الأضداد لابن الأنباري

ابن الأنباري

[مقدمة]

بسم الله الرحمن الرحيم (الملك الحق المبين، وما توفيقي إِلا بالله) قال أَبو بكر محمدُ بن القاسم بن بشَّارٍ الأَنباريُّ النحويّ: الحمد لله حقَّ حمدِه، على ما أَوْلَى من نِعمه وفَضْلِه، وظَاهَر من آلائه وَطوْله. والصَّلاةُ على خيرِ خَلْقه، أَبي القاسم خاتِم رُسُله، والأَمينِ على وَحْيِه، والدَّاعي إِلى أَمرِه، والسَّلامُ على الطّيّبين من آله وصحبِه. هذا كتاب ذِكْر الحروف التي تُوقِعُها العربُ على المعاني المتضادّة، فيكونُ الحرفُ منها مؤدِّياً عن معنييْن مختلفيْن، ويَظُنُّ أَهلُ البِدَع والزَّيْغ والإِزْرَاء بالعرب، أَنَّ ذلك كان منهُمْ لنُقْصان حكمتهم، وقلَّة بلاغتهم، وكثرة الالْتباس في محاوراتهم، وعند اتّصال مخاطباتهم، فيَسْأَلُون عن ذلك، ويحتجُّون بأنَّ الاسم مُنبِئ عن المعنى الَّذي تحته ودالٌّ عليه، ومُوضِحٌ تأْويلَه، فإِذا اعتورَ اللفظةَ الواحدة معنيان مختلفانِ لم يَعْرِف المخاطَب أَيَّهما أَراد المخاطِب،

وبَطَل بذلك معنى تعليق الاسمِ على المسمّي. فأُجيبوا عن هذا الَّذي ظنُّوه وسأَلوا عنه بضُروبٍ من الأجوبة: أَحدُهنّ أَنَّ كلامَ العرب يصحِّح بعضُه بعضاً، ويَرتبِط أَوَّلُه بآخره، ولا يُعْرَفُ معنى الخطابِ منه إِلاَّ باستيفائه، واستكمال جميع حروفه، فجاز وقوعُ اللَّفظَةِ على المعنييْن المتضادَّيْن، لأَنَّها يتقدَّمُها ويأْتي بعدَها ما يدلُّ على خصوصيَّةِ أَحد المعنييْن دون الآخر، ولا يُراد بِها في حالِ التكلُّم والإِخبار إِلاَّ معنًى واحد؛ فمن ذلك قول الشَّاعِر: كلُّ شَيْءٍ ما خَلاَ المَوْتَ جَلَلْ ... والفَتَى يَسْعَى ويُلْهِيه الأَمَلْ فدلّ ما تقدَّم قبل جلل وتأَخَّر بعده على أَنَّ معناه: كلُّ شيءٍ ما خَلا الموت يَسيرٌ؛ ولا يتوهَّم ذو عقل وتمييز أَنَّ الجَلَلَ هاهنا معناه عظيم. وقول الآخر: يا خَوْلَ يا خَوْلَ لا يَطْمَحْ بِكِ الأَمَلُ ... فقد يُكَذِّبُ ظَنَّ الآمِلِ الأَجَلُ يا خَوْلَ كَيْفَ يَذُوقُ الخفضَ معترِفٌ ... بالموتِ والموتُ فيما بَعْدَهُ جَلَلُ فدلَّ ما مضى من الكلام على أَنَّ جللا معناه يسيرٌ.

وقول الآخر: فَلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلاً ... ولَئِنْ سَطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمِي قَوْمِي هُمُ قَتَلوا أُمَيْمَ أَخِي ... فإِذا رَمَيْتُ يُصِيبُني سَهْمِي فدلَّ الكلامُ على أَنَّهُ أَراد: فلئن عفوتُ لأَعفونَّ عفواً عظيماً، لأنَّ الإِنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير؛ فلمَّا كان اللَّبس في هذين زائلاً عن جميع السامعين لم ينكَرْ وقوعُ الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفَي اللَّفْظين. وقالَ الله عزّ وجلّ، وهو أصدق قيل: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ أَراد: الذين يتيقنون ذلك، فلم يذهب وهْمُ عاقل إِلى أَنَّ الله عزّ وجلّ يمدح قوماً بالشكّ في لقائه، وقالَ في موضع آخر حاكياً عن فرعون في خطابه موسى: إنِّي لأَظُنُّكَ يا مُوسَى مَسْحُوراً. وقالَ تعالى حاكياً عن يونس: وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدرَ عَلَيْهِ، أراد: رَجَا ذلك وطمع فيه، ولا يَقُولُ مسلِم إِنَّ يونسَ تيقَّنَ أَنَّ الله لا يقدر عليه. ومَجْرَى حروف الأَضْدادِ مجرى الحروف التي تقعُ على

المعاني المختلفة، وإِنْ لم تكُنْ متضادَّة، فلا يُعرَف المعنى المقصودُ منها إِلاَّ بما يتقدَّم الحرفَ ويتأَخَّر بعده ممَّا يُوضِحُ تأْويله، كقولك: حَمَل، لولد الضّأْنِ من الشّاء، وحَمَل اسم رجل، لا يعرف أَحدُ المعنيين إِلاَّ بما وصفنا. وكذلك يتلمَّظَان، ويَقومُ عَبْدِ اللهِ؛ لا يُعْرَفُ أَنَّ شيئاُ من هذا منقول عن معناه إِلى تسمية الرّجال به إِلاَّ بدليلٍ يُزيل اللَّبْس عن السامعين؛ فمن ذلك ما أَنْشدنا أَبو العباس، عن سلَمة، عن الفَرَّاءُ: إِذا ما قيلَ أيُّ الناس شَرٌّ ... فشرُّهُمُ بَنو يَتَلَمَّظانِ جعل يتلمّظان اسماً لرجل. وأَنشدنا أَبو العباس أَيْضاً: خُذُوا هذهِ ثمَّ استعِدّوا لمثلِها ... بَنِي يَشْتهي رُزء الخليل المُناوِب جعل يشتهي، وما بعده اسماً لرجل. وأَنْشَدَنا أَبو العباس، عن سَلَمة، عن الفَرَّاءُ، عن الكِسائيّ:

وكنتُ ابنَ عَمٍّ باذلاً فوَجدْتكُمْ ... بَني جُدَّ ثَدْياها عليَّ ولا لِيا جعل جُدَّ ثَدْياها اسماً. وأَنْشَدَنا أَبو العباس، عن سلَمة، عن الفَرَّاءُ، عن الكِسائيّ: أَعَيْرُ بَني يَدِبُّ إِذا تَعَشَّى ... وعَيْرُ بَنِي يَهِرُّ على العَشاءِ جعل يهِرّ ويدِبّ اسمين. وكذلك غَسقَ، يقع على معنييْن مختلفين للعلة التي تقدّمت،: أَحدُهما أَظْلَمَ، من غَسَقِ الليل، والآخر سالَ من الغَساق، وهو ما يَغْسِقُ من صَديد أَهل النار، قال عُمارة بن عَقيل: تَرَى الضَّيْفَ بالصَّلْعاءِ تغْسِقُ عَيْنُهُ ... مِنَ الجوعِ حتَّى تحْسِبَ الضَّيْفَ أَرْمدا وقالَ عمران بن حِطّان: إِذا ما تذكَّرْتُ الحياة وطيبَها ... إليّ جَرَى دَمْعٌ من العَيْنِ غاسِق أَي سائل. والجميل: الرجل الحسَن، والجميل: الشحْم المُذاب، يعرف معناهما بما وصفناه. والزِّبْرِج: الأَثَر، والزِّبْرِج: السحاب الرقيق. والحَلَمة: رأْس الثّدي، والحلَمة: نبات ينبت في السهل.

والأُمّة: تُبَّاع الأَنبياء، والأُمّة: الجماعة، والأُمّة: الصالح الَّذي يؤتم به، والأُمّة: الدِّين، والأُمّة: المنفرد بالدِّين، والأُمّة: الحين من الزمان، والأُمّة: الأُمّ، والأُمّة: القامة؛ وجَمْعُها أُمَم؛ قال الأَعشى: وإنَّ مُعاوِية الأَكْرَمينَ ... حِسانُ الوُجوهِ طِوالُ الأُمَمْ في أَلفاظ كثيرة يطول إحصاؤها وتعديدها، تُصْحِبُها العربُ من الكلام ما يدلّ على المعنى المخصوص منها. وهذا الضرب من الأَلفاظ هو القليل الظريف في كلام العرب. وأَكثر كلامهم يأْتي على ضربيْن آخرين: أَحدُهما أَن يقع اللفظان المختلفان على المعنييْن المختلفين؛ كقولك: الرجل والمرأَة، والجمل والناقة، واليوم والليلة، وقام وقعد، وتكلّم وسكت؛ وهذا هو الكثير الَّذي لا يُحاط به. والضرب الآخر أَن يقع اللفظان المختلفان على المعنى الواحد، كقولك: البُرّ والحنْطة، والعَيْر والحمار، والذّئب

والسِّيد، وجلس وقعد، وذَهب ومضى. قال أَبو العباس عن ابن الأَعْرَابِيّ: كلُّ حَرْفين أَوْقعتْهُما العرب على معنًى واحد؛ في كلّ واحد منهما معني ليس في صاحبه، ربَّما عرفناه فأَخْبَرْنا به، وربَّما غَمُض علينا فلم نُلْزِم العربَ جهله. وقالَ: الأَسماءُ كلّها لعلة؛ خَصّت العربُ ما خصّتْ، منها من العلل ما نعلمه، ومنها ما نجهلُه. وقالَ أَبو بكر: يذهب ابن الأَعْرَابِيّ إِلى أَن مكّة سُمْيت مكّةَ لجذْب الناس إليها، والبَصْرة سميت البصرة للحجارة البيض الرِّخوة بها، والكوفة سُمِّيت الكوفة لازْدحام الناس بها، من قولهم: قد تَكوَّف الرملُ تكَوُّفاً، إِذا ركبَ بعضُه بعضاً، والإِنسانُ سمّي إنساناً لنسيانه، والبهيمة سُمْيت بهيمة لأنها أُبْهِمَتْ عن العقل والتمييز، من قولهم: أَمْرٌ مُبْهَمٌ إِذا كان لا يعرف بابُه. ويُقَالُ للشجاع: بُهْمة، لأَنَّ مُقاتله لا يَدْري من أَيّ وجه يُوقِع الحيلَة عليه. فإِن قال لنا قائل: لأَيّ علّة سُمِّي الرجلُ رجلاً، والمرأَة امرأَةً، والموْصل الموصِلَ، ودعد دعدا؟

قلنا: لعلل علمتْها العرب وجهلناها، أَو بعضها، فلم تَزُلْ عن العرب حكمةُ العلم بما لحقنا من غموض العلة، وصعوبة الاستخراج علينا. وقالَ قطرب: إنما أَوقعت العرب اللفظتين على المعنى الواحد ليدلّوا على اتساعهم في كلامهم، كما زاحفوا في أَجزاء الشِّعْر، ليدلّوا على أَنَّ الكلام واسعٌ عندهم، وأَنَّ مذاهبه لا تضيق عليهم عند الخطاب والإطالة والإِطناب. وقول ابن الأَعْرَابِيّ هو الَّذي نذهب إليه، للحجّة التي دَللْنا عليها، والبرهان الَّذي أَقمناه فيه. وقالَ آخرون: إِذا وقع الحرفُ على معنيين متضادّين، فالأَصلُ لمعنًى واحد، ثمَّ تداخل الاثنان على جهة الاتساع. فمن ذلك: الصّريم، يُقَالُ لليل صَريم، وللنهار صَريم، لأنُ الليل ينصرِم من النهار، والنهار ينصرِم من الليل، فأَصلُ المعنيين من باب واحد، وهو القَطْع. وكذلك الصارخ المغيث، والصارخ المستغيثَ؛ سمِّيا بذلك لأَن المغيث يصرُخُ بالإِغاثة، والمستغيثَ

يصرُخ بالاستغاثة؛ فأَصلهما من باب واحد. وكذلك السُّدْفَة: الظلمة، والسّدفة: الضَّوْءُ، سُمِّيا بذلك لأَنَّ أَصلَ السُّدْفة السِّتْر، فكأنَّ النهار إِذا أَقبل ستر ضوءه ظُلْمَة اللَّيل، وكأَنَّ الليلَ إِذا أَقبل سترت ظلمتُه ضوءَ النهار. والجَلَل: اليَسير، والجَلَل: العظيم، لأنَّ اليسيرَ قد يَكُونُ عظيماً عندما هو أَيْسر منه، والعظيم قد يَكُونُ صغيراً عند ما هو أَعظم منه. والبعضُ يَكُونُ بمعنى البعض والكُلّ، لأنَّ الشَّيْء كُلَّه قد يَكُونُ بعضاً لغيره. والظَّنُّ يَكُونُ بمَعْنَى الشكّ والعلم، لأنَّ المشكوك فيه قد يُعْلَم. كما قيل راجٍ للطّمِع في الشَّيْء، وراجٍ للخائف، لأَنَّ الرجاءَ يقتضي الخوفَ إذْ لم يكن صاحبُه منه على يقين، قال الله عزّ وجلّ: وتَرْجونَ مِنَ الله ما لا يَرْجونَ، فقال الكلبيّ، عن أَبي صالح، عن ابن عباس: معناه: وتخافون من الله ما لا يخافون. وقالَ الفَرَّاءُ: العرب لا تذهب بالرّجاء مذهبَ

الخوف إِلاَّ مع الجَحْد، كقولهم: ما رجوت فلاناً، أَي ما خفته، قال الله عزّ وجلّ: ما لَكُمْ لا تَرْجونَ لله وَقاراً، فمعناه: لا تخافون لله عظمة. وقالَ أَبو ذُؤَيْب: إِذا لسعتْه النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها ... وَحالفَها في بَيْت نُوبٍ عَوامِلِ أَراد: لم يخَفْ لَسْعَها. وقالَ أَبو بكر: ويروى: خالفها، بالخاء معجمة. وفي النُّوب قولان: أَحدُهما أَنَّها تضرب إِلى السواد، بمنزلة النُّوبة من الحَبَشة. والقول الآخر: النُّوب جمع نائب، وهو الرّاجع. وقالَ الهاشميّ عُبَيْدَة بن الحارث - قُتِلَ مع حمزة يوم أُحُد: لَعَمْرُكَ ما أَرْجو إِذا مُتُّ مُسْلِماً ... على أَيّ جَنْبٍ كان في الله مَصْرَعي معناه ما أَخاف.

وأَنشد يونس البصريّ: إِذا أَهلُ الكرامةِ أَكرموني ... فَلا أَرْجو الهوانَ مِنَ اللِّئامِ وأَنْشَدَ الفَرَّاءُ: ما تَرْتَجي حينَ تُلاقي الذَّائدا ... أَسَبْعَةً لاقتْ معاً أَم واحدا أَراد: ما تخاف. قال أَبو بكر: فكلام العرب في الرجاء على ما ذكر الفَرَّاءُ. وقالَ المفسِّرون خلاف ما روى الكلبيّ في المعنى الَّذي أَبطل صحتَه الفَرَّاءُ: وترجون من ثواب الله وتطمعون من حسن العاقبة والظَّفَر والغلَبة لأعدائكم فيما لا يَطْمع أَعداؤُكم، ولا يؤمَّلون مثلَه. وقالَ آخرون: إِذا وقع الحرفُ على معنيين متضادين، فمحالٌ أَن يَكُونُ العربيّ أَوقعه عليهما بمساواةٍ منه بينهما ولكنّ أَحد المعنيين لحيٍّ من العرب، والمعنى الآخر لحيٍّ غيره، ثمَّ سَمِعَ بعضُهم لغَة بعض، فأَخذ هؤلاء عن هؤلاء، وهؤلاء عن هؤلاء، قالوا: فالجَوْن الأَبيض في لُغَة حيٍّ من العرب، والجَوْن الأَسود في لُغَة حيٍّ آخر،

ثمَّ أَخذ أَحد الفريقين من الآخر، كما قالت قريش: حَسِبَ يَحْسِبُ. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن سلمة، عن الفرَّاء، قال: قال الكِسَائِيّ: أَخذوا يحسِب بكسر السِّين في المستقبل عن قوم من العرب يقولون: حَسب يَحْسِب، فكأَنَّ حَسِبَ من لغتهم في أَنفسهم، ويحسِب لغة لغيرهم، سمعوها منهم فتكلَّموا بها، ملم يقع أَصلُ البناء على فَعِل يَفْعِل. وقالَ الفرَّاء: قوَّى هذا الَّذي ذكره الكِسَائِيّ عندي أنِّي سمعت بعضَ العرب يَقُولُ: فَضِلَ يفضُل. قال أَبو بكر: يذهب الفَرَّاءُ إِلى أنَّ يفعُل لا يَكُونُ مستقبلاً لفَعِل، وأَنَّ أَصل يفضُل من لغة قوم يقولون: فَضَل يفضُل، فأَخذ هؤلاء ضمّ المستقبل عنهم. وقالَ الفَرَّاءُ: الذين يقولون: مِتّ أَموت، ودِمْت أَدوم، أَخذوا الماضيَ من لغة الذين يقولون: مِتّ أَمات، ودمْت أَدَام، لأَنَّ فَعِل لا يَكُونُ مستقبله يفْعُل على صحّة. قال أَبو بكر: فهذا قول ظريف حَسَن.

وقد جَمَع قومٌ من أَهل اللُّغة الحروفَ المتضادَّة، وصنَّفوا في إِحصائها كتباً، نظرت فيها فوجدت كلَّ واحد منهم أَتى من الحروف بجزء، وأَسقط منها جزءاً، وأَكثرهم أَمْسَكَ عن الاعتلال لها، فرأَيت أَن أَجمعها في كتابنا هذا على حَسَب معرفتي ومبلغ علمي؛ ليستغنِيَ كاتبُه والناظر فيه عن الكتب القديمة المؤلَّفة في مثل معناه؛ إِذا اشتمل على جميع ما فيها، ولم يُعْدَمْ منه زيادَةُ الفوائد، وحسنُ البيان، واستيفاءُ الاحتجاج، واستقصاءُ الشواهد. وأَنا أَرغب إِلى الله في حسن المعونة على ذلك، وأَسأَلُه التَّوفيق للصَّواب؛ وكمال الأَجر، وجزيل الثواب.

الظن

1 - فأوّل ذلك الظَنّ يقع على معانٍ أَربعة: معنيان متضادَّان: أَحدُهما الشكّ، والآخر اليقين الَّذي لا شكَّ فيه. فأَمَّا معنى الشكّ فأَكثر من أَن تُحْصَى شواهدُه. وأَمَّا معنى اليقين فمنه قول الله عزَ وجلّ: وأَنَّا ظَننَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ في الأَرْضِ ولَنْ نُعْجِزَهُ هرَباً، معناه عَلِمْنَا. وقالَ جلَّ اسمه: ورَأَى المُجْرِمُونَ النَّارَ فظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، معناه فعلِموا بغير شكّ، قال دُرَيْد، أَنشدناه أَبو العباس: بأَن تَغْتَزُوا قَوْمي وأَقعدَ فيكُم ... وأَجْعَلَ مِنِّي الظَّنَّ غَيْباً مُرَجَّما معناه: وأَجعل منِّي اليقين غيباً، وقالَ عديّ بن زيد: أُسْنِدُ ظَنِّي إِلى المَلِيكِ ومَنْ ... يَلْجَا إِلَيْه فلَمْ ينَلْه الضّرّْ

معناه: أُسْنِدُ علمي ويقيني. وقالَ الآخر: رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتُه بعَزِيمٍ ... وغيوبٍ كَشَّفْتُها بظُنُونِ معناه: كشفتها بيقين وعلم ومعرفة؛ والبيت لأَبي دواد. وقالَ أَوْس بن حَجَر: فَأَرْسَلْتُه مُسْتَقِينَ الظَّنِّ أَنَّهُ ... مخالطُ ما بين الشَّراسِيف جَائفُ معناه: مستقِين العلم. والمعنيان اللَّذان ليسا متضادَّين: أَحدُهما الكذب، ولآخر التّهمة، فإِذا كان الظنّ بمَعْنَى الكذب قلت: ظَنَّ فلان، أَي كَذَب، قال الله عزَ وجلّ: إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ، فمعناه: إِنْ هُمْ إِلاَّ يكذبون؛ ولو كان على معنى الشكّ لاستوفَى منصوبَيْهِ، أَو ما يقومُ مقامَهما. وأَمَّا معنى التّهمة فهو أَن تقول: ظننت فلاناً، فتستغنيَ عن الخبر، لأَنَّكَ اتَّهمته، ولو كان بمَعْنَى الشكّ المحْض لم يُقْتَصرْ به على منصوب واحد. ويُقالُ: فلان عندي ظَنِين، أَي متَّهم، وأَصله مَظْنون، فصرِف عن مفعول إِلى فعيل، كما قالوا: مطبوخ وطبيخ، قال الشَّاعر:

رجوت

وأَعْصِي كلَّ ذِي قُرْبَى لَحَاني ... بجَنْبك فَهْو عندي كالظَّنينِ وقالَ الله عزَ وجلّ: ومَا هُوَ على الغَيْنِ بِظَنِين، فيجوز أَن يكون معناه: بمتَّهم. ويجوز أَن يكون معناه: بضعيف، من قول العرب: وَصْلُ فلان ظَنون، أَي ضعيف، فيكون الأَصل فيه: وما هو على الغيب بظَنون، فقلَبوا الواو ياءً، كما قالوا: ناقةٌ طَعُوم وطَعِيم، للَّتي بين الغَثَّة والسَّمينة؛ في حروف كثيرة يطول تعديدها وإِحصاءها. وقالَ أَبو العباس: إنَّما جاز أن يقع الظّن على الشَّكّ واليقين؛ لأَنه قولٌ بالقلْب؛ فإِذا صَحَّت دلائل الحق، وقامت أَماراتُه كان يقيناً، وإِذا قامت دلائلُ الشَّكّ وبطلتْ دلائلُ اليقين كان كَذِباً، وإِذا اعتدلت دلائلُ اليقين والشَّكّ كان على بابه شَكًّا لا يقيناً ولا كذباً. 2 - وقال بعض أَهل اللُّغة: رجوت حرف من الأَضداد. يكون بمَعْنَى الشَّكّ والطَّمع، ويكون بمَعْنَى اليقين؛ فأَمَّا معنى الشَّكّ والطّمع فكثير لا يحاط به؛ ومنه قول كَعْب ابن زهير:

أَرْجُو وآمُلُ أَنْ تَدْنُو مودَّتُها ... ومَا إِخالُ لدينا منكِ تَنْوِيلُ معناه: وما لدينا منك تنويل، وإِخال: لغو. وأَما معنى العلم فقوله: فَمَنْ كان يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً. معناه: فمن كان يعلم لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً. وقولهم عندي غير صحيح؛ لأَنَّ الرَّجاءَ لا يخرج أَبداً من معنى الشَّكّ، أَنشدنا أَبو العباس: فَوَا حَزَنَى ما أَشْبَهَ اليأْسَ بالرَّجَا ... وإِنْ لَمْ يكونا عِنْدَنا بِسَواءِ والآية التي احتَجُّوا بها لا حجَّة لهم فيها؛ لأَنَّ معناها: فمن كان يرجو لقاءَ ثوابِ ربّه، أَي يطمع في ذلك ولا يتيقَّنه. وقالَ سهل السَّجسْتَانيّ: معنى قوله: فَمَنْ كان يَرْجُو لقَاءَ رَبِّه: فمن كان يخاف لقاءَ ربِّه. وهذا عندنا غَلَط؛ لأَنَّ العرب لا تذهب بالرَّجاء مذهب الخوف إِلاَّ مع حروف الجَحْد؛ وقد استقصينا الشواهد لهذا. ويقال: ارتجيت ورجَّيت بمعنًى؛ قال الشَّاعر:

فَرَجِّي الخَيْرَ وانْتَظِري إِيابي ... إِذا مَا القارِظُ العَنَزِيُّ آبا وجاءَ في الحديث: لوْ وُزِنَ رجاءُ المُؤمن وخوفه بميزان تَرِيصٍ لاعْتَدَلا، معناه: بميزان مُقَوَّم، يقال: قد تَرَّصَ الميزانَ إِذا قوَّمه، قال الشَّاعر: قَوَّمَ أَفْواقَها وتَرَّصَها ... أَنْبَلُ عَدْوانَ كلِّها صَنَعَا أَنبل عَدْوَانَ، معناه: أَحذقُهم بصنعة النَّبْل. وقالَ النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ: مَجَلَّتُهُمْ ذَاتُ الإِلهِ وَدِينُهُمْ ... قَوِيمٌ فما يرجُون غَيْرَ العَوَاقِبِ يقال: معناه فما يطمعون في غيرها. ويقال: معناه: فما يخافون غيرَها، ومَجَلَّتهم: كتابُهم، ويروى: محَلَّتُهم، بالحاء. وكنانة وخُزاعة ونَضْر وهُذَيْل يقولون: لم أَرْجُ، يريدون: لم أُبَالِ. فإِنْ قال قائل: إِنَّ معنى قول الله عزَ وجلّ: قالَ

الَّذينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ، يظنون أَنَّهم ملاقو ثواب الله، كان ذلك جائزاً. والظَنّ بمَعْنَى الشَّكّ. ولا يبطل بهذا التَّأْويل قولُ من جعل الظَنّ يقيناً، لأَنَّ قوله: أَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ في الأَرْضِ، لا يحتمل معنى الشَّكّ، والظِّنَّة عند العرب الشَّكّ، ولا تُجعل في الموضع الَّذي يراد به اليقين، قال الشَّاعر: إِنَّ الحَمَاةَ أُولِعَتْ بالكَنَّهْ ... وأَبَتِ الكَنَّةُ إِلاَّ ظِنَّهْ والظّنون أَيْضاً لا يستعمل إِلاَّ في معنى التُّهَمة والضعف، قال الشَّاعر: أَلاَ أَبْلِغْ لَدَيْكَ بَنِي تَمِيمٍ ... وقد يأْتيكَ بالرَّأْي الظَّنُونُ أَي المتَّهَم أَو الضعيف. ويقال في جمع الظِّنَّة الظنائن، قال الشَّاعر: تُفَرِّقُ مِنَّا مَنْ نُحِبُّ اجْتماعَهُ ... وتَجْمَعُ مِنَّا بَيْنَ أَهْلِ الظَّنَائِنِ ويروى: تُبَاعِدُ مِنَّا مَنْ نُحِبُّ اجْتماعَهُ ... وتَجْمَعُ مِنَّا. . . . . . . . . .

ولا يجمع من هذا الباب على فعائل إِلاَّ ما كان فيه إِدغام أو اعتلال؛ كقولهم: حاجة وحوائج؛ قال الشَّاعر، أَنشده الفرَّاء: بَدَأْنَ بِنَا لاَ رَاجِياتٍ لِرَجْعَةٍ ... ولاَ يائِسَاتٍ مِنْ قَضَاءِ الحَوائجِ وأَنْشَدَ أَبو العباس: إِنَّ الحَوائجَ ربَّما أَزْرَى بها ... عِنْدَ الَّذي تُقْضَى لهُ تَطْوِيلُهَا وأَكثر ما تقول العرب في جمع الحاجة: حاجات وحاج وحِوَج، أَنشد الفرَّاء: أَلا لَيْتَ سُوقاً بالكُنَاسَةِ لم يَكُنْ ... إِليها لِحاجِ المسلمين طريقُ أَراد لحوائج المسلمين. وأَنْشَدَ أَبو عُبيدة: ومُرْسِلٍ ورَسُولٍ غَيْرِ مُتَّهَمٍ ... وحَاجَةٍ غير مُزْجَاةٍ من الحَاجِ أَراد غير ناقصة من الحوائج، والمَزْجاة المسوقة، تقول: أَزجيت مطيَّتِي أَي سُقْتُها، قال الله عزَ وجلّ: بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ. وقال الآخر يهجو عَبْدِ اللهِ بن الزُّبير: أَرى الحَاجاتِ عِنْدَ أَبي خُبَيْبٍ ... نَكِدْنَ ولا أُمَيَّةَ بالبِلاَدِ

وحسبت

وقال الآخر: تَمُوتُ مع المرءِ حاجاتُهُ ... وتَبْقَى لهُ حاجَةٌ ما بَقِي وأَنْشَدَ الفرَّاءُ: لَقَدْ طالَ ما ثَبَّطتِنِي عَنْ صَحَابَتِي ... وعَنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُها مِنْ شفائِيَا قِضَّاؤُها مصدر، من القضاء، بمنزلة الكِذَّابِ من الكَذب. 3 - وحسبتُ حرف من الأَضداد. يكون بمَعْنَى الشَّكّ، ويكون بمَعْنَى اليقين، قال الله عزَ وجلّ: وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمُّوا، فحَسِبُوا هاهنا من باب الشَّكّ. وقالَ لَبِيد في معنى اليقين: حَسِبْتُ التُّقَى والبِرَّ خَيْرَ تِجَارَةٍ ... رَبَاحاً إِذا ما أَصْبحَ المَرْءُ قَافِلاَ معناه تيقَّنت ذاك، وقافلا: راجعاً؛ يقال: قد قَفَل القوم إِذا رجعوا من سفرهم؛ ولا يقال قافلة إِلاَّ للراجعين، فإِنْ كانوا غير رَاجعين فليسوا قافلة. وقالَ الفَرَّاءُ: حسِبت أَصله من حَسَبْتُ الشَّيْء، أَي وقع

وخلت

في حِسابي، ثمَّ كسرت السِّين منه، ونقل إِلى معنى الشكّ. 4 - وخلتُ حرف من الأَضداد؛ يكون شكًّا، ويكون يقيناً، قال الشَّاعر: فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ فِي عَظِيمَةٍ ... وإِلاَّ فإِنِّي لا إِخالك نَاجِيَا معناه: لا أَتوهّمك. وقوله: من في عظيمة معناه: من فَم داهية عظيمة. وقالَ أَبو ذُؤَيْب في معنى اليقين: فَلَبِثْتُ بَعْدَهُمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ ... وإِخَالُ أَنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبِعُ معناه: وأَعلم أَنِّي أَلحقهم بلا شكّ؛ يعني بنِيه الَّذين ماتوا. وقالَ الفَرَّاءُ: خِلْتُ أَصله من الخيال، إِذا تخيَّل لك الشَّيء، ثمَّ أُعْمل في الاسم والخبر، ونُقِل إِلى معنى الظنّ. 5 - وعَسَى لها معنيان متضادَّان: أَحدهما الشكّ والطّمَع، والآخر اليقين، قال الله عزَ وجلّ: وعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، معناه: ويقين أَنَّ ذاك يكون. وقالَ بعض المفسِّرين: عسى في جميع كتاب الله جلّ وعزّ واجبة.

والند

وقالَ غيره: عسى في القرآن واجبة إِلاَّ في موضعين: في سورة بَنِي إِسرائيل: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ، يعنى بَنِي النَّضِير، فما رحمهم ربّهم، بل قاتلهم رسول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، وأَوقع العقوبة بهم. وفي سورة التَّحريم: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ، فما أَبدله الله بهنَّ أَزواجاً ولا بِنَّ منه، حتَّى قُبِض عليه السلام. وقالَ تميم بن أُبَيّ في كون عَسَى إِيجاباً: ظَنٌّ بهمْ كعَسَى وهُمْ بَتَنُوفَةٍ ... يتنازعون جوائزَ الأَمْثالِ أَراد ظَنٌّ بهم كيقين. ويروى: سَوَائرَ الأَمثال، ويروى جوائب الأَمثال. وأَنشد أَبو العباس: عَسَى الكَرْبُ الَّذي أَمْسيتَ فيهِ ... يكُون وراءهُ فَرَجٌ قَريبُ فعَسَى في هذا البيت على معنى الشكّ. 6 - والنِّدُّ يقع على معنيين متضادَّيْن؛ يقال: فلان

ندّ فلان إِذا كان ضدّه، وفلان ندُّه إِذا كان مثلَه؛ وفسَّرَ النَّاسُ قول الله عزَ وجلّ: فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَاداً وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ على جهتين: قال الكلبيّ، عن أَبي صالح، عن ابن عبَّاس: معناه فلا تجعلوا لله أعدالا، فالأَعدال جمع عِدْل والعِدْل المثْل. وقالَ أَبو العبَّاس، عن الأَثْرم، عن أَبي عُبيدة: فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَاداً أَضْداداً. ويقال: فلان نِدِّي، ونَدِيدِي، ونَدِيدَتِي، فالثلاث اللُّغات بمعنًى واحد. قال حسَّان لأَبي سُفْيان بن الحارث: أَتَهْجُوهُ ولَسْتَ لهُ بنِدٍّ ... فشرُّكُما لخيرِكُما الفِدَاءُ وقالَ لَبِيد: أَحْمَدُ اللهَ فَلا نِدَّ لَهُ ... بِيَدَيْهِ الخَيْرُ مَا شَاَء فَعَلْ وقال الآخر: أَتَيْماً تَجْعَلون إِليَّ نِدًّا ... وما تيمٌ لِذِي حَسَبٍ نديدُ وقالَ لَبِيد في إِدخال الهاء: لِكَيْ لا يكُونَ السَّنْدِريُّ نَدِيدَتِي ... وأَشْتِمُ أَقْواماً عُمُوماً عَماعِمَا

العماعم: الجماعات. ويروى: وعُمًّا عَماعِمَا، فالعُمّ: الرِّجال البالغون. ويستعمل في غير الرجال أَيْضاً، اشترى بعضُ الشُّعراءِ نخلاً، بعضُه بَالغ، وبعضُه غير بالغ، فَعُذِل في ذلك، فقال: فَعُمٌّ لعُمّكُمُ نَافِعٌ ... وطِفْلٌ لطِفْلِكُمُ يُؤْمَلُ أَراد: فالبالغ من النخل ينفع الرجال البالغين، والَّذي ليس ببالغ ينفع الأَطفال، ويُؤمَّلُ بلوغُه لهم؛ وإِنَّما دخلت الهاءُ في نديدة للمبالغة، كما قالوا: رجل علاّمة ونسَّابة، وجاءَني كريمةُ القوم؛ يراد به البالغ في الكرم، المشبَّه بالدَّاهية. ويقولون في الذمّ: رجل هِلْبَاجَة، إِذا كان أَحْمَق، فيشبِّهونه بالبَهيمة. ويقال في تثنية النِّد: ندَّان، وفي جمعه أَنداد. ومن العرب من لا يثنِّيه ولا يجمعه ولا يؤنِّثه؛ فيقول: الرجلان نِدِّي، والرِّجال نِدِّي، والمرأَةُ نِدِّي، والنِّساء نِدِّي، كما قالوا: القوم مِثْلِي، والقوم أَمثالي؛ قال الله عزَ وجلّ: ثمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ، وقالَ تبارك وتعالى في موضع آخر: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ.

ومَجْرَى نِدّ إِذا وُحِّد مَجْرَى قولهم: رجل كرَمٌ، ورجال كرَمٌ، ونساء كَرَمٌ، ومنزل حَمَد، ودار حَمَد، أَي محمودة، ورجال شَرَطٌ وقَزَمٌ، إِذا كانوا سُقَّاطاً لا أَقْدَار لهم، قال الأُمويّ: عَنَّيْتُمُ قَوْمَكُمْ فَخْراً بأُمِّكُمُ ... أُمٌّ لَعَمْري حَصَانٌ بَرّةٌ كَرَمُ هي الَّتي لا يُوَازِي فَضْلُها أَحدٌ ... بِنْتُ النَّبِيِّ وخَيْرِ النَّاسِ قَدْ عَلِمُوا وأَنشدنا أَبو العبَّاس: سَقَى اللهُ نَجْداً مِنْ رَبِيعٍ وصَيِّفٍ ... ومَاذَا تُرَجِّي مِنْ سَحابٍ سَقَى نَجْدَا بَلَى إِنَّهُ قَدْ كان للعيشِ مَرَّةً ... وللبِيضِ والفِتْيَانِ مَنْزِلَةً حَمْدَا وقالَ الكُمَيْتُ: وَجَدْتُ النَّاسَ غَيْرَ ابْنَيْ نزَارٍ ... وَلَمْ أَذْمُمْهُمُ شَرَطاً وَدُونَا وأَنشدنا أَبو شُعيب، قال: أَنشدنا يَعقوب بن السِّكِّيتِ: لقَدْ زادُ الحَياةَ إِليَّ طِيباً ... بنَاتِي إِنَّهُنَّ مِنَ الضِّعَافِ مَخَافَةَ أَنْ يَذُقْنَ البُؤْسَ بَعْدِي ... وأَنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بَعْدَ صَافِ وأَنْ يَعْرَيْنَ إِنْ كَسِيَ الجَوارِي ... فَتَنْبُو العَيْنُ عَنْ كَرَمٍ عِجَافِ

الضد

7 - وقالَ بعض أَهل اللُّغة: الضِّدّ يقع على معنيين متضادَّين، ومجراه مَجْرَى النّدّ؛ يقال: فلان ضِدِّي؛ أَي خِلافي، وهو ضِدِّي، أَي مثلي. قال أَبو بكر: وهذا عندي قول شاذّ لا يُعوَّل عليه؛ لأنَّ المعروف من كلام العرب: العقلُ ضدّ الحمق، والإِيمان ضدّ الكفر، والَّذي ادَّعى من موافقة الضِّدّ للمثْل لم يُقِمْ عَليه دليلاً تصحُّ به حجَّته. 8 - والقُرْء من الأَضداد. يقال: القُرْءُ للطهر، وهو مذهب أَهل الحجاز، والقُرْءُ للحيض، وهو مذهب أَهل العراق، ويقال في جمعه: أَقراء وقروء. وقالَ الأَصْمَعِيّ عن أَبي عَمْرو: يقال: قد دفع فلان إِلى فلانة جاريته تُقَرِّئْها. يعني أن تحفي ثم تطهَرْ للاستبراءِ. ويقال: القُرْءُ هو الوقت الَّذي يجوز أَن يكون فيه حَيْض، ويجوز أَن يكون فيه طُهْر، أَنشدنا أَبو العبَّاس: قَطَعَتْ عَلَيَّ الدَّهْرَ سَوْفَ وعَلَّهُ ... ولاَنَ وزُرْنَا وانْتَظِرْنا وأَبْشِرِ غَدٌ عِلَّةٌ لليوم واليومُ عِلَّةٌ ... لأَمْسِ فلا يُقْضَى ولَيْسَ بمُنْظَرِ

مَوَاعيدُ لا يأْتي لقُرْءِ حَوِيرُها ... تكون هَبَاءً يَوْمَ نَكْباَء صَرْصَرِ معناه لا تأْتي لوقت. وقال الآخر: وصاحبٍ مُكَاشِحٍ مُباغِضِ له ... قُرُوءٌ كقُرُوءِ الحَائِضِ أَي له أَوقات تشتدَّ فيها مُكاشحتُه. ويُقال: أَقْرَأَتِ الرِّيحُ، إِذا هَبَّتْ لوقتها، وقالَ مالك بن خالد الهُذَلِيّ: كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ ... إِذا هَبَّتْ لِقَارِئِها الرِّياحُ أَي لوقتها، ويروى: لقارِيها بترك الهمز، أَي لأهْلِها وسُكَّانِها. وقالَ أَبو بكر: يُحْكَى هذا عن أَبي عُبيدة، والقارية أهل الدار، وفي العَقْر لغتان، أَهلُ الحجاز يقولون عُقْر الدَّار، بالضَّمِّ، وأَهل نَجْدِ يقولون: عَقْر الدَّار، بالفَتْحِ؛ ومعناه أَصل الدار، ومن ذلك العَقَار أَصل المال، وعُقْر الحوض حيث تقوم الشَّاربة؛ وقالَ الشَّاعر:

إِذا ما السَّماءُ لم تغِمْ ثم أَخلفت ... قُروءُ الثّرَيَّا أَن يَصُوبَ لَهَا قَطْرُ والقِرْأَةُ: وقت المرض. وأَهل الحجاز يقولون: القِرَة؛ يقال: إِذا تحوَّلْتَ من بلدٍ إِلى بلدٍ، فمكثتَ خمسَ عشرةَ لَيْلة، فقد ذهبت عنك قِرْأَةُ البلد، وقِرَة البلد؛ أَي إِنْ مرضت بعد خمس عشرة ليلة، فليس مرضك من وباءِ البلدة التي انتقلت إليها. ويقال: قد أَقْرَأَتِ النُّجوم، إِذا غابت. قال أَبو بَكْر: وهذا حجَّة لمن قال: الأَقراءُ الأَطهار؛ لأَنَّها خرجت من حال الطُّلوع إِلى حال الغَيْبَة. وقالَ الأَصْمَعِيّ وأَبو عبيدة: يقال: قد أَقْرَأَتِ المرأَةُ إِذا دَنَا حَيْضُها، وأَقْرَأَتْ إِذا دَنَا طُهْرُها. قال أَبو بَكْر: هذه رواية أَبي عُبيد عنهما. وروى غيره: أَقْرَأَتْ إِذا حاضت، وأَقْرَأَتْ إِذا طَهُرت. وحكَى بعضُهم: قَرَأَتْ، بغير أَلف في المعنيين جميعاً. والصَّحيح عندي ما رواه أَبو عبيدة. وقالَ قطرب: يقال قد قرأَت المرأَة، إِذا حملت. وقالَ أَبو عبيدة، يقال: ما قرأَت النَّاقة سَلاً قطّ،

أَي لم تَضُمَّ في رحمها وَلَداً. وأَنشد لعمرو بن كُلْثوم: ذِرَاعَي حُرَّةٍ أَدْمَاَء بِكْرٍ ... هِجَانَ اللَّوْنِ لَم تَقْرأَ جَنِينَا أَي لم تضمّ في رحمها ولداً. وأَخبرنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفرَّاءِ، قال: يقال: أَقْرَأَت المرأَة إِذا حاضت، وقرأَت: حملت. ويقال: قد أَقرأَت الحيَّة إِقراءً، إِذا جمعت السّمَّ شهراً، فإِذا وَفَى لها شهر مَجَّتْهُ. ويقال: إِنَّها إِذا لَدَغَتْ في إِقرائها ذا روح لم تُطْنِه، أَي لم يَنْجُ منها. وقالَ يَعْقُوبُ ابن السِّكِّيتِ: لم تُطْنِه معناه لم تُشْوِه؛ إِلاَّ أَنَّ تُشْوِه يستعمل في غير الحيَّة، وتُطْنِه لا يستعمل إِلاَّ في الحيَّة. ومعنى تُشْوِه تخطئه، يقال: رَمَى فأَشْوَى، إِذا أَخطأَ. ومن الحجَّة لمن قال: الأَقْراء الأَطهار قولُ الأَعشى: وفي كُلِّ عامٍ أَنْتَ جَاشمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لأَقْصاها عَزِيمَ عَزائِكا مورِّثةٍ مالاً وفي الأَصْلِ رِفْعةً ... لما ضاعَ فيها من قُرُوءِ نِسائِكا معناه من أَطهار نسائك؛ أَي ضَيَّعتَ أَطْهار النِّساء، فلم تغشهنَّ مؤثراً للغزو، فأَورثك ذاك المال والرفعة. وشبيه

بهذا البيت قول الآخر: أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالكِ بن زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النِّساءُ عَواقِبَ الأَطْهارِ أَي يرجون أَن يُغْشَين في أَطهارهنّ، فيَلدْنَ ما يُسْرَرْنَ به. ومثله أَيْضاً قول الأَخطل: قَوْمٌ إِذا حارَبُوا شَدُّوا مآزِرَهُمْ ... دُونَ النِّساءِ ولَوْ بَاتَتْ بأَطْهارِ أَي إِذا حاربوا لم يغشو النِّساءَ في أَطهارهنَّ. ويقال: قد أَقْرَأَ سَمُّ الحيَّة، إِذا اجتمع. قال أَبو بَكْر: ومن الحجَّة لمن قال: القُرْءُ الحيض، الحديث الَّذي يُروَى عن النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَنَّهُ قال للمرأَةِ: دَعِي الصَّلاةَ أَيَّام أَقرائك. ويقال: قد تحيَّضت المرأة إِذا تركت الصَّلاةَ أَيَّام الحيض، من ذلك الحديث الَّذي يُرْوَى في المستحاضة، أَنَّ النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم قال لها: احتسِي كُرْسُفاً قالت: إِنِّي أَثُجُّه ثَجًّا. فقال: اسْتَثْفِرِي وتَحَيَّضِي في عِلْم الله ستًّا أَو سبعاً، ثمَّ اغتسِلي وصلِّي، فتَحَيَّضي، على ما وصفنا، والكُرْسف: القطن، ويقال له: البِرْس والطَّاط. ويروى: فتلجَّمي. ويقال: أَثَجُّه، معناه أُسيّله، من الماء الثَّجَّاج وهو السَّيَّال، وفي الحَدِيث:

وعسعس

أَفضلُ الحجّ العَجُّ والثَّجُّ، فالعجُّ التلبية، والثَّجُّ صبُّ الدِّماءِ. واستثفري، له معنيان، يجوز أَن يكون شبَّه اللِّجام للمرأَة بالثَّفَر للدَّابَّة، إذْ كان ثَفَرُ الدَّابَّة يقع تحت الذَّنَبِ. ويجوز أَن يكون استثفري كناية عن الفَرْج، لأنَّ الثَّفَر للسِّباع بمنزلة الحياء للنَّاقة، ثمَّ يستعار من السِّباع، فيجعل للنَّاس وغيرهم؛ قال الأَخطل: جَزَى اللهُ فيها الأَعْوَرَيْنِ مَلامَةً ... وفَرْوَةَ ثَفْرَ الثَّوْرَةِ المُتَضَاجِمِ فجعل للبقرة ثَفْراً، على جهة الاستعارة. 9 - وعَسْعَسَ حرف من الأَضْداد. يقال: عسعس اللَّيل، إِذا أَدبر، وعسعس إِذا أَقبل. قال الفَرَّاءُ في قول الله عزَ وجلّ: واللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ، أَجمع المفسِّرون على أَنَّ معنى عَسْعَسَ أَدْبَرَ وحُكِي عن بعضهم أَنَّهُ قال: عَسْعَسَ، دنا من أَوَّله ويقال: أَظلم. قال: وكانَ أَبو البِلاد النَّحويّ يُنشد هذا البيت: عَسْعَسَ حتَّى لَوْ يَشَاءُ ادَّنَى ... كانَ لَهُ مِنْ ضَوْئِهِ مَقْبِسُ معناه: لو يشاءُ إذْ دنا، فتركت همزة إذْ، ويقال: أَبدلوا

من الذَّالِ دالاً، ويقال: أَدغموها في الدَّال التي بعدها. قال الفَرَّاءُ: وكانوا يَرون أَنَّ هذا البيت مصنوع. وحدَّثنا أَبو محمد جعفر بن أَحمد بن عاصم الدمشقيّ، قال: حدَّثنا هشام بن عمَّار، قال: حدَّثنا أَبو عبد الرحمن عثمان بن عبد الرحمن الجزريّ، قال: حدَّثنا عبيد الله بن أَبي العباس، عن جويبِر، عن الضحَّاك، قال: قال نافع بن الأَزرق لعبد الله بن العبَّاس: أَرأَيت قيلَ الله عزَ وجلّ: واللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ما معناه؟ فقال ابن عبَّاس: عَسْعَسَ: أَقبلت ظُلْمته، فقال له نافع: فهل كانت العرب تعرف هذا؟ قال: نعم، أَما سمعتَ قول امرئ القَيْس: عَسْعَسَ حتَّى لَوْ يَشَاءُ ادَّنَى ... كانَ لَهُ مِنْ نَارِهِ مَقْبِسُ وقالَ أَبو عُبيدة: عَسْعَسَ أَدبر ويقال: أَقبل جميعاً. وأَنشد لعلقمة بن قُرْط: حتَّى إِذا الصُّبْحُ لَها تَنَفَّسَا ... وانْجَابَ عَنْها لَيْلُها وعَسْعَسَا هذا حجَّة للإِدبار. وقال الآخر في هذا المعنى: وَرَدْتُ بأَفْرَاسٍ عِتَاقٍ وفِتْيَةٍ ... فَوارِطَ في أَعْجَازِ لَيْلٍ مُعَسْعِسِ وقال الآخر في ضِدِّ هذا المعنى:

والأمين

حتَّى إِذا اللَّيْلُ عَلَيْها عَسْعَسَا ... وادَّرَعَتْ مِنْهُ بَهِيماً حِنْدِسَا الحِنْدس: الشَّديد السَّواد، والبَهيم: الَّذي لا يخالط لونه لون آخر، يقال: أَسودُ بَهيم، ويقال: أَشقرُ بَهِيم، وكُمَيْتٌ بَهِيم. 10 - والأَمين مِنْ حروف الأَضْداد؛ يقال: فلان أَميني، أَي مُؤْتمِني، وفلان أَميني مُؤْتَمَنِي الَّذي أَتَّمِنه على أَمري، قال الشَّاعر: أَلَمْ تَعْلَمي يا أَسْمَ وَيْحَكِ أَنَّني ... حَلَفْتُ يَمِيناً لا أَخُونُ أَميني أَي مؤتمِني. 11 - والوامق من الأَضْداد أيضاً؛ يقال: فلان وامق إِذا كانَ مُحِبًّا ومُحَبًّا، قال الشَّاعر: إِنَّ البَغِيضَ لَمَنْ تَمَلُّ حَدِيثَهُ ... فانْقَعْ فُؤَادَك مِنْ حَديثِ الوَامِقِ أَخبرنا أَبو العبَّاس، قال: قال ابن الأَعْرَابِيّ: الوامق في هذا البيت معناه الموموق. 12 - والمعبَّد أَيْضاً من الأَضْداد، ويقال: بَعيرٌ مُعَبَّدٌ، إِذا كان مذلَّلاً قد طُلِيَ بالهَناءِ من الجَرَبِ حتَّى ذهب وَبَرُه،

واللمق

وهو بمنزلة الطَّريق المعبَّد الَّذي سلكه النَّاس فأَثَّروا فيه وصارت له جادَّة، قال طرَفة: تُبَارِي عِتَاقاً ناجياتٍ وأَتْبَعَتْ ... وظيفاً وظيفاً فوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ معناه فوق طريقٍ مُذَلَّلِ. والمور: الطَّريق. وقالَ طَرَفَةُ أَيْضاً: إِلى أَنْ تَحامَتْني العَشيرَةُ كُلّها ... وأُفْرِدْتُ إِفْرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ أَي المذلَّل، ويقال: بَعير مُعَبَّد، إِذا كان مكرَّماً، وهذا ضدّ المعنى الأَوَّل، قال الشَّاعر: تقولُ أَلاَ أَمْسِكْ عليك فإِنَّني ... أَرى المالَ عِنْدَ البَاخِلينَ مُعَبَّدا أَي مكرَّماً. ويروى: مُعَتَّدَا، أَي يجعلونه عُدَّة للدهر. 13 - واللّمْق حرف من الأَضْداد، تقول بَنِو عُقَيْل: لَمَقْتُ الكِتابَ أَلْمُقُهُ لُموقاً ولَمْقاً، إِذا كتبتَه. ويَقُولُ سائر قَيْس: لَمَقْتُه لُموقاً، إِذا محوتَه. وقد يقال في المعنيين جميعاً: نَمَق، بالنُّون.

وصار

14 - وصار حرف من الأَضْداد. يقال: صرتُ الشَّيْءَ إِذا جمعتَه، وصُرْته إِذا قطَّعتَه وفرَّقته. وفسَّر النَّاسُ قول الله عزَ وجلّ: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، على ضربين، فقال ابن عبَّاس: معناه قَطِّعْهُنَّ. وقالَ غيره: معناه ضُمَّهنَّ إِليك، فالَّذين قالوا: معناه قَطِّعْهُنَّ، قالوا: إِلى مُقَدَّمَةٌ في المعنى، والتَّأْويل: فَخُذْ أَرْبَعَةً منَ الطَّيْرِ إِليك فصُرهنَّ، أَي قطّعهنّ. وقالَ الفرَّاء: بنو سُلَيْم يقولون: فَصِرْهُنَّ. وقالَ: أَنشدني الكِسَائِيّ عن بعض بَنِي سُلَيْم: وفَرْعٍ يَصيرُ الجِيدَ وَحْفٍ كَأَنَّهُ ... على اللِّيتِ قِنْوَانُ الكُرُومِ الدَّوَالِحِ أَراد: يضمّ الجِيدَ. قال أَبو بَكْر: واستضعف الفَرَّاءُ مذهب مَنْ قال: صِرْهُنّ: قَطِّعْهُنَّ، وقالَ: لا نعرف صار بمَعْنَى قَطَّع، إِلاَّ أَنْ يكون الأصل فيه صَرَى، فقدِّمَت الرَّاءُ إِلى موضع العين، وأُخِّرت العين إِلى موضع الَّلام؛ كما قالوا: عاثَ في الأَرْضِ وَعَثاً، وقاع على النَّاقة وَقَعاً.

وقالَ الآخر حُجَّةً لمن قال: صار جَمَع: مَأْوَى يَتَامَى تَصُورُ الحَيَّ جَفْنَتُهُ ... ولاَ يَظَلُّ لَدَيْهِ اللَّحْمُ مَوْشُومَا وقال الآخر: فانْصَرْن مِنْ فَزَعٍ وَسَدَّ فُروجَهُ ... غُبْرٌ ضَوَارٍ وَافِيَانِ وأَجْدَعٍ وقالت الخنساءُ: لَظَلَّتِ الشُّمُّ مِنْهُ وَهْيَ تَنْصَارُ أَرادت: تنقطع. وأَنشد أَبو عُبيدة للمعلَّى بن حَمَّال العَبْدِيّ: وجَاَءتْ خُلْعة دُهْسٌ صَفَايَا ... يَصُورُ عُنُوقَها أَحْوَى زَنيمُ يُفَرِّقُ بَيْنَها صَدَعٌ رَبَاع ... لَهُ ظأبٌ كَمَا صَخِبَ الغَرِيمُ الخُلْعة: الخيار من شائه. والدُّهْس: التي لونها لون التُّراب، وهي مشبَّهة بالدَّهاس من الرَّمل. والصَّفايا: الغزيرات، يقال: نخلة صَفيَّةٌ، إِذا كانت مُوقَرَةً بالحَمْل. والظأب: الصوت. وقال الآخر: فَذَلَّتْ لِيَ الأَنْسَاعَ حتَّى بَلَغْتُها ... هُدوءاً وقد كان ارتقائي يَصُورُها

وقال الآخر: فمَا تُقْبِلُ الأَحْياءُ من حُبِّ خِنْدِفٍ ... ولكنَّ أَطْرافَ العَوَالي تَصُورُها أَي تجمعها، وقال الآخر، وهو الطِّرِمّاح: عَفَائف إِلاَّ ذاكَ أَو أَنْ يَصُورَها ... هَوى والهوى للعاشقين صَرُوعُ وقالَ ذو الرُّمَّة: ظَلِلْنَا نَعوجُ العَنْسَ في عَرَصَاتِها ... وُقُوفاً وتَسْتَنْعِي بنا فَنَصُورُها تستنعي: معناه تذهب وتتقدم. وقالَ بعض المفسرين: صِرْهُنّ معناه: قَطِّع أَجنِحَتَهُنّ، وأَصله بالنَّبَطيَّة صِرْيَة. ويُحكَى هذا عن مُقاتل سُليمان. فإِن كان أُثر هذا عن أَحد من الأَئمَّة، فإِنَّه ممَّا اتَّفقت فيه لغة العرب ولغة النَّبَط؛ لأنَّ الله عزَ وجلّ لا يخاطِب العرب بلغة العجم؛ إذْ بَيَّن ذلك في قوله جلَّ وعلا: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وقالَ الشَّاعر: فأَصْبَحْتُ من شَوْق إِلى الشَّأْم أَصْوَرا فهذا مأْخوذٌ من الميل العَطْفِ. ويقال: قدْ صار الرَّجُل، إِذا صَوَّرَ الصُّوَر. قال الأَعشى:

وصرى

فما أَيْبُلِيٌّ على هَيْكَلٍ ... بَناهُ وصَلَّبَ فيه وصَارَا الأَيْبُلِيٌّ: الرَّاهب، وصَلَّبَ: من الصُّلْبَان، وصار: من التَّصوير. 15 - وصَرَى حرف من الأَضْداد. يقال: صَرَى الشَّيْءَ، إِذا جمعه، وصَرَاه إِذا قطعه وفرَّقه؛ فمن الجمع قولهم: قدْ صَرَى اللَّبَنَ في ضَرْعِ الشَّاة إِذا جَمعه، والمصرَّاة: الشَّاة التي جُمع لبنُها، قال الشَّاعر: رُبَّ غُلامٍ قدْ صَرَى في فِقْرَتِهْ ... مَاَء الشَّبَابِ عُنْفُوَانَ سَنْبَتِهْ أَراد جمع ماءَ الشَّباب، والسَّنْبَةُ: الدَّهر. ومن القطع قولهم: قد صَرَى ما بيننا من المودَّة، أَي قطعه. وقالَ الفَرَّاءُ: يقال: باتَ يَصْرِي في حوضه، إِذا استقى ثمَّ قطع، ثمَّ استقى. وأَنشدنا أَبو العبَّاس: صَرَتْ نَظْرَة لَوْ صَادَفَتْ جَوْزَ دارِعٍ ... غَدَا والعَواصِي من دمِ الجوْف تَنْعِرُ معناه: قطعت المرأة نظرة لو صادفتْ وسط رجل دارع غَدا في حال هلاك. والعَواصِي: العروق التي تعصى فلا

وسواء

يرقأ دمعها؛ وتنعِر: تسيل؛ قال الرَّاعي: فَظَلَّ بالأُكْمِ ما يَصْرِي أَرانِبَهَا ... من حَدِّ أَظفارِه الحُجْرانُ والقَلَعُ ما يَصْرِي: معناه ما يقطع ويمنع، والحُجْران: جمع حاجر؛ وهو موضع له حروف تمنع الماءَ، والقَلَع: قطع من الجبال. ويكون صَرَى بمَعْنَى نَجَّى، قال الشَّاعر: صَرَى الفَحْلَ مِنِّي أَنْ ضَئيلٌ سَنَامُهُ ... ولَمْ يَصْرِ ذَاتَ النَّيِّ مِنِّي بُرُوعُهَا معناه: نجَّى الفحل منِّي صِغَرُ سَنامه وقلَّتُه، ولم يُنْج ذاتَ الشَّحم منِّي كمالُها وكثرة شحمها ولحمها وحسنها. والبُروع: من قولهم: رَجُلٌ بارع، إِذا كان كاملاً. 16 - وسواء من الأَضْداد. يكون سواء غيرَ الشَّيء، ويكون سواء الشَّيء بعينه؛ فإِذا كانت بمَعْنَى غير قيل: الرجل سواءَك وسِواك وسُواك، إِذا كسرت السِّين أَو ضممتها قَصَرْت، وإِذا فتحتَها مددت؛ وأَنشد الفَرَّاءُ: كمالكٍ القُصَيِّرِ أَوْ كَبَرْزٍ ... سِوًى كالمُؤْخِراتِ من الضُّلُوعِ وأَمَّا الموضع الَّذي يكون فيه سواء نفس الشَّيْء، فمثل قول الأَعشى:

تجانَفُ عن جَوِّ اليمامة ناقَتي ... ومَا عَدَلَتْ من أَهلها بسَوَائِكَا معناه: وما عدلت من أَهلها بك. قال أَبو بَكْر: هكذا رواه أَبو عُبيدة وفَسَّره. ورواه غيره: وما عَدَلَتْ عَن أَهْلها لسِوَاكَا وقالوا: معناه لغيرك. ويُنشد في هذا المعنى أَيْضاً: أَتَانَا فَلضمْ نَعْدِلْ سِوَاهُ بغَيْرِهِ ... نبيٌّ أَتَى من عندِ ذي العرشِ صادقُ معناه: أَتانا فلن نعدِلْه، على هذا أَكثر النَّاس. ويقال فيه قولان آخران. وسواهُ: صلة للكلام، معناها التَّوكيد، كما قال عزَ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْله شَيْءٌ، أَراد ليس كهو شيء؛ فأَكَّد بمِثْل، قال الشَّاعر: وَقَتْلي كمِثلِ جذُوعِ النَّخِيلِ ... يغْشَاهُمُ سَبَلٌ مُنْهَمِرْ أَراد كجذُوع النَّخيل. وقد تُكسر السِّين منه ويُقْصر، وهو بمَعْنَى النَّفس ومِثْل، قال الرَّاجِزُ: يا لَيْتَ شِعْرِي والمُنَى لا تَنْفَعُ ... هَلْ أَغْدُوَنْ يوماً وأَمري مُجْمَعُ وتَحْتَ رَحْلِي زَفَيَانٌ مَيْلَعٌ ... كأَنَّها نائِحَةٌ تَفَجَّعُ تَبْكِي لمَيْتٍ وسِوَاهَا الموجَعُ

قال الأَصْمَعِيّ: سِواها نفْسها، ولو كان سواها غيرها لكان قد قَصَّر في صفة النَّاقة، وإِنَّما أَرادَ امرأَة تبكِي على حميمها، ولم يرد نائحةً مُسْتَأْجَرَة. وتكون سواء بمَعْنَى حِذاء، حكى الفَرَّاءُ: زيدٌ سَواء عَمْرو، بمَعْنَى حذاء عَمْرو. وتكون سواء بمَعْنَى وَسَط، فتُفْتَحُ سِينُه فيمدّ، وتُكْسَر فيُقْصَر، قال الله عزَ وجلّ: فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ، فمعناه وسط السَّبيل، ومثله: فاعْتِلُوه إِلى سَوَاءِ الجَحِيمِ معناه في وسط الجحيم، قال حسَّان: يا وَيْحَ أَنْصَارِ النَّبِيِّ ورَهْطِهِ ... بَعْدَ المُغَيَّبِ في سَواءِ المُلْحَدِ وقالَ عيسى بن عمر: كتبتُ حتَّى انقطعَ سَوائِي. وقال الآخر: سُحَيْراً وأَعْجازُ النُّجوم كأَنَّها ... صِوَارٌ تَدَلَّى من سواءِ أَمِيلِ وقالَ الله عزَ وجلّ: لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أَنْتَ مَكَاناً سُوًى، فمعناه وسطاً بين الموضعين، وقال الشَّاعر: وإِنَّ أَبَانَا كانَ حَلَّ ببَلْدَةٍ ... سِوًى بَيْنَ قَيْسٍ قَيْسِ عَيْلانَ والفِرْزِ

والسامد

أَراد وَسَطا. وتكون سواء بمَعْنَى معتدل، وأَنشد الفَرَّاءُ: وليلٍ تَقُولُ القومُ من ظُلُماتِهِ ... سواءٌ صَحيحاتُ العُيونِ وعُورُها وقالَ ابن قَيْسِ الرُّقَيَّات: تَقَدَّتْ بيَ الشَّهْباءُ نحو ابنِ جَعْفَرٍ ... سَواءٌ عليها لَيْلُها ونَهَارُها 17 - والسَّامِد من الأَضْداد. فالسَّامِد في كلام أَهل اليمن: الَّلاهي، والسَّامِد في كلام طَيِّئٍ: الحزين، قال الله عزَ وجلّ: وَلاَ تَبْكُونَ وأَنْتُمْ سَامِدُونَ، فقال: معناه لاَهُونَ. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: السَّامِد: الَّلاهي في الأَمر الثابت فيه، وأَنشدنا عن ابن الأَعْرَابِيّ: لوْ صاحَبَتْنَا ذاتُ خَلْقٍ فَوْهَدِ ... ورَابَعَتْنا واتَّخَذَتْنَا باليَدِ إِذاً لقالَتْ ليتَنِي لَمْ أُولَدِ ... ولَمْ أُصاحِبْ رُفَقَ ابنِ مَعْبَدِ ولا الطَّويلَ سَامِداً في السُّمَّدِ ويروى: ثوهد بالثَّاء، الثَّوْهد: التامُّ الخَلْق. وأَخبرنا أَبو محمد جعفر بن أَحمد بن عاصم، قال: حدَّثنا هشام بن عمار، قال: حدَّثنا أَبو عبد الرحمن عثمان بن عبد الرحمن الجزريّ، قال: حدَّثنا عبيد الله بن أَبي العبَّاس، عن جويبِر،

عن الضّحّاك، قال: سأَل نافع بن الأَزرق عبد الله بن العبَّاس عن قول الله عزَ وجلّ: وأَنْتُمْ سَامِدُونَ، فقال: معناه لاهون، فقال نافع: وهل كانت العربُ تعرف هذا في الجاهليَّة؟ قال: نعم، أَما سمعت قول هُزَيْلة بنت بكر، وهي تبكي عاداً حيث تقول: بَعَثَتْ عَادٌ لُقَيْماً ... وأَبَا سَعْد مريدَا وأَبا جُلْهُمَة الخَيْـ ... ـرَ فَتَى الحيِّ العَنُودا قيلَ قُمْ فانْظُرْ إِليهمْ ... ثمَّ دَعْ عنك السُّمودَا وقالَ عِكْرِمة: سَامِدون من السُّمود، والسُّمود: الغناء بالحِمْيَرِيَّة؛ يقولون: يا جارِية اسْمُدي لنا، أَي غَنِّي لنا. وقالَ أَبو عُبيدة: السُّمود: اللهو واللعب، قال أَبو زُبَيد: وكأَنَّ العَزيفَ فيها غِناءٌ ... لِنَدَامَى من شاربٍ مَسْمُودِ أَي ملهًى. وقالَ رُؤْبَةُ: ما زالَ إِسْآدُ المَطايَا سَمْدَا ... تَسْتَلِبُ السَّيْرَ اسْتِلاباً مَسْدَا وقالَ ذو الرُّمَّة: يُصْبِحْنَ بَعْدَ الطَّلَقِ التَّجْريدِ ... وبَعْدَ سَمْدِ القَرَبِ المَسْمُودِ

وأسررت

وقالَ بعض أَهل اللغة: السُّمود: الحزن والتحيُّر، وأَنشد: رَمَى الحِدْثَانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ ... بمقدارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بيضا ... ورَدَّ وُجوهَهُنَّ البيضَ سُودَا وقالَ مجاهد: سَامِدون مبرطِمُون. قال أَبو بَكْر: البرطمة الانتفاخ من الغضب وقال بعض المفسرين سَامِدون: متكبِّرون شامخون، ويقال: سَامِدون غافلون. والسُّمُود في غير هذا قيام النَّاس في الصَّفّ والمؤذِّن يقيم الصَّلاة. قال أَبو خالد الوالبيّ: أُقيمت الصَّلاة، فدخل علينا عليّ بن أَبي طالب رضوان الله عليه ونحن قيام، فقال: ما لي أَراكم سُمُودا! أَي قياما. 18 - وأَسْرَرْتُ من الأَضْداد أَيْضاً، يكون أَسررت بمَعْنَى كتَمْت وهو الغالب على الحرْف. ويكون بمَعْنَى أَظهرت، قال الله عزَ وجلّ: وأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذينَ ظَلَمُوا يعني أَسرُّوا هاهنا كتموا. وقالَ تبارك وتعالى في غير هذا الموضع: وأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأُوا العَذَابَ، فقال الفَرَّاءُ والمفسِّرون: معناه كتم الرُّؤساء النَّدامة من السَّفِلَةِ الَّذين أَضلُّوهم.

والمولى

وقالَ أَبو عُبيدة وقُطْرب: معناه: وأَظهروا النَّدامة عند معاينة العذاب، واحتجَّا بقول الفرزدق: ولَمَّا رَأَى الحجاجَ جَرَّدَ سَيْفَهُ ... أَسَرَّ الحَرُوريّ الَّذي كان أَضْمَرَا معناه: أَظهر الحَروريّ. 19 - والمولَى من الأَضْداد؛ فالمولَى المنعِم المعتِق، والمولَى: المنعَم عليه المعتَق. وله أَيْضاً معان ستَّة سوى هذين: فالمولَى الأَوْلى بالشَّيء، قال الله عزَ وجلّ: النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ، فمعناه هي أَوْلى بكم، قال لَبِيد: فغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْنِ تحسِبُ أَنَّهُ ... مَوْلَى المخافَةِ خَلْفُها وأَمامُها معناه أَولى بالمخافة خلفُها وأَمامُها. ويكون المولَى الوليّ، جاءَ في الحديث: مُزَيْنَةُ وجُهَيْنَةُ وأَسْلَم وغِفَار موالي الله ورسوله، فمعناه أَولياء الله ويروَى في الحديث أَيْضاً: أَيَّمَا امرأة تزوَّجت بغير إِذن مَوْلاها فنكاحها باطل، معناه بغير إِذن وليِّها، وقالَ العجَّاج:

فالحَمْدُ للهِ الَّذي أَعْطَى الخِيَرْ ... مَوَالِيَ الحَقِّ إِنِ المَوْلَى شَكَرْ معناه أَولياءُ الحقّ، وقالَ الأَخطل لبني أُميَّة: أَعْطَاكُمُ اللهُ جَدًّا تُنْصَرُونَ بهِ ... لا جَدَّ إِلاَّ صَغيرٌ بَعْدُ مُحْتَقَرُ لمْ يأْشَروا فيه إذْ كانُوا مواليَهُ ... ولو يكون لقومٍ غيرهم أَشِرُوا أَراد أَولياءه. وقالَ الأَخطل أَيْضاً لبعض خلفاء بَنِي أُميَّة: فأَصْبَحْتَ مَوْلاهَا من النَّاس بعده ... فأَحْرَى قريشٍ أَن يُهابَ ويُحْمَدا أَراد فأَصبحتَ وليّ الخلافة. وقال الآخر: كانُوا موالِيَ حَقٍّ يَطْلُبُونَ به ... فأَدْرَكُوهُ ومَا مَلُّوا ومَا لَغَبُوا معناه أَولياءُ حقّ. والمولَى ابن العمّ، والمَوالي بنو العمّ، قال الله عزَ وجلّ: وإِنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي، أَراد بَنِي العمّ، وقالَ تبارك وتعالى: يَوْم لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً، فمعناه لا يغْني ابنُ عمّ عن ابن عمّه، وقوله عزَ وجلّ: لَبِئْسَ المَوْلَى ولَبِئْسَ العَشِيرُ، معناه لبئس الوليّ ولبئس المعاشر. وقالَ الزُّبرقان بن بَدْر:

ومِنَ المَوَالِي مَوْلَيَانِ فمنهما ... مُعْطِي الجزيلِ وباذلُ النَّصْرِ ومن المَوالي ضَبُّ جَنْدَلَةٍ ... لَحِز المُروءةِ ظاهِرُ الغِمْرِ وقال الآخر: فابْقُوا لا أَبا لكمُ عليهم ... فإِنَّ ملامَةَ المولَى شَقَاءُ أَراد ابن العمّ. وأنشدنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ للفضل بن العباس بن عُتْبة بن أَبي لهب يُخاطب بَنِي أُميَّة: مَهلاً بَنِي عَمِّنَا مَهْلاً مَوَالِينا ... لا تَنْبُشُوا بَيْنَنَا ما كانَ مَدْفُونَا لا تجعَلُوا أَن تُهِينُونَا ونُكْرِمَكُمْ ... وأَنْ نكفَّ الأَذَى عنكمْ وتُؤْذونَا اللهُ يَعْلَمُ أَنَّا لا نُحِبُّكُمُ ... ولا نَلُومكُمُ أَلا تُحِبُّونَا قال أَبو بَكْر: قال لنا أَبو العبَّاس: إذْ لا تحبُّونا: كلٌّ يُداجي على البغضاءِ صاحبَه ... بنِعْمَةِ اللهِ نَقْلِيكُمْ وتَقْلُونَا وقالَ مُخارق بن شهاب المازنيّ لابن عمٍّ له مازِنيّ: وإِنِّي لمَوْلاَكَ الَّذي لَكَ نَصْرُهُ ... إِذا بُرْطِمَتْ تحْتَ السِّبَالِ العَنَافِقُ وقال الآخر: ذُو نَيْرَبٍ من مَوالي الحيِّ ذُو حَشدٍ ... يُزْجِي ليَ القَوْلَ بالبغضاءِ والكَلِمِ

أَراد من بَنِي عمّ الحيّ. والمولَى الحليف، قال الشَّاعر: مَوَالِيَ حِلْفٍ لا مَوَالِي قَرابةٍ ... ولكنْ قَطيناً يأْخُذُون الأَتاوِيَا وقالَ الحُصَيْن بنُ الحُمام المُرّي: يا أَخوَيْنا مِن أَبِينا وأُمِّنَا ... مُرَا مَوْلَيَيْنَا من قُضاعَةَ يَذْهَبا أَراد بأَحد الموليين بَنِي سَلامان بن سَعْد وبالمولَى الآخر ابن خميس بن عامر، وعَنَى بالموليين الحَليفَيْن. وقال الآخر: أَتَشْتِمُ قَوْماً أَثَّلُوكَ بدَارِمٍ ... ولولاهمُ كنتمْ كَعُكْل مَوَالِيَا أَراد حلفاء. وقالَ الرَّاعي: جزى الله موْلانا غنِيًّا ملامَةً ... شِرارَ مَوالِي عامِر في العَزائم أَراد أَولياءنا. والمولَى الجار، قال مرْبَع بن وَعْوَعَة الكلابيّ - وجاور كليب بن يربوع فأَحمد جوارهم: جَزَى اللهُ خَيْراً والجَزَاءُ بكَفِّه ... كُلَيْبَ بنَ يَرْبوع وزادَهُمُ حَمْدَا هُمُو خَلَطُونا بالنُّفوسِ وأَلجَمُوا ... إِلى نصرِ مولاهمْ مُسَوَّمَة جُرْدا

والهاجد

أَرادَ نصر جارهم. والمولَى: الصهر، وأَنشد ابن السِّكِّيتِ وغيره لأَبي المختار الكلابيّ: ولا يُفْلِتَنَّ النَّافِعانِ كِلاهُما ... وذاكَ الَّذي بالسُّوقِ مَوْلَى بَنِي بَدْرِ معناه صهر بَنِي بدْر. 20 - والهاجد حرف من الأَضْداد، يقال للنائم هاجد، وللسَّاهر هاجد، قال المرقِّش: سَرَى لَيْلاً خيالٌ مِنْ سُلَيْمَى ... فَأَرَّقَنِي وأَصحابي هُجُودُ أَرادَ نيام. وقال الآخر: وحاضرو الماءِ هُجُودٌ ومُصَلّْ وقال الآخر: أَلاَ هَلَكَ امْرُؤٌ ظَلَّتْ عَلَيْه ... بِشَطِّ عُنَيْزَةٍ بَقَرٌ هُجُودُ أَرادَ نسوة كالبقر في حُسْن أَعينهنّ، سواهر. وقالَ الحطيئة: فَحيَّاكِ وُدٌّ ما هداك لفِتْيَةٍ ... وخوصٍ بأَعلَى ذي طُوَالة هُجَّدِ وقالَ الأَخطل: عَوَامِدَ للأَلْجام أَلجام حَامِرِ ... يُثِرْنَ قَطاً لولا سُرَاهُنَّ هَجَّدَا

ويروى هُجَّدَا. الأَلجام: ما بين الحَزْن والسُّهولة. قال أَبو بَكْر: واحدها لجَم، قال لَبِيد: أَسْرَى لأَشْعَثَ هاجدٍ بمَفازَةٍ ... بخيالِ ناعمَةِ السُّرَر مِكْسَالِ وقال الآخر: يسَيْرٍ لا يُنِيخُ القومُ فيهِ ... لساعاتِ الكَرَى إِلاَّ هُجُودَا ومعناه إِلاَّ ساهرين، أَي مَن السَّهر نومُه وإِناخته، فلا نومَ ولا إِناخة له. ويروى: بسَيْرٍ لا يُنِيخُ الرَّكْبُ فيه ... لساعاتِ الكَرَى إِلاَّ هُجُودَا ومثل هذا قول الكُمَيْتُ: إِنْ قيلَ قِيلوا فَفَوْقَ أَظهرِها ... أَو عَرِّسُوا فالذَّمِيلُ والخَبَبُ الذَّمِيل والخَبب: ضربان من السّير، ومعناه مَن الذَّميل والخَبب تعريسه، فلا تعريسَ له، وقال الله عزَ وجلّ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ، فمعناه فاسْهَرْ به. وقالَ الأَصْمَعِيّ: سابَّ رجلٌ امرأَتَه فقال: عليها لعنة

والضراء

المتهدِّجين، أَي السَّاهرين بذكر الله عزَ وجلّ. وقالَ نابغة بَنِي ذُبْيَان: وَلَوَ انَّهَا عَرَضَتْ لأَشْمَطَ راهِبٍ ... عَبَدَ الإِلهَ صَرورةٍ وُمتَهَجِّدِ لَرَنَا لبَهْجَتِها وحُسْنِ حَدِيثِها ... ولَخَالَهُ رَشَداً وإِنْ لَمْ يَرْشُدِ 21 - والضَّرَاء من الأَضْداد، يقال: هو يَمْشي الضَّرَاء، إِذا كان يمشي في الموضع البارز المنكشف. ويقال أَيْضاً: هو يمشي الضَّرَاء إِذا كان يمشي في الموضع المستتر الَّذي تستره الأَشجار. ويقال في مَثَلٍ يُضرَب للرجل الحازم: لا يُدَبَّ له الضَّرَاء ولا يُمْشَى له الخَمَر، فالضَّرَاءُ ما ستر الإِنسان من الأَشجار خاصَّةً، والخَمَر: ما ستره من الأَشجار وغيرها. وقالَ بِشْر بن أَبي خَازم: عَطَفْنَا لَهُمْ عَطْفَ الضَّرُوسِ من المَلا ... بشهباَء لا يَمْشِي الضَّرَاَء رَقِيبُها أَي لا يختِل؛ ولكنَّه يجاهر، وقالَ زهير: فمهلاً آلَ عبدِ الله عَدُّوا ... مخازِيَ لا يُدَبُّ لها الضَّرَاءُ عَدُّوا، معناه اصرفوا هذه المخازي عنكم. وقالَ الكُمَيْتُ: وإِنِّي على حُبِّيهِمُ وتَطَلُّعِي ... إِلى نَصْرِهِمْ أَمشي الضَّرَاَء وأَخْتِلُ

وشعبت

معناه أَمشي في موضع الاستتار. وقال الآخر في الخَمَر: أَلا يا زيدُ والضَّحَّاكَ سِيرَا ... فقد جاوَزْتُمَا خَمَرَ الطَّريقِ وقالَ ابن السِّكِّيت: من الخَمَر قولهم: قد دخل في غُمَار النَّاس، أَي في جماعتهم وما يستره منهم. وقد يقال أَيْضاً: دخل في خُمار النَّاس. 22 - وشَعَبْتُ من الأَضْداد. يقال شعبت الشَّيْءَ إِذا جمعته وأَصلحتَه، وشعبتُه إِذا فرَّقْتَه. وقالَ عليّ بنُ الغَدِيرِ الغَنَويّ: وإِذا رَأَيْتَ المرَء يَشْعَبُ أَمْرَهُ ... شَعْبَ العصا ويَلَجُّ في العِصْيَانِ فاعمِدْ لما تَعْلو فمالَك بالَّذي ... لا تَستطيع من الأُمُورِ يَدَانِ فمعنى يشعب هاهنا يفرِّق. وقال الآخر: خلَّى طُفَيْلٌ عليَّ الهمَّ فانشعبا وقالَ بِشْر بن أَبي خَازم: عَفَتْ رامةٌ مِنْ أَهلِها فكثيبُها ... وشطَّتْ بها عنك النَّوى وشَعُوبُها والمنيَّة تُسمَّى شَعوب، لأَنَّها تَشْعَبُ، أَي تُفَرِّقُ. وقالَ ذو الرُّمَّة:

والمسجور

متى إِبْلَ أَو تَرْفَعْ بيَ النَّعشُ رِفْعَةً ... على القومِ إِحدى الخارمات الشَّوَاعِبِ ويروى: على الرَّاح، ويقال: اشْعَبْ له شُعْبة من المال، أَي اقطعْ له قِطْعة. ويقال: قد أشعب الرجل، إِذا مات أَو ذهب ذهاباً لا يُرْجع منه، ويقال: قد تشعبت أَهواؤُهُم أَي تفرَّقت، وقالَ جَرير: وقدْ شَعَبَتْ يَوْمَ الرَّحُوب سُيُوفُنا ... عواتقَ لم يثبتْ عليهنَّ مِحْمَلُ أَي فرَّقت. وأنشدنا أَبو العبَّاس لابن الدُّمَيْنَة: وإِنَّ طبيباً يَشْعَبُ القَلْبَ بَعْدَما ... تَصَدَّعَ مِنْ وَجْدٍ بها لكَذوبُ أَرادَ: يجمع. 23 - والمَسْجُور من الأَضْداد. يقال: المسجور للمملوء، والمسجور للفارغ، قال الله عزَ وجلّ: والبَحْرِ المَسْجُورِ، يريد المملوءَ. وقالَ النَّمر بن تَوْلب يذكر وَعلاً: إِذا شاَء طالَعَ مَسْجُورَةً ... ترَى حَوْلَها النَّبْعَ والسّاسَمَا أَرادَ طالع عيناً مملوءة، والنَّبْع والساسم شجر. قال لَبِيد: فَتَوَسَّطَا عُرْض السَّرِيّ فصدَّعا ... مَسْجُورَةً متجاوراً قُلاَّمُهَا

أَرادَ بالمسجور عيناً مملوءة، وقال الآخر: صَفَفْنَ الخُدودَ والقلوبُ نواشِزٌ ... على شطِّ مَسْجورٍ صَخُوبِ الضَّفَادِعِ أَرادَ بالقلوب قلوب الحمير، وقالَ أَيْضاً يذكر حميراً: فأَوْرَدَهَا مَسْجُورَةً ذات عَرْمَضٍ ... يَغُول سُمُولَ المكفهرَّات غُولُهَا المَسْجُورة: المملوءة، والعَرْمض: الخضرة التي تعلو الماءَ، إِذا لم يُسْتَقَ منه ويغُول: يذهب، والسُّمُول: البقايا من الماء، والمكفهرَّات: السحائب المتراكبات، ويقال: قَدْ عَرْمض الماء عرمضةً، إِذا علتْه الخضرة التي تستره وتغطِّيه، قال الشَّاعر: أَمَا ورَبِّ بئْرِكُمْ ومَائِها ... والعَرْمَضِ الَّلاصقِ في أَرجائِها لأَتْرُكَنَّ أَيِّماً بدائها الأَرجاء: الجوانب، واحدها رَجاً، فاعلم. وقالَ ابن السِّكِّيتِ: قال أَبو عَمْرو: يقال: قد سَجَر الماءُ الفراتَ والنَّهرَ والغديرَ والمصنَعَةَ، إِذا ملأَها. وقال الرَّاعي: يَهَابُ جَنَانَ مَسْجُورٍ تَرَدَّى ... من الحَلْفَاءِ وأْتَزَرَ ائْتِزَارا

وظاهر

المَسْجُور: المملوءُ بالماءِ. وقوله: تَرَدَّى من الحَلْفَاءِ، معناه: أَنَّ الحَلْفاءَ كثرت على هذا الماء حتَّى صارت كالإِزار والرِّداءِ له. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن سلمة، عن الفَرَّاءُ، قال: واحد الحَلْفاءِ حَلْفَة. وقالَ غيرُ الفَرَّاءِ: واحدها حَلَفَة. وقالَ ابن السِّكِّيتِ: يقال: هذا ماءُ سُجُر، إِذا كانت بئر قد ملأَها السَّيل، ويقال: أَورد إِبْلَه ماءً سُجُراً. قال الله عزَ وجلّ: وإِذا البِحَارُ سُجِّرَتْ، فمعناه أَفضى بعضُها إِلى بعض، فصارت بحراً واحداً. وقالَ ابن السِّكِّيت: يجوز أن يكون المعنى فُرِّغَتْ، أَي فُرِّغَ بعضها في بعض. وقالت امرأة من أَهل الحجاز: إِنَّ حوضَكم لمَسْجُور وما كانت فيه قَطْرة. ففيه وجهان: أَحدهما أَن يكون معناه إِنَّ حوضكم لفارغ. والآخر: إِنَّ حوضكم لملآن، على جهة التفاؤل، كما قالوا للعطشان: إِنَّه لريَّان، وللمهلكة مفازة. 24 - وظَاهِر حرف من الأَضْداد. يقال: هذا الكلام ظاهر عنك، أَي زائلٌ عنك، ويقال: النعمة ظاهِرَةٌ عليك، أَي لازمة لك، وقالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وذعور

وعَيَّرَهَا الوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّها ... وتِلْكَ شَكاةٌ ظاهِرٌ عَنْكِ عارُهَا أَرادَ: زائل عنكِ. 25 - وذَعَورٌ من الأَضْداد؛ يقال: فلان ذَعُور، أَي ذاعر، وذَعُور، أَي مذعور، أَنشدنا أَبو العبَّاس: تَنُولُ بمعروفِ الحَدِيثِ وإِنْ تُرِدْ ... سِوَى ذاكَ تُذْعَرْ مِنْك وهْيَ ذَعُورُ أَي مذْعُورة. ويُرْوَى: تَنُولُ بمَغْرُوضِ الحَديث، أَي بطريِّه، واللَّحم الغريض عند العرب الطريّ، قال الشَّاعر: إِذا لم يَجْتَزِرْ لِبَنِيهِ لَحْماً ... غَرِيضاً مِنْ هَوَادِي الوَحْشِ جَاعُوا ويُرْوَى: تَنُول بمشهود الحديث، والمشهودُ الَّذي كأَنَّ فيه شُهْداً من حلاوته وطيبه، قال الشَّاعر يذكر ثَغْراً: وبَارِداً طَيِّباً عَذْباً مُقَبَّلُهُ ... مُخَيَّفاً نَبْتُهُ بالظَّلْمِ مَشْهُودا ومعنى قوله: تنول بمعروف الحديث، تنيلك معروف حديثها، يقال: أَنالني فلان معروفاً ونالني، بأَلف وغير أَلف، أَنشدنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ: لَوْ مَلك البَحْرَ والفُراتَ معاً ... مَا نَالَني مِنْ نَدَاهُما بَلَلا فَعَالُهُ عَلْقَمٌ مَغَبَّتُهُ ... وقولُهُ لوْ وَفَى به عَسَلا

وقسط

أَرادَ بِنالَني أَعطاني، ونصب العسل على معنى كانَ عَسَلاً. 26 - وقَسَطَ حرف من الأَضْداد. يقال: قَسَطَ الرَّجل إِذا عدل، وقَسَط إِذا جار، والجوْر أَغلب على قَسَطَ؛ قال الله عزَ وجلّ: وأَمَّا القَاسِطُونَ فكَانُوا لجَهَنَّمَ حَطَباً، أَرادَ الجائرون. وقالَ القُطاميّ: أَلَيْسُوا بالأُلى قَسَطُوا جمِيعاً ... على النُّعْمانِ وابْتَدَرُوا السِّطَاعَا وقال الآخر: قَسَطُوا على النُّعْمانِ وابنِ مُحَرِّقٍ ... وابنَ قَطامِ بعِزَّةٍ وتَنَاوُلِ ويقال: أَقسط الرَّجل، بالأَلف إِذا عدل، لا غير، قال الله عزَ وجلّ: إِنَّ الله يُحِبُّ المُقْسِطِينَ. وقالَ الحارث ابن حِلّزة: مَلِكٌ مُقْسِطٌ وأَكْمِلُ مَنْ يَمْ ... شِي ومِنْ دونِ ما لديه الثَّنَاءُ 27 - وقالَ سهل السّجِستانيّ: قال أَبو عُبيدة:

الخنذيذ

الخِنْذِيذ من الأَضْداد؛ يقال: خِنْذِيذ للفحل والخَصيّ، واحتجَّ بقول خُفاف: وخَنَاذِيذَ خصْيةً وفُحُولا وقالَ السّجِستانيّ: لم يصب أَبو عُبيدة في هذا القول، لأنَّ الشَّاعِر لم يذهب إِلى أَنَّ الفحول من الخناذيذ؛ وإِنَّما مدح الشَّاعِر الجنسيْن، فكان الفحول خارجين من الخناذيذ. قال: والخِنْدِيذ: الفائق من كلِّ شيءٍ، يقال: خطيب خِنْدِيذ، وشاعر خِنْدِيذ، قال بشر بن أَبي خَازم: وخِنْدِيذٍ تَرَى الغُرْمُولَ مِنْهُ ... كطيِّ الزق علقه التجار وأنشد ابن السكيت البيت الأول في شعر النابغة: وبراذين كابيات وأتنا ... وخنا ذيد خصية ومخولا وقالَ: الخناذيذ الكرام. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: الخِنْدِيذ الضَّخم، والخناذيذ: الضِّخام، وأنشدنا: يَصُدُّ الفارِسَ الخِنْدِيذَ عَنِّي ... صُدودَ البَكْرِ عن قَرْمٍ هِجَانِ

كان

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: الخِنْدِيذ: الضَّخم، والخناذيذ: الضِّخام، وأَنشدنا: تَعْلُو أَوَاسِيَه خَنَاذِيذُ خِيَمْ قال: أَواسِيَه: ثَوَابِتُه. 28 - وقالَ أَبو عُبيدة: كان من الأَضْداد؛ يقال: كان للماضي، وكانَ للمستقبل، فأَمَّا كونها للماضي فلا يُحتاج لها إلى شاهد، وأَمَّا كونها للمستقبل، فقول الشَّاعِر: فأَدركْتُ مَنْ قدْ كانَ قبلي ولم أَدَعْ ... لمَنْ كانَ بَعْدي في القَصَائِدِ مَصْنَعَا أَرادَ لمن يكون بعدي، قال: وتكون كانَ زائدة، كقوله تعالى: وكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً، معناه: والله غفور رحيم. 29 - قال أَبو عُبيدة: ويكون من الأَضْداد أَيْضاً، يقال: يكون للمستقبل، ويقال: يكون للماضي، فكونه للمستقبل لا يُحتاج فيه إِلى شاهد، وكونه للماضي قول الصَّلَتان يرثي المغيرة بن المُهَلَّب:

قُلْ للقَوَافِلِ والغُزَاةِ إِذا غَزَوْا ... والبَاكِرِينَ والمُجِدِّ الرَّائِحِ إِنَّ السَّماحَةَ والشَّجاعَةَ ضُمِّنَا ... قَبْراً بمرْوَ على الطَّريقِ الواضِحِ فإِذا مَرَرْتَ بقَبْرِهِ فاعْقِرْ بهِ ... كُومَ الجِلادِ وكُلَّ طِرْفٍ سابِحِ وانْضَحْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بِدِمائِها ... فَلَقَدْ يكونُ أَخَا دَمٍ وذَبَائِحِ أَرادَ: فلقد كان. قال أَبو بَكْر: والَّذي نَذْهب إِلَيْه أَنَّ كان ويكون لا يجوز أَن يكونا على خلاف ظاهرهما، إِلاَّ إِذا وَضَح المعنى، فلا يجوز لقائل أَنْ يقول: كان عبد الله قائماً، بمَعْنَى يكون عبد الله، وكذلك محال أَنْ يقول: يكون عبد الله قائماً؛ بمَعْنَى كان عبد الله، لأنَّ هذا ما لا يُفهم ولا يقوم عليه دليل؛ فإِذا انكشف المعنى حُمِلَ أَحدُ الفعْليْن على الآخر، كقوله جلَّ اسمه: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ في المَهْدِ صَبِيَّا، معناه مَنْ يكون في المهد فكيف نكلِّمه! فصلَح الماضي في موضع المستقبل لبيان معناه. وأَنشد الفَرَّاءُ: فَمَنْ كانَ لا يأْتيكَ إِلاَّ لحَاجَةٍ ... يَرُوحُ لهَا حتَّى تَقَضَّى ويَغْتَدِي فإِنِّي لآتِيكُمْ تَشَكُرَ ما مَضَى ... من الأَمْرِ واسْتِيجابَ ما كانَ في غَدِ أَرادَ: ما يكون في غد. وقالَ الله عزَّ ذكره: وَنَادَى

أَصْحابُ الجَنَّةِ أَصْحابَ النَّار، فمعناه وينادي، لأنَّ المعنى مفهوم، وقالَ عزَ وجلّ: يا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الكَيْلُ، فقال بعضُ النَّاس: معناه يُمنع مِنَّا. وقالَ الحُطَيْئة: شَهِدَ الحُطَيْئَةُ يَوْمَ يَلْقَى رَبَّهُ ... أَنَّ الوليدَ أَحَقُّ بالعُذْرِ معناه: يشهد الحطيئة. وقول أَبي عُبيدة كان زائدة في قوله تبارك وتعالى: وكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ليس بصحيح، لأنَّها لا تُلْغَى مبتدأَةً ناصبة للخبر؛ وإنما التأويل المبتدأ عند الفراء وكائن الله غفورا رحيما فصلح الماضي في موضع الدائم لأنَّ أَفعال الله جلَّ وعزَّ تخالف أَفعالَ العباد، فأَفعال العباد تنقطع، ورحمة الله عز وجل لا تنقطع وكذلك مغفرته وعِلْمُه وحِكْمَتُه. وقالَ غير الفَرَّاء: كأَنَّ القوم شاهدوا لله مَغْفِرَةً ورحمةً وعلماً وحكمةً، فقال الله عزَ وجلّ: وكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً، أَي لم يزل الله عزَ وجلّ على ما شاهدتم.

وبسل

30 - وبَسْل من الأَضْداد؛ يقال: بَسْل للحلال، وبَسْل للحرام، قال زهير: بِلادٌ بِها نادَمْتُهُمْ وعَرَفْتُهُمْ ... فإِنْ أَوْحَشَتْ منهمْ فإِنَّهُمُ بَسْلُ أَرادَ حرام. وقالَ ضَمْرَة بنُ ضَمْرَة: بَكَرَتْ تَلُومُكَ بَعْدَ وَهْنٍ في النَّدَى ... بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلامَتِي وعِتابي أَرادَ حرام عليك. وأَنشدَنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ: أَيُقْبَلُ ما قُلْتُمْ وتُلْقَى زيادَتِي ... دَمي إِنْ أُحِلَّتْ هذه لكمُ بَسْلُ أَي دمي حلال مُباح. ويكون بسل بمَعْنَى آمين؛ قال الشَّاعر: لا خابَ مِنْ نَفْعِكَ مَنْ رَجَاكا ... بَسْلاً وعَادَى اللهُ من عَادَاكَا أَرادَ آمين، وتفسير آمين: اللهمّ استجب. ويقال: أَمين بالقصر وآمين بالمدّ، وتشديد الميم خطأ. وقال الآخر في بسل بمَعْنَى حرام: أَجَارَتُكُمْ بَسْلٌ عَلَيْنَا مُحَرَّمُ ... وجارَتُنَا حِلٌّ لكُمْ وحَلِيلُها 31 - وقالَ بعض العرب: برّدت من الأَضْداد؛ يقال: برَّدَ الشَّيْءَ على المعنى المعروف، ويقال: برَّدَ الشَّيْءَ إِذا أَسخَنه، واحتجُّوا بقول الشَّاعِر:

عَافَتِ الشُّرْبَ في الشِّتَاءِ فقُلْنا ... بَرِّديه تُصَادِفيهِ سَخِينَا أَي سَخِّنيه. قال أَبو بَكْر: فإِذا صحَّ هذا القول صلح أَنْ يقال للحارّ بارد، وأَن يقع البرد على الحرّ إِذا فهمَ المعنى. قال أَبو بَكْر: وحَكَى لي بعضُ أَصحابِنا عن أَبي العبَّاسِ أَنَّهُ كان يقول في تفسير هذا البيت: بل رِدِيه، من الوُرود، فأَدغم اللام في الراء، فصارتا راء مشدَّدة. والبرْد له معنيان آخران: يكون البرد النوم، من قوله تعالى: لا يَذُوقُونَ فيها بَرْداً ولا شَرَاباً، أَي نوماً، وأَنشدنا أَبو العبَّاس للعرْجِيّ: فإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّساَء سِواكُمُ ... وإِنْ شِئْتِ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولا بَرْدَا فالنقاخ: الشَّراب العذب، والبرد النوم، وقال الآخر: بَرَدَتْ مَراشِفُها عليَّ فَصَدَّني ... عنْهَا وعَنْ قُبُلاتِهَا البَرْدُ أَرادَ النوم. وقالَ بعض المفسِّرين: البرْد برْد الشَّراب، ويقال: معنى قول الشَّاعِر: فصدَّني عنها وعن قبلاتها البرد: شدَّة برد فيها. وقال الآخر:

المتفكه

زَعَمَ الهُمَامُ بأَنَّ فَاهَا بَارِدٌ ... عَذْبٌ إِذا ما ذقتَه قُلْتَ ازْدَدِ ويكون البرْد بمَعْنَى الثَّبَات؛ يقال: ما بَرد فِي يدي شيء، أَي ما ثَبَت، قال الشَّاعر: اليَوْمَ يَوْمٌ بارِدٌ سَمُومُهُ ... مَنْ عَجَزَ اليَوْمَ فَلا نَلومُهُ أَرادَ: ثابت. 32 - وقالَ بعض أَهل اللُّغة أَيْضاً: المتفكّه من الأَضْداد، يقال: رجل متفكّه، إِذا كان متنعّماً مسروراً، ورَجُلٌ متفكّه، إِذا كان حزيناً متندِّماً، قال الله عزَ وجلّ: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، فمعناه تندَّمُون. وعُكْل تقول: تَفَكَّنُون بالنُّون. ويقال: معنى قوله جلَّ وعزَّ: تَفَكَّهون: تعجَّبون ممَّا وقع بكم في زرعكم، يقال: قد فكِه الرَّجل يَفْكَهُ، إِذا عَجِبَ، وأَنْشَدَ اللِّحْيانِيّ أَبو الحسن: ولَقَدْ فَكِهْتُ من الَّذينَ تَقَاتَلُوا ... يَوْمَ الخَمِيسِ بلا سِلاحٍ ظَاهِرِ أَرادَ: عجِبت. ويقال: رجلٌ فَكِهٌ، إِذا كان يأْكل الفاكهة، وفاكه، إِذا كثرت عنده الفاكهة، قال الشَّاعر: فَكِهٌ على حِينِ العَشيِّ إِذا ... خَوَتِ النُّجومُ وَضُنَّ بالقَطْرِ

والقانع

ويقال: رجل فكِه وفاكه، إِذا كان مُعْجَباً بالشَّيء، قال الله عزَ وجلّ: فَاكِهينَ بمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ، فمعناه مُعْجَبين. 33 - والقانع من الأَضْداد. يقال: رَجُلٌ قانِع، إِذا كان راضياً بما هو فيه لا يسأَل أحداً، ورَجُلٌ قانع إِذا كان سائلاً، قال الله عزَ وجلّ: وأَطْعِمُوا القَانِعَ والمُعْتَرَّ، فالقانع السَّائل، والمعترّ الَّذي يعرِّض بالمسأَلة ولا يصرّح، ويقال: المعترّ: السَّائل، والقانع: المحتاج. ويقال: قد قَنع الرَّجلُ يَقْنَعُ قَنَاعةً وقَنَعاً وقَنَعَاناً، إِذا رضِيَ بما هو فيه؛ وهو قانعٌ وقَنِعٌ، ويقال: قَدْ قَنَع يَقْنَع قُنوعاً، إِذا سأَل؛ يقال: نعوذُ بالله من القُنُوع والخُنُوع، ونسأَلُ الله القناعَةَ، فالخُنُوع الخضوع، والقُنوع المسأَلة. وقالَ أَعرابيٌّ لقوم سأَلهم فلم يُعطوه: الحمد لله الَّذي أَقْنَعني إِليكم، أَي أَحوجني. قال الشَّمَّاخ: أَعائشَ ما لأَهلِك لا أَراهُمْ ... يُضِيعُونَ الهِجَانَ مَعَ المُضيعِ وكَيْفَ يُضيعُ صاحبُ مُدْفآتٍ ... على أَثْباجِهِنَّ مِنَ الصَّقيعِ

لَمالُ المَرْءِ يُصْلِحُه فيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ من القُنُوعِ أَي من المسألة. وقال الآخر: وإِعْطائِي المولَى على حينِ فَقْرِهِ ... إِذا قالَ أَبْصِرْ خَلَّتي وَقُنُوعِي وقالَ أَيْضاً بعض المعمّرين: فمنْهُمْ سَعيدٌ آخذٌ بنَصِيبِهِ ... ومِنْهُمْ شَقِيٌّ بالمَعيشَةِ قانِعُ وقال الآخر: وأَقْنَعُ بالشَّيْءِ اليَسيرِ صِيَانَة ... لنفسيَ ما عُمِّرْتُ والحُرُّ قَانِعُ أَي راض. وربَّما تكلَّموا بالقنوع في معنى القناعة، والاختيارُ مَا قدَّمنا ذكرَه، فمنه قول بعضهم: فسَرْبَلْتُ أَخْلاقي قُنُوعاً وعِفَّةً ... فعِنْدِي بأَخْلاقي كُنوزٌ من الذَّهَبْ فَلَمْ أَرَ عِزًّا كالقُنُوعِ لأَهْلِهِ ... وأَنْ يُجْمِلَ الإِنْسانَ ما عاشَ في الطَّلَبْ وقال الآخر: ثِقْ بالإِلهِ ورُدَّ النَّفْسَ عن طَمَعٍ ... إِلى القنُوعِ ولا تَحْسُدْ أَخا المالِ فإِنَّ بين الغِنَى والفقرِ منْزِلَةً ... مقرونة بجديدٍ لَيْسَ بالبَالي وقال الآخر: مَنْ قَنِعَتْ نَفْسُهُ ببُلْغَتِها ... أَضْحَى عَزيزاً وظَلَّ مُمْتَنِعَا

ووراء

للهِ دَرُّ القُنُوعِ مِنْ خُلُقٍ ... كَمْ مِنْ وَضِيعٍ بِهِ قدِ ارْتَفَعَا تَضِيقُ نَفْسُ الفَتَى إِذا افتقرتْ ... ولَوْ تَعَزَّى بِرَبِّهِ اتَّسَعا وقالَ نصيب في المعترّ: مَنْ ذَا ابنَ لَيْلَى جَزاكَ اللهُ مَغْفِرَةً ... يُغْنِي مكانكَ أَو يُعْطي كما تَهَبُ قَدْ كانَ عندَ ابنِ لَيْلَى غيرَ معوزِه ... للفَضْلِ وَصْلٌ وللمعترّ مُرْتَغَبُ وقال الآخر: لَعَمْرُكَ ما المعترّ يأْتي بِلادَنا ... لنمنَعَه بالضَّائِعِ المتهَضَّمِ 34 - ووَراء من الأَضْداد. يقال للرَّجل: وَراءَك، أَي خلْفَكَ، ووَراءَك أَي أَمامك، قال الله عزَ وجلّ: منْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ، فمعناه من أَمامهم. وقالَ تعالى: وكَانَ من وَرَاءهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبَا، فمعناه: وكانَ أَمامهم. وقال الشَّاعر: لَيْسَ على طُولِ الحياةِ نَدَمْ ... ومِنْ وَراءِ المرْءِ ما يُعْلَمْ أَي من أَمامه، وقال الآخر: أَتَرْجُو بَنُو مَرْوانَ سَمْعي وطَاعَتي ... وقومِي تَميمٌ والفَلاةُ وَرائيا أَرادَ قدَّامي. وقال الآخر:

أَلَيْسَ وَرائي إِنْ تَراخَتْ مَنِيَّتي ... لزومُ العَصَا تُحْنَى عليها الأَصابِعُ وقال الآخر: أَلَيْسَ وَرائي أَنْ أَدِبَّ على العَصَا ... فيأْمَنَ أَعْدائي ويَسْأَمَني أَهْلي والوَراءُ ولد الولد، قال حيَّان بن أَبجر: كنت عند ابن عبَّاس، فجاءهُ رجلٌ من هُذَيْل، فقال له: ما فعل فلان؟ لرجل منهم، فقال: مات وترك كذا وكذا من الولد، وثلاثة من الوَراء؛ يريد من ولد الولد. وحكى الفَرَّاءُ عن بعض المشيَخة، قال: أَقبل الشَّعبيّ ومعه ابن ابنٍ له، فقيل: أَهذا ابنك؟ فقال: هذا ابني من الوَراء، يريد من ولد الولد. وقال الله عزَ وجلّ: ومِنْ وَراء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، يريد من وَلَد ولده. والورى مقصور: الخلْق، يقال: ما أَدري أَي الوَرَى هو؟ يراد: أَي النَّاس هو؟ قال ذو الرُّمَّة: وكائن ذعَرْنا من مَهاةٍ ورامحٍ ... بلادُ الوَرَى لَيْسَتْ لهُ بِبِلادِ والورى داءٌ يُفْسِد الجوْف، من قول النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه

وسَلّم: لأَنْ يمتلئ جوفُ أَحدِكم قَيْحاً حتَّى يَريَه خير من أَنْ يمتلئ شعراً، أَي حتى يفسد جوفه منه، قال الشَّاعر: هَلُمَّ إِلى أُمَيَّةَ إِنَّ فِيها ... شِفَاَء الوَارِيَاتِ مِنَ الغَلِيلِ وقال الآخر: وَراهُنَّ ربِّي مِثلَ ما قَدْ وَرَيْنَنِي ... وأحميَ على أَكْبادِهِنَّ المَكَاوِيَا وقالَ آخر: قالَتْ لهُ وَرْياً إِذا تَنَحْنَحْ ... يا لَيْتَهُ يُسْقَى على الذُّرَحْرَحْ الذُّرَحْرَحْ: واحد الذَّراريح. ويقال في دعاء العرب: به الوَرَى، وحُمَّى خَيْبَرَى، وشرُّ ما يُرى، فإِنَّه خَيْسَرَى. وقالَ أَبو العبَّاس: الوَرْيُ المصْدَر، بتسكين الرَّاء، والوَرَى، بفتح الرَّاء الاسم، وأَنشد قُطْرب للنَّابغة: حَلَفْتُ فلَمْ أَتْرُكْ لنَفْسِكَ رِيبَةً ... ولَيْسَ وَراَء اللهِ للمَرْءِ مَذْهَبُ أَرادَ: وليس قُدَّامه، ويقال: معناه وليس سواء الله؛ كما قال جلَّ اسمه: ويَكْفُرُونَ بِما وَرَاءهُ، أَي بما سواءهُ، ويقال للرَّجل إِذا تكلَّم: لَيْسَ وَراء هذا الكلام

وأفرطت

شيء، أَي لَيْسَ يحسن سواءه، وأَنشد قُطْرب أَيْضاً: أَتوعدني وَراَء بَنِي رياحٍ ... كَذَبْتَ لتقصُرَنَّ بذاك عَنِّي 35 - وأَفْرَطْتُ حرف من الأَضْداد. يقال: أَفرطت الرَّجل إِذا قدَّمْتَه، وأَفرطتُه إِذا أَخَّرْتَه ونسيتَه؛ قال الله عزَ وجلّ: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ، فمعنى قوله عزَ وجلّ: مُفْرَطُونَ مقَدَّمونَ معجَّلُون. وقالَ جماعة من المفسِّرين والقرَّاء: معناه مَنْسِيُّون مَتْروكون. ويقال: قد فَرَطَ الفارط في طلب الماء إِذا تقدَّم، وهو الفارط، وهم الفُرَّاط؛ قال القُطَامِيّ: فَاسْتَعْجَلُونَا وكانُوا من صَحابَتِنَا ... كما تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ وقال الآخر: فأَثَارَ فارِطُهُمْ غَطاطاً جُثَّماً ... أَصواتُهُ كَتَرَاطُنِ الفُرْسِ الغَطاط: جنس من القطا. وقالَ النَّبِيّ عليه السَّلام: أَنا فَرَطُكُم على الحوْض، أَي أَنا أَتقدَّمكم إِلَيْه حتَّى تَرِدُوه عليَّ.

واشتريت

ويقال في الصَّلاة على الصَّبيّ الميت: اللَّهمَّ اجْعَلْه لنا فَرطاً، فمعناه أَجْراً سابقاً. ويقال: قدْ فَرَطَ من فُلان إِليَّ مكرُوه، أَي تقدَّم وتعجَّل، قال الله عزَ وجلّ: إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى. 36 - واشتريتُ حرف من الأَضْداد. يقال: اشتريتُ الشيءَ على معنى قَبَضْتُه وأَعطيت ثمنَه. وهو المعنى المعروف عند النَّاس، ويقال: اشتريتُه إِذا بعتَه، قال الله عزَ وجلّ: أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوا الضَّلالَةَ بالهُدَى، قال جماعة من المفسِّرين: معناه باعُوا الضَّلالة بالهدى. وقالَ بعض أَهل اللُّغة: كلُّ من آثر شيئاً على شيءٍ فالعرب تجعل الإِيثار له بمنزلة شرائه، واحتجُّوا بقول الشَّاعِر: أَخَذْتُ بالجُمَّةِ رأْساً أَزْعَرَا ... وبالثَّنايا الواضحاتِ الدُّرْدُرَا وبالطَّويلِ العُمْرِ عُمْراً أَنْزَرا ... كما اشترى المسْلِمُ إذْ تَنَصَّرا ويقال: شريت الشَّيء إِذا بعتَه، وشريتُه إِذا ابْتَعْتَه، قال الله عزَ وجلّ: ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ، فمعناه مَنْ يبيع نفسه. وقال الشَّاعر:

وبعت

فإِنْ كانَ رَيْبُ الدَّهرِ أَمْضَاكَ في الأُلَى ... شَرَوْا هذه الدُّنْيا بجَنَّاتِهِ الخُلْدِ أَرادَ باعوا هذه الدُّنيا. وقالَ الشَّمّاخ: فلمَّا شَراها فاضتِ العينُ عَبْرَةً ... وفي الصَّدْرِ حزَّاز من اللَّوْمِ حَامِزِ أَرادَ باعها. وقالَ الحِمْيَرِيّ: وشَرَيْتُ بُرْداً لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ أَو هامَةً تَدْعُو صَدًى ... بين المشقَّرِ واليَمامَهْ أَرادَ: وبِعت بُرْداً. وقال الآخر في معنى ابتعت: اشْرُوا لها خاتِناً وابْغُوا لخاتِنِها ... مَعَاوِلاً ستَّةً فيهنَّ تَذْرِيبُ أَرادَ اشْتَرُوا لها. 37 - وبعت من الأَضْداد؛ يقال: بعتُ الشَّيْء، على المعنى المعروف عند الناس، وبعتُ الشَّيْء، إِذا ابتعتَه؛ قال جماعة من الرُّواة: قيل لجرير: مَنْ أَشْعَرَ النَّاس؟ قال: الَّذي يقول: ويأْتيكَ بالأَخْبارِ مَنْ لمْ تَبِعْ لَهُ ... بَتَاتاً ولمْ تَضْرِبْ لهُ وَقْتَ مَوْعِدِ أَرادَ مَنْ لم تشتر له، والبتاتُ الزَّاد. وقالَ الفَرَّاءُ: سمعتُ أَعرابيًّا يقول: بِعْ لي تمراً بدرْهم، يريد اشتر لي تمراً،

وقالَ المسيَّب بن عَلَس: يُعطَى بها ثمناً فيَمْنَعُها ... ويقولُ صاحبهُ أَلا تَشْرِي بالتَّاء، قال الرُّواة: معناه أَلا تبيع. وقالَ قُطْرب: شَرَيْتُ بمَعْنَى بِعْت، لغة لغاضرة، وأَنشد لأَبي ذُؤَيْبٍ: فإِنْ تَحْسَبِيني كنتُ أَجْهَلُ فِيكُمُ ... فإِنِّي شرَيْتُ الحِلْمَ بعدكِ بالجَهْلِ وقال الآخر: وإِنِّي لأَسْتَحْيِي الخليلَ وأَتَّقِي ... تُقايَ وأَشْري من تِلادِيَ بالحَمْدِ وقال الآخر: شرَيْتُ غُلاماً بينَ حِصْنٍ ومالكٍ ... بأَصْواعِ تَمْرٍ إذْ خشيتُ المَهالِكا أَرادَ بعت غلاماً، وجاءَ في الحديث عن حُذيفة أَنَّهُ قال عند موته: بيعُوا لي كَفَناً، أَي اشتروه، وقال الشَّاعر: إِذا الثُّرَيَّا طلعتْ عِشاَء ... فبِعْ لراعِي غنمٍ كِساَء وقالَ:

والبين

إِذا الثُّريَّا طَلعتْ غُدَيَّهْ ... فبِعْ لِراعِي غنمٍ شُكَيَّهْ أَرادَ فاشتر. وقالَ كُثَيّر: فيا عَزَّ لَيْتَ النَّأْيَ إذْ حالَ بينَنَا ... وبينَكِ باعَ الوُدَّ لي منكِ تاجِرُ وقالَ أَوْس: قَدْ فارَقَتْ وهْي لم تَجْرَبْ وباعَ لها ... من الفَضافِصِ بالنُّمِّيِّ سِفْسِيرُ الفَصافِصِ: الرّطبة، والنُّمِّيِّ: الفُلوس، والسِّفْسير: القهرمان. وقال الآخر: وَبَاعَ بَنِيهِ بعضَهُمْ بخَسَارَةٍ ... وبعتُ لذُبْيَانَ العَلاَء بمالِكا 38 - والبين من الأَضْداد؛ يكون البيْن الفراق، ويكون البين الوصال؛ فإِذا كان الفراق فهو مصدر بانَ يَبِينُ بَيْناً، إِذا ذهب؛ كقول جرير: بانَ الخَليطُ ولوْ طُووِعْتُ ما بانا ... وقطَّعوا مِنْ حبالِ الوصْلِ أَقْرانا طووعت: فوعلت، لأنَّه من طاوعت، وقال الله عزَ وجلّ:

والمستخفي

{لَقَدْ تَقَطَّعَ بيْنُكُمْ}، فمعناه وصلكم، وقال الشَّاعر حجَّةً لهذا المذهب: لقَدْ فَرَّقَ الواشينَ بيْني وبيْنُها ... فَقَرَّتْ بذاكَ الوصلِ عَيْنِي وعَيْنُها أَرادَ: لقد فرَّقَ الواشينَ وصلي ووصلها. وقال الآخر: لعمْركَ لولا البَيْنُ لانْقَطَعَ الهَوَى ... ولولا الهَوَى ما حنَّ للبَيْنِ آلِف 39 - والمستخفي من الأَضْداد؛ يكون الظاهرَ ويكون المتواريَ، فإِذا كان المتواريَ فهو من قولهم: قد استخفى الرَّجُل إِذا توارَى، وإِذا كان الظاهر فهو من قولهم: خَفيتُ الشَّيء إِذا أَظهرتَه؛ من ذلك الحديث المرويّ: لَيْسَ على المختفِي قَطْع، معناه لَيْسَ على النَّبَّاش؛ وإِنَّما سمِّي النَّبَّاش مختفياً لأَنَّه يُخْرِج الموتى، ويُظْهِر أَكفانهم. 40 - والسارب أَيْضاً من الأَضْداد، يكون السارب المتواريَ، من قولهم: قَدِ انْسَرَب الرَّجل إِذا غاب وتوارى عنك؛ فكأَنَّه دخل سَرَباً، والسارب: الظاهر؛ قال الله عزَ وجلّ: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفِ باللَّيْلِ وَسَرِبٌ بالنَّهارِ

وبيضة البلد

ففي المستخفي قولان، يقال: هو المتواري في بيته، ويقال: هو الظَّاهر. وفي تفسير السارب قولان أَيْضاً، يقال: هو المتوارِي ويقال: هو الظَّاهر البارز، قال قَيْس بن الخطِيم: أَنَّى سَرَبْتِ وكُنْتِ غير سَرُوبِ ... وتُقَرِّبُ الأَحْلامُ غَيْرَ قَرِيبِ ويُرْوَى: أَنَّى اهتديت، أَرادَ: أَنَّى ظهرتِ وكنت غير ظاهرة؛ وقد يفسَّر على المعنى الآخر. ومن قال: السارب الظَّاهر، قال: سَرَبَ الرَّجلُ يَسْرُب سَرْباً، إِذا ظهر. 41 - وبَيْضَة البلد كم الأَضْداد؛ يقال للرَّجل إِذا مُدِح: هو بيضة البلد، أَي أَهله والمنظور إِلَيْه منهم، ويقال للرَّجل إِذا ذُمَّ: هو بيضةُ البلد، أَي هو حقير مَهِين كالبيضة التي تفسدها النَّعامة فتتركها ملقاةً لا تلتفت إِليها، قالت امرأَةٌ من العرب تَرْثِي عمراً بن عبد وَدّ، وتذكر قتل عليّ بن أَبي طالب - رضوان الله عليه - إِيَّاه: لو كانَ قاتِلُ عَمْرٍو غيرَ قاتِلِهِ ... بكيتُه ما أَقامَ الرُّوحُ في جَسَدي لكنَّ قاتِلَهُ مَنْ لا يُعابُ بهِ ... وكانَ يُدْعَى قَديماً بَيْضَةَ البَلَدِ

وقال الآخر في معنى المدْح: كانتْ قُرَيْشٌ بيْضةً فَتَفلَّقَتْ ... فالمُحُّ خالصُهُ لعَبْدِ مَنَافِ وقال الآخر: إِنَّ الجلابيب قد عَزُّوا وقدْ كثرُوا ... وابْنَ الفُريْعَةِ أَضْحَى بيْضَةَ البَلَدِ فبيضة البلد هاهنا مدح، والجلابيب: العبيد، ويقال: هم السَّفِلَة. وابن الفُريْعَةِ هو حسَّان. وقال الآخر في معنى الذّم: تأْبى قُضاعَةُ أَنْ تَعْرِفْ لكُمْ نسباً ... وابْنا نِزارٍ فأَنْتُمْ بَيْضَةُ البَلَدِ أَرادَ: أَن تعرفَ لكم نسباً، فأَسكن الفاء تخفيفاً، كما قال عِمران بن حِطَّان: بَراكَ تُراباً ثمَّ صَيَّرْكَ نُطْفَةً ... فسوَّاكَ حتَّى صِرْتَ ملتئِمَ الأَسْرِ الأَسْر: الخلق، من قول الله عزَ وجلّ: وشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وأَرادَ عِمران: ثمَّ صَيَّرَك فأَسكن الرَّاء. وأَكثر ما يقع في التخفيف في الياء والواو؛ كقول الأَعشى:

وعنوة

فَتًى لو يُنَادِي الشَّمْسَ أَلْقَتْ قِناعَها ... أَو القمرَ السَّاري لأَلْقَى المقالِدا أَرادَ الساريَ، فأَسكن الياء. وقال الآخر: لكنَّهُ حَوْضُ مَنْ أَوْدَى بإِخْوَتِه ... رَيْبَ المنُونِ فأَضحَى بيضَةَ البلَدِ 42 - وعَنْوَة من الأَضْداد؛ يقال: أَخذَ الشَّيْءَ عَنْوَة، إِذا أَخذه غَصْباً وغَلَبَة، وأَخذه عنوة إِذا أَخذه بمحبَّة ورضاً من المأْخوذ منه؛ أَخبرنا بهذا أَبو العبَّاس، وأَنشدنا قولَ كُثَيِّر: فما أَخذُوها عَنْوَةً عَنْ مَودَّةٍ ... ولكنْ بحَدِّ المَشْرَفيِّ اسْتقالَها وقال الآخر: هلَ انْتَ مُطيعِي أَيُّها القلبُ عَنْوَةً ... ولَمْ تُلْحَ نفْسٌ لم تُلَمْ في اختيالِها وقال الله عزَ وجلّ: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للحَيِّ القَيُّوم، فمعناه خضعت وذلَّت. وقالَ المفسِّرون: هو وضْعُ المسلِم يديه وركبتيه وجبهتِه على الأَرض. ويقال: قد عنوتُ لفلان إِذا خضعتَ له، ويقال: الأَرض لم تَعْنُ بنبات ولم تَعْنَ بنبات، أَي لم تظهر النبات، قال أُميَّة بن أَبي الصَّلْت:

والصريخ والصارخ

مَلِكٌ على عَرْشِ السَّماءِ مُهَيْمِنٌ ... تَعْنُو لِعِزَّتِهِ الوُجُوهُ وتسْجُدُ وقالَ أُميَّة أَيْضاً: الحمدُ للهِ الَّذي م يتَّخِذْ ... ولَداً وقَدَّرَ خَلْقَهُ تقْدِيرَا وعَنَا لهُ وجهي وخَلْقي كلّه ... في الخاشعين لوجهِه مشكورَا ويقال: للأَسير: عان لخضوعه وذلِّهِ، جاءَ في الحديث: اتَّقوا الله في النِّساءِ فإِنَّهُنَّ عندكم عوان، أَي أُسَراء. 43 - والصَّريخُ والصَّارِخ من الأَضْداد؛ يقال: صارخ وصَريخ للمغيث، وصارخ وصَريخ للمستغيث، قال سَلاَمة بن جَنْدَل: كُنَّا إِذا ما أَتانَا صارِخٌ فزِعٌ ... كان الصُّراخُ لهُ قَرْعَ الطَّنابِيبِ وشدَّ كُورٍ على وَجْناَء ذِعْلبَةٍ ... وشدَّ سَرْجٍ على جَرْداَء سُرْحُوبِ أَرادَ بالصَّارِخ المستغيث. والطَّنابيب: جمع الطُّنْبوب، والطُّنْبوب: عظْم السَّاق، أَي تقرع سوق الإِبِل انْكِماشاً وحِرْصاً على إِغاثته، ويقال: قد قَرَعَ فلانٌ طُنْبُوب كذا وكذا إِذا انكمش فيه. وفي التعزِّي عنه. ويقال أَيْضاً: قرع لذلك الأَمر طُنبوبه وساقه إِذا عزم عليه، قال

الشَّاعِر يذكر صاحِباً فارقه، فتعزَّى عنه: قَرعْتُ طَنابيبي على الصَّبْرِ بعدَهُ ... وقدْ جَعلتْ عَنْهُ القرينَةُ تُصْحِبُ والقرينة: النَّفس، وتُصْحِب: تنقاد، وقال الآخر: إِذا عُقَيْلٌ عقدوا الرَّاياتِ ... ونَقَع الصَّارِخُ بالبَياتِ أَبَوْا فما يُعْطُونَ شيئاً هاتِ أَرادَ بالصَّارِخ المستغيث. ومعنى قولِهِ: هاتِ، أَي قائل هات صاحب هذه الكلمة. وتأْويل نقع صَارَخَ؛ من ذلك الحديث المرويّ عن عمر رحمهُ الله أَنَّهُ قال لمَّا مات خالد بن الوليد: مَا على نساء بَنِي المغيرة أَن يُرِقْنَ دموعهنَّ على أَبي سُلَيْمَان ما لم يكن نَقْع ولا لَقْلَقَة. فالنّقع: الصِّياح، واللَّقْلَقَة: الولولة، قال الله عزَ وجلّ: فَلاَ صَرِيخَ لهُم، فمعناه. فلا مغيث لهم، وقالَ: مَا أَنا بمُصْرِخِكُمْ ومَا أَنْتُمْ بمُصْرِخِيَّ، فمعناه: ما أَنا بمغيثكم. وقال الشَّاعر: أَعاذِلَ إنَّما أَفْنى شَبابي ... ركوبي في الصَّريخِ إِلى المنادِي أَرادَ في الإِغاثة.

وأكرى

44 - وأَكْرَى حرف من الأَضْداد؛ يقال: أَكْرى إِذا أَطال، وأَكْرى إِذا قصَّر، ويقال: أَكْريتُ العَشاءَ، إِذا أَخَّرتَه، قال الشَّاعر يَصِفُ قِدْراً: تُقَسِّمُ ما فيها فإِنْ هي قُسِّمَتْ ... فذاكَ وإِنْ أَكْرتْ فعن أَهْلِها تُكْرِي أَرادَ: فإِن نَقَضَتْ فعن أَهلها تَنْقُضُ، أَي ضرر النُّقصان على أَهلها يرجع. وشبيه بهذا القول الآخر: أُقَسِّمُ جِسْمي في جسومٍ كثيرةٍ ... وأَحْسو قَرَاحَ الماءِ والماءُ باردُ أَي أُقَسِّم فيأْكلُ منه جماعة من النَّاس. ويُرْوَى بيت الحُطَيْئة: وأَكْريْتُ العَشاَء إِلى سُهَيْلٍ ... أَو الشِّعْرَى فطالَ بيَ الأَناءُ فمعنى أَكْريتُ أَخَّرتُ، وقالَ فقيه العرب: مَنْ سَرَّهُ البقاءُ ولا بقاء، فليباكرْ الغداءَ، ولْيُكْرِ العَشاءَ، وليُخفِّفِ الرِّداءَ. أَرادَ بيُكْرِي يؤخِّر، والرِّداء الدَّيْن. وكانت العرب تقول: تَرْك العَشاء يَذْهَب بعَضَلَة العَضُد، وكاذّة الفَخِذ؛ فالكاذَّة عندهم: لحم باطن الفَخِذ.

والدائم

ويُحكَى عن أَبي عُبيدة أَنَّهُ كان يروي بيت الحُطَيْئة: وأَكْريْتُ العَشاَء إِلى سُهَيْلٍ ... أَو الشِّعْرَى فطالَ بيَ الكَرَاءُ 45 - والدائِم من الأَضْداد، يقال للساكن دائم، وللمتحرِّك الدائر دائم، جاءَ في الحديث: نهى رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَن يُبَالَ في الماءِ الدائم. وقالَ الجعْديّ: تَفُورُ عَلَيْنا قِدْرُهُمْ فنُدِيمُها ... ونفْثَؤُها عنَّا إِذا حَمْيُها عَلا أَرادَ: نُدِيمها، نسكِّنُها، ويقال: قد دوَّم الطائرُ في السَّماءِ إِذا تحرَّك ودار. وقالَ الأَصْمَعِيّ: لا يقال دوْم إِلاَّ في السَّماء، وقالَ: أَخطأَ ذو الرُّمَّة في قوله: حتَّى إِذا دوَّمتْ في الأَرضِ راجعَهُ ... كِبْرٌ ولو شاَء نجَّى نفْسَه الهربُ ويقال: بالرَّجل دُوام، أَي دُوار؛ وإِنَّما سمِّيت الدَّوامة بحركتها ودَوَرانها. 46 - والسَّميع من الأَضْداد؛ يقال: السَّميع للَّذي يَسْمَع، والسَّميع للَّذي يُسْمِع غيرَه، والأَصل فيه مُسْمِع،

والصريم

فصرِف عن مُفْعِل إِلى فَعِيل، كما قال تبارك وتعالى: ولَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ، أَرادَ مُؤلم مُوجع. وقالَ عَمْرو ابن معدِي كَرِب: أَمِنْ ريْحانَة الدَّاعي السَّميع ... يُؤَرِّقُني وأَصحابي هُجُوعُ أَرادَ المسمِع. وقالَ ذو الرُّمَّة: وتَرْفَعُ منْ صدُورِ شَمرْدلاتٍ ... يَصُكُّ وُجوهَها وَهَجٌ أَليمُ أَرادَ مُؤْلم. 47 - والصَّريم من الأَضْداد؛ يقال للَّيل صَرِيم، وللنَّهار صَرِيم؛ لأَنَّ كلَّ واحد منهما يَتَصرَّم من صاحبه، قال الشَّاعر: بكرَتْ عَليَّ تلُومُني بصريمِ ... فلقدْ عَذَلْتِ ولُمْتِ غَيْرَ مُليم أَرادَ بليل. وقال الآخر: عَلامَ تَقُولُ عاذِلَتِي تلُومُ ... تُؤَرِّقُنِي إِذا انْجابَ الصَّريمُ أَرادَ بالصَّريم اللَّيل، وقال الله عزَ وجلّ: فأَصْبَحَتْ كَالصَّريمِ، فمعناه كاللَّيل الأَسود. قال زُهَيْر:

وأطلب

غَدَوْتُ عليهِ غُدْوَةً فوَجدْتُهُ ... قُعُوداً لديْهِ بالصَّريمِ عَواذِلُهْ أَرادَ باللَّيل قبل أَن تبْدُوا معالم الصُّبح؛ فيأْخذَ في الاستعداد للشَّرابِ، ويمنعه الشُّغل به عن استِماع عَذْل العواذل. وشبيه بهذا قول ابنِ أَحْمر: قدْ بكرَتْ عاذِلتي سُحْرَةً ... تَزْعُمُ أَنِّي بالصِّبا مُشْتَهرْ وقالَ بِشْر بن أَبي خازِم يذكر ثَوْراً: فباتُ يقولُ أَصْبِحْ لَيْل حتَّى ... تَجَلَّى عنْ صَرِيمتِه الظَّلامُ أَي عن الضَّوْء. وقالَ أَبو عُبيدة: صَرِيمتِه هاهنا: الرَّملة التي كان فيها. 48 - وأَطلبُ حرف من الأَضْداد. يقال أَطْلَبْتُ الرَّجُلَ، إِذا أَعطيتَه ما يطلب، وأَطلبتُه، إِذا عرَّضتَه للطلب ولم تُعْطِه. ويقال: قد أَطلبَ الماءُ، إِذا حانَ له أَن يُطْلب؛ قال ذو الرُّمَّة يذكر بعيراً شبَّه به الظَّليم: أَضلَّهُ راعيَا كَلْبِيَّةٍ صَدَرَا ... عَنْ مُطْلِبٍ وطُلَى الأَعناقِ تضْطَرِب أَراد أَضلَّه راعيا إبِل كلْبيّة؛ وإنما خَصَّ إبلَ كَلْب؛ لأنها أَشدُّ سواداً من غيرها. ومعنى قوله: عن مُطْلِب عن

وعفا

ماءٍ مُطْلِب، وهو الَّذي قد حان له أَن يُطْلَب. 49 - وعفا حرف من الأَضداد. يقال: عفا الشيءُ إِذا نقص ودَرَس، وعفا إِذا زاد؛ فمن الدّرُوس قولهم: عليه العَفاءُ، قال زُهَيْر: تَحَمَّلَ أَهْلُها مِنْها فَبانُوا ... على آثارِ ما ذَهَبَ العَفَاءُ وقالَ امرؤ القَيْس: فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لم يَعْفُ رَسْمُها ... لِما نَسَجْنها مِنْ جَنُوبٍ وشَمْأَلِ فمعناه: لم يدرس رسمها لنسج هاتين الريحين فقط، بل دَرَس لتتابع الرياح وكثرةِ الأَمطار، والدّليل على هذا قوله في البيتِ الآخر: فَهَلْ عِنْدَ رَسْم دارِسٍ مِنْ مُعَوَّلٍ ويقال: لم يعفُ رسمُها أَي لم يزِدْ رسمها لما نسجتها من هاتين الريحين، فالرّسم على هذا القول غير دارس. ومعنى قوله في البيت الآخر: فهل عند رسم دارس؟ فهل عند رسم سَيَدْرُس فيما يُسْتَقبَل، وهو السّاعةَ موجود باق! ويقال: معنى قوله: دارس قد درس بعضُه وبقي بعضُه. وقالَ أَبو بكر العَبْدِيّ: معناه لم يَعْفُ رسمها

من قلبي، وهو دارس من الموضع. وقالَ بعضهم: أَراد بقوله: لم يَعْفُ رسمها لم يَدْرُس، ثمَّ أَكذب نفسَه بقوله. فهل عند رسم دارس، كما قال زهير: قِفْ بالدِّيارِ التي لم يَعْفُها القِدَمُ ... بَلَى وغَيَّرَها الأَرْواحُ والدِّيَمُ وقالَ الآخر: فلا تَبْعَدَنْ يا خَيْرَ عَمْرِو بنِ مالكٍ ... بَلى إنَّ من زار القبورَ لَيَبْعَدُ ويقال: قد عفا الشَّعر إِذا كثر، قال الله عزّ وجلّ: حتَّى عَفَوْا، فمعناه حتَّى كثروا، قال الشَّاعِر: ولكنَّا نُعِضُّ السَّيْفَ مِنْها ... بأَسْوُقِ عَافِياتِ اللَّحْمِ كُومِ أَرادَ كثيرات اللَّحم، يقال: قد عفا وبرُ البعير إِذا زاد. وقالَ محمد بن كعبٍ القُرَظِيّ لعمرَ بن عبد العزيز: لِمَا عَفَا من شَعَركَ. ويقال: أَعفيتُ الشاًعَر وعفوته إِذا كثَّرتَهُ وزدتَ فيه. أَمر رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَن

والذفر

تُحْفَى الشَّوارب وتُعْفَى اللِّحَى، أَي تُوفَّر. ويقال: قد عفا فلانٌ فلاناً إِذا سأَله والتمس نائلَه، وجَمْع العافي عافُون وعُفَاة، قال الأَعشى: تَطُوفُ العُفَاةُ بأَبْوابِهِ ... كطَوْفِ النَّصارَى ببَيْتِ الوَثنْ وقال الآخر: تَطُوفُ العُفَاةُ بأَبْوابِهِ ... كما طافَ بالبِيعَةِ الرَّاهِبُ أَرادَ كالرَّاهب الَّذي طاف بالبِيعَة. 50 - والذَّفَر من الأَضْداد؛ يقال: شَمِمْتُ للطِّيب ذَفَراً والنَّتْن ذَفَراً، والذَّفَرُ حِدَّة الريح في الطيب والنّتْن جميعاً، والدَّفْرُ، بتسكين الفاء مع الدال، لا يقال إِلاَّ في النَّتْن، من ذلك قولهم: الدنيا أَم دَفْر، وللأَمَة: يا دَفَارِ، ومنه قول عمر بن الخطاب رحمه الله: وادَفْراه! 51 - ورَتَوْت من الأَضداد. قال أَبو عَمْرو: يقال: رَتَوْتُ الشَّيْء، إِذا قوّيتَه، ورتوتُه، إِذا ضعَّفتَه؛ فمن التضعيف والنّقص قول الحارِث بن حلّزة يَصِفُ جبلاً: مكْفَهِرًّا على الحوادِثِ لا تَرْ ... توهُ للدَّهْرِ مُؤيدٌ صَمَّاءُ

وجلل

أَي لا تنقُصه ولا تُضعِفه. قال لَبيد يذكر كتيبةً أَو درعاً: فَخْمةً دَفْراَء تُرْتَى بالعُرى ... قُرْدَمانيًّا وتَرْكاً كالبَصَلْ فمعنى تُرتى تُقْبَض وتُجْمَع؛ لأنَّ الدِّرع يكون لها عُرًى في وَسَطِها؛ فإذا طالت على لابسها شمَّر ذيلَها فشدَّهُ في العُرَى. وقالَ زُهَيْر: ومُفَاضَةٍ كالنِّهْي تَنْسِجُهُ الصَّبَا ... بَيْضاَء كفَّتْ فَضْلَها بمهنَّدِ ذهب إِلى أَنَّ الدِّرع لما طالت على لابسها عَلّق الذَّيْل بمِعْلاق في السيف. والرَّتْو أَيْضاً: الجمع والشدّ؛ قال النّبي صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: الحَساءُ يَرْتُو فُؤادَ الحَزين، ويَسْرو عن فؤاد السقيم. والرَّتْوة: الخطو. والرَّتوة: الخطوة، يقال: رتوْتُ، إِذا خطوتُ، ومعنى يسرو يكشف، سَرَوْتُ الثَّوْبَ عن الرَّجل، إِذا كشفتَه، قال ابن هَرْمة: سَرَا ثَوْبَهُ عَنْكَ الصِّبَا المتَخَايلُ 52 - وجَلَل من الأَضداد. يقال: جَلَل لليسير، وجلل للعظيم، قال لَبيد: وَأَرَى أَرْبَدَ قد فارَقني ... وَمِنَ الأَرْزاءِ رزْءٌ وَجَلَلْ

أَي عظيم. وقالَ نابغَة بَنِي شيبان: كُلُّ المُصيباتِ إنْ جَلَّتْ وإنْ عَظُمَتْ ... إِلاَّ المصيبةُ في دينِ الفَتى جَلَلُ والشِّعْر شيءٌ يَهيمُ النَّاطقون بهِ ... منه غِناءٌ ومنه صادِقاً مَثَلُ أَراد كلّ المصيبات يَسيرة. وقالَ الآخر: كُلُّ رُزْءٍ كان عِنْدي جَلَلاً ... غَيْرَ ما جاَء به الرَّكْبُ ثنِيَ وقالَ عِمران بن حِطّان: يا خَوْلَ يا خَوْلَ لا يَطْمحْ بكَ الأَملُ ... فقَدْ يكذِّبُ ظنَّ الآملِ الأَجَلُ يا خَوْلَ كيْفَ يَذوقُ الخفْضَ مُعْتَرِفٌ ... بالموْتِ والموتَ فيما بَعْدَهُ جَلَلُ وقالَ المثقَّب: كُلُّ رُزْءٍ كان عندي جَلَلاً ... غير كُرْسُفَّةَ مِنْ قِنْعَى قُطُرْ وقال الآخر: لقَتْلِ بَنِي أَسدٍ ربَّهُمْ ... أَلا كُلُّ شيءٍ سواهُ جَلَلُ وقال الآخر: فَلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلا ... ولئِنْ سَطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمِي

ووثب

أَرادَ: فلئن عفوت لأَعفونّ عفواً عظيماً. ويُرْوَى: لأَعْفُوَنْ جُلُلاً، فجُلُل جمع جَليل، يقال: أَمر جليل وجَلَل، وأُمورٌ جُلُل؛ قال الشَّاعر: رَسْمِ دارٍ وَقَفْتُ في طَلَلِهْ ... كِدْتُ أَقْضِي الحياةَ مِنْ جَلَلِهْ أَراد من عِظَمه عندي، ويقال: قد جلَّت المصيبة، إِذا عظمت؛ وإِلى هذا كان يذهب الأَصْمَعِيّ في البيت. وقالَ الكِسَائِيّ والفرَّاءُ: معنى قوله: من جَلَله من أَجله؛ يقال: فعلت هذا من أَجلك، ومن إِجلك، ومن إِجلاك، ومن جَلَلك، ومن جَلاَلِك، ومن جرَّاك، ومن جَرَّائك؛ بمعنًى، قال الشَّاعر: أَمِنْ جَرَّى بَنِي أَسَدٍ غَضِبْتُمْ ... ولو شئتمْ لكان لكمْ جِوارُ ومِنْ جَرَّائِنَا صِرْتُم عَبيداً ... لقومٍ بَعْدَما وُطِئ الخَبَارُ وقال الآخر: أُحبُّ السَّبْتْ مِنْ جَرَّاكِ حتَّى ... كأَنِّي يا سَلامَ من اليَهُودِ أَرادَ: من أَجلك. 53 - ووثبَ حرف من الأَضْداد، يقال: وَثب الرَّجلُ إِذا نهض وطَفَر من موضع إِلى موضع، وحِمْيَر تقول:

والنبل

وَثَب الرَّجُل، إِذا قعد. وقالَ الأَصْمَعِيّ وغيرُه: دخل رجلٌ على ملكٍ من ملوك حِمْيَر، وكانَ الملكُ جالساً في موضع مُشْرِف، فارتقى إِلَيْه، فقال له الملك: ثِبْ؛ يريد اجْلِس، فطفَر، فسقط فاندقَّتْ عنقُه، فقال الملك: من دَخَل ظَفَارِ حَمَّر، أَي تكلَّم بلسانِ حِمْيَر. وقالَ بعضهم: مَعْنَى حَمَّر تزيَّا بزيِّهم ولبس الحُمْر من الثياب. وظَفَارِ: اسم مدينة باليمن، وإِليها يُنسب الجَزْع الظَّفارِيّ، وظَفَارِ، كسرت لأَنَّها أُجريت مجرى ما سُمِّي بالأَمر، كقولك: قَطَامِ وحَذَامِ؛ لأَنَّهما على مثال قَوالِ ونَظَارِ؛ ومن ذلك حَلاَقِ، من أَسماءِ المنِيَّةِ، وطَمَارِ اسم جَبَل، قال الشَّاعر: فإِنْ كُنْتِ لا تَدْرِينَ ما الموتُ فانْظُري ... إِلى هانئِ في السُّوقِ وابنِ عَقيلِ إِلى بَطَلٍ قَدْ عَفَّرَ التُّرْبَ خَدَّهُ ... وآخرَ يَهْوي مِنْ طَمَارِ قَتيلِ ويُرْوَى: طَمَارَ، ويجوز: مَنْ دخل ظَفَارَ حَمَّر؛ على أَنْ يجري ظَفَارَ مَجرى زينب ونوار. 54 - والنَّبَل من الأَضْداد؛ يقال: نَبَل لِلْجلَّة العظام، ونَبَلَ للصِّغار.

ومن الصِّغار حديث النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم في الغائط: اتَّقوا الملاَعن وأَعِدُّوا النَّبَل، فالملاعِن الطرقات والمواضع التي يَلْعن النَّاسُ مَنْ قَذَّرها. والنَّبَل: حجارةُ الاستنجاء، سُمِّيت نَبَلاً لصِغَرها. قال أَبو عُبيدة: حدَّثني إِسحاق بن عيسى، قال: سمعت القاسم بن معن يقول: مات رجل من العرب، فورِثه أَخوه، فعيَّر الحيَّ بعضُ العرب، ونسبه إِلى أَنَّهُ قد فرح بموت أَخيه لِمَا صار إِلَيْه من ماله، فقال الرَّجُل: إِنْ كنت أَزْنَنْتَنِي بها كذِباً ... جَزْءُ فلاقَيْتَ مِثْلَها عَجِلاَ أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأ الكرامَ وأَنْ ... أُورَثَ ذَوْداً شَصائِصاً نَبَلاَ الشَّصائص: التي لا أَلبان لها، والنَّبَل: الصِّغار الأَجسام وأَنكر ابن قتيبةَ هذا، وقالَ: إنَّما هو وأَعِدُّوا النُّبَل بضمّ النُّون، قال: والنُّبَل: جمع نُبْلة، والنُّبْلَةُ: ما انتبلتَ من الأَرض من حَجَر، أَي تناولت؛ فالنُّبْلة: اسم المتناوَل، بمنزلة الغُرْفة اسماً للمغروف، والحُسوة

للشَّيء الَّذي يُحْسَى، قال: وهذا البيت هو شَصائِصاً نُبَلاً بضمّ النُّون، أَي عطيَّة وعِوَضاً. قال أَبو بَكْر: فالَّذي قاله ابنُ قتيبةَ عندي خطأ من ثلاثة أَوجه: أَحدُهنّ: أَنَّ النُّبَلَ لو أُريد بها ما يُتناول من الأَرض، لجاز أَن يقال لقطع الخزف والزُّجاج وما أَشبههما: نُبَل، وهذا غير معروف فيهما، ولا يجاز الاستنجاءُ بهما. والحجَّة الثانية: أَنَّ العرب لا تقول: فَعْلة وفُعْلة في معنى المصادر والأَسماء المبنيَّة على الأَفعال إِلاَّ إِذا تكلَّموا بفعلت، فيقولون: حَسَوْت حَسْوَةً، والحُسْوة الاسم، وغرفت غَرْفة، والغُرفة الاسم، وخطوتُ خَطْوة، والخُطوة الاسم، وفَرَجْتُ فَرْجة، والفُرْجة الاسم؛ ولا يقال في هذا نَبَلْتُ، فمتى لم يُتكلَّم ب فعلت لم يتكلَّم منه بفَعْلة وفُعْلة، أَلا تَرى أَنَّ العربَ تقول: انتبلت؛ فغير جائز أَن يقول القائل: انتبلتُ نَبْلة؛ بل يجب أن يقول: انتبلتُ انتبالة. والحجَّة الثالثة: أَنَّهُ قال في حديث أَبي هُرَيْرَة: لو حَدَّثت بكلِّ ما أَعلم لرَموْني بالقِشَع، والقِشَع: جمع قَشْعَة، والقَشْعَة: ما يُقْشع من الأَرض من الحجر والطِّين والخزف وغير ذلك. والقِشَع: جمع قَشْعة، كما تقول: بَدْرة

وأخفيت

وبِدَر، فنقَض ابنُ قتيبة بهذا على نفسه ما ادَّعاه في تأْويل الحديث الأَوَّل؛ لأَنَّه إِذا صلَح أَن تكون القَشْعة اسماً لما يُقْشع من الأَرض، وأَن يُقال في جمعها قِشَع، صَلَح أَن تكون النَّبَلَة اسماً لما يُتَنَبَّل من الأَرض، وأَن يقال في جمعها: نِبَل ونَبَل، كما يقال: حَلْقة وحِاَق، وحَلَق، وعَبْرة وعِبَر وعَبَر. وقالَ ابن قتيبة في شعر لَبِيد: كأَرْآمِ النُّبَلْ، فجعل هذا شاهداً لقوله، وهذا عندنا تَصْحِيف منه، إِذا كانت الرُّواة روت البيت على غيرِ ما وصف، فاتَّفقوا على أَنَّهُ: وَمُرِنَّاتٍ كأَرْآمِ تُبَلْ وقالوا: المُرِنَّات النِّساء اللَّواتي يُعْلِنَّ الرنَّة، والأَرآم: الظباء، فشبَّه النِّساءَ بالظباءِ في تُبَل. وتُبَل: اسم موضع. 55 - وأَخْفَيت حرف من الأَضْداد؛ يقال: أَخفيت الشَّيء، إِذا سترتَه، وأَخفيتُه إِذا أَظْهرتَه، قال الله عزَ وجلّ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها، فمعناه أَكاد أَسترها، وفي قراءة أُبَيّ: أَكادُ أَخْفيها من نفسي،

فكيف أُطلعكم عليها، فتأْويل من نفسي: من قبلي ومن غيبي، كما قال: تَعْلَمُ ما في نَفْسِي ولا أَعْلَمُ ما في نَفْسِكَ، ويقال: معنى الآية: إِنَّ السَّاعة آتية أَكاد أُظهرها. ويقال: خَفَيْتُ الشَّيءَ، إِذا أَظهرتَه. ولا يقع هذا - أَعني الَّذي لا أَلف فيه - على السَّتر والتَّغطية. قال الفَرَّاءُ: حدَّثنا الكِسَائِيّ، عن محمد بن سهل، عن وقاء، عن سعيد بن جُبَيْر أَنَّهُ قرأَ: أَكاد أَخْفيها، فمعنى أَخفيها أُظهرِها. وقالَ عَبْدة بن الطَّبيب يذكر ثوراً يحفِر كِناساً، ويستخرج ترابَه فيظهره: يَخْفِي التُّرابَ بأَظْلافٍ ثَمانيةٍ ... في أَربعٍ مَسُّهُنَّ الأَرْضَ تحْليلُ أَرادَ يظهر التُّراب. وقالَ الكِنديّ: فإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاَء لا نَخْفِهِ ... وإِنْ تَبْعَثُوا الحرْبَ لا نَقْعُدِ أَرادَ لا نظهره، وقالَ النَّابِغَة: يَخْفِي بأَظلافهِ حتَّى إِذا بلغَتْ ... يُبْسَ الكثيب تَدانَى التُّرب وانْهَدَمَا أَرادَ يظهر. قال أَبو بَكْر: يجوز أَن يكون معنى الآية: إِنَّ السَّاعة آتية أَكاد آتي بها؛ فحذف آتي لبيان معناه، ثمَّ

ابتدأَ فقال: أُخْفِيها لتُجْزَى كُلُّ نفس، قال ضابئ البرجميّ: هَمَمْتُ ولمْ أَفعلْ وكِدْتُ وليتَني ... تركْتُ على عُثْمانَ تَبْكي حَلائِلُهْ أَرادَ: وكدت أَقتله، فحذف ما حذف، إِذا كان غير مُلبِس. ويجوز أَن يكون المعنى: إِنَّ السَّاعة آتية أُريد أُخفيها، قال الله عزَ وجلّ: كذَلِكَ كِدْنَا ليُوسُفَ، فيقال: معناه أَردنا. وأَنشدَنا أَبو عليّ العنزيّ للأَفْوَه: فإِنْ تَجَمَّعَ أَوْتادٌ وأَعْمِدَةٌ ... وسَاكنٌ بلغوا الأَمرَ الَّذي كَادُوا معناه الَّذي أَرادوا، وقال الآخر: كادَتْ وكِدْتُ وتلك خير إِرَادَةٍ ... لوْ عادَ مِنْ لَهْوِ الصَّبابَةِ ما مَضَى معناه أَرادت وأَردت. ويجوز أَن يكون معنى الآية: إِنَّ السَّاعة آتية أَخفيها لتُجْزَى كُلُّ نفس؛ فيكون أَكاد مزيداً للتَّوكيد، قال الشَّاعر: سَريعاً إِلى الهيجاءِ شاكٍ سِلاحُهُ ... فما إِنْ يَكادُ قِرْنُهُ يتنفَّسُ أَرادَ: فما كاد قرنه. وقالَ أَبو النَّجم: وإِنْ أَتاكَ نَعِيِّي فانْدُبنَّ أَبَا ... قَدْ كادَ يَضْطَلِعُ الأَعْداَء والخُطَبَا

معناه قد يضطلع. وقال الآخر: وأَلاَّ أَلومَ النَّفْسَ فيما أَصابَني ... وأَلاَّ أكادَ بالَّذي نِلْتُ أَبْجَحُ معناه: وأَلاَّ أَبجح بالَّذي نلت. وقالَ حسَّان: وَتَكادُ تكسلُ أَنْ تجيَء فِراشَهَا ... في جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وحُسْنِ قَوامِ معناه: وتكسل أَن تجيءَ فِرَاشها. وقال أَبو بَكْر: والمشهور في كدت مقاربة الفعل، كدت أَفعل كذا وكذا: قاربت الفعل ولم أَفعله. وما كدت أَفعله، معناه فعلتُه بعد إِبطاءٍ، قال الله عزَ وجلّ: فَذَبَحُوهَا ومَا كَادُوا يَفْعَلُونَ، معناه فعلوا بعد إِبطاء لغَلائها، قال قيس بن الخَطيم: أَتعرفُ رَسْماً كاطِّرادِ المذاهِبِ ... لِعَمْرَةَ وَحْشاً غَيْرَ مَوْقِفِ رَاكِبِ دِيارُ التي كادتْ ونَحْنُ على مِنًى ... تحُلُّ بنا لولا نَجاءُ الرَّكَائِبِ معناه قاربت الحلول ولم تحلّ. وقالَ ذو الرُّمَّة: وَقَفْتُ على رَبْعٍ لِميَّةَ ناقَتي ... فما زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وأُخاطِبُهْ وأُسْقِيهِ حتَّى كادَ ممَّا أَبُثُّهُ ... تُكَلِّمُني أَحْجارُهُ ومَلاعِبُهْ معناه: قارب الكلام ولم يكن كلام. وقال الآخر:

تهيبت الطريق وتهيبني الطريق

وَقَدْ كِدْتُ يَوْمَ الحزْنِ لمَّا تَرَنَّمتْ ... هَتُوفُ الضُّحَى مَحْزُونَةٌ بالتَّرَنُّمِ أَموتُ لِمَبْكاها أسي إِنَّ عَوْلَتي ... وَوَجْدِي بِسُعدى شَجْوُهُ غَيْرُ مُنْجمِ ويقال: خفا البرق يخفو، إِذا ظهر، وهو من قولهم: خَفَيْتُ الشَّيْءَ، إِذا أَظهرتَه، قال حُمَيد بن ثور: أرِقْتُ لبَرْقٍ في نَشَاصٍ خَفَتْ بهِ ... سَواجِمُ في أَعناقهنَّ بُسُوقُ بُسوق: طول، بَسَقَ الرَّجُل إِذا طال. 56 - ويقال: تهيَّبتُ الطَّريق وتهيَّبَني الطَّريق، بمعنًى، وهذا من الأَضْداد، قال الشَّاعر: وإِنْ أَنْتَ لاقَيْتَ في نجْدَةٍ ... فَلا تَتَهَيَّبْكَ أَنْ تُقْدِما وقالَ الرَّاعي: ولا تَهَيَّبُني المَوْماةُ أَركبُها ... إِذا تَجاوَبَتِ الأَصْداءُ بالسَّحَرِ قال أَبو بَكْر: وهذا عندي ممَّا يُقْلَب؛ لأنَّ اللَّبْس يؤمن في مثله، فيقال: تهيَّبني الطَّريقُ، لأَنَّه معلوم أَنَّ الطَّريقَ لا تتهيَّب أحداً، فإِذا جاءَ ما يمكن اللَّبس فيه لم يكن

الفاعل بتأْويل المفعول، والمفعول بتأْويل الفاعل، أَلا ترَى أَنَّهُ لا يسوغ لقائل أنْ يقول: ضَربني عبد الله، وهو يريد ضربتُ عبد الله؛ لأنَّ في هذا أَعظم اللَّبْس، والقلب معروف في كلام العرب عند بيان المعنى، قال البَعيث بن بشر: أَلا أَصبحتْ خَنْساءُ جاذمَةَ الحَبْلِ ... وضَنَّتْ علينا والضَّنِينُ من البُخْلِ معناه: والبخل من الضَّنين، قال الأصمعي، أَنشدني أَبو عَمْرو: إِنَّ بَنِي شُرَحْبِيلَ بنِ عَمْرو ... تمادَوْا والفُجورُ من التَّمادي معناه: والتَّمادي من الفُجور، وقالَ القُطاميّ: فَلَمَّا أَنْ جَرَى سِمَنٌ عليها ... كما بَطَّنْتَ بالفَدَنِ السَّيَاعا الفَدَن: القصر، والسَّياع: الصَّارُوج، ومعنى البيت: كما بطنت الفَدَن بالسَّيَاع. وقالَ العبَّاس بن مرْداس: فَدَيْتُ بنَفْسِهِ نَفْسِي ومَالي ... ولا آلوك إِلاَّ ما أُطيقُ معناه فديتُ نفسَه بنفسي، وقالَ الأَعشى: ما كنتُ في الحَرْبِ العَوانِ مُغَمَّراً ... إذْ شبَّ حَرُّ وقودِها أَجذَالَهَا معناه إذْ شبَّ أَجذالُها حَرَّ وقودها، وقال الآخر:

وتُرْكَبُ خَيلٌ لا هَوادَةَ بينها ... وتَشقى الرِّماحُ بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ معناه: وتشقَى الضَّيَاطِرة بالرِّماح. والضَّيَاطِرة: جمع ضَيْطار، والضَّيطار: الكثير اللَّحم. وقالَ الفرزدق: غَدَاةَ أَحَلَّتْ لابنِ أَصْرَمَ طَعْنَةٌ ... حُصَيْنٍ عبيطاتِ السَّدائِفِ والخَمْرُ رواه الكِسَائِيّ والفرَّاءُ وهشام وغيرهم برفع الطَّعنة، ونصب العبيطات ورفع الخمر على معنى: والخمر كذلك، أَي والخمر أَحلَّتها الطَّعنة أَيْضاً. وقالَ الفَرَّاءُ: هو بمنزلة قول الآخر: يأَيُّها المشتكي عُكْلاً ومَا جَرَمَتْ ... إِلى القَبائِلِ مِنْ قَتْلٍ وإِبْآسِ إِنَّا كذاكَ إِذا كانت هَمَرَّجَةٌ ... نَسبِي ونَقتلُ حتَّى يُسْلِمَ النَّاسُ أَرادَ: وإِبآس كذاك. وروى بيتَ الفرزدق البصريون: غَدَاةَ أَحَلَّتْ لابنِ أَصْرَمَ طعنة ... حصينٍ عبيطاتُ السَّدائِفِ والخَمْرُ وجعلوه مقلوباً، تأْويله: أَحلَّت عبيطاتُ السَّدائف والخمرُ الطَّعنةَ. وقالَ ابن قَيْسِ الرُّقيات: أَسْلَمُوها في دِمَشْقَ كَما ... أَسْلَمَتْ وَحْشِيَّةٌ وَهَقَا قال أَبو عُبيدة: معناه كما أَسلم وهقٌ وحشيّة، وقالَ

طرب

الأَصْمَعِيّ: معناه كما أَسلمت وحشيَّة وَهَقاً، فنجت منه ولم تقع فيه، وقالَ الحُطَيْئة: فَلَمَّا رأَيتُ الهُونَ والعيرُ مُمْسِكٌ ... على رَغْمِهِ ما أَثْبَتَ الحبْلَ حافِرُهْ قال أَبو عُبيدة: معناه ما أَثبت الحافرَ الحبلُ. وقالَ الأَصْمَعِيّ: معناه ما أَثبت الحافرُ الحبلَ، فمنعه من أَن يخرج. وأَنشدَنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، لأَبي حيَّة النُّمَيْرِيّ: تَرَحَّلَ بالشَّبَابِ عَنَّا ... فَلَيْتَ الشَّيْبَ كان بهِ الرَّحِيلُ أَرادَ: ترحَّلَ الشَّبابُ بالشَّيب، فقلب. 57 - وقالَ بعض النَّاس: طَرِبَ حرف من الأَضْداد؛ يقال: طرب إِذا فرح، وطرب إِذا حزن؛ قال ابن الدُّمينة في معنى الفرح والسُّرور: أَنشدناه أَبو العبَّاس: فَلا خير في الدُّنيا إِذا أَنتَ لم تَزُرْ ... حبيباً ولم يَطْرَبْ إِليكَ حبيبُ وقالَ لَبِيد في معنى الحُزن: وأَراني طَرِباً في إِثْرِهمْ ... طَرَبَ الوالِهِ أَو كالمختَبلْ

المأتم

معناه: وأراني حزيناً. ويُرْوَى أَو كالمحتبلْ، بالحاءِ، أَي كالَّذي يقع في حُبالة الصَّائد. ولم يصب هذا القائل عندي، لأنَّ الطَّرب لَيْسَ هو الفرح ولا الحزن؛ وإِنَّما هو خِفَّة تلحق الإِنسان في وقت فرحه وحَزَنه، فيقال: قد طرب إِذا اسْتخفّ، قال بعض الأَعراب: ومَا هَاجَ هذا الشَّوْقَ إِلاَّ حَمَائمٌ ... لَهُنَّ بساقٍ رَنَّةٌ وَعَويلُ تَجَاوَبْنَ في عَيْدانَةٍ مُرْجَحِنَّةٍ ... من السِّدرِ رَوَّاها المصيفَ مسيلُ فأَطربنَني حتَّى بكيتُ وإِنَّما ... يَهيج هَوَى جُمْلٍ عليَّ قَليلُ 58 - وقالَ قُطْرب: المأْتم حرف من الأَضْداد؛ يقال للنِّساءِ المجتمعات في الحزن: مأْتم، وللمجتمعات في الفرح: مأْتم، قال العجَّاج: لنَصْرَعَنْ ليثاً يُرِنُّ مأْتَمُهْ ... مُعَلَّقاً عِرْنِينُه ومِعْصَمُهْ وقالَ ابن مُقْبِل: ومأْتمٍ كالدُّمَى حُورٍ مدامِعُها ... لم تَلبِس البُؤْسَ أَبكاراً ولا عُونَا وقالَ ابن أَحمر: وكَوْمَاَء تَحْبُو ما تُشيِّع ساقُها ... لَدَى مِزْهَرٍ ضارٍ أَجَشَّ ومَأْتَمِ

المفازة

وقال الآخر: رَمَتْه أَنَاةٌ مِنْ رَبيعةِ عامر ... نَئُوم الضُّحى في مأْتم أَيّ مأْتَمِ وغير قُطْرب يقول: المأتم لَيْسَ من الأَضْداد؛ لأَنَّه إنَّما يُراد به النِّساء المجتمعات، فاجتماعهنَّ في الفرح كاجتماعهنَّ في الحزْن، قال أَبو عطاء السِّندي يَرثي ابنَ هُبَيْرة: أَلا إِنَّ عيناً لم تَجُدْ يَوْمَ وَاسِطٍ ... عليكَ بِجاري دَمْعِها لَجَمُودُ عَشِيَّةَ قامَ النَّائحاتُ وشُقِّقتْ ... جُيوبٌ بأَيادِي مأْتم وخُدودُ وقالَ حُمَيْد بن ثور يذكر حمامةً وفَرْخَها: أتِيحَ لها صَقْرٌ مُسِفٌّ فلمْ يَدَعْ ... بموضعه إِلاَّ رَميماً وأَعْظُمَا تَبَكَّتْ على ساقٍ ضُحيًّا فلمْ تَدَعَ ... لباكيةٍ في شَجْوِهَا متلوَّما فهاج حَمامَ الغيضتين نُواحُها ... كما هَيَجَّتْ ثكْلى على النَّوْحِ مأْتَما والعامَّة تخطئ فتتوهَّم أَنَّ المأْتم الاجتماع في الحُزن خاصَّة، وقد عرَّفتُك مذاهبَ العرب فيه. 59 - ومن الأَضْداد أَيْضاً المفازة؛ تقع على المنجاة وعلى المهلَكة، قال الله عزَ وجلّ: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بمَفازَة مِن

والسليم

العَذَاب، فمعناه: بمنجاة من العذاب؛ وهي مفعلة من الفوز. وقالَ امرؤ القَيْس في المعنى الآخر: أَمِنْ ذِكْرِ لَيْلَى إذْ نَأَتْكَ تَنُوصُ ... فتُقْصِرُ عنْها خَطْوة وتبُوصُ تَبُوصُ وَكَمْ مِنْ دُونِها مِنْ مَفازَةٍ ... وكم أَرْضِ جَدْبٍ دُونَها ولُصُوصُ واختلف النَّاس في الاعتلال لها: لِمَ سُمِّيت مفازة على معنى المهلَكة؛ وهي مأْخوذة من الفَوْز؟ فقال الأَصْمَعِيّ وأَبو عبيدٍ وغيرهما: سُمِّيت مفازة على جهة التَّفاؤل لمن دخلها بالفَوْز، كما قيل للأَسود: أَبو البَيْضاءِ، وقيل للعطشان: ريَّان. وقالَ ابن الأَعْرَابِيّ: إنَّما قيل للمهلَكة مَفَازة؛ لأنَّ مَنْ دَخَلَها هَلك، من قول العرب: قد فَوَّزَ الرَّجُل إِذا مات، قال الكُمَيْتُ: ومَا ضَرَّهَا أَنَّ كَعْباً ثَوَى ... وفَوَّزَ مِنْ بَعْدِهِ جَرْوَلُ 60 - والسَّليم حرف من الأَضْداد؛ يقال: سليم للسَّالم، وسليم للملدوغ؛ جاءَ رجلٌ إِلى النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، فقال: إِنَّ في الحيِّ سَلِيماً، أَي ملدوغاً. وقالَ الشَّاعر:

وغرضت

يُلاقي مِنْ تَذَكُّر آل لَيْلَى ... كما يَلْقَى السَّليم مِنَ العِدادِ العِداد: العِلَّة التي تأْخذ الإِنسان في وقت معروف، نحو الحُمَّى الرِّبع والغِبّ، وما أَشْبَه ذلك، قال النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: ما زالتْ أَكْلَة خَيْبَر تُعادُّني فهذا أَوانُ قَطَعَتْ أَبْهَري، والأَبهر: عِرْق مُعَلَّق بالقلب إِذا انقطع مات الإِنسان، قال الشَّاعر: وللفُؤَادِ وَجِيبٌ تحت أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الغُلامِ وَرَاَء الغَيْبِ بالحَجَرِ وقالَ الأَصْمَعِيّ وأَبو عبيد: إنَّما سمِّي الملدوغ سَلِيماً على جهَةِ التَّفاؤل بالسَّلامة، كما سمِّيت المهلَكة مفازة على جهة التَّفاؤل لمن دخلها بالفوز. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن سلمة، عن الفَرَّاء، قال: قال بعضُ العرب: إنَّما سُمِّي الملدوغُ سليماً لأنَّه مُسْلَم لما به. قال أَبو بَكْر: الأَصلُ فيه مُسْلَم فصرف عن مُفْعَل إِلى فعيل، كما قال الله عزَ وجلّ: تِلكَ آيَاتُ الكِتَاب الحَكِيم، أَرادَ المحكَم. 61 - وغَرِضْتُ حرف من الأَضْداد؛ يقال: غَرِضَ

وبعد

الرَّجُل غَرَضاً إِذا ضَجِر من الشَّيْء وملّه، وغَرِضَ غَرَضاً إِذا اشتاق إِلَيْه وأَراده، فأَمَّا معنى الضَّجر فإِنَّه لا يُحتاج فيه إِلى شاهد لشهرته عند النَّاس، وأَمَّا المعنى الآخر، فإِنَّ أَهل اللُّغة أَنشدوا فيه: مَنْ ذَا رَسُولٌ ناصِحٌ فمبلِّغٌ ... عَنِّي عُلَيَّةَ غَيْرَ قِيلِ الكاذِبِ أنِّي غَرِضْتُ إِلى تَناصُفِ وجْهها ... غَرَضَ المُحِبِّ إِلى الحَبيبِ الغائبِ معناه اشتقت إِلى وجهها، والتناصُف الحُسْن، يقال: وجه متناصف ومُقَسَّم وبَشير، إِذا كان حَسَناً، أنشد الفَرَّاءُ وغيرُه: فَيوماً تُعاطِينا بوجهٍ مُقَسَّمٍ ... كأَنْ ظَبْيَةٍ تَعْطُو إِلى وارِقِ السَّلَمْ وقال الآخر: يا بِشْرُ حُقَّ لِوَجْهِكَ التَّبْشيرُ ... هَلاَّ غَضِبْتَ لا وأَنْتَ أَمِيرُ والقِسْمَة الوجه، وجمعها قَسِمات. قال الشَّاعر: كأَنَّ دَنانيراً على قَسِماتِهِمْ ... وإِنْ كان قَدْ شَفَّ الوُجوهَ لِقَاءُ أَرادَ على وجوههم. 62 - وبَعْد حرف من الأَضْداد؛ يكون بمَعْنَى التأْخير،

وهو الَّذي يفهمه النَّاس ولا يحتاج مع شهرته إِلى ذكر شواهد له، ويكون بمَعْنَى قبل، قال الله عزَ وجلّ: ولَقَد كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ، فمعناه عند بعض النَّاس من قبل الذِّكْر، لأنَّ الذِّكر القرآن. وقالَ أَبو خرَاش: حَمِدْتُ إِلهي بَعْدَ عرْوَةَ إذْ نَجَا ... خِراشٌ وبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ أَرادَ قبل عروة، لأنَّهم زعموا أَنَّ خِراشاً نجا قبل عُرْوة. قال الله عزَ وجلّ: والأَرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحَاهَا، فمعناه: ولأرض قبل ذلك دحاها، لأنَّ الله خلق الأَرض قبل السماء. والدليل على هذا قوله: ثمَّ اسْتَوَى إِلى السَّماءِ وهيَ دُخَانٌ. وقالَ ابن قتيبة: خَلَق الأَرْضَ قبل السَّماء ربوةً في يومين، ثمَّ دَحَا الأَرضَ بعد خلقه السموات في يومين، ومعنى دحاها بسطها. قال أَبو بَكْر: وهذا القول عندنا خطأ؛ لأنَّ دَحْوَ الأَرض قد دخل في إِرسائها والتبريك فيها، وتقدير

أَقواتها، وذلك أَنَّهُ قال عزَ وجلّ: وجَعَلَ فيها رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِها وبَارَكَ فيها وقَدَّرَ فيها أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّام، علمنا أَنَّ الدَّحْوَ دخل في هذه الأَيَّام الأَربعة، وهذه الأَيَّام الأَربعة قبل خلق السَّماء. فإِنْ كان الدَّحْوُ وقع في يومين خارجين من هذه الأَربعة فقد وقع الخلقْ في يومين سوى الأَربعة أَيْضاً، فتُحْمَلُ الآياتُ على أَنَّ الخلق كان في يومين، والدَّحْو في يومين، والإِرساء والتبريك والتقدير في أَربعة أَيام، فتنفرد الأَرض بثمانية أَيَّام. وهذا خلاف ما نصَّ عليه عزَ وجلّ إذْ قال: ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّموات والأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّة أَيَّام، فعلمنا بهذه الآية أَنَّ الخلق والدَّحْو جميعاً دخلا في الأرْبعة التي ذكرها الله مع الإِرساء والتبريك والتقدير. فإِنْ قال قائل: كيف يدخُلُ يومَا الخلقِ في هذه الأَربعة حتَّى يصيرا بعضَها، وقد فَصَل الله اليومين من الأَربعة؟ قيل له: لمَّا كان الإِرساءُ من الخلق وانْضَمَّ إِلَيْه تقدير الأَقوات نُسِق الشَّيءُ على الشَّيءِ للزيادة الواقعة معه، كما يقول الرَّجُل للرَّجُل: قد بنيتُ لك داراً في شهر، وأَحْكَمْتُ

أَساسَاتِها، وأَعْلَيْتُ سُقُوفَها، وأَكثرتُ ساجَها، ووصلتها بمثلها في شهرين، فيدخل الشَّهرُ الأَوَّلُ في الشَّهرين، ويُعْطَفُ الكلام الثَّاني على الأَوَّل، لما فيه من معنى الزيادة، أَنشد الفَرَّاءُ: فإِنَّ رُشَيْداً وابْنَ مَرْوانَ لم يكن ... لِيَفْعَلَ حتَّى يُصْدِرَ الأَمْرَ مَصْدَرَا فرُشيد هو ابن مروان، نُسقَ عليه لما فيه من زيادة المدح. وقال الآخر: يَظُنُّ سَعيدٌ وابْنُ عمرٍو بأَنَّني ... إِذا سَامَنِي ذُلاًّ أَكونُ بهِ أَرْضَى فَلَسْتُ براضٍ عنه حتَّى يُنيلَني ... كما نالَ غيري من فوائده خَفْضَا فسعيد هو ابن عمرٍو، نُسِقَ عليه؛ لأَنَّ فيه زيادة مدح. ويجوز أَن يكون معنى الآية: والأَرض معَ ذلك دحاها، كما قال الله عزَ وجلّ: عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلكَ زَنِيمٍ، أَرادَ مع ذلك. وقالَ الشَّاعر: فَقُلْتُ لها فِيئي إِليكِ فإِنَّني ... حَرامٌ وإِنِّي بعد ذاك لَبيبُ أَرادَ مع ذلك، وتأْويل دحاها بسطها، قال الشَّاعر: دَحَاهَا فلَمَّا رآهَا اسْتَوَتْ ... على الماءِ أَرْسَى علَيْها الجِبالاَ

والجون

وقال الآخر: داراً دَحاهَا ثمَّ أَعْمَرَنا بها ... وأَقامَ في الأُخْرى الَّتي هيَ أَمْجَدُ وقال الآخر: يَنْفي الحَصى عن جَديد الأَرضِ مُبْترِكٌ ... كَأَنَّهُ فاحِصٌ أَو لاعِبٌ داحِي وقالَ مقاتل بن سُلَيْمَان: خَلَق الله السَّماءَ قبل الأَرض، وذهب إِلى معنى قوله: ثمَّ اسْتَوَى إِلى السَّماءِ وهيَ دُخَانٌ، ثمَّ كان قد استوى إِلى السَّماءِ قبل أَن يخلُقَ الأَرْضَ، كما قال: هُوَ الَّذي خَلَقَ السَّمَوات والأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثمَّ اسْتَوَى على العَرْشِ. ثمَّ كان قد استوى. ويجوز أَن يكون معنى الآية: أَئنَّكم لَتكْفُرون بالَّذي استوى إِلى السَّماءِ وهي دخان، ثمَّ خلق الأَرض في يومين، فقدَّم وأَخَّر كما قال: اذْهَبْ بكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِليْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ، معناه: ثمَّ انظر ماذا يرجعون وتَوَلَّ عنهم. 63 - والجَوْن حرف من الأَضْداد؛ يقال للأَبيض جَوْن، وللأَسود جَوْن؛ عَرَض أَنيس الجَرْميّ على الحجَّاج دِرْع

حَديد صافية في الشَّمس، فلم يتبيَّن الحجَّاج صَفَاءها، فقال: ما هي بصافية، فقال أَنيس - وكانَ فصيحاً - إِنَّ الشَّمْسَ جَوْنة؛ أَرادَ قد غلب صفاءها صَفاءَ الدرع، قال أَبو ذُؤَيْبٍ: الدَّهرُ لا يَبْقَى على حَدَثَانِهِ ... جَوْنُ السَّراةِ لَهُ جَدائدُ أَرْبَعُ جَوْن السَّراة: حمار أَسود الظَّهر، والجدائد: جمع جَدُود، وهي الأَتان الَّتي لا لَبَن لها، ويقال: فَلاة جَدَّاء إِذا لم يكن بها ماءٌ. وقالت الخنساءُ: فَلَنْ أُصالِحَ قَوْماً كنت حَرْبَهُمُ ... حتَّى يَعُودَ بياضاً جَوْنَةُ القَارِ أَرادت بالجَوْنة السَّواد. ويُرْوَى: حُلْكَةَ القارِ، من قولهم: أَسود حالك. وقالَ الفرزدق: وَجَوْنٍ عَلَيْهِ الجِصُّ فيهِ مَريضَةٌ ... تَطَلَّعُ مِنْهُ النَّفْسُ والمَوْتُ حاضِرُهْ أَرادَ بالجصّ قصراً أَبيض. وقوله: فيه مريضةٌ معناه فيه امرأَة مريضة النَّظر. وقالَ ربيعة بن مقروم، يذكر حماراً وآتُنَه: ظلَّ وَظَلَّتْ حَوْلَهُ صُيَّماً ... يُرَاقِبُ الجَوْنَةَ كالأَحْوِلِ

ثمَّ رَمَى اللَّيْلُ بهِ قارِباً ... يَسْتَوْقِدُ النِّيرانَ في الجَرْوَلِ أَرادَ بالجَوْنة الشَّمس، وقال الآخر: غيَّرَ يا بِنْتَ الحُلَيْس لَوْني ... مَرُّ اللَّيالي واخْتِلافُ الجَوْنِ وَسَفَرٌ كانَ قليلَ الأَوْنِ أَرادَ بالجَوْن النَّهار؛ وبالأَون الرفق والدّعة، يقال: أُن على نفسك، أَي ارفق بها. وقالَ ابن مقبل: وَاطَأْتُهُ بالسُّرَى حتَّى تَرَكْتُ به ... لَيْل التَّمامِ تُرَى أَسْدافُهُ جُونا أَرادَ تُرى ظُلَمه بيضاً، أَي سَرَيْت حتَّى أَضاءَ ليَ الصُّبح. ورواه الأَصْمَعِيّ: تُرَى أَعلامُه جُونا، أَي سوداً، يخبر أَنَّهُ سرى في اللَّيل الظُّلَم. وقال الآخر: لا تَسْقِهِ حَزْراً ولا حَليبا ... إِنْ لم تَجِدْهُ سابحاً يَعْبُوبا ذَا مَيْعةٍ يَلْتَهِمُ الجَبُوبا ... يُبَادِرُ الآثارَ أَنْ تَؤُوبا وحَاجبَ الجَوْنَةِ أَنْ يَغِيبا أَرادَ بالجَوْنة الشَّمس. وقالَ ذو الرُّمَّة يذكر حماراً وآتُنا: يُعَاوِرْنَهُ في كلِّ قاعٌ هَبَطْنَهُ ... جَهَامَةَ جَوْنٍ يَتْبَعُ الرِّيحَ ساطعِ قوله: يعاورنه معناه، إِذا أَثارَ غُباراً أَثرن مثله. والجهامة

والسدفة

السحابة. والجوْن: الغبار الأَسود، شبَّهه بالسَّحابة. 64 - والسُّدفة حرف من الأَضْداد؛ فبنو تميم يذهبون إِلى أَنَّها الظُّلمة، وقيس يذهبون إِلى أَنَّها الضَّوْء. وقالَ الأَصْمَعِيّ: يقال: أَسْدِفْ، أَي تَنَحَّ عن الضَّوْء. وقالَ غيرُه: أَهل مكَّة يقولون للرجل الواقف على البيت: أَسْدِفْ يا رجل، أَي تنحَّ عن الضَّوْء حتَّى يبدُو لنا، قال ابن مُقْبِل: وليلةٍ قد جعلتُ الصُّبْحَ مَوْعِدَهَا ... بصُدرَةِ العَنْسِ حتَّى تَعْرِفَ السُّدَفا العَنْس: النَّاقة. ومعنى البيت أنِّي كَلَّفت هذه النَّاقة السَّير إِلى أَن يبدوَ الضَّوْءُ وتراه. وقال الآخر: قَدْ أَسْدَفَ اللَّيْلُ وصَاحَ الحِنْزَابْ أَرادَ بأَسْدَفَ أَضاء، والحِنْزَاب: الدِّيك، وقالت امرأَة تذكر زوجها: لا يَرْتَدِي مَرادِيَ الحريرِ ... ولا يُرَى بِسُدْفَةِ الأَمِيرِ أَي لا يُرى بقصر الأَمير الأَبيض الحسن. وزعم

بعضُ النَّاس أَنَّ السُّدفة في هذا البيت الباب، وأَنَّ العرب تذهب بالسُّدفة إِلى معنى الباب. وقالَ ذو الرُّمَّة: ولمَّا رأَى الرَّائي الثُّرَيَّا بِسُدْفَةٍ ... ونَشَّتْ نِطافُ المبْقِيَات الوقائِعِ ويُرْوَى: ونَشَّت بقايا المبْقِيَاتِ. السُّدفة في هذا البيت: الظلمة. وقال الآخر: وأَطْعَنُ اللَّيْلَ إِذا ما أَسْدَفَا وقالَ بعضُ شعراءِ هُذَيل: وماءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكرَى ... وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَفُ الأَدْهَمُ أَرادَ بالسَّدفِ الظُّلْمة. وقالَ إِبراهيم بن هَرْمة: إِليْكَ خاضتْ بنا الظَّلْماَء مُسْدِفَة ... والبيدُ تَقطَع فِنْداً بعْدَ أَفْنادِ المُسْدفة: الداخلة في الظُّلمة، والفِنْد: الشِّمْراخ من الجَبَل. وقالَ حُذَيفة جَدّ جرير المعروف بالخَطَفى: يَرْفَعْنَ للَّيْلِ إِذا ما أَسْدَفا ... أَعناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا وعُنَقا بعدَ الكَلالِ خَطفا ويُرْوَى: خَيطفا. وقالَ ابن السِّكِّيتِ: قال الفَرَّاءُ: يقال أَتيته بِسدْفة،

والناهل

وشدْفَة، وسَدْفة، وشَدْفة، وهو السَّدَف والشَّدَف. 65 - والناهل حرف من الأَضْداد؛ يقال للعطشان: ناهل، وللريان ناهل. وزعموا أَن الأَصل فيه للريّ، وإنما قيل للعطشان ناهل، تفاؤلاً بالرِّي. قال امرؤ القَيْس يذكر الخَيْل: فَهُنَّ أَقْساطٌ كرِجْلِ الدَّبا ... أَو كقَطا كاظمةَ النَّاهِلِ الأَقْسَاط: القِطَع، شبّه الخيل في سرعتها برِجْل من الدَّبا، وهو القطعة منه، أَو بقطاً عطاش تطلب الماءَ، فهي لا تأْلوا طَيَراناً منه، وقال الآخر: وأُقْسِمُ لَوْ لاقَيْتَهُ غَيْرَ مُوثَقٍ ... لَنابَكَ بالجَزْعِ الضِّباعُ النَّواهِلُ أَرادَ العطاش، وقال الآخر: والطَّاعِنُ الطَّعْنَةَ يَوْمَ الوَغى ... يَنْهَلُ منها الأَسدُ الناهل أَرادَ: يُرْوَى منها. وقال الآخر: وظلّتْ على حَوْضِ البَرودِ نِهالُها ... رِواءً وبالقاع المرَبِّ عُطونُها النِّهال هاهنا: العِطاش. والمرَبّ: الموضع الَّذي تقيم فيه، والعُطُون: المقيمة في العَطَن، والعَطَن مَبَارك الإِبِل عند الحياض، ومَبَارك الإِبل عند البيوت يقال لها

ثاية. وقالَ الأخطل: وأَخوهما السَّفَّاحُ ظَمَّأَ خَيْلَهُ ... حتَّى وَرَدْنَ حِبيَ الكُلابِ نِهالاَ يخْرُجْنَ مِنْ ثُغَر الكلاَبِ عَلَيْهِمُ ... خَبَبَ الذِّئابِ تُبادِرُ الأَوْشالا ويقال: رجل مُنْهِل، إِذا كانتْ إبله عطاشا، كما يقال: رجل مُعْطِش، ورَجُلٌ منهِل على القياس؛ إِذا كانت إبله رِواءُ، قال الشَّاعِر: كما ازْدَحَمَتْ شُرْفٌ لمَوْرِدِ مُنْهِلِ ... أَبتْ لا تَنَاهَى دُونَهُ لِذِيادِ الشُّرُفُ: جمع شارف، وهي الناقَة الهَرِمة. والذياد. الحبس؛ يقال: ذُدْتُ الإِبل ذَوْداً وذِياداً إِذا حبستَها، قال الشَّاعِر: وقد سَلَبتْ عصاكَ بنو تميمٍ ... فما تدري بأيّ عصاً تَذودُ وقال الآخر: أَوْ شَنَّةٍ يُنْقَحُ من قَعْرِها ... عَطٌ بكَفَّيْ عَجِلٍ مُنْهِلِ والنَّهل الشرب الأَوّل، والعَلَل الشرب الثاني، ويقال لشرب الغداة: الصَّبوح، ولشرب العَشيّ: الغَبوق، ولشرب نصف النهار: القَيْل، ولشرب أَول اللّيل: الفَحَمة - ويقال: وهو شرب الليل إِلى السَّحَر - ولشرب السَّحَر: الجاشِرِيّة.

وإذ وإذا

66 - وإذ وإذا حرفان من الأَضداد؛ تكون إذْ للماضي وإذا للمستقبل، وهذا هو المشهور فيهما، وتكون إذ للمستقبل، وإذا للماضي إِذا شُهِر المعنى ولم يقع فيه لَبْس. فأَما كون إذ للماضي وإذا للمستقبل فشهرته تغني عن إقامة الشّواهد عليه، وأَما كون إذْ للمستقبل فقول الله عزّ وجلّ: وَلَوْ تَرَى إذ الظَّالِمون مَوْقوفونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، أَرادَ المستقبل، وكذلك قوله: ولَوْ تَرَى إذْ فَزِعوا فَلا فَوْتَ، معناه إِذا يفزعون. وقالَ جلّ جلاله: إذْ قال الله يا عيسَى بنَ مَرْيَم، معناه: وإذا يقول الله؛ وأَما كون إِذا للماضي فقول الشَّاعِر، وهو أَوْس بن حَجَر: والحافِظُ النَّاسَ في الزَّمانِ إِذا ... لم يَتْرُكُوا تَحتَ عائذٍ رُبَعا وَهَبَّتِ الشّمْأَلُ البَليلُ وإذْ ... باتَ كَميعُ الفَتَاةِ ملتفعا أَرادَ: إِذا لم يتركوا تحت عائذ، والعائذ: النّاقة الحديثة النِّتاج، وجمعها عُوذ.

وقالَ بعضُ أَهل اللُّغة: إِذا لم تقع في هذا البيت إِلاَّ للمستقبل؛ لأَنَّ المعنى: والَّذي يحفظ النَّاس إِذا كان كذا وكذا، والأَول قول قُطْرب. وقالَ الآخر: فالآنَ إذْ هازَلْتُهُنَّ فإِنَّما ... يَقُلْنَ ألا لَمْ يَذْهَبِ المرْءُ مَذْهَبا معناه إِذا هازلتهنّ، وقالَ أَبو النجم: ثمَّ جَزاهُ اللهُ عَنَّا إذْ جَزَى ... جَنَّاتِ عَدْنٍ في العَلاليِّ العُلاَ أَرادَ إِذا جزى. وقالَ بعض أَهل العلم: إنما جاز أَن تكون إذْ بمَعْنَى إِذا في قوله: وإذْ قال الله يا عيسَى بنَ مَرْيَم، لأَنَّه لمَّا وقع في علم الله عزّ وجلّ أَنَّ هذا كائن لا محالة كان بمنزلة المشاهَد الموجود، فخبّر عنه بالمضيّ، كما قال: ونادَى أَصْحابُ الجَنَّةِ أَصحابَ النَّار، وهو يريد: وينادي وروى قُطْرب هذا البيت: ونَدْمانٍ يَزيدُ الكأسَ طِيباً ... سَقَيْتُ إِذا تَغَوَّرَتِ النُّجُومُ أَرادَ إذْ تغورت. ورواه غير قُطْرب: سقيت وقد تغورت.

ومقتوين

وتكون إِذا بمَعْنَى إن، فتجزم المستقبل، فيقال: إِذا تزرْني تكرمْني، وإذا تزورُني تكرمُني، الجزم على معنى: إن تزرْني تكرمْني، والرفع على معنى وقت تزورُني تكرمُني، قال الشَّاعِر في الجَزْمِ: واسْتَغْنِ ما أَغْناكَ رَبُّكَ بالغِنى ... وإذا تُصِبْكَ خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ وقال الآخر في الرفع: وإذا تكونُ شَديدَةٌ أُدْعَى لَها ... وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعيَ جُنْدَبُ 67 - ومَقْتَوين حرف من الأَضداد. يقال: رجل مَقْتَوين، إِذا كان خادماً، ورَجُلٌ مَقْتوين، إِذا كان مالكاً، قال الشَّاعِر: أَري عَمرو بنَ صِرْمة مَقْتَويناً ... له من كلِّ عان بَكْرَتان أَرادَ: أَرى عمراً مالكاً. وقالَ عَمْرو بن كلثوم: تهدَّدْنا وأَوْعِدْنا رُوَيْداً ... متى كنّا لأمك مَقْتَوينا قال أَبو عُبيدة: المَقْتَوُون الخدم، واحدهم مَقْتَوِيّ. قال: وقالَ أَبو عُبيدة: قال رجل من بَنِي الحِرْماز: هذا رجل مَقْتَوين، وهذان رجلان مَقْتَوين، وهؤلاء رجال مَقْتَوين، وهذه امرأَة مقتوِين، وكذلك التثنية والجَمْعُ.

وقالَ أَبو عُبيدة: أَنشدنا الأَحمر: إنِّي امْرُؤٌ من بَني فَزَارَةَ لا ... أُحْسِنُ قَتْوَ المُلوك والخَبَبَا أَرادَ بالقَتْو خدْمة الملوك. وقالَ أَبو عُبيدة: قال رجل من بَنِي الحِرْماز: المَقْتَوين: الذين يَعْمَلون مع النَّاس بطعام بطونهم. وقالَ الفَرَّاءُ في قول عَمْرو: مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينا واحدهم مَقْتَوِيّ، قال: وهوَ مَنْسوب إِلى مَقْتًى، ومَقْتًى مَفْعَل من القَتْو، والقَتْو: خِدْمة الملوك خاصة، فلما جمع اضطر إِلى تخفيف الياء؛ إذْ كانوا قد يخففونها في مثل نيَّة ونيَة، وطيَّة وطِيَة. وقالَ بعض النَّاس: معنى قول الله جلّ وعزّ: وقالوا لإخْوانِهِم إِذا ضَرَبوا في الأرض: إذْ ضربوا، وكذلك قالوا في بيت عَمْرو: أَخَذْنَ على بُعُولَتِهِنَّ عَهْداً ... إِذا لاقَوْا فَوارِسَ مُعْلِمينا معناه إذْ لاقوا.

ومقو

وقالَ الفَرَّاءُ: إِذا على بابها. وقالوا بمَعْنَى يقولون، كَأَنَّهُ قال: لا تكونوا كالذين يكفرون ويقولون لإخوانهم إذْ ضربوا في الأرض. وقالَ الفَرَّاءُ: وأَما قول الشَّاعِر: ما ذاقَ بُؤْسَ مَعيشَةٍ ونَعيمَها ... فيما مَضى أَحَدٌ إِذا لم يَعْشَقِ فمعناه: ما ذاق بؤس معيشة فيما مضى، ولن يذوقه فيما يستقبل إِذا لم يعشق. 68 - ومُقْوٍ حرف من الأَضداد. يقال: رَجُل مُقْوٍ، إِذا كانت ركابه قوية وحاله حسنة، ورَجُلٌ مُقْوٍ إِذا ذهب زادُه، وعَطِبَتْ ركابُه، من قولهم: قد أَقوَى المنزل إِذا خلا من أَهله، وبات فلان القَواء إِذا بات بالقَفار، قال النَّابِغَة: يا دارَ مَيَّةَ بالعَلْياءِ فالسَّنَدِ ... أَقْوَتْ وطالَ عَلَيْها سالِفُ الأَبَدِ وقال الآخر: رَبْعٌ قَواءٌ أَذاع المُعْصِراتُ بِهِ ... وكُلُّ حَيْرانَ سارٍ ماؤُّهُ خَضِلُ الرَّبْع: المنزل، والقواءُ: الَّذي لا أَنيس به. وقالَ الآخر:

وأمم

خَليليَّ مِنْ عُلْيا هَوازِنَ سَلِّما ... على طَلَلٍ بالصَّفْحَتَيْنِ قَواءِ وربما قُصِر القواء في الشعر، وأَنشد الفَرَّاءُ: وإنِّي لأخْتارُ القَوَا طاويَ الحَشَا ... مُحاذَرَةً مِنْ أَنْ يُقالَ لَئيمُ رواه الكِسَائِيّ والفراءُ برفع يقال. وقالَ الكِسَائِيّ: رفعه بالياء ولم يُعْمِل فيه أَن، وقالَ الفَرَّاءُ: شبه أَن بالذي، فوصلها بالمستقبل المرفوع، كما يصل الَّذي به. وأَنشد الفَرَّاءُ: يا صاحِبَيَّ فَدَتْ نَفْسي نفوسَكُما ... وَحَيْثُما كنْتُما لاقَيْتُما رَشَدا إنْ تحْمِلا حاجَة لي خَفَّ مَحْمِلُها ... تَسْتَوْجِبا نِعْمَة عِنْدي بها وَيَدا أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماَء وَيْحَكُما ... مِنِّي السَّلامَ وألاَّ تُخْبِرا أَحَدا فرفع تقرآن لما ذكرناه. ويقال: أَرض قيٌّ إِذا لم يكن بها نبات، ويقال: أَنْفض وأَرمل إِذا ذهب زادُه، أَنشدنا أَبو العباس، عن ابن الأَعْرَابِيّ لابن مَحْكان: وَمُرْمِلُو الزَّادِ مَعْنِيٌّ بحاجَتِهِم ... مَنْ كان يَرْهَبُ ذَمَّا أَو يَقي حَسَبَا 69 - وأَمَم حرف من الأَضداد. يقال: أَمْر أَمَم إِذا كان عظيماً، وأَمر أَمَم، إِذا كان صغيراً، قال الشَّاعِر:

يا لَهْفَ نَفْسي على الشَّبابِ ولَمْ ... أَفْقِدْ بِهِ إذْ فَقَدْتُهُ أَمَمَا أَرادَ: ولم أَفقد به شيئاً صغيراً، وقال الآخر: أَتاني عَنْ بَني الأَحْرا ... رِ قَوْلٌ لم يَكُنْ أَمَمَا أَرادُوا نَحْتَ أَثْلَتِنا ... وَكُنَّا نمْنَعُ الخُطُما وقالَ الأَعشى: لئِنْ قَتَلْتَ عَميداً لم يكن أَمَماً ... لَنَقْتُلَنْ مثلَهُ منكمْ فَنَمْتَثِلُ أَرادَ لم يكن حقيراً، ورواه ابن السِّكِّيتِ: لئنْ قَتَلْتُم عَميداً لم يكن صَدَداً أَي لم يكن مقارباً. ويقال: الأَمَم القصد والقُرْب، قال الشَّاعِر: يا لَيْتَ شِعْري عَنْكَ والأَمْرُ أَمَمْ أَي قصدٌ. وقالَ أُمية بن أَبي الصَّلْت: قَوْمي إيادٌ لَوْ أَنَّهُمْ أَمَمُ ... ولَوْ أَقاموا فَتُهْزَلُ النَّعَمُ قَومٌ لهُمْ ساحَةُ العِراقِ إِذا ... ساروا جَميعاً والقِطُّ والقَلَمُ وَيْلُ أمِّ قومي قوماً إِذا قَحَط ال ... قَطْرُ وآضَتْ كأَنَّها أَدَمُ

وخائف

وشُوِّذَتْ شمْسُهُمْ إِذا طَلَعَتْ ... بالجِلْبِ هِفًّا كَأَنَّهُ الكَتَمُ معناه: قومي إياد لو أَنهم قريب لَطلبتُهم، وأَحببتُ نزولَهم معي، ولو هُزلت النَّعم. والقِطّ: الصَّكّ. وقوله: وآضت كأنها أَدم معناه: وعادت كأَنها أَدَم في حُمْرَتها، لأنهم كانوا يقولون إِذا اشتدّ الجدب: احمرّ أُفُق السَّماء. وشُوِّذَت: معناه عُمِّمَتْ. والجِلْب: طرّة من الغيم. والهِفُّ، الَّذي لا ماءَ فيه، يقال: جئتني بشُهْد هفّ؛ إِذا لم يكن فيه عسل، والكَتَم: صبغ أَحمر. 70 - وخائف حرف من الأَضداد؛ يقال: رجلٌ خائف، إِذا كان يخاف غيرَه، وسَبيل خائف إِذا كان مَخوفاً؛ قال عبيد بن الأَبرص: بَلْ إنْ أَكُنْ قدْ عَلتْني ذُرْأَةٌ ... والشَّيْبُ شَيْنٌ لمن يَشيبُ فرُبَّ ماءٍ وردتُ آجنٍ ... سَبيلُه خائِفٌ جَديبُ أَرادَ سبيله مخوف. والآجن المتغيّر. والذُّرأَة: الشيب في مقدّم الرأْس. 71 - والعائذ حرف من الأَضداد، يكون الفاعل ويكون المفعول، يقال: رجل عائذ بفلان، بمَعْنَى فاعل، ويقال:

عارف

ناقة عائذ، أَي حديثة النّتاج، وهي مفعولة، لأَنَّ ولدها يعوذ بها، وجمعها عوذ؛ قال أَبو ذُؤَيْبٍ: وإنَّ حَديثاً مِنْكِ لوْ تَبْذُلينَهُ ... جَنَى النَّحْلِ في أَلْبانِ عُوذٍ مَطافلِ مَطافيلَ أَبكارٍ حديثٍ نِتاجُها ... تُشابُ بماءٍ مِثْلِ ماءِ المفاصِلِ قال الأَصمعيّ: المفاصل منقَطع الجَبَلِ من الرَّمْلة، وفيه رَضْراض وحصى صغار؛ فالماءُ يرقّ عليه ويصفو. وقالَ أَبو عُبيدة: المفاصل: مسايل الوادي. وقالَ أَبو عَمْرو: المفاصل: مفاصل العظام. وقالَ الآخر: لا أُمْتِعُ العُوذَ بالفِصالِ ولا ... أَبْتاعُ إِلاَّ قَريةَ الأَجَلِ 72 - ويقال: أَمر عارف، أَي معروف، ورَجُلٌ عارف؛ إِذا كان فاعلاً، ويقال: ما هو بحازم الرأْي، أَي بمحزوم الرأْي. ويقال: طلَّقَها تطليقة بائنة، أَي مُبانة. ويقال: ما عنده بائتة ليلة، أَي مَبيت ليلة. ويقال: اللهم لا تجعل النار صائري، أَي مصيري. ويقال: رجل طاعم كاس، إِذا كان فاعلاً؛ وإذا كان مُطْعَماً مكسوًّا؛ قال الشَّاعِر: دَعِ المكارِم لا تَرْحَلْ لِبغْيَتِها ... واقْعُدْ فإِنَّكَ أَنتَ الطَّاعِمُ الكاسي أَرادَ المطعَم المكسوّ.

نائم

73 - ويقال: رجل نائم، وليل نائم، إِذا كان مَنوماً فيه، قال جرير: لَقَدْ لُمْتِنا يا أُمَّ غَيْلانَ في السُّرَى ... ونِمْتِ وما لَيلُ المطيِّ بنائمِ وقال الآخر: حارِثُ قَدْ فَرَّجْتَ عَنِّي غَمِّي ... فَنامَ لَيْلي وتَجَلَّى هَمِّي وأنشدنا أَبو العباس: أُبْلِغْ أَبا مالك عَنِّي مُغَلْغَلَةً ... أَنَّ السِّنانَ إِذا ما أُكْرِهَ اعتاما إنَّ الذين قتلتمْ أَمسِ سَيِّدَهُمُ ... لا تَحْسِبوا لَيْلَهم عَنْ لَيْلكُمْ ناما مَنْ يُولِهِمْ صالحاً يُمْسِكْ بجانِبِهِ ... ومَنْ يَضِمْهُم فإيَّانا إِذاً ضاما أَدُّوا الَّتي نَقَصَتْ سَبْعين من مائة ... ثمَّ ابْعَثوا حَكَماً بالعَدْلِ حَكَّاما 74 - ويقال: رجل عازم، وأَمر عازم، أَي معزوم عليه، قال: فإذا عَزَمَ الأَمْرُ. ويقال: ليل أَعمى إِذا كان يُعْمِي الناس، ونهار أَعمى، إِذا لم يبصر النَّاس فيه، قال الشَّاعِر: نَهارُهُمُ ظَمْآنُ أَعْمى ولَيْلُهُمُ ... وإن كان بَدْراً ظُلمةُ ابن جَميرِ ابن جَمير: آخر ليلة من الشهر، ويقال: ليل بصير؛ إِذا كان مضيئاً يبصر النَّاس فيه، قال الشَّاعِر:

والعاصم

بأَعْوَرَ مِنْ نَبْهانَ أَمَّا نَهارُهُ ... فَأَعْمَى وَأَمَّا ليّلُهُ فَبَصيرُ وأنشدنا أَبو العباس: أَمَّا النَّهارَ فَفي قَيْدٍ وسِلْسلَةٍ ... واللَّيْلَ في قَعْرِ مَنْحوتٍ من السَّاجِ فوصف الليل والنهار بصفة الرَّجُل الَّذي يفعل به هذا في الليل والنهار. والراحلة: الفاعلة، والراحلة المرحولة. والحالقة: الفاعلة، والحالقة المحلوقة، قالت خِرْنق: نُفَلِّقُ حَوْلَ هادي الوَرْدِ مِنْهُمْ ... رءوساً بين حالِقةٍ وَوَفْرِ أَرادت بين محلوقة. وقالت نائحة هَمَّام بن مُرّة: لقَدْ عَيَّلَ الأَيتامَ طَعْنَةُ ناشرَهْ ... أَناشِرَ لا زالت يمينُك آشِرَه آشرة، معناه مقطوعة، أَي مأْشورة، من قولهم: أَشَرْت الخشبة، إِذا قطعتَها. ويقال أَيْضاً: وَشَرْتُها ونشرْتُها، ويقال: هو المئشار، والميشار والمنْشار. 75 - والعاصم من الأَضداد؛ يقال: الله عاصمٌ لمن أَطاعه، ويقال: رجلٌ عاصم، أَي معصوم، إِذا فهم المعنى؛ قال الله عزّ وجلّ: لا عاصمَ اليَوْمَ من أَمْر الله إِلاَّ مَنْ رَحمَ، فمعناه لا معصوم اليوم من أَمر الله إِلاَّ

الغابر

المرحوم، ويجوز أَن يكون عاصم بمَعْنَى فاعل، وتكون مَنْ في موضع نصب أَو رفع على الاستثناء المنقطع. 76 - الغابر حرف من الأَضداد. يقال: غابر للماضي، وغابر للباقي، قال الله عزّ وجلّ: إِلاَّ عَجوزاً في الغابرينَ معناه في الباقين. وقالَ العجّاج: فما وَنى مُحمدٌ مُذْ أَنْ غَفَرْ ... له الإلَهُ ما مضى وما غَبَرْ وأَنشد الفَرَّاءُ: مَخافَةَ ألاَّ يجمعَ اللهُ بيننا ... ولا بَيْنَها أُخْرى اللَّيالي الغَوابرِ وقال الآخر: تَعَزَّ بِصَبْرٍ وَجَدِّكَ لَنْ تَرى ... سَنامَ الحِمى أُخْرى اللَّيالي الغَوابِرِ كأَنَّ فُؤادي مِنْ تَذَكُّرِهِ الحِمى ... وأَهْلَ الحِمى يَهْفو بهِ ريشُ طائر وقال الآخر: أَعابِرانِ نحنُ في العُبَّارِ ... أَم غابِرانِ نحن في الغُبَّارِ وقالَ الأَعشى: عَضَّ بما أَبْقَى المَواسي له ... مِنْ أُمِّهِ في الزَّمَنِ الغابرِ معناه في الزمن الماضي.

والأون

77 - والأَوْن حَرف من الأَضداد؛ يقال: الأَون للرفق والدَّعة، والأَوْن للتعب والمؤونة، قال الشَّاعِر في معنى الرفق والدَّعَة: كَرُّ اللَّيالي واخْتِلافُ الجَوْنِ ... وسَفَرٌ كان قليلَ الأَوْنِ معناه: قليل الرفق والدّعة، والمؤونة، أُخذت من الأَوْن؛ وهو التَّعَب والنَّصَب؛ والأَصل فيه مَأْوُنة مَفْعُلة من الأَوْن، فنقلت ضمةُ الواو إِلى الهمزة. ويجوز أَن تكون مَفْعُلة من الأَوْن وهو الرّفق والدَّعة؛ فإذا قالوا: هو عظيم المؤونة، فمعناه عظيم التَّسْكين والرفق، ويجوز أَن تكون المؤونة مَفْعُلة من الأَيْن، والأَيْن التعَب، قال الشَّاعِر: لا يَغْمِزُ السَّاقَ مِنْ أَيْنٍ ولا نَصَبٍ ... ولا يَعَضُّ على شُرسوفهِ الصَّفَرُ وأَصلها على هذا القول مأْيُنة، فحوّلوا ضمة الياء إِلى الهمزة، وجعلوا الياء واواً لانضمام ما قبلها، كما قال الآخر: وَكُنْتُ إِذا جاري دعَا لِمضُوفَةٍ ... أُشَمِّرُ حتَّى يَنْصُفَ السَّاقَ مِئزَري

وضعف

فمضوفة مفعلة من الضيافة، وأَصلها مَضْيُفة ففعل بها ما فعل بمؤونة، وتكون المؤونة فَعُولة؛ من مُنْت الرَّجُل، فتهمز الواو لانضمامها، كما قال امرؤ القَيْس: ويُضْحِي فتيتُ المِسْك فَوْقَ فراشِها ... نَؤومُ الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ فنؤوم فَعُول من النوم، همز الواو لانضمامها. 78 - وضِعْف حرف من الأَضداد عند بعض أَهل اللغة، يكون ضعْفُ الشَّيْء مثلُه، ويكون مثليْه، قال الله عزّ وجلّ: يُضاعَفُ لَها العَذابُ ضِعْفَيْن؛ قال أَبو العباس، عن الأَثْرم، عن أَبي عُبيدة: معناه يُجْعَل العذاب ثلاثة أَعذبة، قال: وضعْف الشَّيْء: مِثْله، وضعفاه: مثْلاه. وقالَ أَبو عبد الله هشام بن معاوية: إِذا قال الرَّجل: إن أَعطيتَني درهماً فلك ضعفاه؛ معناه فلك مثْلاه؛ قال: والعرب لا تفرد واحدهما، إنَّما تتكلم بهما بالتثنية. وقالَ غير هشام وأبي عُبيدة: يقع الضِّعْف على المثلين. قال أَبو بكر: وفي كلام الفَرَّاءُ دلالة على هذا. 79 - ومثْل حرف من الأَضداد، يقال: مثْل للمُشْبِه

للشَّيء والمعادِل له، ويقال: مثل للضِّعف، فيكون واقعاً على المثْلين؛ زعم الفَرَّاءُ أَنه يقال: رَأَيتُكُمْ مثلَكم، يراد به رأَيتُكم ضعْفكم، ورأَيتُكُم مثْلَيْكُم، يراد به رأَيتُكم ضعْفَيكم؛ من هذا قول الله عزّ وجلّ: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَيْن، معناه يَرَى المسلمون المشركين ضعْفَيْهم، أَي ثلاثة أَمثالهم؛ لأَنَّ المسلمين كانوا يَوْم بدر ثلثمائة وأَربعة عشر رجلاً، وكانَ المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً، فكان المسلمونَ يَرَوْن المشركين على عَدَدهم ثلاثة أَمثالهم. فإِن قال قائل: كيف كان هذا في هذه الآية تكثيراً وفي سورة الأَنفال تقليلاً حين يقول جلّ وعزّ: وإذْ يُريكُموهُمْ إذْ التقَيْتُمْ في أَعْيُنكُمْ قليلاً ويُقَلِّلُكُم في أَعْيُنهمْ. قيل له: هذه آية للمسلمين أَخبرهم بها، وتلك آية للمشركين؛ مع أَنك قائل في الكلام: إنِّي لأرَى كثيرَكم قليلاً، أَي قَدْ هُوِّن عَلَيَّ، فأَنا أَرى الثلاثة اثنين. قال أَبو بكر: هذا قول الفَرَّاءُ؛ وقد طَعَن عليه فيه

بعضُ البصريّين، فقال: محال أَن يكونَ المسلمون رَأَوا المشركين يوم بدر على كمال عَددهم تسعمائة وخمسين، لأَنَّه لو كان الأَمر كذا بطلت الآيةُ؛ ولم يكن في هذا أُعجوبة ينبِّه الله عليها خَلْقه، وإنّما معنى الآية: يرى المسلمون المشركين مِثْلَيْهم ستمائة ونيّفا وعشرين، لتصحّ الأُعجوبة، بأَن يروْهم أَقلَّ من عددهم. قال أَبو بكر: لا حجّة على الفَرَّاءُ في هذا؛ لأَنَّ الأُعجوبةَ لم تكن في العدد، وإنما كانت في الجَزَع الَّذي أَوقعه الله جلّ وعزّ في قلوب المشركين، على كثرة عددهم، وقلة عدد المسلمين، وللشجاعة الَّتي أَوقعها الله في قلوب المسلمين، فهانَ المشركون عليهم وهم يتبيَّنون كثرةَ عددهم، وصار احتقارُ المسلمين إياهم على كمال العدد أَعجبَ من احتقارهم إياهم على نُقصان العدد. وقد أَجاز الفَرَّاءُ القول الآخر، واختار الأَوّل، وقالَ: الدليل على أنَّ المِثْل يقع على المثليْن، أن الرَّجُل يقول وعنده عبد: أَحتاج إِلى مثلَيْ عبدي، فمعناه أَحتاج إِلى ثلاثة؛ لأَنَّه غير مستغن عن عبده، ويَقُولُ: أَحتاج إِلى مثل هذا الأَلف، يريد: أَحتاج إِلى أَلفين. ومن قرأَ: تَرَوْنَهُمْ مثْلَيْهمْ جعل الفعل لليهود، أَي

يا معاشر اليهود، ترون المشركين مثلَي المسلمين. وقالَ أَبو عَمْرو بن العلاء: من قرأَ: تَرَوْنَهُمْ بالتاء لزمه، أَن يقول: مِثْلَيْكُمْ، فرُدّ هذا القول على أَبي عمرو، وقيل المخاطبون اليهود، والهاءُ والميم المتصلتان بمثل للمسلمين. وقالَ الفَرَّاءُ: يجوز أَن يكون يَرَوْنَهُمْ بالياء لليهود، وإن كان قد تقدم خطابُهم في قوله عزّ وجلّ: قدْ كان لَكُمْ آيةٌ، لأَنَّ العرب ترجع من الخطاب إِلى الغيبة، ومن الغيبة إِلى الخطاب، كقوله عزّ وجلّ: حتَّى إِذا كُنْتُمْ في الفُلْك وجَرَيْنَ بهمْ، أَراد بكم. وقالَ عزّ وجلّ في موضع آخر: وسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهوراً. إنَّ هذا كان لَكُمْ جَزاءً، معناه كان لهم جزاءً، فرجع من الغيبة إِلى الخطاب، وقالَ الأَعشى: عنده البِرُّ والتُّقَى وأَسى الصَّدْ ... عِ وحَمْلٌ لِمُضْلِعِ الأَثْقالِ وَوَفاءٌ إِذا أَجرْتَ فما غُرّ ... تْ حِبالٌ وصلتَها بحبالِ أَرْيَحِيٌّ صَلْتٌ يَظلُّ لهُ القوْ ... مُ رُكوداً قيامَهُمْ للهلالِ

فقال: عنده البرّ، ثمَّ قال: ووفاءٌ إِذا أَجرتَ فخاطب. وقالَ معن بن أَوس: فكمْ من ثَناءٍ صالحٍ كُنْتَ أَهْلهُ ... مُدِحْتَ بهِ تَجْزي يَداكَ وتقْبَلُ فأَنْتَ المصفَّى من قريش دِعامة ... لمن نابه حِرْزٌ نجاةٌ ومَعْقِلُ أَرادَ: لمن نابك. وقال الآخر: يا لَهفَ نفسي كان جِدَّةُ خالدٍ ... وبياض وجهكَ للترابِ الأَعْفَرِ أَرادَ: وبياض وجهه. وقالَ عنترة: شَطَّتْ مَزارُ العاشِقينَ فأَصْبَحَتْ ... عَسِراً عليَّ طلابُكِ ابنَةَ مَخْرَمِ أَرادَ طلابها. وقالَ لَبيد: باتت تَشكَّى إليّ النفسُ مُجْهشَةً ... وقَدْ حَمَلْتُكِ سَبْعاً بَعْدَ سَبْعينا إنْ تُحْدِثي أَمَلاً يا نفس كارهة ... ففي الثَّلاث وفاءٌ للثَّمانينا أَرادَ: وقد حملتها. وقال الآخر: لا زال مِسْكٌ ورَيحانٌ له أَرَجٌ ... على صَداكَ بصافي اللَّونِ سَلْسالِ يَسْقي صَداهُ ومُمْساهُ ومُصْبَحُهُ ... رِفْهاً وَرَمْسُكَ مَحْفوفٌ بأَظْلالِ أَرادَ: يسقي صداك. وقالَ كُثَيِّر: أَسيئي بنا أَوْ أَحسني لا مَلومَةً ... لدَيْنا ولا مَقْليَّةً إنْ تَقَلَّتِ

وسمع

أَراد: إن تقلّيت. وقالَ أَبو عبيد: معنى قوله تبارك وتعالى: يَرَوْنَهُم مثْلَيْهمْ يرى المشركون المسلمين مثليْهم. ويروى عن ابن عباس يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ، أَي يُري الله المشركين المسلمين مثليْهم. ويروى عن أَبي عبد الرحمن تَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِم على مثل معنى قراءة ابن عباس. والدليل على أَن الضِّعْف يكون بمَعْنَى المثلين قول الشاعر، يعني عبد الله بن عامر: وأَضْعَفَ عبد الله إذْ غابَ حَظهُ ... على حَظِّ لَهْفانٍ من الحِرْصِ فاغِرِ أَرادَ أَعطاه مثْليْ جائزة اللهفان. 80 - وسَمِع حرف من الحروف الَّتي تشبه الأَضداد؛ يكون بمَعْنَى وَقَع الكلام في أُذنه أَو قلبه، ويكون سمع بمَعْنَى أَجاب، من ذلك قولهم: سَمِع الله لمن حمده، معناه: أَجاب الله مَنْ حَمِده، ومن هذا قوله عزَ وجلّ: أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ، قال بعض أَهل العلم: معناه: أَسمع دعاءَ الداعي إِذا دعان. وقالوا: يكون سمِع بمَعْنَى أَجاب، وأَجاب بمَعْنَى سمِع، كقولك للرجل: دعوتُ من لا يجيب؛ أَي

وخفت

دعوتَ من لا يسمع. وأَنشدنا أَبو العباس: دعوتُ اللهَ حتَّى خِفتُ ألاَّ ... يكون الله يَسْمَعُ ما أَقولُ أَرادَ: يجيب ما أَقول. وقالَ جماعة من المفسرين: معنى الآية: أُجيبُ دعوةَ الداع إِذا دعان فيما الخيرة للداعي فيه؛ لأَنَّه يقصد بالدعاء قَصْدَ صلاح شأْنه؛ فإذا سئل ما لا صلاح له فيه كان صَرْفه عنه إجابةً له في الحقيقة. 81 - وخفت حرف من الأَضداد، يكون بمَعْنَى الشكّ، ويكون بمَعْنَى اليقين؛ فأَما كونُه على الشكّ فكثير واضح لا يحتاج إِلى شاهد، وأَما كونه على اليقين فشاهده قولُ الله عزَ وجلّ: وإن امرَأَةً خافَتْ من بَعْلها نُشوزاً أَوْ إعْراضاً، قال أَبو عُبيدة وقطرب: معناه عَلِمَتْ. وقالَ في قوله عزَ وجلّ: إِلاَّ أَنْ يَخافا ألاَّ يُقيما حُدودَ الله، معناه إِلاَّ أَن يعلما. وقالَ الشَّاعِر:

الحميم

يا فَقْعسيُّ لِمْ أَكلتَهُ لِمَهْ ... لو خافك الله عليْه حَرَّمهْ معناه: لو علم الله ذاك منك. وقوم من العرب يجعلون الخوف في معنى الرجاء فيقولون: أَتَيْت فلاناً فما خفت أَن أَلقاه فلقيته. يريدون فما رجوت، يذهبون بالخوف مذهب الرجاء؛ كما ذهبوا بالرجاء مذهب الخوف في مثل قول الشَّاعِر: تَعَسَّفْتُها وَحْدي فَلمْ أَرْجُ هَوْلَها ... بحرفٍ كقَوْس القانِ باقٍ هبابُها معناه: ولم أَخف هولها. وقال الآخر: وأَعْتَقْنا أُسارَى من نُميْرٍ ... لخوف الله أَوْ نَرْجو العِقابا 82 - وقالَ بعض النَّاس: الحميم من الأَضداد. يقال: الحميم للحارّ، والحميم للبارد، ولم يذكر لذلك شاهداً، والأَشهر في الحميم الحارّ، قال الله عزَ وجلّ: حَميماً وغَسَّاقاً، فالحميم الحارّ، والغَسَّاق البارد، يُحْرِقُ كما يُحْرِقُ الحارّ. ويقال: الغَسَّاق: البارد المنتن بلسان الترك، ويقال: الغَسَّاق البارد الَّذي لا يقدرون على شربه من بَرْده، كما لا يقدرون على شرب الحَميم من حرارته.

أوزعت

ويقال: الغَسّاق: ما يغْسِق من صديد أَهل النار، أَي ما يسيل، قال عمران بن حِطّان: إِذا ما تذَكّرْتُ الحياةَ وطيبَها ... إليَّ جَرى دمعٌ من العين غاسِقُ أَي سائل. وقالَ عُمارة بن عقيل: تَرَى الضَّيْفَ بالصَّلْعاءِ تَغْسِقُ عَيْنُهُ ... من الجوعِ حتَّى تحسِبَ الضَّيْفَ أَرمَدا وقال الآخر في الحميم: فَحُشَّتْ بها النَّارُ نارُ الحميمِ ... وصُبَّ الحميمُ على هامِها والحميم: القريب في النَّسب، قال الله عزَ وجلّ: ولا يَسْأَلُ حَميمٌ حَميماً، وقالَ الشَّاعِر: لَعَمْرُكَ ما سَمَّيْتُهُ بمناصِحٍ ... شفيقٍ ولا أَسمَيْتُهُ بحميمِ 83 - وقالَ بعض أَهل اللُّغة. أَوزعتُ حرف من الأَضداد؛ يقال: أَوزعت الرَّجُلَ، إِذا أَغريتَه بالشيء وأَمرتَه به، وأَوزعتُه، إِذا نهيتَه وحبستَه عنه، قال الله عزَ وجلّ: فَهُمْ يوزَعونَ، أَي يُحْبَسُ أَولُهم على آخرهم. قال أَبو بكر: والصحيح عندنا أَن يكون أَوزعتُ بمَعْنَى أَمرتُ وأَغريت، ووَزَعْت بمَعْنَى حَبَست، الدليل على هذا

قوله عزَ وجلّ: رَبِّ أَوْزِعْني، معناه أَلهمني. وقالَ طَرَفة: نَزَعُ الجاهِلَ في مَجْلِسِنا ... فَتَرَيَ المجْلِسَ فينا كالحَرَمْ وقال الآخر: أَمَّا النَّهارَ فَلا أُفَتِّرُ ذِكْرَها ... واللَّيلَ يوزِعني بها أَحْلامُ وقالَ النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ: على حينَ عاتَبْتُ المشيب على الصِّبا ... وقُلْتُ أَلَمَّا تَصْحُ والشيْبُ وازعُ وقال الآخر: كفَى غِيَرُ الأَيَّامِ لِلْمَرْءِ وازعاً ... إِذا لم يَقِرْ رِيًّا فيصْحوَ طائعا وقالَ الحسن لما وَليَ القضاءَ، وكثُر النَّاس عليه: لا بدّ للناس من وَزَعة، أَي من شُرَطٍ يكفُّونَهم عن القاضي. وقالَ الجعديّ: وَمَسْروحَةٍ مثلِ الجراد وَزْعتُها ... وكلَّفْتُها ذِئباً أَزَلَّ مُصَدَّرا معناه كففتها. والاختيار أَن يكون الوزْع الحبْس. وقالَ أَصحاب القول الآخر: معناه أَغريتها بالشيء الَّذي كلّفتها إياه.

وبرح

84 - وبرِح حرف من الأَضداد؛ يقال: بَرِح الخفاءُ، إِذا ظهر. قال أَبو العباس: أَصل بَرِح صار في بَرَاح من الأَرض، وهو البارز المنكشف، والخفاءُ المستور المكتوم؛ فإذا قال القائل: بَرح الخفاءُ؛ فمعناه ظهر المكتوم؛ قال زُهير: أَبي الشُّهداءُ عِنْدَكَ من مَعَدٍّ ... فليس بما تَدِبُّ به خَفَاءُ وقالَ قُطرب: يقال: بَرِح الخفاءُ، يراد به استتر وخَفِيَ؛ فهذا مضادّ الأَول، ويقال: ما بَرِحَ الرَّجُل، يراد به ما زال من الموضع، ويقال: ما برح فلان جالساً؛ يراد به ما زال جالساً؛ قال الله عزَ وجلّ: لا أَبْرَحُ حتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ، فمعناه لا أَزال، وقالَ الشَّاعِر: إِذا أَنْت لم تَبْرَحْ تُؤَدِّي أَمانَةً ... وتحملُ أَخرى أَفْدَحتْكَ الودائع معناه: إِذا أَنت لم تزل. وأَفدحتك، معناه أَثقلتك، وقال الآخر:

والربيبة

وأَبرحُ ما أَدامَ الله قَومي ... بحمْدِ الله منتطِقاً مُجيدا معناه: ولا أَبرح، أَي ولا أَزال، فأَضمر لا كما قال الآخر: فأَقْسمْتُ آسَى على هالِكٍ ... أَو أسأَلُ نائحةً ما لَها معناه: لا آسى على هالك. وقالَ امرؤ القَيْس: فَقُلْتُ يمينَ الله أَبْرَحُ قاعِداً ... وَلَوْ قَطَعوا رأْسي لَدَيْكَ وأَوْصالي معناه لا أَزال. 85 - والرّبيبة حرف من الأَضداد؛ قال قُطرب: يقال ربيبة للتي تُرَبِّب، وربيبة للتي تربَّب؛ قال الله عزَ وجلّ: وَرَبائِبُكُمْ الَّلاتي في حُجورِكُمْ، فالربائب اللاتي يربَّبْن، وإذا كانت الربيبة الَّتي تُربَّب فالواجب فيها أَن يقال: امرأَة رَبيب، وجارية ربيب، بغير هاء؛ كما يقال: امرأَة قتيل، وكف خَضيب؛ إِلاَّ أَنهم زادوا الهاءَ لمَّا جعلوها اسماً مفرداً؛ كما قالوا: هي قتيلة بَنِي فلان. والرّبيبة: ابنة امرأَة الرَّجُل من غيره، والرَّبيب: ابن امرأَته من غيره، قال الشَّاعِر:

فإِنَّ لَها جارَيْن لَنْ يَغْدِرا بها ... ربيبُ النَّبِيِّ وابنُ خيرِ الخلائفِ أَراد بربيب النَّبِيّ عمر بن أَبي سَلَمة، أُمّه أُم سلَمة زوج النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم. وابن خير الخلائف: عاصم ابن عمر بن الخطاب. ويقال لزوج أُم الرّبيب: الرّاب؛ كان مجاهد يكره أَن يتزوّج الرَّجُل امرأَة رابِّه. ويقال: قد رَبَّى فلان فلاناً وربَّبه وربَّه وربّتَه وتربَّبه بمعنًى، قال علقمة بن عَبَدَة: وأَنت امرؤٌ أَفْضَتْ إليكَ أَمانَتي ... وقَبْلَكَ رَبَّتْني فَضِعْتُ رُبُوب وقال الآخر: تربَّبها التَّرْعيب والمحضُ خِلْفَة ... ومسكٌ وكافورٌ ولُبْنى تأكَّلُ الترعيب: السنام. وقالَ ابن أَحمر: مِمَّنْ تربَّبهُ النعيمُ ولم يخَفْ ... عُقبَ الكتاب ولا بنات المُسْنَدِ المسنَد: الدهر، يريد من الأَحداث، من النساء الكاملات السرور، اللاتي لا يفكّرن في حوادث الدهور فيغيرهنّ ذلك. وقالَ الآخر: ألاَ لَيْتَ شِعْري هلْ أَبيتنَّ ليْلَة ... بحَرَّةِ ليلَى حيث ربَّتَني أَهْلي

نؤت

أَراد ربّاني: 86 - ويقال: نؤت بالحمل إِذا نهضت به، وناءَ بي الحمل أَيْضاً، نهضتُ به، قال الشَّاعِر: وقامَتْ تُرائيكَ مُغْدَوْدِناً ... إِذا ما تَنوءُ به آدَها المغدوْدِن: الشِّعْر الكثير. وتنوء به: تنهض به. وآدَها: أَثقلها، وقالَ الله عزَ وجلّ: ما إنَّ مَفاتحَهُ لَتَنوءُ بالعُصْبَةِ، فمعناه: ما إنَّ العصبة لتنوءُ بمفاتحه، فخرج مقلوباً عند وضوح المعنى؛ هذا قول أَبي عُبيدة وقُطْرب. وقالَ الفَرَّاءُ: معناه: ما إنَّ مفاتحه لَتُنِيءُ العصبةَ، أَي تثقلُهم وتُميلهم، فلما انضمت التاءُ سقطت الباءُ، كما يقولون: هو يذهب ببصر فلان، وهو يُذهب بصَرَ فلان. وقالَ الفَرَّاءُ: أَنشدني بعضُ العرب: حتَّى إِذا ما التأَمَتْ مواصلُهْ ... وناَء في شِقِّ الشَّمالِ كاهلُهْ يعني الرامي لما أَخذ القوسَ ونَزَع، مال عليها. ومن هذا قولهم: فعلتُ على ما ساءك وناءك، معناه: وأَثقلك وأَمالك؛ ويجوز أَن يكونَ أَصله على ما ساءك وأَناءك؛ فسقطت

الأَلف من الثانية لتزدوج اللفظتان، فتكونَ الثانية على مثال الأُولى؛ كما قالوا: إِنَّهُ ليأْتينا بالغَدايا والعَشايا، فجمعوا الغَداة غدايا لتزدوج مع العشايا. وأَنشدنا أَبو العباس، عن سلَمة، عن الفَرَّاءُ: هَتَّاكُ أَخْبيةٍ ولاَّجُ أَبْوِبَةٍ ... يَخْلِطُ بالجدِّ منه البِرَّ واللِّينا جمع الباب على أَبوبة، ليشاكل جمعَ الأَخبية، والذين حملوا الآية على معنى القلب احتجُّوا بقول الشَّاعِر: إنَّ سِراجاً لكريمٌ مَفْخَرُهْ ... تَحْلَى بهِ العينُ إِذا ما تَجْهَرُهْ معناه يَحْلَى بالعين. وكانَ المفضّل الضبيّ ينشد بيت امرئ القَيْس: نمسُّ بأَعْرافِ الجِيادِ أَكفَّنا ... إِذا نحن قُمْنا عن شِواءٍ مُضَهَّبِ بالضاد، معناه: نمسّ أَعرافَ الجياد بأَكفنا. ورواه غير المفضل: نمشّ بأَعراف الجياد، أَي نمسح أَكفَّنا بأَعرافها؛ يقال: مَشَشْتُ يدي أَمُشّها مشًّا، إِذا مسحتَها بشيء خشِن. وقالَ بعضهم: يقال للمنديل المَشُوس. والمضَهَّب: الشواءُ الَّذي لم ينْضَج.

وأرم

87 - وأَرمّ حرف من الأَضداد. يقال: أَرمَّ العظم إِذا بَلِيَ، وأَرَمَّ العظم إِذا صار فيه مُخّ، والرِّمة البِلى، والرّمة السِّمَن؛ قال الشَّاعِر: والنِّيبُ إنْ تَعْرُ مِنِّي رِمَّةً خَلَقا ... بعد الممات فإني كنتُ أَثَّئِرُ وقال الآخر: وهو جَبَرَ العظامَ وكُنَّ رِمًّا ... ومثل فعاله جَبَر الرَّميما فالرِّم والرِّمة: ما يُتَقَمَّم من الأَشياء البالية؛ ومن هذا قولهم: جاءَ بالطِّم والرِّم، يراد جاءَ بالرَّطب واليابس. والرُّمة: قطعة حَبْل تُشدّ في رجل الجدْي أَو الحَمَل. وقول النَّاس: أَخذت الشَّيْء برُمتّه؛ معناه تامًّا وافياً لم يُنتَقص منه شيء، وأَصله من قولهم: أَخذتُ الجديَ برُمَّته، أَي بالحبل المشدود في رِجلِه. ويقال: حبل أَرْمام، إِذا كان متقطعاً بالياً؛ قال ذو الرُّمَّة: أَشعثَ باقي رُمَّةِ التقليدِ وقال الآخر: تَصِلُ السَّهْبَ بالسُّهُوبِ إليهمْ ... وَصْلَ خَرْقاء رُمَّةً في رِمامِ

وعزرت

وقال الآخر: عَنْ غَيْرِ مَقْلِيَةٍ وإنَّ حبالَها ... لَيْسَتْ بأرمامٍ ولا أَقْطاعِ 88 - وعزَّرت حرف من الأَضداد. يقال: عَزَّرْتُ الرَّجل، إِذا أَدَّبتَه وعنّفتَه ولمتَه؛ ومنه قول الفقهاء: يجب عليه التعزير، ويقال: عَزّرْتُ الرَّجُل إِذا عظّمته وكرّمتَهُ، قال الله عزَ وجلّ: لِتُؤْمِنوا بالله ورَسولِهِ وتُعزِّروهُ وتُوَقِّروهُ، أَراد بتعزروه تكرمونه وتعظمونه. وقالَ الشَّاعِر: وكم من ماجدٍ لهمُ كريمٍ ... ومن لَيْثٍ يُعَزَّرُ في النَّدِيِّ أَراد يعظَّم في المجلس. 89 - وعزَرْت حرف من الأَضداد؛ يقال: عَزَرْت الرَّجُلَ، إِذا أَكرمتَه، وعَزَرْتَهُ، إِذا لمتَه وعنَّفته؛ قال القُطاميّ: ألا بَكَرَتْ مَيٌّ بغيرِ سفاهةٍ ... تُعاتِب والمودودُ ينفعه العَزْرُ أَراد ينفعه اللَّوم. وأَخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد، قال: حدَّثنا أَبو مسلم - يعني أَباه عبد الرحمن بن واقد - عن يونس، عن أَبان، عن قتادة، أَنَّهُ قرأَ: وعَزَروهُ، بالتخفيف، فمعناه: وعظموه.

والرهو

90 - والرّهو حرف من الأَضداد؛ يقال: رَهْوٌ ورَهْوَةٌ، للمنخفض، ورَهْو ورَهْوة للمرتفع. وقالَ ابن السِّكِّيتِ وغيره: نظرَ أَعرابيّ إِلى فالج من الإِبِل فقال: سبحان الله! رَهْوٌ بين سَنامين، أَراد بالرَّهو الانخفاض. وقالَ أَبو العباس النّميريّ: دَلَّيت رجلي في رَهْوَةٍ، يريد: في انخفاض. وقالَ بشر بن أَبي خازم: تَبيتُ النِّساءُ المرضِعات بِرَهْوَةٍ ... تُفَزَّعُ من هَوْلِ الجنان قُلوبُها أَراد بالرهوة الانخفاض. وقالَ الآخر: إِذا هَبَطْنَ رَهْوَةً أَوْ غائطا أَراد بالرّهوة الانخفاض؛ لأَنَّ الهبوط يدلّ على ذلك، والغائط: المطمئنّ من الأَرض؛ وإنما سمي الحَدث غائطاً باسم الموضع. وقالَ عَمْرو بن معدي كَرِب: وَكَمْ مِنْ غائِطٍ مِنْ دونِ سَلْمى ... قليل الأُنس لَيْسَ به كتيعُ وقالَ رُؤْبَةُ: إِذا عَلَوْنا رَهْوَةً أَوْ خَفْضا

أَراد بالرَّهوة الارتفاع. وقالَ ابن السِّكِّيتِ في قول عَمْرو بن كلثوم: نَصَبْنا مثْلَ رهوةَ ذات حَدٍّ ... مُحافَظةً وكنَّا السَّابِقينا أَراد بالرَّهوة ما ارتفع وعَلا. والرَّهوة في غير هذا موضع الماء الَّذي يجتمع إِلى جَوْبَة تكون في محَلّة القوم تسيل إليها مياههم؛ قضى النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَن لا شُفعة في فِناء ولا طريق، ولا مَنْقَبة ولا رُكْح ولا رَهْوٍ. فالمنْقَبة الطَّريق الضيّق يكون بين الدارين، لا يُمكنُ أَحداً أَن يَسْلُكَه. والرُّكْح: البيت وناحيتُه من ورائه، وربّما كان فضاءً لا بناءَ فيه. والرَّهْو: الجَوْبة الَّتي تجتمع إليها مياه الناحية، فأَراد عليه السلام أَنَّ مَنْ كان شريكاً في هذه المواضع الخمسة لم توجَبْ له شفعة؛ حتَّى يكون شريكاً في نفس الدار والحانوت. وهذا مذهب أَهل المدينة؛ لأَنَّهم لا يوجبون الشفعة إِلاَّ للشريك المخالط، وأَمّا أَهلُ العراق فإنهم يوجبون الشفعة لكل جارٍ ملاصق؛ وإن لم يكن شريكاً، فكأَن الجَوْبة سُمِّيَتْ رَهْواً لانخفاضها. وجاءَ في الحديث: نهى رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم

أَن يُمْنَعَ رَهْوُ الماء ونَقْعُ البئر، وهو أَصل الماء من الموضع الَّذي يُخْرَج من العين وغيرها، من قبل أَن يصير في وعاءٍ لأَحد أَو إناء؛ فإذا صار في وعاء لرجل فهو أَمْلَك به، لأَنَّه مالٌ من ماله. والرَّهو في هذا الحديث أَيْضاً معناه الانخفاض. وسمعتُ أَبا العباس يقول: يقال للساكن: رَهْو، وللواسع: رهو، وللطائر الَّذي يقال له الكُرْكِيّ: رهو؛ قال الله عزَ وجلّ: واتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً، فمعناه ساكناً، وقالَ القُطاميّ: يمْشينَ رَهْواً فلا الأَعجازُ خاذلةٌ ... ولا الصُّدورُ على الأَعْجازِ تَتَّكِلُ معناه يمشين مَشْياً ساكناً. وقال الآخر: أَنْتَ كالشَّمْسِ رِفْعَة سُدْتَ رَهْواً ... وبَني المجدِ يافعاً والداكا وقال الآخر: غداةَ أَتاهمُ في الزحف رَهْواً ... رسولُ الله وهوَ بهمْ بصيرُ وقال الآخر: كأَنَّما أَهلُ حَجْر يَنْظُرون مَتى ... يَرَوْنَنِي خارِجاً طَيْرٌ يَناديدِ طيرٌ رأَت بازياً نَضْحُ الدِّماءِ به ... أَو أَمَةٌ خرجَتْ رَهْواً إِلى عِيدِ أَرادَ بالرهو السُّكون.

وخجل

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، قال: حدَّثنا سلمة بن الفضل، عن إسماعيل، عن قَتادة، في قوله عزَ وجلّ: واتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً، قال: ساكناً. وأَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا يوسف، قال: حدَّثنا سلمة، قال: حدَّثنا إسماعيل بن مسلم: عن الحسن في قوله: واتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً، قال: طريقاً يَبَساً. 91 - وخَجِل حرف من الأَضْداد؛ قال ابن السِّكِّيت: قال أَبو عَمْرو: يقال: خَجِل الرَّجُل إِذا مَرِح، وخَجِل إِذا كَسِل. وأَنشد ابن السِّكِّيت: إِذا دَعا الصَّارِخُ غَيْرَ مُتَّصِلٍ ... مَرًّا أَمَرْت كُلَّ مَنْشُورٍ خَجِلْ المنشور: المشهور الأَمر. وأَخبرنا أَبو عليّ العَنَزِيّ، قال: حدَّثنا عليّ بن الصّباح، قال: أَخبرنا أَبو المنذر هشام بن محمد، قال: أَخبرني رجل من النَّخَع، قال: أَخبرنا ليث بن أَبي سُلَيْم، عن منصور بن المعتمر، قال: أَقبلتْ سائلةٌ، فسأَلت عائشة، رحمها الله، ورسول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم في المتوضَّأ، فقالت عائشة لخادمها: أَعطيها وأَقلِّي، فخرج رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم،

فقال: يا عائشة لا تُقَتِّري فيقتّر الله عليك، إِنَّكنَّ لتكفُرْنَ العشير، وتَغْلِبْنَ ذا الرَّأْي على رأْيه، إِذا شبعتُنَّ خجِلْتُنَّ، وإِذا جُعْتُنَّ دقِعْتُنَّ. قال أَبو بَكْر: قال بعض أَهل اللُّغة: خجلتُنَّ، معناه مَرِحْتُنَّ، ودقِعتنّ معناه خضعتنّ؛ يقال: قد دَقع الرَّجُل دَقْعاً، إِذا خضع ولصِق بالتُّراب وبالدَّقْعاء من شدَّة الخضوع. وقالَ أَبو عُبيد: قال أَبو عَمْرو: الدَّقَع: الخضوع في طلب الحاجة والحرْص عليها، والخَجَل: التَّواني في طلب الرزق. وقالَ ابن السِّكِّيت: قال ابن الأَعْرَابِيّ عن أَبي تمام الأَسَدِيّ: الخَجَل: سوء احتمال الغِنى، والدَّقَع: سوء احتمال الفقر. وقالَ الكُمَيْتُ يمدح قوماً: ولَمْ يَدْقَعُوا عِند ما نابَهُمْ ... لِوَقْعِ الحرُوبِ ولَم يَخْجَلُوا أَرادَ: ولم يخضعوا ولم يَكْسَلوا ويفشلوا، ويقال: واد خَجِل، إِذا كان كَثير النَّبات؛ لا يكاد أَصحابه يبرحون منه لكمال خصْبه، ويقال: نبات مُخْجِل إِذا كان

راغ

كثيراً، قال أَبو النَّجم: في رَوْضِ ذَفْرَاءَ ورُغْلٍ مُخْجِلِ 92 - وقالَ قُطْرب: رَاغَ حرف من الأَضْداد. يقال: راغ فلان على القوم إِذا أَقبل عليهم، وراغ عنهم إِذا ولَّى عنهم وذهب، قال: وفي كتاب الله عزَ وجلّ: فَرَاغَ عَلَيْهمْ ضَرْباً باليَمين، معناه: أَقبل عليهم، وفي كتاب الله عزَ وجلّ في موضع آخر: فَرَاغَ إِلى أَهْلِهِ، فمعناه ذهب إِلى أَهله. وقالَ الفَرَّاءُ: لا يقال لمن رجع: راغ إِلاَّ أَن يكون مُخْفياً رجوعه، قال: فلا يجوز أَن يقالَ: راغ الحاجّ من مكَّة، لأَنَّهم لا يُخفون رجوعهم، فمتى أَخفى ذلك مُخْفٍ قيل: راغ فهو رائغ. وقالَ غير الفَرَّاء: لا يكون راغ أَبداً إِلاَّ بمَعْنَى رجع، على السَّبيل الَّذي ذكرَ الفَرَّاء؛ وليس بحرف من الأَضْداد

والزاهق

على ما ادَّعى قُطْرب. 93 - والزاهق حرف من الأَضْداد؛ يقال للميت: زاهق، ويقال للسَّمين: زاهق، ويقال: فرس زاهق، إِذا حسُنت حالُه وحَمَل اللَّحم، ويقال: قد زَهَق الرَّجُل، إِذا مات، أَو شارف الموت، وزَهَق الباطل معناه بَطَل. وقال بعض أَهل اللُّغة: يقال أَيْضاً للمقدّم: زاهق، قال زُهَير: القائِدُ الخيلَ مَنْكوباً دَوابرُها ... منها الشَّنُونُ ومنها الزَّاهقُ الزَّهِمُ قال أَبو بَكْر: الشَّنُون: الَّذي اضطرب لحمه وتخدَّد، والزَّاهق: السَّمين، والزَّهِم: الَّذي بلغ الغاية في السِّمن. وقال الآخر: ولَقَدْ شَفى نفْسي وأَذهَبَ حُزْنَها ... إِقدامهُ مُهْراً لهُ لم يَزْهَقِ أَرادَ لم يَعْطَب، ولم يشارف الهَلَكة. 94 - وغَفَر حرف من الأَضْداد؛ يقال: غفر المريضُ يغفر، إِذا نُكس في وَجَعه، ويقال له أَيْضاً: غَفر يَغْفر، إِذا بَرَأَ، أَنشدنا أَبو العبَّاس:

والمنين

خليليّ إِنَّ الدَّار غَفْرٌ لذي الهَوَى ... كما يَغْفِر المحمومُ أَو صاحب الكَلِمْ معناه إِذا نظر إِلى الدَّار عاوده حزنُه ووجعه؛ فكان بمنزلة مَنْ تُعاوده العلَّة بعد البُرْء. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن سلمة، عن الفَرَّاء، قال: يقال: غَفِر المريض يغفَر، إِذا نُكِسَ. وقالَ غيره: مغفرَةُ الله عزَ وجلّ من هذا مأْخوذة؛ فإِذا قال القائل: اللهمّ اغْفِر لنا؛ فمعناه: غَطِّ علينا ذنوبَنا؛ وإِنَّما سمِّي المِغْفَر مِغْفَراً لأَنَّه يستر الرأْس ويجمع الشِّعْر. 95 - والمَنين حرف من الأَضْداد؛ سمعت أَبا العباس يقول: حبل مَنين إِذا كان ضعيفاً قد ذهبت مُنَّتُهُ، أَي قوَّته. وقالَ جماعة من أَهل اللُّغة: يُقال: حبل مَنين إِذا كان قويًّا، والمُنَّة أَيْضاً تقع على معنييْن متضادَّيْن، يقال للقوَّة: مُنَّة، وللضَّعف مُنَّة، قال الشَّاعر: فلا تَقْعُدوا وبِكُمْ مُنَّةٌ ... كفى بالحوادث للمرءِ غُولاَ وإِن لك يكن غير إِحداهما ... فسِيروا إِلى الموتِ سيراً جميلاَ وقال الآخر:

عَلامَ تقول السيرُ يقطعُ منَّتي ... ومن حُمرِ الحاجات عَيْرٌ بدِرْهَمِ وقال الآخر: سَيْراً يُرخِّي مُنَّة الجَلِيد وقال الآخر: بحَوْقَلٍ قد مَنَّهُ الوَجِيفُ وقالَ ذو الرُّمَّة: إِذا الأَرْوَعُ المَشْبوبُ أَضحَى كَأَنَّهُ ... على الرَّحْلِ ممَّا مَنَّهُ السَّير عاصِدُ وفسِّر قول الله عزَ وجلّ: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونِعلى ثلاثة أَوجه، فقال بعضهم: المحسوب. وقالَ آخرون: الممنون: الَّذي لا يُمَنُّ به؛ فالله عزَ وجلّ لا يَمُنّ بإِنعامه على من يُنْعِم عليه، قال الشَّاعر: أَنَلْتِ قَليلاً ثمَّ أَسْرَعْتِ مِنَّةً ... فنَيْلُكِ ممنونٌ كذاكِ قليلُ ويقال: الممنون: المقطوع الَّذي قد قطعت مُنَّته، وإِنَّما سمِّيت المنونُ المنونَ لأَنَّها تذهب بمُنَّة الإِنسان وتُضعفه.

وقالَ الأَعشى: لَعَمْرُكَ ما طولُ هذا الزَّمَنْ ... على المرءِ إِلاَّ عَناءٌ مُعَنّْ يظلُّ رجيماً لريْب المَنو ... ن والسُّقْم في أَهلِه والحَزَنْ والمَنُون تؤنِّثها العرب في حالٍ على معنى المنيَّة، وتذكِّرها على معنى الدَّهر، وتجعلها جمعاً على معنى المنايا، قال الشَّاعر: فقلتُ إِنَّ المَنُونَ فانطلقِي ... تَسْعَى فلا نستطيعُ نَدْرَؤُها وكانَ الأَصْمَعِيّ يروي بيتَ أَبي ذُؤَيْبٍ: أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبهِ تتَوَجَّعُ ... والدَّهر لَيْسَ بمعتِبٍ من يَجْزَعُ ويَقُولُ: أَرادَ بالمَنُون الدَّهر. ورواه غيرُ الأَصْمَعِيّ: أَمن المَنُون ورَيْبها، على معنى المنيَّة. وقالَ الفرزدق: إِنَّ الرَّزيةَ لا رزيئة مثلُها ... في النَّاسِ موتُ محمدٍ ومحمدِ مَلِكانِ عُرِّيَتِ المَنابِرُ منهما ... أَخَذَ المَنُونُ عليهما بالمرصَدِ أَرادَ بالمحمَّدَيْن أَخا الحجَّاج وابنَه. وقالَ عديّ بن زيد في الجمع:

والفاري

منْ رأَيتَ المَنُونَ عَدَّيْنَ أَمْ مَن ... ذا عليه من أَن يُضامَ خَفيرُ والمنّ يقع على معنيين: أَحدهما يوصَف الله عزَ وجلّ به، والآخر لا يوصَف به، فالَّذي يوصَف به جلَّ اسمه ما يكون بمَعْنَى الإِعطاء والإِنعام؛ كقولك: مننتُ على فلان بكذا وكذا من المال، ومننتُ على الأَسير فأَعتقْتُه، فكذلك قالوا: يا حنَّان يا منَّان، فوصفوه بالفضل والإِنعام على خَلْقه. والمنّ: الَّذي لا يوصَف الله عزَ وجلّ به الافتخارُ والتزيّن، والاستعظام للنعمة الَّتي يُولاها المُنعَم عليه، كقول القائل: فلان يَمُنّ عليَّ بما أَصار إِليَّ من ماله، وأَنالني من معروفه؛ والله تعالى لا يقع منه مَنٌّ على هذه الجهة. 96 - والفارِي حرف من الأَضْداد؛ يقال للذي يقطع الأَديم: فارٍ، وللَّذي يخرِزه: فارٍ، ويقال للمزادة المخروزة، مفريَّة، قال ذو الرُّمَّة: ما بالَ عينكَ منها الماءُ ينسَكِبُ ... كأَنَّها من كُلَى مَفْرِيَّةٍ سَرِبُ وفراَء غَرْفِيَّةٍ أَثأَى خَوارِزُها ... مُشَلْشِلٌ ضَيَّعَتْهُ بينها الكُتَبُ المفريَّة: المزادة المخروزة، والكُلَى: جمع كُلْية، وهي رقعة تجعل في عُرْوة المزادة. ويُرْوَى: كَأَنَّهُ من تُلَى مَفْرِيَّةٍ.

فالتُّلى جمع تِلْوة، وهي سير يُخْرَز به الأَديم، ووفراءُ تابع لمفريَّة، والوفْراءُ المزادة الواسعة، والغَرْفِيَّة: الَّتي قد دُبغت بالغَرْف؛ وهو شجر. وأَثأَى: أَفسد، والخوارز: النِّساءُ يَخْرِزْنَ الأَديم؛ والمشلشِل: الماء؛ وهو مردود على السَّرب. ويُرْوَى: مشلشلاً بالنصب على الحال ممَّا في ينسكب؛ كأَنَّك قلت: ما بال عينك منها الماءُ ينسكب مُشَلْشِلاً؛ أَي في هذا الحال. والكُتَب: جمع كُتبة، وهي الخَرَزة. وبعضُ أَصحابنا يقول: إنَّما سُمِّيَ الفَرَّاءُ فَرَّاء؛ لأَنَّه كان يُحسن نظم المسائل، فشبِّه بالخارز الَّذي يخرِز الأَديم، وما عُرِف ببيع الفرَاءِ ولا شرائِها قطّ. وقالَ بعضهم: سُمِّيَ فرَّاء لقطعه الخُصُوم بالمسائل الَّتي يُعْنَتُ بها، من قولهم: قد فَرَى، إِذا قطع، قال زهير: ولأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْ ... ضُ القوم يَخْلُق ثمَّ لا يَفْرِي معناه تَخْرِزُ ما قدّرت. والخلْق التقدير، قال الله جلَّ اسمه: وتُخْلُقُونَ إِفْكاً، أَي تقدّرون كذباً، وقالَ جلَّ وعلا: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخالِقين، أَي المقدّرين. وقالَ الأَعشى:

الأصفر

أَرادوا أَنْ تُزايلَ خالِقَاتٍ ... أَدِيميْهمْ يَقِسْنَ ويَفْتَرِينَا وأَخبرنا أَبو العبَّاس، قال: قال الكِسَائِيّ: يقال: أَفرى يُفْري، إِذا أَفسد، أَي قطع ليفسد. وفَرَى يَفْرِي، إِذا أَصلح. وخُولف الكِسَائِيّ في هذا فقيل: العرب تقول: فَرَى للفساد والإِصلاح، أَنشدنا أَبو العبَّاس: فَرَى نائباتُ الدَّهرِ بيني وبينها ... وصَرْفُ اللَّيالي مثلَ ما فُرِيَ البُرْد 97 - وممَّا يشبه الأَضداد الأَصفر، يقع على الأَصفر، وربما أَوقعته العرب على الأَسود، قال الله عزَ وجلّ: صَفْرَاءُ فَاقعٌ لَوْنُها، فقال بعض المفسِّرين: هي صفراءُ، حتَّى ظِلْفها وقرنها أَصفران. وقالَ آخرون: الصَّفْراءُ السَّوداءُ. وقالَ جلَّ اسمه: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ، فقال عدَّة من المفسِّرين: الصُّفْر: السُّود، وقالَ الفَرَّاءُ: إنَّما قالت العرب للجمل الأَسود: أَصفر؛ لأَنَّ سواده تعلُوه صُفرة، فسمَّوْه أَصفر، كما قالوا للظبي الأَبيض: آدم، لأَنَّ بياضه تعلوه ظلمة. وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف القطَّان، قال: حدَّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثنا إِسماعيل بن

مسلم، عن الحسن في قوله: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ قال: الصُّفْر: السُّود. وأَنشد أَبو عُبيد للأَعشى: تلك خَيْلِي منه وتِلكَ رِكابي ... هُنَّ صُفْرٌ أَلوانُها كالزَّبيب أَرادَ: هنَّ سود، والَّذين فسَّروا قوله جلَّ وعزّ: صَفْرَاءُ فَاقع لونُها، فقالوا: هي صفراءُ فاقع لونها، احتجُّوا بقوله جلّ وعزّ: فَاقعٌ، فقالوا: الفُقوع خُلُوص الصُّفرة، فكيف توصف بهذا وهي سوداءُ! واحتجَّ عليهم أَصحاب القول الآخر بأَنَّ الفُقوع قد توصف به الصّفرة والبياض والسَّواد، فيقال: أَصفرُ فاقع، وأَسود فاقع، وأَبيض فاقع، وأَخضر فاقع، قال محمد بن الحكم، عن أَبي الحسن اللِّحْيانِيّ: يقال في الأَلوان كلّها فاقع وناصع، خالص. وقالَ غيره: يقال: أَسودُ فاحم، وحُلْبُوب، وودَجُوجِيّ، وخُدَارِيّ، وغِرْبيب، وحَالك، وحانك. ومثل حَلَكِ الغراب، وحنَكِه؛ فحَلكُه: سواده، وحَنكُه: منقاره. ويقال: أَسودُ حَلَكُوك ومُحْلَولك، وسُحْكُوك ومُسْحَنْكِك، قال الرَّاجِزُ: تَضْحَكُ مِنِّي شَيخَةٌ ضَحُوكُ ... واسْتَنْوَكَتْ وللشَّباب نُوكُ

الكأس

وقَدْ يَشِيب الشَّعَر السُّحْكُوكُ ويقال: أَسود غَيْهب، وغَيْهم، ودُجَاجِيّ، وقاتم، ومُدْلَهِمّ، وغُرَابِيّ، وغُدَافِيّ، ويقال: أَحمر قانئ، وقاتم، وذَرِيحيّ، وفاقع، وفُقَاعيّ، وأَقشر، وسِلَّغْذ، وأَسلَغ، ونَكِع، وعَتك، وقَرْف، ويقال أَيْضاً: أَحمر كالقَرْف، إِذا خَلَصتْ حُمرته، والقَرْف: الأَديم الأَحمر. قال الشَّاعر: أَحْمَرُ كالقَرْفِ وأَحْوَى أَدْعَجُ ويقال: أَحمر كَأَنَّهُ الصَّرْبة؛ وهي صمغة حمراءُ خالصة الحُمْرة. ويقال: أَخضر ناضر وزَاهر. ويقال: أَبيض وابص ويقَق، ولَهَق، ولِياح، ولَياح، وقَهْد، وقَهْب، وحُضيّ، ودُمَّرْغ، إِذا كان خالصاً. 98 - ومن الحروف المشبهة للأَضداد أَيْضاً الكأْس. قال ابن السِّكِّيت: قال أَبو عُبيدة: يقال للإِناءِ: كأْس، وللشَّراب الَّذي فيه كأْس. وقالَ الفَرَّاءُ: الكأْس الإِناء بما فيه؛ فإِذا شُرِب الَّذي فيه لم يُقَلْ له كأْس؛ بل يُرَدُّ إِلى اسمه الَّذي هو اسمه من

الحفض

الآنية؛ كما تقول العرب: المِهْدَى للطبق الَّذي عليه الهديَّة؛ فإِذا أُخذت الهديَّة من عليه قيل له: طبق، ولم يُقَلْ له: مِهْدَى. وقالَ بعض المفسِّرين: الكأْس: الخمر؛ يذهب إِلى أَنَّها اسم للإِناء والخمر، ولهذا المعنى أُنِّثت، قال الله عزَ وجلّ: بكَأْسٍ منْ مَعينٍ. بيْضَاءَ لَذَّة للشَّارِبين. وقالَ الشَّاعر: وما زالَت الكأْسُ تَغْتَالُنا ... وتَذهبُ بالأَوَّلِ الأَوَّلِ 99 - ومن الحروف أَيْضاً الحَفَض؛ يقال لمتاع البيت: حَفَض، وجمع الحَفَض أَحْفاض، قال الشَّاعر: فكَبَّهُ في بالرُّمْحِ في دِمائِهِ ... كالحَفَضِ المَصْرُوعِ في كِفائِهِ وقال الآخر: لا تَكُ في الصِّبا حَفَضاً ذَلُولا ... فإِنَّ الشَّيبَ والغَرَل الثُّبُورُ وقال الآخر: يابْنَ قُرومٍ لَسْنَ بالأَحْفاضِ ويُرْوَى بيتُ عَمْرو بن كلثوم على وجهين:

الظعينة

ونحنُ إِذا عِمادُ الحيِّ خَرَّتْ ... عن الأَحفاضِ نَمْنَعُ ما يَلِينا ويُرْوَى: على الأَحفاض، فمن رواه: عن الأَحفاض، قال: الأَحفاض الإِبل، ومن رواه: على الأَحفاض، قال: الأَحفاض الأَمتعة. 100 - ومن الحروف أَيْضاً الظَّعينَة؛ المرأَة في الهودج، والظَّعينة: الهوْدج، وقد يقال للمرأَة وهي في بيتها: ظعينة، والأَصل ذاك. وقالَ ابن السِّكِّيت: يقال: بَعير ظَعون إِذا كان يحمل الظعائن، قال زهير: تَبَصَّرْ خَليلي هَلْ تَرَى مِنْ ظعائِنٍ ... تحمَّلْنَ بالعلْياء من فوق جُرْثُمْ وأَنشدنا أَبو العبَّاس: إِنَّ الظعائن يَوْمَ حَزْمِ سُوَيْقَةٍ ... أَبْكَيْنَ عِنْدَ فِراقهنَّ عُيُونا وقالَ أَبو عكرمة الضَّبّيّ: قال بعض أَهل اللُّغة: لا يقال للمرأَة: ظعينة؛ حتَّى تكون في هَوْدج على جَمَل، فإنْ لم يجتمع لها هذان الأَمران لم يُقَل لها ظعينة. 101 - ومن الحروف الرَّاوية؛ يقال للمزادة: راوية، وللبعير الَّذي يحمل المزادة راوية، قال أَبو النَّجم:

أرونان

تمشي من الرَّدَّةِ مَشْيَ الحُفَّلِ ... مَشْيَ الرَّوايا بالمزادِ الأَثْقَلِ أَرادَ بالرَّوايا الإِبل، وقالَ الحُطَيْئة: مُسْتَحْقِباتٍ رَوَاياهَا جَحافِلَها ... يَسْمُو بها أَشعريٌّ طَرْفُه سامي معناه أَنَّهم يركبون الإِبل ويقودُون الخيل، فإِذا أَعيت الخيل أَلقت جحافلَها على الإِبل، فصارت جحافِلُها كالحقائب للإِبل، والجَحْفلة للفرس، بمنزلة الشّفَة من الإِنسان. ويقال: قد رَوَى الرَّجُل يروِي رَيًّا إِذا استقى، رَوَى يروي مثل رَمَى يرمِي، قال ابن أَحمر يذكر القَطاة وفراخها: تَرْوِي لَقاً أُلْقِيَ في صَفْصَفٍ ... تَصْهَرُهُ الشَّمْسُ وما يَنْصَهِرْ اللَّقى: الشَّيْء الملقى الَّذي لا يُلتفت إِلَيْه، فشبَّه الفرخَ به، ومعنى تَروِي تستقي، ويقال في جمع اللَّقى: أَلْقَاء. 102 - ومن الحروف أَيْضاً قولهم يومٌ أَرْوَنان؛ إِذا كان صعباً، وإِذا كان سهلاً أَيْضاً، وكذلك إِذا كان فيه خير، وإِذا كان فيه شرّ، أَنشدنا أَبو العبَّاس:

والشف

وظَلَّ لِنِسْوَةِ النُّعمانِ منَّا ... على سَفَوَانَ يَوْمَ أَرْوَنانُ 103 - والشِّفّ: حرف من الأَضْداد؛ يقال للزيادة: شِفّ، وللنقصان شِفّ، فمن الزيادة قولهم: فلان حَريص على الشِّفّ. ويقال: فلان أَشَفّ من فلان، أَي أَكبر منه. ويقال: لا تُشِفُّوا الدراهم بعضَها إِلى بعض، فتكون رِباً. ويقال في المعنى الآخر: الدَّراهم تَشِفّ قليلاً، أَي تنقص، وإِن حُمِلَ على المعنى لم يكن خطأً، قال الشَّاعر: فلا أَعْرِفْنَ ذَا الشِّفِّ يَطْلُب شِفَّهُ ... يُدَاويهِ منكمْ بالأَديمِ المسلَّمِ معنى البيت أَنَّهُ نهاهم أَن يزوِّجوا رجلاً دونهم في الشَّرَف لكثرة ماله وقلَّة أَموالهم، فيشرُف بمصاهرتهم، ومثل هذا البيت: رَأَيْتُ خُتونَ والعامَ العامِ قَبْلَه ... كحائضةٍ يُزْنَى بها غَيْرَ طاهرِ وصف سَنَتَيْ جدب اضطُرَّ من أَجلهما ذوو الشَّرف إِلى أَن يُزَوِّجُوا غير الأَكفاء، ليُصيبوا من أَموالهم. ويجوز في: غير طاهر الخفض على النعت لحائضة، والنَّصب

على الحال من الضمير المتَّصل بالباء. ومثل هذين البيتين قول الآخر: أَرادَ ابنُ كُرْزٍ والسفاهَةُ كاسْمِها ... ليِستادَ فينا أَن شَتَوْنَا ليالِيَا تبغَّ ابنَ كُرْز في سِوانا فإِنَّه ... غَذَا النَّاسُ مذْ قامَ النَّبِيُّ الجَواريا تَبَغَّ؛ أَمر من تبغيت. قوله: ليَستادَ فينا معناه ليصير سيداً بمصاهرتنا. وقوله: أَن شَتَوْنَا معناه أَن أَصابنا الجدب. والشتاءُ عند العرب وقت الجدب، قال الحُطَيْئة: إِذا نَزَلَ الشِّتاء بجارِ قَوْمٍ ... تجنَّب جارَ بيتِهم الشِّتاءُ وقوله: تبغَّ ابنَ كُرْز في سِوانا فإِنَّه ... غَذَا النَّاسُ مذْ قامَ النَّبِيُّ الجَواريا معناه قد حرَّم النَّبِيّ عليه السَّلام وأْدَ البنات، فنحن لا نخاف عليهنَّ الهَلَكة. وقال الآخر: أَلستُ عَتيدَ القِرى سَهْلَهُ ... كثيراً لَدَى البَيْعِ إِشْفَافِيَهْ أَرادَ زيادتي.

والمشمولة

وقالَ الجعديّ يَصِفُ فرساً أَدرك حمارَ وحش: فاسْتَوتْ لِهَزْمَتَا خدَّيْهِما ... وجَرَى الشِّفّ سواءً فاعْتَدَلْ 104 - والمشمولة من الأَضْداد؛ يقال: خلائق مشمولة؛ إِذا كانت مباركة حسنة، وخلائق مشمولة؛ إِذا كانت نِكدة مشئومة؛ قال زهير: جَرتْ سُنُحاً فقلتُ لها أَجيزِي ... نَوًى مَشْمولةً فمتى اللِّقاءُ أَرادَ مشئومة؛ وقال الآخر: فلتَعرِفنَّ خلائقاً مشمولة ... ولتندمَنَّ وَلاتَ ساعَةَ مَنْدَمِ وقال الآخر: كأَنْ لم أَعِشْ يوماً بصَهْبَاَء لذَّةٍ ... ولم أَنْدُ مشْمولاً خلائقهُ مِثلِي أَرادَ: مباركاً خلائقه، وقوله: ولم أَند، معناه: ولم أُجالس، من النادي والنديّ، وهما المجلس، والجَمْعُ أَندية؛ أَنشدنا أَبو عليّ العنزيّ، للأَعشى: فَتًى لو يُنادي الشَّمسَ أَلْقَتْ قِناعَها ... أَو القمرَ السَّاري لأَلْقَى المَقالِدا أَرادَ بيُنادِي يجالس. وقال الآخر:

وتأثم

وجارُ البيتِ والرَّجُلُ المندِي ... أَمامَ الحيِّ حقُّهما سواءُ أَرادَ بالمنادي المجالس. ويقال: ندوت القوم أَندوهم إِذا جلست إِليهم، وناديتهم أُناديهم إِذا جالستَهم، ويقال للمجلس: النديّ والنادي، ويقال في الجمع أَندية، قال الشَّاعر: كانوا جِمالاً للجميعِ وموئلاً ... للخائفين وسادةً في النادِي وقال الآخر: وَدُعيتُ في أُولَى النَّدِيِّ ولمْ ... يُنظَرْ إِليَّ بأَعيُنٍ خُزْرِ 105 - وتَأَثَّمَ حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد تأَثَّم الرَّجُل، إِذا أَتى ما فيه المأْثم، وتأَثَّم، إِذا تجنَّب المأْثم؛ كما يقال: قد تحوَّب الرَّجُل إِذا تجنَّب الحُوب. ولا يستعمل تَحَوَّب في المعنى الآخر؛ أَخبرنا محمد بن أَحمد بن النَّضر، قال: حدَّثنا معاوية بن عَمْرو، قال: حدَّثنا زائدة، عن هشام، قال: قال الحسن ومحمد: ما علمنا أَحداً منهم ترك الصَّلاة على أَحدٍ من أَهل القبلة تأَثُّماً من ذلك، أَي تجنُّباً للمأْثم. والحُوب: الإِثم العظيم، قال الله عزَ وجلّ: إِنَّهُ كان حُوباً كَبيراً، وقالَ الشَّاعر:

فَلا تُخْنُو عليَّ ولا تُشِطُّوا ... بقول الفَخْرِ إِنَّ الفخرَ حُوبُ وقالَ نابغة بَنِي شيبان: نماكَ أَربعةٌ كانوا أَئمَّتَنا ... فكانَ مُلكُك حقًّا لَيْسَ بالحُوبِ ويقال: قد حاب الرَّجُل يحوب فهو حائب حَوْباً، إِذا أَثِم، أَنشدنا العنزيّ: أَتاه مهاجرانِ تكنَّفَاهُ ... بتَرْكِ كبيرهِ ظلَمَا وحَابَا وقرأَ الحسن: إِنَّهُ كان حَوْباً كَبيراً. وقالَ الفَرَّاءُ: الحائب في لغة بَنِي أَسد: القاتل. ويقال: قد تحوَّب الرجل، إِذا تغيَّظ وتندَّم؛ قال طُفَيْل: فذُوقُوا كما ذُقْنا غَداة محجِّرٍ ... من الغيظِ في أَكبادِنا والتَّحَوُّبِ والحَوْبة: الفعلة، من الحوْب بمنزلة القَومة من القيام. والحوْبة أَيْضاً: الأُمّ، ويقال: هي كلّ من قرب من نسائه إِلَيْه في النسب، والحِيبة: من الحُوب، بمنزلة الرِّكْبة من الرُّكوب، وأَصل الياءِ واو جعلت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها؛ قال الكُمَيْتُ يذكر ذئباً: وصُبَّ له شَوْلٌ من الماءِ غائرٌ ... به ردَّ عنه الحِيبَةَ المتحوِّبُ

وقلص

ويقال: بات فلان بحيبةِ سوء، إِذا بات بهمٍّ يقلقه ويزعجه. 106 - وقَلَصَ حرف من الأَضْداد؛ يقال: قَلَصَ الشَّيْء إِذا قَصُرَ وقلّ، وقَلص الماءُ، إِذا جمَّ وزاد؛ فمن المعنى الأَوَّل قولهم: قلصَ الظِّلُّ إِذا قلَّ وقَصُر، ومن المعنى الثاني قولهم: هذه قَلَصَةُ الماءِ، أَي جمَّته وكثرته، قال امرؤ القَيْس: فأَوْرَدَها من آخرِ اللَّيلِ مَشْرَباً ... بلاثِقَ خُضْراً ماؤهنَّ قليصُ أَي مرتفع كثير. وقال الآخر: قَلَّص عَنِّي كقلوصِ الظِّلِّ وقال الآخر: يا ريَّها من باردٍ قَلاَّصِ ... قد جَمَّ حتَّى هَمَّ بانْقِياصِ الانقياص: انشقاق الرَّكِيَّة طولاً، يقال: قد انقاصت البئر إِذا لحقها ذلك، وقد انقاصت سِنُّ الرَّجُل، إِذا انشقَّت طولاً. حدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا أَبو بشر المعصوب،

والإهماد

قال: حدَّثنا عبد الرحمن بن الأَصبهانيّ، عن عِكرمة، أَنَّهُ قرأَ: جِدَاراً يُريدُ أَن يَنْقَاصَ، وروى ابن عباس عن أُبَيّ، عن النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: جِدَاراً يُريدُ أَن يُنْقَضَ، قال الشَّاعر: فِراقاً كقَيْصِ صَدْرَ أَبي بَراءٍ ... ويَرْغَبُ عَنْ دِماءِ بَنِي عُقَيْلِ 107 - والإِهماد حرف من الأَضْداد؛ يقال للسير والجِدّ فيه إِهماد، ويقال لقطع السير والتواني عنه إِهماد؛ قال الشَّاعر: ما كان إِلاَّ طَلَقَ الإِهْمادِ ... وجَذْبَنَا بالأَعْرُبِ الجِيادِ على رَكِيَّاتِ بَنِي زِيادِ ... حتَّى تحاجَزْنَ عَنِ الرُّوَّادِ تحاجُزَ الرِّيِّ وَلَمْ تكادِي قال الأَصْمَعِيّ: ولم تكادي، خطاب للإِبل. وقالَ أَصحابنا: تكادي خبرٌ عنها، والأَصل فيه ولم تكد،

فلمَّا تحرَّكت الدَّال رجعت الأَلف. وقال الآخر في معنى قَطْع السير والتواني عنه. لمَّا رَأَتْني راضياً بالإِهْمادِ ... كالكُرَّز المشدود بين الأَوْتادْ معناه: لمَّا رأَتني قد كبرت وانقطعت عن الرحْل والسير. والكُرَّز: البازي يُشَدُّ؛ لأَنْ يسقط ريشه. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، قال: يقال: هو البازُ، وهو البازِي؛ فمن قال: هو البازُ قال في التثنية: هما البازان، والجَمْعُ البِيزان؛ على مثال قولهم: الخال والخِيلان. ومن قال: هو البازي قال في التثنية: هما البازيان، وفي الجمع البُزاة، على مثال القاضي والقضاة. قال أَبو بَكْر: في الباز لغة ثالثة لم يذكرها في هذا الكتاب، وذكرها لنا في بعض أَماليه، قال: ويقال: هو البأْز، بهمز الأَلف، مثل الفأْس والكأْس، وتجمعه في أَدنى العدد من ثلاثة إِلى عشرة؛ فتقول: ثلاثة أَبؤُز؛ كما تقول: أَفؤس وأَكؤس، فإِذا كثرت فهي البئوز؛ كما تقول كئوس وفئوس، فجمع القلَّة على أَفعل، مثل الأَفلس والأَبحر، وجمع الكثرة على الفعول مثل

الفلوس والبحور. قال أَبو بَكْر: في الباز لغة رابعة، يقال: هو البازيّ بياءٍ مشدَّدة تشبه ياء النسبة، وأَنشد: تَقَضِّيَ البازِي إِلى البَازِيِّ فجاءَ باللُّغتين: بهذه اللُّغة، وباللُّغة الَّتي يخرج فيها مخرج القاضي والرَّاعي. ويقال: قد أَهمد فلان أَمرَه، إِذا أَماته. ويقال: قد هَمَدَتِ الأَرض إِذا انقطع عنها المطر، قال الله عزَ وجلّ: وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً، فقال أَبو عُبيدة: معناه يابسة لا نبات فيها. وقالَ غيرُه: هامدة ميِّتة. وقالَ آخرون: هامدة خاشعة. ويقال: قد هَمَدَ الثوب إِذا بَلِيَ، ورماد هامِد، وطَلل هامد إِذا كانا دارسيْن؛ قال الأَعشى: قالت قُتَيلةُ ما لجسمِكَ شاحباً ... وأَرَى ثيابَكَ بالياتٍ هُمَّدَا وقالَ الكُمَيْتُ: ماذا عَليْك مِنَ الوُقُو ... فِ بهامِدِ الطَّلَلَيْنِ دَاثِرْ

وخبت

وقال الآخر: وَرُبَّ أَرْضٍ رأَيناها وقَدْ هَمَدَتْ ... جادَ عليها ربيعٌ صَوْبُه دِيَمُ ويقال: قد همدت النار تهمُد هموداً، إِذا خَمدَت. 108 - وخَبَتْ حرف من الأَضْداد. يقال: خَبت النَّارُ إِذا سكنت، وخبت إِذا حميت، وقالَ الكُمَيْتُ: ومِنَّا ضِرارٌ وابْنَماه وحاجِبٌ ... مُؤَجِّجُ نيرانِ المَكارمِ لا المُخْبِي أَرادَ بالمُخْبِي المسكِّن للنَّار. وقال الآخر: أَمِنَ زَيْنَبَ ذي النَّارُ ... قُبَيْلَ الصُّبح ما تخبُو إِذا ما خمدتْ يُلقَى ... عليها المَنْدَلُ الرَّطْبُ قال أَبو بَكْر: أَرادَ: أَمِنْ زينب هذه النار. وقالَ القُطاميّ: وكُنَّا كالحريقِ أَصابَ غَابا ... فيخبُو ساعةً ويَهُبُّ ساعَا وقول الله عزَ وجلّ: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعيراً، قال بعض المفسِّرين: معناه توقَّدت. وهذا ضدُّ الأَوَّل. حدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا بكر بن الأَسود، قال: حدَّثنا علي بن مسهر، عن إِسماعيل، عن أَبي صالح، في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ قال: معناه كلَّما حَمِيَتْ.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم، قال: حدَّثنا حجاج، عن ابن جريح في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ قال: خُبُؤُّها توقُّدها؛ فإِذا أَحرقتهم فلم تبق منهم شيئاً صارت جَمْراً تتوهَّج، فإِذا أَعادهم الله خَلْقاً جديداً عاودتهم. عن ابن عباس. قال أَبو بَكْر: والذين يذهبون إِلى أَنَّ الخبوّ هو السكون يقولون: معنى قوله: كُلَّمَا خَبَتْ: كلَّما خبت سكنت، وليس في سكونها راحة لهم؛ لأَنَّ النَّار يسكن لهبها ويتضرَّم جَمْرُها؛ هذا مذهب أَبي عُبيدة. وقالَ غير أَبي عُبيدة: نار جَهَنَّم لا تسكن البتَّةَ؛ لأَنَّ الله تعالى قال: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، وإِنَّما الخبوّ للأَبْدان، والتأْويل: كلَّما خبت الأَبدان زدناهم سعيراً، أَي إِذا احترقت جلودهم ولحومهم، فأَبدلَهم الله جلوداً غيرها ازداد تسعُّر النار في حال عملها في الجلود المبَدَّلة. أَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، قال: حدَّثنا عَمْرو بن حمران، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعيراً، قال: كلَّما احترقت جلودهم بُدِّلوا جلوداً غيرها. وقال بعض أَهل اللُّغة: الخبوّ لا يكون أَبداً إِلاَّ بمَعْنَى

السُّكون، والنَّار تَسْكُن في حال يأْمرها الله عزَ وجلّ بالسُّكون فيها، قال: وهذا لا يبطله قوله: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، لأَنَّ معناه لا يفتَّر عنهم من العذاب الَّذي حُكِمَ عليهم به في الأَوقات الَّتي حكم عليهم بالعذاب فيها؛ فأَمَّا الوقت الَّذي تسكن فيه النَّار فهو خارج من هذا المذكور في الآية الأُخرى. قال: ويدلُّ على صحَّة هذا القول أَنَّهُ لو حَكم رجل على رجل بأَنْ يعذَّب أَوَّل النهار وآخره، وأَلاَّ يعذب في وسطه لجاز له أَن يقول: ما نقصتُه من العذاب شيئاً، وهو لم يعذِّبه وسط النَّهار، لأَنَّه يريد ما نقصته من العذاب الَّذي حكمتُ به عليه شيئاً. وقال بعض أَهل اللُّغة أَيْضاً: الخبوّ لا يكون إِلاَّ بمَعْنَى السكون، وتأْويل الآية: كلَّما أَرادت أَن تخبوَ زدناهم سعيراً، فهي على هذا لا تخبُو؛ لأَنَّ القائل إِذا قال: أَردتُ أَن أَتكلَّم، فمعناه لم أَتكلَّم. واحتجُّوا بقول الله جلّ وعزّ: فَإِذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم معناه: إِذا أَردت قراءة القرآن؛ لأَنَّ الاستعاذة حكمها أَن تسبِق القراءة. وقالَ الآخرون: الخبوّ معناه السكون، وتأْويل الآية

والقريع

كلَّما خبت كان خبؤُّها الزيادة في الالتهاب، فما خبؤُّه هكذا فلا خُبُؤَّ له؛ كما تقول: سأَلت فلاناً أَن يزورَني فكانت زيارته إِيَّاي قطيعتي؛ أَي جعل القطيعة بدل الزيارة، فمَنْ زيارته قطيعة فلا زيارة له. ومثله: ما لفلان عَيْبٌ غير السَّخاءِ؛ معناه: مَنِ السَّخاءُ عيبه فلا عيب فيه، قال الشَّاعر: قُلْتُ أَطْعِمنِي عُمَيْمِ تَمْرَا ... فكان تَمري كَهزَةً وَزَبْرَا عُمَيْم تصغير عَمّ، معناه: جعل الانتهار بدلاً من التَّمر. وقالَ النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ: ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أَنَّ سيُوفُهمْ ... بهنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكَتائبِ معناه: مَنْ عيبه فَلُّ سيفه لكثرة حربه، فلا عيبَ فيه. 109 - والقَرِيع حرف من الأَضْداد؛ وكذلك المقروع؛ يقال: فلان قَرِيع بَنِي فلان إِذا كان سيدَهم، وكذلك هو مقروع بَنِي فلان. والقَريع من الإِبِل أَيْضاً الكريم الَّذي يُنْتَخب للفِحْلة. والقريع أَيْضاً منها المرذول الَّذي يُقْرع أَنفه رغبة عن فِحْلَتِه. قال ابن الأَعْرَابِيّ: يقال للرجل السيد: هو الفَحْلُ

تصدق

لا يقرَع أَنفه، وقالَ ذو الرُّمَّة: وَأَنْ لَمْ يَزَل يَسْتَسْمِعُ العامَ قَبْلَهُ ... نَدَا صوتِ مَقْروعٍ عن العَذْفِ عاذِبِ والبعير القريع المذموم بهذا الوصف؛ يقال له المُسَدَّم. وقول النَّاس: رجل نادم سادم من هذا أُخِذ، يراد به قد مُنع من التّصرف، وفاته الرأْي وضاقت عليه الحيلة. ويقال: السادم هو المتغيّر العقل أَو كالمتغير العقل، من قولهم: مياه سُدُم، إِذا كانت متغيرة؛ قال ذو الرُّمَّة: إِذا ما المِياهُ السُّدْمُ آضت كأَنَّها ... من الأَجْنِ حِنَّاءٌ معاً وصَبيبُ وقالَ الوليد بن عُقْبة: قَطَعْتَ الدَّهْرَ كالسَّدِمِ المُعَنَّى ... تُهَدِّرُ في دِمَشْقَ وما تَريمُ 110 - وقالَ بعض أَهل اللُّغة: تصدَّق حرف من الأَضداد؛ يقال: قد تصدّق الرَّجُل إِذا أَعطى، وهو المعروف المشهور عند أَكثر العرب، وقد تصدَّق إِذا سأَل؛ وهو القليل في كلامهم، قال بعض الشعراء: لا أُلْفِيَنَّكَ ثاوِياً في غُرْبةٍ ... إنَّ الغريبَ بكلِّ سهمٍ يُرْشَقُ والنَّاس في طلبِ المعاشِ وإنما ... بالجَدِّ يُرْزَق منهمُ مَنْ يُرْزَقُ

وتحنث

ولو أَنَّهمْ رُزقوا على أَقدارِهمْ ... أَلفيتَ أَكثرَ مَنْ ترى يَتَصَدَّقُ ما النَّاسُ إِلاَّ عامِلانِ فعاملٌ ... قدْ ماتَ مَن عَطَشٍ وآخرُ يَغْرَقُ 111 - وتحنّث حرف من الأَضداد، يقال: تحنَّث الرَّجُل إِذا أَتى الحِنْث، وقد تَحَنَّث إِذا تجنَّب الحِنْث. قال أَبو عبد الله محمد بن الجهم: حدَّثنا أَبو أَحمد السُّكَّرِيّ بحديث فيه: أَن النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم كان يقيم من كلّ سنة شهراً بحِراءَ، وكانَ هذا مما تتحنَّث به قريش. قال أَبو عبد الله: فسأَلت ابن الأَعْرَابِيّ عن التحنّث، فقال: لا أَعرفه، قال: وسأَلت أَبا عَمْرو الشيباني عنه - وكانَ خَيِّراً - فقال: لا أَعرف يتحنّث وإنما هو يتحنّف من الحنيفيّة، قال: فسأَلت الفَرَّاءُ عنه ففكر ساعة، ثمَّ قال: يتحنّث: يتجنب الحِنْث؛ يقال: قد تحنّث الرَّجُل إِذا تجنّب الحِنْث، وإذا أَتاه أَيْضاً، كما يقال: قد تأَثّم إِذا أَتى المأْثَم، وإذا تجنّبه. قال أَبو بكر: والحِنْث معناه في كلام العرب الإثم العظيم، والحنيفية: التديّن بدين إبراهيم عليه السلام، ثمَّ تسمَّى مَنِ اختتنَ وحجّ البيت حنيفاً.

وبعض

والحنيف اليوم المسلم، قال الشَّاعِر يذكر الحِرْباءَ: تَراه إِذا دارَ العَشيُّ محنِّفاً ... تراه ويُضحي وهو نَفْرانُ شامِسُ 112 - وبعض حرف من الأَضداد؛ يكون بمَعْنَى بعض الشَّيْء، وبمعنى كلّه، قال بعض أَهل اللُّغة في قول الله عزَ وجلّ حاكياً عن عيسى عليه السلام: ولأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذي تَخْتَلِفونَ فيه، معناه: كلّ الَّذي تختلفون فيه، واحتجّ بقول لَبيد: تَرَّاكُ أَمكِنةٍ إِذا لَمْ أَرْضَها ... أَو يعتلِقْ بعضَ النُّفوسِ حِمامُها معناه أَو يعتلق كلّ النفوس، لأَنَّه لا يَسْلَمُ من الحِمام أَحد، والحِمام هو القَدَر، وقالَ ابن قيس: مِنْ دونِ صَفْراَء في مفاصِلها ... لينٌ وفي بعض مشيها خُرُقُ معناه: وفي كلّ مشيها. وقالَ غيره: بعض لَيْسَ من الأَضداد، ولا يقع على الكلّ أَبداً، وقالَ في قوله عزَ وجلّ: ولأُبَيِّن لكم بعضَ الَّذي تختلفون فيه: ما أَحْضُرُ من اختلافكم؛ لأَنَّ الَّذي أَغيب عنه لا أَعلمه، فوقعت بعض في الآية على الوجه الظاهر فيها، وقالَ في قول لَبيد:

نحن

أَو يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفوس حِمامُها أَو يعتلق نفسي حِمامُها؛ لأَنَّ نفسي هي بعض النفوس. قالوا: ولم يقصد في هذا البيت قَصْدَ غيره. وقالوا في قول ابن قيس: وفي بعض مشيها خُرُق: إِذا استُحسن منها في بعض الأَحوال هذا وُجِد في مشيها، وربما كان غيرُ هذا من المشي أَحسنَ منه، فبعض دخلت للتبعيض والتخصيص، ولم يقصد بها قصد العموم. 113 - ومما يشبه حروف الأَضداد نحن. يقع على الواحد والاثنين والجميع والمؤنث، فيقول الواحد: نحن فعلنا، وكذلك يقول الاثنان والجميع والمؤنث، والأَصل في هذا أَن يقول الرئيس الَّذي له أَتباع يغضبون بغضبه، ويرضون برضاه ويقتدون بأَفعاله: أَمَرْنا ونهينا، وغضِبْنا ورضينا؛ لعلمه بأَنه إِذا فعل شيئاً فَعَلهُ تُبَّاعه؛ ولهذه العلّة قال الله جلّ ذكره: أَرسلنا وخلقنا، ثمَّ كَثُر استعمال العرب لهذا الجمع حتَّى صار الواحد من عامة النَّاس يقول وحده: قمنا وقعدنا؛ والأَصل ذاك. ويقال أَيْضاً للملك في خطابه: قد أَمرتم فلاناً، وقد غضِبتم على زيد؛ لمثل العلة المتقدمة؛ قال الله عزَ وجلّ:

قال رَبِّ ارْجِعونِ، أَراد يا رب ارجعني، أَي ردّني إِلى الدنيا، فجمع الفعل وهو مخاطِب واحداً لا شريك له، وقالَ أَبو طالب: يا رَبِّ لا تَجعل لَهُمْ سبيلاً ... على بناءٍ لم يَزلْ مأهولا قد كان بانيهِ لكمْ خليلا فخاطب الله تعالى بالجمع. وقال الآخر: وآيَسَني مِنْ كُلِّ خيرٍ طلبتُه ... كأَنّا وضعْناه إِلى رَمْسِ مُلْحَدِ فجمع بعد أَن وحّد. وقال الآخر: أَلَمْ تَرَ ظَمياَء السِّبالِ تَبَدَّلَتْ ... بديلاً وحلَّت حَبلَها من حِباليا لقد سُقِيَتْ عنَّا شراباً بسَلْوةٍ ... ولَم نَلْقَ عنها في ذَوي السَّلْوِ شافيا وقال الآخر: قالت لنا بيضاءُ من أَهلِ مَلَلْ ... مالي أَراكَ شاحباً قلتُ أَجَلْ فوحّد بعد أَن جمع. وقال الآخر: قالت لنا يومَ الرحيلِ خَوْزَلُ ... ما أَنتَ إِلاَّ هكذا مستعمَلُ عيراً تُعَرِّيها وعيراً تَرْحَلُ ... مَهْلاً أَبا داودَ ماذا تفعلُ واختلف النحويون في الاعتلال ل نحن، لِمَ كان للاثنين والجميع بلفظ واحد؟ فقال هشام ومن قال بقوله: جُعل

جمع أَنا وتثنيته على خلاف لفظه، كما قالوا: رجل، وفي جمعه قوم. وقالوا: امرأَة، وفي جمعها نسوة، وبعير وفي جمعه إبل؛ فلمّا كان جائزاً أَن يخرج الجمع على غير لفظ الواحد أَلحقوا نحن به. وقالَ بعضهم: لم يجعلوا للتثنية لفظاً يخالف لفظ الجمع، كراهيَة أَن تكثر الفروق، فأَلحقوا التثنية بالجمع؛ لأَنَّ التثنية أَول الجمع إِذا كانت بضمِّ واحد إِلى واحد؛ كما أَنّ الجمع بضمّ شيء إِلى شيء. وقالَ أَبو العباس: إنما سَوَّوْا بين تثنية أَنا وجمعه، وفرقوا بين تثنية أَنت وجمعه؛ لأَنَّ أَنا اسم للمخبِر عن نفسه، والمخبِر عن نفسه لا يشاركه في فعله اسم يكون لفظه مثل لفظه؛ كما يشارِك المخاطبَ اسم يكون لفظه مثلَ لفظه؛ ألا ترى أَنك تقول لرجلين تخاطبهما: أَنت قمت وأَنت قمت، فإذا ضممت أَنت إِلى أَنت كان أَنتما، ولا يجوز للمتكلم إِذا أَخبر عن نفسه وعن غيره أَن يقول: أَنا قمت وأَنا قمت؛ بل يقول: أَنا قمت وزيد قام؛ فلما كان الاسم الَّذي يضمُّه المتكلم إِلى اسمه يخالف لفظه اختُلِق له في التثنية والجَمْعُ اسم على غير بناءِ الواحد.

العقوق

114 - وقالَ قُطْرب: العَقُوق حرف من الأَضداد. يقال: عَقُوق للحامل وعَقوق للحائل. وقالَ غيره: العَقوق والنَّتُوج: الَّتي يتبيّن حملها ونِتاجها، يقال: قد أَعقَّتِ النّاقة فهي عَقوق إِذا تبيّن حَمْلُها، وقد أَنتجَت فهي نَتُوج، إِذا تبيّن نِتاجها. ويقال للسباع: مُلْمِع، ويقال لذوات الحافر: ملمِع أَيْضاً، ونَتوج، وعَقُوق؛ وذلك إِذا أَشرفت ضُروعها، واسودّت حَلَماتها. ويقال لكل مُقْرِب من الحوامل: مُجِحّ. وقالَ أَبو زيد: الأَصل في الإجحاح للسباع، ثمَّ استعمل للناس؛ كما أَن الحبَل أَصله للناس، ثمَّ استعمل لغير النَّاس. ويقال للحامل من النوق: خَلِفة، ولا يقال لغيرها. ويقال للناقة إِذا أَتى عليها من حملها عشرة أَشهر: عُشَراءُ وقد عَشَّرت. ويقال في جمع العُشراءِ: عِشار وعُشْراوات. ويقال قد نُتِجَت الناقَة، ولا يقال نتَجتِ الناقةُ، قال الكُمَيْتُ:

توسد

وقالَ المذمِّر للناتجين ... مَتَى ذُمِّرَتْ قَبْليَ الأَرْجُلُ يعني دواهيَ، ضرب لها اليَتْن مثلاً، واليتْن: الَّذي تَخرج رجلاه قبل يديه، قال عيسى بن عمر: سئل ذو الرُّمَّة عن شيء فقال للسائل: أَتعرف اليتْن؟ قال: نعم، قال: فكلامك هذا يَتْنٌ، أَي مقلوب. وذكرت أُمّ تأَبط شرًّا ولدها فقالت: والله ما حملتهُ وُضْعاً وَتُضْعاً، ولا أَرضَعته غَيْلاً، ولا ولدته يَتْناً، ولا أَبَتُّهُ مَئِقاً؛ فالوُضْع والتُّضْع أَن تحمل في آخر طُهرها عند استقبال الحيض، واليتْن هو الَّذي فُسِّر، وفيه ثلاث لغات: اليَتْنُ، والأَتْن. والغَيْل: أَن تؤتَى وهي تُرضعه، أَو ترضعه وهي حامل، قال امرؤ القَيْس: فمثلُكِ حُبْلَي قد طرقتُ ومُرضِعٌ ... فأَلهيتها عن ذي تمائمَ مُغْيَلِ والمئِق: الَّذي يبكي، والمَأْقة البكاءُ، والمذمّر: الَّذي يُدخِل يده في رحِم النّاقة ليعلَم أَذكرٌ الجنين، أَم أُنثى، وإنما قيل له مُذَمِّر؛ لأَنَّ يده تقع على مذمَّر الجنين، ومذمَّره أَصل قفاه. 115 - وقالَ ابن قتيبة: توسَّد حرف من الأَضداد؛

يقال: قد توسَّد فلان القرآن إِذا نام عليه وجعله كالوِسادة له، فلم يُكثِر تلاوتَه، ولم يَقُمْ بحقِّه. ويقال: قد توسّد القرآن إِذا أَكثَر تلاوتَه، وقام به في الليل فصار كالوِسادة، وبدلاً منها، وكالشعار والدِّثار. وقالَ في حديث حدثناه أَبو جعفر محمد بن غالب الضبيّ المعروف بالتمتام، قال: أَخبرنا زكريا بن عدي، قال: أَخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزهريّ، عن السائب بن يزيد، قال: ذكر عند رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم شُريح الحضرميّ، فقال: ذاك رجل لا يتوسَّد القرآن، فقال ابن قتيبة، يجوز أَن يكون هذا مدحاً وذمًّا من النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، على ما مضى من التفسير. وقالَ أَبو بكر: فالقولُ عندنا في توسَّد القرآن أَنه لا يكون إِلاَّ ذمًّا، لأَنَّ متوسِّد القرآن هو النائم عليه، والجاعل له كالوسادة؛ فإذا قام به في الليل وأَكثر تلاوتَه في النهار لم يشبَّه بالنِّيام، وإذا زال عنه شَبَه النِّيام لم يوصف بالتوسُّد، لأَنَّ التوسّد من آلات النوم. وحديث رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم لا يحتمل إِلاَّ معنى المدح، أَي ذاك رجل يقوم بالقرآن في ليله ونهاره، فلا يكون بمنزلة المتوسّدين له، جاءَ في الحديث: مَنْ قرأَ في كلّ

ليلة ثلاث آياتٍ من القرآن لم يبت متوسِّداً للقرآن. وقالَ الحسن: لعن الله مَنْ يتوسَّد القرآن. وقالَ غيره: يأَيها الناس، لا توسّدوا القرآن، وأَكثروا تِلاوته، ولا تستعجلوا ثواباً؛ فإِنَّ له ثواباً. وقالَ رجل لبعض أَصحاب رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: إنِّي أُحبّ أَن أَتعلّم العلم، وأَخاف ألاَّ أَقوم بحقه، فقال: لأَنَّ تتوسّد العلمَ خير لك من أَن تتوسّد الجهل، أَي تحفظ العلم وتنام عليه وإن لم تعمل به؛ خيرٌ لك من أَن تنام على الجهل؛ لأَنَّ العلم يؤَمَّلُ لصاحبه وإن تَرَك العمل به في وقتٍ أَن يُنبَّه للعمل به في وقت آخر. قال بعض العلماء: طلبنا العلم لغير الله فأَبى العلم إِلاَّ أَن يكون لله عزَ وجلّ. وأَنشد الفَرَّاءُ: يا رُبّ سارٍ باتَ ما تَوَسَّدا ... إِلاَّ ذِراعَ العَنْسِ أَو كَفَّ اليَدا أَي كان ذراع النّاقة بمنزلة الوِسادة، وموضع اليد خفض بإضافة الكفّ إليها، وثبتت الأَلف فيها وهي مخفوضة لأَنَّها شبهت بالرّحا والفتى والعصا؛ وعلى هذا قالت جماعة من العرب: قام أَباك، وجلس أَخاك، فشبهوها بعصاك ورحاك، وما لا يتغير من المعتلة، هذا مذهب أَصحابنا.

إن

وقالَ غيرهم: موضع اليد نصب بكفّ، وكفّ فعل ماض من قولك: قد كفّ فلان الأَذى عنا. 116 - وقالَ بعض أَهل العلم: إنْ حرف من الأَضداد. أَعني المكسورةَ الهمزة المسكّنة النون، يقال: إن قام عبد الله. يراد به: ما قام عبد الله؛ حكى الكِسَائِيّ عن العرب: إِنْ أَحدٌ خيراً من أَحد إِلاَّ بالعافية؛ فمعناه ما أَحد. وحكى الكِسَائِيّ أَيْضاً عن العرب: إِنّ قائماً؛ على معنى: إِن أَنا قائماً، فتُرِك الهمز من أَنا، وأُدْغمت نون إِنْ في أَنا؛ فصارتا نوناً مشددة، كما قال الشَّاعِر: وتَرْمينني بالطَّرْف أَي أَنتَ مُذْنِبٌ ... وتَقْلينَني لكنَّ إيَّاكِ لا أَقْلي أَراد لكن أَنا وإياك؛ فترك الهمز وأَدغم؛ يقال: إن قام عبد الله، بمَعْنَى قد قام عبد الله. قال جماعة من العلماء في تفسير قوله عزَ وجلّ: فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتْ الذِّكْرى، معناه: فذكر قد نفعت الذكرى. وكذلك قالوا في قوله: ولَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فيما إنْ مَكَّنَّاكُمْ فيه، ومعناه في الَّذي قد مكناكم فيه. وقالَ الفَرَّاءُ: لا تكون إن بمَعْنَى قد؛ حتَّى تدخل

معها اللام أَو أَلا؛ فإذا قالت العرب: إِن قام لَعبد الله، وأَلا إن قام عبد الله، فمَعناه قد قام عبد الله، قال الشَّاعِر: أَلا إِنْ سَرَى هَمِّي فبتُّ كئيبا ... أحاذِرُ أَن تَنأَى النَّوى بغَضوبا معناه قد سرى هَمّي. وقال الآخر: أَلا إنْ بِلَيلٍ بانَ منِّي حبائبي ... وفيهنّ مَلْهًى لو أَردنَ لِلاعبِ معناه قد بان منّي حبائبي بليلٍ. وقالَ في إدخال اللام: هَبَلتْك أُمُّكَ إنْ قَتلتَ لمُسْلِماً ... وَجَبَتْ عَلَيْكَ عُقوبَةُ المتعمِّدِ معناه: قد قتلت مسلماً، فالذي احتجّ به أَصحابُ القول الأَول من قوله عزَ وجلّ: ما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فيه لَيْسَ الأَمْر فيه كما قالوا؛ لأَنَّه أَراد: في الَّذي ما مكناكم فيه وفي الَّذي لم نمكنكم فيه؛ فإِنَّ معناها الجَحْد، وليست إيجاباً. ولا حجة لهم أَيْضاً في قوله: فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتْ الذِّكْرى لأَنَّ إِنْ لَيْسَتْ إيجاباً، وإنما معناها الشرط، والتأْويل: فذكِّر إنْ نفعهم تذكيرُك، أَي إن دمت على ذاك وثبتَّ، فكأنه تحضيض للنبي صَلّى اللهُ عليه وسَلّم وتوكيدٌ عليه أَن يُديم تذكيرَهم وتعليمَهم، والله أَعلمُ وأَحكمُ.

والمتظلم

117 - والمتظلّم حرف من الأَضداد؛ يقال للرجل الظّالم: متظلِّم؛ وللمظلوم متظلِّم، وقالَ نابغة بَنِي جَعْدة: وما يَشْعُر الرُّمْحُ الأَصَمُّ كُعوبُه ... بِثَرْوَةِ رهطِ الأَبلخِ المتظلِّمِ ويقال: قد تظلّم الرجل، إِذا ظُلِم وطَلب النُّصرة، وقد تظلّم إِذا ظَلَمَ؛ قال الشَّاعِر: تَظلَّمَني مالي خَديجٌ وعَقَّني ... على حينِ كانت كالحَنِيِّ ضُلُوعي وقال الآخر: تَظَلَّمَني مالي كذا ولَوَى يَدي ... لَوَى يَدَه الله الَّذي هو غالِبُهْ أَراد ظَلمني 118 - وهل حرف من الأَضداد؛ تكون استفهاماً عمّا يجهله الإنسان ولا يعلَمه؛ فتقول: هل قام عبد الله؟ ملتمساً للعلم وزوال الشكّ، وتكون هل بمَعْنَى قد في حال

العلم واليقين وذهاب الشكّ؛ فأَمّا كونها على معنى الاستفهام فلا يُحتاج فيه إِلى شاهد، وأَما كونُها على معنى قد، فشاهده قول الله عزَ وجلّ: هَلْ أَتَى على الإنسانِ حينٌ منَ الدَّهْرِ، قال جماعة من أَهل العلم: معناه قد أَتى على الإنسان؛ والإنسان في هذا الموضع آدم صَلّى اللهُ عليه. والحين أَربعون سنة، كان الله عزَ وجلّ: خلَق صورة آدم ولم ينفخ فيه الروح أَربعين سنة، فذلك قوله: لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكوراً. وقالَ النَّبِيّ عليه السلام في بعض غزواته: اللَّهم هَلْ بَلَّغْت!، هل بلَّغت، فمعناه: قد بلّغت. وقالَ بعض أَهل اللُّغة: إِذا دخلت هل للشيء المعلوم فمعناها الإيجاب، والتأْويل: أَلَمْ يكن كذا وكذا! على جهة التقرير والتوبيخ، من ذلك قوله عزَ وجلّ: كَيْفَ تَكفُرون بالله وكُنْتم أَمْواتاً، ومنه أَيْضاً: فَأَيْنَ تَذْهَبون، لم يرد بهذين الاستفهامين حدوث علم لم يكن؛ وإنما أُريد بهما التقرير والتوبيخ، ومن ذلك قول العجّاج:

أَطَرَباً وأَنْتَ قنَّسْرِيُّ ... والدهرْ بالإنسانِ دَوَّارِيُّ أَراد التقرير. وأَنشدنا ثَعْلَبٌ أَبو العباس: أَحافِرَةً على صَلَعٍ وشَيْبٍ ... معاذَ الله ذلك أَن يكونا وقول الله عزَ وجلّ: يَوْمَ نَقولُ لِجَهَنَّمَ هَل امتلأتِ وتَقولُ هَلْ من مَزيدٍ، معنى هل قد عند بعض الناس، والتأْويل: قد امتلأَت، فقالت جهنم مؤكدة، لقول الله عزَ وجلّ: هَلْ من مَزيد، أَي ما من مزيد يا ربّ، فهل الثانية معناها الجحد، وهو معنى لها معروف يخالف المعنيين الأَولين، قال الله عزَ وجلّ: هَلْ يَنْظُرونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ، معناه ما ينظرون؛ وقالَ الشَّاعِر: فهلْ أَنتمْ إِلاَّ أَخونا فتَحدَبوا ... علينا إِذا نابتْ علينا النوائِبُ وقال الآخر: فهل أَنا إِلاَّ من غَزِيَّةٍ إن غَوَتْ ... غَوَيْتُ وإن تَرْشُد غَزِيَّةُ أَرْشُدِ وقال الآخر: هل ابنُكِ إِلاَّ ابنٌ من الناسِ فاصبري ... فَلَنْ يَرْجعَ الموتَى حَنينُ النوائحِ معناه: ما ابنك إِلاَّ ابن من النَّاس. وأَنشد الفَرَّاءُ:

فقلت لا بَلْ ذاكُما يا بِيَبا ... أَجْدَرُ أَلاَّ تُفْضَحا وتُحْرَبا هل أَنتَ إِلاَّ ذاهبٌ لتَلعبا معناه: ما أَنت. وأَنشد الفَرَّاءُ أَيْضاً: تَقولُ إِذا اقْلَوْلَى عَلَيْها وأَقْرَدَتْ ... ألا هَلْ أَخو عيشٍ لذيذٍ بدائمِ وقالَ أَبو الزوائد الأَعرابيّ - وتزوج امرأَة فوجدها عجوزاً: عجوزٌ ترجِّي أَن تكونَ فَتِيَّةً ... وقد لحبَ الجَنْبانِ واحْدَوْدَبَ الظهرُ تَدُسُّ إِلى العَطار ميرةَ أَهلِها ... وهل يُصلِح العطارُ ما أَفسدَ الدهرُ وما راعني إِلاَّ خضابٌ بكفِّها ... وكُحْلٌ بعينها وأَثوابُها الصُّفْرُ وَزُوِّجْتُها قبل المُحاق بليلةٍ ... فكان مُحاقاً كلُّه ذلكَ الشهرُ فأَجابته: عَدِمتُ الشيوخَ وأَبغضْتُهمْ ... وذلك من بعضِ أَفعاليَه تَرى زَوْجةَ الشيخِ مُغْبَرَّةً ... وتُضْحي لصُحبتِه قاليَه فلا بارك اللهُ في دَلِّهِ ... ولا في غُضونِ استه البالِيَه وقالَ بعض النَّاس: معنى الآية: يوم نقول لخزنة جهنم هل امتلأت، وتقول الخزنة هل من مزيد؟، فحذف الخزنة وأُقيمت جهنم مقامهم؛ كما تقول العرب: استتبَّ المجلس، وهم يريدون أَهل المجلس، وكما يقولون: يا خيل الله اركبي، وهم يريدون يا فرسان خيل الله اركبوا.

وما

وقالَ بعض أَهل العلم: لا يجوز هذا من جهنم، إِلاَّ بعقل يركِّبه الله عزَ وجلّ فيها، فتعرف به معنى الخطاب والردّ، كما جعل للبعير عقلاً، حتَّى سجد للنبيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، وكما جعل للشجرة عقلاً حتَّى أَجابتْه عليه السلام حين دعاها. وقالَ ثَعْلَبٌ: ظاهر الخطاب لجهنم؛ ومعنى التوبيخ لمن حضر ممن يستحقّ دخولها، كما قال جلّ اسمه: أَأَنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذوني وأُمِّي إلهَيْنِ من دون الله، لعيسى عليه السلام، وقد علم أَنه ما قال هذا قطّ إِلاَّ ليوبِّخ الكفار بإكذاب من ادَّعوا عليه هذه الدعوى الباطلة إياهم. 119 - وما حرف من الأَضداد. تكون اسماً للشيء، وتكون جَحْداً له، وتكون مزيدة للتوكيد. فيقول القائل: طعامُك ما أَكلتُ، وهو يريد طعامَك الَّذي أَكَلتُه، فتكون ما اسماً للطعام، وتقول: طعامَك ما أَكلتُ، وهو يريد: طعامَك لم آكل. وتقول: طعامَك ما أَكلتُ، وهو يريد: طعامَك أَكلت، فيؤكُد الكلام ب ما. وتقول أَيْضاً: عبد الله ما قام، على جَحْد القيام، وعبد الله ما قام على إثباته. وما زيدت

للتوكيد فكون ما جَحْداً لا يُحتاج فيه إِلى شاهد لشهرته وبيانه، وكونها اسماً شاهده قول الله عزَ وجلّ: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وما عِنْدَ الله باقٍ وكونها مزيدة، شاهده قول الله عزَ وجلّ: مِمَّا خَطيئاتِهمْ أُغْرِقوا معناه من خطاياهم. وقوله أَيْضاً: فَبِما نَقْضِهم ميثاقَهُم، فمعناه فبنقضهم ميثاقهم. وقوله: إنَّ الله لا يَسْتَحْيي أَنْ يَضْربَ مَثَلاً ما بَعوضَةٍ فَما فَوْقَها، معناه: مثلاً بعوضة. وقالَ نابغة بَنِي ذُبيان: المرءُ يَهوى أَن يعي ... ش وطولُ عيشٍ ما يضرُّهْ تَفْنَى بشاشتُهُ ويَبْ ... قَى بعد حُلْوِ العيش مرّهْ وتَصَرَّفُ الأَيامُ حتَّى ... ما يَرَى شيئاً يَسُرُّهْ كم شامتٍ بي إن هَلَكْ ... تُ وقائل لله دَرُّهْ أَراد وطول عيش يضرّه، فأَكَّد بما. ويجوز أَن تكون ما بمَعْنَى الذي، والتأْويل: وطول عيشٍ الَّذي يضرّه، كما قال أَبو صخر الهُذَلِيّ:

والمفرح

هَجَرْتكِ حتَّى قلتِ ما يَعرِف القِلَى ... وزُرْتُكِ حتَّى قلتِ لَيْسَ لهُ صَبْرُ أَراد: حتَّى قلت الَّذي يعرفه القلى، ولو كانت جَحْداً لفسد معنى البيت. وقال الآخر: ذَريني إنّما خَطَئي وصَوْبي ... عَلَيَّ وإنّ ما أَنفقتُ مالُ أَراد: وإن الَّذي أَنفقتُ مال. 120 - والمُفْرَح حرف من الأَضداد؛ المفرَح المسرور، والمفرح المثقَل بالدين؛ قال النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: العقل على المسلمين عامّةً ولا يترك في الإسلام مُفْرَح. قال الأَصْمَعِيّ: المفرَح: المثقَل بالدين. قال أَبو بكر: نصب عامة على المصدر، أَي يعمّهم عامّة يُقْضَى دينه من بيت المال إِذا لم يجد سبيلاً إِلى قضائه؛ يقال: قد أَفرحَ فلاناً الدَّيْن إِذا أَثقله؛ قال الشَّاعِر: إِذا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تؤدِّي أَمانةً ... وتَحمِل أَخرى أَفرَحتْك الودائعُ أَراد: أَثقلتك الودائع. ويروى: ولا يترك في الإسلام

مفرج، بالجيم، فالمفرَج: الرَّجُل يكون في القوم من غيرهم؛ فحقَّ عليهم أَن يعقلوا عنه. وقالَ أَبو عُبيدة: المفرَج: أَن يسلِم الرَّجُل ولا يوالي أَحداً؛ يقول: فتكون جنايتُه على بيت المال؛ لأَنَّه لا عاقلَةَ له. وقالَ غيره: المفرَج: الَّذي لا ديوان له. وقالَ آخرون: المفرَج القتيل يوجد بأَرض فلاة، لا يقرب من قرية ولا مدينة فيودَى من بيت المال ولا يبطل دمُه. ويقال: قد فَرِح الرَّجُل إِذا سُرَّ؛ فهو فَرِح، وفَرَّحته أَنا وأَفرحته؛ فهو مفرّح ومُفْرَح، ويقال: قد فَرِح، إِذا بطِر، فهو فَرِح إِذا كان أَشِراً؛ قال الله عزَ وجلّ: إذْ قال لهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إنّ الله لا يُحِبُّ الفَرِحين، أَراد الأَشِرِين. وقال ابن أَحمر: ولا يُنْسينيَ الحَدَثانُ عِرْضي ... ولا أُلقي من الفَرَح الإزارا أَراد من المرَح. وقال الآخر: ولستُ بمِفراحٍ إِذا الدَّهْر سَرَّني ... ولا جازعٍ من صَرْفِه المتقلِّبِ وقال الآخر: إِذا ما امْرُؤٌ أَثْنَى بآلاءِ مَيِّتٍ ... فلا يُبعِد الله الوليدَ بن أَدْهَما

والدعظاية

فما كان مِفْراحاً إِذا الخيرُ مَسَّهُ ... ولا كان مَنَّاناً إِذا هو أَنْعَما لَعَمْرُكَ ما وارَى الترابُ فَعالَهُ ... ولكنَّه وارَى ثياباً وأَعْظُما 121 - والدِّعْظَاية حرف من الأَضداد؛ يقال: رجل دِعْظاية إِذا كان طويلاً، ودِعْظاية إِذا كان قصيراً. 122 - ومنها. البيّع، المشتري والبائع. 123 - والكرِيّ: المكتري، والمكتري منه. 124 - ومنها. المفزّع: الشجاع، والمفزّع الجبان، قال الفَرَّاءُ: إِذا قيل للجبان مفزَّع، فمعناه تُوقَع الأَفزاع به، وإذا قيل للجبان مفزَّع، فمعناه يَفْزَع من كلّ شيء؛ كما قيل للغالب والمغلوب: مغلّب، قال الله عزَ وجلّ: حتَّى إِذا فُزِّعَ عن قُلوبِهِمْ، أَراد: حتَّى إِذا جُلِّيَ الفزعُ عن قلوبهم؛ لأَنَّه لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما انقطع الوحي، ثمَّ بعث الله محمداً صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، ونزلت الملائكةُ عليه بالوحي، فلمّا

سمع بعضُ الملائكة بذلك ذُعِروا وظنّوا أَنه قيام الساعة؛ فلما زال بعضُ ذُعْرِهم قال بعضهم لبعض: ماذا قال رَبُّكُمْ قالوا الحق، أَي قالوا: قال ربُّنا الحقّ. فلذلك قال جلّ اسمه: حتَّى إِذا فُزِّعَ عن قُلوبِهِمْ. وأَخبرنا إدريس، قال: حدَّثنا خلَف، قال: حدَّثنا الخَفّاف، عن سعيد، عن قتادة، أَنه قرأَ: فَزَّعَ عن قُلوبِهِم. قال أَبو بكر: فالمعنى: حتَّى إِذا فَزَّعَ الله عن قلوبهم، أَي جَلَّى الله الفَزعَ عنها. وأَخبرنا أَبو عليّ الهاشميّ، قال: حدَّثنا القُطَعيّ؛ قال: حدَّثنا محبوب، عن عَمْرو، عن الحسن أَنه قرأَ: حتَّى إِذا فُرِّغَ عن قُلوبِهِمْ قال أَبو بكر: فمعنى هذه القراءة: حتَّى إِذا فُرِّغَتْ قلوبُهم عن الفزع. وأَخبرنا أَبو عليّ، قال: حدَّثنا القُطَعيّ، قال: حدَّثنا عُبيد، عن هارون، عن عمرو، عن الحسن، أَنه قرأَ: حتَّى إِذا فُرِغَ عن قُلوبِهِمْ بالتخفيف والراء والغين. قال هارون: وبعض النَّاس يقول: حتَّى إِذا فَرَغَ عن قُلوبِهِم، بفتح الفاء والغين.

وحرف

قال أَبو بكر: فإِنْ صحّتْ هاتان القراءتان فهما لغتان، معناهما موافق لمعنى فُرِّغَ. 125 - وحَرْف حرفٌ من الأَضداد؛ يقال للرجل القصير حَرْف، ويقال: للناقة العظيمة حَرْف. وقالَ بعض البصريين: يقال للناقة الصغيرة حَرْف، وللعظيمة حَرْف؛ وإنما قيل للعظيمة حرف لشدتها وصلابتها؛ شبهت بحرْفِ الجبل. ويقال: بل قيل لها ذلك لسرعتها؛ شُبِّهت بحرف السيف في مَضَائه؛ قال الشَّاعِر: وإذا خليلُك لم يَدُمْ لَكَ وَصْلُه ... فاقْطَعْ لُبانَتَه بِحَرْفٍ ضامِرِ وَجْناَء مُجْفَرةِ الضُّلوعِ رَجيلةٍ ... ولَقَى الهَواجرِ ذاتِ خَلْق حادِرِ الوجْناءُ؛ شُبّهت بِوَجين الأَرض من شدّتها؛ ويقال: هي العظيمة الوَجَنات. والحادر: الممتلئ. والوَلَقَى: السريعة. 126 - وجدا حرف من الأَضداد؛ يقال جَدا فلانٌ فلاناً إِذا سأَله، وجداه، إِذا أَعطاه؛ ويقال في المستقبل: يجدو، وفي الدائم: جادٍ؛ قال الشَّاعِر: جَدَوْتُ أُناساً موسِرِين فما جَدَوْا ... ألا الله فاجْدوه إِذا كنت جادِيا أَراد بجدوت سأَلت، وبجدوْا أَعطوْا؛ ويقال: قد

الصرعان

تعرّض فلان لجدا فلان ولجدْواه، إِذا تعرَّض لعطائه؛ قال خلف بن خليفة: يَنالُ نَداكَ المعتفي عن جنابَةٍ ... وللجارِ حَظٌّ من جَداكَ سَمينُ ويقال: كان مطرُنا هذا جَداً، أَي عامًّا مطبِّقاً للأرض. 127 - وقالَ قُطْرب: الصَّرعان من الأَضداد؛ يقال للغداة، ويقال للعشي. وقالَ غيره: الصَّرْعان: الغداة والعشيّ جميعاً، ولا يقع على واحدٍ منهما دون صاحبه؛ وكذلك القَرْنان والبَرْدان، كما يقال لليل والنهار: المَلَوان، والفَتَيان، والرِّدْفان، والعَصْران، والجَديدان، والأَجَدَّان، وابنا سُباتِ؛ قال حُميد بن ثور: ولا يَلْبَثُ العَصْرانِ يَوْمٌ وليلةٌ ... إِذا طَلَبا أَن يُدْرِكا ما تَيَمَّما وقال الآخر: أَلا يا ديارَ الحيِّ بالسَّبُعانِ ... أَلَحَّ عَلَيْها بالبِلَى المَلوانِ وقال الآخر: وأَمْطلُه العَصرَيْنِ حتَّى يَملَّني ... ويَرْضَى بنِصف الدَّيْنِ والأَنْفُ راغِمُ

والغريم

وقال الآخر: وَكُنَّا وَهُمْ كابْني سُباتٍ تَفَرَّقا ... سِوى ثمَّ كانا منْجِداً وتهامِيا وقالَ ذو الرُّمَّة: كأَنَّني نازعٌ يَثْنيه عن وَطَنٍ ... صَرْعان رائحةً عَقْلٌ وتَقْييدُ قال ابن السِّكِّيتِ: الصَّرْعان: الغداة والعشيّة. وقوله رائحة عقل، معناه يُعْقَل في وقت العَشِيِّ ويقيّد بالغداة. فالتأْويل: وغداة تقييد؛ فلما وضح المعنى حذف الغداة. 128 - والغريم حرف من الأَضداد؛ فالْغَرِيم الَّذي له الدَّيْن، والغريم الَّذي عليه الدَّيْن، قال الشَّاعِر: تُطالِعُنا خَيالاتٌ لِسَلْمَى ... كما يَتَطَلَّعُ الدَّيْنَ الغَريمُ 129 - وقالَ قُطْرب: الشَّرَف حرف من الأَضداد؛ يقال للارتفاع: شَرَف، وللانحدار شَرَف. وأَنشد ابن السِّكِّيتِ في معنى الارتفاع: هَزِئَتْ قُرَيْبَةُ أَنْ كَبِرْتُ ورابَها ... قَوْدي إِلى الشَّرَفِ الرَّفيعِ حِماري

الفادر

قال: معنى البيت: ورابَها أَنِّي أَقود حماري إِلى الموضع المرتفع لأركبه إذْ كنت لا أَستطيع الركوب من الموضع المنخفض. 130 - وقالَ قُطْرب: الفادر حرف من الأَضداد؛ يقال للمسنّ من الوعول فادر، وللشابّ منها فادر. وقالَ هشام بن إبراهيم الكرنَبانيّ: قال الأَصْمَعِيّ: الفادر من الوعول المسنّ الضخم، والْفَادر من الإِبِل الَّذي قد جَفَر، وجُفوره وفدوره ذهاب ماء صلبه. وقالَ الكرنَبانيّ: وقالَ أَبو زيد: الفادر من الوعول الشابّ الممتلئ شباباً، قال: ثمَّ هو بعد ذلك وَعِل. والناخس الَّذي عَظُم قرناه حتَّى نخسا اسْتَه، وليس له بعد هذا سنّ؛ يقال من الناخس: قد نَخَس يَنْخَس، ولا يُتَكَلَّمُ من الفادر بفعْل. ويقال في جمع الفادر: فُدُر وفوادر. وأَنشد الفَرَّاءُ: رُهْبانُ مَدْيَنَ لَوْ رأَوْكِ تَنزَّلوا ... والعُصْمُ من شَعَفِ العَقولِ الفادِرِ العُصْم: جمع الأَعصم، وهو الوعِل الَّذي في يديه بياض، والشعَفَةُ: أَعلى الجبل، والعَقول: الوعِل المعتصم بالجبل، الَّذي قد جَعَله مَعْقِلَه. وقالَ الرَّاعي:

وكأَنما انْبَطَحت على أَثْباجِها ... فدُرٌ تَشابهُ قد يَمَمْنَ وُعولا وقالَ الأعشى: قدْ يَتْرُكُ الدَّهْرُ في خَلْقاء راسيةٍ ... وَهْياً ويُنْزِلُ منها الأَعْصَمَ الصَّدَعا الصَّدَع من الوعول: الَّذي جسمه بين الجسمين؛ لَيْسَ بعظيم ولا صغير، قال الشَّاعِر: فلو أَن من حَتْفِه ناجيا ... لألفيتَه الصَّدَعَ الأَعْصَما وقال الآخر في جمع الأَعصم: وأَدْنَيْتِني حتَّى إِذا أَن سَبيْتني ... بقولٍ يُحِلُّ العُصْمَ سَهْلَ الأَباطِحِ تَوَلَّيْتِ عَنِّي حين لا لِيَ حِيلَةُ ... وخَلَّفْتِ ما خلَّفْتِ بين الجوانحِ وقال الآخر: وحديث بمثلِه يَنْزِلُ العُصْ ... مُ رخيمٌ يَشوبُ ذلك حِلْمُ فالفادر من الوُعول لا يتصرف فعله، فيقال منه: فَدَرَ. والفادر من الإِبِل: الَّذي نَفِدَ ماءُ صُلْبِه عند

والجد

الهَرَم، يصرَّف فعله فيقال: فَدَرَ يَفْدُر، وجفر يجفُر؛ إِذا لحقه ذاك، قال امرؤ القَيْس: وغَوَّرْنَ في ظِلِّ الفَضا وتركْنَهُ ... كَقَرْمِ الهِجانِ الفادِرِ المتشمِّسِ وقالَ آخر يذكر ثوراً: بِهِ كلُّ ذَيَّالِ العَشِيِّ كأَنَّه ... هِجانٌ نحَتْه للجُفورِ فَوادِرُه قوله: نحته معناه عدلته إِلى مثل حالها، ويروى دعته. 131 - والجُدّ حرف من الأَضداد؛ قال قُطْرب: يقال للبئر الكثيرة الماء جُدّ، ويقال أَيْضاً للقليلة الماء جُدّ، وأَنشد للأعشى: ما يَجْعَلُ الجُدُّ الظَّنونُ الَّذي ... جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ الماطِرِ مِثْلَ الفُراتي إِذا ما طَما ... يَقذِف بالبوصيّ والماهِرِ البوصيّ: النوتيّ الملاّح؛ ويقال: البوصيّ الزَّوْرق، والنوتيّ الملاح، والظَّنون القليلة الماء؛ قال الشماخ: كِلا يَوْمَيْ طُوالَة وَصْلُ أَرْوَى ... ظَنونٌ آن مُطَّرَحِ الظُّنونِ أَراد: وصل أَروى ضعيف في كِلا يَوْمَيْ طُوالة، فالبئر الظنون هي الَّتي لا يوثَق بمائها، كما لا يوثق بالوَصْل الظنون.

وأرديت

وقالَ غير قُطْرب: الجُدّ عند العرب: البئر الجيِّدة الموضع من الكلأ، قال طرفة: لَعمْرُكَ ما كانت حَمولةُ مَعْبَدٍ ... على جُدِّها حَرْباً لِدِينكِ من مُضَرْ والجُدّ في غير هذا، الرَّجُل العظيم الجَدّ في الناس، يقال: رجل جُدّ إِذا كان كذلك، ويقال: قد جُدّ الرَّجُل يَجَدُّ، إِذا صار ذا جَدّ في الناس، والجَدّ: الحظّ، أَنشدنا أَبو العباس: فَلَقَدْ يَجدُّ المرْءُ وهوَ مُقَصِّرٌ ... ويَخيبُ سَعْيُ المرءِ غَيْرَ مُقَصِّرُ ويقال: قد جَدّ يَجِدّ من الجِدّ؛ وهو الانكماش، كقول الشَّاعِر: فإِنَّ الَّذي بَيْني وبينَ بَنِي أَبي ... وبَين بَنِي عَمِّي لمختلفٌ جِدّا ويقال: قد جَدَّ يَجُدُّ جَدًّا، إِذا قطع الثمر وغيره. 132 - وأَرديت حرف من الأَضداد. يقال: أَردَيْت الرَّجُل إِذا أَهلكتَه، ويقال: قد رَدِيَ الرَّجُلُ يَرْدَى رَدًى، إِذا هلك؛ قال عليٌ بن أَبي طالب رضوان الله عليه: ولا تصحبْ أَخا الجهلِ ... وإياكَ وإيّاهُ فكمْ من جاهل أَرْدَى ... حليماً حين آخاهُ

وقال الآخر: لَعَلَّ الَّذي يَرْجو رَداي ويَدَّعي ... به قبلَ موتي أَن يكونَ هوَ الرَّدي وقالَ طالب بن أَبي طالب: أَلا إنَّ كَعْباً في الحروب تَخَاذَلوا ... فَأَرْدَتْهُمُ الأَيامُ واجْتَرَحوا ذَنْبا وقالَ الله عزَ وجلّ: وما يُغْني عنهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى، معناه إِذا هلك. وقالَ بعضهم: معناه إِذا تردّى في النار، قال الشَّاعِر: خَطِفَتْهُ مَنِيَّةٌ فتردَّى ... وهو في المُلْكِ يأمُل التعميرا ويقال: أَرديت الرَّجُل إِذا أَعنتَه، من قول الله عزَ وجلّ: فَأَرْسِلْهُ مَعيَ رِدْءاً يُصَدِّقُني، معناه عَوْناً. ويقال منه: أَردأت الرَّجُل وأَرداتُه وأَرديتُه، فمن قال: أَرداتُه لَيّن الهمزة، ومن قال: أَرديته، انتقل عن الهمزة؛ وشبه أَرديْتُ بأَرضيت؛ ومثل هذا قول العرب: قرأَت بتحقيق الهمز، وقرات بتليين الهمزة، وقريْت بترك الهمز؛ والانتقال عنه إِلى التشبيه بقضيت ورميت، وكذلك يقال: اقرأْ رُقعتي بالتحقيق، واقرا رقعتي بالتليين، واقْرَ رُقعتي بالترك؛ وهو أَقلُّ الثلاثة.

وكذلك لم يجيء فلان، ولم يجي، بتسكين الياء، ولم يجِ بحذف الياء وهي أَقلَّها. ويقال: صحيفة مقروءة، وامرأَة مشنوءة على التحقيق. وصحيفة مقروّة وامرأَة مشنوّة، على التليين، وصحيفة مقريّة وامرأَة مشنيّة على الانتقال عن الهمز، والتشبيه بمقضيّة ومرميّة. أَخبرنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفَرَّاءُ، قال: سمع الرُّؤاسيّ من سمع نُصَيْبا الشَّاعِر - وكانَ فصيحاً يقول: قد قَرَت، وأَنشد الفَرَّاءُ: ما خاصم الأَقوامَ من ذي خصومةٍ ... كوَرْهاء مَشْنِيٍّ إليها حَليلُها وأَنشد الكِسَائِيّ والفراء: أَلا يا غرابَ البينِ مالَكَ تَهْتِفُ ... وصَوْتُكَ مَشْنِيٌّ إليَّ مُكَلَّفُ وأَنشد الفَرَّاءُ أَيْضاً: لانتَ أَذلُّ من وَتِدٍ بقاعٍ ... يُوَجِّي رَأسَه بالفهْرِ واجي أَراد: يُوَجِّئ رأسه واجئ، فترك الهمزة. وأَنشد الفَرَّاءُ أَيْضاً: راحَتْ بمسلمةَ الرِّكابُ عَشِيَّةً ... فارْعَيْ فَزارَةُ لا هَناكَ المَرْتَعُ أَراد لا هنأَك. وأَنشد الفَرَّاءُ أَيْضاً: إنّي من القومِ الذين إِذا ابتَدَوْا ... بدأوا بحقّ الله ثمَّ النائلِ

والخلوف

وقالَ زهير: جَرِيٌّ متى يُظْلَمْ يعاقِبْ بظُلْمه ... سريعاً وإلاّ يُبْدَ بالظُّلْم يَظلِم أَراد يُبْدَأْ فترك الهمز. 133 - والخُلُوف حرف من الأَضداد؛ يقال: قوم خُلوف، إِذا كانوا مقيمين، وخُلوف إِذا كانوا ظاعنين، أَنشد ابن السِّكِّيتِ: أَصْبَحَ البيتُ بيتُ آلِ بيانٍ ... مُقْشَعِرًّا والحيُّ حيٌّ خُلُوفُ 134 - وقالَ قُطْرب: الجَرَبَّة حرف من الأَضداد؛ يقال: عيال جَرَبَّة، إِذا كانوا يأْكلون كثيراً، فكأَنهم يَقْوَوْنَ بذلك، وعيال جَرَبَّة إِذا كانوا ضعفاء، وأَنشد: جَرَبَّةٌ كَحُمُرِ الأَبَكِّ ... لا ضَرَعٌ فينا ولا مُذَكِّي قال: فالجربّة هاهنا الأَقوياء. وأَخبرنا أَبو العباس، قال: الجَربّة: الذين يأْكلون ولا يدّخرون منه شيئاً، وأَنشدنا هذا البيت وما قبله: لَيْسَ بنا فَقْرٌ إِلى التشكِّي ... صَلامَةٌ كحُمُرِ الأَبَكِّ لا ضَرَعٌ فينا ولا مُذَكِّي

ولا

قال: الصلامة بنو الأَربعين، والأَبكّ: المزاحِم، وسميت مكْة بكّة لازدحام النَّاس بها. والمذكّي: المسنّ، والضَّرَع: الصغير. 135 - ولا حرف من الأَضداد؛ تكون بمَعْنَى الجَحْد، - وهو الأَشهر فيها - وتكون بمَعْنَى الإثبات، وهو المستغرب عند عوام النَّاس منها، فكونها بمَعْنَى الجَحْد لا يُحتاج فيه إِلى شاهد، وكونها بمَعْنَى الإثبات شاهده، قول الله عزَ وجلّ: وَحَرامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعون معناه أَنّهم يرجعون. وكذلك قوله عزَ وجلّ: ما مَنَعَكَ ألاَّ تَسْجُدَ، معناه أَن تسجد، فدخلت ما للتوكيد، ومثله قوله جلّ وعَلا: وما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءتْ لا يُؤْمِنون، معناه أَنها إِذا جاءت يؤمنون. وقالَ الشَّاعِر: أَبَي جودُهُ لا البُخْلَ واستعجلَتْ به ... نَعَمْ من فَتًى لا يَمنَعُ الجودَ قاتِلُهْ في لا أَربعة أَقوال؛ يقال: هي مؤكِّدة للكلام، والمعنى: أَبي جودُه البخلَ. ويقال: هي منصوبة بـ أَبي مضافة إِلى البخل؛ وكانَ

أَصحاب هذا القول يروون البيت: أَبي جودُه لا البخلِ على معنى كلمة البخل. والوجه الثالث: أَن تكون لا منصوبة بأَبي غير مضافة إِلى البخل، وينصب البخل على الترجمة عن لا كما تقول: رأَيت بكراً أَبا محمد. والوجه الرابع: أَبي جودُه لا البخلُ، على أَن تنتصب لا ب أَبي، ويرتفع البخلُ بإضمار هو كما تقول: مررت بعبد الله أَخوك، وأَنت تريد هو أَخوك. وإذا جعلت لا اسماً كان فيها وجهان: أَحدهما كرهت لا يا فتى، بالتسكين، وأَعجبتني لا، وفررت من لا. وكذلك نعم. والوجه الآخر: أَعجبتني لاء ونعمُ، وكرهت لاء ونعمَ، وفررت من لاء ونعم. ومن العرب من يذكّرهما ويُجْريهما، فيقول: أَعجبني نعمٌ، وأَحببت نعَما، وفررت من لاءٍ ونعمٍ، قال الشَّاعِر: كأَنَّكَ في الكتاب وَجَدْتَ لاءً ... مُحَرَّمَةً عليكَ فلا تَحِلُّ وأَنشدنا أَبو العباس عن ابن الأَعْرَابِيّ: ولَيْسَ يَرْجِعُ في لا بعدما سَلَفتْ ... منه نَعَمْ طائعاً حُرٌّ من الناسِ

وقال الآخر: جِفانُه رَذَمٌ وأَهْلُه خَدَمٌ ... وقولهُ نَعمٌ إِلاَّ لمسكينِ يقال: رَذَم ورُذُم. وقالَ الآخر في توكيد الكلام ب لا: ويومَ جَدودَ لا فَضحتمْ أَباكُمُ ... وسالمتُمُ والخيلُ تَدمَى نحورُها أَراد: ويوم جدود فضحتم أَباكم. وقال الآخر: من غَيْرِ لا مَرَضٍ ولكنَّ امرأً ... لَقِيَ البوائقَ والخطوبُ بَوادي أَراد: من غير مرض، وقالَ زهير: مُوَرَّثُ المَجْدِ لا يغتالُ هِمَّتَهُ ... عَنِ الرِّياسة لا عَجْزٌ ولا سأَمُ أَراد: لا يغتال همتَه عجز، وقال الآخر: أَفَعَنْكَ لا بَرْقٌ كأَنَّ وميضَه ... غابٌ تشَيَّمَهُ ضِرامٌ مُثقِبُ قال ابن السِّكِّيتِ: قوله أَفعنك لا برق، معناه: أَمن أَرضك ومن ناحيتك يأَيتها المرأَة برق هذه صفته! قال: والضِّرام والضَّرَم: مارقّ ودقّ من الحطب. وتَشَيّمه انشام فيه، أَي دخل فيه، ويُرْوى: تَسَيَّمهُ أَي علاه. والمُثْقِبُ: الَّذي يوقد النار ويحييها ويضيئها، يقال:

أَثقبت ناري أُثقِبها، وثَقَبت النار تثقُب فهي ثاقبة ثقوباً، وقال الله عزَ وجلّ: إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ، وقالَ أَبو الأَسود: أَذاعَ بِهِ النَّاس حتَّى كَأَنَّهُ ... بعلياَء نارٌ أُوقِدَتْ بِثُقُوبِ أَي بضياء، وقال الآخر: قد يَكسِبُ المالَ الهِدانُ الجافِي ... بغير لا عَصْفٍ ولا اصطرافِ أَرادَ: بغير عَصْف. وقال الآخر: وَقَدْ حَدَاهُنَّ بلا غُبْرٍ خُرُقْ وقال الآخر: فما أَلومُ البيض أَلا تَسْخرا ... لمَّا رأَينَ الشَّمَط القَفَنْدَرَا أَرادَ: أَن تسخرا، والقَفَنْدَر: القبيح، قال الآخر: أَلا يا لَقَوْمِي قد أَشَطَّتْ عَواذِلي ... ويَزْعُمْنَ أَنْ أَوْدَيَ بحقِّيَ باطِلي وَيَلْحَيْنَنِي في اللَّهْوِ أَلاَّ أُحِبَّهُ ... ولِلَّهْوِ دَاعٍ دائب غير غافِلِ أَرادَ: أَن أَحبّه. وقالَ جماعة من أَهل العربية في بيت العجَّاج:

في بِئرِ لا حُورٍ سَرَى ومَا شَعَرْ أَرادَ: في بئر حُورٍ، أَي في بئر هلاك. وقالَ الفَرَّاءُ: لا جَحْد مَحْض في هذا البيت، والتأْويل عنده: في بئر ماء لا يُحِير عليه شيئاً، أَي لا يردّ عليه شيئاً. وقالَ العرب: تقول: طحنتِ الطاحنة؛ فما أَحارت شيئاً، أَي لم يتبيَّن لها أَثر عمل. وقالَ الفَرَّاءُ أَيْضاً: إنَّما تكون لا زائدة إِذا تقدَّم الجَحْد، كقول الشَّاعِر: ما كان يرضى رَسُولُ اللهِ دينَهُم ... والطَّيِّبانِ أَبو بكر ولا عُمَرُ أَرادَ: أَبو بكر وعمر. أَو إِذا أَتَى بعدها جحد، فقدمت للإِيذان به، كقوله عزَ وجلّ: لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَيءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ، معناه: لأَن يعلم. وقالَ الكِسَائِيُّ وغيره في تفسير قول الله عزَ وجلّ: لا أُقْسِمُ بيَوْم القِيَامَةِ، معناه: أُقسم، ولا زائدة. وقالَ الفَرَّاءُ: لا: لا تكون أَوَّل الكلام زائدة، ولكنَّها ردّ على الكفرة، إذْ جعلوا لله عزَ وجلّ: ولداً وشريكاً وصاحبة،

المعصر

فردَّ الله عليهم قولهم، فقال: لا، وابتدأَ بـ أُقسم بيوم القيامة. وقالَ الفَرَّاءُ أَيْضاً في قوله: مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ: المنع يرجع إِلى معنى القول، والتأْويل: مَنْ قال لك: لا تسجد؟ فلا: جَحْد مَحْض، وأَن دخلت إِيذاناً بالقول، إذْ لم يتصرَّحْ لفظه؛ كما قال أَبو ذُؤَيْب في مرثيَّة بَنِيه: فأَجَبْتُها أَنْ ما لجِسْمِي أَنَّه ... أَوْدَى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ فَوَدَّعُوا تأَوّل الآيتين الأُخريين: وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهم لا يَرْجِعُونَ، وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُون على مثل هذا المعنى. 136 - وقالَ قُطْرب: المُعْصِر حرف من الأَضْداد. فهو في لغة قيس وأَسَدِ: الَّتي دنت من الحيْض؛ وهو في لغة الأَزد: الَّتي وَلَدَت أَو تَعَنَّسَتْ.

والحزور

قال أَبو عُبيد: قال الأَصْمَعِيّ: المُعْصِر: الَّتي قد أَدركت. قال: قال الكِسَائِيّ: المُعْصِر: الَّتي راهقت العشرين، قال الشَّاعر: قَدْ أَعْصَرَتْ أَوْ قَدْ دَنَا إِعْصَارُها والمُسْلِف: الَّتي قد بلغت خمساً وأَربعين، قال عمر ابن أَبي ربيعة: قُلْتُ أَجيبِي عاشقاً ... بحبِّكُمْ مُكَلَّفُ فيها ثلاثٌ كالدُّمَى ... وَكاعِبٌ ومُسْلِفُ الدُّمَى: الصُّوَر، والكاعب: الَّتي كَعَب ثدياها، وكذلك الكَعَاب؛ قال الشَّاعر: فَلَيْتَ أَميرَنا وَعُزِلْتَ عَنَّا ... مُخَضَّبَةٌ أَنامِلُها كَعابُ 137 - والحزوّر: حرف من الأَضْداد؛ يقال للغلام اليافع الَّذي قارب الاحتلام: حَزَوَّر؛ ويقال للشَّيخ: حَزَوَّر. وقالَ ابن السِّكِّيت: يقال للرجل الَّذي قد انتهى شبابه حَزَوَّر. وأَخبرنا إِدريس بن عبد الكريم، قال: حدَّثنا خلف، قال: حدَّثنا حماد بن زيد، عن أَبي عمران الجَوْنِيّ، عن

والتلعة

جُنْدُب بن عبد الله البَجَليّ - قال حماد لا أَعلمه إِلاَّ رفعه إِلى النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم - قال: اقرءُوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإِذا اختلفتم فيه فقوموا عنه، قال: وكنت على رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم غلاماً حَزَوَّراً. وقال الشَّاعر: ومَهْمَهٍ يُطَوِّحُ الحَزَوَّرا ... والشَّيخَ ما لَم يكُ جَلْداً مُسْفِرا فالحزوَّر في هذا البيت يجوز أَن يكون الغلام الَّذي قد قارب الاحتلام، ويجوز أَن يكونَ الَّذي قد كَمَل شبابه. وقالَ النَّابِغَة: وإِذا نَزَعْتَ نَزَعْتَ من مُسْتَحْصِفٍ ... نَزْعَ الحَزَوَّرِ بالرِّشاءِ المُحْصَدِ يجوز أَن يكون الحزوَّر الَّذي قد انتهى شبابه، ويجوز أَن يكون الَّذي قد قارب الحُلُم، فهو ينزِع نزعاً ضعيفاً. وقالَ الأَحنف بن قيس: إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بالمنيَّهْ ... حَزَوَّرٌ لَيْسَتْ لَهُ ذُرِّيَّهْ أَرادَ بالحَزَوَّر الشَّيخ. 138 - والتَّلْعة حرف من الأَضْداد؛ يقال لما ارتفع من الوادي وغيره: تَلْعَة. ويقال لما تَسَفَّل وجَرَى الماء فيه

لانخفاضه: تَلْعة، ويقال في جمع التَّلعة تَلَعات وتِلاع، وقالَ نابغة بَنِي ذبيان: عَفَا حُسُمٌ مِنْ فَرْتَنَا فالفَوارِعُ ... فَجَنْبَا أَريكٍ فالتِّلاعُ الدَّوَافِعُ وقالَ زُهير: وإِنِّي مَتَى أَهْبطْ مِنَ الأَرْضِ تَلْعَةً ... أَجِدْ أَثَراً قَبْلي جَدِيداً وَعافِيا فالتَّلعة في هذا البيت تَحتمل المعنيين جميعاً. وقالَ الرَّاعي: كَدُخان مرتجِلٍ بأَعْلى تَلْعَةٍ ... غَرْثَانَ ضَرَّمَ عَرْفَجاً مَبْلولا في المرتجِل قولان: يقال هو الَّذي يطبُخ رِجْلاً من الجراد، والرِّجْل القطعة منه. وقالَ أَبو عِكْرمة الضبيّ: مِنْ هذا سُمِّيَ المِرْجل مِرْجَلاً. ويقال: المرتجِل الَّذي يقدح الزَّنْد بِرِجْلِه. والتَّلْعة في هذا البيت معناها العلوّ والإِشراف. وقالَ بعض الأَعراب: إِذا أَشْرَفَ المَحْزُونُ مِنْ رَأْسِ تَلْعَةٍ ... على شِعْبِ بَوَّانٍ أَفاقَ مِنَ الكَرْبِ وأَلهاه بَطْنٌ كالحريرَةِ مَسَّهُ ... ومُطَّرِدٌ يَجْرِي من البارد العَذْبِ وطِيبُ ثِمارٍ في رِياضٍ أَرِيضَةٍ ... وأَغْصانُ أَشجارٍ جَناهَا على قُرْبِ

أسرني

فَبِاللهِ يا رِيحَ الشَّمالِ تحمَّلي ... إِلى شِعْبِ بَوَّانٍ سَلامَ فَتًى صَبِّ 139 - وما أَسرَّني حرف من الأَضْداد؛ يقول السَّار: ما أَسرَّني لفلان! إِذا كان هو يرقع له السُّرور، ويَقُولُ المسرور: ما أَسرَّني بلقائك. وقالَ الفَرَّاءُ: بناءُ أَفْعَل في التعجُّب أَن يكون للفاعل، كقولك: ما أَحسن عبد الله! والحسنُ له، وما أَجمله! وهو الموصوف بالجمال، قال: وقد يكون للمفعول في الشَّيْء الَّذي يراد به دَيْمومته إِذا انكشف المعنى ولم يدخله لَبْس، كقولهم: ما أَعرفَ فلاناً بالخير! وما أَشهرَه في النَّاس! وما أَكساه! إِذا كان هو المكسوّ، وما أَعراه! إِذا كان هو المنعوت بالعُرْي. قال: وسمعت رجلاً من بَنِي تميم - وقالَ له رجل: نَحِّ بعيرك عنِّي يا مُصَاب - فقال: غيري أَصْوَب منِّي، فجعل أَفعل للمفعول. قال: ومن هذا قولهم: هو أَعْرَى من مِغْزَل، وهو أَكْسَى من بصلة. قال: ويجوز أَن يقال للرجل: ما أَقعده! إِذا كان مُقْعَداً قد لزمته الزَّمانة، وعَرَف المخاطَب مرادَ المخاطِب.

وأشكيت

140 - وأَشْكَيْت حرف من الأَضْداد؛ يقال: أَشكيتُ الرَّجُل، إِذا أَقمتُ على الأَمر الَّذي يشكوه مِنِّي، وأَشكيتُه إِذا أَقلعت عن الَّذي يشكوه. وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا يَعْقُوبُ بن إِسحاق الحضرميّ، قال: حدَّثنا وهيب بن خالد، قال: حدَّثنا محمد ابن جُحادة، قال: حدَّثنا سُلَيْمَان بن أَبي هند، عن خَبَّاب، قال: شكوْنا إِلى رَسُول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم شدَّة الحرّ في أَكفّنا وجباهِنا، فلم يُشكِنا. قال أَبو بَكْر: فمعنى قوله: لم يُشكِنا، فلم يَنْزِعْ عن الأَمر الَّذي شكوْناه إِلَيْه. وقال الشَّاعر يَصِفُ إِبلاً: تَمُدُّ بالأَعناقِ أَو تَلْوِيها ... وتَشْتَكي لو أَنَّنا نُشْكِيها غَمْراً حَوايَا قَلَّما يُجْفِيها أَرادَ بنُشْكيها ننزِع عن الأَمر الَّذي تَشكوه، والبعير لا يشكو في الحقيقة، إنَّما يتَمثَّل للراكب عند إِتعابه إِيَّاه أَنَّهُ لو أَطاق الشَّكوى لشكا، قال الشَّاعر:

وأشد

يَشْكُو إِليَّ جَمَلي طُولَ السُّرَى ... صَبْراً جميلاً فكلانا مُبْتَلَى فجعل الشكْوَى للبعير. ويُرْوَى: طُولُ السُّرى بالرفع، على أَنَّ الطُّول هو الَّذي يشكُو الجمل، على المجاز لا على الحقيقة. والحوايا: المباعر. وقالَ أَبو عُبيدة: الحوايا ما تَحَوَّى من الباطن، أَي استدار منها. وقالَ الأَصْمَعِيّ: الحوايا بناتُ اللَّبن، وواحدةُ الحوايا حاوياء وحاوِيَة وحَوِيَّة، قال الشَّاعر: أَضْرِبُهمْ ولا أَرى مُعاوِيهْ ... الجاحظَ العينِ العظيمَ الحاوِيَهْ وقال الآخر: كأَنَّ نَقيقَ الحَبِّ في حاويائِهِ ... فَحيحُ الأَفاعي أَو نقيقُ العقارِبِ 141 - وأَشدّ حرف من الأَضْداد؛ يقال: بلغ فلانٌ أَشدَّه، إِذا بلغ ثماني عشرة سنة، وبلغ أَشدّه إِذا بلغ أَربعين سنة، قال الله عزَ وجلّ: حتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قال الفَرَّاءُ: ويقال: الأَشدّ أَربعون سنة. قال: وحكى لي بعض المشيخة بإِسناد ذكره أَنَّ الأَشدّ ثلاث وثلاثون سنة، والاستواءُ أَربعون سنة، قال: وحَكَى لي أَنَّ الأَشدّ ثمانيَ عشرة سنة.

وقول من قال ثلاث وثلاثون سنة، أَشبَه بالآية؛ لأَنَّه عطف الأَربعين عليه، والأَربعون أَقربُ إِلى ثلاث وثلاثين منها إِلى ثمانيَ عشرة سنة؛ فكان ذلك أَوْلَى، أَلاَ ترى أَنَّ قولك: قد أَخذتُ عامة المال أَو كُلَّه، أَحسنُ من قولِك: قد أَخذتُ أَقلَّ المالِ أَو كُلَّه! قال: وقول من قال: الأَشدّ ثمانيَ عشرة سنة لَيْسَ بخطأ. قال الفَرَّاءُ: وفي قراءة عبد الله: حتَّى إِذا اسْتَوَى وبَلَغَ أَشُدَّهُ وبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال: فهذا موافق لمعنى قراءتنا، أَلاَ ترى أَنَّك تقول في الكلام للرجل: لما وُلِدَ لك وأَدركتَ مدرك الرِّجال عَقَقْتَ وفَعَلْتَ! فالإِدراك قبل أَن يُولَدَ له، فقدَّم المؤخر ثَمّ، كما قُدِّم ها هنا. وقالَ بعض النحويِّين: الأَشدّ اسم واحدٍ لا واحدَ له، وهو بمنزلة الآنُك، والآنُك: الرَّصاص والأُسْرُبّ. وقالَ الفَرَّاء: واحد الأَشُدّ شَدّ وشُدَّ، وأَشدّ كقولهم: فَلْس وأَفْلُس، وبحر وأَبْحُر، قال عنترة: عَهْدي بِهِ شَدَّ النَّهارِ كأَنَّما ... خُضِبَ البَنَانُ ورأْسهُ بالعِظلِمِ العِظْلِم: صِبْغ أَحمر، ويقال: هو البَقَّم. وقال الآخر: تُطيفُ بِهِ شَدَّ النَّهارِ ظعينةٌ ... طويلة أَنقاءِ اليَدَيْن سَحُوقُ

البعل

وقالَ يونس بن حبيب: واحد الأَشدّ شُدّ، فاعلم. وقال: هو كقولهم: فلان وُدِّي، والقوم أَوُدِّي، واحتجَّ بقول النَّابِغَة: إنِّي كأَنِّي لَدَى النُّعْمان خَبَّرَهُ ... بعضُ الأَوُدِّ حديثاً غيرَ مَكْذوبِ بأَنَّ حِصْناً وَحَيًّا مِنْ بَنِي أَسَدٍ ... قامُوا فقالوا حِمانَا غَيْرُ مَقْرُوبِ ويُرْوَى عن الأَخفش أَنَّهُ قال: واحد الأَشُدّ شِدَّة، قال: وهو كقولهم: نِعْمة وأَنْعُم. وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، قال: حدَّثنا ابن إِدريس، عن عبد الله بن عثمان ابن خُثَيْم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله عزَ وجلّ: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ، فقال: ثلاثاً وثلاثين سنة. 142 - وقال قُطْرب: البَعْل: حرف من الأَضْداد؛ يقال لما تَسقيه السَّماء بَعْل، ويقال لما يشرب بعروقه: بَعْل. أَخبرنا عبيد الله بن عبد الواحد بن شريك البزَّاز، قال: حدَّثنا ابن أَبي مريم، قال: حدَّثنا ابن لهيعة، عن يزيد ابن أَبي حبيب، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أَبيه، أَنَّ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم فَرَض في البَعْل وفيما سقت

الأَنهار، أَو كان عَثَرِيًّا يُسْقَى بالسَّماء العُشُور، وفيما سُقِيَ بالنَّضْح نصفَ العُشُور. وقالَ أَبو عُبيد: حدَّثنا أَبو النضر، عن اللَّيْث بن سعد، عن يزيد ابن أَبي حبيب، عن بُسر بن سعيد، أَنَّ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم قال في صَدَقة النخل: ما سقى منه بَعْلاً ففيه العُشْر. وقالَ أَبو عُبيدة: قال الأَصْمَعِيّ: البَعْل ما شرب بعروقه من غير سَقْي سماء ولا غيرها، فإِذا سقتْه السَّماء فهو العِذْيُ، واحتجَّ بقول النَّابِغَة في صفة النخل: مِنَ الوارِداتِ الماَء بالقاعِ تَسْتَقِي ... بأَذْنابِها قَبْلَ اسْتِقاءِ الحَنَاجِرِ يعني أَنَّها تستقي بعروقها من الثرَى. وقالَ الكِسَائِيّ وأَبو عُبيدة: البَعْل هو العِذْيُ وما سقته السَّماء، والعَثَرِيّ في قول أَهل اللُّغة أَجمعِين: ما سقته السَّماء، والسَّيْح: الماءُ الجاري في الأَنهار؛ وإِنَّما سُمِّيَ سَيْحاً لأَنَّه يَسيح فيذهب ويمتدّ، ويقال له: الغَيْل والفَتْح، والغَلَل: الماءُ الجاري بين الشجر، قال جرير: طَرِبَ الحَمَامُ بذِي الأَراكِ فشَاقَنِي ... لا زِلْتُ في غَلَلٍ وأَيْكٍ ناضِرِ

وردَّ ابن قتيبة على أَبي عُبيد ما حكاه عن الأَصْمَعِيّ في البَعْل من قوله: البَعْلُ ما شَرِب بعروقه، ولم يُسَمِّ الأَصْمَعِيّ. وقالَ أَبو عُبيد: البَعْل ما شرب بعروقه من غير سَقْي سماء ولا غيرها. قال: فهذا نَقضٌ للذي في الحديث، إذْ كان في الحديث ما سُقِيَ منه بَعْلاً، قال: فالبَعْل وغير البَعْل وسائر الشجر يشرب الماءَ بعروقه. والعِذْي والمَسْقِيّ يشرب الماء بأَعاليه، فأَين هذا الَّذي لا تسقيه سماء ولا غيرها! أَفي أَرض لم تمطر قطّ، أَم في كِنّ! هذا ما لا يُعرف. قال: والَّذي رأَيت عليه أَهلَ اللُّغة، وناظرت عليه الحجازيين أَنَّ البَعْل هو العِذْي وما سقته السَّماء، الدليل على هذا قول عبد الله بن رَواحة حين خرج غازياً إِلى الشَّام: إِذا بَلَّغتِني وحَمَلْتِ رَحْلي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الحِسَاءِ فزادُكِ أَنْعُمٌ وخَلاَك ذَمٌّ ... ولا أَرجِعْ إِلى أَهْلي وَرَائي وعادَ المسلمون وَغادَرُونِي ... بأَرضِ الشَّام منقطِعَ الثَّواءِ هُنالِكَ لا أُبالي نَخْلَ سَقْيٍ ... ولا بَعْلٍ وإِنْ عَظُمَ الأَتاءِ يقول: إِذا اسْتُشْهِدْت لا أُبالي ولا أُفكِّر في بَعْل النخل ولا سَقْيِه، والأَتاءُ: النّماءُ وكثرة الرَّيْع؛ يقال: طعامٌ ذو أَتاء، إِذا كان كثير النَّزَلِ والرَّيْع.

قال ابن قتيبة: والعَثَرِيّ: هو ما يُؤَتَّى لماء السَّيل إِلَيْه ويُجعل في مَجْرَى الماء عاثور، فإِذا صدمه ترادّ، فدخل تلك المجاريَ حتَّى يَسقِيَه، فلذلك سُمِّيَ عَثَرِيًّا. قال: وقد يكون العَثَرِيّ ما سقته السماء، والبَعْل قد يكون ما سقته السَّماء، وما فُتِحَ لماءِ السَّيل إِلَيْه بغير عواثير. قال أَبو بَكْر: فردَّ ابن قتيبة على أَبي عُبيد والأَصْمَعِيّ ما قالاه في البَعْل هو المخطئ فيه، لا أَبو عُبيد ولا الأصمعي، لأَنَّهما رحمة الله عليهما لم يذهبا إِلى أَنَّ البَعْل يكون في كِنٍّ لا يصيبه مطر، أَو في أَرض لا تُغَاثُ؛ وإِنَّما أَرادا أَنَّ البَعْل يجتذب بعروقه من الثرى ما يُغنيه عن المطر؛ فإِذا أَصابه المطر لم يكن مضطرًّا إِلَيْه؛ لأَنَّ الَّذي يؤدِّيه عروقه إِلَيْه من الثرى يُغْنيه عنه، وإِذا انقطع المطر فتغيَّر لانقطاعه سائر النبات لم يتغيَّر البَعْل لاكتفائه بما يشربُ من الثَّرَى. والدليل على أنَّ البَعْل يخالف العِذْيَ والعَثَرِيّ وجميعَ المسقيّ ما حدَّثناه أَحمد بن الهيثم، قال: حدَّثنا القعنبيّ، قال: حدَّثنا بهلول بن راشد، عن يونس، عن الزهريّ، عن سالم،

والشرى

عن أَبيه، أنَّ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم فرض فيما سقت السَّماء والعيون، أَو كان بَعْلاً العُشْرَ، وما كان عَثَرِيًّا يُسْقى بالسَّماء العُشْر، وما سُقي بالنَّضْح نصف العُشْر. قال أَبو بَكْر: ففرقه صلى الله عليه بين البَعْل والعَثَرِيّ، وما سقته السَّماء دليل على أَنَّهُ جنس يخالفها، ففي هذا أَوضح دليل على غلط ابن قتيبة، وبالله التوفيق. 143 - والشَّرَى حرف من الأَضْداد؛ يقال لشِرارِ المال شَرًى، ويقال لكرام الإِبل وخيار مسانِّها شَرًى، قال الشَّاعر: مُغَادَراتٌ في الشَّرَى المُحسَّل ويُرْوَى المخسَّل بالخاء، ومعناهما المنفيّ المتروك، وواحدة الشَّرَى شراة؛ فاعلم، على معنى الذمّ والمدح، قال الشَّاعر في معنى المدح: من الشَّرَاة رُوقَةِ الأَمْوالِ والشَّرَى في غير هذا الغَضب، يقال: قدْ شَرِيَ الرَّجُل يَشْرَى شَرًى إِذا استطار غضباً، قال الشَّاعر: والْمُمْ أَخاكَ على ما كان من شَعَثٍ ... إِنَّ اللَّجاجة تَشْرَى حِين تُشْرِيها

والشَّرَى الَّذي يخرج بالجلد، يقال منه: شَرِيَ يَشْرَى شَرًى. وشَرًى اسم موضع، قال الشَّاعر: أُسُودُ شَرًى لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ ... تَسَاقَوْا على حَرْدٍ دِماَء الأَساوِدِ الحرْد: الغضب والحِقْد، من قوله عزَ وجلّ: وَغَدَوْا على حَرْدٍ قَادِرِينَ، ويقال: الحرْد القَصْد، ويقال: الحَرْد المنع، والشَّوَى، بالواو، يوافق معنى الشَّرَى في الباب الَّذي يكون فيه ذمًّا، يقال: هذا شَرًى من المال، أَي رُذَال، قال الشَّاعر: إِنَّكَ ما سَلَّيْتَ نَفْساً شحيحةً ... عن المالِ في الدُّنيا بمثل المجاوِعِ أَكلنا الشَّوَى حتَّى إِذا لم ندعَ شَوًى ... أَشَرنا إِلى خَيْراتِها بالأَصابِعِ ويكون شَوًى بمَعْنَى هيِّن، فيقال: كلُّ ذلك شوًى ما سَلِم لك دينُك، أَي هيِّن حقير، قال الشَّاعر: وكُنْتُ إِذا الأَيَّامُ أَحْدَثْنَ نَكْبَةً ... أَقُولُ شَوًى ما لم يُصِبْنَ صَمِيمي والشَّوى جلدَةُ الرَّأْس، قال الشَّاعر: إِذا هيَ قامَتْ تَقْشَعِرُّ شَواتُها ... ويُشْرِقُ بينَ اللِّيتِ منها إِلى الصّقْلِ

والإقهام

وأَنشدنا أَبو العبَّاس للأَعشى: قالَتْ قُتَيْلَةُ مالَهُ ... قَدْ جُلِّلَتْ شَيْباً شَوَاتُهْ أَن لا أَراهُ كما عَهِدْ ... تُ صَحَا وأَقْصَرَ عاذِلاتُهْ والشَّوى: الأَطراف، نحو اليدين والرجلين، قال الله عزَ وجلّ: نَزَّاعَةً لِلشَّوَى، ويقال: هذا فرس غليظ الشَّوَى، أَي غليظ القوائم، قال امرؤ القَيْس: سَليمُ الشَّظَا عَبْلُ الشَّوَى شَنِجُ النَّسا ... لَهُ حَجَبَاتٌ مشْرِفاتٌ على الفَالِ 144 - والإِقْهام حرف من الأَضْداد. يقال للجوع إِقْهام، كقول الشَّاعِر: وهوَ إِلى الزَّاد شديدُ الإِقْهامْ والإِقْهام: أَلاَّ يشتهي الرَّجُل الطعام، يقال: قد أَقهم عن الطعام إِقْهاماً، وأَقهى إِقهاءً؛ إِذا لم يشتهِهِ، ويقال: رجل قَهِم إِذا كان كذلك، وإِنَّما سُمِّيَت الخمر قَهْوة، لأَنَّها تُقْهِي صاحبَها عن الطعام والشراب، قال أَبو الطَّمَحَان: فأَصْبَحْنَ قَدْ أَقْهَيْنَ عَنِّي كما أَبَتْ ... حِياضَ الإِمِدَّانِ الهِجَانُ القَوامِحُ أَي أَعرضْنَ عَنِّي وتركنني، والهِجَان: البيض من الإِبل،

والطب

والقوامح: الرافعة رءُوسها، قال الشَّاعر: ونحنُ على جَوَانِبِها قُعُودٌ ... نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإِبِلِ القِماحِ وقالَ الله جَلّ وعلا: إنَّا جَعَلْنا في أَعْناقِهمْ أَغْلالاً فَهيَ إِلى الأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحون، فقال الفَرَّاءُ: المقمَح: الغاضّ بصره بعد رفع رأَسه. وقالَ غيره: مُقْمَحَون: مُلْجَمون. وقالَ آخرون: المقمَحُ أَصلُه الَّذي يرفع رأسه، ويضع يديْه على فيه؛ ومعنى فهيَ فأَيمانهم إِلى الأَذقان، فكَنَّى عنها لأَنَّ الأَغلال والأَعناق دلّت على الأَيْمان. والذًّقَن: أَسفل اللّحيين، والإمِدّان ماء يكون في الصحراء، والإبل تكره الشرب منه. وقالَ أَبو عُبيدة: الإمدّان: ماءُ السَّبَخَة؛ يقال: ماء مِدّان وإمِدّان، إِذا كان كذلك، ويقال في جمع المِدّان مَدَادِين، قال الشَّاعِر: ولا يُعافُ شُرْبَ ماء مدَّان 145 - والطِّبّ حرف من الأَضداد؛ يقال: الطِّب لعلاج السِّحر وغيره من الآفات والعِلَل، ويقال الطِّب للسِّحر.

ورَجُلٌ مَطْبوب، إِذا كان مسحوراً. قال الكلبيّ، عن أَبي صالح، عن ابن عباس: سُحِرَ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم حتَّى مَرِضَ مَرَضاً شديداً، فبينا هو بين النائم واليقظان، رأَى مَلَكَيْن؛ أَحدهما عنْد رأسه والآخر عند رجله، فقال الَّذي عند رِجْله للذي عند رأسه: ما وجعُه؟ قال طِبّ، قال: ومن طَبّه؟ قال لَبيد بن أَعصم اليهوديّ، قال: وأَين طِبّه؟ قال: في كَرَبَةٍ تحت صخرة في بئر بَنِي كَمَلَى؛ وهي بئر ذَرْوان - ويقال ذي أَرْوان - فانتبه النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم وقد حفظ كلام الملكين، فوجّه عماراً وجماعة من أَصحابه إِلى البئر؛ فنزحوا ماءها، فانتهوا إِلى صخرة فقلعوها، ووجدوا الكَرَبَة تحتها، وفيها وَتَر فيه إحدى عشرة عُقْدة، فأَحرقوا الكَرَبة وما فيها، فزال عنه عليه السلام وجعُه، وقام كَأَنَّهُ أُنْشِط من عقال؛ وأَنزل الله عزّ وجلّ عليه المعوّذتين إحدى عشرة آية، على عدد العُقَد، فكان لَبيد بعد ذلك يأتيه عليه السلام فلا يذكر له شيئاً من فعله، ولا يوبِّخه به. وقالَ علقمة بن عَبَدة: فإنْ تَسْأَلوني بالنِّساءِ فإِنَّني ... خَبيرٌ بأَدْواءِ النِّساء طَبيبُ

وأخلفت

فالطبيب هاهنا الحاذق، وإنما قيل للمعالج طبيب لحِذْقه، قال عنترة: إنْ تُغْدِفي دوني القِناعَ فإِنَّني ... طَبٌّ بأَخْذِ الفارسِ المُسْتَلْئِم وقال الآخر: وكُنْتُ كذي سُقْمٍ تَبَغَّى لِنَفْسهِ ... طَبيباً فلمّا لَم يجدْه تَطَّببا وقالَ المجنون: أَراني إِذا صَلَّيْتُ يَمَّمْتُ نحْوَها ... بوجهي وإنْ كان المُصَلَّى ورائيا وما بيَ إشْراكٌ ولكنَّ حُبَّها ... كَعودِ الشَّجا أَعْيا الطبيبَ المُداويا وقال الآخر: فإنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامون قِدْماً ... وإنْ نُهْزَمْ فَغَيْرُ مُهَزَّمينا وما إن طِبُّنا جُبْنٌ ولكنْ ... مَنايانا وطُعْمَةُ آخَرينا 146 - وأَخلفْتُ حرف من الأَضداد؛ يقال: أَخْلَفْتُ موعِدَ فلان إِذا وَعَدْتُه ولم أَفِ له، ويقال: أَخْلَفْتُ مَوْعِدَهِ، إِذا وعدني ولم يَفِ لي، فتأْويلُه: صادفت وعده خُلُفاً، قال الأَعشى:

أَثْوَى وقَصَّرَ لَيْلَةً ليُزوّدا ... فمضى وأَخلَف من قُتَيْلَةَ مَوْعِدا أَراد صادف وعدها خُلْفاً. وهذا شبيه بقولهم: أَقفرتُ الموضع؛ إِذا صادَفْتَه قَفاراً، وأَخليتُه؛ إِذا وجدتَه خالياً، قال الشَّاعِر: لِعَمْرَةَ رَسْمٌ أَصبَحَ اليَوْمَ دارِسا ... وأَقْفَرَ مِنها رَحْرَحانَ فَراكِسا أَراد: وأَقفر الرَّجُل رحرحان، أَي صادفه قَفاراً. وقالَ الآخر: أَتَيْتُ مَعَ الحُدَّاثِ لَيْلَى فلم أُبِنْ ... فأَخْلَيْتُ فاستعجمتُ عِنْدَ خَلائي أَراد بأَخليت وجدت الموضع خالياً، وقالَ ذو الرُّمَّة: تُريكَ بَياضَ لَبَّتِها وَوَجْهاً ... كَقَرْنِ الشَّمْسِ أَفْتَقَ حينَ زالا أَراد بأَفتق، وجد في الغيم فتقاً. وقال الآخر: فَلَوْ كُنْتُمُ إبلاً أَمْلَحَتْ ... إِذا نَزَعتْ للمياه العِذابِ ولكنكمْ غَنَمٌ تُشْترَى ... ويُتْرَك سائرُها للذِّئاب أَراد بأَملحت صادفت نباتاً مِلْحاً، وتُشترى معناه تُختار. وقالَ ابن أَحمر: أَصَمَّ دُعاءُ عاذِلَتي تحَجَّي ... بآخِرنا وتُنْسي أَوَّلينا

والدخلل

أَراد بقوله أَصمّ صادف دعاؤها قوماً صُمَّا. وقال الآخر: وأَلْمَحْن لَمْحاً من خُدودٍ أَسيلَةٍ ... رِواءٍ خَلا ما أَنْ تَشِفَّ المعاطِسُ أَراد بأَلْمَحْن أَمكَنّ من أَن يلْمحن، وقال الآخر: تمَنَّي حُصَيْنٌ أَنْ يَسودَ جِذاعَه ... فأَمْسَى حُصَيْنٌ قد أَذَلَّ وأَقْهَرا أَراد بأَذّل وأَقهر جاءَ بالذُّل والقَهْر. وقال الآخر: قَتَلوا كُلَيْباً ثمَّ قالوا أَرْتِعوا ... كَلاَّ وَرَبِّ الحِلِّ والإحْرام أَراد بأَرتعوا صادفوا ما ترتع فيه إبلكم. وقال الآخر: فإِنِّي وما كَلَّفْتُموني بجهلكمْ ... لَيَعْلَمُ رَبِّي مَنْ أَعَقَّ وأَحْوَبا أَراد بأَعقّ وأَحْوَب جاءَ بالعقوق والحُوب. 147 - والدُّخْلُل حرف من الأَضْداد؛ قال أَبو عُبيدة: يقال للصديق والخليل: دُخْلَل، ويقال للحشْو ومَنْ يُدْخِل نفسه في قوم لَيْسَ منهم دُخْلَل، قال امرؤ القَيْس: إنَّ بَني عَوْفٍ ابْتَنَوْا حَسَباً ... ضَيَّعه الدُّخْلَلون إذْ غَدَروا ويقال: فلان من دخلَل فلان، أَي من خاصّته. ويقال: بينهما دُخْلَل ودُخْلُل، أَي إخاءٌ ومودّة، وهو مأْخوذ في هذا المعنى من الدّخيل والمُداخِل.

وتلحلح

148 - وتَلَحْلَح حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد تَلَحْلَح الرَّجُل إِذا أَقام في الموضع وثبت، وتلحلح إِذا زال وذهب. حدَّثنا بن عَمْرو، قال: حدَّثنا سعيد بن منصور، قال حدَّثنا عَطّاف بن خالد، عن صُدَيْق بن موسى، عن عبد الله بن الزُّبير، أَن رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم لما هاجر إِلى المدينة ودَخَلَها جاءت ناقَتُه إِلى موضع المِنْبر، فاستناخت وتَلَحْلَحَتْ هاهنا أقامت وثبتت. وأَنشدنا في المعنى الآخر أَبو العباس، عن سلمة، عن الفَرَّاءُ: تَقول وَرْياً كُلَّما تَنَحْنَحا ... شَيْخٌ إِذا حَرَّكْتَه تَلَحْلَحا أَراد بتَلَحْلَح تحلْحَل، فقدّم اللام وأَخَّر الحاء؛ كما قالوا: جَذَب وجَبَذ، وعاثَ في الأرض وعَثَا؛ هذا تفسير الفَرَّاءُ. وقالَ غيره: إِذا كان تَلَحْلح بمَعْنَى أَقام وثبت، فأَصله تَلَحَّحَ من الإلحاح، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث حاءات، فأَبدلوا من الثانية لاماً، كما قالوا: قد صَرْصَر البابُ، وأَصله صَرَّرَ، فأَبدلوا من الراء الثانية صاداً، قال ابنُ مُقْبِل:

أَناسٌ إِذا قيل انفِروا قد أُتيتُمُ ... أَقاموا على أَثقالهمْ وتَلَحْلحوا أَي ثبتوا. ويقال: قد تحلحل الرجل، إِذا زال وذهب، وأَصله تحلّل؛ فأَبدلوا من اللام الثانية حاء، كما قالوا: قد تكمكَمَ الرَّجُل إِذا لبس الكُمَّة، وهي القَلَنْسُوة، وأَصله تكمّم. وحَثْحَثْتُ الرَّجُل، أَصلُه حثثته. وتململ الرَّجُل، وأَصله تَمَلَّل، من المَلّة، والملّة الرماد الحارّ، وموضع الخُبْزة، فيقال: قد تَمَلْمَل؛ إِذا أَكثر التقلّب على فراشه من الهمّ والحزَن، حتَّى كَأَنَّهُ متقلِّب على الجَمْر، قال الشَّاعِر: لا أَشْتِمُ الضَّيْفَ إِلاَّ أَن أَقولَ لَهُ ... أَباتَكَ الله في أَبياتِ عَمَّارِ أَباتَكَ الله في أَبياتِ مُعْتَنِزٍ ... عن المكارمِ لا عَفٍّ ولا قارِ جَلْدِ النَّدَى زاهِدٍ في كُلِّ مَكْرُمَةٍ ... كأنما ضَيفه في مَلَّةِ النارِ ويقال: كفكفتُ الرَّجُل، إِذا صرفتَه عن الشَّيْء، وأَصله كففته، قال الشَّاعِر: مالي أُكَفْكِفُ عن سَعْدٍ ويَشْتِمُني ... ولو شَتَمْتُ بَنِي سعدٍ لَقَد سَكنوا جَهْلاً علينا وَجُبْناً عن عَدُوِّهمُ ... لبئسَتِ الخَلَّتانِ الجهلُ والجُبُنُ

واللحن

ويقال: قد تبشبش فلان بفلان إِذا آنسه، وأَصله تبَشَّشَ من البشاشة، أَنشدنا أَبو العباس، عن ابن الأَعْرَابِيّ: أَلَمْ تَعْلَمي أَنَّا نَبَشُّ إِذا دَنَتْ ... لأهلك مِنَّا نِيَّةٌ وحُمولُ كما بَشَّ بالإبْصارِ أَعمَى أَصابهُ ... من الله جُلَّى نِعْمَةٍ وفُضولُ ويقال: قد بَثْبَثْتُ الرَّجُل إِذا استخرجتَ ما عنده، وأَصلُه بثثت من البث. ويقال: قد تكعكع الرَّجُل، وأَصله تكعَّع من قولهم: قد كَعَعْتُ عن الأَمر، قال متمِّم بن نُوَيْرَة: ولكنني أَمْضي على ذاكَ مُقْدِماً ... إِذا بَعْضُ مَنْ يَلْقَى الخُطوبَ تَكَعْكَعا 149 - واللّحْن حرف من الأَضْداد؛ يقال للخطأ لَحْن، وللصواب لحن. فأَمَّا كونُ اللحْن على معنى الخطأ فلا يُحتاج فيه إِلى شاهد، وأَما كونه على معنى الصَّواب فشاهده قول الله عزَ وجلّ: ولَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القَوْل معناه: في صواب القول وصِحّته. وأَخبرنا أَبو العباس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: يقال:

لَحَن الرَّجُل يَلْحَن لَحْناً، إِذا أَخطأ، ولَحَن يلحَن إِذا أَصاب. وقالَ غير أَبي العباس: يقال للصَّواب. اللَّحَن واللَّحْن. وحدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدَّثنا نصر بن علي، قال: خَبّرنا الأَصْمَعِيّ، عن عيسى بن عمر، قال: قال معاوية للناس: كيف ابن زيادٍ فيكم؟ قالوا: ظريفٌ على أَنه يَلْحَن، قال: فذاك أَظرفُ له؛ ذهب معاوية إِلى أَن معنى يلحَن يفطُن ويصيب. وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدَّثنا أَبو عبد الرحمن المقرئ، عن يزيد بن إبراهيم التُّستَريّ، عن أَبي هارون الغنويّ، عن مسلم ابن شداد، عن عُبيد بن عمير، عن أُبيّ بن كعب، قال: تعلموا اللَّحْن في القرآن كما تتعلمونه. قال أَبو بكر: فيجوز أَن يكون اللحْن في هذا الحديث الصواب، ويجوز أَن يكون الخطأ، لأَنَّه إِذا عَرَف القارئ الخطأ عَرَف الصَّوَابُ. وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدَّثنا أَبو بلال - من ولد أَبي موسى - قال: حدَّثنا قيس بن الربيع، عن عاصم الأَحول، عن مورِّق، عن عمر، قال: تعلَّموا الفرائض والسُّنّة واللَّحْن؛ كما تتعلموا القرآن. فيجوز أَن يكون اللَّحْن الصَّوَابُ؛ ويجوز أَن يكون الخطأ، يعرف فَيُتَجَنَّب.

وحدَّث يزيد بن هارون بهذا الحديث، فقيل له: ما اللَّحْن؟ فقال: النَّحْو. وقالَ عمر بن عبد العزيز: عَجِبْتُ لمن لاحَنَ النَّاسَ كيف لا يعرف جوامع الكلم! أَراد بلاحن فاطَن. وقالَ أَبو العالية: كان ابن عباس يعلِّمنا لَحْنَ الكلام. وقالَ لَبيد: مُتَعَوِّدٌ لَحِنٌ يُعيدُ بِكَفِّه ... قَلَماً على عُسُبٍ ذَبَلْنَ وَبانِ فاللَّحِن: المصيب الفَطِن، يقال: رجل لَحِن ولاحِن، من الفطنة والصواب، ورَجُلٌ لاحِن من الخطأ لا غير. وقالَ القتّال: وَلَقَدْ لَحَنْتُ لكُمْ لِكيْما تَفْقَهوا ... وَوَحَيْتُ وَحْياً لَيْسَ بالمُرتابِ وقالَ ابن أَحمر يَصِفُ صحيفة كَتبَها: وتَعْرِفُ في عُنْوانِها بَعْضَ لَحْنِها ... وفي جَوْفِها صَمْعاءُ تُبْلي النَّواصِيا الصَّمعاءُ: الداهية. واللَّحْن أَيْضاً يكون بمَعْنَى اللُّغة، وقالَ شريك عن أَبي إسحاق عن أَبي ميسرة، في قول الله عزَ وجلّ: سَيْلَ العَرِم العَرِم: المُسنَّاة بلحْن اليمن، أَي بلغتهم. وقالَ بعض الأعراب:

وما هاجَ هذا الشَّوْقَ إِلاَّ حَمامةٌ ... تَبَكَّتْ على خَضْراَء سُمْرٍ قُيودُها هَتوفُ الضُّحَى مَعْروفَةُ اللَّحْنِ لم تَزَلْ ... تَقودُ الهَوى من مُسْعِدٍ ويقودُها وقال الآخر يذكر حمامتين: باتا على غُصْنِ بانٍ في ذُرا فَنَنٍ ... يُرَدِّدانِ لُحُوناً ذاتَ أَلْوانِ وأَنشدنا أَبو العباس وغيره: وحَديثٍ أَلَذُّهُ هوَ مِمَّا ... تَشْتَهيه النُّفوسُ يوزَنُ وَزْنا مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أَحْيا ... ناً وخَيْرُ الحَديثِ ما كان لَحْنا وقالَ: أَراد تَلْحَنُ تُصيب وتَفْطُن، وأَراد بقوله: ما كان لَحْناً ما كان صواباً. وقالَ ابن قتيبة: اللَّحْن في هذا البيت الخطأ، وهذا الشَّاعِر استملح من هذه المرأَة ما يقعُ في كلامها من الخطأ.

قال أَبو بكر: وقوله عندنا محال، لأَنَّ العرب لم تزل تستقبح اللَّحْن من النساء كما تستقبحه من الرجال، ويَسْتملحون البارعَ من كلام النساء كما يستملحونه من الرجال، الدليل على هذا قول ذي الرُّمَّة يَصِفُ امرأَة: لَها بَشَرٌ مِثْلُ الحريرِ ومَنْطِقٌ ... رَخيمُ الحواشي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ فوصفَها بحسْن الكلام؛ واللَّحْن لا يكون عند العرب حُسْناً إِذا كان بتأويل الخطأ، لأَنَّه يقلب المعنى، ويُفْسِد التأويل الَّذي يقصِد له المتكلّم. وقالَ قيس بن الخَطيم يذكر امرأَة أَيْضاً: ولا يَغِثُّ الحديث ما نَطَقَتْ ... وهوَ بِفيها ذو لَذَّةٍ طَرِفُ تَخْزُنُهُ وهوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ ... وهوَ إِذا ما تَكَلَّمَتْ أُنُفُ فلو كانت هذه المرأَة تلحن وتفسد أَلفاظها كانت عند هذا الشَّاعِر الفصيح غَثَّةَ الكلام، ولم تستحقّ عنده وصفاً بجودة المنطق وحلاوة الكلام. وقالَ كُثَيِّر: مِنَ الخَفِراتِ البيضِ وَدَّ جَليسُها ... إِذا ما انقَضَتْ أُحْدوثَةٌ لَوْ تُعيدُها فَخَبَّر بهذا لصحّة أَلفاظها. ولم تزل العرب تصِف النّساء بحسن المنطق، وتستملِح منهنَّ روايةَ الشعر، وأَن تَقْرِض

المرأَةُ منه البيتَ والأَبيات، فإذا قَدَرتْ على ذلك زاد في معانيها، وتناهتْ عند من يُشْغَف بها؛ الدَّليل على هذا ما يُرْوى عن عَزّة، وبُثينة، وليلى الأَخيلية، وعفراء بنت مهاصر من قول الشِّعْر؛ وأَن ذلك كان يزيد في محبّة أَصحابهنّ لهنَّ، فليلى الأَخيلية، تقول في جواب تَوْبة بن الحُميِّر حين قال: عَفا الله عَنْها هَلْ أَبيتَنَّ لَيْلَةً ... من الدَّهْرِ لا يَسْري إليَّ خَيالُها وعَنْهُ عَفا رَبِّي وأَصْلَحَ حالَهُ ... فَعَزَّ عَلَيْنا حاجةٌ لا ينالُها وليلى صاحبة المجنون تقول: ألا لَيْتَ شِعْري والخُطوبُ كثيرَةٌ ... متى رَحْلُ قَيْسٍ مُسْتَقِلٌّ فَراجِعُ بِنَفْسِيَ مَن يَسْتَقِلُّ بِرَحْلِهِ ... وَمَن هو إنْ لم يَحفظِ الله ضائعُ وعفراءُ بنت مهاصر ترثي عُرْوةَ بن حِزام: ألا أَيُّها الركْبُ المخِبُّونَ وَيْحَكُمْ ... بِحقٍّ نَعيتمْ عُروةَ بنَ حِزامِ فَلا نَفَع الفُرْسانَ بعدك غارَةٌ ... ولا رَجَعوا من غَيْبَةٍ بِسلامِ وقُلْ للحَبالى لا يُرَجِّينَ غائباً ... ولا فَرِحاتٍ بَعده بِغُلامِ وقالت بثينة ترثي جَميلاً:

وإنَّ سُلُوِّي عن جَميلٍ لساعةٌ ... من الدَّهْرِ ما جاءت ولا حانَ حينُها سواءٌ علينا يا جميلَ بنَ مَعْمرٍ ... إِذا مُتَّ بأساءُ الحَياةِ ولينُها ثمَّ كان من النَّاس على هذا إِلى وقتنا أَو قبْل وقتنا؛ إِذا عُرِف من المرأَة فصاحةٌ واقتدار على قول الشِّعْر حلَتْ في قلوب الرجال، وكانَ ذلك منها زائداً في كمالها، ومَنْ قَدَر على قول الشِّعْر حُكِم له بمعرفة أَكثر الأَعراب وتجنُّب اللَّحْن. وكيف يكون الخطأُ في الكلام مستحسناً والصَّوَابُ مستسمجاً، والعرب تقرِّب المعرِبين، وتَتَنقَّص اللاَّحنين وتبعدهم، فعمر بن الخطاب رحمه الله يقول لقوم استَقبح رَمْيَهم: ما أَسوأَ رميَكم! فيقولون: نحن قوم متعلمين، فيقول: لحنُكم أَشدُّ علي من فسادِ رمْيكم، سمعت رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم يقول: رحِمَ الله امرأً أَصلحَ من لسانه، وكانَ ابن عمر يَضْرِب بنيه على اللَّحْن. وقالَ محمد بن علي بن الحسين بن علي رَضِيَ الله عَنْهم، قال رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: أَعربوا الكلامَ كَيْ تُعْربوا القرآن. وقالَ عمر بن عبد العزيز: إن الرَّجُل لَيُكَلِّمني في الحاجة

يَستوجبها فيلحَن فأَردُّه عنها، وكأني أَقْضَم حَبَّ الرمان الحامض، لبغضي استماعَ اللَّحْن، ويكلِّمُني آخرُ في الحاجة لا يستوجِبها فَيُعْرِب، فأُجيبه إليها التذاذاً لما أَسمع من كلامه. وقالَ عمر بن عبد العزيز أَيْضاً: أَكاد أَضْرَس إِذا سمعت اللَّحْن. ولَحَنَ محمد بن سعد بن أَبي وقاص في بعض الأوقات لَحْنة فقال: حَسِّ، إنِّي لأجد حرارَتها في حَلْقي. وقالَ العُتبيّ عن أَبيه: استأْذن رجل من عِلْيَة أَهل الشام على عبد الملك بن مروان، وبين يديه قوم يلعبون بالشِّطْرنج فقال: يا غلام، غَطِّها، فلما دخل الرَّجُل فتكلّمَ لَحَن، فقال عبد الملك: يا غلامُ، اكشِفْ عنها الغِطاءَ، لَيْسَ للاحنٍ حُرْمة. قال أَبو بكر: ولم لا يستثقلون ما يقلِب معنى الكلام، ويوهم المخاطَب غير مراد المخاطِب! يدلّ على هذا أَن ابنة أَبي الأَسود الدؤليّ قالت لأبيها في يوم حارّ: يا أَبتِ، ما أَشدُّ الحرّ! وهي تريد التعجب؛ فلم يسبق إِلى قلب أَبي

والبكر

الأَسود ما أَرادت، إذْ كان خطأ، فقال لها: يا بَنِيّة، حَرُّ تِهامة، فقالت: يا أَبتِ ما استفهمتُك، إنما تعجبت من شدة الحرّ فقال: قولي إِذاً: ما أَشدَّ الحرَّ! ودخل رجل على عبد العزيز بن مروان، فشكا إليه خَتَنه، فقال: ومن ختنَك؟ قال: ختنني الختّان، فقيل لعبد العزيز: أَيّها الأَمير، إِنَّهُ لم يفهم عنك قولك، قال: فأَفهموه، فقالوا له: من ختنُك؟ قال: خَتَني فلان، فاستحيا عبد العزيز، وأَلزم نفسه ألاَّ يجلس للناس حتَّى يعرفَ من العربية ما يُصلِح كلامه، ويُزيل اللَّحْن منه. وهذا باب طويل إن أَسهبنا فيه انقطعنا عن ذكر ما نحن إِلى شرحه أَحوجُ مما يوافق الكتابَ؛ وكلّه يدلّ على أَن اللحن تستخِفّه العرب في جميع الأَحوال من كلّ ذكر وأُنثى. 150 - والبِكْر حرف من الأَضْداد؛ يقال: امرأَة بِكْر قبل أَن يَدخُلَ بها الرَّجُل، ويقال لها بكر بعد أَن يدخُل بها، ويقال للولد الأَول: بِكْر، ولأَبيه بِكْر، ولأُمه بِكْر، أَنشدنا أَبو العباس عن ابن الأَعْرَابِيّ: يا بِكْرَ بِكْرَيْن ويا خِلْبَ الكبِدْ ... أَصبحتَ مِنِّي كذراعٍ من عَضُدْ

وقعد

الخِلْب: غشاء القَلْب؛ ومنه قولهم: قد خَلَبَني حبّ فلان؛ إِذا وصلَ إِلى قلبي، ويقال: الخِلْب الَّذي بين الزيادة والكَبِد. 151 - وقعد حرف من الأَضْداد عند العرب اللغويين. يقال: قد قعد الرَّجُل إِذا جلس، وقعد يشتِمني بمَعْنَى قام يشتِمني، قال الفَرَّاءُ: أَنشدني بعض بَنِي عامر: لا يُقْنِعُ الجاريةَ الخِضابَ ... ولا الوِشاحانِ ولا الجِلْبابُ مِنْ دونِ أَن تَلتقي الأَرْكابُ ... ويَقْعُدَ الفَعْلُ لَهُ لُعابُ جعل يقعد بمَعْنَى ضِدَّه، والأَركاب: موضع المذاكير، واحدها رَكَب، فاعلم. 152 - ومن الأَضداد أَيْضاً قولهم: ماتت المرأَة بجُمُع، إِذا ماتت عذراء لم تُنْكَح، وماتت بجُمُع إِذا ماتت وفي بطنها ولد، وجاءَ في الحديث: ومن الشُّهداء أَنْ تموت المرأَة بجُمُع، أَي تموت وفي بطنها ولد. وقد يفسّر على المعنى الآخر أَيْضاً. ويروى في حديث آخر: أَيُّما امرأَة ماتت بجُمُع لم تُطْمَث، فمعنى لم تطمث لم تفتضّ.

قال الفَرَّاءُ: الطَّمْث: الافتضاض بالتَّدْمية، وقالَ الفرزدق يذكر نساء: مَشَيْنَ إليَّ لمْ يُطْمَثْنَ قبْلي ... وَهُنَّ أَصحُّ من بَيْضِ النَّعامِ وإنما قيل للتي تموت عذراء: ماتت بجُمُع؛ لأَنَّها ماتت على حالها في اجتماع السّلامة لها، ويقال: بهيمة جَمْعاء، إِذا كانت سليمة من الآفات. وحدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدَّثنا أَبو مصعب، عن مالك، عن أَبي الزّناد، عن الأَعرج، عن أَبي هريرة، قال: قال رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: كلُّ مولود يولد على الفِطْرة فأَبواه يُهَوِّدانِه ويُنَصِّرانه، كما تَناتَجُ الإبلُ من بهيمة جمعاء، هلْ تُحِسُّ من جَدْعاء!؛ قيل: يا رَسُولُ الله، أَرأَيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أَعلم بما كانوا عاملين. فقوله عليه السلام: كما تناتَجُ الإِبِل من بهيمة جمعاء، معناه أَنها تناتج من بهيمة سَليمة من الآفة، ثمَّ تُفْقَأُ عيونُ بعض الإِبِل وتُبْحَر آذانها؛ فكذلك النَّاس يولدون على الفطرة ثمَّ ينصَّر بعضُهم ويهوَّد بعضهُم، ويُمَجَّسُ آخرون منهم، وقالَ الشَّاعِر يذكر ماءً ورده:

وفوق

وَرَدْناهُ في مَجْرَى سُهَيْلٍ يَمانياً ... بِصُعْرِ البُرى من بين جُمْعٍ وخادِجِ فالجُمْع: الَّتي في بطنها ولد، يقال: بِجِمْع بكسر الجيم. والخادج: الَّتي أَلقت ولدها، يقال: قد خَدَجَتِ النّاقة تخدِج، إِذا أَلقت ولَدها قبل أَوان النِّتاج، وإن كان تامّ الخَلْق، وأَخدجت تخدِج، إِذا أَلقته ناقص الخَلْق، وإن كان لِتَمام. ومن هذا ما حدَّثنا بشر بن موسى، قال: حدَّثنا الحميديّ، قال: حدَّثنا سفيان عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أَبيه، عن أَبي هريرة، عن النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم قال: كلُّ صلاة لا يُقرأُ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِداج، أَي ناقصة، وخِداج في هذا الحديث موضوع موضع خادجَة أَو خادج. ويجوز أَن يكون معناه ذات خِدَاج، أَي ذات نقصان؛ فحذف ذات وأَقيم الَّذي بعده مقامه؛ كما قالت الخنساء: ترتع ما رتعتْ حتَّى إِذا ادَّكَرَتْ ... فإنما هيَ إقْبالٌ وإدبارُ تريد: إنما هي ذات إقبال وإدبار. 153 - وفوق حرف من الأَضْداد؛ يكون بمَعْنَى أَعظم،

كقولك: هذا فوقَ فلان في العلم والشجاعة؛ إِذا كان الَّذي فيه منهما يزيد على ما في الآخر، ويكون فوق بمَعْنَى دون، كقولك: إنّ فلاناً لقصير، وفوق القصير، وإنه لقليل وفوق القليل؛ وإنّه لأحمق وفوق الأَحمق؛ أَي هو دون المذموم باستحقاقه الزيادة من الذّم؛ ومن هذا المعنى قول الله عزَ وجلّ: إنَّ الله لا يَسْتَحيي أَن يَضْرِب مَثَلاً ما بَعوضَةٍ فَما فَوقَها. يقال: معنى قوله: فما فوقها، فما دونها، ويقال: معناه فما هو أَعظم منها. وقالَ الفَرَّاءُ: الاختيار أَن تكون فوق في هذه الآية بمَعْنَى أَعظم؛ لأَنَّ البعوضة نهاية في الصِّغر؛ ولم يدفع المعنى الآخر، ولا رآه خطأ. وقالَ قُطْرب: فوق تكون بمَعْنَى دون مع الوصف؛ كقول العرب: إِنَّهُ لَقليلٌ وفوق القليل؛ ولا تكون بمَعْنَى دون مع الأَسماء، كقول العرب: هذه نَمْلة، وفوق النّملة؛ وهذا حمار وفوق الحمار، قال: لا يجوز أَن تكون فوق هاتين المسأَلتين بمَعْنَى دون؛ لأَنَّه لم يتقدمه وصف، إنما تقدمته النملة والحمار، وهما اسمان. وردّ

قول المفسرين الذين ذكروا فيه أَن فوقاً في الآية بمَعْنَى دون. قال أَبو بكر: وردّه هذا غلط عندي؛ لأَنَّ البعوضة وصفٌ للمَثَل، وما توكيد، والتقدير: مثلاً بعوضة فما دونها. فإِنَّ كان الأَمر على ما ذكر من أَن فوق لا تكون بمَعْنَى دون إِلاَّ بعد تقدم الوصف، لزمه إجازة هذا المعنى في الآية؛ إذْ كان الحرف جاءَ بعد البعوضة؛ وهي وصف للمثَل. ويجوز أَن تنتصب البعوضة على معنى بَيْن؛ ويكون التقدير: مثلاً ما بين بعوضة إِلى ما فوقها، فأَسقطت بين وجعل إعرابها في البعوضة؛ ليعلم أَن معناها مراد؛ كما قالت العرب: مُطِرْنا ما زُبالة فالثَّعْلَبِيَّة، وهم يريدون: ما بين زبالة إِلى الثعلبية، قال الشَّاعِر: يا أَحسَنَ النَّاسِ ما قَرْناً إِلى قَدَمٍ ... ولا حبالَ مُحبٍّ واصلٍ تَصِلُ أَراد: ما بين قرن إِلى قدم. وقرأَ رُؤْبَةُ بن العجاج: مَثَلاً ما بعوضَةٍ فما فَوْقَها، على معنى: مثلاً ما هو بعوضة، فأَضمر هو، كما قال الأَعشى: فأَنت الجوادُ وأَنتَ الَّذي ... إِذا ما النفوسُ مَلأْنَ الصُّدورا

ومن

جَديرٌ بطَعنةِ يومِ اللقا ... ءِ تَضرِب منها النساءُ النُّحورا أَراد: وأَنت الَّذي هو الجدير. 154 - ومِنْ حرف من الأَضْداد؛ تكون لبعض الشَّيْء، وتكون لكلّه، فكونها للتبعيض لا يُحتاج فيه إِلى شاهد، وكونها بمَعْنَى كلّ شاهده قول الله عزَ وجلّ: ولَهُمْ فيها مِنْ كُلِّ الثَّمَرات، معناه كلّ الثمرات، وقوله عزَ وجلّ: يَغْفِر لكم من ذُنوبكم، معناه يغفر لكم ذنوبكم. وقوله عزَ وجلّ: وعَدَ الله الذِّين آمَنوا وعَمِلوا الصَّالحات منْهُمْ مَغْفِرَةً وأَجْراً عظيما، معناه: وعدهم الله كلّهم مغفرة؛ لأَنَّه قدّم وصف قوم يجتمعون في استحقاق هذا الوعد. وقول الله عزَ وجلّ في غير هذا الموضع: ولْتكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعون إِلى الخَيْرِ، معناه: ولتكونوا كلكم أُمةً تدعو إِلى الخير، قال الشَّاعِر: أَخو رَغائِبَ يُعْطاها ويُسأَلُها ... يأبى الظُّلامَةَ مِنْهُ النَوْفَلُ الزُّفَرُ أَراد: يأبى الظُّلامة لأَنَّه نوفل زُفر. ومستحيل أَن تكون

مِنْ هاهنا تبعيضاً إذْ دخلت على ما لا يتبعَّض، والعرب تقول: قطعت من الثوب قميصاً، وهم لا يَنْوُون أَن القميص قُطِع من بعض الثوب دون بعض؛ إنما يَدُلُّون ب مِنْ على التجنيس، كقوله عزَ وجلّ: فاجْتَنِبوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوثان معناه: فاجتنبوا الأَوثان الَّتي هي رجس، واجتنبوا الرجس من جنس الأَوثان؛ إذْ كان يكون من هذا الجنس ومن غيره من الأَجناس. وقال الله عزَ وجلّ: ونُنَزِّلُ من القُرْآنِ ما هو شِفاءٌ، فمِنْ، لَيْسَتْ هاهنا تبعيضاً؛ لأَنَّه لا يكون بعض القرآن شفاء وبعضه غيرَ شفاء، فمِنْ تحتمل تأويلين: أَحدهما التجنيس، أَي نُنَزِّل الشفاء من جهة القرآن، والتأويل الآخر أَن تكون من مزيدة للتوكيد، كقوله: قُلْ للمُؤْمِنين يَغُضُّوا من أَبْصارِهِمْ، وهو يريد يغُضُّوا أَبصارهم، وكقول ذي الرُّمَّة: إِذا ما امْرُؤٌ حاوَلْنَ أَنْ يَقْتَتِلْنَه ... بلا إحْنةٍ بين النُّفوس ولا ذَحْلِ تبسَّمْن عن نَوْر الأَقاحيِّ في الثرى ... وفَتَّرْن من أَبصارِ مَضْروجَةٍ نجْلِ

أَراد: وفتّرن أَبصارَ مَضْروجَة. وكانَ بعض أَصحابنا يقول: من لَيْسَتْ مزيدة للتوكيد في قوله: مِنْ كُلِّ الثَّمرات، وفي قوله: مِن أَبصارِهِمْ وفي قولهيَغْفِر لَكُمْ مِنْ ذُنوبِكُمْ. وقالَ: أَمّا قوله: مِنْ كلِّ الثَّمرات، فإِنَّ من تبعيض، لأَنَّ العموم في جميع الثمرات لا يجتمع لهم في وقت واحد؛ إذْ كان قد تقدّم منها ما قد أُكِل، وزال وبقي منها ما يستقبل ولا ينفد أَبداً، فوقع التبعيض لهذا المعنى. قال: وقوله: يَغُضُّوا من أَبصارهم معناه: يَغُضُّوا بعض أَبصارهم. وقالَ: لم يُحظر علينا كلُّ النَّظر، إنما حُظِرَ علينا بعضه، فوجب التبعيض من أَجل هذا التأْويل. قال: وقوله: يَغْفِر لكم من ذنوبكم من هاهنا مُجَنَّسَة، وتأْويل الآية: يغفر لكم من إذنابكم، وعلى إذنابكم، أَي يغفر لكم من أَجل وقوع الذنوب منكم، كما يقول الرَّجُل: اشتكيتُ من دواء شربتُه، أَي من أَجل الدواء. وقالَ بعض المفسرين: مِنْ في قوله تعالى: وَعَدَ الله الذِّين آمَنوا وعَمِلوا الصَّالحات منهم مَغْفِرَةً مبعّضة، لأَنَّه ذكر أَصحاب نبيّه صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، وكانَ قد ذكر

وظهري

قبلهم الذين كفروا فقال: إذْ جَعَلَ الذِّين كَفَروا في قُلوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجاهِليَّة. وقالَ بعدُ: منهم؛ أَي من هذين الفريقين، ومن هذين الجنسين. 155 - وظِهْريّ حرف من الأَضْداد؛ يقال: ظهريّ للمعين، قال عمران بن حِطّان: وَمَنْ يَكُ ظهْرِيًّا على الله رَبِّهِ ... بِقُوَّتِه فالله أَغْنى وأَوْسَعُ أَراد: ومَنْ يكن معاوناً على الله ربِّه، والظِّهريّ في هذا المعنى بمنزلة الظَّهير، قال الله عزَ وجلّ: رَبِّ بما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكونَ ظَهيراً للمُجْرِمينَ، أَراد معاوناً. وقالَ الله عزَ وجلّ: وكانَ الكافِرُ على ربِّهِ ظَهيرا، أَراد: وكانَ معاوناً للكافرين على ربِّه. ويكون الظهريّ المطّرح الَّذي لا يُلتفت إليه، فيقول القائل: جعلتَني ظِهرِيًّا، وجعلت حاجتي ظهريَّة، أَي مطّرحة، وقالَ الله: واتّخَذْتُموهُ وَراءكُمْ ظِهْرِيًّا، أَراد: اطّرحتموه ولم تعبدوه، ولم تَقِفوا عند أَمره ونهيه. وقالَ أَبو عُبيدة: يقال: سأَلت فلاناً حاجة فظَهر بها،

إِذا ضيعها ولم يلتفت إليها، وأَنشد: وَجَدْنا بَني البَرْصاءِ من وَلَدِ الظَّهْرِ أَراد بَنِي أَولاد الذين يطّرحون ما يجب عليهم ولا يقومون به. وقالَ عمران بن حِطّان: تَكُنْ تَبَعاً للظَّالمين تُطيعُهُم ... وتَجْعَلْ كِتابَ الله مِنْكَ على ظَهْرِ أَي تطّرحه. وجاءت امرأَة إِلى الفرزدق فقالت: إن ابني مع تميم ابن زيد القينيّ بالسِّند، وقد اشتقت إليه، فإِنْ رأَيتَ أَن تكتب إليه في أَن يُقْفِله إليّ! فوعدها ذاك، ثمَّ لم يَفْعَل، فوجّهت إليه بامرأَة ابنها، وكانت جميلة، فسأَلته الَّذي سأَلته هي أَولاً، فَسُقِط في يده، وكتب إِلى تميم: تميمَ بنَ زيدٍ لا تكونَنَّ حاجتي ... بظهرٍ فلا يَخْفَى عَليَّ جَوابُها أَتتني فعاذتْ يا تميمُ بغالبٍ ... وبالحُفْرَةِ السَّافي عَلَيْه تُرابُها فهَبْ لي خُنَيْساً واتَّخِذ فيه منةً ... أَهَبْهُ لأُمًّ ما يَسوغُ شَرابُها فلما ورد الشِّعْر على تميم بن زيد، أَشكَل عليه الاسم، فقال: أَقْفِلوا كلّ من اسمه خُنَيس، أَو حُبَيش،

مرحبا

أَو حُنَيْش، أو خُشَيْش؛ فعُدّوا فكانوا ثمانين رجلاً. وأَراد الفرزدق بقوله: لا تكونَنّ حاجتي بظهرٍ لا تطّرحها. 156 - ومما يشبه الأَضداد قولهم في الاستهزاء: مرحباً بفلان؛ إِذا أَحبّوا قربه، ومرحباً به إِذا لم يريدوا قُربَه؛ فمعناه على هذا التأْويل: لا مرحباً به، فالمعنى الأَوّل أَشهر وأَعرف من أَنْ يحتاج فيه إِلى شاهد، والمعنى الثاني شاهده: مَرْحَباً بالَّذي إِذا جاَء جاَء ال ... خير أَو غاب غاب عن كلِّ خَيْرِ هذا هجاءٌ وذَمّ، معناه: مرحباً بالذي إِذا جاءَ غاب عن كلّ خير؛ جاءَ الخير أَو غاب، وتأْويل مرحباً لا مرحباً به، والمرحب معناه الدّعاءُ، قال الأَصْمَعِيّ: تأويل مرحباً وأَهلاً وسهلاً: لقيت مرحباً، أَي سعة، ولقيت أَهلاً كأَهلك، ولقيت سهلاً في أُمورك، أَي سهّلها الله عليك ولك. قال: وإنما سميت الرَّحبة رَحبة لاتّساعها. وقالَ الفَرَّاءُ: مرحباً وأَهلاً وسهلاً حروف وُضِعت في موضع المصدر؛ يذهب الفَرَّاءُ إِلى أَنّ التأويل رَحَّب الله بك ترحيباً، وأَهّلك الله تأهيلاً، وسهّل أَمورك تسهيلاً؛ فأَقيمت الأَسماء مقام المصادر، قال الله عزَ وجلّ:

يا عاقل

لا مَرْحَباً بِكُمْ، وقالَ الشَّاعِر: فَآبَ بِصالحِ ما يَبْتَغي ... وقُلْتُ له ادْخُلْ فَفي المَرْحَب وقال الآخر: إِذا جئتُ بوّاباً له قال مَرْحَباً ... ألا مَرْحبٌ واديك غيرُ مَضيقِ 157 - ومما يشبه الأَضداد أَيْضاً قولهم للعاقل: يا عاقل، وللجاهل إِذا استهزءوا به: يا عاقل. يريدون: يا عاقل عند نَفْسِك، قال عزَ وجلّ: ثمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِه من عَذابِ الحَميم. ذُقْ إنَّك أَنتَ العَزيز الكَريم، معناه: عند نفسك؛ فأَما عندنا فلست عزيزاً ولا كريماً. وكذلك قوله عزَ وجلّ فيما حكاه عن مخاطبة قوم شعيب شعيباً بقولهم: إنَّك لأنْتَ الحَليمُ الرَّشيدُ، أَرادوا: أَنت الحليم الرشيد عند نفسك، قال الشَّاعِر: فَقُلْتُ لسَيِّدِنا يا حَلِ ... يمُ إنَّكَ لَمْ تَأسُ أَسْواً رَفيقا أَراد: يا حليم عند نفسك، فإنما عندي فأَنت سفيه. 158 - وشِمْت حرف من الأَضْداد؛ يقال: شِمْت السيف

لم أضرب عبد الله ولم يضربني زيد

إِذا أَغمدتَه، وشِمْته أَيْضاً إِذا أَخرجتَه من غِمْده، قال الفرزدق: بِأَيْدي رجالٍ لمْ يَشيموا سُيوفَهُم ... ولم يُكْثِروا القتلى بها يوم سُلَّتِ أَراد: لم يغمدوا سيوفهم حتَّى كثرت القتلى. وأَخبرنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفراء، قال: يقال: أَغمدت السيف وغَمدته. وقالَ في المعنى الآخر: إِذا هيَ شيمَتْ فالقَوائمُ تحتَها ... وإنْ لم تُشَمْ يَوْماً علتْها القوائمُ أَراد بشيمت، سُلّت وأُخرِجت من أَغمادها؛ لأَنَّ السيف إِذا أُغمد كان قائمه فوقه، وإذا سُلَّ كان قائمه تحته. 159 - ومن الأَضداد أَيْضاً قول العرب: لم أَضربْ عبد الله ولم يضربني زيد؛ يحتمل معنيين متضادّين: أَحدهما أَن يكون: ضربي عبد الله مجْحوداً وكذلك ضرب زيد إياي؛ يراد به ما كان ذا وما كان ذا. والوجه الآخر أَن يكون الفعل الأَول والثاني صحيحين مثَبتين، والتقدير: لم أَضرب عبد الله حتَّى ضربني زيد، فوقع ضربي بعبد الله لما وقع بي ضربُ زيد؛ قال الشَّاعِر حجة

لهذا المذهب: فَلا أُسْقَى ولا يُسْقَى شَريبي ... ويُرْوِيه إِذا أَوْرَدْتُ مائِي معناه: فلا أُسْقى حتَّى يُسْقَى شَريبي. وشيبه به قول العرب، فلان لا مسافر ولا مقيم؛ يراد به لا يلزم أَحدَ الأَمرين دون الآخر، بل يسافر في وقت ويقيم في وقت. ومن هذا قول الله عزَ وجلّ: يُوقِدُ مِنْ شَجَرَة مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ، معناه: هي شرقية غربية، وليست بشرقية لا غربية، ولا غربية لا شرقية، لكنها تجمع الأَمرين جميعاً، تلحقها الشمس في وقت الطلوع وفي وقت الغروب، وذلك أَصْفى لزيْتها وأَجوَد له. وقد قال بعض المفسِّرين: وصف الله عزَ وجلّ شَجَرَةً خضراءَ ناعمة، قد حفّت بها الأَشجار وأَظلَّتها، فهي تمنع الشمس من أَن تلحقها في وقت الطُّلوع، أو في وقت الغروب، فهذا التفسير يضادّ التفسير الأَوَّل، لأَنَّ أَصحابه يذهبون إِلى أَنَّ الشمس لا تلحق هذه الشجرة في واحد من هذين الوقتين. وقالَ آخرون: هي شجرة في أَصل جبل، قد منع

ما ظلمتك وأنت تنصفني

الجبلُ الشمس من أَن تلحقها في هذين الوقتين؛ فهي مستورة ممنوعة من الشمس بالجبل العالي عليها، وهذا التفسير يضارع التفسير الَّذي قبله. 160 - ومن الأَضداد أَيْضاً قول العرب للرجل: ما ظلمتُك وأَنت تُنْصِفني، يحتمل معنيين متضادّين: أَحدهما ما ظلمتُك وأَنت تظلمْني، بل مذهبك إِنصافي، واستعمال ما أَستعمله من تركِ الظلم لك، والجنَفِ عليك. والمعنى الآخر: ما ظلمتُك لو أَنصفتني؛ فأَما إذْ لم تنصفني فإِنِّي أُكافئك بمثل فعلك؛ وقول الله عزَ وجلّ: ومَا كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، يفسَّر تفسيرين متضادّين: أَحدهُما: وما كان الله معذبَهم وأَولادُهم يستغفرون؛ أَي قد وقع له في علمه جلّ وعزّ أَنَّهُ يكون لهم ذريَّة تعبده وتستغفر لهم، فلم يكن ليوقع بهم عذاباً يجتثُّ أَصلَهم؛ إِذا علم ما علم من صلاح أَولادهم، وعبادتهم له جلَّ وعلا. والتفسير الآخر: وما كان الله معذِّبهم لو كانوا يستغفرون؛ فإِنَّهم مستحقُّون لضروب العذاب الَّتي لا يقع معها البوار والاصطلام، بل

دلو يدية وأدية

تكون كما وقع بهم من عذاب الجدْب في السنين الَّتي لحقتْهم، فأَكلوا فيها الجِيَف والعِلْهِز. وكعذاب السيف والأَسْر الَّذي لحقهم يوم بدر وغيره، والله أَعلم بحقيقة ذلك كلّه وأَحكم. 161 - ومن حروف الأَضداد أَيْضاً قولُ العرب: دَلْوٌ يَدِيَّة وأَدِيَّة؛ إِذا كانت وِفْقاً لَيْسَتْ واسعة ولا ضيِّقة، ودلو يَدِيَّة إِذا كانت واسعة. ويقال أَيْضاً: ثوب يديّ، إِذا كان واسع الكمّ، وإِذا كان ضيِّقاً، قال العجَّاج: أَزْمان إذْ ثَوْبُ الصِّبا يَدِيُّ ... وَإِذ زَمَانُ النَّاسِ دَغْفَلِيُّ أَراد ثوب الصبا واسع. ويقال: عيش يديّ؛ إِذا كان واسعاً، وإِذا كان ضَيِّقاً. 162 - والقَنِيص حرف من الأَضْداد؛ يقال: القَنِص للقانص، ويقال للمفعول أَيْضاً قَنيض؛ ويكون القَنيِص بمَعْنَى الفِعْل والمصدر، وقال الشَّاعر: تَقْنِصُكَ الخيلُ وتصطادُك الـ ... ـطَّيْرُ ولا تُنْكَعُ لَهْوَ القَنِيصْ معنى تُنْكَعُ تُخَلَّى والقَنِيص وتُمَتَّع بلهوه.

ولائق

163 - ولائق حرف من الأَضْداد؛ يقال: الرَّجُل لائقُ الدَّواة، وقد لاقها يليقها لَيْقاً ولُيوقاً ولَيَقاناً، فهو لائق لها، والدَّواة مَلِيقَةُ وَمَلُوقة. وأَلاقها يُلِيقها إِلاقَةً، فهو يُلِيق. والدَّواة مُلاقة، قال أَبو عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة بن مسعود: إِذا نحنُ جَهَّزْنا إِليكمْ صَحيفَةً ... أَلْقَتْنا الدَّوَايَا بالدُّموع السَّواجِمِ ويقال: قد لاقت الدَّواةُ إِذا استحكم لَيْقُها بغيرها، فهذا ضدّ لائق إِذا كان وصفاً للفاعل. ومعنى اللَّيْق إِلصاق المداد بالكُرْسُف، والكُرْسُف: القطن، وكذلك البِرْس، والطَّاط، والخِرْفَع، والقُطْن، والقُطُن والقُطُنّ. ويقال: دخلتُ المدينة فما لاقَتْني؛ إِذا لم توافقني ولم أَثبت بها. ويقال: سيف لا يُليق شيئاً، إِذا كان يقطع ما يقع عليه، ولا يَثْبت من ضريبته شيء. ويقال: تزوَّج فلان فلانة فما لاقتْ عنده ولا عاقت؛ إِذا لم تلصق بقلبه، ويقال: هذا الكلام لا يَلِيق بِصَغَري ولا يَلِيطُ بصَفَرِي، أَي لا يُلْصَق بقلبي. وقالَ ابن أَحمر يذكر امرأَته: رَمَتْنِي بهَوْرَاتِ الذُّنُوبِ وباعَدَتْ ... فِراشِي فَيا للسَّاسِ مَاذا يُلِيقُها

أَراد: ماذا يُلْصِقُها بقلبي؟ ومعنى هورات: البلايا والشرور. ويقال: فلان يَهُورُ فلاناً، إِذا طلَب عيوبه ونَسَب إِلَيْه المقابح. والَّلام في قوله: يا للنَّاس لام تُخفض وتُفتح بمَعْنَى الاستغاثة، كقولهم: يا لِلمسلمين! يا لَبَكر! يا لَتميم!. وأَنشدنا أَبو العبَّاس: وإِنِّي لَباقي الدمعِ ما عشتُ فاعْلمي ... جُنُوحَ ظلامٍ أَو تَنَوُّرَ شارِقِ وما زَالَ هَذا الدَّهْرُ مِنْ شُؤْمِ جَدِّهِ ... يُفَرِّقُ بين العاشقين الأَلاصِقِ يُباعِدُ مِنَّا مَنْ نُحِبُّ اجْتِماعَهُ ... ويُدْنِي إِلينَا صَاحباً غَيْرَ لائقِ أَي غير ملتصق بقلوبنا. ويقال: كفُّ فلان ما تُليق درهماً ولا ديناراً، إِذا لم يثبت فيها شيء لكرمه وكثرة عطائه؛ أَنشد الفَرَّاءُ: كَفَّاكَ كَفٌّ ما تُلِيقُ دِرْهَماً ... جُوداً وأُخرى تُعْطِ بالسَّيْفِ الدَّما أَراد: تعطي، فاكتفى بالكسرة من الياء، كما قال أَبو خِراش: وَلا أَدْرِ مَنْ أَلقى عليه إِزارَهُ ... خَلا أَنَّهُ قَدْ سُلَّ عَنْ مَاجِدٍ مَحْضِ أَراد ولا أَدري، فاكتفى بالكسرة من الياء.

والصرد

164 - والصَّرَد حرف من الأَضْداد؛ يقال: صَرِد السَّهمُ يَصْرَدُ إِذا أَخطأَ، وصَرِد إِذا أَصاب، ويقال: سهم مُصْرِد؛ إِذا كان مصيباً، وسَهْم مُصْرِد، إِذا كان مخطئاً، قال النَّابِغَة: ولَقَدْ أَصابَتْ قَلْبَهُ مِنْ حُبِّها ... عَنْ ظَهْرِ مِرْنَانٍ بِسَهْمٍ مُصْرِدِ وقال الآخر: يُواتِر الشَّدَّ إِذا ما وَلَّى ... أَصْرَدَهُ الموتُ فَمَا أَظَلاَّ وقالَ اللعين المِنْقَرِيّ: فَما بُقْيَا عليَّ تَركْتُمانِي ... ولَكِنْ خِفْتُما صَرَدَ النِّبالِ قال أَبو بَكْر: فيه تفسيران متضادَّان: أَحدُهما: ولكن خفتما إِصابة نَبْلي إِيَّاكما. والتفسير الآخر: ولكن خفتما أَن تُخْطِئ نبالكما إِذا رميتما فتهلِكا. 165 - والدُّرْع حرف من الأَضْداد؛ قال قُطْرب: يقال: دُرْعٌ للَّيالي الَّتي صًدورها بِيض وأَعجازها سود، ويقال أَيْضاً: دُرْع للَّيالي الَّتي صُدورها سود وأَعجازها بِيض،

وواحدة الدُّرْع دَرْعاءُ، قال: ويقال: شاة دَرْعاءُ، إِذا كان مقدمُها أَبيض ومؤخرها أَسود، ويقال لها أَيْضاً: درعاء، إِذا كانَ مقدَّمها أَسود ومؤخَّرها أَبيض. وتابع قُطْرباً على هذا جماعة من البصريين. وقالَ أَبو عُبيد: يقال في ليالي الشهر: ثلاث غُرَر، وثلاث نُفَل، وثلاث تُسَع، وثلاث عُشَر، وثلاث بِيض، وثلاث دُرَع، وثلاث ظُلَم، وثلاث حَنادِس، وثلاث دَآدِيّ، وثلاث مُحاق؛ فالَّذين يقولون: دُرْع، بتسكين الراءِ يذهبون إِلى أَنَّ الواحدة دَرْعاءُ، والَّذين يقولون: دُرَع، بفتح الرَّاء يقولون: الواحدة دُرْعة. وقد يقول بعضهم: واحدة الدُّرَع دَرْعاءُ؛ وهذا الجمع على غير قياس، قال الشَّاعر: لو كنتِ ليلاً من ليالِي الشهرِ ... كنتِ من البِيضِ وفاَء النَّذْرِ قَمرَاء لا يَشقَى بها مَنْ يَسرِي ... أَو كنتِ مَاءً كُنتِ غير كَدْرِ ماء سماءٍ في صفاً ذي صَخْرِ ... أَكنه الله بعيصٍ سِدْرِ فهو شفاءٌ من غَليلِ الصَّدْرِ

المؤدي

وقول امرئ القَيْس: وابنِ عمٍّ لِي فُجِعْتُ بِهِ ... مِثْلِ ضَوْءِ البَدْرِ في غُرَرِهْ لم يرد بالغُرر اللَّيالي الثَّلاث من أَوَّل الشهر؛ لأَنَّ البدر لا يكون فيها؛ وإِنَّما أَراد بالغرر البياض؛ وهو جمع؛ واحدته غُرَّة. 166 - ومن حروف الأَضداد أَيْضاً المؤْدِي؛ يقال: رجل مُؤْدٍ بالهمز؛ إِذا كان تامّ الأَداة كاملَ السلاح، ويقال: رجل مودٍ بلا همز؛ إِذا كان هالكاً؛ وقد أَودَى يُودِي إِيداءً. ويجوز ترك الهمز من مؤد فتتحوَّل الهمزة واو ساكنة لانضمام ما قبلها، كما قالوا: الرَّجُل يُومِن، والأَصل يؤمن، فلمَّا سكنت الهمزة وانضمَّ ما قبلها غُلِّبت الضمَّة عليها، فجعلتها واواً كما تغلِب الكسرة على الهمزة الساكنة فتجعلها ياءً في قولهم: الذيب والبير؛ وتغلب الفتحة على الهمزة الساكنة فتحوِّلها أَلفاً في قولهم: الراس والكاس، وآدم وآخر؛ قال عديّ بن زيد: وتَقُولُ العُداةُ أَوْدَى عَدِيٌّ ... وعَدِيٌّ بسُخطِ ربٍّ أَسيرُ فمعناه هلك عدي.

الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها

167 - وممَّا فسّر من كتاب الله تفسيرين متضادّين، قوله تبارك وتعالى: اللهُ الَّذي رَفَعَ السَّموات بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، يقال: معناه خلقها مرفوعة بلا عَمَد، فالجحْد واقع في موضعه الَّذي يجب كونه فيه، ثمَّ قال بعد: تَرَوْنَهَا أَي لا تحتاجون مع الرؤية إِلى خبر. ويفسَّر تفسيراً آخر، وهو: الله الَّذي رفع السموات بعمد لا ترون تلك العمد، فدخل الجحْد على العَمَد في اللفظ، وهو في المعنى منقول إِلى الرؤية؛ كما تقول العرب: ما ضربت عبد الله وعنده أَحد، يريدون: ضربت عبد الله وليس عنده أَحد. ويقال: ما ينشأُ أَحد ببلد فيزال يذكره؛ أَي إِذا نشأَ ببلد لم يزل يذكره. وأَنشد الفَرَّاءُ حجَّة لهذا المعنى: وَلا أَراها تزالُ ظَالِمَةً ... تُحْدِثُ لِي نَكْبَةً وَتَنكؤُها أَراد: وأَراها لا تزال ظالمة. وأَنشد أَيْضاً: إِذا أَعجبتْك الدَّهْرَ حالٌ من امرئٍ ... فدعْه وواكِلْ حالَهُ واللَّيَاليَا يَجِئْن عَلَيَّ ما كانَ مِنْ صَالحٍ بهِ ... وإِنْ كانَ فيما لا يَرَى النَّاسُ آلِيا

إنك أنت المحزون في أثر ال ... حي فإن تنو

أَراد: وإِن كان فيما يرى النَّاس لا يأْلو، فالجحْد منقول من موضعه إِلى ما بعده. 168 - وممَّا يفسَّر من الشِّعْر تفسيرين متضادّين قول الجعديّ: إِنَّك أَنت المحزون في أَثر ال ... حَيِّ فإِنْ تَنْوِ نِيَّهمْ تُقِمِ أَخبرنا أَبو العبَّاس، قال: حدَّثنا بعض أَصحابنا أَنَّ رجلاً جاءَ بكرَّاسة إِلى كيسان، فقال له كيسان: ما في كرَّاستك هذه؟ قال: شعر النَّابِغَة الجعديّ، قرأْته على الأَصْمَعِيّ، فقال له: فما حفظت من تفسيره؟ قال: حفظت عنه أَنَّه قال: فإِن تَنْوِ نِيَّهمْ تُقِمِ، معناه تُقِمْ صدور الإِبل وتلحق بأَهلك؛ فقال كيسان: كذب الأَصْمَعِيّ؛ لم يُرِد النَّابِغَةُ هذا، وقد سمع الجواب من أَبي عَمْرو ولكنَّه نَسِيَه؛ وإِنَّما أَراد: فإِن تنوِ ما نَوَوْا من البعد والقطيعة تُقم ولا تتبعهم حتَّى يوافِق فعلُهم فعلَك، وما تَنْوي ما ينوُون. 169 - والأُمَّة حرف من الأَضْداد؛ يقال: الأُمَّة للواحد الصالح الَّذي يُؤتمُّ به، ويكون عَلَماً في الخير، كقوله

عزَ وجلّ: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ قَنِتاً للهِ حَنيفاً. ويقال: الأُمَّة أَيْضاً للواحد المنفرد بالدِّين؛ قال سعيد ابن زيد بن عَمْرو بن نُفَيل: قلت: يا رَسُول الله؛ إِنَّ أَبي قد كانَ عَلَى ما رأَيت وبَلَغك، أَفلا أَستغفر له؟ قال: بلَى؛ فإِنَّه يُبعثُ يوم القيامة أُمَّةً وَحْدَهُ. ويفسَّر هذا الحرف من كتاب الله تعالى تفسيرين متضادّين، وهو قوله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، فيقول بعضُ المفسِّرين: معناه كان النَّاس مؤمنين كلّهم. ويَقُولُ غيره: معناه كان النَّاس كفَّاراً كلُّهم، فالذين قالوا: الأُمَّة هاهنا المؤمنون، ذهبوا إِلى أَنَّ الله عزَ وجلّ لمَّا غرَّق الكافرين من قوم نوح بالطوفان، ونجَّى نوحاً والمؤمنين، كان النَّاس كلُّهم من ذلك الوقت مؤمنين؛ ثمَّ كفر بعضُهم بعد ذلك الوقت فأَرسل الله إِليهم أَنبياءً يبشرون وينذرون، ويدلُّونهم على ما يَسْعَدُون به، ويتوفَّر منه حظّهم.

ونسل

ومن قال: الأُمَّة في الآية معناها الكافرون، قال: تأْويل الآية: كان النَّاس قبل إِرسال الله نوحاً كافرين كلُّهم؛ فأَرسل الله نوحاً وغيره من النَّبيِّين المبعوثين بعده يبشِّرون ويُنذرون، ويدلُّون النَّاس على ما يتديَّنون به ممَّا لا يقبل الله يوم القيامة غيرَه. والله أَعلم بحقيقة القولين وأَحكم. 170 - ونَسَل حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد نَسَل، إِذا ظهر وخرج، وقد نَسَل الشَّعْر، إِذا سقط، وقد نَسَل إِذا نبَت؛ قال الشَّاعر: إنِّي إِذا ما أَعْيَتِ القَوْمَ الحِيَلْ ... أَنْسُلُ في ظُلمَةِ لَيلٍ ودَغَل وقال الله عزَ وجلّ: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فمعنى ينسلون هاهنا يُسرعون، وليس هو من البابين الأَوَّلين. وقال الشَّاعر: عَسَلانَ الذِّئبِ أَمْسَى قَارِباً ... بَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ أَراد فأَسرع. والحَدَب المكان المرتفع، قال الشَّاعر: تَدارَكني منه خليجٌ فردَّني ... له حَدَبٌ تَسْتَنُّ منه الضَّفادِعُ

وزنأ

وقال الآخر: فأَمَّا يَوْمُهُنَّ فَيَوْمُ سَوْءٍ ... تُطَارِدُهُنَّ بالحَدَبِ الصُّقُورُ 171 - وزنأ حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد زنأَ في الجبل يَزْنأ زنأً وزُنوءاً، إِذا صَعِد فيه، قال الشَّاعر: وارْقَ إِلى الخيرات زَنْأً في الجبلْ ويقال: قد زنأَ الرَّجُل يزنأ زنأً وزنوءاً إِذا لَصِق بالأَرض فلم يبرَح. ويقال في غير هذا: قد أَزنأَ الرَّجُل بَولَه يُزنئه إِزناءً إِذا حقنَه، وقد زنأَ البول يَزْنأُ زنوءاً إِذا احتقن، ويقال: رجل زَنَاء؛ إِذا كان حاقناً. ومنه الحديث المرويّ: نهى رَسُول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَن يُصلِّيَ الرَّجُل وهو زَنَاء؛ أَي حاقن؛ وإِنَّما قيل للحاقن زَنَاء، لضيق موضع البول عليه، ويقال لحفرة القبر: زَنَاء، لضيقها، قال الشَّاعر: وإِذا دُفِعْتَ إِلى زَنَاءٍ قَعْرُها ... غَبْرَاَء مظلمةٍ من الأَحْفَارِ 172 - وأَورق حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد أَورق

والمشيح

الرَّجُل إِذا أَصاب وَرِقاً، أَو وَرَقاً، وأَورق الصائد إِذا أَخفق. وتفسير: أَخفق: لم يصب شيئاً، ومنه حديث النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: أَيُّما سَرِيَّة غَزَتْ فأَخْفَقَتْ فلها أَجرها مرَّتين، أَي لم تغنم ولم تُصِبْ من أَعدائها سَلباً، قال عُبيد يذكر فرسه: فَيُخْفِقُ مَرَّةً ويُفيد أُخرى ... ويُلْحِقُ ذا الملامَةِ بالأريبِ أَي يفيد مرَّة ويخيب مرَّة، والوَرِق والرِّقَة: الفضَّة، والورَقُ عند العرب: المال، والمال الإِبل والغنم، قال العجَّاج: إِيَّاكَ أَدْعُو فَتَقَبَّلْ مَلَقِي ... واغْفِرْ خَطايايَ وثَمِّرْ وَرَقِي والورَق أَيْضاً: الضِّعاف من النَّاس، قال الشَّاعر: إِذا وَرَقُ الفِتيان كانوا كأَنَّهم ... دراهم منها جائزاتٌ وزَائِفُ والورَق أَيْضاً: الدَّم، قال بعض الشُّعراء: أَرقَا ما أَرقا ... دمعاً يحثُّ الوَرَقا أَي ينزل الدِّماءَ. 173 - والمُشِيح حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد أَشاح الرَّجُل يُشِيح إِشاحةً، إِذا فزع وحَذِر، وقد أَشاح يُشيح فهو مُشِيح، إِذا جدَّ وانكمش وجَسَر؛ قال عُبيد بن الأَبرص:

قَطعْتُه غُدْوَةً مُشِيحاً ... وصاحبي بازِلٌ خَبُوبُ أَراد بالمشيح المنكمش؛ وقالَ أَبو ذُؤَيْب: بدرتَ إِلى أُولاهمُ فسبقتَهُمْ ... وشَايَحْتَ قبل اليومِ إِنَّك شِيحُ ويُرْوَى: سبقتهُمُ ثمَّ اعتنقتَ أَمامَهُمْ ... وشَايَحْتَ قبل اليومِ إِنَّك شِيحُ اعتنقتَ: بدَرت؛ أَي سبقت بعُنُقِك. وقالَ أَبو النَّجم يذكر الحمار والأُتن: قُبًّا أَطاعَتْ رَاعياً مُشِيحاً ... لا مُنْفِشاً رَعْياً وَلا مُرِيحَا المنفش والمنفّش: الَّذي يتركها ترعى ليلاً؛ وقالَ الآخر: مُشِيحٌ فَوْقَ شِيحَانٍ ... يَجُولُ كَأَنَّهُ كَلْبُ المشيح: المنكمِش، وشِيحان فرس؛ وقالَ النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: اتَّقُوا النَّار وَلَوْ بشِقّ تمرة. ثمَّ أَعرض وأَشاح. ففي أَشاح تأْويلان أَحدهما جدّ وانكمش على الإِيماء باتِّقاء النَّار والتَّحذير لها، والتأْويل الآخر حذِرها وكانَ كالفزِع منها، وكانت كالممثَّلة بين يديه في حال قوله هذا. والله أَعلم.

مرى

وقال الآخر: وإِعْطائِي عَلَى العِلاَّتِ مالِي ... وضَرْبِي هَامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ أَراد بالمشيح الجادّ المنكمش. وقال الآخر: إِذا سمعنَ الرِّزَّ من رَباحِ ... شَايَحْنَ مِنْهُ أَيَّما شِيَاحِ أَي حَاذَرْن منه. 174 - وقالَ بعض البصريين: مَرى حرف من الأَضْداد؛ يقال: مراه حقَّه إِذا رفعه عنه وجَحده، ومراه مائة دينار، إِذا أَعطاه ونقده إِيَّاها، قال: وكانَ بعض النحويين عمل على هذا المعنى الثاني بيتاً مُلغَّزاً، فقال: دَراهمَ عَمْرٍو واسأل المرَء خَالِداً ... عن البَزّ إذْ جاَء النّفاقُ أَبا عَمرِو فقال: آخر البيت عامل في الدراهم؛ معناه امْرِ دراهم عَمْرو، واسأَل المرءَ خالداً عن البزّ، إِذا جاءَ النّفاق أَباع، فوصل امر بالعين من باع. وإِذا قيل: مراه حقَّه فمعناه جَحده ودفعه، واستخرج مكروهه وغضبه؛ من

وزال

قول العرب: مريتُ النّاقة أَمْرِيها إِذا حَلَبْتَها، واستخرجت لبنها، ويقال: مَرَتِ الريح السحاب، إِذا استخرجَتْ ما فيه من المطر، قال الشَّاعر، أَنشدناه أَبو العبَّاس: فما ظبْيَةٌ من وَحْشِ بَطنِ مَجَمَّةٍ ... مَرَتْها الصَّبا واستربَعَتْها جَنُوبُها بأَحْسَنَ منها يومَ قالت كمِ الَّذي ... تُراكَ من الأَيَّامِ عنِّي تَغيبُها ويقال: قد مَرُؤ الرَّجُل إِذا صارت له مروءة، ومَرَأَني الطعام وأَمرأَني. وقالَ بعض النحويين: يقال أَمرأَنِي الطعام، ولا يقال: مَرأَنِي بغير أَلف في الإِفراد؛ تتقدَّم هنأَني. وقالَ ابن الأَعْرَابِيّ وغيره: يقال أَمرأَني ومَرَأَني، بأَلف وبغير أَلف. ويقال: مارَى فلان فلاناً، إِذا جادله واستخرج كلُّ واحد منهما من صاحبه مكروهاً وشرًّا، قال الشَّاعر: أَمَّا البَعِيثُ فقد تبيَّن أَنَّهُ ... عَبْدٌ فعَلَّكَ في البَعيثِ تُمارِي 175 - وزالَ حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد زال المكروه عن فلان، وقد زال الله المكروهَ عنه بمَعْنَى أَزال، قال الأَعشى: هذا النَّهارُ بدا لها مِنْ هَمِّها ... ما بالُها باللَّيل زالَ زَوالَها

وخان

في نصب زوالها قولان: أَحدهما أَن يكون الفعل لله عزَ وجلّ، وتأْويله: زال الله زوالَها، أَي أَزال الله زوالَها. وسمعتُ أَبا العباس يقول: لَيْسَ الفعل لله جلّ وعزّ؛ ولكنَّه للخيال، والزوال نصب على معنى المحلّ، وتقديره: زال خيالُها زوالَها، أَي زال خيالُها حيث زالَتْ؛ فلا تتأَذَّى به، وتهيج أَحزاننا بالهامة، ونصب النهار على مذهب الوقت، والتأْويل: هذا بَدَا لَها من همّها في النَّهار. وكان أَبو عَمْرو بن العلاءِ ينشده: زال زوالُها، بالرفع، ويَقُولُ: أَقوى الشاعر، والإِقواءُ اختلاف إِعراب القوافي. وقال الآخر: وبَيْضَاَء ما تنحاشُ مِنَّا وأُمُّها ... إِذا ما رأَتْنا زالَ مِنَّا زَوِيلَها فهذا يدلُّ على أَنَّ زيل بمَعْنَى أُزِيل، وزال بمَعْنَى أَزال. 176 - وخان حرف من الأَضْداد؛ يقال: خان النَّعِيمُ فلاناً، وخان الدَّهْرُ النَّعيمَ فلاناً، فيكون النَّعيم فاعلاً في حال، ومفعولاً في حال، وخان غير متغيّر اللَّفظ، قال الأَعشى:

وطل

وخانَ النَّعيمُ أَبا مالِكٍ ... وأَيُّ امْرِئٍ لَمْ يَخُنْهُ الزَّمَنْ ويُرْوَى: وخانَ النَّعيمَ أَبا مالِكِ. على معنى: وخان الزَّمانُ أَبا مالك النَّعِيم. 177 - وطَلَّ حرف من الأَضْداد؛ يقال: طَلَّ فُلان دَمَ فلان إِذا أَبطله، وطَلَّ دَمُ فلانٍ، إِذا بطل؛ والاختيار طُلَّ دَمُه؛ وقد يقال: طَلَّ دَمُه وأُطِلَّ دَمُه، وأَطَلَّ الله دَمَه، وطَلَّ اللهُ دَمَه، قرأْنا على أَبي العبَّاس لأَبي حَيَّة النُّميرِيِّ: ولكِنْ وبَيْتِ اللهِ ما طَلَّ مُسْلِماً ... كَغُرِّ الثَّنَايا واضحاتِ المَلاَغِمِ وحدَّثنا إِسماعيل بن إِسحاق، قال: حدَّثنا نصر بن علي، قال: خبَّرنا الأَصْمَعِيّ، عن عيسى بن يعمر، قال: جاءَت امرأَة تخاصم زوجها إِلى يحيى بن يعمر، فقال للزوج: آلله؛ أَنْ سَأَلَتْكَ ثَمَنَ شَكْرِها وشَبْرك أَنشأَت تَطُلُّها وتَضْهَلُهَا! أَراد بقوله: تَطُلُّها، وتَضْهَلُهَا، تَرُدُّها إِلى أَهلها، والشَّكْر كناية عن الفَرْج، قال الهُذَلِيّ:

وأو

صناعٌ بإِشْفَاهَا حَصَانٌ بِشَكْرِها ... جَوَادٌ بقُوتِ البَطْنِ والعِرْقُ زَاخِرُ أَي هي كريمة، والشَّبْر كناية عن النكاح؛ يُحْكَى عن النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَنَّهُ لمَّا أَدخل فاطمة على عليٍّ رضوان الله عليهما قال: جَمَع الله شملَكُمَا، وبارَكَ لَكُمَا في شَبْركُمَا. وقالت أُم الخيار لأَبي النَّجم: لَقَدْ فَخَرْتَ بقصيرٍ شَبْرُهْ ... يَجِيءُ بَعْدَ فَعْلَتَيْنِ قَطْرُهْ عاتبتْه بأَنه لا يطاوِل في النكاح. 178 - وأوْ حرف من الأَضْداد؛ تكون بمَعْنَى الشكّ، في قولهم: يقوم هذا أَو هذا، أَي يقوم أَحدهما. وتكون معطوفة في الشَّيْء المعلوم الَّذي لا شكَّ فيه، كقول جرير: نالَ الخِلافَةَ أَوْ كانتْ لَهُ قَدَراً ... كما أَتى رَبَّهُ مُوسى على قَدَرِ أَراد وكانت. وقالَ تَوبة بنُ الحُمَيِّر: وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسي تُقَاها أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُها أَراد: وعليها. وقالَ أَبو عُبيدة في قول الله جلّ وعزّ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ في ضَلاَلٍ مُبِينٍ، معناه: وإِنَّا لعَلَى هدًى،

وإِنكم في ضلال مبين؛ فأَقام أَوْ مقام الواو، لأَنَّ المسلمين ما شكُّوا في أنَّهم على هدى، وأَنشد: فَلَوْ كان البُكاءُ يَرُدُّ شيئاً ... بَكَيْتُ على بُجَيْرٍ أَوْ عِفَاقِ على المَرْأَيْنِ إذْ هَلَكَا جَميعاً ... لشأْنِهِما بِشَجْوٍ واشْتِياقِ أَراد: على بجير وعِفاق، فأَقام أَو مقام الواو. ويجوز أَن تكون أَو دخلت على هذه الآية على غير شكّ لحق المسلمين فيما هُمْ عليه، بل لمعنى الاستهزاء بالمشركين، كما قال أَبو الأَسود: يقولُ الأَرْذَلونَ بَنُو قُشَيْرٍ ... طَوالَ الدَّهرِ ما تَنْسَى عَلِيَّا بَنُو عَمِّ النَّبِيّ وأَقْرَبُوهُ ... أَحَبُّ النَّاسِ كُلِّهمُ إِليَّا فإِنْ يَكُ حُبُّهُمْ رُشْداً أُصِبْهُ ... ولَيْسَ بمُخْطِئٍ إِنْ كانَ غَيَّا وأَخبرنا أَبو عبد الله محمد بن أَحمد البصريّ، قال: حدَّثنا أَبو الخطَّاب زياد بن يحيى، قال: حدَّثنا الهَيْثَم بن الرَّبيع، قال: حدَّثنا سرَّار بن المجشَّر أَبو عُبيدة العَنَزِيّ، قال: كتب معاوية إِلى زياد كتاباً، وقالَ للرَّسول:

إِنَّك سترى إِلى جانبه رجلاً، فقل له: إِنَّ أمير المؤمنين يقول لك: قد شككت في قولك: فإِنْ يَكُ حُبُّهُمْ رُشْداً أُصِبْهُ ... ولَيْسَ بمُخْطِئٍ إِنْ كانَ غَيَّا فقال لأَبي الأَسود ما قاله معاوية. فقال: قل له: لا علمَ لك بالعربيَّة، قال الله عزَ وجلّ: وإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ في ضَلالٍ مُبين، أَفترى ربَّنا شَكَّ! فسكت معاوية لمَّا بلغه احتجاجُ أَبي الأَسود. وقالَ الفَرَّاءُ وغيره: معنى الآية أَنَّ المؤمنين أَدخلوا أَو في كلامهم وهم لا يشكُّون فيما هم عليه من الهدى، على جهة الترفُّق بالمشركين، والاستمالة لهم إِلى طاعة الله؛ كما يقول الرَّجُل للرَّجُل إِذا كذب: قل إِن شاءَ الله؛ وربما قال له أَحد: يا كاذب، فمعناه كذبت، لا أَنَّهُ حسن اللَّفظ. وتكون أَو بمَعْنَى التخيير، كقولك للرَّجل: جالس الفقهاء أَو النحويين، فمعناه: إِن جالست الفقهاء أَصبتَ، وإِن جالستَ النحويين أَحسنت، وإِن جالست الفريقين فأَنت مصيبٌ أَيْضاً. وتكون أَو بمَعْنَى بل، كقوله جلّ وعزّ: إِلى مائةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُون، معناه بل

وحافل

يزيدون. قال ابن عباس: كانوا مائة أَلف وبضعة وعشرين أَلفاً، قال الشَّاعر: بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمسِ في رَوْنَقِ الضُّحَى ... وصُورتِها أَو أَنتِ في العينِ أَمْلَحُ معناه: بل أَنت. وقوله عزَ وجلّ: وَلاَ تُطعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً، يفسَّر تفسيرين: أَحدهما: آثماً وكفوراً، والآخر آثماً ولا كفوراً، قال الشَّاعر: لاَ وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجَدْتَ ولاَ ... ثُكْلُ عَجُولٍ أَضَلَّها رُبَعُ أَوْ وَجْدُ شَيْخٍ أَضَلَّ نَاقتَهُ ... يَوْمَ تَوافَى الحجيجُ فانْدَفَعُوا أَراد: ولا وجد شيْخ. وقد استقصينا الكلام في معاني أَوْ في كتاب الرَّدّ على الملحدين في القرآن، وذكرنا منه هاهنا جملة لا غِنَى بالكتاب عنها. 179 - وحافل حرف من الأَضْداد؛ يقال: ناقة حَافِل؛ إِذا ذهب اللَّبن من ضَرْعها فلم يبق منه إِلاَّ اليسير، وناقة حافِل إِذا امتلأَ ضَرْعها باللَّبن. ويقال: وادٍ حافل وشُعْبَةٌ حافل؛ إِذا كثر سيلُهما؛ ويقال: قَدْ حَشَكَ الضَّرْعَ حَشْكاً

وفزع

إِذا امتلأَ باللَّبن، قال زهير: كما اسْتَغاثَ بِسَيْئٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ ... خاف العيونَ فلم يُنْظَرْ به الحَشَكُ معناه استغاثت هذه القطاةُ بالماءِ كما استغاثَ الفَزُّ بالسَّيئ، والسيئ ما يكون في الضَّرْع من اللَّبن قبل الدِّرَّة، والفَزُّ ولد البقرة، والغَيْطَلَة: البقرة؛ ويقال: الغَيْطَلة: شجرة. وقوله: خاف العيون، معناه خاف الفَزّ أَن يَنْظُر إِلَيْه الرَّاعي يَشْرِبُ فيمنعه من الشُّرب؛ فلم يُنْظَر به الحَشَكُ، معناه فلم يُنْتَظَرْ به اجتماعُ اللَّبن في الضَّرْع، والأَصل فيه الحَشْك بتسكين الشِّين، فاضطره الشِّعْر إِلى فَتْحِها. 180 - وفَزِع حرف من الأَضْداد؛ يقال: فَزِع الرَّجُل، إِذا أَغاث، وفَزِعَ إِذا استغاث، قال زهير: إِذا فَزِعُوا طارُوا إِلى مُسْتَغِيثِهِمْ ... طِوالُ الرِّماحِ لا ضِعَافُ ولا عُزْلُ أَراد بفزعوا استغاثوا، وأَرادوا أَن يُنْصَروا. وقالَ الكلحبة العرنيّ: وقُلْتُ لكَأْسٍ أَلْجِمِيها فإِنَّما ... نَزَلْنَا الكَثِيبَ مِنْ زَرُودَ لِنَفْزَعا أَراد بنفزع نغيث، وقال الآخر:

فرس شوهاء

إِذا دَعَتْ غَوْثَها ضَرَّاتُها فَزِعَتْ ... أَطْبَاقُ نَيٍّ على الأَثْبَاجِ مَنْضُودُ أَراد بفزعت أَغاثت، والنيّ: الشَّحم واللَّحم. وقال الآخر: مَعَاقِلُنا السُّيوفُ إِذا فَزِعْنا ... وأَرْماحٌ كأَشْطَانِ القَليبِ المعقِل: الحِرْز، قال الشَّاعر: إِذا أَبْرَزَ الرَّوْعُ الكَعَابَ فإِنَّهُم ... مَصَادٌ لِمَنْ يأْوِي إِليْهِمْ ومَعْقِل 181 - ومن الأَضداد أَيْضاً قولهم: فَرس شوهاء، إِذا كانت حَسَنة الخلْق، ولا يقال في هذا المعنى للذَّكر أَشْوَه، ويقال للرجل إِذا وصف حسن الإِنسان: لا تُشَوِّهْ عليه، أَي لا تبالغ في وصف حُسْنِه فتصيبَه بالعين؛ سُمِع في معنى الحُسْن هذان الحرفان، ويقال في ضدّه: فرس أَشْوَه إِذا كان قبيحاً، وشَوْهاء إِذا كانت كذلك؛ ويقال: خَلْق فلان مشوّه، من معنى القُبْح؛ قال الشَّاعر: أَرَى ثَمَّ وَجْهاً شَوَّهَ اللهُ خَلْقَهُ ... فقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وقُبِّحَ حامِلُهْ وجاءَ في الحديث: حثا رَسُول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم يوم

سمل بين القوم فلان

بَدْر حَثْوَةً من تراب، فنفخها في وجوه المشركين، وقالَ: شاهت الوجوه، أَراد: قَبُحت؛ يقال: شاهَ وجهُ فلان يَشُوه شَوْهاً وشَوْهَةً، إِذا قَبُح، قال الشَّاعر: فَهْيَ شَوْهاءُ كالجُوالِقِ فُوهَا ... مُسْتَجَافٌ يَضِلُّ فيه الشَّكِيمُ الشَّكِيمُ: حَدِيدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ في اللِّجام. 182 - ومن الحروف الَّتي تشبه الأضداد قول العرب: سَمَل بين القوم فلان، إِذا أَصْلَحَ بينهم، وسَمَلَ فلان عَيْنَ فُلان بحديدةٍ، إِذا فَقَأَها، قال أَوس بن حَجَر في معنى الإِصلاح: وقَوَارِصٍ بَيْنَ العَشِيرَةِ تُتَّقَى ... يَسَّرْتُها فَسَمَلْتُها بسِمالِ وقالَ أَبو ذُؤَيْب يَرْثي بنيه: فالعَيْنُ بَعْدَهُمُ كأَنَّ حِداقَهَا ... سُمِلَتْ بِشَوْكٍ فهيَ عُورٌ تَدْمَعُ أَراد بسُمِلَت فُقِئَت. وقالَ الشّماخ يذكر أَتاناً قد غارتْ عينها من شدَّة العطش: قَدْ وَكَّلَتْ بالهُدَى إِنْسانَ سَاهِمَةٍ ... كَأَنَّهُ من تَمامِ الظِّمءِ مَسْمُولُ

أتعرف رسما كاطراد المذاهب ... لعمرة وحشا غير موقف راكب

وفي الحديث: إِنَّ الرَّهط القُرنيِّين لمَّا قدِموا المدينة فاجتوَوْها قال لهم رَسُول الله عليه السَّلام: لو خرجتم إِلى إِبِلنا فأَصبتم من أَلبانها وأَبوالها. ففعلوا فَصحُّوا، ثمَّ مالوا على الرِّعاءِ، فقتلوهم، واسْتاقُوا الإِبِل، وارتدُّوا عن الإِسلام، فبعث رَسُول الله عليه السَّلام في آثارهم، فأُتِيَ بهم، فقطَّع أَيديَهم وأَرجلهم، وسَمَل أَعْيُنَهم، وتُرِكوا بالحَرَّةِ حتَّى ماتوا. ومعنى اجتووْها لم يستعذبوا المقام بها. ويقال: قد اجتوَى فلان المدينة إِذا كره المقام بها؛ وإِن كانت غير ضارَّة له، وقد استوبلها إِذا لم توافقه، وإِن كانَ مُحِبًّا لها. 183 - وممَّا يفسَّر من الشِّعر تفسيرين متضادّين قول قيس بن الخَطيم: أَتعرِفُ رسماً كاطِّراد المذَاهبِ ... لِعَمْرةَ وَحْشاً غير موقِفِ راكبِ ديارُ الَّتي كادتْ ونحنُ على مِنًى ... تحُلُّ بنَا لَوْلا نجاءُ الرَّكائِبِ قال ابن السِّكِّيت: أَراد بقوله: غير موقف راكب، إِلاَّ أَنَّ راكباً وقف، يعني نفسه. وقالَ غيرُه: لم يرد الشَّاعِر هذا؛ ولكنَّه ذهب إِلى

أَنَّ غيرا نعت للرسم، تأْويله: أَتعرف رسماً غير موقف راكب، أَي لَيْسَ بموقف للرَّاكب لانْدراس الآثار منه؛ وامّحاءِ معالمه، فمتى بَصُر به الرَّاكب من بُعْدٍ ذُعِر منه، فلم يقف به. وتفسير ابن السِّكِّيت يدلُّ على أَنَّ الراكب أَراد به الشَّاعِر نفسَه؛ أَي إِلاَّ أَنِّي أَنا وقفت به متذكِّراً أُشاهد وأُعاشر. والمذاهب: جلود فيها نقوش مُذَهَّبة، قال الشَّاعر: يَنْزِعْنَ جِلْدَ المرءِ نَزْ ... عَ القَيْنِ أَخلاقَ المَذاهبْ والاطِّراد: التتابع، من قولهم: قد اطَّرد القول، إِذا تتابع. وقوله: ديار الَّتي كادت؛ ونحن على مِنًى تحلّ: معناه غلبتْ على قلوبنا، واتَّصَلَ ذكرها بيننا؛ حتَّى كادت تحلّ بنا لقربها من قلوبنا، لولا أَنَّ ركائبَنا أَسرعت ومضت بنا من هذا الموضع؛ وشبيه به قول الآخر: قَدْ عَقَرَتْ بالقَوْمِ أُمُّ الخَزْرَجِ ... إِذا مَشَتْ شالَتْ وَلَمْ تَدَحْرَجِ أَراد: ذكرناها ونحن ركاب فَبُهِتْنا، وأَقمنا على دوابّنا حتَّى كأَنَّها عَقْرَى ما تقدر على السَّير؛ ولا تصل إِلَيْه. وقد

والماثل

يقال: بل أَراد رأَيناها فبهتنا ووقفنا على دوابّنا فكانت كأَنَّها عقرت الدَّوابّ إذْ لم نقدر على السَّيْر عليها. 184 - والماثل حرف من الأَضْداد؛ يقال للقائم: ماثل، وللاصق بالأَرض: ماثل. ويقال: رأَيت فلاناً ماثلاً بين يدَيْ فلان، أَي قائماً بين يديه. وفي الحديث: مَنْ سَرَّهُ أَنْ تَمْثُلَ له الرِّجال قياماً فليتبوأْ مقعدَه من النَّار، ويقال: رأَيت شخصاً ثُمَّ مَثَل، أَي غاب عن عَيْني، قال أَبو خِراش يَصِفُ صقراً: يقرِّبه النَّهْضُ النَّجِيحُ لِما يَرَى ... وفيه بُدُوٌّ مرَّةً ومُثُولُ أَراد بالبدوّ الظهور، وبالمثول الذهاب. وقالَ ذو الرُّمَّة يَصِفُ فلاة: يَظَلُّ بها الحِرْباء للشَّمْسِ ماثلاً ... على الجِذْلِ إِلاَّ أَنَّهُ لا يُكبِّرُ ذهب إِلى أَنَّ الحرْباءَ يستقبل الشمس إِذا طلعت ثمَّ يدور معها، وذلك في شدَّة الحرّ، وقد بيَّنَ هذا في قوله: إِذا حَوَّلَ الظِّلّ العَشِيُّ رَأَيْتَهُ ... حنيفاً وفي قَرن الضُّحى يَتَنَصَّرُ وقالَ أَبو زُبَيد:

طبخت اللحم

واستكَنَّ العصفورُ كُرهاً مع الضَّـ ... ـبِّ وأَوْفَى في عودِه الحِرْباءُ وقال الآخر: خَلْقاً كثالِثة المُحاقِ الماثِل أَراد بالماثل الذاهب. 185 - وممَّا يشبه حروف الأَضداد قول العرب: طبخت اللَّحم، إِذا طبخ في القدر، وطبخته إِذا شُوِي في التَّنُّور، ويقال: قد طبختْ فلاناً الشَّمسُ، إِذا غيَّرتْه، قال الأَخطل: ولقد تأَوَّبَ أُمُّ جَهْمٍ أَرْكُباً ... طَبَخَتْ هَوَاجِرُ لَحمهمْ وسَمُومُ أَراد بطَبَخَتْ غيَّرت وأَحرقت. 186 - ومنها أَيْضاً قولهم: قد ضاع الرَّجُل وغيره، إِذا غاب وفُقِد، وضاع إِذا ظهر وتَبَيَّن؛ ويقال: قد ضاعت رائحة المسك إِذا ظهرت وتبيَّنَتْ، وقد انضاع الفرخُ ينضاعُ إِذا تحرَّك، قال الشَّاعر: فُرَيْخَانِ يَنْضَاعَانِ في الْفَجْرِ كُلَّمَا أَحَسَّا دَوِيَّ الرِّيحِ أَوْ صَوْتَ نَاعِبِ وقال الآخر تَضَوَّعَ مِسْكًا بَطْنُ نَعْمَانَ أَنْ مَشَتْ بِهِ زَيْنَبٌ فِي نِسْوَةٍ خَفِرَاتِ

قد انقبض الرجل

وقالَ امرؤ القَيْس: إِذا قامتا تضوَّعَ المِسْكُ منهما ... نَسِيمَ الصَّبا جاءتْ بريَّا القَرَنْفُلِ 187 - وقالَ بعض البصريين: من الأَضداد قولهم: قد انقبض الرَّجُل، إِذا تجمَّع، وقد انقبض إِذا ظهر وسعى في أُموره. 188 - قال: ومنها أَيْضاً يوم معمعان ومعمعانيّ، إِذا كان شديدَ الحرّ والقَرّ. 189 - ومن الأَضداد أَيْضاً قولهم: قد أَراح الرَّجُل. إِذا استراح، وقد أَراح إِذا مات، قال رُؤْبَةُ: أراحَ بعد الغَمِّ والتَّغَمْغُمِ أَراد بأَراح مات. 190 - وقالَ أَبو عُبيدة: من الأَضداد قولهم: ماء بَثْر، إِذا كان قليلاً، وماء بَثْر، إِذا كان كثيراً، قال أَبو ذُؤَيْب: فافْتَنَّهُنَّ من السَّواء وماؤُه ... بَثْرٌ وعانَدَه طريق مَهْيَعُ

التصغير

السَّواءُ: موضع. وافْتَنَّهُنّ: اشتقّ بهنّ. وعانده: عارضه. والمهْيَع: الطَّريق الواضح البيّن. وقالَ الأَصْمَعِيّ: لم يُرِدْ أَبو ذُؤَيْب ببثْر قِلّة الماء ولا كَثْرته، إنما بَثْر، يعني اسم ماء، وأَنشد: إِلى أيٍّ نُساقُ وقد بَلَغْنا ... ظِماءً عن مَسيحةَ ماَء بَثْرِ وقالَ ابن السِّكِّيت: يقال: عطاء بَثْر، إِذا كان كثيراً، وعطاء بَثْر، إِذا كان قليلاً. 191 - ومن الأَضداد أَيْضاً التصغير، يدخل لمعنى التحقير، ولمعنى التعظيم؛ فمِنَ التعظيم قول العرب: أَنا سُرَيْسير هذا الأَمر، أَي أَنا أَعلم النَّاس به، ومنه قول الأَنصاريّ يوم السَّقيفة: أَنا جُذَيْلُها المحكَّك، وعُذَيْقُها المرجَّب، أَي أَنا أَعلم النَّاس بها، فالمراد من هذا التصغير التعظيم لا التحقير. والجُذَيْل تصغير الجِذْل، وهو الجِذْع، وأَصل الشجرة. والمحكَّك الَّذي يُحْتَكُّ به، أَراد: أَنا يشتفَى برأَيي كما تَشْتَفي الإِبِل أُولاتُ الجَرَب باحتكاكها بالجِذْع. والعُذَيْق: تصغير العِذْق، وهو الكِباسة والشِّمْراخ

العظيم. والمرجّب: الَّذي يُعْمَد لعظمه. وقالَ لَبيد في هذا المعنى: وَكُلُّ أُناسٍ سوف تَدخُل بينهمْ ... دُوَيْهِيَةٌ تصفرّ منها الأَناملُ فصغّر الداهية معظّماً لها لا محقِّراً لشأْنها، والتصغير على ثمانية أَوجه: أَحدهما تصغير العين لنقصانٍ فيها، كقولك: هذا جُحَيْر، إِذا كان صغيراً، وكذلك هذه دُوَيْرة، إِذا لم تكن كبيرة واسعة. ويكون التصغير على جهة تحقير المصغّر في عين المخاطَب، وليس به نقص في ذاته ولا صِغَر، كقول القائل: ذهبتِ الدنانير فما بَقِيَ منها إِلاَّ دنينير واحد، والدينار كامل الوزن، وكذلك هلك القوم فما بَقِيَ إِلاَّ أَهلُ بُيَيْت، والبيت المصغر لا نقص فيه ولا تغيُّر. ويكون التصغير على معنى التعظيم، وقد مضى شرحه. ويكون التصغير على معنى الذّمّ، كقولهم: يا فُوَيْسِق يا خُبَيِّث. ويكون التصغير على معنى الرحمة، والإشفاق والعطف، كقولهم للرجل: يا بنيّ، ويا أُخَيَّ، وللمرأَةَ يا أُخيّة،

وخل

لا يقصد في هذا قصد التصغير والتحقير، إنما يراد به الرحمة والمحبّة، قال أَبو زُبَيد: يا بْنَ أُمِّي ويا شُقَيِّقَ نَفْسي ... أَنت خَلَّيْتَني لأمْرٍ شديدِ ومنه قولهم: يا عُمَيْمَة، أَدخلك الله الجنة. ويكون تصغير المحلّ على جهة التقريب له، كقولهم: هذا فويق هذا، وهذا دُوَيْن الحائط. والوجه السابع أَن يصغّر الجمع بتصغير الواحد، فتقول في تصغير الدراهم: دريهمات. والوجه الثامن أَن يصغّر الجمع، بتصغير أَقلِّه، كقولهم في تصغير الفُلوس والبحور: أُفيلِس وأُبيحِر؛ فيصغرونَهُما بتصغير الأَفلس والأَبحر، لأَنَّهما عَلَمَا القلة في هذا الباب. 192 - وخَلّ حرف من الأَضْداد؛ يقال: فَصيل خَلّ، إِذا كان سميناً، وبعير خلّ للذي لم يصادف ربيعاً عامَهُ، فهو أَعْجَف. 193 - والعَيِّن من الأَضداد. يقال: عَيِّن للخلَق، كالقربة الَّتي قد تهيّأَت مواضع منها للتثقُّب من الإخلاق، وطيئ

والمقور

تقول: عَيِّن للجديد، قال الطِّرِمّاح: وأَخْلَق منها كُلُّ بالٍ وعَيِّن ... وجفَّ الرَّوايا بالملا المتباطِنِ 194 - والمقوّر من الأَضداد، فالمقوَرّ في لغة الهلاليين السمين، وفي لغة غيرهم المهزول، قال حُمَيد: وَقَرَّبْنَ مُقْوَرًّا كأَنَّ وَضينَهُ ... بِنيقٍ إِذا ما رامَه الغُفْرُ أَحجَما 195 - والساجد: المنحني عند بعض العرب، وهو في لغة طيئ المنتصب، قال الشَّاعِر: إنَّك لَنْ تلْقَى لهنَّ ذائِدا ... أَنجحَ من وَهْمٍ يَثُلُّ القائدا لولا الزمامُ اقْتَحَمَ الأَجالدا ... بالغَرْبِ أَو دَقَّ النَّعامَ الساجدا ورواه أَبو عُبيدة: لولا الحزام جاوز الأَجالدا وقالَ: الأَجالد جمع الجَلَد، وهو آخر منقطع المَنْحاة، والمنحاة مختلَف السانية. والنعام الساجد: خشبات منصوبة على البئر في قول أَبي عَمْرو. وقالَ غيره: أَراد بالساجد خشباتٍ منحنيةً لشدة ما تُجْذَب، والإسجاد في غير هذا الموضع

فتور النظر وغَضُّ الطَّرْف؛ يقال: قد أَسجدت المرأَة إِذا غضَّت طرفها، ويقال: قد سجدت عينُها إِذا فتر نظرها، قال كُثيّر: أَغَرَّكِ مِنَّا أَنَّ دَلَّك عِنْدَنا ... وإسجادَ عينيك الصَّيودَيْنِ رابِحُ والسجود في غير هذا: الخشوع والخضوع والتذلّل؛ كقوله جلّ اسمه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السَّمواتِ ومَنْ في الأَرضِ والشَّمْسُ والقَمَرُ، فسجود الشمس والقمر على جهة الخشوع والتذلل. ومن هذا قوله: وإنَّ مِنْ شيءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه، معناه أَن أَثرَ صنعة الله عزَ وجلّ موجودة في الأَشياء كلّها حيوانها ومواتها؛ فما لم تكن له آلة النطق والتسبيح وُصِف بذلك على جهة التشبيه بمن ينطق ويسبّح لدلالته على خالقه وبارئه، قال الشَّاعِر: ساجدُ المُنخُر ما يرفَعْهُ ... خاشعُ الطَّرفِ أَصمُّ المُستَمَعْ وقال الآخر: بجَمْعٍ تَضِلُّ البُلْقُ في حَجَراتِهِ ... تَرَى الأُكْمَ مِنْها سُجَّداً للحوافِرِ وقال الآخر: قدْ كان ذو القَرْنَيْنِ جَدِّي مُسْلِماً ... مَلِكاً تَدينُ لهُ المُلوك وتَسْجُدُ

وقالَ جرير: لَمَّا أَتى خَبَرُ الزُّبيْر تَضعضعتْ ... سورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ فوصفها بالخشوع على ما وصفنا. وقالَ الطِّرِمّاح: وأَخو الهُمومِ إِذا الهمومُ تَحَضَّرَتْ ... جِنْحَ الظلامِ وِسادُهُ لا يَرْقُدُ وقالَ الطِّرِمّاح أَيْضاً: وخَرْقٍ به البومُ رثي الصَّدا ... كما رَثَتِ الفاجِعَ النَّائِحَهْ فخبّر عن الصَّدَى بالمرثية على جهة التشبيه. وقالَ الطِّرِمّاح أَيْضاً: ولكِنِّي أَنُصُّ العيسَ يَدْمَى ... أَظَلاَّها وتركَعُ في الحُزونِ وقالَ عَمْرو بن أَحمر: خَلَدَ الحَبيبُ وبادَ حاضِرُهُ ... إِلاَّ منازلَ كُلُّها قَفْرُ وَلَهَتْ عَلَيْها كُلُّ مُعْصِرَةٍ ... هَوْجاَء لَيْس لِلُبِّها زَبْرُ خَرْقاء تَلْتَهِمُ الجِبالَ وأَجْ ... وازَ الفَلاةِ وبَطْنُها صِفرُ وقالَ بعده: وعرَفْتُ من شُرُفاتِ مَسْجِدِها ... حَجَرَيْنِ طالَ عَلَيْهِما الدَّهْرُ بَكَيا الخَلاَء فقلت إذْ بَكَيا ... ما بَعْدَ مِثْل بُكاكُما صَبْرُ فوصف بهذه الأَفاعيل من لا يفعلها فعل حقيقة؛ إنما

فارغا

جوازُها على المجاز والاتساع، وقد قال الله عزَ وجلّ: وَالنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدان، فخبّر عن النجم والشجر بالسجود على معنى الميْل، أَي يستقبلان الشمس ثمَّ يميلان معها حتَّى يَنْكَسِرَ الفيء، والسُّجود في الصَّلاة سُمِّي سجوداً لعلَّتين: إحداهما أَنه خُضوعٌ وتَذَلُّلٌ لله جلّ وعزّ؛ إذْ كانت العرب تجعل الخاضع ساجداً. والعلة الأُخرى أَنَّهُ سُمِّيَ سجوداً لأَنَّه بالميل يقع، والانحناء والتطاطؤ على ما تقدّم من التفسير، كما سُمِّيَ الركوع في الصلاة ركوعاً لأَنَّه انحناء، قال لَبيد: أُخَبِّرُ أَخبارَ القُرون الَّتي مضت ... أَدِبُّ كأَنِّي كُلَّما قمتُ راكعُ وقالَ الأَضبط بن قريع: وَلا تُعادِ الفقير عَلَّكَ أَنْ ... تَرْكَعَ يوماً والدَّهرُ قد رَفَعَهْ أَراد: لعلّك أَن تنحنيَ ويقلّ مالك، فشبَّه قلة المال بالانحناء. ويجوز أَن يكون جَعَل الركوع مثلاً لذهاب ماله؛ لأَنَّ فيه ذلاًّ وخضوعاً، على مثل ما تقدم في السجود. 196 - ومما يفسر من القرآن تفْسيرين متضادّين قول الله عزَ وجلّ: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ موسى فارِغاً إنْ كادَتْ

لتُبْدي به، فيقول المفسّرون: معنى الآية: وأَصبح فؤاد أُمّ موسى فارغاً من كلّ الهمّ إِلاَّ من الاهتمام بموسى والإشفاق عليه إن كادت لَتبدي باسمه، فتقول: هو ابني. وقالَ بعض أَهل اللُّغة: معنى الآية: وأَصبح فؤاد أُمّ موسى فارغاً من الحزن لعلمها بأنَّ موسى لم يُقْتَل؛ إذْ كان الله عزَ وجلّ قد أَوحى إليها أَنَّهُ يردّه عليها، ويجعله من المرسلين إن كادت لَتُبْدي به، أَي بذهاب الحزن. وقالَ العرب: تقول: ذهب دمُ فلان فِرْغاً؛ إِذا ذهب باطلاً، لم يُقْتل قاتله ولم تؤخذ منه دية، قال الشَّاعِر: فإنْ يَكُ أَذْوادٌ أُصِبْنَ ونِسْوَةٌ ... فَلَنْ تذهبوا فِرْغاً بقتل حِبالِ أَي لم تذهبوا بدمه باطلاً. وقالَ الأَخفش: معناه وأَصبح فؤادُ أُمّ موسى فارغاً من الوحي إن كادت لَتبدي به، لَتبدي بالوحي. وقالَ الفَرَّاءُ: حدَّثنا ابن أَبي يحيى بإسناد له، أَن فضالة بن عُبيد قرأَ: وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمّ موسَى فَزِعاً قال: وفضالة ابن عُبيد من أَصحاب رَسُول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم. وحدثنا أَحمد بن فرج، قال: حدَّثنا أَبو عمر الدوريّ،

وقد أغتدي ومعي القانصان ... وكل بمرباة مقتفر

قال: حدَّثنا عبد المنعم بن إدريس، عن أَبيه، عن وهب عن ابن عباس، أَنه قرأَ: وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمّ موسى قَرِعاً؛ وقالَ: قَرَعه حزن موسى. فهذا وما قبله يُصَحِّح مذهب الذين يقولون: وأَصبح فؤاد أُمّ موسى فارغاً من كل هَمٍّ إِلاَّ همّ موسى، ويُبْطِل قول من ادّعى فراغ قلبها من الحزن. والله أَعلم. 197 - ومما يفسر من الشِّعْر تفسيرين متضادّين قول امرئ القَيْس: وَقَدْ أَغْتَدي وَمَعي القانِصانِ ... وَكُلٌّ بِمَرْباةٍ مُقْتَفِرْ فَيُدْرِكُنا فَغِمٌ داجِنٌ ... سَميعٌ بَصيرٌ طَلوبُ نَكِرْ أَلَصُّ الضُّروسِ حَبِيُّ الضُّلوعِ ... تَبوعٌ أَريبٌ نَشيطٌ أَشِرُ فَأَنْشَبَ أَظْفارَهُ في النَّسا ... فَقُلْتُ هُبِلْتَ أَلا تَنْتَصِرْ فَكَرَّ إلَيْهِ بِمِبْراتِهِ ... كما خَلَّ ظَهْرَ اللِّسانِ المُجِرّ فَظَلَّ يُرَنِّحُ في غَيْطَلٍ ... كما يَسْتَدير الحِمارُ النَّعِرْ قال ابن السِّكِّيت: القانصان الصائدان، والمربأَة: الموضع المرتفع يربأَ فيه، أَي يحرس فيه، ومقتفر: يقتفر آثار الوحش يتبعها. وقالَ غيره: القانصان: الباز والصقر.

والفَغِم: الكلب الحريص على الصيد؛ يقال: ما أَشد فَغَمه! أَي ما أَشد حِرْصَه! قال الأَعشى: تَؤُمُّ دِيارَ بَني عامِرٍ ... وأَنْتَ بآلِ عُقَيْلٍ فَغِمْ أَي مولع. والداجن: الَّذي يأْلف الصيد. والسميع: الَّذي إِذا سمع حِسًّ لم يفته. والبصير: الَّذي إِذا رأَى شيئاً من بعد لم يكذبه بصره. والتَّبوع: الَّذي إِذا تبع الصيد أَدرك ولم يعجز عن لحوقه. والنَكِر: المنكر الحاذق بالاصطياد. ويروى: نُكُر. ويروى أَيْضاً: كلٌّ بمربأَة مُقْتَفِرْ. وقالَ ابن السِّكِّيت وغيره في قوله: فأَنشب أَظفاره في النَّسا فأَنشب الكلب أَظفاره في نسا الثور. فقلت هُبلْتَ، أَي فقلت للثور هُبِلت، أَلا تنتصر من الكلب! قالوا: وهذا تهكّم منه بالثور، أَي سخرية واستهزاء، والأَصل في التهكُّم الوقوع على الشيء؛ يقال: قد تهكَّم البيتُ، إِذا وقع بعضُه على بعض. فكَرّ إليه بمبراته، أَي بقرنه. كما خلّ ظهر اللّسَان

المُجِرّ، أَي طعنه به. والإجرار: أَن يقطع طرفُ لسانِ الفصيل، أَو يُشَقّ حتَّى لا يقدر على الشرب من خَلْف أُمه؛ وذلك إِذا كَبِر واستغنى عن الشُّرب، واستغنوا أَيْضاً عن لبن أُمّه، لأَنَّه إِذا لم يشرب منه لم تَدُرّ ولم يُقْدَر على لبنها؛ فإجرار فَصيلها يذهب بلبنها، وإجراره أَيْضاً لا يمنعه من الأَكل والشرب إنما يمنعه من مَصّها، فالأَصل في الإجرار هذا، ثمَّ استعمل في حبس اللّسَان وإمساكه عن الكلام، قال عمرو بن معدي كرب: فَلَو أَنَّ قَوْمي أَنْطَقَتْني رِماحُهُمْ ... نطقتُ ولكنَّ الرماحَ أَجَرَّتِ أَي لم يكن لهم ما أَفخر به وأَذكره، فكأَنَّ ذلك من فعلهم حَبَس لساني ومنعه من الكلام؛ كما يمنع الإجرار الفصيل من المصّ. فظلّ يُرَنِّحُ في غَيْطل قال ابن السِّكِّيت وغيره: معناه فظلَّ الكلب يُرَنِّحُ، ومعنى يرَنّحُ يميد ويتمايل كالسكران. والغيطل: الشجر الملتفّ، ويكون أَيْضاً الجَلبة والصياح. وقوله: كما يستدير الحمار النَّعِر

النَّعِر: الَّذي يَدْخُل في رأْسه ذباب أَزرق أَو أَخضر فيطمَحُ برأْسه وينزو، فشبَّه الكلب في اضطرابه ونَزْوه بالحمار النّعر، قال ابن مقبل: ترَى النُّعَراتِ الزُّرْقِ تحْتَ لَبانِه ... أُحادَ وَمَثْنَى أَصْعَقَتْها صَواهِلُهْ وقالَ أَحمد بن عُبيد: القانصان الفرس وصاحبه. والحجة لأَنَّ الفرس تسمى قانصاً قولُ عديّ بن زيد: تَقْنِصُك الخيلُ وتصطادك الطير ... ولا تُنْكَعُ لَهْوَ القَنيصْ أَي لا تمتع به. قال: وقوله: فأَنشب أَظفاره في النَّسا معناه فأَنشب الكلب أَظفاره في نَسا الثور، فقلت لصاحب الفرس وغلامي الممسك الفرس: هُبِلْتَ أَلا تدنو إِلى الثور فتطعَنَه فقد أَمسكه عليك الكلب! قال: ومحال أَن يكون امرؤ القَيْس أَغرى الثور بقتل كلبه، لأَنَّ امرأَ القَيْس يفخر بالصيد، ويصف في أَكثر سَفَره أَنه مرزوق منه، مظفَّر به، غير خائب فيما يحاول منه، فكيف يحِبُّ قَتْل كَلْبه، ويُغْري الثور به، وقتل كلبه يفسد عليه صيدَه!

قال: وتأْويل: أَلا تنتصر أَلا تدنو من الثور! فإِنَّ قال قائل: أَيكون تنتصر بمَعْنَى تدنو؟ قلنا له: هذا صحيح في كلام العرب، وقالَ الرّاعي: وأَفْرَعْنَ في وادي جَلاميدَ بَعْدَما ... علا البيدَ ساقي القَيْظة المتناصرُ أَراد بالمتناصر المتداني. وقالَ مضرّس: فإنك لا تُعطي امرأً حظَّ غيرِه ... ولا تملك الشِّقَّ الَّذي الغيثُ ناصِرُهْ أَراد دان منه، وقالَ عديّ بن زيد: قَعَدْتَ كَذي تحُجّ ترجو نُصورَهُ ... تَبين فلا تقعدْ كذي الخَلَق البالي يخاطب ابن أَخيه في تفريطه وتركه الاحتيال له، ليخرج من السجن، فتأْويل تَحُجّ، تقدر الأَماني. ترجو نُصورَه، معناه ترجو مداناة ما تتمناه. تَبَيّن فلا تَقْعد. كذي الخَلَق البالي، معناه لا تقعد كصاحب الثوب الخَلق الَّذي إِذا رقّع جانباً فَسَد عليه جانب. قال: ومحال أَن يكون امرؤ القَيْس يفخر بأَنّ كلبَه يُقْتَل، لأَنَّه متى فعَل ذلك بكلبه خاب فلم يصطد، وهو يفخر في غير موضع من شعره بأنه مرزوق من الصيد، ولا يخيّب، الدليل على هذا قوله:

إِذا ما خَرَجْنا قالَ وُلْدانُ أَهْلِنا ... تَعالَوْا إِلى ما يأتنا الصَّيْدُ نَحْطِبُ أَي يثقون بأَنا لا نخيب. وقالَ أَيْضاً: مُطْعَمٌ للصَّيْدِ لَيْسَ لَهُ ... غَيْرَهُ كَسْبٌ على كِبَرِهْ فمدح هذا الرامي بأَنه مرزوق من الصيد، منه معاشه وكسبه فمن كان دهرَه الفخر بالظَّفَر بالصيد لا ينجح بأَن كلبه الَّذي يصطاد به يُقْتَل، ومعنى قوله: أَلصُّ الضُّروسِ حَبِيُّ الضُّلوعِ بعض أَضراسه ملتصق ببعض؛ وهذا من صفة الكلب. وحبيّ الضلوع: عالي الضلوع، ويروى: حنيّ الضلوع أَي داخل الضلوع. ويروى: خفيّ الضلوع، أَي ضلوعه خفية داخلة في جنبه. وقوله: فَظَلَّ يُرَنِّحُ في غَيْطَلٍ معناه: فَظلّ الثور يرنِّح في غَيْطَل؛ أَي لما طعنه صاحب الفرس ترنَّح في جَلَبة وضجة، أَي طمح برأْسه ودار، قال علقمة بن عَبَدة:

والشنق

وظلَّ لِنيرانِ الصَّريمِ غَمائمٌ ... يُداعِسُهنَّ بالنَّصِيِّ المغلَّبِ وأَراد بقوله: هبلت أَلا تنتصر هبلت يا صاحب الفرس؛ أَلا تدنو من الصيد فتطعنَه إِذا أَمسكه الكلب عليك؛ يدلّ على هذا التفسير قول أَبي دواد: طَويلٌ طامحُ الطَّرْفِ ... إِلى مَفْزَعَةِ الكَلْبِ أَي عينه إِلى الكلب، ينظر متى يمسِك الصيد فيَكُرّ على الَّذي أَمسكه فيطعنُه ليستريح الكلب من إمساكه إياه. 198 - والشَّنَق من حروف الأَضداد؛ يقال للأَرْش: شَنَق في الجراح والشجاج؛ نحو أَرْش الآمّة من الشِّجاج، والمنقَّلة والدامغة، والملطاة، والطعنة الجائفة؛ وغيرها مما يُحْكَمُ فيه بالأَرْش. والشَّنَق ما يكون لَغْواً مما يزيد على الفريضة والدية، كتب النَّبِيّ عليه السلام للأَقيال العباهلة: لا خِلاط ولا وِراط ولا شِناق، أَراد بالشِّناق ما يزيد على الفرائض، أَي لا يطالبون بشيء من هذه الزيادة، وذلك أَنَّ الغنم يُؤخذ منها إِذا كانت أَربعين شاة، فإذا زادت زيادة على الأَربعين لم يؤخذ منها شيء؛ حتَّى تبلغ

العشرين والمائة؛ فالزيادة يقال لها: شَنَق، وهي لَغْو. ودلّ النَّبِيّ عليه السلام على أنهم لا يطالَبون في هذه الزيادة بصدَقة، وكذلك الإِبِل إِذا كانت خمساً تؤخذ منها الصدقة، ثمَّ لا يؤخذ من الزائد عليها شيء حتَّى تنتهيَ إِلى الفريضة الأُخرى. وأَشناق الديات بمنزلة أَشناق الفرائض، قال الأَخطل: قَرْمٌ تُعَلَّقُ أَشْناقَ الديات بِهِ ... إِذا المئون أَمِرَّتْ فوقه حَمَلا والخِلاط: أَن يخلِط الرَّجُل إبله أَو غنمه بمال آخر ليبخس المصدّق بعضَ الواجب له، والوِراط: أَن يجعل صاحبُ المال ماله في وَرطة من الأَرض، وهي الهوّة والبئر الَّتي يَعْمَى على المصدّق موضعها، فيبخس المصدّق حقَّه. قال أَبو العبَّاس: هذا من قولهم: قد وقع القوم في ورطة، إِذا وقعوا في بلاءٍ وشرّ، يشبّه الوقوع في هذه البئر الَّتي يَعْنَتُ مَنْ وقع فيها ووصل إليها، قال الشَّاعِر: إنْ تأتِ يوماً مثلَ هذي الخُطَّهْ ... تُلاقِ من ضَربِ نميرٍ وَرْطَهْ أَي بلاءً وشرًّا. وقالَ أَبو عُبيد: أَشناق الديات كأَشناق الفرائض،

واحتجّ بالبيت الَّذي أَنشدناه للأخطل. وردّ ابن قتيبة على أَبي عُبيد اختيارَه وما ذهب إليه في أَشناق الدِّيات، وقالَ: لَيْسَتْ أَشناق الديات كأَشناق الفرائض؛ لأَنَّ الدّياتِ لَيْسَ فيها شيء يزيد على عدٍّ من عددها أَو جنس من أَجناسها، فيلغى، قال: وإنما أَشناق الديات أَجناسُها، نحو بنات المخاض وبنات اللَّبون والحِقاق والجِذاع؛ يُسَمَّى كلُّ جنس منها شَنَقاً، لأَنَّه يُشنق، أَي يشدّ، فسمِّي باسم الَّذي يشدّ به، كما سموا الإِبِل قَرْناً، وأَصله الحبل الَّذي يضمُّها ويجمعها، فاحتجّ بقوله جرير: وَلَوْ عِنْدَ غَسَّانَ السَّليطيِّ عَرَّسَتْ ... رَغا قَرَنٌ منها وكاسَ عَقيرُ قال: والدليل على أَن الشَّنَق هو الجنس قول الكُمَيْتُ: كأَنَّ الدِّياتِ إِذا عُلّقتْ ... مِئوها به الشَّنَقُ الأَسْفَلُ مئوها: جمع مائة، أَي كأَنَّ الديات إِذا عُلِّقت بهذا السَّيّد الكريم الجنس الأَدْون الأَخسّ، أَي تهون عليه الدِّيات، فتكون عنده بمنزلة الشَّنَق الأَسفل، وهو الجنس الأَخسّ من بنات المخاض خاصّة.

وقالَ أَبو بكر: والصَّوَابُ عندنا قولُ أَبي عُبيد؛ والَّذي اختاره ابن قتيبة وذهب إليه خطأ، بدليلٍ من بيت الأَخطل وآخر من بيت الكُمَيْتُ. إذْ كان الأَخطل قال: تعلّق أَشناق الديات به، فأَضاف الأَشناق إِلى الديات؛ لأَنَّها زيادات عليها. قال أَبو عَمْرو: وكانَ الملك السيد الكريم إِذا أَعطى الديَة زاد عليها ثلاثاً أَو خمساً؛ ليدلّ بالزيادة على سهولة الأَمر عليه، وأنّ الَّذي فعل لم يكرُثْه ولم يؤثِّرْ في ماله، فقال الأَخطل: تعلّق الزيادات على الدِّيات بهذا الممدوح؛ إذْ كان ملِكاً سيداً لا يعطي دية إِلاَّ بزيادة عليها. ولو أَراد بالأَشناق الأَجناس على دعوى ابن قتيبة لقال: تعلّق الدِّيات به، ولم يحتج إِلى ذكر الأَشناق، لأَنَّ الديات لا تخلو من الأَجناس؛ فإنما تصحّ المبالغة في المدح بتفسير أَبي عُبيد، ومن وافقه. وقول الكميت: الشَّنَق الأَسفل لم يرد به الجنس؛ على ما ذكر ابن قتيبة؛ لكنّه ذهب فيه إِلى معنى الأَرْش، وأَراد: كأَنَّ الديات إِذا عُلِّقت بهذا السيد تجري عنده مجرى الأَرْش الَّذي لا يبلغ حال الدية لسخائه وبذله.

والتسبيد

قال أَبو عَمْرو وابن الأَعرابي والأَثرم: الشَّنَق: أَرش الآمّة أَو الجائفة أَو غيرهما مما ينقُص عن الدية، فموضع المدح من بيت الكُمَيْتُ أَن الدّيات عند هذا الرَّجُل كبعض دية في مسارعته إِلى أَدائها واحتقاره لها. 199 - والتسبيد حرف من الأَضْداد؛ يقال: سَبَّد الرَّجُل شَعْرَه، إِذا حلقه واستأْصله، وقد سبّد شَعْرَه، إِذا طَوَّله وكَثَّرَه. حكاهما قُطْرب. ويقال أَيْضاً: قد سَبَدَ شعرَه وسَبَتَه، بالتاء والدال مع التخفيف؛ إِذا حلَقه؛ وإنما سُمِّيَ يوم السبت يومَ السبت لقطع الأَعمال فيه؛ فهذا موافق لحلْق الشِّعْر؛ لأَنَّ ذلك قَطْعٌ له. وجاء في الحديث ذكر رَسُول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم الخوارج فقيل: يا رَسُول الله، أَلهم آيةٌ يُعرفون بها؟ قال: نعم، التسبيد فيهم فاشٍ، فيقال: التَّسبيد ترك التدهّن وغسلُ الرأْس، ويقال: التسبيد حَلْق الشِّعْر من الرأْس. ويحكى عن ابن عباس رحمه الله أَنَّهُ دخل مكة مُسَبِّداً شعره، أَي حالقاً شعره.

أقسمت أن تذهب معنا

200 - ومن الأَضداد أَيْضاً قولهم: أَقْسَمْت أَن تذهب معنا، يحتمل معنيين: أَحدُهما أَقسمت أَلاَّ تذهب معنا، والآخر أَن تذهب معنا. 201 - وكذلك نشدتك الله أَن تذهب معنا، يحتمل المعنيين جميعاً. 202 - وكذلك أَحلف أَن تذهب. قال الفَرَّاءُ: من أَجاز مع هذه الأَفاعيل الوجهين جميعاً لم يُجِز مع الظنّ والعلم وما أَشبههما إِلاَّ وَجْهاً واحداً؛ فمن قال: ظننتُ أَن تذهب معنا لم يحمله على معنى الجحْد، لأَنَّه لا دليلَ عليه هاهنا، وصَلَح تقدير الجَحْد مع الأفاعيل الأوَل لأَنَّها جواب. وفيها معنى تحريج، والتحريج يدلّ على معنى الجَحْد المنويّ، فمتى قال القائل: نشدتك الله أَن تقوم، وأَقسمت عليك أَن تقوم! فتأْويلهما: أُحَرِّج عليك أَلا تفعل؛ فلهذه العلة من تأْويل الجواب والتحريج ما فُهِم معنى الجَحْد، وهو غير ظاهر ولا منطوق به. قال أَبو بكر: وربّما حذفوا لا وأَنْ جميعاً؛ وهم ينوونهما، قال الشَّاعِر:

وأَقسمتَ تأتي خُطَّة النَّصْف بيننا ... بلَى سوف تأتيها وأَنفُكَ راغمُ أَراد: وأَقسمتَ أَلاَّ تأتيَ، وقد يحذفون أَن ويبقون لا كقول الآخر: احفظْ لِسانَكَ ولا تَقولُ فَتُبْتَلى ... إنَّ البلاء مُوَكَّلٌ بالمَنطِقِ ويُنشد في هذا أَيْضاً حجةً للمذهب الأَول لأبي النَّجم: أُوصيكَ أَن تحْمَدَكَ الأَقارِبُ ... ويَرْجِعَ المسكينُ وهو خائبُ أَراد وأَلاَّ يرجع المسكين، فحذف الحرفين جميعاً. وقالَ الله عزَ وجلّ: وأَلْقَى في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَميدَ بِكُمْ، فمعناه: لئلاَّ تميدَ بكم، فاكتفى بأَن من لا. وقالَ أَيْضاً: يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، فمعناه: أَلاَّ تضلوا، فاكتفى بأَن من لا، وقالَ عَمْرو بن كلثوم: نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيافِ مِنَّا ... فَعَجَّلْنا القِرَى أَن تَشْتِمونا أَراد أَلاَّ تشتِمونا، فاكتفى بأَن من لا. وقالَ الرّاعي: أَيام قَوْمي والجماعَة كالذي ... لَزمَ الرِّحالَةَ أَنْ تميل مَميلا أَراد لئلا تميل؛ فاكتفى بأَن من لا.

وقالَ بعض النَّاس: قول الله عزَ وجلّ: إنّي أُريدُ أَنْ تَبوءَ بإثْمي وإثْمِكَ، فمعناه: إنِّي أُريد أَلاَّ تبوء بإثمي، فحذف لا على ما مضى من التفسير. قال أَبو بكر: وهذا القول خطأٌ عند الفَرَّاءُ، لأَنَّ لا لا تضمر مع الإِرادة، كما لا تضمر مع العلم والظّنّ. وفي المسأَلة غير قول: أَحدهنّ: إنِّي أُريد أَن تبوءَ فإثمي إِذا قتلتني، وما أُحبُّ أَن تقتلني، فمتى قتلتَني أَحببت أَن تنصرف بإثم قتلي وإثمك السالف الَّذي من أَجله لم يتقبل الله قربانَك. وقالَ بعضهم: كان قابيل صاحب زرع، وهابيل صاحب غَنَم، وكانَ الله عزَ وجلّ أَمَر آدم عليه السلام أَن يزوِّج هابيلَ أُخت قابيل الَّتي وُلِدَت معه في بطن، وأَن يُزَوِّجَ قابيل أُخت هابيل الَّتي وُلِدت معه في بطن، فقال هابيل: رضيتُ بأَمر الله، وقالَ قابيل: والله لا يتزوج هابيل أُختي الحسناءَ وأَتزوج أُخته القبيحة أَبداً، فقال آدم لهما: قَرِّبا قرباناً فأَيّكما قُبِل قربانه تزوج الحسناءَ، فقرّب هابيل شاة سمينة وزُبْداً، وقرّب قابيل سنبلاً من شرّ

سنبله، وصعِدا بالقُرّبانين إِلى الجبل، فنزلت نارٌ فأَخذت قربان هابيل، ولم تعرِض لقربان قابيل، وكانت علامةُ قبول القربان نزولَ النار عليه، وأَخذِها إياه، فانصرف هابيل وقابيل، وقد أَضمر هابيل في نفسه الطاعةَ والرضا، وأَضمر قابيل في نفسه البلاءَ والخلاف، فقصد هابيلَ في غَنمه فقال: لِمَ تُقُبِّل قربانك ولم يُتقبَّلْ قُرباني؟ فقال له هابيل بعد أَن توعّده قابيل بالقتل: إنَّما يَتَقَبَّلُ الله منَ المُتَّقينَ، لَئِنْ بَسَطْتَ إليَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَني ما أَنا بِباسِطٍ يَدِيَ لأَقْتُلَكَ إنِّي أَخافُ الله رَبِّ العالَمين. فرماه قابيل بالحجارة حتى قتله، ثمَّ جَزِعَ بعد قتله إياه، وظهور عورته. ولم يَدْرِ ما يصنع به، فنظر إِلى غرابين: أَحدهما حيّ، والآخر ميت، والحيّ يَحْثي على الميت التراب، حتَّى واراه به، فقال قابيل: يا وَيْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكونَ مِثْلَ هذا الغُرابِ فَأُواريَ سَوْأَةَ أَخي، فحمل هابيلَ ميْتاً فأَلقاه في غَيْضة. وقالَ آخرون: بل حَثَى التراب عليه على سبيل ما رأَى من فعل أَحَد الغرابين بصاحبه.

وطلعت

وقالَ أَصحابُ القول المقدّم: فدلّتِ الآية والتفسير على أَنَّ قابيل لما قال لهابيل: لأَقْتُلَنَّكَ قال له هابيل بعد الموعظة: ما أُحِبُّ أَنْ أَقتلك ولا أُحبُّ أَن تقتلني؛ فإِنَّ أَبيتَ إِلاَّ قتلي كان انصرافُك بإثم قتلي أَعجبَ إليَّ من انصرافي بإثم قتلك، إِذا لم يكن من أَحد الفعلين بدّ. وقالَ آخرون: معنى الآية: إنِّي أُريد بُطْلان أَن تبوءَ بإثمي وإثمك، فحذف البطلان أَو الزوال أَو الدفع أَو ما أَشبههنّ وأَقام أَن مقام الساقط كما، قال: واسْأَلِ القَرْيَةَ. قال أَبو بكر: وفي هذا القول عندي بُعْد؛ لأَنَّ المحذوفَ لَيْسَ بمشهور ولا بَيِّن الموضع، فالقول الأول هو المختار عندنا لما مضى من الاحتجاج له وإقامة الدليل عليه. والله أَعلم. 203 - وطلعت حرف من الأَضْداد؛ يقال: طلعتُ على القومِ طلوعاً إِذا أَقبلتُ عليهم حتَّى يَرَوْني، وطلعت عليهم طلوعاً إِذا انصرفتُ عنهم حتَّى لا يروني. 204 - واجلعبّ حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد اجلَعَبَّ الرَّجُل إِذا اضطجع ساقطاً، وقد اجلعبَّتِ الإِبِل إِذا مَضَتْ.

فرع الرجل

205 - ومن الأَضداد أَيْضاً قولهم: فَرَّع الرَّجُل؛ يقال: فرّع الرَّجُل إِذا أَصعد، وفرّع إِذا انحدر قال معن بن أَوس: فساروا فأَمّا جُلّ حَيٍّ فَفَرَّعوا ... جميعاً وأَما حَيُّ دَعْدٍ فَصَّعدا ويروى: فأَفرعوا، ويقال: قد أَفرع الرَّجُل في الجبل، إِذا أَصعد فيه، وأَفرع إِذا انحدر منه، قال الشّماخ: فإنْ كَرِهْتَ هِجائي فاجْتَنِبْ سَخَطي ... لا يُدْرِكَنَّكَ إفراعي وتَصْعيدي وقالَ رجل من العَبَلات من بَنِي أُمية: إنِّي امرؤ من يَمانٍ حين تَنْسُبُني ... وفي أُمَيَّةَ إفْراعي وتَصْويبي ويقال: قد أَصعد الرَّجُل في الجبل وفي الأَرض، وقد صَعِد إِلى الموضع العالي الَّذي لَيْسَ بجبل، قال الأَعشى: أَلا أَيُّهذا السَّائِلي أَينَ أَصْعَدَتْ ... فإِنَّ لَها في أَهلِ يَثْرِبَ مَوْعِدا وقال الله عزَ وجلّ: إذْ تُصْعِدونَ ولا تَلْوون على أَحد، فهذا من الإصعاد في الأَرض. وقرأَ بعض القراء: إذْ تَصْعَدون، فشبه الصّعود في الأَرض بالصعود في غيرها،

زيد أعقل الرجلين

وضمّ التاء أَجود وأَعْرب. 206 - ومن الأَضداد أَيْضاً قول العرب: زيد أَعقل الرجلين، إِذا كانا عاقلين؛ إِلاَّ أَنَّ أَحدهما أَكثر عقلاً من الآخر، وزيد أَعقل الرجلين إِذا كان أَحدهما عاقلاً والآخر أَحمق، فأَما المعنى الأَول فلا يُحتاج فيه إِلى شاهد لشهرته عند عوامّ النَّاس وخواصّهم، وأَمّا المعنى الآخر فشاهده قول الله عزَ وجلّ: أَصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذِ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأَحْسَنُ مَقيلاً. قال الفَرَّاءُ: قال بعضُ المشيخة: يُرْوَى أَنَّهُ يُفْرَغُ من حساب النَّاس في النِّصف من ذلك اليوم، ثمَّ يَقيلُ أَهلُ الجَنّة وأَهل النار في النار. قال الفَرَّاءُ: وأَصحاب الكلام إِذا اجتمع لهم عاقل وأَحمق لم يقولوا: هذا أَعقلُ الرَّجلين؛ إِلاَّ أن يكون الرجلان عاقليْن؛ أَحدهما أَزيد عقلاً من الآخر، قال: فقول الله عزَ وجلّ: أَصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئذِ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا، يدلّك

على خطئهم؛ لأَنَّ أَهلَ النار لَيْسَ في مستقرهم من الخير شيء. وقالَ غيرُ الفَرَّاءُ: معنى الآية التشبيه والتمثيل، وذلك أَنَّ الكفار كانوا يناظرون المسلمين، فيقول بعضهم: حَظُّنا من الآخرة مثلُ حَظِّكم؛ ونحن نصير منها إِلى مثل ما يصير إليه صلحاؤكم من الكرامة والزُّلفى والغِبْطة، الدليل على هذا قوله عزّ ذكره: أَفَرَأَيْتَ الَّذي كَفَرَ بآياتِنا إِلى قوله ويَأْتينا فَرْداً، فنزول هذه الآيات في خبّاب والعاص بن وائل، قال خبّاب: كنت قَيْناً في الجاهلية، فاجتمعت لي على العاص بن وائل دراهم، فأَتيته أَتقاضاه، فقال: لا أَقضيك حتَّى تكفرَ بمحمد عليه السلام، فقلت: لا أَكفرُ به، حتَّى تموت ثمَّ تبعث، قال: وإني لمبعوث؟ قلت: نعم، قال: فسيكون لي ثَمَّ منزل ومال، فأَقضيك دراهمك، فأَنزل الله عزّ وجل هذا فيه، وقالَ: أَصحابُ الجَنَّةِ يَوْمئذ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا أَي قد ادعوا - أَعني الكفار - أَنَّ لهم في الجنة مقيلاً ومستقراً، فمستقرُّ المؤمنين خيرٌ من مستقرّهم في حقيقة الأَمر على دعواهم وظنّهم، لا أَنَّ الله عزّ وجلّ ثبّت أَنَّ للكفار في الجنة مستقرًّا.

والإشرارة

وفي المسأَلة جواب ثالث؛ وهو أَصحاب الجنة: لو كان لأصحاب النار وأَصحابها مستقرّ فيه خير، لكان مستقرّ أَصحاب الجنة خيراً منه لاتِّصال نعيمهم؛ ولانقطاع الراحة الَّتي يجدُها أَهلُ النار في النار إن كانت؛ وهي مما لا يكون، فجرى مجرى قول العرب: ما لفلان عيب إِلاَّ السخاءُ، أَي مَنْ السخاءُ عيبُه فلا عيبَ له. وقد خرّج بعضُهم قول الله عزَ وجلّ: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ من ضَريعٍ، من هذا المعنى فقال: التأْويل: من الضَريعُ طعامه فلا طعام له. ومنه قول العرب: ما لفلان راحة إِلاَّ السَّير والعمل؛ أَي مَنْ هذان راحته فهو غير مستريح. 207 - والإِشرارة حرف من الأَضْداد؛ يقال: إشرارة للخَصَفة الَّتي يشرّر عليها الملح والأَقِط، ويقال: إشرارة لما يشرّر على الخَصَفة من الملح والأَقِط. والخَصفة: الجُلّة الَّتي تصنع للتمر، وجمعها خِصاف من ذلك الحديث الَّذي

إرة

يُروى أَنَّ رجلاً مرّ على بئر، على رأْسها خَصَفة فوقع فيها، فضحك النَّاس في الصّلاة، فأَمرهم النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم بإعادة الوضوءِ والصلاة، قال الشَّاعِر يهجو قبيلة: تَبيعُ بَنيها بالخِصاف وبالتَّمْرِ 208 - ومن حروف الأَضداد أَيْضاً قولهم: إرَة للحفرة الَّتي تشعل فيها النار للخبز، ويقال: إرة للنار بعينها. وقالَ النَّضْر بن شُميل: يقال للنار إرة وللحفرة إرة. 209 - ومنها أَيْضاً قولهم: نار غاضية؛ إِذا كانت عظيمة، وليلة غاضية، شديدة الظلمة. 210 - ومنها أَيْضاً العَريض؛ قال قُطْرب: بنو تميم يجعلون العريض الجَذَعَ من ولد الشاء إِلى أن يُثْنَى، وغيرهم يقولون: هو الصغير. وقالَ غيره: يقال لولد الشاء ساعة تضعُه؛ من ولد الضأْن كان أَو من ولد المعز: سَخْلة، ثمَّ بَهْمة؛ وجَمْع السَّخلة سِخال، وجمع البَهْمة بِهام؛ فإذا بلغ أَربعة أَشهر وقَوِيَ وفُصِل من أُمه قيل له: جَفْر، إِذا كان من ولد المعز

الثني

وللأُنثى جَفْرة. ويقال: له أَيْضاً: عَتود وعَريض، ويقال لمثله من أَولاد الضأْن: حَمَل، وللأُنثى رَخِل، ويقال: له أَيْضاً: خروف وبَذَج، جاءَ في الحديث: يُؤتى بابن آدم يوم القيامة كَأَنَّهُ بَذَج من الذُّلّ، قال الشَّاعِر: قدْ هَلَكَتْ جارَتُنا من الهَمَجْ ... وإنْ تَجُعْ تأكُلْ عَتوداً أَو بَذَجْ ويقال لولد المعز إِلى أَن يبلغ السّنة: جدي للمذكّر وعَناق للأُنثى، ثمَّ يقال له إِذا بلغ السّنة: تَيْس، وللأُنثى عنز، فإذا دخل في الثانية قيل له: جَذَع؛ من الضأْن كان أَو من المعز، فإذا دَخَل في الثالثة قيل له: ثَنِيّ، فإذا دخل في الرابعة قيل له: رَباع، فإذا دخل في الخامسة، قيل له: سَدَس وسَديس؛ فإذا دخل في السادسة قيل له: صالغ وسالغ. 211 - ومن حروف الأَضداد الثّنِيّ. يقال: ناقة ثَنيّ، إِذا وضعت بَطْنَيْن، ويقال للذي في بطنها ثَنِيّ. 212 - ومنها أَيْضاً اعتذر الرجل، إِذا أَتى بعُذر، واعتذر إِذا لم يأْتِ بِعُذْر، قال الله عزَ وجلّ: ولا تَعْتذِروا، فدلّ بهذا على أَنّهم اعتذروا بغير عُذْرٍ صحيح. وقالَ لَبيد

في المعنى الآخر: فَقوما فَقولا بالَّذي قَدْ عَلِمْتُما ... ولا تَخْمِشا وَجْهاً ولا تحْلِقا شَعَرْ إِلى الحَوْلِ ثمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما ... ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كامِلاً فَقَدِ اعْتَذَرْ أَي فقد أَتى بعذر صحيح، ويقال: قد عَذَّر الرَّجُل في الحاجة إِذا قصّر فيها، وقد أَعذر إِذا بالغ ولم يقصِّر؛ من ذلك قولهم: قد أَعْذَر مَنْ أَنذر، أَي قد جاءَ بمحْض العذر من أَنذرك المخوفَ. وقالَ الفَرَّاءُ: حدثني حيّان، عن الكلبيّ، عن أَبي صالح، عن ابن عباس. وأَبو حفص الخزاز، عن جويبِر، عن الضحّاك، عن ابن عباس، أَنه كان يقرأَ: وجاء المُعْذِرونَ من الأَعراب، ويَقُولُ: لعن الله المعذِرين. كأَنَّ المعذِر عنده الَّذي يأْتي بمحض العذر، والمعذِّر المقصّر، هذا إِذا كان المعذّرون وزنه المفعِّلون، وإذا كان وزنه المفتعلين أَمكن أَن يكون للقوم عذر، وأَلاَّ يكون لهم عذر على ما فسرنا في اعتذار، وتُحَوّل فتحة التاء من المعتذرين إِلى العين، وتدغم التاءُ في الدال، فيصيران ذالاً مشددة. ويقال: قد أَعذر الرَّجُل يُعْذِر، وعَذَر يَعذِر، إِذا كثرت

ذنوبه، حتَّى يتبيّن عُذْر من يعاقبه، ويصحّ أَنه غير ظالم، قال النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: لا يَهْلِكُ النَّاس حتَّى يَعْذِروا من أَنفسهم، ومنه قولهم: مَنْ يعذِرُني من فلان! وقول الشَّاعِر: فإِنَّ تَكُ حربُ ابني نزارٍ تواضعتْ ... فقد أَعذرتْنا في كلابٍ وفي كعبِ وقال الآخر: عذيرَ الحيِّ مِنْ عَدْوا ... نَ كانوا حيَّةَ الأَرضِ وقولهم: أريدُ حِباءه ويريد قتلي ... عذيركَ من خليلِك من مُرادِ ويقال: قد عَذَر فلان الصبيّ يَعذِره، وأَعذَره يُعْذِره؛ إِذا ختَنَه، أَنشد الفَرَّاءُ: في فتيةٍ جَعَلوا الصّليبَ إلهَهمْ ... حاشاي إنِّي مسلمٌ معذورُ ويقال: قد عَذَرْت الصبيّ أَعذِره، إِذا غَمزتَ وجعاً في حلقه من الدّم، يقال له العُذْرَة، قال جرير: غمَزَ ابنُ مُرّة يا فرزدقُ كَيْنَها ... غَمْزَ الطَّبيبِ نَغانِغَ المعذورِ النغانغ: لحمات عند اللهوات، واحدها نَغْنَغ.

الهجر

213 - وقالَ قُطْرب: من الأَضداد الهَجْر؛ يقال: هَجَرْت الرَّجُل، إِذا أَعرضتَ عنه، وهجرتُ النّاقة، إِذا شَدَدْتَ في أَنفها الهِجار - وهو جبل - ليعطفَها على وَلَدِ غيرها، قال: وقول الله عزَ وجلّ: واهْجُروهُنَّ في المَضاجِعِ، كان ابن عباس يقول: الهَجْر السّبّ، قال: ويمكن أَن يكون اهْجُروهنّ: اعطفوهنّ كما تُعْطَفُ النّاقة. وهذا القول عندي بعيد؛ لأَنَّ المعنى الثاني لم يستعمل في النَّاس، والمفسرون يقولون: هِجْرانهنّ: ترك مضاجعَتهن، وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف القطان، قال: حدَّثنا جرير، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: واهْجُروهُنَّ، قال: لا تضاجعوهنّ على فُرشِكم. 214 - وقالَ ابن السِّكِّيت: أَسِدَ من الأَضداد؛ يقال: أَسِدَ الرَّجُل يأْسَد، إِذا جَزِع وجَبُن، وأَسِدَ يأْسَد، إِذا استأْسد وجَسَر؛ وكانَ كالأَسد في الإِقدام. 215 - ومن الأَضداد أَيْضاً الصَّفَرَ؛ يقال: قد صَفِر البطنُ يَصْفَرُ صَفَراً إِذا خلا، وقد صَفِر يَصْفَر صَفَراً،

إِذا استسقى بالماء واشتكى من ذلك ووَجِع، وهو بمنزلة قولهم: طَحِل يَطْحَل طَحَلاً، إِذا وَجِع طِحالُه. ويقال للصَّفَر: الحَبَن، ويقال له أَيْضاً: الصُّفار، على مثال الكُباد، قال ابن أَحمر: أَرانا لا يَزالُ لَنا حَميمٌ ... كَداءِ الموتِ سِلاًّ أَو صفارَا وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم، قال: حدَّثنا سفيان بن عُيينة، عن منصور، عن أَبي وائل، قال: اشتكى رجلٌ منَّا - يقال له خُثَيْم بن العَدَّاء - وجَعاً يقال له: الصَّفَر، فنُعِت له السَّكَر، فسئل ابن مسعود عنه، فقال: إِنَّ الله لم يجعل فيما حرَّم شفاءً. فيقال: الصَّفَر استسقاء البطن بالماء، ويقال: هو حَيَّة في البطن تصيب الماشية والناس، وهي عند العرب أَعْدَى من الجَرَب، ويشتدّ بالإِنسان إِذا كان جائعاً، قال أَعشى باهلة: لا يَتَأَرَّى لِما في القِدْرِ يَرْقُبُهُ ... ولا يَعَضُّ على شُرْسُوفِه الصَّفَرُ وقالَ النَّبِيّ صلَّى الله عليه: لا عَدْوَى ولا هَامَةَ ولا صَفَر، أَي لا يكون من الصَّفَر هذا الإِعداءُ الَّذي يظنُّه من يظنُّه. ويقال: الصَّفر تأْخيرهم تحريمَ المحرَّم إِلى صَفَر.

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: الهامة طائر يسكن القبور، تتشاءَم به العرب، وتتطيَّر به، فأَبطل النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم ذلك من ظنِّهم. قال أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، ثمَّ سَمَّتِ العرب الميّت هامة على جهة الاتّساع، وأَنشد: فإِن تكُ هامةٌ بِهرَاةَ تزْقُو ... فقد أَزْقَيْتُ بالمَرْوَيْنِ هَامَا وقالَ كُثَيِّر: فإِن تَسْلُ عنكِ النَّفْسُ أَو تَدَع الصِّبا ... فباليأْس تَسلو عنكِ لا بالتجلّد وكُلُّ حَبيبٍ راَءني فهو قائلٌ ... مِنَ اجْلِكِ هذا هامَةُ اليومِ أَو غدِ ويقال: الهامة كانت العرب تزعم أَنَّها عظام الميت تجتمع، فتصير هَامَة ثمَّ تطير، ويسمُّون الطَّائِر الَّذي يخرج منها الصَّدَى، ويقال: بل الصُّدَى ذكر البوم، قال توبة بن الحُمَيِّر: فلوْ أَنَّ لَيْلَى الأَخيليَّة سَلَّمَتْ ... عَلَيَّ وَفَوْقِي تُرْبَةٌ وصفائحُ لَسَلَّمْتُ تسليمَ البشاشَةِ أَو زَقَا ... إِليها صدًى من جانبِ القبرِ صائحُ وقال الآخر: فلَيْسَ النَّاسُ بَعْدَكَ في نَفيرٍ ... وَلا هُمْ غَيْرُ أَصْدَاءٍ وهَامِ

ويُروى: في نقير بالقاف. وقال الآخر يذكر فلاة: عَطْشَى يُجاوِبُ بُومُها صَوْتَ الصَّدَى ... فَلَهُم في صَدَى المَقابرِ هامُ وقالَ أَبو زيد: هو: ولا هامَّة بتشديد الميم، يعني واحدة الهوامّ. وقالَ أَبو عُبيد: لَيْسَ لقول أَبي زيد معنى. وقالَ غيرُه: قول أَبي زيد صواب، لأَنَّ الهامَّة يعني بها الحيَّة والعقرب، أَو سامّ أَبرص، أَو الخُنْفس. وكانَ النَّاس في أَوَّل الدهر يزعمون أنَّ الشَّياطين ربَّما تمثَّلت في صورهنّ، مَنْ قَتَلَهنّ هلَك أَو سُلِب عقله، فكانوا يُحْجمون عن قتلهنّ خوفاً من جنايتهنّ؛ فقال عليه السَّلام: ولا هامَّة يريد ولا جناية هامَّة، ولا هامَّة تصنع ما تظنُّون. وقد بيّن هذا التأْويل في غير حديث، فقال صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: مَنْ ترك الحيَّاتِ خشية إِرْبِهنّ فليس منَّا وقالَ النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: اقتلوا الأَسودين: الحيَّة والعقرب في الصَّلاة، وقد استقصينا تفسير هذا

وبعل

في غريب الحديث. 216 - وبَعْل حرف من الأَضْداد؛ يقال: رجل بَعْل للَّذي يفزَع من أَعدائه فيلقي سلاحه ومتاعه؛ ويحمل على القوم فيقاتلهم، ويقال: بَعْل للَّذي يَفْزَع فيلقِي سلاحَه ويهرب. 217 - والخَشِيب من الأَضداد؛ يقال: سيف خَشِيب، إِذا كان صَقِيلاً، وسيف خَشِيب إِذا بُرِد ولم يُصْقَل. وقالَ ابن السِّكِّيت: قال الأَصْمَعِيّ: النَّاس يقولون: خَشِيب للصَّقيل، وهو عند العرب الَّذي بُرِد قبل أَن يُلَيَّن. ويَقُولُ الرَّجُل: قد خَشَبْتُ السيف، إِذا بَرَده البَرْدَةَ الأُولَى، وكذلك خَشَبْتُ السِّهام إِذا لم يتمِّم عملَها ويصقلها، فإِذا أَحكم عملها وصَقَلَها، قال: خلقتُها، أُخِذ من الصَّفاة الخلقاء، وهي الملساءُ. ويقال: فلان يَخْشِبِ الشّعر، إِذا كان يُفسدُه، ولا يتعمَّل لإِصلاحه وتجويده، قال الشَّاعر: في قُتْرَةٍ مِنْ أَثْل مَا تَخَشَّبَا

والناس

أَي ممَّا لم يتنوق فيه. ويقال: سيف مشقوق الخشيبة إِذا عُرِّض حين طُبِع، قال العباس بن مرداس: جَمَعْتُ إِلَيْه نَثْرَتِي ونَجيبتي ... ورمحي ومشقوقَ الخَشِيبة صَارِما 218 - والنَّاس حرف من الأَضْداد؛ يقال: ناس للناس، وناس من الجنّ. قال الله عزَ وجلّ: الَّذي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الجِنَّةِ والنَّاسِ، أَي الَّذي يوسوس في صدور النَّاس، جِنَّتهم وناسهم. قال الفَرَّاءُ: حَدَّث بعضُ العرب قوماً، فقال: جاءَ قوم من الجنّ، فوقفوا، فقيل لهم: من أَنتم؟ فقالوا: نحن ناسٌ من الجنّ. وقالَ الله عزَ وجلّ: قُلْ أُوحِيَ إِليَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ، فأَوقع النَّفَرَ على الجنّ. وقالَ أَيْضاً: وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنِّ، فجعل من الجنّ رجالاً يستحقُّون التسمية برجال، كما يستحق النَّاس. 219 - وممَّا يفسَّر من الشِّعر تفسيرين متضادّين قولُ

أأزمعت من آل ليلى ابتكارا ... وشطت على ذي هوى أن تزارا

الأَعشى: أَأَزْمَعْتَ مِنْ آلِ لَيْلَى ابْتِكارَا ... وَشَطَّتْ على ذي هَوًى أَنْ تُزارَا قال أَبو عُبيدة: معناه أَأَزمعت إِلى آل لَيْلَى ابتكارا! وقالَ أَبو عَمْرو: كان عندها زائراً، فأَزمع شخوصاً من عندها. وقالَ ابن الأَعْرَابِيّ: كانوا متجاورين في الربيع، فلمَّا جاءَ الصَّيف تفرَّقوا، فانصرف كلّ قوم منهم إِلى مياههم. وقالَ الأَصْمَعِيّ: معنى البيت: تكون عند هذه المرأَة وأَنت تحدِّث نفسك بمفارقتها، ثمَّ بالرُّجوع إِليها بعد الفراق؛ أَقم عندها ولا تفارقها، فإِنَّ لقاءها بعد الفراق صَعْب ممتنع، لبُعْدِ دارها من دارك. قال: وإِنَّما يخاطب نفسَه. وقالَ غير هؤلاء: معنى البيت: أَأَزمعت من ناحية لَيْلَى ابتكاراً! فحذفت الناحية، وقام الآل مقامها، كما قال عزَ وجلّ: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ منْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيم. كلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ، معناه: من أَجل ما يعلمون من الثواب والعقاب والجزاء بالأَعمال الَّتي تكون منهم، فحذف أَجْل وقامت ما مقامه.

والغانية

ويقال: معنى الآية: إِنَّا خلقناهم من الجنس الذين يعلَمون ويفهمون وتقوم عليهم الحجَّة، ولم نخلقهم من البهائم الَّتي لا تعقل ولا يلزمها ثواب ولا عقاب، فَتُجْعَل ما في موضع النَّاس؛ لأَنَّ المكان مكان إِبهام، وليس بموضع تخصيص ولا تحصيل، كما يقول الرَّجُل للرَّجُل: ما أَنت وما أَبوك؟ فَيَسْتَفْهِم بما إذْ كان الموضع غَير محصَّل ولا مخصَّص، وجمع يعلمون بمَعْنَى ما كما قال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ، وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَه. قال الفرزدق: تَعَشَّ فإِنْ عاهَدْتَنِي لا تخُونُنِي ... نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ فثنَّى يصطحبان لمعنى مَنْ، وأَنشد الفَرَّاءُ: أَلِمَّا بِسَلْمَى لَمَّةً إذْ وَقَفْتُمَا ... وَقُولاَ لَها عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفوا فجمع الفعل لما وصفنا. 220 - والغانية حرف من الأَضْداد؛ يقال: غانية للمرأَة الَّتي استغنت بزوجها، ويقال: غانية للشابَّة الجميلة الَّتي تَسْتَغْني بجمالها عن الزِّينة، وإِنْ كانت لا زوج لها. والأَوَّل أَكثر في كلام العرب، قال جميل:

الأيم

أُحِبُّ الأَيَامَى إذْ بُثَيْنة أَيِّمٌ ... وَأَحْبَبْتُ لَمَّا أَنْ غَنيتِ الغَوانِيَا أَراد بـ غنيتِ تزوَّجت. وقالَ عنترة: وَحَلِيل غانِيَةٍ تَرَكْتُ مُجدَّلا ... تَمْكُو فَرِيصَتُه كَشِدْقِ الأَعلَمِ وأَنشدنا أَبو الحسن بن البَرَاء: شَكَوْتُ إِلى الغَوانِي ما أُلاقي ... وَقُلْتُ لَهُنَّ يا لَيْتِي بَعيدُ قال الفَرَّاءُ: يقال: ليتنِي قائم، وليتِي قائم، والاختيار عنده إِدخال النُّون. وقالَ عُمارة بن عقيل: الشباب الَّلاتي يُعجبْنَ الرِّجال ويعجبُهنَّ الرِّجال. 221 - ومن حروف الأَضداد أَيْضاً الأَيِّم؛ يقال: امرأَة أَيِّم، إِذا كانت بكراً لم تتزوَّج، وامرأَة أَيِّم، إِذا مات عنها زوجها، قال الله عزَ وجلّ: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإِمَائِكُمْ، فالأَيَامَى جمع الأَيِّم، يقال: هنَّ الحرائر، ويقال: هنَّ القَرَابات، نحو البنت والأُخت، وقول جميل:

أُحِبُّ الأَيَامَى إذْ بُثَيْنَةُ أَيِّمٌ يدلُّ على أَنَّ الأَيِّم البكر الَّتي ما زوِّجت، لقوله: وَأَحْبَبْتُ لَمَّا أَنْ غَنيتِ الغَوانِيَا ويقال: قد آمتِ المرأَة إِذا مات عنها زوجها، ورَجُلٌ أَيْمان وأَيِّم، والمرأَة أَيِّمة، وأَيْمَى، قال الشَّاعر: فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نساءٌ كثيرةٌ ... ونِسْوَانُ سَعْدٍ لَيْسَ فِيهنَّ أَيِّمُ وقالَ جميل: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بوادي القُرَى إنِّي إِذاً لَسعِيدُ وهَلَ أَلْقَيَنْ سُعْدَى به وهْيَ أَيِّمٌ ... وَمَا رثَّ مِنْ حَبْلِ الوِصالِ جَدِيدُ وقال الآخر: فإِنْ تنكِحي أَنْكِحْ وإِنْ تَتَأَيَّمِي ... يَدَ الدَّهرِ ما لم تَنكِحي أَتَأَيَّمُ وحدَّثنا إِسماعيل بن إِسحاق القاضي، قال: حدَّثنا نصر، قال: خبَّرنا الأصمعي، عن أَبي الأَشهب، قال: قال الأَحنف: لا أَناةَ عندي في ثلاث: الصَّلاةُ إِذا حضرت حتَّى أَقضيَها، وحميمٌ إِذا مات حتَّى أُواريَه، وأَيِّمٌ إِذا خطبها كفؤها حتَّى أُنكِحَها. ويقال في دعاءٍ للعرب: ما له آمَ وعامَ، فمعنى آمَ ماتَت امرأَته، وعام اشتدَّت شهوته للَّبن لعدمه إِيَّاه. وإِنَّما لم يُدخلوا الهاءَ في أَيِّم، وهو وصف للمرأَة لأَنَّ النِّساءَ يوصفنَ

امرأة بلهاء

بهذا أَكثر من الرِّجال، فكنَّ أَغلب عليه، فأُجْرِيَ مجرى حائض، وطالق، وطامث، وما أَشبههنّ، ممَّا لا يُحتاج فيه إِلى إِدخال علامة تدلُّ على التأْنيث. 222 - ومن الأَضداد أَيْضاً قولهم: امرأَة بَلْهَاء؛ إِذا كانت ناقصة العقل، فاسدة الاختيار والتمييز، وامرأَة بلهاء إِذا كانت كاملة العقل، عفيفة صالحة لا تعرف الشرّ، ولا تعلم الرِّيب، قال النَّبِيّ صلَّى الله عليه: أَهْلُ الجَنَّةِ أَكْثَرُهُمْ البُلْه فلم يُردْ بالبله الناقصي العقول؛ لأَنَّ من عَبَدَ الله بعقْل ومعرفة أَفضلُ عنده ممَّن عبده بجنون وجَهْل، وإِنَّما أَراد عليه السَّلام: أَهلُ الجنَّة أَكثرهم السالمو الصُّدور، الذين لا يعرفون الشرّ. والعرب تمدح المرأَة بالبَلَه، وهي تذهب إِلى مثل هذا المعنى، قال الشَّاعر: فَلَرُبَّ مِثلِك في النِّساءِ غريرةٍ ... بَلْهاَء قد مَتَّعْتُها بِطَلاقِ وقال الآخر: ولَقَدْ لَهَوْتُ بِطَفْلَةٍ مَيَّالَةٍ ... بَلْهَاَء تُطْلِعني على أَسْرَارِها وقال الآخر:

إلا إبليس كان من الجن

يَكْتَبين اليَنْجُوجَ في كُبَّةِ ... المَشْتَى وبُلْهٌ أَحْلاَمَهُنَّ وِسَامُ 223 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزّ وجلّ تفسيرين متضادّين، قوله تبارك وتعالى: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ، يقال: الجنّ الملائكة، سُمُّوا جنًّا لاستتارهم عن النَّاس، من قول العرب: قد جنَّ عليه اللَّيل، وأَجَنَّه وجَنَّه، إِذا ستره، قال الشَّاعر: يُوَصِّلُ حَبْلَيْهِ إِذا اللَّيْلُ جَنَّهُ ... لِيَرْقَى إِلى جَارَاتِهِ في السَّلالِمِ وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا إِبراهيم بن زكريا البزَّاز، قال: حدَّثنا جرير، عن ثعلبة، عن جعفر بن أَبي المغيرة، عن سعيد بن جبير في قوله: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ، قال: كان من حيٍّ من الملائكة، يصوغون حِلْيَةَ أَهل الجَنَّةِ. وأَخبرنا أَبو الحسن بن البراء، قال: حدَّثنا ابن غانم وابن حميد، قالا: حدَّثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إِسحاق، عن خلاّد بن عطاء، عن طاوس - أَو عن مجاهد أَبي الحجاج - عن ابن عباس وغيره، قالوا: كان إِبليس قبل أَن يركبَ المعصية مَلَكاً من الملائكة، اسمه عَزَازيل، وكانَ من سكَّانِ الأَرض من الملائكة يُسَمُّون الجِنّ، ولم يكن من

الملائكة مَلَكٌ أَشدُّ اجتهاداً ولا أَكثر منه علماً، فلمَّا تكبَّر على الله عزَ وجلّ، وأَبى السُّجود لآدم وعصاه لعنه وجعله شيطاناً مَريداً وسمَّاه إِبليس، يقول الله عزَ وجلّ: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمينَ بَدَلاً. قال ابن إِسحاق: وقالت العرب: الجنّ ما استتر عن النَّاس ولم يَظْهر. وقالَ أَصحاب هذا القول: الذليل على أَنَّ إِبليس من الملائكة أَنَّ الله جلّ وعزّ استثناه معهم من سجودهم. ويدلُّ أَيْضاً على أَنَّ الملائكة يقال لهم جنّ قول الأَعشى في ذكره سُلَيْمَان بن داود عليهما السَّلام: لَوْ كانَ شيئاً خالِداً مُعَمَّراً ... لكان سليمانُ البريَء من الدَّهْرِ بَراه إِلهي واصْطَفاه عبادَهُ ... وملَّكَه ما بيت تُرنَي إِلى مِصْرِ وسَخًّرَ من جِنّ الملائكِ تِسْعَةً ... قياماً لديه يَعْمَلُون بِلاَ أَجْرِ وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا أَبو عاصم، قال: حدَّثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إنَّما قيل لإِبليس: الجِنيّ، لأَنَّه كان من الملائكة، وأَنَّ الله خلق ملائكة، فقال لهم: إِنِّي خَالقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي

فَقَعُوا لهُ سَاجِدِين، فأَبوْا فأَرسل الله عليهم ناراً فأَحرقتهم، ثمَّ خلَق ملائكة آخرين، فقال لهم مثل ما قال للأَوَّلين، فأَبوْا، فأَرسل الله عليهم ناراً فأَحرقتهم، ثمَّ خلق هؤلاء الملائكة الذين هم عنده، فقال لهم: إِنِّي خَالقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لهُ سَاجِدِين، فقالوا: سمعنا وأَطعنا، فقال ابن عباس: فكان إِبليس من الملائكة الذين حُرِقُوا أَوَّلاً. قال أَبو عاصم: ثمَّ أَعاده الله ليضِلَّ به مَنْ يشاءُ. وأَخبرنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: حدَّثنا سعيد بن سليمان، ق خبَّرنا عبَّاد، عن سفيان بن حسين، عن يعلَى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان إِبليس اسمه عَزَازيل، وكانَ من أَشراف الملائكة، من أُولي الأَربعة الأَجنحة، ثمَّ أُبْلِس بعد. وأَخبرنا محمد بن عثمان، قال: حدَّثنا منجاب، قال: أَخبرنا بشر، عن أَبي رَوْق، عن الضَّحَّاك، عن ابن عباس، قال: إنَّما سُمِّيَ إِبليس إِبليس؛ لأَنَّه أُبْلِس من الخير كلِّه، فقال اللغويون: هذا التفسير يشهد لمعنى إِبليس وصَرْفِه عن الخير واستحقاقه البُعْد منه ولا يشهد؛ لأَنَّ لفظ إِبليس مأْخوذ من أُبْلِس أَو أَبلَس؛ لأَنَّه لو كان كذلك كان عربيًّا منوَّناً، كما يجري إِكليل، وهو على

مثاله، فلمَّا وجدنا الله عزَ وجلّ قال: إِلاَّ إِبليس، فلم ينوّنه عَلِمْنا أَنَّهُ أَعجميّ مجهول الاشتقاق؛ ولأنَّ ما عرف اشتقاقه كان عربيًّا يلزمه من التعريب ما يلزم زيدا وعمرا وأَشباههما؛ إِلاَّ أَنْ يكون مُنِعَ الإِجراءُ للتعريف؛ وأَنَّه اسم واقع على أَولاده، وجميع جنسه فَيُلْحق بثمود وما أَشبهه في ترك الإِجراء. وقالَ آخرون: ما كان إِبليس من الملائكة قطّ، وهو أَبو الجنّ؛ كما كان آدم أَبو الإِنس، فاحْتَجَّ عليهم بقوله: وإِذْ قُلْنَا للمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجدُوا إِلاَّ إِبليسَ، وبقوله: فَسَجَدَ الملائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون. إِلاَّ إِبليسَ، فاحتجُّوا بأَنَّه لمَّا أُمِرَ بالسُّجود كما أُمروا فخالف وأَطاعوا، أُخرج من فعلهم، ونُصِب على الاستثناء، وهو من غير جنسهم، كما تقول العرب: سارَ النَّاس إِلاَّ الأَثقال، وارتحل أَهلُ العسكر إِلاَّ الأَبنية والخيام. وحدَّثنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: خبَّرنا هوذة، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إِبليس من الملائكة طَرْفَةَ عين. وقالَ أَصحاب القول الأَوَّل: يجوز أَن يكون تأْويلُ

والزبية

قوله: كَانَ مِنَ الجِنِّ كان ضالاًّ؛ كما أَنَّ الجنّ كانوا ضُلاَّلاً، فلمَّا فعل مثل فعلهم أُدخل في جملتهم؛ كما قال: المُنَافِقُونَ والمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ، فهذا ما انتهى إِلينا، والله أَعلم بحقيقة ذلك وأَحكم. 224 - والزُّبْية حرف من الأَضْداد؛ يقال، لحفيرة تُحْفَر تُجعل مَصْيَدَةً للأَسَد: زُبْيَة، ويقال في جمعها زُبًى، أَنشد الفَرَّاءُ: فكُنْتُ والأَمْر الَّذي قَدْ كِيدَا ... كاللَّذ تَزَبَّى زُبْيَةً فاصْطيدَا ويقال لأَكمة مرتفعة من الأَرض: زُبًى؛ فاعلم. تقول العرب إِذا اشتدَّ الأَمر وبلغ غايته: قد علا الماءُ الزُّبى، قال الرَّاجِزُ: وَقَدْ عَلاَ الماءُ الزُّبَى فَلاَ غَيْرْ 225 - والصَّلاة من الأَضداد؛ يقال للمصلَّى من مساجد المسلمين: صَلاة، ويقال لكنيسة اليهود: صَلاَة، قال الله عزَ وجلّ: يأَيُّهَا الَّذينَ آمنوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ سُكَارَى، أَراد: لا تقربوا المصلَّى؛ هذا تفسير أَبي عُبيدة وغيره.

وقالَ عزَّ ذكره: لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وصَلَوَاتٌ ومَسَاجِدُ، والصَّلَوَات عَنَى بها كنائس اليهود، واحدتها صلاة، وكانَ الكلبيّ يقرأ: وصُلُوثٌ بالثاء، وكانَ الجَحَدرِيّ يقرأ: وصُلُوتٌ، بالتاء، ويزعم أَنَّهُ سمع الحجَّاج بن يوسف يقرأ: وَصُلوبٌ بالباء. وقالَ بعض المفسِّرين: الكنيسة بالعبرانيَّة يقال لها: صَلُوثا، فعرَّبتها العرب فقالت: صلاة. وقالَ بعض الشُّعراء: واتَّقِ اللهَ والصَّلاة فَدَعْها ... إِنَّ في الصَّوْمِ والصَّلاةِ فَسَادَا أَراد بالصَّلاة الكنيسة وبالصَّوم ما يخرج من بطن النَّعام؛ يقال: قد صام الظَّليم إِذا فعل كذلك. وقالَ بعض المفسِّرين: لم يُرد الله بالصَّلَوَات كنائسَ اليهود؛ ولكنَّه أَراد بالصَّلَوَات، المعروفة؛ فقيل له: كيف تُهدِّم الصَّلَوَات؟ فقال: تهديمها تعطيلها، وأَخرجه من باب المجاز على مثل قول العرب: قد طَعِمْتُ الماءَ؛ على معنى ذقته، وعلى مثل قولهم: قد آمنت محمَّداً، على معنى صدَّقته، قال الأَعشى: رُبَّ رِفْدٍ هَرَقْتَهُ ذلك اليَوْ ... مَ وَأَسْرَى منْ مَعْشَر أَقْتَالِ

صفر الوطاب

وشُيُوخٍ جَرْحَى بِشَطَّيْ أَريكٍ ... وَنِساءٍ كأَنَّهنَّ السَّعَالِي قال الباهليّ وغيره: الرِّفد: العطاء المعروف، ومعنى البيت: ربَّ سيِّد عظيم الشَّأْن كثير العطايا قتلتهُ فأَبطلتُ رفدَه ومعروفه، وأَزلت فضله الَّذي كان يصلُ إِلى غيره، فوضع هَرَقت في موضع أَبطلْتَ وأَزلْتَ، ولا تقول العرب في غير المجاز: هرقت المعروف والفضل. وقالَ جماعة من أَهل اللُّغة: الرِّفد في هذا البيت: القَدَح. 226 - وقالَ امرؤ القيس: وأَفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَرِيضاً ... ولوْ أَدْرَكْنَهُ صَفِرَ الوِطابُ وفسِّر قوله: صَفِر الوِطابُ تفسيرين: أَحدُهما: قُتِلَ وأُخْرِج روحُه من جسده، فصار حسدهُ بعد خروج الروح منه كالوَطْب الخالي من اللَّبن، والوَطْب للَّبن بمنزلة الزِّق للعسل، والنِّحْيِ للسَّمن. وتأْويل صَفِر خلا، جاءَ في الحديث: إِنَّ أَصفر البيوت لبيتٌ لا يقرأ فيه كتاب الله. والتفسير الآخر: لو أَدركتِ الخيلُ علباء قُتِل، وأَخذت

قوم أنصار

إِبله فصفِرت وطابه من اللَّبن. فالجواب الأَول هو على المجاز والتشبيه. وقال الآخر: إِذا تَغَنَّى الحمَامُ الوُرْقُ هَيَّجَني ... ولوْ تَعَزَّبْتُ عنها أُمَّ عَمَّارِ نصب أُمَّ عمَّار بهيَّجني، لأنَّه في معنى ذكَّرني. 227 - ومن الأَضْداد أَيْضاً قول العرب: قومٌ أَنْصارٌ، للذَّين نصروا رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم وآمنوا بالله ورسوله، وقوم أَنصار للنصارى، أنشد الفرَّاءُ: لمَّا رَأَيْتُ نَبَطاً أَنْصارَا ... شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِيَ الإِزَارا كُنْتُ لَهَا مِنَ النَّصَارَى جَارَا ويقال: قوم نصارى للكفَّار الَّذين يجعلون لله ولداً، ويكفرون به، ويقال: قوم نصارى للَّذين نصروا عيسى عليه السَّلام، وكانوا على منهاج الحقّ، يعترفون بأَنَّ عيسى عَبْدٌ من عبيد الله عزَّ وجلَّ، ويشهدون لمحمد صلّى الله عليه وسلَّم بالتَّصديق، والصابئون قوم مؤمنون، سُمُّوا صابئين لخروجهم من الباطل إِلى الحقّ، يقال لمن خرج من دين إِلى دين: صابئ، من ذلك أَنَّ قريشاً كانت تسمِّي النَّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم صابئاً، ويقولون لمن دخل في دينه عليه السَّلام:

الظهارة والبطانة

قد صبأ. فإِن قالَ قائل: إِذا كان هؤلاء كلّهم مُؤْمنين فما الفائدة في قوله: مَنْ آمَنَ باللهِ؟ فيقال له: معناه: مَنْ دام منهم على الإِيمان، فله أَجْرُه عند ربّه. 228 - ومن حروف الأَضْداد أَيْضاً الظِّهارة والبِطانة. يقال للظِّهارة: بِطانة، وللبِطانة ظِهارة؛ لأنَّ كلّ واحد منهما قد يكون وَجْهاً. ويقال: رأَيت ظهر السَّماء، ورأَيت بطن السَّماء، للَّذي تراه، وكذلك بطن الكوكب، وظهر الكوكب، قالَ الله عزَّ وجلَّ: بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فقد تكون البطائن بطائنَ، وقد تكون ظهائر. وقد كان بعض المفسِّرين يقول: هذه البطائن فكيف لو وصف لكم الظَّهائر! فيجعل الظَّهائر غير البطائن. وقالَ الفرَّاءُ: حدَّثني بعض الفصحاء المحدِّثين أَنَّ ابن الزُّبير عاب قتلةَ عثمان، فقال: خرجوا عليه كاللُّصوص من وراء القرية، فقتلهم الله كلَّ قتلة، ونَجا مَنْ نجا منهم تحت بطون الكواكب، يريد: هربوا ليلاً. قالَ الفرَّاءُ: فقد يكون البطن ظهراً، والظَّهر بطناً على ما أَخبرتك.

والساحر

229 - والسَّاحر من الأَضْداد؛ يقال: ساحر للمذموم المفسِد، ويقال: ساحر للممدوح العالم؛ قالَ الله عزَّ وجلَّ: وَقَالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بمَا عَهِدَ عِنْدَكَ، أَرادوا يا أَيُّها العالم الفاضل؛ أَنَّهم لا يخاطبونه بالذّم والعيب في حال حاجتهم إِلى دعائه لهم، واستنقاذه إِيَّاهم من العذاب والهلكة. حدَّثنا أَحمد بن الهيثم، قالَ: خبَّرنا محمد بن عمر العقَبيّ، قالَ: خبَّرنا سلاّم أَبو المنذر، عن مطر الورَّاق، عن ابن بريدة، عن ابن عبَّاس، قالَ: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: إِنَّ مِنَ الشّعر حُكْماً وإِنَّ من البيان سِحْراً. حدَّثنا أَحمد، قالَ: حدَّثنا محمد بن عمر، قالَ: حدَّثنا المفضّل بن محمد النحويّ، قالَ: حدَّثنا سِماك، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، عن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم بمثل ذلك. فقول النَّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم: وإِنَّ من البيان سحراً يفسِّر تفسرين مختلفين: أَحدهما: وإِنَّ من البَيان ما يَصْرِف قلوبَ السَّامعين إِلى قبول ما يسمعون، ويضطّرّهم إِلى التَّصديق به، وإِن كان فيه غيرُ حقّ، يدلّ على هذا الحديث الَّذي يُرْوَى عن قيس بن

عاصم وعمرو بن الأَهتم والزِّبْرقان بن بدر أَنَّهم قدموا النَّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم، فسأَل النَّبيّ عمراً عن الزِّبْرقان فأَثنى عليه خيراً فلم يرضَ بذلك، وقالَ: والله يا رسول الله، إِنَّه لَيَعْلَمُ أَنِّي أَفضلُ ممَّا وصَف؛ ولكنَّه حَسَدني على موضعي منك. فأَثنى عليه عمرو شَرًّا، وقالَ: والله يا رسول الله ما كذبتُ عليه في الأُولى ولا الآخرة؛ ولكنَّه أَرضاني فقلت بالرضا، وأَسخطني فقلت بالسّخط، فقال النَّبيّ عليه السَّلام: إِنَّ من البيان سحراً. وقالَ مالك بن دينار: ما رأَيتُ أَحداً أَبْيَنَ من الحجَّاج بن يوسف، إِنْ مكان لَيَرْقَى في المنبر فيذكر إِحسانه إِلى أَهل العراق وصَفْحه عنهم وإِساءَتهم إليه؛ حتَّى أَقولَ في نفسي: إِنِّي لأَحسِبُه صادقاً، وإِنِّي لأَظنّهم ظالمين له. وسمع مسلمة بن عبد الملك رجلاً يتكلَّم فيُحسن ويبيّن معانيَه الَّتي يقصد لها تبيِيناً شافياً، فقال مسلمة: هذا والله السِّحْر الحلال. والتأْويل الآخر في الحديث: وإِنَّ من البيان ما يُكْسِب من المأْثم مثل ما يُكْسِب السحرُ صاحبَه؛ يذلُّ على هذا حديث النَّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم: إِنَّما أَنا بشرٌ وإِنَّكم تختصمون إِليَّ، ولعلَّ بعضَكم أَنْ يكون أَلْحَن بحجَّته، فمن قضيت له

الثغب

بشيءٍ من حقِّ أَخيه فإِنَّما أَقطع له قطعة من النَّار فقال كل واحد من الرَّجلين: يا رسول الله، حقِّي لأَخي، فقال: لا، ولكن اذهبا فتوخَّيا، ثمَّ اسْتَهِما، ثمَّ ليحلّل كلّ واحد منكما لصاحبه، فدلَّ صلَّى الله عليه بهذا على أَنَّ الرجل ببيانه وحسن عباراته يجعل الحقّ باطلاً، والباطل حقًّا، فهذا الَّذي يكسب من الأَوزار ببيانه ما يكسبه السَّاحر بسحره. 230 - وقالَ ابن السِّكِّيت: الثَّغَب من الأَضْداد، وهو ما يجتمع من حفائر يحفرها السَّيل إِذا انحدر من عَلُ، فتكون كالدِّبار، يغادر السيل فيها ماء تصفّقه الريح، فيصفو ويبرُد، قالَ: فيقال للماء: ثَغَب، وللموضع الَّذي هو فيه ثَغَب. وقالَ غير ابن السِّكِّيت: الثَّغَب: الغدير من الماء، وفيه لغتان ثَغْب وثَغَب، وجمعه ثُغْبان، قال الشَّاعر:

الأحمر

سُحَيْراً وأَعْنَاقَ المَطِيِّ كأَنَّها ... مَدَافِع ثُغْبَانٍ أَضَرَّ بِها الوَبْلُ قوله: أَضَرَّ بها، معناه غَشِها وداناها ولَزِمها. ومن ذلك الحديث الَّذي يُرْوَى عن معاذ بن جَبَل أَنَّه كان يُصَلِّي بالنَّخَع، فقال لهم: إِذا رأَيتموني قد صنعت شيئاً فاصنعوا مثله، فأَضَرَّ بعينه غصن من شجرة، فكسره، فأَخذ كلّ واحد منهم غصناً فكسره، فلمَّا أَتمَّ الصَّلاة وخرج منها قالَ لهم: إِنَّما كسرتُ الغصن، لأنَّه أَضَرَّ بعيني؛ فقد أَحسنتم حين أَطعتم؛ فمعنى: أَضَرَّ بعيني، داناها وغَشِيَها، وقالَ النابغة يذكر ماء: مُضِرٌ بالقُصُورِ يَذُودُ عنْهَا ... قَرَاقِيرَ النَّبِيطِ إِلى التِّلالِ 231 - وممَّا يشبه حروف الأَضْداد: الأَحمر، يقال: أَحمر للأَحمر، ويقال: رجل أَحمر، إِذا كان أَبيض، قالَ أَبو عمرو بن العلاء: أَكثر ما تقول العرب في الناس: أَسود وأَحمر؛ قالَ: وهو أَكثر من قولهم أَسود وأَبيض. وأنشد ابن السِّكِّيت لأَوس بن حَجَر: وأَحْمَرَ جَعْداً عَلَيْهِ النُّسُورُ ... وفي ضِبْنِه ثَعْلَبٌ منكَسِرْ

الأخضر

وفي صَدْرِهِ مِثلُ الفَتَا ... ةِ تَشْهَقُ حيناً وَحِيناً تَهِرّْ قوله: وفي ضبنه معناه: وفي إِبطه، والثعلب: ما دخل من طرف الرمح في جُبَّة السنان، وقوله: تَشهق حيناً، شهيق الطعنة: أَن تدخل الرِّيح فتصوِّت، وتهرّ: معناه تقبقب. 232 - ومنها أَيْضاً الأَخضر؛ يقال: أَخضر للأَخضر، وأَخضر للأَسود، قالَ الشمّاخ: ولَيْلٍ كلَوْنِ السَّاجِ أَسْوَدَ مُظْلمٍ ... قَليلِ الوَعَى داجٍ كلَوْنِ الأَرَنْدَجِ السَّاج: طيلسان أَخضر، وجمعه سِيجان، على مثال قولهم: قاع وقِيعان، فشبَّه اللَّيل بالطيلسان الأَخضر، وهو يريد شِدَّة سواده. وقالَ أَبو هريرة: أَصحاب الدّجال عليهم السِّيجان، شواربهم كالصَّياصي، وخفافهم مُخَرْطَمَة، فالسِّيجان الطَّيالِسة الخُضْر، والصَّياصي قُرون البقر؛ أَي يفتلون شواربهم ويحدِّدُونها، حتَّى تصير كقرون البقر. ومُخَرْطَمَة، معناه لها خراطيم. وقوله: قليل الوَعَى معناه: قليل الصَّوت. والأَرَنْدَج: جلود سود؛ يقال: هو الأَرَنْدَج

واليَرندج؛ وقالَ الآخر: قَدْ أَعْسِفُ النَّازِحَ المَجْهُولَ مَعْسِفُهُ ... في ظِلِّ أَخْضَرَ يَدْعُو هَامَهُ البُومُ أَراد في ظِلّ ليلٍ أَسود. وقال الآخر، وهو حُمَيد بن ثور: إِلى شَجَرٍ أَلْمَى الظِّلالِ كأَنَّه ... رَوَاهِبُ أَحْرَمْنَ الشَّرابَ عُذُوبُ قوله أَلْمَى الظِّلال، معناه أَسود الظِّلال، والرواهب: النِّساء المترهِّبات الَّلاتي يَلْبَسْن المُسوحَ، فجعل ظلّ الشَّجرة أَلْمَى لسواده؛ كما قالَ الأَوَّل: في ظلّ أَخضر، وأَحْرَمْنَ الشَّراب: صُمْن ومنعنَ أَنفسهنَّ الطَّعام والشَّراب. وعُذوب، معناه أَيْضاً لا يأْكُلْن، قالَ ذو الرُّمَّة: كَمَا الأُكْمَ بُهْمَى غَضَّةً حَبَشِيَّةً ... تُؤَاماً ونُقْعانُ الظُّهُورِ الأَقَارِعِ فقال حَبَشِيَّة: وهو يريد شديد الخضرة. وقد كان بعض اللُّغَويِّين يقول: الأَخضر ليس من حروف الأَضْداد، وإِن ذهب به إِلى معنى السَّواد؛ لأنَّ الشَّيء إِذا ما اشتدَّت خُضْرته رُئِي أَسود، الدَّليل على هذا أَنَّ بعض المفسرِّين فَسَّر قولَ الله عزَّ وجلَّ: مُدْهَامَّتَانِ، فقال: خَضْراوان تَضْربان

الأسود

إِلى السَّواد من شدَّة الرِّيّ. 233 - ومنها أَيْضاً الأَسود. يقال: أَسْوَد للأَسود، ويقال: دِرْهَم أَسود، إِذا كان أَبيضَ خالص الفِضَّة جيّدها. أَخبرني عمر بن محمد، قالَ: حدَّثنا محمد بن إسحاق، قالَ خبَّرنا أَبو سعيد الأَشجّ، قالَ: خبَّرنا ابن إِدريس، قالَ: سُئِل الأَعمش عن حديث، فأَبى أَن يحدِّث به، فلم يزل أَصحابُ الحديث يُداوِرُونَه، حتَّى استخرجوه منه، فضرب لهم مَثَلاً، فقال: جاءَ قَفَّاف بدراهمَ إِلى صَيْرَفِيّ يُريه إِيَّاها، فقفَّ منها الصَّيرفيّ سبعين درهماً، فلمَّا وزنها عرف النقصان، فقال: عَجِبْتُ عَجيبةَ من ذِئْبِ سُوءٍ ... أَصابَ فَريسةً من لَيْثِ غَابِ وَقَفَّ بكَفِّه سَبْعِينَ منها ... تنقَّاها من السُّودِ الصِّلاَبِ فإِنْ أُخْدَعْ فقد يُخْدَعْ ويُؤخذ ... عَتِيق الطَّيرِ مِنْ جَوِّ السَّحابِ وقالَ بعضهم: ليس الأَسود من الأَضْداد؛ لأَنَّ الدِّرهم؛ إِذا وصف بالسَّواد فإِنَّما يذهب به إِلى أَنَّه قديم الفضَّة جيّدها، وأَنَّه قد تغيَّر لونه، واسودَّ بعضَ الاسوداد، لمرور الأَيَّام واللَّيالي.

قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين

234 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزَّ وجلَّ تفسيرين متضادَّين، قوله تعالى: قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ منْكُمْ فإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذاباً لا أُعَذِّبه أَحَداً مِنَ العالَمِينَ، قالَ بعض المفسِّرين: نزلت المائدة، وقالَ بعضهم: لم تنزِل. أَخبرنا أَبو علي العَنَزِيّ، قالَ: حدَّثنا الحسن بن قَزْعَة، قالَ: حدَّثنا سفيان بن حبيب، عن سعيد، عن قَتادة، عن خِلاس ابن عمرو، عن عَمَّار بن ياسر، قالَ: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: نزلت المائدة خُبْزاً ولحماً، وأُمروا أَلا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدَّخروا، فخانوا، وخَبئُوا وادَّخروا، فمسِخوا قِردة وخنازير. وحدَّثنا محمد بن يونس، قالَ: حدَّثنا عمر بن يونس ابن القاسم اليماميّ، قالَ: حدَّثنا إِسماعيل بن فيروز، عن أَبيه، عن وهب بن منبّه، قالَ: كانت مائدةً يجلس عليها أَربعة آلاف، فقالوا لقوم من وُضَعائهم: إِنَّ هؤلاء يلطِّخون ثيابنا علينا، فلو بنينا لها دكاناً يرفعها! فبنوْا لها دكاناً، فجعلت الضُّعفاءُ لا تصل إِلى شيء، فلمَّا خالفوا أَمرَ الله جلّ وعزّ رفعها عنهم. وحدَّثنا محمد، قالَ: حدَّثنا الحكم بن مروان، قالَ: حدَّثنا إِسرائيل، عن سِماك، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، في قوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ، قالَ: مائدة طعام.

وحدَّثنا محمد، قالَ: خبَّرنا بشر بن عمر، قال، خبَّرنا شعبة عن أَبي إِسحاق، عن أَبي عبد الرحمن السُّلَميّ، في قوله: أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ، قالَ: خبزاً وسمكاً. وحدَّثنا محمد، قالَ: حدَّثنا الحكم بن مروان، قالَ: أَخبرنا الفضل بن مرزوق، عن عطية، قالَ: كانت سمكة وجدوا فيها كلّ شيء. وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قالَ: خبَّرنا يوسف القطَّان، قالَ: حدَّثنا جرير، عن أَشعث، عن جعفر، عن سعيد، قالَ: نزلت المائدة وهي طعام يفور؛ فكانوا يأْكلون منها قعوداً، فأَحدثوا فرفعت شيئاً، فأَكلوا على الرُّكَب، ثمَّ أَحدثوا، فرفعت شيئاً، فأَكلوا قياماً، ثمَّ أَحدثوا، فرفعت البتَّة. وأَخبرنا عبد الله، قالَ: خبَّرنا يوسف، قالَ: خبَّرنا عمرو بن حُمران، عن سعيد، عن قَتادة، قالَ: كانت مائدة ينزل عليها ثَمَرٌ من ثمار الجنَّة، وأُمِروا أَلاّ يَخونوا، ولا يخبئوا ولا يدَّخروا، بلاءً ابتلاهم الله به، فكانوا إِذا فعلوا شيئاً من ذلك أَخبرهم به عيس عليه السَّلام، قالَ: فخانوا وخبئوا وادَّخروا. وأَخبرنا عبد الله، قالَ: خبَّرنا يوسف، قالَ: أَخبرنا

والجديد

عمرو بن حُمران، عن سعيد، عن قَتادة، عن الحسن، قالَ: لمَّا قال الله عزَّ وجلَّ: إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً من العالمين، قالوا: لا حاجة لنا فيها، فلم تنزل عليهم. 235 - والجديد حرف من الأَضْداد، يقال: جديد للجديد الَّذي يعرفه النَّاس، وجديد للمقطوع، قالَ الوليد بن يزيد: أَبَى حُبِّي سُلَيْمَى أَن يَبِيدا ... وأَضحى حَبْلُها خَلَقاً جَدِيدَا أَراد خَلَقاً مقطوعاً، وأَصله مجدود، فصرف عن مفعول إِلى فعيل، كما قالوا: مطبوخ وطبيخ، ومقدور وقدير. وقالَ بعض اللُّغَويِّين: معناه: وأَضحى حبلها خَلَقاً عندها، جديداً عندي في قلبي، لأنِّي لم أَملّها كما مَلَّتْني، ولم أَنْوِ قطيعَتها كما نوتْ قطيعتي. 236 - ومن الأَضْداد أَيْضاً أَو ممَّا يشبهها الأَحْوَى؛ يقال: أَحْوَى للأَخضر من النَّبات الطريّ الرَّيَّان من الماء، ويقال: أَحْوَى للنَّبات الَّذي اسودَّ وجَفَّ، قالَ الشَّاعر: فما أُمُّ أَحْوَى قدْ تَحَمَّمَ رَوْقُهُ ... تُراعِي يِهِ سِدْراً وَضالاًّ تُنَاسِقُهْ أَراد بالأَحْوَى الَّذي قد اخضرَّ موضع الزَّغَب منه والشعر.

ويسألونك عن ذي القرنين

وقالَ الله تبارك وتعالى: والَّذي أَخْرَجَ المَرْعَى. فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى، فيه تفسيران: أَحدهما: والَّذي أَخرج المرعى أَحوى أَي أَخضر غضًّا، فجعله بعد خضرته غُثُاء، أَي يابساً. والتفسير الآخر: والَّذي أَخرج المرعى فجعله يابساً أَسود، على غير معنى تقديم ولا تأْخير. أَجازهما كليهما الفرَّاء. وقال نابغة بن شيبان: وإِنَّ أَنْيَابَهَا منها إِذا ابْتَسَمَتْ ... أَحْوَى اللِّثَاتِ شَتِيتٌ نَبْتُهُ رَتَلُ أَراد بالحوة سوادَ اللِّثة، والعرب تمدح بها إِذا كانت تبين صفاءَ الأَسنان. 237 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزّ وجلّ تفاسير متضادة قوله تعالى: ويَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ، فقال خالد بن مَعْدان: سَمع عمر رحمه الله رجلاً يقول لِرَجلٍ: يا ذا القرنين، فقال: أَما ترضوْن أَن تسمّوا بأَسماء الأَنبياء، حتَّى صرتم تسمَّوْن بأَسماء الملائكة! وقال عبد الله بن عمر: ذو القرنين نبيّ. وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدثَّنا الفضل بن دكين،

قال: حدَّثنا العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد، قال: مَلَك الأَرضَ: شرقَها وغربَها أَربعة: مؤمنان وكافران، فأَمَّا المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين، وأَمَّا الكافران فالَّذي حاجّ إِبراهيم في ربّه - يعني نمروذ، وبخت نَصَّر. وقال أَبو الطفيل عامر بن واثلة: شهدتُ عليّ بن أَبي طالب رضوان الله عليه قام إِليه رجل، فقال: يا أَمير المؤمنين، أَخبرني عن ذي القرنين، أَنبيًّا كان أَم مَلِكاً؟ فقال: ليس بنبيّ ولا مَلِك، ولكنَّه عبد صالح أَحبَّ الله فأَحبَّه، وناصح الله فناصحه، بعثه الله عزّ وجلّ إِلى قومه فضربوه على قرنه الأَيمن فمات، ثمَّ أَحياه الله فدعاهم، فضربوه على قرنه الأَيسر فمات، وفيكم مثله. وقال الحسن: إِنَّما سمِّيَ ذو القرنين ذا القرنين؛ لأنَّه كان في رأْسه ضفيرتان من شَعَر يطأُ فيهما، قال لَبيد بن ربيعة: والصَّعْب ذو القرنين أَصبح ثاوياً ... بالحِنْوِ في جَدَثٍ أُمَيْمَ مُقِيم أَراد بذي القرنين النُّعمان بن المنذر، لأَنَّه كانت في رأْسه ضفيرتا شعر. وقال ابن شهاب الزّهريّ: سُمِّي ذا القرنين؛ لأَنَّه بلغ قَرْنَ الشَّمس من مشرقها، وقرنها من مغربها.

أيام أبدت لنا جيدا وسالفة ... فقلت أنى لها جيد ابن أجياد

وقال وهب بن منبّه: سُمِّيَ ذا القرنين، لأَنَّه ملك فارس والروم. 238 - وممَّا يفسّر من الشِّعر تفسيرين كالمتضادَّيْن، قول الشَّاعر: أَيَّامَ أَبْدَتْ لَنَا جِيداً وسَالِفَةً ... فقلت أَنَّى لها جِيدُ ابنِ أَجْيَادِ يُروَى روايتين مختلفتين، ويفسَّر تفسيرين مختلفين، فكان يعقوب ابن السِّكِّيت يرويه: أَنَّى لها جيدُ ابنِ أَجياد بإِضافة الجيد إِلى ابن، ويقول: ابن أَجياد ظبي يكون في جبل بناحية مكَّة، يقال له: أَجياد، أَي لها عُنُق هذا الظبي الَّذي يسكن هذا الجبل. ورواه غير ابن السِّكِّيت: أَنَّى لها جيدُ ابنُ أَجياد برفع الابن، وقال: معناه أَنَّى لها هذه العنق الجميلة الحسنة المتناهية في كمالها! قال: وليس أَجياد اسم جبل، إِنَّما هي الأَعناق، نسب الجِيد إِليها للمبالغة، كما نقول: هذا درهم ابن دراهم، وهذا دينار ابن دنانير، إِذا كان كامل الجودة والحسن، وحذف التنوين من جِيد، وأَصله جِيدٌ ابن أَجياد، لاجتماع الساكنين، قال ابن قيس: كَيْفَ نَوْمي على الفِرَاشِ وَلَمَّا ... تَشْمَلِ الشَّامَ غارَةٌ شَعْوَاءُ

ركوب

تُذْهِلُ الشَّيخ عنْ بَنِيهِ وتُبْدِي ... عَنْ خِدَامِ العقيلَةُ العَذْراءُ أَراد عن خدامٍ، فأَسقط التنوين. وأَنشَدَ الفرَّاءُ: لَتَجِدَنِّي بالأَميرِ بَرّا ... وبالقناةِ مِدْعَساً مِكَرَّا إِذا غطيفُ السُّلَمِيُّ فَرَّا أَراد غطيفٌ فأَسقط التنوين لسكونه وسكون السِّين. وقول يعقوب بن السِّكِّيت هو اختيارنا، وعليه أَكثر أَهل اللُّغة. 239 - وقال قُطْرب: فَعُول من حروف الأَضْداد. يُقال: رَكوبٌ للرَّجل الَّذي يركب، ورَكوب للطَّريق، الَّذي يركب، وأَنشَدَ: يَدَعْنَ صَوَّانَ الحَصَى رَكُوبَا أَي مركوباً، وأَنشَدَ لأَوس بن حَجَر: تَضَمَّنَها وَهْمٌ رَكوبٌ كأَنَّه ... إِذا ضَمَّ جنبيه المخارم رَزْدَقُ الرزدق: الصفّ من النَّاس، وأَصله أَعجمي. 240 - قال: وكذلك، الفَجوع يكون الفاجع والمَفْجُوع. 241 - قال: وقال أَبو طفيلة الحِرْمازيّ: ذعرتَ ذَعورا،

الزجور

قال: فيَحتمل تأْويلين: أَحدهما ذَعَرْت رجلاً مَذْعُوراً، والتأْويل الآخر ذَعرت رجلاً يذعَر النَّاس. 242 - قال: وكذلك الزَّجُور؛ يُقال للزاجر، وللنَّاقة الَّتي لا تدرّ حتَّى تُزْجر وتُضرب. 243 - والرَّغوث مثله، يُقال: رَغوث للَّتي يرغَثُها ولدها، فيكون للمفعول، ويُقال: رَغوث للولد الَّذي يرغثها، فيكون الفاعل. 244 - ويُقال: نَهوز للَّتي لا تَدِرّ حتَّى يُوجَأَ ضَرْعُها، ونَهوز للَّتي تَنْهَزُ الزِّمام برأْسها. 245 - ويُقال: غَموز، للَّذي يَعْمِز، وغَموز للَّتي إِذا غُمِزَ ضرعُها دَرَّت. 246 - ويُقال: عَصُوب، للَّتي لا تَدِرّ حتَّى يُعْصَبَ أَنفُها، وعَصُوب للَّذي يَعْصِب. 247 - 249 - ويُقال: شَكُوك وضَغوث وعَروك، في لمس السّنام إِذا مُسَّ فنُظِر هل بها طِرْقٌ أَم لا، يُقال: ضغثتها أَضغثها ضَغْثاً، وعركتُها أَعرُكها عَرْكاً.

والظؤور

250 - قال: والظَّؤور: الَّتي تُعْطَفُ مع أُخرى على ولد غيرها. 251 - والرَّحول: الَّتي تَصْلُح لأَنْ يُوضَع الرَّحْلُ عليها. 252 - ونَخور: للَّتي لا تَدِرّ حتَّى تُضرب وتُدْخَلُ اليدُ في مَنْخِرِها. 253 - وطَعوم: للَّتي بين الغَثَّة والسَّمِينة. 254 - وزَعُوم: للَّتي يزعم بعض النَّاس أَنَّ بها نِقْيا، ويزعم بعضهم أَنْ لا نِقْيَ بها، والنِّقي: المُخّ. قال: وربَّما زادوا الهاءَ في المفعولة، فقالوا: حَلُوبة وأَكولة، وظَعونة، للَّتي يُظعَن عليها، وقَتُوبة للَّتي يوضع الأَقتاب عليها. وقال: أَنشدني يونس: إِنِّي أَرَى لَكَ أَكْلاً لا يقوم بِهِ ... مِنَ الأَكُولَةِ إِلاَّ الأَزْلَمُ الجَذَعُ وقال الفرَّاءُ: إِذا كان فعول للفاعل لم تدخله الهاءُ، كقولهم: رجل كَفور، وامرأَة كَفور، وكذلك امرأَة غَضُوب، وصَبور، وقَتول؛ لأَنَّه لم يكن على فِعِل إِذْ كان صبَر؛ يقال في المبنيّ عليه صابِر وصابرة، فلمَّا لم يقع

مبنيًّا على فِعْل تدخله علامة التأْنيث، استوى في لفظه المذكَّر والمؤنَّث، وإِذا كان للمفعول دخلتْه الهاءُ في باب التأْنيث، لِيُفْرَقُ بين المفعول والفاعل، فيقال في المفعول: أَكُولة، وحُلوبة، وجَزُورة، وظَعُونة. وربَّما حذفوا الهاءَ من المفعول إِذا أَرادوا الإِبهام، ولم يقصدوا قصد واحد بعينه؛ من ذلك قوله عزّ وجلّ: فمِنْها رَكُوبُهُمْ، ذكر رَكوبا لأَنَّه أَراد الإِبهام، فمنها ما يركبون. وكان عبد الله بن مسعود يخصّص فيدخل الهاءَ ويقرأْ: فمِنْها رَكُوبَتُهُمْ، وكذلك الحَلُوب والحَلُوبة. أَنشدنا عبد الله بن الحسن، قال: أَنشدنا يعقوب بن السِّكِّيت لكعب بن سعد الغنويّ: يَبِيتُ النَّدَى يا أُمَّ عَمْرٍو ضَجِيعَهُ ... إِذا لن يَكُنْ في المُنْقِيَاتِ حَلُوبُ وأَنشدنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفرَّاءِ: يُبِيت بضم الياءِ، على معنى يُبيت الرَّجل النديّ. وحذفت الهاءُ من رَغوث، لأَنَّ المذكَّر من جنسها لا يوصف برَغوث، فجرى رَغوث مجرى حائض وطالق، إِذا ذُكِّرا في وصف المؤنَّث، من أَجل أَنَّ المذكَّر لا حظَّ له فيها، فرَغوث

دهور دهورة

عند الفرَّاءِ وأَصحابه ليس من الأَضْداد، وكذلك الحروف الَّتي عدَّدها قُطْرب إِذْ كان زَجُور توصف النَّاقة به ولا يوصف به البعير، وَوَصْف الرَّجل به لا يقع مضادًّا لوصف النَّاقة به؛ إِذا كان من غير جنسها، فهذان الفرقان بين البابين. 255 - ومن حروف الأَضداد دَهْوَرَ دَهْوَرَةً؛ يُقال: دَهْوَرَ الرَّجل إِذا أَكل، ودَهْوَر إِذا أَحدث. 256 - ومنها أَيْضاً المسيح؛ يُقال: المسيح لعيسى بن مريم عليه السَّلام، ويُقال: المسيح للدَّجَّال، وبعضهم يقول في صفة الدَّجَّال المِسِّيح. حدَّثنا إِسماعيل بن إِسحاق القاضي، قال: حدَّثنا عبد الله ابن مسلمة، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم: أَراني اللَّيلَةَ عند الكعبة، فرأَيت رجلا آدم، كأَحسن ما أَنت راءٍ من الرِّجال، له لِمَّة كأَحسن ما أَنت راءٍ من اللِّمَم، قد رَجَّلَها فهي تقطر ماءً، متَّكئاً على رَجُلين - أَو على عواتق رَجُلين - يطوفُ بالبيت، فسأَلت: مَنْ هذا؟ فقيل: المَسيح بن مريم. ورأَيت رجلاً جَعْداً قَطَطاً، أَعوَر العين اليمنى، كأَنَّها عِنبة طافية، فسأَلت: مَنْ هذا؟ فقيل: المسِّيحُ الدجَّال فمن قرأَ المَسيح

البحتر

في صفة الدجال، قال: أَصلُه الممسوح العين، فَصُرِف عن مفعول إِلى فعيل، كما قالوا: مجروح وجريح، ومطبوخ وطبيخ. ومن قال في صفته المِسِّيح، قال: هذا بناء للمبالغة في الوصف ومجراه مجرى قولهم: رجل فِسِّيق سِكِّير خِمِّير، هذا وما أَشبهه. وقال أَبو العباس: إِنَّما سُمِّيَ عيسى عليه السَّلام مَسيحاً لأَنَّه كان يَمْسح الأَرض، أَي يقطعها؛ فهو عنده فَعِيل من المَسْح. وقال غيرُه: إِنَّما سُمِّيَ مَسيحاً لسياحته في الأَرض، فوزنه من الفعل مَفْعِل، وأَصله مَسِيح، فحوِّلت كسرة الياءِ إِلى السِّين. وقال بعض المفسِّرين: سُمِّيَ مَسيحاً لأَنَّه خرج من بطن أُمّه ممسوحاً بالدّهن، فأَصله ممسوح، حُوِّل إِلى مَسِيح. وقال آخرون: سُمِّيَ مَسيحاً لأَنَّه كان أَمسح الرِّجْل، ليس لرجله أَخْمَص، والأَخْمَص: ما ارتفع عن الأَرض من وسط داخل الرِّجْل. ويُحكى عن ابن عباس أَنَّه قال: سُمِّيَ مَسيحاً، لأَنَّه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إِلاَّ بَرَأ. وقال إِبراهيم النَّخْعِيّ: المسيح: الصدِّيق. 257 - ومن حروف الأَضْداد البُحْتر؛ يُقال: رجل

أهنف الرجل إهنافا

بُحْتر، إِذا كان قصيراً، أَو بُهتر، بالهاءِ أَيْضاً. ويُقال: رجل بُحتر، إِذا كان عظيماً. ذكر هذا قُطْرب، وما علمنا أَحداً وافقه؛ على أَنَّ البحتر يقال للعظيم، قال الفرَّاءُ: يُقال: رجل بُحتر وبُهْتُر وبُحْتريّ؛ إِذا كان قصيراً، وامرأَةٌ بُحترة وبُهترة وبُحتريَّة، إِذا كانت قصيرَةُ، من نسوة بحاتر وبهاتر، وأَنشَدَ: لَعَمْرِي لَقَدْ حَبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ ... إِليَّ وما تَدرِي بذاك القصائرُ عَنَيْت قَصُوراتِ الحِجالِ ولم أرِدْ ... قِصار الخُطى شرُّ النِّساءِ البحاتِرُ القَصورة: المحبوسة في خِدرها، ويقال لها أَيْضاً: مقصورة، فمقصورة معناها محبوسة، من قول الله عزّ وجلّ: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ في الخِيَام. 258 - وقال قُطْرب: من الأَضْداد أَهْنَف الرَّجُل إِهْنافاً، إِذا ضحك، وإِذا بكى. وقال غير قُطْرب: تهانف معناه: قال: إِيهاً إِيهاً، في البكاءِ، قال الرَّاعي: تَهَانَفْتَ واسْتَبْكاكَ رَسْمُ المنازلِ ... بقَارةِ أَهْوَى أَو سويقةِ حَائلِ

وقعوا في أم خنور

القارة: جُبَيل صغير، ويُروَى: أَو سويفة حائل، بالفاءِ. 259 - ومن الأَضْداد أَيْضاً: وقعوا في أُمّ خَنُّور، إِذا وقعوا في داهية وبلاء، ووقعوا في أُمّ خَنُّور، إِذا وقعوا في نعمة. 260 - ومنها أَيْضاً ثوب قشيب للجديد، وثوب قشيب للخَلَق. 261 - ومنها الجُرْموز: الحوض العظيم يُحتاض على الأَرض، والجُرْموز: البيت الصغير، حكاها قُطْرب. 262 - وقال: من الأَضْداد ناقة فَاطم، إِذا فُصِلَ ولدها، وفاطم للَّتي فُطِمت هي. 263 - ومخوض، للَّتي ضَرَبها المخاض، وهي الماخض أَيْضاً. وقد قدمنا من تفسير فعول إِذا كان للفاعل والمفعول ما يغني عن الإِعادة. 264 - ومن الأَضْداد أَيْضاً النَّهيك: الشّجاع القويّ، يُقال: قد نَهُكَ نهاكة، إِذا قوِيَ واشتدَّ، والنَّهيك: الَّذي قد نَهِكَه المرض، وأَصله مَنْهوك، يُقال: نَهِكَه المرض ينهكُه، وأَنهكه السُّلطان عُقوبة. وقد بعضهم نَهِكَه السُّلطان بغير أَلف. 265 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزّ وجلّ تفسيرين متضادَّين قوله: والعَادِيَاتِ ضَبْحاً، يقول بعضهم:

العاديات الخيل، والضَّبْح: صوت أَنفاس الخيل إِذا عَدَوْن؛ يُقال: قد ضَبَح الفرس، وقد ضَبَح الثعلب، وكذلك ما أَشبههما. ويُقال: العاديات: الإِبل، وضَبْحاً، معناه ضَبْعاً، فأُبدلت الحاءُ من العين، كما تقول العرب: بُعْثِر ما في القبور، وبُحْثِر ما في القبور؛ فمن قال: العاديات: الخيل، قال: هي المُوريات قَدْحاً؛ لأَنَّها تُورى النَّار بسنابكها؛ إِذا وقعتْ على الحجارة، وهي المغيرات صبحا. ومن قال: العاديات: الإِبل، قال: الموريات قدحاً، الرِّجال؛ يُتبيَّن من رأْيهم ومكرهم ما يُشبه النَّارَ الَّتي تورى في القَدْح. والمغيرات صبحا: الإِبل، يُذْهَب إِلى أَنَّها تعدو في بعض أَوقات الحجّ وكذلك تُغير، على أَنَّ الإِسراع بها يشبه الإِسراع في حلال الإِغارة. حدَّثني أَبي، قال: حدَّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدَّثنا يونس المؤدب، قال: حدَّثنا حماد، عن سماك، عن عكرمة، قال: الموريات قدحا الأَلسنة. وكان عليّ بن أَبي طالب رضوان الله عليه يقول: العاديات: الإِبل. وكان ابن عباس رحمه الله يقول: العاديات: الخيل. أَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَبو همام، قال: حدَّثنا ابن وهب، قال: أَخبرني أَبو صخر، عن أَبي معاوية البجليّ، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، أَنَّه

فلان من أهل الحضارة

حدَّثه، قال: بينما أَنا جالس في الحِجْر، جاءَني رجل، فسأَلني عن العاديات ضَبْحا، فقلت: هي الخيلُ حين تُغِيرُ في سبيل الله، ثمَّ يَأْوون باللَّيل، فيصنَعون طعامهم، ويُورُون نارهم. فانفتل عنِّي وذهب إِلى عليّ بن أَبي طالب رضي الله عنه، وهو تحت سِقاية زمزم، فسأَله عن العاديات ضَبْحا، فقال له: أَسأَلت عنها أَحداً قبلي؟ قال: نعم، سأَلت ابن عباس فقال: هي الخيل حين تُغير في سبيل الله. فقال: اذهب فادْعُه لي، فلمَّا وقفتُ على رأْسه، قال: إِنْ كانت أَوَّل غزوة في الإِسلام لَبَدْراً، وما كان معنا إِلاَّ فَرَسان: فرس للزبير وفرس للمقداد. فكيف تكون العاديات الخيل! إِنَّما العاديات ضَبْحا، مِنْ عَرفة إِلى المزدلفة، ومن المزدلفة إِلى مِنًى، فإِذا كان الغد فالمُغيرات صُبْحا إِلى مِنًى؛ فذلك جمع، فأَمَّا قوله: فَأَثَرْنَ به نَقْعاً فهو نَقْع الأَرض حين تطؤُه بأَخفافها. قال ابن عباس: فنزعتُ عن قولي، ورجعتُ إِلى قول عليّ عليه السَّلام. 266 - ومن الأَضْداد قولهم: فلان من أَهل الحَضَارة، إِذا كان من أَهل الحَضر، ومن أَهل الحَضَارة، إِذا كان من أَهل البادية.

الحرفة

267 - وقال قُطْرب: الحِرْفة من الأَضْداد، يُقال: قد أَحرف الرَّجُل إِحرافاً إِذا نما ماله وكثر، والاسم الحِرْفة من هذا المعنى. قال: والحِرْفة عند الناس الفقر، وقلَّة الكسب؛ وليست من كلام العرب، إِنَّما تقولها العامَّة. 268 - قال: ومن الأَضْداد قولهم: رَبَع الرَّجُل يَرْبَع رَبْعاً، إِذا أَقام، والرَّبْعة: السَّير الشَّديد. قال أَبو بكر: وهذا عندي ليس من الأَضْداد؛ لأَنَّ الرَّبْعة لا تقع على الإِقامة إِلاَّ بإِبطال هذا اللفظ والانتقال منه إِلى لفظ آخر؛ وإِنَّما يكون الحرف من الأَضْداد إِذا وقع على معنيين متضادَّين، ولفظُه واحد في البابين؛ فإِذا اختلف اللَّفظان، بطل أَن يكون الحرف من حروف الأَضْداد. 269 - ومنها أَيْضاً الأَعور. يُقال: أَعْور للذَّاهبة إِحدى عينيه، وأَعور للصحيح العينين، ويُقال: غراب أَعْور لصحَّة بصره، قال الشاعر: في الدَّارِ تَحْجَالُ الغُرابِ الأَعْوَرِ

ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا

ويُقال: بصير للَّذي يُبْصِر بعينيه، وبَصير للأَعمى، وإِنَّما قيل للأَعمى بصير على جهة التفاؤل له بالإِبصار؛ كما قيل للمهلَكة مفازة، وللَّديغ سَلِيم. 270 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله جلَّ اسمه تفسيرين متضادين، قوله جلّ وعزّ: ولَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاثَمائةِ سِنِينَ وازْدَادُوا تِسْعاً، يُقال: هذا ممَّا أَخبر الله جلَّ وعزَّ به، ودلَّ العالَمَ فيه على حقيقة لبثهم. وقال آخرون: هذا ممَّا حكاه الله عزّ وجلّ عن نصارى نجران، ولم يصحح قولهم وما ادَّعوه فيه، واحتجُّوا بقراءةِ عبد الله بن مسعود: قَالوا ولَبِثُوا في كَهْفِهِمْ، واحتجُّوا أَيْضاً بقوله عزّ وجلّ: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، فقوله: ولَبِثُوا منعطف على قولهم الأَوَّل، وغير خارج من معناه. وقالوا: الدَّليلُ على أَنَّه من كلام نصارى نجران، قوله عزّ وجلّ: قل اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا، أَي لا تقبلْ ذا القولَ منهم؛ وهذا من المبهَمَات الَّتي لا يعلمُها راسخ

قد أغار الرجل

العلم، بل ينفرد الله عزّ وجلّ بعلمها دون خلقِه. وقال أَصحاب القول الأَوَّل: قوله جلّ وعزّ: قلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا، معناه: الله أَعلم بلَبْثِهم مذ يوم أُميتوا إِلى هذا الوقت، ومقدار لَبْثِهم مذ يوم ضُرِب على آذانهم في الكهف إِلى وقت انتباههم ثلثمائة سنة وتسع سنين؛ وقد استقصينا تفسير هذه المسألة في كتاب: الردّ على أَهل الإِلحاد في القرآن. 271 - ومن الأَضْداد أَيْضاً قولهم: قد أَغار الرَّجُل إِلى القوم. إِذا أَغاثهم وأَعانهم وقاتل عنهم، وقد أَغار على القوم إِغارة، إِذا قصدهم مغترِّين، فقتلَهم وسلبَهم وانتهبَهم. 272 - وممَّا يفسَّر من القرآن تفسيرين متضادّين قول الله عزّ وجلّ: وبَيْنَهُما حِجَابٌ وعلى الأَعْرافِ رِجَالٌ يَعْرِفونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ. يُقال: أَصحاب الأَعراف قوم من أُمَّة محمد صلّى الله عليه وسلّم تستوي حسناتهم وسيآتهم، فيُمنَعُون الجنَّة بالسَّيآت، ويُمنعون النَّار بالحسنات؛ فهم على سُورٍ بين الجنَّة والنار، إِذا نظروا إِلى أَهل الجنَّة، قالوا: السَّلام عليكم، وإِذا

لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون

نظروا إِلى أَهل النَّار: قالوا ربَّنا لا تَجْعَلْنَا معَ القَوْمِ الظالمين. وحدَّثنا أَبو الحسن علي بن محمد بن أَبي الشوارب القاضي، قال: حدَّثنا أَبو الوليد، قال: حدَّثنا أَبو معشر، عن يحيى ابن شِبْل الأَنصاريّ، عن عمر بن عبد الرحمن المزنيّ عن أَبيه، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أَصحاب الأَعراف، فقال: هم قوم قُتِلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم. فمنعهم الجنَّة معصيةُ آبائهم، ومنعهم النَّارَ قتلُهم في سبيل الله عزّ وجلّ. وقال بعض المفسرين: أَصحاب الأَعراف ملائكة. أَخبرنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: حدَّثنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أَبي مَجْلَز، قال: أَصحاب الأَعراف ملائكة، قال: فقلت له: يقول الله عزّ وجلّ: رِجَالٌ، وتقول أَنت: ملائكة! قال: إِنَّهم ذكور وليسوا بإِناث. 273 - ويفسَّر أَيضاً قولُه عزّ وجلّ: لا خَوْفَ عَلَيْكُمْ ولا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ تفسيرين متضادين، فيقول الكلبيّ: هذا يقوله الله عزّ وجلّ لأَصحاب الأَعراف، وقال: يَرَى أَصحابُ الأَعراف في النَّار رؤساءَ المشركين فينادونهم:

أضب القوم إضبابا

يا عاصي بن وائل، ويا وليد بن المغيرة، ويا أَسود ابن المطلب، ويا أَبا جهل بن هشام؛ ما أَغنى عنكم جَمْعُكم في الدُّنيا، وما كنتم تستكبرون؛ إِذ أَنتم الآن في النَّار! ويَرَوْنَ في الجنَّة المستضعفين من المسلمين: سَلْمان الفارِسيّ، وعمَّار ابن ياسر وصُهَيْباً، وعامر بن فُهَيرة، فيقولون للمشركين: أَهؤلاءِ الذين أَقسمتم لا ينالهم الله برحمة! فيقول الله تبارك وتعالى لأَصحاب الأَعراف: ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفَ عَلَيْكُمْ ولا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ. وقال مُقاتل بن سليمان: يُقسِم أَهلُ النَّار أَنَّ أَصحاب الأَعراف لا يدخلون الجنَّة، فتقول لهم الملائكة الذين حبسوا أَصحاب الأَعراف على الصراط: أَهؤلاءِ الذين أَقسمتم لا ينالهم الله برحمة! ويقولون لهم أَيضاً: ادخلوا الجنَّة لا خوف عليكم ولا أَنتم تحزنون. والأَعراف عند العرب: ما ارتفع وعلا من الأَرض، ويستعمَل في الشَّرف والمجد، وأَصله البِناء، قال الشَّاعر: وَرِثْتُ بِناَء آباءٍ كرامٍ ... عَلَوْا في المَجْدِ أَعرافَ البِنَاءِ وواحد الأَعراف عُرْف. 274 - ومن الأضداد أَيضاً أَضَبَّ القومُ إِضباباً، إِذا تكلَّموا، وأَضَبُّوا، إِذا سكتوا.

الخابط

275 - ومنها أَيضاً الخابط: النائم، والخابط الَّذي يخبط الأرض بيده ورِجليه، ويُقال: قد خَبَط الطِّينَ؛ إِذا اضطرب فيه. 276 - وقال قُطْرب: من الأضداد قولهم: قد خَذِمَتِ النَّعْلُ، إِذا انقطعت عُرْوَتُها وشِسعُها، وأَخْذَمْتُها، إِذا أَصلحْتَ عُرْوتها وشِسْعَها. وهذا ليس عندي من الأضداد؛ لأنَّ خذمْت لا يقع إِلاَّ على معنى واحد، وكذلك أَخْذَمْت، ولفظ أَخْذَمْت يخالف لفظ خذمت؛ وما لم يعبِّر إِلاَّ عن معنًى ولحد بلفظه لا يكون من الأضداد، ومعروف في كلام العرب: خَذِمَت النعلُ وأَخْذَمْتُها، على ما وصف قُطْرب، قال الهُذلِيّ يمدح رجلاً: حَذَانِي بَعْدَما خَذِمَتْ نِعَالِي ... دُبَيَّةُ إِنَّه نِعْمَ الخليلُ بِمُورِكَتَيْنِ مِنْ صَلَوَيْ مُشِبٍّ ... من الثِّيران عَقْدُهما جَميلُ دُبَيَّة: اسم رجل، وهو تصغير دَبَاة. والمُوركة من النعل: بمنزلة الوَرِك من الإِنسان. ويُقال: هي وَرِك الإِنسان،

الحومان

ويجوز وَرْكَهُ ووَرَكَهُ. وقول العرب: ثَنَى الفارسُ وَرِكه فنزل، ليس هو من هذا في شيء، إِنَّما معناه ثَنَى رِجْلَه. 277 - ومن الأضداد أَيضاً الحَوْمان: المكان السهل يُنْبِت العَرْفَج، والحَوْمَانَة: الموضع الغليظ الخشن، وجمعها حَوَامِين. ويجوز أَن يقال في جمعها: حَوْمان، فيكون بين الجمع والواحد الهاءُ، كما قالوا: نَخْلة ونَخْل، وتَمْرة وتمر، قال زُهَير: أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ ... بحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فالمُتَثَلَّمِ 278 - ومنها أَيضاً التَّبِيع: التابع، والتبيع المتبوع، قال الله جلَّ ذكره: ثُمَّ لا تَجِدُوا لكُمْ عَلَيْنَا تَبِيعاً، أَي تابعاً مطالباً. 279 - وقال قُطْرب: من الأضداد قولهم: قد جَمَّرْتُ المرأَةَ، إِذا جعلتَ لها كالنَّزَعَتَيْن من حَلْق ونَتْف، والنَّزَعة: ما ينحسر من شَعَرِ جانِبَي الرأْس الَّذي يَعْضُد، نابت في الجبين، قال: ويقال للذؤابة جِمَار، ويُقال: للمرأَةِ جِمَاران، أَي ذؤابتان ضُفِرَتا مُقْبِلَتَيْن على وجْهها.

التفطر

ويُقال: قد جَمَّرْتُ الجُنْدَ. وفي الحديث: ولا تُجمِّروا جُنُودَكُمْ، أَي لا تقطعوا نَسْلَهُم. وقال غير قُطْرب: الجِمَار: الحجارة الصِّغار؛ ومن ذلك رميُ الجِمَار، ومنه قولهم: قد اسْتَجْمَرَ الرَّجُل، إِذا استنجى بالأَحجارِ الصِّغار، قال المؤمّل: رَمَتْ بالحَصَى يَوْمَ الجِمَارِ فَلَيْتَهُ ... بعَيْنِي وأَنَّ الله حَوَّلَهُ جَمْرَا فقول قُطْرب: جَمَّرت المرأَة، ولها جِماران، من الأضداد ليس بصحيح؛ لأَنَّ جَمَّرت لا يكون بمعنى وفَّرت الشعر؛ ولا يقال: جمار لما يضادّ الذؤابة، فلا وجهَ لإِدخاله في حروف الأضداد. 280 - ومن الأضداد التفطّر؛ التفطّر: أَلاَّ يَخْرُج من لبن النَّاقة شيء، والتفطّر: الحَلَب، والتفطّر الانشقاق، قال الله عزّ وجلّ: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ. 281 - وقال قُطْرب: الزَّوج من الأضدادِ؛ يُقال: زَوْج للاثنين وزَوْج للواحد.

وهذا عندي خطأ، لا يُعْرَفُ الزوجُ في كلام العرب لاثنين، إِنَّما يقال للاثنين زَوْجان؛ بهذا نزل كتاب الله، وعليه أَشعار العرب، قال الله عزّ وجلّ: وأَنَّهُ خَلَق الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثَى، أَراد بالزوجيْن الفردين، إِذْ تَرْجَم عنهما بذكر وأُنثى. وقال عزَّ ذكره: ثَمَانِيَةَ أَزْواج مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ ومِنَ الإِبِلِ اثْنَيْن ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ، فكان المعنى ثمانية أَفراد، أَنشأَ من الضأْن اثنين، وكذلك ما بعدهما، فالأَزواج معناها الأَفراد لا غير، والعرب تُفرد الزوج في باب الحيوان، فيقولون: الرَّجُل زوج المرأَة، والمرأَة زَوْج الرَّجُل؛ ومنهم من يقول زوجة، قال عَبْدة بن الطَّبيب: فبَكَى بَنَاتِي شَجْوَهُنَّ وزَوْجَتِي ... والأَقْرَبُونَ إِليَّ ثمَّ تَصَدَّعُوا وأَنشدنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفرَّاء: وأَنَّ الَّذي يَمْشِي يُحرِّشُ زَوْجَتي ... كَمَاشٍ إِلى أُسْدِ الشَّرى يَسْتَبِيلُها وإِذا عدلت العرب عن النَّاس إِلى الحيوان، فقالوا: عندي زوجان من حمام، أَرادوا: عندي الذَّكر والأُنثى، فإِذا احتاجوا

العاقل

إِلى إِفراد أَحدهما لم يقولوا للذكر زوج وللأُنثى زوجة، ولكنَّهم قالوا للذكر فَرْد، وللأُنثى فردة، والقياس زوج وزوجة؛ إِلاَّ أَنَّهم تنكبُوهما اكتفاء بالفرد والفردة. وكذلك يقال للشيئين المصطحبين: زوْجان، كقولهم: عندي زوْجان من الخِفاف، يريدون اثنين، وكذلك زوجان من النِّعال. ويقال للأبيض والأَسود زَوْجان، وللحُلْو والحامض زوجان، ولا يقال لأَحدهما زَوْج، فمن ادَّعى أَنَّ الزَّوْج يقع على الاثنين فقد خالف كتاب الله جلّ وعزّ وجميع كلام العرب، إِذ لم يوجد فيهما شاهد له، ولا دليل على صحَّة تأَوُّله. 282 - ومنها أَيْضاً العاقل؛ يُقال: رجل عاقل، إِذا كان حَسن التمييز، صحيحَ العقل والتدبير، ويُقال: وَعِل عاقل وهو ممَّا لا يعقِل، يراد به: قد عَقَل نفسه في الجبل، فما يَبْرَح منه، ولا يطلب به بدلاً، قال الشَّاعر: لَقَدْ خِفْتُ حتَّى ما تَزِيدُ مَخافَتي ... على وَعِلٍ في ذِي المَطَارَةِ عاقِلِ أَي حابس نفسه في هذا الموضع. ويجوز أَن يكونا متضادَّيْن، وأَن يُقال: أَصل العقل في اللغة الحبس، فإِذا

الفارض والفوارض

وُصف الرَّجُل بالعقل ذُهِب إِلى أَنَّه يحبس نفسه عن الأُمور الدَّنيَّة، ويمنعها من الدخول فيما يلحقه من جهته العار والعيب؛ وإِذا وُصِف الوَعِل به ذُهِب إِلى أَنَّه يحبس نفسه في الجبل، ويمنعها من التَّصرُّف في غيره. 283 - ومن الأَضْداد أَيْضاً الفارض والفوارض؛ يُقال: الفارض للبقر العظام الَّلاتي لَسْنَ بصغار ولا مِراض. ويُقال: الفارض للمِراض، وقد يُقال: فارض لغير البقر، قال أَبو محمد الفقعسِيّ: لَهُ زُجَاجٌ ولَهَاةٌ فارِضُ ... هَدْلاءُ كالوَطْبِ نَحاهُ الماخِضُ وقال الله عزّ وجلّ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ ولا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ، أَراد بالفارض المُسنَّة، وبالبِكْر الصغيرة، وبالعَوان الَّتي هي بين الصغيرة والكبيرة، قال الشَّاعر: لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْطَيْتَ ضَيْفَكَ فَارِضاً ... تُساقُ إِلَيْهِ لا تَقُومُ على رِجْلِ ولَمْ تُعْطِهِ بِكْراً فيَرْضَى سَمِينَةً ... فكَيْفَ يُجازِي بالعطيَّةِ والبَذْلِ ويُقال: امرأَة عَوان، إِذا كانت ثَيِّبا، وحرب عَوان، إِذا قُوتِل فيها مرَّةً بعد مرَّة، وحاجة عَوان إِذا طُلِبَتْ مرَّةً بعد مرَّة، قال الشَّاعر:

استقصيت الحديث استقصاء

قُعُوداً لَدَى الأَبْوابِ طُلاَّبَ حاجةٍ ... عَوانٍ من الحاجاتِ أَو حاجةٍ بِكْرَا وقال آخر، وهو قيس بن الخَطِيم: فَهَلاَّ لَدَى الحَرْبِ العَوَانِ صَبَرْتُمُ ... لوَقْعَتِنَا والبأْسُ صَعْبُ المراكبِ وقال كعب بن مالك: فَلاَ وأَبيكِ الخيْرِ ما بَيْنَ وَاسطٍ ... إِلى رُكْنِ سَلْعٍ مِنْ عَوَانٍ ولا بِكْرِ أَحَبُّ إِلى كَعْبٍ حَدِيثاً ومَجْلِساً ... مِنِ اخْتِ بَني النَّجَّارِ لَوْ أَنَّها تَدْرِي وحكى المعنيين الأَوَّلَيْن في الفوارض قُطْرب. 284 - وقال: من الأَضْداد قولهم: اسْتَقْصَيْتُ الحديث استقصاء. إِذا اختصرتَه، فحدَّثْتَ من أَوَّله أَو من وسطه، أَو من آخره. واستقصيتُه استقصاء، إِذا لم أَدَعْ مِنْهُ شيئاً. 285 - وقال: ومِنها أَيْضاً الشَّجاعة. قال: شجاع قويّ، وشجاع ضعيف. 286 - قال: ومنها أَمعن بحقِّي إِمعاناً، إِذا أَقَرَّ به. وأَمعن به إِمعاناً، إِذا هرب منه. 287 - وقال غيره: الأَكْمه من الأَضْداد. يُقال: أَكْمَه

قد تغشمر الرجل

للَّذي تلِدُه أُمُّه أَعمى. قال الله عزّ وجلّ: وأُبْرِئُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ، فقال أَبو عُبيدة: الأَكْمَه: الَّذي يُوَد أَعمى، وأَنشد لرؤبة: هَرَّجْتُ فارْتَدَّ ارتداد الأَكْمَهِ ... في غائلاتِ الحائِرِ المُتَهْتِهِ وقال ورقاءُ عن ابن أَبي نَجِيح، عن مُجاهد: الأَكْمَه: الَّذي يُبْصر في بالنهار، ولا يُبْصر في اللَّيل. وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا حفص بن عمر العدنيّ، قال: حدثَّنا الحم بن أَبان، عن عِكْرِمة في قوله: وأُبْرِئُ الأَكْمَهَ، قال: الأَعمش. ويُقال: إِنَّ قَتادة بن دِعامة كان أَكْمَه، ولِدته أُمُّه أَعمى، ويُقال: الأَكْمَه: الأَعمى وإِن وُلد بَصيراً فَحدَث به العمى، وقد كَمِه الرَّجُل إِذا عَمِيَ، قال الشَّاعر: كَمِهَتْ عَيْنَاهُ حتَّى ابْيَضَّتَا ... فهُوَ يَلْحَى نَفْسَهُ لَمَّا نَزَعْ 288 - ومن حروف الأَضْداد قولهم: قَدْ تَغَشْمَرَ الرَّجُلُ؛ إِذا ركب بالباطل، وتَغَشْمَرَ، إِذا ركب الحقّ. حكاهما قُطْرب وهو في الشرّ أَعرف وأَشهر، قال الشَّاعر يرثي حُجْر بن عديّ:

يهوي

فَيَا حُجْرُ مَنْ للخَيْلِ تَدْمَى نُحُورُها ... وللمَلك المُعْزَى إِذا ما تَغَشْمَرَا ومَنْ صادِعٌ بالحقِّ بعدكَ ناطقٌ ... بتقوَى ومَنْ إِنْ قيلَ بالجَوْرِ غَيَّرا 289 - وقال قُطْرب: يهوِي من حروف الأَضْداد؛ يكون بمعنى يصعد، ويكون بمعنى ينزل، وأَنشد: والدَّلْوُ تَهْوِي كالعُقَابِ الكاسِرِ وقال: معناه تصعد، والمعروف في كلام العرب: هَوت الدّلو تَهوِي هَوِيًّا، إِذا نزلت، قال ذُو الرُّمَّة: كأَنَّ هَوِيَّ الدَّلْوِ في البئرِ شَلُّهُ ... بذات الصّوَى آلافهُ وانشلالُها آلافه: جمع أَلف، وآلاف مضافة إِلى الهاء، وقال زهير: فَشَجَّ بها الأَماعِزَ وهْيَ تَهْوِي ... هَوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَها الرِّشَاءُ 290 - وقال قُطْرب: من الأَضْداد التَّفِل: المنتن، والتَّفِل الطَّيّب. والتَّفَل: طيب الرِّيح، والتَّفَل: النَّتَن. والمعروف في كلام العرب التَّفَل النَّتن، والتَّفِل المُنْتِن، من ذلك حديث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تَمْنَعُوا إِماءَ اللهِ مَساجِدَ الله ولْيَخْرُجْنَ إِذا خَرَجْنَ تَفِلاتِ، أَي غير متطيِّبات.

قد ترب

يُقال: امرأَة تَفِلة ومِتْفال، إِذا كانت غيرَ طيِّبة الرِّيح، قال امرؤ القيس: ومِثْلِكِ بَيْضاءِ العوارض طَفْلَةٍ ... لَعُوبٍ تُنَسِّيني إِذا قُمْتُ سِرْبَالِي لطيفةِ طَيِّ الكَشْحِ غَيْرِ مُفَاضَةٍ ... إِذا انْفَتَلَتْ مُرْتَجَّةً غَيْرَ مِتْفَالِ وقال الأَعشى: نِعْمَ الضَّجيعُ غَدَاةَ الدَّجْنِ تَصْرِعُهُ ... لِلَذَّةِ المرءِ لا جافٍ ولا تَفِلُ 291 - وقال قُطْرب: من الأَضْداد قولهم: قَدْ تَرِب الرَّجُل، إِذا افتقر، وأَتْرَب، إِذا استغنى. وهذا عندي ليس من الأَضْداد، لأنَّ ترب يخالف لفظ أَترب، فلا يكون تَرِب من الأَضْداد، لأَنَّه لا يقع إِلاَّ على معنى واحد. وكذلك أَترب، والعرب تقول: قد تَرِب، إِذا لَصِق بالتراب من شدَّة الفقر، وأَترب إِذا استغنى فهو مُتْرِب، قال الله عزّ وجلّ في المعنى الأَوَّل: أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةِ. وقال نابغة بني شيبان في المعنى الثاني:

وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه

فَمُسْتَلَبٌ عنهُ رِياشٌ ومَكْنَسٌ ... وعارٍ ومنهم متْرِبٌ وفَقِيرُ 292 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله عزّ وجلّ تفسيرين متضادّين قولُه جلَّ اسمه: وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ. فيقول بعض المفسِّرين: الرَّجُل المؤمن هو من آل فرعون، أَي من أُمَّته وحيِّه ومَنْ يدانيه في النَّسب. ويقول آخرون: الرَّجُل المؤمن ليس من آل فرعون، إِنَّما يكْتُم إِيمانه من آل فرعون، وتقدير الآية عندهم: وقال رجل مؤمن يكتم إِيمانه من آل فرعون. 293 - ومنه أَيْضاً: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فاسْتَقِيمَا، قال: الخطاب لموسى عليه السَّلام وحده لأَنَّه هو الَّذي دَعَا فخُوطب بالتثنية، كما قال تعالى: أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، وإِنَّما يخاطب مالكاً وحده. ومن هذا قول العرب للواحد: قوما واقعدا، وقول الحجَّاج: يا حرسيّ اضربَا عنقه. ويُقال: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكما، خطاب لموسى وهارون عليهما السَّلام، لأَنَّ موسى

الأخضر

دعا وقال هارون: آمين، فكان كالدَّاعي، لأنَّ تفسير آمين كذلك يكون، واللَّهمَّ استجب. أَخبرني أَبو علي المقرئ، قال: حدَّثنا الحسن بن الصباح، قال: حدَّثنا الخفاف، قال: قال إِسماعيل: كان الحسن إِذا سئل عن تفسير آمين، قال: اللهمَّ استجب، وفيها لغتان: أَمين، وآمين؛ وقد استقصينا الكلام فيها في كتاب غريب الحديث. 294 - ومن الأَضْداد الأَخضر في صفة الرَّجُل. يُقال: رجل أَخضر، إِذا مُدِحَ بالخِصْب والعطاء والسَّخاء، ورجل أَخضر إِذا كان لئيماً، قال الفضل بن العباس بن عتبة ابن أَبي لهب في المعنى الأَوَّل: وأَنا الأَخْضَرُ مَنْ يَعْرِفُنِي ... أَخْضَرُ الجِلْدَةِ في بيتِ العَرَبْ أَراد: أَنا المخصبُ السَّخيُّ المعطاء. وقال جرير في المعنى الثاني: كَسَا اللُّؤْمُ تَيْماً خُضْرَةَ في جِلُودِها ... فوَيْلاً لِتَيْمٍ مِنْ سَرَابِيلها الخُضْرِ فالخضرة عند العرب اللُّؤم، ومن المعنى الأَوَّل قول العرب: أَبادَ اللهُ خَضْراءهم، أَي خِصْبهم ونعيمهم؛ لأنَّ الخضرة عند العرب الخِصْب، قال النابغة:

رسست

يَصُونونَ أَبْداناً قَديماً نَعِيمُها ... بخالصَةِ الأَرْدانِ خُضْرِ المَناكبِ أَراد بخضر المناكب خصبَهم وسَعَة ما هم فيه. ويُقال: أَبادَ اللهُ خَضْراءهم، سوادهم، والخضرة عند العرب السَّواد، قال الشَّاعر: يا ناقُ خُبِّي خَبَباً زِوَرَّا ... عارِضِي اللَّيْلَ إِذا ما اخْضَرَّا ويُقال: أَباد الله غَضْراءهم، بالغين، أَي حسنهم وبهجتهم، قالت الخنساءُ: احْثُوا التُّرابَ على مَحَاسِنِهِ ... وعلى غَضَارَةِ وَجْهِهِ النَّضْرِ 295 - وقال قُطْرب: من الأَضْداد رَسَسْتُ، تستعمل في الإِصلاح وتستعمل في الإِفساد. 296 - قال: ومنها ليْث عِفِرِّين مضادّ في المدح والهجاء. وقال غير قُطْرب: لا يستعمل إِلاَّ في المدح، وله تأْويلات ثلاثة: أَحدُهنّ أَن يكون عِفرّون جمع عِفِرّ، والعِفِرّ: الشَّديد الَّذي يَصْرَع كلَّ ما عَلِقَه ويُلْصِقه بالأَرض وعَفَرِها.

وعِفِرّ، على مثال شِمِرّ، يقال شرّ شِمِرّ، إِذا كان عظيماً يُشَمَّرُ فيه عن الساعدين، فإِذا قالوا: لَيْث عِفِرِّين، فمعناه ليث ليوث. وقال الأَصمعيّ: ليث عِفِرِّين: دابَّة يتحدَّى الرَّاكبَ، ويضرِب به الأَرض. ويُقال: عِفِرّون بلد، أَي هذا اللَّيث يكون بهذا البلد، قال الشَّاعر: أُلْفِيتَ أَغْلَبَ مِنْ أُسْدِ المَسَدِّ حَديدَ ... النَّابِ إِخْذَتُهُ عَفْرٌ فَتَطْرِيحُ واختلفوا في تفسير العِفْر، فقال بعضهم: العِفْر: الشَّديد الَّذي إِذا عافَرَه رجل غلبه وأَلصقه بالعَفَر؛ يُقال: قد تعافر الرَّجلان إِذا تآخَذا على أَن يُلْقِيَ كلُّ واحد منهما صاحبَه على العَفَر، أَنشدنا الحسن بن البَرَاء: انْظُرْ إِلى عَفَرِ الثَّرَى مِنْهُ خُلِقْ ... تَ وأَنتَ بَعْدُ غَدٍ إِليهِ تَصِيرُ ويُقال: العِفْرُ: الموصوفُ بالشيطنة والدهاء، يُقال: عِفْرٌ بيِّنُ العَفَارة، إِذا كان كذلك، ويحكى هذا عن الخليل. ويُقال: العِفْر الكَيِّس الظَّريف. ويُقال: شيطان عِفْريت وعِفْرية وعُفَارية، إِذا كان قويًّا، قال الله تعالى:

قالَ عِفْريتٌ مِنَ الجِنِّ، وقرأَ بعضهم: قالَ عِفْرِيَةٌ مِنَ الجِنِّ، وقال الشَّاعر في اللُّغة الثالثة: قرنتَ الظالمينَ بمَرْمَرِيسٍ ... يَذِلّ بها العُفَارِيَةُ المَرِيدُ المرمريس: الدَّاهية. ويُقال: رجل عِفْرية نِفْرِية، إِذا كان قويًّا، فتدخل الهاءُ في عِفْرية للمبالغة، ونِفْرِية إِتباع، كما قالوا: شَيْطان لَيْطان، وحَسَنٌ بَسَنٌ. وفي الحديث: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يبايع النَّاس وفيهم رجل دُحْسُمَان، فقال له: هل اعتللت قطّ قال: لا، قال: فهل رزئتَ في مالك؟ قال: لا، فقال صلَّى الله عليه: إِنَّ أَبغضَ الرِّجال إِلى الله العِفْرِية النِّفْرِية، الَّذي لم يُرْزَأْ في نفسه، ولا في ماله، فيُقال: العِفْرِية النِّفْرِية الجَموع المَنُوع. ويُقال: العِفْرِيَة النِّفْرِية: القويّ الظَّلوم؛ والأَصل فيه في اللُّغة ما قدمنا ذكره. والدُّحْسُمان: الأَسود السَّمين، وفيه لغتان: دُحْسُمَان ودُحْمُسَان، ويقال لعُرْف الدِّيك عِفْرية، قال الشَّاعر: كَعِفْرِيَة الغَيُورِ مِنَ الدَّجَاج

وأتوا به متشابها

ويُقال: ناقة عَفَرْناة؛ إِذا كانت قويَّة شديدة، ويُقال للغول: عَفَرْناة، ويقال للأَسد: عَفَرْناة، قال الأَعشى: ولَقَدْ أَجْذِمُ حَبْلي عَامِداً ... بعَفَرْنَاةٍ إِذا الآلُ مَصَحْ 297 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله جلّ وعزّ تفسيرين متضادَّين قوله تعالى ذكره: وَأُتُوا به مُتَشابهاً، يُقال: يشَّبه الطعامَ الَّذي يُؤْتَوْن به على مقدار العَشِيّ من الدُّنيا الطعامَ الَّذي يُؤْتَوْن به على مقدار الغَداة من الدُّنيا، فإِذا طَعِمُوه وَجَدُوا له خلاف طعم الَّذي كان قَبْلَه، وفي هذا أَدَلّ دليل على حكمة الله جلّ وعزّ، ونفاذ قدرته أَن يوجَد بِطِّيخ يجمع طعم التُّفَّاح والكُمَّثرى والرُّمَّان. ويُقال: متشابهاً، يشبه ثمر الدُّنيا. حدَّثنا يوسف بن يعقوب، قال: حدَّثنا محمد بن عُبَيْد، قال: حدَّثنا محمد بن ثور، عن معمَر، عن قَتادة في قوله جلّ وعزّ: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً، قال: يشبه ثمرَ الدنيا، غيرَ أَنَّ ثمر الجنَّة أَطيب. قال معْمَر: وقال الحسن: يشبه بعضُه بعضاً، ليس فيه مرذول. وقال بعض اللُّغويِّين: هذا كما يقول الرَّجُل للرَّجُل:

قد ثللت عرشه

قد اشتبهت عليَّ أَثوابُك، فما أَدري ما آخذ منها؟ أَي كلّها خيار فلا أَقف على أَفضلها، فأُفضِّله منها وآخذه، قال الشَّاعر: مَنْ تَلْقَ منْهُمْ تَقُلْ لاقيتُ سَيِّدهُمْ ... مِثْل النُّجومِ الَّتي يَسْرِي بها السَّارِي أَي كلّهم سادة يتشابهون في الفضائل. 298 - وقال قُطْرب: من الأَضْداد: قولهم قد ثَلَلْتُ عرشَه. إِذا هَدَمْتَه وأَفسدتَه، وأَثللتُ عرشَه، إِذا أَصلحته. قال أَبو بكر: ليس عندي كما قال قُطْرب، إِذ كان ثَلَلْت يخالف أَثْلَلْت، فلا يجوز أَن يُعَدَّ في الأَضْداد حرف لا يقع إِلاَّ على معنى واحد. والمعروف عند أَهل اللُّغة: ثَلَلْتُ عرشَه: أَهلكتُه، يُقال: قد ثُلَّ عرش فلان، وثَلَّ عرشُه، وأَثَلَّ الله عرشَه، إِذا أَهلكه. والثَّلَل هو الهلاك، قال زهير: تَدَارَكْتُمَا الأَحْلافَ إِذْ ثُلَّ عَرْشُها ... وذُبْيَانَ إِذْ زَلَّتْ بأَقدامِها النَّعْلُ أَراد: إِذْ هلَكوا.

إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا

299 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله جلّ وعزّ تفسيرين متضادين قوله تبارك وتعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، فقال بعض النَّاس: المعنى لو كانت الأَمانَةُ يجوز أَن تُعرض على السَّموات والأَرض والجبال لكانت تأْبَى تَحَمُّلَهَا، ولكنَّها موات لا تَعْقِلْ، والأَمانَةُ لا تُعْرَض على ما لا يعقل. وقالَ هذا من باب المجاز، كقول العرب: شكا إِليَّ بعيري طُولَ السير، معناه لو كان يعقل لشكا، ولكنَّه لا يعقل ولا يشكو. وقال غيرهم: الأَمانة عَرَضها الله على السَّموات والأَرض والجبالِ بعقل رَكَّبه فيها، حتَّى عرفت معنى العرْض، وعقلتِ الرَّدّ. ذهب إِلى هذا سادات أَهل العلم وقالوا: مجراه مجرى كلام الذئب، وتسبيح الحصى؛ وسجود البهائم، للنبيّ صلى الله عليه. حدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا بِشر بن عمرو الزهرانيّ، قال: حدَّثنا شعبة، عن أَبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: إِنَّا عَرَضْنا الأَمانَةَ على السَّمَواتِ والأَرْضِ والجِبالِ فأَبَيْنَ أَنْ

يَحْمِلْنَهَا وأَشْفَقْنَ منْهَا، فلم تقبلها الملائكة، فلمَّا خلق الله تعالى عزّ وجلّ آدم عليه السَّلام عَرَضَها عليه، فقال: يا ربّ ما هي؟ قال: إِن أَحسنتَ جزيتُك، قال: فقد تحمَّلتُها يا ربّ، قال: فما كان بين أَن تحمَّلها وبين أَن أُخرج من الجنَّة، إِلاَّ كقَدْر ما بين الظُّهر والعصر. وأَخبرنا محمد، قال: حدَّثنا قَبِيصة بن عقبة، قال: حدَّثنا الحرّ بن جرموز، عن ماهان، قال: الأَمانة الطاعة. وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف القطَّان، قال: خبرنا يعلى بن عبيد، عن جويبر، عن الضَّحَّاك، قال: الأَمانة: الفرائض على كلِّ مؤمن: أَلاَّ يغشّ مُؤمناً، ولا مُعاهِداً في قليل ولا كثير؛ فمن انتقصَ شيئاً من الفرائض فقد خان الأَمانة. أَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا أَحمد بن المنصور، قال: حدَّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن عليّ ابن أَبي طلحة، عن ابن عباس، قال: الأَمانة: الفرائض، عرضها الله تبارك وتعالى على السَّموات والأَرض والجبال، إِن أَدُّوها أَثابهم، وإِن ضيَّعوها عَذَّبهم، فكرهوا ذلك وأَشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيماً لدين الله تبارك وتعالى أَلاَّ يقوموا به،

ثمَّ عرضها على آدم عليه السلام فقبِلَها بما فيها؛ فهو قوله عزّ وجلّ: وحَمَلَها الإِنْسَانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً، أَي غِرًّا بأَمر الله سبحانه. وأَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم، قال: حدَّثنا حجاج، عن ابن جُرَيْج، قال: حُدِّثت أَنَّ الله لمَّا خلق السَّموات والأَرضَ والجِبالَ، قال: إِنِّي فارضٌ فريضةً، وخالقٌ جنَّةً وناراً، وثواباً لمن أَطاعني، وعقاباً لمن عَصاني، فقالت السَّموات: خلقْتَنِي وسخَّرتَ فِيَّ الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والغيوث، فأَنا مسخّرة على ما خلقتني، لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثواباً ولا عقاباً. وقالت الأَرض: خلقتَني وسخَّرتَ فِيَّ الأَنهار، وأَخرجتَ منِّي الثمار، وخلقتَني لما شئت، فأَنا لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثواباً ولا عقاباً، وقالت الجبال: خلقتَني رواسيَ للأَرض، فأَنا على ما خلقتَني، لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثواباً ولا عقاباً. فلمَّا خلق آدم عليه السَّلام عَرضَ ذلك عليه فتحمَّله، فقال الله جلّ وعزّ: إِنَّه كَانَ ظَلُومَا، ظلمُه نَفْسَه في خطيئته، جَهُولاً، بعقاب ما تحمَّله. وقال بعض المفسِّرين: إِنَّ الله جلَّ اسمه لمَّا استخلف آدم عليه السَّلام على ذُرّيته، وسلَّطه على جميع ما في الأَرض

من الأَنعام والطَّير والوحش، عَهِدَ إِليه عَهْداً أَمره فيه، ونهاه وحرَّم عليه وأَحلَّ له، فقبله، ولم يزل عاملاً به حتَّى حضرتْه الوفاة، فلمَّا حضرتْهُ الوفاة، سأَل الله جلَّ وعَلا أَن يُعْلِمه مَنْ يَسْتخلِفُ بعدَه، ويُقلِّدُه من الأَمر ما قلَّده، فأَمره أَن يَعْرِض ذلك على السَّموات والأَرض والجِبال بالشَّرْط الذي أَخِذَ عليه من الثَّواب إِنْ أَطاع، ومن الغضب إِن عصى، فأَبت السَّموات والأَرض والجِبال ذلك؛ إِشفاقاً من معصية الله جلَّ وعلا وغضبِه، ثمَّ أَمره أَن يَعْرِض ذلك على ولده ففعل، فقبله ولدُم، ولم يتهيَّبْ منه ما تهيَّبت السَّموات والأَرض والجِبال، فقال الله عزّ وجلّ: إِنَّه كانَ ظَلُوماً جَهُولاً، أَي بعاقبة ما تقلَّد لربّه جلَّ وعَلا، وقال بعد: ليُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ والمُنَافِقَاتِ والمُشْرِكِين والمُشْرِكَاتِ، أَي عرضنا ذلك عليه ليتبيَّن إِيمانُ المؤمن فيتوبَ الله عليه، ونفاقُ المنافق فيعاقبَه الله عزّ وجلّ: وكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً. وقال آخرون: محال أَن يكون الله جلَّ وعلا عرضَ الأَمانة على السَّموات في ذاتها، لأَنَّها ممَّا لا يُكلَّفُ عملاً، ولا يَعْقل ثواباً، وإِنَّما المعنى: إِنَّا عرضنا الأَمانة على أَهل السَّموات وأَهل الأَرض وأَهل الجبال فأَبَوْا أَن يحملوها،

التقريظ

فحُذِف الأَهل وقام الذي بعده مقامه، وجعل أَبَيْن للسموات والأَرض والجبال لقيامها مقام الأَهل، كما قالوا: يا خيلَ الله اركبي، وأَبشري بالجنَّة، أَرادوا: يا فرسان خيل الله اركبوا، فأُقيم الخيل مقام الفُرْسان، وصرِف الرُّكوب إِليها، والإِنسان عندهم الكافر، وهو الذي وصفه الله تعالى بالظّلم والجهل، إِذ لم يكفر فيما فَكَّرَ فيه مؤمنو أَهل السَّموات والأَرض والجِبال. وقال آخرون: ما عرض الله جلَّ ذكره الأَمانةَ على السَّموات والأَرض قطّ، وإِنَّما هذا من المجاز على قول العرب: عَرَضْت الحِمْل على البعير فأَبى أَن يَحْمِله، أَي وجدت البعير لا يصلح للحَمْل ولا للعَرْض، فكذلك السَّموات والأَرض والجِبال، لا تصلح للأَمانة ولا لعَرْضِها عليها. 300 - وقال قُطْرب: التقريظ من حروف الأَضداد، يُقال: قرّظت الرجلَ إِذا أَثنيتَ عليه ومدحتَه، وقرّظته إِذا ذممتَه، وأَنشد: أَعْطِ المقرِّظ والمُعَرِّض نفْسَهُ ... مِثْلاً بمثْلٍ مِثلَ ما أَوْلاكَها وأَنشد إِنِّي وإِنْ كنتُ امْرَأ ... في ذَرْوَةِ الحَسَب الحَسيب

النحاحة

لمقرِّظٌ يَوْماً بما ... أَسْدَى إِليَّ أَبا الخَصيبِ والمعروف عند أَهل اللُّغة التقريظ مدح الحي، والتأْبين مدح الميت، قال متمم بن نُوَيْرة: لَعَمْرِي ومَا دَهْرِي بتَأْبينِ هالِكٍ ... ولا جَزَعٍ ممَّا أَصابَ فأَوْجَعا وقال الآخر: فامْدَحْ بِلالاَ غيرَ ما مُؤَبِّنِ أَي غير كيت، وربَّما قيل: أَبَّنْت الرَّجُل، إِذا مدحتَه؛ وهو حيّ لم يمت وهو قليل، إِنَّما يقال على جهة الاستعارة، قال الرَّاعي: فَرَفَّعَ أَصحابي المطيَّ وأَبَّنُوا ... هُنَيْدَةَ فاشتاقَ العيونُ اللَّوَامِحُ وأَخذَ هذا المعنى بعض المحدَثين ولم يُستحسن ذلك منه، فقال في مدح القاسم بن عيسى: طَالَتْ مَسَاعِيكَ حتَّى ما لَها صِفَةٌ ... فأَمْسَكَ النَّاسُ عَنْ مَدْحٍ وتأْبينِ 301 - وقال قُطْرب أَيضاً: من حروف الأَضداد النحاحة،

الطاحي

يقال في السخاءِ، ويقال في البخل. 302 - ومن حروف الأَضداد الطَّاحِي: المنضجع، والطَّاحي المرتفع، يُقال: فرس طاحٍ، إِذا كان مُشرفاً مرتفعاً، وفي دعائهم: لا والقمر الطَّاحي، أَي المرتفع. ويُقال: طحوْت الرَّجُل أَطحوه، إِذا صَرَعْتَه. ويُقال: ضربته حتَّى طَحَا، أَي انصرع. ويُقال: طحوْت أَطحو وأَطحَا، إِذا بسطت، وقال علقمة ابن عَبَدة: طَحَا بكَ قَلْبٌ في الحِسَانِ طَرُوبُ ... بُعَيْدَ الشَّبابِ عَصْرَ حانَ مَشيبُ أَراد ذهب وتباعد. هذا قول قطرب، وليس الطَّاحي عندي من الأَضداد، لأنه لا يقال: طاحٍ للمنخفض، إِنَّما يقال للمنخفض: مطحو ومطحيّ، قال تعالى: والأَرْضَ ومَا طَحَاهَا، فمعناه: وما بسطها، فإِنْ ذهب إِلى أَنَّ الطَّاحيَ الخافض، والطَّاحي المنخفض قياساً على قول العرب: نائم للإِنسان النائم، ونائم للَّيل المنُوم فيه؛ كانا ضدّين. 303 - وقال غير قطرب: من حروف الأَضداد الجَبْر،

يُقال: جَبْر للملِك، وجَبْر للعبد؛ قال ابن أَحمر: فاسْلَمْ برَاوُوقٍ حُبِيتَ بِهِ ... وانْعَمْ صَباحاً أَيُّها الجَبْرُ أَراد: أَيُّها الملِك. وقولهم: جَبْرَئِيل، معناه عبد الله، فالجَبْر العبد، والإِيل والإِلّ الربوية. وكان ابن يعمَر يقرأ: جَبْرَئلّ، بتشديد الَّلام. وقال بعض المفسرين: الإِلّ هو الله جلَّ اسمه، واحتجَّ بقول الله عزّ وجلّ: لا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاًّ ولا ذِمَّةً، قال: معناه لا يرقُبون اللهَ ولا ذمَّته. ويُحكى عن أَبي بكر الصديق رحمه الله أَنَّ المسلمين لمَّا قدموا عليه من قِتال مُسَيْلمة استقرأَهم بعض قرآنه، فلمَّا قرءُوا عليه عَجِب، وقال: إِنَّ هذا كلام لم يخرج من إِلّ، أَي من ربوبية. ويُقال: الإِلْ: القرابة، والذمَّة: العهد، ويُقال: الإِلّ: الحلف، والذمَّة: العهد. وقال أَبو عُبيدة: الإِلّ: العهد، والذمَّة: التذمُّم ممَّن لا عهد له، قال الشاعر:

حمأت الركية حمئا

لَعَمْركَ إِنَّ إِلَّكَ مِنْ قريشٍ ... كإِلِّ السَّقْبِ مِن رأْلِ النَّعام أَراد بالإِلّ القرابة، وقال الآخر: إِنَّ الوُشاةَ كثيرٌ إِنْ أَطعتَهُم ... لا يَرْقُبُون بنا إِلاَّ وَلا ذِمَما وقال الآخر: إِنْ يَمُتْ لا يَمُتْ فَقيداً وإِنْ يَحْ ... يَ فلا ذو إِلٍّ ولا ذُو ذِمام وقال الآخر: وقَدْ كانَ عَهْدي ببني قيس وَهُمْ ... لا يضعون قَدَماً على قَدَمْ ولا يَحُلُّون بإِلٍّ في حَرَمْ أَراد: ولا يحلُّون بحِلْف وعهد لعزّهم. ومعنى قوله: ولا يَحُلُّون بإِلٍّ في حَرَمْ لا يكونون أَتْباعاً فيضعون أَقدامهم على أَقدام النَّاس. وقالَ بعض المفسِّرين: جِبْرائيل معناه عبد الله، وإِسرافيل معناه عبد الرحمن، وكلّ اسم فيه إِيل، فهو معبّد لله عزَ وجلّ:. 304 - وقالَ قُطْرب: من الأَضداد حمأَت الرَّكِيَّة حمئاً، إِذا أخرجت منها الحمأَة، وأَحمأتُها إِحماءً، إِذا جعلت فيها الحمأَة.

قال أَبو بكر: وليس هذا عندي من الأَضداد؛ لأَنَّ لفظ حمأَت يخالف لفظ أَحمأَت؛ فكلّ واحدة من اللفظتين لا تقع إِلاَّ على معنى واحد، وما كان على هذه السَّبيل لا يدخل في الأَضداد. وقال الفرَّاءُ: يُقال: حمأْت الركِيَّة، إِذا أَخرجتَ ما فيها من الحمأَة، وأَحمأْتُها، إِذا تركت الحمأَة فيها حتَّى تُنْتِنَ، وقد حَمِئَت الركيَّةُ حَمَأً بَيِّناً، قال الله عزّ وجلّ: مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ، والحمأُ: الطِّين المتغيّر، وهو واحد عند أَكثر النَّاس. وقال أَبو عُبيدة: هو جَمْع حَمْأَة. وقال غيره: هو جمع حَمَأَة، وشبَّه بقولهم: قصَبة وقَصَب، فاحْتُجَّ بقول أَبي الأَسود: فما طلبُ المعيشةِ بالتَّمَنِّي ... ولكنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدِّلاءِ تَجِئْكَ بِمِلْئها يَوْما ويوماً ... تَجِئْكَ بحَمْأَةٍ وقليلِ ماءِ فقال: إِنَّما سكنت الميم لضرورة الشعر. والحجَّةُ لأَبي عُبيدة في جمعهم الحَمْأَة بتسكين الميم، حَمَأ، بفتح الميم قولُ العرب: حَلْقة وحَلَق، وفَلْكَة وفَلَك، وقد يُقال: فَلْكَة وفِلكَ، وحَلْقة

وحِلَق، وعَبْرة وعِبَر. والصلصال: طين طبخ فصار له صوت. ويُقال: الصلصال طين لم يطبخ؛ ولكنَّه نُرِك حتَّى يَبِسَ وصار له صوت إِذا نُقِر بمنزلة صوت الفَخَّار، والفخَّار: ما طُبخ بالنَّار. ويُقال: الصلصال: المُنتِن، من صلّ اللَّحم، إِذا أَنْتَن، وأَصله صَلاَّل، فأَبدلوا من اللام الثانية صاداً. والمسنون: الذي أَتت عليه السّنون فأَنْتن، قال الله جلَّ اسمه: لَمْ يَتَسَنَّهْ، أَي لم يتغيَّر لمرور السّنين به. وقال الفرَّاءُ: المسنون من قولهم: سننت الحجَر على الحجر إِذا حككتَه عليه، ويقال للَّذي يسيل من بينهما سَنَن، ولا يكون ذلك السائل إِلاَّ مُنْتِناً. وقال بعض المفسِّرين: المسنون الرَّطْب، ويُقال: المسنون المصبوب، من قول العرب: سننت الماءَ عليَّ، إِذا صببته عليَّ، جاءَ في الحديث: كان الحسن إِذا توضَّأَ سَنَّ الماءَ على وجهه سَنًّا. ويُقال: المسنون المصبوب على صورة ومثل ومثال، فكأَنَّه مَخْروط، من ذلك قولهم: رأَيت سُنَّةَ وجْهِهِ. ومنه وجه فلان مسنون، قال ذو الرُّمَّة:

نسيت

ترِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ ... مَلْسَاَء لَيْسَ بها خَالٌ ولا نَدَبُ قال أَبو بكر: سُمع ذو الرُّمَّة يُنشِد: غَيْرِ، بالكسر على أَنَّه نعت للوجه، وقياس العرب أَن يكون نعتاً للسُّنَّة. 305 - ومن الأَضداد نسيتُ، يكون بمعنى غَفَلت عن الشيء، ويكون بمعنى تركت متعمّداً من غير غفلة لحقتْني فيه. فأَمَّا كونُه بمعنى الغفلة فلا يُحتاج فيه إِلى شاهد، وكونه بمعنى التَّرْك على تعمّد شاهده قول الله عزّ وجلّ: نَسُوا الله فنَسِيَهُمْ، معناه فيترك إِثابتهم ورحمتَهم متعمّداً، لأنه قد جلَّ وعلا عن الغفلة والسهو، وتأْويل: نَسُوا الله تركوا العمل لله تبارك وتعالى بتعمّد لا بغفلة أَيضاً؛ لأَنَّ الله عزّ وجلّ لا يؤاخِذ بالنسيان، ولا يعاقب عليه. وقال الشاعر في هذا المعنى: كأَنَّهُ خارِجاً مِنْ جَنْبِ صَفْحَتِهِ ... سَفُّود شَرْبٍ نَسُوه عِنْدَ مُفْتَأَدِ أَي تركوه، وقال الله عزّ وجلّ: فَنَسِيَ ولَمْ نَجِد لهُ عَزْماً، فمعناه ترك ما أَمرناه به متعمّداً، فأُخرِج من الجنَّة لذلك.

مشب للمسن

306 - ومن الأَضداد أَيضاً قولهم: مُشبّ للمُسنّ، ومُشِبّ للشاب، قال أَبو خِراش الهذليّ: بمُورِكَتَيْنِ مِنْ صَلَوَى مُشِبٍّ ... مِنَ الثِّيرانِ عَقْدُهُما جَميلُ 307 - ومنها أَيضاً قَمُؤت الإِبل قُموءاً، وقَماءةً إِذا سمنت، والقامئ: الناعم، وقمؤ الرَّجُل، إِذا صَغُر جسمه، فهو قميء قَماءً، قال الشاعر: تَبيَّنَ لي أَنَّ القَماءة ذِلَّةٌ ... وإِنَّ أَعِزَّاَء الرِّجالِ طِوالُها 308 - ومنها أَيضاً أَعبلَ الشجرُ، إِذا سقط ورقه، وأَعبلَ إِذا أَخرجَ ثمرتَه، قال ذو الرُّمَّة: إِذا ذابتْ الشَّمْسُ اتَّقى صَقَرَاتِها ... بأَفْنَانِ مَرْبُوعِ الصَّريمَةِ مُعْبِلِ 309 - ومن حروف الأَضداد طلعت على الرجل، أَقبلتُ عليه. وطلعت عليه، أَدبرت عنه. 310 - وقال قُطْرب: من الأَضداد قولهم: بَدُن الرَّجُل، إِذا حمل اللَّحم والشَّحم، وبدَّن تبديناً إِذا أَسنَّ وكَبِر وضَعُف. قال أَبو بكر: وليس الأَمر عندي على ما ذكر قُطْرب،

لأنَّ بَدَّن لفظه يخالف لفظ بَدُن، وما لا يقع إِلاَّ على معنى واحد لا يدخل في حروف الأَضداد. وقال أَبو عُبيد والأُمويّ: يُقال: بَدَّن الرَّجُل تبديناً، إِذا ضعف وكبِر، وأَنشد أَبو عُبيد: وكُنْتُ خِلْتُ الشَّيْبَ والتَّبْدِينا ... والهَمَّ ممَّا يُذْهِلُ القَرِينا وحدَّثنا علي بن محمد أَبي الشَّوارب القاضي، قال: حدَّثنا أَبو الوليد، قال: حدَّثنا عُمارة بن ذاذان الصيدلانيّ، عن أَبي غالب، عن أَبي أُمامة، قال: كان رسول الله يوتِر بتسع؛ فلمَّا بَدُن صلَّى ستًّا وركع في السابعة، وصلَّى ركعتين، وهو جالس يقرأ فيهما. فقال أَبو عُبيد: الصَّواب فلمَّا بَدَّن، أَي كَبِر وضَعُف، الدليل على هذا ما يروى في الحديث الآخر أَنَّه كان يصلِّي بعض صلاته باللَّيل قاعداً، وذلك بعد ما حطَّمتْه السِّنّ. وأَنكر أَبو عُبيد بَدُن في صفة النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لأنه لم يوصف بكثرة اللَّحم، إِنَّما كان يوصف بأَنَّه رجل بَيْن الرَّجُلين جسمه ولحمه. قال أَبو عُبيد: حدَّثناه الفزاريّ، عن عوف، عن يزيد الرقاشيّ، عن ابن عباس.

حاي حاي

وقال غيرُ أَبو عُبيد: الصَّواب: فلمَّا بَدُن بضمّ الدَّال؛ لاتّفاق أَصحاب الحديث عليه، ولأنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه حمل قبل وفاته لحماً أَضعفه، وقد نرى في دهرنا من يحمِل عند علوّ سنّه فيكسِبه ذلك ضعفاً؛ يدلُّ على هذا القول وصحَّته: ما حدَّثنا أَحمد بن الهيثم، قال: حدَّثنا عاصم، قال: حدَّثنا عُمارة الصيدلانيّ، عن أَبي غالب، عن أَبي أُمامة، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوتر بتسع، فلمَّا بَدُن وكثر لحمه صلَّى سبعاً وركعتين وهو جالس، يقرأ فيهما: إِذا زُلْزِلَتِ، قُلْ يا أَيُّها الكَافِرون. 311 - ومن الأَضداد أَيضاً قولُهم في زَجْر الغنم، إِذا أُبْعِدَتْ وطُرِدَت: حَايِ حَايِ، وحَايْ حَايْ، وحَايِنْ حَايِنْ. ويقال لها هذا إِذا دُعِيَت وأُريد دنوُّها وقربُها، قال امرؤ القيس: قَوْمٌ يُحَاحُونَ بالبِهَامِ ونِسْ ... وانٌ قِصَارٌ كخِلْقة الحَجَلِ وماضي يحاحون حاحَوْا، يُقال: حاحيت بها أُحاحِي، إِذا فعلت ذلك بها. 312 - ومن الحروف أَيضاً الأَسْفَى، يُقال: فَرَسٌ أَسْفَى، إِذا كان خفيف النَّاصية. ويحكى عن أَبي عمر أَنَّه

قال: الأَسْفَى من الخيل الَّذي لا ناصية له، قال سَلامة ابن جَنْدَل: لَيْسَ بأَسْفَى ولا أَقْنَى ولا سَغِلٍ ... يُعْطَى دواء قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبُوبِ السَّغِل: السيِّئ الغِذاء. وقال أَبو موسى هارون بن الحارث، يُقال: فرسٌ أَسْفَى بيِّن السَّفا، وبغلةٌ سَفْواءُ، إِذا كانت سريعة، وأَنشد: جاَءت به مُعْتَجِراً ببُرْدِهِ ... سَفْواءُ تَرْدِي بِنَسيجِ وَحْدِهِ وقال ابن الأَعرابيّ: أَسْفَى بَيِّنُ السَّفا، بالقصر؛ قال: ولا يستعمل في المؤنَّث. والسَّفاءُ: الخفَّة والطيش، ممدود، قال نابغة بني شيبان: بَانَ السَّفاءُ وأَوْدى الجهلُ والشرَفُ ... وفي التُّقى بعد إِفراطِ الفَتى خَلَفُ والسَّفا، مقصور: تراب البئر والقبر، قال كُثَيِّر: وحَالَ السَّفا بَيْني وبيْنَكَ والعدَا ... وَرَهْنُ السَّفَا غَمْرُ النَّقيبة ماجدُ وقال أَبو ذؤيب: وَقَدْ أَرْسَلُوا فُرَّاطَهُمْ فَتَأَثَّلُوا ... قَلِيباً سَفاهَا كالإِماءِ القَواعِد

ناقة زعوم

والسَّفا، مقصور: ما سفته الرِّيح، والسَّفا، مقصور: شوك البُهْمَى، واحدته سَفَاة، قال أَوس بن حجر يصف بَرْيَ قوس: على فَخِذَيْهِ مِنْ بُرايَةِ عُودِها ... شَبِيهُ سَفَا البُهْمَى إِذا ما تَقَتَّلا 313 - ومن الأَضداد أَيضاً قولهم: ناقةٌ زَعُوم، إِذا كانت كثيرة الشَّحم واللَّحم، وناقة زَعُوم، إِذا كانت قليلة الشَّحم واللَّحم. 314 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله جلّ وعزّ تفسيرين متضادّين قوله عزّ وجل: طهَ؛ قال بعض المفسرين: معناه: يا رجل، بالسريانية، وقال غيره: معناه: يا رجل، بلغة عَكّ، وزعم أَنَّ عكًّا يقولون للرجل: طهَ، وكذلك للرجال والنسوة، وأَنشد: إِنَّ السَّفَاهَةَ طَه من خَلِيقَتِكُمْ ... لا قدَّسَ اللهُ أَخْلاقَ المَلاعِينِ وقال الأَخفش: طه علامة لانقطاع السورة من السورة الَّتي قبلها. وقال الفرَّاءُ: طَه بمنزلة آلم، ابتدأَ اللهُ جلّ وعزّ بها مكتفياً بها من جميع حروف المعجم؛ ليدلَّ العرب على أَنَّه

سلف

أَنزل القرآن على نبيه باللُّغة الَّتي يعلمونها، والأَلفاظ الَّتي يعقلونها، كي لا تكون لهم على الله حجَّة. 315 - ومن الأَضداد أَيْضاً قولهم: سَلْف للجِراب الصغير، وسَلْف للجراب العظيم. 316 - ومنها الحَذَف الصغار الأَجسام من الضأْن الصغار الأَسنان، والحَذَف أَيضاً المسانّ منها الصغار الأَجسام. 317 - ومنها أَيضاً قولهم: سُمْتُه بعيري سَوْماً، إِذا عرضتُه عليه ليشتَريه، وسمتُه بعيره سَوْماً، إِذا أَردتَ اشتراءهُ منه؛ وكذلك استمتُه البعيرَ اسْتِياماً. 318 - ويُقال: فادَ الرَّجُل يَفِيد، إِذا هلك، وفاد يَفِيد إِذا تبختَر في مِشْيته، قال لَبيد في المعنى الأَوَّل: رَعَى خَرَزَاتِ المُلْكَ عِشْرِينَ حِجَّة ... وعشرين حتَّى فادَ والشَّيْبُ شَامِلُ أَراد حتَّى مات. 319 - ومنها أَيضاً النَّقَدة والنَّقَد والنِّقاد من رُذَال الضأْن، يقال للصغار والكبار، قال الشاعر: فُقَيْمٌ يا شَرَّ تميمٍ مَحْتِدَا ... لَوْ كُنْتُمُ شاءً لكنتمْ نَقَدا أَوْ كُنْتُمُ ماءً لكنتُمْ زَبَدا

رجل نجد

وقال الآخر: ولَمْ يَكُ بَطْنُ الجوِّ منَّا مَنَازِلاً ... إِلى حَيْثُ تلقاه النِّقَادُ السَّوارِحُ 320 - وقال قُطْرب: من الأَضداد قولهم رجل نَجْد، إِذا كان سريع الإِجابة إِلى الدَّاعي إِذا دعاه. قال: وقال أَبو المضاء: هو النَّجْد، وجمعه أَنْجاد، وقد نَجُدَ نجادةً، ويُقال: رجل نجِد؛ إِذا كان مَفْزَعاً من أَيّ وجه، وقد نَجُد يَنْجُد فهو مَنْجُود، وأَنشد لأَبي زبيد: صَادِياً يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغاثٍ ... ولَقَدْ كانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ وقال غير قُطْرب: يقال للمفزَع: منجود ونَجيد، قال الشاعر: ومَنْ يَحْمِي الخَميسَ إِذا تَعَايا ... بحيلَةِ نَفْسِهِ البطلُ النَّجيدُ قال أَبو بكر: وليس النَّجْد عندي من الأَضداد، لأَنَّ العرب لا توقعه إِلاَّ على معنًى واحد، وما كان بهذه الصّفة لا يدخل في الأَضداد. 321 - ومنها الثَّلَّة؛ القِطْعة العظيمة من الغَنم، وهي بمنزلة القَوْط والحَيْلة، وجمعها ثلَل. 322 - وقال قُطْرب: من الأَضداد: قولهم: أَلِيَت المرأَةُ

طرطبت بضأنك طرطبة

تَأْلَى، إِذا عظمت أَلْيَتُها، وأَلِيَت الشَّاةُ وغيرُها، إِذا قُطِعَتْ أَلْيتُها. قال أَبو بكر: وليس هو عندي من الأَضداد؛ لأَنَّ كلّ واحد من الحرفين ينفرد بمعنى واحدٍ، ولا يقع على معنيين متضادّين. 323 - ومن الأَضداد أَيضاً قولهم: طَرْطَبْتَ بضأْنك طَرْطَبَةً. وهي بالشّفتين، إِذا دعوتَها إِليك، وطَرْطَبْتَ بها طرطبةً؛ إِذا زجرتَها عنك. 324 - ومنها أَيضاً: أَتانا فلان بطعام فحططنا فيه، إِذا عَذَّرْنا وأَكلنا أَكلاً يسيراً. وأَتانا طعامٌ فحططنا فيه، إِذا أَكلنا أَكلاً كثيراً. 325 - وقال قُطْرب: من الأَضداد قولهم: بَلِجَ بشهادته يبلج له بَلَجاً؛ إِذا كَتَمَها. قال: وقالوا في ضدّ هذا: الحقّ أَبلج، والباطل لَجْلَج، أَرادوا بالأَبْلَج الواضح البيِّن المضيء، واللَّجلج المختلط، الَّذي ليس على طريقة مستقيمة. وأَنشد: وانْعَدل اللَّيْلُ عن المَجَرَّةِ ... وانْبَلَجَ الصُّبْحُ لأُمٍّ بَرَّةِ

رجلت البهيمة

باتتْ على مَخافةٍ وظَلَّتِ قال أَبو بكر: وليس هو عندي على ما ذكر قُطْرب، لأَنَّ البَلج لا يُراد به إِلاَّ الظاهر النيِّر المضيء ولا يقع على المعنى الآخر، ويُقال: وجه فلان أَبلج، إِذا كان حسناً منيراً، قالت الخنساءُ: أَغَرُّ أَبْلَجُ يأْتمُّ الهُداةُ بِهِ ... كأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نارُ وفي صفة النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أَبلج أَي حسن الوجه؛ لأنه وصف في حديث آخر بأَنَّه أَقْرن، فلم يحمل هذا على بَلَج الحاجب، والعلَم الجبل، قال الشاعر: إِذا قَطَعْنَا عَلَماً بَدَا عَلَمْ ... حتَّى تَنَاهَيْنَا إِلى بابِ الحَكَمْ وقال الله جلّ وعزّ: وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَآتُ في البَحْرِ كالأَعْلاَمِ. 326 - ومنها أَيضاً قول العرب: رَجَلْت البهيمة؛ إِذا شددتَها، وأَرجلتُها، إِذا أَرسلتَها تَرْعَى مع أُمّها. هذا قول قُطْرب: وليس هذا الحرف عندي من الأَضداد؛ لأَنَّه لا يقع إِلاَّ على معنى واحد. 327 - ومنها أَيضاً صفحتُ القوم أَصفحهم؛ إِذا سقيتَهم

رجل رعيب العين ومرعوبها

من أَيّ شرابٍ كان، وصفحتُهم صفحاً إِذا سأَلوك فلم تُعْطِهم. 328 - ومنها أَيضاً رجلٌ رَعِيب العين ومَرْعوبها، وقد رُعِب يُرعَب رُعْباً، يقال ذلك للشجاع وللجبان. 329 - ومن الأَضداد قولهم: قد أَفلت الرجلَ الرجلُ؛ إِذا تخلَّص منه فلم يُطِقْه ولم يَلْحَقْه، وقد أَفلت الرَّجُل، إِذا أَنقذه وخلَّصه وسلَّمه، ممَّا كان وقع فيه. ويقال أَيضاً: قد انفلت فلان من فلان إِذا سَلِم منه، قال امرؤ القيس: وأَفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَريضاً ... ولوْ أَدْرَكْنَهُ صَفِرَ الوِطَابُ معناه: وأَفلت علباء من الخيل، وتخلَّص بآخر رمق، وهو يجرِض بريقه. 330 - ومن الأَضداد قولهم مُرتَدّ، للَّذي يرتدّ الشيء، ومرتدّ للَّذي يُرتدّ منه الشيء، فإِذا كان للفاعل فأَصله مرتَدِد، فاستثقلوا الجمع بين حرفين متحرِّكين من جنس واحد، فأَسكنوا الدال الأُولى وأَدغموها في الَّتي بعدها، وإِذا كان للمفعول، فأَصله مرتَدَد، ففعلوا مثل ما فعلوا في الباب

قد أفاد الرجل مالا

الأَوَّل، واستوى اللفظان من أَجل الإِدغام. 331 - ومن الأَضداد أَيْضاً قولهم قد أَفاد الرَّجُل مالاً؛ إِذا استفاده هو، وقد أَفاد مالاً إِذا كسبه غيرُه فهو مفيد في المعنيين جميعاً، قال الرَّاجز: مُتْلِفُ مالٍ ومُفِيدُ مالِ 332 - ومنها أَيضاً المُزْداد، يكون للفاعل الَّذي يُريد الزيادة، وللمفعول الَّذي يراد منه الزيادة، فإِذا كان للفاعل فأَصله مزتيِد، وإِذا كان للمفعول فأَصله مزتَيَد، فصارت الياءُ أَلفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، واستوى اللَّفظان لاعتلال الياء، وجعلوا بدل التاء في موضعها الدال. قال الفرَّاءُ: جعلوا الدال عَدْلاً بين الزاي والتاء، فلمَّا كانت أَشبه بالزَّاي من التاء أَبدلوها من التاء. وقال غيره: الزَّاي مجهورة والتاءُ مهموسة. فكرهوا أَن يُدغموا المجهورَ في المهموس، فيبطل الجهرُ، فأَبدلوا من التاء المهموسة حرفاً يُشاكِل الزاي في الجهْر، وهو الدال؛ لأَنَّ المجهور مع المجهور أَخفُّ على اللِّسان من المجهور مع المهموس، والحرف المجهور سُمِّي مجهوراً؛ لأَنَّ اعتماد اللِّسان يشتدُّ في موضع الحرف منه، فلا يجري النفس حتَّى ينقضِي

ولقد همت به وهم بها

الاعتماد، ويخرج صوت الصدر مجهوراً، والمهموس سُمِّيَ مهموساً؛ لأَنَّ اعتماد اللِّسان يضعف في موضع الحرف منه، فيجري النفس قبل انقضاء الاعتماد، ويخرج صوت الصدر مهموساً. 333 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله جلّ وعزّ تفاسير متضادّة قوله جلَّ اسمه: ولَقَدْ هَمَّتْ بهِ وهَمَّ بِهَا، فيقول بعض النَّاس: ما همَّ يوسف بالزّنا قطّ، لأَنَّ الله جلّ وعزّ قد أَخلصه وطهَّره، فقال: إِنَّه مِنْ عِبَادِنَا المُخْلِصِين، ومن أَخلصه الله وطهَّره فغير جائز أَن يَهُمَّ بالزّنا، وإِنَّما أَراد الله جلّ وعزّ: وهمَّ بضربها ودفعها عن نفسه، فكان البرهان الَّذي رآه من ربِّه أَنَّ الله أَوقع في نفسه أَنَّه متى ضربها كان ضربُه إِيَّاها حُجَّة عليه، لأَنَّها تقول: راودني عن نفسي، فلمَّا لم أُجِبْه ضربني. وقال آخرون: هَمُّها يخالف هَمَّ يوسف عليه السَّلام، لأَنَّها همَّت بعزم وإِرادة وتصميم على إِرادة الزِّنا، ولم يكن همّ يوسف عليه السَّلام على هذه السبيل، ولا من هذا الطريق، بل همّه من جهة حديث النفس، وما يَخْطِر في

القلب ويغلِب على البشريين بطبائعهم المائلة إِلى اللّذّات، الساكنة إِلى الشهوات، فلمَّا خَطَر بقلبه وحدَّثتْه نفسه بما لم يهمّ به بتصحيح عزمٍ عليه، كان غَيْرَ ملوم على ذلك، ولا مَعيب به. وقال آخرون: ما همَّ يوسف بالزّنا طَرْفة عين. وفي الآية معنى تقديم وتأْخير، يريد الله بها: ولقد همَّت به ولولا أن رأَى برهانَ ربِّه لهمَّ بها، فلمَّا رأَى البرهان لم يقع منه همّ. وقالوا: هذا كما يقول القائل لمن يخاطبه: قد كنتَ من الهالكين لولا أَنَّ فلاناً أَنقذك؛ معناه لولا أَنَّه أَنقذك لَهلكت، فلمَّا أَنقذك لم تهلِك. قال أَبو بكر: والَّذي نَذْهب إِليه ما أَجمع عليه أَصحاب الحديث وأَهلُ العلم، وصحَّت به الرواية عن علي ين أَبي طالب رضوان الله عليه، وأَبي صالح، ومحمد بن كعب القُرظيّ، وقَتادة، وغيرهم، من أَنَّ يوسف عليه السَّلام هَمَّ هَمًّا صحيحاً على ما نصَّ الله عليه في كتابه، فيكون الهمّ خطيئةً من الخطايا وقعت من يوسف عليه السَّلام، كما وقعت الخطايا من غيره من الأَنبياء، ولا وجهَ لأنْ نُؤَخِّرَ ما قدَّم الله، ونُقدِّم ما أَخَّر الله، فيُقال: معنى: وهَمَّ بها

التأْخير معه قوله جلّ وعزّ: لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهانَ رَبِّه. إِذ كان الواجب علينا، واللازم أَن نحمِلَ القرآن على لفظه، وأَلاَّ نُزيله عن نَظْمه؛ إِذا لم تَدْعُنا إِلى ذلك ضرورة، وما دعتْنا إِليه في هذه الآية ضرورة، فإِذا حَمَلْنا الآية على ظاهرها ونظمها كان هَمَّ بها معطوفاً على هَمَّتْ بِهِ، ولَوْلاَ حرف مبتدأ جوابه محذوف بعده؛ يراد به: لولا أَن رأَى برهان ربّه لزنا بها بعد الهمّ، فلمَّا رأَى البرهان زال الهمّ ووقع الانصراف عن العزم. وقد خبّر الله جلّ وعزّ عن أَنبيائه بالمعاصي الَّتي غفرها، وتجاوز عنهم فيها، فقال تبارك وتعالى: وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، وقال لنبيّه محمد عليه السَّلام: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكْ. ووَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، وخبَّر بمثل هذا عن يونس وداود عليهما السَّلام، وقال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ عَصَى أَوْ هَمَّ إِلاَّ يحيى بن زكريا. وقال أَبو عُبيد: قال الحسن: إِنَّ الله جلّ وعزّ لم يقصص عليكم ذنوب الأَنبياء تغييراً منه لهم، ولكنَّه قصَّها عليكم، لئلاّ تقنطوا من رحمته.

حرس الشيء

قال أَبو عُبيد: يذهب الحسنُ إِلى أَنَّ الحُجَج من الله جلّ وعزّ على أَنبيائه أَوْكد، ولهمْ أَلزم، فإِذا قبِل التوبة منهم، كان إِلى قَبولها منكم أَسرع. وإِلى مذهبنا هذا كان يذهب علماء اللغة: الفرَّاء وأَبو عُبيد وغيرهما. 334 - ومن الأَضداد أَيضاً قولهم: حَرَس الشَّيءَ، حفظه، وحَرَسه، سرقه من المرعى، وفي الحديث: لا قَطْعَ في حَرِيسَةِ الجبل، أَي في الشَّاة يَسرِقها الرَّجُل من الجبل، فلا يلزمه قطع، لأَنَّه اختلسها من غير حِرْز ولا مَعْقِل. 335 - ومنها أَيضاً النَّحِيض: الكثير اللَّحم، ويُقال: فَرس نحِيضُ الخدَّين؛ أَي قليلُ لحمهما. 336 - وممَّا يجري مجرى الأَضداد قولهم: رَجْل، للرجل الواحد، ورَجْل للجماعة من الرجّالة، واحدهم راجل، فيجري مجرى قولهم: رَاكب، وركْب، وشارب وشَرْب، وصاحب وصَحْب، أَنشد الفرَّاء: رَجْلانِ من ضَبَّةً أَخْبَرَانَا ... إِذا رَأَيت رَجُلاً عُريانا ويُقال: جاءَ القوم رَجَّالة، ورَجْلى، ورَجَالَى، ورُجَالَى،

يعقوب

ورَجْلاً، بمعنًى. وكذلك رجالاً، قال الله عزّ وجلّ: يَأْتُوكَ رجَالاً وتُقرأ: رُجَّالاً، على مثال صُوَّام وقُوَّام، يُقال: جاءَ عبد الله راجلاً، ورَجْلان، بمعنًى، وأَنشد الفرَّاء: عَلَيَّ إِذا أَبْصَرْتُ لَيلَى بخَلْوَةٍ ... أَن ازْدارَ بيتَ اللهِ رَجْلانَ حافِيَا 337 - ومنها أَيضاً يعقوب، يكون عَربيًّا، لأَنَّ العرب تسمي ذكر الحَجَل يعقوباً، ويجمعونه يَعاقيب، قال سلامة ابن جندل: أَوْدَى الشَّبابُ حَمِيداً ذو التَّعاجِيبِ ... أَوْدَى وذَلِكَ شَأْوٌ غَيْرُ مَطْلَوبِ وَلَّى حَثِيثاً وهذا الشَّيْبُ يَطْلُبُه ... لَوْ كانَ يُدْرِكُهُ رَكْضُ اليَعاقيبِ 338 - ومنها أَيضاً التوَّاب: الله جلَّ اسمه، لأَنَّه يَتُوب على عباده، والتوَّاب: الرَّجُل الَّذي يَتُوب من ذنوبه. 339 - ومنها أَيضاً إِسحاق؛ يكون أَعجميًّا مجهول الاشتقاق فيُمنع الإِجراءَ في باب المعرفة بثِقَلِ التَّعريف والعجمة. ويكون عربيًّا، من أَسحقه الله إِسحاقاً، أَي أَبعده إِبعاداً، من ذلك قوله جلَّ اسمه: فَسُحْقاً لأَصْحابِ السَّعِيرِ، أَي بعداً لهم، وقال الأَنصاريّ:

أيوب

أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي أُبَيًّا ... فقد أُلْقِيتُ في سُحْقِ السَّعير يُقال: سُحْق وسُحُق بمعنى واحد، وكان الكسائيّ يقرأ بالوجهين جميعاً. 340 - ومنها أَيُّوب، يكون أَعجميًّا مجهول الاشتقاق، ويكون عربيًّا مُجْرًى في حال التعريف والتنكير؛ لأَنَّه يجْرِي مَجْرَى قَيُّوم، من قام يقوم، ويكون فيعولاً من آب يؤوب، إِذا رجع، قال عَبِيد بن الأَبرص: وكُلُّ ذي غَيْبَةٍ يَؤُوبُ ... وغَائِبُ المَوْتِ لا يؤوبُ قال أَبو بكر: ولا يقاس على هذه الأَسماء الثلاثة - أَعني إِسحاق، ويعقوب، وأَيُّوب - غيرُها من الأَسماء الأَعجميَّة، مثل إِدريس وغيره؛ لأَنَّه لم يُسمع من العرب إِجراء سوى هؤلاء الثلاثة في باب المعرفة، ومحال أَن يُعْمل من هذا بالقياس ما تَنكَّبَه العرب، ولا تعرفه. 341 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله جلّ وعزّ تفسيرين متضادّين قوله جلَّ اسمه: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي أَخُنْهُ بالغَيْبِ وأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ.

قال أَصحاب الحديث: وأَكثر أَهل العلم: يوسف القائل هذا الكلام، وذلك أَنَّ العزيز - وهو الملك - لمَّا وجَّه إِليه وهو في الحبس ليحضُر، قال للرَّسول: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ ما بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، فسأَلهنَّ الملِك، ويوسف غائب عن المجلس، فقُلْنَ: ما عَلِمْنَا عَليهِ مِنْ سُوءٍ - يعنون يوسف عليه السَّلام - وشهدتْ له المرأَة أَيضاً بالبراءة، فلمَّا اتَّصل الأَمر بيوسف، قال: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغَيْبِ، أَي لم تكن المراودة منِّي، ولم أُجِب المرأَة إِلى ما أَرادت. وانصُرِف من كلام المرأَة إِلى كلام يوسف عليه السَّلام من غير إِدخال قَوْل، كما انْصُرِفَ من كلام الملإِ إِلى كلام فرعون بغير إِدخال قول في قوله: قالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَليمٌ. يُريدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ، فقال له فرعون: فماذَا تأْمُرُونَ. قال جماعة من أَهل العلم أَيضاً: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغَيْب، من كلام يوسف، ولذلك غمزه الملك فقال: ولا حين هممت! فقال: ومَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ

لأَمَّارَةٌ بالسُّوءِ. وقالوا: لمَّا وجَّه الملِك إِلى يوسف في الحبس ليحضُر، وقد أَحضر النسوة والمرأَة، وكان النسوة في وقت مُراودة المرأَة يوسف عليه السَّلام حاضرات، يقلن ليوسف: ما عليك في أَن تجيبها إِلى ما تريد! فلمَّا وصل الرسول إِلى يوسف عليه السلام أَقبل معه، فحضر مجلس الملك، هو والمرأَة والنساء، فلمَّا أَقبل الملك على النسوة بالمسأَلة فقلنَ: حَاشَ للهِ ما عَلِمْنَا عَلَيْهِ من سُوءٍ، وقالت المرأَة: أَنا رَاوَدْتُه عَنْ نَفْسِهِ وإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين، قال يوسف والملك يسمع: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغَيْبِ. ذكر هذا أَبو عُبيد. فإِن قال قائل: كيف قال: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ، ولم يقل: لتعلم لحضور الملك؟ قيل له: جرت مخاطبة يوسف الملك على سبيل ما يخاطِب النَّاس به الملوك، فخبَّر عنه بغيْبه وهو حاضر، كما يقول الرَّجُل للوزير إِذا خاطبه: إِنْ رأَى الوزير أَن يفعل كذا وكذا! فيكون أَحسنَ في المخاطبة من أَن يقول: إِن رأَيت أَن تفعل كذا وكذا.

وقالَ آخرون: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغَيْبِ من كلام المرأَة، لأَنَّه متّصل به، ولم يفصل بينهما بما يدُلُّ على انقطاعه والخروج منه إِلى غيره. فاحتجَّ أَصحاب القول الأَوَّل بأَنَّ الَّذي جَرَى في الآيتين من الحكمة والثناء على الله، هو بيوسف أَليق منه بالمرأَة الكافرة في ذلك الوقت. وقالَ آخرون: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغَيْبِ قاله يوسف عليه السَّلام بحضْرة الملك والعزيز غائب، وزعموا أَنَّ العزيز كان قَهْرَمان الملك، وأَنَّ يوسف راودتْه امرأَةُ العزيز ولم تكن امرأَة الملِك، فأَحضر الملك يوسفَ وامرأَة العزيز والنسوة، والعزيز غائب، فلمَّا برَّأَته المرأَة والنسوة، قال يوسف: ذلك لِيعلم العزيز أَنِّي لم أَخنه بالغيب. يحكى هذا عن الكلبيّ ووهب بن منبّه. وأَكثر أَهل العلم يقولون: العزيز هو الملك، كان أُولئك القوم يسمُّون الملِكَ عزيزاً، كما يُسمِّي الفُرْسُ الملكَ كسرى، ويسمِّي الرُّوم الملِكَ قَيْصر، ويسمِّي الترك الملك خاقان. والله أَعلم بجميع هذا وأَحكَم.

بنة

342 - ومن حروف الأَضداد أَيْضاً قولهم للرائحة الطيبة بَنَّة، وللرائحة المنتنة بَنَّة. 343 - ومنها أَيْضاً قولهم: قد افترطَ الرَّجُل فَرَطاً، إِذا دَفَن ولداً له صغيراً، وقد افترطَ فَرطاً إِذا دفن أَباه وعمّه وجدّه وغيرهم من كبار أَهله. 344 - ومنها أَيْضاً قولهم النَّعْف؛ لما ارتفع عن بَطْن السَّيْل، والنَّعْف لما انخفض من الجبل. 345 - ومنها أَيْضاً المِجْمَر، العود الَّذي يُتَجَمَّر به وما أَشبهه، والمِجْمَر الَّذي يُجْعل فيه النار والبخور، قال كثيّر: فَما رَوْضَةٌ بالحَزْنِ طَيِّبَةُ الثَّرى ... يَمُجُّ النَّدى جَثْجاثُها وعَرارُها بأَطْيَبَ مِن أَرْدانِ عَزَّةَ مَوهِناً ... وَقَدْ أُوقِدَتْ بالمِجْمَر اللَّدْنِ نارُها 346 - ومنها أَيْضاً قولهم: نحِيح للبخيل، يقال: شحيح نحِيح. وقالَ بعض أَهل اللُّغة: يقال للكريم أَيْضاً السخيّ: نحِيح. قال أَبو بَكْر: والأَعرف فيه أَنَّهُ للبخيل. 347 - ومنه أَيْضاً القَلْت في كلام أَهل الحجاز؛

الفلذ

نُقْرة في الجبل يَجتمع فيها الماء، فيغْرَق فيها الجَمَل والفِيل، لو سقط فيها، والقَلْت في لغة تَميم وغيرهم نُقْرة صغيرة في الجبل يجتمع فيها الماء، وهو مؤنَّثة، يقال في تصغيرها: قُلَيْتَة، وفي جمعها قِلات، قال بعض الأَعراب: اقْرأ على الوَشَلِ السَّلامَ وَقُلْ لَهُ ... كُلُّ المشَارِبِ مُذْ فُقِدْتَ ذَمِيمُ لَوْ كُنْتُ أَمْلِكُ مَنْعَ مائِكَ لم يَذُقْ ... ما في قِلاتِكَ ما حييتُ لئيمُ 348 - ومنها أَيْضاً الفَلْذ؛ قال بعض البصريين، قال أَبو زيد: الفَلْذ: العطاءُ القليل، والفَلْذ: العطاءُ الكثير، وأَنشد: فَلْذُ العَطَاء في السِّنينِ النّزَّلِ وأَنشد الأَعشى؛ أَعشى باهلة: تَكْفِيهِ حُزَّةُ فَلْذٍ إِنْ أَلَمَّ بها ... من الشِّواءِ ويُرْوِي شُرْبَهُ الغُمَرُ يمدح رجلاً. وقالَ ابن السِّكِّيت وغيره في رواية هذا البيت: حُزَّةُ فِلْذٍ بكسر الفاء. وقالوا: الفِلْذ جمع فِلْذة، والفِلْذة: قطعة من كَبِد البعير.

قد أرجأت الناقة

349 - ومنها أَيْضاً قولهم: قد أَرجأَتِ الناقة؛ إِذا دنا نِتاجُها، وقد أَرجأْت الأَمر؛ إِذا أَخَّرتَه، قال الله عزَ وجلّ: وآخَرُونَ مُرْجَئونَ لأَمْرِ اللهِ، أَي مُؤَخَّرون. 350 - ومنها أَيْضاً قول العرب: قد حَلَّق ماءُ الرَّكِيَّة، إِذا تسفَّل ونَزَل، وقد حلَّق الطَّائِر في الهواء، إِذا علا وارتفع، قال ذو الرُّمَّة: ورَدْتُ اعْتِسافاً والثريَّا كأَنَّها ... على قِمَّةِ الرَّأْس ابنُ ماءٍ مُحَلِّقُ ابن ماء: طائر، ومحلِّق: مرتفع في الجو. 351 - ومنها أَيْضاً الروح؛ روح الإِنسان؛ يقال: هي النفس، ويقال: هي غيرها، فالرُّوح الَّتي في الإِنسان يكون بها النفس والتقلّب في النوم والتحرُّك، والنفس هي الَّتي يقع بها العقل والمشيُ. وقالوا: إِذا أَنام الله الرَّجُل قبض نفسه، ولم يقبض روحه. والروح أَيْضاً: جَبْرَئيل عليه السلام، والروح: خلق من خلق الله عزَ وجلّ لهم أَيْدٍ، وأَرجُل يُشْبِهون النَّاس، وليسوا بناس. وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا أَبو عاصم، عن

المنجاب

معروف المكّي، عن أَبي نَجيح، عن مُجاهد، قال: الرُّوح خلْق مع الملائكة لا تراهم الملائكة، كما لا ترون أَنتم الملائكة، والرُّوح حرف استأْثر الله تعالى بعلمه، ولم يُطْلِع عليه أَحداً من خَلْقه، وهو قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوح قُلْ الرُّوحُ من أَمْرِ رَبِّي. وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَحمد بن منصور، قال: حدَّثنا عبد الله بن صالح، قال: حدَّثنا أَبو هِزَّان يزيد بن سَمُرة، قال: حدَّثني من سمع عليًّا رضوان الله عليه يقول: الرُّوح مَلكٌ من الملائكة، له سبعون أَلف وجه، لكلِّ وجه سبعون أَلف لسان، لكلّ لسان سبعون أَلف لغة، يسبِّح الله تبارك وتعالى بتلك اللُّغات كلّها، يخلُق من كلِّ تسبيحة مَلكٌ يطير مع الملائكة إِلى يوم القيامة. 352 - ومن حروف الأَضداد المنجاب؛ يقال: رجل منْجاب، إِذا كان قويًّا، ورَجُلٌ مِنْجاب، إِذا كان ضعيفاً. 353 - وممَّا يفسّر من كتاب الله تبارك وتعالى تفسيرين متضادّين، قوله عزّ وعلا: كَمِشْكَاةٍ فِيها مِصْباحٌ المِصْبَاح، قال بعض المفسرين: المشكاة الكُوَّة، لسان الحبَشة.

وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به

وقال أَبو عُبيد: المِشْكَاة: الكُوَّة لا منفذ لها في كلام العرب، وأَنشد: تدِيرُ عَيْنَيْنِ لها كَحْلاَوَيْنِ ... كمِثْلِ مِصْباحَيْنِ في مِشْكَاتَيْنِ 354 - ومثله أَيْضاً: وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بَه. يقول قوم: الرَّاسخون في العلم المعطوفون على الله جلّ وعزّ، ويقولون في موضع نصب على الحال، وإِن كان مرفوعاً في اللَّفظ؛ والتقدير: وما يعلم تأْويلَه إِلاَّ الله والرَّاسخون في العلم قائلين آمنَّا به، واحتجُّوا بقول الشَّاعِر: الرِّيحُ تَبكِي شَجْوَهُ ... والبَرْقُ يَلْمَعُ في الغَمَامَهْ أَراد الرِّيح تبكي شجوه، والبرق يبكي أَيْضاً لامعاً في الغمامة، واحتجُّوا بما أَخبرناه عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يحيى ابن خلف الجوباريّ، قال: حدَّثنا أَبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أَبي نَجيح، عن مُجاهد، قال: الرَّاسخون في العلم يعلمون تأْويله، ويقولون: آمنَّا بالله. وبما أَخبرناه أَيْضاً عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يحيى، قال: حدَّثنا أَبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أَبي نَجيح، عن مُجاهد، عن ابن عباس، أَنَّهُ قال: أَنا ممَّن يعلَمُ تأْويله.

وقرونا بين ذلك كثيرا

وقالَ أَكثر أَهل العلم: الرَّاسخون مستأْنفون مرفوعون بما عاد من يقولون، لا يدخلون مع الله تبارك وتعالى في العلم، لأَنَّ في كتاب الله جلّ وعزّ حروفاً طوى الله تأْويلاتِها عن النَّاس اختباراً للعباد، ليؤمِن المؤمِنُ بها على غموض تأْويلها فيسعَد، ويكفُر بها الكافر فيشقى؛ من ذلك قوله جلّ وعزّ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ تحت الإِتيان تأْويل زمان محدود لا يعلمه غير الله عزَ وجلّ، يدلُّ على ذلك أَنَّهم طالبوا به، وأَرادوا علمَه فَمُنِعوا، ولم يجابوا إِلى كشفه، فكان من قولهم: مَتَى هَذَا الوَعْدُ، وأَيَّانَ مُرْسَاهَا، وكانَ من جواب الله عزَ وجلّ: لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ. 355 - ومن الحروف أَيْضاً: وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً تحت قرون تحصيلُ عدد لم يطلع الله عليه أَحداً فهو من التأْويل الَّذي استأْثر بعلمه. 356 - ومنه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوح قُلْ الرُّوحُ من أَمْرِ رَبِّي، سأَلت اليهود رَسُول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم

والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله

عن الروح، فأَجابهم بهذا ولم يكشف حقيقتَه، كما كشف حقيقة أَمرِ أَصحاب الكهف، وحقيقة أَمر ذي القرنين، لأَنَّه انْفرد بعلمه وغيبه عن خلقه. وقالَ ابن بُريدَة: والله ما مات رَسُول الله صلَّى الله عليه وهو يعلم الروح. 357 - ومن الحروف أَيْضاً: والَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ تحت الَّذِين تأْويل من غير تحصيل العدد، لا يعلمه غيرُ الله جلّ وعزّ. ويدلُّ على صحَّة هذا القول أَيْضاً قراءة ابن مسعود، إِنْ تأْويلُه إِلاَّ عندَ اللهِ والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وقراءة أُبَيّ: ويَقُولُ الرَّاسِخُونَ في العِلْم، فتقديم القول على الرَّاسخين يدلُّ على أَنَّهم غير داخلين في العلم. ويدلُّ على أنَّهم غير داخلين في العلم ما أَخبرناه عبد الله ابن محمد، قال: حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدَّثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أَبيه، عن ابن عباس أَنَّهُ قرأَ: ويَقُولُ الرَّاسِخُون في العِلْم.

والحديثان اللَّذان احتجَّ بهما أَصحابُ القول الأَوَّل لا يصحَّحان، لأَنَّ ابن أَبي نَجيح هو الرَّاوي لهما عن مجاهد. وقد قال ابن عُيينة: لم يسمع ابن أَبي نَجيح التفسيرَ عن مُجاهد، والآثار كلّها تُبْطِلها. وإِلى هذا المذهب كان يذهب الكِسَائِيّ، والفرَّاء، وأَبو عبيدة، وأَبو العبَّاس؛ وهو اختيارنا. ولا حجَّة علينا في أَنَّ الرَّاسخين إِذا استؤنفوا وجعل القول خبرهم، لم يكن لهم على غير الرَّاسخين فضل، لأَنَّ فضلهم على هذا التأْويل لا يخفى؛ إِذا كانوا يؤمنون بما تعقِله قلوبهم، وتنطوي عليه ضمائرهم، وغيرُ الرَّاسخين يقلِّدون الرَّاسخين، ويقتدون بهم، ويَجْرُون على مِثْل سبيلهم، والمقتدِي وإِن كان له أَجرٌ وفَضل يتقدمه المقتدَى به، ويَسبِقه إِلى الفَضْلِ والأَجرِ والخير. ولا ينكَر أَنْ يكتفى بالرَّاسخين من غيرهم إذْ كانوا أَرفَعَ شأْناً منهم، فقد فعل الله جلّ وعزّ مثل هذا في قوله: أَلَمْ تَرَى أَنَّ الفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ

[خاتمة]

آيَاتِهِ إِنَّ فشي ذَلِكَ لآيَات لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ. ففي ذلك آيات لكلِّ صبَّارٍ، ولكلِّ غير صبَّار؛ إِلاَّ أَنَّهُ أَفردَ الصَّبَّار، وخصَّه بالذّكر تشريفاً وتعظيماً، والآخر غير خارج من معناه. وفي هذه المسأَلة تفاسير واحتجاجات، يطول شرحها في هذا الموضع، إذْ لم يكنْ قصدُنا فيه التفسير؛ وهي كاملة موجودة مجموعة في كتاب الردّ على أَهل الإِلحاد في القرآن.

§1/1