الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أبو يعلى ابن الفراء

. . . . . . . بن منصور ومحمد بن أبي حرب والمروذي

وحنبل وأبو الصقر. وأما كسر أواني الخمر فقد نقل الأثرم وإبراهيم بن الحربي في زق

الخمر يحله فإن لم يقدر على حله يشقه (إن لم يقدر). وظاهر هذا أنه لا يجوز كسره مع القدرة على إراقته وقال في رواية المروذي في الرجل يرى مسكراً في قنينة، أو قربة يكسره، وظاهر هذا جواز الكسر. وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ما أمكن الانتفاع به في غير اللهو لا يجوز كسره وإذا كسره ضمنه. والدلالة عليه: ما روى على ابن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت يكسر المزامير والمعازف. وروى أبو أمامه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله بعثني رحمة، وهدى للعالمين، وأمرني أن أمحق المزامير، والمعازف، والخمور، والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية) لأنها في حكم الخمر، ألا ترى أنه لا يقطع بسرقتها

عندنا وعند أبي حنيفة. ولا يجوز أخذ العوض عليها ثم ثبت أن الخمر يجوز إراقتها ولا ضمان، كذلك ههنا. ولأنه إذا لم تتوصل إلى إتلاف الخمر إلا بإتلافها فيجب أن يسقط ضمانها كما قلنا في المشركين تترسوا بأطفال المسلمين ولم يتوصل إلى قتالهم ورميهم إلا بإصابة المسلمين لم يلزم الرامي الضمان، كذلك [ههنا]. ويفارق هذا إذا كان قادراً على إراقتها من غير كسر لأنه لا يمكنه إتلاف المنكر من غير

إتلاف ما هو في حكم المال ولهذا يقطع سارق الظرف ويجوز المعاوضة عليه ويفارق آلة اللهو لأنها ليست في حكم المال من الوجه الذي ذكرنا.

فصل في جواز قتال الرجل عن ماله

فصل يجوز للرجل أن يقاتل عن نفسه، وماله، لمن طلب ذلك. نص عليه في رواية الجماعة وظاهر كلام أحمد أن له ذلك في المال الكثير والقليل. قال في رواية أبي طالب في اللصوص إذا دخلوا على الرجل مكابرة يقاتلهم

لكن لا ينوي القتل فإن قتله فليس عليه شيء، وكذلك نقل بكر بن محمد عن أبيه عن أحمد: أرى أن يدفع الرجل عن ماله ويقاتل ولكن إذا ولى اللص لا يتبعه، وهو محارب يفعل به الإمام ما أحب. وكذلك في رواية عبدوس بن مالك العطار جائز أن يدفع عن نفسه، وماله بكل ما يقدر عليه، وليس له إذا فارقوه، وتركوه أن يطلبهم، ليس ذلك لأحد إلا الإمام، أو ولاة المسلمين. وكذلك قال في رواية صالح كل من عرض لك يريد مالك أو نفسك فلك أن

تدفع عن نفسك ومالك وكذلك قال في رواية أحمد بن الحسن الترمذي.

قاتلهم حتى تمنع عن نفسك ومالك. وكذلك نقل الميموني وأيوب بن إسحاق بن سافري و (أبو) الحرب. وأما قتاله عن حرمته وأهله فقد توقف أحمد في رواية علي بن سعيد في الرجل يقاتل دون حرمته وأهله فقد توقف أحمد في رواية علي بن سعيد في الرجل يقاتل دون حرمته وأهله ما أدي لم يبلغني فيه شيء. ونقل الجماعة عنه جواز ذلك. فقال في رواية الميموني.

وكذلك نقل أبو طالب وإبراهيم بن الحارث يقاتل دون حرمته. وكذلك نقل محمد بن داود .....

الظاهر من حاله أن اجتهاده يخالف ذلك. مثل أن يرى حنفياً رعف في صلاة ولم يتوضأ. أنكر عليه وإن جاز أن يختلف اجتهاده في ذلك. لأن الظاهر من حاله أنه باق على اجتهاده الأول. وأنه لو اختلف اجتهاده لأظهره لتنتفي عنه الظنة والشبهة. كما هو [الحال] فيمن وجدناه يأكل نهار رمضان أو يأكل طعام غيره أننا ننكر عليه وإن جاز أن يكون هناك عذر. لأنه لو كان لأظهره. فأما العامي. إذا رأيناه يفعل ما يسوغ فيه الاجتهاد نظرت، فإن علمنا من حاله أنه سأل من يسوغ اجتهاده لم ننكر عليه وإن لم نعلم من حاله ذلك أنكرنا عليه لأنه لا يجوز له العمل بما عنده. فعلى هذا لو قال لزوجته أنت خلية عند سؤالها

الطلاق، ثم أمسكها من غير سؤال منعناه، وأنكرنا عليه، لأنه يلزمه الرجوع إلى غيره في الرخصة، أو الحظر. وقد نقل الحسن بن ثواب والميموني عنه في الرجل يمر على القوم وهم يلعبون بالشطرنج ينهاهم، ويعظهم، وهذا محمول على ما ذكرنا وأن الفاعل له ليس من أهل الاجتهاد. ولا سأل عن ذلك من هو أهله. لأنه قد نقل عنه في رواية المروذي أنه قال: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على [مذاهبهم]. ولا يشدد عليهم. قال أبو بكر عبد العزيز فيما وجدته معلقاً على ظهر كتاب التنبيه:

حدثنا أبو بكر الخلال قال: حدثنا محمد بن علي قال: حدثني مهنا قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من أراد أن يشرب هذا النبيذ [ ...... ] فليشربه وحده.

فصل والأولى: أن يكون الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر من أهل السنن والعدالة والقبول عند الناس

فصل والأولى: أن يكون الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر من أهل السنن والعدالة والقبول عند الناس. لأنه إذا كان بهذه الصفة رهبه المأمور وربما استجاب إليه. ورجع إلى قوله. تعظيماً لله سبحانه، ولدينه، ولأن من هذه صفته، كلامه أوقع في النفوس وأقرب إلى القلوب. وإذا كان يخالف ما يأمر به وينهى عنه. قيل له مر

على نفسك وانهها. وربما صار ذلك ذريعة إلى الإيقاع به وقد قال سبحانه في صفة نبيه {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} وقد روى في تغليظ من نهي عن منكر وهو فاعله ما رواه أبو عبيد في كتابه بإسناده عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيقال له: مالك فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه.

قال أبو عبيد: القتب ما يكون في البطن من الحوايا. قال: وأما الأمعاء فإنها الأقصاب واحدها قصب. قال أبو عبيد: وأما قوله (فتندلق أقتاب بطنه) فإن الاندلاق خروج الشيء من مكانه أو كل شيء ندر خارجاً فقد اندلق. ومنه قيل للسيف: اندلق من جفنه إذا شقه حتى خرج منه. وليس هذا القول منعاً للفاسق من إنكار المنكر. بل يجب على الفاسق أن ينكر ما يرى من المنكر مع القدرة لما روى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به. وأنهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا". ولأن الفاسق إذا شاهد المنكر كان بمثابة من وجب عليه فرضان: التوبة، وإنكار المنكر، فإذا امتنع عن أحدهما وهو التوبة وأتى بالآخر وهو الأمر بالمعروف وجب أن نحكم بصحته كمن وجبت عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج. فأتى بأحدها وامتنع عن الآخر حكم بصحة ما أتى به.

فصل حكم الإنكار على السلطان

فصل فصل في وجوب الإنكار على السلطان إذا غصب وعطل الحدود وضرب الأبشار واستأثر بأموال الفيء والغنائم والأعشار فإنه يجب وعظه وتخويفه بالله تعالى، أما بالفتال وشهر السلاح عليه فلا يجوز ذلك وقد نص أحمد على هذا

في رواية حنبل قال اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواقف إلى أبي عبد الله. وقالوا: إن هذا الأمر قد تفاقم وفشا يعنون إظهار القول بخلق القرآن

وغير ذلك فلا نرضى بإمرته ولا سلطانه. فناظرهم في ذلك وقال: عليكم بالنكرة بقلوبكم ولا تخلعوا يد من طاعة. ولا تشقوا عصا المسلمين. ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم. وانظروا في عاقبة أمركم وأصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر؟ وقال: ليس هذا صواباً، هذا خلاف الآثار. وقال ابو بكر المروذي سمعت أبا عبد الله يأمر

بكف الدما وينكر الخروج إنكاراً شديداً. وقال أيضاً: في رواية إسماعيل بن سعيد: الكف لأنا نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم "ما صلوا فلا" فالظاهر من كلامه منع قتاله وإظهار السلاح عليه خلافاً للمتكلمين في قولهم يجوز قتالهم وإظهار السلاح عليهم والدلالة على منع ذلك

ما رواه أبو بكر الخلال بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر "إذا رأيت البناء قد بلغ سلعاً فاخرج من المدينة" ووجه بيده نحو الشام ولا أرى امراءك يدعونك. قال قلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي على عاتقي وأضرب به من حال بيني

وبين أمرك قال: لا ولكن إن أمر عليك عبد حبشي مجدع فاسمع له وأطلع" وروى في حديث آخر قال: كنت خلف رسول الله حين خرج من جانبي المدينة فقال: يا أبا ذر؛ إن رأيت الناس قتلوا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع قال قلت: الله ورسوله أعلم. قال تدخل بيتك قال قلت يا رسول الله فإن أتى علي أحمل السلاح؟ قال شاركت القوم. قلت: كيف أصنع يا رسول الله. قال إن خفت أن يهرك شعاع السيف فألق طائفة من ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه".

وروى أبو القاسم الصيرفي بإسناده عن أم سلمة قالت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون عليكم أئمة تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقيل يا رسول الله أفلا نقاتلهم، قال: لا ماصلوا.

ورواه أبو بكر ابن الأجري بإسناده عن يزيد بن سلمه الجعفي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن قامت علينا أمراء فسألونا حقهم ومنعوا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله الثانية أو الثالث فجذبه الأشعث بن قيس وقال: أسمعوا وأطيعوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم.

وروى زيد بن سلام عن أبي سلام قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بالخير، فهل وراء هذا من شر؟ قال: نعم، قال قلت فما وراء الشر خير؟ قال: نعم. ووراء ذلك مراراً قال: ثم يكون بعد أئمة لا يهتدون بهدى ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين. قال فما أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك. قال: تسمع وتطع الأمير الأعظم وإن ضرب ظهرك وإن أخذ مالك فاسمع وأطع" وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أطيعوا أمراءكم فيما كان. فإن أمروكم بشيء لم آمركم به فهو عليهم وأنتم منه براء. وإن أمروكم بشيء مما جئتكم به فأنتم مأجورون عليه. وتؤجرون بطاعتكم

ذلك. فأنكم إذا لقيتم الله قلتم ربنا لا ظلم، فيقولون ربنا أرسلت إلينا رسلاً فأطعناهم بإذنك واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم لك. فيقول صدقتم فهو عليهم. وأنتم منه برءاء، وروى عوف بن مالك الأشجعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم. وتلعنونهم ويلعنونكم. قلت يا رسول الله: أفلا ننابذهم قال: لا: ما أقاموا فيكم الصلاة. إلا من ولى عليه منكم وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فلينكر ما رأى من معصية الله ولا ينزل يداً من طاعة" وهذه الأخبار تدل على السمع والطاعة للأئمة وإن ظلموا وأمرنا بالصلاة خلفهم والجهاد معهم فإن

قيل: تحمل هذه الأخبار عليه إذا تحقق أنه لا يؤثر. فيهم إنكار قيل: النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلة في منع قتالهم إقامة الصلاة، وعلى قولك العلة فيه عدم التحقق من قبولهم، ولأنه منه من ذلك لئلا يخرج يداً من طاعة وعلى قولك العلة امتناع قبولهم. ولأن الكلام في هذه المسالة مبني على أصل وهو أن إمامته ثابته لم تزل بظهور الفسق منه وعندهم تزول، ويحصل

بمثابة غيره من الخوارج والبغاة، والدلالة على بقائها ما تقدم من الأخبار وهو الأمر بالطاعة لهم ما أقاموا الصلاة وهذا يدل على بقائها. واحتج المخالف بما رواه جابر بن عبد الله قال رسول الله (أفضل الشهداء عند الله حمزة بن عبد المطلب ثم رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتل)،

وروى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر). وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى من أميره شيئاً

يكره فليغيره. والجواب: أن هذا يدل على جواز وعظه وتخويفه ونحن لا نمنع وخلافاً في قتاله وإظهار السلاح عليه. واحتج: بما رواه ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استقيموا لقريش ما استقاموا لكم فإن لكم فاحملوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم). والجواب: أن مهنا قال سالت أحمد عن حديث ثوبان أطيعوا قريشاً ما

استقاموا لكم ... قال: ليس بصحيح. سالم ابن أبي الجعد لم يلق ثوبان، وعلى أنه محمول على أنهم إذا أمروا بفعل مالا يجوز فعله، مثل أن يأمروا بالقتل لمن لا يجوز قتله أو قطع يده أو أخذ ماله فههنا لا يجوز طاعته ويجب الامتناع عليه بجميع ما يقدر عليه من القتال وغيره ويشهد لصحة هذا التأويل ما

رواه أبو بكر الأجري بإسناده عن سويد بن غفلة قال قال عمر بن الخطاب: (لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام وإن كان عبدًا حبشيًا وإن ضربك فاصبر وإن حرمك فاصبر وإن دعاك إلى أمر معصية في دنياك فقل: سمعاً وطاعة دمي دون ديني) وتأوله ابن الأجري على ما ذكرنا واحتج بان البغاة إذا خرجوا

على الإمام جاز قتالهم مع الإمام وإشهار السلاح عليهم كذلك ههنا، والجواب: أن الفرق بينهما من وجهين أحدهما: الظاهر والثاني: المعنى. أما حمله على الظاهر فإن الله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين} إلى قوله: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي} وفي مسألتنا أمر بالكف عن الأئمة كالأخبار التي ذكرناها، والثاني: أن الخوارج يقاتلون بالإمام وفي مسألتنا يحصل قتالهم بغير الإمام فلم يجز كما لم يجز خروجهم إلى قتال المشركين بغير إمام، فان قيل فتجيزون قتال البغاة

إذا لم يكن هناك إمام قيل: نعم لأن الإمام إنما أبيح له قتالهم لمنع البغي والظلم وهذا موجود وإن لم يكن هناك إمام.

فصل شروط إنكار المنكر

فصل ومن شرائط انكار المنكر: العلم باستمرار الفاعل على الفعل المنكر. بأن يشاهد وقد فعل المنكر وهو مستمر عليه. فإما إن علمنا من حاله ترك الاستمرار على الفعل فلا يجوز إنكار ما وقع لأن [قصد] التعرض بالإنكار أن لا يقع المنكر. وذلك لا يتأتى من الأمر الواقع الذي لا يقدر على إزالته. فلم يبق إلا تغيير استمراره على المنكر. لأن الاستمرار له أمارة قوية وهو أنه يريد أن يفعله.

فصل شرط غلبة ظن زوال المنكر

فصل هل من شرط إنكار المنكر غلبة الظن أنه يؤثر في إزالة المنكر أم لا؟ أم لا. فيه روايتان. إحداهما أن من شرطه ذلك فإن لم يغلب في الظن ذلك لم يجب نص عليه في رواية حنبل في الرجل يري الرجل يعني يصلي لا يتم الركوع بالسجود ولا يقيم أمر صلاته يأمره بالإعادة. وأن يحسن صلاته. إن كان يظن أنه يقبل منه. أمره ووعظه حتى يحسن صلاته. وظاهر هذا أنه لم يلزمه ذلك إذا لم يعلم منه القبول.

وكذلك نقل اسحاق بن هانئ إذا صلى خلف من يقرأ بقراءة حمزة فإن كان يقبل منك فانهه، وفيه رواية أخرى أنه ليس من شرطه ذلك وانه يجب سواء غلب في الظن زواله أو لم يغلب، نص عليه في رواية أبي الحارث

وقد سأله عن الرجل يرى منكراً ويعلم أنه لا يقبل منه يسكت؟ فقال: إذا رأى المنكر فليغيره ما أمكنه. وظاهر هذا أنه لم يسقطه عنه. وجه الرواية الأولى: (وهو قول المتكلمين) ما روى أبو بكر من أصحابنا في كتاب الأدب بإسناده عن أبي جحيفة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً ذات يوم وقد أم قوماً يصنعون شيئاً يكرهه من كلام ولغط فقيل: يا رسول الله ألا تنهاهم؟ فقال: لو نهيتهم عن الحجون لأوشك بعضهم أن يأتيه وليس له حاجة) ولأنه انما يجب النهي عن المنكر لأمر يرجع إلى إزالة المنكر فإذا قوي في الظن أنه لا يزول بطل الغرض الذي لأجله وجب، فسقط. ولهذا المعنى سقط الإنكار على أهل الذمة في مقامهم على كفرهم لأنه قد غلب في الظن أنهم

لا يزولون عن دينهم. ووجه الثانية: أن طريق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السمع وليس فيه شرط غلبه الظن بزواله لأن ظواهر الآيات والأخبار في ذلك على العموم ولأن الظن لا يمنع من جواز زواله لأنه يجوز أن يرتدع بالإنكار ويرق قلبه ويرجع عما هو عليه. فأما الخبر فهو محمول على أنه كان في صدر الإسلام في الوقت الذي كان يعرف أحوال المنافقين فلا ينكر عليهم ويقرهم. وأما قولهم: (أن وجوبه يرجع إلى زواله) فلا نسلم بل نقول: الفرض الإنكار عليهم تعبد، أزال أو لم يزل. وأما أهل الكفر فلا يترك الإنكار عليهم إلا في الموضع الذي منع الشرع منه وهو بذل الجزية.

فصل من شرطه زوال الخوف على النفس

فصل ومن شرطه زوال الخوف على النفس. فمتى خاف على نفسه التلف إن نهى عن المنكر لم يجب. نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ وقد سأله متى يجب على الأمر قال: إذا لم تخف سيفاً ولا عصا. ونقل عنه أيضاً في موضع آخر أنه سأله متى يجب على الرجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: ليس هذا زمان نهي إذا غيرت بلسانك فإن لم تستطع فبقلبك وهو أضعف الإيمان ولا يتعرض للسلطان فإن سيفه مسلول. والدلالة على ذلك: قوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} فإذا أثر الخوف على النفس في وجوب (إظهار) الإيمان عليه. فبأن يؤثر في غيره أولى. وأيضا: ما روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليفعل فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه وذلك أضعف

الإيمان). ولأن في الواجبات الشرعية ما يؤثر الخوف في وجوبها، كالقيام في الصلاة والفطر في رمضان، ونحو ذلك جاز أن يؤثر في سقوط النهي عن المنكر لأنه من العبادات الشرعية، كذلك إذا وجد الرقبة بأكثر من ثمن مثلها.

فصل حكم الأمر إذا لم يخف على نفسه لكن خاف الضرب والحبس

فصل فإن لم يخف على نفسه لكن خاف الضرب والحبس وأخذ المال الذي لا يؤدي إلى التلف فظاهر كلام أحمد أنه يسقط عنه الأمر، والنهي، كالخوف على النفس لأنه قال في رواية أبي إبراهيم إذا لم يخف سيفاً ولا عصا. فأسقط عنه الخوف من العصا خلافاً للمعتزلة في قولهم: لا يسقط إذا أمن على نفسه

وإن خاف الضرب والحبس هو اختيار أبي بكر الباقلاني دليلنا: ما تقدم من الآية: والخبر وهو عام في النفس ما دونها وأيضا: فإن الضرر فيما دون النفس يجري مجرى الضرر في النفس في إسقاط العبادات. ألا ترى أن المريض إذا خاف الزيادة في المرض والتباطؤ في البرء جاز له الفطر والصلاة جالساً. وجاز له التيمم وكذلك إذا وجد الرقبة في الكفارة أو وجد الماء بأكثر من ثمن مثله لم يلزمه شراء ذلك لما عليه من الضرر في ماله. كذلك يجب أن يكون في باب الأمر والنهي كذلك، لأن ذلك عباده. ولأنه إذا جاز أن يقاتل

عن ماله كما يقاتل عن نفسه جاز أن يكون الخوف على ماله في إزالة المنكر كالخوف على نفسه وليس لهم أن يقولوا إنه يجوز أن يقاتل عن يسير ماله ولا يسقط النهي عن المنكر بأخذ اليسير لأنا لا نسلم هذا. واحتج المخالف بأنه لو خاف من المشركين أخذ المال والحبس لم يسقط القيام إلى الصلاة وإن خاف على نفسه سقط والجواب: إنا لا نسلم بهذا بل نقول: سقط عنه القيام إلى الصلاة عند الخوف على المال، فإن قيل: أليس قد أوجبتم عليه شراء الماء بأكثر من ثمن مثله. قيل: إنما أوجبنا ذلك إذا كانت الزيادة لا تجحف بماله. ولا يمتنع أن نقول مثله ههنا. فإن قيل: قد يتحمل فيما دون النفس مالا يتحمله في النفس، ألا ترى أنه يتحمل الألم بقطع يده في الأكلة وبط الجرح والفصاد ولا يتحمل مثل ذلك في النفس. قيل: إنما يتحمل ذلك

لينجي نفسه ولا يمكن بمثل هذا في النفس لأن تحمله يفضي إلى فوات نفسه على أنا قد بينا أن ما دون النفس لا يجب تحمله بدليل الزيادة في المرض في حق الصائم والمصلي.

فصل هل الأفضل الإنكار أو الترك مع الخوف

فصل وإذا ثبت سقوطه مع الخوف على النفس أو ما دون النفس فهل يحسن الإنكار ويكون أفضل من تركه؟ ظاهر كلام أحمد أنه يحسن ويكون أفضل من تركه. قال في كتاب المحنه في رواية حنبل: إن عرضت على السيف لا

أجيب. وقال فيها أيضاً: إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فما يتبين الحق وظاهر هذا أنه أجاز ذلك. وقال أيضا في رواية المروذي لما ذكر

محمد بن مروان. الذي صلب في الأمر بالمعروف ترحم عليه وقال: قد قضى ما عليه. وذكر ابن أبي خالد وكان قد عرف قصته واقدامه فقال: ذاك قد هانت نفسه عليه. وظاهر هذا أنه صوب فعلهم ورأيت بخط أبي بكر أحمد بن عثمان الكيشي؟ قال شيخنا ويغلب على أنه يعني أبا عبد الله بن بطة لأنه كان على ظهر كتاب الإبانة من أنكر منكرا فقتل هل يكون

شهيداً، قال: نعم وذكر الحديث "سيد الشهداء حمزة." ومن أنكر منكراً نقتل كان شهيداً خلافاً للمتكلمين في قولهم ان ذلك قبيح إلا في موضعين أحدهما: عند إظهار كلمة الكفر فإنه يحسن منه إظهار الإيمان، والثاني: إظهار كلمة حق عند السلطان الجائر. وما عدا ذلك فإنه قبيح، وظاهر مذاهب الفقهاء إنه قبيح في الجملة. وقد أومأ إليه أحمد في رواية اسحاق بن أبي إبراهيم: لا يتعرض للسلطان

فإن سيفه مسلول. وظاهر هذا النهي عنه. والدلالة على حسنه قوله تعالى {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} يحث على الصبر في ذلك. فدل على أن فيه الفضل. وروى أبو بكر المروذي في كتاب الأمر بالمعروف بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله يا أبا هريرة (مر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، قال يا رسول الله أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأوذي؟ ، وقال: نعم كما أوذيت الأنبياء. وذكر أبو محمد الخلال في كتاب الأمر بالمعروف قال: ذكر أبو النصر

البلخي بإسناده عن أنس بن مالك قال رسول الله إن رحا قد دارت فدوروا مع القرآن حيث دار قالوا يا رسول الله: أرأيت ان لم نطق ذلك قال: كونوا كحواريي عيسى بن مريم. قالوا وما حواري عيسى ابن مريم؟ ، قال شقوا بالمناشير وصلبوا في جذوع النخل في الله عز وجل، فقالوا: يا رسول الله أرأيت إذا لم نطق. قال: فالقتل في طاعة الله خير من حياة في معصية. وروى أيضاً: بإسناده عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول بالحق إذا رآه أو علمه). وروى أبو داود في

كتاب الجهاد والسير بإسناده عن خباب قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا اليه فقلنا ألا تستنصر لنا! الا تدعو الله لنا! فجلس محمر الوجه فقال: قد كان من كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما تصرفه عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضر موت ما يخاف إلا الله والذيب على غنمه. ولكنكم تعجلون. وأيضا فإنه نهى عن المنكر فكان حسنا عند الخوف. دليله إظهار الشهادتين وكلمة حق عند سلطان جائر، فإن قيل في ذلك اعزاز الدين فلهذا كان أفضل، قيل: إنما يحصل الاعزاز إذا لم يقتل، فأما مع القتل فهو إذلال الدين فلا فرق بينهما. وأيضا: فإن له غرضاً في ذلك أن يقتل صابراً محتسباً ولهذا المعنى استحب الجهاد لما فيه من التقرب بنفسه والشهادة، واحتج المخالف: بقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} والجواب: إنها وردت على سبب وهو انهم كانوا

مأمورين بإنفاق المال في سبيل الله. فقال: فأنفقوا ولو تلقوا بأيديكم إلى التهلكة هي ترك الانفاق ثم نسخت بأية الصدقات. واحتج بقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} والجواب: إنه قد قيل فيه: لا تقتلوا أهل دينكم وقبيلتكم. وقيل: لا يقتل بعضكم بعضا. وإذا كان هذا

معناه لم يكن فيه حجه على مسألتنا. واحتج بما رواه حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه. قالوا: وكيف يذل نفسه. قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيقه والجواب: إن هذا محمول على ما يتعلق بأمور الدنيا مثل ركوب الأخطار في اكتساب الدنيا كالركوب في البحر ونحوه مما يؤدي إلى الهلاك. واحتج بما رواه أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم أمرا لا تستطيعون غيره فاصبروا حتى يكون الله يغيره" والجواب: ان معناه يجوز لكم الصبر

حتى يغيره الله تعالى. واحتج بما رواه ابن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف لي أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ولا تأخذني في الله لومة لائم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليس ذلك اليك إنما ذلك إلى السلطان والجواب: إن معناه لا يجب ذلك عليك لضعفك إنما يجب على السلطان. واحتج بما رواه سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس أأمر السلطان بالمعروف وانهاه عن المنكر؟ فقال: ان خفت أن يقتلك فلا قال: ثم عدت فقال لي: مثل ذلك. وقال: إن كنت لابد فاعلاً ففيما بينك وبينه والجواب: إن معناه فلا يلزمك أن تأمره، وتحتج بأن المضطر إلى أكل الميتة لو ترك أكلها حتى مات أثم، وعصى، وكذلك المريض لو تحمل الصيام، والقيام حتى ازداد مرضه أثم، وعصى. وإن كان في ذلك وجوب عزيمة كذلك في مسألتنا مثل ذلك. والجواب: إن هذه الأشياء تسقط بالضرر المتوهم لأن خوف الزيادة في المرض وخوف التلف ينزل إلى كل متوهم وليس كذلك الأمر بالمعروف لأنه لا يسقط فرضه بالتوهم لأنه لو قيل

له لا تأمر على فلان فإنه يقتلك لم يسقط عنه ذلك ولأن منفعة تلك الأشياء تخصه، ومنفعة الأمر بالمعروف تعم فهي كإظهار الشهادتين وكلمة حق عند سلطان جائر، ولأن سبب الاتلاف هنا بمعنى من جهته وههنا من جهة غيره. لأنه يحصل اتلافه بمعنى من جهة غيره. وفرق بينهما بدليل أنه لو اضطر إلى أكل الصيد وهو محرم كان الفدية ولو صال عليه فقتله لا فدية عليه. وكان الفرق بينهما ما ذكرنا. وهو أن الجوع معنى مهنه والصول بسبب من غيره وكذلك لو صالت عليه بهيمة لغيره فقتلها على وجه الدفع لم يضمن ولو اضطر إلى طعام الغير أكل وعليه قيمته. وكان الفرق فيهما ما ذكرنا كذلك ههنا.

واحتج: بأنكم قد قلتم إن فعل الرخص أفضل من العزيمة. مثل القصر، والفطر، والمسح، والجمع، فيجب أن يكون الترك والأخذ بالرخصة أولى والجواب عنه: ما تقدم وهو أن منفعة ذلك تخصه وهذا يعم.

فصل ليس من شرط إنكار المنكر عدمه من غير صاحب المنكر

فصل وليس من شرط إنكار المنكر عدمه من غير صاحب المنكر. فعلى هذا لو غلب في ظنه أن صاحب المنكر يعدل عنه لكن غيره مرتكب ما هو أعظم منه لم يقدح ذلك في وجوبه لأنه لو كان ذلك علة في اسقاط لجاز أن يكون مثل ذلك علة في أسقاط غيره من العبادات، ورد الودائع، والعواري، ولكان يجوز أن يقال: وجود الفساد من الغير يمنع من أداء الواجب. ولما لم يقل أحد هذا. كذلك في إنكار المنكر لأنه عبادة شرعيه. ولأن ما يقع من غيره يجري مجرى المبتدأ الذي لا تعلق لهذا المنكر به. وقد ثبت أنه يلزمنا النكير عليه. وإن قوي في الظن أنه سيقوم على منكر آخر بعد زمان لا (يقضى له) منه كذلك يجب الإنكار وإن قوي في الظن أن غيره يفعل منكراً لأن المنكر الذي يفعله غيره لو كان موجوداً مع المنكر الذي ينكره لوجب أن ينكرهما جميعاً لأن حكم أحدهما حكم للأخر ولا يجوز أن يسقط أحد الواجبين للأخر وبفارق هذا إذا غلب على الظن أن صاحب المنكر يزيد في المنكر أنه يسقط انكاره على إحدى

الروايتين. لأن الشرط لم يحصل في هذا الوجه وهو ازالة المنكر من جهته فإن كان منع الواحد عن المنكر يؤدي إلى قتال يقع مع الكفار أو البغاة أو فساد من السلاطين. فالواجب أن لا يفعل لأنه لابد من أن يعود بفساد على المنكر من حيث عاد الفساد على الجميع. أو على المنكر عليه وكلا الأمر يقدح في وجوب انكار المنكر. وقد قال أحمد في رواية الجماعة: منهم أبو طالب إذا أمرت بالمعروف فلم ينته دعه فلا تخرج إلى غيره ولا ترفعه إلى السلطان

يتعدى عليه. فعلى هذا إذا خرج الإنكار عن أن يكون واجباً من حيث ظننا زيادة المنكر خرج عن كونه حسناً. لأن ما أوجب ازالة وجوبه يوجب ازالة حسنه لأنه في حكم الداعي إلى الفساد فلذلك لا يكون حسنا ويفارق هذا إذا

غلب في الظن أن الإنكار لا يردع صاحب المنكر في حق نفسه أنه يحسن الإنكار عليه. وإن لم يكن واجباً على أحد الروايتين لأننا نقاتل المشركين وإن غلب على الظن المقام على ذلك. وكذلك قتال المشركين وإن غلب على الظن المقام على ذلك. وكذلك قتال على (رضي الله عنه) للخوارج والبغاة مع غلبة الظن اتهم يقيمون على ذلك.

فصل يجب الإنكار بأسهل ما يزول به المنكر

فصل ويجب الانكار بأسهل ما يزول به المنكر. والمعتبر في ذلك غالب الظن لأن العلم في ذلك يتعذر. فإذا غلب في ظنه أن القول والوعظ يؤثر لم يتجاوزهما. وإن لم يؤثر وغلب في ظنه أن القول يكفي لم يتجاوز إلى غيره وإن لم يؤثر وغلب. في ظنه الفعل تجاوز إليه. نص عليه أحمد في رواية المروذي. فقال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان وبالقلب وهو أضعف الإيمان. فقيل له: كيف باليد؟ قال: يفرق بينهم وقال في رواية حنبل: الناس يحتاجون إلى مداراة. والأمر بالمعروف بلا غلظه إلا رجلاً مبايناً معلناً بالفسق والردى فيجب نهيه.

وهذا لا حرمة له. وقال: في رواية صالح، التغيير باليد؛ ليس بالسيف والسلاح وظاهر هذا يقتضي جواز الإنكار باليد إذا لم يفض إلى القتل والقتال. وقال في رواية مهنا: يأمر بالرفق والخضوع وأن اسمعوه ما يكره لا

يغضب. فيكون ينتصر لنفسه وقال: في رواية أبي داود: نحن نرجو أن يكون [أن أنكر بقلبه فقد سلم وأن أنكر] بيده فهو أفضل وظاهر هذا أن الإنكار باليد غير واجب وإنما الواجب بالقول وهذا محمول على حالة العجز على الإنكار باليد. وكذلك نقل المروذي عنه أن رجلا قال لأبي عبد الله لي جار يؤذيني بالمنكر. قال: مره بينك وبينه، قال: فقد تقدمت إليه مرمرًا. قال: وأي شيء عليك إنما هو على نفسه. أنكر بقلبك ودعه. وهذا محمول على ما ذكرنا.

والدلالة: على اعتبار الأسهل فالأسهل قوله تعالى {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقوله تعالى {فقولا له قولًا لينًا} وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مهلا عن الله مهلا. فإن الله شديد العقاب لولا صبيان رضع ورجال ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا" وروى أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لأحد أن يأمر بالمعروف حتى تكون فيه ثلاث خصال: عالمًا بما يأمر، عالمًا بما ينهى، رفيقًا فيما يأمر رفيقًا فيما

ينهى" رواه أبو محمد الخلال ولأن الغرض أن لا يقع المنكر كان في حكم الظالم لنفسه وإن كان مضرة على من ينكر عليه كان في حكم الظالم له وإن

لم يكن كذلك كان في حكم العايب. وأيضًا: فإنه إذا كان فظًا غليظًا ربما نفرت القلوب عن قبول قوله وقست وركبت المحال واللجاج لفظاظته. وإن كان مهينا ففيه ذله. ويؤدي ذلك إلى الطمع ويهون فعله. وقوله فوجب اعتبار غلبة الظن فيما يؤدي إلى زواله. وإذا وجب اعتبار الأسهل في النهي وجب اعتباره في الأمر بالمعروف لكن الحال فيهما يختلف لأن المنهي عنه يصح المنع عنه من كل وجه. وإنما يكن فيه الترغيب والحب ويمكن فيه التهديد إن لم يفعل ويجري مجرى الوعيد من الله تعالى فالذي يمكن حمله عليه رد الودائع والعواري والغصوب وأخذ الزكوات منه والذي لا يمكن تحصيله منه كالصلاة والصيام والحج والظهار ولافتقار ذلك إلى شرائط لكن بحير على فعلها بالقول تارة وبالحبس أخرى.

فصل يجوز كسر آلة اللهو وإتلافها ولا ضمان عليه

فصل ويجوز كسر آلة اللهو وإتلافها. ولا ضمان عليه وذلك مثل الطبل والعود والمزمار .. نص عليه أحمد. وفي رواية يوسف بن موسى، أحمد بن

الحسين واسحاق عبد الكريم بن الهيثم العاقولي عن أحمد أنه سئل عن الرجل يسمع صوت الطبل أو مزمار لا يعرف مكانه فقال: ما عليك ما غاب عنك فلا تفتش. وهذا صحيح لأنه إذا لم يعرف [مكانه] لم يتعين عليه الإنكار لأن الإنكار هو إزالة المنكر ولا طريق له إلى ذلك إذا لم يعرف مكانه ونقل أبو طالب عنه في الرجل يقول للرجل قد طلقت امرأتي ثلاثًا فلا تخبر

ختني. فقال: يخير ختنه يفرق بينهما، هذا فرج. وهذا صحيح لأن مقامه بعد الطلاق من المنكر فوجب أن ينكر عليه بحسب القدرة ونقل مهنا عنه في الرجل دخل منزل رجل فرأى فيه قنينة نبيذ ينبغي له أن يلقي فيها ملحًا أو شيئًا يفسده وهذا صحيح لأنه لما جاز له إراقتها لأجل المنكر جاز إفساد ما فيها لأن بالإفساد قد زال المنكر. ونقل أبو الصقر عنه في الرجل يضرب بالعود والطنبور فإذا رفع إلى السلطان يؤدب.

ولا يجاوز عشره وهذا بناءً على أصله وأنه لا يجاوز بالتعزيز أدنى الحدود وفاعل ذلك قد استحق التعزيز. وقال في رواية اسماعيل بن سعيد في الغلمان يتمردون لا بأس بضربهم وذلك لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "اضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" فأمر بتأديبهم على ترك

الصلاة فأولى أن يؤدبوا على ذلك وقال في رواية صالح يكره أن يخرج الرجل إلى صيحة بالليل، لا يدري ما يكون، وقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه وقد سأله هل يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمام الشعر؟ فكأنه لم يعجبه. وذكر عن الشعبي أنهم كانوا يكرهون أن يكتبوا أمام الشعر بسم الله

الرحمن الرحيم وقال هي آية من القرآن. وانما كره أحمد ذلك لما ذكره الشعبي عن السلف كراهيته. ولأن الغالب من الشعر أنه يشوبه الكذب والهجو فكره أن يكون أمامه آية من كتاب الله. [وقال في رواية حرب وقد سأله هل ترى بلعب الشطرنج بأسًا قال البأس كله. قال فإن أهل الثغر يلعبون به للحرب قال هو فجور]. وقال في رواية

عبد الله والمروذي وابن إبراهيم ويوسف بن موسى في المنكر إذا كان مغطى لا يتعرض له ولا ينكره.

ونقل اسحاق ومحمد بن أبي حرب يكسره وينكره ولفظ رواية ابن أبي حرب أنه سئل عن رجل لقي رجلا ومعه عود أو طنبور أو طبل مغطى أو قربة قال: يكسره. ووجه الأولى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أتى من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله فإن من أبدى إلينا صفحته أقمنا عليه حد الله" فندب إلى الستر وأخبر أنه إنما يقيم الحد مع

إظهاره. ولأنه لا يمتنع أن يسقط بالستر وينكر بالإظهار فأهل الذمة إذا أظهروا الخمر أنكر عليهم وإن ستروا عنا لم نعرض لهم. ووجه الثانية: أنا قد تحققنا المنكر فوجب انكاره. نقل محمد بن يحي الكحال أنه قال لأبي عبد الله عنه في الرجل يكون في مصر في بيته فيطرقه الرجل في داره ليلًا فإذا دخل منزله وخاف على الحرم فلم يرى به بأسًا أن يدفعه. ونحو ذلك

نقل بكر بن محمد. والدلالة على جواز القتال عن نفسه وماله وحرمه في الجملة قوله تعالى {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} فأمر بقتال البغاة فكان ذلك تنبيهًا على نظائره. ومن يطلب نفسه وماله في ذلك المعنى لأنه ظالم. وروى أبو بكر الخلال بإسناده عن سعيد بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أصيب دون ماله أو دون دمه أو دون ذريته أو دون أهله فهو شهيد" وروى أيضًا بإسناده عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: من اريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد.

فصل هل يجب عليه أن يدفع عن نفسه

فصل وإذا ثبت جواز ذلك فهل يجب عليه ذلك. أما في أخذ ماله فلا يجب عليه القتال، بل الأفضل تركه. قال في رواية حنبل في امرأة أرادها رجل على نفسها فامتنعت ووجدت خلوه بقتله لتخلص نفسها فلا شيء عليها. وإن كان إنما يريد المتاع والثياب فأرى أن تدفعه إليه ولا تأتي نفسه لأن الثياب منها عوض والنفس لا عوض منها. فقد نص على ان ترك القتال على المال أفضل. وأما النفس فظاهر كلامه أنه

يجب عليه أن يقاتل عن نفسه ولا يجوز له ترك ذلك مع القدرة. قال في رواية أبي الحارث إن كان الغالب على أمره منهم أنه إن أعطى [ما] بيده قبل فليدفع عن نفسه بطاقته ما استطاع فقد أطلق القول بالدفع فيحتمل أن يكون هذا على طريق الوجوب ويحتمل أن يكون على طريق الندب. أما وجه الوجوب فقوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ولأنه لما لزمه أن يحي نفسه يأكل الطعام والشراب وجب عليه أن يحيها بالدفع عنها، وكذلك يجب عليه أكل الميتة. والوجه في نفي الوجوب وهو قياس المسألة التي تقدمت وأنه لا يحسن الانكار مع خوف القتل، ما روى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه حصر فترك الدفع عن نفسه ومنع عبيده وأصحابه من الدفع عنه ولو كان واجبًا لم يمتنع من ذلك. فإن قيل يحتمل انه لم يتحقق انه يقتل فلهذا لم يدفع. قيل امارات القتل ظهرت، ولاحت، ومع هذا امتنع من الاستغاثة بعبيده وبغيرهم. فإن قيل يحتمل أن يكون امتنع من القتال خوفًا على الحرم وهو أن يحصل اللطف بهم. قيل هذا المعني موجود إذا ترك قتالهم لأنه لا يأمن أن يقدموا على سبي الحرم كما أقدموا على قتله. ولأن الإنسان قد يكون له قصد صحيح بأن لا يدفع

عن نفسه حتى يستشهد والدليل على هذا ما روي أن رجلًا قال يا رسول الله أرأيت لو في المشركين حتى قتلت صابرًا محتسبًا لي الجنة. قال: نعم ويفارق هذا إذا كان معه طعام أنه يجب عليه أكله لأنه لا غرض له في ترك أكله. وأما اسقاط الوجوب والاستحباب في المال فالوجه انه لا يلزمه حفظ ماله من الضياع والهلاك بدليل انه لو ترك زرعه يعطش فلم يسقه الماء أو ترك عقاره يخرب لم يعمره لم يأثم بذلك ولم يحرم عليه. وإذا لم يلزمه حفظه لم يلزمه القتال عنه لأنه ليس في ذلك أكثر من حفظه.

فصل إن أكرهت المرأة على الزنا وجب أن تدفع عن نفسها وإلا كانت ممكنة

فصل فإن أُكرِهت امرأة على الزنا وجب عليها أن تدفع عن نفسها لأنها إن لم تدفع كانت ممكنه من الزنا فإن آل الدفع إلى نفس المدفوع فلا شيء عليها. وإن خافت على نفسها القتل سقط عنها الدفع كما يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالخوف. فإن أكره الرجل على الزنا لم يجز له أن يزني وإن خاف القتل لأنه لا يتصور حصول الزنا من جهته إلا بالايلاج والايلاج لا يحصل إلا عن انتشار والانتشار لا يحصل إلا عن شهوة منه. وقد ذكرنا هذه المسألة في مسائل الخلاف؟

فصل حكم الدفع عن نفس غيره

فصل فإن رأى إنسانًا يطلب نفس غيره فإنه يلزمه الدفع عنه كما يدافع عن نفسه لأنه لما لزمه ان يحي نفس غيره ببذل طعامه له وينجيه من الغرق، كذلك لزمه أن يدفع عنه ويفارق هذا الدفع عن نفسه أنه لا يجب على أحد الوجهين، لأنه له غرض في ترك الدفع عن نفسه طلبًا للشهادة وهذا المغني معدوم في الدفع عن غيره، لأنه لا يحقق من الغير ايثار الشهادة فلهذا وجب دفعه عنه. فإن رآه يأخذ مال غيره بغير حق فهل يلزمه أن يدفع عنه أم لا؟ قال في رواية المروذي في اللصوص. يتعرضون الرجل في الطريق يقاتلهم دون ماله فإن عرضوا للرفقة ولم يعرضوا لماله فلا أرى أن يقاتلهم بالسيف إلا دون ماله. وكذلك

نقل أحمد بن الحسين الترمذي عنه أنه سئل إذا استعان صاحبي اعينه؟ قال: أعنه ولا تقاتل [عنه] لأنه لم يبح لك أن تقتله لمال غيرك انما أبيح لك أن تقاتله لنفسك ومالك. وظاهر كلاهم أحمد المنع من جواز القتال عن مال غيره إذا كان يخاف أن يؤول القتال إلى نفس المدفوع بخلاف الدفع عن مال نفسه. والوجه فيه: قوله صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد). دليله أنه لا يكون شهيدًا بقتله دون مال غيره. ولأنه لا ضرر على الدافع في أخذ مال الغير إنما يدفع الضرر عن صاحب المال. وقد تقابل ههنا ضرران، أحدهما على صاحب المال بذهاب ماله والثاني: على الآخذ للمال بذهاب نفسه. وحرمة النفس أعظم من حرمة المال. فقدمنا حرمة النفس على حرمة المال فلم يجز اتلافها لأجل ما لا ضرر عليه فيه. ويفارق هذا مال نفسه أنه يدفع عنه وإن تلفت نفس الآخذ لأن على صاحب المال ضرر بأخذه. فلهذا كان له الدفع ليدفع ضرورة. وههنا الضرر على غيره فقدمنا أكدهما

ضررًا. فإن قيل الأخذ قد أسقط حرمة نفسه بأخذ مال غيره. قيل: لا يسقط حرمته بتعديه ألا ترى أنه لو غصب خيطًا فخاط به جرحه لم [تلزمه] ازالته وان كان متعديًا بالأخذ. وبمثله لو غصب ساجة وبنى عليها كلف نقص البناء. فدلت على أن حرمة نفسه مقدمة على مال غيره. وعلى أنه لا يميك اسقاط حرمة نفسه. ألا ترى أنه لو أباح غيره قتل نفسه لم يملك الغير قتله. فإن قيل: لما كانت حرمة ماله كحرمة دمه في جواز الدفع عنها كذلك حرمة مال غير كحرمة دمه في جواز الدفع. قيل: في الدفع عن ماله دفع ضرر عنه. وهذا لا ضرر عليه. ويقابله ما هو أعظم منه وهو حرمة نفس غيره. ولأن مال نفسه هو أخص به من مال غيره. بدليل أنه يملك إباحته والامتناع عن بذله في المطالبة به من غاصبه. والعفو عنه. ولا يملك هذه الاشياء في مال غيره.

فصل فيما يؤثر الإكراه فيه من فعل أو ترك

فصل فيما يؤثر الإكراه فيه من فعل أو ترك. وذلك في الأفعال الظاهرة. فأما أفعال القلوب فلا. لأن من حق الاكراه أن يقع على وجه يصح التخلص بالفعل منه. وذلك لا يتأتى في أفعال القلوب. وإذا ثبت ان تأثيره في الأفعال الظاهرة فالكلام في صفاتها وعقد الباب في ذلك: - كل فعل يعود بإتلاف نفسه أو عضو من أعضائه أثر الإكراه فيه. من ذلك إظهار كلمة الكفر مع طمأنينة القلب بالإيمان. والدلالة عليه قوله تعالى

{إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}. وفي هذا تنبيه على ما دونه من الطاعات. كالصلاة والصيام والحج والزكاة. وفيه تنبيه على غيره من المعاصي التي يتصور الاكراه فيها كشرب الخمر على الصحيح من الروايتين عن أحمد. والسرقة وقذف المحصنات. واتلاف مال الغير لأنه يجوز له أن يحي نفسه عند الضرورة بإتلاف

طعام الغير وللمالك مطالبة المباشر للإتلاف. ويرجع بذلك على من أكرهه. ولا يلزم المباشر الضمان لأنه معذور في ذلك الفعل. أعني الاتلاف فلهذا لم يلزمه الضمان. ويفارق هذا الاكراه على القتل إذا طالب الأولياء بالدم. انهما يشتركان في الديه لأنه غير معذور في القتل فلهذا اشتركا في الضمان كما لو باشر الاتلاف. وأما الاكراه على الزنا فلا يصح لأنه لا يتصور وجوده الا بالإيلاج. وذلك لا يكون الا عن شهوة. والشهوة تنافي الاكراه. وأما الاكراه على القتل فلا يصح أيضًا ولا يبيح القتل لأنه ليس إحياء نفسه بقتل غيره بأولى من إحياء نفس غيره بقتل نفسه فلهذا لم يؤثر الاكراه فيه. ولأنه لو جاز أن يقتله ليحي نفسه لجاز عند خوف التلف من الجوع أن يقطع عضوًا منه ويأكله ليحي نفسه.

فصل صبر المكره على الأذى أفضل من فعل ما أكره عليه

فصل وأما الأثر الإكراه في جواز فعله فالصبر على الأذى وترك الفعل أفضل وإن عاد بضرره. وهذا بناء على الأصل الذي تقدم وانه يحسن الانكار مع خوف القتل. ويكون أفضل خلافًا للمتكلمين في قولهم إن كان الاكراه على كلمة الكفر أو إظهار المذاهب الباطلة أو إظهار كلمه كلمه حق عند سلطان جائر. وأن الأفضل ذلك وما عداه مثل الاكراه على أكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر ونحو ذلك فلا يجوز له فعله وإن فعله أثم. دليلنا: ما تقدم من قوله تعالى {واصبر على ما أصابك} وقوله صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد) فجعله شهيدًا بالصبر على قتاله عن ماله فإن قيل: هذا محمول على أنه كان يطمع في تخليص ماله مع سلامة نفسه قيل: الخبر عام فيهما، ولأنه لما كان ذلك جائزا في اظهار المذاهب الباطلة وكلمه حق عند

سلطان جائر كذلك في بقية المحرمات. فإن قيل: في ذلك اعزاز الدين وليس هذا المعنى موجودًا في غيره. قيل: قد أجبنا عن هذا فيما تقدم. وقلنا انما يكون إعزاز الدين إذا لم يقتل منكره فأما مع القتل ففيه اذلال. واحتج المخالف بقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وقوله (تعالى) {ولا تقتلوا أنفسكم} فالجواب عنه ما مضى. واحتج: بأنه لو خاف [الزيادة في المرض] يسقط القيام في الصلاة والصيام ولم يجز له أن يقوم ويصوم. وإن فعل ذلك كان عاصيا. وإن كان فيه حمل النفس على الطاعة كذلك ههنا والجواب عنه: ما تقدم. فإن قيل: فما تقولون فيمن عرض له من يأخذ درهمًا من ماله. وعلم أنه إذا

دفعه عنه قتله الطالب: فإن قلتم لا يجوز له دفعه هو [ما قلنا وإن قلتم يجوز له دفعه خالفتكم] الاجماع. قيل: يجوز له دفعه لكن الأفضل له ترك الدفع لأنه يقي نفسه بماله فهو أفضل. فإن قيل: فما تقولون في المبارزة إلى الكفار إذا غلب على ظنه أنه يقتل هل يحل له ذلك أم لا؟ قيل: المبارزة على رأي الإمام لأنه اعرف بذلك. وربما كان الكافر أشد بأسا من المسلم فيقتله فيعود بكسر قلوب

المسلمين. فهزيمتهم وكسر عسكرهم وهذا معدوم ههنا. إلا ترى أنه يجوز له عند الاكراه على الكفر وكلمة حق عند السلطان [الجائر].

فصل شروط تأثير الإكراه في الأحكام

فصل وانما يؤثر الاكراه فيما تقدم ذكره بشروط: أحدها: الخوف على النفس وما دون النفس من قطع عضو وحبس وقد قال أحمد في رواية ابن منصور: حد الإكراه إذا خاف القتل أو ضربًا شديدًا. وقال في رواية محمد بن عبد الرحمن وقد سئل عن طلاق المكره. فقال: إذا خشي القتل أو الضرب لم يجز. وقال في كتاب المحنة: الحبس إكراه. وقد حكينا خلاف هذا فيما تقدم عند المتكلمين. وان الخوف فيما دون النفس يجري مجرى النفس بدليل سقوط القيام في الصلاة والفطر في الصيام وغير ذلك.

والثاني: أنه لا يمكن التخلص مما يخافه إلا بما أكره عليه كإظهار كلمه الكفر. ممن يحسن المعاريض واظهار الكذب لأنه لا يجد مخلصًا إلا بذلك فإن وجد مخلصًا من ذلك المكروه لم يكن معذورا به كما أنه إذا وجد طعامًا مباحًا لم يحل له أكل الميتة. الثالث: أن يكون الذي أكره عليه يتغير بالإكراه. مثل أيعلم أنه [إذا] لم يفعل ما أكره عليه يفعل غيره زيادة على ذلك المنكر. فأما أن لم يتغير لم يؤثر الاكراه فيه.

فصل لا فرق بين أن يكون المكره سلطانا أو باغيا أو خارجا أو لصا

فصل ولا فرق بين أن يكون [المكره] سلطانا أو باغيا أو خارجًا أو لصًا فتغلب لأن ما صار له مكروهًا من إلحاق الضرر من بعضه قائم في سايرهم فلم يختلف الحكم بذلك، وقد نص أحمد على أن طلاق المكره لا يقع سواء كان الاكراه من سلطان أو غيره ..

فصل المقام في دار الحرب

فصل في المقام في دار الحرب هل يجوز أم لا. والناس في ذلك على ثلاثة

أضرب: - من تجب عليه الهجرة بكل حال ولا يجوز له المقام وهو من لا يقدر على اظهار الاسلام في دار الحرب خوفًا على نفسه لضعف عشيرته أولا عشيرة له. وهو قادر على الهجرة. - من لا تجب عليه ولكن يستحب له وهو من كان قادرا على اظهار دينه في دار الحرب لقوته بعشيرته مثل عثمان بن عفان. - ومن لا تجب عليه ولا يستحب له وهو الضعيف الذي لا يقدر على اظهار دينه ولا على الحركة وهو الزمن والشيخ الفاني والمرأة التي لا تقدر على رفقة. فأما المقام في الدار التي تغلب فيها البدع كبلاد الخوارج والبغاة والاعتزال

والرفض فالحكم فيها كالحكم في المقام في دار الحرب على ما بينا في التفصيل ولا فرق بينهما. والدلالة على أنه لا يجوز المقام إذا لم يمكنه إظهار الحق والنكير أنه يكثر سوادهم ويقوى حالهم. ولأنه إذا زرع واتجر يعينهم على ظلمهم ويعينهم بما يؤخذ منه من خراج وغيره. ولأن المكاسب تحرم عليه في بلادهم لاختلاط الأموال. لأنهم يأخذون [المال] من غير جهته ويضعونه في غير حقه. ولأنه إذا أمكنه فلم يخرج حصل في حكم من يظهر الرضا بما هم فيه. والدلالة على أنه يجوز المقام إذا كان يظهر الحق والنكير لأنه قد ظهر منه النكير وانتفت التهمه عنه. ولأنه قد يلزمه المقام بهذا البلد لما فيه من اظهار الحق ودحض الباطل وإن لم

يزل. وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والكفر ظاهر لكنه كان مباينًا لهم وداعيًا إلى الله عز وجل. فإن قيل: الانتقال عنهم أبلغ في الانكار. قيل: لم يلزمه الا بلغ كما لا يلزمه جهادهم وقتالهم إذا لم يكن له طاقة بهم. وإن كان أبلغ. فإن قيل: فيجب أن لا يجوز له حضور مجالس الشرب والملاهي على هذا الوجه. قيل له إن كان يمكنه إزالة المنكر جاز أن يحضر. وإن لم يمكنه لحقته التهمه في أنه رضي بذلك لأن الظاهر من الحضور معهم لموافقتهم على ما هم عليه. والتهمه تبعد مع إظهار المباينة. وقد قال أحمد في رواية جعفر. لا تشهد عرسًا فيه مسكر أو مخنث أو غناء أو يستر الحيطان. وكذلك قال في رواية بكر بن محمد عن أبيه في

الرجل يدعى فيرى آنية فضة. وحائطًا مستورًا يرجع كما رجع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ونقل حنبل: أن أحمد حضر وليمة محمد العطار فرأى عنده آنية فضة فخرج فلحقته وقال نحن نحولها فلم يرجع. فإن قيل: فيقولون يجب عليه السفر إلى بلد قد غلبت عليه البدع للإنكار قيل يلزمه ذلك إذا لم يكن عليه مشقة.

فصل في إنكار المذاهب الباطلة كمذاهب القرامطة ... إلخ

[فصل] في انكار المذاهب وجملته أن ما حكمنا ببطلانه كمذاهب القرامطة والرافضة والمعتزلة والخوارج ونحو ذلك. فإنه يجب إنكار ذلك لأنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر. وإن كان مما لا تحكم ببطلانه بل يجوز اصابة

الحق فيه كمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي فإنه لا يجب

إنكار ذلك لأنا لا نقطع على خطأ به ولا يتحقق المنكر. وقد حكينا اختلاف الرواية عن أحمد في ذلك في أول الكتاب. وكذلك انظار الأفعال ما لم يسع فعله لم يجز إقراره. وإن كان مما يسوغ فعله لم ينكر على اختلاف الروايتين وقد صلى أحمد خلف قوم قراهم يسيئون الصلاة، فكتب إليهم برسالة ينكر عليهم في ذلك وقد بينا شرح ذلك فيما تقدم.

فصل يجب الإنكار على البغاة وكفهم عن بغيهم وخروجهم على الإمام

فصل ويجب الانكار على البغاة والكف لهم عن بغيهم وخروجهم على الإمام، لقتال لهم عن رأي الإمام وتدبيره لأنه أعرف بتدبير الأمور ومصالحها وسواء كان بغيهم بتأويل أو بغير تأويل لأجل ما يؤول إليه حالهم من الفساد في الدين. واختلاف المسلمين واختلاف أحكامهم وكما جاز قتال قطاع الطريق وكفهم عن أموال المسلمين وتقدم على ذلك قوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} فأمر بقالتهم. ويفارق هذا المسائل التي يسوغ فيه الاجتهاد أنه لا يجب الانكار على فاعلها لأن التأويل يسوغها وليس في فعلها ضرر وههنا في ترك النكير ضرر في الدين لأنه يقضي إلى الهرج واختلاف الأحكام فلم يؤثر التأويل في ترك المقاتلة وإنما يؤثر في أحكام أخر من ترك سبي الأموال والذراري والإجازة على الجريح.

فصل من عرف بالفسق منه من الخلوة بامرأة أجنبية

فصل من عرف بالفسق منع من الخلوة بامرأة أجنبية لما يحصل فيه من الريبة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما). وقد قال أحمد في رواية محمد بن يحي في الغلام يركب خلف المرأة ينهى إلا أن يقول انها له محرم.

فصل إنكار تشبه الرجال بالنساء نحو المخنث وكذلك تشبه النساء بالرجال

فصل وما يجب انكار تشبه الرجال بالنساء نحو المخنث وكذلك تشبه النساء بالرجال. وقد قال أحمد في رواية أبي داود وقد سئل هل يلبس خادمته القرطق. فقال: لا تلبسها شيئًا من زي الرجال لا تشبهها بالرجال ولا تجز شعرها. وقال في رواية المروذي لا يخاط للنساء ما كان للرجال ولا يخاط للرجال ما كان للنساء. [وقال في رواية المروذي: يكره للمرأة أن تلبس المقطوع

الأحمر]. وقال في رواية المروذي وابن منصور: المخنث ينفى لأن ذلك لا يقع منهم إلا للفساد والتعرض له. وللإمام بعثه إلى بلد يأمن فساد أهله به، وإن خاف

عليهم حبسه. وقد روى أبو بكر الخلال في كتاب اللباس بإسناده عن أبي هريرة قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء والمرجلات من النساء المتشبهات بالرجال" وروى أبو بكر عبد العزيز بإسناده عن أم سلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندهم مخنث وهو يقول لعبد الله أخيها إن يفتح الله الطائف غدا دللتك على امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي: لا أرى هذا. يعلم ما ههنا. لا يدخل عليكم هذا فحجبوه. وأُخرج فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم.

فصل ومما ينكر الطرر والأصداغ

فصل ومما ينكر الطرر والأصداغ على من حصل ذلك امارة على فسقه فأما إن كان ذلك عادة لقوم لم ينكر. وكذلك لو أن الواحد من الرجال خضب يديه ونقشها كان منكرا ومنع منه. وإن كان لعلة أو لعارض جاز

وقد قال أحمد في رواية جعفر بن محمد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع وقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه: القزع أن يحلق بعض الشعر ويترك بعضه. وقد أخرج إلينا عبيد الله بن أحمد بن عثمان في أخبار عمر بإسناده عن محمد بن عثمان بن جهم بن عثمان ابن أبي [جهيمة السلمي] وكان على ساقه خيبر يوم افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده قال بينما عمر بن الخطاب يطوف ذات ليلة

في سكة من سكك المدينة اذ سمه امرأة وهي تهتف من خدرها تقول: - هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج. فلما أصبح أتي بنصر وإذا هو أحسن الناس وجها وأحسنه شعرا فقال له عمر عزيمه من أمير المؤمنين ليأخذن من شعرك، وأخذ من شعره. وذكر الخبر بطوله. ومما ينكر أيضا خروج النساء على وجه يخاف الافتنان بهن وقد ورد في خروجهن أخبار بالوعيد فحدثنا أبو بكر محمد بن جعفر من أصحابنا بإسناده عن عائشة قالت دخلت امرأة من مزينة المسجد ترفل في زينتها

ورسول الله جالس فقال: أيها الناس أنهم نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد فإن بني اسرائيل لم يلعنوا حتى لبسوا نساءهم الزينة وتبختروا في المساجد وحدثنا بإسناده عن أبي هريرة سمعت رسول الله يقول: أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل منه كغسلها من الجنابة وحدثنا بإسناده عن محمد بن عبد الله بن قيس أن رجالا من أصحاب النبي أتوا رسول الله فقالوا: إن نساءنا يستأذنونا في المسجد فقال: احبسوهن. فإن أرسلتموهن فأرسلوهن تفلات".

فصل ومما يجب إنكاره ترك التعلم والتعليم لما يجب تعليمه وتعلمه

فصل ومما يجب إنكاره ترك التعلم والتعليم لما يجب تعليمه وتعلمه نحو ما يتعلق بمعرفة الله تعالى. ومعرفة النبوات وجملة الشرائع وما يتعلق بالفرايض، ويلزم الناس الخروج لتعلم ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "واضربوهم عليها لعشر" فأولى أن يضرب المكلف على تعلم ذلك. وواجب على الامام أن يتعهد المعلم والمتعلم لذلك. ويرزقهما من بيت المال لأن في ذلك قوامًا للدين فهو أولى من الجهاد. ولأنه ربما نشأ الولد على مذهب فاسد فيتعذر زواله من قلبه. [ومما يجب إنكاره كتب البدع وإزالتها وابطالها لأجل ما يحصل بها من الفساد] ومما يجب انكاره صرف المال في الملاهي وما يجري مجراها من المحرمات. فإن أسرف في انفاق المال في الملاذ والشهوات نظرت فإن كان كثير المال لا يخاف الفقر لم يعد به مسرفًا، وإن كان يؤديه ذلك إلى الفقر والشدة على وجه كان يمكنه خلاف ذلك فهو من السرف الذي نهى عنه قوله {ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} وقال تعالى {وإذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما] وقوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا} قيل إن هذه الآية نزلت فيمن باع مالا بالمدينة بثمن كثير وقسمه كله حتى لم يبق لنفسه شيئًا وطلب منه عياله

النفقة فتعذر عليه فنزلت الآية. وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خير الصدقة [ما كان عن ظهر] غنى وروى عنه أنه قال "الثلث والثلث كثير لأن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" وهذا الذي ذكرناه من الانفاق في حق نفسه فأما ما تعرص لأخيه المسلم من حاله شديده فإنه يحسن منه الصدقة وإن أداه إلى الفقر قال تعالى {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل الصدقة جهد امرئ مقل ومما يجب

إنكاره الانكار على من ترك انكار المنكر لأنه قد ترك واجبًا عليه فهو كما لو ترك غيره من الواجبات وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله بعقاب".

فصل شروط إنكار المنكر

فصل فيه جمله ما تفرق في الكتاب. وهو بكم شرط يجب إنكار المنكر ويجب بخمس شرائط: أحدها: أن يكون عالمًا بأنه منكر فإن كان جاهلًا به لم يجز إنكاره. الثاني: أن يأمن على نفسه وماله خوف التلف. الثالث: أن يعلم استمرار الفاعل على فعل المنكر فإن علم من حاله ترك الاستمرار على الفعل لم يجز إنكار ما وقع من الفعل. الرابع: أن يكون الفعل مما لا يسوغ الاجتهاد فيه. وإن كان مما يسوغ فيه الاجتهاد لم يجز إنكاره. الخامس: أن يغلب في ظنه أنه يزول. فإن لم يغلب في ظنه لم يجز إنكاره في إحدى الروايتين. والأخرى يجب وإن لم يغلب في ظنه ففي الشرط الخامس روايتان.

مسائل متفرقة

مسائل متفرقة قال يعقوب بن بختان. سألت أبا عبد الله عن القوم يؤذونه بالغناء هل يدع المسجد. قال: لا يضيع المسجد ويقدم إليهم وينهاهم. وإنما لم يلزمه انتقال لأنه قد أسقط الفرض عن نفسه بالإنكار فلا يلزمه زيادة على ذلك. ونقل [عباس] العنبري قال كنت مارًا مع أبي عبد الله بالبصرة فسمعت رجلًا يقول لرجل بابن الزاني فقال له الآخر: يا ابن الزاني. فوقفت ومضى أبو عبد الله. وقال لي: يا أبا الفضل امش. قلت: قد سمعنا ووجب علينا. فقال: ليس هذا من ذاك. ويحتمل بقوله: ليس هذا من ذلك. أن هذا قذف وحد القذف يتعلق بحق آدمي. ويقف على مطالبته والبراءة منه. ويحتمل أن يكون هناك معنى منع من الإنكار. ونقل قال نعم حديث قال: ليس له أصل ولفظه: أترعون عن ذكر الفاجر؟ متى يعرفه الناس؟ اذكروه.

فصل في منع التسمي بالملك وجرت هذه المسألة في وقتنا فأفتى فيها جماعة من شيوخ الوقت من المخالفين بجوازه. والدلالة عليه قوله تعالى {له الملك لا إله لا هو} فيه دليلان. أحدهما: أنه أضاف ذلك اليه فدل انه ليس ذلك لغيره. الثاني: إنه امتدح بذلك. ولا يجوز ان يمتدح بما يشركه أحد غيره فيه. وانما يكون ذلك بما ينفرد به. وأيضًا ما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله. واشتد غضب الله على من تسمى بملك الأملاك

ولا ملك الا الله. وروى ابن عباس قال كما كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على ثلاثة؛ [اشتد غضب الله [على من كسر رباعية رسول الله. واشتد غضب الله على من زعم] أنه ملك الأملاك واشتد غضب الله تعالى على من زعم أن لله ولدًا. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سمع رجلًا يقول: يا شاهان شاه فقال رسول الله: الله ماك الأملاك. وروى أبو عبيد في كتابه بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [أخنع

اسم عند الله] وروى أنخع اسم عند الله يوم القيامة رجل يسمى باسم ملك الأملاك.

قال أبو عبيد: أخنع: بمعنى أوضع وأذل. وانخع: بمعنى أقتل. وروى أن سمره قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رقيقنا أربعة أسماء أفلح ويسار، ونافع، ورباح. وروى عن عمر بن الخطاب أن رسول الله قال: لأنهين أن يسمى العبد

يسارًا أو بركة ورباحًا ونجيحا وأفلح. وروى [عمرو بن عطاء] أن زينب بنت أبي سلمة سألت: ما سميت أمتك قال: سميتها برة فقال رسول الله نهى عن ذلك الاسم. قال النبي: لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بكم يا أهل البر منكم فقال: ما نسمها. قال سموها زينب.

وهذه الأخبار تدل على النهي عن اسم فيه تعظيم أو تفخيم. ولأن الملك هو المستحق للملك. واختلف المتكلمون في حقيقة الاستحقاق. فمنهم من قال هو التصرف التام. ومنهم من قال: هو التصرف الدائم. وكلاهما لا يصحان إلا لله عز وجل. أما التصرف التام فهو إننا نحرث فلا ينبت باختيارنا حتى يكون الله تعالى هو الذي يزرع قال تعالى {أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}. أما التصرف الدائم: فهو أن التصرف في حقنا منقطع لفنائنا وعدمنا. وهو الباقي سبحانه فامتنع أن يتصف بذلك غيره. ولا يمكن أن يقال: بأن هذه التسمية يختص بها المالك للشيء. والإنسان قد يملك الشيء حقيقة وذلك أنه لو كان هذا صحيحًا لوجب أن تطلق هذه التسمية على كل أحد لأنه قد لا ينفك عن ملك شيء من الأشياء. وفي العلم بأن هو التسمية لا تعم كل مالك دليل على سقوط هذا. فأما قوله تعالى {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} وقوله {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبًا}.

لا دلالة فيه على جواز إطلاق هذه التسمية لأنها ليست بخبر عن الله سبحانه إنما هو إخبار من الله تعالى عن الغير وهو بلقيس والخضر. وأما قوله [تعالى] {وقال الملك اءتوني به} به، وغير ذلك من الآي فإنما أطلق ذلك عن طريق التعريف [لهم بذلك فانه كان معروفًا عندهم بذلك وكذلك قول

النبي صلى الله عليه وسلم بعثت زمن الملك العادل على طريق التعريف] كما قال تعالى {تبت يدا أبي لهب وتب}. ومعلوم أنه لم يكن نبيًا ولا ملكًا فعلم أن كنيته كانت تعريفًا له عندهم ولا يشبه هذا قولهم. رب الدار. ورب الثوب، ورب القوم، لأن ذلك ليس من صفات الله تعالى لأن أصله التربية وهو مصدر قولهم ربه بربه ربا وليس كذلك الملك. لأنه من صفات الله تعالى من الوجه الذي بينا. وكذلك حاكم الحكام. وقاضي القضاة ليس من أسمائه لعدم التوقيف فيه. وليس كذلك في الملك فإنه من أسمائه المختصة من الوجه الذي بينا وكذلك قولهم:

الأوحد. ليس من أسماء الله لأنه لا يتجرد للخير فإنه قد يكون [أوحد] في الشر وفي الشطارة وفي الخير. وقد ذكر بعض المتكلمين في بعض كتبه. فقال: أسماء الله على ضربين: منها ما يختص الباري عز وجل بها. ولا يشاركه أحد فيها وهو الله والرحمن، والغفار والمليك والصمد والمتعالي والسبوح، والقدوس. والإله والمعبود. ومنها: ما لا يختص الباري عز وجل بها بل يجوز أن يسمى بها غيره فقال: كالعالم والحي والمربد والقادر والمتكلم والآمر والناهي والمحي والغني والسميع والبصير والمدرك والموجود والباقي وما جرى هذا المجرى.

فصل نقل بن منصور قلت لأحمد: رجل مسلم يوجد في بيته خمر. فقال: يهرق الخمر ويؤدب وإن كان يتجر به يحرق بيته كما فعل عمر برويشيد. قال إسحاق: كما قال.

وظاهر هذا أنه يحرق بيته. وذكر الخلال في كتاب الأشربة قال حنبل سمعت أبا عبد الله سئل عن من يعمل المسكر ويبيعه يرى يحول من الجوار؟ قال: ارى أن يوعظ في ذلك. ويقال له [ويخبر] فإن انتهى وإلا أنهى أمره إلى السلطان حتى يمنعه من ذلك. وذكر أبو عبد الله بن بطه في كتاب تحريم الأشربة المسكرة (بابًا فيما أمر به من تحريق البيت الذي يوجد فيه الخمر) فذكر بإسناده عن صفية بنت [أبي] عبيد قال: وجد عمر بن الخطاب في بيت رجل من ثقيف شرابًا مسكرًا فأمر به عمر فحرق بيته. وكان يدعى رويشد فقال عمر: إنك فويسق. وبإسناده عن

الحارث قال: شهد قوم على رجل عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه يصطنع الخمر في بيته فيشربها ويبيعها فأمر علي أن يدبر على بيته فوجد فيه الخمر. فأمر بها وكسرت وحرق بيته. وانهب ماله ثم جلده ونفاه. وذكر بإسناده عن عائشة رضي الله عنها، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سقى صبيًا صغيرًا شرابًا مسكرًا سقاه من طينة الخبال يوم القيامة وبإسناده عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينهى أن تسقى البهائم الخمر. وفي لفظ آخر مرض بعير له

فنعت له الخمر. فقال ابن عمر: ما كنت لأوجره خمرًا. وبإسناد عن أبي سعيد الغافقي أنه سمع عبد الله بن سعد على المنبر يقول: لا تسقوا بهائمكم الخمر. وذكر في الكتاب عن اسحاق بن هاني قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل بقرة شربت خمرًا أيجوز أن يؤكل لحمها قال: لا حتى ينتظر بها أربعين يومًا.

فصل في الكذب الكذب على أربعة أضرب: واجب ومباح وكبيرة وصغيرة. أما الواجب: فهو ما يخلص به مسلم من القتل. وأما المباح: ففي مواضع منها: ما عاد بالإصلاح بين الزوجين، والإصلاح بين المسلمين، وفي الحرب. فروت أم كلثوم قالت لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في سيء مما يقول الناس إلا في حديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. وروت أم كلثوم أنها قالت: لم تسمع رسول الله يرخص في الكذب إلا

في الحرب) وروى الحربي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الكذب كله أثم إلا ما نفع مسلماً أو دفع عنه). وأما الكبيرة: شهادته بالزور في قتل أو أخذ مال أو كذب على النبي صلى الله عليه وسلم في خبر. فروى عمر وعثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كذب علي معتمداً فليتبوأ مقعده من النار وقد ورد في شهادة الزور من الوعيد ما هو مذكور في غير الموضع. وأما الصغيرة [فكأن] يكذب في خبره على نفسه بأنه قد فعل ولم يفعل

ونحو ذلك. وقد روى موسى الجندي قال (ورد النبي صلى الله عليه وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها) وروى يحيى بن [سلام] قال اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم من وافد قوم على كذبه: قال: (لولا سخاء فيك ومَقَك الله عليه لشردتك من وافد قوم) وقال أحمد في رواية علي بن سعيد في الرجل يكذب كذبة واحدة لا يكون في موضع العدالة. وكذلك نقل بن منصور متى يترك حديثه قال: إذا كان الغالب عليه الخطأ قيل له الكذب من قليل أو كثير؟ قال: نعم وظاهر هذا أنه رد خبره بكذبة

واحدة وأخرجه عن حكم العدالة. وقال في رواية أحمد بن أبي عبدة في الرجل يكذب، فقال: إن كثر كذبه لم يصل خلفه وظاهر هذا إنه جعله كغيره من الصغائر. وعلى أن نحمل كلامه على اختلاف حالين. فالموضع الذي أخرجه عن حكم العدالة بكذبة واحدة إذا كان الكذب شهادة الزور. والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كبيره. والموضع الذي لم يخرجه عن حكم العدالة بكذبة واحدة إذا كان الكذب في خبره عن نفسه لأنه صغيره.

فصل في هجرة الفساق وأهل المعاصي بعد ثلاثة أيام. فلا يخلو فسقهم من أحد أمرين. إما أن يكون لمعنى يرجع إلى حق الله تعالى أو لحق آدمي. فإن كان لحق الله تعالى كالزنا أو السرقة وشرب الخمر وقطع الطريق والكذب ونحو ذلك، فإنه يجوز بل هو مرغوب فيه ومثاب عليه. ولا فرق في ذلك بين ذي الرحم وبين الأجنبي وإن كان لحق آدمي كالقذف والسب والغيبة وأخذ ماله غصباً ونحو ذلك. نظرت فإن كان الحق للهاجر،

والفاعل لذلك من أقاربه وأرحامه لم تجز هجرته وإن كان الحق لغيره فهل تجوز هجرته أم لا؟ على روايتين: أحدهما: لا يجوز أيضاً. والثانية: يجوز. وقد نص احمد على معنى هذا التفصيل. فقال في روايته الفضل بن زياد وقد سأله رجل عن ابنة عم له تنال منه وتظلمه وتشتمه أو تقذفه فقال: تسلم عليها إذ لقيته، أقطع المصارمة. المصارمة شديدة). وهذه الرواية تدل على منع الهجرة لأقاربه لحق نفسه. وقال في رواية حنبل وقد سئل عن صاحب الزنا أسلم عليه؟ فقال: إذا كنت تعلم أنه مقيم على معصية وهو يعلم بذلك لم يأثم إن جفاه حتى يرجع إلى مقالة أهل الإسلام. وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكراً عليه ولا جفوة من صديق؟ وهذه الرواية تدل على الهجرة لحق الله. وفي معنى ذلك ما قاله في رواية المروذي، يكون في سقف البيت الذهب بجانب صاحبه وقال في رواية المروذي وقد سأله فقال: إن رجلاً

من أهل الخير قد تركت كلامه لأنه قذف رجلاً مستورا بما ليس فيه ولي قرابة يشربون المسكر ويسركون وكان هذا قبل ليلة النصف من شعبان فقال: اذهب إلى ذلك الرجل حتى تكلمه. ودع هؤلاء يسكرون وهذه الرواية تدل على جواز ذلك لحق الله في حق القريب ولا يجوز في حق الآدمي لأنه أمره بكلام القاذف ومنعه من كلام الشارب مع كونه قرابة له. وقد اشتهرت الرواية عنه في هجرة من اجاب في المحنة إلى أن مات مثل يحيى وغيره وقال

المروذي. ذكر له الطوسي فقال: صاحب صلاة وخير. فقيل له يكلمه، فنفض يده وقال: إنما أنكرت عليه كلامه في ذلك الرجل يعني بشر بن الحارث. وقال إنه قبل من أم جعفر، وهذه الرواية تدل على جواز ذلك لحق آدمي لأنه هجر الطوسي مع صلاحه لكلامه في بشر. وذلك لحق آدمي. فإن كان يستسر بهذه المعاصي ولا يظاهر بها فظاهر كلام أحمد لا يهجر. قال في رواية حنبل: ليس لمن يسكر ويقارف شيئاً من الفواحش حرمة ولا وصلة إذا كان معلناً بذلك مكاشفاً قال أبو بكر الخلال: في كتاب المجانبة أبو عبد الله بهجر أهل المعاصي ومن قارف الأعمال

الردية أو تعدى حديث رسول الله على معنى الاقامة عليه والاصرار. وأما من سكر أو شرب أو فعل فعلاً من هذه الأشياء المحظورة ثم لم يكاشف بها، ولم يلق فيها جلباب الحياء فالكف عن أعراضهم وعن المسلمين وإلا قال عن أعراضهم أسلم. ويزيد في بيان هجرة أهل المعاصي ومن يقارف لأعمال الردية ويتكلم في أعراض الناس أحسن من محمد بن منصور قد كان رجلاً ثقة صدوقاً جليلاً وقد مدحه أحمد وهجره مع هذه المدحة لما أخطأ وتقول على بشر ما لم يفعل. فأما ما يخرج به من الهجر فظاهر كلام أحمد أنه لا يخرج من ذلك بمجرد السلام وإنما يخرج منها بعوده إلى حاله مع المهجور قبل الهجرة. إن كان سلاماً فقط فعل ذلك، وإن كان اجتماعاً ومؤانسة فعل ذلك. قال في

رواية محمد بن حبيب وسئل عن الرجل لا يكلم الرجل [أ] السلام من الصرام؟ . فقال: الخوف من أجل أيهما يصد أحدهما عن صاحبه وقد كانا متوانسين يلقى أحدهما صاحبه بالبشر إلا أن يتخوف منه نفاقاً. وقال في رواية الأثرم وقد سئل عن السلام يقطع الهجران؟ فقال: قد يسلم عليه وقد صد عنه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يلتقيان يصد هذا ويصد هذا فإذا كان فدعوه أن يكلمه ويصافحه. وقد هجر أحمد أولاده وعمه وابن عمه لما أخذوا جوائز السلطان. وهذا ظاهر مشهور من حاله. وهذا يقتضي جواز الهجرة يأخذ الشبهة وقد قال أبو النصر العجلي: أتيت أبا عبد الله وقد قدمت من سفر فقلت لصالح ابنه

ليستأذن لي عليه. فقال: لا يكلمني قلت: فعمه؟ قال: ولا عمه لا يكلمه. قلت. ولم؟ قال: قال لي: لا تأخذ من هؤلاء وقد أخذت ما قد استغنيت [به] وقال لعمه: لا تأخذ فلما أخذنا وأخذ هجرنا وهجر عمه. وقال أبو بكر المروذي قال أبو عبد الله تفكرت في عمي أبي يوسف ما تركت من كلامه فنظرت فإذا العم في كتاب [] وقال حسين [الصائغ لما أخذ أصحاب أبي عبد الله في الغارمين يعني قبل المحنة] يحيى وخلف وأبو

خيثمه اعتزل أبو عبد الله [يوسع] على من أخذ الجوائز من السلطان على سبيل الحاجة. فلما ثبت عند أبي عبد الله أنهم قد استغنوا عن ذلك هجرهم على معنى الاستغناء ثم كلمهم بعد أن هجرهم. وكان كلامه إياهم عندي على قطع المصارمة لأنهم وإن كانوا استغنوا من الأخذ فلهم حجة قوية في أخذ الجوائز من السلطان وإن كانوا أغنياء. وهجر أبو عبد الله أصحابه لما أخذوا في الغارمين ثم كلمهم بعد ذلك وكان كلامه. اما هم عندي على ما بينت في أولاده فالدلالة على جواز الهجر فيما بعد الثلاث في الجملة لله خلافاَ لبعض الشافعية في قوله لا يجوز ما حدثناه جدي أبو القاسم رحمه الله في تفسير يحيى بن

سلام في قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} الآية عن غزوة تبوك كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر الناس أن لا يجالسوهم ولا يكلموهم ثم أرسل إلى أهليهم أن لا يؤووهم ولا يكلموهم حتى أنزل الله توبتهم. قال أحمد في رواية عبد الحميد بن ميمون بن مهران الرقي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام الثلاثة الذين تخلفوا بالمدينة حين خاف عليهم النفاق وهكذا

في كل من خفنا عليه وقال في رواية القاسم بن محمد المروزي ان كان هذا محفوظاً ولم يكن من كلام الزهري ففيه شيء من الفقه أنه اتهمهم بالنفاق وكذلك من اتهم بالكفر لا بأس أن يترك كلامه. وروى ابن الأجري بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لكل أمة

مجوس وأن مجوس هذه الأمة القدرية فلا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا فنهاهم عن عيادتهم والصلاة عليهم وهذا مبالغة في

الهجرة وروى وأخبرني جدي في الإجازة في فضائل الصحابة بإسناده عن عائشة في قصة الإفك قالت: كنت تلك الليالي شاكيه فكان أول ما أنكرت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يعودني بل ذلك إذا مرضت وكان تلك الليالي لا يدخل علي

ولا يعودني إلا أنه يقول وهو مار كيف تيكم؟ فيسأل عني بعض أهل البيت، وقد احتج أحمد بهذا الحديث في رواية مثنى الانباري وقد سأله أكثر ما يعرف في المجانبة. فذكر حديث عائشة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم كلامها والسلام عليها حين ذكر ما ذكر. وروى أبو بكر الخلال بإسناده عن أبي زيد أن رجلاً من الأنصار أعتق ستة مملوكين له عند الموت فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة. وقال لو شهدت قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين قال أبو بكر المروذي ذهب إليه أبو عبد الله وقال ما ظننت أن أحمد أخذ به إلا وروى أبو بكر بإسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (أي عرى الإيمان أوثق؟ قال الله ورسوله أعلم. قال: الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله). وذكر ابن الىجري في كتاب (هجرة

أهل البدع والأهواء قصة حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش يحذرهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي بهجرته وطرده. فلما أنزل الله عز وجل توبته عاتبه الله على فعله فتاب عليه. ولأنه اجماع الصحابة. روى أبو بكر الخلاب بإسناده عن عطاء أن رجلاً باع ذهباً أو ورقاً بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ينهي عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل، فقال الرجل: ما أرى به بأساً، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من فلان أحدثه عن رسول الله

ويخبرني عن رأيه؟ لا ساكنتك بأرض أنت ساكنها أبداً. وروى بإسناده عن سعيد بن جبير أن قريباً لعبد الله بن مغفل. حذف فنهاه وقال إن رسول الله نهى عن الخذف انها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدواً

ولكنها تكسر السن وتفقأ العين. قال: فعاد، فقال أحدثك عن رسول الله ثم تخذف! لا اكلمك أبداً ورى بإسناده عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر وأنا أمشي معه: من أنت؟ قال قلت: أسلم مولى عمر [قال: لو قلت] غير هذا لم أكلمك أبداً معناه لو ادعيت إلى غير مواليك. وبإسناده عن شيخ من بني عبس قال: رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: تضحك

مع الجنازة؟ لا أكلمك أبداً. وبإسناده عن الحسن قال: لأنس بن مالك امرأة في خلقها سوء فكان يهجرها الستة الأشهر ولأكثر فتتعلق بثوبه فتقول أنشدتك الله يا بن مالك! أنشدتك الله يا بن مالك! فما يكلمها. وبإسناده عن عبد الله قال شهدت أنس بن مالك وقال له رجل يا أبا حمزة إن قوماً يكذبون بالشفاعة قال: لا تجالسوهم. وقال له رجل: يا أبا حمزة إن قوماً يكذبون

بعذاب القبر قال لا تجالسوهم. وبإسناده عن أبي ظبيان أن حذيفة دخل على رجل يعوده فرآه قد جعل في عضده خيطاً فقال: ماله؟ ما هذا؟ قال: من الحمى. فقام غضباناً وقال: لو مت وهذا عليك لم أصل عليك. وبإسناده عن الحسين قال قيل لسمرة بن جندب إن ابنك أكل طعاماً حتى كاد أن يقتله. قال لو مات ما صليت عليه. وبإسناده عن عائشة قال: بلغ عمر بن الخطاب عن رجل شيء فأمر شباب قريش أن لا يجالسوه. وبإسناده عن أبي عثمان أن رجلاً من بني يربوع يقال له صبيغ سأل عمر عن الذاريات والنازعات والمرسلات أو عن إحداهن فقال له

عمر: ضع عن رأسك فوضع عن رأسه فإذا له وفرة قال: لوجدتك محلوقًا لضربت الذي فيه عيناك. ثم كتب إلى أهل البصرة أن لا تجالسوه. أو قال كتب الينا لا تجالسوه فلو جلس الينا ونحن مانه تفرقنا عنه وفي لفظ آخر عن رجل من بني

مجاشع عن أبيه قال لقد رأيت صبيغ بن عسل كأنه جمل أجرب يأتي الحلقة فيتفرقون ويدعونه ويأتي الحلقة الأخرى فيتفرقون ويدعونه ويأتي الحلقة التي لم يعرفوه فتناديهم الحلقة التي قد عرفوه بجزمة أمير المؤمنين

فأكثر ظني أنهم يتفرقون عنه. وفي لفظ آخر قالت امرأة صبيغ قال لي صبيغ اتقي الله ولا تكلمين واقبلي بجزمة أمير المؤمنين. وبإسناده عن مجاهد قال قلت لابن عباس إن أتيتك برجل يتكلم في القدر فقال لو أتيني به لأوجعت رأسك ثم قال لا تكلمهم ولا تجالسهم.

وروى أن عبد الله بن الزبير بلغه عطاء عائشة المال وهبتها فقال: لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها. فبلغها ذلك فحلفت أن لا تكلمه حتى جاءها واعتذر اليها فكلمته وكفرت عن يمينها.

ولأنه إجماع التابعين: فروى أبو بكر بإسناده عن أيوب قال: قال لي سعيد بن جبير المرادي مع طلق؟ يعني ابن حبيب؟ قال: قل: بلى قال: لا تجالسه فإنه مرجئ. وبإسناده عن محل الضبي قال تكلم رجل عند

إبراهيم في الإرجاء. فقال له إبراهيم: إذا قمت من عندنا فلا تعد الينا. وبإسناده عن حماد بن زيد قال لما قدم علينا حماد بن أبي سليمان نهانا أيوب ويونس بن عبيد وهشام وأصحابنا عنه فقالوا: إن

هذا مرجئ. فلم نأته. وبإسناده عن [محمود] بن غيلان المروذي قال صليت في الحجر مع مؤمل بن اسماعيل فلما خرج اتبعته فسلمت عليه أو قال كلمته فلم يرد على مرتين أو ثلاث. فقال [لم أرى الشيخ المخضوب إلى جنبك وأنت تصلي؟ ذلك مرجئ! ]. كان سفيان إذا بلغه عن رجل أمره ونهاه. فإن قبل وإلا جانبه. قال فقلت أن

لم أعرفه. قال: فقال: والله لو قلت: أني أعرفه ما كلمتك أبدًا وبإسناده عن المغيرة قال مر ابراهيم التيمي بإبراهيم النخعي فسلم عليه فلم يرد عليه وسلم على سعيد بن جبير فلم يرد عليه. وبإسناده عن يزيد بن شريك قال لما قص ابراهيم التيمي أخرجه أبوه من دار وقال: ما هذا الذي قد أحدثت؟ ! وبإسناده عن أبي داود قال كنت جالسًا عند طاووس فقال لئن جلس

لأقومن. وبإسناده عن محمد بن كعب القرظي لا تجالسوا أصحاب القدر. ولا تماروهم فإنما هي شعبه من النصرانية. وبإسناده عن حماد بن سلمه قال كان إذا جلس يقول من كان قدريًا فليقم. وبإسناده عن ابن عون قال كنا مع [أبي] السوار في مسجد

بني عدي فدخل معبد الجهني من بعض أبواب المسجد فقال: [أبو] السوار لا تدعوه اذن يجلس الينا. وبإسناده عن سليمان التيمي قال: إني لألقى الله بذنب ما أدري يعذبني الله عليه أو يغفره لي وذلك أني سلمت على رجل من أهل القدر. وبإسناده عن وهب بن جبير عن أبيه قال كنا عند الأعمش فذكروا

عثمان. فقال: كان يختم القرآن في ركعه فقال رجل مكفوف. لقد كان صلب الساقين، فقال الأعمش: أف! أف! يذكر رجل من أصحاب رسول الله ويقول: كان صلب الساقين! قال: ولا أراه إلا قال قم فلا تجالسنا. وبإسناده عن أبي نعيم قال: مات مسعر ومروا بجنازته على سفيان وهو قاعد فما قام. وبإسناده عن مؤمل قال: مرض سفيان بمكة وهو يطلب فدخل عليه أمير مكة

يعوده فسلم عليه. فلم يرد عليه. فخرج. فقيل لسفيان: أنت على هذه الحال. لو كنت رددت عليه. فقال: إنما فعلت هذا به ليدفع عني ذاك الطلب وبإسناده عن معاذ بن معاذ العنبري قال لما وليت القضاء جلس عني أصحابي يحيى وعبد الرحمن وخالد فما بقي معي أحد إلا عفان وإنما حمله على ذاك الفقر. ولأن كل معصية حل بها الهجران لم يتقدر بالثلاث. أو يقول جاز أن يزيد [على] الثلاث، دليله هجران الزوج زوجته عند إظهار النشوز بقوله تعالى:

{واهجروهن في المضاجع}، فأما ذلك القائل فإنه يحتج بما حدثناه ابن المنتاب بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام وروى أبو [محمد] الخلال بإسناده عن أبي حدرد الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هجران الرجل أخاه كسفك دمه. والجواب: أنه يجوز أن تحمل هذا على هجرة تغيير معصية [لا لمنافسة] في الدنيا وكما روي عن أنس أنه هجر زوجته لسوء أخلاقها وكانت تعلق به وتقسم عليه ولا يجيبها.

واحتج بأنه يصلي عليه إذا مات. والجواب: أنا قد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة الامتناع من الصلاة. وعلى أن القصد الردع والزجر له وهذا المعنى لا يوجد بعد موته.

فصل ولأنما كره أحمد هجرة الأقارب لحق نفسه لما جاء من الأخبار في صلة الرحم. فحدثنا ابن المنتاب بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي. فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته. وبإسناده عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا أرحامكم ولو بالسلام.

وبإسناده عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يدخل الجنة قاطع) (رحم) وروى عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا انقطعت رحمه وصلها. وفي رواية ابن أبي أوفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنزل الرحمة على قوم

فيهم قاطع (رحم) فقال رجل من جلسائه يا رسول الله إن لي خالة لم أطق أكلمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقم فكلمها. وانما فرق أحمد بين حق الله تعالى وحق الآدمي على أحد الروايتين فأجازها في حق الله ومنعها في حق الغير على رواية المروذي في قذف الأجنبي لأن حق الله أضيق لأنه لا يدخله العفو. وحتى الآدمي أخف يدخله العفو بالإبراء والإسقاط ويبين هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق أن يقضى) وانما لم يجعله أحمد خارجًا من الهجر بمجرد السلام حتى يعود إلى عادته معه في الاجتماع والمقاربة لأن العادة أن الهجرة لا تزول إلا بعوده إلى عادته معه. وإنما أجاز أحمد الهجرة بتناول الشبهات لأن الصحابة قد هجرت بما هو في

معناه من ذلك ابن مسعود هجر من ضحك في جنازة وحذيفة هجر [من] بيده الخيط في الحمى وعمر أم بهجران صبيغ لسؤاله عن المسائل. وعائشة هجرت ابن الزبير لقوله لتنتهين أو لأحجرن عليها.

فصل ولا تجوز الهجرة بخبر الواحد مما يوجب الهجرة. نص عليه في رواية أبي مزاحم موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان ذكرها فيما خرجه من فضائل أحمد فقال حدثني ابن مكرم الصفار قال حدثنا مثنى بن جامع الانباري قال ذكر أبو عبد الله هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني حديث النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذ بالقرف ولا يصدق أحدًا على أحد فقال إلى هذا أذهب أنا أو هذا مذهبي ابن مكرم نسي. وروى أبو مزاحم قال حدثني بن مكرم قال حدثني الحسن بن الصباح

البزار قال حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن جحاده عن الحسن قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأخذ بالقرف ولا يصدق أحد على أحد) قال قيل: ما كان يمتنع أن يمتحن بخير الواحد لأنه يكسب التهمة في المخبر عنه. كما يجوز الحبس بالتهمة وقد روى أبو بكر الخلال في آخر الجزء الأول من الشهادات بإسناده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي (حبس في

تهمة. وقد قال أحمد في رواية بي بكر المروذي وحنبل حبس النبي في تهمة قيل: يحتمل أن يكون وجه الحديث أن رجلًا ادعى حقًا على رجل حقًا يتعلق بالمال أو البدن وأقام شاهدين ظاهرهما العدالة غير أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف عدالتهما في الباطن فحبس المشهود عليه ليسأل عن عدالتهما في الباطن لأن شهادتهما تهمة في حق المدعى عليه وهذا معدوم في مسألتنا. آخر الكتاب والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

جاء في هوامش الصفحة الأخيرة تعليقات بعضها بخط الناسخ وأخرى بخط غيره. وبعض هذه التعليقات لا علاقة لها بموضوع الكتاب وهي ركيكة الأسلوب ومبتورة المعنى ويصعب فهمها إذا لم يصلح سبكها لذا أضيف ما لابد منه وأجعله بين حاصرتين واترك التعليق على ما يمكن فهمه وذلك كما يلي: قال في أسفل الصفحة في غير اتجاه الأسطر: - سمعت من الشيخ أبي يعلى الفراء إذا سلم على الجماعة ورد السلام واحد يسقط [عن] الباقين برد السلام. وكذلك إذا صلى بالجنازة بعضهم يسقط [عن] الباقين. وكذلك الدفن في القبر يسقط بعضهم. وكذلك الجهاد في سبيل الله إذا جا [ء به] بعضهم يسقط بعضهم. وكذلك النهي [عن المنكر] فذكر الشيخ إذا حضروا بعضهم يسقط [عن] بعضهم بالباقين. وسمعت بموضع [آخر] يجب العلم حتى يعرف كل مسلم وإذا علم العلم الواحد يسقط عن الباقين حتى يعرفوهم مثل العالم والمتعلم والمعلم إذا بصروا [بهم] الناس يسقط عن الباقين. وجاء في الجانب الأيمن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد وهب لي تعالى جعل لي الأرض. وفي الركن الأيسر: سمعت بخبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا حمي الناس ثم [ي] ويدخل في النهر وقعد وقام في المال أو اليومين أو ثلاثة أيام أو إلى [سبعة ايام] وبعده برأه الله تعالى هذا الوجع. المريض خلق بعضهم النار في الجسد. فإذا وقع في المال وقت الغد قبل طلوع الشمس يدخل في الماء يبرد ويذهب [ ... ] النار في الجسد. وفي يسار الصفحة: سمعت أبي الشيخ قال النبي صلى الله عليه وسلم أن [ ... ] هم المفلحون يوم القيامة أ. هـ.

§1/1