيرِهَا: أَلَّا يُؤْخَذَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْإِبِلِ الصَّدَقَةُ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ ذَوْدٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ يَزِيدَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، لَمْ يَخْتَلِفَا فِي شَيْءٍ إِلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، إِلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. وَفِي حَدِيثِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً. ثُمَّ يَلْتَقِي الْحِسَابَانِ فِي الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا، فَلَا يَخْتَلِفَانِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، ثُمَّ لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ حِسَابٌ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ حِينَ بَلَغَهَا: فَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ أُخِذَ مِنْهَا بِحِسَابِ مَا كَتَبْنَا. 936 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، بِمِثْلِ هَذِهِ النُّسْخَةِ وَالْقِصَّةِ. 937 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِيهِ - بِمِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا أَوْ نَحْوِهِ. -[450]- 938 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ حُدِّثْتُ بِذَلِكَ عَنْهُ، 939 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَعْطَانِي عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ كِتَابًا كَتَبَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ وَهُوَ عَامِلٌ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ: وَهُوَ زَعَمُوا الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا فَرْضُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِيضَةَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْإِبِلِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِي حِسَابِهَا عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقَالَ: فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. 940 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَتَبَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ نَسَخَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنْ صَحِيفَةٍ وَجَدَهَا مَرْبُوطَةً بِقُرَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَزِدْ فِي حِسَابِهَا عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. 941 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: هَذَا كِتَابُ الصَّدَقَةِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ أَنَّ هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ -[451]- مَقْرُونَةً مَعَ وَصِيَّتِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّهُ عَرْضَهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرَّاتٍ. 942 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابُ الصَّدَقَةِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا. 943 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُغِيرَةَ، ع

945 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «§إِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ اسْتُؤْنِفَ بِهَا الْفَرِيضَةُ بِالْحِسَابِ الْأَوَّلِ»

946 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ - الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ - إِنَّ §الْإِبِلَ إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ

947 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ فِي كِتَابِ صَدَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّ §الْإِبِلَ إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ يُسْتَأْنَفُ بِهَا الْفَرِيضَةُ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ يَقُولُ بِهِ أَهْلُ -[453]- الْعِرَاقِ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ سُفْيَانُ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ، وَفِي ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ، وَفِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَأَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَلَى تَأْوِيلِ حَدِيثِ عَلِيٍّ حِقَّتَانِ وَخَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي قَوْلِ سُفْيَانَ، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِذَا كَمَّلَتِ الْإِبِلُ خَمْسِينَ وَمِائَةً كَانَتْ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا اسْتُؤْنِفَ بِهَا أَيْضًا كَمَا ابْتُدِئَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا كَانَتْ فِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، فَإِذَا زَادَتِ اسْتُؤْنِفَ بِهَا أَيْضًا عَلَى مَا فَسَّرْنَا، فَهَذَا مَذْهَبُ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَمَا يَعْمَلُ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهَا إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ كَانَتْ فِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَرْفَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ سِوَى هَذَا، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا، وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْفُوظٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عَلَى حِسَابِ أَوَّلِ الْفَرَائِضِ، وَلَا عَلَى آخِرِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا فِي الِابْتِدَاءِ إِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَانَتْ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً انْتَقَلَتِ الْفَرِيضَةُ بِتِلْكَ الْوَاحِدَةِ إِلَى السِّنِّ الَّتِي فَوْقَهَا، فَصَارَ فِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، ثُمَّ أَسْنَانُ الْفَرَائِضِ كُلُّهَا عَلَى هَذَا، فَذَاكَ حِسَابُ أَوَّلِ الْفَرِيضَةِ، فَلَوْ جَعَلَهُ عَلَيْهِ لَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ إِلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَهَذَا حِسَابُ أَوَّلِهَا، وَأَمَّا آخِرُهَا فَإِنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، فَلَوْ جَعَلَهَا عَلَى هَذَا لَكَانَتْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إِنَّمَا تَجِبُ فِي -[454]- عِشْرِينَ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ وَاحِدَةً، وَهَذِهِ قَدْ زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ، ثُمَّ لَا أَرَاهُ نَقَلَهَا إِلَى السِّنِّ الَّتِي فَوْقَهَا، فَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى حِسَابِ أَدْنَى الْفَرَائِضِ، وَلَا أَقْصَاهَا. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي فِي حَدِيثِ حَبِيبٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، ثُمَّ يَكُونَ فِيهَا حِينَئِذٍ بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ. فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ شَنَقٌ كَسَائِرِ الْأَشْنَاقِ الَّتِي لَا يُحْتَسَبُ بِهَا، وَهِيَ الْأَوْقَاصُ فِي الْبَقَرِ، وَذَلِكَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ، ثُمَّ هِيَ إِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ أَيْضًا، وَلَا تَعُودُ إِلَى الْغَنَمِ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا أَفْرَضَتْ مَرَّةً، وَلَمْ تَعُدْ صَدَقَتُهَا غَنَمًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِفْرَاضُهَا أَنْ تَبْلُغَ فِي الِابْتِدَاءِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَتَنْتَقِلَ مِنَ الْغَنَمِ إِلَى بِنْتِ مَخَاضٍ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى دَارَتِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلَّهَا، سِوَى حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنْ كَانَ حُفِظَ عَنْهُ. وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

948 - يُحَدِّثُونَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «§فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الْإِبِلِ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» -[455]- وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ. 949 - قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَوْ أَحَدِهِمَا، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَعْنَيَانِ جَمِيعًا. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِبِلَ لَا تَعُودُ إِلَى الْغَنَمِ بَعْدَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ؛ أَلَا تَرَاهُ لَمْ يُعِدْ ذِكْرَهَا؟ وَالْآخَرُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَشْنَاقِ شَيْءٌ؛ لِقَوْلِهِ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَسَكَتَ عَمَّا بَيْنَهُمَا، مَعَ أَنَّهُ مَحْسُوبٌ مُفَسَّرٌ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فِي حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. فَهَذَا مَا جَاءَ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ، إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْنَانُ مَوْجُودَةً عِنْدَ أَرْبَابِهَا، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَعْدُومَةً، وَاحْتَاجَ الْمُصَدِّقُ إِلَى أَخْذِ غَيْرِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ

950 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ فِي كِتَابِ صَدَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ أَنَّ §فِي كُلِّ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ

951 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: §إِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ

952 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ ذَكَرٌ مَكَانَ أُنْثَى، إِلَّا ابْنُ لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ»

953 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: §إِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ، رَدَّ شَاتَيْنِ، أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ

954 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُصَدِّقُ ابْنَةَ مَخَاضٍ أُعْطِيَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ شَاتَيْنِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي هَذَا الْبَابِ سُفْيَانُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ، فَأَمَّا سُفْيَانُ، فَأَخَذَ بِالْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ، لَمْ يَجُزْهُ إِلَى غَيْرِهِ. قَالَ: إِذَا لَمْ يَجِدِ السِّنَّ الَّتِي يَجِبُ، أَخَذَ فَوْقَهَا، وَرَدَّ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. أَوْ قَالَ: رَدَّ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ غَيْرَ ذَلِكَ

955 - قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، يَقُولُ: «§إِذَا لَمْ يَجِدِ السِّنَّ الَّتِي تَجِبُ، أَخَذَ قِيمَتَهَا» قَالَ مَالِكٌ قَوْلًا ثَالِثًا

956 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: §لَا يُؤْخَذُ سِنٌّ فَوْقَ سِنٍّ إِلَّا ابْنُ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ مَالِكٌ فِيمَا نَرَى إِلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي هَذَا خَاصَّةً - قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا إِذَا وَجَبَتْ فِي الْمَالِ ابْنَةُ لَبُونٍ، أَوْ حِقَّةٌ، أَوْ جَذَعَةٌ، فَإِنَّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا. قَالَ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ قِيمَتَهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ -[457]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكُلٌّ قَدْ ذَهَبَ مَذْهَبًا، فَأَمَّا سُفْيَانُ، فَقَصَدَ إِلَى الْأَثَرِ، لَمْ يَعْدُهُ، وَأَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ فَحُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا نَرَى: إِنَّ الْأَسْنَانَ تَخْتَلِفُ، فَيَكُونُ بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. يَقُولُ: فَأَرُدَّ ذَلِكَ إِلَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ مَنْ لَزِمَهُ ضَمَانُ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوِ الْعُرُوضِ فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ. وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَيْسَ حُكْمُهَا كَحُقُوقِ النَّاسِ الَّتِي تَحُولُ دَيْنًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ عَيْنًا، وَإِنَّمَا هِيَ مِثْلُ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يَجْرِي مَكَانَهَا غَيْرُهَا، إِذَا وُجِدَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ. وَهَذَا الَّذِي قَالَ مَالِكٌ مَذْهَبٌ، لَوْلَا الْمَشَقَّةُ الَّتِي فِيهِ عَلَى النَّاسِ مِنْ تَحْرِيمِ الطَّلَبِ، وَتَكَلُّفِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ. 957 - وَقَدْ جَاءَ الثَّبْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ مُعَاذًا حِينَ خَرَجَ إِلَى الْيَمَنِ بِالتَّيْسِيرِ عَلَى النَّاسِ، وَأَنْ لَا يَأْخُذَ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ. 958 - ثُمَّ جَاءَ مُفَسَّرًا عَنْ مُعَاذٍ فِي حَدِيثٍ لَهُ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذْهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ. فَالْأَسْنَانُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ أَشْبَهُ مِنَ الْعُرُوضِ بِهَا، وَقَدْ قَبِلَهَا مُعَاذٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِثْلُهُ فِي الْجِزْيَةِ أَنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ مَكَانَهَا غَيْرَهَا

959 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ §كَانَتْ تَأْتِيَهِ مِنَ الشَّامِ نَعَمٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجِزْيَةِ

960 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَنْتَرَةَ، عَنْ -[458]- عَلِيٍّ، أَنَّهُ «كَانَ §يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِبَرِ الْإِبَرَ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْمَسَالِّ الْمَسَالَّ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْحِبَالِ الْحِبَالَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُمَا قَدْ رَخَّصَا فِي أَخْذِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ مَكَانَ الْجِزْيَةِ، وَإِنَّمَا أَصْلُهَا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالطَّعَامُ 961 - وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُهُمَا فِي الدِّيَاتِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ، إِنَّمَا أَرَادَا التَّسْهِيلَ عَلَى النَّاسِ، فَجَعَلَا عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مَا يُمْكِنُهُمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالصَّدَقَةُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا أَنَّ الْأَسْنَانَ يُؤْخَذُ بَعْضُهَا مَكَانَ بَعْضٍ، إِذَا لَمْ تُوجَدِ السِّنُّ الَّتِي تَجِبُ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمَا كَانَ يَأْخُذُ بِهِ سُفْيَانُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَيْسِيرًا عَلَى الَّذِينَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَوَفَاءً لِلَّذِينَ تُؤْخَذُ لَهُمْ. فَهَذَا مَا جَاءَ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ إِذَا كَانَتْ كُلُّهَا مَسَانَّ، أَوْ خَالَطَتْهَا صِغَارُهَا مِنَ الْخِيرَانِ وَالسِّقَابِ، فَإِذَا كَانَتْ كُلُّهَا صِغَارًا لَا مُسِنَّةَ فِيهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا أَرْبَعَةً. 962 - قَالَ سُفْيَانُ: يُؤْخَذُ مِنْهَا مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْكِبَارِ مِنَ الْأَسْنَانِ، إِلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ الْمُصَدِّقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَضْلَ مَا بَيْنَ السِّنِّ الَّتِي أَخَذَ، وَبَيْنَ الرُّبَعِ أَوِ السَّقِيبِ الَّذِي وَجَبَ فِي الْمَالِ. 963 - وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ مِنْهَا مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَسَانِّ مِنَ الْأَسْنَانِ، وَلَا يَرُدُّ الْمُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَضْلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ 964 - وَقَالَ غَيْرُهُمَا قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي الصِّغَارِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا. 965 - وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّ فِيهَا وَاحِدَةً مِنْهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلِكُلٍّ مَذْهَبٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ -[459]-، فَأَمَّا سُفْيَانُ فَنَرَاهُ أَرَادَ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْمَاشِيَةِ، كِبَارًا كَانَتْ أَوْ صِغَارًا، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهَا مِنَ الْأَسْنَانِ دُونَ بِنْتِ مَخَاضٍ، فَتُؤْخَذُ مِنْ رَبِّهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ، ثُمَّ يَرُدُّ الْمُصَدِّقُ عَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ فَضْلَ مَا بَيْنَ السِّنِّ الَّتِي أَخَذَ، وَبَيْنَ الْحُوَارِ الَّذِي وَجَبَ، فَتَكُونُ الصَّدَقَةُ قَدْ أُخِذَتْ عَلَى فَرَائِضِهَا وَسُنَّتِهَا، وَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ قَدْ رَجَعَ إِلَيْهِ الْفَضْلُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَحُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ يَكُونُ فِيهَا الْأَسْنَانُ الْجِلَّةُ مِثْلُ الثَّنِيَّةِ، وَالرُّبَاعِيَّةِ، وَالسَّدِيسِ، وَالْبَازِلِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْنَانِ الْعَالِيَةِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْفَرَائِضُ دُونَهَا، مِثْلُ بَنَاتِ الْمَخَاضِ، وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، وَالْحِقَاقِ، وَالْجِذَاعِ. يَقُولُ: فَكَمَا يُعْفَى لَهُمْ عَنْ أَخْذِ تِلْكَ الْجِلَّةِ، فَكَذَلِكَ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِمْ بِالْخِيرَانِ وَالرِّبَاعِ وَالسِّقَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسِنٌّ وَاحِدٌ. وَأَمَّا الَّذِي قَالَ: لَا صَدَقَةَ فِيهَا، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِإِبِلٍ، وَإِنَّمَا جَاءَتِ الصَّدَقَةُ فِي الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا يُقَالَ لِهَذِهِ رِبَاعٌ، وَفُصْلَانٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ فِيهَا. وَأَمَّا الَّذِي يَقُولُ: فِيهَا وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ حَوَاشِي الْأَمْوَالِ لَا مِنْ خِيَارِهَا، فَكَيْفَ يُؤْخَذُ مِنْ رَبِّهَا أَعْلَى مِنَ الْأَسْنَانِ الَّتِي يَمْلِكُ؟ يَقُولُ: فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ وَاحِدَةً مِنْ عَرْضِهَا لَيْسَتْ بِأَحْسَنِ الْمَالِ فَقَدِ اسْتَوْفَى مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، أَوْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ -[460]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مَقَالَ، إِلَّا أَنَّ أَشْبَهَهَا بِتَأْوِيلِ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ فِي الصَّدَقَةِ عِنْدِي قَوْلُ مَالِكٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَضَ فَرَائِضَ الصَّدَقَةِ وَذَكَرَ أَسْنَانَهَا، قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمَاشِيَةَ قَدْ تَكُونُ جِلَّةً وَصِغَارًا، فَلَمْ يَأْتِنَا عَنْهُ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنَّهُمْ خَصُّوا مِنْهَا كَبِيرًا دُونَ صَغِيرٍ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِالْعُمُومِ لِحِلَّتِهَا، فَقَالَ: فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ أَوِ الذَّوْدِ شَاةٌ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ شَاتَانِ. ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا، فَإِذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ عَامَّةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ، إِلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ. 966 - كَالَّذِي جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَايَا حِينَ اسْتَثْنَاهَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ، فَأَرْخَصَ فِيهَا. 967 - وَكَمَا خَصَّ الْحَائِضَ بِالنَّفْرِ فِي حَجِّهَا قَبْلَ تَوْدِيعِ الْبَيْتِ دُونَ النَّاسِ. 968 - وَالْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ يُضَحَّى بِهِ خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ، وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا فِي السُّنَّةِ كَثِيرٌ، وَإِنَّمَا نَخُصُّ مَا خَصَّتْ، وَنَعُمُّ مَا عَمَّتْ، مَعَ أَنَّ الْإِبِلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ شَامِلٌ يَجْمَعُ صِغَارَهَا وَمَسَانَّهَا، كَمَا أَنَّ النَّاسَ اسْمٌ لِبَنِي آدَمَ يَشْمَلُ أَطْفَالَهُمْ وَرِجَالَهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْأَنْعَامَ، فَسَوَّى بَيْنَ صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا، فَسَمَّاهَا جَمِيعًا نَعَمًا، فَقَالَ: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: 142]

969 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: 142] قَالَ: §الْحَمُولَةُ: مَا حَمَلَ، وَالْفَرْشُ: الصِّغَارُ -[461]- 970 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَأَيْنَا الْعُلَمَاءَ مَعَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ صِغَارَ الْإِبِلِ إِذَا خَالَطَتْ كِبَارَهَا فَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مَعَهَا فِي الصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ أَوْلَادُ الْبَقَرِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا، وَسِخَالُ الْغَنَمِ مَعَ مَسَانِّهَا. 971 - وَمِنَ ذَلِكَ حَدِيثُ عُمَرَ حِينَ قَالَ لِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: احْتَسِبْ عَلَيْهِمْ بِهَا حَتَّى بِالْبَهْمَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَمَا بَالُهَا يُعْتَدُّ عَلَيْهِمْ بِهَا إِذَا اخْتَلَطَتْ بِالْكِبَارِ، وَتُلْغَى إِذَا كَانَتْ وَحْدَهَا؟ وَمَا سَبِيلُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ إِلَّا وَاحِدٌ. عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الِاحْتِسَابَ بِالصِّغَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مُسِنَّةٌ، وَاحِدَةً وَاحِدَةً، أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَشْتَرِطِ الْمَسَانَّ فِي حَدِيثِهِ؟ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا، أَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى صِغَارِهَا كَوُجُوبِهَا عَلَى كِبَارِهَا، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِمَا فَسَّرْنَا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. 972 - فَإِنْ تَعَدَّدَتِ السِّنُّ الَّتِي تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلَا أُحِبُّ قَوْلَهُ هَذَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّاسِ، مَعَ خِلَافِ الْأَثَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي يُحَدِّثُهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

973 - وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ قَالَ: §فَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ جَذَعَةً، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ حِقَّةً، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا جَذَعَةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ حِقَّةً، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا -[462]- وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ حِقَّةً , وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا جَذَعَةً , فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ حِقَّةً وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ ابْنَةُ َلبُونٍ , فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا حِقَّةً , فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ.، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَاتِّبَاعُ الْأَثَرِ أَحَبُّ إِلَيْنَا. فَهَذَا حُكْمُ صَدَقَةِ الْإِبِلِ إِذَا جَاءَهَا الْمُصَدِّقُ، فَوَجَدَهَا خَمْسًا فَصَاعِدًا. 974 - فَأَمَّا إِذَا وَجَدَهَا أَرْبَعًا، وَقَدْ كَانَ الْحَوْلُ حَالَ عَلَيْهَا وَهِيَ خَمْسٌ، ثُمَّ هَلَكَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ، فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ أَرْبَعٌ، فَإِنَّ سُفْيَانَ وَأَهْلَ الْعِرَاقِ قَالُوا: عَلَى رَبِّهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ. يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ كَانَتْ وَجَبَتْ فِيهَا مَعَ مُضِيِّ الْحَوْلِ شَاةٌ، فَلَمَّا ذَهَبَ بَعْضُ الْإِبِلِ سَقَطَ مِنَ الصَّدَقَةِ بِحِسَابِ الذَّاهِبِ، وَبَقِيَ فِيهَا بِحِسَابِ الْبَاقِي. -[463]- 975 - وَقَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا

976 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: «إِنَّمَا §تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ مَالَهُ، فَإِنْ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ مِمَّا هَلَكَ شَيْءٌ، إِنَّمَا يُؤْخَذُ بِمَا وَجَدَهُ الْمُصَدِّقُ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ نَمَتِ الْمَاشِيَةُ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ مَا يَكُونُ عِنْدَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِسُنَّةِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً: فِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا. وَهَذَا إِنَّمَا يَقَعُ مَعْنَاهُ عَلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الصَّدَقَةِ أَنَّ أَهْلَ الْمَاشِيَةِ يُحَاسَبُونَ بِمَا كَانُوا يَمْلِكُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ هَلَكَ، وَلَا يُسْأَلُونَ عَمَّا ضَاعَ مِنْهَا. 977 - وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّهُمْ أَنْزَلُوا الصَّدَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ إِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ، وَلَوْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ تَحِلُّ الدَّيْنَ، لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ الَّتِي هَلَكَتْ إِحْدَاهُنَّ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الشَّاةُ كُلُّهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ إِبِلُهُ مِنْ عِنْدِ آخِرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ هَلَاكُهَا عَنْهُ دَيْنًا قَدْ لَزِمَهُ مَرَّةً. وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي فِيهَا إِلَّا مَا قَالَ مَالِكٌ؛ لِمُوَافَقَتِهِ تَأْوِيلَ الْآثَارِ وَالسُّنَّةِ. 987 - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَاعَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلَانِ اثْنَانِ، وَهِيَ خَمْسٌ تَامَّةٌ، ثُمَّ جَاءَ الْمُصَدِّقُ، فَإِنَّ سُفْيَانَ يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ فِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لِلسَّنَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلثَّانِيَةِ شَيْءٌ -[464]- وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ شَاتَانِ، لِكُلِّ سَنَةٍ وَاحِدَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَذْهَبِهِ هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِخَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ، لِمَكَانِ الدَّيْنِ الَّذِي لَزِمَهُ مِنْ تِلْكِ الشَّاةِ، فَصَارَتْ لَهُ خَمْسٌ غَيْرُ قِيمَةِ شَاةٍ، فَأَسْقَطَ عَنْهُ الصَّدَقَةَ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ. وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَتَلَفَّتُ إِلَى الدَّيْنِ الَّذِي لَزِمَهُ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى مَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ فِي أَيْدِيهِمْ قَائِمًا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَحْوَالِ عَلَى الْمَاشِيَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ هَذَا عِنْدِي؛ لِمَا تَأَوَّلْنَا فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَعْيَانِ الْمَاشِيَةِ إِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَا يُحَاسَبُ أَحَدٌ بِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَلَا تَعُودُ الصَّدَقَةُ دَيْنًا يَتَّسِعُ بِهِ صَاحِبُهَا وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَاهُ إِذَا كَانَتِ الْمَاشِيَةُ إِنَّمَا هَلَكَتْ مِنْ حَادِثٍ يَحْدُثُ بِهَا غَيْرُ اسْتِهْلَاكٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ لَهَا بِبَيْعٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ هُوَ الْجَانِيَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ فِي الْأَقْوَالِ كُلِّهَا. وَمِمَّا يُقَوِّي مَا تَأَوَّلْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ حَيًّا حَاضِرًا يَوْمَ يَأْتِي الْمُصَدِّقُ؛ حَدِيثَ عُمَرَ

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَوْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْمَحْفُوظُ عِنْدِي أَنَّهُ يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذُبَابٍ، أَنَّ عُمَرَ §أَخَّرَ الصَّدَقَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ. قَالَ: فَلَمَّا أَحْيَا النَّاسُ بَعَثَنِي، فَقَالَ: اعْقِلْ عَلَيْهِمْ عِقَالَيْنِ، فَاقْسِمْ فِيهِمْ عِقَالَا، وَائْتِنِي بِالْآخَرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَخَذَهُمْ بِصَدَقَةِ عَامَيْنِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِي مِثْلِ هَذِهِ -[465]- الْمُدَّةِ وَأَقَلَّ مِنْهَا مَا تَكُونُ الْحَوَادِثُ بِالْمَاشِيَةِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَاسَبُوا بِشَيْءٍ مِمَّا تَلَفَ؟ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ فِيمَا أَظُنُّ

حُدِّثْتُ بِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَصْلُ الثِّنَى فِي كَلَامِهِمْ تَرْدِيدُ الشَّيْءِ وَتَكْرِيرُهُ، وَوَضْعُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ يَقُولُ: فَإِذَا تَأَخَّرَتِ الصَّدَقَةُ عَنْ قَوْمٍ عَامًا لِحَادِثَةٍ تَكُونُ حَتَّى تَتْلَفَ أَمْوَالُهُمْ، لَمْ تُثْنَ عَلَيْهَا فِي قَابِلٍ صَدَقَةُ الْعَامِ الْمَاضِي، وَلَكِنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ لِلْعَامِ الَّذِي يُصَدِّقُونَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَتْلَفْ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِصَدَقَتِهَا كُلِّهَا وَإِنْ أَتَى عَلَيْهَا أَعْوَامٌ. وَلَيْسَ هَذَا حِينَئِذٍ بِثِنَى؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُؤْخَذُ مِنْ أَعْيَانِ الْمَاشِيَةِ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي مِلْكِهِمْ، فَكَذَلِكَ يُؤْخَذُونَ بِصَدَقَةِ مَا مَضَى. وَفِي الثِّنَى وَجْهٌ آخَرُ: أَنْ لَا تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ مِنْ عَامٍ مَرَّتَيْنِ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ وَضَعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى مُفَسَّرًا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الثِّنَى: «إِنَّ §الصَّدَقَةَ لَا تُثْنَى، وَلَكِنَّهَا تُؤْخَذُ فِي الْخِصْبِ وَالسِّمَنِ وَالْعَجَفِ» . قَالَ: «وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَتِ الْإِبِلُ عَوَامِلَ، وَلَمْ تَكُنْ سَائِمَةً، فَإِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ -[466]-، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ وَهُوَ خَلِيفَةٌ أَنْ §تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي تَعْمَلُ فِي الرِّيفِ، وَقَالَ: حَضَرْتُ ذَا وَعَايَنْتُهُ مِنْ كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: §رَأَيْتُ الْإِبِلَ الَّتِي تُكْرَى لِلْحَجِّ تُزَكَّى بِالْمَدِينَةِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حُضُورٌ لَا يُنْكِرُونَهُ، وَيَرَوْنَهُ مِنَ السُّنَّةِ، إِذَا لَمْ تَكُنِ الْإِبِلُ مُفْتَرِقَةً قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهُوَ رَأْيُ اللَّيْثِ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَذْهَبَانِ إِلَى أَنَّ الْآثَارَ إِنَّمَا جَاءَتْ مُجْمَلَةً فِي الْإِبِلِ، وَلَمْ يُسْتَثْنَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ. يَقُولَانِ: فَكُلُّهَا دَاخِلٌ فِي الصَّدَقَةِ. وَكَذَلِكَ نَرَى مَذْهَبَ عُمَرَ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ، لَوْلَا أَنَّا وَجَدْنَا السُّنَّةَ قَدْ خَصَّتِ السَّائِمَةَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ، فَلَا نَخُصُّ إِلَّا مَا خَصَّتْ، وَلَا نَعُمُّ إِلَّا مَا عَمَّتْ

قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§فِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ عَنْ حِسَابِهَا، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنْعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إِبِلِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَا يَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ»

988 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يُحَدِّثُونَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §لَيْسَ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ -[467]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمَّا جَاءَنَا هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُفَسَّرَيْنِ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ بِذِكْرِ السَّائِمَةِ اتَّبَعْنَاهُمَا، وَتَرَكْنَا مَا سِوَاهُمَا، وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ مَعَ هَذَا يُفْتِي بِهِ

989 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، عنُ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ 990 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ جَمِيعًا، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا. 991 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ، ثُمَّ ضَاعَ مِنْهَا بَعْضُهَا، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْبَاقِيَ بِحِسَابِهِ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْخَمْسَ مِنَ الْإِبِلِ، هَذَا إِذَا مَاتَ مِنْهَا وَاحِدٌ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا؛ لِأَنَّ الصَّامِتَ إِنَّمَا يُزَكِّيهِ صَاحِبُهُ لِشَهْرٍ مَعْلُومٍ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا إِلَى السُّلْطَانِ، إِنَّمَا يَبْعَثُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً مَنْ يُزَكِّيهَا، وَقَدْ تَخْتَلِفُ أَوْقَاتُهُ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا جَاءَهُ الْمُصَدِّقُ مَعَ حُئُولِ الْحَوْلِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ حِينَئِذٍ؛ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ فِي الْمَوَاشِي عِنْدَ مَجِيءِ الْمُصَدِّقِينَ. وَفَرَّقُوا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. 992 - وَقَدْ كَانَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَنَاسٌ مَعَهُ يُفْتُونَ بِخِلَافِ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، يَقُولُونَ: إِذْ جَاءَ الْمُصَدِّقُ، وَقَدْ ذَهَبَتْ وَاحِدَةٌ مِنَ الْإِبِلِ الْخَمْسِ، فَعَلَيْهِ الشَّاةُ كُلُّهَا، فَجَعَلُوهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ اللَّازِمِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: لَوْ ذَهَبَتِ الْمَاشِيَةُ كُلُّهَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّاةُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَى الزَّكَاةِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ هَذِهِ الشَّاةِ، كَانَتِ الزَّكَاةُ تَحَاصَّ الْغُرَمَاءُ فِي دَيْنِهِمْ. وَهَذَا قَوْلٌ -[468]- يَفْحُشُ، وَيَخْرُجُ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ

باب صدقة البقر وما فيها من السنن

§بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ وَمَا فِيهَا مِنَ السُّنَنِ

993 - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ «§يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» -[469]-، قَالَ: قَالَ الْأَعْمَشُ: وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. 995 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذٍ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً

996 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٍ مُسِنَّةً، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا جَذَعًا

997 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالْأَجْلَحِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالُوا: §فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ مِنَ الْبَقَرِ 998 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ بِمِثْلِ ذَلِكَ سَوَاءً قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا أَعْلَمُ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ الْيَوْمَ. عَلَى أَنَّا قَدْ سَمِعْنَا فِي الْأَثَرِ شَيْئًا نَرَاهُ غَيْرَ مَحْفُوظٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ لَا يَعْرِفُونَهُ

999 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ فِي كِتَابِ صَدَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ «§الْبَقَرَ يُؤْخَذُ مِنْهَا مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْإِبِلِ» -[470]- 1000 - قَالَ: وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا غَيْرُهُمْ، فَقَالُوا: فِيهَا مَا فِي الْإِبِلِ

1001 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْفَهْمِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ §صَدَقَةَ الْبَقَرِ، مِثْلُ صَدَقَةِ الْإِبِلِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا أَسْنَانَ فِيهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا قَوْلٌ لَمْ نَجِدْهُ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِهِمَا، إِنَّمَا الْمَعْمُولُ بِهِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا فِي الْبَقَرِ السَّائِمَةِ، فَإِذَا كَانَتِ الْبَقَرُ عَوَامِلَ فَفِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ

1002 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ

1003 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ، قَالُوا: «§لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ»

1004 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ طَلْحَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ

1005 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ 1006 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، مِثْلَ ذَلِكَ

1007 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ -[471]- الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§لَيْسَ فِي الثَّوْرِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ»

1008 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «§لَا صَدَقَةَ عَلَى مُثِيرَةٍ»

1009 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: §لَيْسَ عَلَى الْحَرَّاثَةِ صَدَقَةٌ

1010 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «§لَيْسَ فِي السَّوَانِي مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَلَا فِي بَقَرِ الْحَرْثِ صَدَقَةٌ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا سَوَانِي الزَّرْعِ، وَعَوَامِلُ الْحَرْثِ»

1011 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الَّتِي تَحْرُثُ الْأَرْضَ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الْقَمْحِ صَدَقَةً، وَإِنَّمَا الْقَمْحُ بِالْبَقَرِ 1012 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ رَأْيُهُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِيهَا. 1013 - قَالَ: وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَرَى أَنَّ فِيهَا الصَّدَقَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَ مَالِكٍ فِي الْبَقَرِ خَاصَّةً -[472]-، وَإِنَّمَا ذَهَبَ فِيمَا نَرَى إِلَى مَذْهَبِهِ فِي الْإِبِلِ؛ أَنَّ الْجُمْلَةَ جَاءَتْ بِالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، فَحَمَلَ الْمَعْنَى عَلَى الْجَمِيعِ، حَتَّى أَدْخَلَ فِيهَا الْعَوَامِلَ وَالْحَوَارِثَ، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْوَجْهَ، لَوْلَا أَنْ تَوَاتَرَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا خَاصَّةً، مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى الْيَوْمِ، وَبِهِ يَأْخُذُ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَهُوَ رَأْيُ سُفْيَانَ. 1014 - وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ مَالِكٍ، فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعَ أَنَّكَ إِذَا صِرْتَ إِلَى النَّظَرِ وَجَدْتَ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالُوا، أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي الْعَوَامِلِ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا إِذَا اعْتُمِلَتْ، وَاسْتَمْتَعَ بِهَا النَّاسُ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الدَّوَابِّ الْمَرْكُوبَةِ، وَالَّتِي تَحْمِلُ الْأَثْقَالَ مِنَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَشْبَهَتِ الْمَمَالِيكَ وَالْأَمْتِعَةَ، فَفَارَقَ حُكْمُهَا حُكْمَ السَّائِمَةِ لِهَذَا. 1015 - وَأَمَّا الْجِهَةُ الْأُخْرَى فَالَّتِي فَسَّرَهَا ابْنُ شِهَابٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تَسْنُو وَتَحْرُثُ، فَإِنَّ الْحَبَّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ إِنَّمَا يَكُونُ حَرْثُهُ وَسَقْيُهُ وَدِيَاسُهُ بِهَا، فَإِذَا صُدِّقَتْ هِيَ أَيْضًا مَعَ الْحَبِّ، صَارَتِ الصَّدَقَةُ مُضَاعَفَةً عَلَى النَّاسِ. فَهَذِهِ أَحْكَامُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: فَأَحَدُهَا: أَنَّهَا إِذْ كَانَتْ بَقَرًا مُبَقَّرَةً وَهِيَ السَّوَائِمُ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلنَّسْلِ وَالنَّمَاءِ فَصَدَقَتُهَا عَلَى مَا قَصَصْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ التَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةِ. وَالصِّنْفُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ يُرَادُ بِهَا التِّجَارَةُ، فَسُنَّتُهَا فِي الصَّدَقَةِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، فَيُقَوِّمُهَا رَبُّهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ، ثُمَّ يَضُمُّهَا إِلَى مَالِهِ -[473]-، وَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالَا فَصَاعِدًا، زَكَّاهُ كَمَا يُزَكِّي الْعَيْنَ وَالْوَرِقَ سَوَاءً، فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالَا نِصْفُ مِثْقَالَ، وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ. وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: هَذِهِ الْعَوَامِلُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَلَا صَدَقَةَ فِيهَا. وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ إِذَا كَانَتْ مُؤَبَّلَةً يُبْتَغَى نَسْلُهَا وَنَمَاؤُهَا، فَصَدَقَتُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُتُبِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ، أَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةً، ثُمَّ عَلَى هَذَا، فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَوَامِلَ، فَلَا شَيْءَ فِيهَا. 1016 - فَأَمَّا الْغَنَمُ فَإِنَّهَا تُجَامِعُ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ فِي السَّائِمَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَتُفَارِقُهُمَا فِي الْعَوَامِلِ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ لَا عَوَامِلَ فِيهَا، لَكِنَّ الصِّنْفَ الثَّالِثَ مِنَ الْغَنَمِ الَّذِي تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّدَقَةُ هِيَ الرَّبَائِبُ مَتَى تُتَّخَذُ فِي الْبُيُوتِ بِالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى، وَتَكُونُ أَلْبَانُهَا لِقُوتِ النَّاسِ وَطَعَامِهِمْ، وَلَيْسَتْ لِتِجَارَةٍ وَلَا سَائِمَةً، وَهِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ

1017 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الرَّبَائِبِ صَدَقَةٌ

1018 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ، سَمِعَ أَبَا لَيْلَى، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي §الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً حَلُوبًا فِي الْمِصْرِ قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ» -[474]- 1019 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ فِيمَا يُحْكَى عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جَمِيعًا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَوْصَافِ، فَإِذَا كَانَتْ فِي الْبَقَرِ أَوْقَاصٌ وَهِيَ لِلتِّجَارَةِ، اسْتَوَتْ أَوْقَاصُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَكَانَ فِي كُلِّهَا صَدَقَةٌ، إِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ عَلَى سُنَّةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً فَهِيَ الَّتِي تَسْقُطُ الصَّدَقَةُ عَنْ أَوْقَاصِهَا. 1020 - وَكَذَلِكَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، مَعَ مَا جَاءَ فِيهَا مِنَ الْآثَارِ

1021 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ: §بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا قَالَ: وَالتَّبِيعُ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنَ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنَ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنَ الثَّمَانِينَ مُسِنَّتَيْنِ، وَمِنَ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتَابِيعَ، وَمِنَ الْمِائَةِ مُسِنَّةً وَتَبِيعَيْنِ، وَمِنَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَتَابِيعَ. قَالَ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا آخُذَ مِمَّا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا، وَقَالَ: إِنَّ الْأَوْقَاصَ لَا فَرِيضَةَ فِيهَا

1022 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ بِالْيَمَنِ: §لَسْتُ بِآخِذٍ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَأْمُرْنِي فِيهَا بِشَيْءٍ

1023 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ §الْأَوْقَاصَ لَا صَدَقَةَ فِيهَا»

قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ صَدَقَةٌ

1024 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَتَبَ أَنْ §لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأَوْقَاصُ: مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ. وَهُوَ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْأَشْنَاقُ فِي الْإِبِلِ، وَلَيْسَ يُؤْخَذُ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ مِنَ الْأَسْنَانِ غَيْرُ سِنَّيْنِ: التَّبِيعِ، وَالْمُسِنَّةِ

1025 - قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: " §التَّبِيعُ الَّذِي قَدِ اسْتَوَى قَرْنَاهُ وَأُذُنَاهُ وَالمُسِنُّ: الْثَّنِيُّ فَمَا زَادَ "

1026 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ - فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: §وَالتَّبِيعُ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالتَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ هَكَذَا، وَأَمَّا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فَيَقُولُونَ: التَّبِيعُ لَيْسَ بِسِنٍّ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ مِنَ السِّنِّ مَا يَقْوَى عَلَى اتِّبَاعِ أُمِّهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ تَبِيعًا. وَهَذَا لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَكُونُ هَذَا مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ الْإِجْذَاعِ، كَمَا أَنَّ الْفَصِيلَ مِنْ أَوْلَادِ الْإِبِلِ لَيْسَ بِسِنٍّ، وَلَكِنَّهُ سُمِّيَ فَصِيلًا؛ لِأَنَّهُ فَصَلَ عَنْ أُمِّهِ فِي الرَّضَاعِ -[476]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا خَالَطَتِ الْبَقَرَ جَوَامِيسُ فَسُنَّتُهَا وَاحِدَةٌ، وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ

1027 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَتَبَ أَنْ §تُؤْخَذَ صَدَقَةُ الْجَوَامِيسِ كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ الْبَقَرِ 1028 - وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ

1029 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: " §الْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ سَوَاءٌ، وَالْبَخَاتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ وَعِرَابُهَا سَوَاءٌ، وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فِي الْغَنَمِ سَوَاءٌ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ فِي الْعَدَدِ، ثُمَّ أُخِذَتِ الصَّدَقَةُ مِنْهُمَا - 1030 - قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ مَالِكٌ: فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْعَدَدِ مِنَ الْغَنَمِ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ الشَّاةَ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الْأُخْرَى أَخَذَ مِنَ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ " 1031 - وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَيَقُولُونَ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِحِسَابِهَا. 1032 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الرَّأْيِ: إِنَّ الْبَقَرَ لَا أَوْقَاصَ لَهَا، وَأَنَّهَا إِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِينَ وَاحِدَةً أُخِذَ مِنْهَا بِحِسَابِ ذَلِكَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلَّمَا زَادَتْ. 1033 - وَكَانَ يَقُولُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ إِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ مِنَ الدَّنَانِيرِ عَلَى عِشْرِينَ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ -[477]-، فَجَعَلَ الْأَوْقَاصَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَأَسْقَطَهَا مِنَ الْبَقَرِ، وَإِنَّمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْأَوْقَاصِ فِي الْبَقَرِ، وَإِسْقَاطِهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَخَالَفَهَا فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا

باب صدقة الغنم وسننها

§بَابُ صَدَقَةِ الْغَنَمِ وَسُنَنِهَا

1034 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ فِي كِتَابِ صَدَقَةِ النَّبِيِّ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ §الْغَنَمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتِ الْأَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ. قَالَ: فَإِذَا زَادَتِ الْغَنَمُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمِائَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ بَلَغَتْ تِسْعًا وَتِسْعِينَ، حَتَّى تَكُونَ مِائَةً تَامَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ تَامَّةٍ شَاةٌ، وَلَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ، وَلَا فَحْلٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ -[478]- 1035 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ فِي كِتَابَ صَدَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ. 1036 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ نَحْوَهُ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ. 1037 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عُثْمَانَ أَعْطَاهُ كِتَابًا كَتَبَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ. قَالَ: وَهُوَ زَعَمُوا الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. 1038 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَعْطَاهُ كِتَابًا، نَسَخَهُ مِنْ صَحِيفَةٍ كَانَتْ مَرْبُوطَةً بِقُرَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ. 1039 - قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ. قَالَ اللَّيْثُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّهُ عَرَضَهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرَّاتٍ. 1040 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ. فَذَكَرَ فِي الْغَنَمِ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا 1041 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ -[479]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي قَوْلِ سُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا. 1042 - فَإِذَا كَانَتِ الْغَنَمُ سِخَالًا، وَمَسَانًّا، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَيْضًا أَنَّهَا مَحْسُوبَةٌ مَعًا، فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا صِغَارًا، فَهِيَ الَّتِي اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي صَدَقَاتِ الْإِبِلِ. وَالَّذِي عِنْدِي فِيهَا أَنَّ سُنَّتَهُمَا جَمِيعًا وَاحِدَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُمَرَ

1043 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ كَانَ عَلَى الطَّائِفِ، فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، شَكَا إِلَيْنَا أَهْلُ الشَّاءِ، فَقَالُوا: تَعْتَدُّونَ عَلَيْنَا بِالْبَهْمِ، وَلَا تَأْخُذُونَهُ؟ قَالَ: §فَاعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالْبَهْمِ، وَلَا تَأْخُذْهُ حَتَّى يُعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يُرِيحُهَا الرَّاعِي عَلَى يَدَيْهِ، وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّا نَدَعُ لَكُمُ الرُّبَّى، وَالْوَالِدَةَ، وَشَاةَ اللَّحْمِ، وَالْفَحْلَ - قَالَ: وَقَالَ أَيُّوبُ: أَحْسَبُهُ قَالَ: فَحْلُ الْغَنَمِ - وَنَأْخُذُ مِنْكُمُ الْعُنُوقَ وَسَطُهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ 1044 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ. -[480]- 1045 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا تَأْخُذِ الْوَلُودَ، وَلَا الرُّبَّى، وَلَا الْأَكِيلَةَ، وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَلَكِنْ خُذِ الْجَذَعَ، فَذَلِكَ نِصْفٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ: الْأَكِيلَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي الْعَرَبِيَّةِ الْأَكُولَةُ، وَالْأَكُولَةُ: هِيَ الَّتِي تُعْزَلُ لِلْأَكْلِ، وَإِنَّمَا الْأَكِيلَةُ: أَكِيلَةُ السَّبْعِ

1046 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا " §فِي الْغَنَمِ: يَعْتَدُّ بِالسَّخْلَةِ، وَلَا يَأْخُذُهَا "

1047 - قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: §يُعْتَدُّ عَلَيْهِمْ بِالْخَرُوفِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا قَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهَا أَنْ تَكُونَ سِخَالًا بِلَا مُسِنَّةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مَعًا. وَلَيْسَ فِي أَسْنَانِ الْغَنَمِ مَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ غَيْرُ سِنَّيْنِ أَيْضًا مِثْلَ الْبَقَرِ، إِلَّا أَنَّهُمَا فِي الْبَقَرِ يُسَمَّيَانِ التَّبِيعَ وَالْمُسِنَّةَ، وَفِي الْغَنَمِ يُسَمَّيَانِ الْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ. وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ

1048 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلَاعِيِّ -[481]-، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ: §خُذِ الْجَذَعَ وَالثَّنِيَّ

1049 - قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُحَارِبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَهُ أَنْ «§يَأْخُذَ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ»

1050 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: §تُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ وَالثَّنِيَّةُ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ 1051 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ، إِلَّا أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ كَانَ يَخْتَارُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجَذَعَةُ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيَّةُ مِنَ الْمَعْزِ، يُشَبِّهُهَا بِالْأَضَاحِيِّ، وَهَذَا فِيمَا نَرَى مَذْهَبٌ حَسَنٌ. وَلَيْسَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَصْلٌ، وَلَا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَصْلٌ فِي السِّنِّ كَالَّذِي جَاءَ فِي الْإِبِلِ

باب الجمع بين المتفرق، والتفريق بين المجتمع، وتراجع الخليطين في صدقة المواشي

§بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجْتَمَعِ، وَتَرَاجُعِ الْخَلِيطَيْنِ فِي صَدَقَةِ الْمَوَاشِي

1052 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ §فِي عَهْدِي أَنْ لَا آخُذَ رَاضِعَ لَبَنٍ» أَوْ قَالَ: «مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ وَلَا أَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا أُفَرِّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ» . قَالَ: وَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ كَوْمَاءَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا

1053 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ §لَا تُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا فَحْلٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ حِذَارَ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ. هَكَذَا يَقُولُ الْمُحَدِّثُونَ، وَأَنَا أَرَاهُ الْمُصَدَّقَ. يَعْنِي رَبَّ الْمَاشِيَةِ 1054 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَ حَدِيثِ يَزِيدَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَزَادَ فِيهِ: وَلَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عُوَارٍ. -[483]- 1055 - وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا ذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَادَ فِيهِ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ. 1056 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا، نَسَخَهُ مِنْ صَحِيفَةٍ مَرْبُوطَةٍ بِقُرَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الصِّدِّيقِ فِيمَا يُنْهَى عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْهَرِمَةِ وَذَاتِ الْعُوَارِ وَالْفَحْلِ، وَمِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ، وَتَرَاجُعِ الْخَلِيطَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ، مِثْلَ كُلِّهِ. 1057 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِثْلَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ كِتَابِ عُمَرَ سَوَاءً. قَالَ اللَّيْثُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّهُ عَرَضَهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرَّاتٍ. 1058 - قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي كِتَابِ -[484]- صَدَقَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِثْلَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ كِتَابِ عُمَرَ، وَمِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. 1059 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ بِمِثْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي هَذِهِ الْخِلَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَجْمَعَ

1060 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ: صَحِبْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ زَمَانًا، فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ فِي الصَّدَقَةِ، وَالْخَلِيطَانِ: مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْفَحْلِ وَالْمَرْعَى وَالْحَوْضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ تَكَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ قَدِيمًا، فَمِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ

1061 - قَالَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: قَوْلُهُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. يَقُولُ: «§لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَدِّقِ إِذَا كَانَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَهُمْ خُلَطَاءُ، أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ شَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا، ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ وَاحِدَةً» . ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. يَقُولُ: «إِذَا كَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعُونَ شَاةً عَلَى حِدَةٍ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوهَا، فَيَجِدَهَا الْمُصَدِّقُ مُجْتَمِعَةً، فَلَا يَأْخُذَ مِنْهَا إِلَّا شَاةً، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهَا ثَلَاثٌ» هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ

1062 - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. مِثْلَ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ سَوَاءً، وَخَالَفَهُ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ. 1063 - قَالَ: وَقَوْلُهُ: §لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. هُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيطَانِ لَهُمَا مِائَتَا شَاةً وَشَاةٌ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَيُفَرِّقَانِ عَنْهُمَا؛ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا شَاةٌ فَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. 1064 - وَأَمَّا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، فَالَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَصْحَابُنَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. مِثْلَ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ سَوَاءً، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذِهِ الْخَلَّةِ. 1065 - قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. فَإِنَّهُ أَنْ يَكُونَ عِشْرُونَ وَمِائَةُ شَاةٍ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يُفَرِّقَهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ، ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهَا جَمِيعًا شَاةٍ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ. فَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ

1066 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: §لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. هُوَ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعُونَ شَاةً بَيْنَ خَلِيطَيْنِ، فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الصَّدَقَةِ، وَلَكِنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمَا شَاةٌ؛ لِأَنَّهُمَا خَلِيطَانِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. كَقَوْلِ الْآخَرِينَ فَاجْتَمَعُوا أَرْبَعَتُهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ فِي تَأْوِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ -[486]-، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَحْدَهُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْخَلَّتَيْنِ جَمِيعًا إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَالِ، وَتَأَوَّلَهُمَا الْآخَرُونَ أَنَّ إِحْدَاهُمَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْأُخْرَى لِلْمُصَدِّقِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ الْعُدْوَانَ لَا يُؤْمَنُ مِنَ الْمُصَدِّقِ، كَمَا أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَا يُؤْمَنُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، فَأَوْعَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ حِينَ حَدَّثَ عَنْ مُصَدِّقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي عَهْدِي أَنْ لَا أُفَرِّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا أَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ فَقَدْ أَوْضَحَ لَكَ هَذَا أَنَّ النَّهْيَ لِلْمُصَدِّقِ. وَقَوْلُهُ: حِذَارَ الصَّدَقَةِ. بَيَّنَ لَكَ أَنَّ النَّهْيَ لِأَرْبَابِ الْمَالِ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَاشِيَةُ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ اخْتِلَافًا فِي التَّأْوِيلِ، وَفِي الْفُتْيَا، مَعَ آثَارٍ جَاءَتْ بِتَفْسِيرِهَا

1067 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§الْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْفَحْلِ وَالْمَرْعَى وَالْحَوْضِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: وَكُلُّ شَيْءٍ حَدَّثَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَحْيَى، فَإِنَّمَا هُوَ كِتَابٌ كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ

1068 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: §الْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الرَّاعِي وَالْحَوْضِ وَالْفَحْلِ وَلَمْ يُسْنِدْهُ اللَّيْثُ

1069 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، يَقُولُ: «§إِذَا جَمَعَهُمَا الرَّاعِي وَالْفَحْلُ وَالْمُرَاحُ، هَذَا الْخَلِيطَانِ»

1070 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «§الْخَلِيطَانِ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَاحِدًا، وَالْفَحْلُ وَاحِدًا، وَالْمُرَاحُ وَاحِدًا» . قَالَ: «وَالْخَلِيطَانِ فِي الْإِبِلِ مِثْلُ ذَلِكَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الشَّامِ، أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يُجْمَعُ مَالُهُمَا فِي الصَّدَقَةِ. 1071 - وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ ثَمَانُونَ شَاةً بَيْنَ نَفْسَيْنِ أَوْ خَلِيطَيْنِ، أَوْ يَكُونَ عِشْرُونَ وَمِائَةُ شَاةٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ، وَهُمْ خُلَطَاءُ فِي الْمَرْعَى وَالْفَحْلِ وَالْمَوْرِدِ، فَلَيْسَ يَكُونَ فِيهَا كُلِّهَا عِنْدَهُمْ إِلَّا شَاةٌ، يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ مِنْ قِيمَةِ تِلْكَ الشَّاةِ، عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ عَدَدِ الْغَنَمِ، فَهَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ. وَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ فِي التَّفْسِيرِ. 1072 - فَقَالُوا: إِنَّمَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ عَلَى الْمِلْكِ لَا عَلَى الْمُخَالَطَةِ، فَقَالُوا: فِي ثَمَانِينَ شَاةً بَيْنَ خَلِيطَيْنِ شَاتَانِ، وَفِي عِشْرِينَ وَمِائَةٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ خُلَطَاءَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ -[488]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَهُ أُولَئِكَ؛ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ مَرْفُوعًا مُفَسَّرًا، فِي الْمَرْعَى، وَالْحَوْضِ، وَالْفَحْلِ، مَعَ مَا فَسَّرَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ. وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يُحَدِّثُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

1073 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ بَهْزِ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§فِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، وَلَا تُفَرَّقُ عَنْ حِسَابِهَا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُونَ مِنَ الْإِبِلِ بَيْنَ خُلَطَاءَ ثَمَانِيَةٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ، فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ مَنْ نَظَرَ إِلَى الْمِلْكِ ثَمَانٍ مِنَ الْغَنَمِ، عَنْ كُلِّ رَجُلٍ شَاةٌ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ عَنْ حِسَابِهَا، فَأَيُّ تَفْرِيقٍ أَشَدُّ مِنْ نَقْلِهَا مِنْ أَسْنَانِ الْإِبِلِ إِلَى الْغَنَمِ؟ وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي حَدِيثِهِ إِذَا كَانَتْ مِلْكَ وَاحِدٍ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ، إِنَّمَا ذَكَرَ عَدَدَهَا مُجْتَمِعَةً، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ نَظَرَ فِي الْمِلْكِ تَشْبِيهًا بِصَدَقَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْحَبِّ وَالثِّمَارِ، وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ فِي الْمَاشِيَةِ بِخُصُوصِيَّةٍ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا، أَلَا تَرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَرِطِ -[489]- النَّهْيَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَرَاجُعِ الْخَلِيطَيْنِ إِلَّا فِي الْمَوَاشِي خَاصَّةً، فَإِذَا صُيِّرَتْ سُنَّتُهَا كَسُنَّةِ غَيْرِهَا بَطَلَ شَرْطُهُ فِيهَا، وَلِمَا سَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إِبْطَالُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ سُنَّتِهِ، وَلَا تُقَاسُ السُّنَنُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَلَكِنْ تَمْضِي كُلُّ سُنَّةٍ عَلَى جِهَتِهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكُلُّ هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُمْ فِي أَمْرِ الْخُلَطَاءِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ مَالِكًا لِأَرْبَعِينَ شَاةً فَصَاعِدًا. 1074 - فَأَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ لَا يَبْلُغُ مِلْكُهُ أَرْبَعِينَ، فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَتَكُونُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْآخَرِ الْمَالِكِ لِلْأَرْبَعِينَ فَمَا زَادَتْ. وَلَا مَرْجِعَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِهِمْ. 1075 - وَخَالَفَهُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: إِذَا كَمَلَتِ الْأَرْبَعُونَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ، فَفِيهَا شَاةٌ عَلَيْهِمَا. قَالَ: وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّاةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا مِنَ الْغَنَمِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ شَاةً، وَلِلْآخَرِ عَشْرٌ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ، ثُمَّ يَتَرَاجَعَانِ، وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُ الْعَشْرِ عَلَى رَبِّ الثَّلَاثِينَ بِرُبُعِ قِيمَةِ الشَّاةِ، حَتَّى يَكُونَ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ رُبُعَهَا , وَيَلْزَمُ الْآخَرَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمَا، فَإِنْ كَانَتِ الشَّاةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الْعَشْرِ رَجَعَ -[490]- عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِ الْعَشْرِ بِرُبُعِ قِيمَتِهَا، فِي مَذْهَبِ اللَّيْثِ وَتَفْسِيرِهِ. فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فِي مَذْهَبِ قَوْلِ اللَّيْثِ. 1076 - وَأَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ فَذَهَبَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى هَذَا إِنَّمَا هُوَ إِذَا بَلَغَ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ فَزَائِدًا، وَذَلِكَ كَخَلِيطَيْنِ بَيْنَهُمَا مِائَةُ شَاةٍ، لِأَحَدِهِمَا سِتُّونَ، وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ، فَفِيهَا عَلَى قَوْلِهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ خُمْسَاهَا، وَعَلَى رَبِّ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا. 1077 - وَقَالَ سُفْيَانُ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ سِوَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا، قَالُوا: فِي الْأَرْبَعِينَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ لَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَخَالَفُوا اللَّيْثَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَالُوا فِي الْمِائَةِ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ: فِيهَا شَاتَانِ، عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ أُخْرَى. وَتَرَكُوا التَّرَاجُعَ بَيْنَهُمَا، فَخَالَفُوا الْأَوْزَاعِيَّ وَمَالِكًا هُنَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَنَا مُبَيِّنٌ مَذْهَبَ كُلٍّ مِنْهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ، فَإِنَّهُمَا نَظَرَا فِي الْأَرْبَعِينِ فَمَا دُونَهَا إِلَى الْمِلْكِ، وَلَمْ يَعْتَدَّا بِالْمُخَالَطَةِ، وَنَظَرَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْمُخَالَطَةِ، وَلَمْ يَعْتَدَّا بِالْمِلْكِ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مَا فِيهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَقَوْلُهُمْ يُشْبِهُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ، فِي نَظَرَهِمْ إِلَى الْمِلْكِ، وَتَرْكِهِمُ الِاعْتِدَادَ بِالْمُخَالَطَةِ، إِلَّا أَنَّ فِي ذَلِكَ إِسْقَاطَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ -[491]- الْخَطَّابِ فِي التَّرَاجُعِ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَرْكٌ السُّنَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ فَإِنَّهُ عِنْدِي مُتَّبِعٌ لِلْحَدِيثِ فِي مُرَاجَعَةِ الْخَلِيطَيْنِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُوَافِقُ قَوْلُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَا يَتَنَاقَضُ بِتَرْكِهِ النَّظَرَ إِلَى الْمِلْكِ فِي قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ، وَاعْتِمَادِهِ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَالِاجْتِمَاعِ فِي الْأَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا. 1078 - وَمِمَّا يُحَسِّنُ قَوْلَهُ: مَا ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ، حِينَ أَمَرَ أَنْ يُعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالْبَهْمَةِ؛ لِمَا يَدَعُ لَهُمْ مِنَ الْمَاخِضِ وَالرُّبَى وَالْفَحْلِ وَشَاةَ اللَّحْمِ، فَرَأَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُمُ التَّغْلِيظُ، كَمَا كَانَتْ لَهُمُ الرُّخْصَةُ. يَقُولُ اللَّيْثُ أَوْ مَنِ احْتَجَّ لَهُ: فَكَذَلِكَ الْخَلِيطَانِ، إِذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ لَزِمَهَا التَّغْلِيظُ، فَكَانَتْ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ كَمَا تَكُونُ لَهُمَا الرُّخْصَةُ، فِي ثَمَانِينَ شَاةً بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا إِلَّا وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ عِشْرُونَ وَمِائَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، لَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا، فَيَكُونُ هَذَا بِذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ قَوْلٌ سِوَى ذَلِكَ كُلِّهِ

1079 - قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: §إِذَا كَانَ الْخَلِيطَانِ يُعَلِّمَانِ أَمْوَالَهُمَا، لَمْ يُجْمَعْ مَالُهُمَا فِي الصَّدَقَةِ. قَالَ: فَذُكِرَ لِعَطَاءٍ، فَقَالَ: مَا أَرَاهُ إِلَّا حَقًّا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: فِي أَرْبَعِينَ شَاةً تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَقُولَانِ: فَإِنْ كَانَا شَرِيكَيْنِ، وَكَانَتِ الْغَنَمُ بَيْنَهُمَا شَائِعَةً غَيْرَ مَقْسُومَةٍ، فَعَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَالَانِ مَعْلُومَيْنِ، وَهُمَا مَعَ هَذَا خَلِيطَانِ، فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِمَا، فَفَرَّقَا الْحُكْمَ فِيمَا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَالْخُلَطَاءِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ الْيَوْمَ بِهَذَا. -[492]- 1080 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِسِوَى مَا اقْتَصَصْنَا، قَالَ: الْخَلِيطَانِ هُمَا الشَّرِيكَانِ بِأَعْيَانِهِمَا، اللَّذَانِ لَا يَعْرِفُ هَذَا مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ كَعِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ بَيْنَ نَفْسَيْنِ، لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهَا، وَهِيَ مُشَاعَةٌ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَقْسُومَةٍ، فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَأْخُذُ مِنْهَا شَاتَيْنِ، فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِثَمَانِينَ شَاةً عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ إِنَّمَا يَكُونُ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَيَأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَيْ شَاةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَخَذَ مِنْ مَالِي شَاةً وَثُلُثَ، وَأَخَذَ مِنْكَ ثُلُثَا شَاةٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيَّ سَوَاءً، إِنَّمَا هُوَ شَاةٌ عَلَيْكَ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثُّلُثِ

باب ما يجب على المصدق من العدل في عمله، وما في ذلك من الفضل، وفي العدوان من الإثم

§بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُصَدِّقِ مِنَ الْعَدْلِ فِي عَمَلِهِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ، وَفِي الْعُدْوَانِ مِنَ الْإِثْمِ

1081 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْحَقِّ كَالْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ»

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ -[493]- بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا

1083 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا

1084 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «إِنِّي أَبْعَثُكَ إِلَى أَهْلِ كِتَابٍ، §فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ أَجَابُوكَ إِلَى ذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ أَجَابُوكَ إِلَى ذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةَ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَاتَّقِ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا -[494]- دُونَ اللَّهِ حِجَابٌ»

1085 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: §بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا، فَقَالَ: لَا تَأْخُذْ مِنْ حَزَرَاتِ أَنْفُسِ النَّاسِ شَيْئًا، خُذِ الشَّارِفَ، وَالْبَكْرَ، وَذَا الْعَيْبِ. قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ يَسْأَلُنِي لِلَّهِ شَيْئًا غَيْرُكَ، لَا تَأْخُذْ إِلَّا مِنْ خِيَارِهَا. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: حَزَرَاتِ أَنْفُسِ النَّاسِ. يَعْنِي خِيَارَ الْمَالِ، وَالشَّارِفُ مِنَ الْإِبِلِ: هِيَ النَّابُ الْهَرِمَةُ، فَجَاءَتِ الرُّخْصَةُ هَاهُنَا بِأَخْذِهَا، وَأَخْذِ ذِي الْعَيْبِ، وَالْآثَارُ كُلُّهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ لَهُمَا، وَلَا أَعْلَمُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَجْهًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ النَّاسُ أَنْفُسًا بِالصَّدَقَةِ، فَلَمَّا أَنَابَ الْمُسْلِمُونَ، وَحَسُنَتْ نِيَّتُهُمْ، جَرَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى مَجَارِيهَا وَسُنَّتِهَا فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ الْأَرْبَعِ، وَنُهُوا عَنْ إِعْطَاءِ الْهَرِمَةِ وَذَاتِ الْعُوَارِ، بِذَلِكَ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ

1086 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّتْ بِهِ غَنْمُ -[495]- الصَّدَقَةِ، فَرَأَى فِيهَا شَاةً ذَاتَ ضَرْعٍ ضَخْمٍ، فَقَالَ: §مَا أَظُنُّ أَهْلَ هَذِهِ أَعْطَوْهَا وَهُمْ طَائِعُونَ، لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ 1087 - وَزَادَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ: لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ، نَكِّبُوا عَنِ الطَّعَامِ 1088 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ

1089 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أَنَّ شَيْخَيْنِ مِنْ أَشْجَعَ حَدَّثَاهُ، أَنَّ عُمَرَ " بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ مُصَدِّقًا. قَالَا: «فَكَانَ مُحَمَّدٌ يَأْتِينَا، فَيَجْلِسُ، §فَمَا أَتَيْنَاهُ بِهِ مِنْ شَاةٍ فِيهَا وَفَاءٌ بِحَقِّهِ أَخَذَهَا»

1090 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ سَعْرٍ الدِّيلِيَّ، مِنْ كِنَانَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: " §كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي، فَأَتَانِي رَجُلَانِ عَلَى بَعِيرٍ - قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ - فَقَالَا: نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ. فَقُلْتُ: وَمَا الصَّدَقَةُ؟ قَالَا: شَاةٌ فِي غَنَمِكَ. فَقُلْتُ لَهُمَا: إِلَى لَبُونٍ كَرِيمَةَ. فَقَالَا: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِهَذِهِ. ثُمَّ جِئْتُ بِمَاخِضٍ، فَقَالَا: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِهَذِهِ، إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِحُبْلَى، وَلَا ذَاتِ لَبَنٍ. قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى عَنَاقٍ: إِمَّا ثَنِيَّةً، وَإِمَّا جَذَعَةً، فَأَخَذَاهَا، فَوَضَعَاهَا بَيْنَهُمَا، وَدَعَوْا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَمَضَيَا

1091 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَمِعْتُ هُشَيْمًا يَذْكُرُ حَدِيثًا عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: §أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ نَاقَةٍ نَاقَةً، فَأَتَيْتُهُ بِكَبْشٍ لِي، فَقُلْتُ: خُذْهُ صَدَقَةَ هَذَا، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا صَدَقَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ ذَكَرَ هُشَيْمٌ اسْمَ الرَّجُلِ الَّذِي قَبْلَ أَبِي وَائِلٍ، وَلَمْ أَفْهَمْهُ عَنْهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ غَيْرَهُ، فَإِذَا هُوَ مُغِيرَةُ

1092 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «§لَا جَلَبَ، وَلَا جَنَبَ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَبِأَفْنِيَتِهِمْ» -[497]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: لَا جَلَبَ يُفَسِّرُ تَفْسِيرَيْنِ: يُقَالَ: إِنَّهُ فِي رِهَانِ الْخَيْلِ أَنْ لَا يُجْلَبَ عَلَيْهَا، وَيُقَالَ: هُوَ فِي الْمَاشِيَةِ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعٍ، ثُمَّ يُرْسِلَ إِلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ لِيَجْلِبُوا إِلَيْهِ مَوَاشِيَهُمْ، فَيُصَدِّقَهَا، وَلَكِنْ لِيَأْتِهِمْ عَلَى مِيَاهِهِمْ، حَتَّى يُصَدِّقَهَا هُنَاكَ، وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَبِأَفْنِيَتِهِمْ. وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

1093 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فُلَانِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ §صَدِّقُوا النَّاسَ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَبِأَفْنِيَتِهِمْ

1094 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §إِذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ إِلَى الْمَاءِ قَسَّمَ الْغَنَمَ قِسْمَيْنِ، ثُمَّ خَيَّرَ صَاحِبَ الْغَنَمِ، ثُمَّ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْقَسَمِ الَّذِي بَقِيَ

1095 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ مِمَّا كَانَ عُمَّالُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَصْنَعُونَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ: «أَنْ §يُفَرَّقَ الْمَالُ ثَلَاثَ فِرَقٍ، ثُمَّ يَخْتَارَ صَاحِبُهُ ثُلُثًا، ثُمَّ يَأْخُذَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ حَاجَتَهُ مِنَ الثُّلُثِ الثَّانِي» 1096 - قَالَ قَالَ: اللَّيْثُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ 1097 - يُحَدِّثُونَهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ أَوْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ

1098 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ -[498]-، قَالَ: §لَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ الْعَجْفَاءُ، وَلَا الْجَرْبَاءُ، وَلَا الْعَوْرَاءُ، وَلَا الْعَرْجَاءُ الَّتِي لَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ. قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُهَا فِي الْأَضَاحِيِّ

باب ما يستحب لأرباب الماشية أن يفعلوه عند إتيان المصدق إياهم

§بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِأَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ أَنْ يَفْعَلُوهُ عِنْدَ إِتْيَانِ الْمُصَدِّقِ إِيَّاهُمْ

1099 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §لَا يَصْدُرِ الْمُصَدِّقُ عَنْكُمْ إِلَّا وَهُوَ رَاضٍ

1100 - قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: «يَا بَنِيَّ، §إِذَا جَاءَكُمُ الْمُصَدِّقُ فَلَا تَكْتُمُوهُ مِنْ نَعَمِكُمْ شَيْئًا، فَإِنَّهُ إِنْ عَدَلَ عَلَيْكُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَلَهُ، وَإِنْ جَارَ عَلَيْكُمْ فَهُوَ شَرٌّ لَهُ وَخَيْرٌ لَكُمْ، وَلَا تَدَعُوا إِذَا صَدَّقَ الْمَاشِيَةَ وَصَدَرَتْ، أَنْ تَأْمُرُوهُ أَنْ يَدْعُوَ لَكُمْ بِالْبَرَكَةِ»

1101 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا أَرَاهُ إِلَّا قَالَ: عَنْ مَرْثَدٍ - أَوْ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَتَانَا مُصَدِّقُو فُلَانٍ، فَزَادُوا عَلَيْنَا، أَفَأَكْتُمُهُمْ بِقَدْرِ مَا زَادُوا؟ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَا، وَلَكِنِ §اجْمَعْ لَهُمْ مَالَكَ كُلَّهُ، ثُمَّ قُلْ لَهُمْ: مَا كَانَ -[499]- لَكُمْ مِنْ حَقٍّ فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ مِنْ بَاطِلٍ فَدَعُوهُ، فَإِنْ تَعَدَّوْا عَلَيْكَ جُمِعَتْ صَدَقَتُكَ وَمَا تَعَدَّوْا عَلَيْكَ فِي مِيزَانِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

1102 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَاهِرِ بْنِ بَرْنُوعٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَأَخْبَأُ مِنْهُمْ كَرِيمَةَ مَالِي؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا، §إِذَا أَتَوْكُمْ فَلَا تَعْصُوهُمْ، وَإِذَا أَدْبَرُوا فَلَا تَسُبُّوهُمْ، فَتَكُونَ عَاصِيًا خَفَّفَ عَنْ ظَالِمٍ، وَلَكِنْ قُلْ: هَذَا مَالِي، وَهَذَا الْحَقُّ، فَخُذِ الْحَقَّ، وَذَرِ الْبَاطِلَ، فَإِنْ أَخَذَهُ فَذَاكَ، وَإِنْ تَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ جُمِعَا لَكَ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

1103 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُبْشِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: «يَا عَمْرُو بْنَ حُبْشِيٍّ، كَيْفَ أَنْتَ §إِذَا بُعِثَ عَلَيْكُمْ مُصَدِّقُونَ يَسْأَلُونَكُمُ الْعَدَاءَ؟» ثُمَّ قَالَ: «أَعْطِهِمْ مَا سَأَلُوكَ، وَإِلَّا ضَرَبُوا رَأْسَكَ، فَوَقَعَ رَأْسُكَ هَاهُنَا، وَجَسَدُكَ هَاهُنَا، ثُمَّ لَا يَتَكَلَّمُ فِيكَ أَحَدٌ»

1104 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: §إِذَا جَاءَكَ الْمُصَدِّقُ فَادْفَعْ إِلَيْهِ صَدَقَتَكَ، وَلَا تُتْبِعْهَا مِنَّةً، وَوَلِّهِ مِنْهَا مَا تَوَلَّى

1105 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا أُسَيْدٍ صَاحِبَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولَانِ: «إِنَّ §حَقًّا عَلَى النَّاسِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الْمُصَدِّقُ أَنْ يُرَحِّبُوا بِهِ، وَيُخْبِرُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ كُلِّهَا، وَلَا يُخْفُوا عَنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ عَدَلَ فَسَبِيلُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ وَاعْتَدَى، لَمْ يَضُرَّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَسَيُخْلِفُ اللَّهُ لَهُمْ»

باب فروض زكاة الذهب والورق، وما فيهما من السنن

§بَابُ فُرُوضِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَمَا فِيهِمَا مِنَ السُّنَنِ

1106 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّ «§الذَّهَبَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَالْوَرِقُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ»

1107 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: §فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَفِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ

1108 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا نَسَخَهُ مِنْ صَحِيفَةٍ كَانَتْ مَرْبُوطَةً بِقُرَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالَ: §وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ إِذَا بَلَغَتْ رِقَةُ أَحَدِهِمْ خَمْسَ أَوَاقِيَّ 1109 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ صَدَقَةِ عُمَرَ. -[501]- 1110 - قَالَ اللَّيْثُ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ أَنَّهُ عَرَضَهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرَّاتٍ. 1111 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ

1112 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي يُحَدِّثُونَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «§فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ ذُكِرَ الذَّهَبُ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ

1113 - يُحَدِّثُونَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§لَيْسَ فِي أَقَلِّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالَا مِنَ الذَّهَبِ، وَلَا فِي أَقَلِّ مِنْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِذَا كَانَ الرَّجُلُ قَدْ مَلَكَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ مِنَ الْمَالِ مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الصَّدَقَةُ، وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ ثَلَاثُونَ مِنَ الْبَقَرِ، أَوْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ، فَإِذَا مَلَكَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إِلَى آخِرِهِ، فَالصَّدَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ نِصَابَ الْمَالِ، كَذَلِكَ حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ. 1114 - وَهُوَ عِنْدَ اللَّيْثِ مِثْلُ ذَلِكَ يُسَمِّيهِ نِصَابًا، حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ. 1115 - وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ أَصْلَ الْمَالِ

فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ النِّصَابِ وَالْأَصْلِ، فَإِنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ: §عَلَيْهِ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةُ جَمِيعِ مَا فِي يَدَيْهِ 1116 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ أَيْضًا فِي الْمَاشِيَةِ، حَدَّثَنَاهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أَدْرِي مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الصَّامِتِ. 1117 - وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَيَرَوْنَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنَ الصَّامِتِ وَالْمَاشِيَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَالِ عِنْدَهُمْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ، مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ كَانَ مِثْلَهُ 1118 - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُمَرَ فِي اعْتِدَادِهِ بِالْبَهْمِ وَالسَّخْلَةِ أَنَّهُمَا يُحْسَبَانِ مَعَ الْغَنَمِ. يَقُولُونَ: فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ السَّخْلَةَ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا أُضِيفَتْ إِلَى مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الصَّدَقَةُ لَحِقَتْ بِهِ، فَشَبَّهَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الصَّامِتَ مِنَ الْمَالِ بِالْمَاشِيَةِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي الْبَهْمِ وَالسِّخَالِ. 1119 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا أَنَا، فَإِنَّ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ الِاتِّبَاعُ لِمَا قَالَ عُمَرُ فِي الْمَاشِيَةِ خَاصَّةً، وَأَرَى الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مُفَارِقَيْنِ لَهَا فِي التَّشْبِيهِ؛ وَذَلِكَ لِخَلَّتَيْنِ مِنَ الْمَرَافِقِ جُعِلَتَا لِأَهْلِ الْمَوَاشِي فِي السُّنَّةِ، لَيْسَ لِأَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ. 1120 - أَمَّا الْأُولَى: فَإِنَّ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ مِنَ الْأَشْنَاقِ وَالْأَوْقَاصِ فِي الْمَاشِيَةِ مَعْفُوٌّ لِأَهْلِهِ عَنْهُ. 1121 - وَالْخَلَّةُ الْأُخْرَى هِيَ الَّتِي فَسَّرَهَا عُمَرُ نَفْسُهُ، فَقَالَ: إِنَّا نَدَعُ لَهُمُ الرُّبَّى، وَالْمَاخِضَ، وَالْفَحْلَ، وَشَاةَ اللَّحْمِ. فَاسْتَجَازَ الِاحْتِسَابَ بِالْبَهْمِ عَلَيْهِمْ؛ لِمَا -[503]- أَدْخَلَ لَهُمْ مِنَ الْمَرَافِقِ، فَكَانَ هَذَا بِذَا، وَإِنَّ أَهْلَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ هَذَا كُلِّهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمُ الِاسْتِقْصَاءُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوا دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا فِيهِ خَسَاسَةٌ مَكَانَ جَيِّدٍ، وَلَيْسَ فِي مَالَهُمْ شَنَقٌ، وَلَا وَقَصٌ، إِنَّمَا هُوَ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، أَوْ عَلَى عِشْرِينَ مِثْقَالَا، فَعَلَيْهِمْ بِالْحِسَابِ، إِلَّا فِي قَوْلٍ غَيْرِ مَعْمُولٍ بِهِ، فَمَا تُشْبِهُ أَمْوَالُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَمْوَالِ أُولَئِكَ، وَقَدِ افْتَرَقَا فِي السُّنَّةِ وَالنَّظَرِ جَمِيعًا. عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا خَصَّ فِي حَدِيثِهِ الْمَاشِيَةَ خَاصَّةً، وَقَدْ كَانَ يَأْخُذُ زَكَاةَ النَّاسِ مِنَ الصَّامِتِ، وَلَمْ يَأْتِنَا عَنْهُ فِيهَا مِنْ هَذَا شَيْءٌ، فَنَحْنُ نَخُصُّ مَا خَصَّ، وَنَعُمُّ مَا عَمَّ، فَلَا نَرَى فِيمَا سِوَى الْمَاشِيَةِ صَدَقَةً إِلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ يُسْتَفَادُ الْمَالُ، وَبِهَذَا تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ

1122 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «§لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» 1123 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ -[504]- 1124 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ

1125 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: §قَاطَعْتُ مُكَاتَبًا لِي، فَسَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: أَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلَ عَطَاءَهُ سَأَلَهُ: هَلْ عِنْدَهُ مَالٌ قَدْ حَلَّتْ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ عِنْدَهُ مَالًا قَدْ حَلَّتْ فِيهِ الزَّكَاةُ قَاصَّهُ مِمَّا يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَهُ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَالٌ قَدْ حَلَّتْ فِيهِ الزَّكَاةُ سَلَّمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ 1126 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْمُكَاتَبَ

1127 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، قَالَتْ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: §إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَالٌ قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ حَاسَبْنَاكَ بِهِ مِنْ عَطَائِكَ

1128 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ، قَالَ: «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ §يُعْطِيَنَا الْعَطَاءَ فِي زُبُلٍ صِغَارٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا وَجْهُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا عِنْدِي عَلَى مَذْهَبِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ، أَنَّهُمَا إِنَّمَا كَانَا يَأْخُذَانِ الزَّكَاةَ لِمَا قَدْ وَجَبَ قَبْلَ الْعَطَاءِ لَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ. 1129 - يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثٌ لَهُ آخَرُ،

يُحَدِّثُونَهُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ -[505]- خُصَيْفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: §مَنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ

1130 - قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ، قَالَ: §كَانَتْ أُعْطِيَاتُنَا تَخْرُجُ فِي زَمَنِ عُمَرَ لَمْ تُزَكَّ، حَتَّى كُنَّا نَحْنُ نُزَكِّيهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَكُنْ تُؤْخَذُ مِنَ الْعَطَاءِ إِلَّا لِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ كَانَ لِلْعَطَاءِ لَأُخِذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ نُزَكِّيهَا. فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: إِنَّا نُخْبِرُهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ مِنَ الزَّكَاةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ عَنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا يُضَافُ إِلَى الْمَالِ أَنَّهُ يُزَكَّى مَعَهُ، وَلَوْ أَرَادُوا هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ لَدَفَعُوا إِلَيْهِمُ الْعَطَاءَ حَتَّى يَصِيرَ مُضَافًا إِلَى مَا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ مِنَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ وَجْهٍ، إِلَّا أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ شَيْئًا

1131 - قَالَ: سَمِعْتُ شُجَاعَ بْنَ الْوَلِيدِ، يُحَدِّثُهُ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «§لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» -[506]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِنْ كَانَ لِهَذَا أَصْلٌ فَهُوَ السُّنَّةُ، وَإِلَّا فَفِيمَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ قُدْوَةٌ وَمُتَّبَعٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ كَأَنَّهُ سِوَى هَذَا كُلِّهِ

1132 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي §الرَّجُلِ يَسْتَفِيدُ الْمَالَ قَالَ: يُزَكِّيهِ يَوْمَ يَسْتَفِيدُهُ 1133 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَأَوَّلَ النَّاسُ أَوْ مَنْ تَأَوَّلَهُ مِنْهُمْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَادَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَلَا أَحْسِبُهُ أَنَا أَرَادَ ذَلِكَ، وَكَانَ عِنْدِي أَفْقَهَ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ قَوْلِ الْأُمَّةِ، وَلَكِنِّي أَرَاهُ أَرَادَ زَكَاةَ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الْأَرَضِينَ أَمْوَالًا، وَلَا نَعْلَمُ فِي السُّنَّةِ مَالًا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ حِينَ يَمْلِكُهُ رَبُّهُ سِوَى مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ هَذَا، فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ حَدِيثِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ أَوَّلُهُ مَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالَ لَهُ النِّصَابُ وَالْأَصْلُ. -[507]- 1134 - فَإِذَا كَانَ الْمَالُ لَيْسَ بِنِصَابٍ وَلَا أَصْلٍ، وَلَكِنَّهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ، كَرَجُلٍ مَلَكَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ أَرْبَعًا مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ فِيهَا: إِنْ كَانَ تَجَرَ فِي تِلْكَ الدَّنَانِيرِ الْخَمْسَةِ، فَنَمَتْ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، وَهِيَ عِشْرُونَ فَصَاعِدًا، أَوْ نَتَجَتِ الْإِبِلُ الْأَرْبَعُ، فَصَارَتْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ رِبْحَ الْمَالَ إِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَصْلِهِ، وَأَنَّ الْأَوْلَادَ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، فَجَعَلَهَا لَاحِقَةً بِهَا. 1135 - قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ مِنْ وِلَادَةٍ وَلَا شِفٍّ، وَلَكِنَّهَا مِنْ فَائِدَةٍ اسْتَفَادَهَا مِثْلِ الْهِبَةِ وَالْمِيرَاثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ، وَلَا فِي الْفَائِدَةِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ اسْتَفَادَهُ. فَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْفَائِدَةِ وَبَيْنَ الْوِلَادَاتِ وَالْأَرْبَاحِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ، أَوْ بِكَلَامٍ هَذَا مَعْنَاهُ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَيْنِ قَبْلَهُ. 1136 - وَأَمَّا سُفْيَانُ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ غَيْرَ مَالِكٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَرْقٌ، وَلَا يَرَوْنَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، حَتَّى يَسْتَأْنِفَ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ صَارَتِ الزِّيَادَةُ فِي يَدَيْهِ، إِنْ كَانَتْ مِنْ نِتَاجٍ أَوْ نَمَاءٍ، أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ تَجِبُ فِي مِثْلِهَا الزَّكَاةُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلُ ذَلِكَ

1137 - قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي §رَجُلٍ أَصَابَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ أَصَابَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَصَابَ تَمَامَ الْمِائَتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ يَوْمِ يَحُولُ الْحَوْلُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ 1138 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَنَا، نَرَى النَّمَاءَ فِي الْمَالِ النِّتَاجِ كَغَيْرِهِمَا مِنَ الْفَوَائِدِ، إِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ هِبَةٌ مِنْ هِبَاتِ اللَّهِ وَسَيْبِهِ الَّذِي يُفِيدُ بِهِ الْعِبَادَ. 1139 - وَهَذَا الْبَابُ كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِ الَّذِي يَسْتَأْنِفُ صَاحِبُهُ مِلْكَهُ اسْتِئْنَافًا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ، ثُمَّ يُضَافُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَالُ الْأَوَّلُ مِنْ بَقِيَّةِ مَالٍ قَدْ كَانَتِ الزَّكَاةُ حَلَّتْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَى هَذِهِ الْبَقِيَّةِ مَالٌ آخَرُ، فَهَذَا الَّذِي قَالَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ إِنَّهُ يُزَكَّى الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ

1140 - حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا فِي مَنْزِلِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ §الرَّجُلَ يَسْتَفِيدُ الْمَالَ قَبْلَ حُلُولِ الزَّكَاةِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَحَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ: «يُزَكِّيهِ مَعَ مَالِهِ» . قَالَ: فَرَأَيْتُهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ

1141 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ حِينَ تَحِلُّ زَكَاتُهُ

1142 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §إِذَا حَضَرَ الشَّهْرُ الَّذِي وَقَّتَ الرَّجُلُ أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ زَكَاةَ مَالِهِ، أَدَّى عَنْ كُلِّ مَالٍ لَهُ 1143 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ -[509]- الثَّانِي مُضَافًا إِلَى بَقِيَّةِ مَالٍ قَدْ كَانَتِ الزَّكَاةُ حَلَّتْ فِيهِ، فَيُلْحِقُونَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ عِنْدِي، إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَالِ الْمُخْتَلَطُ، الَّذِي لَا يُوقَفُ عَلَى وَقْتِ اسْتِفَادَتِهِ، كَالرَّجُلِ التَّاجِرِ أَوْ غَيْرِهِ يَسْتَفِيدُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ فِي الْأَيَّامِ مِنَ الْأَرْبَاحِ أَوْ غَيْرِهَا، فَيَأْتِي عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ لَا يُحْصِي مَا مَضَى مِنْ فَوَائِدِهِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى أَوْقَاتِهَا، فَهَذَا الَّذِي يَضُمُّ بَعْضَ مَالِهِ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ يُزَكِّيهِ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى زَكَاةِ الْمَالِ الْأَوَّلِ إِلَّا بِهَذَا الْفِعْلِ، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ فِي ذَلِكَ بِالِاحْتِيَاطِ، فَيُزَكِّيَهُ أَجْمَعَ. فَأَمَّا مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ مَالٌ أَفَادَهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَعَلِمَ مَبْلَغَهُ وَوَقْتَهُ، فَمَا بَالُ هَذَا يُضِيفُهُ إِلَى الْأَوَّلِ؟ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ إِلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ، فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ حَقٌّ لَزِمَ مَالًا إِلَى مَالٍ سِوَاهُ؟ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ أَنْ لَا يَلْزَمَ كُلَّ مَالٍ إِلَّا حَقُّهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَيْءٌ يُفَسِّرُ هَذَا

1144 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَطَنِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بِوَاسِطَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالُوا: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ «§لَا تَأْخُذُوا مِنْ أَرْبَاحِ التُّجَّارِ شَيْئًا، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ»

1145 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: أَتَيْتُ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ قُرِئَ الْكِتَابُ، فَقَالَ صَاحِبٌ لِي: لَوْ شَهِدْتَ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَرْبَاحِ التُّجَّارِ أَنْ §لَا يُعْرَضَ لَهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ عُمَرَ اسْتَأْنَفَ بِالرِّبْحِ حَوْلًا، وَلَمْ يَضُمَّهُ إِلَى أَصْلِ -[510]- الْمَالِ، ثُمَّ يُزَكِّيهِ مَعًا؟ فَإِذَا كَانَ لَا يَرَى أَنْ يَضُمَّ نَمَاءَ الْمَالِ إِلَيْهِ وَهُوَ مِنْهُ، فَالْفَائِدَةُ مِنْ ذَلِكَ أَبْعَدُ. 1146 - وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ، إِذْ رَأَى أَنْ يَضُمَّ الرِّبْحَ إِلَى أَصْلِ الْمَالِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الرِّبْحِ وَالْفَائِدَةِ، وَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الرِّبْحِ أَيْضًا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَقَدْ كَانَ اللَّيْثُ يَقُولُ نَحْوَ هَذَا

1147 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: §إِنَّمَا يُزَكِّي مَا أُضِيفَ إِلَى نِصَابِ الْمَالِ مِنَ الْمَاشِيَةِ، فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِمَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ اسْتَفَادَهُمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سِوَى ذَلِكَ كُلِّهِ

1148 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «§إِنْ كَانَ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ أَكْثَرَ، وَالْفَائِدَةُ أَقَلَّ زَكَّاهُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَفَادَ أَكْثَرَ، فَلَا يُزَكِّيهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الدَّرَاهِمِ إِذَا بَلَغَتْ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ مِائَتَيْنِ، وَفِي الدَّنَانِيرِ إِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ، فَإِذَا نَقَصْنَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّ فِي هَذَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ

1149 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ §رَجُلٍ -[511]- لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: «يُعْطِي مِنْ هَذِهِ بِحِصَّتِهَا، وَمِنْ هَذِهِ بِحِصَّتِهَا»

1150 - قَالَ: وَسَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ، فَقَالَ: §يَحْسِبُ الْأَقَلَّ عَلَى الْأَكْثَرِ، فَإِذَا بَلَغَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ زَكَّاهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنْ يَحْسِبَ الْأَقَلَّ بِقِيمَتِهِ وَسِعْرِهِ يَوْمَئِذٍ، فَهَذَانِ قَوْلَانِ. 1151 - وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ: فَأَنْ يَجْعَلَ قِيمَةَ الدَّنَانِيرِ عَشَرَةً عَشَرَةً إِذَا ضَمَّهَا إِلَى الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ كَانَ السِّعْرُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ. 1152 - وَأَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ: فَأَنْ تَكُونَ الدَّنَانِيرُ هِيَ الْمَضْمُومَةُ إِلَى الدَّرَاهِمِ بِقِيمَتِهَا أَبَدًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَكْثَرَ. 1153 - وَأَمَّا الْقَوْلُ الْخَامِسُ: فَإِسْقَاطُ الزَّكَاةِ مِنَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، فَلَا يَكُونُ فِيهِمَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الدَّرَاهِمُ مِائَتَيْنِ، وَالدَّنَانِيرُ عِشْرِينَ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ، فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْحِصَصِ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْمَالِ الزَّكَاةُ فِي ذَاتِهِ، وَلَا يَتَحَوَّلُ -[512]- حَقٌّ لَزِمَهُ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ. وَهَذِهِ حُجَّةٌ لِإِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ إِلَى ضَمِّ الْأَقَلِّ إِلَى الْأَكْثَرِ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُمَا مَالًا وَاحِدًا يَقُولُ: رَأَيْتُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ثَمَنًا لِلْأَشْيَاءِ، وَلَا تَكُونُ الْأَشْيَاءُ ثَمَنًا لَهُمَا، وَرَأَيْتُهُمَا مَعَ هَذَا لَا يَحِلُّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسْئًا، فَدَلَّنِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ، فَأَضُمُّ الْأَقَلَّ إِلَى الْأَكْثَرِ بِسِعْرِهِ. فَهَذِهِ حُجَّةُ الشَّعْبِيِّ فِيمَا نَرَى، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ. 1154 - وَبِهِ كَانَ يَقُولُ سُفْيَانُ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَأَمَّا الَّذِي جَعَلَ الدَّنَانِيرَ مَضْمُومَةً إِلَى الدَّرَاهِمِ أَبَدًا إِذَا جَامَعَتْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الدَّرَاهِمِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي زَكَاةِ الدَّرَاهِمِ، وَهِيَ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: وَإِنَّمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ تَشْبِيهًا بِالدَّرَاهِمِ، فَأَنَا أَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ فِي أَمْوَالِ التُّجَّارِ، وَأَضُمُّهَا إِلَى الدَّرَاهِمِ بِقِيمَتِهَا. وَهَذَا مَذْهَبٌ يَذْهَبُ إِلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِالْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ. 1155 - وَقَدْ رُوِيَ شَيْءٌ يُشْبِهُهَ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ الدَّنَانِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ. وَأَمَّا الَّذِي يَجْعَلُ الدَّنَانِيرَ بِعَشَرَةٍ عَشَرَةٍ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى قِيمَتِهَا، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ -[513]- إِلَى أَنَّهَا كَذَا عُدِلَتْ فِي الْأَصْلِ بِهَا، يَقُولُ: أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ، كَمَا لَا تَجِبُ فِي الدَّرَاهِمِ زَكَاةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ؟ فَلَمَّا تَسَاوَيَا وَجَبَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رُبْعُ عُشْرِهَا. 1156 - وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُهُ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ ذَلِكَ رَأْيُهُ، وَخَالَفَ فِيهِ أَصْحَابَهُ، وَأَمَّا الَّذِي يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مِنَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، حَتَّى تَبْلُغَ الدَّرَاهِمُ مِائَتَيْنِ، وَالدَّنَانِيرُ عِشْرِينَ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى السُّنَّةِ نَفْسِهَا. قَالَ: رَأَيْتُهَا قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَتْهُمَا نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. 1157 - وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ رِبًا، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَتَا نَوْعًا وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، ثُمَّ أَحَلَّ صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبَ بِأَضْعَافِ الْفِضَّةِ، إِذْ كَانَا نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. يَقُولُ: فَكَيْفَ أَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَأَجْعَلُهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا، وَقَدْ جَعَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنْسَيْنِ؟ . 1158 - وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَشَرِيكٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ -[514]-، وَهَذَا عِنْدِي هُوَ أَلْزَمُ الْأَقْوَالِ لِتَأْوِيلِ الْآثَارِ، وَأَصَحُّهَا فِي النَّظَرِ، مَعَ الِاتِّبَاعِ لِهَذِهِ الْحُجَّةِ الَّتِي فِي الصَّرْفِ، وَلِحُجَّةٍ أُخْرَى فِي الزَّكَاةِ نَفْسِهَا أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْ غَيْرِ دَرَاهِمَ، وَسِعْرُ الدَّنَانِيرِ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، كَانَتِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ الدَّنَانِيرِ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرُ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَهُوَ مَالِكٌ لِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ مَعْنَى الدَّرَاهِمِ قَدْ زَالَ هَاهُنَا عَنْ مَعْنَى الدَّنَانِيرِ وَبَانَ مِنْهُ؟ فَمَا بَالُ الدَّنَانِيرِ تُضَمُّ إِلَى الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ تَكُونُ مَرَّةً عُرُوضًا إِذَا نَقَصَتْ مِنَ الْعِشْرِينَ، وَتَكُونُ عَيْنًا إِذَا تَمَّتْ عِشْرِينَ؟ وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي إِلَّا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكٌ وَالْحَسَنُ أَنَّهُمَا مَالَانِ مُخْتَلِفَانِ، كَالْإِبِلِ مَعَ الْغَنَمِ، وَكَالْبُرِّ مَعَ التَّمْرِ، لَا يُضَمُّ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا إِلَى صَاحِبِهِ. فَهَذَا مَا فِي الدَّرَاهِمِ إِذَا نَقَصَتْ مِنَ الْمِائَتَيْنِ، وَفِي الدَّنَانِيرِ إِذَا نَقَصَتْ مِنَ الْعِشْرِينَ. -[515]- 1159 - فَإِذَا بَلَغَتْ هَذِهِ مِائَتَيْنِ، وَهَذِهِ عِشْرِينَ، اسْتَوَتِ الْأَقْوَالُ فِيهِمَا، وَزَالَ الِاخْتِلَافُ، فَإِنْ زَادَتَا عَلَى ذَلِكَ كَانَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ

1160 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «§فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَفِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ» 1161 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَ ذَلِكَ

1162 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ

قَالَ: 1163 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ

1164 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيِّ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ زُرَيْقٌ، أُولَئِكَ أَعْلَمُ بِهِ يَعْنِي أَهْلَ مِصْرَ قَالَ: وَكَانَ رُزَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ، وَسُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ «انْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، §فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ -[516]- دِينَارًا دِينَارًا، وَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا» 1165 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ

1166 - وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّ ابْنَ طَارِقٍ حَدَّثَنَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إِلَى الْعِرَاقِ، فَجَعَلَ أَبَا مُوسَى عَلَى الصَّلَاةِ، وَجَعَلَنِي عَلَى الْجِبَايَةِ، وَقَالَ: «§إِذَا بَلَغَ مَالُ الْمُسْلِمِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَخُذْ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ»

1167 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: §وَلَّانِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الصَّدَقَاتِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ -[517]- مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، وَمَا زَادَ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، فَفِيهِ دِرْهَمٌ، وَأَنْ آخُذَ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَبَلَغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فِيهِ دِرْهَمٌ

1168 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي §الدَّرَاهِمِ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا قَالَ: «لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ الْفَضْلِ حَتَّى تَكُونَ ثَمَانِينَ، ثُمَّ كَذَلِكَ»

1169 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «§لَيْسَ فِي النَّيِّفِ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ، حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا»

1170 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ فَشَيْءٌ يُرْوَى عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ: §إِذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ، فَيَكُونَ فِيهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ إِنْ زَادَتْ فَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ كَذَلِكَ يُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ 1171 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُ إِنَّمَا ذَهَبَ فِي هَذَا إِلَى تَأَوُّلِ الْحَدِيثِ: إِذَا بَلَغَتِ الرِّقَةُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ، وَإِلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ: فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. فَجَعَلَ الْمِائَتَيْنِ وَقْتًا وَاحِدًا، وَأَلْغَى مَا دُونَ ذَلِكَ، تَشْبِيهًا بِمَا جَاءَ فِي الْمَاشِيَةِ: فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ شَاتَانِ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ طَاوُسًا عَلَى هَذَا، وَلَا عَمِلَ بِهِ. -[518]- 1172 - وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ شِهَابٍ، فَإِنَّهُ عِنْدِي عَلَى تَأْوِيلِ الْأَوَاقِيِّ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ شَيْءٌ، ثُمَّ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، رَأَوْا أَنَّ فِي كُلِّ أُوقِيَّةٍ دِرْهَمًا، وَلَمْ يَرَوْا فِي الْكُسُورِ شَيْئًا، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذِكْرٌ فِي الْحَدِيثِ. 1173 - وَبِهَذَا الْقَوْلِ كَانَ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ دِرْهَمٌ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُفْهِمَ النَّاسَ الْحِسَابَ، وَأَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَنَّ فِي كُلِّ أُوقِيَّةٍ دِرْهَمًا، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَرَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، وَعَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا، فَفِيهِ الزَّكَاةُ بِالْحِسَابِ. 1174 - وَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَالَ بِهِ عَلِيُّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا الْمَعْمُولُ بِهِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ. وَمَعَ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِتَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ

1175 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ -[519]- صَدَقَةٌ» 1176 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخْبَرَ أَنْ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ شَيْءٌ، أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ الْخَمْسَ حَدًّا فَاصِلًا فِيمَا بَيْنَ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَبَيْنَ مَا لَا تَجِبُ؟ . 1177 - فَتَبَيَّنَ لَنَا بِقَوْلِهِ هَذَا أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِ سَوَاءٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ، إِذْ لَمْ يَذْكُرْ بَعْدَ الْخَمْسِ وَقْتًا آخَرَ كَتَوْقِيتِهِ فِي الْمَاشِيَةِ حِينَ قَالَ: فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ شَاتَانِ. فَجَعَلَ صَدَقَةَ الْمَاشِيَةِ خَاصَّةً مَرَاتِبَ، بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَأَلْغَى مَا بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَ الصَّامِتَ وَمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذَا بَلَغَتِ الْخَمْسَ فَصَاعِدًا، ثُمَّ شَرَحَهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِمْ: وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ. ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا

باب الصدقة في التجارات والديون، وما يجب فيها، وما لا يجب

§بَابُ الصَّدَقَةِ فِي التِّجَارَاتِ وَالدُّيُونِ، وَمَا يَجِبُ فِيهَا، وَمَا لَا يَجِبُ

1178 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، قَالَ: §كُنْتُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ إِذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ جَمَعَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ، ثُمَّ حَسَبَهَا شَاهِدَهَا وَغَائِبَهَا، ثُمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ

1179 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ بِي عُمَرُ، فَقَالَ: يَا حِمَاسُ، §أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ. فَقُلْتُ: مَا لِي مَالٌ إِلَّا جِعَابٌ وَأُدُمٌ. فَقَالَ: قَوِّمْهَا قِيمَةً، ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا 1180 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ

1181 - قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ - لَا أَدْرِي أَذَكَرَهُ عَنْ نَافِعٍ أَمْ عَنْ غَيْرِهِ - قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «§مَا كَانَ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ بَزٍّ يُرَادُ بِهِ التِّجَارَةُ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ»

1182 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ: §قَوِّمْهُ بِنَحْو مِنْ ثَمَنِهِ يَوْمَ حَلَّتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ أَخْرِجْ زَكَاتَهُ 1183 - عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالتَّرَبُّصِ حَتَّى يَبِيعَ، وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ

1184 - قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: §إِذَا حَلَّتْ عَلَيْكَ الزَّكَاةُ فَانْظُرْ مَا كَانَ عِنْدَكَ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ لِلْبَيْعِ، فَقَوِّمْهُ قِيمَةَ النَّقْدِ، وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ فِي مَلَاءَةٍ فَاحْسِبْهُ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ، ثُمَّ زَكِّ مَا بَقِيَ

1185 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§إِذَا حَضَرَ الشَّهْرُ الَّذِي وَقَّتَ الرَّجُلُ أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ زَكَاتَهُ أَدَّى كُلَّ مَالٍ لَهُ، وَكُلَّ مَا ابْتَاعَ مِنَ التِّجَارَةِ، وَكُلَّ دَيْنٍ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهُ ضِمَارًا لَا يَرْجُوهُ»

1186 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §يُقَوِّمُ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ إِذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، إِذَا حَلَّتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، فَيُزَكِّيهِ مَعَ مَالِهِ

1187 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْجَوْهَرِ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ زَكَاةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتُرِيَ لِلتِّجَارَةِ 1188 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُمَا قَالَا مِثْلَ ذَلِكَ. 1189 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ 1190 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا كَانَ يَأْخُذُ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ فِي تَقْوِيمِ مَتَاعِ التِّجَارَةِ، وَضَمِّهِ إِلَى سَائِرِ الْمَالِ

1191 - وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ «فِي §الْمَالِ الَّذِي يُدَارُ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا يَنِضُّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ» . قَالَ: «وَأَمَّا الْعُرُوضُ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ صَاحِبِهَا سِنِينَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى يَبِيعَهَا، ثُمَّ لَا يَكُونُ فِي ثَمَنِهَا إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ عَلَى الْمَالِ زَكَاةً مِنْ مَالٍ سِوَاهُ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ كُلِّهِ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ -[523]- 1192 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا يَقُولُ سُفْيَانُ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ مَا يَنِضُّ وَمَا لَا يَنِضُّ فَرْقٌ. عَلَى ذَلِكَ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَنْ ضَمِّ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إِلَى سَائِرِ مَالِهِ النَّقْدِ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ زَكَاةٌ زَكَّاهُ، وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا فَرَّقَ مَا بَيْنَ النَّاضِّ وَغَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ قَبْلَ مَالِكٍ. 1193 - قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْفِقْهِ: إِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِيهَا مَنْ أَوْجَبَهَا بِالتَّقْوِيمِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَالٍ الزَّكَاةُ فِي نَفْسِهِ وَالْقِيمَةُ سِوَى الْمَتَاعِ، فَأُسْقِطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ لِهَذَا الْمَعْنَى. 1194 - وَهَذَا عِنْدَنَا غَلَطٌ فِي التَّأْوِيلِ؛ لَأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا السُّنَّةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ الْحَقُّ فِي الْمَالِ، ثُمَّ يَحُولُ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا يَكُونُ إِعْطَاؤُهُ أَيْسَرَ عَلَى مُعْطِيهِ مِنَ الْأَصْلِ. 1195 - وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي الْجِزْيَةِ أَنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ. فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرْضَ مَكَانَ الْعَيْنِ. -[524]- 1196 - ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ: إِنَّ عَلَيْهِمْ أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ عَدْلَهَا مِنَ أَوَاقِيٍّ فَأَخَذَ الْعَيْنَ مَكَانَ الْعرَضِ. 1197 - وَكَانَ عُمَرُ يَأْخُذُ الْإِبِلَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَإِنَّمَا أَصْلُهَا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ. 1198 - وَأَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْإِبَرَ وَالْحِبَالَ وَالْمَسَالَّ مِنَ الْجِزْيَةِ. 1199 - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ فِي الصَّدَقَةِ نَفْسِهَا أَنَّهُ أَخَذَ مَكَانَهَا الْعُرُوضَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ايتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذْهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ. 1200 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ امْرَأَتَهَ قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي طَوْقًا فِيهِ عِشْرُونَ مِثْقَالَا. فَقَالَ: أَدِّي عَنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. 1201 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَدْ أُخِذَتْ فِيهَا حُقُوقٌ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ تِلْكَ الْحُقُوقُ، فَلَمْ يَدْعُهُمْ ذَلِكَ إِلَى إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَُ حَقٌّ لَازِمٌ لَا يُزِيلُهُ شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُمْ فَدَوْا ذَلِكَ الْمَالَ بِغَيْرِهِ؛ إِذْ كَانَ أَيْسَرَ عَلَى مَنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ أَمْوَالُ التِّجَارَةِ، إِنَّمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْهَا أَنْفُسِهَا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَرَرٌ مِنَ الْقَطْعِ وَالتَّبْعِيضِ، فَلِذَلِكَ تَرَخَّصُوا -[525]- فِي الْقِيمَةِ. 1202 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي تِجَارَةٍ، فَقُوِّمَ مَتَاعُهُ، فَبَلَغَتْ زَكَاتُهُ قِيمَةَ ثَوْرٍ تَامٍّ، أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَمْلُوكٍ، فَأَخْرَجَهُ بِعَيْنِهِ، فَجَعَلَهُ زَكَاةَ مَالِهِ، كَانَ عِنْدَنَا مُحْسِنًا مُؤْدِيًا لِلزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ قِيمَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ. فَعَلَى هَذَا أَمْوَالُ التُّجَّارِ عِنْدَنَا، وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الزَّكَاةَ فَرْضٌ وَاجِبٌ فِيهَا. 1203 - وَأَمَّا الْقَوْلُ الْآخَرُ فَلَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. وَإِنَّمَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي الْعُرُوضِ وَالرَّقِيقِ وَغَيْرِهَا إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَسَقَطَتْ عَنْهَا إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ وَالْعُرُوضَ إِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي السُّنَّةِ إِذَا كَانَتْ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا، وَلِهَذَا أَسْقَطَ الْمُسْلِمُونَ الزَّكَاةَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ، وَأَمَّا أَمْوَالُ التُّجَّارِ فَإِنَّمَا هِيَ لِلنَّمَاءِ وَطَلَبِ الْفَضْلِ، فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالِ تُشْبِهُ سَائِمَةَ الْمَوَاشِي الَّتِي يُطْلَبُ نَسْلُهَا وَزِيَادَتُهَا، فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ لِذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُزَكَّى عَلَى سُنَّتِهَا، فَزَكَاةُ التِّجَارَاتِ عَلَى الْقِيَمِ، وَزَكَاةُ الْمَوَاشِي عَلَى الْفَرَائِضِ، فَاجْتَمَعَتَا فِي الْأَصْلِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ رَجَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي الْفَرَعِ إِلَى سُنَّتِهَا -[526]-. فَهَذَا مَا فِي زَكَاةِ التِّجَارَاتِ إِذَا كَانَتْ أَعْيَانُهَا حَاضِرَةً عِنْدَ أَهْلِهَا. 1205 - فَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا دُيُونٌ، فَإِنَّ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ إِنْ كَانَ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ تِجَارَةٍ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْفُتْيَا تَكَلَّمَ بِهَا السَّلَفُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. 1206 - فَأَحَدُهَا: أَنْ تُعَجَّلَ زَكَاةُ الدَّيْنِ مَعَ الْمَالِ الْحَاضِرِ إِذَا كَانَ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ. 1207 - وَالثَّانِي: أَنْ تُؤَخَّرَ زَكَاتُهُ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَرْجُوٍّ حَتَّى يُقْبَضَ، ثُمَّ يُزَكَّى بَعْدَ الْقَبْضِ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يُزَكَّى إِذَا قُبِضَ وَإِنْ أَتَتْ عَلَيْهِ سِنُونَ إِلَّا زَكَاةً وَاحِدَةً. وَالرَّابِعُ: أَنْ تَجِبَ زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنِ، وَتَسْقُطُ عَنْ رَبِّهِ الْمَالِكِ لَهُ. وَالْخَامِسُ: إِسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْهُ الْبَتَّةَ، فَلَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ مَلِيءٍ. وَفِي كُلِّ هَذَا أَحَادِيثُ

1211 - فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ خَالِدٍ حَدَّثَنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ §كَانَ إِذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ عَنِ الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ

1212 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيد‍َ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: §إِذَا -[527]- حَلَّتِ الصَّدَقَةُ فَاحْسِبْ دَيْنَكَ وَمَا عِنْدَكَ، وَاجْمَعْ ذَلِكَ كُلَّهُ، ثُمَّ زَكِّهِ

1213 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عُثْمَانَ، كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ §الصَّدَقَةَ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَوْ شِئْتَ تَقَاضَيْتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَالَّذِي هُوَ عَلَى مَلِيءٍ تَدَعُهُ حَيَاءً أَوْ مُصَانَعَةً، فَفِيهِ الصَّدَقَةُ»

1214 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §كُلُّ دَيْنٍ لَكَ تَرْجُو أَخْذَهُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ زَكَاتَهُ كُلَّمَا حَالَ الْحَوْلُ

1215 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، §وَقِيلَ لَهُ فِي دَيْنٍ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ، أَيُعْطِي زَكَاتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ

1216 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «§أَيُّ دَيْنٍ تَرْجُوهُ فَإِنَّهُ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ»

1217 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ سَأَلَ مُجَاهِدًا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: §زَكِّ مَا تَرَى أَنَّهُ يَخْرُجُ

1218 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: §يُزَكِّي مِنَ الدَّيْنِ مَا كَانَ فِي مَلَاءَةٍ

1219 - قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: «§إِذَا حَلَّتْ عَلَيْكَ الزَّكَاةُ فَانْظُرْ إِلَى كُلِّ مَالٍ لَكَ، وَكُلَّ دَيْنٍ فِي مَلَاءَةٍ فَاحْسِبْهُ، ثُمَّ أَلْقِ مِنْهُ مَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ، ثُمَّ زَكِّ مَا بَقِيَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الدَّيْنِ الْمَرْجُوِّ الَّذِي يُزَكِّيهِ مَعَ مَالِهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ

1220 - وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ غَيْرَ مَرْجُوٍّ فَإِنَّ يَزِيدَ حَدَّثَنَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي الدَّيْنِ الظَّنُونِ قَالَ: §إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُزَكِّهِ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى 1221 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عُبَيْدَةَ

1222 - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَوِ ابْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ فِي الدَّيْنِ: §إِذَا لَمْ تَرْجُ أَخْذَهُ، فَلَا تُزَكِّهِ حَتَّى تَأْخُذَهُ، فَإِذَا أَخَذْتَهُ فَزَكِّ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ

1223 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ، فَإِنَّ هُشَيْمًا حَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ دَيْنٌ حَيْثُ لَا يَرْجُوهُ، فَأَخَذَهُ بَعْدُ، فَلْيُؤَدِّ زَكَاتَهُ سَنَةً وَاحِدَةً»

1224 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ -[529]-، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَالٍ رَدَّهُ عَلَى رَجُلٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ §آخُذَ مِنْهُ زَكَاةَ مَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ أَرْدَفَنِي كِتَابًا: «إِنَّهُ كَانَ مَالًا ضِمَارًا، فَخُذْ مِنْهُ زَكَاةً عَامَّةً» 1225 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَظَالِمَ كَانَتْ فِي بَيْتِ مَالِ الْجَزِيرَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَيُّوبَ أَوْ نَحْوَهُ.

1226 - قَالَ: قَالَ جَعْفَرٌ: وَسَمِعْتُ مَيْمُونًا، وَيَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ يَتَذَكَّرَانِ الزَّكَاةَ، فَقَالَ يَزِيدُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ §إِذَا أَعْطَى الرَّجُلَ عُمَالَتَهُ، أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ، وَإِذَا رَدَّ الْمَظَالِمَ أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ، وَكَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنَ الْأَعْطِيَةِ إِذَا خَرَجَتْ لِأَصْحَابِهَا

1227 - وَأَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ: فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي §الدَّيْنِ الَّذِي يَمْطُلُهُ صَاحِبُهُ وَيَحْبِسُهُ قَالَ: «زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي يَأْكُلُ مَهْنَأَهُ» وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَ ذَلِكَ

1229 - وَأَمَّا الْقَوْلُ الْخَامِسُ: فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: §لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ

1230 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «§لَا يُزَكِّي الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَا يُزَكِّيهِ صَاحِبُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» -[530]- 1231 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ»

1232 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: §أَمَّا نَحْنُ أَهْلَ مَكَّةَ فَنَرَى الدَّيْنَ ضِمَارًا. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ فِي الْأَخْذِ بِهَا

1233 - فَأَمَّا مَالِكٌ، فَإِنَّ ابْنَ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: §لَيْسَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ إِذَا قَبَضَهُ وَإِنْ مَكَثَ غَائِبًا عَنْهُ سِنِينَ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالٍ سِوَاهُ. قَالَ: وَهَكَذَا التَّاجِرُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْبِضَاعَةُ سِنِينَ، ثُمَّ يَبِيعُهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا زَكَاةُ ثَمَنِهَا بَعْدَ الْبَيْعِ. 1234 - قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَبَضَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْئًا لَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ، زَكَّاهُ مَعَ مَالِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ تَتِمُّ بِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ 1235 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ وَاجِبَةً عَلَيْهِ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، إِذَا كَانَ الدَّيْنُ فِي مَوْضِعِ الْمَلَاءَةِ وَالثِّقَةِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَيْسَ بِمَرْجُوٍّ، كَالْغَرِيمِ يَجْحَدُهُ صَاحِبُهُ مَا عَلَيْهِ، أَوْ يُضَيِّعُ الْمَالَ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ رَبُّهُ، وَلَا يَعْرِفُ مَكَانَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنِّي لَا أَحْفَظُ -[531]- قَوْلَ سُفْيَانَ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ، إِلَّا أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ لِشَيْءٍ مِمَّا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، وَلَا زَكَاةَ سَنَتِهِ أَيْضًا، وَهَذَا عِنْدَهُمْ كَالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ يَسْتَأْنِفُ بِهِ صَاحِبُهُ الْحَوْلَ. 1236 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا الَّذِي أَخْتَارُهُ مِنْ هَذَا، فَالْأَخْذُ بِالْأَحَادِيثِ الْعَالِيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ قَوْلِ التَّابِعِينَ بَعْدَ ذَلِكَ: الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ فِي كُلِّ عَامٍ مَعَ مَالِهِ الْحَاضِرِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ الْمَأْمُونِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَا بِيَدِهِ وَفِي بَيْتِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا أَوْ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمْ تَزْكِيَةَ الدَّيْنِ مَعَ عَيْنِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى الْقَبْضِ لَمْ يَكَدْ يَقِفُ مِنْ زَكَاةِ دِينِهِ عَلَى حَدٍّ، وَلَمْ يَقُمْ بِأَدَائِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ رُبَّمَا اقْتَضَاهُ رَبُّهُ مُتَقَطِّعًا كَالدَّرَاهِمِ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلَّ، فَهُوَ يَحْتَاجُ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ يَقْتَضِيهِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا غَابَ عَنْهُ مِنَ السِّنِينَ وَالشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ، ثُمَّ يُخْرِجُ مِنْ زَكَاتِهِ بِحِسَابِ مَا يُصِيبُهُ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا مَا تَكُونُ الْمَلَالَةُ وَالتَّفْرِيطُ؛ فَلِهَذَا أَخَذُوا لَهُ بِالِاحْتِيَاطِ، فَقَالُوا: يُزَكِّيهِ مَعَ جُمْلَةِ مَالِهِ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ. وَهُوَ عِنْدِي وَجْهُ الْأَمْرِ، فَإِنْ أَطَاقَ ذَلِكَ الْوَجْهَ الْآخَرَ مُطِيقٌ حَتَّى لَا يَشِذَّ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاسِعٌ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الدَّيْنِ الْمَرْجُوِّ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الثِّقَاتِ. 1237 - فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَكَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ يَائِسًا مِنْهُ أَوْ كَالْيَائِسِ، فَالْعَمَلُ فِيهِ عِنْدِي عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الدَّيْنِ الظَّنُونِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ -[532]- فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَا يَرْجُوهُ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْعَاجِلِ، فَإِذَا قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَوْلٍ لَا يَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَمِنْ قَوْلِ مَنْ يَرَى عَلَيْهِ زَكَاةَ عَامِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَيْرَ رَاجٍ لَهُ، وَلَا طَامِعٍ فِيهِ فَإِنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُ يَمِينِهِ، مَتَى مَا ثَبَتَهُ عَلَى غَرِيمِهِ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ إِعْدَامٍ، كَانَ حَقُّهُ جَدِيدًا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الضَّيَاعِ كَانَ لَهُ دُونَ النَّاسِ، فَلَا أَرَى مِلْكَهُ زَالَ عَنْهُ عَلَى حَالٍ، وَلَوْ كَانَ زَالَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ الْوُجْدَانِ، فَكَيْفَ يَسْقُطُ حَقُّ اللَّهِ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَالِ، وَمِلْكُهُ لَمْ يَزَلْ عَنْهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ؟ فَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي دَاخِلٌ عَلَى مَنْ رَآهُ مَالًا مُسْتَفَادًا، وَأَمَّا الدَّاخِلُ عَلَى مَنْ رَأَى عَلَيْهِ زَكَاةَ عَامٍ وَاحِدٍ، فَأَنْ يُقَالَ لَهُ: لَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْمَالُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَالْمَالِ يُفِيدُهُ تِلْكَ السَّاعَةَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَيَلْزَمُكَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَزِمَهُمْ مِنَ الْقَوْلِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ كَسَائِرِ مَالِهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ لَهُ، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، كَقَوْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. 1238 - فَأَمَّا زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ فَلَا نَعْرِفُ لَهَا وَجْهًا، وَلَيْسَ الْقَوْلُ عِنْدِي إِلَّا عَلَى مَا قَالَا إِنَّهُ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ تَعْجِيلُ إِخْرَاجِهَا مِنْ مَالِهِ فِي كُلِّ عَامٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَائِسًا مِنْهُ، فَأَمَّا وُجُوبُهَا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُسْقِطُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ لِذَلِكَ الْمَالِ رَبًّا -[533]-. فَهَذَا مَا فِي تَزْكِيَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ. 1239 - فَإِنْ لَمْ يُرِدْ صَاحِبُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَدَاءِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ تَرْكَ الدَّيْنِ لِلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَحْسِبَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ أَرْخَصَ فِيهِ بَعْضُ التَّابِعِينَ

1240 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: §لِي عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، أَفَأَدَعُهُ لَهُ، وَأَحْتَسِبُ بِهِ مِنْ زَكَاةِ مَالِي؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»

1242 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ §كَانَ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَرْضٍ. قَالَ: فَأَمَّا بُيُوعُكُمْ هَذِهِ فَلَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَى الْحَسَنَ وَعَطَاءً كَانَا يُرَخِّصَانِ فِي ذَلِكَ لِمَذْهَبِهِمَا كَانَ فِي الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَطَاءً كَانَ لَا يَرَى فِي الدَّيْنِ زَكَاةً، وَإِنْ كَانَ عَلَى الثِّقَةِ الْمَلِيءِ، وَأَنَّ الْحَسَنَ كَانَ ذَلِكَ رَأْيَهُ فِي الدَّيْنِ الضِّمَارِ، وَهَذَا الَّذِي عَلَى الْمُعْسِرِ هُوَ ضِمَارٌ لَا يَرْجُوهُ، فَاسْتَوَى قَوْلُهُمَا هَاهُنَا، فَلَمَّا رَأَيَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ حَقُّ اللَّهِ فِي مَالِهِ هَذَا الْغَائِبِ، جَعَلَاهُ كَزَكَاةٍ قَدْ كَانَ أَخْرَجَهَا فَأَنْفَذَهَا إِلَى هَذَا الْمُعْسِرِ، وَبَانَتْ مِنْ مَالِهِ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الزَّكَاةَ، وَأَنْ يُبْرِئَ صَاحِبَهُ مِنْهَا، فَرَأَيَاهُ مُجْزِئًا عَنْهُ إِذَا جَاءَتِ النِّيَّةُ وَالْإِبْرَاءُ. وَهَذَا مَذْهَبٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَعْمَلُ بِهِ، وَلَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ. 1243 - وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ فِيمَا حَكَوْا عَنْهُ يَكْرَهُهُ، وَلَا يَرَاهُ مُجْزِئًا، فَسَأَلْتُ عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِ سُفْيَانَ. وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ عَنْ -[534]- مَالِكٍ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدِي غَيْرُ مُجْزِئٍ عَنْ صَاحِبِهِ لِخِلَالٍ اجْتَمَعَتْ فِيهِ. 1244 - أَمَّا إِحْدَاهَا: فَإِنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَأْخُذُهَا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِ عَنْ ظَهْرِ أَيْدِي الْأَغْنِيَاءِ، ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَأْتِنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَذِنَ لِأَحَدٍ فِي احْتِسَابِ دَيْنٍ مِنْ زَكَاةٍ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّاسَ قَدْ كَانُوا يُدَانُونَ فِي دَهْرِهِمْ. 1245 - الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا مَالٌ تَاوٍ غَيْرُ مَوْجُودٍ، قَدْ خَرَجَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى مَعْنَى الْقَرْضِ وَالدَّيْنِ، ثُمَّ هُوَ يُرِيدُ تَحْوِيلَهُ بَعْدَ التَّوَاءِ إِلَى غَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ، فَهَذَا لَيْسَ بِجَائِزٍ فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ، ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ الْوَجْهُ الْآخَرُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ . 1246 - وَالثَّالِثَةُ: أَنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِهَذَا الدَّيْنِ قَدْ يَئِسَ مِنْهُ، فَيَجْعَلُهُ رِدْءًا لِمَالِهِ يَقِيهِ بِهِ، إِذَا كَانَ مِنْهُ يَائِسًا، وَلَيْسَ يَقْبَلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا مَا كَانَ فِي زَكَاةِ الدُّيُونِ إِذَا كَانَتْ لِلرَّجُلِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ أَيْضًا

1247 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَقُولُ: §هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّهِ، حَتَّى تُخْرِجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَمَنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ، حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا تَطَوُّعًا -[535]-، وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الشَّهْرُ مِنْ قَابِلٍ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَرَاهُ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ جَاءَنَا فِي بَعْضِ الْأَثَرِ وَلَا أَدْرِي عَنْ مَنْ هُوَ أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي أَرَادَهُ عُثْمَانُ هُوَ الْمُحَرَّمُ

1248 - قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: «§إِذَا حَلَّتْ عَلَيْكَ الزَّكَاةُ فَانْظُرْ كُلَّ مَالٍ لَكَ، ثُمَّ اطْرَحْ مِنْهُ مَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ، ثُمَّ زَكِّ مَا بَقِيَ»

1249 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §إِنَّمَا الزَّكَاةُ عَلَى الَّذِي يَأْكُلُ مَهْنَأَهُ 1250 - وَعَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَ ذَلِكَ

1251 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ §رَجُلٍ لَهُ مَالٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ: أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: لَا 1252 - قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فِي رَجُلٍ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَعِنْدَهُ عُرُوضٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، قَالَ اللَّيْثُ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَلْفِ الَّتِي عِنْدَهُ. 1253 - وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ. -[536]- 1254 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ اللَّيْثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الرَّأْيِ. 1255 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ الَّذِي لَمْ يَرَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ إِلَى أَنْ جَعَلَ الْأَلْفَ الْعَيْنَ بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يَحْتَسِبْ بِالْعَرْضِ، يَقُولُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فِيهِ الزَّكَاةُ فِي الْأَصْلِ. 1256 - وَيَذْهَبُ الْآخَرُ إِلَى أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ يَمْلِكُهُ، فَجَعَلَهَا مَكَانَ دَيْنِهِ، وَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ الْأَلْفِ الْعَيْنِ. وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْقَوْلُ؛ لِأَنَّهُ السَّاعَةَ مَالِكٌ لِزِيَادَةِ أَلْفِ عَيْنٍ عَلَى مَبْلَغِ دَيْنِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَلْفُ كَانَ لِغَرِيمِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالدَّيْنِ حَتَّى تُبَاعَ الْعُرُوضُ لَهُ؟ . 1257 - وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ عَنِ الدَّيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْعَيْنِ مِنَ الْمَوَاشِي دُونَ الدَّيْنِ. قَالَ: وَقَدْ كَانَتِ الْإِبِلُ تَكُونُ دَيْنًا مِثْلَ الدِّيَاتِ وَالْأَسْلَافِ، فَلَمْ تَكُنْ تُؤْخَذُ زَكَاتُهَا. قَالَ: فَكَذَلِكَ الصَّامِتُ لَا زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ مِنْهُ. 1258 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْمَاشِيَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَمْ تَكُنْ تُؤْخَذُ مِنْ دُيُونِهَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ قَطُّ، وَلَكِنَّ هَذَا نَسِيَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَعَلَ دَيْنَ الصَّامِتِ قِيَاسًا عَلَى الْحَيَوَانِ، وَقَدْ فَرَّقَتِ السُّنَّةُ بَيْنَهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَبْعَثُ مُصَدِّقِيهِ إِلَى الْمَاشِيَةِ، فَيَأْخُذُونَهَا مِنْ أَرْبَابِهَا بِالْكُرْهِ مِنْهُمْ وَالرِّضَا، وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ، وَعَلَى مَنْعِ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ بَعْدَهُ أَنَّهُمُ اسْتَكْرَهُوا النَّاسَ عَلَى صَدَقَةِ الصَّامِتِ إِلَّا أَنْ يَأْتُوا بِهَا غَيْرَ مُكْرَهِينَ، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَاتُهُمْ يُؤَدُّونَهَا، فَعَلَيْهِمْ فِيهَا أَدَاءُ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ أَيْمَانِهِمْ، وَهُمْ مُؤْتَمَنُونَ -[537]- عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَإِنَّهَا حُكْمٌ يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْأَحْكَامُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ عَلَى الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَلَى الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ جَمِيعًا، فَأَيُّ الْحَكَمَيْنِ أَشَدُّ تَبَايُنًا مِمَّا بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ؟ . 1259 - وَمِمَّا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا لَوْ مَرَّ بِمَالِهِ الصَّامِتِ عَلَى عَاشِرٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ لِي، أَوْ قَدْ أَدَّيْتُ زَكَاتَهُ، كَانَ مُصَدَّقًا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّ رَبَّ الْمَاشِيَةِ قَالَ لِلْمُصَدِّقِ: قَدْ أَدَّيْتُ زَكَاةَ مَاشِيَتِي، كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ قَوْلَهُ، وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَهُ مُصَدِّقٌ، فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا كَثِيرَةٍ

باب الصدقة في الحلي من الذهب والفضة، وما فيهما من الاختلاف

§بَابُ الصَّدَقَةِ فِي الْحُلِيِّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَا فِيهِمَا مِنَ الِاخْتِلَافِ

1260 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، فِي يَدِهَا مَسَكَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: «هَلْ تُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟» قَالَتْ: لَا. قَالَ: «§أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا بِسُوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟»

1261 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ لِيَ حُلِيًّا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَيَبْلُغُ مِائَتَيْنِ؟ §إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ؟ قَالَتْ: عِنْدِي بَنُو أَخٍ لِي أَيْتَامٌ، أَفَأَضَعُهُ فِيهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ

1262 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، §أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ، كَانَ لَهَا طَوْقٌ فِيهِ عِشْرُونَ مِثْقَالَا مِنْ ذَهَبٍ، فَسَأَلَتْهُ: أُؤَدِّي زَكَاتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَدِّي زَكَاتَهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. قَالَتْ: أُعْطِيهَا لِبَنِي أَخٍ لِي أَيْتَامٍ فِي حِجْرِي؟ قَالَ: نَعَمْ

1263 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو «§حَلَّى ثَلَاثَ بَنَاتٍ لَهُ بِسِتَّةِ آلَافِ دِينَارٍ، فَكَانَ يَبْعَثُ مَوْلًى لَهُ جَلِيدًا كُلَّ عَامٍ، فَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ مِنْهُ»

1264 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَأْمُرُنِي أَنْ §أَجْمَعَ حُلِيَّ بَنَاتِهِ كُلَّ عَامٍ، فَأُخْرِجَ زَكَاتَهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَاهُ مَوْلَاهُ: يَعْنِي سَالِمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو

1265 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: §لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إِذَا أَعْطِيَتْ زَكَاتُهُ

1266 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: «§فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ»

1267 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ

1268 - قَالَ: حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: §فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ

1269 - قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، فِي §زَكَاةِ الْحُلِيِّ قَالَا: «إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالَا، فَفِيهِ الزَّكَاةُ» 1270 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، كِلَاهُمَا عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَ ذَلِكَ

1271 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: §فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ كُلَّ سَنَةٍ إِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالَا، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ

1272 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، §فِي الْحُلِيِّ قَالَ: «فِي عِشْرِينَ مِثْقَالَا نِصْفُ مِثْقَالَ، وَفِي أَرْبَعِينَ مِثْقَالَا مِثْقَالَ» 1273 - قَالَ: وَسُئِلَ عَنْهُ الْحَسَنُ، فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا فِيهِ شَيْءٌ، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُزَكَّى

1274 - قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: §سَأَلْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ عَنْ زَكَاةِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ: «إِنَّ لَنَا طَوْقًا لَقَدْ زَكَّيْتُهُ حَتَّى أُتِيَ عَلَى نَحْوِ ثُمُنِهِ» -[540]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ

1275 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: §أَفِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ؟ قَالَ: لَا. قِيلَ: وَإِنْ بَلَغَ عَشَرَةَ آلَافٍ؟ قَالَ: كَثِيرٌ

1276 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ §كَانَ يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، فَيَجْعَلُ حُلِيَّهَا مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ. قَالَ: فَكَانُوا لَا يُعْطُونَ عَنْهُ. يَعْنِي الزَّكَاةَ

1277 - قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ §سَيْفٍ عَلَيْهِ الْفِضَّةُ الْكَثِيرَةُ أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: «لَا»

1278 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُغِيرَةَ، قَالَ: §سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ زَكَاةِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ عَائِشَةَ أَمَرَتْ بِهِ نِسَاءَهَا، وَلَا بَنَاتِ أَخِيهَا

1279 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ §عَنْ صَدَقَةِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَفْعَلُهُ

1280 - قَالَ: وَسَأَلْتُ عَمْرَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَفْعَلُهُ، وَقَدْ كَانَ §لِي عِقْدٌ فِيهِ ثِنْتَا عَشْرَةَ مِائَةً، فَمَا كُنْتُ أُصَدِّقُهُ»

1281 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: §زَكَاةُ الْحُلِيِّ أَنْ يُلْبَسَ وَيُعَارَ

1282 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §زَكَاةُ الْحُلِيِّ عَارِيَتُهُ

1283 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ الْحَكِيمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «§الْحُلِيُّ إِذَا لُبِسَ وَانْتُفِعَ بِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يُلْبَسْ وَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمِصْرِيُّونَ يَقُولُونَ: ابْنُ الْحَكِيمِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ: ابْنُ حَكِيمٍ بِغَيْرِ أَلْفٍ وَلَامٍ، وَرُزَيْقُ بْنُ حَكِيمٍ الَّذِي كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ حَكِيمِ بْنِ رُزَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ مَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثَانِ عَنْ رُزَيْقِ نَفْسِهِ

1284 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ يُقَالَ: §زَكَاةُ الْحُلِيِّ أَنْ يُعَارَ وَيُلْبَسَ

1285 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §زَكَاةُ الْحُلِيِّ عَارِيَتُهُ

1286 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «§لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُ يُعَارُ وَيُلْبَسُ»

1287 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: §إِذَا كَانَ الْحُلِيُّ يُنْتَفَعُ -[542]- بِهِ وَيُلْبَسُ، فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُلْبَسُ أَوْ كَانَ مَكْسُورًا أَوْ تِبْرًا، فَفِيهِ الزَّكَاةُ 1288 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا سُفْيَانُ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةَ، مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، مَكْسُورٍ كَانَ أَوْ غَيْرِ مَكْسُورٍ. فَقَدِ اخْتَلَفَ فِي هَذَا الْبَابِ صَدْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَتَابِعُوهَا، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الِاخْتِلَافُ أَمْكَنَ النَّظَرُ فِيهِ، وَالتَّدَبُّرُ لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَنَّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سُنَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الْبُيُوعِ، وَالْأُخْرَى فِي الصَّدَقَةِ. 1289 - فَسُنَّتُهُ فِي الْبُيُوعِ قَوْلُهُ: الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ. فَكَانَ لَفْظُهُ: بِالْفِضَّةِ مُسْتَوْعِبًا لِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهَا، مَصُوغًا وَغَيْرَ مَصُوغٍ، فَاسْتَوَتْ فِي الْمُبَايَعَةِ وَرِقُهَا وَحُلِيُّهَا وَنُقَرُهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَاسْتَوَتْ فِيهِ دَنَانِيرُهُ وَحُلِيُّهُ وَتِبْرُهُ. 1290 - وَأَمَّا سُنَّتُهُ فِي الصَّدَقَةِ، فَقَوْلُهُ: إِذَا بَلَغَتِ الرِّقَةُ خَمْسَ أَوَاقِيَّ فَفِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ. فَخَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ الرِّقَةَ مِنْ بَيْنِ الْفِضَّةِ، وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ -[543]- سِوَاهَا، فَلَمْ يَقُلْ: إِذَا بَلَغَتِ الْفِضَّةُ كَذَا فَفِيهَا كَذَا، وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ الرِّقَةَ مِنْ بَيْنِهَا، وَلَا نَعْلَمُ هَذَا الِاسْمَ فِي الْكَلَامِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ يَقَعُ إِلَّا عَلَى الْوَرِقِ الْمَنْقُوشَةِ ذَاتِ السِّكَّةِ السَّائِرَةِ فِي النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْأَوَاقِيُّ لَيْسَ مَعْنَاهَا إِلَّا الدَّرَاهِمُ، كُلُّ أُوقِيَّةٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ كَالدَّرَاهِمِ، وَقَدْ ذُكِرَ الدَّنَانِيرُ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ

1291 - يُحَدِّثُونَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالَا مِنَ الذَّهَبِ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُلِيِّ، وذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ وَيَكُونُ جَمَالًا، وَأَنَّ الْعَيْنَ وَالْوَرِقَ لَا يَصْلُحَانِ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَا ثَمَنًا لَهَا، وَلَا يُنْتَفَعُ مِنْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنَ الْإِنْفَاقِ لَهُمَا، فَبِهَذَا بَانَ حُكْمُهُمَا مِنْ حُكْمِ الْحُلِيِّ الَّذِي يَكُونُ زِينَةً وَمَتَاعًا، فَصَارَ هَاهُنَا كَسَائِرِ الْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ؛ فَلِهَذَا أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْهُ مَنْ أَسْقَطَهَا. وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: لَا صَدَقَةَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ؛ لِأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِالْمَمَالِيكِ وَالْأَمْتِعَةِ، ثُمَّ أَوْجَبُوا الصَّدَقَةَ فِي الْحُلِيِّ، وَأَوْجَبَ أَهْلُ الْحِجَازِ الْصَّدَقَةَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ، وَأَسْقَطُوهَا مِنَ الْحُلِيِّ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ قَدْ كَانَ يَلْزَمُهُ فِي مَذْهَبِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا وَاحِدًا، إِمَّا إِسْقَاطَ الصَّدَقَةِ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِمَّا إِيجَابَهَا فِيهِمَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ هُمَا عِنْدَنَا سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ، لَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِمَا قَصَصْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا -[544]-، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ، حِينَ قَالَ لِلْيَمَانِيَّةِ ذَاتِ الْمَسَكَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ: أَتُعْطِينَ زَكَاتَهُ؟ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ بِإِسْنَادٍ قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا رُوِيَ، وَكَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوظًا، فَقَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالزَّكَاةِ الْعَارِيَةَ، كَمَا فَسَّرَتْهُ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، فِي قَوْلِهِمْ: زَكَاتُهُ عَارِيَتُهُ. وَلَوْ كَانَتِ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ فَرْضًا كَفَرْضِ الرِّقَةِ، مَا اقْتَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ لِامْرَأَةٍ يَخُصُّهَا بِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْحُلِيَّ عَلَيْهَا دُونَ النَّاسِ، وَلَكَانَ هَذَا كَسَائِرِ الصَّدَقَاتِ الشَّائِعَةِ الْمُنْتَشِرَةِ عَنْهُ فِي الْعَالَمِ مِنْ كُتُبِهِ وَسُنَّتِهِ، وَلَفَعَلَتْهُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ، وَقَدْ كَانَ الْحُلِيُّ مِنْ فِعْلِ النَّاسِ فِي آبَادِ الدَّهْرِ، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ ذِكْرًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ صَدَقَاتِهِمْ. 1292 - وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهَا: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إِذَا أُعْطِيَتْ زَكَاتُهُ. لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي سِوَى الْعَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يُنْكِرُ عَنْهَا أَنْ تَكُونَ أَمَرَتْ بِذَلِكَ أَحَدًا مِنْ نِسَائِهَا أَوْ بَنَاتِ أَخِيهَا، وَلَمْ تَصِحَّ زَكَاةُ الْحُلِيِّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، إِلَّا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. 1293 - فَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي تَزْكِيَتِهِ حُلِيَّ بَنَاتِهِ، فَفِي إِسْنَادِهِ نَحْوٌ مِمَّا فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ. 1294 - وَالْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسِ -[545]- بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ مَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ بَعْدُ. وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ مَا تَأَوَّلْنَا فِيهِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَدِّقَةِ لِمَذْهَبِهِمْ عِنْدَ التَّدَبُّرِ وَالنَّظَرِ. 1295 - وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] . قَالَ: وَالْحُلِيُّ مِنَ الْكُنُوزِ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ لِذَلِكَ. فَيُقَالَ لَهُ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ حِينَ ذَكَرَ الْإِبِلَ: فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، حَتَّى عَدَّ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي، وَلَمْ يَشْتَرِطْ سَائِمَةً وَلَا غَيْرَهَا، فَإِنْ وَجَبَتِ الصَّدَقَةُ فِي الْحُلِيِّ لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ عَامَّةٌ، فَأَوْجِبِ الصَّدَقَةَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ فِيهِمَا. 1296 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا النُّقَرُ وَالتِّبْرُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهِمَا وَاجِبَةٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا كَالْوَرِقِ وَالتِّبْرِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ مِنْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنَ الْإِنْفَاقِ، وَهُمَا مُفَارِقَانِ لِلْحُلِيِّ فِي مَعْنَاهُ مِنَ اللُّبْسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِ، فَلِهَذَا وَجَبَتْ فِيهِمَا الزَّكَاةُ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ

1297 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. 1298 - وَعَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمَكْحُولٍ، قَالُوا: «§فِي التِّبْرِ زَكَاةٌ»

باب صدقة مال اليتيم، وما فيه من السنة والاختلاف

§بَابُ صَدَقَةِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَمَا فِيهِ مِنَ السُّنَّةِ وَالِاخْتِلَافِ

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ مَعْزُوزٍ التِّلْمِسَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْكُومِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ الْكَاتِبَةُ , الْمَدْعُوَّةُ فَخْرَ النِّسَاءِ شُهْدَةُ بِنْتُ أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ عُمَرَ الْإِبَرِيِّ الدِّينَوَرِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهَا - وَأَنَا أَسْمَعُ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، قِيلَ لَهَا: أَخْبَرَكُمُ النَّقِيبُ الْكَامِلُ أَبُو الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّينَبِيُّ , قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَأَقَرَّتْ بِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَسَنِ بْنِ الْبَادَا قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ الْأَزْدِيِّ. قَالَ: 1299 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ -[547]-، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَقَالَ: أَلَا §مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتْرُكْهُ فَتَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ

1300 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §ابْتَغُوا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تُذْهِبْهَا الزَّكَاةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقُلْتُ لِحَجَّاجٍ: عَنِ النَّبِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

1301 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، كِلَاهُمَا عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ -[548]-، عَنْ مَكْحُولٍ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «§ابْتَغُوا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تُذْهِبْهَا الزَّكَاةُ»

1302 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ، فَقَالَ: «§إِنْ تَرَكْنَا هَذَا أَتَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ» يَعْنِي إِنْ لَمْ يُعْطِهِ فِي التِّجَارَةِ

1303 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ مِحْجَنٍ أَوِ ابْنِ مِحْجَنٍ أَوْ أَبِي مِحْجَنٍ - الشَّكُّ مِنْ شُعْبَةَ - أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: «§كَيْفَ مَتْجَرُ أَرْضِكَ؟ فَإِنَّ عِنْدَنَا مَالَ يَتِيمٍ قَدْ كَادَتِ الزَّكَاةُ تُفْنِيهِ؟» قَالَ: فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَجَاءَهُ بِرِبْحٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «اتَّجَرْتَ فِي عَمَلِنَا؟ ارْدُدْ عَلَيْنَا رَأْسَ مَالِنَا» قَالَ: فَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الرِّبْحَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: اتَّجَرْتَ فِي عَمَلِنَا: يَعْنِي فِي وِلَايَتِكَ الَّتِي وَلَّيْنَاكَهَا 1304 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِيهِ - عَنِ ابْنِ أَبِي الْعَاصِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِثْلَ حَدِيثِ شُعْبَةَ، أَوْ نَحْوَهُ

1305 - قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ «كَانَ §يُزَكِّي أَمْوَالَ وَلَدِ -[549]- أَبِي رَافِعٍ، وَكَانُوا أَيْتَامًا فِي حِجْرِهِ»

1306 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، §أَنَّ عَلِيًّا بَاعَ أَرْضًا لِبَنِي أَبِي رَافِعٍ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَكَانُوا أَيْتَامًا، فَكَانَ يُزَكِّيهَا

1307 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَحُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: §كَانَتْ عَائِشَةُ تُبْضِعُ أَمْوَالَنَا، وَنَحْنُ يَتَامَى، وَتُزَكِّيهَا. قَالَ: وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى: تُبْضِعُهَا فِي الْبَحْرِ

1308 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ «§كَانَ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ»

1309 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ §كَانَ يَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتَامَى، فَيَسْتَسْلِفُ أَمْوَالَهُمْ؛ لِيُحْرِزَهَا مِنَ الْهَلَاكِ، ثُمَّ يُخْرِجُ صَدَقَتَهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ

1310 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ §فِي الرَّجُلِ يَلِي مَالَ الْيَتِيمِ قَالَ: يُعْطِي زَكَاتَهُ

1311 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ فِي §الرَّجُلِ يَلِي مَالَ الْيَتِيمِ قَالَ: أَيُعْطِي زَكَاتَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»

1312 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، وَعَطَاءً، يَقُولَانِ: §أَدِّ زَكَاةَ مَالِ الْيَتِيمِ

1313 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً: §أَفِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ

1314 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: §سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ، فَقَالَ: «زَكِّهِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْإِثْمُ فِي عُنُقِكَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى. وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنْ لَا صَدَقَةَ فِيهَا

1315 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: §أَحْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ، فَإِذَا بَلَغَ وَآنَسْتَ مِنْهُ رُشْدًا فَأَخْبِرْهُ، فَإِنْ شَاءَ زَكَّى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ

1316 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، كِلَاهُمَا عَنْ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ §كَانَ لَا يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ. 1317 - وَزَادَ حَفْصٌ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: يُوشِكُ إِنْ أَخَذْتَ -[551]- مِنْهُ الذَّوْدَ أَوْ مِنْهُ الذَّوْدَيْنِ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ

1318 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: «كَانَ §فِي حِجْرِي يَتِيمٌ لَهُ ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمْ أُزَكِّهَا حَتَّى أَدْرَكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ»

1319 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ

1320 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَا: §لَيْسَ فِي الْيَتِيمِ زَكَاةٌ

1321 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ، إِلَّا فِي زَرْعٍ أَوْ ضَرْعٍ»

1322 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: §كُلُّ مَالٍ لِلْيَتِيمِ يُنْمَى أَوْ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ بَقَرٍ، أَوْ غَنْمٍ، أَوْ زَرْعٍ، أَوْ مَالٍ يُضَارَبُ بِهِ فَزَكِّهِ، وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ صَامِتٍ لَا يُحَرَّكُ فَلَا تُزَكِّهِ حَتَّى يُدْرِكَ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ

1323 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ §كَانَ عِنْدَهُ مَالُ يَتِيمٍ، فَكَانَ يُزَكِّيهِ، وَلَا يَسْتَوْعِبُ الزَّكَاةَ -[552]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَرْضَخُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا قَالَ السَّلَفُ فِي صَدَقَةِ مَالِ الْيَتِيمِ. 1324 - وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّ رَأْيَهُ كَانَ عَلَى مِثْلِ الْأَحَادِيثِ الْأُولَى، يَرَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَفِي مَالِ الْمَعْتُوهِ أَيْضًا. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوٌ مِنْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ

1325 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ §مَالِ الْمَجْنُونِ، هَلْ فِيهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» 1326 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا سُفْيَانُ فَكَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: أَحْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ، فَإِذَا كَبِرَ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ، وَأَخْبِرْهُ بِمَا عَلَيْهِ 1327 - وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ سِوَى سُفْيَانَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، فَلَا يَرَوْنَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ زَكَاةً، وَلَا يَرَوْنَ عَلَى وَصِيِّهِ إِحْصَاءُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا إِعْلَامَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا قَاسُوا ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ. 1328 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّهَا أُمَّهَاتٌ، تَمْضِي كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى فَرْضَهَا وَسُنَّتِهَا، وَقَدْ وَجَدْنَاهَا مُخْتَلِفَةً فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: أَنَّ الزَّكَاةَ تُخْرَجُ قَبْلَ حِلِّهَا وَوُجُوبِهَا، فَتُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا فِي قَوْلِ أَهْلِ -[553]- الْعِرَاقِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّغِيرِ إِذَا كَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ فِي قَوْلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَهُوَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُكَاتَبَ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، فَالصَّلَاةُ سَاقِطَةٌ عَنِ الصَّبِيِّ، وَالصَّدَقَةُ فِي أَرْضِهِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَالزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ عَنِ الْمُكَاتَبِ، وَالصَّلَاةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، فَهَذَا اخْتِلَافٌ مُتَفَاوِتٌ. وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، وَأَنَّ الْآكِلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَأَنَّ النَّاسِيَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا ذَكَرَهَا، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ يَسَعُهُ الْإِفْطَارُ إِلَى أَنْ يَصِحَّ، وَهُوَ لَا يُجْزِيهِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى مَا بَلَغَتْهُ طَاقَتُهُ مِنَ الْجُلُوسِ، أَوِ الْإِيمَاءِ. وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ الَّذِي يَقِيسُ الْفَرَائِضَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ عَمَّا ذَكَرْنَا؟ وَمِمَّا يُبَاعِدُ حُكْمَ الصَّلَاةِ مِنَ الزَّكَاةِ أَيْضًا أَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا هِيَ حَقٌّ يَجِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ -[554]-، وَإِنَّمَا مِثْلُهَا كَالصَّبِيِّ يَكُونُ لَهُ الْمَمْلُوكُ، أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ، كَمَا تَجِبُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لِهَذَا الصَّبِيِّ زَوْجَةٌ زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَبُوهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ، فَأَخَذَتْهُ بِالصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَيَّعَ لِإِنْسَانٍ مَالًا، أَوْ خَرَقَ لَهُ ثَوْبًا، كَانَ عَلَيْهِ دَيْنًا فِي مَالِهِ؟ وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرَةٌ. فَهَذَا أَشْبَهُ بِالزَّكَاةِ مِنَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، وَلَيْسَتِ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ، أَفَلَا يُسْقِطُونَ عَنْهُ هَذِهِ الدُّيُونَ إِذْ كَانَتِ الصَّلَاةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؟ وَفِيهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا: لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنةً لَهُ صَغِيرَةً، فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، أَوْ طَلَّقَهَا، كَانَتِ الْعِدَّةُ لَازِمَةً لَهَا بِالطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ جَمِيعًا، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ أَعْلَمُهُ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ نِكَاحُهَا بَاطِلًا، كَبُطُولِ نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ فِي الْعِدَّةِ، فَلَا يُسْقِطُ الْحَرَجُ عَنْهَا فِي هَذَا، أَوْ عَنْ زَوْجِهَا أَنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا. فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ الْبَدْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ، مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ هُوَ عِنْدِي مِثْلُ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: أَحْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ، ثُمَّ أَخْبِرْهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ يَثْبُتُ عَنْهُ عِنْدَنَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُفْتِي بِخِلَافِهِ. 1329 - مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَدِّ زَكَاةَ مَالِ الْيَتِيمِ. -[555]- 1330 - وَحَدِيثُ خُصَيْفٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كُلُّ مَالٍ لِلْيَتِيمِ يُنْمَى أَوْ يُضَارَبُ بِهِ فَزَكِّهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ. 1331 - فَلَوْ صَحَّ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُجَاهِدٍ مَا أَفْتَى بِخِلَافِهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، لَكَانَ إِلَى قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ أَقْرَبَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُحْصِيَ مَالَهَ وَيُعْلِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ؟ وَلَوْلَا الْوُجُوبُ عِنْدَهُ مَا كَانَ لِلْإِحْصَاءِ وَالْإِعْلَامِ مَعْنًى. 1332 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالزَّكَاةُ عِنْدَنَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ، يَقُومُ لَهُ بِهَا الْوَلِيُّ، كَمَا يَقُومُ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَا دَامَ صَغِيرًا سَفِيهًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُؤْنِسَ مِنْهُ رُشْدًا، فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ، فَلْيُعْلِمْهُ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ حَتَّى يُزَكِّيَهُ الْيَتِيمُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، وَإِلَّا لَمْ آمَنْ عَلَيْهِ الْإِثْمِ كَمَا قَالَ طَاوُسٌ: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَالْإِثْمُ فِي عُنُقِكَ. 1333 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ يُشَبِّهُ الزَّكَاةَ بِالصَّلَاةِ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ، وَقَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْحَدِيثَ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَعْرِفُ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَلَا يُدَانُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ

باب صدقة مال العبد والمكاتب، وما يجب عليهما منها وما لا يجب

§بَابُ صَدَقَةِ مَالِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا مِنْهَا وَمَا لَا يَجِبُ

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ §كَانَ مَمْلُوكًا لِبَنِي هَاشِمٍ، فَسَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنَّ لِي مَالًا، أَفَأُزَكِّيهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: بِالدِّرْهَمِ وَالرَّغِيفِ

1334 - قَالَ: وحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ §الْمَمْلُوكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَلَا يُعْتِقَ، وَلَا يَتَصَدَّقَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَكِنَّهُ يَأْكُلُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَكْتَسِي هُوَ وَأَهْلُهُ وَوَلَدُهُ 1335 - حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْأَهْلَ وَالْوَلَدَ

1336 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «§لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ حَتَّى يُعْتَقَا»

1337 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ -[557]-، قَالَ: §لَيْسَ عَلَى الْمَمْلُوكِ زَكَاةٌ، وَلَا يُزَكِّي عَنْهُ سَيِّدُهُ إِلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ. 1338 - وَأَمَّا سُفْيَانُ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ فِي مَالِهِ الزَّكَاةَ، يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ مَالًا. قَالُوا: وَإِنَّمَا هُوَ لِسَيِّدِهِ كَمَا كَانَ، وَالزَّكَاةُ لَازِمَةٌ لَهُ عَلَى حَالِهَا. 1339 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدِي فَمَا قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَهُوَ عَلَى تَأْوِيلِ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لَهُ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ إِلَى الْعَبْدِ. 1340 - وَمِمَّا يُثْبِتُ هَذَا الْقَوْلَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ: مَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. فَأَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُ مَالًا بِقَوْلِهِ: وَلَهُ مَالٌ، وَبِقَوْلِهِ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، فَنَسَبَ الْمَالَ إِلَى الْعَبْدِ. وَمِمَّا يَزِيدُهُ عِنْدَنَا بَيَانًا حَدِيثُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآخَرُ فِي الْعِتْقِ

1341 - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، كُلُّهُمْ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لَهُ إِلَّا -[558]- أَنْ يَشْتَرِطَ السَّيِّدُ مَالَهُ، فَيَكُونَ لَهُ 1342 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَلَا تَرَى أَنَّ سُنَّةَ مِلْكِ الْعَبْدِ مُفَارِقَةٌ لِمِلْكِ الْأَحْرَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّ مُسَلَّطٌ عَلَى مَالِهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَالْإِتْلَافِ مِنَ الْعِتَاقِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجْرٌ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا؟ وَقَدْ أَنْكَرَ مَذْهَبَنَا نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالُوا: لَا يُعَدُّ هَذَا مِلْكًا، إِذَا كَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى هَلَكَتِهِ كَالْحُرِّ. فَقُلْنَا: هَذِهِ حُجَّةٌ، لَوْ كَانَتْ أَحْكَامُ الْمَمَالِيكِ كُلُّهَا لَاحِقَةً بِأَحْكَامِ الْأَحْرَارِ، كَانَ لَكُمْ أَنْ تُشَبِّهُوا حُكْمَهُ فِي مِلْكِ الْمَالِ بِهَا، وَلَكِنَّا رَأَيْنَا أَحْكَامَ الْفَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَةً مُتَبَايِنَةً، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ، وَأَنَّ الْأَمَةَ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا بِتَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ مِنَ الطَّلَاقِ بِحَيْضَتَيْنِ، أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا، وَمِنَ الْوَفَاةِ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَيَكُونُ الْإِيلَاءُ مِنْهَا شَهْرَيْنِ، وَأَنَّهُمَا لَا يُجْلَدَانِ فِي الزِّنَى إِلَّا خَمْسِينَ جَلْدَةً، وَفِي الْفِرْيَةِ إِلَّا أَرْبَعِينَ سَوْطًا، فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَقَصَ فِيهَا الْمَمَالِيكُ عَنْ مَرَاتِبِ الْأَحْرَارِ مِنَ الْمَوَارِيثِ، وَالْفَيْءِ، وَالْمَغْنَمِ وَالشَّهَادَاتِ، وَالْإِقْرَارِ بِالدُّيُونِ، وَوُجُوبِ الْحَجِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلِمَ قَصَرَتْ أُمُورُ هَؤُلَاءِ عَنْ مَبْلَغِ تِلْكَ؟ قَالُوا: لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةُ الْمَمَالِيكِ أَنْ تَكُونَ أَنْقَصَ مِنْ سُنَنِ الْأَحْرَارِ -[559]-. قُلْنَا: فَكَذَلِكَ مِلْكُهُمْ الْمَالَ أَيْضًا، سُنَّةُ مِلْكِهِمْ أَنْقَصُ مِنْ سُنَّةِ مِلْكِ الْأَحْرَارِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا، وَلَكِنَّهُ مِلْكُ مَصْلَحَةٍ وَتَوْفِيرٍ، وَلَيْسَ بِمِلْكٍ مُهْلِكُهُ قَوِيُّ، فَإِذَا وَهَبَ لَهُ سَيِّدُهُ مَالًا فَهُوَ لَهُ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي جَعَلَتْهُ لَهُ السُّنَّةُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ السَّيِّدُ أَوْ يَبِيعَهُ، فَيَزُولَ حِينَئِذٍ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَيَرْجِعَ إِلَى رَبِّهِ. فَاخْتَلَفَ مِلْكُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْمَالِ كَمَا اخْتَلَفَتْ أُمُورُهُمَا وَسُنَّتُهُمَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. نَقُولُ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَتْ خَلَّةٌ وَاحِدَةٌ كَانَتْ أَحْرَى أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهَا وَتُتَبَّعَ فِي حُكْمِ الْعَبِيدِ مِنْ مِلْكِهِمُ الْأَمْوَالَ، وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ الْمَمَالِيكِ، وَلَا حُفِظَ عَنْهُ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِمْ، سِوَى سُنَّتِهِ فِي الْمَالِ، وَأَمَّا سَائِرُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُرْوَى عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ: مَا جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُثْبَتًا مَحْفُوظًا، أَوْ مَا جَاءَ عَمَّنْ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانُوا أَئِمَّةَ هُدًى يُقْتَدَى بِهِمْ؟ . 1343 - فَأَمَّا الَّذِي عِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مِنَ الْأَقْوَالِ مَا قَالَهُ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ، حِينَ نَسَبَ الْمَالَ إِلَى الْعَبْدِ، وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَهُ لَهُ إِذَا عَتَقَ، وَفِي إِجَابَتِهِ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَفِي قَبُولِهِ الْهَدِيَّةَ مِنْ سَلْمَانَ، وَهُوَ مَمْلُوكُُ، فَكُلُّ هَذَا يُثْبِتُ مَا قُلْنَا. فَنَحْنُ نَقُولُ بِسُنَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَالِ الْعَبْدِ، ثُمَّ نَصِيرُ إِلَى مَا أَفْتَى بِهِ الصَّالِحُونَ بَعْدُ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ، فَنَحْنُ لَهُ وَلَهُمْ مُتَّبِعُونَ فِي كُلِّ مَا أَتَانَا عَنْهُمْ. -[560]- 1344 - وَمِمَّا يُثْبِتُ لَهُ مَالَهُ أَيْضًا مَا أَرْخَصُوا فِيهِ مِنْ تَسَرِّيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْفُوظٌ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ وَاجِبَةً

1345 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: §أَعَلَى الْعَبْدِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: «أَمُسْلِمٌ هُوَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ» 1346 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا زَادَ مِلْكُهُ تَثْبِيتًا، وَلَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي قَالَ الْآخَرُونَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، إِنَّمَا الْمَالُ لِسَيِّدِهِ، وَلَوْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ مَا سَأَلَ عَنْهُ أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ مَالَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ سَوَاءٌ، وَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى السَّيِّدِ؟ إِلَّا أَنَّ الَّذِي أَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ، مَعَ مُوَافَقَةِ قَوْلِ أَبِيهِ وَقَوْلِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ إِلَّا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالدِّرْهَمِ وَالرَّغِيفِ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ

1347 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ مَمْلُوكٌ، فَقَالَ: إِنِّي أَكُونُ فِي مَاشِيَةِ أَهْلِي، فَيَمُرُّ بِيَ الْمَارُّ، فَيَسْتَسْقِينِي اللَّبَنَ، أَفَأَسْقِيهِ؟ فَقَالَ: لَا. قَالَ: فَإِنْ خَشِيتُ أَنْ يَهْلِكَ؟ قَالَ: اسْقِهِ مَا يُبَلِّغُهُ غَيْرَكَ، ثُمَّ أَخْبِرْ بِهِ أَهْلَكَ. فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ رَامٍ -[561]-، فَأَصْمِي وَأَنْمِي. فَقَالَ: مَا أَصْمَيْتَ فَكُلْ، وَمَا أَنْمَيْتَ فَلَا تَأْكُلْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ سُنَّةُ الْعَبْدِ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ مَعَ أَحَادِيثَ جَاءَتْ فِيهِ

1348 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: §لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَلَا الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَعْتِقَا

1349 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ وَمَعَهَا بَقَرٌ تَحْمِلُ مَتَاعًا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: إِنِّي مُكَاتَبَةٌ. فَقَالَ: «§لَيْسَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ»

1350 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «§لَيْسَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ»

1351 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ §لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ

1352 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: §أَعَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: «لَا» 1353 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ -[562]-، وَالْعَوَامِّ أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. 1354 - وَإِنَّمَا ارْتَابَ النَّاسُ بِمَالِ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَرْتَابُوا بِمَالِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَبِيعَهُ، وَأَنْ يَنْتَزِعَ مِنْهُ مَالَهُ مَتَى شَاءَ، فَقَالُوا: هُوَ مَالُ السَّيِّدِ، إِذَا كَانَ هَكَذَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى بَيْعٍ، وَلَا انْتِزَاعِ مَالٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى فِي الْمُكَاتَبِ مَا كَانَ بَيْنَهُ إِذًا وَبَيْنَ الْعَبْدِ فَرْقٌ، وَلَا كَانَ لِلْمُكَاتَبَةِ مَعْنًى، فَسَقَطَتِ الزَّكَاةُ عَنِ السَّيِّدِ لِهَذَا، ثُمَّ أَسْقَطُوهَا عَنِ الْمُكَاتَبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَجِبْ لَهُ حُرِّيَّةٌ، فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَعْجِزُ، فَيُرَدُّ رَقِيقًا، فَكَانَ أَمْرُهُ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ أَوْضَحَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِ الْعَبْدِ

باب الصدقة في الخيل والرقيق، وما فيهما من السنة

§بَابُ الصَّدَقَةِ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، وَمَا فِيهِمَا مِنَ السُّنَّةِ

1355 - قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §عَفَوْنَا لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ

1356 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §عَفَوْنَا لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، هَاتُوا صَدَقَةَ الْأَمْوَالِ رُبْعَ الْعُشْرِ

1357 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§لَا صَدَقَةَ فِي فَرَسِ الرَّجُلِ وَلَا عَبْدِهِ»

1358 - قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ

1359 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ، 1360 - قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ

قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§لَيْسَ عَلَى فَرَسِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ»

1362 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالْعَسَلِ صَدَقَةٌ

1363 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فَقُلْتُ: §أَفِي الْبَرَاذِينِ صَدَقَةٌ؟ فَقَالَ: أَوَ فِي الْخَيْلِ صَدَقَةٌ؟

1364 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ §أَصَبْنَا أَمْوَالًا: خَيْلًا وَرَقِيقًا، نُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَنَا فِيهَا زَكَاةٌ وَطَهُورٌ. فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ فَأَفْعَلَهُ -[564]-. فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ عَلِيُّ فَقَالَ عَلِيٌّ: «هُوَ حَسَنٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَكَ رَاتِبَةً»

1365 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ، قَالُوا لِأَبِي عُبَيْدَةَ: خُذْ مِنْ خَيْلِنَا وَرَقِيقِنَا صَدَقَةً. فَأَبَى، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَبَى، فَكَلَّمُوهُ أَيْضًا، فَأَبَى، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: «§إِنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ، وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ، وَارْزُقْ رَقِيقَهُمْ» قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَقَوْلُهُ: وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ. يَعْنِي: ارْدُدْهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ

1366 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ سَلَمَةَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: «كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ» ، فَلَمَّا قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ كَلَّمَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: إِنَّا نَرَى أَنْ §نُؤَدِّيَ عَنْ أَرِقَّائِنَا عَشَرَةً عَشَرَةً كُلَّ سَنَةٍ إِنْ رَأَيْتَ ذَلِكَ. فَقَالَ: «نَعَمْ، مَا رَأَيْتُمْ، وَأَنَا أَرَى أَنْ أَرْزُقَهُمْ جَرِيبَيْنِ كُلَّ شَهْرٍ» . فَكَانَ الَّذِي يُعْطِيهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنِ الْرَّقِيقِ. 1367 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ يَرَى فِي الْخَيْلِ صَدَقَةً إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً يَنْبَغِي مِنْهَا النَّسْلُ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ أَدَّى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا ثُمَّ زَكَّاهَا. قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَهِيَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التُّجَّارِ يُزَكِّيهَا. -[565]- 1368 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا قَوْلُهُ فِي التِّجَارَةِ، فَعَلَى مَا قَالَ، وَأَمَّا إِيجَابِهِ الصَّدَقَةَ فِي السَّائِمَةِ، فَلَيْسَ هَذَا عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَلَا عَلَى طَرِيقِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَفَا عَنْ صَدَقَتِهَا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ سَائِمَةً وَلَا غَيْرَهَا، وَبِهِ عَمِلَتِ الْأَئِمَّةُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ، فَهَذِهِ السُّنَّةُ. وَأَمَّا فِي النَّظَرِ، فَكَانَ لَزِمَهُ إِذَا رَأَى فِيهَا صَدَقَةً أَنْ يَجْعَلَهَا كَالْمَاشِيَةِ تَشْبِيهًا؛ لِأَنَّهَا سَائِمَةٌ مِثْلُهَا، وَلَمْ يَصِرْ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ سَائِمَتِهَا قَدْ جَاءَتْ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ بِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ مِنْهَا

1369 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§لَيْسَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ»

1370 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ

1371 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ 1372 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ قَالَ مَعَ هَذَا بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِالْحَدِيثِ وَيَذْهَبُ إِلَيْهِ أنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي سَائِمَتِهَا، وَلَا فِيمَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ أَيْضًا -[566]-. يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَفَوْنَا لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. يَقُولُ: فَجَعَلَهُ عَامًّا، فَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَوْجَبَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهَا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، وَأَسْقَطَهَا هَذَا مِنْهُمَا كِلْتَيْهِمَا، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي غُلُوٌّ، وَالْآخَرُ تَقْصِيرٌ، وَالْقَصْدُ فِيمَا بَيْنَهُمَا هُوَ أَنْ تَجِبَ الصَّدَقَةُ فِيمَا كَانَ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ، وَتَسْقُطُ عَنِ السَّائِمَةِ. عَلَى هَذَا وَجَدْنَا مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1373 - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ الشَّامِ، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا اخْتِلَافًا

جماع أبواب صدقة ما تخرج الأرضون من الحب والثمار، وما فيها من العشر ونصف العشر

§جِمَاعُ أَبْوَابِ صَدَقَةِ مَا تُخْرِجُ الْأَرَضُونَ مِنَ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْعُشْرِ وَنِصْفُ الْعُشْرِ

باب السنة فيما تجب فيه الصدقة مما تخرج الأرض

§بَابُ السُّنَّةِ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ

1374 - قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، يَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَنْ «§يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالنَّخْلِ، وَالْعِنَبِ»

1375 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: إِنَّمَا أُمِرَ مُعَاذٌ أَنْ §يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالنَّخْلِ، وَالْعِنَبِ - أَوْ قَالَ: التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالسُّلْتِ، وَالزَّيْتُونِ

1376 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالسُّلْتِ الشَّكُّ مِنْ أَبِي عُبَيْدٍ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ

1377 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَكَانَ §يَأْخُذُ الثِّيَابَ بِصَدَقَةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ»

1378 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، §فِي صَدَقَةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ نَخْلٍ، أَوْ عِنَبٍ، أَوْ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ

1379 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ §كَانَ لَا يَرَى الْعُشْرَ إِلَّا فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ

1380 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: §الصَّدَقَةُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: فِي الذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ " -[569]- 1381 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبِهَذَا الْقَوْلِ كَانَ يَأْخُذُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ، عَلَى مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِهِ مُعَاذًا، ثُمَّ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَيْضًا. 1382 - يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. 1383 - وَبِهِ أَفْتَى الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ. 1384 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ أَئِمَّةٌ سِوَى هَذَا الْقَوْلِ، فَزَادُوا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَنَقَصُوا مِنْهَا. 1385 - فَمِمَّنْ زَادَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، غَيْرَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا. 1386 - وَكَانَ مِمَّنْ نَقَصَ مِنْهَا: شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ. فَأَمَّا الَّذِينَ زَادُوا

1387 - فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي الْعَوَّامِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالسُّلْتِ، وَالزَّيْتُونِ

1388 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالسُّلْتِ، وَالذُّرَةِ 1389 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ شُعْبَةَ شَكَّ فِي السَّادِسِ، فَقَالَ: السُّلْتُ، أَوِ الذُّرَةُ

1390 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّهُ «جَعَلَ فِي §الْقِطْنِيَّةِ مِثْلَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ»

1391 - قَالَ: وَحُدِّثْنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ كَانَ فِي سِجِلِّهِ: §وَيُؤْخَذُ مِنَ الْقَطَانِيِّ عَلَى نَحْو مِمَّا يُؤْخَذُ مِنَ الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالسُّلْتِ

1392 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ كَتَبَ أَنْ §يُؤْخَذَ مِنَ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ الزَّكَاةُ

1393 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «§التَّوَابِلُ بِمَنْزِلَةِ الْحُبُوبِ، تُزَكَّى» 1394 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ -[571]- يَقُولُ فِي الْقَطَانِيِّ كُلِّهَا مِثْلَ ذَلِكَ، وَهِيَ صُنُوفُ الْحُبُوبِ مِنَ الْعَدَسِ، وَالْحِمَّصِ، وَالْأُرْزِ، وَالْجُلْبَانِ، أَوِ الْجُلْجُلَانِ، وَجَمِيعِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، 1395 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ سِوَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ. 1396 - إِلَّا أَنَّ مَالِكًا كَانَ أَشَدَّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا مِنَ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ تُضَمَّ أَصْنَافُ الْحُبُوبِ كُلُّهَا بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مَعًا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زَكَّاهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ - وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَالسُّلْتُ أَيْضًا - يُضَمُّ بَعْضُ تِلْكَ إِلَى بَعْضٍ. فَجَعَلَ مَالِكٌ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ نَوْعًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا قُوتُ النَّاسِ، وَجَعَلَ الْحُبُوبَ كُلَّهَا نَوْعًا وَاحِدًا، وَهِيَ الْقَطَانِيُّ. 1397 - وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنَ الْحِنْطَةِ الَّتِي كَانَ أَنْبَاطُ الشَّأمِ يَقْدَمُونَ بِهَا الْمَدِينَةَ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ الْقِطْنِيَّةِ الْعُشْرَ. قَالَ: فَجَعَلَ الْقَطَانِيَّ كُلَّهَا شَيْئًا وَاحِدًا، وَجَعَلَ الْحِنْطَةَ مِنْ غَيْرِهَا. 1398 - قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ كُلِّهِ عَنْهُ أَوْ بِأَكْثَرِهِ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: وَكَانَ يَحْتَجُّ فِي ضَمِّهِ الشَّعِيرَ إِلَى الْحِنْطَةِ بِالذَّهَبِ يُضَافُ إِلَى الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ. 1399 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَلَيْسُوا يَرَوْنَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةً، حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ صِنْفٍ عَلَى حِيَالِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، وَلَا يَرَوْنَ ضَمَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ

1400 - قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ: §هَلْ تُضَافُ الْحِنْطَةُ إِلَى الشَّعِيرِ، وَالْحُبُوبُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: لَا

1401 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: §لَا تُضَمُّ الْحُبُوبُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمَاضِينَ جَمَعَ بَيْنَهَا، إِلَّا شَيْئًا يُرْوَى عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:

كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُحَدِّثُهُ 1402 - بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي أَذْهَابِ شَعِيرٍ، وَأَذْهَابِ دُخْنٍ: §إِذَا جَمِعَتْ بَلَغَتِ الزَّكَاةَ، وَإِذَا لَمْ تُجْمَعْ لَمْ تَبْلُغْ؟ قَالَ: «تُجْمَعُ» قَالَ مَعْمَرٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَيُّوبَ، فَلَمْ يُعْجِبُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَذْهَابُ: وَاحِدُهَا ذَهَبٌ، وَهُوَ مِكْيَالٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ. فَلَا أَعْرِفُ فِي ضَمِّ الْحُبُوبِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالزِّيَادَاتِ عَلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، مَرْفُوعَةً وَغَيْرَ مَرْفُوعَةٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالنُّقْصَانِ

1403 - فَإِنَّ عَبَّادَ بْنَ الْعَوَّامِ حَدَّثَنَا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: §تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ. قَالَ: وَكَانَ لَا يَرَى فِي الْعِنَبِ صَدَقَةً

1404 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §الصَّدَقَةُ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ بِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَرَوُا الصَّدَقَةَ إِلَّا فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالنَّخْلِ، وَالْعِنَبِ، فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا قَصْدَ الْأَثَرِ، فَاتَّبِعُوهُ، وَلَمْ يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ بِزِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ زَادُوا فِيهَا السُّلْتَ وَالذُّرَةَ خَاصَّةً، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الْحِنْطَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهَا فَضِيلَةٌ عَلَيْهِمَا فِي الطَّعْمِ. 1405 - يُحَقِّقُ ذَلِكَ لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ السُّلْتِ بِالْبَيْضَاءِ، فَكَرِهَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ السُّلْتِ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّهَا ثَلَاثَتَهَا عِنْدَهُمْ نَوْعٌ وَاحِدٌ. وَكَذَلِكَ الذُّرَةُ عِنْدَ نَاسٍ مِنَ النَّاسِ، هِيَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهَا قُوتُ كَثِيرٍ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ، مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، لَا يُعَيِّشُهُمْ سِوَاهُ. 1406 - وَأَمَّا الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ أَبْوَابَ الرِّبَا إِنَّمَا سَمَّى مِنْهَا سِتَّةَ أَشْيَاءَ: الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، وَالْحِنْطَةَ، وَالشَّعِيرَ، وَالتَّمْرَ، وَالْمِلْحَ. قَالُوا: فَقَاسَتِ الْعُلَمَاءُ سَائِرَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ. يَقُولُونَ: فَكَذَلِكَ لَمَّا رَأَيْنَا سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ بِهَا إِلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ -[574]-: الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، الَّتِي يَدَّخِرُهَا النَّاسُ لِقُوتِهِمْ وَطَعَامِهِمْ، أَلْحَقْنَا بِهَا مَا كَانَ لَهَا مُضَاهِئًا مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ بَاقِيَةٍ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ، يَكُونُ حُكْمُهَا الْكَيْلَ كَحُكْمِ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ. 1407 - وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ. قَالُوا: وَالْوَسْقُ يَقَعُ مَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يُكَالُ مِمَّا يُؤْكَلُ. 1408 - وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُوجِبُوهَا إِلَّا فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَأَسْقَطُوا الزَّبِيبَ مِنْهَا، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْعَرَبِ فِي صَدَقَاتِهَا بِمَا يُعْرَفُ مِنْ أَقْوَاتِهَا مِمَّا هُوَ طَعَامٌ لَهَا فِي حَاضِرَتِهَا وَبَادِيَتِهَا، فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ، فَكَانَتِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لِأَهْلِ الْمَدَرِ، وَكَانَ التَّمْرُ لِأَهْلِ الْوَبَرِ، وَخَرَجَ الزَّبِيبُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. يَقُولُونَ: فَإِنَّمَا وَجَبَتِ الصَّدَقَةُ لِلْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِيمَا لَا حَيَاةَ لَهُمْ - بَعْدَ اللَّهِ - إِلَّا بِهِ لِيَعِيشُوا مَعَهُمْ، كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الَّتِي خَصَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ سَوَائِمِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَلْبَانَ تِلْكَ وَلُحُومَهَا مَعَاشًا لِلنَّاسِ دُونَ هَذِهِ؛ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ فِي تِلْكَ الصَّدَقَةُ دُونَ الْأُخْرَى -[575]-. فَيَقُولُونَ: فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ مِنَ الطَّعَامِ: الْبُرُّ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، هِيَ قُوتُ النَّاسِ وَمَعَاشُهُمْ عِنْدَ الْعَرَبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكُلُّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَوَخَّى مَذْهَبًا وَجَدَ فِيهِ مَسَاغًا فِيمَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادُوا. 1409 - إِلَّا أَنَّ الَّذِي أَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ الِاتِّبَاعُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ إِلَّا فِي الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي سَمَّاهَا وَسَنَّهَا، مَعَ قَوْلِ مَنْ قَالَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، ثُمَّ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ إِيَّاهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَصَّ هَذِهِ بِالصَّدَقَةِ وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَاهَا، قَدْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ لِلنَّاسِ أَمْوَالًا مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، فَكَانَ تَرْكُهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا عَفْوًا مِنْهُ، كَعَفْوِهِ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى النَّظَرِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ إِذَا لَمْ تُوجَدْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، فَإِذَا وَجِدَتِ السُّنَّةُ لَزِمَ النَّاسَ اتِّبَاعُهَا. فَكَانَ حَدِيثُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مَعَ هَذَا - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْنَدًا - لَنَا إِمَامًا مَعَ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، إِذَا لَمْ نَجِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ وَأَتَمُّ إِسْنَادًا يَرُدُّوهُ

باب الصدقة في أدنى ما تخرج الأرض، وما يكون منها فيه العشر أو نصف العشر

§بَابُ الصَّدَقَةِ فِي أَدْنَى مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، وَمَا يَكُونُ مِنْهَا فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ

1410 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: «§فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ، وَفِي الْبَعْلِ، وَفِيمَا سَقَتِ الْعُيُونُ الْعُشْرَ، وَفِيمَا سَقَتِ السَّوَانِي نِصْفَ الْعُشْرِ»

1411 - وَحَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ: إِنَّ §فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ، أَوْ سُقِيَ غَيْلًا الْعُشْرَ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ نِصْفَ الْعُشْرِ

1412 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ: §مَا كَانَ عَثَرِيًّا تَسْقِيهِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ، وَمَا كَانَ يُسْقَى مِنْ بَعْلٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالنَّوَاضِحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا يَزِيدُ فَقَالَ: عَثَرِيًّا، بِتَشْدِيدِ الثَّاءِ وَالْيَاءِ، وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا بِالتَّخْفِيفِ

1413 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «§مَا كَانَ بَعْلًا أَوْ سُقِيَ بِالْعَيْنِ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا يُسْقَى بِالْمَطَرِ، فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالنَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» 1414 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ. 1415 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِلَّا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ لَهِيعَةَ مَرْفُوعٌ، وَلَا أَدْرِي أَمَحْفُوظٌ هُوَ أَمْ لَا

1416 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: §فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ نِصْفُ الْعُشْرِ

1417 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: §مَا سَقَتِ -[578]- السَّمَاءُ أَوِ الْعُيُونُ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ، أَوْ نَاعُورَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ

1419 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: §رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ تُسْقَى بِالرِّشَا مَرَّةً، وَبِالْعَيْنِ مَرَّةً؟ قَالَ: «يُؤْخَذُ بِأَكْثَرِهِمَا سِقَايَةً بِهِ»

1420 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: §كَمْ فِيمَا يُسْقَى بِالْكَظَائِمِ مِنْ نَخْلٍ، أَوْ عِنَبٍ؟ قَالَ: الْعُشْرُ

1421 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: §فِيهِ الْعُشْرُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ الْأَسْقَاءُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفَةُ الْمَعَانِي، فَالْبَعْلُ مِنْهَا: مَا كَانَ مِنْ نَخْلٍ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيِ سَمَاءٍ وَلَا غَيْرِهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْبَعْلَ هُوَ مَا سَقَتِ السَّمَاءُ. وَالتَّفْسِيرُ عِنْدِي هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، أَلَا تَرَاهُ قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ، وَفِي الْبَعْلِ، فَجَعَلَهُمَا نَوْعَيْنِ، هَكَذَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حِينَ قَالَ: مَا كَانَ بَعْلًا أَوْ عَثَرِيًّا. فَصَيَّرَهُمَا ضَرْبَيْنِ، فَهَذَا الْبَعْلُ. وَأَمَّا الْعَثَرِيُّ فَمَا تَسْقِيهِ السَّمَاءُ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْعُذْرِيَّ -[579]-. وَأَمَّا الْغَيْلُ فَكُلُّ مَاءٍ جَارٍ كَمَاءِ الْأَنْهَارِ، وَالْعُيُونِ، وَالْقَنَى. وَالْكَظَائِمُ، وَهِيَ نَحْوٌ مِنَ الْقَنَى. وَكَذَلِكَ الْفَتْحُ، وَهُوَ مِثْلُ الْغَيْلِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ فَتْحًا لِتَشْقِيقِ أَنْهَارِهِ فِي الْأَرْضِ، وَفَتْحِ أَفْوَاهِهَا لِلشُّرْبِ. فَهَذِهِ كُلُّهَا أَسْقَاءُ الْعُشْرِ. وَأَمَّا النَّوَاضِحُ فَالْإِبِلُ الَّتِي تُسْتَقَى لِشُرْبِ الْأَرَضِينَ، وَهِيَ السَّوَانِي بِأَعْيَانِهَا. وَكَذَلِكَ الْغَرْبُ، إِنَّمَا هُوَ دَلْوُ الْبَعِيرِ النَّاضِحِ. وَكَذَلِكَ الرِّشَا، إِنَّمَا هُوَ حَبْلُهُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ. فَالْمَعْنَى فِي النَّوَاضِحِ، وَالسَّوَانِي، وَالْغُرُوبِ، وَالرِّشَا وَاحِدٌ. وَأَمَّا الدَّالِيَةُ فَهِيَ هَذِهِ الدِّلَاءُ الصِّغَارُ الَّتِي تُدِيرُهَا الْأَرْحَاءُ، وَكَذَلِكَ النَّاعُورَةُ هِيَ مِثْلُهَا. فَهَذِهِ أَسْقَاءُ نِصْفِ الْعُشْرِ. وَإِنَّمَا نَقَصَتْ عَنْ مَبْلَغِ تِلْكَ فِي الصَّدَقَةِ؛ لِمَا فِي هَذِهِ مِنَ الْمَؤُونَةِ عَلَى أَهْلِهَا وَالْعِلَاجِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ أُولَئِكَ مِثْلُهُ. وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى هَذَا الْعُشْرُ، أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ بَعْدَ بُلُوغِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا. بِذَلِكَ جَاءَتِ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ

1422 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ صَدَقَةٌ» 1423 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرْفُوعٍ -[580]-. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. 1424 - وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ

1425 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَفَعَهُ قَالَ: §لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ زَكَاةٌ

1426 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ: أَنْ §لَا تُؤْخَذَ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ

1427 - حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «§لَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ إِلَّا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ»

1428 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَيُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَا: §لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ 1429 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَ ذَلِكَ

1430 - قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: §إِذَا بَلَغَتْ أَوْسُقًا خَمْسَةً - قَالَ: يَعْنِي بِذَلِكَ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ مُدْيًا - فَفِيهَا الْعُشُورُ، وَلَيْسَ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ عُشُورٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ كَانَ يَأْخُذُ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ. 1431 - حَدَّثَنِيهِ عَنْ مَالِكٍ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ. 1432 - وَحَدَّثَنِي عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْهُ. 1433 - وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، إِلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ وَسُفْيَانَ كَانَا لَا يَرَيَانِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ فِي الصَّدَقَةِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى الْجَمْعَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ. 1434 - وَبِمِثْلِ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ يَقُولُ أَهْلُ الْعِرَاقِ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ

باب خرص الثمار للصدقة، والعرايا، والسنة في ذلك

§بَابُ خَرْصِ الثِّمَارِ لِلصَّدَقَةِ، وَالْعَرَايَا، وَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ

1435 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَرْضَهَا، وَنَخْلَهَا، إِلَى أَهْلِهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ»

1436 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ

1437 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ إِلَى أَهْلِهَا بِالنِّصْفِ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ لِيَخْرُصَ النَّخْلَ - أَوْ قَالَ الثَّمَرَ - عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمُ ابْنُ رَوَاحَةَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ. فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْدِلُ عَلَيْنَا، وَأَنْتَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَيْسَ يَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنَ الْعَدْلِ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ. قَالَ: فَخَرَصَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ جَعَلَهُ نِصْفَيْنِ، فَخَيَّرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا. قَالَ: فَمَا زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا

1438 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ -[583]- عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ وَهِيَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " §يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودَ، فَيَخْرُصُ الثَّمَرَ حِينَ يَطِيبُ، قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ. قَالَتْ: ثُمَّ يُخَيِّرُ يَهُودَ، أَيَأْخُذُونَهُ أَمْ يَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْخَرْصِ؟ قَالَتْ: وَإِنَّمَا كَانَ أَمَرَ بِالْخَرْصِ لِتُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقُ "

1439 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَمَرَ بِخَرْصِ النَّخْلِ حِينَ طَابَ ثَمَرُهُمْ

1440 - قَالَ: حَدَّثَنِي عَفَّانُ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: §كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ حَتَّى جِئْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَإِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: اخْرُصُوا، فَخَرَصَ الْقَوْمُ، وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ: أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا أَمَرَهَا النَّبِيُّ بِالْإِحْصَاءِ فِيمَا نَرَى لِتَعْلَمَ أَنَّهُ كَمَا خَرَصَ عَلَيْهَا، فَيَكُونَ أَطْيَبَ لِنَفْسِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَانَ لِارْتِيَابٍ مِنْهُ فِيمَا خَرَصَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

1441 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: «§نَخْرُصُ النَّخْلَ وَالْعِنَبَ، وَلَا نَخْرُصُ الْحَبَّ»

1442 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §لَا نَعْلَمُهُ يَخْرُصُ مِنَ الثَّمَرِ إِلَّا التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ

1443 - قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ: §السُّنَّةُ أَنْ لَا يُخْرَصَ مِنَ الثَّمَرِ إِلَّا النَّخْلُ وَالْعِنَبُ. قَالَ: وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخَرْصُ حِينَ يَبْدُو صَلَاحُ الثَّمَرِ وَيَحِلُّ بَيْعُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ رَطْبًا، فَيُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ، ثُمَّ يُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ عَلَى مَا خُرِصَ. قَالَ: وَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا فَإِنَّهُ لَا يُخْرَصُ، مِثْلُ الْحُبُوبِ. قَالَ: وَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ الْأَمَانَةُ إِذَا صَارَ ذَلِكَ حَبًّا 1444 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا يُصَدِّقُهُ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ لَا خَرْصَ إِلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَا يَزِيدُهُ تَثْبِيتًا

1445 - قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: بَعَثَ مَرْوَانُ فُلَانًا -[585]- الْقُرَظِيَّ لَيَجْمَعَ خَرْصَ الْحَرْثِ، فَأَتَى عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَطْلُبُ زَكَاةَ حَرْثِهِ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: «أَوَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا؟ إِنَّهَا §لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً قَطُّ، إِلَّا وَبُدُوُّهَا زَكَاةً يُؤْخَذُ النَّاسُ بِهَا» . 1446 - قَالَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ: وَكَانَ النَّاسُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُؤْتَوْنَ لِزَكَاةِ حَرْثِهِمْ، إِنَّمَا يُؤَدِّي الرَّجُلُ مَا قُدِّرَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ، لَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِ مَرْوَانَ مَا كَانَ 1447 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَنْكَرَ عُثْمَانُ خَرْصَ الزَّرْعِ وَطَلَبَهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْخَرْصَ يُحِيطُ بِالثَّمَرَةِ كُلِّهَا، إِذَا كَانَتْ تَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، وَيَرَى أَنْ يُحْسَبَ عَلَى أَهْلِهَا مَا أَكَلُوا مِنْهَا. وَهَكَذَا الْعَمَلُ عِنْدَهُمُ الْيَوْمَ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِهِمْ، مَعَ أَنَّهُ جَاءَتْ أَحَادِيثُ سِوَاهَا بِالتَّرْكِ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ أَيَّامَ الثِّمَارِ

1448 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ، قَالَ: أَتَانَا سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §إِذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا - قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: أَوْ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا - الثُّلُثَ فَالرُّبُعَ

1449 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَيَزِيدُ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ أَبَا حَثْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ عَلَى خَرْصِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: §إِذَا وَجَدْتَ الْقَوْمَ فِي نَخْلِهِمْ، قَدْ خَرَفُوا، فَدَعْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ لَا تَخْرُصْهُ عَلَيْهِمْ

1450 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، أَنَّ أَبَا مَيْمُونٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَهُ خَارِصًا لِلنَّخْلِ، فَخَرَصَ مَالَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ سَبْعَمِائَةِ وَسْقٍ، وَقَالَ: «§لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُ فِيهِ أَرْبَعِينَ عَرِيشًا لَخَرْصُتُهُ تِسْعَمِائَةِ وَسْقٍ، وَلَكِنِّي تَرَكْتُ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَجَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالتَّرْكِ لَهُمْ، وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ جَاءَتْ فِي الْعَرَايَا

1451 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَيْسَ فِي الْعَرَايَا صَدَقَةٌ

1452 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي قُطَيْرٌ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا حَثْمَةَ كَانَ يَخْرُصُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: §لَا تَخْرُصِ الْعَرَايَا

1453 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ الْخُرَّاصَ قَالَ: «§خَفِّفُوا، فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَطِيَّةَ»

1454 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: §خَفِّفُوا عَلَى النَّاسِ فِي الْخَرْصِ، فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْأَكَلَةَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: الْوَطَأَةُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْوَطِئَةُ. فَأَمَّا الْوَطِئَةُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا الْوَاطِئَةُ وَالْوَطَأَةُ، فَهُمَا جَمِيعًا السَّابِلَةُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِوَطْئِهِمْ بِلَادَ الثِّمَارِ مُجْتَازِينَ. 1455 - وَهُمُ الَّذِينَ جَاءَتْ فِيهِمُ الْأَحَادِيثُ: إِنَّ الْمُسَافِرَ يُصِيبُ مِنَ الثَّمَرَةِ وَلَا خُبْنَةَ. وَيُقَالَ: وَلَا ثِبَانَ. وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، وَلَهَا مَوْضِعٌ سِوَى هَذَا. وَقَوْلُهُ: وَالْأَكَلَةُ: هُمْ أَرْبَابُ الثِّمَارِ وَأَهْلُوهُمْ، وَمَنْ لَصَقَ بِهِمْ، فَكَانَ مَعَهُمْ. 1456 - فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي مَالِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ حِينَ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُ فِيهِ أَرْبَعِينَ عَرِيشًا لَخَرَصْتُهُ تِسْعَمِائَةِ وَسْقٍ. فَكَانَتْ تِلْكَ الْعُرُوشُ مَظَالَّ وَمَسَاكِنَ لِهَؤُلَاءِ الْأَكَلَةِ أَيَّامَ الثِّمَارِ، وَأَمَّا الْعَرِيَّةُ فَإِنَّهَا تُفَسَّرُ تَفْسِيرَيْنِ. 1457 - فَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: هِيَ النَّخْلَةُ يَهَبُ الرَّجُلُ ثَمْرَتَهَا لِلْمُحْتَاجِ، يُعْرِيهَا إِيَّاهُ، فَيَأْتِي الْمُعْرَى وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إِلَى نَخْلَتِهِ تِلْكَ لِيَجْتَنِيَهَا، فَيَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي وَهُوَ الْوَاهِبُ دُخُولُهُ عَلَيْهِ؛ لِمَكَانِ أَهْلِهِ فِي النَّخْلِ. قَالَ: فَجَاءَتِ الرُّخْصَةُ لِلْوَاهِبِ خَاصَّةً أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَةَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنَ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ بِخَرْصِهَا ثَمَرًا. فَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. -[588]- 1458 - وَأَمَّا التَّفْسِيرُ الْآخَرُ فَهُوَ أَنَّ الْعَرَايَا هِيَ النَّخَلَاتُ يَسْتَثْنِيهَا الرَّجُلُ مِنْ حَائِطِهِ إِذَا بَاعَ ثَمْرَتَهُ، فَلَا يُدْخِلُهَا فِي الْبَيْعِ، وَلَكِنَّهُ يُبْقِيهَا لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، فَتِلْكَ الثُّنْيَا لَا تُخْرَصُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَفَى لَهُمْ عَمَّا يَأْكُلُونَ تِلْكَ الْأَيَّامَ، فَهِيَ الْعَرَايَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهَا أُعْرِيَتْ مِنْ أَنْ تُبَاعَ، أَوْ تُخْرَصَ فِي الصَّدَقَةِ. فَأَرْخَصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ لَا وَرِقَ لَهُمْ وَلَا ذَهَبَ، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى التَّمْرِ أَنْ يَبْتَاعُوا بِتَمْرِهِمْ مِنْ ثِمَارِ هَذِهِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا. فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَفُّقًا بِأَهْلِ الْفَاقَةِ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الرُّطَبِ لِيُشَارِكُوا النَّاسَ فِيهِ، فَيُصِيبُوا مِنْهُ مَعَهُمْ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا مِنْهُ مَا يَكُونُ لِتِجَارَةٍ، وَلَا لِادِّخَارٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى عِنْدِي مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ لَهُ شَاهِدَيْنِ فِي الْحَدِيثِ

1459 - أَمَّا أَحَدُهُمَا فَشَيْءٌ كَانَ مَالِكٌ يُحَدِّثُهُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا -[589]- بِخَرْصِهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، أَوْ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: الشَّكُّ مِنْ دَاوُدَ. حَدَّثَنِيهِ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْهُ 1460 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَحْسِبُ أَنَا أَنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْهُمَا إِنَّمَا هُوَ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّ تَوْقِيتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَتَرْكَهُ الرُّخْصَةَ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ فِي قَدْرِ مَا لَا يَلْزَمُهُ الْصَدَقَةُ؛ لِأَنَّ سُنَّتَهُ أَنْ لَا صَدَقَةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَأَنْ لَا صَدَقَةَ فِي الْعَرَايَا، فَهَذِهِ تِلْكَ بِأَعْيَانِهَا. وَالْحَدِيثُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَتَقْلِيلُهُ ذَلِكَ يُخْبِرُكَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرْخَصَ لَهُمْ فِي قَدْرِ مَا يَأْكُلُونَ فَقَطْ. فَهَذَا أَحَدُ الشَّاهِدِينَ

1463 - وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَحَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§أَرْخَصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُؤْخَذَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلُهَا أَصْحَابُهَا رُطَبًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ وَضَحَ لَنَا الْآنَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ هِيَ الَّتِي يَبْتَاعُهَا الْمَسَاكِينُ مِنْ رَبِّ النَّخْلِ لِيَأْكُلُوهَا رُطَبًا -[590]-، وَعَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ تَكُونُ هِيَ الَّتِي يَبِيعُونَهَا، فَهِيَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ مُشْتَرَاةٌ، وَفِي ذَلِكَ مَبِيعَةٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْبَيْعِ لَبَطَلَ قَوْلُهُ: يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا، وَكَيْفَ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا وَقَدْ بَاعُوهَا؟ وَأَيُّ رِفْقٍ لَهُمْ فِي بَيْعِهِمْ إِيَّاهَا بِالتَّمْرِ، وَإِنَّمَا أَعْرَوْهَا لِيُصِيبُوا مِنَ الرُّطَبِ؟ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَذْهَبُهُمْ. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ آخَرُ يُرْوَى عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، يَقُولُ: §لَا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالْأَوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ، إِلَّا الثَّلَاثَةَ، وَالْأَرْبَعَةَ، وَالْخَمْسَةَ، تُؤْكَلُ رُطَبًا، وَهِيَ الْمُزَابَنَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ، أَوْ بَعْضِهِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَقَوْلُهُمْ فِي الْعَرَايَا غَيْرُ ذَلِكَ. قَالُوا: إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ - أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ - لَا يَجُوزُ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ تَمْرٌ بِرُطَبٍ مُجَازَفَةً، فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مُزَابَنَةٌ. قَالُوا: وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا لِأَنَّهَا هِبَةٌ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، فَهِيَ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ عَلَى حَالِهَا. قَالُوا: وَلَوْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبَةُ لَهُ مَا حَلَّ بَيْعُهَا إِلَّا كَيْلًا مِثْلًا بِمِثْلٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ عِنْدِي لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إِنْ كَانَتْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَإِنَّمَا هِيَ مَالُهُ عَلَى حَالِهَا الْأُولَى فَأَيُّ بَيْعٍ يَقَعُ هَاهُنَا؟ وَلِأَيِّ مَعْنًى جَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ؟ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرْخَصَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَشْتَرِي مَا هُوَ مِلْكُ يَمِينِهِ؟ فَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِذِي عِلْمٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ -[591]-، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي إِلَّا عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا، خُصُوصِيَّةً خَصَّهَا بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُزَابَنَةِ. 1464 - كَمَا أَرْخَصَ لِلرَّجُلِ الَّذِي ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْعِيدِ أَنْ يُضَحِّيَ بِجَذَعَةٍ مِنَ الْمَعْزِ. 1465 - وَكَمَا أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ؛ لِحَاجَةٍ كَانَتْ إِلَيْهِ. 1466 - وَكَمَا جَعَلَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ. -[592]- 1467 - وَكَمَا أَرْخَصَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمُضْطَرِّ فِي الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعَرَايَا 1468 - وَأَنْكَرَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَيْضًا مَعَ هَذَا خَرْصَ الثِّمَارِ لِلصَّدَقَةِ، وَرَدُّوهُ بِوُجُوهٍ تَأَوَّلُوهَا. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ الْخَرْصَ مِنَ الْمُزَابَنَةِ فِي الْبَيْعِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. قَالَ: وَهُوَ أَيْضًا كَالْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ الَّتِي لَا يُدْرَى فِيهَا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ يَذْهَبُ بِمَالِ صَاحِبِهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ الْخَرْصُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُوَفَّقُ مِنَ الصَّوَابِ لِمَا لَا يُوَفَّقُ لَهُ غَيْرُهُ. قَالَ: وَكَذَا الْقُرْعَةُ لَا تَجُوزُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ. فَهَذِهِ حُجَجُ مَنِ احْتَجَّ لَهُمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِلَالِ جَوَابٌ وَحُجَّةٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِ. فَأَمَّا تَشْبِيهُهُ الْخَرْصَ بِالْمُزَابَنَةِ فِي الْبَيْعِ، وَإِبْطَالُهُ إِيَّاهُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ، فَلَيْسَتْ لَهُ هَاهُنَا حُجَّةٌ أَقْرَبَ إِلَى الْوَهْنِ وَالْغَيِّ مِنْ هَذِهِ، إِذْ جُعِلَتِ الصَّدَقَةُ قِيَاسًا عَلَى الْبُيُوعِ، وَشَرَائِعُ الْإِسْلَامِ أُمَّهَاتٌ لَا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الْأُخْرَى، وَلَوِ احْتُجَّ مُحْتَجٌّ عَلَى قَائِلِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ جَازَ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْبَيْعَ أَصْلًا تَقِيسُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ، فَإِنِّي أَجْعَلُ الصَّدَقَةَ أَصْلًا أَقِيسُ الْبَيْعَ عَلَيْهِ، مَا كَانَ فِي الدَّعْوَى -[593]- إِلَّا وَاحِدًا، وَكِلَاهُمَا أَخَذَ فِي غَيْرِ الصَّوَابِ، وَلَكِنْ تَمْضِي كُلُّ فَرِيضَةٍ عَلَى وَجْهِهَا وَسُنَّتِهَا. 1470 - وَمَعَ هَذَا، أَنَّهُ لَوْ جَازَ لِلَّذِي شَبَّهَ الْبَيْعَ بِالصَّدَقَةِ قَوْلُهُ، مَا كَانَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ إِلَّا عَلَيْهِ، لَا لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ رِبًا، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَهُوَ يَأْخُذُ مِنَ الثِّمَارِ فِي الصَّدَقَةِ عُشْرَهَا، وَيَكِيلُ لِأَرْبَابِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا، فَهَلْ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يُبَاعَ الصَّاعُ مِنَ التَّمْرِ بِتِسْعَةِ أَمْثَالِهِ، إِنْ كَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ عَلَى مَا زَعَمَ؟ فَأَيْنَ ذَهَبَ بِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ؟ وَهَلْ غَلَطَ غَلَطَهُ أَحَدٌ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِسُنَّةٍ أَوْ نَظَرٍ؟ 1471 - وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْخَرْصَ كَالْقِمَارِ، فَكَيْفَ يَتَسَاوَى هَذَانِ الْقَوْلَانِ؟ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالْخَرْصِ قَصْدَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَضْعَ الْحُقُوقِ فِي مَوَاضِعِهَا، وَالْقِمَارُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْفُجُورُ، وَالزَّيْغُ عَنِ الْحَقِّ، وَاجْتِيَاحُ الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَكَمْ بَيْنَ هَذَيْنِ؟ وَمَتَى سُوِّيَ الْغَيُّ بِالرَّشَادِ؟ مَعَ أَنَّ الَّذِيَ جَاءَ بِتَحْرِيمِ الْقِمَارِ هُوَ الَّذِي سَنَّ الْخَرْصَ وَأَبَاحَهُ، وَأْذِنَ فِيهِ، فَمَا جَعَلَ قَوْلَهُ هَاهُنَا مَقْبُولًا، وَهَاهُنَا مَرْدُودًا؟ 1472 - وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَفَّقُ مِنَ الْخَرْصِ وَالْقُرْعَةِ لِمَا لَا يُوَفَّقُ لَهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يُقَالَ لَهُ: هَلْ شَيْءٌ مِنَ الْأُمُورِ سِوَى هَذَيْنِ يُوَفَّقُ النَّاسُ لَهُ كَتَوْفِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا خَصَصْتَ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لَهُ بِالتَّوْفِيقِ دُونَ الْأَشْيَاءِ؟ وَلَوْ كَانَ النَّاسُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا فِيمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يُسَدَّدُونَ لِصَوَابِهِ كَتَسْدِيدِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَإِلَّا اجْتَنَبُوهُ، لَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ إِذًا تَرْكُ الِاسْتِنَانِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَزِمَهُمُ اجْتِنَابُ أُمُورِهِ وَأَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِأَنَّ مَنْ يَأْتِيهِ وَحْيُ السَّمَاءِ وَأَخْبَارُهَا، بَعِيدُ الشَّبَهِ مِمَّنْ يَعْمَلُ عَلَى عِلْمٍ مُغَيَّبٍ. -[594]- 1473 - فَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي مَا قَالَ هَذَا، وَلَيْسَتِ الطَّرِيقُ بِالَّتِي سَلَكَ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ إِحْيَاءُ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاقْتِفَاءُ لَأَمْرِهِ، وَالِاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ فِي تَسْهِيلِ مَا سَهَّلَ، وَتَغْلِيظِ مَا غَلَّظَ، وَعَلَى اللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْقَبُولُ. 1474 - فَالْخَرْصُ وَالْقُرْعَةُ عِنْدَنَا سُنَّتَانِ مَاضِيَتَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ عَمِلَتْ بِهِمَا الْأَئِمَّةُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ. 1475 - وَإِنَّمَا تُخْرَصُ الثِّمَارُ فِي أَوَّلِ بُلُوغِهَا، إِلَّا أَنَّهَا تُحْسَبُ عَلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ كَيْلُهَا إِذَا يَبِسَتْ وَصَارَتْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، وَهُمَا اللَّذَانِ يُؤْخَذَانِ فِي الصَّدَقَةِ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ يَرْفَعُهُ

1476 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §مَضَتِ السُّنَّةُ فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ أَنْ يُخْرَصَ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا. قَالَ: فَتِلْكَ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ 1477 - وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ مَالِكٌ. حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا خَرَصَ الْخَارِصُ فَأَوْهَمَ، فَزَادَ، أَوْ نَقَصَ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ فُتْيَا تُرْوَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنَ الرُّخْصَةِ

1478 - قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: §جَاءَ الْخَارِصُ فَخَرَصَ ثَمَرِي، فَنَقَصَ عَمَّا كَانَ فِيهِ، أَوْ زَادَ؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا عَلَيْكَ مَا خَرَصَ، إِنَّمَا هُوَ الْخَرَّاصُ كَاسْمِهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبِهَذَا الْقَوْلِ كَانَ يَقُولُ مَالِكٌ. قَالَ: إِذَا كَانَ الْخَارِصُ مَأْمُونًا عَالِمًا، فَتَحَرَّى الصَّوَابَ، فَزَادَ أَوْ نَقَصَ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا خَرَصَ يَذْهَبُ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ حُكْمٌ وَاقِعٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا وَجْهُ هَذَا عِنْدِي، إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَلَطُ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَيَغْلَطُونَ بِهِ، فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَفْحُشُ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ إِلَى الصَّوَابِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُفْسِدِ لِأَمْرِ الْخَرْصِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْغَلَطِ الْفَاحِشِ لَوْ وَقَعَ فِي الْكَيْلِ لَكَانَ مَرْدُودًا أَيْضًا، كَمَا يُرَدُّ فِي الْخَرْصِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا زَادَ أَوْ نَقَصَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ الَّتِي يُحْتَاجُ إِلَى خَرْصِهَا وَأَخْذِ صَدَقَتِهَا مَوْقُوفَةً، وَتَكُونُ الْمَاشِيَةُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَقْفًا فِي السَّبِيلِ أَوِ الصَّامِتِ مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا

قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: §سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ نَخْلٍ جَعَلْتُ رِقَابَهَا صَدَقَةً، هَلْ تُخْرَصُ مَعَ النَّخْلِ؟ فَقَالَا: نَعَمْ

قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْبَصْرِيِّ §أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنِّي جَعَلْتُ -[596]- عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِيهَا زَكَاةٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَضْلَةٌ أَوْ مُعْضِلَةٌ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لَيْسَتْ بِأَدْنَى مِنَ الَّتِي فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقُلْ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَسْتَعِينُ بِاللَّهِ، لَا زَكَاةَ عَلَيْكَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصَبْتَ، كُلُّ مَا لَا يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِضَرْعِهِ، وَلَا يُصَابُ مِنْ نِتَاجِهِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: أَصَبْتُمَا

1484 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي نَحْو مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِثْلِهِ: «لَيْسَ فِيهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ §سَبِيلَ اللَّهِ يَجْمَعُ الْمَسَاكِينَ، وَالْغَارِمِينَ، وَابْنَ السَّبِيلِ، وَالْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، وَالَّذِينَ يَسْأَلُونَ» 1485 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا وَجْهُ هَذَا عِنْدِي أَنَّ الَّذِيَ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَابْنُ شِهَابٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ مَوْقُوفًا عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، مُشْتَرَطًا ذَلِكَ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَخَذْتَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ، فَإِنَّمَا تُوضَعُ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَالُ مَوْقُوفًا عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٌ. 1486 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَتِ الثِّمَارُ رُطَبًا لَا يَكُونُ مِنْهُ تَمْرٌ، أَوْ كَانَتْ عِنَبًا لَا يَكُونُ مِنْهُ زَبِيبٌ، فَإِنَّهُ يُحْكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا بَلَغَ خَرْصُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، كَانَ فِي ثَمَنِهِ إِذَا بِيعَ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ الَّذِي لَا يَكُونُ مِنْهُ الزَّيْتُ، صَدَقَتُهُ عَلَى هَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ، إِنَّمَا هُوَ إِلَى مَا يَرْفَعُهُ أَهْلُهُ

باب ما اختلف الناس في وجوب صدقته من الأموال، وهو ثلاثة أصناف: العسل، والزيتون، والخضر

§بَابُ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ صَدَقَتِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: الْعَسَلُ، وَالزَّيْتُونُ، وَالْخَضِرُ

1487 - قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: §قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لِقَوْمِي مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: فَفَعَلَ، وَاسْتَعْمَلَنِي عَلَيْهِمْ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ: فَقَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: فِي الْعَسَلِ زَكَاةٌ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا يُزَكَّى. قَالُوا لَهُ: كَمْ تَرَى؟ قَالَ: الْعُشْرُ. فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْعُشْرَ، فَقَدِمَ بِهِ عَلَى عُمَرَ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ، فَأَخَذَهُ عُمَرُ، فَبَاعَهُ، فَجَعَلَهُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ

1488 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، أَنَّ أَبَا سَيَّارَةٍ الْمُتُعِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي بَجَالَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ §لِي نَحْلًا. قَالَ: «أَدِّ الْعُشْرَ» قَالَ: فَاحْمِ إِذًا جَبَلَهَا. قَالَ -[598]-: فَحَمَاهُ لَهُ

1489 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ §يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِرَبِ الْعَسَلِ مِنْ عَشْرِ قِرَبَاتٍ قِرْبَةٌ مِنْ أَوْسَطِهَا

1490 - قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ مُرَّةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي عُشُورِ -[599]- الْعَسَلِ: §مَا كَانَ مِنْهُ فِي السَّهْلِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَبَلِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ

1491 - قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ «§رَأَى فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ»

1492 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: §فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزُقٍّ مِنْ عَسَلٍ عُشْرُهَا

1493 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: §فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ زِقٌّ

1494 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، أَنَّهُ قَالَ: «§فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ مِنَ الْعَسَلِ زِقٌّ» . قَالَ: وَقَالَ سَعِيدٌ: الزِّقُّ يَسَعُ رَطْلَيْنِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الصَّدَقَةَ. وَفِيهِ قَوْلٌ غَيْرُ هَذَا

1495 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ -[600]- نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §لَيْسَ فِي الْخَيْلِ، وَلَا فِي الرَّقِيقِ، وَلَا فِي الْعَسَلِ صَدَقَةٌ

1496 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: جَاءَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي أَنْ §لَا تَأْخُذَ مِنَ الْخَيْلِ وَلَا مِنَ الْعَسَلِ صَدَقَةً 1497 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ مَالِكٌ، يَقُولُ: لَا صَدَقَةَ فِي الْعَسَلِ. يُشَبِّهُهُ بِالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ. 1498 - وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ، عَلَى مَا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ رَأْيَهُمَا كَانَ أَنْ لَا صَدَقَةَ إِلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ غَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بَعْدُ. 1499 - فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِذَا كَانَ الْعَسَلُ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى أَرْضٍ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ عُشْرٍ فَفِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ. 1500 - وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِنْهُ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَمَنَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَخَسِّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ قِيمَةً. فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْعَسَلِ

باب وأما الزيتون

§بَابُ وَأَمَّا الزَّيْتُونُ

1501 - فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي الْعَوَّامِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالسُّلْتِ، وَالزَّيْتُونِ»

1502 - قَالَ: حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ §أَخَذَ مِنَ الزَّيْتُونِ الصَّدَقَةَ، مِنْ كُلِّ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ زِنَتِهِ مِنْ عَشَرَةِ أَمْدَادٍ مُدْيًا

1503 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ زَيْتُونٌ، فَقَالَ: «§تُؤَدَّى الزَّكَاةُ مِنْ زَيْتِهِ حِينَ يُعْصَرُ، فَمَا كَانَ بَعْلًا أَوْ يُسْقَى بِالسَّمَاءِ فَفِيهِ الْعُشُورُ، وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالرِّشَا فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشُورِ» 1504 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ مَالِكٌ. كَذَلِكَ حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ، وَكَذَلِكَ يَرَى أَنْ تُؤْخَذَ صَدَقَتُهُ زَيْتًا كَقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ. 1505 - وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَقَالُوا: تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ مِنْ ثَمْرَتِهِ الْعُشْرَ وَنِصْفَ -[602]- الْعُشْرِ عَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ، غَيْرَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا صَدَقَةً فِيهِ، لَا فِي حبٍّ وَلَا زَيْتٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا مَا أَعْلَمْتُكَ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ إِلَّا فِي مِلْكِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ. فَهَذَا مَا فِي الزَّيْتُونِ

وأما الخضر

§وَأَمَّا الْخَضِرُ

1506 - فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: أَرَادَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْضِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: «لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ» §نَهَى عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ "

1507 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «§لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ»

1508 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ عَلِيٌّ: «§لَيْسَ فِي التُّفَّاحِ وَمَا أَشْبَهَهُ صَدَقَةٌ»

1509 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «§لَيْسَ فِي الْفَوَاكِهِ وَالْخَضِرِ صَدَقَةٌ» -[603]- قَالَ: قَالَ مُغِيرَةُ: فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَعَرَفَهُ، وَلَمْ يَعِبْهُ، 1510 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ. 1511 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ

1512 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «§لَيْسَ فِي غَلَّةِ الصَّيْفِ صَدَقَةٌ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي هَذَا كُلِّهِ

حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ. 1513 - قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ §لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ مِثْلِ الرُّمَّانِ، وَالْفِرْسِكِ، وَالتِّينِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ صَدَقَةٌ. قَالَ: وَلَا فِي الْبُقُولِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي أَثْمَانِهَا إِذَا بِيعَتْ حَتَّى يَحُولَ عَلَى الْأَثْمَانِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ تُقْبَضُ 1514 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ جَمِيعًا، غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي قَلِيلِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ الصَّدَقَةُ 1515 - قَالَ: وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُهُ عَنْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ. 1516 - وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا كَقَوْلِ الْآخَرِينَ. وَعَلَيْهِ الْآثَارُ كُلُّهَا، وَبِهِ تَعْمَلُ الْأُمَّةُ الْيَوْمَ. -[604]- 1517 - عَلَى أَنَّ شَيْئًا يُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْقَوْلَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا خِلَافُهُ

1518 - قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «§كُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ مِنَ الْأَرْضِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، مِمَّا سَقَتِ السَّمَاءُ، أَوْ سُقِيَ بِالْعُيُونِ، فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ، أَوْ نَاعُورَةٍ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» 1519 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَنْصُورٍ أَوْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ نَحْوُ ذَلِكَ فَالَّذِي رَوَى مُغِيرَةُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ خِلَافُهُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُغِيرَةَ وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَسُفْيَانَ. 1520 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالْعُلَمَاءُ الْيَوْمَ مُجْمِعُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالْحِجَازِ، وَالشَّامِ عَلَى أَنْ لَا صَدَقَةَ فِي قَلِيلِ الْخَضِرِ وَلَا فِي كَثِيرِهَا، إِذَا كَانَتْ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، وَكَذَلِكَ الْفَوَاكِهُ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْحُبُوبِ وَالْقَطَانِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي مَوْضِعِهِ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمَاضِينَ كَانَ يَرَى فِي أَثْمَانِهَا الصَّدَقَةَ إِذَا بِيعَتْ. -[605]- 1521 - مِنْهُمْ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَابْنُ شِهَابٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَظُنُّ الْأَوْزَاعِيَّ ثَالِثَهُمَا

1522 - قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ عَنِ الْخُضَرِ، فَقَالَ: §لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ حَتَّى تُبَاعَ، فَإِذَا بِيعَتْ فَبَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ فِيهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ

1523 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §مَا كَانَ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالْخَضِرِ، فَإِنَّمَا صَدَقَتُهَا فِي أَثْمَانِهَا حِينَ تُبَاعُ، صَدَقَةُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ 1524 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا أَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَدًا يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَلَا الْعِرَاقِ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ فِي النَّظَرِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، وَكَيْفَ تَجِبُ الصَّدَقَةُ فِي الْفَرْعِ، وَهِيَ سَاقِطَةٌ عَنِ الْأَصْلِ؟ وَإِنَّمَا الْفُرُوعُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأُصُولِ، تَابِعَةٌ لَهَا؟ وَهَلِ الْخَضِرُ - إِذَا كَانَتْ لَا تَجِبُ فِيهَا صَدَقَةٌ بِأَعْيَانِهَا - إِلَّا كَالْعُرُوضِ وَالرَّقِيقِ الَّتِي لَا صَدَقَةَ فِي شُخُوصِهَا؟ فَهَلْ تَكُونُ الصَّدَقَةُ فِي أَثْمَانِهَا إِذَا بِيعَتْ إِلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ تُقْبَضُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ؟ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ لَا صَدَقَةَ فِي أَثْمَانِهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ. 1525 - وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ عِنْدِي لَا صَدَقَةَ فِيهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ بِهَا أَشْبَهُ مِنْهُ -[606]- بِالْأَطْعِمَةِ الَّتِي سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الصَّدَقَةَ مِنَ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَلَا أَرَاهُ أَيْضًا يُشْبِهُ الْقَطَانِيَّ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّدَقَةَ مَنْ أَوْجَبَهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ يَابِسَةٌ تُدَّخَرُ، وَهَذَا رَطْبٌ يَفْسَدُ وَيَتَغَيَّرُ، فَإِنْ كَانَ يُشْبِهُ مِنْهَا شَيْئًا فَلَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالسِّمْسِمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَمِيعًا تُؤْكَلُ ثَمْرَتُهُمَا، وَيُؤْتَدَمُ بِعَصِيرِهِمَا. 1526 - وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ وَهُوَ مَعْدِنُ السِّمْسِمِ فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَمَرَهُ فِي حَبِّهِ، وَلَا دُهْنِهِ بِشَيْءٍ. 1527 - وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ، لَمْ يَأْتِنَا عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَيَسْتَحِبُّهُ فِي طَعَامِهِ، وَيَأْمُرُ بِالِادِّهَانِ بِهِ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ نَزَلَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ، فَلَمْ يَسُنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً عَلِمْنَاهَا، وَلَا ذَكَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ صَدَقَاتِهِ حِينَ ذَكَرَ الثِّمَارَ، وَعُشُورَ الْأَرَضِينَ. 1528 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالزَّيْتُونُ عِنْدَنَا مِمَّا عَفَا عَنْهُ، كَعَفْوِهِ عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ، وَلَا صَحَّ مَعَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ لَا نَرَاهُ مَحْفُوظًا؛ لِأَنَّ اللَّيْثَ يُحَدِّثُهُ -[607]- عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَلَا يَرْفَعُهُ إِلَى عُمَرَ، وَلَوْ كَانَ أَيْضًا مَحْفُوظًا مَا كَانَ أَيْضًا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ. 1529 - وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ - وَإِنْ كَانَ أَمْثَلَ إِسْنَادًا مِنْ ذَلِكَ - فَإِنَّ فِيهِ مَقَالَا. 1530 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعَ هَذَا، إِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ صَدَقَةِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ، حِينَ ذَكَرُوا الْأَصْنَافَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، فَسَمَّوْهَا، وَأَسْقَطُوا الصَّدَقَةَ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي الزَّيْتُونِ شَيْئًا، فَصَارَ هَذَا رَأْيَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، مَعَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ. 1531 - ثُمَّ هُوَ رَأْيُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ، عَلَى مَذْهَبِهِمَا. 1532 - وَكَذَلِكَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُسَمَّيْنَ جَمِيعًا فِي الْعَسَلِ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ خَصُّوا مَا رَأَوْهَا تَجِبُ فِيهِ، وَأَلْغَوْا مَا سِوَى ذَلِكَ، فَالْعَسَلُ مِمَّا أَسْقَطُوهَا عَنْهُ -[608]-، مَعَ تَأْوِيلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذٍ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ فِي الْعَسَلِ بِشَيْءٍ، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، وَهِيَ بِلَادُ الْعَسَلِ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ بِإِسْقَاطِ الصَّدَقَةِ عَنْهُ، وَجَاءَتْ تِلْكَ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِإِيجَابِهَا فِيهِ، فَاعْتَدَلَ الْوَجْهَانِ فِي الْعَسَلِ. 1533 - وَأَشْبَهُ الْوُجُوهِ فِي أَمْرِهِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَرْبَابُهُ يُؤْمَرُونَ بِأَدَاءِ صَدَقَتِهِ، وَيُحَثُّونَ عَلَيْهَا، وَيُكْرَهُ لَهُمْ مَنْعُهَا، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِمُ الْمَأْثَمُ فِي كِتْمَانِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا، كَوُجُوبِ صَدَقَةِ الْأَرْضِ وَالْمَاشِيَةِ، وَلَا يُجَاهَدُ أَهْلُهُ عَلَى مَنْعِ صَدَقَتِهِ، كَمَا يُجَاهَدُ مَانِعُو ذَيْنِكَ الْمَالَيْنِ. 1534 - وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ كَمَا صَحَّتْ فِيهِمَا، وَلَا وُجِدَتْ فِي كُتُبِ صَدَقَاتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهِمَا. 1535 - قَالَ: وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَجْبَرَهُ عَلَى نَفَقَتِهِمْ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ إِجْبَارًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا تَأْوِيلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ دَاوُدَ فِي مَعْنَى الْعِيَالِ، وَهُمَا مَذْهَبَانِ لِمَنْ شَاءَ. 1536 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي أَخْتَارَ فِيهِ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا عِنْدِي إِنَّمَا هُوَ كُلُّ مَا كَانَ عَوْلُهُ فَرْضًا عَلَى الْعَائِلِ وَاجِبًا، لَا يَسَعُهُ تَضْيِيعُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ ذَكَرَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ: «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . ثُمَّ جَاءَنَا -[609]- عَنْهُ ذَلِكَ مُفَسَّرًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ. أَوْ قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ

1537 - وَمِثْلُ ذَلِكَ أَوْ نَحْوُهُ قَوْلُهُ لِهِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، وَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، أَفَآخُذُ مِنْ مَالِهِ؟ فَقَالَ: «§خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَبَنِيكِ بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1538 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَؤُلَاءِ الْأَهْلُ وَالْوَلَدُ، وَكَذَلِكَ الْوَالِدَانِ إِذَا كَانَا ذَوَيْ خَلَّةٍ وَفَاقَةٍ، فَعَلَى وَلَدِهِمَا الْمُوسِرِ أَنْ يَعُولَهُمَا، كَعَوْلِهِ وَلَدَهُ وَأَهْلَهُ، بِسُنَّةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضَرْبَانِ مِنَ التَّمْرِ: أَحَدُهُمَا إِنَّمَا يَصِيرُ قِشْرًا عَلَى نَوًى، وَالْآخَرُ إِذَا أَتْمَرَ صَارَ حَشَفًا

1539 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §نَهَى عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التَّمْرِ أَنْ يُؤْخَذَا فِي الصَّدَقَةِ: الْجُعْرُورِ، وَلَوْنِ حُبَيْقٍ، وَكَانُوا يَتَيَمَّمُونَ شَرَّ أَمْوَالِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ، فَنَزَلَتْ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]

1540 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] -[610]- قَالَ: كَانُوا يَتَيَمَّمُونَ الْحَشَفَ، وَشَرَّ أَمْوَالِهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ

1541 - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَقِيرٍ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «§لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ الْجُعْرُورُ وَلَا مُصْرَانُ الْفَارَةِ، وَلَا عِذْقٌ ابْنُ حُبَيْقٍ، وَهُوَ يُعَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ»

1542 - وَزَادَ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: " وَمِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ §السِّخَالِ تُعَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ. قَالَ: وَفِي الثَّمَرِ أَيْضًا أَوْ قَالَ: فِي التَّمْرِ الْبُرْدِيِّ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ جَيِّدِ التَّمْرِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ وَسَطِ الْمَالِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْمَكْرُوهِ مِنْ خَسِيسِ الثِّمَارِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ

1543 - فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَالِحٍ حَدَّثَنَا، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ §تَسَلَّفَ فِي حَائِطٍ لَهُ، أَوْ فِي حَرْثِهِ، حَتَّى أَحَاطَ بِمَا خَرَجَ لَهُ، أَيُزَكِّي حَائِطَهُ ذَلِكَ، أَوْ حَرْثَهُ؟ فَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ فِي السُّنَّةِ أَنْ يُتْرَكَ ثَمَرُ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَكِنَّهُ يُصَدِّقُ، وَعَلَيْهِ دِينُهُ، فَأَمَّا رَجُلٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ وَرِقٌ أَوْ ذَهَبٌ، فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْضِيَ دِينَهُ

1544 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «§كَانُوا يَرْصُدُونَ الْعَيْنَ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَرْصُدُونَ الثِّمَارَ فِي الدَّيْنِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حُدِّثْتُ بِذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ النَّظَرِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَمَّا الَّذِي يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، فَغَيْرُ هَذَا

1545 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثُونَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ فِي §الرَّجُلِ يَسْتَدِينُ، فَيُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ وَأَرْضِهِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «يَقْضِي مَا أَنْفَقَ عَلَى أَرْضِهِ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «يَقْضِي مَا أَنْفَقَ عَلَى أَرْضِهِ وَأَهْلِهِ»

1546 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يُحَدَّثُ بِهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ يَدَيِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالزَّرْعِ. 1547 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حُدِّثْتُ بِهِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: §لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ، وَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ زَكَّاهُ، إِذَا كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ 1548 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ. 1549 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَعَامَّةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُقَاصُ بِهِ الرَّجُلُ فِيمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ خَاصَّةً، وَلَكِنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَةٌ أَرْضِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِثَمْرَتِهِ وَزَرْعِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ أَيْضًا. 1550 - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِمِثْلِ مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمَكْحُولٍ، وَقَالُوا جَمِيعًا: أَمَّا إِذَا كَانَ دَيْنُهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَعِنْدَهُ مِنْهُمَا مِثْلُهُ، فَإِنَّهُ -[612]- لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. فَاتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى إِسْقَاطِهَا عَنْهُ فِي الصَّامِتِ مَعَ الدَّيْنِ، وَاتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى إِيجَابِهَا عَلَيْهِ فِي الْأَرْضِ مَعَ الدَّيْنِ، إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ تِلْكَ الْآثَارَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَاشِيَةِ. 1551 - فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: الْمَاشِيَةُ مِثْلُ صَدَقَةِ الْأَرْضِ، تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاتُهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. 1552 - وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: الْمَاشِيَةُ مِثْلُ الصَّامِتِ، لَا تُؤْخَذُ زَكَاتُهَا مَعَ الدَّيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ الْأَخْذُ بِالْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا فِي الْإِسْقَاطِ وَالْإِيجَابِ، وَإِنْ كَانَا فِي الظَّاهِرِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَنَقُولُ: 1553 - إِذَا كَانَ الدَّيْنُ صَحِيحًا قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَكِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِدَيْنِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ، وَمَعَ قَوْلِهِمْ أَيْضًا إِنَّهُ مُوَافِقٌ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَنَّ أَنْ تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، فَتُرَدَّ فِي الْفُقَرَاءِ؟ وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، فَكَيْفَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا؟ أَمْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا فَقِيرًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ؟ وَمَعَ هَذَا إِنَّهُ مِنَ الْغَارِمِينَ، أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، فَقَدِ اسْتَوْجَبَهَا مِنْ جِهَتَيْنِ

1554 - وَنَرَى أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «§لَأُكَرِّرَنَّ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ إِنْ رَاحَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» - أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ مَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ -[613]-: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدَ يُحَدِّثَانِهِ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عُمَرَ 1555 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ إِذَا عُلِمَتْ صِحَّةُ دَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِقَوْلِهِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ مِنَ الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ جَمِيعًا، كَقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَمَنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. 1556 - وَمَعَ قَوْلِهِمْ أَيْضًا إِنَّكَ إِذَا صِرْتَ إِلَى النَّظَرِ وَجَدْتَهُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَدَقَةَ الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ حَقٌّ وَاجِبٌ ظَاهِرٌ قَدْ لَزِمَ صَاحِبَهُ، وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ يَدَّعِيهِ بَاطِنٌ، لَا يُدْرَى لَعَلَّهُ فِيهِ مُبْطِلٌ، فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ مِنْهُ، إِنَّمَا هَذَا كَرَجُلٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ لِقَوْمٍ، فَادَّعَى الْمَخْرَجَ مِنْهَا وَأَدَاءَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ. 1557 - وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ حِينَ شَبَّهُوا الْمَاشِيَةَ بِالصَّامِتِ، فَجَعَلُوا الْقَوْلَ قَوْلَهُ فِي دَعْوَاهُ، فَكَيْفَ يُشْبِهُهُ؟ وَهُمْ يَقُولُونَ فِي صَاحِبِ الْمَاشِيَةِ إِنَّهُ إِذَا ادَّعَى أَنَّهُ قَدْ قَسَّمَ صَدَقَتَهُ فِي الْفُقَرَاءِ، أَنَّهَا لَا تُجْزِيهِ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيَةً، وَيَقُولُونَ: إِنِ ادَّعَى ذَلِكَ فِي الصَّامِتِ قُبِلَ مِنْهُ. 1558 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَانِ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ -[614]-، فَأَمَّا الصَّامِتُ فَلَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ مَا ادَّعَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ لَيْسَ إِلَى السُّلْطَانِ، إِنَّمَا هُوَ إِلَى أَمَانَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَدَقَةُ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ إِنَّمَا هِيَ إِلَى الْأَئِمَّةِ، تُؤْخَذُ مِنَ النَّاسِ عَلَى الْكُرْهِ وَالرِّضَا. 1559 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا بِيعَ النَّخِيلُ بَعْدَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَيَطِيبَ قَبْلَ أَنْ يُجَدَّ، وَالزَّرْعُ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ، فَإِنَّهُ يُحْكَى عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْبَائِعِ» . قَالَ: «وَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي» . قَالَ: «وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ، أَوْ بَعْدَمَا يُحْصَدُ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْوَارِثِ» . قَالَ: «وَكُلُّ ثَمَرَةٍ يَأْكُلُ مِنْهَا أَرْبَابُهَا فَإِنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ مَا أَكَلُوا» . قَالَ: " وَإِذَا أَكْرَى الرَّجُلُ أَرْضَهُ مِنْ رَجُلٍ فَزَرَعَهَا، وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ، فَإِنَّ عُشْرَهَا عَلَى الزَّارِعِ الْمُكْتَرِي، وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، 1560 - قَالَ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ فِي هَذِهِ الْخِلَالِ كُلِّهَا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَرِثَ الْوَارِثُ الْأَرْضَ بَعْدَمَا يُحْصَدُ زَرْعُهَا، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ 1561 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ -[615]- لَيْسَ يُنْظَرُ فِي مِلْكِهِمَا إِلَى حُئُولِ الْحَوْلِ، إِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ فِيهِمَا حِينَ يَطِيبُ، وَيَبْدُو صَلَاحُهُمَا، وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ وَالصَّامِتُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الصَّدَقَةُ فِيهِمَا بَعْدَ الْحَوْلِ، فَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ أَحْكَامُ الْأَرَضِينَ الْعُشْرِيَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَرْضِ خَرَاجٍ، وَلَا تَكُونُ الْأَرْضُ كَذَلِكَ إِلَّا مِنْ أَنْوَاعٍ أَرْبَعَةٍ. 1562 - أَحَدُهَا: كُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَهُمْ مَالِكُونَ لِرِقَابِهَا، كَالْمَدِينَةِ، وَالطَّائِفِ، وَالْيَمَنِ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَكَّةَ، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتِ افْتُتِحَتْ بَعْدَ الْقِتَالِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَغْنَمْ أَمْوَالَهُمْ

1563 - وَيُرْوَى عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «§لَا تَحِلُّ غَنِيمَتُهَا» كَذَلِكَ حُدِّثْتُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَلَمَّا خَلَصَتْ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ، ثُمَّ أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ، كَانَ إِسْلَامُهُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، فَلَحِقَتْ أَرَضُوهُمْ بِالْعُشْرِ. وَلِمَكَّةَ أَحَادِيثُ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. 1564 - وَالنَّوْعُ الثَّانِي: كُلُّ أَرْضٍ أُخِذَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرَ أَنْ يَجْعَلَهَا فَيْئًا مَوْقُوفًا، وَلَكِنَّهُ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهَا غَنِيمَةً، فَخَمَسَهَا، وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْضِ خَيْبَرَ. فَهَذِهِ أَيْضًا مِلْكُ أَيْمَانِهِمْ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْعُشْرِ. وَكَذَلِكَ الثُّغُورُ كُلُّهَا، إِذَا قُسِّمَتْ -[616]- بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، وَعُزِلَ الْخُمُسُ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. 1565 - وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: كُلُّ أَرْضٍ عَادِيَّةٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَلَا عَامِرَ، أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ رَجُلًا إِقْطَاعًا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، أَوْ غَيْرِهَا، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ فِيمَا أَقْطَعُوا مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَالْيَمَامَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَمَا أَشْبَهَهَا. 1566 - وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ: كُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ اسْتَحْيَاهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَحْيَاهَا بِالْمَاءِ وَالنَّبَاتِ. فَهَذِهِ الْأَرَضُونَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا السُّنَّةُ بِالْعُشْرِ، أَوْ نِصْفِ الْعَشْرِ، وَكُلُّهَا مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ هَذِهِ فَهِيَ صَدَقَةٌ إِذَا بَلَغَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالصَّامِتِ، تُوضَعُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ النَّاسِ. 1567 - وَمَا سِوَى هَذِهِ مِنَ الْبِلَادِ فَلَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ أَرْضَ عَنْوَةٍ صُيِّرَتْ فَيْئًا، كَأَرْضِ السَّوَادِ وَالْجِبَالِ، وَالْأَهْوَازِ، وَفَارِسَ، وَكَرْمَانَ، وَأَصْبَهَانَ، وَالرَّيِّ، وَأَرْضِ الشَّامِ سِوَى مُدُنِهَا، وَمِصْرَ، وَالْمَغْرِبِ، أَوْ تَكُونُ أَرْضَ صُلْحٍ مِثْلَ نَجْرَانَ، وَأَيْلَةَ، وَأَذْرُحَ، وَدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَفَدَكَ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا صَالَحَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُلْحًا، أَوْ فَعَلَتْهُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ كَبِلَادِ الْجَزِيرَةِ، وَبَعْضِ بِلَادِ إِرْمِينِيَةَ، وَكَثِيرٍ مِنْ كُوَرِ خُرَاسَانَ. فَهَذَانِ النَّوْعَانِ مِنَ الْأَرَضِينَ - الصُّلْحُ وَالْعَنْوَةُ الَّتِي تَصِيرُ فَيْئًا - -[617]- تَكُونَانِ عَامًّا لِلنَّاسِ فِي الْأَعْطِيَةِ وَأَرْزَاقِ الذُّرِّيَّةِ، وَمَا يَنُوبُ الْإِمَامُ مِنْ أُمُورِ الْعَامَّةِ

باب الصاع الذي تعرف به صدقة الأرضين، وزكاة الفطر، وكفارة الأيمان، وفدية المناسك، وغسل الجنابة، مع جميع ما جاء ذكره في الحديث من المكاييل كلها. قال أبو عبيد: وجدنا الآثار قد نقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين بعدهم بثمانية أصناف من

§بَابُ الصَّاعِ الَّذِي تُعْرَفُ بِهِ صَدَقَةُ الْأَرَضِينَ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ، وَكَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ، وَفِدْيَةُ الْمَنَاسِكِ، وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ، مَعَ جَمِيعِ مَا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْمَكَايِيلِ كُلِّهَا. 1568 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجَدْنَا الْآثَارَ قَدْ نُقِلَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ بِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنَ الْمَكَايِيلِ: الصَّاعِ، وَالْمُدِّ، وَالْفَرَقِ، وَالْقِسْطِ، وَالْمُدْيِ، وَالْمَخْتُومِ، وَالْقَفِيزِ، وَالْمَكُّوكِ، إِلَّا أَنَّ عِظَمَ ذَلِكَ فِي الْمُدِّ وَالصَّاعِ

قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ، عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ» قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَوْ قَالَ: وَيُطَهِّرُهُ الْمُدُّ

1570 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ -[618]- سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: §كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ

1571 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: §كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِقَدْرِ الْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِقَدْرِ الصَّاعِ 1572 - قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ

1573 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي عِيسَى الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «وَاللَّهِ إِنْ §كُنْتُ لَأَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجَنَابَةِ بِصَاعٍ مِنْ مَاءٍ جَمِيعًا»

1574 - قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: §كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْفَرَقُ

1575 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: §كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ فِي قَدَحٍ وَهُوَ الْفَرَقُ وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ

1576 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ قَالَتْ: «§كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَحَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ» . قَالَ: وَأَشَارَتْ إِلَى إِنَاءٍ فِي الْبَيْتِ قَدْرَ الْفَرَقِ قَالَ: وَالْفَرَقُ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ

1577 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ §يَغْتَسِلُ فِي قَدَحٍ مِنَ الْجَنَابَةِ يَسَعُ الْفَرَقَ. قَالَ: وَذَلِكَ الْيَوْمَ نَحْوُ خَمْسَةِ أَمْدَادٍ

1578 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتِ امْرَأَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا §كَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ قَالَ اللَّيْثُ فِي حَدِيثِهِ: أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَاكَ

1579 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مُجَاهِدٍ، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، أَوْ تِسْعَةً، أَوْ عَشَرَةً، فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ §رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا»

1580 - قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أَتِيَ مُجَاهِدٌ بِإِنَاءٍ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ أَنَّ §رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا

1581 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحُدِّثْتُ عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ جَبْرٍ -[620]- الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §كَانَ يَتَوَضَّأُ بِرَطْلَيْنِ 1582 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَجَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الْغُسْلِ بِأَلْفَاظٍ يَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْمَعَانِي لِاخْتِلَافِ لَفْظِهَا، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى فِيهَا كُلِّهَا إِنَّمَا يَدُورُ عَلَى وَقْتَيْنِ مِنَ الْمَاءِ، أَقْصَاهُمَا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَأَدْنَاهُمَا صَاعٌ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ. وَسَائِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا تَرْجِعُ إِلَى أَحَدِهِمَا، لَا يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ عَرَفَهُ. فَكَانَ غُسْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَتَرَدَّدُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْضُرُهُ مِنَ الْمَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِصُ مِنَ الصَّاعِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَلَا يَزِيدُ عَلَى صَاعٍ وَنِصْفٍ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. 1583 - فَمِنَ الثَّمَانِيَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْفَرَقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَائِشَةَ جَمِيعًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَانِيَةٌ. 1584 - فَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَقْسَاطِ هِيَ مِثْلُ الْفَرَقِ سَوَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِسْطَ نِصْفُ صَاعٍ، وَتَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ، حِينَ ذَكَرَ الْفَرَقَ، فَقَالَ: وَهُوَ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ، فَرَجَعَ مَعْنَاهُ إِلَى الثَّمَانِيَةِ أَيْضًا. 1585 - وَأَمَّا الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الْأَمْدَادُ الْخَمْسَةُ يَغْتَسِلُ بِهَا وَحْدَهُ، فَهُوَ مِثْلُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْغُسْلِ بِالصَّاعِ، وَالْوُضُوءِ بِالْمُدِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ قَبْلَ الْغُسْلِ بِمُدٍّ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّاعِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَتِلْكَ خَمْسَةٌ لِاغْتِسَالِهِ خَاصَّةً. -[621]- 1586 - وَأَمَّا الَّذِي فِيهِ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَائِشَةَ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ لِهَذَا وَجْهًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَذَا الْمُدِّ الْكَبِيرِ الَّذِي يُكَالُ بِهِ التَّمْرُ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ، فَتَكُونَ الْأَمْدَادُ إِنَّمَا هِيَ تَفْسِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِ بِالْحَدِيثِ، جَعَلَهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. 1587 - وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَعَائِشَةُ يَغْتَسِلَانِ بِصَاعٍ وَاحِدٍ جَمِيعًا، فَإِنَّمَا وَجْهُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ هُوَ بِصَاعٍ، وَهِيَ بِصَاعٍ آخَرَ. فَهَذَا مَا فِي سُنَنِ الْغُسْلِ بِالصَّاعِ، وَالْفَرَقِ، وَالْقِسْطِ، وَالْأَمْدَادِ. وَأَمَّا ذِكْرُ الصَّاعِ فِي صَدَقَةِ الْأَرَضِينَ

1588 - فَإِنَّ الْأَشْجَعِيَّ حَدَّثَنَا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: «§الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا»

1589 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: §الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا

1590 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ قَالَا: §الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا

1591 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ -[622]- أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَفَعَهُ قَالَ: «§لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» . وَالْوَسْقُ سِتُّونَ مَخْتُومًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْمَخْتُومُ هَاهُنَا هُوَ الصَّاعُ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَخْتُومًا؛ لِأَنَّ الْأُمَرَاءَ جَعَلَتْ عَلَى أَعْلَاهُ خَاتَمًا مَطْبُوعًا لِئَلَّا يُزَادَ فِيهِ، وَلَا يُنْتَقَصَ مِنْهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ فِي مَبْلَغِ الصَّاعِ كَمْ هُوَ؟

1592 - فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: §كَانَ صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، وَمُدُّهُ رَطْلَيْنِ 1593 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الصَّاعُ أَقَلُّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، وَأَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ

1594 - قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ: §الصَّاعُ يَزِيدُ عَلَى الْحَجَّاجِيِّ مِكْيَالًا 1595 - وَكَانَ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَاضِي الْكُوفَةِ يَقُولُ: الصَّاعُ مِثْلُ الْحَجَّاجِيِّ، أَوْ أَرْجَحُ شَيْئًا 1596 - وَأَمَّا سُفْيَانُ فَكَانَ يَقُولُ: هُوَ مِثْلُ الْقَفِيزِ الْحَجَّاجِيِّ وَلَمْ يَصِفْهُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَا نُقْصَانٍ. 1597 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْحَجَّاجِيُّ قَفِيزٌ كَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ اتَّخَذَهُ عَلَى صَاعِ عُمَرَ. كَذَلِكَ يُرْوَى عَنْهُ

1598 - قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: «§الْقَفِيزُ الْحَجَّاجِيُّ صَاعُ عُمَرَ»

1599 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §الْقَفِيزُ الْحَجَّاجِيُّ صَاعُ عُمَرَ

1600 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: §الْحَجَّاجِيُّ هُوَ رُبْعُ الْهَاشِمِيِّ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ 1601 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا تَرَى أَهْلَ الْعِرَاقِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَسَمِعُوا فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِرَطْلَيْنِ، فَتَوَهَّمُوا أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ لِهَذَا. وَقَدِ اضْطَرَبَ مَعَ هَذَا قَوْلُهُمْ، فَجَعَلُوهُ أَنْقَصَ مِنْ ذَلِكَ. 1602 - وَأَمَّا أَهْلُ الْحِجَازِ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ أَعْلَمُهُ أَنَّ الصَّاعَ عِنْدَهُمْ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، يَعْرِفُهُ عَالِمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ، وَيُبَاعُ فِي أَسْوَاقِهِمْ، وَيَحْمِلُ عِلْمُهُ قَرْنٌ عَنْ قَرْنٍ. 1603 - وَقَدْ كَانَ يَعْقُوبُ زَمَانًا يَقُولُ كَقَوْلِ أَصْحَابِهِ فِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. -[624]- 1604 - وَبِهِ كَانَ يُفْتِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. 1605 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدِي؛ لِأَنِّي مَعَ اجْتِمَاعِ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَيْهِ تَدَبَّرْتُهُ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ، فَوَجَدْتُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ

1606 - حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ غَنَجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ «§ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحِنْطَةِ مُدْيَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَقْسَاطِ زَيْتٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ كُلَّ شَهْرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ، وَلَا أَحْفَظُ مَا ذُكِرَ مَا فِي الْوَدَكِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَنَظَرْتُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا، فَإِذَا هُوَ قَدْ عَدَلَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّنَانِيرِ أَنْ يُعْدَلَ الدِّينَارُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَكَذَلِكَ عَدَلَ مُدْيَيْنِ مِنْ طَعَامٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَجَعَلَهَا مُوَازِيَةً لَهُمَا، فَغَايَرْتُ الْأَمْدَادَ وَالصِّيعَانَ وَجَمَعْتُ بَيْنَهَا، ثُمَّ اعْتَبَرْتُهَا بِالْوَزْنِ، فَوَجَدْتُ الْمُدْيَيْنِ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ رَطْلًا، وَوَجَدْتُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا ثَمَانِينَ رَطْلًا، عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَإِنَّمَا زَادَ ذَلِكَ النَّيِّفُ عَلَى الثَّمَانِينَ فِيمَا ظَنَنْتُ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ مِنَ الرَّزَانَةِ وَالْخِفَّةِ، وَوَجَدْتُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رِطْلٍ. فَهَذِهِ زِيَادَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ، فَعَرَفْتُ بِهَذَا أَنَّ الصَّاعَ كَقَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ،

ثُمَّ صَدَّقَ ذَلِكَ وَثَبَّتَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ -[625]- 1607 - سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُمَرَ الْوَاسِطِيُّ يُحَدِّثُهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1608 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ: الْمِيزَانُ مِيزَانُ الْمَدِينَةِ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ مَكَّةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَاجْتَمَعَتْ فِيهِ ثَلَاثُ خِلَالٍ: حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَدَبُّرُ حَدِيثِ عُمَرَ، وَاتِّفَاقُ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَيْهِ، فَأَيْنَ الْمَذْهَبُ عَنْ هَذَا؟ 1609 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا أَمْرُ الصَّاعِ فِي مَبْلَغِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ الْفَرَقِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ، أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ. وَفِيهِ أَحَادِيثُ تُفَسِّرُهُ أَيْضًا

1610 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: §أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لِي، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي - أَوْ قَالَ: عَلَى حَاجِبَيَّ - فَقَالَ: أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاحْلِقْهُ، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ شَاةً قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ. 1611 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَيُّوبَ، بِإِسْنَادِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ

1612 - قَالَ: حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ «§أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ تَبَيَّنَ الْآنَ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَهُوَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَيْضًا

1613 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «هَلْ مَعَكَ مِنْ دَمٍ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «§فَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ تَمْرًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ» 1614 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ وَضَحَ الْآنَ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، إِذْ كَانَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، وَحَدِيثِ سُفْيَانَ: أَطْعِمْ فَرَقًا. وَقَالَ هَاهُنَا: أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ. وَمِمَّا يَزِيدُهُ وُضُوحًا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ

1615 - قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، قَالَ: §سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَقَالَ: فَرِّقْ بَيْنَ عَشَرَةٍ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: مُدَّانِ لِإِدَامِهِ وَحَطَبِهِ 1616 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَفَسَّرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَذْهَبَ مُجَاهِدٍ أَنَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. قَالَ: وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَالصَّاعُ -[627]- أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، اثْنَا عَشَرَ مُدًّا، فَتُقَسَّمُ هَذِهِ كُلُّهَا بَيْنَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، فَيَكُونُ عَشَرَةٌ مِنْهَا لِطَعَامِهِمْ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ، وَيَكُونُ الْمُدَّانِ زِيَادَةً مُتَفَرِّقَةً بَيْنَهُمْ، لِمَا يَلْزَمُ الطَّعَامُ مِنْ مَؤُونَةِ الْأُدْمِ وَالْحَطَبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ. 1617 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَعَلَى هَذَا الصَّاعِ الَّذِي فَسَّرْنَاهُ، تَدُورُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَا يَنُوبُهُمْ مِنْ أَمْرِ الْكَيْلِ فِي دِينِهِمْ. مِنْ ذَلِكَ زَكَاةُ الْأَرَضِينَ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَفِدْيَةُ النُّسُكِ. وَقَدْ عَايَرْتُ مِكْيَالَنَا هَذَا الْمُلْجَمَ، الَّذِي يَعْتَمِلُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، فَإِذَا هُوَ صَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَمْدَادٍ إِذَا مَسَحْتَ أَعْلَاهُ، عَلَى مَا يُكَالُ الْيَوْمَ فِي الْأَسْوَاقِ. 1618 - فَأَمَّا زَكَاةُ الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِهَذَا الْمَكُّوكِ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَ سَقْيُهَا بَعْلًا أَوْ غَيْلًا فَالْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَ بِالنَّوَاضِحِ وَالْغَرْبِ فَنِصْفُ الْعُشْرِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، فَجَمِيعُهَا ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ، وَهِيَ عِشْرُونَ وَمِائَةُ مَكُّوكٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَعْلَمْتُكَ صَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَمَبْلَغُهَا مِنْ أَقْفِزَتِنَا هَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَفِيزًا سَوَاءٌ. فَهَذِهِ صَدَقَةُ الْأَرَضِينَ. 1619 - وَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَإِنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ جَعَلَهَا بُرًّا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ زَبِيبًا، فَإِنِ اخْتَارَ التَّمْرَ، أَوِ الشَّعِيرَ، أَوِ الزَّبِيبَ، فَإِنَّ هَذَا الْمَكُّوكَ يُجْزِي عَنْ نَفْسَيْنِ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّهُ صَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَإِنِ اخْتَارَ الْبُرَّ، فَإِنَّ أَحَبَّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ لَهُ أَنْ لَا يَنْتَقِصَ مِنْ مَكِيلَةِ الصَّاعِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ -[628]- أَكْثَرَ الْآثَارِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، وَإِنْ جَعَلَهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ كَانَ مُجْزِيًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفْتَى بِهِ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَصَاعُ تَمْرٍ، أَوْ صَاعُ شَعِيرٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ، وَإِنْ كَانَ مُجْزِيًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِلِاتِّبَاعِ. 1620 - وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ بِهَذَا الْمَكُّوكِ بُرًّا كَافِيهِ فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؛ لِأَنَّهُ عَشَرَةُ أَمْدَادٍ كَمَا أَعْلَمْتُكَ، فَيَكُونُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ. هَذَا عَلَى مَذْهَبِنَا. 1621 - وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ نِصْفَ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، رَأَى عَلَيْهِ مَكُّوكَيْنِ بِهَذَا بَيْنَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ. 1622 - وَأَمَّا فِدْيَةُ الْمَنَاسِكِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِهِ الْفِدْيَةُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ، وَأَهْلَ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ أُولَئِكَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ. وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. وَلِهَذَا مَوْضِعٌ سِوَى هَذَا، يَأْتِي فِيهِ مُفَسَّرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. 1623 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ فَسَّرْنَا مَا فِي الصَّاعِ مِنَ السُّنَنِ، وَهُوَ كَمَا أَعْلَمْتُكَ -[629]- خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَالْمُدُّ رُبُعُهُ، وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، وَذَلِكَ بِرِطْلِنَا هَذَا الَّذِي وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَوُزِنَ فِي الدَّرَاهِمِ. وَمَعْرِفَةِ وَزْنِهَا عِلْمٌ أَيْضًا. 1624 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَمْرِ النَّاسِ كَانَ مَعْنِيًّا بِهَذَا الشَّأْنِ يَذْكُرُ قِصَّةَ الدَّرَاهِمِ وَسَبَبَ ضَرْبِهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: إِنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَتْ نَقَدَ النَّاسُ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ لَمْ تَزَلْ نَوْعَيْنِ: هَذِهِ السُّودَ الْوَافِيَةَ، وَهَذِهِ الطَّبَرِيَّةَ الْعُتُقَ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ وَأَرَادُوا ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ، نَظَرُوا فِي الْعَوَاقِبِ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ تَبْقَى مَعَ الدَّهْرِ، وَقَدْ جَاءَ فَرْضُ الزَّكَاةِ أَنَّ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقِيَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ، فَأَشْفَقُوا إِنْ جَعَلُوهَا كُلَّهَا عَلَى مِثَالِ السُّودِ، ثُمَّ فَشَا فُشُوًّا بَعْدُ، لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهَا، أَنْ يَحْمِلُوا مَعْنَى الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ حَتَّى تَبْلُغَ تِلْكَ السُّودُ الْعِظَامُ مِائَتَيْنِ عَدَدًا فَصَاعِدًا، فَيَكُونَ فِي هَذَا بَخْسٌ لِلزَّكَاةِ، وَأَشْفَقُوا إِنْ جَعَلُوهَا كُلَّهَا عَلَى مِثَالِ الطَّبَرِيَّةِ أَنْ يَحْمِلُوا الْمَعْنَى عَلَى أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ عَدَدًا حَلَّتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَيَكُونُ فِيهَا اشْتِطَاطٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَأَرَادُوا مَنْزِلَةً بَيْنَهُمَا يَكُونُ فِيهَا كَمَالُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالنَّاسِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ هَذَا مُوَافِقًا وَقْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَبْلَ ذَلِكَ يُزَكُّونَهَا شَطْرَيْنِ: مِنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ. فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى ضَرْبِ الدَّرَاهِمِ نَظَرُوا إِلَى دِرْهَمٍ وَافٍ، فَإِذَا هُوَ ثَمَانِيَةُ -[630]- دَوَانِيقَ، وَإِلَى دِرْهَمٍ مِنَ الصِّغَارِ، فَكَانَ أَرْبَعَةَ دَوَانِيقَ، فَحَمَلُوا زِيَادَةَ الْأَكْبَرِ عَلَى نَقْصِ الْأَصْغَرِ، فَجَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، ثُمَّ اعْتَبَرُوهَا بِالْمَثَاقِيلِ، وَلَمْ يَزَلِ الْمِثْقَالَ فِي آبَادِ الدَّهْرِ مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا، فَوَجَدُوا عَشَرَةً مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي وَاحِدُهَا سِتَّةُ دَوَانِيقَ، ثُمَّ اعْتَبَرُوهَا بِالْمَثَاقِيلِ تَكُونُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ سَوَاءً، فَاجْتَمَعَتْ فِيهِ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ: أَنَّهُ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَأَنَّهُ عَدْلٌ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَا وَكْسَ فِيهِ، وَلَا شَطَطَ. فَمَضَتْ سُنَّةُ الدِّرْهَمِ عَلَى هَذَا، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَلَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّ الدِّرْهَمَ التَّامَّ هُوَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، فَمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ قِيلَ: دِرْهَمٌ زَائِدٌ وَنَاقِصٌ. فَالنَّاسُ فِي زَكَاتِهِمْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ وَالْهُدَى، لَمْ يَزِيغُوا عَنْهُ، وَلَا الْتِبَاسَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْمُبَايِعَاتُ وَالدِّيَاتُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ، وَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا فِيهِ. هَذَا كَمَا بَلَغَنَا، أَوْ كَلَامٌ هَذَا مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ هَذَا وَزْنَ سِتَّةٍ. بِذَلِكَ جَاءَ ذِكْرُهَا فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ

1635 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حُدِّثْتُ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ -[631]-، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: §زَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَزْنَ سِتَّةٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمْ تَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى نُقِلَتْ إِلَى السَّبْعَةِ كَمَا أَعْلَمْتُكَ

جماع أبواب صدقة الأموال التي يمر بها على العاشر من أهل الإسلام والذمة والحرب

§جِمَاعُ أَبْوَابِ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُمَرُّ بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ

باب ذكر العاشر وصاحب المكس، وما فيه من الشدة والتغليظ

§بَابُ ذِكْرِ الْعَاشِرِ وَصَاحِبِ الْمَكْسِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالتَّغْلِيظِ

حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ التُّجِيبِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ»

قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ §صَاحِبَ الْمَكْسِ فِي النَّارِ. قَالَ: يَعْنِي الْعَاشِرَ

قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِنَّ §صَاحِبَ الْمَكْسِ لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ، يُؤْخَذُ كَمَا هُوَ فَيُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ

قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي مَرْحُومٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَبِيعَةَ التُّجِيبِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْمَعَافِرِيِّ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَوْصَاهُ أَوْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى مِصْرَ أَنْ «§لَا يَقْرَبَ الْمَكْسَ، وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ»

قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ أَنْ §ضَعْ عَنِ النَّاسِ الْفِدْيَةَ، وَضَعْ عَنِ النَّاسِ الْمَائِدَةَ، وَضَعْ عَنِ النَّاسِ الْمَكْسَ، وَلَيْسَ بِالْمَكْسِ، وَلَكِنَّهُ الْبَخْسُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85] ، فَمَنْ جَاءَكَ بِصَدَقَةٍ فَاقْبَلْهَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِكَ بِهَا فَاللَّهُ حَسِيبُهُ

قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنْ كَرِيزِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ الْقَارِيِّ أَنِ §ارْكَبْ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي بِرَفَحَ، الَّذِي يُقَالَ لَهُ بَيْتُ الْمَكْسِ، فَاهْدِمْهُ، ثُمَّ احْمِلْهُ إِلَى الْبُورِ، فَانْسِفْهُ فِيهِ نَسْفًا -[634]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَنَرَى أَنَّ رَفَحَ بَيْنَ مِصْرَ وَالرَّمْلَةِ

قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ مُخَيِّسَ بْنَ ظَبْيَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ جُذَامٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَتَاهِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ لَقِيَ صَاحِبَ عُشُورٍ فَلْيَضْرِبْ عُنُقَهُ»

قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُخَيِّسِ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ قَالَ: سَمِعَ فُلَانٌ ابْنَ عَتَاهِيَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §إِذَا لَقِيتُمْ عَاشِرًا فَاقْتُلُوهُ. قَالَ: يَعْنِي بِذَلِكَ الصَّدَقَةَ يَأْخُذُهَا عَلَى غَيْرِ حَقِّهَا

قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ شَكْرَةَ - قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ حَجَّاجٍ: مُسْلِمُ بْنُ الْمُصَبِّحِ - أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: §أَعَلِمْتَ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرَ؟ قَالَ: لَا، لَمْ أَعْلَمْهُ

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِر، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ حُدَيْرٍ، يَقُولُ: «§أَنَا أَوَّلُ عَاشِرٍ عَشَرَ فِي الْإِسْلَامِ» . قُلْتُ: مَنْ كُنْتُمْ تَعْشُرُونَ؟ قَالَ: «مَا كُنَّا نَعْشُرُ مُسْلِمًا وَلَا مُعَاهَدًا، كُنَّا نَعْشُرُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ»

1636 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْعَبْسِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ زِيَادَ بْنَ حُدَيْرٍ: مَنْ كُنْتُمْ تَعْشُرُونَ؟ قَالَ: §مَا كُنَّا نَعْشُرُ مُسْلِمًا، وَلَا مُعَاهَدًا. قُلْتُ: فَمَنْ كُنْتُمْ تَعْشُرُونَ؟ قَالَ: تُجَّارَ الْحَرْبِ، كَمَا كَانُوا يَعْشُرُونَنَا إِذَا أَتَيْنَاهُمْ

1637 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ §مَا عَلِمْتُ عَمَلًا أَخْوَفَ عِنْدِي أَنْ يُدْخِلَنِي النَّارَ مِنْ عَمَلِكُمْ هَذَا، وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ ظَلَمْتُ فِيهِ مُسْلِمًا وَلَا مُعَاهَدًا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَكِنِّي لَا أَدْرِي مَا هَذَا الْحَبْلُ الَّذِي لَمْ يَسُنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ. قَالُوا: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ دَخَلْتَ فِيهِ؟ قَالَ: لَمْ يَدَعْنِي زِيَادٌ، وَلَا شُرَيْحٌ، وَلَا الشَّيْطَانُ حَتَّى دَخَلْتُ فِيهِ

1638 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ -[636]-: " §اسْتَعْمَلَ زِيَادٌ مَسْرُوقًا عَلَى السِّلْسِلَةِ، فَانْطَلَقَ فَمَاتَ بِهَا، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ خَرَجَ مِنْ عَمَلِهِ؟ فَقَالَ: «أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الثَّوْبِ يُبْعَثُ بِهِ إِلَى الْقَصَّارِ فَيُجِيدُ غَسْلَهُ؟ فَكَذَلِكَ خَرَجَ مِنْ عَمَلِهِ»

1639 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، يَقُولُ: §كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ، فَمَا رَأَيْتُ أَمِيرًا قَطُّ كَانَ أَعَفَّ مِنْهُ، مَا كَانَ يُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا مَاءَ دِجْلَةَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وُجُوهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِيهَا الْعَاشِرَ، وَكَرَاهَةَ الْمَكْسِ، وَالتَّغْلِيظَ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يَفْعَلُهُ مُلُوكُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ جَمِيعًا، فَكَانَتْ سُنَّتُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَ التُّجَّارِ عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ إِذَا مَرُّوا بِهَا عَلَيْهِمْ. 1640 - يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ كَتَبَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِثْلِ ثَقِيفٍ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ أَنَّهُمْ لَا يُحْشَرُونَ، وَلَا يُعْشَرُونَ. فَعَلِمْنَا بِهَذَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ مَعَ أَحَادِيثَ فِيهِ كَثِيرَةٍ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَتْ فَرِيضَةُ الزَّكَاةِ بِرُبُعِ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهَا مِنْهُمْ عَلَى فَرْضِهَا فَلَيْسَ بِعَاشِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذِ الْعُشْرَ، إِنَّمَا أَخَذَ رُبُعَهُ

1641 - وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يُحَدِّثُونَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ حَرْبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ، إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى 1642 - وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَرْفُوعًا حِينَ ذَكَرَ الْعَاشِرَ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ بِغَيْرِ حَقِّهَا -[637]- 1643 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا زَادَ الْأَخْذُ عَلَى أَصْلِ الزَّكَاةِ، فَقَدْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا. 1644 - وَكَذَلِكَ وَجْهُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حِينَ سُئِلَ: هَلْ عَلِمْتَ عُمَرَ أَخَذَ الْعُشْرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لَا، لَمْ أَعْلَمْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا نَرَاهُ أَرَادَ هَذَا، وَلَمْ يُرِدِ الزَّكَاةَ، وَكَيْفَ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ يَأْخُذُونَهَا عِنْدَ الْأَعْطِيَةِ، وَكَانَ رَأَى ابْنُ عُمَرَ دَفْعَهَا إِلَيْهِمْ؟ 1645 - وَكَذَلِكَ حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ حِينَ قَالَ: مَا كُنَّا نَعْشِرُ مُسْلِمًا، وَلَا مُعَاهَدًا، إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّا كُنَّا نَأْخُذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ. 1646 - فَإِذَا كَانَ الْعَاشِرُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَتَوْهُ بِهَا طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنِ اسْتَكْرَهَهُمْ عَلَيْهَا آمَنَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى رُبُعِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ سُنَّةَ الصَّامِتِ خَاصَّةً أَنْ يَكُونَ النَّاسُ فِيهِ مُؤْتَمَنِينَ عَلَيْهِ. 1647 - مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ مَسْرُوقٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، قَوْلُهُ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا الْحَبْلُ الَّذِي لَمْ يَسُنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ. وَكَانَ حَبْلًا يُعْتَرَضُ بِهِ النَّهْرُ، يَمْنَعُ السُّفُنَ مِنَ الْمُضِيِّ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الصَّدَقَةُ. فَأَنْكَرَ مَسْرُوقٌ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَلَى اسْتِكْرَاهٍ. 1648 - وَقَدْ فَسَّرَهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، قَوْلُهُ: مَنْ جَاءَكَ بِصَدَقَةٍ فَاقْبَلْهَا، وَمَنْ لَمْ يَأْتِكَ بِهَا فَاللَّهُ حَسِيبُهُ. -[638]- 1649 - وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ، قَوْلُهُ: وَمَنْ أَخَذْنَا مِنْهُ لَمْ نَأْخُذْ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِهَا تَطَوُّعًا. وَإِنَّمَا كَانُوا يَسْأَلُونَكَ عَنِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْأَعْطِيَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ، فَإِذَا قُبِضَتْ وَحِيزَتْ فَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَاتُهُمْ. فَهَذِهِ هِيَ سُنَّةُ زَكَاةِ الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ الَّتِي يُكْرَهُ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَيُجَاهَدُونَ عَلَى مَنْعِهَا، فَصَدَقَةُ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ وَالنَّخْلِ. 1651 - فَإِذَا كَانَ الْعَاشِرُ يَعْمَلُ بِهَذَا، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا التَّغْلِيظِ، وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا مَكْرُوهًا، وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ؟ ثُمَّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ، وَالشَّامِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ كَرِهَهُ، وَلَا تَرَكَ الْأَخْذَ بِهِ، وَكَانُوا يَرَوْنَ مَا أَخَذَهُ الْعَاشِرُ مُجْزِيًا مِنَ الزَّكَاةِ. 1652 - مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَالْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ. 1653 - وَكَانَ مَذْهَبَ عُمَرَ فِيمَا وَضَعَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الزَّكَاةَ، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ تَامًّا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَهُ إِذَا قَدِمُوا بِلَادَهُمْ، فَكَانَ سَبِيلُهُ فِي هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ بَيِّنًا وَاضِحًا. 1654 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ الَّذِي يُشْكِلُ عَلَى وَجْهِهِ أَخْذُهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَتُؤْخَذَ مِنْهُمُ الصَّدَقَةُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُؤْخَذَ مِنْهُمْ مِثْلُ مَا أَخَذُوا مِنَّا، فَلَمْ أَدْرِ مَا هُوَ، حَتَّى تَدَبَّرْتُ حَدِيثًا لَهُ، فَوَجَدْتُهُ إِنَّمَا صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ صُلْحًا سِوَى جِزْيَةِ الرُّؤُوسِ، وَخَرَاجِ الْأَرَضِينَ

1655 - قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: «§بَعَثَ عُمَرُ عَمَّارًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إِلَى الْكُوفَةِ» . ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ، قَدْ مَرَّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالَ: «فَمَسَحَ عُثْمَانُ الْأَرْضَ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا» . قَالَ: «وَجَعَلَ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ بِهَا مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَجَعَلَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَأَجَازَهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى الْأَخْذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ فِي أَصْلِ الصُّلْحِ، فَهُوَ الْآنَ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ

وَكَذَلِكَ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ 1656 - حَدَّثَنِيهِ عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: §إِنَّمَا صُولِحُوا عَلَى أَنْ يَقِرُّوا بِبِلَادِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِهَا لِلتِّجَارَةِ أُخِذَ مِنْهُمْ كُلَّمَا مَرُّوا فَهَذَا مَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ. فَأَمَّا مُصَالَحَتُهُ بَنِي تَغْلِبَ فَأَمْرٌ مَشْهُورٌ، وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

باب ما يأخذ العاشر من صدقة المسلمين، وعشور أهل الذمة والحرب

§بَابُ مَا يَأْخُذُ الْعَاشِرُ مِنْ صَدَقَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ

حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ لَأَرَى أَنِّي لَوْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَعَضَّ عَلَى حَجَرِ كَذَا وَكَذَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي لَفَعَلْتَ، اخْتَرْتُ لَكَ عَيْنَ عَمَلِي فَكَرِهْتَهُ، إِنِّي أَكْتُبُ لَكَ سُنَّةَ عُمَرَ. قُلْتُ: اكْتُبْ لِي سُنَّةَ عُمَرَ. فَكَتَبَ: §يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ

1658 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: §اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الْعُشْرِ، «فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ»

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: «§أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آخُذَ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِثْلَ مَا آخُذُ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ»

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: §أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى أَهْلَ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنْتُ عَامِلًا عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ -[641]-. قَالَ: فَكُنَّا §نَأْخُذُ مِنَ النَّبَطِ الْعُشْرَ

حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَأَبُو نُوحٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ «§يَأْخُذُ مِنَ النَّبَطِ مِنَ الزَّيْتِ وَالْحِنْطَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ؛ لِكَيْ يَكْثُرَ الْحَمْلُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَيَأْخُذُ مِنَ الْقِطْنِيَّةِ الْعُشْرَ»

وَحَدَّثَنِي ابْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيِّ، وَكَانَ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ: §مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبْلُغَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ كِتَابًا إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْحَوْلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ رُزَيْقٌ، وَأَهْلُ الشَّامِ وَمِصْرَ يَقُولُونَ زُرَيْقٌ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، مِثْلَ ذَلِكَ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ جَدِّي زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ عَلَى الْعُشُورِ، فَمَرَّ نَصْرَانِيُّ بِفَرَسٍ قَوَّمَهُ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَقَالَ: §إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَنَا أَلْفَيْنِ وَأَخَذْتَ الْفَرَسَ، وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَيْنَاكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا -[642]- 1666 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا فَعَلَ عُمَرُ فِي الْعُشْرِ مَا فَعَلَ لِمَا أَعْلَمْتُكَ مِنْ مُصَالَحَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِعَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ صَالَحَهُمْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ دَهْرَ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ بِلَادُ الْعَجَمِ فِي زَمَنِ عُمَرَ؛ فَلِهَذَا كَانَ الَّذِي كَانَ

1667 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «§أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْعُشْرَ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ» 1668 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَتَأَوَّلُ عَلَى عُمَرَ فِيهِ شَيْئًا غَيْرَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ

قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ: §لِمَ أَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ فَقَالَ: كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَقَرَّهُمْ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ 1670 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الصُّلْحِ أَشْبَهُ بِعُمَرَ وَأَوْلَى، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ مَالِكٌ نَفْسُهُ. 1671 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعَاشِرِ، فَإِنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَ مِائَةً أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ 1672 - وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. -[643]- 1673 - قَالُوا: فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْمَالُ لِي، وَحَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ. 1674 - قَالُوا: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّامِتُ، وَالْمَتَاعُ، وَالرَّقِيقُ، وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَأَمَّا إِذَا مَرَّ بِالْفَوَاكِهِ وَأَشْبَاهِهَا الَّتِي لَا تَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ. 1675 - قَالُوا: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي السَّنَةِ، وَإِنْ مَرَّ بِهِ مِرَارًا. هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ

1676 - وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ كَانَ أَشَدَّ مِنْ هَذَا قَوْلًا مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ: §إِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعَاشِرِ لِتِجَارَةٍ، أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مِائَتَيْنِ. قَالَ: وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ قَوْلَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُ إِنْ مَرَّ بِفَاكِهَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ أَوْ لَا يَبْقَى، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ. 1677 - قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا مَرَّ، وَإِنْ مَرَّ بِمَالِهِ فِي السَّنَةِ مِرَارًا -[644]- حَدَّثَنِي بِذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَهَا وُجُوهٌ. 1678 - فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: لَا يُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَالُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالصَّدَقَةِ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ عُمَرَ حِينَ سَمَّى مَا يَجِبُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ الَّتِي تُدَارُ لِلتِّجَارَاتِ إِنَّمَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَذَا. وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي أَدْنَى مَبْلَغِ الْمَالِ وَقْتًا. قَالُوا: ثُمَّ رَأَيْنَاهُ قَدْ ضَمَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا حَمَلَنَا وَقْتَ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الزَّكَاةِ إِذْ كَانَ لِأَدْنَى الزَّكَاةِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَهُوَ الْمِائَتَانِ فَأَخَذْنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِهَا، وَأَلْغَيْنَا مَا دُونَ ذَلِكَ. 1679 - وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ فِي تَرْكِ النَّظَرِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، وَأَخْذِهِمْ مِمَّا دُونَهَا قَالُوا: إِنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ إِلَى مَبْلَغِهَا وَإِلَى حَدِّهَا، إِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ رُءُوسِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِأَدْنَى مَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ وَقْتٌ مُؤَقَّتٌ، وَعَلَى ذَلِكَ صُولِحُوا؟ قَالُوا: فَكَذَلِكَ مَا مَرُّوا بِهِ مِنَ التِّجَارَاتِ، يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا كَانَتْ، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. 1680 - وَأَمَّا سُفْيَانُ فِي تَوْقِيتِهِ الْمِائَةَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهَا، وَيُتْرَكَ مِمَّا دُونَهَا، فَمَذْهَبُهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْمُوَظَّفَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ هُوَ الضِّعْفُ مِمَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فِي كُلِّ -[645]- مِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ، جَعَلَ فَرْعَ الْمَالِ عَلَى حَسَبِ أَصْلِهِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِائَةِ خَمْسَةً، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْمِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ؛ لِيُوَافِقَ الْحُكْمُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَأَسْقَطَ مَا دُونَ الْمِائَةِ، كَمَا عَفَا لِلْمُسْلِمِينَ عَمَّا دُونَ الْمِائَتَيْنِ، فَصَارَتِ الْمِائَةُ لِلذِّمِّيِّ كَالْمِائَتَيْنِ لِلْمُسْلِمِينَ سَوَاءً. فَهَذَا رَأْيُهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَسْتُ أَدْرِي مَا وَقَّتَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: إِذَا مَرَّ أَحَدُهُمْ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ. وَقَوْلُ سُفْيَانَ هُوَ عِنْدِي أَعْدَلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَأَشْبَهُهَا بِالَّذِي أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ إِلَى زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ: مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. فَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ إِنَّمَا هِيَ مَعْدُولَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي الزَّكَاةِ. وَهُوَ عِنْدَنَا تَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ تَفْسِيرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَا فِي هَذَا مُفَسِّرٌ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ. فَهَذَا مَا فِي تَوْقِيتِ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْحُقُوقُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ. 1683 - وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ، وَمَا كَانَ مِنَ اخْتِيَارِ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ قَبُولَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَالَّذِي كَانَ مِنْ إِنْكَارِ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ ذَلِكَ، وَقَوْلِهِمْ -[646]-: إِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ. فَإِنَّ الَّذِي أَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَأَقُولُ: إِنْ كَانَ لَهُ شُهُودٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دَيْنِهِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَالِهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ لِرَبِّهِ عَلَيْهِ، فَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لِلْمُسْلِمِينَ فِي عُنُقِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يُحْصَى أَهْلُ هَذَا الْحَقِّ، فَيُقْدَرُ عَلَى قَسْمِ مَالِ الذِّمِّيِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَذَا الْغَرِيمِ بِالْحِصَصِ، وَلَا يُعْلَمُ كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَقَدْ عُلِمَ حَقُّ الْغَرِيمِ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ أَوْلَى بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ دَيْنُ هَذَا الذِّمِّيِّ إِلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ لَزِمَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ يُرِيدُ إِبْطَالَهُ بِالدَّعْوَى، وَلَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ فِي ذَلِكَ كَمَا يُؤْتَمَنَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى زَكَاتِهِمْ فِي الصَّامِتِ، إِنَّمَا هَذَا فَيْءٌ، وَحُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِ الصَّدَقَةِ. 1684 - وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مَمَرِّهِ عَلَى الْعَاشِرِ مِرَارًا فِي السَّنَةِ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ فِيهِ إِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ إِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، إِذَا كَانَ اخْتِلَافُهُ مِنْ مِصْرٍ إِلَى مِصْرٍ آخَرَ سِوَاهُ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا عَنِ الْإِمَامَيْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ كَفَتْنَا النَّظَرَ فِيهِ

1685 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ ابْنِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ، فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ §عَامِلَكَ يَأْخُذُ مِنِّي الْعُشْرَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: «لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِنَّمَا لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً» . ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ، قَدْ كَتَبْتُ لَكَ فِي حَاجَتِكَ

1686 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -[647]- إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ §أَنْ يَأْخُذَ الْعُشُورَ، ثُمَّ يَكْتُبَ بِمَا يَأْخُذُ مِنْهُمُ الْبَرَاءَةَ، وَلَا يَأْخُذَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْمَالَ وَلَا مِنْ رِبْحِهِ زَكَاةً سَنَةً وَاحِدَةً، وَيَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ إِنْ مَرَّ بِهِ 1687 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَلَ بَيْنَ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَالُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي مَرَّ بِهِ بِعَيْنِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَا مِنْ رِبْحِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَزِمَهُ قَدْ قَضَاهُ، فَلَا يُقْضَى حَقٌّ وَاحِدٌ مِنْ مَالٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَرَّ بِمَالٍ سِوَاهُ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِنْ جَدَّدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ مِرَارًا إِذَا كَانَ قَدْ عَادَ إِلَى بِلَادِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِمَالٍ سِوَى الْمَالِ الْأَوَّلِ لَأَنَّ المَالَ الْأَوَّلَ لَا يُجْزِي عَنِ الْآخَرِ، وَلَا يَكُونُ فِي هَذَا أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُسْلِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَرَّ بِمَالٍ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ إِنْ مَرَّ بِمَالٍ آخَرَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ مَالِهِ هَذَا أَيْضًا؟ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْأُولَى لَا تَكُونُ قَاضِيَةً عَنِ الْمَالِ الْآخَرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ. 1688 - فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: إِذَا انْصَرَفَ إِلَى بِلَادِهِ ثُمَّ عَادَ بِمَالِهِ ذَلِكَ، أَوْ بِمَالٍ سِوَاهُ، أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ كُلَّمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بَطَلَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا عَادَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ مُسْتَأْنِفًا لِلْحُكْمِ، كَالَّذِي لَمْ يَدْخُلْهَا قَطُّ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. -[648]- 1689 - وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدَّعِي مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ، أَوْ قَوْلِهِ إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ: يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ: إِذَا مَرَّ بِجَوَارٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي قُبِلَ مِنْهُ، وَلَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُ قِيمَتِهِنَّ. 1690 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِنِ ارْتَابَ الْعَاشِرُ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُّ أَوِ الْحَرْبِيُّ، فَأَرَادَ إِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ سُفْيَانَ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُسْتَحْلَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ فِي زَكَاتِهِمْ. 1691 - وَقَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يُسْتَحْلَفُونَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي هَذَا هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ، كُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ هَؤُلَاءِ صُدِّقَ فِيهِ الْآخَرُونَ. 1692 - وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَقْبَلُ لِلذِّمِّيِّ قَوْلًا وَلَا يَمِينًا، وَكَيْفَ تُقْبَلُ يَمِينُهُ وَهُوَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؟ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْإِحْلَافِ قَدِيمًا

1693 - فَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ قَالَ: §مَرَرْتُ بِحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، وَهُوَ عَلَى السِّلْسِلَةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَ بِسَفِينَتِي فَحُبِسَتْ، ثُمَّ اسْتَحْلَفَنِي أَنَّهُ مَا فِي سَفِينَتِي إِلَّا مَا سَمَّيْتُ مِنَ الطَّعَامِ

1694 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ السَّرَّاجِ، قَالَ -[649]-: حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ بِالسِّلْسِلَةِ، وَهُوَ عَلَى الْعُشُورِ بِالْقَنْطَرَةِ، وَهُوَ يُحَلِّفُ النَّاسَ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ مَعْقِلٍ، §لِمَ تُحَلِّفُ النَّاسَ؟ تُلْقِيهِمْ فِي النَّارِ، هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. فَقَالَ: «إِنِّي إِنْ لَمْ أَفْعَلْ لَمْ يُعْطُونِي شَيْئًا» . فَقُلْتُ: وَمَا عَلَيْكَ؟ خُذْ مَا أَعْطَوْكَ

باب العشر على بني تغلب، وتضعيف الصدقة عليهم

§بَابُ الْعُشْرِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ، وَتَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ

حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ السَّفَّاحِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كُرْدُوسٍ، قَالَ: §صَالَحْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ بَنِي تَغْلِبَ بَعْدَمَا قَطَعُوا الْفُرَاتَ، وَأَرَادُوا اللُّحُوقَ بِالرُّومِ، عَلَى أَنْ لَا يَصْبُغُوا صَبِيًّا، وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِهِمْ، وَعَلَى أَنَّ عَلَيْهِمُ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا، فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ. قَالَ: فَكَانَ دَاوُدُ يَقُولُ: لَيْسَ لِبَنِي تَغْلِبَ ذِمَّةٌ، قَدْ صَبَغُوا فِي دِينِهِمْ

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ السَّفَّاحِ، عَنِ ابْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَوِ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَكَلَّمَهُ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ §بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عُرْبٌ يَأْنَفُونَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، إِنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشٍ، وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تُعِنْ عَدُوَّكَ عَلَيْكَ بِهِمْ. قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ ضَعَّفَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ، وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ

1697 - قَالَ: قَالَ مُغِيرَةُ: فَحُدِّثْتُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: «§لَئِنْ تَفَرَّغْتُ لِبَنِي تَغْلِبَ لَيَكُونَنَّ لِي فِيهِمْ، لَأَقْتُلَنَّ مُقَاتِلَهُمْ، وَلَأَسْبِيَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ، فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، بَرِئَتْ مِنْهُمُ الذِّمَّةِ حِينَ نَصَّرُوا أَوْلَادَهُمْ»

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: §لَا نَعْلَمُ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الْكِتَابِ صَدَقَةً إِلَّا الْجِزْيَةَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الَّذِينَ جُلُّ أَمْوَالِهِمُ الْمَوَاشِي، يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْخَرَاجُ، فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الصَّدَقَةِ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَهُوَ الضِّعْفُ عَلَى صَدَقَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَيْءِ -[651]-. وَكَانَ لِعُمَرَ فِي بَنِي تَغْلِبَ حُكْمَانِ. 1699 - أَحَدُهُمَا: حَقْنُهُ دِمَاءَهُمْ لَمَّا أَعْطَوْهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَهُمْ عُرْبٌ، وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ، فَكَانَ قَبُولُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي مَا نَرَى لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا انْتِحَالُهُمُ النَّصْرَانِيَّةَ، وَالْآخَرُ حَدِيثٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَأَوَّلَهُ فِيهِمْ

1700 - يُحَدَّثُ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَمْنَعُ الدِّينَ بِنَصَارَى مِنْ رَبِيعَةَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ» - مَا تَرَكْتُ عَرَبِيًّا إِلَّا قَتَلْتُهُ أَوْ يُسْلِمَ فَلِذَلِكَ رَضِيَ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ دِمَائِهِمْ. فَهَذَا أَحَدُ حُكْمَيْهِ. 1701 - وَأَمَّا الْآخَرُ، فَإِنَّهُ حِينَ دَرَأَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ، وَقَبِلَ مِنْهُمُ الْأَمْوَالَ، لَمْ يَجْعَلْهَا جِزْيَةً كَسَائِرِ مَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَكِنْ جَعَلَهَا صَدَقَةً مُضَاعَفَةً، وَإِنَّمَا اسْتَجَازَهَا فِيمَا نَرَى وَتَرَكَ الْجِزْيَةَ مِمَّا رَأَى مِنْ نِفَارِهِمْ وَأَنَفِهِمْ مِنْهَا، فَلَمْ يَأْمَنْ شِقَاقَهُمْ وَاللِّحَاقَ بِالرُّومِ، فَيَكُونُوا ظَهِيرًا لَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ إِسْقَاطِ ذَلِكَ الِاسْمِ عَنْهُمْ، مَعَ اسْتِبْقَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ، فَأَسْقَطَهَا عَنْهُمْ، وَاسْتَوْفَاهَا مِنْهُمْ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ حِينَ ضَاعَفَهَا عَلَيْهِمْ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ رَتْقُ مَا خَافَ مِنْ فَتْقِهِمْ مَعَ الِاسْتِبْقَاءِ لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فِي -[652]- رِقَابِهِمْ. وَكَانَ مُسَدَّدًا. 1702 - كَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ. 1703 - وَكَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ: مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ إِلَّا وَكَأَنَّ مَلَكًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يُسَدِّدُهُ 1704 - وَمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ: مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ 1705 - وَكَقَوْلِ عَائِشَةَ فِيهِ: كَانَ وَاللَّهِ أَحْوَزِيًّا، نَسِيجَ وَحْدِهِ، وَقَدْ أَعَدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا. فَكَانَتْ فَعْلَتُهُ هَذِهِ مِنْ تِلْكِ الْأَقْرَانِ الَّتِي أَعَدَّ، فِي كَثِيرٍ مِنْ مَحَاسِنِهِ لَا تُحْصَى. 1706 - فَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى صَدَقَةً فَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ؛ لِمَا أَعْلَمْتُكَ، وَلَا يُوضَعُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ، إِنَّمَا مَوْضِعُهَا مَوْضِعُ الْجِزْيَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْعَرَبِ كَيْفَ كَانَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَجَمِ فِيهَا. 1707 - وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ عَرَبَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ دُونَ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَرْضَ مِنْ سَائِرِهِمْ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ أَوِ الْقَتْلِ، وَعَمَّ الْعَجَمَ مِنْ ذَوِي الْكُتُبِ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَهُمُ الْمَجُوسُ. 1708 - فَقَالَ قَائِلُونَ: لَمْ يَقْبَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ إِلَّا وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ. وَتَأَوَّلُوا -[653]- قَوْلَهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . 1709 - وَرَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ. 1710 - وَقَدْ عَرَفْنَا الْوَجْهَ الَّذِي رُوِيَ هَذَا مِنْهُ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ يُحْتَجُّ بِهِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ، وَالَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَائِحَهُمْ وَلَا مُنَاكَحَتَهُمْ، وَلَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِعِلْمِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِلْكِتَابِ، وَلَا بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ وَبَيْنَ حُكْمِ رَسُولِهِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فَرْقٌ فِي شَيْءٍ، وَلَا كَانَ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ يَدُلُّ الْكِتَابُ عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْمُفَسِّرَةُ لِلتَّنْزِيلِ، وَالْمُوَضِّحَةُ لِحُدُودِهِ وَشَرَائِعِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذَكَرَ الْحُدُودَ، فَقَالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَجَعَلَهُ حُكْمًا عَامًّا فِي الظَّاهِرِ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى، ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّيِّبَيْنِ بِالرَّجْمِ؟ وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافِ الْكِتَابِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِالْآيَةِ الْبِكْرَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا. 1711 - وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ، فَقَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَكَانَتِ الْآيَةُ شَامِلَةً لِكُلِّ وَلَدٍ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، لَمْ يَكُنْ هَذَا خِلَافَ التَّنْزِيلِ، وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِالْمُوَارَثَةِ أَهْلَ الدِّينِ الْوَاحِدِ، دُونَ أَهْلِ الدِّينَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ. 1712 - وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْوُضُوءَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} -[654]-، ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَمَرَ بِهِ، فَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِغُسْلِ الْأَرْجُلِ إِذَا كَانَتِ الْأَقْدَامُ بَادِيَةً لَا خِفَافَ عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ شَرَائِعُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ جُمَلًا، حَتَّى فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ. 1713 - فَعَلَى هَذَا كَانَ أَخْذُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْعَجَمِ كَافَّةً، إِنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ أَوْ لَمْ يَكُونُوا، وَتَرْكُهُ أَخْذَهَا مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَدْلَلْنَا بِفِعْلِهِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا شَرْطُ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْجِزْيَةِ، إِنَّمَا كَانَتْ خَاصَّةً لِلْعَرَبِ، وَأَنَّ الْعَجَمَ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. 1714 - وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِهَا مِنَ الصَّابِئِينَ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ يَشْهَدُ لَهُمُ الْقُرْآنُ بِكِتَابٍ، وَإِنَّمَا نَرَى النَّاسَ فَعَلُوا ذَلِكَ وَاسْتَجَازُوهُ اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الْمَجُوسِ، وَتَشْبِيهًا بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حَدِّ الْمَجُوسِ. وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ

حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، فَحَدَّثَهُ رَجُلٌ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي §الصَّابِئِينَ: «هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِ» فَقَالَ الْحَكَمُ: أَلَيْسَ قَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ؟

حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ -[655]- مُجَاهِدٍ، قَالَ: §الصَّابِئُونَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ 1717 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كُلُّ دِينٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ سِوَى الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَهُمْ مَجُوسٌ يَقُولُ: أَحْكَامُهُمْ كَأَحْكَامِهِمْ. 1718 - وَهُوَ قَوْلُ أَيْضًا مَالِكٍ. 1719 - وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَأَكْثَرُهُمْ يَجْعَلُ الصَّابِئِينَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِ 1720 - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: هُمْ كَالنَّصَارَى

حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ §سُئِلَ عَنِ الصَّابِئِينَ، أَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ هُمْ، وَطَعَامُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ حِلٌّ لِلْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ أَنَّهُمْ كَالْمَجُوسِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُصَدِّقُهُمْ عَلَى كِتَابٍ

هذا جماع أبواب مخارج الصدقة وسبلها التي توضع فيها

§هَذَا جِمَاعُ أَبْوَابِ مَخَارِجِ الصَّدَقَةِ وَسُبُلِهَا الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا

باب ذكر أهل الصدقة الذين يطيب لهم أخذها، وفرق بين من تحل له الصدقة أو تحرم عليه

§بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ الَّذِينَ يَطِيبُ لَهُمْ أَخْذُهَا، وَفَرْقِ بَيْنَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ أَوْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ

1722 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَمَالَةٍ، فَقَالَ: " أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ، فَإِنَّ §الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى -[657]- مِنْ قَوْمِهِ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، وَأَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ سُحْتٌ "، 1723 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ يَسْأَلُونَهُ فِي نِكَاحِ صَاحِبٍ لَهُمْ، فَلَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا، فَلَمَّا ذَهَبُوا قُلْتُ: أَتَاكَ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِكَ يَسْأَلُونَكَ فِي نِكَاحِ صَاحِبٍ لَهُمْ، فَلَمْ تُعْطِهِمْ شَيْئًا، وَأَنْتَ سَيِّدُ قَوْمِكَ. فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَهُمْ لَوْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا - لِشَيْءٍ قَدْ ذَكَرَهُ - كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ؛ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. أَرَاهُ أَرَادَ كِنَانَةَ بْنَ نُعَيْمٍ، إِلَّا أَنَّهُ كَنَاهُ، وَلَمْ يُسَمِّهِ

1724 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَزِيدُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا. فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[658]-: §يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْجَائِحَةِ، وَالْفَتْقِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرِبَ اسْتَعَفَّ

1725 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: §إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ فِي دَمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُوجِعٍ، أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ، فَقَدْ وَجَبَ حَقُّكَ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَكَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ 1726 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ شَرِيكٌ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حِبَالِ بْنِ أَبِي حِبَالٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ كَذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْهُ

1727 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ رَجُلَانِ، فَحَدَّثَ عَنْهُمَا، قَالَا: جِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ الصَّدَقَةَ، فَزَاحَمْنَا عَلَيْهِ النَّاسَ حَتَّى خَلَصْنَا إِلَيْهِ، فَسَأَلْنَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَرَفَعَ الْبَصَرَ فِينَا وَخَفَضَهُ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمَا فَعَلْتُ، §وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»

1728 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ»

1729 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: عَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ فَقِيرٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ، أَوْ غَازٍ، أَوْ مُغْرَمٍ "

1730 - قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْأَلُ مَسْأَلَةً، وَهُوَ عَنْهَا غَنِيُّ، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُدُوحًا، أَوْ خَدْشًا، أَوْ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا غِنَاهُ، أَوْ مَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: «خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ حِسَابُهَا مِنَ الذَّهَبِ»

1731 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، 1732 - وَعَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، 1733 - وَعَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُم قَالَوا: «§لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ عَدْلُهَا مِنَ الذَّهَبِ»

1734 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُعْطِهِ، فَتَغَيَّظَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِينَا فَيَسْأَلُنَا، فَإِنْ لَمْ نَجِدْ مَا نُعْطِيهِ تَغَيَّظَ، وَإِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا، فَقَدْ سَأَلَ النَّاسَ إِلْحَافًا 1735 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ -[661]- زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْأُوقِيَّةِ

1736 - قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: «§إِنْ كَانَتْ لَكِ أُوقِيَّةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكِ الصَّدَقَةُ» قَالَ: وَالْأُوقِيَّةُ يَوْمَئِذٍ فِيمَا ذَكَرَ مَيْمُونٌ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. فَقَالَتْ: بَعِيرِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لِمَيْمُونٍ: أَأَعْطَاهَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي

1737 - قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، فَإِنَّهُ لَيَسْتَكْثِرُ مِنْ جَهَنَّمَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ظَهْرُ الْغِنَى؟ قَالَ: «أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِكَ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ يُعَشِّيهِمْ»

1738 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي كُلَيْبٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ -[662]-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً يَسْتَكْثِرُ بِهاَ اعَنْ غِنًى، فَقَدِ اسْتَكْثَرَ النَّارَ» فَقَالَ رَجُلٌ: مَا الْغِنَى؟ قَالَ: «غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَى الْأَحَادِيثَ قَدْ جَاءَتْ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ بِأَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ السِّدَادُ، أَوِ الْقِوَامُ مِنَ الْعَيْشِ، وَفِي آخَرَ أَنَّهُ مَبْلَغُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَفِي الثَّالِثِ أَنَّهُ الْأُوقِيَّةُ، وَفِي الرَّابِعِ أَنَّهُ الْغَدَاءُ أَوِ الْعَشَاءُ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهَا قَوْمٌ، وَأَخَذُوا بِهَا. 1739 - فَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ فِي السِّدَادِ وَالْقِوَامِ، فَهُوَ أَوْسَعُهَا جَمِيعًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا مَبْلَغَ مِنَ الزَّمَانِ يَنْتَهِي إِلَيْهِ سِدَادُهُ وَقِوَامُهُ. وَقَدْ تَأَوَّلَهُ الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عُقْدَةٌ، تَكُونُ غَلَّتُهَا تُقِيمُهُ وَعِيَالَهُ سَنَتَهُمْ. يَقُولُ: فَإِذَا مَلَكَ تِلْكَ الْعُقْدَةَ، فَهُنَاكَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أُحِبُّ هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ. 1740 - وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ فِي الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، فَإِنَّهُ أَضْيَقُهَا جَمِيعًا، وَلَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: مَنْ مَلَكَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، لَا يَمْلِكُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا غَيْرَهُ، فَالصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَعْطَاهُ رَجُلٌ زَكَاةَ مَالِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ غَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٍ، مَا أَجْزَتِ الْمُعْطِيَ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى غَنِيًّا، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ فِيمَا نَرَى عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً لِيَسْتَكْثِرَ بِهَا. يَقُولُ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَأْنُ هَذَا مِنْ مَسْأَلَتِهِ أَنْ يَنَالَ مِنْهَا قَدْرَ مَا يَكُفُّهُ -[663]- وَيَعُفُّهُ، ثُمَّ يُمْسِكَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا إِزَادَتَهُ وَطُعْمَتَهُ أَبَدًا، فَإِنَّهُ يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا لَا يَمْلِكُ إِلَّا قَدْرَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ، أَلَا تَرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشْتَرَطَ الِاسْتِكْثَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ؟ وَهَذَا كَالْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ

1741 - قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ - وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ سَأَلَ مِنْ غَيْرِ فَقْرٍ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الْجَمْرَ»

1742 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «§مَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ مَالَهُ، فَهُوَ رَضْفٌ مِنْ جَهَنَّمَ يَتَلَقَّمُهُ، فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ، وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى الْمَعْنَى إِنَّمَا دَارَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِلتَّكَثُّرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالِاغْتِنَامِ لَهَا، فَإِنَّمَا هُوَ تَغْلِيظٌ عَلَى السَّائِلِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا مَنْ أَعْطَاهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِأَكْثَرَ مِنْ غَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٍ، فَإِنَّهُ مُجْزِئٌ عَنِ الْمُعْطِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَعَلَى هَذَا أَمْرُ النَّاسِ، وَفُتْيَا الْعُلَمَاءِ. -[664]- 1743 - وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ فِي تَوْقِيتِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَحَدِيثُ الْأَسَدِيِّ فِي الْأُوقِيَّةِ، فَإِلَى هَذَيْنِ انْتَهَى وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَبَيْنَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ أَوْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ. 1744 - فَكَانَ سُفْيَانُ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَا يَرَى أَنْ يُعْطَاهَا مَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا. 1745 - وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِيمَا أَعْلَمُ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْأَسَدِيِّ فِي الْأُوقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَيْضًا. 1746 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي ذَلِكَ وَقْتًا. وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ قَوْلِهِ. 1747 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْأُوقِيَّةِ هُوَ أَعْجَبُ الْحَدِيثَيْنِ إِلَيَّ، وَأَصَحُّهُمَا إِسْنَادًا، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ غَيْرَ مُسَمًّى، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ شَاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَافَهَهُ بِذَلِكَ. كَذَلِكَ هُوَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ، وَحَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَدِ احْتَمَلَ الْعُلَمَاءُ حَدِيثَهُ، وَمَعَ هَذَا إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا لَهُ مُصَدِّقًا مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ

1748 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، §عِنْدِي دِينَارٌ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ -[665]-. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَهِيَ الْأُوقِيَّةُ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ مَعَدَّلٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَلَمَّا جَاوَزَهَا فَوَّضَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ فِي الصَّدَقَةِ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ أَبْصَرُ. أَيْ: إِنْ شِئْتَ فَتَصَدَّقِ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْأُوقِيَّةِ فَقِيرًا، وَبَعْدَهَا غَنِيًّا

1749 - وَهَذَا مُفَسَّرٌ بِحَدِيثِهِ الْآخَرِ: " §إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1750 - وَسَمِعْتُ يَزِيدَ يُحَدِّثُهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. -[666]- 1751 - وَحَدَّثَنِيهِ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنَ الْأُوقِيَّةِ حَدِيثُ عُمَرَ أَيْضًا، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. فَبِهَذَا الْقَوْلِ نَقُولُ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُوقِيَّةُ الَّتِي يَمْلِكُهَا فَضْلًا عَنْ مَسْكَنِهِ الَّذِي يُؤْوِيهِ وَيُؤْوِي عِيَالَهُ، وَفَضْلًا عَنْ لِبَاسِهِمُ الَّذِي لَا غَنَاءَ بِهِمْ عَنْهُ، وَعَنْ مَمْلُوكٍ إِنْ كَانَتْ بِهِمْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ. وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ

قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ §الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ تَكْفِيهِ، قَالَ: «يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ إِنِ احْتَاجَ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَا وَرَاءَ الْكَفَافِ مِنَ الْمَسْكَنِ وَاللِّبَاسِ وَالْخَادِمِ، مِمَّا يَكُونُ قِيمَتُهُ أُوقِيَّةً، فَلَيْسَتْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَامِتٌ أَيْضًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا، فَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَحْوُ هَذَا الْمَعْنَى

1753 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنِ اقْضُوا عَنِ الْغَارِمِينَ. فَكُتِبَ إِلَيْهِ: إِنَّا نَجِدُ الرَّجُلَ لَهُ الْمَسْكَنُ، وَالْخَادِمُ، وَالْفَرَسُ، وَالْأَثَاثُ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إِنَّهُ §لَابُدَّ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ مِنْ مَسْكَنٍ يَسْكُنُهُ -[667]-، وَخَادِمٍ يَكْفِيهِ مِهْنَتَهُ، وَفَرَسٍ يُجَاهِدُ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْأَثَاثُ فِي بَيْتِهِ، نَعَمْ فَاقْضُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ غَارِمٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى عُمَرَ إِنَّمَا اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ مَا يَكُونُ فِيهِ الْكَفَافُ الَّذِي لَا غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ، فَأَرْخَصَ فِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. وَقَوْلُ الْحَسَنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ شَبِيهٌ بِهَذَا أَيْضًا، إِلَّا أَنَّ هَذَا أَبْيَنُ تَفْسِيرًا. وَقَدْ وَجَدْنَا عَلَى مُسْتَحِلِّ الصَّدَقَةِ شَرْطًا آخَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى الْغَنَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ. وَهُوَ الْقَوِيُّ أَيْضًا. 1755 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمَا، وَجَعَلَ الْغِنَى وَالْقُوَّةَ عَلَى الِاكْتِسَابِ عَدْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَوِيُّ ذَا مَالٍ، فَهُمَا الْآنَ سِيَّانِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوِيُّ مَجْدُودًا عَنِ الرِّزْقِ مُحَارَفًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُجْتَهِدٌ فِي السَّعْيِ عَلَى عِيَالِهِ حَتَّى يُعْجِزَهُ الطَّلَبُ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ، فَإِنَّ لَهُ حِينَئِذٍ حَقًّا فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19]

1756 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْعَيْزَارِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: §الْمَحْرُومُ: الْمُحَارَفُ

1757 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ -[668]-، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «§السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَهْمٌ»

1758 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا، ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ لَمْ يَشْهَدُوا الْغَنِيمَةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19] 1759 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ غَيْرُ سُفْيَانَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِمَنْ هُوَ مَالِكٌ لِأَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. قَالُوا: لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَتَأَوَّلُوا بِهَذَا أَنَّ الْحَدَّ فِيمَا بَيْنَ الْغَنَاءِ وَالْفَقْرِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ وَسُقُوطُهَا. وَهَذَا مَذْهَبٌ وَمَقَالٌ لَوْلَا مَا يَدْخُلُ فِيهِ. 1760 - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَمْلِكُ الْأَمْوَالَ الْجِسَامَ الْعِظَامَ مِنَ الْعَقَارِ، وَالرَّقِيقِ، وَالْعُرُوضِ الَّتِي يَكُونُ الْغَنَاءُ بِأَقَلَّ مِنْهَا، ثُمَّ يُوَافِقُهُ آخِرُ الْحَوْلِ، وَلَيْسَ يَحْضُرُهُ صَامِتٌ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ جَعَلَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ هُوَ الْفَاصِلَ بَيْنَ الْغَنَاءِ وَالْفَقْرِ أَنْ يَعُدَّ هَذَا فَقِيرًا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ، وَيُجْزِي مُعْطِيَهُ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ -[669]-، وَإِنْ بَلَغَتْ أَمْوَالُهُ تِلْكَ مِئَاتِ أُلُوفٍ فِي الْقِيمَةِ. وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعْلَمُ أَحَدٌ يَقُولُهُ، وَلَا يُفْتِي بِهِ. وَلَكِنَّ الْحَدَّ عِنْدَنَا فِيمَا بَيْنَهُمَا مَا قَدْ كَفَتْنَاهُ السُّنَّةُ بِالتَّحْدِيدِ وَالتَّوْقِيتِ أَنَّهُ الْأُوقِيَّةُ أَوْ عَدْلُهَا

1761 - وَأَمَّا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: «§أَعْطُوا مِنَ الصَّدَقَةِ مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةُ غَنَمًا، وَلَا تُعْطُوهَا مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةُ غَنَمَيْنِ» فَإِنِّي سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: يَعْنِي بِالْغَنَمِ مِائَةَ شَاةٍ، وَبِالْغَنَمَيْنِ مِائَتَيْ شَاةٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَدْ أَبَاحَ الصَّدَقَةَ لِمَنْ هُوَ مَالِكٌ لِمِائَةٍ مِنَ الشَّاةِ، وَهَذَا ثَمَنُ أَوَاقِيَّ كَثِيرَةٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ، فَإِنْ يَكُنْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّمَا وَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ رَأَى الْإِرْخَاصَ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَامَ سَنَةٍ، وَالسِّنُونُ هِيَ الْأَزْمَانُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْمَجَاعَةُ وَالْجُدُوبَةُ، فَتَجْتَاحُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَمَوَاشِيَهُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا ذَاتُ نِقْيٍ وَلَا دَرٍّ، وَكَذَلِكَ تُصْطَلَمُ الثِّمَارُ وَالْحُرُوثُ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130] . فَعِنْدَ مِثْلِ هَذَا رَأَى عُمَرُ أَنْ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ رَبُّ الْمِائَةِ مِنَ الشَّاةِ، أَلَا تَرَاهُ إِنَّمَا قَالَ: مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةُ غَنَمًا. فَاشْتَرَطَ السَّنَةَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمِائَةَ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَا تُغْنِي مَغْنَى عَشْرِ شِيَاهٍ فِي الْخِصْبِ؛ لِمَا أَصَابَهَا مِنَ الْجَدْبِ وَالْعَجَفِ، فَرَخَّصَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ تَرَفُّقًا بِالنَّاسِ، وَقَدْ فَعَلَ بِهِمْ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فِي عَامِ الرَّمَادَةِ أَنَّهُ أَخَّرَ عَنْهُمُ الصَّدَقَةَ عَامَئِذٍ، فَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ حَتَّى أَحْيَوْا -[670]-. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ بَلَغَ مِنْ نَظَرِهِ لَهُمْ أَنَّهُ دَرَأَ الْقَطْعَ عَنِ السُّرَّاقِ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَامِ، فَقَالَ: لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ. فَهَذَا وَجْهُ رُخْصَتِهِ لِرَبِّ مِائَةِ شَاةٍ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ

باب أدنى ما يعطى الرجل الواحد من الصدقة، وكم أكثر ما يطيب له منها؟

§بَابُ أَدْنَى مَا يُعْطَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَكَمْ أَكْثَرِ مَا يَطِيبُ لَهُ مِنْهَا؟

1763 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانُوا §يَكْرَهُونَ أَنْ يُعْطُوا مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَكُونُ رَأْسَ مَالٍ» ، 1764 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ أَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، كَمَا كَانَ لَا يَرَى أَنْ يُعْطَاهَا مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ. قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَارِمًا، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَشَبَّهَ سُفْيَانُ الْإِعْطَاءَ بِالْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ الْمُعْطَى. وَهَذَا مَذْهَبٌ فِيهِ قُدْوَةٌ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَيَتَّبِعَهُ. 1765 - وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ غَيْرَ سُفْيَانَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَذْهَبُونَ هَذَا الْمَذْهَبَ أَيْضًا فِي -[671]- تَشْبِيهِهِمْ مَا يُعْطَى بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَقْتَ فِي ذَلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقَالُوا: لَا يُعْطَى مِنْهَا الْوَاحِدُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْنِ، كَمَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَانِ. 1766 - وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ نَحْوٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. 1767 - فَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي هَذَا حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَكَانَ يَقُولُ: أَرَى عَلَى الْمُعْطِي فِي ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ، وَحُسْنَ النَّظَرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ تَدَبَّرْنَا الْأَحَادِيثَ الْعَالِيَةَ، فَلَمْ نَجِدْهَا تُخْبِرُ فِي ذَلِكَ بِتَوْقِيتٍ، إِنَّمَا حَدَّتِ السُّنَّةُ مَا كَانَ مِلْكًا مُتَقَدِّمًا لِلْمُعْطِي مِنَ الْأُوقِيَّةِ، وَغَيْرِهَا قَبْلَ الْعَطِيَّةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ يَوْمَ يُعْطَاهَا فَقِيرًا مَوْضِعًا لِلصَّدَقَةِ، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِي الْآثَارِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ تَدُلُّ عَلَى الْفَضِيلَةِ فِي الْإِكْثَارِ مِنْهَا وَالِاسْتِحْبَابِ لِذَلِكَ

1768 - قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: §لَمَّا نَزَلَتْ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] ، وَقَوْلُهُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَائِطِي الَّذِي بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا لِلَّهِ، وَاللَّهِ -[672]- يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أُسِرَّهُ مَا أَعْلَنْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلْهُ فِي فُقَرَاءِ قَوْمِكَ» 1769 - قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: فَجَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحَائِطُ هُوَ الْمَخْرَفُ ذُو النَّخِيلِ وَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، فَكَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَدْنَى قِيمَةٍ مِثْلَ هَذَا؟ وَقَدْ أَشْفَقَ أَبُو طَلْحَةَ أَنْ لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يُخْفِيَهُ مِنْ شُهْرَتِهِ وَقَدْرِهِ، ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْهُ إِلَّا بَيْنَ رَجُلَيْنِ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا. 1770 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً، فَمَا سَبِيلُهَا وَسَبِيلُ الْفَرْضِ إِلَّا سَوَاءً؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إِذَا كَانَ يَحْرُمُ كَثِيرُهَا عَلَى الْأَخْذِ فِي الْوَاجِبِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ حَتْمًا لِلْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ، إِنَّهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّطَوُّعِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ لَأَضْيَقُ وَأَشَدُّ تَحْرِيمًا، وَلَئِنْ كَانَ لَهُمْ حَلَالًا، وَكَانَ الْمُعْطِي فِي النَّافِلَةِ مُحْسِنًا بَارًّا، إِنَّهُ فِي أَدَاءِ الْفَرِيضَةِ لَأَكْثَرُ إِحْسَانًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِمَّا يُثْبِتُ لَنَا أَنَّ سَبِيلَ النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ وَاحِدٌ، حَدِيثُ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

1771 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ، قَالَ: §أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ، فَقُلْتُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، وَأَنَا مَمْلُوكٌ. فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ مَعَهُمْ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِطَعَامٍ، فَقُلْتُ: هَذِهِ هَدِيَّةٌ، أَهْدَيْتُهَا لَكَ أُكْرِمُكَ بِهَا؛ فَإِنِّي لَا أَرَاكَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا، وَأَكَلَ مَعَهُمْ -[673]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعَ أَنْ يَرْزَأَ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إِسْلَامِ سَلْمَانَ. هَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثٍ لَهُ طَوِيلٍ، فَابْتَغَى سَلْمَانُ أَنْ يَخْتَبِرَ نُبُوَّتَهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ عَلِمَ شَوَاهِدَهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَكَانَ مِنْهَا أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَأَيُّ زَكَاةٍ هَاهُنَا مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَقَدْ أَبَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ مَعْنَى الصَّدَقَةِ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثٍ لَهُ آخَرَ وَمُمُيَّزًا مِنَ الْهِبَةِ

1772 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ، قَالَ: §قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُمْ هَدِيَّةٌ قَدْ جَاءُوا بِهَا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا هَذَا، أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، وَالْهَدِيَّةُ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ الرَّسُولِ، وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ» . فَقَالُوا: هَدِيَّةٌ. فَقَبَضَهَا مِنْهُمْ. ثُمَّ جَلَسُوا، فَشَغَلُوهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَمَا صَلَّى الظُّهْرَ إِلَّا عِنْدَ الْعَصْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ كُلُّ مَا يُرَادُ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ عُمُومًا، مِنْ غَيْرِ خُصُوصٍ وَلَا تَمْيِيزٍ بَيْنَ فَرْضٍ وَلَا نَافِلَةٍ، وَجَعَلَ الْهَدِيَّةَ سِوَى ذَلِكَ. 1773 - فَهَذَا الَّذِي نَتَّبِعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، إِنَّا لَا نُحِبُّ الصَّدَقَةَ لِغَنِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا، وَإِنَّمَا هَذَا اخْتِيَارٌ اخْتَارَهُ لَهُ مُنَزِّهًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ تَحْرِيمَ الْفَرِيضَةِ، فَإِنِّي لَا آمَنُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ. وَلِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي اقْتَصَصْنَاهَا. 1774 - أَرَأَيْتَ رَجُلًا رَبَّ مِئِي أُلُوفٍ، لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِدِرْهَمٍ أَوْ رَغِيفٍ، لَا يُرِيدُ إِلَّا نَفْسَ الصَّدَقَةِ الَّتِي يُبْتَغَى بِهَا ثَوَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْمُعْطَي -[674]-، أَكَانَ ذَلِكَ يَطِيبُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَكَذَلِكَ لِلْكَثِيرِ مِنْ إِعْطَاءِ الصَّامِتِ، وَالْعَقَارِ، وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا، إِذَا كَانَ يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ، بَلِ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعْطِي إِنَّمَا قَصَدَ بِالْعَطِيَّةِ قَصْدَ الْهِبَةِ وَالنَّحْلِ بِقَلْبِهِ لِوَلَدِهِ، أَوْ لِأَقْرِبَائِهِ، أَوْ لِمَنْ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْنَبِيِّينَ، إِلَّا أَنَّهُ أَظْهَرَ الصَّدَقَةَ وَأَعْلَنَهَا لِيُؤَكِّدَهَا بِذَلِكَ لِلْمُعْطَى، وَلِأَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لَهُ، فَلَا يَجُوزَ فِيهَا مَرْجِعٌ فِي الْحُكْمِ. كَانَ كَذَلِكَ فَهِيَ طَيِّبَةٌ لَهُ إِنْ شَاءَ. 1775 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا اسْتَوَى أَمْرُ الصَّدَقَةِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ فِي مَخْرَجِهِمَا، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ إِعْطَاءُ الْكَثِيرِ مِنَ الزَّكَاةِ، كَمَا يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنَ التَّطَوُّعِ، إِذَا كَانَ الْمُعْطَوْنَ يَوْمَ يُعْطَوْنَهَا لَهَا مَوْضِعًا فِي الْفَاقَةِ وَالْخَلَّةِ، عَلَى مَذْهَبِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ فِي أَمْرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، إِذْ كَانَ مَا أَعْطَاهُمَا أَبُو طَلْحَةَ نَافِلَةً غَيْرَ فَرَضٍ. عَلَى أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا التَّوْسِعَةَ فِي الْإِعْطَاءِ مِنَ الزَّكَاةِ نَفْسِهَا

1776 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنِ الصَّعْقِ بْنِ حَزْنٍ، عَنْ فِيلِ بْنِ عَرَادَةَ، عَنْ جَرَادِ بْنِ شُبَيْطٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مُسْمِنٌ مُخْصِبٌ فِي الْعَيْنِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَكْتُ وَهَلَكَ عِيَالِي. فَقَالَ عُمَرُ: §يَجِيءُ أَحَدُهُمْ يَنِثُّ كَأَنَّهُ حَمِيتٌ، يَقُولُ: هَلَكْتُ وَهَلَكَ عِيَالِي. قَالَ: ثُمَّ قَرُبَ عُمَرُ يُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهِ -[675]-، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَأُخْتًا لِي نَرْعَى عَلَى أَبَوَيْنَا نَاضِحًا لَهُمَا، قَدْ أَلْبَسَتْنَا أُمُّنَا نُقْبَتَهَا، وَزَوَّدَتْنَا مِنَ الْهَبِيدِ يُمَيِّنَتَيْهَا، فَنَخْرُجُ بِنَاضِحِنَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَلْقَيْتُ النُّقْبَةَ إِلَى أُخْتِي، وَخَرَجْتُ أَسْعَى عُرْيَانًا، فَنَرْجِعُ إِلَى أُمِّنَا، وَقَدْ جَعَلَتْ لَنَا لَفِيتَةً مِنْ ذَلِكَ الْهَبِيدِ، فَيَا خِصْبَاهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَعْطُوهُ رُبَعَةً مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ. قَالَ: فَخَرَجَتْ يَتْبَعُهَا ظِئْرَانِ لَهَا. قَالَ: فَمَا حَسَدْتُ أَحَدًا مَا حَسَدْتُ ذَلِكَ الرَّجُلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. -[676]- 1777 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فِيلُ بْنُ عَرَادَةَ، عَنْ جَرَادِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ عُمَرَ، نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى عُمَرَ هَاهُنَا قَدْ أَعْطَى رَجُلًا وَاحِدًا ثَلَاثًا مِنَ الْإِبِلِ، وَهَذِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَمَنَ مَالٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِيُغْنِيَهُ مِنَ الْعَيْلَةِ، حِينَ ذَكَرَ هَلَكَةَ عِيَالِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُهُ الْإِغْنَاءَ

1778 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: §إِذَا أَعْطَيْتُمْ فَأَغْنُوا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ مَا هُوَ أَجَلُّ مِنْ هَذَا

1779 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ، كِلَاهُمَا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، قَالَ أَحَدُهُمَا: قَالَ عُمَرُ لِلسُّعَاةِ: «§كَرِّرُوا عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ، وَإِنْ رَاحَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» . 1780 - وَقَالَ الْآخَرُ: قَالَ عُمَرُ: «لَأُكَرِّرَنَّ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ، وَإِنْ رَاحَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» 1781 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالَ، فَإِنْ يَكُنْ مَحْفُوظًا عَنْ عُمَرَ، فَلَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدِي عَلَى مَا يَحْمِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ مَنْ هُوَ مَالِكٌ لِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ. هَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ مِثْلُهُ عَلَى عُمَرَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ فِيمَا نَرَى هَذَا الْمَذْهَبَ الَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا الْفَقِيرُ، وَإِنْ كَانَ مَا يُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ يَبْلُغُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، يَرُوحُ بِهَا عَلَيْهِ. 1782 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فَلَا يَجُوزُ، أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَالْفَرْضُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صَاحِبِ الْخَمْسِ مِنَ الْإِبِلِ بِهَا عَلَيْهِ شَاةٌ؟ فَكَيْفَ يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ الْخَمْسِ وَيُعْطَاهَا رَبُّ الْمِائَةِ؟ هَذَا يَسْتَحِيلُ، وَيَخْرُجُ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ. -[677]- 1783 - فَأَرَى عُمَرَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِ قَدْ تَوَسَّعَ فِي الْإِعْطَاءِ حَتَّى بَلَغَ الْمِائَةَ، وَهَذَا مِنْ نَفْسِ الْفَرِيضَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ نَافِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ التَّابِعِينَ يَأْخُذُ بِنَحْوِ هَذَا، وَيُؤْثِرُ الْإِكْثَارَ عَلَى الْإِقْلَالِ

1784 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: §إِذَا أَعْطَى الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَجَبَرَهُمْ، فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعِتْقِ

1785 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §أَعْتِقْ مِنْ زَكَاةِ مَالِكَ

1786 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ الْأَشْرَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ «كَانَ §لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فِي الْحَجِّ، وَأَنْ يُعْتِقَ مِنْهُ الرَّقَبَةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَدْنَى مَا يَكُونُ قِيمَةُ الرَّقَبَةِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَقَدْ أَرْخَصَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ زَكَاتِهِ لِوَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لَا يَأْخُذُ بِهَذَا، وَلَمْ يَكْرَهْهُ لِكَثْرَةِ الْقِيمَةِ. وَإِنَّمَا أَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ يَجُرُّ وَلَاءَهُ بِالْعِتْقِ إِلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ. -[678]- 1787 - فَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ دُلَيًا عَلَى أَنَّ مَبْلَغَ مَا يُعْطَاهُ أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنَ الزَّكَاةِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْظُورٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُعْطَى غَارِمًا، بَلْ فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَالْفَضْلُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ النَّظَرِ مِنَ الْمُعْطِي، بِلَا مُحَابَاةٍ وَلَا إِيثَارِ هَوًى، كَرَجُلٍ رَأَى أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ صَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ فَقْرٍ وَمَسْكَنَةٍ، وَهُوَ ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، وَلَا مَنْزِلَ لِهَؤُلَاءِ يُؤْوِيهِمْ وَيَسْتُرُ خَلَّتَهُمْ، فَاشْتَرَى مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ مَسْكَنًا يُكِنُّهُمْ مِنْ كَلَبِ الشِّتَاءِ وَحَرِّ الشَّمْسِ، أَوْ كَانُوا عُرَاةً لَا كِسْوَةَ لَهُمْ، فَكَسَاهُمْ مَا يَسْتُرُ عَوْرَاتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَيَقِيهِمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، أَوْ رَأَى مَمْلُوكًا عِنْدَ مَلِيكِ سُوءٍ قَدِ اضْطَهَدَهُ وَأَسَاءَ مِلْكَتَهُ، فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ رِقِّهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ، أَوْ مَرَّ بِهِ ابْنُ سَبِيلٍ بَعِيدُ الشُّقَّةِ، نَائِي الدَّارِ، قَدِ انْقُطِعَ بِهِ، فَحَمَلَهُ إِلَى وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ بِكِرَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ. هَذِهِ الْخِلَالُ وَمَا أَشْبَهَهَا الَّتِي لَا تُنَالُ إِلَّا بِالْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ، فَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُ الْفَاعِلِ أَنْ يَجْعَلَهَا نَافِلَةً، فَجَعَلَهَا مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، أَمَا يَكُونُ هَذَا مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ؟ بَلَى، ثُمَّ يَكُونُ إِنْ شَاءَ مُحْسِنًا. وَإِنِّي لَخَائِفٌ عَلَى مَنْ صَدَّ مِثْلَهُ عَنْ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُودُ بِالتَّطَوُّعِ، وَهَذَا يَمْنَعُهُ بِفُتْيَاهُ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فَتَضِيعُ الْحُقُوقُ، وَيَعْطَبُ أَهْلُهَا

باب دفع الصدقة إلى الأمراء، واختلاف العلماء في ذلك

§بَابُ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إِلَى الْأُمَرَاءِ، وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ

1788 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: §كَانَتِ الصَّدَقَةُ تُرْفَعُ - أَوْ قَالَ: تُدْفَعُ - إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مَنْ أَمَرَ بِهِ، وَإِلَى أَبِي بَكْرٍ، أَوْ مَنْ أَمَرَ بِهِ، وَإِلَى عُمَرَ، أَوْ مَنْ أَمَرَ بِهِ، وَإِلَى عُثْمَانَ، أَوْ مَنْ -[679]- أَمَرَ بِهِ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ اخْتَلَفُوا، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْسِمُهَا، وَكَانَ مِمَّنْ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِمُ ابْنُ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنْ قَسَمَهَا رَجُلٌ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلَا يَعْتِبَنَّ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا، ثُمَّ يَأْتِيَ مِثْلَهُ أَوْ شَرًّا مِنْهُ. 1789 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، مِثْلَ حَدِيثِ أَيُّوبَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: فَمَنِ اخْتَارَ أَنْ يَقْسِمَهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلَا يَقِ بِهَا مَالَهُ

1790 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْروُ بْنُ طَارِقٍ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ، §أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَدْفَعُ زَكَاتَهَا إِلَى السُّلْطَانِ

1791 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَابْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ: «إِنَّ هَذَا §السُّلْطَانَ يَصْنَعُ مَا تَرَوْنَ، أَفَأَدْفَعُ زَكَاتِي إِلَيْهِمْ؟» قَالَ: فَقَالُوا كُلُّهُمْ: «ادْفَعْهَا إِلَيْهِمْ»

1792 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، وَإِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ يَطُوفُ مَعَنَا أَنَّ §رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ هَذِهِ صَدَقَةُ مَالِي، فَأَيْنَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَضَعَهَا؟ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إِلَى مَنْ بَايَعْتَ. قَالَ: وَوَصَفَ ابْنُ عَوْنٍ أَنَّهُ صَفَّقَ إِحْدَى يَدَيْهِ بِالْأُخْرَى، فَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: وَرَفَعَ رَأْسَهُ لَا أَقْسِمُهَا

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ -[680]-: §ادْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ - أَوْ قَالَ: إِلَى الْأُمَرَاءِ. فَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: لَا، وَلَكِنْ ضَعْهَا حَيْثُ أَمَرَكَ اللَّهُ

1794 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ أَنَسِ بْنَ سِيرِينَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: نَدْفَعُ صَدَقَاتِ أَمْوَالِنَا إِلَى عُمَّالِنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنَّ عُمَّالَنَا كُفَّارٌ. قَالَ: وَكَانَ زِيَادٌ يَسْتَعْمِلُ الْكُفَّارَ. فَقَالَ: «§لَا تَدْفَعُوا صَدَقَاتِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ»

1795 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ §سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فِي الْفِتْنَةِ عَنْ صَدَقَةِ مَالِ أَيْتَامٍ، أَيَدْفَعُهَا إِلَى بَنِي عَمٍّ لَهُمْ مُحْتَاجِينَ؟ فَقَالَ: «لَا، ادْفَعْهَا إِلَى الْوُلَاةِ»

1796 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «§مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ فَادْفَعُوهَا إِلَيْهِمْ»

1797 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، وَيَزِيدُ، عَنِ وابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «§ادْفَعُوهَا إِلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، فَمَنْ بَرَّ فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَثِمَ فَعَلَيْهَا»

1798 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «§ادْفَعُوا الزَّكَاةَ إِلَى الْأُمَرَاءِ» . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّهُمْ لَا يَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا. فَقَالَ: «وَإِنْ»

1799 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَكَمِ، يَقُولُ: أَتَى ابْنَ عُمَرَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الزَّكَاةَ، إِلَى مَنْ أَدْفَعُهَا؟ فَقَالَ: «§ادْفَعْهَا إِلَى الْأُمَرَاءِ وَإِنْ تَمَزَّعُوا بِهَا لُحُومَ الْكِلَابِ عَلَى مَوَائِدِهِمْ»

1800 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ §لِي مَالًا، فَإِلَى مَنْ أَدْفَعُ زَكَاتَهُ؟ فَقَالَ: «ادْفَعْهَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. يَعْنِي الْأُمَرَاءَ» قُلْتُ: إِذًا يَتَّخِذُونَ بِهَا ثِيَابًا وَطِيبًا. فَقَالَ: «وَإِنِ اتَّخَذُوا بِهَا ثِيَابًا وَطِيبًا، وَلَكِنْ فِي مَالِكَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ»

1801 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: §إِلَى مَنْ أَدْفَعُ زَكَاةَ مَالِي؟ فَلَمْ يُجِبْنِي. قَالَ: وَسَأَلْتُ الْحَسَنَ، فَقَالَ: ادْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ 1802 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَى الَّذِينَ أَمَرُوا بِدَفْعِ الصَّدَقَةِ إِلَيْهِمْ إِنَّمَا أَوْجَبُوا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْعَطَاءِ كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: ادْفَعْهَا إِلَى مَنْ بَايَعْتَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ. 1803 - وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّمَا عَزْمَتُنَا عَلَى مَنْ أَخَذَ فَيْئَنَا. وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُمَا

1804 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّهِ -[682]-، قَالَتْ: سَأَلَ أَبُوكَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: " §لَوْلَا أَنِّي آخُذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ - يَعْنِي: الْعَطَاءَ - مَا أَعْطَيْتُهُمْ شَيْئًا، فَلَا تُعْطِهِمْ "

1805 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَعْمَى وَحْدِي، وَأَخْبَرَنِي مَعَ عَطَاءٍ قَالَ: §لَقِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَجُلًا يَحْمِلُ زَكَاةَ مَالِهِ يُرِيدُ بِهَا الْإِمَامَ، فَقَالَ لَهُ: «مَا هَذَا مَعَكَ؟» فَقَالَ: زَكَاةُ مَالِي، أَذْهَبُ بِهَا إِلَى الْإِمَامِ. فَقَالَ: «أَفِي دِيوَانٍ أَنْتَ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِمْ شَيْئًا»

1806 - قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ حِينَئِذٍ قَالَ: بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ §رَجُلًا أَتَاهُ بِزَكَاةِ مَالِهِ، فَقَالَ: أَتَأْخُذُ مِنْ عَطَائِنَا؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِنَّا لَا نَأْخُذُ مِنْكَ شَيْئًا، لَا نَجْمَعُ عَلَيْكَ أَنْ لَا نُعْطِيَكَ وَنَأْخُذَ مِنْكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ نَظَرَ فِي الْعَطَاءِ، وَقَدْ أَمَرَ بِتَفْرِيقِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَطَاءً وَلَا غَيْرَهُ

1807 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي. قَالَ: وَأَتَيْتُهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: §أَعْتَقْتَ يَا كَيْسَانُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: فَاذْهَبْ بِهَا أَنْتَ فَاقْسِمْهَا

1808 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتُرَخِّصُ لِي أَنْ §أَضَعَ صَدَقَةَ مَالِي فِي مَوَاضِعِهَا، أَمْ أَدْفَعُهَا إِلَى الْأُمَرَاءِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ -[683]-: «إِذَا وَضَعْتَهَا أَنْتَ فِي مَوَاضِعِهَا، وَلَمْ تَعُدَّ مِنْهَا أَحَدًا تَعُولُهُ شَيْئًا، فَلَا بَأْسَ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ عَطَاءٍ غَيْرَ مَرَّةٍ

1809 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: §اقْسِمْهَا، 1810 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، مِثْلَ ذَلِكَ

1811 - قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: «§أَدُّوا الزَّكَاةَ إِلَى الْوُلَاةِ وَإِنْ شَرِبُوا بِهَا خَمْرًا» فَقَالَ مَيْمُونٌ: أَتَعْرِفُ فُلَانًا النَّصِيبِيَّ؟ فَإِنَّهُ كَانَ صَدِيقًا لِابْنِ عُمَرَ، أَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا تَرَى فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا؟ فَقَالَ: «ادْفَعْهَا إِلَيْهِمْ» . قَالَ فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَكُنْتَ تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلِ الصَّلَاةُ إِلَّا مِثْلُ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: «لَبَّسُوا عَلَيْنَا لَبَّسَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ»

1812 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ §رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى السُّلْطَانِ، وَقَالَ: «ضَعُوهَا فِي مَوَاضِعِهَا»

1813 - قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْكِنْدِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: «§ادْفَعْهَا إِلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ» فَلَمَّا قَامَ سَعِيدٌ تَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَهُمْ يَصْنَعُونَ بِهَا كَذَا، وَيَصْنَعُونَ بِهَا كَذَا. فَقَالَ: «ضَعْهَا حَيْثُ أَمَرَكَ اللَّهُ، سَأَلْتَنِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْبِرَكَ»

1814 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ، قَالَا: «§ضَعْهَا مَوَاضِعَهَا، وَأَخْفِهَا»

1815 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: «§اجْعَلْهَا صُرَرًا، ثُمَّ اجْعَلْهَا فِيمَنْ تَعْرِفُ، وَلَا يَأْتِي عَلَيْكَ الشَّهْرُ حَتَّى تُفَرِّقَهَا»

1816 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§إِنْ دَفَعَهَا إِلَى السُّلْطَانِ أَجْزَتْ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلْيَتَوَخَّ بِهَا مَوَاضِعَهَا، وَلَا يُحَابِ بِهَا أَحَدًا»

قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «§مَنِ اخْتَارَ أَنْ يَقْسِمَهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلَا يَقِيِ بِهَا مَالَهُ»

1818 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: الرَّجُلُ يَضَعُ زَكَاةَ مَالِهِ، فَإِذَا رَأَى حَقًّا أَعْطَى. فَقَالَ: «§لَا تَجْعَلْ زَكَاتَكَ رِدْءًا لِمَالِكَ، كُلَّمَا نَابَكَ حَقٌّ اتَّقَيْتَهُ بِهِ» -[685]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إِلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَمِنْ تَفْرِيقِهَا، هُوَ مَعْمُولٌ بِهِ، وَذَلِكَ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ خَاصَّةً، أَيُّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَهُ صَاحِبِهِ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ الَّذِي عَلَيْهِ. 1819 - وَهَذَا عِنْدَنَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ، وَغَيْرِهِمْ فِي الصَّامِتِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ كَمَا ائْتُمِنُوا عَلَى الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الْمَوَاشِي وَالْحَبُّ وَالثِّمَارُ، فَلَا يَلِيهَا إِلَّا الْأَئِمَّةُ، وَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يُغَيِّبَهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ هُوَ فَرَّقَهَا وَوَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا، فَلَيْسَتْ قَاضِيَةً عَنْهُ، وَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا إِلَيْهِمْ. فَرَّقَتْ بَيْنَ ذَلِكَ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ. 1830 - أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ إِنَّمَا قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى مَنْعِ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ وَكَذَلِكَ إِذَا مَرَّ رَجُلٌ مُسْلِمٌ بِصَدَقَتِهِ عَلَى الْعَاشِرِ، فَقَبَضَهَا مِنْهُ، فَإِنَّهَا عِنْدَنَا جَازِيَةٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ السُّلْطَانِ. كَذَلِكَ أَفْتَتِ الْعُلَمَاءُ

قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ، قَالَا: «§مَا أَعْطَيْتَ فِي الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَاضِيَةٌ» قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يَعْنِي أَنَّهَا تُجْزِي مِنَ الزَّكَاةِ

قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§احْتَسِبْ فِي زَكَاةِ مَالِكَ بِمَا أَخَذَ مِنْكَ الْعَشَّارُونَ»

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، قَالَا: §احْتَسِبْ بِمَا يَأْخُذُ مِنْكَ الْعَاشِرُ

قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَلْمَانَ الْأَزْرَقِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §مَا يَأْخُذُ مِنْكَ الْعَاشِرُ فَاحْتَسِبْ بِهِ مِنْ زَكَاتِكَ

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ جُرَيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «§احْتَسِبْ بِهِ زَكَاتَكَ»

قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: §سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ ذَلِكَ، أَأَحْتَسِبُ بِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا عِنْدَنَا هُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ سِوَى ذَلِكَ

قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: كَانَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: «§يُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِهِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا أُخِذَ مِنْهُ»

قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيِّ، قَالَ: «§رَأَيْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ، فَأَخَذَ كِيسًا كَانَ مَعَ غُلَامِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَرَبُوسِ حَتَّى جَازَ بِهِ الْعَاشِرَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَالَ أَنَسٌ، وَالْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَلَيْهِ النَّاسُ، حَتَّى قَدْ قَالَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فِي الْخَوَارِجِ

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ -[687]-، فِي §رَجُلٍ زَكَّتِ الْحَرُورِيَّةُ مَالَهُ، هَلْ عَلَيْهِ حَرَجٌ؟ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَقْضِي عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

1831 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، §أَنَّ الْأَنْصَارَ سَأَلُوا ابْنَ عُمَرَ عَنِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: «ادْفَعُوهَا إِلَى الْعُمَّالِ» . فَقَالُوا: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَظْهَرُونَ مَرَّةً، وَهَؤُلَاءِ مَرَّةً. فَقَالَ: «ادْفَعُوهَا إِلَى مَنْ غَلَبَ» 1832 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ فِي أَمْرِ الْخَوَارِجِ، فَأَنْ يَكُونَ عَلَى مَنْ أَخَذُوا مِنْهُ الْإِعَادَةُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النَّاسُ فِي هَذَا الْأَمْرِ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ، خِيَارُهُمْ تَبَعٌ لِخِيَارِهِمْ، وَشِرَارُهُمْ تَبَعٌ لِشِرَارِهِمْ. 1833 - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ فَلَمْ يَجْعَلْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلَاةَ الْأَمْرِ فِي غَيْرِهِمْ. 1834 - فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ زَكَّتِ الْحَرُورِيَّةُ مَالَهُ أَنَّهُ يَقْضِي عَنْ صَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَثْبُتُ عَنْهُ، إِنَّمَا كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يُرْسِلُهُ عَنْهُ، ثُمَّ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْهُ؛ أَلَا تَرَاهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ؟ وَأَمَّا حَدِيثُهُ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ: ادْفَعُوهَا إِلَى مَنْ غَلَبَ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يُقَاتِلُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَالْحِجَازِ، إِنَّمَا كَانَ يَدْعُو إِلَى قُرَيْشٍ، وَالْخَوَارِجُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ. -[688]- 1835 - قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إِذَا أَتَتْهُ الْخَوَارِجُ فِي مَنْزِلِهِ، فَأَخَذُوا صَدَقَتَهُ أَجْزَتْ عَنْهُ، وَإِنْ أَتَاهُمْ بِهَا لَمْ تُجْزِ عَنْهُ

باب تفريق الصدقة في الأصناف الثمانية وإعطائها بعضهم دون بعض

§بَابُ تَفْرِيقِ الصَّدَقَةِ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَإِعْطَائِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ

1836 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «§إِذَا وَضَعْتَ الزَّكَاةَ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ أَجْزَأَكَ» 1837 - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: قَالَ حَجَّاجٌ: وَسَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَا: «§إِذَا وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَاكَ»

1839 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: " §إِذَا وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فَحَسْبُكَ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ -[689]- وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] ، وَكَذَا وَكَذَا؛ لِئَلَّا يَجْعَلَهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ "

1840 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِنَّمَا §الزَّكَاةُ عَلَمٌ، حَيْثُ وَضَعْتَ أَجْزَتْ عَنْكَ» 1841 - قَالَ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَرِّقْهَا فِي الْأَصْنَافِ

1842 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§إِذَا كَانَ الْمَالُ ذَا مِزٍّ فَفَرِّقْهُ فِي الْأَصْنَافِ، وَإِذَا كَانَ قَلِيلًا فَأَعْطِهِ صِنْفًا وَاحِدًا» 1843 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا

1844 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إِلَّا عَنِ الْفَاقَةِ»

1845 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «§أَسْعَدُهُمْ بِهَا أَكْثَرُهُمْ عَدَدًا، وَأَشَدُّهُمْ فَاقَةً»

1846 - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: " §الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى اجْتِهَادٍ مِنَ الْوَالِي، فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ، آثَرَ ذَلِكَ الصِّنْفَ بِقَدْرِ مَا يَرَى. قَالَ: وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ " 1847 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ إِذَا وَضَعَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الثَّمَانِيَةِ أَجْزَأَهُ. 1848 - وَقَالَ آخَرُونَ: يُفَرِّقُهَا فِيهِمْ جَمِيعًا. مِنْهُمْ عِكْرِمَةُ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ. 1849 - وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ يَرَيَانِ ذَلِكَ، إِذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا ذَا مِزٍّ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ ابْنَ شِهَابٍ أَنْ يَكْتُبَهَا لَهُ، فَكَتَبَهَا عَلَى التَّفْرِيقِ مَشْرُوحَةً مُلَخَّصَةً

1850 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَهُ فَكَتَبَ السُّنَّةَ فِي مَوَاضِعِ الصَّدَقَةِ، فَكَتَبَ: " §هَذِهِ مَنَازِلُ الصَّدَقَاتِ وَمَوَاضِعُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: فَسَهْمٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَسَهْمٌ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَسَهْمٌ فِي -[691]- الرِّقَابِ، وَسَهْمٌ لِلْغَارِمِينَ، وَسَهْمٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ. قَالَ: فَسَهْمُ الْفُقَرَاءِ نِصْفُهُ لِمَنْ غَزَا مِنْهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوَّلَ غَزْوَةٍ، حِينَ يُفْرَضُ لَهُمْ مِنَ الْأَمْدَادِ وَأَوَّلُ عَطَاءٍ يَأْخُذُونَهُ، ثُمَّ تُقْطَعُ عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّدَقَةُ، وَيَكُونُ سَهْمُهُمْ فِي عَظْمِ الْفَيْءِ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ مِمَّنْ لَا يَغْزُو، مِنَ الزَّمْنَى وَالْمُكُثِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْعَطَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَسَهْمُ الْمَسَاكِينِ نِصْفٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِهِ عَاهَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ حِيلَةً وَلَا تَقَلُّبًا فِي الْأَرْضِ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْمَسَاكِينِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ، وَيَسْتَطْعِمُونَ، وَمَنْ فِي السُّجُونِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أَحَدٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَسَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا يُنْظَرُ: فَمَنْ سَعَى عَلَى الصَّدَقَاتِ بِأَمَانَةٍ وَعَفَافٍ أُعْطِي عَلَى قَدْرِ مَا وَلِيَ وَجَمَعَ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَأُعْطِي عُمَّالُهُ الَّذِينَ سَعَوْا مَعَهُ عَلَى قَدْرِ وِلَايَتِهِمْ وَجَمْعِهِمْ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغَ قَرِيبًا مِنْ رُبْعِ هَذَا السَّهْمِ بَعْدَ الَّذِي يُعْطَى عُمَّالُهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ، فَيُرَدُّ مَا بَقِيَ عَلَى مَنْ يَغْزُو مِنَ الْأَمْدَادِ وَالْمُشْتَرِطَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَسَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِمَنْ يُفْتَرَضُ لَهُ مِنْ إِمْدَادِ النَّاسِ أَوَّلُ عَطَاءٍ يُعْطَوْنَهُ، وَمَنْ يَغْزُو مُشْتَرِطًا لَا عَطَاءَ لَهُ، وَهُمْ فُقَرَاءَ، وَمَنْ يَحْضُرِ الْمَسَاجِدَ مِنَ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَا عَطَاءَ لَهُمْ، وَلَا سَهْمَ، وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَسَهْمُ الرِّقَابِ نِصْفَانِ: نِصْفٌ لِكُلِّ مُكَاتَبٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ، وَهُمْ عَلَى أَصْنَافٍ شَتَّى: فَلِفُقَهَائِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَضِيلَةٌ، وَلِمَنْ سِوَاهُمْ مِنْهُمْ مَنْزِلَةٌ أُخْرَى، عَلَى قَدْرِ مَا أَدَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي تُشْتَرَى بِهِ رِقَابٌ مِمَّنْ صَلَّى وَصَامَ وَقَدِمَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، فَيُعْتَقُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَسَهْمُ الْغَارِمِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: مِنْهُمْ صِنْفٌ لِمَنْ يُصَابُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي مَالِهِ وَظَهْرِهِ وَرَقِيقِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجِدُ -[692]- مَا يَقْضِي وَلَا مَا يَسْتَنْفِقُ إِلَّا بِدَيْنٍ، وَمِنْهُ صِنْفَانِ لِمَنْ يَمْكُثُ وَلَا يَغْزُو، وَهُوَ غَارِمٌ، وَقَدْ أَصَابَهُ فَقْرٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُتَّهَمُ فِي دِينِهِ أَوْ قَالَ فِي دَيْنِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَسَهْمٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَمِنْهُ لِمَنْ فُرِضَ لَهُ رُبْعُ هَذَا السَّهْمِ، وَمِنْهُ لِلْمُشْتَرِطِ الْفَقِيرِ رُبُعَهُ، وَمِنْهُ لِمَنْ تُصِيبُهُ الْحَاجَةُ فِي ثَغْرَةٍ، وَهُوَ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَسَهْمُ ابْنِ السَّبِيلِ يُقَسَّمُ ذَلِكَ لِكُلِّ طَرِيقٍ عَلَى قَدْرِ مَنْ يَسْلُكُهَا، وَيَمُرُّ بِهَا مِنَ النَّاسِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ لَيْسَ لَهُ مَأْوًى، وَلَا أَهْلٌ يَأْوِي إِلَيْهِمْ، فَيُطْعَمُ حَتَّى يَجِدَ مَنْزِلًا، أَوْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ، وَيُجْعَلُ فِي مَنَازِلَ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَيْدِي أُمَنَاءَ، لَا يَمُرُّ بِهِمُ ابْنُ سَبِيلٍ لَهُ حَاجَةٌ إِلَّا آوَوْهُ، وَأَطْعَمُوهُ، وَعَلَفُوا دَابَّتَهُ، حَتَّى يَنْفَذَ مَا بِأَيْدِيهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ ذَكَرَ صَدَقَةَ الْحَبِّ، وَالثِّمَارِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ " 1851 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ مَخَارِجُ الصَّدَقَةِ إِذَا جُعِلَتْ مُجَزَّأَةً، وَهُوَ الْوَجْهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَأَطَاقَهُ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَحْسِبُ هَذَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى الْإِمَامِ الَّذِي تَكْثُرُ عِنْدَهُ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ، وَتَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، وَيُمَكِّنُهُ كَثْرَةُ الْأَعْوَانِ عَلَى تَفْرِيقِهَا، فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْهَا إِلَّا مَا يَلْزَمُهُ لِخَاصَّةِ مَالِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا وَضَعَهَا فِي بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ كَانَ جَازِيًا عَنْهُ، عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدْ سَمَّيْنَاهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ. 1852 - وَالْأَصْلُ فِي هَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الْمَأْثُورُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ ذَكَرَ -[693]- الصَّدَقَةَ، فَقَالَ: تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَلَمْ يَذْكُرْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاهُنَا غَيْرَ صِنْفٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ بَعْدَ هَذَا، فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ ثَانٍ سِوَى الْفُقَرَاءِ، وَهُمُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ، وَزَيْدُ الْخَيْلِ قَسَمَ فِيهِمُ الذَّهَبَةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ عَلِيٌّ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ، فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ ثَالِثٍ، وَهُمُ الْغَارِمُونَ. 1853 - مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ فِي الْحَمَالَةِ الَّتِي تَحَمَّلَ بِهَا: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَدْ مَرَّتْ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا، فَأَرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ بَعْضَ الْأَصْنَافِ أَسْعَدَ بِهَا مِنْ بَعْضٍ. 1854 - فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي الصَّدَقَةِ فِي التَّفْرِيقِ فِيهِمْ جَمِيعًا، وَفِي أَنْ يَخُصَّ بِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَمُجَانَبَةِ الْهَوَى وَالْمَيْلِ عَنِ الْحَقِّ، وَكَذَلِكَ مَنْ سِوَى الْإِمَامِ، بَلْ هُوَ لِغَيْرِهِ أَوْسَعُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

باب دفع الصدقة إلى الأقارب، ومن يكون لها منهم موضعا أو لا يكون

§بَابُ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إِلَى الْأَقَارِبِ، وَمَنْ يَكُونُ لَهَا مِنْهُمْ مَوْضِعًا أَوْ لَا يَكُونُ

1855 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «§يُعْطِي الرَّجُلُ قَرَابَتَهُ مِنْ زَكَاتِهِ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ»

1856 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ -[694]- سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: «§أَحَبُّ مَنْ وَضَعْتُهَا عِنْدَهُ إِلَيَّ يَتِيمِي، وَذُو فَاقَتِي»

1857 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، §أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سَأَلَتْهُ عَنْ زَكَاةِ حُلِيٍّ لَهَا، فَقَالَتْ: أَأُعْطِيهِ بَنِي أَخٍ لِي أَيْتَامٍ فِي حِجْرِي؟ قَالَ: نَعَمْ، 1858 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَامْرَأَتِهِ، مِثْلَ ذَلِكَ

1859 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ النُّمَيْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، قُلْتُ: §أَخِي، أَأُعْطِيهِ زَكَاةَ مَالِي؟ قَالَ: «نَعَمْ، وُحْبَا»

1860 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: §امْرَأَةٌ لَهَا شَيْءٌ، أَتُعْطِي أُخْتَهَا مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ

1861 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قُلْتُ: §أُعْطِي خَالَتِي مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ تُغْلِقْ عَلَيْهَا بَابًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنْ لَا تَكُونَ فِي عِيَالِهِ

1862 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§يَضَعُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ فِي قَرَابَتِهِ مِمَّنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ»

1863 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «§إِذَا لَمْ يَكُنْ ذُو قَرَابَتِهِ مِنْ عِيَالِهِ الَّذِينَ يَعُولُ؛ فَهُمْ أَحَقُّ بِزَكَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ»

1864 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§إِذَا لَمْ تُعْطِ مِنْهَا أَحَدًا تَعُولُهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ» 1865 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّمَا كَرِهُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ نَفَقَتَهُمْ وَضَمَّهُمْ إِلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَهُ إِلَى الزَّكَاةِ، كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ وَقَى مَالَهُ بِزَكَاتِهِ. 1866 - قَالَ: وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَجْبَرَهُ عَلَى نَفَقَتِهِمْ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ إِجْبَارًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا تَأَوُّلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ دَاوُدَ فِي مَعْنَى الْعِيَالِ، وَهُمَا مَذْهَبَانِ لِمَنْ شَاءَ. 1867 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي أَخْتَارُ فِيهِ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا عِنْدِي إِنَّمَا هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَوْلُهُ فَرْضًا عَلَى الْعَائِلِ وَاجِبًا لَا يَسَعُهُ تَضْيِيعُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ ذَكَرَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ: ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. ثُمَّ جَاءَنَا عَنْهُ ذَلِكَ مُفَسَّرًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ. أَوْ قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ

1868 - وَمِثْلُ ذَلِكَ أَوْ نَحْوُهُ قَوْلُهُ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، وَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، أَفَآخُذُ مِنْ مَالِهِ؟ فَقَالَ: «§خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَبَنِيكِ بِالْمَعْرُوفِ» ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[696]- 1869 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَؤُلَاءِ الْأَهْلُ وَالْوَلَدُ، وَكَذَلِكَ الْوَالِدَانِ إِذَا كَانَا ذَوَيْ خَلَّةٍ وَفَاقَةٍ، فَعَلَى وَلَدِهِمَا الْمُوسِرِ أَنْ يَعُولَهُمَا كَعَوْلِهِ وَلَدَهُ وَأَهْلَهُ، بِسُنَّةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ. 1870 - وَهِيَ قَوْلُهُ: إِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ كَثِيرٌ مُسْتَفِيضٌ. 1871 - فَهَذِهِ السُّنَنُ هِيَ الْفَاصِلَةُ عِنْدَنَا بَيْنَ عِيَالِ الرَّجُلِ الَّذِي يَلْزَمُهُ عَوْلُهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهُمُ الْوَالِدَانِ، وَالْوَلَدُ، وَالزَّوْجَةُ، وَالْمَمْلُوكُ، فَهَؤُلَاءِ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي زَكَاتِهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا كَانَتْ غَيْرَ قَاضِيَةٍ عَنْهُ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ فِي مَالِهِ بِالْحُقُوقِ الَّتِي أَلْزَمَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا لَهُمْ سِوَى الزَّكَاةِ، ثُمَّ جَعَلَ الزَّكَاةَ فَرْضًا آخَرَ غَيْرَ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِذَا صَرَفَهَا إِلَى هَؤُلَاءِ كَانَ قَدْ جَعَلَ حَقًّا وَاحِدًا يُجْزِي عَنْ فَرْضَيْنِ، وَهَذَا لَا جَائِزٌ وَلَا وَاسِعٌ؛ فَلِهَذَا صَارَ هَؤُلَاءِ خَارِجِينَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ جَمِيعِ ذَوِي الرَّحِمِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَيْسَ عَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ. 1872 - وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ. 1873 - وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَيَقُولُونَ غَيْرَ ذَلِكَ الْقَوْلِ، يَقُولُونَ - أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ -: يُجْبَرُ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمُ عَلَى نَفَقَةِ ذِي رَحِمِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْقَوْلُ عِنْدِي هُوَ الْأَوَّلُ، وَلِهَذَا صَارَ إِعْطَاؤُهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ جَازِيًا عَنِ الْمُعْطِي، إِذَا كَانُوا لَهَا مَوْضِعًا، بَلْ هُوَ الْمُحْسِنُ الْمُجْمِلُ فِي ذَلِكَ. 1874 - لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ لِذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمْ يَشْتَرِطْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَافِلَةً وَلَا فَرِيضَةً. 1875 - فَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْأَصْلُ، وَلَسْتُ أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَكُونَ ذُو الْمَالِ -[697]- مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِمْ وَلَا غَيْرَ مَحْكُومٍ، وَلَا إِلَى أَنْ يَكُونُوا مَضْمُومِينَ إِلَى عِيَالِهِ بِأَبْدَانِهِمْ أَوْ غَيْرَ مَضْمُومِينَ، إِنَّمَا نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَدْ أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تُعْطِيَ بَنِي أَخِيهَا مِنْ زَكَاتِهَا، وَهِيَ تُخْبِرُهُ أَنَّهُمْ فِي حِجْرِهَا، فَهَلْ يَكُونُ مِنَ الضَّمِّ أَكْثَرُ مِنَ التَّرْبِيَةِ فِي الْحُجُورِ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: يَتِيمِي وَذُو فَاقَتِي. 1876 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ لَهُ قَرِيبٌ، أَوْ حَمِيمٌ، ذُو حَاجَةٍ وَخَلَّةٍ، وَلَيْسَ هُوَ مَعَ هَذَا مِمَّنْ عَوْلُهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، فَحَضَرَتْهُ نِيَّةٌ فِي ضَمِّهِ إِيَّاهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَخَلْطِهِ بِعِيَالِهِ تَطَوُّعًا، ثُمَّ إِنَّ نِيَّتَهُ حَالَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَصَارَ إِلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ نَفَقَتِهِ حَتَّى عَادَ إِلَى حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَى أَنْ يُنِيلَهُ مِنْ زَكَاتِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ بِالْأَجْنَبِيِّ، فَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا فِيمَا أَعْلَمُهُ مُجْزِيهِ، بَلْ قَرِيبُهُ أَسْعَدُ بِزَكَاتِهِ وَأَوْلَى فِيهَا مِنَ الْبَعِيدِ؛ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ لِذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ إِجَازَةِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ

باب إعطاء المرأة زوجها من صدقة مالها

§بَابُ إِعْطَاءِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا مِنْ صَدَقَةِ مَالِهَا

1877 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: §انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصُّبْحِ، فَأَتَى النِّسَاءَ،: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَوَاقِصِ عُقُولٍ قَطُّ وَلَا دِينٍ أَذْهَبَ لِقُلُوبِ ذِي الْأَلْبَابِ مِنْكُنَّ، وَإِنَّنِي أُرِيتُ أَنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَقَرَّبْنَ إِلَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُنَّ» قَالَ: وَكَانَ فِي النِّسَاءِ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَانْقَلَبَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا سَمِعَتْ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَتْ حُلِيًّا لَهَا، فَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبِينَ بِهَذَا الْحُلِيِّ؟ فَقَالَتْ: أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ لَا يَجْعَلَنِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَقَالَ: هَلُمِّي، فَتَصَدَّقِي بِهِ عَلَيَّ وَعَلَى وَلَدِي، فَإِنَّا لَهُ مَوْضِعٌ. فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى أَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَذَهَبَتْ تَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ زَيْنَبُ تَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ هِيَ؟ قَالُوا: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهَا. فَدَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ مَقَالَةً، فَرَجَعْتُ بِهَا إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرْتُهُ، وَأَخَذْتُ حُلِيِّي أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ؛ -[699]- رَجَاءَ أَنْ لَا يَجْعَلَنِي اللَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ: تَصَدَّقِي بِهِ عَلَيَّ وَعَلَى وَلَدِي، فَإِنَّا لَهُ مَوْضِعٌ، فَقُلْتُ: حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقِي بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى بَنِيهِ، فَإِنَّهُمْ لَهُ مَوْضِعٌ» . ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَا سَمِعْتُ مِنْكَ حِينَ وَقَفْتَ عَلَيْنَا، فَقُلْتَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ نَوَاقِصِ عُقُولٍ قَطُّ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِقُلُوبِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْكُنَّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعُقُولِنَا؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنْ نُقْصَانِ دِينِكُنَّ فَالْحَيْضَةُ الَّتِي تُصِيبُكُنَّ، تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَمْكُثَ لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ، فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِكُنَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنْ نُقْصَانِ عُقُولِكُنَّ فَشَهَادَتُكُنَّ، إِنَّمَا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ 1878 - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَوَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ. -[700]- 1879 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ رَيْطَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: قَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَلَا لِوَلَدِي. فَقَالَ: إِنَّ لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: مَا رَأَيْتُ مِنَ نَوَاقِصِ عُقُولٍ. . . . إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. 1880 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْمَحْفُوظُ عِنْدَنَا هُوَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ الْوَلَدَ لِعَبْدِ اللَّهِ دُونَ الْمَرْأَةِ، كَالَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُعْطِيَ الْوَالِدَانِ وَلَدَهُمَا مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ أَعْلَمُهُ. 1881 - وَأَمَّا إِعْطَاءُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا مِنَ الزَّكَاةِ، فَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَرَى ذَلِكَ غَيْرَ مُجْزِيهَا، يُشَبِّهُهُ بِإِعْطَائِهِ إِيَّاهَا مِنْ زَكَاتِهِ. وَهُمَا عِنْدَنَا مُفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ وَالنَّظَرِ جَمِيعًا. 1882 - وَأَمَّا النَّظَرُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، وَلَيْسَتْ تُجْبَرُ هِيَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَأَيُّ اخْتِلَافٍ أَشَدُّ تَفَاوُتًا مِنْ هَذَيْنِ؟ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا الْمُفَرِّقُ بَيْنَ كُلِّ مَنْ يُعْطِيهِ الرَّجُلُ مِنْ زَكَاتِهِ، وَمَنْ لَا يُعْطِيهِ، أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَتُهُ وَعَوْلُهُ، فَلَا حَظَّ لَهُ فِي زَكَاتِهِ، وَمَنْ خَلَتْ لَهُ زَكَاتُهُ كَانَ غَيْرَ مَفْرُوضٍ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ. 1883 - وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ مُجْبَرٌ عَلَى كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا بِهِ زَمَانَةٌ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يَرَوْنَهُمْ مَوْضِعًا لِزَكَاتِهِ، مَا خَلَا الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ. -[702]- 1884 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْقَوْلُ الَّذِي نَخْتَارُهُ مِنْ هَذَا مَا قَالَ أُولَئِكَ، أَنَّ فَرْضَ النَّفَقَةِ وَإِعْطَاءَ الزَّكَاةِ لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَحَدٍ فِي مَالِ أَحَدٍ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ أَصْلًا فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا أَقَارِبُهُ هَؤُلَاءِ فُقَرَاءُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، تَجِبُ حُقُوقُهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ وَالصَّدَقَةِ، فَأَمَّا فِي خَاصَّةِ مَالِ الرَّجُلِ فَلَا، إِلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِصِلَتِهِمْ، وَيُحَضُّ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ قَاطِعًا لِرَحِمِهِ فِي تَرْكِهَا مِنْ غَيْرِ إِجْبَارٍ فِي حُكْمٍ، إِلَّا الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ وَالزَّوْجَةَ وَالْمَمْلُوكَ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمُؤْنَتِهِمْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ مِنْهُ النَّفَقَةَ دُونَ الزَّكَاةِ، وَمَنْ وَرَاءَ هَؤُلَاءِ مِنْ أَقَارِبِهِ يَسْتَحِقُّونَ الزَّكَاةَ دُونَ النَّفَقَةِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ

باب تعجيل الصدقة، وإخراجها قبل أوانها

§بَابُ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ، وَإِخْرَاجِهَا قَبْلَ أَوَانِهَا

1885 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَتَى الْعَبَّاسَ يَسْأَلُهُ صَدَقَةَ مَالِهِ، فَقَالَ: قَدْ عَجَّلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ. فَرَفَعَهُ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «صَدَقَ عَمِّي، قَدْ §تَعَجَّلْنَا مِنْهُ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ» -[703]- قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ هُشَيْمٌ يَزِيدُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ حُدِّثْتُ بِذَلِكَ عَنْهُ، وَلَا أَحْفَظُهُ مِنْهُ

1886 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثُونَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ»

1887 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: §أَأُخْرِجُ زَكَاةَ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ ضَرْبَةً؟ فَلَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا

1888 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ. 1889 - قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُمَا «كَانَا §لَا يَرَيَانِ بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَأْسًا، إِذَا وَجَدَ لَهَا مَوْضِعًا»

1890 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ كَانَ «§لَا يَرَى بِتَعْجِيلِهَا بَأْسًا، إِذَا وَجَدَ لَهَا مَوْضِعًا»

1891 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، قَالَ: §سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ قَبْلَ حِلِّهَا -[704]-، فَقَالَ: «قَدِّمْ، وَلَا تُؤَخِّرْ»

1892 - وَعَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: " §أُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِي فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ سَنَتَيْنِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا هِيَ الْمَعْمُولُ بِهَا عِنْدَنَا، أَنَّ تَعْجِيلَهَا يَقْضِي عَنْهُ، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مُحْسِنًا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا ارْتَابَ بِهِ غَيْرَ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلَكِنْ إِمْسَاكٍ عَنْهُ. 1893 - وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرَاهُ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَيُشَبِّهُهُ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ

1894 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ §سُئِلَ عَنْ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَى وَقُوفَ مَنْ وَقَفَ فِي هَذَا أَنَّهُ أَشْبَهَ الزَّكَاةَ بِالصَّلَاةِ، إِذْ كَانَتْ لَا تَجُوزُ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ. وَالَّذِي عِنْدَنَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا أَوْقَاتٌ وَحُدُودٌ مَعْلُومَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحَدِّثُهُ عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ أَمَّهُ فِيهَا، وَحَدَّهَا لَهُ، فَلَيْسَتْ تُتَعَدَّى تِلْكَ الْأَوْقَاتُ بِتَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ؟ 1895 - وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَقَّتَ لِلزَّكَاةِ يَوْمًا مِنَ الزَّمَانِ مَعْلُومًا، إِنَّمَا أَوْجَبَهَا فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ تَخْتَلِفُ عَلَيْهِمُ اسْتِفَادَةُ الْمَالِ، فَيُفِيدُ الرَّجُلُ نِصَابَ الْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ -[705]-، وَيَمْلِكُهُ الْآخَرُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَيَكُونُ لِلثَّالِثِ فِي الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُمَا، ثُمَّ شُهُورُ السَّنَةِ كُلُّهَا. وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الزَّكَاةُ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي اسْتَفَادَهُ فِيهِ مِنْ قَبْلُ، فَاخْتَلَفَتْ أَوْقَاتُهُمْ فِي مَحِلِّ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ؛ لِاخْتِلَافِ أَصْلِ الْمِلْكِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلزَّكَاةِ يَوْمٌ مَعْلُومٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّمَا وُجُوبُهَا عَلَى النَّاسِ مَعًا فِي مِيقَاتٍ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا أَفْتَتِ الْعُلَمَاءُ بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مَحِلِّهَا، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، مَعَ الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمِّهِ الْعَبَّاسِ. 1896 - وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَعَلَيْهِ النَّاسُ، إِلَّا مَا ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ. 1897 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُهَا إِذَا رَأَى ذَلِكَ الْإِمَامُ فِي صَدَقَةِ الْمَوَاشِي، لِلْأَزْمَةِ تُصِيبُ النَّاسَ، فَتَجْدِبُ لَهَا بِلَادُهُمْ، فَيُؤَخِّرُهَا عَنْهُمْ إِلَى الْخِصْبِ، ثُمَّ يَقْضِيهَا مِنْهُمْ بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، كَالَّذِي فَعَلَهُ عُمَرُ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ. وَقَدْ يُؤْثَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ فِيهِ حُجَّةٌ لِعُمَرَ فِي صَنِيعِهِ ذَلِكَ

1898 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: §أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَلْمِزُ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَتَصَدَّقُوا. قَالَ: فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَذَّبَ عَنِ اثْنَيْنِ، عَنِ الْعَبَّاسِ وَخَالِدٍ، وَصَدَّقَ عَلَى ابْنِ جَمِيلٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا نَقَمَ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَإِنَّهُمْ يَظْلِمُونَ خَالِدًا، إِنَّ خَالِدًا قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - -[706]- وَقَالَ غَيْرُهُ: وَعَتَادَهُ - قَالَ: وَأَمَّا الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَزِيدُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. كَذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَصَدَقْتُهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا - يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَخَّرَهَا عَنْهُ، ثُمَّ جَعَلَهَا دَيْنًا عَلَيْهِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ، فَهُوَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَدْ تَعَجَّلَ زَكَاتَهُ مِنْهُ، وَفِي هَذَا أَنَّهُ أَخَّرَهَا عَنْهُ، وَلَعَلَّ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا قَدْ كَانَا. 1899 - وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَأَمَّا صَدَقَةُ الْعَبَّاسِ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا. فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظَ، فَهُوَ مِثْلُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ يَزِيدَ وَهُشَيْمٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا فِي تَعْجِيلِهَا قَبْلَ حِلِّهَا، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ، إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَحُسْنِ النَّظَرِ مِنَ الْإِمَامِ. فَهَذَا مَا فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ مِنَ الْعِلْمِ. 1900 - وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَالِدٍ أَنَّهُ قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِيهِ ثَلَاثَ سُنَنٍ. إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهَا تَمْثُلُ قِصَّةَ الْعَبَّاسِ فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عِنْدَ انْصِرَافِ السَّاعِي إِلَيْهِ -[707]-، فَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُبْعَثُ السُّعَاةُ مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَبِلَ الْأَدْرَاعَ وَالْأَعْبُدَ عِوَضًا مِنَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْعَبِيدَ وَالدُّرُوعَ لَا زَكَاةَ فِيهَا، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَهَا مَكَانَ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي، أَوْ غَيْرِهَا، كَالَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا هَذَا، كَأَخْذِ الْمَالِ مَكَانَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَأَصْلَحَ لِلْمَأْخُوذِ لَهُ. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ جَعَلَ صَدَقَتَهُ كُلَّهَا فِي سَبِيلٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْهَا فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَسَّنَهُ، كَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَفْعِهِ إِيَّاهَا مَرَّةً إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَأُخْرَى إِلَى الْغَارِمِينَ، وَثَالِثَةً إِلَى الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَهَذِهِ رَابِعَةٌ فِي السَّبِيلِ، وَكَذَلِكَ الْأَصْنَافُ كُلُّهَا

باب قسم الصدقة في بلدها، وحملها إلى بلد سواه، ومن أولى بأن يبدأ به منها

§بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَةِ فِي بَلَدِهَا، وَحَمْلِهَا إِلَى بَلَدٍ سِوَاهُ، وَمَنْ أَوْلَى بِأَنْ يُبْدَأَ بِهِ مِنْهَا

1901 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§تُقْسَمُ الصَّدَقَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَلَى الْمَاءِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا نَظَرَ إِلَى أَقْرَبِ الْمِيَاهِ إِلَيْهِمْ، فَقَسَمَهَا فِيهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ»

1902 - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ §ضَعُوا شَطْرَ الصَّدَقَةِ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي فِي مَوَاضِعِهَا - وَابْعَثُوا إِلَيَّ بِشَطْرِهَا. قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ أَنْ ضَعُوهَا كُلَّهَا

1903 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ «§كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُخْرَجَ الزَّكَاةُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، إِلَّا لِذِي قَرَابَةٍ» 1904 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَ ذَلِكَ

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، قَالَ: §حَمَلْتُ زَكَاةَ مَالِي لِأَقْسِمَهَا بِمَكَّةَ، فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: «ارْدُدْهَا، فَاقْسِمْهَا فِي بَلَدِكَ»

1906 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، §أَنَّ زَكَاةً حُمِلَتْ مِنَ الرَّيِّ إِلَى الْكُوفَةِ، فَرَدَّهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الرَّيِّ

1907 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: §اسْتَعْمَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ طَاوُسًا عَنْ مِخْلَافٍ، فَكَانَ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ فَيَضَعُهَا فِي الْفُقَرَاءِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ: ارْفَعْ حِسَابَكَ. فَقَالَ: «مَالِي حِسَابٌ، كُنْتُ آخُذُ مِنَ الْغَنِيِّ، فَأُعْطِيهِ الْمِسْكِينَ»

1908 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: «§أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِكَذَا، وَأُوصِيهِ بِكَذَا، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ، أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، فَيَرُدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ»

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّتِهِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ، قَالَ: " فَإِذَا أَقَرُّوا لَكَ بِذَلِكَ فَقُلْ لَهُمْ: §إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِكُمْ " قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَاذٍ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ 1910 - قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ الْحَنَّاطِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ: §إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا يَكْفِي للْفُقَرَاءِ، فَإِنْ جَاعُوا أَوْ عَرُوا أَوْ جُهِدُوا، فَبِمَنْعِ الْأَغْنِيَاءِ، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُحَاسِبَهُمْ وَيُعَذِّبَهُمْ 1911 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْعُلَمَاءُ الْيَوْمَ مُجْمِعُونَ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا أَنَّ أَهْلَ -[710]- كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، أَوْ مَاءٍ مِنَ الْمِيَاهِ، أَحَقُّ بِصَدَقَتِهِمْ، مَا دَامَ فِيهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ صَدَقَتِهَا، حَتَّى يَرْجِعَ السَّاعِي وَلَا شَيْءَ مَعَهُ مِنْهَا. بِذَلِكَ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ مُفَسَّرَةً

1912 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَلَّادٌ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ " لَمْ يَزَلْ بِالْجُنْدِ، إِذْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، فَرَدَّهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاذٌ بِثُلُثِ صَدَقَةِ النَّاسِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَقَالَ: «§لَمْ أَبْعَثْكَ جَابِيًا وَلَا آخِذَ جِزْيَةٍ، وَلَكِنْ بَعَثْتُكَ لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ فَتَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ» . فَقَالَ مُعَاذٌ: «مَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِشَيْءٍ وَأَنَا أَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنِّي» . فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّانِي بَعَثَ إِلَيْهِ شَطْرَ الصَّدَقَةِ، فَتَرَاجَعَا بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّالِثُ بَعَثَ إِلَيْهِ بِهَا كُلِّهَا، فَرَاجَعَهُ عُمَرُ بِمِثْلِ مَا رَاجَعَهُ قَبْلُ، فَقَالَ مُعَاذٌ: «مَا وَجَدْتُ أَحَدًا يَأْخُذُ مِنِّي شَيْئًا»

1913 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، §أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مُعَاذًا سَاعِيًا عَلَى بَنِي كِلَابٍ، أَوْ عَلَى بَنِي سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ، فَقَسَمَ فِيهِمْ حَتَّى لَمْ يَدَعْ شَيْئًا، حَتَّى جَاءَ مَجْلِسَهُ الَّذِي خَرَجَ بِهِ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ مَا جِئْتَ بِهِ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْعُمَّالُ مِنْ عُرَاضَةِ أَهْلِيهِمْ؟ فَقَالَ: كَانَ مَعِي ضَاغِطٌ. فَقَالَتْ: قَدْ كُنْتَ أَمِينًا عِنْدَ -[711]- رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، أَفَبَعَثَ عُمَرُ مَعَكَ ضَاغِطًا؟ فَقَامَتْ بِذَلِكَ فِي نِسَائِهَا، وَاشْتَكَتْ عُمَرَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَدَعَا مُعَاذًا، فَقَالَ: أَنَا بَعَثْتُ مَعَكَ ضَاغِطًا؟ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَعْتَذِرُ بِهِ إِلَيْهَا إِلَّا ذَلِكَ. قَالَ: فَضَحِكَ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُ شَيْئًا، وَقَالَ: أَرْضِهَا بِهِ 1914 - قَالَ: قَالَ حَجَّاجٌ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَقُولُ: إِنَّ قَوْلَهُ: ضَاغِطًا، يَعْنِي بِهِ رَبَّهُ

1915 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْ هَذَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: خَرَجَ سَعْدٌ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: «أَيْنَ تُرِيدُ؟» فَقَالَ: الْجِهَادَ. فَقَالَ: «ارْجِعْ، فَإِنَّ عَمَلًا بِالْحَقِّ جِهَادٌ حَسَنٌ» . فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: «§إِذَا مَرَرْتُمْ بِصَاحِبِ الْمَالِ فَلَا تَنْسَوُا الْحَسَنَةَ، وَلَا تُنْسُوهَا صَاحِبَهَا، وَفَرِّقُوا الْمَالَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فَخَيِّرُوا صَاحِبَ الْمَالِ ثُلُثًا، ثُمَّ اخْتَارُوا مِنْ أَحَدِ الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ ضَعُوهَا فِي كَذَا وَفِي كَذَا» قَالَ: أُمُورٌ وَصَفَهَا قَالَ سَعْدٌ: وَكُنَّا نَخْرُجُ لِنَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَمَا نَرْجِعُ إِلَّا بِسِيَاطِنَا 1916 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تُثْبِتُ أَنَّ كُلَّ قَوْمٍ أَوْلَى بِصَدَقَتِهِمْ حَتَّى يَسْتَغْنُوا عَنْهَا، وَنَرَى اسْتِحْقَاقَهُمْ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ، إِنَّمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ لِحُرْمَةِ الْجِوَارِ، وَقُرْبِ دَارِهِمْ مِنْ دَارِ الْأَغْنِيَاءِ. -[712]- 1917 - فَإِنْ جَهِلَ الْمُصَدِّقُ، فَحَمَلَ الصَّدَقَةَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ سِوَاهُ، وَبِأَهْلِهَا فَقْرٌ إِلَيْهَا، رَدَّهَا الْإِمَامُ إِلَيْهِمْ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَمَا أَفْتَى بِهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، إِلَّا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنَ تَرَخَصَّا فِي الرَّجُلِ يُؤْثِرُ بِهَا قَرَابَتَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا لِلْإِنْسَانِ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ، فَأَمَّا صَدَقَاتُ الْعَوَامِّ الَّتِي تَلِيهَا الْأَئِمَّةُ فَلَا. وَمِثْلُ قَوْلِهِمَا حَدِيثُ أَبِي الْعَالِيَةِ

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّهُ «§كَانَ يَحْمِلُ زَكَاتَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا نَرَاهُ خَصَّ بِهَا إِلَّا أَقَارِبَهُ أَوْ مَوَالِيَهُ. 1919 - فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْإِمَامُ بِحَاجَةِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَقْسِمَهَا فِي غَيْرِهِمْ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ عُمَّالِهِ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ هُوَ بَعْدُ، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَضْعَفَ الصَّدَقَةَ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ قَابِلٍ

1920 - قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَيْرَ بْنَ سَلَمَةَ الدُّؤَلِيَّ، يَذْكُرُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ أَخْبَرَ عُمَيْرًا مَنْ كَانَ مَعَ عُمَرَ قَالَ: مَعَ أَنَّ عُمَيْرًا قَدْ كَانَ شَيْخًا قَدِيمًا قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ نِصْفَ النَّهَارِ قَائِلٌ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، وَإِذَا أَعْرَابِيَّةٌ، فَتَوَسَّمَتِ النَّاسَ فَجَاءَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ مِسْكِينَةٌ، وَلِي بَنُونَ، وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَاعِيًا، فَلَمْ يُعْطِنَا، فَلَعَلَّكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَنْ تَشْفَعَ لَنَا إِلَيْهِ. قَالَ -[713]-: فَصَاحَ بِيَرْفَأَ أَنِ ادْعُ لِي مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ. فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَنْجَحُ لِحَاجَتِي أَنْ تَقُومَ مَعِي إِلَيْهِ. فَقَالَ: إِنَّهُ سَيَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَجَاءَهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ: أَجِبْ. فَجَاءَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَاسْتَحْيَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا آلُو أَنْ أَخْتَارَ خِيَارَكُمْ، كَيْفَ أَنْتَ قَائِلٌ إِذَا سَأَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذِهِ؟ فَدَمَعَتْ عَيْنَا مُحَمَّدٍ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: §إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَدَّقْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ، فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، فَجَعَلَ الصَّدَقَةَ لِأَهْلِهَا مِنَ الْمَسَاكِينِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَعَمِلَ بِسُنَّتِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَنِي، فَلَمْ آلُ أَنْ أَخْتَارَ خِيَارَكُمْ، إِنْ بَعَثْتُكَ فَأَدِّ إِلَيْهَا صَدَقَةَ الْعَامِ وَعَامَ أَوَّلَ، وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَبْعَثُكَ. ثُمَّ دَعَا لَهَا بِجَمَلٍ فَأَعْطَاهَا دَقِيقًا وَزَيْتًا، وَقَالَ: خُذِي هَذَا حَتَّى تَلْحَقِينَا بِخَيْبَرَ، فَإِنَّا نُرِيدُهَا. فَأَتَتْهُ بِخَيْبَرَ، فَدَعَا لَهَا بِجَمَلَيْنِ آخَرَيْنَ، وَقَالَ: خُذِي هَذَا، فَإِنَّ فِيهِ بَلَاغًا حَتَّى يَأْتِيَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ يُعْطِيَكِ حَقَّكِ لِلْعَامِ وَعَامَ أَوَّلَ 1921 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: نَظَرَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى رَجُلٍ نَائِمٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَأَخَذَتْ بِبَعْضِ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ، فَاسْتَيْقَظَ بِهَا، فَقَالَ: مَا لَكِ؟ فَقَصَّتْ عَلَيْهِ قِصَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَيْهِ، فَقُولِي لَهُ: هَذَا الرَّجُلُ يَدْعُوكَ. فَقَالَتْ لَهُ: لَيْسَ هَكَذَا يَقُولُ الشَّفِيعُ. فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَيْهِ، فَقُولِي كَمَا أَقُولُ لَكَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي. قَالَ: فَتَخَلَّلَتِ الْقَوْمَ حَتَّى لَقِيَتْهُ، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَوَثَبَ وَاتَّبَعَتْهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَى عُمَرَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ -[714]- 1922 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ جَاءَتْ مَعَ هَذَا أَحَادِيثُ فِيهَا دَلَائِلُ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي حَمْلِهَا مِنْ بَلَدِهَا إِلَى غَيْرِهِ، كَحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ فِي الْحَمَالَةِ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ. فَرَأَى إِعْطَاءَهُ إِيَّاهَا مِنْ صَدَقَاتِ الْحِجَازِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، وَرَأَى حَمْلَهَا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ إِلَى أَهْلِ الْحِجَازِ. 1923 - وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ حِينَ حَمَلَ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي أَيَّامِ الرِّدَّةِ. 1924 - وَمِثْلُهُ حَدِيثُ عُمَرَ حِينَ قَالَ لِابْنِ أَبِي ذُبَابٍ وَبَعْثَهُ بَعْدَ عَامِ الرَّمَادَةِ، فَقَالَ: اعْقِلْ عَلَيْهِمْ عِقَالَيْنِ، فَاقْسِمْ فِيهِمْ أَحَدَهُمَا، وَائْتِنِي بِالْآخَرِ. 1925 - وَكَذَلِكُ حَدِيثُ مُعَاذٍ حِينَ قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذْهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَحْمَلٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ فَضْلًا عَنْ حَاجَتِهِمْ، وَبَعْدَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهَا، كَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ

1926 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] قَالَ: الْفَضْلُ عَنِ الْغِنَى

باب الرجل يخرج الصدقة فتضيع، أو يدفعها إلى غني وهو لا يشعر

§بَابُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ فَتَضِيعُ، أَوْ يَدْفَعُهَا إِلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ

1927 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي §الرَّجُلِ يُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِهِ، فَتَضِيعُ، قَالَ: «لَا نَرَاهَا إِلَّا عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا»

1928 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي ذَلِكَ، 1929 - قَالَ: «§مَا أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ، لِيُعِدْ»

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§لَا تُجْزِئُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا، مَا أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ، لِيُعِدْ»

1930 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، أَوْ حَمَّادٍ - شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ - قَالَ: «§لَا تُجْزِئُ عَنْهُ»

1931 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّصْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: §سَأَلْتُ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «يُعِيدُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ

1932 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، §فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ زَكَاةَ مَالِهِ لِيَقْسِمَهَا لَهُ، فَضَاعَتْ مِنْهُ، قَالَ: «تُجْزِئُهُ»

1933 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «§إِذَا عَزَلَهَا عَنْ مَالِهِ فَقَدْ أَجْزَتْهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْقَوْلُ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْأَوَّلُ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِإِبْرَاهِيمَ، وَالْحَكَمِ، وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهَا غَيْرُ مُجْزِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ أَدَاءُ الصَّدَقَةِ إِلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ إِلَى الْإِمَامِ، وَإِنَّ الْمُضَيِّعَ غَيْرُ مُؤَدٍّ لِمَا لَزِمَهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] ، وَإِنَّ هَذَا لَمْ يُؤْتِهِمْ شَيْئًا. فَهَذَا مَا فِي التَّضْيِيعِ. وَأَمَّا الَّذِي يَدْفَعُهَا إِلَى غَنِيٍّ

1934 - فَإِنَّ هُشَيْمًا حَدَّثَنَا، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، §فِي رَجُلٍ أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ رَجُلًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فَقِيرٌ، فَإِذَا هُوَ غَنِيُّ، قَالَ: «قَدْ أَجَزْتُهُ» 1935 - قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَ ذَلِكَ 1936 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَالَ قَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَأَظُنُّ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا شَبَّهُوهَا بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَهَا الَّذِينَ رَأَوْهَا كَالصَّلَاةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَشَبَّهَهَا الْآخَرُونَ بِالصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ طَهُورٍ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. 1937 - وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهَا بِأَمْرِ الْقِبْلَةِ أَشْبَهُ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ هَذَا -[717]- الْبَابُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا إِلَّا التَّحَرِّي، فَإِذَا تَعَمَّدُوا مَوَاضِعَهَا فَقَدْ أَدُّوا فَرْضَهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُغَيَّبَةٌ عَنْهُمْ. 1938 - وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَتَيَاهُ يَسْأَلَانِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ. فَدَيَّنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَبِلَ ادِّعَاءَهُمَا الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ، إِذْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ غِنَاهُمَا، وَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُهُ إِلَّا ذَلِكَ، فَهَكَذَا كُلُّ مُتَصَدِّقٍ

باب سهم الفقراء والمساكين من الصدقة، والفصل بينهما في التأويل

§بَابُ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَالْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فِي التَّأْوِيلِ

1939 - قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] قَالَ: كَانَ يُقَالَ: «هُمُ الْمُهَاجِرُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

1940 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: «§الْفُقَرَاءُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْمَسَاكِينُ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا»

1941 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§الْفُقَرَاءُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْمَسَاكِينُ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا»

1942 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§الْفُقَرَاءُ -[718]- فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَسَاكِينُ الطَّوَّافُونَ»

1943 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «§الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ»

1944 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: «§الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ»

1945 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «§الْفَقِيرُ الضَّعِيفُ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْتَطْعِمُ»

1946 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَذَا أَفْضَلُ مَا بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَقَدْ فَصَلَتِ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا بَيْنَ الْقَانِعِ، وَالْمُعْتَرِ، وَالْبَائِسِ، وَالْفَقِيرِ. وَهُمْ جَمِيعًا أَهْلُ الصَّدَقَةِ وَالْإِطَعَامِ

1947 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] قَالَ: «هُمَا سَوَاءٌ»

1948 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «§الْفَقِيرُ الضَّعِيفُ، وَالْبَائِسُ الْمُضْطَرُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْسُ، وَالْقَانِعُ الطَّامِعُ»

1949 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي {§الْقَانِعِ وَالْمُعْتَرِّ} [الحج: 36] قَالَ: «أَحَدُهُمَا السَّائِلُ، وَالْآخَرُ الْجَارُ»

1950 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «§الْقَانِعُ الَّذِي يَسْأَلُ - أَوْ فَإِنْ يَسْأَلْكَ - وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَزُورُكَ»

1951 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «§الْقَانِعُ جَارُكَ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُ»

1952 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§الْقَانِعُ الَّذِي يَقْنَعُ لِلرَّجُلِ فَيَسْأَلُهُ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُ»

1953 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «§الْقَانِعُ الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ يَسْأَلُهُمْ»

باب سهم العاملين على الصدقة والمؤلفة قلوبهم

§بَابُ سَهْمِ الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

1954 - قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ -[720]-: «§الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْحَقِّ كَالْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ»

1955 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عُمَرَ الْمَعَافِرِيِّ، عَمَّنْ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: «§بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعِيًا، فَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ نَأْكُلَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَذِنَ لَنَا»

1956 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ حَدَّثَهُ §أَنَّ ابْنَ أَبِي رَبِيعَةَ أَتَى بِصَدَقَاتٍ سَعَى عَلَيْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ خَرَجَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَرَّبَ لَهُمْ عُمَرُ تَمْرًا، فَأَكَلُوا، وَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَأْكُلَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: وَاللَّهِ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّا لَنَشْرَبُ مِنْ أَلْبَانِهَا، وَنُصِيبُ مِنْهَا. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكَ، إِنَّكَ تَتْبَعُ - أَوْ تَتَّبِعُ - أَذْنَابَهَا، وَتُصِيبُ مِنْهَا، فَلَسْتَ كَهَيْئَتِي»

1957 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ قَالَ: «§مَنْ سَعَى عَلَى الصَّدَقَاتِ بِأَمَانَةٍ وَعَفَافٍ، أُعْطِي عَلَى قَدْرِ مَا وَلِيَ وَجَمَعَ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَأَعْطَى عُمَّالَهُ الَّذِينَ سَعَوْا مَعَهُ عَلَى قَدْرِ وِلَايَتِهِمْ. وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَكُونُ رُبْعَ رُبْعِ هَذَا السَّهْمِ»

1958 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: «§لَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ» -[721]- 1959 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهَذَا عِنْدَنَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، لَا قَوْلُ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى تَوْقِيتِ الثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَحْدُودًا لَهُمْ، لَكَانَتْ حَالُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ كُلِّهَا كَحَالِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ عِنْدَنَا إِنَّمَا هُمْ وُلَاةٌ مِنْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، كَسَائِرِ الْعُمَّالِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْحُكَّامِ وَجُبَاةِ الْفَيْءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا لَهُمْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ سَعْيِهِمْ وَعِمَالَتِهِمْ، وَلَا يُبْخَسُونَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يُزَادُونَ عَلَيْهِ. فَهَذَا مَا فِي الْعَامِلِينَ. وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ

1960 - فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: §وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قَالَ: «الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ»

1961 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: " §هُمْ نَاسٌ كَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَطِيَّةِ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ "

1962 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «هُمْ §مَنْ يُفْرَضُ لَهُ مِنْ أَمْدَادِ النَّاسِ مِنْ أَوَّلِ عَطَاءٍ يُعْطَوْنَهُ، وَمَنْ يَغْزُو مُشْتَرِطًا الْإِعَطَاءَ لَهُ، وَهُمْ فُقَرَاءُ، وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُتَأَلَّفُونَ بِالْعَطِيَّةِ، وَلَا حِسْبَةَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ. ثُمَّ اخْتَلَفَتِ النَّاسُ بَعْدُ فِيمَنْ كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِمُ الْيَوْمَ. 1963 - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي دَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ -[722]- الْحَسَنُ، وَابْنُ شِهَابٍ، فَعَلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَاضٍ أَبَدًا. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ، لَا نَعْلَمُ لَهَا نَاسِخًا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. 1965 - فَإِذَا كَانَ قَوْمٌ هَذِهِ حَالُهُمْ، لَا رَغْبَةَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا لِلنَّيْلِ، وَكَانَ فِي رِدَّتِهِمْ وَمُحَارَبَتِهِمْ إِنِ ارْتَدُّوا ضَرَرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِزِّ وَالْأَنَفَةِ، فَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُرْضَخَ لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَعَلَ ذَلِكَ لِخِلَالٍ ثَلَاثٍ: إِحْدَاهُنَّ الْأَخْذُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالثَّانِيَةُ الْبُقْيَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَائِسٍ مِنْهُمْ إِنْ تَمَادَى بِهِمُ الْإِسْلَامُ أَنْ يَفْقَهُوهُ، وَتَحْسُنَ فِيهِ رَغْبَتُهُمْ

باب سهم الرقاب، والغارمين في الصدقة

§بَابُ سَهْمِ الرِّقَابِ، وَالْغَارِمِينَ فِي الصَّدَقَةِ

1966 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ أَبِي الْأَشْرَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ §كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فِي الْحَجِّ، وَأَنْ يُعْتِقَ مِنْهَا الرَّقَبَةَ»

1967 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§أَعْتِقْ مِنْ زَكَاةِ مَالِكَ»

1968 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ «كَانَ §لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ نَسَمَةً، فَيُعْتِقَهَا»

1969 - قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «أَنَّهُ §كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ»

1970 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «أَنَّهُ §كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مِيرَاثِهِ»

1971 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§يُعَانُ مِنْهَا فِي الرَّقَبَةِ، وَلَا يُعْتَقُ مِنْهَا»

1972 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «§لَا تُعْتِقْ مِنْ زَكَاةِ مَالِكَ؛ فَإِنَّهُ يَجُرُّ الْوَلَاءَ» 1973 - وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ كَرِهَهُ أَيْضًا

1974 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «§لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ فِي دَيْنِ مَيِّتٍ، وَلَا فِي كَفَنِهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فِي الْعِتْقِ يَكْرَهُونَهُ؛ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مِنْ جَرِّ الْوَلَاءِ وَالْمِيرَاثِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعْلَى مَا جَاءَنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَأَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ، وَقَدْ وَافَقَهُ الْحَسَنُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْمَذْهَبَ أَنَّ الْمُعْتِقَ - وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ مِيرَاثُ عَتِيقِهِ بِالْوَلَاءِ - فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَيْضًا أَنْ يَجْنِيَ جِنَايَاتٍ يَلْحَقُهُ وَقَوْمَهُ عَقْلُهَا، فَيَكُونَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. وَيَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يُجِزْ هَذَا أَنْ يَكْرَهَ صَدَقَةَ الرَّجُلِ عَلَى أَبَوَيْهِ، أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَقْرِبَائِهِ، خِيفَةَ أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطَى، فَتَرْجِعَ الصَّدَقَةُ إِلَى الْمُعْطِي فِي الْمِيرَاثِ. 1975 - وَسُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُ هَذَا الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي تَصَدَّقَ عَلَى أُمِّهِ بِأَرْضٍ، ثُمَّ مَاتَتْ، فَرَجَعَتِ الْأَرْضُ إِلَيْهِ فِي الْمِيرَاثِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَ أَجْرُكَ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ مَالُكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَتِ السَّعَةُ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُجُوعِ الصَّدَقَةِ بِعَيْنِهَا مِيرَاثًا، فَرُجُوعُ وِرَاثَةِ الْوَلَاءِ أَوْسَعُ وَأَحْرَى بِالْجَوَازِ. فَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعِتْقِ. 1976 - وَأَمَّا مَا قَالَ فِي الْحَجِّ، فَلَسْتُ أَدْرِي أَمَحْفُوظٌ ذَلِكَ عَنْهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ انْفَرَدَ بِذِكْرِهِ فِي حَدِيثِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ ثَبَتَ عَنْهُ، فَإِنَّا نَرَاهُ تَأَوَّلَ الْآيَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَجَعَلَ الْحَجَّ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ

كَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حِينَ تَأَوَّلَ الْآيَةَ فِي الْوَصِيَّةِ 1977 - وَسُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ أَوْصَتْ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ: §أَتُجْعَلُ فِي الْحَجِّ؟ فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ» سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمُعَاذًا يُحَدِّثَانِهِ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ النَّاسُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَفْتَى بِهِ أَنْ تُصْرَفَ الزَّكَاةُ إِلَى الْحَجِّ. 1978 - وَإِنَّمَا افْتَرَقَ هُوَ وَالْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَمًّى فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ -[725]- إِلَّا بِالتَّأَوُّلِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَهُوَ مُسَمًّى، وَهُوَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] . 1979 - فَمَنْ كَرِهَهُ تَأَوَّلَ أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي مَعُونَةِ الْمُكَاتَبِينَ، وَمَنْ رَخَّصَ فِيهِ جَعَلَ الْآيَةَ جَامِعَةً الْعِتْقَ وَالْمَعُونَةَ جَمِيعًا. 1980 - فَأَمَّا قَضَاءُ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَالْعَطِيَّةُ فِي كَفَنِهِ، وَبُنْيَانُ الْمَسَاجِدِ، وَاحْتِفَارُ الْأَنْهَارِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ، فَإِنَّ سُفْيَانَ وَأَهْلَ الْعِرَاقِ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئ مِنْ الزَكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ. 1981 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا افْتَرَقَ الْحَيُّ وَالْمَيِّتُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ غَارِمًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي أَدَانَهُ قَدْ تَحَوَّلَ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْوَارِثُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ وَفَاءً بِدَيْنِهِ كَانَ فِي مِيرَاثِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ دُونَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَلَيْسَ عَلَى وَارِثِهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ بِغَارِمٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ادَّانَ هَذَا الدَّيْنَ، وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْعُلَمَاءُ أَنْ لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ فِي دَيْنِ مَيِّتٍ. وَأَمَّا الْحَيُّ فَإِنَّهُ يُعْطَاهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. 1982 - أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] . 1983 - وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ حِينَ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ

باب سهم الغزاة في سبيل الله، وابن السبيل

§بَابُ سَهْمِ الْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ

1984 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إِلَّا لِخَمْسَةٍ: عَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ فَقِيرٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ، أَوْ غَازٍ، أَوْ مُغْرَمٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرْخَصَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَازِي أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا. وَنَرَاهَا تَأْوِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلِهِ: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] ، وَلَمْ نَسْمَعْ لِلْغُزَاةِ بِذِكْرٍ فِي الصَّدَقَةِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَعْلَمُهُ. وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ

1985 - فَإِنَّ مَرْوَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا، عَنْ حَلَّامِ بْنِ صَالِحٍ الْعَبْسِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ الْعَبْسِيِّ، قَالَ: §حَجَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي عَلَى بَعِيرَيْنِ، فَقَضَيْنَا نُسُكَنَا وَقَدْ أَدْبَرْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي حَجَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَقَضَيْنَا نُسُكَنَا، وَقَدْ أَدْبَرْنَا، فَبَلِّغْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحْمِلْنَا. فَقَالَ: «ائْتِنِي بِبَعِيرَيْكُمَا» . فَجِئْتُ، بِهِمَا، فَأَنَاخَهُمَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى دُبُرِهِمَا، ثُمَّ دَعَا غُلَامًا لَهُ يُقَالَ لَهُ عَجْلَانُ، فَقَالَ: «انْطَلِقْ بِهَذَيْنِ الْبَعِيرَيْنِ، فَأَلْقِهِمَا فِي نَعَمِ الصَّدَقَةِ بِالْحِمَى، وَائْتِنِي بِبَعِيرَيْنِ ذَلُولَيْنِ فَتِيَّيْنِ» -[727]-. قَالَ: فَجَاءَهُ بِهِمَا، فَقَالَ: «خُذَا هَذَيْنِ الْبَعِيرَيْنِ، فَاللَّهُ يَحْمِلُكُمَا وَيُبَلِّغُكُمَا، فَإِذَا بَلَغْتَ فَأَمْسِكْ، أَوْ بِعْ وَاسْتَنْفِقْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَلِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهَا حُكْمٌ سِوَى هَذَا

باب إعطاء أهل الذمة من الصدقة، وما يجزي من ذلك مما لا يجزي

§بَابُ إِعْطَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَمَا يُجْزِي مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُجْزِي

1986 - قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «§لَا تَصَدَّقْ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَلَا النَّصْرَانِيِّ، إِلَّا أَنْ لَا تَجِدَ مُسْلِمًا»

1987 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ نَصْرَانِيُّ، وَلَا يَهُودِيُّ، وَلَا مَجُوسِيُّ»

1988 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: §إِنَّ لَنَا أَظْآرًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَفَأَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: «أَمَّا مِنَ الزَّكَاةِ فَلَا»

1989 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «§لَا تَصَدَّقْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَعْطِهِمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ

1990 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «§لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنَ -[728]- الْوَاجِبِ حَقٌّ، وَلَكِنْ إِنْ شَاءَ الرَّجُلُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا كَرِهَتِ الْعُلَمَاءُ إِعْطَاءَهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ خَاصَّةً فِيمَا نَرَى لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَجَعَلَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةً لَهُمْ دُونَ سَائِرِ الْمِلَلِ، فَهَذَا هُوَ الْأَصْلِ فِيهِ وَلَهُ. وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ

1991 - قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كِدْتُ أُقْتَلُ بَعْدَكَ فِي عَنَاقِ أَوْ شَاةِ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَوْلَا أَنَّهَا تُعْطَى فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ مَا أَخَذْتُهَا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ إِنَّمَا هِيَ الزَّكَاةُ خَاصَّةً، فَأَمَّا غَيْرُ الْفَرِيضَةِ فَقَدْ نَزَلَ الْكِتَابُ بِالرُّخْصَةِ فِيهَا، وَجَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ

1992 - قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " §كَانَ نَاسٌ لَهُمْ أَنْسِبَاءُ وَقَرَابَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَكَانُوا يَتَّقُونَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ، وَيُرِيدُونَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272] "

1993 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§تَصَدَّقَ صَدَقَةً عَلَى أَهْلِ -[729]- بَيْتٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَهِيَ تُجْرَى عَلَيْهِمْ»

1994 - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §تَصَدَّقَتْ عَلَى ذَوِي قَرَابَةٍ لَهَا، فَهُمَا يَهُودِيَّانِ، فَبِيعَ ذَلِكَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا

1995 - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: «إِنَّ §لِي قَرَابَةً مُشْرِكًا، وَلِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَفَأَتْرُكُهُ لَهُ؟» قَالَ: «نَعَمْ، وَصِلْهُ»

1996 - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {§وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] قَالَ: «لَمْ يَكُنِ الْأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ حَمِدَ عَلَى إِطْعَامِ الْمُشْرِكِينَ

1997 - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: «§كَانُوا يَجْمَعُونَ إِلَيْهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَيُعْطِيهَا أَوْ يُعْطِي مِنْهَا الرُّهْبَانَ»

قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ «أَنَّهُمْ كَانُوا §يُعْطُونَ الرُّهْبَانَ مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَاهُمْ تَرَخَّصُوا فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الزَّكَاةِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ السُّنَّةِ

§1/1