الأصول في النحو

ابن السراج

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... المقدمة: إن ما اجتمع من أخبار ابن السراج وما ذكر عنه ليدل دلالة لا جدال فيها أنه عالم حري بالدراسة جدير بالتقييم. فهو علم من أعلام النحو، وإمام من أئمة الثقافة وشيخ من شيوخ اللغة. عاش أكثر من نصف قرن من الزمان وشهد حضارة العرب الزاهرة في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وعاصر التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية وما آلت إليه حياة العرب والمسلمين في ظلال الدولة العباسية، فهو واحد من أولئك العلماء الذين أعطوا العربية الكثير وعنوا بالمحافظة عليها كالخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، وسيبويه، والأصمعي، وأبي عبيدة، والأخفش، والمازني، والمبرد، فمعظم هؤلاء أخذ عنهم ابن السراج ونقل علمهم إلى الأجيال التي جاءت من بعدهم، ثم انتهت إليه رئاسة النحو بعد موت أبي العباس المبرد وموت الزجاج، وأصبح أستاذًا يرحل إليه ويؤخذ عنه. ولقد بقي على كثرة ما ألف قبله وبعده في النحو, كتاب "الأصول" أول كتاب في مضماره، فقد أثنى عليه القدماء ووصفوه بأجل الأوصاف مثل قولهم: أصبح المرجع إليه عند اضطراب النقل واختلافه، وقولهم: كان النحو مجنونا فعقله ابن السراج بأصوله "ونصوا على أنه" أول كتاب جمع أصول

العربية معتمدا على كتاب سيبويه مختصرا مسائله مرتبا أبوابه أحسن ترتيب، معولا على مسائل الأخفش والكوفيين. مخالفا لأصول البصريين. هذه النعوت بعض من الحوافز التي دعتني لتحقيق هذا السفر الكبير على أن هناك دوافع أخرى قد تكون أهم دفعتني إلى الكتابة عن ابن السراج وهي: 1- أنني كلما قرأت كتابا في النحو والصرف واللغة وجدت آراء ابن السراج منبثة في تضاعيفه، كما أن كتب ابن السراج وبخاصة كتاب الأصول" يرد على كثير من المسائل المغلقة والتي هي مثار جدل في علمي النحو والصرف. 2- إن كثيرا من الباحثين يذهب إلى أن علمي النحو والصرف انتهيا إليه بعد موت الزجاج ووقفا عنده. 3- ولقد بدا لي بعد دراسة كتب ابن السراج وفحصها أن مسائل النحو والصرف لم تكن مقسمة مبوبة في كتاب سيبويه ومن جاء من بعده على النحو الذي ألفناه في كتب المتأخرين فكثيرا ما تختلط البحوث النحوية والصرفية وتشتبك بغيرها من موضوعات تتعلق باللهجات العربية، والقراءات المختلفة، لكن ابن السراج أول من بوبها وهذب مسائلها وبحثها بحثًا علميًّا مقارنا بين ما جاء في كتاب سيبويه وما أخذ له وعليه من شروح واستدراكات في "تصريف" المازني وكتاب "المقتضب" للمبرد وكتب الأخفش وكتب الكوفيين. 4- ثم إن دراسة التراث العربي اللغوي والقديم بخاصة تمثل ركنا من أركان حضارة الأمة، فدراسته وفحصه ونشره يعين على كشف هذا الجانب من حضارة الأمة العربية.

وأخيرا فإني لم أدخر جهدا في إخراج هذا الكتاب بصورته التي أرادها له المؤلف في تقديري راجيا أن ينال الرضا والقبول من ذوي الاختصاص والله ولي التوفيق. المحقق: الدكتور عبد الحسين الفتلي.

ابن السراج

ابن السراج: هو أبو بكر محمد بن سهل النحوي البغدادي1. كان أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية2. المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره في النحو والأدب3. نشأ في بغداد وأخذ النحو عن أبي العباس المبرد وإليه انتهت الرئاسة في النحو بعد موت المبرد4. وكان واسع الثقافة متعدد الجوانب، تعمق في القديم كما أفاد من الحديث في زمنه، فمزج بين الثقافة العربية الخالصة وبين الثقافات الوافدة على الفكر العربي آنذاك، يتجلى ذلك بدراسة الموسيقى والمنطق والقراءات ولعل اهتمام ابن السراج بالنحو بدأ يظهر بعد انتهار الزجاج له حتى هم بضربه لخطئه في مسألة نحوية5 وذلك عندما حضر عند الزجاج مسلما عليه بعد موت المبرد فسأل رجل الزجاج عن مسألة نحوية فقال لابن السراج: أجبه يا أبا بكر. فأجابه فأخطأ فانتهره الزجاج وقال: والله لو كنت في منزلي لضربتك،

_ 1 إنباه الرواة 3/ 145. معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 3/ 462. 2 نزهة الألباء/ 312. إنباه الرواة 3/ 145. 3 وفيات الأعيان 3/ 462. 4 نزهة الألباء/ 312. 5 معجم الأدباء 18/ 190. إنباه الرواة 3/ 146.

ولكن المجلس لا يحتمل هذا، وقد كنا نشبهك في الذكاء والفطنة بالحسن بن رجاء وأنت تخطئ في مثل هذا، فقال: قد ضربتني يا أبا إسحاق وأدبتني وأنا تارك ما درست مذ قرأت الكتاب -يعني: كتاب سيبويه- لأني شغلت عنه بالمنطق والموسيقى، وأنا أعاود، فعاود ونظر في دقائق كتاب سيبويه وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة وصنف ما صنف1. وشهد ما كان عليه ابن السراج من الذكاء والفطنة ما تركه من مصنفات أثنى عليها العلماء في أغلب الفنون المختلفة من القراءات والنحو واللغة والأدب والخط2، وكان مع علمه أديبًا شاعرًا رويت له أبيات أجل من شعر النحاة3، يغلب عليها طابع التفكير، وهي وإن لم تدل عند التصوير على شاعرية وموهبة تدل على مقدرة وتمكن من التصرف بصيغ الكلام واللغة وثقافة عامة. وقد ذكر أبو علي الفارسي تلميذ ابن السراج: أنه قرأ على أبي بكر بن السراج ديوان النابغة من رواية الأصمعي، ولم يقتصر نشاطه الأدبي على الشعر فحسب، بل تعداه إلى النثر والمنطق، والعلوم الأخرى، فقد ذكر أبو حيان التوحيدي4. أن مراسلات جرت بين ابن السراج وأبي الحارث الرازي تتعلق بفنون الكلام. أما المنطق فكان أمرًا أساسيًّا في أعمال النحاة ما دامت في النحو أحكام تستنتج وقياس يتبع، فلا عجب إذا كان ابن السراج قد درس المنطق لأنه من أصحاب ذلك العلم، قال ابن أبي أصيبعة: "وفي التاريخ أن الفارابي كان

_ 1 معجم الأدباء 18/ 190. إنباه الرواة 3/ 146. 2 معجم الأدباء 18/ 198. 3 أخبار الشعراء المحمدين 121-122 مخطوط بدار الكتب رقمه "2217". 4 انظر رسالة الصداقة والصديق/ 85.

يجتمع بأبي بكر بن السراج فيقرأ عليه صناعة النحو وابن السراج يقرأ عليه المنطق."1. وأما اشتغاله بالموسيقى فيشهد عليه احتجاجه بوجوه القراءات في كتاب كان قد ابتدأ بإملائه وارتفع منه بعض "كذا" ما في سورة البقرة من وجوه الاختلاف2 ... وتصنيفه كتابا في العروض3 والقافية. أخلاقه ومكانته العلمية: كان أحد الأئمة المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره4، ثقة5 أديبا شاعرا إماما في النحو بليغا في الرأي متينا6، مقبلا على الطرب والموسيقى، عشق ابن يانس المغني، له أخبار وهنات7، ولم يعرف عنه أنه كان يبخس حق أستاذ له، بل كثيرا ما يثني على من يأخذ عنه، فقد ذكر أبو الحسن الرماني8 أنه جرى بحضرة ابن السراج ذكر كتابه "الأصول" الذي صنفه فقال قائل: هو أحسن من كتاب "المقتضب" للمبرد. فقال ابن السراج: لا تقل هذا إنما استفدنا ما استفدناه من صاحب "المقتضب"، وأنشد: ولو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدى شفيت النفس قبل التندم ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ... بكاها فقلت: الفضل للمتقدم

_ 1 عيون الأنباء في طبقات الأطباء 2/ 136. 2 انظر الحجة في القراءات لأبي علي الفارسي/ 4. تحقيق الدكتور عبد الفتاح شلبي. 3 له كتاب في العروض تحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلي مستل من مجلة كلية الآداب سنة 1972. 4 وفيات الأعيان 3/ 462. 5 تاريخ بغداد 5/ 319، وفيات الأعيان 3/ 462. 6 طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 52. 7 وفيات الأعيان 3/ 462. 8 إنباه الرواة 3/ 146. معجم الأباء 18/ 198.

وكان اجتماعيًّا يحب الناس له صلات صداقة مع كبار علماء عصره ولا سيما المقرئ الكبير ابن مجاهد1. أما أسرته، فلم تذكر المراجع شيئا ذا بال عنها، ولا عن حياته الخاصة وكل ما عرف عنه أنه كان يعشق جارية من القيان وكان له منها ولد2. أساتذته: تيسر لابن السراج مقدار لا يُستهان به من علوم العصر على اختلاف فنونها، وقد كان في بعضها معتمدا على نفسه في البحث والتنقيب والاطلاع، وفي سوى ذلك يتلقاه على شيوخ عصره كل حسب اختصاصه ممن كانت بغداد تتنافس بهم، غير أن المراجع كلها قد أجمعت على شخصية واحدة هي: أبو العباس المبرد إمام نحاة البصرة في القرن الثالث الهجري، فقد صحبه ابن السراج وأخذ عنه العلم والأدب3، وقرأ عليه كتاب سيبويه4، ولم تكن علاقته بأستاذه علاقة دراسة وقراءة فحسب، قال ابن درستويه5: كان من أحدث غلمان المبرد مع ذكائه وفطنته وكان المبرد يميل إليه، ويشرح له، ويجتمع معه في الخلوات والدعوات ويأنس به. ولا يعرف لابن السراج أستاذ آخر مسمى في كتاب التراجم إلا أن ابن خلكان6 ذكر: أنه أخذ عن المبرد وغيره، وليس من المستبعد أن يكون قد تأثر -على الأقل- بالزجاج الذي آلت إليه رئاسة المدرسة البصرية بعد موت

_ 1 انظر معجم الأدباء 18/ 198. 2 تاريخ بغداد 5/ 319، نزهة الألباء/ 312. 3 إنباه الرواة 3/ 145. وفيات الأعيان 3/ 462، ونزهة الألباء/ 313. 4 معجم الأدباء 18/ 197. 5 الفهرست 92، وإنباه الرواة 3/ 148. 6 وفيات الأعيان 3/ 462.

المبرد سنة "285هـ" ولقد رددت كتب التراجم قصة خطأ ابن السراج في مسألة بحضرة الزجاج بعد موت المبرد1. كما أن ابن جني قد أورد في الخصائص2 بعض المسائل التي كانت مدار خلاف فيما بينهما. تلاميذه: ما زال طلاب العربية إلى يومنا هذا يتتلمذون على أولئك العلماء الذين وضعوا الأسس القويمة لبناء هذا التراث الخالد. فلم يكن طلب العلم مقصورا على المشافهة والأخذ المباشر عن الشيوخ، وإنما هو أعم من ذلك وأشمل، فقارئو كتاب سيبويه يأخذون عن سيبويه، وقارئو الكامل والمقتضب يأخذون عن المبرد، ودارسو الأصول هم طلاب علم ابن السراج دون شك أو ريب. وقد جرت عادة المؤرخين: أن يتحدثوا عمن عاصروا أستاذهم وتلقوا عنه العلم على أنهم تلاميذه، الآخذون عنه، وإن كان العلم باقيا يأخذه المعاصرون كما ينتفع به بعدهم، وأبرز تلاميذ ابن السراج: 1- أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى سنة 337هـ فقد ذكر الزجاجي أنه أخذ عن ابن السراج3. 2- أبو سعيد السيرافي النحوي المتوفى "368هـ" فقد قرأ على أبي بكر بن السراج وأبي بكر مبرمان النحو4 وفي شرح5 كتاب سيبويه نجد الكثير من آراء ابن السراج النحوية والصرفية.

_ 1 الفهرست/ 92، معجم الأدباء 18/ 198، إنباه الرواة 3/ 149. 2 انظر الخصائص 1/ 62، 66، 248، و2/ 31. 3 انظر الإيضاح في علل النحو: 79، ومعجم الأدباء 18/ 198. ونزهة الألباء/ 313. 4 انظر معجم الأدباء 8/ 145، وبغية الوعاة / 221. 5 انظر شرح السيرافي 1/ 57، 134، 167، 180، و5/ 17، 18، 35، 59.

3- أبو علي الفارسي "377". الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن أبان الفارسي الفسوي الإمام العلامة، فقد قرأ النحو على أبي إسحاق الزجاج وعلى أبي بكر بن السراج1، وكذلك اطلع على المسائل المشروحة من كتاب سيبويه للمبرد وقرأها على ابن السراج كما روى كتاب التصريف عن ابن السراج عن المبرد2. 4- الرماني: أبو الحسن علي بن عيسى الرماني المتوفى "384". أخذ النحو عن أبي بكر بن السراج وابن دريد والزجاج3، وهم الشيوخ الذين حملوا علم البصرة في بغداد. وقد شرح الرماني كتاب الموجز لابن السراج4. 5- أبو علي القالي "356": ومن تلاميذ ابن السراج: إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن عيسى بن محمد بن سليمان مولى الخليفة عبد الملك بن مروان، أبو علي البغدادي المعروف بالقالي نسبة إلى -قالى قلى- بلد من أعالي أرمينة5. 6- الأزهري اللغوي: "370" محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري اللغوي الأديب الهروي الشافعي، أخذ عن الربيع بن سليمان ونفطويه وابن السراج. وكان رأسا في اللغة6. 7- أبو القاسم الآمدي: "371" الحسن بن بشر الآمدي الذي ولد

_ 1 انظر الفهرست لابن النديم/ 64، وطبقات النحويين/ 130، ونزهة الألباء/ 387. 2 المنصف لابن جني 1/ 6. 3 انظر إشارة التعين/ 34. 4 إنباه الرواة/ 295. 5 معجم الأدباء 7/ 27. وفيات الأعيان 1/ 74. 6 معجم الأدباء 17/ 165، بغية الوعاة 2/ 19 تحقيق أبي الفضل إبراهيم.

بالبصرة وانتقل إلى بغداد فتلقى النحو واللغة عن الأخفش الصغير والزجاج وابن دريد وابن السراج1. وفاته: أجمعت معظم المراجع التي ترجمت لابن السراج أنه مات يوم الأحد لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة "316هـ"2 ببغداد في خلافة المقتدر بالله3. إلا أن هناك روايتين إحداهما: ذكرها العيني في عقد الجمان في ثنايا الحديث عن ابن السراج وهي لا تختلف عن الروايات المتداولة بين المترجمين تقول: في تاريخ النويري أن ابن السراج توفي في ذي الحجة سنة "310" ثم قال: قيل: كانت وفاته سنة خمس عشرة وثلاثمائة4. والثانية: ما نقله صاحب كشف الظنون وهي: أن أبا بكر بن السراج توفي سنة إحدى وستين وثلاثمائة هجرية5، -في النص العربي والإنجليزي- وهذا -كما يبدو- تحريف؛ لأن سنة "316" قابلة للتقديم والتأخير فتصبح سنة "361هـ". وقد عمر ابن السراج طويلا، ولم يمت في سن مبكرة، ولم يمت شابا كما ذكر السيوطي في البغية6، فقد ذكر المترجمون له أنه مات كهلا7، والواقع يؤيد ذلك. فهو قد صحب أبا العباس المبرد المتوفى "285هـ" فإذا افترضنا

_ 1 بغية الوعاة 1/ 20 تحقيق أبو الفضل إبراهيم. 2 تاريخ بغداد 5/ 319، معجم الأدباء 18/ 198، نزهة الألباء/ 312. 3 نزهة الألباء / 312. 4 عقد الجمان: 18 القسم الثاني. 5 كشف الظنون/ 334. 6 بغية الوعاة/ 44، والأعلام للزركلي 7/ 6. 7 عيون التواريخ، الذين توفوا سنة "316" وتاريخ الإسلام للذهبي 2/ 44.

أن سنه كانت خمسا وعشرين سنة آنذاك يضاف لها إحدى وثلاثون سنة عاشها بعد موت المبرد فيكون عمره ستا وخمسين سنة تقريبا. آثاره: خلف ابن السراج ثروة علمية في معظم التصانيف التي أودعها علمه في جميع الفنون التي برز فيها، فقد استوعب معظم علوم عصره إلا القليل، صنف فيها ما ينيف على الخمسة عشر كتابا ومصنفا ضاع أكثرها، والملاحظ أن من مصنفاته ما عني به العلماء من بعده وتعهدوه، بالشرح والتفسير مثل كتاب "الأصول". فقد شرحه الرماني1 النحوي وهو من تلاميذ ابن السراج، وبقي هذا الشرح إلى زمن السيوطي المتوفى سنة "911هـ" الذي نقل عنه في كتابه الأشباه والنظائر2 كذلك شرحه ابن بابشاذ3 المتوفى "469هـ" وابن الباذش4 الغرناطي النحوي المتوفى "607هـ". وأهم المراجع التي أحصت كتب ابن السراج هي: تاريخ بغداد، والفهرست لابن النديم، ومعجم الأدباء، ووفيات الأعيان لابن خلكان وطبقات النحويين واللغويين للزبيدي ونزهة الألباء لابن الأنباري والبغية للسيوطي، وكشف الظنون للحاج خليفة وغيرها من كتب التراجم. وعلى أية حال: فإن ما أمكن التعرف عليه من كتب ابن السراج لم يتعد الخمسة عشر كتابا يمكن تقسيمها على الشكل الآتي:

_ 1 كشف الظنون 1/ 334. وفهرسة ابن خير الإشبيلي/ 307، وقد عثرت على قطعة من هذا الشرح في آخر كتاب الأصول نسخة تركنا تحت رقم "1066". 2 الأشباه والنظائر 1/ 212. 3 انظر المقدمة المحسبة/ 18 وكشف الظنون 1/ 334. 4 انظر كشف الظنون 1/ 334.

أ- كتب في اللغة والنحو والصرف: مثل الأصول في النحو: وجمل الأصول، والموجز، وشرح كتاب سيبويه، والاشتقاق، وكتاب علل النحو، وكتاب الهمز. ب- دراسة في القرآن الكريم، مثل كتاب الاحتجاج في القراءة. جـ- كتب في النقد والشعر، مثل كتاب الشعر والشعراء. د- كتب في الخط والهجاء والعروض. هـ- كتب أخرى لم يعرف شيء عن مضامينها؛ لأنه لم يعثر على نص يشير إلى ما تحتوي عليه هذه الكتب من فنون العلوم المختلفة، مثل كتاب الرياح والهواء والنار، والمواصلات، والمذاكرات، والأخبار، وهذا وصف موجز لبعض هذه المصنفات: 1- كتاب الأصول في النحو، وهو موضوع التحقيق، يشمل النحو والصرف. 2- كتاب جمل الأصول أو مجمل الأصول، أو الأصول الصغيرة1، وهو كتاب في النحو أيضا، يعتقد أنه مختصر لكتاب الأصول الكبير. 3- كتاب الجمل، وهو في النحو أيضا، أشار إليه ابن السراج نفسه في كتابه الأصول عندما كان يتحدث عن الموضع الذي يتساوى فيه الجمل والأصول2. وقد ذكر القفطي3 أن الرماني شرح هذا الكتاب، ثم شرح أبياته النحوي المعروف بابن حميدة المتوفى سنة "550هـ".

_ 1 انظر معجم الأدباء 18/ 198، وفيات الأعيان 3/ 462. وإنباه الرواة 3/ 145. 2 انظر الأصول 2/ 219. 3 إنباه الرواة 1/ 195.

4- الموجز: كتاب في النحو والصرف، شرحه الرماني1 وأبو الحسن الأهوازي2، وقد ذكر: أن ابن السراج لم يتم هذا الكتاب وأنه كلف أبا علي الفارسي بإتمامه، لكن أبا العلاء المعري3 يقول: وهذا لا يقال إنه من إنشاء أبي علي؛ لأن الموضوع من الموجز وهو منقول من كلام ابن السراج في الأصول والجمل4 فكأن أبا علي جاء به على سبيل النسخ لا إنه ابتدع شيئا من عنده. وقد طبع هذا الكتاب في بيروت عام 1965 بتحقيق مصطفى الشويمي وابن سالم دامرجي تحت إشراف رجس بلاشير من جامعة باريس، كذلك عثرت على مخطوطة لهذا الكتاب في الخزانة العامة بمدينة الرباط تحت رقم "100ق"، في آخرها: كتبت من نسخة مقروءة على الشيخ أبي علي النحوي صاحب أبي بكر بن السراج. 5- شرح كتاب سيبويه: وهذا بطبيعة الحال يشمل النحو والصرف معا، وقد أشار كل من السيرافي والرماني5 إلى اختلاف نسخ الكتاب التي كانت بين يدي ابن السراج. 6- الشكل والنقط: ذكر القفطي6 أن الرماني شرح هذا الكتاب ولكن لم تعرف مادته ومضمونه لأنه لم يصل إلينا. 7- كتاب الهجاء أو الخط. ولقد عثرت على هذا الكتاب في الخزانة العامة في الرباط بالمغرب ضمن مجموعة تحت رقم "100ق". وقد طبع في مجلة المورد.

_ 1 بغية الوعاة 1/ 173. 2 إنباه الرواة 3/ 295. 3 شرح التصريح للشيخ خالد الأزهري 2/ 277. 4 رسالة الغفران لبنت الشاطئ/ 357. 5 انظر شرح السيرافي 5/ 59، وشرح الرماني: 56 المجلد الخامس. 6 إنباه الرواة 3/ 145.

8- كتاب الشعر والشعراء1: ذكره ابن خلكان وياقوت والقفطي ولم نعرف عنه شيئا لا عن مادته ولا طريقة عرضه وتأليفه، وليس له ذكر في أية فهرسة من فهارس الكتب المصورة أو المخطوطة. 9- احتجاج القراء: وهذا الكتاب في التفسير والقراءات. وتجد صدى هذا الكتاب في القسم الأول من كتاب "الحجة"2 لأبي علي الفارسي. 10- كتاب الاشتقاق: ذكر المترجمون3 لابن السراج أن هذا الكتاب لم يتم، وهو في علم التصريف4 وقد حققه الدكتور محمد صالح. 11- كتاب المواصلات والمذاكرات في الأخبار5، لا يعرف شيء عن محتوياته ومادته. 12- كتاب الهوى والنار والرياح. 13- كتاب علل النحو: لم يشر إليه أحد ممن ترجم لابن السراج سوى القفطي. 14- كتاب الهمز: أشار إليه ابن السراج نفسه في كتابه الأصول. 15- كتاب العروض، لم أجد أحدا أشار إلى هذا الكتاب من قريب أو بعيد ولكنني عثرت على نسخة له في المغرب في مكتبة الخزانة

_ 1 انظر وفيات الأعيان 3/ 463. ومعجم الأدباء 18/ 198، وإنباه الرواة 3/ 145. 2 انظر الحجة في القراءات 1/ 4 تحقيق الدكتور عبد الفتاح شلبي. 3 انظر الأصول 2/ 606، والمعرب من الكلام الأعجمي للجواليقي/ 3، تحقيق أحمد شاكر. 4 انظر معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 3/ 462، إنباه الرواة 3/ 145. 5 معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 4/ 462.

العامة بالرباط تحت رقم "127" ولقد نشرته في مجلة كلية الآداب لعام 1972. مذهب ابن السراج النحوي: نشأ ابن السراج بعد تكامل وانتهاء طبقات النحاة البصريين والكوفيين إذ إن آخر من يذكر في طبقات البصريين أبو العباس المبرد المتوفى "285هـ" وآخر من يذكر في طبقات الكوفيين يحيى بن أحمد المعروف بثعلب المتوفى "291هـ". نشأ في بغداد ومات فيها، لكن مذهبه بصري أو هكذا ارتضى لنفسه أن يكون من البصريين؛ لأن الأسس التي يرجع إليها والمصطلحات والمسائل الخلافية التي يستعملها ليست بغدادية؛ لأنه لا توجد مدرسة بغدادية بهذا المعنى. إن ابن السراج يقول بآراء البصريين ويعد نفسه بصريا ويعتمد الأسس البصرية، ويستعمل مصطلحاتهم، وإننا نستطيع أن نميز وجهة النحوي من النظر في أربعة أمور: الأسس التي يعتمدها في البحث: والمصطلحات التي يستعملها. ومع من يعد نفسه أو أين ارتضى أن يضع نفسه، وفي المسائل الخلافية. والذي ينظر إلى ابن السراج من خلال هذه النقاط الأربع يجده يعتمد الوجهة البصرية، فهو كالنحاة البصريين يعتمد القبائل العربية الفصيحة، ولا يقيس على القليل أو النادر بخلاف الكوفيين الذين أخذوا عن أعراب لانت فصاحتهم، ويقيسون على النادر والقليل، بل الشاهد الواحد أيضًا. ومن حيث المصطلحات النحوية، فإنه كان يستعمل المصطلحات البصرية كالممنوع من الصرف، والظرف، والعطف، والجر، والمجرورات، والنعت والبدل، وألقاب الإعراب، والبناء، والضمير، وضمير الفصل، والمتعدي، واللازم. وفي كتاب الأصول الكثير من ذكر البصريين، وأحيانا يسميهم

بأصحابنا1، إلا أنه أحيانا أخرى يستعمل اصطلاحات الكوفيين، كالنسق، والمكني، والجحد، والصفة، والمفسر، وما لم يسم فاعله2. ولعل مرجع ذلك إلى ما ذكره المترجمون له من أنه عول على مسائل الكوفيين، وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة3. كتاب الأصول: كانت لكتاب الأصول في النحو منزلة خاصة في نفوس النحاة وفي تاريخ النحو العربي، ولآرائه أهمية كبرى كتب لها من الذيوع والانتشار بين الدارسين ما لم يكتب إلا لقلة نادرة من المصنفات النحوية، مثل كتاب سيبويه والمقتضب لأبي العباس المبرد والتصريف لأبي عثمان المازني، فهذا العمل البارع الذي قام به أبو بكر بن السراج في القرن الثالث الهجري، فجمع فيه أبواب النحو والصرف لقي إقبالا وإعجابا من معظم دارسي العربية، فقد جمع ابن السراج أصول العربية وأخذ مسائل سيبويه ورتبها أحسن ترتيب4 في كتاب أصبح المرجع إليه عند اضطراب النقل واختلافه5 وهو غاية في الشرف والفائدة6، فقد اختصر فيه أصول العربية، وجمع مقاييسها7، ونظر في دقائق سيبويه، وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة حتى قيل: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله8.

_ 1 انظر الأصول 1/ 484. 2 انظر الأصول 2/ 296، و2/ 198 و1/ 192 و1/ 289. و1/ 194، و2/ 300، و2/ 191، و1/ 21، و279، و2/ 203. 3 انظر معجم الأدباء 18/ 198. 4 نزهة الألباء/ 69. 5 معجم الأدباء 18/ 200. 6 طبقات الزبيدي/ 122. 7 طبقات الزبيدي/ 122. 8 معجم الأدباء 18/ 198.

ولقد نسب كثير من الباحثين إلى ابن السراج أنه أول من وضع كتابا في أصول العربية، فقد ذكر محققو سر صناعة الإعراب لابن جني في مقدمته1 شيئا من ذلك، ولقد قال ابن السراج في كتاب الأصول "فتفهم هذه الأصول والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعا يحصره وفصلته تفصيلا يظهره، ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما يمكن من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه ويسهل على متعلميه حفظه2. منهج ابن السراج: الذي يقرأ كتاب الأصول يعرف أن ابن السراج كان منهجيا قويم النظرة في عرض مادة كتابه، فلم يشأ أن يجري دراسته النحوية على النهج الذي ألفناه في كتب من سبقه مجافيا لمذهب التقنين والقواعد فقد أدرك أن مدار علم النحو في كتابه مبني على استخراج الأصول النحوية مع الالتزام بالدقة في كل موضوع، وقد بوب كتابه تبويبا يشبه إلى حد كبير تبويب كتاب سيبويه، لكن موضوعات أصول ابن السراج غير متداخلة كموضوعات الكتاب لا يمكن التمييز بينها، فقد رتب على الشكل الذي ألفناه في الوقت الحاضر، فبدأ بمرفوعات الأسماء، ثم المنصوبات والمجرورات، وانتقل بعد ذلك إلى التوابع كالنعت والتوكيد وعطف النسق وعطف البيان، والعطف بالحروف. ثم أشار إلى نواصب الأفعال وجوازمها، وزاد باب التقديم والتأخير، وباب الإخبار بالذي وبالألف واللام، وانتهى إلى مسائل الصرف. وكتاب الأصول خال من المقدمة، قليل الاستطراد، موضوعاته المتشابهة محصورة في باب واحد لا في أبواب متفرقة كما هي الحال في كتاب سيبويه يبدأ بتعريف النحو العربي وينتهي بباب ضرورة الشاعر.

_ 1 سر صناعة الإعراب 1/ 6. 2 كتاب الأصول 1/ 27.

وتجدر الإشارة هنا إلى عدد النسخ التي كانت بحوزة ابن السراج من كتاب سيبويه، فنراه كلم وجد كلمة أو عبارة فيها أكثر من احتمال أو لها أكثر من وجه من وجوه التفسير رجع إلى نسخة معينة مشيرا إلى صاحب تلك النسخة مبينا أنها بخطه أو كانت ملكه: كالمبرد، وثعلب، والقاضي1، فهو يشبه المحقق في هذا الزمن، إذ إنه يحاول إخراج النص سليما، لا يشوبه الغموض، ولا يتطرق إليه الشك من قريب أو بعيد. ولقد نال الأصول إعجاب من جاء بعد ابن السراج من الباحثين، وأثنوا عليه، ووضعوه في مكانه اللائق به. قال ياقوت الحموي: وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه2. وقال الزبيدي في طبقاته: هو غاية في الشرف والفائدة، وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن3. وقال ابن شاكر الكتبي: له كتاب الأصول في النحو، مصنف نفيس شرحه الرماني4. ولقد استشهد أبو بكر بن السراج في كتاب الأصول بالشعر في أماكن عديدة بما ثبت عن العرب أو أنه فهم على غير وجهه الصحيح. تتمثل هذه الشواهد بكثرة ما استشهد به من الشعر للغات العرب المختلفة أو لهجات بعض قبائلهم أو تعزيز القواعد التي قال بها فريق من النحاة؛ لأن السماع ورد بها وأنكرها فريق آخر لأنها تتعارض مع القياس، أو لأنهم لم يطمئنوا إلى

_ 1 هو إسماعيل بن إسحاق القاضي -ذكره السيرافي باسمه كاملا في شرح الكتاب 5/ 113، دار الكتب نسخة البغدادي- مات سنة 282هـ. 2 معجم الأدباء 18/ 199. 3 طبقات الزبيدي/ 222، وفيات الأعيان 3/ 42. 4 عيون التواريخ "1497" سنة 316هـ.

هذا السماع، كذلك تمثل ما اضطر إليه قائله لضرورة الشعر وهو عربي فصيح، ولكنه لا ينبغي أن يرد في السعة؛ لأن للشعر ضروراته وأحكامه، والنوع الثالث: ما جاء شاذا خلاف القياس أو السماع، ولكنه صدر عن عربي فصيح فلا يمكن رده أو الحكم عليه بالخطأ أو تضعيف روايته. تأثره بمن سبقه: ينبغي هنا أن نقتصر على مجرد الإشارة إلى مصادر "كتاب الأصول" لنكون على بينة من أمر تأليف هذا الكتاب ومادته وتأثر صاحبه بمن سبقه من النحاة. في ثنايا الكتاب تقع على ذكر ابن أبي إسحاق "117هـ" وعيسى بن عمر "149هـ"، وأبي عمرو بن العلاء "154هـ"، وأبي الخطاب الأخفش الأكبر "157هـ"، والخليل بن أحمد الفراهيدي "174هـ" ويونس بن حبيب "183هـ", وأبي زيد الأنصاري "215هـ"، والأخفش الأوسط "208هـ"، والجرمي "225هـ" والمازني "249هـ"، والرياشي "257هـ" وأبي العباس المبرد "285هـ"، من البصريين وعلى ذكر الكسائي "189هـ"، والأحمر "194هـ"، والفراء "207هـ" والطوال "243هـ"، وثعلب "291هـ"، من الكوفيين، ومما يشكل قسما من الكتاب ما نقله عن العرب كالحجازيين والتميميين وسائر القبائل العربية الأخرى1. ولم يكن ابن السراج مجرد ناقل أو جامع يجمع الآراء ويقدمها للدارسين، بل كانت له مقدرة فائقة في التعليل والترجيح، كما تظهر أحكامه على حظ كبير من السداد والقبول شأن العالم المعتمد بعلمه المتأكد من صحة قوله وتصويب رأيه وكثرة حفظه وعمق إدراكه وتمكنه من الفهم، وإذا كان الأصول مليئًا بالكثير مما نقله ابن السراج عن غيره من شواهد وأحكام، فإن

_ 1 انظر الأصول 1/ 81، 82، 144، 133، 236، 337، 155، وجـ2/ 163، 177، 162، 166 ...

الكثير ليشهد بأنه لم يكن مجرد ناقل لآراء شيوخه، فهو يناقشهم فيها، ولا يتردد في إبداء رأيه ولو كان ذلك مخالفا لآراء من نقل عنه، ويخرج عليه، ولا يحجم عن تأييد أقواله واستحسانها وتقبيحها واستبعادها حتى كانت أقواله وأحكامه وآراؤه إلى جنب أقوال شيوخه وآرائهم وأحكامهم دالة على أنه لا يقل عنهم شأنا، ولا ينقص فكرا وعلما وأصالة1. المسائل التي تفرد بها ابن السراج: إن كتاب الأصول قيض له أن يقع في أيدي الباحثين من علماء العربية، فوقفوا منه على هذه الثروة الطائلة من الأحكام والقوانين، فأطلقوا عليه مخترع علم الأصول مستندين في ذلك إلى ما جاء بالكتاب نفسه من القوانين العامة، كما أنهم استندوا إلى مقال المترجمين حين قالوا فيه ما قالوا، فهو يلفت الأنظار بموضوعه من ناحية وبعنوانه من ناحية أخرى، لهذا، فإن لابن السراج آراء كثيرة في كتب النحاة الذين جاءوا بعده، وسوف أعرض لجانب من هذه الآراء: 1- لمّا ظرف: ذهب جمهور النحاة إلى أن "لمّا" في مثل: لما جاءني أكرمته "حرف وجود لوجود، أما ابن السراج فيذهب إلى أنها ظرف بمعنى "حين" تنفي عن الثاني ما وجب للأول فعلى هذا لا تقع بعد كلام فيه نفي2. وهو يخالف النحاة من أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا أو حالا أو صفة لا يتعلقان بمحذوف تقديره: استقر أو مستقر إذ كان يرى أنها قسم مستقل بنفسه يقابل الجملتين الاسمية والفعلية3.

_ 1 انظر الأصول 2/ 580، 510، 114، 402، وجـ1/ 313، 116 ... 2 المغني: 1/ 310. المصباح المنير 2/ 933. 3 شرح ابن عقيل 1/ 211. وهمع الهوامع 1/ 99. وارتشاف الضرب/ 156.

2- اسم الفاعل مفرد: قال ابن السراج: كل ما كان يجمع بغير الواو والنون نحو: حسن وحسان، فإن الأجود فيه أن تقول: مررت برجل حسان قومه، من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجميع، ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد، وما كان يجمع بالواو والنون نحو: منطلقين. فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم، فتقول: مررت برجل منطلق قومه1. 3- مع اسم: ذهب ابن السراج إلى أن "مع" اسم يدل على ذلك حركة آخرها مع تحرك ما قبلها، قال الزجاج2: في قوله تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} نصب "معكم" كنصب الظرف، والواقع أنها ظرف لأننا نقول: إنا معكم كما نقول: أنا خلفكم: أنا مستقر معكم وأنا مستقر خلفكم. 4- اسم الإشارة أعرف المعارف: ذهب النحويون المتقدمون والمتأخرون إلى أن الاسم العلم أعرف المعارف ثم المضمر ... واحتجوا بأن العلم لا اشتراك فيه في أصل الوضع، وإنما تقع الشركة عارضة فلا أثر لها. أما ابن السراج، فيذهب إلى أن اسم الإشارة أعرف المعارف، ثم يليه المضمر والعلم واحتج بأن اسم الإشارة يتعرف بشيئين: بالعين والقلب وغيره يتعرف بالقلب لا غير3.. لأن الإشارة ملازمة للتعريف بخلاف العلم وتعريفها حسي وعقلي وتعريفه حسي فقط وأنها تقدم عليه عند الاجتماع نحو: هذا زيد.

_ 1 الأشباه والنظائر 1/ 90-91. 2 اللسان: مادة "معع". 3 شرح المفصل 5/ 87. شرح التصريح 1/ 95، والتذليل والتكميل 1/ 235.

والذي وجدته في كتاب الأصول أن أعرف المعارف هو الضمير1، وهو مذهب سيبويه وهذا خلاف ما روي عنه. 5- ليس حرف لا فعل: ذهب ابن السراج إلى أن "ليس" حرف؛ لأنها لا تتصرف، أي: لا يأتي منها المضارع والأمر، ومثلها: "عسى" بينما كان جمهور البصريين يذهب إلى أن "ليس" فعل ناقص لاتصالها بالضمائر مثل: لست، ولستما وليسوا، ولسن، وإلى أن "عسى" فعل لاتصالها بالضمائر مثل: عساك، وعساه2 ... 6- صرف ما لا ينصرف: كان ابن السراج يقول: لو صحت الرواية في صرف ما لا ينصرف ما كان بأبعد من قوله: فبيناه يشري رحله قال قائل ... لمن جمل رخو الملاط نجيب فإنما هو يشري رحله، فحذف الواو من "هو" وهي متحركة من نفس الكلمة وليست بزائدة، فإذا جاز أن تحذف ما هو من نفس الحرف جاز أن تحذف التنوين الذي هو زائد للضرورة3 ... 7- إما ليست حرف عطف: قال ابن السراج: ليست "إما" بحرف عطف؛ لأن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض، فإن وجدت شيئا من ذلك في كلامهم، فقد خرج أحدهما من أن يكون حرف عطف نحو قولك: ما قام زيد ولا عمرو "فلا" في هذه المسألة ليست عاطفة، إنما هي نافية ونحن نجد "إما" هذه لا يفارقها حرف العطف فقد خالفت ما عليه حروف العطف، ثم إنها يبتدأ بها نحو قوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} وذلك أن موضع

_ 1 انظر الأصول 2/ 264. 2 انظر المغني 1/ 162. 3 انظر شرح السيرافي 1/ 134، والإنصاف 2/ 267، وشرح المفصل 1/ 68.

"أن" في كلا الموضعين رفع بالابتداء والتقدير: إما العذاب شأنك. وإما اتخاذ الحسن1 ... زمن تأليف كتاب الأصول: ليس بين أيدينا ما يدلنا على زمن تأليف هذا الكتاب أو السنة التي كتب فيها من قبل ابن السراج، فلم نظفر بما يشير إلى زمن تأليف الأصول والذي يبدو أن كتاب ابن السراج هذا من الكتب المتأخرة في وضعها، فقد وردت إشارة في كتاب الأصول نفسه أنه آخر كتب ابن السراج، قال: ونحن نفرد كتابا بالتفريع للأصول ومزج بعضها ببعض نسميه كتاب الفروع ليكون فروع هذه الأصول إن أخر الله في الأجل وأعان2 ... والظاهر أنه توفي قبل أن يؤلف كتاب الفروع، ثم إن الذين ترجموا له لم يذكروا له مثل هذا الكتاب -أعني كتاب الفروع- كذلك قال ابن الأنباري: ولأبي بكر مصنفات حسنة أحسنها وأكبرها كتاب الأصول، فإنه جمع فيه أصول العربية.. ومن الطبيعي أن العالم كلما تقدمت به السن زادت تجاربه ونضجت أحكامه واقترب من الكمال في أعماله العلمية والأدبية. تسمية الكتاب: نص ابن السراج في الورقة الثانية من كتابه هذا على اسمه عندما بين الغرض من التأليف، قال: وغرضي في هذا الكتاب العلة التي إذا اطردت وصل بها إلى كلامهم فقط، وذكر الأصول والشائع؛ لأنه كتاب إيجاز3 ... وقال في مكان آخر: قد فرغنا من ذكر المرفوعات والمنصوبات، وذكرنا

_ 1 انظر شرح المفصل 8/ 130، والأشباه والنظائر 1/ 322. 2 انظر كتاب الأصول 1/ 343. 3 الأصول 1/ 2.

في كل باب من المسائل مقدارا كافيا فيه دربة للمتعلم ودرس للعالم بحسب ما يصلح في هذا الكتاب لأنه كتاب أصول1 ... وقال: قد انتهينا إلى الموضوع الذي يتساوى فيه كتاب الأصول وكتاب الجمل بعد ذكر الذي والألف واللام2 ... وذكر في آخر الكتاب: هذا آخر الأصول بحمد الله ومنه3. غير أن النحاة وأصحاب التراجم وغيرهم آثروا زيادة هذه التسمية وأطلقوا على الكتاب اسم الأصول الكبير أو أصول النحو، وظل معروفا باسم الأصول الكبير عند كثير ممن ترجموا لابن السراج كياقوت الحموي وابن خلكان، والزبيدي، والسيوطي، وغيرهم، حتى يومنا هذا، أما لماذا سمي بالأصول الكبير؛ فلأن له كتابا آخر اسمه جمل الأصول4. أو الأصول الصغير5، فهذه تسمية -كما تبدو- للفرق بين الكتابين، والإشارة إلى أن كتاب الأصول الكبير أحسن مصنفات ابن السراج وأكبرها6. منهج التحقيق: لما كان الغرض من تحقيق النصوص إنما هو إظهارها سليمة صحيحة كما أراد لها المؤلف لم أبخل بجهد في هذا السبيل واضعا نصب عيني ما تتطلبه إعادة النص إلى وضعه الأول، من دقة وأمانة، وحيطة وحذر، وقد تكون الإعادة إلى الأصل أصعب من ولادة أصل جديد، مصداق ذلك قول الجاحظ: "لربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة فيكون

_ 1 الأصول 1/ 343. 2 الأصول 2/ 234. 3 الأصول 2/ 582. 4 وفيات الأعيان 3/ 462، وبغية الوعاة/ 44. 5 معجم الأدباء 18/ 199. 6 نزهة الألباء/ 312.

إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعنى أيسر عليه من إتمام ذلك النص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام"1. والذي أعانني على تحقيق الكتاب أن كثيرا من نصوصه منقولة من كتاب سيبويه فإذا ما استعصى لفظ في النسخة المخطوطة التي بين يدي رجعت إلى الباب الذي يشبهه في كتاب سيبويه نحوا كان أو صرفا وإلى تصريف المازني فيما يتعلق بالصرف فقط، ومع ذلك فمواضع الإبهام والغموض كثيرة فيه. وقد تتبعت في تحقيقه نصوص ابن السراج في "الأصول" فأكملت الناقص، وأقمت المعوج، وهذبت المختل في دقة وأمانة دون المساس بالمعنى أو بمواد المؤلف، وقد حافظت على النص وعدم التدخل فيه إلا بالقدر الذي لا يمس جوهره كإعادة كتابة كلمة وفق القواعد الإملائية الصحيحة. وكل ما امتدت إليه يدي بالتقويم والتهذيب أو الإضافة أو الحذف أشرت إليه في الحاشية حرصا على أمانة النص العلمية وفق القواعد التالية: 1- تتبعت مسائل ابن السراج جميعها في كتابه، وأرجعت الأصول التي نقلها إلى أصحابها ما أمكن ذلك؛ لأن بعض الكتب التي نقل عنها لا توجد لدينا أو أنها مفقودة. 2- وجدت في النص جملا غير مستقيمة فحاولت تقويمها بما يلائم السياق من زيادة كلمة أو حرف بأن وضعت الزائد بين هذين [] المعكوفين وأشرت إلى ذلك في الحاشية، يتجلى ذلك في نسخة تركيا، إذ إنها مليئة بالأخطاء إلى درجة أن المعنى يضيع في مواطن كثيرة، لولا أن كتاب الأصول كان صورة من كتاب سيبويه، والذي يسر هذا التدخل في النص أن ناسخه غير مؤلفه، ولو كان الناسخ هو المؤلف نفسه لما تجرأ شخص في عصرنا هذا

_ 1 كتاب الحيوان 1/ 79.

على شيء مما فعلت؛ لأن المخطوط يكون آنذاك صورة لثقافة مؤلفه. 3- ترجمت للأعلام الذين وردت أسماؤهم في المخطوط وضبطتها ما أمكنني ذلك ولما كانت هذه الأسماء منها ما يتكرر عشرات المرات وكانت صفحات المخطوط تبلغ ألف صفحة أو تزيد فقد اقتصرت على ترجمة الاسم حين وروده لأول مرة ولم أذكره في سائر المرات التالية لذلك. 4- خرجت الشواهد من آيات وأحاديث وأشعار وأمثال متبعا ما يلي: أ- الآيات القرآنية: فقد رددتها إلى مواضعها في المصحف الشريف وذكرت في الهامش رقمها واسم السورة التي وردت فيها، كما أكملت الناقص من الآيات في الهامش مشيرا إلى القراءات إذا كان هناك قراءة في آية من الآيات. ب- الأحاديث النبوية: وهي قليلة في الكتاب، فقد تتبعت ما جاء منها في كتب الحديث والمعاجم واللغة والنحو وبينت ما كان منها حديثا وما كان من كلام العرب المأثور عنهم. جـ- الأمثال: وكانت هي الأخرى قليلة، لجأت في ذلك إلى كتب الأمثال للتحقق منها، وكذلك كتب اللغة والنحو وخرجتها وشرحتها بما يتفق والموضوع الذي وردت فيه. د- شواهد الشعر: كنت أرجع فيها إلى دواوين الشعراء وكتب اللغة والنحو والمعاجم، أكمل الناقص منها في الهامش، وأشرح الغامض من مفرداتها اللغوية الصعبة -وما أكثرها- شرحا موجزًا يخدم الموضوع الذي سيق له شاهدا عليه، ونسبت الشواهد غير المنسوبة إلى قائليها كلما استطعت ذلك ووجدت سبيلا إليه، وكذلك كنت أذكر بإيجاز بعض الفوائد النحوية التي تتصل

بموضوعات المسائل، وذلك كخلاف بين بعض النحويين مما يرجح رأي ابن السراج أو يضعفه، وكل ذلك في الهامش بغية تعميم الفائدة وإفادة القارئ. 5- شرحت المفردات الغريبة التي وردت في المخطوط شرحا لغويا موجزا، وقد اعتمدت في ذلك على بعض المعاجم العربية: كالتهذيب والصحاح واللسان والقاموس والمحكم لابن سيده والجمهرة لابن دريد. 6- جاء النص مشكولا في الجزء الأول والجزء الثاني نسخة المتحف البريطاني، فحافظت على الشكل؛ لأن القسم الأكبر من الكتاب صرف، فهو عرضة للبس والإبهام، وقد حاولت تصحيح ما وجدته خطأ من ذلك. نسخ الكتاب: أولا: نسخة المغرب الموجودة في الخزانة العامة في الرباط رقمها "326" وهي نسخة قديمة جميلة الخط مشكولة يرجع تأريخها إلى القرن السادس الهجري، وتتألف من خمسمائة وأربع وعشرين صفحة. ومتوسط عدد السطور في كل صفحة ستة عشر سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر كلمات. والنسخة من القطع المتوسط فيها رسم تخطيطي كتب داخله الخزانة العامة، الرباط قسم التصويب، وفي آخرها ختمان أحدهما مكتوب فيه: مكتبة الزاوية الناصرية رقم "644"، والآخر مكتوب فيه: مخطوطات الأوقاف رقمه "355" وتحتوي على خمسة وتسعين بابا والعناوين مكتوبة بخط كبير. ويوجد على هامش النسخة تصحيحات كان يكتب آخرها "صحح". ويوجد في هذه النسخة سقط في باب "حروف الجر" مقداره صفحتان

وتنتهي النسخة في باب الكاف من حروف الجر وأنها اسم، كذلك فإنها تحتوي على مسائل نحوية خالصة. ثانيا: نسخة جامعة القرويين في مدينة فاس بالمغرب أيضا. نسخة قديمة جميلة الخط يرجع تأريخها إلى القرن السادس الهجري، وتتألف من مائة صفحة، قطعة من كتاب الأصول "الجزء الأول". متوسط عدد السطور "32" سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر كلمات، رقمها "1774" تبدأ بتعريف النحو وتنتهي بباب الصفة المشبهة باسم الفاعل. كتبها عبد الله أحمد المنصوري بالله، فيها ثقوب كبيرة وأثر لتآكل في حواشيها. ثالثا: نسخة المتحف البريطاني: تتألف من "258" صفحة وتوجد في المتحف البريطاني ومعهد المخطوطات بالجامعة العربية ومجمع اللغة العربية والمجمع العلمي العراقي وهي كلها نسخة واحدة وهي نسخة المتحف البريطاني. كتب عليها قبل البسملة: "أصول النحو لابن السراج" والعنوان حديث بالنسبة لتاريخ المخطوطة؛ لأن هذه النسخة قطعة من الكتاب. وعدد أسطر كل صفحة في المتوسط يصل إلى ثلاثة وعشرين سطرا في كل سطر خمس عشرة كلمة. وهي نسخة قديمة الخط مشكولة يرجع تأريخها إلى القرن السابع الهجري خطها حسن جميل، وتحتوي على بعض المسائل النحوية، والقسم الأكبر منها مسائل صرفية بحتة، وفيها سقط يبدأ بباب النسب. وقد كتب في آخرها "كتبت سنة "650هـ" وقوبلت بنسخة مقروءة على الشيخ أبي الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي رحمه الله، وقد كتبه محمود بن أبي المفاخر محمود غفر الله ذنوبه وستر عيوبه".

رابعا: نسخة سليم آغا في مدينة اسطنبول بتركيا: وهي نسخة حديثة جميلة الخط يرجع تأريخها إلى القرن الثاني عشر، وعدد صفحاتها "377" صفحة. متوسط عدد السطور "46" سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر كلمات، وهي من القطع الكبير، يوجد في هامش النسخة تصحيحات. وتبدأ بباب: إضافة أفعل ما هو بعض له، وتنتهي بباب: ضرورة الشاعر. ومكتوب في آخرها: ما وجد مكتوبا في الأصل المنقول من هذه النسخة بذا آخر الأصول، فرغ يوم الاثنين سادس شوال سنة ثمانين وستمائة، كاتبه عبد الله بن منصور. الدكتور. عبد الحسين الفتلي. كلية التربية/ جامعة بغداد.

أقسام الكلم العربي

أقسام الكلم العربي مدخل ... بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو بكر محمد بن السراج النحوي: النحو إنما أريد به أن ينحو المتكلم إذا تعلمه كلام العرب، وهو علم استخرجه المتقدمون فيه من استقراء كلام العرب، حتى وقفوا منه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة, فباستقراء كلام العرب1 فاعلم: أن الفاعل رفع, والمفعول به نصب, وأن فعل مما عينه: ياء أو واو تقلب عينُه من قولهم: قام وباع2. واعتلالات النحويين على ضربين: ضرب منها هو المؤدي إلى3 كلام العرب كقولنا: كل فاعل مرفوع4 وضرب آخر يسمى علة العلة, مثل أن يقولوا: لِمَ صار الفاعل مرفوعًا والمفعول به منصوبًا, ولم إذا تحركت الياء والواو وكان ما قبلهما مفتوحًا قلبتا ألفًا, وهذا ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب, وإنما تستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها, وتبين بها فضل هذه اللغة/2 على غيرها من اللغات وقد وفر الله تعالى من الحكمة بحفظها وجعل فضلها غير مدفوع.

_ 1 في الأصل "كلامهم" والذي أثبت من "ب". 2 في الأصل "قومه وبيعه" والذي أثبت من "ب". 3 في الأصل "من" والتصحيح من "ب". 4 في الأصل "كما مثلنا" والزيادة من "ب".

وغرضي في هذا الكتاب1 [ذكر2] العلة التي إذا اطردت وصل بها إلى كلامهم فقط, وذكر الأصول والشائع؛ لأنه كتاب إيجاز. الكلام: يأتلف من ثلاثة أشياء3: "اسم" "وفعل" "وحرف ".

_ 1 كتاب ساقط من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 في الكتاب 1/ 2 "فالكلم: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى". وفي المقتضب 1/ 3 "فالكلام كله: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى" لا يخلو الكلام -عربيا كان، أو عجميا- من هذه الثلاثة.

شرح الاسم

شرح الاسم: الاسم: ما دل على معنى مفرد, وذلك المعنى يكون شخصًا وغير شخص فالشخص نحو: رجل وفرس وحجر وبلد وعمر وبكر. وأما ما كان غير شخص فنحو: الضرب والأكل والظن والعلم واليوم والليلة والساعة. وإنما قلت: "ما دل"1 على معنى مفرد لا فرق2 بينه وبين الفعل, إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان, وذلك الزمان إما ماض, وإما حاضر, وإما مستقبل. فإن قلت: إن في الأسماء3 مثل اليوم والليلة والساعة, وهذه أزمنة, فما الفرق بينها وبين الفعل؟ قلنا: الفرق أن الفعل ليس هو زمانًا4 فقط كما أن اليوم زمان فقط, فاليوم معنى مفرد للزمان ولم يوضع مع ذلك لمعنى

_ 1 زيادة من "ب". 2 في الأصل: لأن الفرق والتصحيح من "ب". 3 في الأصل "الاسم" والتصحيح من "ب". 4 في الأصل "زمان".

آخر, ومع ذلك أن الفعل قد قسم بأقسام الزمان الثلاثة: الماضي, والحاضر, والمستقبل, فإذا كانت اللفظة تدل على زمان فقط فهي اسم, وإذا دلت على معنى وزمان محصل1 فهي فعل, وأعني بالمحصل الماضي والحاضر والمستقبل. ولما كنت لم أعمل هذا الكتاب للعالم دون المتعلم, احتجت إلى أن أذكر ما يقرب على المتعلم. فالاسم تخصه أشياء يعتبر بها, منها أن يقال: أن الاسم ما جاز أن يخبر عنه, نحو قولك: عمرو منطلق, وقام بكر. والفعل: ما كان خبرًا ولا يجوز أن يُخبر عنه, نحو قولك: أخوك يقوم. وقام أخوك, فيكون حديثًا عن الأخ, ولا يجوز أن تقول: ذهب يقوم, ولا يقوم يجلس. الحروف: ما لا يجوز أن يخبر عنها ولا يجوز أن تكون خبرًا نحو: من, وإلى. والاسم قد يعرف أيضًا بأشياء كثيرة, منها دخول الألف واللام اللتين للتعريف عليه نحو: الرجل, والحمار, والضرب, والحمد, فهذا لا يكون في/ 4 الفعل, ولا تقول: اليقوم, ولا اليذهب. ويعرف أيضًا بدخول حرف الخفض عليه نحو مررت بزيد وبأخيك وبالرجل ولا يجوز أن تقول: مررت بيقوم ولا ذهبت إلى قام. ويعرف أيضًا بامتناع قد وسوف من الدخول عليه, ألا ترى أنك لا تقول: قد الرجل ولا سوف الغلام, إلا أن هذا ليس خاصًّا بالاسم فقط,

_ 1 وصف الزمان بمحصل لتدخل في الحد أسماء الفاعلين، وأسماء المفعولين والمصادر من حيث كانت هذه الأشياء دالة على الزمان لاشتقاق بعضها من الفعل، وهو اسم الفاعل واسم المفعول. واشتقاق الفعل من بعضها وهو المصدر.

ولكن قد يمتنع سوف وقد من الدخول على الحروف، ومن الدخول على فعل الأمر والنهي1 إذا كان بغير لام نحو: اضرب واقتل، لا يجوز أن تقول: قد اضرب الرجل ولا سوف اقتل الأسد. والاسم أيضا ينعت والفعل لا ينعت. وكذلك الحرف لا ينعت تقول: مررت برجل عاقل، ولا تقول: يضرب عاقل، فيكون "العاقل" صفة ليضرب. والاسم يضمر ويُكنى عنه تقول: زيد ضربته والرجل لقيته, والفعل لا يكنى عنه فتضمره, لا تقول: "يقوم ضربته" ولا "أقوم تركته" إلا أن هذه الأشياء ليس يعرف بها كل اسم, وإنما يعرف بها الأكثر, ألا ترى أن المضمرات والمكنيات أسماء ومن الأسماء ما لا يكنى عنه, وهذا يبين في موضعه إن شاء الله. ومما يقرب على المتعلم أن يقال/ 5 له: كل ما صلح أن يكون معه "يضر وينفع" فهو اسم, وكل ما لا يصلح معه "يضر وينفع" فليس باسم, تقول: "الرجل ينفعني والضرب يضرني" ولا تقول "يضرب ينفعني" ولا "يقوم يضرني".

_ 1 زيادة من "ب".

شرح الفعل

شرح الفعل: الفعل: ما دل على معنى وزمان, وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل. وقلنا: "وزمان" لنفرق بينه وبين الاسم الذي يدل على معنى فقط. فالماضي كقولك: "صلى زيد" يدل على أن الصلاة كانت فيما مضى من الزمان, والحاضر نحو قولك: "يصلي" يدل على الصلاة وعلى1 الوقت

_ 1 "على" ساقطة من "ب".

الحاضر. والمستقبل نحو "سيصلي" يدل على الصلاة وعلى أن ذلك يكون فيما يستقبل1. والاسم إنما هو لمعنى مجرد من هذه الأوقات أو لوقت مجرد من هذه الأحداث والأفعال2 وأعني بالأحداث التي يسميها النحويون المصادر, نحو: الأكل والضرب والظن والعلم والشكر. والأفعال التي يسميها النحويون "المضارعة": هي التي في أوائلها الزوائد الأربع: الألف والتاء والياء والنون, تصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل نحو أكل وتأكل, ويأكل ونأكل, فجميع/ 6 هذا يصلح لما أنت فيه من الزمان, ولما يستقبل, ولا دليل في لفظه على أي الزمانين تريد كما أنه لا دليل3 في قولك: رجل فعل كذا وكذا, أي الرجال تريد حتى تبينه بشيء آخر, فإذا قلت: سيفعل أو سوف يفعل دل على أنك تريد المستقبل وترك الحاضر على لفظه؛ لأنه أولى به, إذ كانت الحقيقة إنما هي للحاضر الموجود لا لما يتوقع أو قد مضى, ولهذا ما ضارع عندهم الأسماء4, ومعنى ضارع: شابه, ولما وجدوا هذا الفعل الذي في أوائله الزوائد الأربع5 يعم شيئين: المستقبل والحاضر كما يعم قولك: "رجل" زيدًا وعمرًا, فإذا قلت: سيفعل أو سوف يفعل خص المستقبل دون الحاضر, فأشبه الرجل إذا أدخلت الألف واللام عليه6 فخصصت به واحدًا ممن له هذا الاسم, فحينئذ يعلم

_ 1 في "ب" دل على الصلاة والوقت المستقبل. 2 زيادة من "ب". 3 في "ب" على. 4 في "ب" ضارع الأسماء عندهم. 5 في المقتضب 2/ 1 وإنما ضارع الأسماء من الأفعال، ما دخلت عليه زائدة من الزوائد الأربع التي توجب الفعل غير ماضٍ، ولكنه يصلح لوقتين: لما أتت فيه، وإنما لم يقع. 6 في "ب" إذا دخلت عليه الألف واللام.

المخاطب من تريد لأنك لا تقول: "الرجل" إلا وقد علم من تريد منهم1, أو كما أن الأسماء قد خصت بالخفض2 فلا يكون في غيرها, كذلك خصت الأفعال بالجزم فلا يكون في غيرها. وجميع الأفعال مشتقة/ 7 من الأسماء التي تسمى مصادر كالضرب والقتل والحمد, ألا ترى أن حمدت3 مأخوذ من الحمد, و"ضربت"4 مأخوذ من الضرب, وإنما لقب النحويون هذه الأحداث مصادر؛ لأن الأفعال كأنها صدرت عنها. وجميع ما ذكرت لك أنه يخص الاسم فهو يمتنع من الدخول على الفعل والحرف. وما تنفرد به الأفعال دون الأسماء, والأسماء دون الأفعال كثير يبين في سائر العربية إن شاء الله.

_ 1 في "ب" منهما وهو الصواب. 2 انظر الكتاب 1/ 3. 3 في "ب" أحمد. 4 في "ب" ضرب.

شرح الحرف

شرح الحرف: الحرف: ما لا يجوز أن يخبر عنه كما يخبر عن الاسم, ألا ترى أنك لا تقول: إلى منطلق كما تقول: "الرجل منطلق" ولا عن ذاهب, كما تقول: "زيد ذاهب" ولا يجوز أن يكون خبرًا, لا تقول: "عمرو إلى" و"لا بكر عن" فقد بان أن الحرف من الكلم1 الثلاثة2 هو الذي لا يجوز أن تخبر عنه ولا يكون خبرًا. والحرف لا يأتلف منه مع الحرف كلام, لو قلت

_ 1 أي من أقسام الكلمة الثلاثة. 2 في الأصل "الثلاثة" وهي تمييز المذكر.

"أمن" تريد ألف الاستفهام "ومن" التي يجر بها لم يكن كلامًا, وكذلك لو قلت: ثم, قد تريد "ثم" التي للعطف وقد التي تدخل على الفعل لم يكن كلامًا, ولا يأتلف من الحرف مع الفعل كلام لو قلت: أيقوم, ولم تجد ذكر/ 8 أحد ولم يعلم المخاطب أنك تشير إلى إنسان, لم يكن كلامًا, ولا يأتلف أيضًا منه مع الاسم كلام, لو قلت: "أزيد" كان كلامًا غير تام, فأما "يا زيد" وجميع حروف النداء فتبين استغناء المنادي بحرف النداء, وما يقوله النحويون: من أن ثم فعلًا يراد, تراه في باب النداء إن شاء الله. والذي يأتلف منه الكلام الثلاثة الاسم والفعل والحرف, فالاسم قد يأتلف مع الاسم نحو قولك: "الله إلهنا" ويأتلف الاسم والفعل نحو: قام عمرو, ولا يأتلف الفعل مع الفعل, والحرف لا يأتلف مع الحرف, فقد بان فروق ما بينهما.

باب مواقع الحروف

باب مواقع الحروف مدخل ... باب مواقع الحروف: واعلم: أن الحرف لا يخلو من ثمانية مواضع, إما أن يدخل على الاسم وحده مثل الرجل1 أو الفعل وحده مثل سوف2 أو ليربط اسمًا باسم: جاءني زيد3 وعمرو, أو فعلًا بفعل أو فعلا باسم أو على كلام تام, أو ليربط جملة بجملة أو يكون زائدًا. أما دخوله على الاسم وحده, فنحو لام التعريف إذا قلت: الرجل. والغلام, فاللام أحدث معنى التعريف, وقد كان رجل وغلام نكرتين. أما دخوله على الفعل فنحو/ 9 سوف والسين إذا قلت: سيفعل أو سوف يفعل فالسين وسوف بهما صار الفعل لما يستقبل دون الحاضر وقد بينا هذا. وأما ربطه الاسم بالاسم فنحو قولك: جاء زيد وعمرو, فالواو ربطت عمرًا بزيد. وأما ربطه الفعل بالفعل نحو قولك: قام وقعد, وأكل وشرب. وأما ربطه الاسم بالفعل فنحو: مررت بزيد, ومضيت إلى عمرو.

_ 1 زيادة من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 زيادة من "ب".

وأما دخولُه على الكلام التام والجمل فنحو قولك: أعمرو أخوك, وما قام زيد, ألا ترى أن الألف دخلت على قولك "عمرو أخوك" وكان خبرًا فصيرته استخبارًا, وما دخلت على: قام زيد وهو كلام تام موجب, فصار بدخولها نفيًا. وأما ربطه جملة بجملة فنحو قولك: إن يقم زيد يقعد عمرو وكان أصل الكلام, يقوم زيد يقعد عمرو, فيقوم زيد, ليس متصلا بيقعد عمرو, ولا منه في شيء, فلما دخلت "إن" جعلت إحدى الجملتين شرطًا والأخرى جوابًا. وأما دخوله زائدًا فنحو قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّه} 1, والزيادة تكون لضروب سنبينها في موضعها إن شاء الله.

_ 1 آل عمران: 159.

ذكر ما يدخله التغيير من هذه الثلاثة وما لا يتغير منها

"ذكر ما يدخله/ 10 التغيير من هذه الثلاثة, وما لا يتغير منها": اعلم: أنه إنما وقع التغيير من هذه الثلاثة في الاسم والفعل دون الحرف؛ لأن الحروف أدوات تغير ولا تتغير, فالتغيير الواقع فيهما على ضربين: أحدهما تغيير الاسم والفعل في ذاتهما وبنائهما1, فيلحقهما2 من التصاريف ما يُزيل الاسم والفعل ونضد حروف الهجاء التي فيهما عن حاله. وأما ما يلحق الاسم من ذلك, فنحو التصغير وجمع التكسير3, تقول في تصغير حجر: حجير, فتضم الحاء وكانت مفتوحة وتحدث ياء ثالثة فقد غيرته4 وأزالته من وزن فعل إلى وزن "فعيل"وتجمعه فتقول: أحجار فتزيد

_ 1 في "ب" ومعناهما. 2 زيادة الفاء أولا من "ب". 3 في الأصل "التكثير" وهو تصحيف. 4 في "ب" فتغير الوزن والحركات أيضا.

في أوله همزة ولم تكن في الواحد وتسكن الحاء وكانت متحركة وتزيد ألفًا ثالثة فتنقله من وزن فعل إلى وزن أفعال, وأما ما يلحق الفعل, فنحو: قام, ويقوم, وتقوم واستقام, وجميع أنواع التصريف لاختلاف المعاني. والضرب الثاني من التغيير: هو الذي/ 11 يسمى الإعراب وهو ما1 يلحق الاسم والفعل بعد تسليم بنائهما ونضد حروفهما نحو قولك: هذا حكم وأحمر, ورأيت حكما وأحمر, ومررت بحكم وأحمر, وهذان حكمان ورأيت حكمين, وهؤلاء حكمون, ورأيت حكمين, ومررت بحكمين, وهو يضرب, ولن يضرب, ولم يضرب, وهما يضربان ولن يضربا ولم يضربا, وهم يضربون ولن يضربوا, ولم يضربوا, ألا ترى أن "حكمًا ويضرب" لم يَزُلْ مِن حركاتهما وحروفهما شيء, فسموا هذا الصنف الثاني من التغيير الذي يقع لفروق ومعانٍ تحدث "إعرابًا" وبدءوا بذكره في كتبهم؛ لأن حاجة الناس إليه أكثر, وسموا ما عدا هذا مما لا يتعاقب آخره بهذه الحركات والحروف "مبنيًّا".

_ 1 زيادة من "ب".

باب الإعراب والمعرب والبناء والمبني

باب الإِعراب والمعرب والبناء والمبني: الإِعراب الذي يلحق الاسم المفرد السالم المتمكن, وأعني بالتمكن ما لم يشبه الحرف قبل التثنية والجمع الذي على حد التثنية, ويكون بحركات ثلاث: ضم وفتح وكسر, فإِذا كانت الضمة إعرابًا تدخل في/ 12 أواخر الأسماء والأفعال وتزول عنها, سميت رفعًا, فإذا كانت الفتحة كذلك سميت نصبًا, وإذا كانت الكسرة كذلك سميت خفضًا وجرًّا, هذا إذا كنَّ بهذه الصفة نحو قولك: هذا زيد يا رجل, ورأيت زيدًا يا هذا, ومررت بزيد فاعلم, ألا ترى تغيير الدال واختلاف الحركات التي تلحقها. فإن كانت الحركات ملازمة سمي الاسم مبنيًّا1, فإن كان مفهومًا نحو: "منذُ" قيلَ: مضموم2 ولم يُقل: مرفوع ليفرق بينه وبين المعرب وإن كان مفتوحًا نحو: "أين" قيل: مفتوح3 ولم يقل: منصوب, وإن كان مكسورًا نحو: "أمس" و"حذام" قيل: مكسور ولم يقل: مجرور4.

_ 1 قال المبرد: فإن كان مبنيا لا يزول من حركة إلى أخرى نحو "حيث" و"بعد". المقتضب 1/ 4. 2 لأن الضم علامة البناء والرفع علامة الإعراب. 3 في المقتضب 1/ 4 "وأين" يقال له: مفتوح ولا يقال له منصوب لأنه لا يزول عن الفتح. 4 ابن السراج يفرق بين حركات الإعراب وحركات البناء وهو مذهب البصريين، انظر شرح الكافية 2/ 3.

وإذا كان الاسم متصرفًا سالمًا غير معتل لحقه مع هذه الحركات التي ذكرنا التنوين نحو قولك: هذا مسلم ورأيت مسلمًا, ومررت بمسلم وإنما قلت "سالم" لأن في الأسماء معتلًا لا تدخله الحركة نحو: قفا ورحى, تقول في الرفع: هذا قفا, وفي النصب: رأيت قفًا يا هذا, ونظرت إلى قفًا, وإنما يدخله التنوين إذا كان منصرفًا. وقلت: منصرف لأن ما لا ينصرف من الأسماء لا يدخله التنوين ولا الخفض ويكون خفضه كنصبه, نحو: هذا أحمر, ورأيت/ 13 أحمر, ومررت بأحمر, والتنوين نون صحيحة ساكنة, وإنما خصها النحويون1 بهذا اللقب وسموها تنوينًا ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع. فإذا ثنيت الاسم المرفوع لحقه ألف ونون2 فقلت: المسلمان والصالحان, وتلحقه في النصب والخفض ياء ونون وما قبل الياء مفتوح ليستوي النصب والجر, ونون الاثنين مكسورة3 أبدًا, تقول: رأيت المسلمين والصالحين, ومررت بالمسلمين والصالحين, فيستوي المذكر والمؤنث في التثنية, ويختلف في الجمع المسلم الذي على حد التثنية. وإنما قلت في الجمع المسلم الذي على حد التثنية؛ لأن الجمع جمعان، جمع يقال له: جمع السلامة وجمع يقال له: جمع التكسير, فجمع السلامة هو الذي يسلم فيه بناء الواحد وتزيد عليه واوًا ونونًا أوياء ونونًا4 نحو مسلمين، ومسلمون، ألا ترى أنك سلمت فيه بناء مسلم، فلم تغير شيئًا من نضده وألحقته واوًا ونونا أو ياء ونونًا كما فعلت في التثنية.

_ 1 في "ب" وخصت. 2 في سيبويه 1/ 4 واعلم: أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد واللين وهو حرف الإعراب.. وتكون الزيادة الثانية نونا كأنهما عوض لما منع من الحركة والتنوين وهي النون وحركتها الكسر. 3 في الكتاب 1/ 5 ونونها مفتوحة -يشير إلى نون جمع المذكر السالم- فرقوا بينها وبين نون الاثنين، كما إن حرف اللين الذي هو حرف الإعراب مختلف فيهما. 4 في المقتضب 1/ 5 فإن جمعت الاسم على حد التثنية ألحقته واوًا ونونًا.

وجمع التكسير: هو الذي يغير فيه بناء الواحد, مثل جمل وأجمال, ودرهم ودراهم. فإذا جمعت الاسم المذكر على التثنية لحقته واو ونون في الرفع/ 14 نحو قولك: هؤلاء المسلمون وتلحقه الياء والنون في النصب والخفض, نحو: رأيت المسلمين ومررت بالمسلمين, ونون هذا الجمع مفتوحة أبدًا, والواو مضموم ما قبلها, والياء مكسورة ما قبلها. وهذا الجمع مخصوص به من يعقل, ولا يجوز أن تقول في جمل جملون, ولا في جبل جبلون, ومتى جاء ذلك فيما لا يعقل, فهو شاذ فلشذوذه عن القياس علة سنذكرها في موضعها, ولكن التثنية يستوي فيها ما يعقل وما لا يعقل. والمذكر والمؤنث1 في التثنية سواء وفي الجمع مختلف, فإذا جمعت المؤنث على حد التثنية زدت ألفًا وتاءً وحذفت الهاء إن كانت في الاسم وضممت التاء في الرفع وألحقت الضمة نونًا ساكنة, فقلت في جمع مسلمة "هؤلاء مسلمات"2. والضمة في جمع المؤنث نظيرة الواو في جمع المذكر, والتنوين نظير النون, وتكسر التاء وتنون في الخفض والنصب جميعًا, تقول: رأيت مسلمات ومررت بمسلمات والكسرة نظيرة الياء في المذكرين والتنوين نظير النون3. وأما الإِعراب الذي يكون في فعل الواحد من الأفعال المضارعة فالضمة فيه تسمى رفعًا/ 15 والفتحة نصبًا والإِسكان جزمًا, وقد كنت بينت لك أن

_ 1 انظر الأشباه والنظائر 2/ 230، نقل ما ذكره ابن السراج حرفيا. 2 علل المبرد حذف التاء القصيرة؛ لأنها علم التأنيث، والألف والتاء علم التأنيث ومحال أن يدخل تأنيث على تأنيث. المقتضب جـ1/ 6. 3 في سيبويه 1/ 5 ومن ثم جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة لأنهم جعلوا التاء التي هي حرف الإعراب كالواو والياء والتنوين بمنزلة النون لأنها في التأنيث نظيرة الواو والياء في التذكير فأجروها مجراها.

المعرب من الأفعال التي في أوائلها الحروف الزوائد, التاء والنون والياء والألف, فالألف للمتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا نحو: أنا أفعل؛ لأن الخطاب يبينه, والتاء للمخاطب المذكر والمؤنث نحو: أنت تفعل وأنت تفعلين, وكذلك للمؤنث إذا كان لغائبة قلت: هي تفعل, وإن كان الفعل للمتكلم, ولآخر معه, أو جماعة قلت: نحن نفعل, والمذكر والمؤنث في ذا أيضًا سواء؛ لأنه يبين أيضًا بالخطاب, والياء للمذكر الغائب فجميعُ ما جعل لفظ المذكر والمؤنث فيه سواء على لفظ واحد, فإنما كان ذلك؛ لأنه غير ملبس, فالمرفوع من هذه الأفعال نحو قولك: زيد يقوم, وأنا أقوم, وأنت تقوم, وهي تقوم, والمنصوب: لن يقوم ولن يقعدوا, والمجزوم لم يقعدوا ولم يقم, هذا في الفعل الصحيح اللام خاصة, فأما المعتل فهو الذي آخره ياء أو واو أو ألف, فإن الإعراب يمتنع من الدخول عليه إلا النصب, فإنه يدخل على ما لامه واو أو ياء خاصة دون الألف؛ لأن الألف لا يمكن تحركها, تقول فيما كان معتلًّا من ذوات الواو في الرفع: هو يغزو/ 16 ويغدو يا هذا, فتسكن الواو, وتقول في النصب: لن يغزو فتحرك الواو, وتسقط في الجزم, فتقول: لم يغز ولم يغد, وكذلك ما لامه ياء نحو: يقضي ويرمي, تكون في الرفع ياؤه ساكنة فتقول: هو يقضي ويرمي وتفتحها في النصب, فتقول: لن يقضي ولن يرمي وتسقط في الجزم, وأما ما لامه ألف فنحو: يخشى, ويخفى, تقول في الرفع: هو يخشى ويخفى وفي النصب: لن يخشى ولن يخفى وتسقط في الجزم فتقول فيه لم يخشَ ولم يخف, فإذا صار الفعل المضارع لاثنين مذكرين مخاطبين أو غائبين زدته ألفًا ونونًا وكسرت النون فقلت: يقومان, فالألف ضمير الاثنين الفاعلين, والنون علامة الرفع, واعلم: أن الفعل لا يثنى ولا يجمع في الحقيقة, وإنما يثنى ويجمع الفاعل الذي تضمنه الفعل, فإذا قلت: يقومان, فالألف ضمير الفاعلين1 اللذين ذكرتهما والنون علامة الرفع فإذا نصبت أو

_ 1 في سيبويه 1/ 5 واعلم: أن التثنية إذا لحقت الأفعال علامة للفاعلين لحقت ألف ونون ولم تكن الألف حرف الإعراب لأنك لم ترد أن تثني "يفعل" هذا البناء فتضم إليه "يفعلا" آخر ولكنك إنما ألحقته هذا علامة للفاعلين.

جزمت, حذفتها فقلت: لن يقوما ولن يقعدا ولم يقوما ولم يقعدا فاستوى النصب والجزم فيه, كما استوى النصب والخفض في تثنية الاسم, وتبع النصب الجزم؛ لأن الجزم يخص الأفعال ولا يكون إلا فيها كما/ 17 تبع النصب الخفض في تثنية الأسماء وجمعها السالم, إذ كان الخفض يخص الأسماء فإن كان الفعل المضارع لجمع1 مذكرين زدت في الرفع واوًا مضمومًا ما قبلها ونونًا مفتوحة كقولك: أنتم تقومون وتقعدون ونحو ذلك, فالواو ضمير2 لجمع3 الفاعلين والنون علامة الرفع. فإذا دخل عليها جازم أو ناصب حذفت فقيل: لم يفعلوا كما فعلت في التثنية, فإن كان الفعل المضارع لفاعل واحد مؤنث مخاطب زدت فيه ياءً مكسورًا ما قبلها ونونًا مفتوحة نحو قولك: أنتِ تضربين وتقومين فالياء دخلت من أجل المؤنث والنون علامة الرفع, وإذا دخل عليها ما يجزم أو ينصب سقطت نحو قولك: لم تضربي ولن تضربي. فإن صار الفعل لجمع4 مؤنث زدته نونًا وحدها مفتوحة وأسكنت ما قبلها نحو: هن يضربن ويقعدن, فالنون عندهم ضمير الجماعة5 وليست علامة الرفع فلا تسقط في النصب والجزم لأنها ضمير الفاعلات فهي اسم ههنا خاصة, فأما الفعل الماضي فإذا ثنّيت المذكر أو جمعته, قلت: فعلًا, وفعلوا, ولم تأت بنون لأنه غير معرب, والنون في "فعلن" إنما هي ضمير وهي لجماعة المؤنث وأسكنت اللام/ 18 فيها كما أسكنتها في "فعلت" حتى6

_ 1 في الأصل: لجميع. 2 في الأصل: ضميرا بالنصب. 3 في الأصل: لجميع. 4 في الأصل: "لجميع". 5 في سيبويه 1/ 5 وإذا أردت جمع المؤنث في الفعل المضارع ألحق للعلامة نونا، وكانت علامة الإظهار والجمع فيمن قال: أكلوني البراغيث. 6 في "ب" كي لا.

لا تجتمع أربع حركات1 وليس ذا في أصول كلامهم, والفعل عندهم مبني مع التاء في "فعلت" ومع النون في "فعلن" كأنه منه؛ لأن الفعل لا يخلو من الفاعل, وأما لام "يفعلن" فإنما أسكنت تشبيهًا بلام "فعلن" وإن لم يجتمع فيه أربع حركات ولكن من شأنهم إذا أعلوا أحد الفعلين لعلة أعلوا الفعل الآخر وإن لم تكن فيه تلك العلة, وسترى ذلك في مواضع كثيرة إن شاء الله. واعلم: أن الإعراب عندهم إنما حقه أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف, وأن السكون والبناء حقهما أن يكونا لكل فعل أو حرف وأن البناء الذي وقع في الأسماء عارض فيها لعلة, وأن الإِعراب الذي دخل على الأفعال المستقبلة إنما دخل فيها العلة, فالعلة التي بنيت لها الأسماء هي2 وقوعها موقع الحروف ومضارعتها لها, وسنشرح ذلك في باب الأسماء المبنية إن شاء الله. وأما/ 19 الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد ذكرنا أنه وقع في المضارع منها للأسماء3 وما عدا ذلك فهو مبني. فالأسماء تنقسم قسمين: أحدهما معرب4 والآخر مبني, فالمعرب يقال له: متمكن, وهو ينقسم أيضًا على ضربين: فقسم: لا يشبه الفعل, وقسم: يشبه الفعل, فالذي لا يشبه الفعل هو متمكن منصرف يرفع في موضع الرفع ويجر في موضع الجر وينصب في موضع النصب وينون, وقسم يضارع الفعل غير منصرف لا يدخله الجر, ولا التنوين5, وسنبين من أين يشبه بالفعل فيما يجري وفي ما لا يجري إن شاء الله.

_ 1 في "ب" متحركات. 2 في الأصل "هو". 3 في المقتضب 2/ 1 اعلم: أن الأفعال إنما دخلها الإعراب لمضارعتها الأسماء ولولا ذلك لم يجب أن يعرب منها شيء. 4 الذي سلم من شبه الحرف. 5 كأحمد، ومساجد ومصابيح.

والمبني من الأسماء ينقسم على ضربين: فضرب مبني على السكون نحو: كم, ومن, وإذ, وذلك حق البناء وأصله, وضرب مبني على الحركة, فالمبني على الحركة ينقسم على ضربين: ضرب حركته لالتقاء الساكنين نحو أين, وكيف, وضرب حركته لمقاربته التمكن ومضارعته للأسماء المتمكنة نحو "يا حكم" في النداء وجئتك من علُ1 وجميع هذا /20 يبين في أبوابه إن شاء الله. فأما الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد بينا أنه إنما وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا المضارعة فمبني, والمبني من الأفعال ينقسم على ضربين: فضرب مبني على السكون, والسكون أصل كل مبني, وذلك نحو: اضرب واقتل ودحرج وانطلق, وكل فعل تأمر به إذا كان بغير لام ولم يكن فيه حرف من حروف المضارعة نحو: الياء والتاء والنون والألف فهذا حكمه. وأما الأفعال التي فيها حروف المضارعة فيدخل عليها اللام في الأمر وتكون معربة مجزومة بها نحو: ليقم زيد, وليفتح بكر, ولتفرح يا رجل, وأما ما كان على لفظ الأمر مما يستعمل في التعجب. فحكمه حكمه نحو قولك: أكرم بزيد و {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} 2 وزيد ما أكرمه, وما أسمعهم وما أبصرهم. والضرب الثاني مبني على الفتح وهو كل فعل ماضٍ كثرت حروفه أو قلت نحو: ضرب واستخرج, وانطلق وما أشبه ذلك.

_ 1 وهذا مبني على الضم؛ لأنه قطع عن الإضافة، ومثل هذا: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} . 2 مريم، 38.

ذكر العوامل من الكلم الثلاثة

ذكر العوامل من الكلم الثلاثة مدخل ... ذكر العوامل من الكلم الثلاثة: من الكلم الثلاثة, الاسم والفعل/ 21 والحرف وما لا يعمل منها.

تفسير الأول وهو الاسم

تفسير الأول, وهو الاسم: الاسم: يعمل في الاسم على ثلاثة أضرب: الضرب الأول: أن يبنى عليه اسم مثله أو يبنى على اسم ويأتلف1 باجتماعهما الكلام ويتم, ويفقدان العوامل من غيرهما نحو قولك: "عبد الله أخوك".. فعبد الله, مرتفع بأنه أول مبتدأ فاقد للعوامل, ابتدأته لتبني عليه ما يكون حديثًا عنه: "وأخوك" مرتفع بأنه الحديث المبني على الاسم الأول المبتدأ. الضرب الثاني: أن يعمل الاسم بمعنى الفعل, والأسماء التي تعمل عمل الفعل أسماء الفاعلين2 وما شبه بها والمصادر وأسماء سموا الأفعال بها, وإنما أعملوا اسم الفاعل لما ضارع الفعل, وصار الفعل سببًا له وشاركه في المعنى وإن افترقا في الزمان, كما أعربوا الفعل لما ضارع الاسم فكما أعربوا هذا أعلموا ذلك, والمصدر حكمه حكم اسم الفاعل, أعمل, كما أعمل إذا كان الفعل مشتقًّا منه, إلا أن الفرق بينه وبين اسم الفاعل أن المصدر يجوز أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول؛ لأنه غيرهما3, تقول/ 22: عجبت من ضرب زيد عمرًا, فيكون زيد هو الفاعل في المعنى وعجبت من ضرب زيد عمرو فيكون زيد هو المفعول في المعنى ولا يجوز هذا في اسم الفاعل, لا يجوز أن تقول: عجبت من ضارب زيد, وزيد فاعل؛ لأنك تضيف الشيء إلى نفسه, وذلك غير جائز.. فأما ما شبه4 باسم الفاعل نحو: حسن وشديد فتجوز إضافته إلى

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" كاسم الفاعل. 3 في "ب" إلى المفعول لا غير، وانظر الأشباه والنظائر 2/ 193 نقل النص المثبت عن الأصول. 4 في "ب" المشبه.

الفاعل, وإن كان إياه لأنها إضافة غير حقيقية نحو قولك: الحسن الوجه, والشديد اليد, والحسن للوجه والشدة لليد وإنما دخلت الألف واللام -وهي لا تجتمع مع الإضافة- على الحسن الوجه وما أشبهه لأن إضافته غير حقيقية, ومعنى: حسن الوجه, حسن وجهه, وقد أفردت بابًا للأسماء التي تعمل عمل الفعل, أذكره بعد ذكر الأسماء المرتفعة إن شاء الله. الضرب الثالث: أن يعمل الاسم لمعنى الحرف وذلك في الإِضافة, والإِضافة تكون على ضربين1: تكون بمعنى اللام وتكون بمعنى "من". فأما الإِضافة التي بمعنى اللام فنحو قولك: غلام زيد, ودار عمرو, ألا ترى أن المعنى: غلام لزيد ودار لعمرو, إلا أن الفرق بين ما/ 23 أضيف بلام وما أضيف بغير لام, أن الذي يضاف بغير لام يكتسي2 مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره, فيكون معرفة إن كان معرفة ونكرة إن كان نكرة, ألا ترى أنك إذا قلت: غلام زيد, فقد عرف الغلام بإضافته إلى زيد, وكذلك إذا قلت: دار الخليفة, عرفت الدار3 بإضافتها إلى الخليفة. ولو قلت: دار للخليفة, لم يعلم أي دار هي, وكذلك لو قلت: غلام لزيد, لم يدر أي غلام هو, وأنت لا تقول: غلام زيد فتضيف إلا وعندك أن السامع قد عرفه كما عرفته. أما4 الإِضافة التي بمعنى "من" فهو أن تضيف الاسم إلى جنسه نحو قولك: ثوب خز وباب حديد, تريد ثوبًا من خز وبابًا من حديد, فأضفت5 كل واحد منهما إلى

_ 1 ذكر ابن السراج اللام و"من" والنوع الثالث هو "في" وهي مقدرة في كل إضافة كان المضاف إليه فيها ظرفا، إضافة على جهة حلول المعنى في الشيء على معنى الوعاء -كقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} - وإنما المعنى: بل مكركم في الليل والنهار "انظر الكتاب" 1/ 108. 2 في "ب": يكتسب. 3 الدار: ساقطة من "ب". 4 في "ب" وأما. 5 في "ب" فأضيف.

جنسه الذي هو منه, وهذا لا فرق فيه1 بين إضافته بغير "من" وبين إضافته "بمن" وإنما حذفوا "من" هنا استخفافًا, فلما حذفوها التقى الاسمان فخفض أحدهما الآخر إذا لم يكن الثاني خبرًا عن الأول, ولا صفة له, ولو نصب على التفسير أو التمييز لجاز إذًا نون الأول نحو قولك: ثوبٌ خزًّا. واعلم/ 24: أن الاسم لا يعمل في الفعل ولا في الحرف, بل هو المعرض للعوامل من الأفعال والحروف.

_ 1 فيه ساقطة في "ب".

تفسير الثاني وهو الفعل

تفسير الثاني وهو الفعل: اعلم: أن كل فعل1 لا يخلو من أن يكون عاملًا, وأول عمله أن يرفع الفاعل أو المفعول2 الذي هو حديث عنه نحو: قام زيد وضرب عمرو, وكل اسم تذكره ليزيد3 في الفائدة بعد أن يستغني الفعل بالاسم المرفوع الذي يكون ذلك الفعل حديثًا عنه, فهو منصوب, ونصبه لأن الكلام قد تم قبل مجيئه وفيه دليل عليه, وهذه العلل التي ذكرناها ههنا هي العلل الأول, وههنا علل ثوان4 أقرب منها يصحبها كل نوع من هذه الجمل إن شاء الله.

_ 1 في الأصل: فلا. 2 يشير إلى نائب الفاعل الذي هو مفعول في الأصل. 3 في "ب" تزيد بلا لام. 4 زيادة في "ب".

تفسير الثالث وهو العامل من الحروف

تفسير الثالث, وهو العامل من الحروف1: الحروف تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول منها يدخل على الأسماء فقط دون الأفعال, فما كان كذلك فهو عامل في الاسم.

_ 1 في الأصل: "الحرف".

والحروف العوامل في الأسماء نوعان: نوع منها يخفض الأسماء ويدخل ليصل اسمًا باسم أو فعلًا باسم. أما وصله اسمًا باسم فنحو قولك: خاتم من فضة1, وأما وصله فعلًا باسم فنحو قولك: مررت بزيد. والنوع الثاني: يدخل على المبتدأ والخبر فيعمل فيهما/ 25 فينصب الاسم ويرفع الخبر, نحو "إن وأخواتها" كقولك: زيد قائم, وجميع هذه الحروف لا تعمل في الفعل ولا تدخل عليه, لا تقول: مررت بيضرب ولا ذهبت إلى قام, ولا أن يقعد قائم. والقسم الثاني من الحروف: ما يدخل على الأفعال فقط, ولا يدخل على الأسماء, وهي التي تعمل في الأفعال فتنصبها وتجزمها نحو: "أن" في قولك: أريد أن تذهب, فتنصب و"لم" في قولك: لم يذهب, فتجزم, ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: لم زيد, ولا: أريد أن عمرو. والقسم الثالث من الحروف: ما يدخل على الأسماء وعلى الأفعال فلم تختص به الأسماء دون الأفعال, ولا الأفعال دون الأسماء, وما كان من الحروف بهذه الصفة فلا يعمل في اسم ولا فعل نحو ألف الاستفهام, تقول: أيقوم زيد, فيدخل حرف الاستفهام على الفعل ثم تقول: أزيد أخوك فيدخل الحرف على الاسم, وكذلك "ما" إذا نفيت بها في لغة2 من لم يشبهها بليس فإنه يدخلها

_ 1 في "ب" من "حديد" بدلا من "فضة". 2 أي لغة تميم، أما أهل الحجاز فيعملونها عمل "ليس" حيث ترفع الاسم وتنصب الخبر, قال سيبويه: وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل وهو القياس لأنها ليست بفعل، الكتاب 1/ 28.

على الاسم والفعل ولا يعملها1, كقولك: ما زيد قائم, وما قام/ 26 زيد, ومن2 شبهها "بليس" فاعملها3 لم يجز أن يدخلها على الفعل, إلا أن يردها إلى أصلها في ترك العمل, ونحن نذكر جميع الحروف منفصلة في أبوابها إن شاء الله. فإن قال قائل: ما بال لام المعرفة لم تعمل في الاسم وهي لا تدخل إلا على الاسم, ولا يجوز أن تدخل هذه اللام على الفعل, قيل: هذه اللام قد صارت من نفس الاسم ألا ترى قولك: الرجل, يدلك على غير ما كان يدل عليه رجل, وهي بمنزلة المضاف إليه الذي يصير مع المضاف بمنزلة اسم واحد نحو قولك: عبد الملك, ولو أفردت عبدًا من الملك لم يدل على ما كان عليه عبد الملك, وكذلك الجواب في السين وسوف, إن سأل سائل, فقال: لِمَ لَمْ يعملوها في الأفعال إذ كانتا لا تدخلان إلا عليها, فقصتهما قصة الألف واللام في الاسم وذلك أنها4 إنما هي بعض أجزاء الفعل فتفهم هذه الأصول والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعًا يحضره وفصلته تفصيلًا يظهره ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما أمكن من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه, ويسهل على متعلميه حفظه. واعلم: أنه ربما شذ الشيء عن بابه فينبغي أن تعلم: أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يعن بالحرف الذي يشذ منه, فلا يطرد في نظائره وهذا يستعمل في كثير من العلوم ولو اعترض بالشاذ على القياس المطرد لبطل أكثر الصناعات والعلوم, فمتى وجدت5 حرفًا مخالفًا لا شك في خلافه لهذه الأصول فاعلم: أنه شاذ, فإن كان سمع ممن ترضى عربيته فلا بد من أن

_ 1 في "ب" "فلا". 2 في "ب" أن بدل "من". 3 الذين يعملون "ما" عمل "ليس" أهل الحجاز كقوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} . 4 أظن الأفصح: أنهما إنما هما بعض أجزاء الفضل. 5 في الأصل سمعت: والتصحيح من "ب".

يكون قد حاول به مذهبًا ونحا نحوًا1 من الوجوه أو استهواه أمر غلطه, والشاذ على ثلاثة أضرب: منه ما شذ عن بابه وقياسه ولم يشذ في استعمال العرب له نحو: استحوذ فإن بابه وقياسه أن يُعل فيقال: استحاذ مثل استقام واستعاذ, وجميع ما كان على هذا المثال, ولكنه جاء على الأصل واستعملته العرب كذلك, ومنه ما شذ عن الاستعمال ولم يشذ عن القياس نحو ماضي يدع, فإن قياسه وبابه أن يقال: ودع يدع, إذ لا يكون فعل مستقبل إلا له ماض, ولكنهم لم يستعملوا/ 28 ودع استغنى عنه "بترك", فصار قول القائل الذي قال: ودعه شاذًّا, وهذه أشياء تحفظ, ومنه ما شذ عن القياس والاستعمال فهذا الذي يطرح ولا يعرج عليه نحو ما حكى من إدخال الألف واللام على اليّجدعُ2 وأنا أتبع هذا الذي ذكرت من عوامل الأسماء والأفعال والحروف بالأسماء المفعول فيها, فنبدأ بالمرفوعات, ثم نردفها المنصوبات, ثم المخفوضات, فإذا فرغنا من الأسماء وتوابعها وما يعرض فيها ذكرنا الأفعال وإعرابها وعلى الله تعالى يتوكل وبه نستعين.

_ 1 في الأصل "وجها" والتصحيح من "ب". 2 في "ب" واليقصع، قيل أراد الذي "يجدع" فأدخل اللام على الفعل المضارع لمضارعة اللام "الذي" كما تقول "اليضربك" ذكر صاحب اللسان: وقال أبو بكر بن السراج: لما احتاج إلى رفع القافية قلب الاسم فعلا وهو من أقبح ضرورات الشعر. وهذا كما حكاه الفراء من أن رجلا أقبل فقال: آخرها هو ذا، فقال السامع: نعم الها هو ذا فأدخل اللام على الجملة من المبتدأ والخبر تشبيها له بالجملة المركبة من الفعل والفاعل. وبيت ذي الخرق الطهوى هو: يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا ... إلى ربه صوت الحمار اليجدع وانظر اللسان مادة "جدع" والإنصاف/ 88. والهمع 1/ 85.

ذكر الأسماء المرتفعة

ذكر الأسماء المرتفعة مدخل ... ذكر الأسماء المرتفعة: الأسماء التي ترتفع خمسة أصناف: الأول: مبتدأ له خبر. والثاني: خبر لمبتدأ بنيته عليه. والثالث: فاعل بني على فعل, ذلك الفعل حديثًا عنه. والرابع: مفعول به بني على فعل فهو حديث عنه ولم تذكر من فعل به فقام مقام الفاعل. والخامس: مشبه بالفاعل في اللفظ.

شرح الأول وهو المبتدأ

شرح الأول: وهو المبتدأ: المبتدأ: ما جردته من عوامل الأسماء ومن1 الأفعال والحروف وكان القصد فيه أن تجعله أولًا لثانٍ مبتدأ به دون الفعل/ 29 يكون ثانيه خبره ولا يستغنى واحد منهما عن صاحبه, وهما مرفوعان أبدًا فالمبتدأ رفع بالابتداء, والخبر رفع بهما, نحو قولك: الله ربنا, ومحمد نبينا, والمبتدأ لا يكون كلامًا تامًّا إلا بخبره وهو معرض لما يعمل في الأسماء نحو: كان وأخواتها, وما أشبه ذلك من العوامل, تقول: عمرو أخونا, وإن زيدًا أخونا, وسنذكر العوامل التي تدخل على المبتدأ وخبره فتغيره عما كان عليه في موضعها إن شاء الله. والمبتدأ يبتدأ فيه بالاسم المحدث عنه قبل الحديث, وكذلك حكم كل مخبر, والفرق بينه وبين الفاعل: أن الفاعل مبتدأ بالحديث قبله, ألا ترى أنك إذا قلت: زيد منطلق فإنما بدأت "بزيد" وهو الذي حدثت عنه بالانطلاق والحديث عنه بعده, وإذا قلت: ينطلق زيد فقد بدأ بالحديث وهو انطلاقه, ثم ذكرت زيدًا المحدث عنه بالانطلاق بعد أن ذكرت الحديث. فالفاعل مضارع للمبتدأ من أجل أنهما جميعًا محدث/ 30 عنهما وإنهما جملتان

_ 1 الواو: ساقطة من "ب".

لا يستغني بعضهما عن بعض, وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة, فأما المعرفة فنحو قولك: عبد الله أخوك, وزيد قائم, وأما ما قارب المعرفة من النكرات فنحو قولك: رجل من تميم جاءني, وخير منك لقيني. وصاحب لزيد جاءني. وإنما امتنع الابتداء بالنكرة المفردة المحضة لأنه لا فائدة فيه, وما لا فائدة فيه فلا معنى للتكلم به, ألا ترى أنك لو قلت: رجل قائم أو رجل عالم, لم يكن في هذا الكلام فائدة لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائمًا أو عالمًا, فإذا قلت: رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة, ولا يكون المبتدأ نكرة مفردة إلا في النفي خاصة, فإن الابتداء فيه بالنكرة حسن بحصول الفائدة بها, كقولك: ما أحد في الدار, وما في البيت رجل ونحو ذلك, في لغة بني تميم خاصة: وما أحد حاضر, وإنما يراعى في هذا الباب وغيره الفائدة فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام/ 31 جائز, وما لم يفد فلا معنى له في كلام غيرهم. وقد يجوز أن تقول: رجل قائم إذا سألك سائل فقال: أرجل قائم أم امرأة. فتجيبه فتقول: رجل قائم, وجملة هذا أنه1 إنما ينظر إلى ما فيه2 فائدة, فمتى كانت3 فائدة بوجه من الوجوه فهو جائز وإلا فلا فإذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة, فحق المعرفة أن تكون4 هي المبتدأ وأن تكون النكرة الخبر لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدُك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده, فالخبر هو الذي ينكره ولا يعرفه ويستفيده, والاسم لا فائدة له لمعرفته به, وإنما ذكرته لتسند إليه الخبر, وقد يجوز أن تقدم الخبر على المبتدأ ما لم يكن فعلًا خاصة, فتقول: منطلق زيد, وأنت تريد: زيد

_ 1 أنه: ساقطة في "ب". 2 فيه: ساقطة في "ب". 3 كانت: ساقطة في "ب". 4 في الأصل "هو" فقد يكون أراد: فحق الاسم المعرفة أن يكون هو المبتدأ.

منطلق, فإن أردت أن تجعل منطلقا في موضع "ينطلق" فترفع زيدًا بمنطلق على أنه فاعل كأنك قلت: ينطلق زيد قبح إلا أن يعتمد اسم الفاعل وهو "منطلق" وما أشبهه على شيء قبله, وإنما يجري مجرى الفعل إذا كان صفة جرت على موصوف نحو قولك: مررت/ 32 برجل قائم أبوه, ارتفع "أبوه" "بقائم" أو يكون مبنيًّا على مبتدأ نحو قولك: زيد قائم أبوه وحسن عندهم: أقائم أبوك, وأخارج أخوك, تشبيهًا بهذا إذا اعتمد"قائم" على شيء قبله, فأما إذا قلت قائم زيد, فأردت أن ترفع زيدا "بقائم" وليس قبله ما يعتمد عليه البتة فهو قبيح, وهو جائز عندي على قبحه, وكذلك المفعول لا يعمل فيه اسم الفاعل مبتدأ غير معتمد على شيء قبله, نحو: ضارب وقاتل, لا تقول: ضارب بكرًا عمرو فتنصب بكرًا "بضارب" وترفع عمرًا به, لا يجوز أن تعمله عمل الفعل حتى يكون محمولًا على غيره, فتقول: هذا ضارب بكرًا, جعلوا بين الاسم والفعل فرقًا, فإذا قلت: قائم1 أبوك, "فقائم" مرتفع بالابتداء وأبوك رفع بفعلهما وهما قد سدا مسد الخبر, ولهذا نظائر تذكر في مواضعها إن شاء الله. فأما قولك: كيف أنت, وأين زيد وما أشبهما مما يستفهم به من الأسماء "فأنت وزيد" مرتفعان بالابتداء "وكيف وأين" خبران, فالمعنى في: كيف أنت, على أي حال أنت, وفي: "أين زيد" في أي مكان, ولكن الاستفهام الذي صار فيهما جعل لهما صدر الكلام وهو في الحقيقة/ 33 الشيء المستفهم عنه, ألا ترى أنك إذا سئلت: كيف أنت, فقلت: صالح, إنما أخبرت بالشيء الذي سأل عنه المستخبر, وكذلك إذا قال: أين زيد, فقلت: في داري, فإنما أخبرت بما اقتضته أين, ولكن جميع هذا وإن كان خبرًا فلا

_ 1 قد يرفع الوصف بالابتداء، إن لم يطابق موصوفه تثنية أو جمعا فلا يحتاج إلى خبر، بل يكتفي بالفاعل أو نائبه فيكون مرفوعا به سادا مسد الخبر، بشرط أن يتقدم الوصف نفي أو استفهام، وتكون الصفة حينئذ بمنزلة الفعل، ولذلك لا تثني ولا تجمع ولا توصف ولا تعرف.

يكون إلا مبدوءًا به, وقد تدخل على المبتدأ حروف ليست من عوامل الأسماء, فلا1 تزيل المبتدأ عن حاله, كلام الابتداء2 وحروف الاستفهام "وأما وما" إذا كانت نافية في لغة بني تميم وأشباه ذلك, فتقول: أعمرو "قائم" ولبكر أخوك, وما زيد قائم, وأما بكر منطلق, فهذه الحروف إنما تدخل على المبتدأ وخبره لمعان فيها, ألا ترى أن قولك: عمرو منطلق, كان خبرًا موجبًا فلما أدخلت عليه "ما" صار نفيًا وإنما3 نفيت "بما" ما أوجبه غيرك حقه أن تأتي بالكلام على لفظه, وكذلك إذا استفهمت إنما تستخبر خبرًا قد قيل, أو ظن كأن قائلًا قال: عمرو قائم4, فأردت أن تحقق ذلك فقلت أعمرو قائم, وقع5 في نفسك أن ذلك يجوز وأن يكون وأن لا يكون فاستخبرت6 مما وقع في نفسك/ 34 بمنزلة ما سمعته أذنك فحينئذ تقول: أعمرو قائم أم لا؟ لأنك لا تستفهم عن شيء إلا وهو يجوز أن يكون7 عندك موجبه أو منفيه واقعًا, ولام الابتداء تدخل لتأكيد الخبر وتحقيقه, فإذا قلت: لعمرو منطلق, أغنت اللام بتأكيدها عن إعادتك الكلام8 فلذلك احتيج إلى جميع حروف المعاني لما في ذلك من الاختصار ألا ترى أن الواو العاطفة في قولك: قام زيد وعمرو لولاها لاحتجت إلى أن تقول: قام زيد, قام عمرو, وكذلك جميع الحروف ويوصل بلام القسم9 فيقال10: والله لزيد خير منك؛ لأنك

_ 1 في "ب" لا. 2 في الأصل "هي" قبل حروف الاستفهام. 3 في "ب" وإنها، وهو تصحيف. 4 في "ب" منطلق بدلا من قائم. 5 في "ب" أو وقع. 6 في "ب" واستخبرت. 7 يكون: ساقطة في "ب". 8 في "ب" ولذلك. 9 في الأصل "باللام" للقسم، والتصحيح من "ب". 10 في "ب" فيقول.

لا تقسم إلا مع تحقيق الخبر, "وأما" فإنما1 تذكرها بعد كلام قد تقدم أخبرت فيه عن اثنين أو جماعة بخبر فاختصصت2 بعض من ذكر وحققت الخبر عنه, ألا ترى أن القائل يقول: زيد وعمرو في الدار, فتقول: أما زيد, ففي الدار, وأما عمرو ففي السوق, وإنما دخلت الفاء من أجل ما تقدم؛ لأنها إنما تدخل في الكلام لتتبع شيئًا بشيء وتعلق ما دخلت عليه من الكلام بما قبله, "ولأما" موضع تذكر فيه/ 35 وما لم أذكر من سائر الحروف التي لا تعمل في الأسماء فالمبتدأ والخبر بعدها على صورتهما.

_ 1 في "ب" إنما". 2 في "ب" واختصصت.

شرح الثاني وهو خبر المبتدأ

شرح الثاني, وهو خبر المبتدأ: الاسم1 الذي هو خبر المتبدأ هو2 الذي يستفيده السامع ويصير به المبتدأ كلامًا, وبالخبر يقع التصديق والتكذيب. ألا ترى أنك إذا قلت: عبد الله جالس فإنما الصدق والكذب وقع في جلوس عبد الله لا في عبد الله, لأن الفائدة هي في جلوس3 عبد الله, وإنما ذكرت عبد الله لتسند إليه "جالسًا" فإذا كان خبر المبتدأ اسمًا مفردًا فهو رفع نحو قولك: عبد الله أخوك, وزيد قائم, وخبر المبتدأ ينقسم على قسمين: إما أن يكون هو الأول في المعنى غير ظاهر فيه ضميره نحو: زيد أخوك, وعبد الله منطلق, فالخبر هو الأول في المعنى, إلا أنه لو قيل لك, من أخوك هذا الذي ذكرته؟ لقلت: زيد, أو قيل لك: من المنطلق؟ لقلت: عبد الله, أو يكون غير الأول ويظهر فيه ضميره, نحو قولك: عمرو ضربته وزيد رأيت أباه, فإن لم يكن على أحد هذين فالكلام محال. وخبر المبتدأ الذي هو/ 36 الأول في المعنى على ضربين, فضرب يظهر فيه الاسم الذي هو الخبر نحو ما ذكرنا من قولك: زيد أخوك,

_ 1 في "ب" والاسم. 2 في "ب" وهو. 3 في "ب" جلوسه.

وزيد قائم, وضرب يحذف منه الخبر, ويقوم مقامه ظرف له وذلك الظرف على ضربين: إما أن يكون من ظروف المكان, وإما أن يكون من ظروف الزمان. أما الظروف من المكان فنحو قولك: زيد خلفك, وعمرو في الدار. والمحذوف معنى الاستقرار والحلول وما أشبههما, كأنك قلت: زيد مستقر خلفك, وعمرو مستقر في الدار, ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه واستغنائهم به في الاستعمال. وأما الظرف من الزمان فنحو قولك: القتال يوم الجمعة, والشخوص يوم الخميس, كأنك قلت: القتال مستقر يوم الجمعة أو وقع في يوم الجمعة, والشخوص واقع في يوم الخميس فتحذف الخبر وتقيم الظرف مقام المحذوف, فإن لم ترد هذا المعنى. فالكلام محال؛ لأن زيدًا الذي هو المبتدأ ليس من قولك: "خلفك" ولا في الدار شيء؛ لأن في الدار ليس بحديث وكذلك خلفك وإنما هو موضع الخبر. واعلم/ 37: أنه لا يجوز أن تقول: زيد يوم الخميس, ولا عمرو في شهر كذا, لأن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث, وإنما يجوز ذلك في الأحداث, نحو الضرب والحمد, وما أشبه ذلك, وعلة ذلك أنك لو قلت: زيد اليوم, لم تكن فيه فائدة, لأنه لا يخلو أحد من أهل عصرك1 من اليوم, إذ كان الزمان لا يتضمن واحدًا دون الآخر, والأماكن ينتقل عنها فيجوز أن تكون خبرًا عن الجثث وغيرها كذلك. والظرف من الأماكن تكون إخبارًا عن المعاني التي ليست بجثث -يعني المصادر- نحو قولك: البيع في النهار, والضرب عندك, فإن قال قائل فأنت قد تقول: الليلة الهلال, والهلال جثة, فمن أين جاز هذا؟ فالجواب في ذلك2: أنك إنما أردت: الليلة حدوث الهلال, لأنك إنما تقول ذلك عند توقع طلوعه, ألا ترى أنك لا تقول: الشمس اليوم, ولا القمر الليلة؛ لأنه غير متوقع, وكذلك إن قلت: اليوم زيد, وأنت تريد هذا

_ 1 في "ب" عصره. 2 ذلك: ساقط في "ب".

المعنى جاز, وتقول: أكل1 يوم لك عهد, لأن فيه معنى الملك, ويوم الجمعة عليك ثوب, إنما2 جاز ذلك لاستقرار الثوب عليك3 فيه/ 38 وأما القسم الثاني من خبر المبتدأ: وهو الذي يكون غير الأول ويظهر فيه ضميره فلا يخلو من أن يكون الخبر فعلًا فيه ضمير المبتدأ نحو: زيد يقوم, والزيدان يقومان, فهذا الضمير وإن كان لا يظهر في فعل الواحد لدلالة المبتدأ عليه يظهر في التثنية والجمع وذلك ضرورة خوف اللبس, ومضمره كظاهره, وأنت إذا قلت: زيد قائم, فالضمير لا يظهر في واحده ولا في تثنيته ولا في جمعه, فإن قال قائل: فإنك قد تقول: الزيدان قائمان, والزيدون قائمون قيل له: ليست الألف ولا الواو فيهما ضميرين4, إنما الألف تثنية الاسم, والواو جمع الاسم وأنت إذا قلت: الزيدون قائمون, فأنت بعد محتاج إلى أن يكون في نيتك ما يرجع إلى الزيدين, ولو كانت الواو ضميرا والألف ضميرا لما جاز أن تقول: القائمان الزيدان, ولا القائمون الزيدون, أو يكون جملة فيها ضميره, والجمل المفيدة على ضربين: إما فعل وفاعل وإما مبتدأ وخبر, أما الجملة التي هي مركبة من فعل وفاعل/ 39 فنحو قولك: زيد ضربته, وعمرو لقيت أخاه, وبكر قام أبوه, وأما الجملة التي هي مركبة من ابتداء وخبر فقولك: زيد أبوه منطلق, وكل جملة تأتي بعد المبتدأ فحكمها في إعرابها كحكمها إذا لم يكن قبلها مبتدأ, ألا ترى أن إعراب "أبوه منطلق" بعد قولك: بكر, كإعرابه لو لم يكن بكر قبله, فأبوه مرتفع بالابتداء "ومنطلق" خبره, فبكر مبتدأ أول وأبوه مبتدأ ثانٍ ومنطلق خبر الأب, والأب "منطلق" خبر بكر,

_ 1 الهمزة في "أكل" زيادة من "ب". 2 في "ب" وإنما. 3 في "ب" عليه. 4 في سيبويه جـ1/ 4 واعلم: أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب غير متحرك ولا منون، وتكون في الرفع ألفا ولم تكن واوا ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حد التثنية.

وموضع قولك: "أبوه منطلق" رفع, ومعنى قولنا: الموضح, أي: لو وقع موقع الجملة اسم مفرد لكان مرفوعًا, وقد يجوز أن يأتي مبتدأ بعد مبتدأ [بعد مبتدأ] 1, وأخبار كثيرة بعد مبتدأ وهذه المبتدآت إذا كثروها فإنما هي شيء قاسه النحويون ليتدرب به المتعلمون2, ولا أعرف له في كلام العرب نظيرًا, فمن ذلك قولهم: زيد هند العمران منطلقان إليهما من أجله, فزيد مبتدأ أول, وهند مبتدأ ثان, والعمران مبتدأ ثالث, وهند وما بعدها خبر لها, والعمران وما بعدهما خبر لهما, وجميع ذلك خبر/ 40 عن زيد, والراجع الهاء في قولك, من أجله, والراجع إلى هند "الهاء" في قولك: إليها والمنطلقان هما العمران, وهما الخبر عنها. وفيهما ضميرهما, فكلما سئلت عنه من هذا؟ فهذا أصله فإذا طال الحديث عن المبتدأ كل الطول وكان فيه ما يرجع ذكره إليه جاز نحو قولك: "عبد الله قام رجل كان يتحدث مع زيد في داره" صار جميع هذا خبرًا عن "عبد الله" من أجل هذه الهاء التي رجعت إليه بقولك: "في داره" وموضع هذا الجملة كلها رفع من أجل أنك لو وضعت موضعها "منطلقًا" وما أشبهه ما كان إلا رفعًا, فقد بان من جميع ما ذكرنا أنه قد يقع في خبر المبتدأ أحد أربعة أشياء, الاسم أو الفعل أو الظرف, أو الجملة. واعلم أن المبتدأ أو الخبر من جهة معرفتهما أو نكرتهما أربعة: الأول: أن يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة نحو: عمرو منطلق: وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه3 الكلام4. الثاني: أن يكون المبتدأ معرفة والخبر معرفة نحو: زيد أخوك, وأنت

_ 1 بعد مبتدأ: ساقط من "ب". 2 انظر المقتضب: 4/ 59، ويظن أن ابن السراج قد قلد شيخه في هذا الباب. 3 في "ب" يكون الكلام عليه. 4 لأن الأصل في الخبر أن يكون نكرة مشتقة، والمراد بالمشتقة ما فيها معنى الوصف نحو "عمرو منطلق" وهو يتحمل ضميرا يعود إلى المبتدأ إلا إذا رفع الظاهر، فلا يتحمله نحو: عمر منطلق أخواه.

تريد أنه أخوه/ 41 من النسب, وهذا ونحوه إنما يجوز إذا كان المخاطب يعرف زيدًا على انفراده ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر ويعلم أن له أخًا ولا يدري أنه زيد هذا فتقول له: أنت1 زيد أخوك, أي: زيد هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته, فتكون الفائدة في اجتماعهما وذلك هو الذي استفاده المخاطب, فمتى كان الخبر عن المعرفة معرفة فإنما الفائدة في مجموعهما, فأما أن يكون يعرفهما مجتمعين وإن هذا هذا فذا2 كلام لا فائدة فيه, فإن قال قائل: فأنت3 تقول: الله ربنا ومحمد نبينا, وهذا معلوم معروف, قيل له: هذا إنما هو معروف عندنا وعند المؤمنين وإنما نقوله ردًّا على الكفار4 وعلى من لا يقول به ولو لم يكن لنا مخالف على هذا القول لما قيل إلا في التعظيم والتحميد5 لطلب الثواب به, فإن المسبح يسبح وليس يريد أن يفيد أحدًا شيئًا وإنما يريد أن يتبرر6 ويتقرب7 إلى الله بقول الحق, وبذلك أمرنا وتعبدنا, وأصل ذلك الاعتراف بمن الله عليه8 بأن عرفه نفسه وفضله/ 42 على من لا يعرف ذلك, وأصل الكلام موضوع للفائدة وإن اتسعت المذاهب فيه, ولكن لو قال قائل: النار حارة والثلج بارد لكان هذا كلامًا لا فائدة فيه, وإن كان الخبر فيهما نكرة. الثالث: أن يكون المبتدأ نكرة والخبر نكرة وقد بينا أن الجائز من ذلك ما كانت فيه فائدة. فأما الكلام إذا كان منفيا فإن النكرة فيه حسنة لأن الفائدة فيه واقعة نحو قولك: ما أحد في الدار, وما فيها رجل.

_ 1 في "ب" أنت له. 2 في "ب" فهذا. 3 في "ب" فإنك. 4 في "ب" على الكافرين. 5 في "ب" التحميد قبل التعظيم. 6 يتبرر ساقطة في "ب". 7 في الأصل "من" والذي أثبت من "ب". 8 عليه: ساقطة في "ب".

الرابع: أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة, وهذا قلب ما وضع عليه1 الكلام وإنما جاء مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر فتعمل لضرورة الشاعر, نحو قوله: كأنَّ سلافةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مزاجَهَا عَسلٌ ومَاءُ2 فجعل اسم "كان" عسل وهو نكرة وجعل مزاجها الخبر وهو معرفة بالإِضافة إلى الضمير ومع ذلك فإنما حسن هذا عند قائله أن عسلًا وماءً نوعان وليسا كسائر النكرات التي تنفصل بالخلقة والعدد نحو: تمرة وجوزة, والضمير الذي في/ 43 "مزاجها" راجع إلى نكرة وهو قوله: سلافة, فهو مثل قولك: خمرة ممزوجة بماء. وقد يعرض الحذف في المبتدأ وفي الخبر أيضًا لعلم المخاطب بما حذف, والمحذوف على ثلاث جهات:

_ 1 في "ب" له بدلا من عليه. 2 من شواهد سيبويه 1/ 23 على وقوع اسم "يكون" نكرة محضة وخبرها معرفة للضرورة، وجعله ابن السراج من القلب محضة وخبرها معرفة للضرورة، وجعله ابن السراج من القلب الذي يشجع عليه أمن الالتباس. ويروى البيت: برفع "مزاجها" وكأن سبيئة.. وكذلك يروى: كأن خبيئة, والسلافة: الخمر، وقيل: خلاصة الخمر. وبيت رأس في معجم البلدان: اسم لقريتين في كل واحدة منهما كروم ينسب إليها الخمر، إحداهما ببيت المقدس: وقيل: بيت كورة بالأردن. والأخرى من نواحي حلب. وقال البغدادي: بيت: موضع الخمر ورأس اسم للخمار وقصد إلى بيت هذا الخمار لأن خمره أطيب، وقيل: الرأس هنا بمعنى: الرئيس. أي: من بيت رئيس, لأن الرؤساء إنما تشرب الخمر ممزوجة. والبيت لحسان بن ثابت. وانظر المقتضب 4/ 92، والكامل/ 72، ومعجم البلدان 1/ 520، وشرح السيرافي 1/ 312، والمحتسب 1/ 279. والمفصل للزمخشري/ 157. وابن يعيش 7/ 93، والديوان/ 9.

الأولى: حذف المبتدأ وإضماره إذا تقدم من ذكره ما يعلمه السامع فمن ذلك أن ترى جماعة يتوقعون الهلال فيقول القائل: الهلال والله, أي: هذا الهلال فيحذف هذا, وكذلك لو كنت منتظرًا رجلًا فقيل: عمرو, جاز على ما وصفت لك, ومن ذلك: مررت برجل زيد؛ لأنك لما قلت: مررت1 برجل, أردت أن تبين من هو, فكأنك قلت هو زيد وعلى هذا قوله تعالى: {بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّار} 2. الجهة الثانية: أن تحذف الخبر لعلم السامع, فمن ذلك أن يقول القائل: ما بقي لكم أحد, فتقول: زيد أو عمرو, أي: زيد لنا, ومنه لولا عبد الله لكان كذا وكذا, فعبد الله مرتفع بالابتداء والخبر محذوف وهو في مكان كذا وكذا, فكأنه قال: لولا عبد الله بذلك المكان, ولولا القتال كان في زمان كذا وكذا, ولكن حذف حين كثر استعمالهم إياه وعرف المعنى/ 44 فأما قوله: لكان "كذا وكذا" فحديث متعلق بحديث "لولا" وليس من المبتدأ في شيء ومن ذلك: هل من طعام, فموضع "من طعام" رفع كأنك3 قلت: هل طعام والمعنى: هل طعام في زمان أو مكان و"من" تزاد توكيدًا مع حرف النفي وحرف الاستفهام إذا وليهما نكرة وسنذكرها في موضعها إن شاء الله. وقد أدخلوها على الفاعل والمفعول أيضًا كما أدخلوها على المبتدأ فقالوا: ما أتاني من رجل, في موضع: ما أتاني رجل. {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} 4 و {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد} 5. وكذلك قولك: هل من طعام, وإنما هو: هل طعام,6 فموضع "من طعام" رفع بالابتداء.

_ 1 في الأصل "ممرت". 2 الحج: 72. 3 زيادة: من "ب". 4 الأعراف: 102. 5 مريم: 98. 6 الجملة مكررة في السطر الثاني قبل الأخير ص75.

الجهة الثالثة: أنهم ربما حذفوا شيئًا من الخبر في الجمل وذلك المحذوف على ضربين: إما أن يكون فيه الضمير الراجع إلى المبتدأ نحو قولهم: السمن منوان بدرهم, يريد: منه, وإلا كان كلامًا غير جائز, لأنه ليس فيه ما يرجع إلى الأول. وإما أن يكون المحذوف شيئا ليس فيه راجع ولكنه متصل بالكلام نحو قولك: الكر1 بستين درهمًا, فأمسكت عن ذكر الدرهم بعد ذكر الستين لعلم/ 45 المخاطب. وتعتبر خبرًا لمبتدأ بأنك متى سألت عن الخبر جاز أن يجاب بالمبتدأ؛ لأنه يرجع إلى أنه هو هو في المعنى. ألا ترى أن القائل2 إذا قال: عمرو منطلق, فقلت3: من المنطلق؟ قال: عمرو, وكذلك إذا قال4: عبد الله أخوك, فقلت: من أخوك؟ قال: عبد الله, وكذلك لو قال: عبد الله قامت جاريته في دار أخيه, فقلت: من الذي قامت جاريته5 في دار أخيه؟ لقال: عبد الله, وخبر المبتدأ يكون جواب "ما"6 وأي, وكيف, وكم, وأين, ومتى, يقول القائل: الدينار ما هو؟ فتقول: حجر, فتجيبه بالجنس, ويقول7 الدينار8 أي الحجارة هو؟ فتقول: ذهب, فتجيبه بنوع9 من ذلك الجنس, وهذا إنما10 يسأل عنه من سمع بالدينار ولم يعرفه. ويقول: الدينار كيف هو؟ فتقول: مدور أصفر حسن منقوش, ويقول: الدينار كم قيراطًا هو؟ فتقول: الدينار عشرون قيراطًا, فيقول: أين

_ 1 الكر: مكيال لأهل العراق، وهو عندهم ستون قفيزا. 2 أن القائل: ساقط في "ب". 3 في "ب" قلت. 4 إذا قال: ساقط في "ب". 5 في "ب" جارته. 6 في "ب" "لما". 7 في "ب" فيقول. 8 الدينار: ساقط في "ب". 9 في "ب" بالنوع. 10 زيادة من "ب".

هو؟ فتقول: في بيت المال والكيس ونحو ذلك, ولا يجوز أن تقول: الدينار متى هو, وقد بينا أن ظروف/ 46 الزمان لا تتضمن الجثث إلا على شرط الفائدة, والتأول, ولكن تقول: القتال متى هو؟ فتقول: يوم كذا وكذا, فأما إذا كان الخبر معرفة أو معهودًا فإنما يقع في جواب "من وأي" نحو قوله: زيد من هو؟ والمعنى: أي الناس هو؟ وأي القوم هو؟ فتقول: أخوك المعروف1 أو أبو عمرو, أي: الذي من أمره كذا, وتقول: هذا الحمار, أي الحمير هو؟ فتقول: الأسود المعروف بكذا وما أشبهه. واعلم: أن خبر المبتدأ إذا كان اسمًا من أسماء الفاعلين وكان المبتدأ هو الفاعل في المعنى وكان جاريًا عليه إلى جنبه أضمر فيه ما يرجع إليه وانستر2 الضمير نحو قولك: عمرو قائم وأنت منطلق, فأنت وعمرو الفاعلان في المعنى, لأن عمرًا هو الذي قام, وقائم جار على "عمرو" وموضوع إلى جانبه, لم يحل بينه وبينه حائل, فمتى كان الخبر بهذه الصفة لم يحتج إلى أن يظهر الضمير إلا مؤكدًا, فإن أردت التأكيد, قلت: زيد قائم هو, وإن لم ترد التأكيد فأنت/ 47 مستغن عن ذلك وإنما احتمل "ضارب وقائم" وما أشبههما من أسماء الفاعلين ضمير الفاعل ورفع الأسماء التي تبنى عليه لمضارعته الفعل فأضمروا فيه كما أضمروا في الفعل إلا أن المشبه بالشيء [ليس] 3 هو ذلك الشيء بعينه فضمنوه الضمير متى كان جاريًا على الاسم الذي قبله, وإنما يكون كذلك في ثلاثة مواضع: إما أن يكون خبرًا لمبتدأ نحو قولك: عمرو منطلق كما ذكرنا أو يكون صفة نحو: مررت برجل قائم, أو حالًا نحو: رأيت زيدًا قائمًا, ففي اسم الفاعل ضمير في جميع هذه المواضع, فإن وقع بعدها اسم ظاهر ارتفع ارتفاع الفاعل بفعله, ومتى جرى اسم الفاعل على غير من هو له فليس يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل, كما يكون في الفعل, لأن انستار ضمير الفاعل إنما هو للفعل,

_ 1 زيادة من "ب". 2 المشهور: استتر. 3 أضفت كلمة "ليس" لأن المعنى يتطلبها.

ولذلك بنيت لام "فعل" مع ضمير الفاعل المخاطب في "فعلت" والمخاطب والمخاطبة أيضًا في "فعلتَ"/ 48 وفعلتِ كما بينا فيما مضى. فإن قلت: هند زيد ضاربته, لم يكن بد من أن تقول: هي, من أجل أن قولك: "ضاربته" ليس لزيد في الفعل نصيب, وإنما الضرب كان من هند ولم يعد عليها شيء من ذكرها, والفعل لها, فإنما "ضاربته" خبر عن زيد وفاعله هند في المعنى, ولم يجز إلا إظهار الضمير, فقلت حينئذ هي مرتفعة "بضاربته" كما ترتفع هند إذا قلت: زيد ضاربته هند, فالمكنى1 ههنا بمنزلة الظاهر, ولا يجوز أن تتضمن "ضاربته" ضمير الفاعل, فإن أردت أن تثني قلت: الهندان الزيدان ضاربتهما هما, لأن "ضاربه" ليس فيه ضمير الهندين إنما هو فعل فاعله المضمر, هذا على قول من قال: أقائم أخواك2, فأما من قال: أكلوني البراغيث3 فيجعل في الفعل علامة التثنية والجمع ولم يرد الضمير ليدل على أن فاعله مثنى أو مجموع كما كانت التاء في "فعلت هند" فرقًا بين فعل المذكر والمؤنث, فإنه يقول: الهندان الزيدان ضاربتاهما هما فإذا قلت: هند زيد ضاربته/ 49 هي "فهند" مرتفعة بالابتداء, "وزيد" مبتدأ ثان, وضاربته خبر زيد "وهي" هذه اللفظة مرتفعة بأنها فاعلة, والفعل "ضاربته" والهاء ترجع إلى زيد, وهي ترجع إلى هند والجملة خبر عنها, فإن جعلت موضع فاعل, يفعل فقلت: زيد هند تضربه, أضمرت الفاعل ولم تظهره, فهذا مما خالفت فيه الأسماء الأفعال, ألا ترى أنك تقول: زيد أضربه وزيد تضربه. فإن

_ 1 المكني أو الكناية: اصطلاح كوفي، ومعناه الضمير عند البصريين, واصطلاح الضمير أدق من اصطلاح المكنى لأن الكناية تشمل كل ما يكنى به من إشارة أو موصول أو عدد بخلاف الضمير فإنه لا يدخل فيه شيء من ذلك اللهم إلا إذا ذهب به مذهب من يجعل الكلمة أقساما أربعة من المحدثين ويجعل الضمير هو القسم الرابع، ويدخل فيه العدد وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة، انظر: من أسرار العربية للدكتور أنيس/ 196. 2 أقائم مبتدأ، وأخواك فاعل سد مسد الخبر. 3 البراغيث هي الفاعل والواو في الفعل علامة تدل على الجمع.

كان في موضع الفعل اسم الفاعل لم تقل إلا زيد ضاربه أنا أو أنت1 لأن في تصاريف الفعل ما يدل على المضمر ما هو2, كما قد ذكرنا فيما قد تقدم, وليس ذلك في الأسماء وحكم اسم المفعول حكم اسم الفاعل3, تقول: زيد مضروب, فتكون خبرًا لزيد كما تكون "ضارب" ويكون فيه ضميره كما يكون في الفاعل, فتقول: عمرو الجبة مكسوته إذ كان في "مكسوته", ضمير الجبة مستترًا, فإن كان فيه ضمير "عمرو" لم يجز حتى تقول: عمرو الجبة مكسوها هو, فحكم المفعول/ 50 حكم الفاعل, كما أن فُعِلَ "كفَعَلَ" في عمله, وحق خبر المبتدأ إذا كان جملة أن يكون خبرًا كاسمه يجوز4 فيه التصديق والتكذيب, ولا يكون استفهامًا ولا أمرًا ولا نهيًا وما أشبه ذلك مما لا يقال فيه صدقت ولا كذبت, ولكن العرب قد5 اتسعت في كلامها فقالت: زيد كم مرة رأيته, فاستجازوا6 هذا لما كان زيدٌ في المعنى والحقيقة داخلًا في جملة ما استفهم عنه, لأن الهاء هي زيدٌ, وكذلك كل ما اتسعوا فيه من هذا الضرب.

_ 1 بإبراز الضمير. 2 أي: إن قاما يدل على التثنية, وقاموا: يدل على الجمع، وقمن، يدل على جماعة الإناث. 3 إلا أنه يختلف عنه بجواز إضافته إلى ما هو مرفوع نحو: الورع محمود المقاصد اسم مفعول. وزيد مكسو العبد ثوبا. ثم إن اسم الفاعل يبنى من اللازم كما يبنى من المتعدي، كقائم وذاهب واسم المفعول إنما يبنى من فعل متعد لأنه جاز على "فعل" ما لم يسم فاعله، فكما أنه لا يبنى إلا من المتعدي كذلك اسم المفعول. 4 أضفت كلمة "يجوز" لإيضاح المعنى. 5 في "ب" إذا بدلا من "قد". 6 في "ب" واستجازوا.

شرح الثالث من الأسماء المرتفعة وهو الفاعل

شرح الثالث من الأسماء المرتفعة وهو الفاعل: الاسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو الذي بنيته على الفعل الذي بني للفاعل. ويجعل الفعل حديثًا عنه مقدمًا قبله كان فاعلًا في الحقيقة أو لم يكن

كقولك: جاء زيدٌ ومات عمروٌ, وما أشبه ذلك, ومعنى قولي: بنيته على الفعل الذي بني للفاعل, أي: ذكرت الفعل قبل الاسم, لأنك لو أتيت بالفعل بعد الاسم لارتفع الاسم بالابتداء, وإنما قلت على الفعل/51 الذي بني للفاعل, لأفرق بينه وبين الفعل الذي بني للمفعول إذ كانوا قد فرقوا بينهما فجعلوا "ضرب" للفاعل مفتوح الفاء و"ضرب" للمفعول مضموم الفاء مكسور العين, وقد جعل بينهما في جميع تصاريف الأفعال ماضيها ومستقبلها وثلاثيها ورباعيها وما فيه زائد منها فروق في الأبنية, وهذا يبين لك في موضعه إن شاء الله. وإنما قلت: كان فاعلًا في الحقيقة أو لم يكن, لأن الفعل ينقسم قسمين: فمنه حقيقي, ومنه غير حقيقي, والحقيقي ينقسم قسمين: أحدهما أن يكون1 الفعل لا يتعدى الفاعل إلى من سواه ولا يكون فيه دليل على مفعول, نحو: قمت وقعدت, والآخر أن يكون فعلًا واصلًا إلى اسم بعد اسم الفاعل, والفعل الواصل على ضربين: فضربٌ واصل مؤثر نحو: ضربت زيدًا وقتلت بكرًا, والضرب2 الآخر واصل إلى الاسم3 فقط4 غير مؤثر/ 52 فيه نحو: ذكرت زيدًا ومدحت عمرًا, وهجوت بكرًا, فإن هذه تتعدى إلى الحي والميت والشاهد والغائب, وإن كنت إنما تمدح الذات وتذمها إلا أنها غير مؤثرة5. ومنها الأفعال الداخلة على الابتداء والخبر وإنما تنبئ عن الفاعل بما هجس في نفسه أو تيقنه غير مؤثرة بمفعول, ولكن أخبار6 الفاعل بما7 وقع عنده نحو: ظننت زيدًا أخاك. وعلمت زيدًا خير الناس.

_ 1 أن يكون ساقط في "ب". 2 الضرب: ساقط في "ب". 3 الاسم: ساقط في "ب". 4 فقط: ساقطة في "ب". 5 في "ب" مؤيدة. 6 في "ب" أخبارًا بالنصب. 7 في "ب" إنما.

القسم الثاني: من القسمة الأولى1: وهو الفعل الذي هو غير فعل حقيقي, فهو على ثلاثة أضرب, فالضرب الأول: أفعال مستعارة للاختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو: مات زيدٌ, وسقط الحائط, ومرض بكر. والضرب الثاني: أفعال في اللفظ وليست بأفعال حقيقية, وإنما تدل على الزمان فقط, وذلك قولك: كان عبد الله أخاك, وأصبح عبد الله عاقلًا, ليست تخبر بفعل فعله إنما تخبر أن عبد الله أخوك فيما مضى/ 53 وأن الصباح أتى عليه وهو عاقل. والضرب الثالث: أفعال منقولة يراد بها غير الفاعل الذي جعلت له نحو قولك: لا أرينك2 ههنا, فالنهي إنما هو للمتكلم كأنه ينهي نفسه في اللفظ وهو للمخاطب في المعنى. وتأويله: لا تكونن ههنا فإن3 "من" حضرني رأيته ومثله قوله تعالى: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 4 لم ينههم عن الموت في وقت لأن5 ذلك ليس المهم تقديمه وتأخيره ولكن معناه: كونوا على الإسلام. فإن الموت لا بد منه, فمتى صادفكم صادفكم عليه, وهذا تفسير أبي العباس6 رحمه الله. فالاسم الذي يرتفع بأنه فاعل7 هو والفعل جملة يستغني عليها8

_ 1 في "ب" الأول والصواب ما أثبت. 2 في "ب" لا آتينك. 3 في "ب" فإنه. 4 البقرة: 132. 5 في "ب" فإن. 6 أبو العباس: محمد بن يزيد المبرد نحاة البصرة في عصره، أخذ عن الجرمي والمازني. مات سنة 285 وترجمته في طبقات الزبيدي/ 108 وأخبار النحويين البصريين للسيرافي/ 72, والفهرست/ 449، وفي نزهة الألباء/ 279، ومعجم الأدباء جـ7/ 279. 7 في "ب" والفعل والفاعل. 8 في "ب" بنفسها.

السكوت وتمت بها1 الفائدة للمخاطب, ويتم الكلام به دون مفعول والمفعول فضلة في الكلام كالذي تقدم, فأما2 الفعل فلا بد له من فاعل, وما يقوم مقام الفاعل بمنزلة الابتداء والخبر, ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد فهو بمنزلة قولك: القائم زيد. فالفاعل رفع إذا أخبرت عنه أنه "فَعَلَ" وسيفعل أو هو في حال/54 الفعل أو استفهمت عنه هل يكون فاعلًا أو نفيت أن يكون فاعلًا نحو: قام عبد الله ويقوم عبد الله. وسيقوم عبد الله. وفي الاستفهام: أيقوم عبد الله؟ وفي الجزاء إِنْ يذهب زيد أذهب. وفي النفي, ما ذهب زيد, ولم يقم عمرو, فالعامل هو الفعل على عمله أين نقلته لا يغيره عن عمله شيء أدخلت عليه ما يعمل فيه أو لم يعمل, فسواء كان الفعل مجزومًا أو منصوبًا أو مرفوعًا أو موجبًا أو منفيا أو خبرًا أو استخبارًا هو في جميع هذه الأحوال لا بدّ من أن يرفع به الاسم الذي بني له, فالأفعال كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها يرفع بها الفاعل بالصفة التي ذكرناها, ومن الأفعال ما لا يتصرف في الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل, ويقتصر به على زمان واحد3, فلا يتصرف في جميع تصاريف الأفعال, وقد أفردناها, وقد أعملوا اسم الفعل, وتأملت جميع ذلك فوجدت الأشياء التي ترتفع بها الأسماء ارتفاع الفاعل ستة أشياء: فعل متصرف, وفعل غير/ 55 متصرف, واسم الفاعل والصفة المشبهة باسم الفاعل والمصدر والأسماء التي سموا فيها الفعل في الأمر والنهي. فأما الأول: وهو الفعل المتصرف فنحو: قام وضربَ, وتصرفه أنك تقول: يقوم وأقوم وتقوم. وضربَ, ويضرب, وأضرب, وجميع تصاريف الأفعال جارية عليه ويشتق منه اسم الفاعل, فتقول: ضارب,

_ 1 في الأصل وتجب، والتصحيح من "ب". 2 في "ب" وأما. 3 وذلك نحو: دام وليس من الأفعال الناقصة. وعسى، وكرب من أفعال المقاربة، وفعل التعجب، ونعم وبئس.

والثاني: وهو الفعل الذي هو غير متصرف نحو: ليس وعسى وفعل التعجب ونعم وبئس لا تقول منه, يفعل ولا فاعل1. ولا يزول عن بناءٍ واحدٍ, وسنذكر هذه الأفعال بعد في مواضعها إن شاء الله. الثالث: وهو اسم الفاعل الجاري على فعله, نحو قولك: قام يقوم فهو قائم: وضرب يضرب فهو ضارب, وشرب, يشرب فهو شارب, فضارب وشارب2 وقائم أسماء الفاعلين. وقد بينا أن اسم الفاعل لا يحسن أن يعمل إلا أن يكون معتمدا على شيء قبله. وذكرنا ما يحسن من ذلك وما يقبح في باب/ 56 خبر الابتداء. والرابع: الصفة المشبهة باسم الفاعل, نحو قولك: حسن, وشديد تقول: الحسن وجه زيد, [و] 3 الشديد ساعدك, وما أشبهه. والخامس: المصدر نحو قولك, عجبت من ضرب زيدٍ عمرو, وتأويله: من أن ضربَ زيدًا عمرو. السادس: الأسماء التي يسمى الفعل بها في الأمر والنهي نحو قولهم: تراكها ومناعها, يريدون: أترك, وأمنع, ورويد زيدًا وهلم الثريد وصه, ومه يريدون: اسكت, وعليك زيدًا فهذه الأسماء إنما جاءت في الأمر وتحفظ حفظًا ولا يقاس عليها, وسنذكر جميع هذه الأسماء التي أوقعت موقع الفعل في بابها مشروحة إن شاء الله.

_ 1 لأن اسم الفاعل يشتق من الأفعال المتصرفة. 2 في الأصل: وشاتم، وأظنها تحريفا عن "وشارب". 3 أضفت "واوا" لأن الكلام يحتاجه.

شرح الرابع من الأسماء المرتفعة

شرح الرابع من الأسماء المرتفعة: وهو المفعول الذي لم يسم من فَعَلَ به, إذا كان الاسم مبنيا على فعلٍ بني للمفعول ولم يذكر من فعلَ به فهو رفع وذلك قولك: ضرب بكر وأخرج خالد, واستخرجت الدراهم, فبني الفعل للمفعول على "فعل" نحو:

"ضُرِبَ" وأفعلَ نحو: "أكرِمَ"/ 57 وتفعل نحو: تضرب, ونفعل نحو: نضرب فخولف بينه وبين بناءِ الفعل الذي بني للفاعل, لئلا يلتبس المفعول بالفاعل, وارتفاع المفعول بالفعل الذي تحدثت به عنه كارتفاع الفاعل إذا كان الكلام لا يتم إلا به ولا يستغني دونه, ولذلك قلت: إذا كان مبنيا على فعلٍ بني للمفعول أردت به ما أردت في الفاعل من أن الكلام لا يتم إلا به وقلت ولم تذكر من فعل به لأنك لو ذكرت الفاعل ما كان المفعول إلا نصبًا, وإنما ارتفع لما زال الفاعل وقام مقامه. واعلم: أن الأفعال التي لا تتعدى لا يبنى منها فعل للمفعول, لأن ذلك محال, نحو: قام, وجلس. لا يجوز أن تقول: قيم زيد ولا جلس عمرو, إذ كنت إنما تبني الفعل للمفعول, فإذا كان الفعل لا يتعدى إلى مفعول فمن أين لك مفعول تبنيه له, فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد نحو: ضربت زيدًا, أزلت الفاعل وقلت: ضرب زيد, فصار المفعول يقوم مقام/ 58 الفاعل وبقي الكلام بغير اسم منصوب لأن الذي كان منصوبًا قد ارتفع, وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين نحو: أعطيت زيدًا درهمًا, فرددته إلى ما لم يسم فاعله قلت: أُعطي زيد درهمًا, فقامَ أحد المفعولين مقامَ الفاعلِ, وبقيَ منصوب واحد1 في الكلام, وكذلك إن كان الفعل يتعدى إلى ثلاثة مفعولين نحو: أعلم الله زيدًا بكرًا خير الناس, إذا رددته إلى ما لم يسم فاعله قلت: أعلم زيد بكرًا خير الناس. فقام أحد المفعولين مقام الفاعل. وبقي في الكلام اسمان منصوبان, فعلى هذا يجري هذا الباب. وإن كان الفعل لا يتعدى لم يجز ذلك فيه, وإن كان يتعدى إلى مفعول واحدٍ بقي الفعل غير متعد, وإن كان يتعدى إلى اثنين بقي الفعل متعديًا إلى واحد, وإن كان يتعدى إلى ثلاثة, بقي الفعل يتعدى إلى اثنين, فعلى هذا فقس متى نقلت "فعل" الذي هو

_ 1 في سيبويه جـ1/ 19 إذا قلت: كسى عبد الله الثوب وأعطى عبد الله المال، رفعت عبد الله ههنا كما رفعته في "ضرب" حين قلت: ضرب عبد الله وشغلت به كسى وأعطى كما شغلت به "ضرب" وانتصب الثوب والمال لأنهما مفعولان تعدى إليهما فعل هو بمنزلة الفاعل.

للفاعل مبني إلى "فُعِلَ" الذي هو مبني للمفعول فانقص من المفعولات/ 59 واحدًا. وإذا نقلت "فَعَلَت" إلى أفعلتَ, فإن كان الفعل لا يتعدى في "فعلت" فعدهِ إلى واحدٍ إذا نقلته إلى "أفعلت" تقول: قمت فلا يتعدى إلى مفعول, فإن قلت "أفعلت" منه قلت: أقمت زيدا, وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد فنقلته من "فعلت" إلى "أفعلت" عديته إلى اثنين نحو قولك: رأيت الهلال هو متعد إلى مفعول واحدٍ فإن قلت: أريت زيدًا الهلال فيتعدى إلى اثنين, وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين فنقلته من "فعلت" إلى "أفعلت" تعدى إلى ثلاثة مفعولين, تقول علمت بكرًا خير الناس, فإن قلت: أعلمتُ, قلت: أعلمتُ بكرًا زيدًا خير الناس فتعدى إلى ثلاثة, فهذان النقلان مختلفان, إذا نقلت "فعلتُ" إلى "فعلتُ" نقصت من المفعولات واحدًا أبدًا, وإذا نقلت "فعلت" إلى "أفعلت" زدت في المفعولات واحدًا أبدًا, فتبين ذلك فإني إنما ذكرت "فعّلتُ" وإن لم يكن من هذا الباب, لأن الأشياء تتضح بضمها إلى أضدادها/ 60 واسم المفعول الجاري على فعله يعمل عمل الفعل نحو قولك: مضروب, ومعط, يعمل عمل أعطى, ونعطي تقول: زيد مضروب أبوه فترفع "أبوه" بمضروب, كما كنت ترفعه بضاربٍ إذا قلت: زيد ضارب أبوه عمرًا, وتقول: زيد معط أبوه درهمًا "فترفع الأب" "بمعط" وتقول: دفَع إلى زيد درهم, فترفع الدرهم لأنك جررت زيدًا فقام الدرهم مقام الفاعل, ويجوز أن تقول: سير بزيد, فتقيم "بزيد" مقام الفاعل, فيكون موضعه رفعًا ولا يمنعه حرف الجر1 من ذلك, كما قال: ما جاءني من أحد, فأحد فاعل, وإن كان مجرورًا "بمن" وكذلك قوله تعالى: {أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُم} 2.

_ 1 على شرط أن لا يكون حرف الجر للتعليل، فلا يقال: وقف لك.. لا من أجلك لا إذا جعلت نائب الفاعل ضمير الوقوف المفهوم من "وقف" فيكون التقدير: وقف الوقوف الذي تعهد لك. أو من أجلك، وإذا كان نائب الفاعل مؤنثًا لا يؤنث فعله، بل يجب أن يبقى مذكرا. تقول: ذهب بفاطمة. ولا يقال: ذهبت بفاطمة. 2 البقرة: 105.

فإن أظهرت زيدًا غير مجرور قلت: أعطى زيد درهمًا, وكسى زيد ثوبًا, فهذا وجه الكلام, ويجوز أن تقول: أعطى زيدًا درهم, وكسى زيدًا ثوب, كما كان الدرهم والثوب مفعولين, وكان لا يلبس على السامع الآخذ من المأخوذ جاز, ولكن لو قلت: أعطى/61 زيد عمرًا, وكان زيد هو الآخذ لم يجز أن تقول: أعطى عمرو زيدًا, لأن هذا يلبس إذ كان يجوز أن يكون كل واحد منهما آخذًا لصاحبه, وهو لا يلبس في الدرهم وما أشبه, لأن الدرهم لا يكون إلا مأخوذًا, وإنما هذا مجاز والأول الوجه. ومن هذا: أدخل القبر زيدًا, وألبستُ الجبة زيدًا, ولا يجوز على هذا, ضرب زيدًا سوطٌ, لأن سوطًا في موضع قولك: ضربةً بسوطٍ1 فهو مصدر. واعلم: أنه يجوز أن تقيم المصادر والظروف من الأزمنة والأمكنة مقام الفاعل في هذا الباب إذا جعلتها مفعولات على السعة وذلك نحو قولك: سير بزيد سير شديد, وضرب من أجل زيد عشرون سوطًا, واختلف به شهران, ومضى به فرسخان, وقد يجوز نصبها على الموضع, وإن كنت لم تقم المجرور مقام الفاعل, أعني قولك: بزيد على أن تحذف ما يقوم مقام الفاعل وتضمره/62 وذلك المحذوف على ضربين: إما أن يكون الذي قام مقام الفعل مصدرًا استغني عن ذكره بدلالة الفعل عليه, وإما أن يكون مكانًا دلَّ الفعل عليه أيضًا إذ كان الفعل لا يخلو من أن يكون في مكان كما أنه لا بد من أن يكون مشتقا من مصدره نحو قولك: سير بزيد فرسخًا أضمرت السير, لأن "سير" يدل على السير, فكأنك قلت: سير السير بزيد فرسخًا, ثم حذفت السير فلم تحتج إلى ذكره معه, كما تقول: من كذب كان شرا له, تريد: كان الكذب شرا له. ولم تذكر الكذب لأن "كذب" قد دل عليه ونظيره قوله تعالى: {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُم} 2. يعني البخل الذي دل عليه "يبخلون" وأما الذي يدل عليه الفعل من المكان فأن تضمر في

_ 1 في الأصل "بصوت" وليس له معنى. 2 آل عمران: 108.

هذه المسألة ما يدل عليه "سير" نحو الطريق وما أشبهه من الأمكنة. ألا ترى أن السير لا بد أن يكون في طريق, فكأنك/ 63 قلت: سير عليه الطريق فرسخًا, ثم حذفت لعلم المخاطب بما تعني, فقد صارَ في "سيرَ بزيدٍ" ثلاثة أوجه: أجودها أن تقيم, "بزيد" مقام الفاعل, فيكون موضعه رفعًا, وإن كان مجرورًا في اللفظ, وقد أريناك مثل ذلك. والوجه الثاني: الذي يليه في الجودة أن تريد المصدر فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه. والوجه الثالث: وهو أبعدها أن تريد المكان فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه. واعلم: أنك إذا قلت: سير بزيد سيرًا, فالوجه النصب في "سير" لأنك لم تفد بقولك "سيرًا" شيئًا لم يكن في "سير" أكثر من التوكيد, فإن وصفته فقلت: شديدًا أو هينًا, فالوجه الرفع لأنك لما نعته قربته من الأسماء وحدثت فيه فائدة لم تكن في "سير" والظروف بهذه المنزلة, لو قلت: سير بزيد مكانًا أو يومًا لكان الوجه النصب, فإن قلت: يوم كذا أو مكانًا بعيدًا أو قريبًا اختير الرفع والتقديم والتأخير والإِضمار والإِظهار في الاسم الذي قام مقام الفاعل ولم/ 64 يسم من فعل به مثله في الفاعل يجوز فيه ما جاز في ذلك لا فرق بينهما في جميع ذلك, وتقول: كيف أنت إذا نحى نحوك ونحوك على ما فسرنا, فإن قلت: نحى قصدك فالاختيار عند قوم من النحويين النصب لمخالفة لفظ الفعل لفظ المصدر, والمصادر والظروف من الزمان والمكان لا يجعل شيء منها مرفوعًا1 في هذا الباب حتى يقدر فيه أنه إذا كان

_ 1 مذهب البصريين إلا الأخفش، أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله مفعول به ومصدر. وظرف وجار ومجرور، تعين إقامة المفعول به مقام الفاعل، ولا يجوز إقامة غيره مقامه مع وجوده، وما ورد من ذلك شاذ أو مئول، ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود: تقدم أو تأخر، فتول: ضرب ضرب شديد زيدا، وضرب زيدا ضرب شديد، وكذلك في الباقي، واستدلوا لذلك بقراءة أبي جعفر: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} .. شرح ابن عقيل: 2/ 67.

الفاعل معه أنه مفعول صحيح فحينئذ يجوز أن يقام مقام الفاعل إذا لم تذكر الفاعل. فأما الحال والتمييز, فلا يجوز أن يجعل واحد منهما في محل الفاعل, إذا قلت: سير بزيد قائمًا أو تصبب بدن عمرو عرقًا, لا يجوز أن تقيم "قائمًا وعرقًا" مقام الفاعل, لأنهما لا يكونان إلا نكرة, فالفاعل وما قام مقامه يضمر كما يظهر, والمضمر لا يكون إلا معرفة وكذلك المصدر الذي يكون علة لوقوع الشيء نحو: جئتك ابتغاء الخير لا يقوم مقام الفاعل ابتغاء الخير, لأن المعنى لابتغاء الخير, ومن أجل ابتغاء الخير/ 65 فإن أقمته مقام الفاعل زال ذلك المعنى, وقد أجاز قوم في "كان زيد قائمًا" أن يردوه إلى ما لم يسم فاعله فيقولون: كين قائم. قال أبو بكر: وهذا عندي لا يجوز من قبل أن "كان" فعل غير حقيقي, وإنما يدخل على المبتدأ والخبر, فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقة, والمفعول غير مفعول على الصحة فليس فيه مفعول, يقوم مقام الفاعل, لأنهما غير متغايرين إذ كان إلى شيء واحد1, لأن الثاني هو الأول في المعنى. وقد نطق بما لم يسم فاعله في أحرف ولم ينطق فيها بتسمية الفاعل, فقالوا: أنيخت الناقة, وقد وضع زيد في تجارته, ووكس2, وأغرى به وأولع به, وما كان من نحو هذا مما أَخذ عنهم سماعًا وليس بباب يقاس عليه.

_ 1 في سيبويه 1/ 21، وإن شئت قلت: كان أخاك عبد الله "فقدمت كما فعلت ذلك في ضرب لأنه فعل مثله" وحال التقديم والتأخير فيه. كحاله في ضرب، إلا اسم الفاعل والمفعول فيه. لشيء واحد. 2 وَكَسَ: نَقَصَ، والوكس: النقص، في حديث أبي هريرة: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا" انظر اللسان مادة: وَكَسَ.

شرح الخامس وهو المشبه بالفاعل في اللفظ

شرح الخامس: وهو المشبه بالفاعل في اللفظ. المشبه بالفاعل على ضربين: ضرب منه ارتفع "بكان وأخواتها" وضرب آخر ارتفع بحروف شبهت "بكان" والفعل, وأخوات "كان": صار, وأصبح, وأمسى/ 66 وظل, وأضحى, وما دام, وما زال, وليس, وما أشبه ذلك مما يجيء عبارة عن الزمان فقط وما كان في معناهن مما لفظه لفظ الفعل, وتصاريفه تصاريف الفعل1, تقول: كان, ويكون, وسيكون, وكائن, فشبهوها بالفعل لذلك, فأما مفارقتها للفعل الحقيقي فإن الفعل الحقيقي يدل على معنى وزمان نحو قولك: ضرب يدل على ما مضى من الزمان وعلى الضرب الواقع فيه "وكان" إنما يدل على ما مضى من الزمان فقط "ويكون" تدل على ما أنت فيه من الزمان وعلى ما يأتي, فهي تدل على زمان فقط, فأدخلوها على المبتدأ وخبره, فرفعوا بها ما كان مبتدأ تشبيهًا بالفاعل و [نصبوا2 بها الخبر] تشبيهًا بالمفعول فقالوا: كان عبد الله أخاك, كما قالوا: ضرب عبد الله أخاك, إلا أن المفعول في "كان" لا بد من أن يكون هو الفاعل, لأن أصله المبتدأ وخبره, كما كان خبر المبتدأ لا بد من أن يكون هو المبتدأ فإذا قالوا/ 67 "كان زيد قائمًا" فإنما معناه: زيد قام فيما مضى من الزمان, فإذا قالوا: أصبح عبد الله منطلقًا, فإنما المعنى: أتى الصباح وعبد الله منطلق, فهذا تشبيه لفظي, وكثيرًا ما يعملون الشيء عمل الشيء إذا أشبهه في اللفظ وإن لم يكن مثله في المعنى وسترى ذلك إن شاء الله, فقد بان شبه "كان وأخواتها" بالفعل إذ كنت تقول: كان يكون, وأصبح يصبح وأضحى, ويضحى, ودام يدوم, وزال يزال, فأما ليس, فالدليل على أنها فعل وإن كانت لا تتصرف3 تصرف الفعل قولك: لست, كما تقول: ضربت ولستما كضربتما, ولسنا, كضربنا ولسن, كضربن,

_ 1 في الكتاب 1/ 21 فهو كائن ونكون، كما كان ضارب ومضروب. 2 أضفت ما بين القوسين لإيضاح المعنى. 3 قال سيبويه 1/ 21 وأما ليس فإنه لا يكون فيها ذلك "أي: التصرف" لأنها وضعت موضعا واحدا ومن ثم لم تصرف تصرف الفعل الآخر.

ولستن, كضربتن, وليسوا, كضربوا, وليست أمة الله ذاهبة كقولك: ضربت أمة الله زيدًا. وإنما امتنعت من التصرف, لأنك إذا قلت "كان" دللت على ما مضى, وإذا قلت "يكون" دللت على ما هو فيه وعلى ما لم يقع, وإذا قلت: ليس زيد قائمًا الآن أو غدًا أدت ذلك المعنى الذي في يكون,/ 68 فلما كانت تدل على ما يدل عليه المضارع استغني عن المضارع فيها, ولذلك لم تبن بناء الأفعال التي هي من بنات الياء مثل باع وبات. وإذا اجتمع في هذا الباب معرفة ونكرة فاسم "كان" المعرفة كما كان ذلك في الابتداء هو المبتدأ لا فرق بينهما في ذلك, تقول: كان عمرو منطلقًا, وكان بكر رجلًا عاقلًا, وقد يكون الاسم معرفة والخبر معرفة كما كان ذلك في الابتداء أيضًا, تقول: كان عبد الله أخاك, وكان أخوك عبد الله, أيهما شئت جعلته اسم "كان" وجعلت الآخر خبرًا لها, والشعراء قد يضطرون فيجعلون الاسم نكرة والخبر معرفة1 لعلمهم أن المعنى يئول إلى شيء واحد, فمن ذلك قول حسان: كأنَّ سلافةً منْ بيت رأسٍ ... يكون مزاجَها عسَل وماءُ2 وقال القطامي: قفي قبل التفرقِ يا ضباعا ... ولا يك موقف منكِ الوداعا3

_ 1 في المقتضب 1/ 91 واعلم: أن الشعراء يضطرون فيجعلون الاسم نكرة، والخبر معرفة, وإنما حملهم على ذلك معرفتهم أن الاسم والخبر يرجعان إلى شيء واحد. 2 مر تفسير هذا البيت، ص42. 3 استشهد بالشطر الأول سيبويه 1/ 331 على ترخيم "ضباعة" والوقف على الألف بدلا من الهاء. واستشهد بالشطر الثاني ابن هشام في المغني على جعل اسم "كان" نكرة وخبرها معرفة للضرورة، وأراد "بضباعة" ضباعة بنت زفر بن الحارث، ولا يك موقف يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون على الطلب والرغبة كأنه قال: لا تجعلي هذا الموقف آخر وداعي منك. والوجه الآخر: أن يكون على الدعاء كأنه قال: لا جعل الله موقفك هذا آخر الوداع، وفيه حذف مضاف، أي: "موقف" والبيت، مطلع قصيدة للقطامي في مدح زفر بن الحارث، وكان بنو أسد أحاطوا به وأسروه يوم الخابور وأرادوا قتله، فحال زفر بينه وبينهم وحماه وحمله، وكساه مائة ناقة، فمدحه بهذه القصيدة: وانظر: المقتضب 4/ 93، وابن يعيش 7/ 91، وارتشاف الضرب 356، والديوان/ 37.

وقد مضى تفسير هذا, وقد تخبر في هذا الباب بالنكرة عن النكرة إذا كان فيه فائدة وذلك قولك: ما كان/ 69 أحد مثلك, وليس أحد خيرًا منك, وما كان رجل قائمًا مقامك, وإنما صلح هذا هنا, لأن قولك: "رجل" في موضع الجماعة إذا جعلوا رجلًا رجلًا, يدلك على ذلك قولك: ما كان رجلان أفضل منهما. والمعول في هذا الباب وغيره على الفائدة, كما كان في المبتدأ والخبر. فما كانت فيه فائدة فهو جائز فأنت إذا قلت: ليس فيها أحد فقد نفيت الواحد والاثنين وأكثر من ذلك, ومثل هذا لا يقع في الإيجاب ونظير أحد عريب1 وكتيع2, وطورئ3 وديار, قال الراجز: وبلدة ليس بها ديار ومن هذه الأسماء ما يقع بعد "كل" لعمومها, تقول: يعلم هذا كل أحد, وأما قول الشاعر4:

_ 1 عريب: من الألفاظ الملازمة للنفي ومعناها: لا أحد. 2 كتيع: الكتيع: المنفرد من الناس. يقال: ما بالدار كتيع، أي: لا أحد. 3 طورئ: تقول العرب: ما بالدار طورئ، ولا دوري، أي: أحد، ولا طوراني مثله. ومثله قول الحجاج: وبلدة ليس بها طوري. انظر اللسان مادة "طور". 4 نسبه السيرافي للأخطل، وروى: لقد ظهرت، ولم يوجد في ديوان الأخطل، وإنما وجدته في ديوان ذي الرمة، ويروى كذلك: لقد بهرت فما تخفى على أحدٍ وذهب ابن السراج مذهب سيبويه ورأى أن أحدا الثانية حكاية لأحد الأولى، انظر شرح السيرافي 1/ 325، والموشح/ 182، والديوان/ 191.

حتى ظهرت فما تخفى على أحدٍ ... إلا على أحدٍ لا يعرف القمرا فقد فسر هذا البيت على ضربين: أحدهما: أن يكون "أحد" في معنى واحد كأنه قال: إلا على واحد لا يعرف القمرا, فأحد هذه هي التي تقع في قولك/70: أحد وعشرون وتكون على قولك "أحد" التي تقع في النفي فتجريه في هذا الموضع على الحكاية لتقديم ذكره إياه, ونظير ذلك أن يقول القائل: أما في الدار أحد, فتقول مجيبًا بلى, وأحد, إنما هو حكاية للفظ ورد عليه, وتقول: ما كان رجل صالح مشبه زيدًا في الدار, إذا جعلت في الدار خبرًا, ومعنى هذا الكلام أن زيدًا صالح فمشبهه مثله. فإن نصبت "مشبهًا" فقد ذممت زيدًا أو أخبرت أن ما كان صالحًا غير تشبيه. فإذا قلت: ما كان أحد مثلك, وما كان مثلك أحد فكلها نكرات لأن "مثل وشبه" يكن نكرات, وإن أَضفن إلى المعارف لأنهن لا يخصصن شيئًا بعينه لأن الأشياء تتشابه من وجوه, وتتنافى من وجوه, فإن أردت "بمثلك" المعروف "بشبهك" خاصة كان معرفة كأخيك. وتقول: ما كان في الدار أحد مثل زيد, إذا جعلت "في الدار" الخبر, وإن جعلت "في الدار" لغوًا نصبت المثل/ 71 قال الله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد} 1.

_ 1 الإخلاص: 4. والآية: تكلم عنها سيبويه في 1/ 27، فقال: وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير، والإلغاء، والاستقرار عربي جيد كثير فمن ذلك قوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد} وأهل الجفاء من العرب يقولون: ولم يكن كفوا له أحد "كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقر" وفي البحر المحيط 1/ 528-529 وقال مكي: سيبويه يختار أن يكون الظرف خبرا إذا قدمه وقد خطأه المبرد بهذه الآية، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبرا، انظر المقتضب 4/ 90، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم وإنما أجاز أن يكون خبرا وألا يكون خبرا.

والظروف يجوز أن يفصل بها بين "كان" وما عملت فيه لاشتمالها على الأشياء فتقديمها وهي ملغاة بمنزلة تأخيرها, واعلم: أن جميع ما جاز في المبتدأ وخبره من التقديم والتأخير, فهو جائز في "كان" إلا أن يفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه فإن فصلت بظرف ملغى جاز, فأما ما يجوز فقولك: كان منطلقًا عبد الله, وكان منطلقًا اليوم عبد الله, وكان أخاك صاحبنا, وزيد كان قائمًا غلامه, والزيدان كان قائمًا غلامهما, تريد كان غلامهما قائمًا, وكذلك: أخوات "كان" قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين} 1. وتقول: من كان أخاك إذا كانت "من" مرفوعة, كأنك قلت: أزيد كان أخاك, وتقول: من كان أخوك, إذا كانت "من" منصوبة, كأنك قلت: أزيدًا كان أخوك, وهذا كقولك: من ضرب أخاك؟ ومن ضرب أخوك؟ فما أجزته في المبتدأ والخبر من التقديم والتأخير/ 72 فأجزه فيها, ولكن لا تفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه, ولا تقل: كانت زيدًا الحمى تأخذ, ولا: كان غلامه زيد يضرب, لا تجز هذا إذا كان "زيد والحمى" اسمين لكان. فإن أضمرت في "كان" الأمر أو الحديث أو القصة وما أشبه ذلك وهو الذي يقال له: المجهول. كان ذلك المضمر اسم "كان" وكانت هذه الجملة خبرها, فعلى ذلك يجوز, كان زيدًا الحمى تأخذ, وعلى هذا أنشدوا: فَأَصْبَحُوا والنَّوى عَالي مُعَرّسِهم ... وَلَيَس كُلَّ النّوى يَلقَى المَسَاكِين2 كأنه قال: وليس الخبر يلقى المساكين كل النوى ولكن هذا المضمر

_ 1 الروم: 47. 2 من شواهد الكتاب 1/ 35، وجـ1/ 73 على الإضمار في ليس لأنها فعل، والدليل على ذلك إيلاؤها المنصوب. وكذلك ذكره بعض النحويين شاهدا على إضمار الشأن والحديث في "ليس" فنصب كل النوى بـ"يلقى" فتخلو الجملة لذلك من ضمير ظاهر, أو مقدر يعود على مرفوع "ليس" لأن ضمير الشأن لا يعود عليه من الجملة المخبر بها عنه ضمير، لأن هذا المخبر عنه هو الخبر في المعنى.. والمعرس: المنزل الذي ينزله المسافر آخر الليل، والتعريش: النزول في ذلك الوقت، يقول: أصبحوا وقد غطى النوى لكثرته على منزلهم، ولا يلقى المساكين أكثر النوى ولكنهم يأكلونه من الجهد والجوع وكان الشاعر معدودا من بخلاء العرب، ونزل به قوم فأطعمهم تمرا. والشاهد: لحميد بن مالك الأرقط. وانظر المقتضب 4/ 100، وشرح السيرافي 1/ 357، وأمالي ابن الشجري 2/ 203، وابن يعيش 7/ 104.

لا يظهر وأصحابنا1 يجيزون: غلامه كان زيد يضرب, فينصبون الغلام "بيضرب" ويقدمونه, لأن كلَّ ما جاز أن يتقدم من الأخبار جاز تقديم مفعوله, فلو قلت: غلامه ضرب زيد كان جيدًا2, فكان هذا بمنزلة: ضرب زيد غلامه. ولو رفعت الغلام, كان غير جائز, لأنه إضمار قبل الذكر3 فلا يجوز أن ينوي به/ 73 غيره فإن قال قائل: فأنت إذا نصبت فقد ذكرته قبل الاسم؟ قيل له4: إذا قدم ومعناه التأخير فإنما تقديره والنية فيه أن يكون مؤخرًا, وإذا كان في موضعه لم يجز أن تعني5 به غير موضعه, ألا ترى أنك تقول: ضرب غلامه زيد, لأن الغلام في المعنى مؤخرًا, والفاعل على الحقيقة قبل المفعول6, ولكن لو قلت: ضرب غلامه زيدًا, لم يجز لأن الغلام فاعل وهو في موضعه, فلا يجوز أن تنوي به غير ذلك الموضع7,

_ 1 أي البصريون: قال المبرد: ولو قلت: غلامه كان زيد يضرب، كان جيدا أن تنصب الغلام بـ"يضرب" لأن كل ما جاز أن يتقدم من الأخبار جاز تقديم مفعوله. انظر: المقتضب 4/ 101. 2 انظر المقتضب 4/ 102. 3 عاد على متأخر لظفا ورتبة، وهذا غير جائز. 4 أضيفت "له" لأن المعنى يقتضيها. 5 أي تنوي به. 6 عاد على متأخر لفظا لا رتبة، وهذا جائز. 7 في المقتضب 4/ 102 "ولو قلت: ضرب غلامه زيدا" كان محالا: لأن الغلام في موضعه. لا يجوز أن تنوي به غير ذلك الموضع.

وتقول: كان زيد قائمًا أبوه وكان زيد1 منطلقة جارية يحبها, والتقديم والتأخير في الأخبار المجملة بمنزلتها في الأخبار المفردة ما لم تفرقها, تقول: أبوه منطلق كان زيد تريد, كان زيد أبوه منطلق, وقائمة جارية يحبها كان زيد, تريد: كان زيد قائمة جارية يحبها. وفي داره ضرب عمرو خالدًا كان زيد. فإن قلت: كان في داره زيد أبوه, وأنت تريد: كان زيد في داره أبوه, لم يجز؛ لأن الظرف للأب فليس2 من/ 74 كان في شيء وقد فصلت به بينها وبين خبرها ولو قلت: كان في داره أبوه زيد, صلح لأنك قدمت الخبر بهيئته3 وعلى جملته فصار مثل قولك: كان منطلقًا زيد, ومثل ذلك: كان زيدًا أخواك يضربان4, هذا لا يجوز, فإن قدمت: "يضربان زيدًا" جاز, وتجوز هذه المسألة إذا أضمرت في "كان" مجهولًا وتقول: زيد كان منطلقا أبوه, فزيد مبتدأ وما بعده خبر له, وفي "كان" ضمير زيد وهو اسمها, ومنطلقًا أبوه "خبره", وإن شئت رفعت "أبا" بـ"كان" وجعلت "منطلقا" خبره, وتقول: زيد5 منطلقًا أبوه كان, تريد: زيد6 كان منطلقًا أبوه. مثل المسألة التي قبلها. وقال قوم: أبوه قائم كان "زيد" خطأ لأن ما لا تعمل فيه "كان" لا يتقدم قبل "كان" والقياس ما خبرتك به إذ كان قولك: أبوه قائم في موضع قولك: "منطلقًا" فهو بمنزلته فإذا لم يصح سماع الشيء عن العرب لُجئ فيه إلى القياس, ولا يجيزون أيضًا/75: كان أبوه قائم زيد. وكان أبوه زيد أخوك, وكان أبوه يقوم أخوك. هذا خطأ عندهم لتقديم المكنى على الظاهر. وهذا جائز عندنا لأنك تقدم المكنى على الظاهر في الحقيقة وقد مضى تفسير المكنى: أنه إذا كان في غير

_ 1 في "ب" عبد الله بدلا من "زيد". 2 في "ب" و"ليس". 3 في "ب" هيئة. 4 في "ب" يضربانه. 5 في "ب" وتقول زيدا منطلقا. 6 في "ب" كان زيد منطلقا أبوه.

موضعه وتقدم جاز تقدمه, لأن النية فيه أن يكون متأخرًا, والذي لا يجوز عندنا أن يكون قد وقع في1 موقعه وفي2 مرتبته فحينئذ لا يجوز أن ينوى به غير موضعه, ولأصول التقديم والتأخير موضع يذكر فيه إن شاء الله. ولا يحسن عندي أن تقول: "آكلًا كان زيد طعامك" من أجل أنك فرقت بين آكل, وبين3 ما عمل فيه بعامل آخر, ومع ذلك فيدخل لبس في بعض الكلام, وإنما يحسن4 مثل هذا في الظروف نحو قولك: راغبًا كان زيد فيك, لاتساعهم5 في الظروف, وأنهم6 جعلوا لها فضلًا على غيرها في هذا المعنى, ولا أجيز أيضًا: آكلًا كان زيد أبوه طعامك, أريد7 به8: كان زيد آكلا/76 أبوه طعامك, للعلَّة التي ذكرت لك, بل هو ههنا أقبح, لأنك فرقت بين "آكل" وبين ما ارتفع به, وفي تلك المسألة إنما9 فرقت بينه وبين ما انتصب به, والفاعل ملازم لا بد منه, والمفعول فضلة, وقوم لا يجيزون: كان خلفك أبوه زيد, وهو جائز عندنا وقد مضى تفسيره, ويقولون10: لا يتقدم "كان" فعل11 ماضٍ ولا مستقبل. وما جاز أن يكون خبرًا فالقياس12 لا يمنع من تقديمه إذ كانت الأخبار تقدم إلا أني لا أعلمه مسموعًا من العرب. ولا

_ 1 في: ساقطة في "ب". 2 في: ساقطة في "ب". 3 بين: ساقطة في "ب". 4 في "ب" حسن. 5 في "ب" لأنهم اتسعوا. 6 وأنهم: ساقطة في "ب". 7 في "ب" تريد. 8 به: ساقطة في "ب". 9 في "ب" أيضا بدلا من "إنما". 10 ويقولون: ساقطة في "ب". 11 فعل: ساقط في "ب". 12 في "ب" والقياس.

يتقدم خبر "ليس" قبلها1 لأنها لم تصرف تصرف "كان"2 لأنك لا تقول: منها يفعل ولا فاعل, وقد شبهها بعض العرب بـ"ما"3 فقال: ليس الطيب إلا المسك, فرفع وهذا قليل, فإذا أدخلت على "ليس" ألف الاستفهام كانت تقريرًا ودخلها معنى الإيجاب فلم يجىء معها أحد لأن أحدًا إنما يجوز مع حقيقة النفي لا تقول: أليس أحد في الدار؛ لأن المعنى يئول إلى قولك: أحد في الدار, وأحد لا يستعمل في الواجب, ولذلك لا يجوز4 أن تجيء إلا مع التقرير, لا يجوز5 أن تقول/ 77 فيها, لأن المعنى يئول إلى قولك: زيد إلا فيها وذا لا يكون كلامًا, وقد أدخلوا الباء في خبر "ليس" توكيدًا للنفي تقول: ألست بزيد, ولست بقائم: وقالوا: أليس إنما قمت. ولا يجيء "إنما" إلا مع إدخال الألف كذا حكى وتقول: ليس عبد الله بحسن ولا كريمًا6, فتعطف "كريمًا" على "بحسن" لأن موضعه نصب, وإنما تدخل الباء هنا تأكيدًا للنفي. وتقول: ليس عبد الله بذاهب ولا خارج عمرو, على أن تجعل عمرًا "مبتدأ" وخارجًا خبره, ولك أن تنصب فتقول: ليس عبد الله بذاهب ولا خارجًا عمرو, على أنه معطوف على خبر "ليس" قبل الباء, ولا يحسن, ليس عبد الله بذاهب ولا خارج زيد, فتجر بالباء ويرتفع زيد بـ"ليس" لا يجوز هذا لأنك قد عطفت بالواو على عاملين وإنما تعطف حروف العطف على عامل واحد ولكن تقول: ليس زيد بخارج ولا ذاهب أَخوه, فتجري "ذاهبًا" على "خارج"

_ 1 في "ب" عليها بدلا من قبلها. 2 مذهب الكوفيين: أنه لا يجوز تقديم خبر "ليس" عليها، بينما ذهب البصريون: إلى أنه يجوز تقديم خبر "ليس" عليها كما يجوز تقديم خبر كان عليها، ولكل من الطرفين حجج مشروحة في الإنصاف جـ1/ 92-93. 3 أي تغلب عليها الحرفية فهي نافية فقط. 4 في "ب" لم يجز. 5 في "ب" فلا. 6 انظر الكتاب 1/ 33.

وترفع الأخ بـ"ذاهب" لأنه ملبس بـ"زيد" وهو من سببه, فكأنك قلت: ليس زيد بذاهب ولا خارج, ولو حملت "الأخ"/ 78 على "ليس", لم يجز, من أجل أنك تعطف على عاملين, على "ليس" وهي عاملة وعلى "الباء" وهي عاملة, وقالوا: ما كان عبد الله ليقوم, ولم يكن ليقوم, فأدخلوا اللام مع النفي ولا يجوز هذا في أخوات "كان". ولا تقول: ما كان ليقوم, وهذا يتبع فيه السماع. واعلم: أن خبر "كان" إذا كنيت عنه جاز أن يكون منفصلًا ومتصلًا, والأصل أن يكون منفصلًا, إذ كان أصله أنه خبر مبتدأ, تقول: كنت إياه, وكان إياي, هذا الوجه, لأن خبرها خبر ابتداء وحقه الانفصال, ويجوز كأنني وكنته كقولك: "ضربني وضربته", لأنها متصرفة تصرف الفعل, فالأول استحسن للمعنى, والثاني لتقديم اللفظ قال أبو الأسود: فإنْ لا يَكُنْهَا أَوْ تَكُنْهُ فإنَّهُ ... أَخُوها غَذَتهُ أُمهُ بِلِبَانِهَا1 و"لكان" ثلاثة مواضع: الأول: التي يكون لها اسم وخبر. الثاني: أن يكون بمعنى وقع وخلق2 فتكتفي بالاسم وحده ولا

_ 1 استشهد به سيبويه 1/ 21، على أن "كان" تجري مجرى الأفعال الحقيقية في عملها فيتصل بها خبرها الضمير اتصال ضمير المفعول بالفعل الحقيقي في نحو: ضربته. وكان أبو الأسود يخاطب به مولى له كان حمل له تجارة إلى الأهواز وكان إذا مضى إليها يتناول شيئا من الشراب فاضطرب أمر البضاعة. واللبان, بكسر اللام، تقول: هو أخوه بلبان أمه، ولا يقال: بلبن أمه. ويريد الشاعر: نبيذ الزبيب, وانظر المقتضب 3/ 98، وأدب الكاتب/ 32، وشرح السيرافي 1/ 307، وإصلاح المنطق/ 297 والإنصاف/ 49، وابن يعيش/ 3/ 107، وتفسير المسائل المشكلة للفارقي/ 70. 2 أي: التامة. قال سيبويه: وقد يكون "لكان" موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه، تقول: قد كان عبد الله، أي: قد خلق عبد الله وقد كان الأمر، أي: وقع الأمر. انظر الكتاب 1/ 21.

تحتاج إلى خبر, وذلك قولك: أنا أعرفه مذ كان زيد, أي: مذ خلق, وقد كان الأمر, أي: وقع, وكذلك أمسى/ 76 وأصبح تكون مرة بمنزلة "كان" التي لها خبر ومرة بمنزلة استيقظ ونام فتكون أفعالًا تامة تدل على معان وأزمنة. ولا ينكر أن يكون لفظ واحد لها معنيان وأكثر, فإن ذلك في لغتهم كثير. من ذلك قولهم وجدت عليه من الموجدة1, ووجدت يريدون. وجدان الضالة2, وهذا أكثر من أن يذكر هنا. الثالث: أن تكون توكيدًا زائدة نحو قولك: زيد كان منطلق, إنما معناه: زيد منطلق, وجاز الغاؤها لاعتراضها3 بين المبتدأ والخبر. ذكر الضرب الثاني: وهو ما ارتفع بالحروف المشبهة بالأفعال. فمن ذلك "ما" وهي تجري مجرى "ليس" في لغة أهل الحجاز, شبهت بها في النفي خاصة لأنها نفي, كما أنها نفي, يقولون: ما عمرو منطلقًا, فإن خرج معنى الكلام إلى الإيجاب لم ينصبوا كقولك: ما زيد إلا منطلق/80 وإن قدموا الخبر على الاسم رفعوا أيضًا فقالوا: "ما منطلق زيد"4 فتجتمع

_ 1 الموجدة: الكرة. 2 ويكون من وجدت، في معنى علمت وذلك قولك: وجدت زيدا كريما، ومن ذلك أيضا "رأيت" تكون من رؤية العين، وتكون من العلم كقوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّل} . وقال الشاعر خداش بن زهير: رأيت الله أكبر كل شيء ... محافظة وأكثرهم جنودا 3 في "ب" باعتراضها. 4 اشترط سيبويه لعمل ما الحجازية شروطا، منها: أن لا يتقدم خبرها على اسمها، وذلك لأنها فرع على ليس فلا تقوى قوة الفعل ولم تتصرف تصرفه، وأن لا ينتقض نفيها بإلا، فإن انتقض بطل عملها كبطلان معنى "ليس" فلذلك ارتفع قولك: ما زيد إلا منطلق، واستوت فيه اللغتان ومن ذلك قوله عز وجل: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} وذلك أن عملها إنما كان لأجل النفي الذي به شابهت "ليس" فكيف تعمل مع زوال المشابهة، وأن لا يبدل من خبرها موجب، فإن أبدل بطل عملها نحو: ما أنت إلا شيء لا يعبأ به. وأن لا يقترن اسمها "بأن" الزائدة نحو: ما أن زيد ذاهب وقول الشاعر: وما أن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا انظر الكتاب 1/ 29، 362، 475.

اللغة الحجازية والتميمية فيهما معًا, لأن بني تميم لا يعملونها في شيء ويدعون الكلام على ما كان عليه قبل النفي, يعني الابتداء فإذا قلت: ما يقوم زيد فنفيت ما في الحال حسن. فإن قلت: ما يقوم زيد1 غدًا كان أقبح, لأن هذا الموضع خصت2 به "لا"3 يعني نفي المستقبل. ولو قلت: "ما قام زيد" كان حسنًا كأنه قال: "قام" فقلت أنت5: ما قام, فإن6 أخرت فقلت: ما زيد قام أو يقوم, كان حسنًا أيضًا, وتقول: ما زيد بقائم فتدخل الباء كما أدخلتها في خبر "ليس" فيكون موضع "بقائم" نصبًا, فإن قدمت الخبر لم يجز لا تقول: ما بقائم زيد, من أجل أن خبرها إذا كان منصوبًا لم يتقدم, والمجرور كالمنصوب, ولو قلت: ما زيد بذاهب ولا بخارج أخوه: وأنت تريد أن تحمل "الأخ" على ما لم يكن كلامًا لأن "ما" لا تعمل في الاسم إذا قدم خبره, وتقول: ما كل يوم مقيم فيه زيد ذاهب فيه عمرو منطلقًا فيه خالد تجعل "مقيمًا"/ 81 صفةً "ليوم" وذاهب فيه7 صفة "لكل" و"منطلقًا" موضع الخبر, هذا على لغة أهل الحجاز, وتقول: ما كل ليلة مقيمًا فيها زيد, وإذا قلت: ما طعامك زيد آكل, وما فيك زيد راغب ترفع الخبر لا غير, من أجل تقديم مفعوله, فقد قدمته في التقدير لأن مرتبة8 العامل قبل المعمول فيه, ملفوظًا به أو مقدرًا, وقوم

_ 1 زيد: ساقطة في "ب". 2 في "ب" يكون. 3 في "ب" للا. 4 زيد: ساقطة في "ب". 5 أنت: ساقطة في "ب". 6 في "ب" وإن. 7 فيه: ساقطة في "ب". 8 مرتبة: ساقطة في "ب".

يجيزون إدخال الباء في هذه المسألة فيقولون: ما طعامك زيد بآكل, وما فيك زيد براغب. إلا أنهم يرفعون الخبر إذا لم تدخل الباء, ولا يجيزون نصب الخبر في هذه المسألة. وتقول: ما زيد قائمًا, بل قاعد1 لا غير لأن النفي نصبه, ومن أجل النفي شبهت "ما" بليس فلا يكون بعد التحقيق إلا رفعًا, وتقول زيد ما قام, وزيد ما يقوم, ولا يجوز: زيد ما قائمًا ولا زيد ما قائم, ولا زيد ما خلفك حتى تقول: ما هو قائمًا, وهو خلفك لأن "ما" حقها أن يستأنف بها ولا يجوز أن تضمر فيها إذ كانت حرفًا ليس بفعل وإنما يضمر في الأفعال/82 ولا يجوز: طعامك ما زيد آكل أبوه, على ما فسرت لك, وقد حكي عن بعض من تقدم من الكوفيين إجازته, ويجوز إدخال من على الاسم الذي بعدها إذا كان نكرةً تقول: ما من أحد في الدار, وما من رجل فيها. ويجوز أن تقول: ما من رجل غيرك وغيرك بالرفع والجر, ويكون موضع رجل رفعا قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه} 2 وغيره على المعنى وعلى اللفظ. وإنما تدخل "من" في هذا الموضع لتدل على أنه قد نفى كل رجل وكل أحد. ولو قلت: ما رجل في الدار لجاز أن يكون فيها رجلان وأكثر, وإذا قلت: ما من رجل في الدار, لم يجز أن يكون فيها أحد البتة. وقال الأخفش3: إن شئت قلت -وهو رديء: ما

_ 1 تعرب "قاعد" خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: هو قاعد. 2 الأعراف: 59. وهود: 50. وقد قرئ في السبعة جميعها برفع الراء وضم الهاء من "غيره" كما قرئ بكسر الراء والهاء، انظر النشر 2/ 270. والإتحاف/ 226، غيث النفع/ 104. 3 الأخفش: هو الأخفش الأوسط: أخذ النحو عن سيبويه، وكان معتزليا حاذقا في الجدل. قال المبرد: كان الأخفش أكبر سنا من سيبويه. وكانا جميعا يطلبان، قال: فجاء الأخفش يناظره، بعد أن برع، فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا لغيره، فقال سيبويه: أتراني أشك في هذا؟ ومات سنة 210هـ ترجمته في أخبار النحويين البصريين/ 38، وطبقات الزبيدي/ 74، وإنباه الرواة 2/ 36، ونزهة الألباء/ 185.

ذاهبا إلا أخوك1, وما ذاهبا إلا جاريتك تريد: ما أحد ذاهبًا, وهذا رديء لا يحذف "أحد" وما أشبهه حتى يكون معه كلام نحو: ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا وكذا, و"مات" في موضع نصب على مفعول "ما" في لغة أهل الحجاز/ 83 وفي كتاب الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِه} 2. والمعنى: ما من أهل الكتاب أحد, {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} 3. أي: وإن أحد منكم, ومعنى: "إن" معنى: "ما" فقد بان أن في "ما" ثلاث لغات: ما زيد قائمًا وما زيد بقائم وما زيد قائم, والقرآن جاء بالنصب4 وبالباء ومما شبه من الحروف بـ"ليس" "لات" شبهها بها أهل الحجاز وذلك مع الحين خاصة, قال الله تعالى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاص} 5 قال سيبويه6: تضمر فيها مرفوعًا, قال: نظير "لات" في أنه لا يكون إلا مضمرًا فيها "ليس" و"لا يكون" في الاستثناء إذا قلت: أتوني ليس زيدًا, ولا يكون

_ 1 في "ب" أخواك. 2 النساء: 159، قال الزمخشري في الكشاف جـ1/ 312، جملة "ليؤمن به" جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره: "وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمن به". والمعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى، وبأنه عبد الله ورسوله. وفي البحر المحيط 3/ 392: قال الزجاج: وحذف أحد لأنه مطلوب في كل نفي. يدخله الاستثناء نحو: ما قام إلا زيد معناه: ما قام أحد إلا زيد. وقال: قال أبو حيان مشيرا إلى كلام الزمخشري: وهو غلط فاحش، صفة "أحد" الجار والمجرور، وهو من أهل الكتاب. وجملة "ليؤمنن به" جواب القسم المحذوف، القسم وجوابه في موضع رفع خبر المبتدأ الذي هو "أحد" المحذوف، وانظر المغني 1/ 166. 3 مريم: 71. 4 من ذلك قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} . {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} . 5 ك ص: 3. 6 سيبويه: هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريين في النحو غير منازع، أصله من فارس. ونشأ بالبصرة، وكان في لسانه حبسة، أخذ النحو عن أعلم العلماء العربية الخليل بن أحمد الفراهيدي، وعيسى بن عمرو، ويونس بن حبيب، وكتابه أعظم كتب النحو منذ دون للآن. قيل: مات بشيراز سنة 180هـ عن 32 سنة. وقيلت أقوال كثيرة غير ذلك. وقد ذكر السيرافي نسبه بالتفصيل: انظر شرح الكتاب جـ1/ 308 وأخبار النحويين/ 37.

بشرًا, قال: وليست لات كـ"ليس" في المخاطبة والإِخبار عن غائب, تقول: لست وليسوا. وعبد الله ليس منطلقًا, ولا تقول: عبد الله لات منطلقًا, ولا قومك لاتوا منطلقين. قال: وزعموا: أن بعضهم قرأ: ولات حين مناص وهو عيسى1 بن عمر وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعيد بن مالك: مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِهَا ... فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لا بَراحُ2 فجعلها بمنزلة "ليس"3 قال: و"لات" بمنزلة "لا" في هذا الموضع في/ 84 في الرفع ولا يجاوز بها الحين4 يعني: إذا رفعت ما بعدها تشبيهًا "بليس" فلم يجاوز بها الحين أيضًا وأنها لا تعمل إلا في "الحين" رفعت أو

_ 1 عيسى بن عمر: مولى خالد بن الوليد المخزومي إمام النحو في عصره، وله فيه كتابان: الجامع والإكمال وفيهما يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي: بطل النحو جميعا كله ... غير ما أحدث عيسى بن عمر ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر توفي سنة 149هـ ترجمته في طبقات الزبيدي رقم 12، والإرشاد لياقوت جـ1/ 100، ونزهة الألباء/ 25، وأخبار النحويين للسيرافي/ 25. 2 من شواهد الكتاب 1/ 28، على إجراء "لا" مجرى ليس في بعض اللغات كما أجريت "ما" مجراها في لغة أهل الحجاز. 3 وقوله: ابن قيس: أي: قيس بن ثعلبة الحصن المعروفة بشجاعتها والبراح، مصدر: برح براحا إذا زال من مكانه. وانظر: الكتاب 1/ 354. والمقتضب 4/ 36. وشرح السيرافي 3/ 62. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 54. وشرح الحماسة 2/ 73. والإنصاف/ 367. وابن يعيش 1/ 108. وأمالي ابن الشجري 1/ 282. والمغني 1/ 264. والخزانة 1/ 223. والعيني 2/ 60. والأشباه والنظائر 4/ 60. والسيوطي 208، والتصريح 1/ 199، والأشموني 1/ 422. 4 انظر الكتاب جـ1/ 28.

نصبت. وقال الأخفش الصغير1 أبو الحسن سعيد بن مسعدة: إنها لا تعمل في القياس2 شيئًا. قال أبو بكر: والذي قال سيبويه: أنه يضمر في "لات" إن كان يريد أن يضمر فيها كما يضمر في الأفعال فلا يجوز لأنها حرف من الحروف والحروف لا يضمر فيها, وإن كان يريد أنه حذف الاسم بعدها وأضمره المتكلم كما فعل في قوله في "ما" ما منهما مات أراد "أحدًا"3 فحذف وهو يريده فجائز. وقوم يدخلون في باب "كان" عودة الفعل كقولك: لأن ضربته لتضربنه السيد الشريف وقولك: عهدي بزيد قائمًا, وهذا يذكر مع المحذوف والمحذوفات, ومما شبه أيضًا بالفاعل في اللفظ أخبار الحروف التي تدخل على المبتدأ وخبره فتنصب الاسم وترفع الخبر وهي إن وأخواتها, وسنذكرها مع ما ينصب, وهذه الحروف/85 أعني "إن واخواتها" خولف بين عملها وبين عمل الفعل بأن قدم فيها المنصوب على المرفوع. وإنما أعملوا "ما" على "ليس" لأن معناها معنى "ليس" لأنها نفي كما أنها نفي ومع ذلك فليس كل العرب يعملها عمل "ليس" إنما روي ذلك عن أهل الحجاز, وكان حق "ما" أن لا تعمل شيئًا إذ كانت تدخل على الأسماء والأفعال ورأيناهم4 إنما أعملوا من الحروف في الأسماء ما لا يدخل على الأفعال وأعملوا منها في الأفعال ما لا يدخل على الأسماء. فأما ما يدخل على الأسماء والأفعال منها فألغوه من العمل5, وقد بين هذا فيما مضى, وإذ قد ذكرنا ما يرتفع من الأسماء فكان

_ 1 الأخفش الصغير عندنا في الوقت الحالي، هو أبو الحسن علي بن سليمان، وكان قد قرأ على ثعلب والمبرد، مات سنة 315هـ، وهو من معاصري ابن السراج، فربما أراد المؤلف: أنه صغير عنده بالنسبة للأخفش الكبير أبي الخطاب، وفي نسخة "ب" لم يذكر "الصغير" فقد يكون الناسخ أضاف هذه الكلمة. 2 القياس: ساقطة في "ب". 3 في الأصل "أحدا" بالرفع. 4 في "ب" ولم نرهم. 5 العمل: ساقطة في "ب".

ما يرتفع منها بأنه مبتدأ وخبر, مبتدأ, معنيان فقط, لا يتشعب منهما فنون كما عرض في الفعل أن منه متصرفًا أو غير متصرف, ومنه أسماء شبهت بالفعل, وقد ذكرنا الفعل المتصرف فلنذكر الفعل الذي هو غير متصرف, ثم نتبعه بالأسماء إن شاء الله.

ذكر الفعل الذي لا يتصرف

ذكر الفعل الذي لا يتصرف شرح التعجب ... ذكر الفعل الذي لا يتصرف: اعلم: أن كل فعل لزم بناء واحدًا فهو غير متصرف وقد ذكرت أن التصرف أن يقال فيه, فعل يفعل ويدخله/ 86 تصاريف الفعل, وغير المتصرف ما لم يكن كذلك, فمن الأفعال التي لم تتصرف ولزمت بناءً واحدًا فعل التعجب نحو: ما أحسن زيدًا وأكرم بعمرو, والفعلان المبنيان للحمد والذم, وهما نعم وبئس. فهذه الأفعال وما جرى مجراها لا تتصرف ولا يدخلها حروف المضارعة ولا يبني منها اسم فاعل. شرح التعجب: فعل التعجب على ضربين, وهو منقول1 من بنات الثلاثة, إما إلى أفعل ويبنى2 على الفتح لأنه ماض وإما إلى أفعل3 به ويبنى4 على الوقف, لأنه على لفظ الأمر5. فأما6 الضرب الأول: وهو أفعل يا هذا, فلا بد من أن تلزمه "ما" تقول: ما أحسن زيدًا وما أجمل خالدًا, وإنما لزم فعل التعجب لفظًا واحدًا

_ 1 من: ساقطة في "ب". 2 في "ب" مبنى. 3 به: ساقطة في "ب". 4 في "ب" مبنى. 5 في "ب" لأن لفظه لفظ. 6 في "ب" وأما.

ولم يصرف ليدل على التعجب ولولا ذلك لكان كسائر الأخبار لأنه خبر ويدل على أنه خبر أنه يجوز لك أن تقول فيه صدق أو كذب, فإذا قلت: ما أحسن زيدًا فـ"ما" اسم مبتدأ وأحسن خبره وفيه ضمير الفاعل, وزيد مفعول به و"ما" هنا اسم تام/87 غير موصول فكأنك قلت: شيء حسن زيدًا ولم تصف أن الذي حسنه شيء بعينه فلذلك لزمها أن تكون مبهمة غير مخصوصة كما قالوا: شيء جاءك أي: ما جاءك إلا شيء وكذلك: شر أهر ذا ناب, أي: ما أهره إلا شر, ونظير ذلك, إني مما أن أفعل, يريد: أني من الأمر أن أفعل, فلما كان الأمر مجهولًا جعلت "ما" بغير صلة ولو وصلت لصار الاسم معلومًا, وإنما لزمه الفعل الماضي وحده, لأن التعجب إنما يكون مما وقع وثبت ليس مما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون, وإنما جاء هذا الفعل على "أفعل" نحو: أحسن وأجمل؛ لأن فعل التعجب إنما يكون مفعولًا من بنات الثلاثة فقط نحو: ضرب وعلم ومكث: لا يجوز غير ذلك نحو: ضرب زيد ثم تقول: ما أضربه, وعلم ثم تقول: ما أعلمه, ومكث ثم تقول: ما أمكثه, فتنقله من فَعَلَ أو فَعِلَ أو فَعُلَ إلى "أفعل يا هذا"1 كما كنت تفعل هذا2 في غير التعجب, ألا ترى أنك تقول: حسن زيد, فإذا أخبرت أن فاعلًا فعل ذلك3 به قلت: حسن4 الله/ 88 زيدًا فصار الفاعل مفعولًا, وقد بينت لك كيف ينقل "فعَل" إلى "فعِل" فيما مضى وإذا قلت: ما أحسن زيدًا, كان الأصل, حسن زيد ثم نقلناه, إلى "فُعل" فقلنا: شيء أحسن زيدًا وجعلنا "ما" موضع شيء ولزم لفظًا واحدًا ليدل على التعجب كما يفعل ذلك في الأمثال. فإن قال قائل فقد قالوا: ما أعطاه وهو من "أعطى يعطي" وما أولاه

_ 1 يا هذا: ساقطة في "ب". 2 في "ب" ذلك. 3 ذلك: ساقطة في "ب". 4 في "ب" أحسن.

بالخير؟ قيل: هذا على حذف الزوائد1, لأن الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله, وكذلك ولي وأولى غيره وقال الأخفش2: إذا قلت: ما أحسن زيدًا فـ"ما": في موضع الذي, وأحسن: زيدًا صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك: حسبك؛ لأن فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر, وقد طعن3 على هذا القول: بأن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها, وهذا الباب عندي يضارع باب "كان وأخواتها" من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئًا غير المفعول ولهذا ذكره سيبويه4 /89 بجانب باب "كان وأخواتها" إذ كان "باب كان"الفاعل فيه هو المفعول5. فإن قال قائل: فما بال هذه الأفعال تصغر نحو: ما أُميلحه وأُحيسنه, والفعل لا يصغر؟ فالجواب في ذلك: أن هذه الأفعال لما لزمت موضعًا واحدًا ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى "يفعل"6 وغيره من الأمثلة فصغرت كما تصغر, ونظير ذلك: دخول ألفات الوصل في الأسماء نحو: ابن واسم وامرئ, وما أشبهه, لما دخلها النقص الذي لا يوجد إلا في الأفعال, والأفعال7 مخصوصة به فدخلت عليها ألفات الوصل لهذا السبب فأسكنت أوائلها للنقص وهذه الأسماء المنقوصة تعرفها إذا ذكرنا التصريف إن شاء الله.

_ 1 في "ب" الزائد. 2 مرت ترجمته ص/110. 3 ذكر المبرد 4/ 177 وقد قال قوم: أن "أحسن" صلة "ما" والخبر محذوف، قال: وليس كما قالوا: وذلك أن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها، إنما هربوا من أن تكون "ما" وحدها اسما فتقديرهم: الذي حسن زيدا شيء. والقول فيها ما بدأنا به من أنها تجري بغير صلة لمضارعتها الاستفهام والجزاء في الإبهام. 4 مرت ترجمته ص/ 83. 5 انظر الكتاب 1/ 35، 36، 37. 6 في "ب" الفعل. 7 في "ب" هي بدلا من الأفعال.

وقولك: ما أحسنني1, يعلمك أنه فعل, ولو كان اسمًا لكان ما أحسنني مثل ضاربي, ألا ترى أنك لا تقول: ضاربني. والضرب الثاني: من التعجب: يا زيد أكرم بعمروٍ, ويا هند أكرم بعمروٍ, ويا رجلان أكرم بعمرو, ويا هندان أكرم بعمرو, وكذلك جماعة/ 90 الرجال والنساء قال الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} 2. وإنما المعنى: ما أسمعهم وأبصرهم3. وما أكرمه4, ولست5 تأمرهم أن يصنعوا به شيئًا فتثنيّ وتجمع وتؤنث, وأفعل هو "فَعَلَ" لفظه لفظ الأمر في قطع ألفه وإسكان آخره, ومعناه إذا قلت: أكرم بزيد, وأحسن بزيد كرم زيد جدًّا, وحسن زيد جدًّا. فقوله: بعمرو في موضع رفع كما قالوا: كفى بالله6 والمعنى: كفى الله, لأنه لا فعل إلا بفاعل, وزيد فاعله إذا قلت: أكرم بزيد, لأن زيدًا هو الذي كرم, وإنما لزمت الباء هنا الفاعل7 لمعنى التعجب, وليخالف لفظه لفظ سائر8 الأخبار, فإن قال قائل: كيف صار هنا فاعلًا وهو في قولك: ما

_ 1 يشير إلى دخول نون الوقاية، وهذا مذهب البصريين، أما الكوفيون فيذهبون إلى أن "أفعل" في التعجب اسم، وأنه جامد لا يتصرف، ولو كان فعلا لوجب أن يتصرف؛ لأن التصرف من خصائص الأفعال، فلما لم يتصرف وكان جامدًا وجب أن يلحق بالأسماء. وقد ورد هذا ابن الأنباري وفنده. انظر: الإنصاف 1/ 79. 2 مريم: 38. 3 لأنه لا يقال الله عز وجل، تعجب، ولكنه خرج على كلام العباد، أي: إن هؤلاء ممن يجب أن يقال لهم: ما أسمعهم وأبصرهم في ذلك الوقت. 4 ما أكرمه: ساقطة في "ب" أي: إن المعنى: ما أحسنه. وانظر ابن يعيش 7/ 148. 5 في "ب" وليس. 6 أي: إن لفظ الجلالة مجرور لفظا مرفوع محلا على الفاعلية. 7 هنا الفاعل: ساقط في "ب". 8 سائر: ساقط في "ب".

أكرم زيدًا مفعول؟ قلنا: قد بينا أن الفاعل في هذا الباب ليس هو شيئًا غير المفعول, ألا ترى أنك لو قلت: ما أحسن زيدًا, فقيل لك فسره وأوضح معناه وتقديره. قلت على ما قلناه: شيء حَسن زيدًا, وذلك الشيء الذي حسن زيدًا ليس هو شيئًا1 غير زيد, لأن الحسن لو حل في غيره لم يحسن هو به/91 فكأن ذلك الشيء مثلًا وجهه أو عينه, وإنما مثلت لك بوجهه2 وعينه تمثيلًا ولا يجوز التخصيص في هذا الباب, لأنك لو خصصت شيئًا لزال التعجب, لأنه إنما يراد به أن شيئًا قد فعل فيه هذا وخالطه, لا يمكن تحديده ولا يعلم تلخيصه. والتعجب كله إنما هو مما لا يعرف سببه فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه فكلما أبهم السبب كان أفخم, وفي3 النفوس أعظم4. واعلم: أن الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجب على ضربين. الضرب الأول: الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب. الضرب الآخر: ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف, وسواء كانت الزيادة على الثلاثة أصلًا أو غير أصل. فأما5 الألوان والعيوب, فنحو: الأحمر والأصفر والأعور والأحول, وما أشبه ذلك, لا تقول فيه: ما أحمره ولا ما أعوره قال الخليل6 رحمه الله: وذلك أنه ما كان من هذا لونًا أو عيبًا فقد

_ 1 في الأصل: "شيء": بالرفع وهو خطأ. 2 في "ب" وجهه. 3 في "ب" في بسقوط الواو. 4 في "ب" وأعظم بزيادة واو. 5 في "ب" أما. 6 الخليل: أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، كان الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه، أول من نهج مسالك جديدة في علم العربية تلميذ أبي عمرو بن العلاء، مات سنة: 174هـ، وقيل: 170هـ أو 160هـ، وهو مبتكر علم العروض، ترجمته في: أخبار النحويين 530/ وإرشاد الأريب لياقوت /جـ6/ 223، ونزهة الألباء/ 54، طبقات الزبيدي رقم 15 وبغية الوعاة/ 143.

ضارع الأسماء وصار خلقة كاليد والرجل والرأس, ونحو ذلك, فلا تقل فيه: ما أفعله كما لم تقل ما أيداه, وما أرجله, إنما تقول: ما أشد يده, وما أشد رجله1, وقد اعتل النحويون بعلة أخرى فقالوا: إن الفعل منه على أفعل وإفعال2 نحو: أحمر وإحمار, وأعور وإعوار, وأحول وإحوال, فإن قال قائل: فأنت تقول: قد عورت عينه وحولت: فقل على هذا: ما أعوره وما أحوله, فإن3 ذلك غير جائز لأن هذا منقول من "أفعل" والدليل على ذلك صحة الواو والياء إذا قلت: عورت عينه وحولت, ولو كان غير منقول لكان: حالت وعارت, وهذا يبين4 في بابه إن شاء الله. وأما الضرب الثاني: وهو ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف نحو: دحرج وضارب واستخرج وانطلق واغدودن, اغدودن الشعر: إذا تم وطال, وافتقر وكل ما لم أذكره مما جاوز الثلاثة, فهذا حكمه, وإنما جاز: ما أعطاه وأولاه على حذف الزوائد وأنك رددته إلى الثلاثة. فإن قلت في افتقر: ما أفقره فحذفت الزوائد ورددته إلى "فقر" جاز وكذلك كل ما/ 93 كان مثله

_ 1 انظر الكتاب جـ2/ 251. 2 قال المبرد: ودخول الهمزة على هذا محال انظر المقتضب 4/ 181 وقال في مكان آخر: واعلم: أن بناء فعل التعجب إنما يكون من بنات الثلاثة، نحو ضرب وعلم ومكث: المقتضب 1/ 178. وقوله: دخول الهمزة على هذا محال مما يقطع بأن المبرد لا يجيز بناء التعجب على ما أفعله وأفعل به من الصيغ التي جاوزت حروفها ثلاثة ولو كانت فيها زيادة. أما ابن السراج: فلم يرفضه أو يقبله فلعله التمس وجها للمسموع من نحو: ما أعطاه للدراهم وأولاه بالمعروف، أو على حذف الزوائد. 3 في "ب" كان. 4 في "ب" مبين.

مما جاء اسم الفاعل منه1 على "فعيل" ألا ترى أنك تقول: رجل فقير وإنما جئت به على "فقر" كما تقول: كرم, فهو كريم, وظرف فهو ظريف, ولكن تقول إذا أردت التعجب في هذه الأفعال الزائدة على ثلاثة أحرف كلها, ما أشد دحرجته وما أشد استخراجه وما أقبح افتقاره ونحو ذلك. واعلم: أن كل ما قلت فيه: ما أفعله, قلت فيه: أفعل به, وهذا أفعل من هذا, وما لم تقل فيه: ما أفعله, لم تقل فيه: هذا أفعل من هذا, ولا: أفعل به, تقول: زيد أفضل من عمرو وأفضل بزيد, كما تقول: ما أفضله. وتقول: ما أشد حمرته وما أحسن بياضه وتقول على هذا: أشدد ببياض زيد, وزيد أشد بياضًا من فلان, هذا2 كله مجراه واحد, لأن معناه المبالغة والتفضيل, وقد أنشد بعض الناس: يَا لَيْتَني مِثْلُك في البَيَاضِ ... أبيضَ مِن أخت بني إبَاضِ3

_ 1 في "ب" فيه بدلا منه. 2 في "ب" و"هذا" بزيادة الواو. 3 يستشهد بهذا البيت: على أن الكوفيين أجازوا بناء "أفعل التفضيل" من لفظي السواد والبياض، وهو شاذ عند البصريين. وينسب هذا الرجز لرؤبة لأن له أرجوزة على هذا النحو، والغالب أن هذا منها، وهناك روايات، رواه ابن يعيش في شرح المفصل: جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني إباض ورواه ابن هشام في المغني: جارية في رمضان الماضي ... تقطع الحديث بالإيماض ومنه هذا البيت: يا ليتني مثلك في البياض ... أبيض من أخت بني إباض ويروى كذلك: لقد أتى في رمضان الماضي ... جارية في درعها الفضفاض تقطع الحديث بالإيماض ... أبيض من أخت بني إباض وانظر التمام في تفسير أشعار هذيل/ 95، والمغني/ 87، وأمالي السيد المرتضى 1/63، وابن يعيش 6/ 93، والخزانة 3/ 481.

قال أبو العباس1: هذا2 معمول على فساد وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على/ 94 الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو, ولا فقه, وإنما يركن إلى هذا ضعفة أهل النحو3, ومن لا حجة معه, وتأويل هذا وما أشبهه في الإِعراب كتأويل ضعفة أصحاب الحديث وأتباع القصاص في الفقه. فإن قال قائل فقد جاء في القرآن: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} 4. قيل: له في هذا جوابان: أحدهما: أن يكون من عمى القلب, وإليه ينسب أكثر الضلال5. فعلى هذا تقول: ما أعماه كما تقول: ما أحمقه. الوجه الآخر: أن يكون من عمى العين. فيكون قوله: {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} لا يراد به: أنه أعمى من كذا وكذا, ولكنه فيها أعمى كما كان في الدنيا أعمى وهو في الآخرة أضل سبيلا6. وكل فعل مزيد لا يتعب منه, نحو قولك: ما أموته لمن مات, إلا أن تريد: ما أموت قلبه, فذلك جائزٌ.

_ 1 أي: محمد بن يزيد، المبرد، وهذا النص موجود في الاقتراح للسيوطي/ 29. 2 في "ب" وهذا بواو. 3 يريد بضعفه أهل النحو الكوفيين. 4 الإسراء: 72. 5 انظر المقتضب للمبرد 4/ 182، لأنه حقيقته، كما قال: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} فعلى هذا تقول: ما أعماه كما تقول: ما أحمقه. 6 انظر البحر المحيط 6/ 63-64.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: ما أحسن وأجمل زيدًا إن نصبت "زيدًا" بـ"أجمل", فإن نصبته

بـ"أحسن" قلت: ما أحسن وأجمله زيدًا, تريد: ما أحسن زيدا وأجمله. وعلى هذا مذهب/95 إعمال الفعل الأول1, وكذلك: ما أحسن وأجملهما أخويك, وما أحسن وأجملهم أخوتك, فهذا يبين لك أن أحسن وأجمل وما أشبه ذلك أفعال. وتقول: ما أحسن ما كان زيد, فالرفع الوجه, و"ما" الثانية في موضع نصب بالتعجب وتقدير ذلك ما أحسن كون زيد. تكون "ما" مع الفعل مصدرًا إذا وصلت به كما تقول: ما أحسن ما صنع زيد, أي: ما أحسن صنيع زيد و"صنع زيد" من صلة "ما" وتقول: ما كان أحسن زيدا, وما كان أظرف أباك, فتدخل "كان" ليعلم: أن ذلك وقع فيما مضى, كما تقول: من كان ضرب زيدًا, تريد: من ضرب زيدًا "ومن كان يكلمك" تريد: من يكلمك. "فكان" تدخل في هذه المواضع, وإن أُلغيت2 في الإِعراب لمعناها في المستقبل والماضي من عبارة الأفعال. وقد أجاز قوم من النحويين: ما أصبح أبردها, وما أمسى أدفاها, واحتجوا بأن: "أصبح وأمسى" من باب "كان" فهذا /96 عندي: غير جائز, ويفسد تشبيههم ما ظنوه: أن أمسى وأصبح أزمنة مؤقتة و"كان"3 ليست مؤقتة, ولو جاز هذا في أصبح وأمسى لأنهما من باب "كان" لجاز ذلك4 في "أضحى" و"صار" و"ما زال" ولو قلت: ما أحسن عندك زيدًا وما أجمل اليوم عبد الله لقبح5؛ لأن هذا6 الفعل لما لم يتصرف ولزم طريقة واحدة صار

_ 1 معنى هذا: يتنازع فعلا التعجب خلافا لبعضهم نظرا إلى قلة تصرف فعل التعجب. أما على إعمال الثاني وحذف مفعول الأول فنحو: ما أحسن وما أكرم زيدا.. فابن السراج لم يشترط إعمال الثاني وأجاز إعمال الأول فقط. 2 هذا أحد المواضع الذي تزاد فيه "كان" فلا تعمل شيئا. 3 في "ب" "كان" ساقطة. 3 ذلك: ساقطة. في "ب". 5 في "ب" "لم يجز". 6 زيادة من "ب".

حكمه حكم1 الأسماء فيصغر تصغير الأسماء, ويصحح المعتل منه تصحيح الأسماء, تقول: ما أقوم زيدًا وما أبيعه, شبهوه بالأسماء, ألا ترى أنك تقول في الفعل: أقام عبد الله زيدًا, فإن كان اسمًا قلت: هذا أقوم من هذا. وتقول: ما أحسن ما كان زيدٌ وأجمله, وما أحسن ما كانت هند وأجمله, لأن المعنى ما أحسن كون هندٍ وأجمله, فالهاء للكون, ولو قلت: وأجملها, لجاز على أن تجعل ذلك لها. وإذا قلت: ما أحسن زيدًا فرددت الفعل إلى "نفسك" قلت: ما أحسنني؛ لأن "أحسن" فعل2. وظهر المفعول بعده بالنون والياء, ولا يجوز: ما أحسن رجلًا؛ لأنه /97 لا فائدة فيه, ولو قلت: ما أحسن زيدًا ورجلًا معه جاز, ولولا قولك: "معه" لم يكن في الكلام فائدة, وتقول: ما أقبح بالرجل أن يفعل كذا وكذا. فالرجل شائع وليس التعجب منه. إنما3 التعجب من قولك4: أن يفعل كذا وكذا. ولو قلت: ما أحسن رجلًا إذا طلب ما عنده أعطاه, كان هذا الكلام جائزًا, ولكن التعجب وقع على رجل, وإنما تريد التعجب من فعله. وإنما جاز ذلك لأن فعله به كان وهو المحمود عليه في الحقيقة والمذموم, وإذا قلت: ما أكثر هبتك الدنانير وإطعامك للمساكين, لكان حق هذا التعجب5 أن يكون قد وقع من الفعل6 والمفعول به؛ لأن فعل التعجب للكثرة والتعظيم فإن أردت: أنّ هبته وإطعامه كثيران إلا أن الدنانير التي يهبها قليلة, والمساكين الذين يطعمهم قليل, جاز, ووجه الكلام الأول. /98 ولا يجوز7 أن تقول: ما

_ 1 في "ب" كحكم. 2 فلو كان "أحسن" اسما لظهرت بعده ياء واحدة، إذا أراد المتكلم نفسه: نحو قولك: هذا غلامي. 3 في "ب" وإنما. 4 في "ب" قوله. 5 في "ب" لكان حق هذا بإسقاط "التعجب". 6 في "ب" الفاعل. 7 في "ب" ولا يحسن.

أحسن في الدار زيدًا, وما أقبح عندك زيدًا, لأن فعل التعجب لا يتصرف, وقد مضى هذا, ولا يجوز: ما أحسن ما ليس زيدا. ولا ما أحسن ما زال زيد, كما جاز لك ذلك في "كان" ولكن يجوز: ما أحسن ما ليس يذكرك زيدٌ, وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد, وهذا مذهب البغداديين. ولا يجوز أن يتعدى فعل التعجب إلا إلى الذي هو فاعله في الحقيقة, تقول: ما أضرب زيدا, فزيدٌ في الحقيقة هو الضارب, ولا يجوز أن تقول: ما أضرب زيدًا عمرًا, ولكن1 لك أن تُدخل اللام فتقول: ما أضرب زيدًا لعمرو. وفعل التعجب نظير قولك: هو2 أفعل من كذا. فما جاز فيه جاز فيه. وقد ذكرت هذا قبل, وإنما أعدته: لأنه به يسير هذا الباب, ويعتبر. ولا يجوز عندي أن يشتق فعل للتعجب3 من "كان" التي هي عبارة عن الزمان, فإذا اشتققت من "كان" التي هي بمعنى "خلق ووقع", جاز. وقوم يجيزون: ما أكون زيدًا قائمًا؛ لأنه يقع في موضعه /99 المستقبل والصفات, ويعنون بالصفات "في الدار"4 وما أشبه ذلك من الظروف, ويجيزون ما أظنني لزيد قائمًا ويقوم, ولا يجيزون "قام" لأنه قد مضى, فهذا يدلك على أنهم إنما أرادوا "بقائم" ويقوم الحال. وتقول: أشدد به, ولا يجوز5 الإِدغام, وكذلك: أجود به وأطيب به؛ لأنه مضارع للأسماء. وقد أجاز بعضهم6: ما أعلمني بأنك قائم وأنك

_ 1 "لكن": ساقطة في "ب". 2 هو: ساقطة في "ب". 3 في "ب" فعلا التعجب. 4 الذين يسمون الظروف والجار والمجرور صفات، هم الكوفيون؛ لأن اصطلاح الصفة من اصطلاحاتهم. 5 في "ب" ويجيزون. 6 في "ب". "قوم" بدلا من "بعضهم".

قائم, أجاز1 إدخال الباء وإخراجها مع "أن" وقال قوم: لا يتعجب مما فيه الألف واللام إلا أن يكون بتأويل جنسٍ. لا تقول: ما أحسن الرجل, فإن قلت: ما أهيب الأسد جاز, والذي أقول2 أنا في هذا3: إنه إذا عرف الذي يشار إليه فالتعجب جائز. ولا يعمل فعل التعجب في مصدره4, وكذلك: أفعل منك, لا تقول: عبد الله أفضل منك فضلًا, وتقول: ما أحسنك وجهًا, وأنظفك ثوبًا, لأنك تقول: هو أحسن منك وجهًا وأنظف منك ثوبًا. وقد حكيت ألفاظ من أبواب مختلفة /100 مستعملة5 في حال التعجب, فمن ذلك: ما أنت من رجل, تعجب, وسبحان الله, ولا إله إلا الله, وكاليوم رجلًا6, وسبحان الله رجلًا ومن رجل, والعظمة لله من رب, وكفاك بزيد رجلًا. وحسبك بزيد رجلًا ومن رجل, تعجب, والباء دخلت دليل التعجب, ولك أن تسقطها وترفع, وقال قوم: إن أكثر الكلام: أعجب7 لزيد رجلا, {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 8. وإذا قلت: لله درك من رجل, ورجلا كان إدخالها وإخراجها واحدًا. قالوا9: إذا قلت: إنك من رجل لعالم10 لم تسقط "من"

_ 1 في "ب" أجازوا. 2 في "ب" "عندي" بدلا من "أقول". 3 في "ب" ذلك. 4 في "ب" مصدر. 5 في "ب" مستعارة. 6 في المقتضب 2/ 151 "ما رأيت كاليوم رجلا" والمعنى: ما رأيت مثل رجل أراه اليوم رجلا. 7 في الأصل: "أعجبوا" والتصحيح من "ب". 8 قريش: 1. 9 في "ب" وقالوا. 10 في "ب" "عالم" بسقوط اللام.

لأنها دليل التعجب. وإذا قلت: ويل أمه1 رجلا ومن رجل فهو تعجب. وربما تعجبوا بالنداء, تقول: يا طيبك من ليلة, ويا حسنه رجلا ومن رجل. ومن ذلك قولهم: يا لك فارسًا ويا لكما, ويا للمرء. ولهذا موضع يذكر فيه. ومن ذلك قولهم: كرمًا وصلفًا: قال سيبويه: كأنه يقول: ألزمك الله كرمًا, وأدام الله لك كرمًا وألزمت صلفًا. ولكنهم حذفوا الفعل ههنا؛ لأنه صار بدلًا من قولك: أكرم به, وأصلف به2.

_ 1 في "ب" ويلمه كلمة واحدة، وهذا مثل: لاه أبوك ولقيته أمس، إنما هو على لله أبوك ولقيته بالأمس، ولكنهم حذفوا الجار والألف واللام تخفيفا على اللسان. انظر الكتاب 1/ 294. 2 انظر الكتاب 1/ 165.

باب نعم وبئس

باب نعم وبئس مدخل ... باب نعم وبئس: نِعْمَ وبِئسَ فعلان ماضيان, كان أصلهما, نِعَمَ وبِئسَ فكسرت الفاءان منهما من أجل حرفي الحلق, وهما: العين في "نِعَم", والهمزة في "بِئسَ" فصار: نِعمَ وبِئسَ كما تقول: شهد فتكسر الشين من أجل انكسار الهاء, ثم أسكنوا لها العين من "نِعْمَ"والهمزة من "بئس" كما يسكنون الهاء من شهد, فيقولون: شهِد فقالوا: نِعْمَ وبِئسَ, ولذكر حروف الحلق إذا كن عينات مكسورات وكسر الفاء لها والتسكين لعين الفعل موضع آخر1, ففي "نعم" أربع لغات2: نَعِمَ ونِعِمَ ونِعْمَ ونَعْمَ, فنعم وبئسَ وما كان في معناهما إنما يقع للجنس, ويجيئان لحمد وذم وهما يشبهان التعجب في المعنى وترك التصرف, وهما يجيئان3 على ضربين: فضرب: يرفع الأسماء الظاهرة المعرفة بالألف واللام على معنى الجنس ثم يذكر بعد ذلك الاسم المحمود أو المذموم.

_ 1 سيأتي ذكر هذه الحروف في الجزء الثاني/ 115، وحروف الحلق ستة: الهمزة والهاء وهما أقصاه، والعين والحاء وهما أوسطه، والغين والخاء وهما من أوله مما يلي اللسان. 2 قال سيبويه 2/ 255: إذا كان ثانيه من الحروف الستة فإن فيه أربع لغات مطرد فيه: فَعِلٌ وفِعِلٌ، وفَعْلٌَ، وفِعلَ. إذا كان فعلا أو اسما أو صفة فهو سواء. 3 في "ب" يأتيان.

الضرب1 الثاني: أن تضمر فيها2 المرفوع وهو اسم/102 الفاعل, وتفسره بنكرة منصوبة. أما الظاهر فنحو قولك: نعم الرجل زيدًا, وبئس الرجل عبد الله, ونعم الدار دارك, فارتفع الرجل والدار بنعم وبئس, لأنهما فعلان يرتفع بهما فاعلاهما. أما زيد: فإن رفعه على ضربين: أحدهما: أنك لما قلت: نِعم الرجل, فكأن معناه, محمود في الرجال, وقلت: زيد ليعلم من الذي أثنى عليه, فكأنه قيل لك: من هذا المحمود؟ قلت3: هو زيد4. والوجه الآخر: أن تكون أردت التقديم فأخرته فيكون حينئذ مرفوعًا بالابتداء, ويكون "نعم" وما عملت فيه خبره, وليس الرجل في هذا الباب واحدًا بعينه, إنما هو كما تقول: أنا أفرق الأسد والذئب, لست تريد واحدًا منهما بعينه إنما تريد: هذين الجنسين. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 5. فهذا واقع على الجنسين يبين ذلك قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} 6. وما أضيف إلى الألف واللام/ 103 بمنزلة ما فيه الألف واللام7, وذلك قولك: نعم أخو العشيرة أنت, وبئس صاحب الدار عبد الله. ويجوز: نعم القائم أنت, ونعم الضارب زيدًا أنت, ولا يجوز: نعم

_ 1 والضرب: ساقطة في "ب". 2 في "ب" فيهما. 3 في "ب" فقلت. 4 أي: إن خبر المبتدأ محذوف وجوبا. 5 العصر: 1-2. 6 العصر: 3. 7 قال سيبويه: فالاسم الذي يظهر بعد نعم إذا كانت نعم عاملة الاسم الذي فيه الألف واللام نحو الرجل وما أضيف إليه، وما أشبهه نحو: غلام الرجل إذا لم ترد شيئا بعينه. الكتاب 1/ 301. وفي المقتضب 2/ 143: واعلم: أن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام، وذلك قولك: نعم أخو القوم أنت، وبئس صاحب الرجل عبد الله.

الذي قام أنت, ولا نعم الذي ضرب زيدًا أنت, من أجل أن الذي بصلتهِ مقصود إليه بعينه. قال أبو العباس -رحمه الله: فإن جاءت بمعنى الجنس كقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} 1, فإن نعم وبئس تدخلان على "الذي" في هذا المعنى والمذهب2. فهذا الذي قاله3 قياس, إلا أني وجدت جميع ما تدخل عليه نعم وبئس فترفعه وفيه الألف واللام فله نكرة تنصبه نعم وبئس إذا فقد المرفوع و"الذي" ليست لها نكرة البتة تنصبها. ولا يجوز أن تقول: زيد نعم الرجل, والرجل غير زيد؛ لأنه خبر عنه4, وليس هذا بمنزلة قولك: زيد قام الرجل, لأن معنى "نعم الرجل": محمود في الرجال, كما أنك إذا قلت: زيد فاره العبد, لم تعن من العبيد إلا ما كان/ 104 له, ولولا ذلك لم يكن فاره خبرًا له. فإن زعم زاعم5: أن قولك: نعم الرجل زيد, إنما زيد بدل من

_ 1 الزمر: 33. في البحر المحيط 7/ 428 والذي جنس كأنه قال: والفريق الذي جاء بالصدق، ويدل عليه: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} . فجمع. وفي قراءة عبد الله: "وَالَّذِي جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ". 2 انظر المقتضب 2/ 143. والنص فيه. فإن قلت: قد جاء.. والذي جاء بالصدق وصدق به. فمعناه الجنس، فإن "الذي"، إذا كانت على هذا المذهب صلحت بعد نعم وبئس. 3 في "ب" يقال. 4 في الكتاب 1/ 301: واعلم: أنه محال أن تقول: عبد الله نعم الرجل، والرجل غير عبد الله. كما أنه محال أن تقول عبد الله هو فيها وهو غيره. 5 في المقتضب 2/ 142، فإن زعم زاعم: أن قولك: نعم الرجل زيد، إنما "زيد" بدل من الرجل مرتفع بما ارتفع به، كقولك: مررت بأخيك زيد، وجاءني الرجل عبد الله، قيل له: إن قولك: جاءني الرجل عبد الله، إنما تقديره -إذا طرحت الرجل- جاءني عبد الله، فقل: نعم زيد، لأنك تزعم أنه بنعم مرتفع وهذا محال، لأن الرجل ليس يقصد به إلى واحد بعينه.

الرجل يرتفع بما ارتفع به, كقولك: مررت بأخيك زيد, وجاءني الرجل عبد الله, قيل له: إن قولك: جاءني الرجل عبد الله إنما تقديره: إذا طرحت "الرجل" جاءني عبد الله, فقل: نعم زيد, لأنك تزعم أنه مرتفع بنعم, وهذا محال لأن الرجل لست تقصد به إلى واحد بعينه1. فإن كان الاسم الذي دخلت عليه "نعم" مؤنثًا أدخلت التاء في نعم وبئس, فقلت: نعمت المرأة هند, ونعمت المرأتان الهندان, وبئست المرأة هند, وبئست المرأتان الهندان, وإن شئت ألقيت التاء فقلت: نعم المرأة وبئس المرأة, وتقول: هذه الدار نعمت البلد, لأنك عنيت بالبلد: دارًا, وكذلك: هذا البلد نعم الدار؛ لأن قصدت إلى البلد. وقال قوم: كل ما لم تقع عليه "أي" لم توله2 نعم, لا تقول: نعم أفضل الرجلين أخوك [ولا نعم أفضل رجل أخوك 3] ؛ لأنك, لا تقول: أي أفضل الرجلين أخوك /105 لأنه مدح, والمدح لا يقع على مدح. فأما الضرب الثاني: فأن تضمر فيها مرفوعًا يفسره ما بعده وذلك قولهم: نعم رجلًا أنت ونعم دابة دابتك, وبئس في الدار رجلًا أنت, ففي "نعم وبئس" مضمر يفسره ما بعده, والمضمر "الرجل" استغنى عنه بالنكرة المنصوبة التي فسرته لأن كل مبهم من الأعداد وغيرها, إنما تفسره النكرة المنصوبة. واعلم: أنهم لا يضمرون شيئًا قبل ذكره إلا على شريطة التفسير وإنما خصوا به أبوابًا بعينها. وحق المضمر أن يكون بعد المذكور. ويوضح لك أن نعم وبئس فعلان أنك تقول: نعم الرجل كما تقول: قام الرجل, ونعمت المرأة كما تقول: قامت المرأة, والنحويون يدخلون "حبذا زيد" في هذا

_ 1 الباء زائدة في التوكيد، وقد جاء في أسلوبه توكيد النكرة وهو مذهب كوفي أو هو جار ومجرور صفة لواحد. 2 في "ب" لم تله. 3 ما بين القوسين ساقط في "ب".

الباب1 من أجل أن تأويلها حب الشيء زيد لأن ذا اسم مبهم يقع على كل شيء ثم جعلت "حب وذا اسمًا فصار مبتدأ أو لزم طريقة واحدة تقول: حبذا عبد الله, وحبذا أمة الله/ 106". ولا يجوز حبذه لأنهما جعلا بمنزلة اسم واحد في معنى المدح, فانتقلا عما كانا عليه, كما يكون ذلك في الأمثال نحو: "أطري فإنك ناعلة"2. فأنت تقول ذلك للرجل والمرأة لأنك تريد إذا خاطبت رجلًا: أنت عندي بمنزلة التي قيل لها ذلك3. وكذلك جميع الأمثال إنما تحكي ألفاظها كما جرت وقت جرت. وما كان مثل: كرم رجلًا زيد! وشرف رجلًا زيد! إذا تعجبت, فهو مثل: نعم رجلًا زيد؛ لأنك إنما تمدح وتذم, وأنت متعجب. ومن ذلك قول الله سبحانه: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا} 4, وقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} 5. وقال قوم: لك أن تذهب بسائر الأفعال إلى مذهب "نعم وبئس" فتحولها إلى "فعل" فتقول: علم الرجل زيد, وضربت اليد يده, وجاد الثوب ثوبه وطاب الطعام طعامه, وقضى الرجل زيد, ودعا الرجل زيد, وقد حكي عن الكسائي6: أنه كان

_ 1 قال المبرد: حبذا فإنما كانت في الأصل: حبذا الشيء، لأن "ذا" اسم مبهم يقع على كل شيء، فإنما هو حب هذا، مثل قولك: كرم هذا، ثم جعلت "حب، وذا" اسما واحدا مبتدأ ولزم طريقة واحدة على ما وصفت لك في "نعم" فتقول: حبذا عبد الله، وحبذا أمة الله. المقتضب 2/ 145. 2 في اللسان: هذا المثل يقال في جلادة الرجل ومعناه أي: اركب الأمر الشديد فإنك قوي عليه، وأصل هذا أن رجلا قاله لراعية له، كانت ترعى في السهولة وتترك الحزونة فقال لها: "أطري" أي: خذي في أطرار الوادي، وهي نواحيه فإنك ناعلة، أي: فإن عليك نعلين. وروي: أظري بالظاء المعجمة، أي: اركبي الظرر وهو الحجر المحدد. وانظر أمثال الميداني 1/ 430. 3 في المقتضب 2/ 145: التي قيل لها هذا وهذه العبارة منقولة حرفيا من المقتضب. 4 الأعراف: 177. 5 الكهف: 5. 6 الكسائي: هو الحسن علي بن حمزة، كان إماما في النحو واللغة والقراءة. مات سنة 189، وقيل سنة 193هـ. ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 403. الفهرست/ 29. تهذيب اللغة 1/ 7. معجم البلدان 2/ 28. نزهة الألباء/ 81. شذرات الذهب 1/ 321. إنباه الرواة 2/ 256. طبقات الزبيدي/ 138.

يقول في هذا: قضو الرجل ودعو الرجل1. وهو عندي قياس, وذكروا أنه شذ مع هذا الباب ثلاثة/ 107 أحرف سمعت وهي: سمع وعلم2 وجهل. وقالوا: المضاعف تتركه3 مفتوحًا وتنوي به فَعَلَ يَفْعَلُ نحو: خف يخف. وتقول4: صم الرجل زيد, وقالوا: كل ما كان بمعنى: نعم وبئس, يجوز نقل وسطه إلى أوله. وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه, فتقول: ظُرْفَ الرجل زيد وظَرُفَ الرجل5, نقلت ضم العين إلى الفاء. وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول: ظَرْفَ الرجل زيد كما قال6: وحُبَّ بها مَقْتُولَةً حين تُقْتَلُ وحُبَّ أيضًا, فإذا لم يكن بمعنى نعم وبئس لم ينقل وسطه إلى أوله.

_ 1 قال ابن يعيش: وحكى عن الكسائي: أنه كان يقول في هذا قضو الرجل، ودعو الرجل إذا أجاد القضاء وأحسن الدعاء. انظر شرح المفصل 7/ 129. 2 في "ب" تسمع "وعلمت". 3 في "ب" يترك. 4 في "ب" ويقال. 5 انظر شرح المفصل لابن يعيش 7/ 129. 6 هذا عجز بين للأخطل التغلبي من قصيدة يمدح بها خالد بن عبد الله بن أسيد وكان أحد أجواد العرب في الإسلام، وصدر البيت: فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل. والاستشهاد فيه: على أن "حب" للمدح والتعجب وأصلها بضم العين للتحويل إلى المدح فإن نقلنا حركة العين إلى الفاء بعد حذف حركتها صارت "حب" بالضم وإن حذفنا ضمة العين صارت "حب" بالفتح والإدغام في الحالين واجب لاجتماع المثلين والأول منهما ساكن، وفاعلها: الضمير المؤنث المجرور بالباء، لأن هذه الصيغة تعجبية لكونها بمعنى أحبب بها. والباء في "بها" زائدة على غير قياس كقوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} . وانظر: إصلاح المنطق لابن السكيت/ 35. وابن يعيش 7/ 129. وشروح سقط الزند. 3/ 1395. وابن عقيل/ 166. والديوان/ 3 طبعة بيروت.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: اعلم: أنه لا يجوز أن تقول: قومك نعموا أصحابًا, ولا قومك بئسوا أصحابًا, ولا أخواك نعما رجلين1, ولا بئسا رجلين. وإذا قلت: نعم الرجل رجلًا زيد, فقولك: "رجلًا" توكيد؛ لأنه مستغنى عنه بذكر الرجل أولًا2, وهو بمنزلة قولك: عندي من الدراهم عشرون درهمًا3, وتقول: نعم الرجلان/ 108 أخواك, ونعم رجلين أخواك, وبئس الرجلان4 أخواك, وبئس رجلين5 أخواك, وتقول: ما عبد الله نعم الرجل ولا قريبًا من ذلك, عطفت "قريبا" على "نعم" لأن موضعها نصب لأنها خبر "ما". وتقول: ما نعم الرجل عبد الله ولا قريب من ذلك فترفع بالرجل بـ"نعم", وعبد الله بالابتداء, ونعم الرجل: خبر الابتداء وهو خبر مقدم, فلم تعمل "ما" لأنك إذا فرقت بين "ما" وبين الاسم, لم تعمل في شيء, ورفعت "قريبا" لأنك عطفته على "نعم" ونعم في موضع رفع لأنه خبر مقدم, ولا يجيز أحد من النحويين: نعم زيد الرجل6, وقوم يجيزون: نعم زيد رجلًا7 ويحتجون بقوله: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} 8. وحسن ليس كنعم،

_ 1 في الأصل "رجالا", ولا معنى له لأنه مثل للجمع. 2 في "ب" أولا، ساقطة. 3 إنما ذكر الدرهم توكيدا، ولو لم يذكره لم يحتج إليه. 4 في الأصل "الرجلين" وهو خطأ، لأنه فاعل للذم. 5 في الأصل: "الرجلين" وهو خطأ لأنه تمييز، والتمييز يكون نكرة ولا يكون معرفة. 6 لأن جملة المدح أو الذم لا يتصرف فيها بتقديم ولا تأخير، لأن الأصل في المدح والذم التخصيص فلا بد أن يتقدم العام قبل الخاص الجار والمجرور. 7 لأن من أحكام التمييز في هذا الباب أن يتقدم على المخصوص، وهذا الذي أجازوه نادر. 8 النساء: 69.

وللمتأول أن يتأول غير ما قالوا: لأنه فعل يتصرف. وتقول: نعم القوم الزيدون, ونعم رجالًا الزيدون, والزيدون نعم القوم, والزيدون نعم قومًا1, وقوم يجيزون: الزيدون نعموا قومًا. وهو غير جائز عندنا لما أخبرتك به من حكم/ 109 نعم وصفة ما تعمل فيه. ويدخلون الـ"ظن" و"كان" فيقولون: نعم الرجل كان زيد, ترفع2 زيدًا بـ"كان" ونعم الرجل خبر "كان" وهذا كلام صحيح, وكذلك: نعم الرجل ظننت زيدًا, تريد: كان زيد نعم الرجل, وظننت زيدا نعم الرجل. وكان الكسائي3 يجيز: نعم الرجل يقوم وقام عندك4 فيضمر, يريد: نعم الرجل رجل عندك, ونعم الرجل رجل قام ويقوم ولا يجيزه مع المنصوب5, لا يقول: نعم رجلًا قام ويقوم. قال أبو بكر: وهذا عندي, لا يجوز من قبل أن الفعل لا يجوز أن يقوم مقام الاسم وإنما تقيم من الصفات مقام الأسماء الصفات التي هي أسماء صفات يدخل عليها ما يدخل على الأسماء, والفعل إذا وصفنا به فإنما هو شيء وضع في6 غير موضعه, يقوم مقام الصفة للنكرة7 وإقامتهم الصفة مقام الاسم اتساع في اللغة. وقد يستقبح ذلك في مواضع،

_ 1 لأن هذه الأفعال لما أشبهت الحروف في الجمود لزمت طريقة واحدة في التعبير. 2 في "ب" برفع زيد. 3 قال ابن يعيش: وكان الكسائي يجيز: نعم الرجل يقوم. وقام عندك والمراد رجل يقوم، ورجل قام، ورجل عندك، ومنع ابن السراج من ذلك وأباه واحتج بأن الفعل لا يقوم مقام الاسم وإنما تقام الصفات مقام الأسماء لأنها أسماء يدخل عليها ما يدخل على الأسماء. وإن جاء من ذلك شيء فهو شاذ عن القياس فسبيله أن يحفظ ولا يقاس عليه. انظر شرح المفصل 7/ 134. 4 في الأصل وعندك فالواو زائدة. 5 في "ب" المتصرف بدلا من "المنصوب". 6 في "ب" "في" ساقطة. 7 في "ب" النكرة، ساقطة.

فكيف تقيم الفعل مقام الاسم, وإنما يقوم مقام الصفة, وإن جاء من هذا شيء شذ عن/110 القياس فلا ينبغي أن يقاس عليه. بل نقوله فيما قالوه فقط. وتقول: نعم بك كفيلًا زيد, كما قال تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} 1, ويجيز الكسائي: نعم فيك الراغب زيد ولا أعرفه مسموعًا من كلام العرب. فمن قدر أن "فيك" من صلة الراغب فهذا لا يجوز البتة, ولا تأويل له, لأنه ليس له أن يقدم الصلة على الموصول. فإن2 قال: أجعل "فيك" تبينًا وأقدمه كما قال: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} 3, قيل له: هذا أقرب إلى الصواب إلا أن الفرق بين المسألتين أنك إذا قلت: نعم فيك الراغب زيد4, فقد فصلت بين الفعل والفاعل ونعم وبئس ليستا كسائر الأفعال لأنهما لا تتصرفان5. وإذا قلت: بئس في الدار رجلًا زيد. فالفاعل مضمر في "بئس"6 وإنما جئت برجل مفسرا7 فبين المسألتين فرق. وهذه الأشياء التي جعلت كالأمثال لا ينبغي أن تستجيز فيها إلا ما أجازوه ولا يجوز عندي: نعم طعامك آكلًا زيد, من أجل أن الصفة إذا قامت مقام الموصوف لم يجز أن تكون بمنزلة الفعل الذي/ 111 تتقدم عليه ما عمل فيه, وكما لا يجوز أن تقول: نعم طعامك رجلًا آكلًا زيد. فتعمل الصفة فيما قبل الموصوف فكذلك إذا أقمت "آكلًا" مقام رجل, كان حكمه حكمَهُ. وتقول: نعم غلام الرجل زيد, ونعم غلام رجل زيد فما8 أضفته

_ 1 الكهف: 50. 2 في "ب" وإن. 3 الكهف: 50. 4 زيد: ساقط في "ب". 5 في الأصل لأنها لا تتصرف. 6 في "ب" ذلك بدلا من بئس. 7 لأن المبهمة من الأعداد وغيرها إنما يفسره التبيين، كقولك: عندي عشرون رجلا، وهو خير منك عبدا. 8 في "ب" وما.

إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام وما أضفته إلى النكرة بمنزلة النكرة. وتقول: نعم العمر عمر بن الخطاب, وبئس الحجاج حجاج بن يوسف, تجعل العمر جنسًا لكل من له هذا الاسم, وكذلك الحجاج. ولا تقول: نعم الرجل وصاحبًا أخوك, ولا نعم صاحبًا والرجل أخوك, من أجل أن نعم إذا1 نصبت تضمنت مرفوعًا مضمرًا فيها وفي المسألة مرفوع ظاهر, فيستحيل هذا, ولا يجوز توكيد المرفوع بـ"نعم". قالوا: وقد جاء في الشعر2 منعوتًا لزهير: نِعْمَ الفَتَى المُرِّيُّ أَنْتَ إِذَا هُمُ ... حَضَرُوا لَدَى الحُجُرَاتِ نَارَ المَوقِدِ3 وهذا يجوز أن يكون بدلًا غير نعت فكأنه قال: / 112 نعم المري أنت, وقد حكى قوم على جهة الشذوذ: نعم هم قومًا هم. وليس هذا مما يعرج عليه, وقال الأخفش: حبذا ترفع الأسماء وتنصب الخبر, إذا كان نكرة خاصة, تقول: حبذا عبد الله رجلًا, وحبذا أخوك قائمًا. قال4: وإنما تنصب5 الخبر إذا كان نكرة لأنه حال, قال6: وتقول7: حبذا عبد الله

_ 1 في "ب" إذا ساقطة. 2 في "ب" وأنشدوا لزهير. 3 قال ابن هشام: وأجاز غير الفارسي وابن السراج: نعت فاعلي نعم وبئس تمسكا بقوله: نعم الفتى المري ... وحمله الفارسي وابن السراج على البدل. انظر المغني/ 650 تحقيق الدكتور مازن المبارك، والعيني 4/ 21. والخزانة 4/ 112. ورواية البغدادي: عمدوا لدى الحجرات ... بدلا من حضروا. والديوان/ 275. وعجز البيت كناية عن الشتاء فصل الجدب. 4 قال: ساقطة في "ب". 5 في "ب" نصب. 6 في "ب" وقال. 7 في "ب" تقول بلا واو.

أخونا. فأخونا رفع لأنك وصفت معرفة بمعرفة وإذا وصلت بـ"ما" قلت: نعمًا زيد1, ونعمًا أخوك, ونعمًا أخوتك وصار بمنزلة: حبذا أخوتك. وتقول: نعم ما صنعت, ونعم ما أعجبك. قال ناس إذا قلت: مررت برجل كفاك رجلًا. وجدت2 "كفاك" في كل وجه, وكانت بمنزلة "نعم" تقول: مررت بقوم كفاك قومًا, وكفاك من قوم وكفوك قومًا, وكفوك من قوم. فإن جئت بالباء والهاء وجدت به لا غير تقول مررت بقوم كفاك بهم قوما. وكذلك: مررت بقوم نعم بهم قومًا, وإن أسقطت الباء والهاء3 قلت: نعموا قوما, ونعم قومًا, ولا ينبغي أن ترد "كفاك"إلى الاستقبال/ 113 ولا إلى اسم الفاعل. قال أبو بكر: قد ذكرت الفعل المتصرف والفعل غير المتصرف, وبقي الأسماء التي تعمل عمل الفعل ونحن نتبعها بها إن شاء الله.

_ 1 نعما زيد: ساقطة في "ب". 2 في "ب" ذكرت. 3 الهاء: ساقطة في "ب".

باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل

باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل شرح الأول وهو اسم الفاعل والمفعول ... باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل: وهي تنقسم أربعة أقسام: فالأول: منها اسم الفاعل والمفعول به. والثاني: الصفة المشبهة باسم الفاعل. والثالث: المصدر, الذي صدرت عنه الأفعال واشتقت منه1. والرابع: أسماء سمّوا الأفعال بها. شرح الأول: وهو اسم الفاعل والمفعول به: اسم الفاعل الذي يعمل عمل الفعل, هو الذي يجري على فعله ويطرد القياس فيه, ويجوز أن تنعت به اسمًا قبله نكرة كما تنعت بالفعل الذي اشتق منه ذلك الاسم. ويذكر ويؤنث وتدخله الألف واللام, ويجمع بالواو والنون, كالفعل إذا قلت: يفعلون2 نحو: ضارب وآكل وقاتل, يجري على: يضرب فهو ضارب. ويقتل فهو قاتل, ويأكل فهو آكل.

_ 1 مذهب البصريين: أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه، بينما يرى الكوفيون أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه. ولكل منهما حجج ذكرها ابن الأنباري في الإنصاف 1/ 129. 2 يفعلون: ساقطة في "ب".

وكل اسم فاعل فهو يجري مجرى مضارعه ثلاثيا كان/ 114 أو رباعيا مزيدًا كان فيه أو غير مزيد, فمكرم جار على أكرم, ومدحرج على دحرج ومستخرج على استخرج. وقد بيّنا أن الفعل المضارع أعرب لمضارعته الاسم, إذ كان أصل الإِعراب للأسماء1 وأن اسم الفاعل أعمل بمضارعته الفعل إذ كان أصل الأعمال للأفعال وأصل الإِعراب للأسماء. وتقول: مررت برجل ضارب أبوه زيدًا, كما تقول: مررت برجل يضرب أبوه زيدًا, ومررت برجل مدحرج أبوه كما تقول: يدحرج أبوه وتقول: زيد مكرم الناس أخوه كما تقول: زيد يكرم الناس أخوه, وزيد مستخرج أبوه عمرًا, كما تقول: يستخرج والمفعول يجري مجرى الفاعل كما كان "يفعل" يجري مجرى "يفعل" فتقول: زيد مضروب أبوه سوطًا, وملبس ثوبًا. وقد بينت لك هذا فيما مضى. ومما يجري مجرى "فاعل"2, مفعل نحو: قطع فهو مقطع وكسر فهو مكسر. يراد3 به المبالغة والتكثير. فمعناه معنى: "فاعل" إلا أنه مرة بعد مرة. وفعال يجري مجراه, وإن لم يكن موازيًا له؛ لأن حق الرباعي وما زاد على الثلاثي أن يكون أول "اسم" الفاعل ميمًا فالأصل في هذا "مقطع" والحق به قطّاع, لأنه في معناه. ألا ترى/ 115 أنك إذا قلت: زيدٌ قتال, أو: جراح, لم تقل هذا لمن فعل فعلة واحدة كما أنك لا تقل: قَتلت إلا وأنت تريد جماعة, فمن ذلك قوله تعالى: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} 4, ولو كان بابًا واحدًا لم يجز فيه إلا أن يكون مرة بعد مرةٍ. ومن كلام العرب: أما

_ 1 مذهب البصريين أن الأصل في الأفعال البناء، والفعل المضارع إنما أعرب لشبهه بالاسم. 2 في "ب" اسم الفاعل. 3 في "ب" يفيد. 4 يوسف: 23.

العسل فأنت شرّاب, ومثل ذلك "فعول" لأنك تريد به ما تريد "بفَعَّال" من المبالغة, قال الشاعر: ضَروبٌ بنصلِ السيفِ سُوقَ سمانها ... إذا عَدِموا زادًا فإنك عاقر1 "وفِعالٌ" نحو "مِطْعان ومِطْعام" لأنه في التكثير بمنزلة ما ذكرنا. ومن كلام العرب: أنه لمنحار بوائكها2. وقد أجرى سيبويه: "فعيلًا" "كرحيم" و"عليم" هذا المجرى, وقال: معنى ذلك المبالغة3, وأباه النحويون4 من أجل أن "فعيلًا" بابِه أن يكون صفة لازمة للذات وأن يجري على "فَعُلَ" نحو: ظَرُفَ فهو ظريف, وَكرُمَ فهو كريم, وشَرُفَ فهو شريف, والقول عندي كما قالوا. وأجاز أيضًا مثل ذلك/ 116 في "فَعِلَ"5.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 57 على عمل "ضروب" عمل فعله. وسوق: جمع ساق. عقر البعير بالسيف: ضرب قوائمه. وكانوا يعقرون الناقة إذا أرادوا ذبحها، إما لتبرك فيكون أسهل لنحرها أو ليعاجل الرجل ذلك فلا تمنعه نفسه من عقرها. والبيت من مقطعة لأبي طالب رثى بها أيا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي. وهذا رد على ما ذكره ابن الشجري في أماليه 2/ 206 من أن أبا طالب مدح بها النبي. وانظر المقتضب 2/ 114، وأمالي ابن الشجري 2/ 106، وابن يعيش 6/ 96-170، 2/ 130، والديوان 11. 2 البوائك: جمع بائكة وهي الناقة السمينة، من باك البعير إذا سمن. 3 الكتاب 1/ 59. 4 قال المبرد في المقتضب 2/ 114: فأما ما كان على فعيل نحو: رحيم وعليم، فقد أجاز سيبويه النصب فيه ولا أراه جائزا، وذلك أن "فعيلا" إنما هو اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدى. فما خرج إليه من غير ذلك الفعل فمضارع له ملحق به، والفعل الذي هو "لفعيل" في الأصل إنما هو ما كان على "فَعُلَ" نحو: كرم فهو كريم ... وهذا ما يرتضيه المؤلف. 5 الكتاب 1/ 58 وذكر قول الشاعر مما جاء على فعل: حذر أمورا لا تضير وآمن ... ما ليس منحيه من الأقدار

وأباح النحويون إلا أبا عمر الجرمي1 فإنه يجيزه على بعد فيقول: أنا فَرِقٌ زيدًا, وحَذِرٌ عمرًا, والمعنى: أنا فرق من زيد, وحذر من عمرو. قال أبو العباس -رحمه الله: لأن "فَعِلَ" الذي فاعله على لفظ ماضيه إنما معناه ما صار كالخلقة في الفاعل نحو: بَطِرَ زيد, فهو بَطِرٌ, وخَرِقَ فهو خَرقٌ2.

_ 1 الجرمي: أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي، المتوفى سنة 225هـ، وهو من أساتذة المبرد المشهورين: ترجمته في الفهرست/ 56، ونزهة الألباء 198، وإرشاد الأريب لياقوت 4/ 267، وبغية الوعاة/ 216. 2 المقتضب 2/ 116.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: هذا ضاربٌ زيدًا, إذا أردت "بضاربٍ" ما أنت فيه أو المستقبل كمعنى الفعل المضارع له. فإذا قلت: هذا ضارب زيدٍ, تريد به معنى المضي فهو بمعنى: غلام زيد, وتقول: هذا ضارب زيدٍ أمس, وهما ضاربا زيدٍ, وهم ضاربو زيد1 وهن ضاربات أخيك. كل ذلك إذا أردت به معنى المضي, لم يجز فيه إلا هذا, يعني الإِضافة "و" الخفض, لأنه بمنزلة قولك: غلام عبد الله وأخو زيد. ألا ترى أنك لو قلت: "غلامٌ زيدًا" كان محالًا فكذلك اسم الفاعل إذا كان ماضيًا؛ لأنه اسم وليست فيه مضارعة للفعل/ 117 لتحقيق الإِضافة وإن الأول يتعرَّف بالثاني. ولا يجوز أن تدخل عليه الألف واللام وتضيفه كما لم يجز ذلك في "الغلام" وإنما يعمل اسم الفاعل الذي يضارع "يَفعَل" كما أنه يعرب من الأفعال ما ضارع اسم الفاعل الذي يكون للحاضرِ والمستقبل2. فأما اسم الفاعل الذي يكون لِمَا مضى3

_ 1 في الأصل "ضاربوا". 2 وهذا مذهب البصريين، فهو لا يعمل عندهم إلا في الحال والاستقبال بخلاف الفعل فإنه يعمل مطلقا. 3 الفرق بين اسم الفاعل المراد به الماضي وبين اسم الفاعل المراد به الحال والاستقبال، هو أن الأول لا يعمل إلا إذا كان فيه اللام بمعنى الذي، والثاني يعمل مطلقا. ثم إن الأول يتصرف بالإضافة بخلاف الثاني. والأمر الثالث: أن الأول إذا ثني أو جمع لا يجوز فيه إلا حذف النون والجر، والثاني يجوز فيه وجهان، هذا وبقاء النون والنصب. انظر الأشباه 2/ 200.

فلا يعمل كما أن الفعل الماضي لا يعرف, وتقول: هؤلاءِ حواجُ بيت الله أمسِ ومررت برجل ضارباه الزيدانِ, ومررت بقوم ملازموهم أخوتهم. فيثنى ويجمع لأنه اسم, كما لو تقول: مررت برجل أخواه الزيدانِ وأصحابه وأخوته فإذا أردت اسم الفاعل الذي في معنى المضارع جرى مجرى الفعل في عمله وتقديره, فقلت: مررت برجل ضاربه الزيدان, كما تقول: مررت برجل يضربه الزيدان, ومررت بقوم: ملازمهم أخوتهم, كما تقول: مررت بقوم يلازمهم أخوتهم, وتقول: أخواك آكلان طعامك, وقومك ضاربون زيدًا, وجواريك ضاربات عمرًا. إذا أردت معنى1 المضارع. وتقول مررت برجل ضاربٌ زيدًا الآن أو غدًا, إذا أردت الحال أو/ 118 الاستقبال فتصفه به لأنه نكرة مثله, أضفت أو لم تضف, كما تقول: مررت برجل يضرب زيدًا, ولا تقول: مررت برجل ضارب زيد أمس؛ لأنه معرفة بالإِضافة دالا على البدل. وتقول: مررت بزيد ضاربًا عمرًا, إذا أردت الذي يجري مجرى الفعل. فإن أردت الأخرى أضفت فقلت: مررت بزيدٍ ضاربِ عمروٍ. على النعت والبدل؛ لأنه معرفة, كما تقول: مررت بزيدٍ غلامِ عمروٍ. واعلم: أنه يجوز لك أن تحذف التنوين والنون من أسماء الفاعلين التي تجري مجرى الفعل. وتضيف استخفافًا, ولكن لا يكون الاسم الذي تضيفه إلا نكرة, وإن كان مضافًا إلى معرفة لأنك إنما حذفت النون استخفافًا, فلما ذهبت النون عاقبتها الإِضافة والمعنى معنى ثبات النون. فمن ذلك قول الله سبحانه: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةَ} 2, فلو لم يرد به التنوين لم يكن صفة

_ 1 معنى: ساقطة في "ب". 2 المائدة: 95.

"لهدي" وهو نكرة, {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} 1, {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} 2, وأنشدوا: هلّ أنتَ باعِثُ دِينَارٍ لِحاجَتِنَا ... أو عبدَ رَبٍ أخا عونِ بنِ مِخراقِ3 /119 أراد: بباعثٍ التنوين. ونصب الثاني لأنه أعمل فيه الأول مقدرًا تنوينه, كأنه قال: أو باعثٌ عبدَ ربٍ, ولو جره على ما قبله كان عربيا جيدًا4, إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير. تقول: هذا معطي زيد الدراهم وعمرًا5, الدنانير, ولو قلت: هذا معطي زيد اليوم الدراهم, وغدا عمرًا الدنانير, لم يصلح فيه إلا النصب6 لأنك لم تعطف الاسم على ما قبله, وإنما أوقعت الواو على "غد" ففصل الظرف بين الواو وعمرو. فلم يقو الجر فإذا أعملته عمل الفعل جاز, لأن الناصب

_ 1 الأحقاف: 24. 2 القمر: 27. 3 من شواهد الكتاب 1/ 87. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب "عبد رب" حملا على موضع "دينار". ورده البغدادي في الخزانة بأن الكلام السابق في سيبويه يفيد تقدير فعل ناصب كأنه قال: أوقظ دينارا، أو عبد رب، وهما رجلان أخا عون: صفة أو بدل أو عطف بيان. والمصنف يرى أنه منصوب بالعطف على محل "دينار" لأن "باعث" اسم فاعل بمعنى الاستقبال. والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل. وقيل: هو لجابر السنبسي، أو لجرير، أو لتأبط شرا، وقيل مصنوع، وهو ليس في ديوان جرير. وانظر المقتضب 4/ 151، وشواهد الكشاف/ 206، والخزانة 3/ 476. والعيني 3/ 563. 4 أي: مثل النصب، وذلك لأن من شأنهم أن يحملوا المعطوف على ما عطف عليه، نحو هذا ضارب زيد وعمرو غدا، وينصبون عمرا. 5 والجر جائز أيضا، وهو جيد. 6 أي: لم يصلح في "عمرو" إلا النصب.

ينصب ما تباعد منه, والجار ليس كذلك, وتقول: هذا ضاربك وزيدًا غدًا, لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر1 المجرور حملته على الفعل, كقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} كأنه قال: منجون أهلك, ولم تعطف على الكاف المجرورة. واعلم: أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى, فقلت: هذا ضاربُ زيدٍ وعمروٍ, ومعطي زيدٍ الدراهمَ أمسِ وعمروٍ. جاز لك أن/ 120 تنصب "عمرًا" على المعنى لبعده من الجار, فكأنك قلت: وأعطى عمرًا3, فمن ذلك قوله سبحانه: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} 4, وتقول: مررت برجل قائم أبوه, فترفع الأب5 وتجري "قائمًا" على رجل؛ لأنه نكرة وصفته بنكرة فصار كقولك: مررت برجل يقوم أبوه. فإذا كانت الصفة لشيء من سببه فهي بمزلتها إذا خلصتْ لرجل. وتقول: زيدًا عمروٌ ضاربٌ, كما تقول: زيدًا عمرو يضرب6. فإذا قلت: عبد الله جاريتك أبوها ضارب, فبين النحويين فيه خلاف, فبعض يكره النصب لتباعد ما بين الكلام, وبعض يجيزه. وأبو العباس يجيز ذلك ويقول: إنَّ "ضاربًا" يجري مجرى الفعل في جميعِ أحواله في العمل في التقديم والتأخير. وإنما يكره الفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه, نحو قولك: كانت

_ 1 لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار اسما كان أو حرفا. 2 العنكبوت: 33. 3 انظر الكتاب 1/ 87. 4 الأنعام: 96 وقراءة: وجاعل. من السبعة أيضا في النشر 2/ 36. قرأ الكوفيون وجعل بفتح العين من غير ألف وبنصب اللام من الليل، وقرأ الباقون بالألف وكسر العين ورفع اللام وخفض الليل، وانظر البحر المحيط 4/ 186. 5 الأب يرفع بفعله. 6 تقديم معمول الخبر على المبتدأ جائز سواء كان الخبر مفردا أو جملة فعلية أو اسمية ما لم يمنع مانع. وهو قولك زيدا عمرو الضارب، لأن الفعل صار في الصلة "لأن" زيدا مفعول به لصلة "أل" ولا تتقدم الصلة ولا شيء منها على الموصول.

زيدًا الحمى تأخذ1. وتقول: هذا زيد ضارب أخيك, إذا أردت المضي, لأنك وصفت معرفة بمعرفة, وتقول/ 121 هذا زيد ضاربًا أخاك غدًا فتنصب "ضاربًا" لأنه نكرة وصفت بها معرفة. وإذا كان الاسم2 الذي توقع عليه "ضاربًا" وما أشبهه مضمرًا أسقطت النون والتنوين منه, فعل أو لم يفعل لأن المضمر وما قبله كالشيء الواحد, فكرهوا3 زيادة التنوين مع هذه الزيادة نحو قولك: هذا ضاربي وضاربك وهذان ضارباك غدًا, ولو كان اسمًا ظاهرًا لقلت: ضاربان زيدًا غدًا, ولكنك لما جئت بالمضمر أسقطت النون وأضفته, وتقول: هذا الضارب زيدًا أمس. وهذا الشاتم عمرًا أمس, لا يكون فيه غير ذلك؛ لأن الألف واللام بمنزلة التنوين في معنى الإِضافة4 وأنت إذا نونت شيئًا من هذا نصبت ما بعده. وتقول: هؤلاء الضاربون زيدًا, وهذان5 الضاربان زيدًا, وإن شئت: ألقيت هذه النون وأضفت؛ لأن النون لا تعاقب الألف واللام, كما تعاقب الإِضافة, ألا ترى أنك تقول: هذان/ 122 الضاربان, وهؤلاء الضاربون, فلا تسقط النون, والتنوين ليس كذلك, لا تقول: هذا الضاربٌ بالتنوين فاعلم, ولذلك جازت الإِضافة فيما تدخله النون مع الألف واللام, نحو قولك: هما الضاربا زيد؛ لأن النون تعاقب الإِضافة, فكما تثبت النون مع الألف واللام كذلك تثبت الإِضافة مع الألف واللام ولا يجوز: هذا الضاربُ زيدٍ أمسِ, فإن أضفته إلى ما فيه ألف ولام جاز كقولك: هو الضارب الرجل أمس, تشبيهًا بالحسن الوجه, فكل اسم فاعل كان في الحال أو لم يكن فَعَلَ بعدُ فهو نكرة نونت أو لم تنون وإن كان قد فعل فأضفته إلى معرفة, وإن أضفته إلى نكرة فهو نكرة.

_ 1 انظر المقتضب 3/ 156 و3/ 109. زيدا منصوب بتأخذ، "وتأخذ" خبر كان وتفصل بزيد بين اسم كان وخبرها وليس "زيد" لها باسم ولا خبر. 2 في "ب" وإذا أضفت اسم الفاعل إلى المضمر. 3 في "ب" كرهوا. 4 معنى الإضافة: ساقط في "ب". 5 هذان ساقطة في "ب".

شرح الثاني وهو الصفة المشبهة باسم الفاعل

شرح الثاني: وهو الصفة المشبهة باسم الفاعل. الصفات المشبهات بأسماء الفاعلين: هي أسماء1 ينعت بها كما ينعت بأسماء الفاعلين2, وتذكر3 وتؤنث ويدخلها الألف واللام/ 123 وتجمع بالواو والنون [كاسم الفاعل وأفعل التفضيل] 4 كما يجمع الضمير في الفعل, فإذا اجتمع في النعت هذه الأشياء التي ذكرت أو بعضها شبهوها بأسماء الفاعلين5 وذلك نحو: حَسنٍ وشديد وما أشبه, تقول: مررت برجل حسنٍ أبوه, وشديد أبوه؛ لأنك تقول: حسن وجهه, وشديدٌ وشديدة فتذكر وتؤنث وتقول: الحسن والشديد, فتدخل الألف واللام, وتقول حسنون كما تقول: ضارب مضاربة وضاربون, والضارب والضاربة, فحسن يشبه بضارب, وضارب يشبه بيضرب, وضاربان مثل: يضربان, وضاربون مثل يضربون, ولا يجوز: مررت برجل خير منه أبوه على النعت ولكن ترفعه على الابتداء والخبر, وذلك لبعده من شبه الفعل والفاعل من أجل أن "خير منه" لا يؤنث ولا يذكر ولا تدخله الألف واللام, ولا يثنى ولا يجمع فبعد من شبه الفاعل فكل "أفعل منك" بمنزلة: "خير منك" "وشر منك", وما لم يشبه اسم الفاعل فلا يجوز أن ترفع به اسمًا ظاهرًا البتة, وأما الصفات كلها/ 124 فهي ترفع المضمر وما كان بمنزلة المضمر, ألا ترى أنك إذا قلت: مررت برجل أفضل منك, ففي "أفضل" ضمير الرجل, ولولا ذلك لم يكن صفة له. ولكن لا يجوز أن تقول: مررت برجل أفضل منك أبوه, لبعده من شبه اسم الفاعل

_ 1 في "ب" أنها. 2 أسماء الفاعلين: ساقطة في "ب". 3 في "ب" وتؤنث. 4 زيادة من "ب". 5 دعوى عمل الصفة المشبهة لا أساس لها، فهي لا تنصب، لأن فعلها غير عامل فكيف يعمل المحمول على فعله.

والفعل, ولكن لو قلت: مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه, وبرجل قاعد عمرو إليه, لكان جائزًا, وكذلك: مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه. واعلم: أن سائر الصفات مما ليس باسم فاعل ولا يشبهه, فهي ترفع الفاعل1 إذا كان مضمرًا2 فيها وكان ضمير الأول الموصوف, وترفع الظاهر أيضًا إذا كان في المعنى هو الأول. أما المضمر فقد بينته لك, وهو نحو: مررت برجل خير منك وشر منك, ففي "خير منك" ضمير رجل وهو رفع بأنه فاعل. وأما الظاهر الذي هو في المعنى الأول فنحو قولك: ما رأيت رجلًا أحسن في/ 125 عينه الكحل منه في عين زيد3, لأن المعنى في الحسن لزيد, فصار بمنزلة الضمير إذ كان الوصف في الحقيقة له, ومثل ذلك: ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة4. واعلم: أن قولك: زيد حسن, وكريم, منْ حَسُنَ يحسنَ, وكَرُمَ يكرم, كما أنك إذا قلت: زيد ضارب, وقاتل وقائم, فهو من: ضرب وقتل وقام, إلا أن هذه أسماء متعدية تنصب حقيقة. أما إذا قلت: زيد حسن الوجه وكريم الحسب, فأنت ليس تخبر أن زيدًا فعل بالوجه ولا بالحسب

_ 1 الفاعل: ساقط في "ب". 2 في "ب" المضمر. 3 قال سيبويه: ما رأيت أحسن في عينه الكحل منه في عينه، وليس هذا بمنزلة خير منه أبوه، لأنه مفضل الأب على الاسم في "من" وأنت في قولك: أحسن في عينه الكحل منه في عينه، لا تريد أن تفضل الكحل على الاسم الذي في "من" ولا تزعم: أنه قد نقص أن يكون مثله، ولكنك زعمت: أن الكحل ههنا عملا وهيئة ليست له في غيره من المواضع، وكأنك قلت: ما رأيت رجلا عاملا في عينه الكحل كعمله في عين زيد. الكتاب 1/ 332. 4 الأشموني في شرحه على الألفية 2/ 264 جعله حديثا فقال: ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: "ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم من أيام العشر". والرواية في كتب الحديث: البخاري، الترمذي، وسنن ابن ماجه، وسنن النسائي، ليس فيها "أحب" رافعا للاسم الظاهر.

شيئًا والحسب والوجه فاعلان, كما ينصب الفعل, وحسن وشديد وكريم وشريف أسماء غير متعدية على الحقيقة وإنما تعديها على التشبيه, ألا ترى أنك إذا قلت: زيد ضارب عمرًا, فالمعنى: أن الضرب قد وصل منه إلى عمرو, وإذا قلت: زيد حسن الوجه أو كريم الأب فأنت تعلم أن زيدًا لم يفعل بالوجه شيئًا ولا بالأب والأب والوجه فاعلان في الحقيقة, وأصل الكلام, زيدٌ حَسَنٌ وجههُ, وكريم أبوه حسبه, لأن الوجه هو الذي حسن, والأب/ 126 هو الذي كرم.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: زيد كريم الحسب, لأنك أضمرت اسم الفاعل في "كريم" فنصبت ما بعده على التشبيه بالمفعول, والدليل على أن الضمير واقع في الأول قولك1: هند كريمة الحسب, ولو كان على الآخر لقلت: كريم حسبها كما تقول: قائم أبوها, وإنما جاز هذا التشبيه وإن كان الحسب غير مفعول على الحقيقة, بل هو في المعنى فاعل, لأن المعنى مفهوم غير ملبس, ومن قال: زيدٌ ضاربٌ الرجلَ, وهو يريد التنوين إلا أنه حذفه قال: زيدٌ حسنُ الوجهِ, إلا أن الإِضافة في الحسن الوجه والكريم الحسب وجميع بابهما هو الذي يختار, لأن الأسماء على حدها من الإِضافة إلا أن يحدث معنى المضارعة وإذا قلت: زيد حسن وجهه, وكريم أبوه, وفاره عبده2, فهذا هو الأصل, وبعده في الحسن: زيد حسن الوجه, وكريم الحسب, ويجوز: زيد كريم الحسب وحسن الوجه ويجوز: زيد حسن وجهًا وكريم حسبًا ويجوز: زيد كريم حسب, وحسن وجه, والأصل ما بدأنا به. واعلم: أنك إذا قلت: حسن الوجه فأضفت "حسنًا" إلى الألف واللام فهو غير معرفة, وإن كان مضافًا إلى ما فيه الألف واللام, من أجل أن.

_ 1 في "ب" كقولك. 2 فاره عبده: ساقطة في "ب".

المعنى حَسَن وجهه فهو نكرة, فكما أن الذي هو في معناه نكرة, ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه, فقلت: الحسن الوجه, ولا يجوز الغلام الرجل, وجاز الحسن الوجه, وقولك: مررت برجل حسن الوجه, يدلك على أن حسن الوجه نكرة؛ لأنك وصفت به نكرة, واعلم: أن "حسنًا"1, وما "أشبهه", إذا أعملته عمل اسم الفاعل فليس يجوز عندي أن يكون لما مضى ولا لما يأتي, فلا تريد به إلا الحال2, لأنه صفة, وحق الصفة صحبة الموصوف, ومن قال: هذا حسنُ وجهٍ, وكريمُ حسبٍ, حجته أن الأول لا يكون معرفةً بالثاني أبدًا, فلما كان يعلم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه ولم تكن الألف واللام بمعرفتين3 للأول, كان/ 128 طرحهما أخف. ومن كلام العرب: هو حديث عهد بالوجه, قال الراجز: لاحقُ بطنٍ بقرًا سَمينِ4 ومن قال هذا القول قال: الحسنُ وجهًا, لأن الألف واللام يمنعان

_ 1 في "ب" والصفة المشبهة. 2 أي: الماضي المتصل بالزمن الحاضر، أما اسم الفاعل فيكون للأزمنة الثلاثة. 3 في "ب" معرفتين بإسقاط الباء، ولم يسمع دخول الباء في خبر "كان" ولكن المؤلف شبهه بخبر "ليس" لأنه غير موجب. 4 من شواهد سيبويه 1/ 101 "على إضافة لاحق" إلى قوله: بطن مع حذف الألف واللام فهو بمنزلة: حسن وجه. وعو عجز بيت الحميد الأرقط وصدره: غيران ميفاءه على الرزون. غير أن: معناه أن له نشاطا في السير. وميفاء: هو الرخاء، وأصله موفاء فوقعت الواو ساكنة إثر كسرة فقلبت ياء: كميزان وميعاد. والروزن: الأرض، واللاحق: الضامر، وأصله أن يلحق بطنه ظهره ضمرا، والقرا: الظهر، يكتب بالألف لأنك تقول للطويلة الظهر قرواء وذكر في اللسان: أن تثنيته: قروان وقريان. يصف فرسا فقال: إنه لذو نشاط في جريه على الأرض المرتفعة، وإن بطنه الضامر قد لحق بظهره السمين من شدة الضمور. وأراد أن ضموره ليس عن هزال. وانظر المقتضب 4/ 59 وشرح السيرافي 2/ 13 وشرح ابن يعيش 6/ 85 والمفصل للزمخشري 2/ 124، والصبان جـ2/ 220.

الإِضافة فلا يجوز أن تقول: هذا الحسن وجهٍ من أجل أن هذه إِضافة حقيقة على بابها, لم تخرج فيه معرفة إلى نكرة ولا نكرة إلى معرفة, فالألف واللام لا يجوز أن يدخلا على مضاف إلى نكرة, ولو قلت ذلك لكنت قد ناقضت ما وضع عليه الكلام, لأن الذي أضيف إلى نكرة يكون به نكرة, وما دخلت عليه الألف واللام يصير بهما معرفة, فيصير معرفة نكرة في حال وذلك محال1. وإنما جاز: الحسن الوجه "وما أشبهه" وإدخال الألف واللام على حسن الوجه؛ لأن "حسنًا" في المعنى منفصل, فإضافته غير حقيقية, والتأويل فيه التنوين, فكأنك قلت: حسن وجهه فلذلك جاز, فإذا قلت: حسن وجهٍ ثم أدخلت الألف واللام قلت: الحسن وجهًا, فتنصب الوجه الى التمييز2 /129 أو الشبه بالمفعول به, لمّا امتنعت الإِضافة كما تقول: ضاربُ رجلٍ, ثم تقول: الضارب رجلًا وتقول: هو الكريم حسبًا والفاره عبدًا, ويجوز: الحسن الوجه؛ لأنه مشبه بالضارب الرجل؛ لأن الضارب بمعنى الذي ضَربَ, والفعل واصلٌ منه إلى الرجل على الحقيقة, وقد قالوا: الضارب الرجل فشبهوه بالحسن الوجه, كما شبهوا الحَسنِ الوجه به في النصب, وعلى هذا أنشد: الوَاهِبُ المائة الهجانِ وَعْبدِهَا ... عُوذًا تُزجّي خلفَها أطفالُها3

_ 1 محال، ساقطة في "ب". 2 النصب على التمييز لأنه نكرة. 3 من شواهد سيبويه 1/ 94، وروايته: عوذا تزجى بينها أطفالها. على عطف "عبدها" على المائة وهو مضاف إلى غير الألف واللام، فهو مثل: الضارب الرجل عبد الله. وقد غلط سيبويه في استشهاده بهذا، لأن العبد مضاف إلى ضمير المائة وضميرها بمنزلتها، فكأنه قال: الواهب المائة وعبد المائة. يقول الشاعر: إن هذا الممدوح يهب المائة من الإبل الكريمة، ويهب راعيها أيضا. وهو المراد من العبد، وخص الهجان، لأنها أكرمها. والهجان: البيض، يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع، وعوذا: جمع عائذ وهو جمع غريب، والعائذ: الناقة إذا وضعت وبعد ما تضع أياما حتى يقوى ولدها. وقيل: العوذ: الحديثات النتاج قبل أن توفي خمس عشرة ليلة. ثم هي مطفل بعده وتزجي: تسوق. والبيت للأعشى يمدح قيس بن معد يكرب. وانظر المقتضب 4/ 162. وشعراء النصرانية/ 371، وشرح ابن عقيل/ 337. والديوان/ 27.

والوجه: النصب في هذا, وتقول: هو الحسن وجهِ العبد, كما تقول: هو الحسن العبد, لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام, وتقول: على التشبيه بهذا "الضارب أخي الرجل", كما تقول: الضارب الرجل, وتقول: مررت بالحسنِ الوجه الجميلة, ومررت بالحسن العبد النبيلةِ, فأما قولهم: الواهب المائة الهجان وعبدِها فإنما أردوا: عبدِ المائة كما تقول: كُل شاة/ 130 وسخلها, بدرهم, ورب رجل وأخيه لما كان المضمر هو الظاهر جرى مجراه. وقال أبو العباس -رحمه الله- في إنشادهم: أَنَا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْر ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ عُكُوفَا1 أنه لا يجوز عنده في "بشر" إلا النصب, لأنهم إنما يخفضونه على البدل وإنما البدل أن توقع الثاني موقع الأول, وأنت إذا وضعت "بشرًا "في موضع

_ 1 من شواهد سيبويه جـ1/ 93 على إضافة "التارك" إلى البكري تشبيها بالحسن الوجه لأنه مثله في إضافته إلى الألف واللام. "فبشر" لا يصح أن يكون بدلا من "البكري" لأنه لا يصح أن يحل محله فلا يقال: أنا ابن التارك بشر. والرواية المشهورة: عليه الطير ترقبه وقوعا. ترقبه: أي: تنتظر انزهاق روحه، لأن الطير لا يقع على القتيل وبه رمق ففيه حذف مضاف. وصف الشاعر أن أباه قد صرع رجلا من بكر فوقعت عليه الطير وبه رمق فجعلت ترقبه حتى يموت لتتناول منه، والوقوع هنا جمع واقع وهو ضد الطائر. والبيت للمرار بن سعيد الفقعسي. وانظر: ابن يعيش جـ3/ 72، 74، وشرح ابن عقيل/ 394 والمفصل للزمخشري/ 122.

الأول لم يكن إلا نصبًا, فأما نظير هذا قولك: يا زيد أخانا, على البدل. وقال النحويون1: "بشر". واعلم: أن كل ما يجمع بغير الواو والنون نحو: حسن وحسان فإن الأجود فيه أن تقول: مررت برجل حسان قومه, من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجمع, ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد, لا كإعراب التثنية, والجمع السالم الذي على حد التثنية, فأما ما كان يجمع مسلمًا بالواو والنون نحو: "منطلقين" فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم فتقول: مررت برجل منطلق قومه, وأسماء الفاعلين وما يشبهها إذا ثنيتها أو جمعتها الجمع الذي على حد التثنية/ 132. بالواو والياء والنون لم تثن وتجمع إلا وفيها ضمير الفاعلين مستترًا, تقول: الزيدان قائمان, فالألف والنون إنما جيء بهما للتثنية, وتقول: الزيدون قائمون, فالواو والنون إنما جيء بهما للجمع, وليست بأسماء الفاعلين التي هي كناية كما هي في "يفعلان ويفعلون" لأن الألف في "يفعلان" والواو في "يفعلون" ضمير الفاعلين. فإن قلت: الزيدان قائم أبواهما, لم يجز أن تثني "قائمًا" لأنه في موضع "يقوم أبواهما" إلا في قول من قال: أكلوني2 البراغيث, فإنه يجوز على قياسه مررت برجل قائمين أبوه. فاعلم.

_ 1 قال سيبويه بعد أن ذكر البيت ... سمعناه ممن يرويه عن العرب وأجرى بشرا على مجرى المجرور لأنه جعله بمنزلة ما يكف منه التنوين.. الكتاب 1/ 93. وقد خولف سيبويه في جر بشر وحمله على لفظ البكري لأنك لو وضعته موضعه لم يتسع لك أن تقول: أنا ابن التارك بشر، كما لا تقول: الضارب زيد. والصحيح ما أجازه سيبويه لأخذه عن العرب. 2 أي: إن الواو علامة للجمع وليست فاعلا، لأنه لا يوجد فاعلان لفعل واحد.

شرح الثالث وهو المصدر

شرح الثالث: وهو المصدر. اعلم: أن المصدر يعمل عمل الفعل, لأن الفعل اشتق منه1 وبُنيَ مثله للأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل, نقول من ذلك: عجبت من ضرب زيد عمرًا إذا كان زيد فاعلًا2 / 133 وعجبت من ضرب زيد عمروٌ3 إذا كان زيدٌ مفعولًا, وإن شئت نونت المصدر وأعربت ما بعده بما يجب له لبطلان الإِضافة فاعلًا كان أو مفعولًا فقلت: عجبت من ضرب زيد بكرًا, ومن ضرب زيدًا بكر, وتدخل الألف واللام على هذا فتقول عجبت من الضرب زيدًا بكر, لا يجوز أن تخفض "زيدًا" من أجل الألف واللام, لأنهما لا يجتمعان والإِضافة كالنون والتنوين. وقال قوم: إذا قلت: أردت الضرب زيدًا إنما نصبته بإضمار فعل, لأن الضرب لا ينصب وهو عندي قول حسن. واعلم: أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر؛ لأنه في صلته, وكذلك إن وكد ما في الصلة أو وصف, لو قلت: دارك أعجب زيدًا دخول عمرو, فتنصب الدار بالدخول كان خطأ. وقال قوم إذا قلت: أعجبني ضرب زيدًا فليس من كلام العرب أن ينونوا, وإذا نونت عملت بالفاعل والمفعول ما كنت تعمل قبل التنوين, قالوا: فإن أشرت/ 134 إلى الفاعل نصبت فقلت: أَعجبني ضربٌ زيدًا, وإن شئت رفعت وأردت: أعجبني أن ضُرِبَ زيد.

_ 1 لأن مذهب البصريين: أن المصدر أصل للفعل، فالمصدر يدل على زمان مطلق، والفعل يدل على زمان معين: فكما أن المطلق أصل للمقيد، فكذلك المصدر أصل للفعل. 2 ضرب، مصدر مضاف إلى فاعله وهو "زيد" فزيد مجرور لفظا بالمضاف مرفوع حكما لأنه فاعل. 3 حذفت واوا زائدة قبل "إذا".

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: أعجب ركوبك الدابة زيدًا, فالكاف في قولك: "ركوبك" مخفوضة بالإِضافة, وموضعها رفع, والتقدير: أعجب زيدًا أن ركبت الدابة, فالمصدر يجر ما أضيف إليه فاعلًا كان أو مفعولًا, ويجري ما بعده على الأصل, وإضافته إلى الفاعل أحسن, لأنه له: كقول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} 1, وإضافته إلى المفعول حسنة, لأنه به اتصل وفيه حل, وتقول: أعجبني بناء هذه الدار, وترى المجلود فتقول: ما أشد جلده, وما أحسن خياطة هذا الثوب, فعلى هذا تقول: أعجب ركوب الدابة عمرو زيدًا إن أردت: أعجب أن ركب الدابة عمرو زيدًا, فالدابة وعمرو وركب في صلة "أن" وزيد منتصب "بأعجب" خارج من الصلة فقدمه إن شئت قبل أعجب, وإن شئت جعلته بين "أعجب", وبين/ 135 الركوب وكذلك: عجبت من دق الثوب القصار2, ومن أكل الخبز زيدٌ, ومن أشباع الخبز زيدًا فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفًا ولامًا امتنعت الإِضافة, فجرى كل شيء على أصله فقلت: أعجب ركوب زيد الدابة عمرًا, فإن شئت قلت: أعجب ركوب الدابة زيد عمرًا, ولا يجوز أن تقدم الدابة, ولا زيدًا قبل الركوب؛ لأنهما من صلته, فقد صارا منه كالياء والدال من "زيد" وتقول: ما أعجب شيء شيئًا إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو, ونصبت "إعجابًا" لأنه مصدر وتقديره: ما أعجب شيء شيئًا إعجابًا مثل إعجاب زيد, ورفعت الركوب بقولك: "أعجب" لأن معناه: كما أعجب زيدًا أن ركب الفرس عمرو, وتقول: أعجب الأكل الخبز زيد عمرًا, كما وصفت لك, وعلى هذا قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} 3, فالتقدير: أو أن يطعم لقوله: وما أدراك فعلى هذا يجري ما

_ 1 البقرة: 251. 2 القصار: قصر الثوب قصارة، وقصره: كلاهما، حوره ودقه، ومنه سمي القصار. 3 البلد: 14، وفي الآية المصدر منون.

ذكرت لك ولو قلت: عمرًا أعجبني أن ضرب خالدًا, كان خطأ, لأن/ 136 عمرًا من الصلة. ومن قال: هذا الضارب الرجل, لم يقل: عجبت من الضرب الرجل لأن الضرب ليس بنعت, والضارب نعت كالحسن, وهو اسم الفاعل من "ضرب" كما أن حسنًا اسم الفاعل من "حسن" ويحسن, وهما نعتان مأخوذان من الفعل للفاعل, وتقول: أعجبني اليوم ضرب زيد عمرًا, "إن جعلت اليوم" نصبًا بأعجبني فهو جيد, وإن نصبته بالضرب كان خطأ, وذلك لأن الضرب في معنى "أن ضرب" وزيد وعمرو من صلته فإذا كان المصدر في معنى "إن فعل" أو "أن يفعل" فلا يجوز أن ينصب ما قبله, ولا يعمل إلا فيما كان من تمامه فيؤخر بعض الاسم, ولا يقدم بعض الاسم على أوله, فإن لم يكن في معنى "إن فعل" وصلتها أعملته عمل الفعل إذا كان نكرة مثله, فقدمت فيه وأخرت وذلك قولك ضربًا زيدًا, وإن شئت: زيدًا ضربًا؛ لأنه ليس فيه معنى "أن" إنما هو أمر, وقولك ضربًا زيدًا ينتصب بالأمر, كأنك قلت: اضرب زيدًا, إلا أنه صار بدلًا من الفعل لما حذفته/ 137 وحكى قوم أن العرب قد وضعت الأسماء في مواضع المصادر فقالوا: عجبت من طعامك طعامًا, يريدون: من إطعامك, وعجبت من دهنك لحيتك, يريدون: من دهنك, قال الشاعر: أظليمَ إنَّ مُصابَكُم رَجُلًا ... أَهْدَى السَّلامَ تَحِيَةً ظُلْمُ1 أراد: إن أصابتكم.

_ 1 وروي البيت: أظلوم إن مصابكم. والصواب: أظليم، كما رواه ابن السراج، لأنه مرخم "ظليمة" تصغير "ظلمة" وظليمة هو اسم المرأة المشبب بها، ويروى الشطر الثاني رد السلام. ونسب هذا البيت للعرجي وللحارث بن خالد من أحفاد هشام بن المغيرة, وإلى عمر بن أبي ربيعة، وإلى أمية بن أبي الصلت. وانظر أخبار النحويين للسيرافي/ 57، والاشتقاق لابن فارس/ 99، ومجالس ثعلب/ 270، والأغاني 3/ 97، والفاخر للمفضل بن سلمة/ 176، وأمالي ابن الشجري 1/ 107.

ومنه قوله: وبَعْدَ عطائِكَ المائة الرِّتَاعا1 أراد: بعد إعطائك, وقال هؤلاء القوم: إذا جاءت الأسماء فيها المدح والذم وأصلها ما لم يسم فاعله رفعت مفعولها فقلت: عجبت من جنون بالعلم, فيصير كالفاعل وإنما هو مفعول. هذا مع المدح والذم ولا يقال ذلك في غير المدح والذم.

_ 1 منع البصريون إعمال اسم المصدر المأخوذ من حدث لغيره، كالثواب والكلام والعطاء إلا في الضرورة، أما الكوفيون والبغداديون فجوزوه قياسا إلحاقا بالمصدر كالشاهد المذكور: وبعد عطائك. وقال الكسائي: إمام أهل الكوفة إلا ثلاثة ألفاظ: الخبز والدهن والقوت، فإنها لا تعمل، فلا يقال: عجبت من خبزك الخبز ولا من دهنك رأسك ولا من قوتك عيالك. وأجاز الفراء ذلك وحكى عن العرب مثل: أعجبني دهن زيد لحيته وانظر الهمع جـ2/ 95. والشاهد عجز بيت للقطامي عمير بن شييم من بني تغلب. وصدره. أكفرا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك ... وكان يمدح زفر بن الحارث الكلابي، وقد أسره في حرب فمن عليه وأعطاه مائة من الإبل. وانظر الكتاب جـ1/ 331، والحجة لأبي علي جـ1/ 135، وأمالي ابن الشجري/ 142، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 72. والأغاني جـ2/ 310، والشعر والشعراء/ 377، والخزانة جـ1/ 391 والديوان/ 37.

شرح الرابع وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها

شرح الرابع: وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها. موضع هذه الأسماء من الكلام في الأمر والنهي, فما كان فيها في معنى ما لا يتعدى من الأفعال فهو غير متعد, وما كان منها في معنى فعل متعد تعدى, وهذه الأسماء على ثلاثة أضرب: فمنها اسم مفرد واسم مضاف, واسم استعمل مع/ 138 حرف الجر. فالضرب الأول: قولك: هلم زيدًا. ورويد زيدًا, وحَيَّ هل الثريد, وزعم أبو الخطاب1: أن بعض العرب يقول: حي هل الصلاة2. ومن ذلك: تراكها ومناعها وهذه متعدية, والمعنى: اتركها وامنعها, وأما ما لا يتعدى فنحو: مه, وصه, وأيه. والضرب الثاني: وهي الأسماء المضافة, ومنها أيضًا ما يتعدى وما لا يتعدى, فأما المتعدي فنحو: دونك زيدًا, وعندك زيدا, وذكر سيبويه: أن أبا الخطاب حدثه بذلك3, وحذرك زيدًا, وحذارك زيدًا, وأما ما لا يتعدى, فمكانك وبعدك وخلفك إذا أردت تأخر, وحذرته شيئًا خلفه, وفرطك إذا حذرته من بين يديه شيئًا وأمرته أن يتقدم, وأمامك, ووراءك. والضرب الثالث: ما جاء مع أحرف الجر نحو: عليك زيدًا وإليك إذا قلت: تنح. وذكر سيبويه: أن أبا الخطاب حدثه: أنه سمع من يُقال له إليك,

_ 1 أبو الخطاب: هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد المتوفى "177هـ"، وكان أول من كتب تفسير الأشعار بين السطور، كما كان هو وعيسى بن عمر الثقفي أستاذي أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والأصمعي، ترجمته: طبقات الزبيدي رقم 110- نزهة الألباء/ 53، والمزهر جـ2/ 313. 2 نظر الكتاب 1/ 123، جـ/ 52. 3 انظر الكتاب 1/ 126.

فيقول: "إليَّ" في هذا الحرف وحده, كأنه قال له: تنح فقال: أتنحى1, ولا يجوز مثل هذا في أخوات إليَّ2 لأن/ 139 هذا الباب إنما وضع في الأمر مع المخاطب, وما أُضيف فيه فإنما يُضاف إلى كاف علامة المخاطب المتكلم, ولا يجوز أن تقول: رويده زيدًا ودونه عمرًا, تريد غير المخاطب3. وحكي أن بعضهم قال: عليه رجلًا ليسي, أي: غيري. وهذا قليل شاذ4. وجميع هذه الأسماء لا تصرف تصرف الفعل. وحكي أن ناسًا من العرب يقولون: هلمي, وهلما, وهلموا5, فهؤلاء جعلوه فعلًا والهاء للتنبيه, ولا يجوز أن تقدم مفعولات هذه الأسماء من أجل أن ما لا يتصرف لا يتصرف عمله فأما قول الله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 6 فليس هو على قوله: عليكم كتاب الله, ولكنه مصدر محمول على ما قبله؛ لأنه لما قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 7 فأعلمهم: أن هذا مكتوب مفروض فكان بدلًا من قوله: كتاب الله ذلك, فنصب "كتاب8 الله"وجعل عليكم تبيينا.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 126. 2 مثل دوني وعلى: لأنهما ليس لهما قوة الفعل فيقاس. 3 لأنه ليس بفعل ولا يتصرف تصرفه. 4 في الكتاب 1/ 126 قال سيبويه: وحدثني من سمعه أن بعضهم قال: عليه رجلا ليسي وهذا قليل شبهوه بالفعل. 5 قال سيبويه: واعلم: أن ناسا من العرب يجعلون هلم بمنزلة الأمثلة التي أخذت من الفعل. يقولون: هلمي وهلما، وهلموا. الكتاب جـ1/ 127. هذا على لغة بني تميم لأنهم يجعلونها فعلا صحيحا، ويجعلون الياء زائدة. وفي البحر المحيط 3/ 214: كتاب الله: انتصب بإضمار الفعل، وهو فعل مؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله: حرمت عليكم وكأنه قيل: "كتب الله عليكم تحريم ذلك كتابا". 6 النساء: 24. 7 النساء: 23. 8 نصب "كتاب الله" للمصدر.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: رويدكم أنتم وعبد الله, لأن المضمر في النية مرفوع/ 140 ورويدكم وعبد الله, وهو قبيح إذا لم تؤكده1, ورويدكم أنتم أنفسكم ورويدكم أجمعون, ورويدكم أنتم أجمعون, كل حسن, وكذلك رويد, إذا لم يلحق فيه الكاف تجري هذا المجرى, وكذلك الأسماء التي للفعل جمعًا إلا أن هلم إذا لحقتها "لك" فإن شئت حملت أجمعين, ونفسك على الكاف المجرورة فقلت: هلم لكم أجمعين وأنفسكم, ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الاسم, ألا ترى أنه يجوز: هذا لك نفسك, ولكم أجمعين, ولا يجوز: لك وأخيك, وإن شئت حملت المعطوف والتأكيد والصفة على المضمر المرفوع في النية فقلت: هلم لكم أجمعون, كأنك قلت: تعالوا أجمعون, وهلم لك أنت وأخوك, كأنك قلت: تعالى أنت وأخوك, فإن لم تلحق "لك" جرى مجرى رويد, ورويد يتصرف على أربع جهات: يكون أمرًا بمعنى: أرود أي: أمهل, ويكون صفة نحو: ساروا سيرًا رويدًا أي: سهلًا/ 141 وتكون حالًا, تقول: ساروا رويدًا, أي: متمهلين وتكون مصدرًا نحو: رويد نفسه, وذكر سيبويه: أنه حدثه به من لا يتهم: أنه سمع العرب تقول: ضعه رويدًا [أي] 2 وضعًا رويدًا3. وتلحق "رويد" الكاف وهي في موضع "أفعل" تبيينا لا ضميرًا4 فتقول: رويدك, وريدكم, وإنما تلحقها

_ 1 قبح لحذف التوكيد، لكن إعرابه الرفع على كل حال. قال سيبويه 1/ 125. وتقول فيما يكون معطوفا على الاسم المضمر في النية. وما يكون صفة له في النية كما تقول في المظهر، أما المعطوف فكقولك: رويدكم أنتم وعبد الله. كأنك قلت: افعلوا أنتم وعبد الله، لأن المضمر في النية مرفوع فهو يجري مجرى المضمر الذي ثنيت علامته في الفعل. 2 أضفت كلمة "أي" لأن السياق يقتضيها. 3 انظر الكتاب 1/ 124 ونصه كما يلي:.. ومن ذلك قول العرب: ضعه رويدا، أي: وضعا رويدا. 4 أي: زائدة للمخاطبة وليست باسم. قال سيبويه جـ1/ 124: واعلم: أن رويدا تلحقها الكاف وهي في: موضع "أفعل" وذلك قولك: رويدك زيدا ورويدكم زيدا.

لتبين المخاطب المخصوص فقط غير ضمير, وذلك إذ كانت تقع لكل مخاطب على لفظ واحد. ولك أن لا تذكرها, ومثلها في ذا: حيهل, وحيهلك, فالكاف للخطاب, وليست باسم, ومثل هذا في كلامهم كثير. قال سيبويه: وقد يجوز عليك أنفسكم وأجمعين, وقال: إذا قلت: عليكم زيدًا فقد أضمرت فاعلًا في النية, فإذا قلت: عليك أنت نفسك لم يكن إلا رفعًا. ولو قلت في: عليَّ زيدًا أنا نفسي, لم يكن إلا جرا, وإنما جاءت الياء والكاف لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة1, وكذلك: حذرك بمنزلة عليك, والمصدر وغيره/ 142 في هذا الباب سواء, ومن جعل: رويد مصدرًا قال: رويدك نفسك إن حمله على الكاف وإن حمله على المضمر في النية رفع. قال: وأما قول العرب: رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرته2 به, وأما حيهلك, وهاءك وأخواتها فلا يكون الكاف فيها إلا للخطاب, ولا موضع لها من الإِعراب؛ لأنهن لم يجعلن مصادر. أما قولك: دونك زيدًا, ودونكم إذا أردت تأخر فنظيرها من الأفعال, جئت يا فتى, يجوز أن تخبر عن مجيئك لا غير, وجائز أن تعديها فتقول: جئت زيدًا, وكذلك تقول: عليّ زيدًا, وعليّ به, فإذا قلت: عليّ زيدًا, فمعناه أعطني زيدًا, وإذا قلت: عليك زيدًا فمعناه: خذ زيدًا, ومعنى "حيهل" أقرب وجائز أن يقع في معنى قرب, فأما قولك: أقرب, فكقولك: حيهل الثريد أي: أقرب منه, وآته, وفتح حيهل كفتح خمسة عشر لأنهما شيئان 3 /143 جملًا شيئًا واحدًا.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 126-127. 2 انظر الكتاب 1/ 127. 3 قال سيبويه: 2/ 52: وأما حيهل التي للأمر فمن شيئين: يدلك على ذلك: حي على الصلاة: وأما المبرد فقال: حيهل: فإنما هي اسمان جعلا اسما واحدا، وانظر المقتضب 3/ 205. أما أنها مفتوحة كفتح خمسة عشرة فمعناه: أنها مبنية.

فأما قول الشاعر: يَوم كَثيرٌ تُناديهِ وحيَّ هلُهْ1 فإنه جعله اسمًا فصار كحضرموت ولم يأمر أحدًا بشيء. وقد توصل بـ"علي" كما وصلت بـ"هل" هذه, فمن ذلك: حيَّ على الصلاة. إنما معناه: أقربوا من الصلاة, وإيتوا الصلاة. وفي "حيهل" ثلاث لغات: فأجودهن أن تقول: حيَّهلْ بعمر, فإذا وقفت قلت: حيهلا, الألف ههنا لبيان الحركة كالهاء في قوله: كتابيه, وحسابيه؛ لأن الألف من مخرج الهاء ومثل ذلك قولك: أنا قلت ذاك, فإذا وقفت قلت: أناه. ويجوز: حيهلًا بالتنوين تجعل نكرة, ويجوز: حيهلا بعمر, وهي أردأ اللغات. قال أبو العباس: وأما "حي هلا" فليست بشيء2.

_ عجز بيت من شواهد سيبويه 2/52 على إعراب "حيهله" بالرفع؛ لأنه جعله وإن كان مركبا من شيئين: اسما للصوت بمنزلة معد يكرب في وقوعه اسما للشخص، وكأنه قال: كثير تناديه وحثه ومبادرته، لأن معنى قولهم: حي هل، عجل وبادر. وتكملته: وهيج الحي من دار فظل لهم ... يوم كثير ... وهيج: بمعنى فرق، ودار: واد قريب من هجر. وظل استمر. قيل فاعل هيج ضمير غراب البين، والتنادي: مصدر تنادي، أي: نادى القوم بعضهم بعضا. وصف الشاعر: جيشا سمع به وخيف منه فانتقل عن المحل من أجله وبودر بالانتقال قبل لحاقه. ولم ينسب لأحد معين غير أن شارح أبيات المفصل للزمخشري قال: هو للنابغة الجعدي يهجو به ليلى الأخيلية وكانت بينهما مهاجاة. وانظر: المقتضب 3/ 206 وشرح السيرافي 4/ 129، والمفصل للزمخشري/ 154. وابن يعيش 4/ 46. 2 انظر المقتضب 3/ 205: لم يوجد النص الذي ذكره المؤلف، بل قال المبرد: ومن هذه الحروف "حيهل" فإنما هي اسمان جعلا اسما واحدا، وفيه أقاويل: فأجودها: حيهل بعمر، فإذا وقفت قلت: حيهلا، فجعلت الألف لبيان الحركة، جائز أن تجعله نكرة فتقول: حيهلا يا فتى، وجائز أن تثبت الألف وتجعله معرفة، فلا تنون، والألف زيادة ومعناه: قربه، وتقديره في العربية: بادر بذكره.

"وهلم" إنما هي لُمَّ, أي: أقرب وها للتنبيه, إلا أن الألف حذفت فيها لكثرة الاستعمال وأنهما جعلا شيئًا واحدًا, فأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والاثنين والمرأة وللجماعة من الرجال والنساء: هلم على لفظ واحد كما يفعلون/ 144 ذلك في الأشياء التي هي أسماء للفعل وليس بفعل, قال الله عز وجل: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ 1 إِلَيْنَا} واستجازوا ذلك لإِخراجهم إياها عن مجرى الأفعال, حيث وصلوها بحرف التنبيه كما أخرجوا خمسة عشر من الإِعراب. فأما بنو تميم: فيصرفونها2 فيقولون للاثنين: هلما وللأنثى هلمي, كما تقول: رد, وردا, وردوا, وارددن, وردي. قال أبو بكر: وقد مضى ذكر الأسماء التي تعمل عمل الفعل بعد أن ذكرنا الأسماء المرتفعة فلم يبق اسم يرتفع إلا أن يكون تابعًا لاسم3 من الأسماء التي قدمنا ذكره وأن تكون مبنيا مشبهًا بالمعرب. فأما التوابع فنحو: النعت والتأكيد والبدل والعطف, ونحن نذكرها بعد ذكر الأسماء المنصوبات والمجرورات, وأما ما كان من الأسماء مبنيا مشبهًا للمعرب فنداء المفرد نحو قولك: يا زيد ويا حكم العاقلُ والعاقلَ, ويا حكمان, ويا حكمون, فهذا موضعه نصب وليس بمعرب وإنما حقه/ 145 أن يذكر مع ذكر المبنيات من أجل أنه مبني وينبغي أيضًا أن يذكر مع المنصوبات من أجل أن موضعه منصوب, فنحن نعيده إذا ذكرنا النداء إن

_ 1 الأحزاب: 18. 2 استدل بنو تميم على تركيبها بدخول نون التوكيد فقالوا: هلمن، كأنك قلت: الممن فأذهبت ألف الوصل. وهي عندهم بمنزلة: رد، وردا، وردي، وأردد، كما تقول: هلم، وهلما، وهلمي، وهلممن، والهاء فضل وإنما هي هاء التنبيه، ولكنهم حذفوا الألف لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم. انظر الكتاب 2/ 158. 3 في الأصل: "للاسم".

شاء الله. وقبل أن نذكر المنصوبات نقدم ذكر المعرفة والنكرة للانتفاع بذلك فيها وفي المرفوعات أيضًا إن شاء الله.

باب المعرفة والنكرة

باب المعرفة والنكرة مدخل ... باب المعرفة والنكرة: كل اسم عم اثنين فما زاد فهو نكرة, وإنما سمي نكرة من أجل أنك لا تعرف به واحدًا بعينه إذا ذكر. والنكرة تنقسم قسمين: فأحد القسمين: أن يكون الاسم في أول أحواله نكرة مثل: رجل, وفرس وحجر وجمل وما أشبه ذلك. والقسم الثاني: أن يكون الاسم صار نكرة بعد أن كان معرفة وعرض ذلك في الأصل الذي وضع له غير ذلك نحو أن يُسمى إنسان بعمرو, فيكون معروفًا بذلك في حيه, فإن سمي باسم آخر لم نعلم إذا قال القائل: رأيت عمرًا, أي العمرين هو ومن أجل تنكره دخلت عليه الألف واللام إذا ثني وجمع/ 146. وتعتبر النكرة بأن يدخل عليها "رُبَّ" فيصلح ذلك فيها, أو ألف ولام فيصير بعد دخول الألف واللام معرفة, أو تثنيها وتجمعها بلفظها من غير إدخال ألف ولام عليها, فجميع هذا وما أشبهه نكرة, والنكرة قبل المعرفة, ألا ترى أن الإِنسان اسمه إنسان يجب له هذا الاسم بصورته قبل أن يعرف باسم, وأكثر الأسماء نكرات, وهذه النكرات بعضها أنكر من بعض, فكلما كان أكثر عمومًا فهو أنكر مما هو أخص منه, فشيء أنكر من قولك: حي, وحي أنكر من قولك: إنسان, فكلما قل ما يقع عليه الاسم فهو أقرب إلى التعريف, وكلما كثر كان أنكر, فاعلم.

ذكر المعرفة

ذكر المعرفة: والمعرفة خمسة أشياء: الاسم المكني1, والمبهم, والعلم, وما فيه الألف واللام, وما أُضيف إليهن. فأما المكني: فنحو قولك: هو, وأنت, وإياك, والهاء في "غلامه وضربته" والكاف في غلامك, وضربك/ 147 والتاء في "قمتُ" وقمتِ وقمتَ يا هذا. فأما المبهم: فنحو: هذا, وتلك, وأولئك, المكنيات والمبهمات موضع يستقصى ذكرها فيه إن شاء الله. وأما العلم: فنحو: زيد وعمر وعثمان. واعلم: أن اسم العلم على ثلاثة أضرب: إما أن يكون منقولًا من نكرة أو مشتقا منها أو أعجميا أعرب. فأما المنقول: فعلى ضربين: أحدهما من الاسم والآخر من صفةٍ. أما المنقول من الاسم النكرة فنحو: حجر وأسد2, فكل واحد من هذين نكرة في أصله فإذا سميت به صار معرفة, وأما المنقول من صفة فنحو: هاشم وقاسم وعباس وأحمر, لأن هذه أصولها صفات تقول: مررت برجل هاشم ورجل قاسم وبرجل عباس. وأما الأسماء المشتقة: فنحو: عمر, وعثمان, فهذان مشتقان من عامر وعاثم وليسا بمنقولين, لأنه ليس في أصول النكرات عثمان, ولا/ 148 عمر, إلا أن تريد جمع عمرة.

_ 1 وهو الضمير، وهذا اصطلاح كوفي. 2 في المخطوط الجملة مضطربة هكذا: فأما المنقول فعلى ضربين: أحدهما من الاسم والآخر من صفة، فإما المنقول من اسم نكرة، وإما منقول من صفة، فأما المنقول من الاسم فنحو النكرة، فالاسم نحو: حجر وأسد..

فأسماء الأعلام لا تكاد تخلو من ذلك, فإن جاء اسم عربي لا تدري مِمَّ نقل أو اشتق فاعلم: إن أصله ذلك وإن لم يصل إلينا علمه قياسًا على كثرة ما وجدناه من ذلك. ولا أدفع أن يخترع بعض العرب في حال تسميته اسمًا غير منقول من نكرة ولا مشتق منها. ولكن العام والجمهور ما ذكرت لك. وأما الأعجمية فنحو: إسماعيل, وإبراهيم, ويعقوب, فهذه أعربت من كلام العجم. وأما ما فيه الألف واللام, فإن الألف واللام يدخلان على الأسماء النكرات على ضربين: إمّا إشارة إلى واحد معهود بعينه أو إشارة إلى الجنس, فأما الواحد المعهود: فأن يذكر شيء فتعود لذكره فتقول: الرجل وكذلك الدار, والحمار وما أشبهه, كأن قائلًا قال: كان عندي رجل من أمره ومن قصته, فإن أردت أَنْ يعود/ 149 إلى ذكره. قلت: ما فعل الرجل للعهد الذي كان بينك وبين المخاطب من ذكره, وأما دخولها للجنس فأن تقول: أهلك الناس الدينار والدرهم, لا تريد دينارًا بعينه ولا درهمًا بعينه1 ولكن كقوله عز وجل: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} 2 ... يدلك الاستثناء على أن الإِنسان في معنى الناس3 وأما ما أُضيف إليهن فنحو قولك: غلامك. وصاحبك وغلام ذاك, وصاحب هذه, وغلام زيد, وصاحب عمرو, وغلام الرجل. وصاحب الإِمام ونحو ذلك.

_ 1 وإنما يريد الجميع. 2 العصر: 2، و"أل" في الإنسان لاستغراق الجنس. 3 ألا تراه قال: إلا الذين آمنوا ولا يستثني من الشيء إلا بعضه.

مسائل في المعرفة والنكرة

مسائل في المعرفة والنكرة: تقول: هذا عبد الله, فهذا اسم معرفة. وعبد الله اسم معرفة وهذا مبتدأ وعبد الله خبره, فإن جئت بعد عبد الله بنكرة نصبتها على الحال, فقلت: هذا عبد الله واقفًا, وكذلك كل اسم علم يجري مجرى عبد الله وتقول: هذا أخوك, فهذا معرفة وأخوك, معرفة بالإِضافة إلى الكاف,

فإن/ 150 جئت بنكرة قلت: هذا أخوك قائمًا, قال الله تعالى: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} 1. وأجاز أصحابنا الرفع في مثل هذه المسألة2 على أربعة أوجه: أحدهما: أن تجعل "أخاك" بدلًا3 من "هذا" وتجعل قائمًا خبر "هذا" والآخر: أن تجعل "أخاك" خبرًا لـ"هذا" وتضمر "هذا" من الأخ كأنك قلت: هذا أخوك هذا قائم, وإن شئت أضمرت "هو" كأنك قلت: هذا أخوك هو قائم وإن شئت كان "أخوك" وقائم خبرًا واحدًا4, كما تقول: هذا حلو حامض أي: قد جمع الطعمين, ومثل هذا لا يجوز أن يكون "حلو" الخبر وحده ولا حامض الخبر وحده, حتى تجمعهما5, وإذا قلت: هذا الرجل ولم تذكر بعد ذلك شيئًا, وأردت بالألف واللام العهد, فالرجل خبر عن "هذا" فإن جئت بعد "الرجل" بشيء يكون خبرًا جعلت "الرجل" تابعًا لـ"هذا" كالنعت؛ لأن المبهمة توصف بالأجناس, وكان ما بعده خبرًا عن "هذا" فقلت: هذا الرجل عالم, وهذه/ 151 المرأة عاقلة, وهذا الباب جديد, فترفع "هذا" بالابتداء وترفع ما فيه الألف واللام بأنه صفة وتجعلهما كاسم واحد. ومنه قول النابغة الذبياني: تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرفتها ... لِسِتَّةِ أعوامٍ وذَا العامُ سَابعُ6

_ 1 هود: 72. وقرئ في الشواذ "شيخ" بالرفع - الإتحاف/ 259. وانظر سيبويه جـ1/ 258 والعامل المعنوي في الحال: الظرف، والجار والمجرور وحرف التثنية، نحو: ها أنا زيد قائما، واسم الإشارة نحو: ذا زيد راكبا، وحرف النداء، نحو: يا ربنا منعما، وانظر شرح الكافية 1/ 183. 2 أي: إذا قال: هذا أخوك قائم. انظر الكتاب 1/ 258. 3 ويجوز أن يكون تبيينا "لهذا". 4 أي: أنه جمع ذا وذا. 5 لأنه لا يريد أن تنقض الحلاوة بالحموضة. 6 من شواهد سيبويه جـ1/ 260 "على رفع" سابع خبرا عن "ذا" لأن "العام" من صفته. فكأنه قال: وهذا سابع. والآيات: العلامات. يقول: تفرست بعلامات هذه الدار. ولم أتعرف عليها إلا بعد نظر واستدلال لفرط خفائها. وفي بعض طبعات الديوان: ما عرفتها. وانظر المقتضب 4/ 322، والصاحبي/ 85، وشرح السيرافي 3/ 199 والحجة 1/ 193. والعيني 4/ 482. والديوان/ 48.

فإن أردت بالألف واللام المعهود, جاز نصب ما بعده فقلت: هذه المرأة عاقلة, وهذا الرجل عالمًا, فإذا كانت الألف واللام في اسم لا يراد به واحد من الجنس وهو كالصفة الغالبة نصبت ما بعد الاسم على الحال, وذلك قولك: هذا العباس مقبلًا, وإن كان الاسم ليس بعلم ولكنه واحد ليس له ثانٍ كان أيضًا الخبر منصوبًا كقولك: هذا القمر منيرًا وهذه الشمس طالعة وكذلك إن أردت بالاسم أن تجعله يعم الجنس كله, ويكون إخبارك عن واحده كإخبارك عن جميعه كان الخبر منصوبًا كقولك: هذا الأسد مهيبًا, وهذه العقرب مخوفة, إذا لم ترد عقربًا تراها ولا أسدًا تشير إليه/ 152 من سائر الأسد, ولا يجوز: هذا أنا, وهذا أنت, لأنك لا تشير للإِنسان إلى نفسه ولا تشير إلى نفسك, فإن أردت التمثيل أي: هذا يقوم مقامك ويغني غناءك, جاز أن تقول: هذا أنت وهذا أنا والمعنى: هذا مثلك, وهذا مثلي وأما قولك: هذا هو فبمنزلة قولك: هذا عبد الله إذا كان هو إنما يكون كناية عن عبد الله وما أشبهه, ألا ترى أنك تكون في حديث إنسان فيسألك المخاطب عن صاحب القصة من هو؟ فتقول: هذا هو, وقال قوم: إن كلام العرب أن يجعلوا هذه الأسماء المكنية بين "ها وذا" وينصبون أخبارها على الحال فيقولون: ها هو ذا قائمًا, وها أنذا جالسًا, وها أنت ذا ظالمًا, وهذا الوجه يسميه الكوفيون التقريب1 وهو إذا كان الاسم ظاهرًا جاء بعد "هذا" مرفوعًا ونصبوا الخبر معرفة كان أو نكرة/ 153, فأما البصريون فلا

_ 1 أضاف الكوفيون إلى "كان" وأخوتها، "هذا وهذه" وفي الاحتياج إلى مرفوع ومنصوب وذلك إذا قصد بهما التقريب, قال الفراء: أن يكون ما بعد "هذا" واحدا لا نظير له، فالفعل حينئذ أيضا منصوب: وإنما نصبت الفعل لأن "هذا" ليس بصفة للأسد، إنما دخلت تقريبا.. انظر معاني القرآن 1/ 8. وكان ثعلب يقول: إن الكوفيين يسمون "هذا زيد القائم" تقريبا، أي: قرب الفعل به، وحكى: كيف أخاف الظلم وهذا الخليفة قادما أي: الخليفة قادم. فكلما رأيت "هذا" يدخل ويخرج والمعنى واحد فهو تقريب.. مجالس ثعلب/ 427.

ينصبون إلا الحال1. وتقول: هذا هذا, على التشبيه, وهذا ذاك, وهذا هذه. واعلم: أن من الأسماء مضافات إلى معارف ولكنها لا تتعرف بها, لأنها لا تخص شيئًا بعينه, فمن ذلك: مثلك وشبهك وغيرك, تقول: مررت برجل مثلك وبرجل شبهك, وبرجل غيرك, فلو لم يكن نكرات ما وصف بهن نكرة وإنما نكرهن معانيهن, ألا ترى أنك إذا قلت: مثلُكَ. جاز أن يكون "مثلك" في طولك أو لونك أو في علمك, ولن يحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء لكثرتها وكذلك شبهك وأما غيرك فصار نكرة, لأن كل شيء مثل الشيء عداك فهو غيرك, فإن أردت بمثلك وشبهك المعروف بشبهك فهو معرفة, وأما شبيهك فمعرفة, ولم يستعمل كما استعمل "شبهك" المعروف بأنه يشبهك وتقول/ 154 هذا واقفًا زيد, وهذا واقفًا رجل, فتنصب "واقفًا" على الحال, وإن شئت رفعت فقلت هذا واقف رجل فتجعل "واقفٌ" خبر "هذا" ورجل بدل منه, وكذلك زيد وما أشبهه وينشد هذا البيت على وجهين: أترضى بأَنَّا لَمْ تَجفَّ دِماؤُنَا ... وهذا عَرُوس باليَمَامَةِ خَالِدُ2

_ 1 في الكتاب 1/ 760 باب ما يرتفع فيه الخبر، لأنه مبني على مبتدأ، أو ينتصب فيه الخبر، لأنه حال لمعروف مبني على مبتدأ، فأما النصب فقولك: هذا الرجل منطلقا، جعلت الرجل مبنيا على "هذا" وجعلت الخبر حالا له قد صار فيها، فصار كقولك: هذا عبد الله منطلقا. وقال المبرد: تقول: هذا الرجل قائما، كقولك: هذا زيد قائما. انظر المقتضب 4/ 322. 2 الشاهد فيه "عروس" رفعا ونصبا، وكذلك استعمال عروس للذكر والمؤنث. وانظر: شرح السيرافي 1/ 4، نسخة البغدادي، وتثقيف اللسان/ 103، وتقويم اللسان/ 157، ولحن العامة للزبيدي/ 25.

فينصب "عروس" ويرفع. وتقول: هذا مثلك واقف, وهذا غيرك منطلق, لما خبرتك به من نكرة مثلك وغيرك, وقد يجوز أن تنصب فيكون النصب أحسن فيها منه في سائر النكرات. لأنها في لفظ المعارف. وإن كانت نكرات فيقول: هذا مثلك منطلقًا, وهذا حسن الوجه قائمًا وقد عرفتك أن "حسن الوجه" نكرة, ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه, وأفضل منك, وخير منك نكرة أيضًا, إلا أنه أقرب إلى المعرفة من حسن, وفاضل, فتقول: هذا أفضل منك قائمًا/ 155 فإن قلت: "زيد هذا" فزيد مبتدأ وهذه خبره, والأحسن أن تبدأ "بهذا" لأن الأعرف أولى بأن يكون مبتدأ, فإن قلت: زيد هذا عالم جاز الرفع والنصب, فالرفع على أن تجعل "هذا" معطوفًا على "زيد" عطف البيان وترفع "عالمًا" بأنه خبر الابتداء, وإن جعلت "هذا" خبرًا لزيد, نصبت "عالمٌ" على الحال. واعلم: أن "ذلك" مثل "هذا" تقول: إن ذلك الرجل عالم, كما تقول: إن هذا الرجل عالم. وإن ذلك الرجل أخوك, كما تقول: إن هذا الرجل أخوك. والكوفيون يقولون: هذا عبد الله أفضل رجل وأي رجل, فيستحسنون رفع ما كان فيه مدح أو ذم, ورفعه عندهم على الاستئناف, وعلى ذلك يتأولون قول الشاعر 1: مَنْ يكُ ذا بَثٍّ فهذا بَتِّي ... مُقَيِّظ "مُصَيَّف" مُشَتِّي

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 158، على تعدد خبر مبتدأ واحد من غير عطف، فقوله: مقيظ -مصيف- مشتى كلها أخبار تعددت بلا فاصل. والبت: كساء غليظ، وقيل: طيلسان من خز، ومقيظ -بكسر الياء المشددة- أي: يصلح للاستعمال في زمن القيظ، وكذلك -مصيف- ومشت، أي: يصلح للاستعمال فيهما. وهذا الرجز لم ينسبه سيبويه، وكذلك الأعلم. وقد وجدته في زيادات ديوان رؤبة بن العجاج وروي بعده قوله: أخذته من نعجات ست وروى صاحب اللسان هذه الزيادة مع الشاهد ولم ينسبها لقائل معين، وزاد على ذلك في مكان آخر: سود كنعاج الدشت وانظر: شرح السيرافي 1/ 4، والجمهرة لابن دريد 1/ 22. وأمالي ابن الشجري 2/ 255، والمسلسل/ 209، والإنصاف/ 387.

وهذا عند البصريين: من باب حلو حامض1, أي: قد جمع أنه مقيظ وأنه مصيف مشتي ففيه هذه الخلال. واعلم: أن من كلام العرب أسماء قد وضعتها موضع/ 156 المعارف, وليست كالمعارف التي ذكرناها وأعربوها وما بعدها إعراب المعارف, وذلك نحو قولهم للأسد: أبو الحارث وأسامة, وللثعلب: ثعالة وأبو الحصين وسَمْسَم, وللذئب: دألان وأبو جعدة, وللضبع: أم عامر وحضاجر, وجعَار, وجَيْأل, وأم عَنْتَل وقَئام, ويقال للضبعان: قُثَم وهو الذكر منها, وللغراب: ابن بَريح. قال سيبويه: فإذا قلت: هذا أبو الحارث فأنت تريد: هذا الأسد2, أي: هذا الذي سمعت باسمه أو هو الذي عرفت أشباهه ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدًا وعمرًا, ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسم معناه معنى زيد أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس, ألا تراهم قد اختصوا الخيل والإِبل والغنم والكلاب, وما يثبت معهم بأسماء: كزيد وعمرو3, ومن ذلك: أبو جُخادب وهو شيء يشبه الجُنْدبُ, غير/ 157 أنه أعظم منه وهو ضرب من الجنادب, كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة, وابن قِتْرَة ضرب من الحيات, وابن آوى4

_ 1 أي: إن حلوا حامضا يعربان خبرا لما قبلهما وكأنهما اسم واحد. 2 انظر الكتاب 1/ 263-264. 3 الكتاب 1/ 264. 4 في حياة الحيوان 1/ 98: ابن آوى جمعه بنات آوى ولا ينصرف، وكنيته: أبو أيوب وأبو كعب، وأبو وائل، وسمي ابن آوى لأنه يأوي إلى عواء أبناء جنسه. وانظر عجائب المخلوقات 2/ 180.

معرفة. ويدلك على أنه معرفة أن آوى غير مصروف, وابن عرس1 وسامُّ أبرص2. وبعض العرب يقول: أبو بريص, وحمار قبان3: دويَبة كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب هذا الذي يعرف من أحناش4 الأرض بصورة كذا, فاختصت العرب لكل ضرب من هذه الضروب اسمًا على معنى يعرفها بها, فعلى هذا تقول: هذا ابن آوى مقبلًا ولا تصرف آوى, لأنه معرفة؛ ولأنه على وزن "افعلَ" وتنصب مقبلًا كما نصبته في قولك: هذا زيد مقبلًا, وحكم جمعها حكم زيد إلا أن منها ما ينصرف, وما لا ينصرف, كما تكون الأسماء المعارف وغيرها. وقد زعموا: أن بعض العرب يقول: هذا ابن عرس مقبل فيرفعه على وجهين فوجه مثل: هذا زيد مقبل, ووجه على أنه جعل عرسًا نكرة فصار المضاف إليه نكرة5, وما ابن مخلص وابن لبون وابن ماءٍ فنكرة لأنها/ 158 تدخلها الألف واللام. واعلم: أن في كلامهم أسماء معارف بالألف واللام وبالإِضافة غلبت على أشياء فصارت لها كالأسماء والأعلام مثل: زيد وعمرو نحو: النجم,

_ 1 ابن عرس: في كتاب عجائب المخلوقات للقزويني 2/ 181: ابن عرس: حيوان دقيق طويل هو عدو للفأر يدخل حجرها ويخرجها ويحب الحلى والجواهر فيسرقها. 2 في عجائب المخلوقات 2/ 476: سام أبرص، الوز هو الصغير الرأس الطويل الذنب. 3 حمار قبان: قال الدميري في حياة الحيوان 1/ 232: دويبة مستديرة بقدر الدينار ضامرة البطن متولدة من الأماكن الندية، ووزن قبان: فعلان بدليل منع صرفه في قول الشاعر: يا عجبا لقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا وقد تكلم على هذا الرجز بإفاضة البغدادي في شرح شواهد الشافية ص167-174. 4 الأحناش: دواب الأرض من الحيات وغيرها، أو هو كل شيء من الدواب والطير. 5 أي: جعل ما بعده نكرة فصار مضافا إلى نكرة بمنزلة قولك: هذا رجل منطلق. وانظر الكتاب 1/ 265. قال سيبويه: وقد زعموا أن بعض العرب يقول: هذا ابن عرس مقبل، فرفعه على وجهين: فوجه مثل: هذا زيد مقبل، ووجه على أنه جعل ما بعده نكرة فصار مضافا إلى نكرة بمنزلة قولك: هذا رجل منطلق.

تعني الثريا وابن الصِّعَق1 ابن رألان2 وابن كُراع3 فإن أخرجت الألف واللام من النجم وابن الصعق تنكر. وزعم الخليل4: أن الذين قالوا: الحارث والحسن والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه, كأنه وصف غلب عليه, ومن قال: حارث وعباس, فهو يجريه مجرى زيدًا5. وأما السِّماك6 والدَّبِران7 والعَيُّوق8 وهذا النحو فإنما يلزمه الألف واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه كالصفات الغالبة وإنما أُزيل عن لفظ السامك والدابر والعايك فقيل: سِمَاك ودَبَران وعَيُوق للفرق, كما فصل بين العِدلْ9 والعديل10 وبناء حصين11 وامرأة حصان12. قال سيبويه: فكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة, فإن كان عربيا تعرفه ولا تعرف الذي اشتق منه فإنما ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا أو يكون13 /159 الآخر لم يصل إليه علم ما وصل إلى الأول المسمى.

_ 1 الصعق: في الأصل صفة تقع على كل من أصابه الصعق، وهو لقب خالد بن نفيل فارس بني كلاب. 2 رألان: ولد النعامة. 3 كراع: اسم يجمع الخيل، والسلاح، والكراع من اليقن المستدق الساق العاري من اللحم. 4 انظر الكتاب 1/ 267. 5 الكتاب 1/ 267. 6 السماك: الشيء الذي سمك وارتفع. 7 الدبران: يقال لكل شيء صار خلف شيء دبران. 8 العيوق: يقال لكل شيء عاق عن شيء عيوق. 9 العدل: لا يكون إلا للمتاع. 10 العديل: ما عادلك من الناس. 11 حصين: بناء محرز لمن يلجأ إليه. 12 حصان: صفة للمرأة المحرزة لفرجها. 13 الكتاب 1/ 268.

قال: وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء1, يعني: أنه أُريد به الثالث والرابع فأُزيل لفظه كما فعل بالسماك. وتقول: هذان زيدان منطلقان, فمنطلقان صفة للزيدين وهو نكرة وصفت به نكرة, قال وتقول: هؤلاء عرفات2 حسنة, وهذان أبانان3 بينين4, والفرق بين هذا وبين زيدين أن زيدين لم يجعلا اسمًا لرجلين بأعينهما وليس هذا في الأناس ولا في الدواب, إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك, من قبل أن الأماكن لا تزول فصار أبانان, وعرفات كالشيء الواحد. والذي والتي: معرفة ولا يتمان إلا بصلة, ومن وما يكونان معرفة ونكرة؛ لأن الجواب فيهما يكون بالمعرفة والنكرة, وأيهم وكلهم وبعضهم, معارف بالإِضافة وقد تترك الإِضافة وفيهن معناها قائم, وأجمعون وما أشبهها معارف؛ لأنك لا تنعت بها إلا معرفة ولا يدخل عليها/ 160 الألف واللام. وقال الكسائي: سمعت: هو أحسن الناس هاتين, يريد عينين فجعله نكرة. وهذا شاذ غير معروف. ويكون "ذا" في موضع الذي, فتقول: ضربت هذا يقوم وليس بحاضر, تريد: الذي يقوم, قالوا: وقد جاء هذا في الشعر.

_ 1 الكتاب 1/ 268. 2 عرفات: جبلان في مكة أو موضع فيها، وعرفات معرفة يدل على ذلك عدم دخول الألف واللام عليها. 3 أبانان بينين: أبانان: جبلان في البادية، وقيل: هما جبلان: أحدهما: أسود، والآخر: أبيض، فالأبيض لبني أسد, والأسود لبني فزارة بينهما نهر يقال له الرمة بتخفيف الميم وبينهما نحو من ثلاثة أميال وهو اسم علم لها. وبينين يعرب حالا. 4 انظر الكتاب 1/ 268.

ذكر الأسماء المنصوبات

ذكر الأسماء المنصوبات ذكر الأسماء المنصوبات ... ذكر الأسماء المنصوبات: الأسماء المنصوبات تنقسم قسمة أولى على ضربين: فالضرب الأول هو العام الكثير: كل اسم تذكره بعد أن يستغني الرافع بالمرفوع وما يتبعه في رفعه إن كان له تابع, وفي الكلام دليل عليه فهو نصب. والضرب الآخر: كل اسم تذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة وقد تما بالإِضافة والنون, وحالت النون والإِضافة بينهما ولولاهما لصلح أن يضاف إليه فهو نصب. والضرب الأول: ينقسم على قسمين: مفعول, ومشبه/ 161 بمفعول. والمفعول ينقسم على خمسة أقسام: مفعول مطلق, ومفعول به, ومفعول فيه ومفعول له. ومفعول معه.

شرح الأول وهو المفعول المطلق ويعني به المصدر

شرح الأول: وهو المفعول المطلق, ويعني به المصدر. المصدر اسم كسائر الأسماء, إلا أنه معنى غير شخص. والأفعال مشتقة منه1 وإنما انفصلت من المصادر بما تضمنت معاني الأزمنة الثلاثة بتصرفها. والمصدر: هو المفعول في الحقيقة لسائر المخلوقين, فمعنى قولك: قام زيد وفعل زيد. قيامًا سواء, وإذا قلت: ضربت فإنما معناه أحدثت ضربًا وفعلت ضربًا فهو المفعول الصحيح. ألا ترى أن القائل يقول: من فعل هذا القيام؟ فتقول: أنا فعلته, ومن ضرب هذا الضرب الشديد؟ فتقول: أنا فعلته. تريد: أنا ضربت هذا الضرب. وقولك ضربت هذا الضرب, وقولك

_ 1 هذا على مذهب البصريين الذين يرون أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه بينما يرى الكوفيون أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه، نحو: ضرب ضربا وقام قياما، ولكل منها حجج ذكرها ابن الأنباري في الإنصاف. انظر مسألة/ 28 الجزء الأول.

ضربت زيدًا لا يصلح أن تغيره بأن تقول: فعلت زيدًا لأنه ليس بمفعول لك/162 فإنما هو مفعول لله تعالى, فإذا قلت: ضربت زيدًا, فالفعل لك دون زيد, وإنما أحللت الضرب به وهو المصدر, فعلى هذا تقول: قمت قيامًا وجلست جلوسًا, وضربت ضربًا, وأعطيت إعطاءً, وظننت ظنا, واستخرجت استخراجًا, وانقطعت انقطاعًا, واحمررت احمرارًا, فلا يمتنع من هذا فعل منصرف البتة. ومصدر الفعل الذي يعمل فعله1 فيه يجيء على ضروب: فربما ذكر توكيدًا نحو قولك: قمت قيامًا, وجلست جلوسًا, فليس في هذا أكثر من أنك أكدت فعلك بذكرك مصدره, وضرب ثانٍ تذكره للفائدة نحو قولك: ضربت زيدًا ضربًا شديدًا, والضرب الذي تعرف. وقمت قيامًا طويلًا, فقد أفدت في الضرب أنه شديد, وفي القيام أنه طويل, وكذلك إذا قلت: ضربت ضربتين وضربات, فقد أفدت المرار وكم مرة ضربت. وقال سيبويه: تقول: قعد قِعْدةَ سوء وقعد قعدتين2 /163 لما عمل في الحدث -يعني المصدر- عمل في المرة منه والمرتين, وما يكون ضربًا منه وإن خالف اللفظ. فمن ذلك: قعد القرفُصاء3, واشتمل الصَمَّاء4, ورجع القهقرى؛ لأنه ضرب من فعله الذي أخذ منه5. قال أبو العباس قولهم: القرفصاء واشتمل الصمّاء, ورجع القهقرى هذه حلى وتلقيبات لها وتقديرها: اشتمل الشمل التي تعرف بهذا الاسم

_ 1 نحو: ضرب ضربا. 2 انظر الكتاب 1/ 15. 3 قعود القرفصاء: أن يجلس الرجل على إليتيه ويلصق فخذيه ببطنه يحتبي بيديه. 4 اشتمال الصماء: أن يرد الرجل كساءه من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا. 5 انظر الكتاب 1/ 15.

وكذلك أخواتها. قال: وجملة القول: إن الفعل لا ينصب شيئًا إلا وفي الفعل دليل عليه, فمن ذلك المصادر لأنك إذا قلت: قام ففي "قام" دليل على أنه: فعل قيامًا, فلذلك قلت: قام زيد قيامًا فعديته إلى المصدر, وكذلك تعديه إلى أسماء الزمان, لأن الفعل لا يكون إلا في زمان, وتعديه إلى المكان لأنه فيه يقع, وتعديه إلى الحال؛ لأنه لأفعل إلا في حال وأحق ذلك به المصدر, لأنه مشتق من لفظه ودال عليه. واعلم/164: أنَّ "أنْ" تكون مع صلتها في معنى المصدر, وكذلك "ما" تكون مع صلتها في معناه وذلك إذا وصلت بالفعل خاصة إلا أن صلة "ما" لا بد من أن تكون فيها ما يرجع إلى "ما" لأنها اسم, وما في صلة "أن" لا يحتاج أن يكون معه فيه راجع؛ لأن "أن" حرف والحروف لا يكنى عنها ولا تضمر, فيكون في الكلام ما يرجع إليها, والذي يوجب أن "ما" اسم وأنها ليست حرفًا "كأنْ": أنها لو كانت "كأن" لعملت في الفعل كما عملت "أن" لأنا وجدنا جميع الحروف التي تدخل على الأفعال, ولا تدخل على الأسماء تعمل في الأفعال فلما لم نجدها عاملة حكمنا بأنها اسم, وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وغيره من النحويين1, فتقول: يعجبني أن يقوم زيد, تريد: قيام زيد, ويعجبني ما صنعت, تريد: صنيعك, إلا أن هذين وإن كانا

_ 1 انظر: المقتضب 3/ 200، والكتاب 1/ 367، و1/ 410. الأخفش يقول: أعجبني ما صنعت، أي: ما صنعته، كما تقول: أعجبني الذي صنعته، ولا يجيز: أعجبني ما قمت، لأنه لا يتعدى، وقد خلط فأجاز مثله. قال المبرد: والقياس والصواب قول سيبويه. والذي يبدو أن رأي المبرد هنا واضح في أنه يرى أن "ما" المصدرية حرف لا اسم، فقد ارتضى مذهب سيبويه وجعله الصواب وضعف مذهب الأخفش ثم رماه بالتخليط. لكن بعد هذا ينسب الرضي والسيوطي إلى المبرد بأنه يرى أن "ما" المصدرية اسم كما يراه الأخفش. وفي شرح الكافية 2/ 51: و"ما" المصدرية حرف عند سيبويه واسم موصول عند الأخفش والرماني والمبرد. وفي الهمع: 1/ 48، الخامس: "ما" خلافا لقوم منهم المبرد والمازني والسهيلي وابن السراج والأخفش في قولهم: إنها اسم، مفتقرة إلى ضمير.

قد يكونان في معنى المصادر فليس يجوز أن يقعا موقع المصدر في/165 قولك: ضربت زيدًا ضربًا, لا يجوز أن تقول: ضربت زيدًا أن ضربت, تريد: ضربًا, ولا ضربت زيدًا ما ضربت, تريد: معنى "ضربًا", وأنت مؤكد لفعلك, ويجوز: ضربت ما ضربت, أي: الضرب الذي ضربت, كما تقول: فعلت ما فعلت, أي: مثل الفعل الذي1 فعلت, وتقول: فعلت ما فعل زيد, أي: كالفعل الذي فعل زيد, فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال؛ لأن فعلك لا يكون فعل غيرك. قال الله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2 والتأويل عندهم والله أعلم كالخوض الذي خاضوا.

_ 1 يرى ابن السراج: أن "ما" اسم مفتقر إلى ضمير. وأكثر النحاة يرى أنها إذا كانت بمعنى المصدر لا تحتاج إلى ضمير لأنها حرف، والدليل على أنها حرف: أنها تدخل على الفعل كدخول "أن" ولا خلاف أن "أن" لا تضمر ولا يعود إليها ضمير من صلتها, كذلك يلزم في "ما" لأنها بمنزلتها في دخولها على الفعل وكونها في تأويل المصدر، قال سيبويه 1/ 367: "وما إذا كانت والفعل مصدر بمنزلة إن". وقال: ومثل ذلك أيضا من الكلام فيما حدثنا أبو الخطاب: ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر، "فما" مع الفعل بمنزلة اسم نحو: النقصان والضرر، كما أنك إذا قلت: ما أحسن ما كلم زيد فهو ما أحسن كلامه زيدا، ولولا "ما" لم يجز الفعل بعد "إلا" في ذا الموضع كما لا يجوز بعد ما أحسن بغير "ما" وانظر المقتضب 3/ 200. 2 التوبة: 69.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: ضربته عبد الله, تضمر الضرب, تعني: ضربت الضرب عبد الله ولو قلت ضربت عبد الله ضربًا وضربته زيدًا, ما كان به بأس على أن تضمر المصدر. واعلم: أنه لا يجوز أن تعمل ضمير المصدر, لا تقول: سرني ضربك عمرًا وهو زيدًا, وأنت تريد: وضربك زيدًا, لأنه إنما يعمل إذا كان على لفطه الذي تشتق الأفعال منه, ألا ترى أن "ضرب" مشتق من الضرب فإنما

يعمل الضرب/ 166 وما أشبهه من المصادر إذا كان ظاهرًا غير مضمر, وإنما يعمل لشبهه بالفعل, فكما أن الفعل لا يضمر, فكذلك المصدر, لا يجوز أن يقع موقع الفعل وهو مضمر, وإنما جاز إضمار المصدر لأنه معنى واحد1, ولم يجز إضمار الفعل لأنه معنى وزمان, ولو أَضمر لصار اسمًا. وتقول: مررت بهم جميعًا, إذا عنيت أنك لم تترك منهم أحدًا, أو: مررت بهم كلًّا, قال الأخفش: كل وجميع ههنا بمنزلة المصادر كأنك قلت: مررت بهم عمًا ومررت بهم كلًّا, أي: مرورًا عمًا وكلًّا, فكل وجميع ههنا بمنزلة المصادر, كأنك قلت: مررت بهم عمًا ومررت بهم عمًا لهم, وكأنك قلت: طررتهم طرًا2 وليس الجميع والكل بالقوم, كما أن الطر والقاطبة ليس بالقوم, يعني إذا قلت: مررت بهم قاطبة وطرًا فكأنك قلت: جمعتهم/ 167 جمعًا, وكذلك في طر كأنك قلت: طررتم, أي: أتيت عليهم طرًا. وذكر سيبويه: هذا في باب ما ينتصب لأنه حال وقع فيه الخبر وهو اسم. وقال: من ذلك: مررت بهم جميعًا وعامة وجماعة, وقال: هذه أسماء متصرفة ولا يجوز أن يدخل فيها الألف واللام3. وزعم الخليل: أن قاطبة, وطرًا لا يتصرفان, وهما في موضع المصدر4. واعلم: أن في الكلام مصادر تقع موقع الحال فتغني عنها وانتصابها انتصاب المصادر نحو قولك: أتاني زيد مشيًا, فقولك: مشيًا قد أغنى عن ماشٍ, ويمشي, إلا أن التقدير: أتاني يمشي مشيًا, فمن ذلك: قتلته صبرًا,

_ 1 لأن الفعل بصيغته يدل على شيئين: الحدث والزمان المحصل، والمصدر يدل بصيغته على شيء واحد وهو الحدث. 2 طرا: متفرقا. 3 الكتاب: جـ1/ 188-189. 4 الكتاب جـ1/ 189.

ولقيته فجأة ومفاجأة, وكفاحًا ومكافحة, [ولقيته] 1 عيانًا, وكلمته مشافهة, وأتيته ركضًا, وعدوًا, وأخذت عنه سماعًا وسمعًا2. قال سيبويه: وليس كل مصدر يوضع هذا الموضع, ألا ترى أنه لا يحسن: أتانا سرعة ولا رجلة3, قال/ 168 أبو العباس: ليس يمتنع من هذا الباب شيء من المصادر أن يقع موقع الحال إذا كانت قصته هذه القصة4 وخالف سيبويه, وقد جاء بعض هذه المصادر يغني عن ذكر الحال بالألف واللام نحو: أرسلها العراك, والعراك لا يجوز أن يكون حالًا ولا ينتصب انتصاب الحال وإنما انتصب عندي على تأويل: أرسلها تعترك العراك5, فـ"تعترك" حال والمصدر الذي عملت فيه الحال هو العراك, ودل على "تعترك" فأغنى

_ 1 أضفت كلمة "لقيتة" لأن السياق يقتضيها. 2 كل هذه النصوص تشير إلى أن ابن السراج يعرب المصدر حالا بتأويله بوصف. ولكن قد يفهم من هذا النص أنه يعرب المصدر مفعولا مطلقا لفعل محذوف قال هنا: أتاني زيد مشيا "فقولك" مشيا قد أغنى عن ماش، ويمشي، إلا أن التقدير: أتاني يمشي مشيا. 3 انظر الكتاب 1/ 186، والرجلة: المشي راجلا. 4 المقتضب 3/ 244، قال المبرد: ولو قلت: جئته إعطاء لم يجز، لأن الإعطاء ليس من المجيء، ولكن جئته سعيا فهذا جيد، لأن المجيء يكون سعيا. قال الله عز وجل: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} ، فهذا اختصار يدل على ما يرد مما يشاكلها ويجري مع كل صنف منها. وكلام المبرد هنا صريح في أن المصدر يقع بقياس حالا إذا كان نوعا من فعله، وكرر هذا في 3/ 269. انظر حاشية الخضري 1/ 230 والهمع 1/ 238، والأشموني 2/ 61. 5 يرى أن "العراك" نائب عن الحال وليس بحال، وإنما التقدير: أرسلها معتركة، ثم يجعل الفعل موضع اسم الفاعل لمشابهته له فصار "يعترك" ثم جعل المصدر موضع الفعل لدلالته عليه، لأن حقيقة الحال أن تكون بالصفات، ولو صرحت بالصفة لم يجز دخول الألف واللام، ولم تقل العرب: أرسلها المعتركة، ولا جاء زيد القائم لوجود لفظ الحال.

عنه وكذلك: طلبته جهدك1 وطاقتك, كأنك قلت: طلبته تجتهد جهدك, وتطيق طاقتك, أي: تستفرغهما في ذلك. ومذهب سيبويه أن قولهم: مررت به وحده, وبهم وحدهم, ومررت برجل وحده, أي: مفرد, أقيم مقام مصدر "يقوم" مقام الحال, وقال: ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز: مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم إلى العشرة2. وزعم الخليل: أنه إذا نصب3 فكأنه قال: مررت بهؤلاء/ 169 فقط, مثل وحده في معناه, أي: أفرقهم4. وأما بنو تميم فيجرونه على الاسم الأول ويعربونه كإعرابه توكيدًا له. قال سيبويه: ومثل خمستهم قول الشماخ: آتتني سُلَيمٌ قَضّها بقضيضِها5....

_ 1 في الكتاب 1/ 187: وهذا ما جاء منه مضافا معرفة. وذلك قولك: طلبته جهدك كأنه قال: اجتهادا وكذلك طلبته طاقتك، وفي المخصص 4/ 227، وأما ما جاء منه مضافا معرفة، فقولك: طلبته جهدك وطاقتك، وفعلته جهدي وطاقتي وهي في موضع الحال، لأن معناه: مجتهدا ولا يستعمل هذا مضافا، لا تقول: فعلته طاقة، ولا جهدا. 2 انظر الكتاب 1/ 187. 3 أي: ثلاثة. 4 انظر الكتاب 2/ 187، ونص الكتاب: وزعم الخليل: أنه إذا نصب ثلاثتهم فكأنه يقول: مررت بهؤلاء فقط ولم أجاوز هؤلاء وكما أنه إذا قال: "وحده فإنما يريد مررت به فقط لم أجاوزه". 5 من شواهد الكتاب 1/ 188. على نصب "قضها" على الحال وهو معرفة بالإضافة لأنه مصدر. وهذا صدر بيت وعجزه: تمسح حولي بالبقيع سبالها ورواية الديوان: وجاءت سليم قضها بقضيضها ... وسليم: قبيلة امرأة الشماخ. والقض: أصله الكسر، وقد استعمل الكسر موضع الإنقضاض كقولهم: عقاب كاسر، أي: منقضة، ويروى "قضها بقضيضها" بالرفع والنصب فمن رفع جعله بمعنى التأكيد، ومن نصب جعله كالمصدر. والبقيع: موضع بمدينة الرسول، والسبال: جمع سبلة وهي مقدمة اللحية، وأراد: أنهم يمسحون لحاهم وهم يهدودنه ويتوعدونه. وقيل: يمسحون لحاهم تأهبا للكلام. وانظر: المقتضب 3/ 363، وشرح السيرافي 3/ 113، والتمام في تفسير أشعار هذيل 72، والأغاني 8/ 100، وجمهرة الأمثال للعسكري 1/ 316، وابن يعيش 2/ 63.

كأنه قال: أنقض آخرهم على أولهم, وبعض العرب يجعل "قضهم" بمنزلة كلهم, يجريه على الوجوه فهذا مأخوذ من الإِنقضاض فقسه على ما ذكرت لك من قبل. وزعم يونس1: أن وحده بمنزلة عنده, وأن خمستهم وقضهم كقولك جميعًا, وكذلك طُرًا وقاطبة. وجعل يونس نصب وحده كأنك قلت: مررت برجل على حياله فطرحت على2, فأما: "كلهم وجميعهم وعامتهم وأنفسهم وأجمعون" فلا يكون أبدًا إلا صفة إذا أضفتهن إلى المضمرات وتقول: هو نسيج وحدِهِ؛ لأنه اسم مضاف إليه3. قال الأخفش: كل مصدر قام مقام الفعل ففيه ضمير فاعل وذلك إذا قلت: سقيًا لزيد, وإنما تريد: سقى الله زيدًا, ولو قلت/ 170: سقيا الله زيدًا, كان جيدًا, لأنك قد جئت بما يقوم مقام الفعل, ولو قلت: أكلًا زيد

_ 1 يونس: هو أبو عبد الرحمن الضبي يونس بن حبيب. من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء والأخفش الأكبر قيل: إنه صنف كتاب القياس في النحو. مات سنة 182هـ وقيل 152هـ ترجمته في طبقات الزبيدي رقم 17 وابن خلكان رقم 823، والإرشاد لياقوت 7/ 310، ونزهة الألباء 56 وبغية الوعاة 424. 2 انظر الكتاب 1/ 189. 3 لأنه يخبر أنه ليس في مثاله أحد. فلو لم يضف إليه لقال: هذا نسيج إفرادا فالإضافة في الحقيقة إلى المصدر.

الخبز وأنت تأمره, كان جائزًا, كقوله1: فَنَدْلًا زُريقُ المالَ ندل الثَّعالِبِ وتقول: ضربتك ضربًا عمرو خالدًا, ومعناه: ضربتك ضرب عمرو خالدًا, فإذا قلت: ضربتك زيد خالدًا, فلا تقدم خالدًا قبل الضرب لأنه في صلته. قال أبو بكر: وليس هذا مثل قولك: ضربًا زيدًا, وأنت تأمره, لأن ذاك قد قام مقام الفعل فيجوز أن يقدم المفعول فتقول: زيدًا ضربًا, وقد مضى تفسير هذا. وتقول: ضربتك ضرب زيد عمرًا وكذلك: ضربتك ضربك زيدًا, وضربًا أنت زيدًا, إذا جعلته فاعلًا, وضربتك ضربًا إياك زيدًا, إذا جعلته مفعولًا, تريد: ضربًا زيد إياك. وقال الأخفش: من رد عليك ضربًا زيد عمرًا إذا كنت تأمره أدخلت عليه/ 171 سقيًا له, فقلت له: ألست, إنما تريد سقى الله زيدًا فإنه قائل: نعم فتقول. فكما جاز سقيا له حين أقمت السقي مقام "سقاه" فكذلك تقيم

_ 1 من شواهد سيبويه جـ1/ 59، على نصب "المال" بقوله "ندلا" لأنه بدل من قوله: أندل. كما تقول: ضربا زيدا، بمعنى أضرب زيدا، ويجوز أن تجعل الفعل المضمر هو العامل في "ندل" و"ندل" دال عليه مؤكد له. وإن شئت جعلت نصبه بفعل آخر، كأنه قال: أوقع ندلا ونحوه من التقدير، فيكون العامل فيه غير فعله. وهو عجز بيت صدره: على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق................... نسبه صاحب فرحة الأديب رقم "40" إلى رجل من الأنصار، قال ذلك في النعمان بن العجلان الزرقي. وزريق من الخوارج. وكان ولاه الإمام علي عنه في البحرين وفي الشعر والشعراء آراء أخرى. والندل: خطف الشيء بسرعة، وزريق منادى مبني على الضم، والتقدير ندلا يا زريق، وأجاز ابن عقيل رفعه "بندلا". وقوله: حين ألهى الناس جل أمورهم: أي: حين اشتغل الناس بالفتن والحروب وانظر: شرح السيرافي 1/ 448, والخصائص 1/ 120، والحجة 1/ 108، والجمهرة 2/ 299، والكامل 104، ومعجم مقاييس اللغة 5/ 411.

الضرب مقام "ليضرب" وتقول: ضرب زيد ضربًا, وقتل عمرو قتلًا, فتعدى الفعل الذي بني للمفعول إلى المصدر, كما تعدى الفعل الذي بني للفاعل, لا فرق بينهما في ذلك, فأما المفعول الذي دخل عليه حرف الجر نحو: سيرا بعبد الله فأنت في المصادر والظروف بالخيار إن شئت نصبت المصادر نصبها قبلٌ, وأقمت المفعول الذي دخل عليه حرف الجر مقام الفاعل فقلت: سير بعبد الله سيرًا شديدًا, أقمت "بعبد الله" مقام الفاعل ونصبت "سيرًا" كما تنصبه إذا قلت: سار عبد الله سيرًا شديدًا, وكذلك يجوز في أسماء الزمان والمكان أن تنصبها نصب الظروف في هذه المسألة, ويجوز من أجل شغل حرف الجر بعبد الله أن تقيم المصادر والظروف1 معه مقام الفاعل فترفعها/ 172 إلا أن الأحسن ألا ترفع إذا نعتت أو أفادت معنى سوى التوكيد وقصد الإِخبار عنها, فإذا لم يكن فيها إلا التوكيد نصبت والرفع بعيد جدا تقول: سير بعبد الله سير شديد ومر بعبد الله المرور الذي علمته, وإن شئت نصبت وإنما حسن الرفع لأنك قد وصفت المصدر فصار كالأسماء المفيدة, فأما النصب: فعلى أنك أقمت "بزيد" مقام الفاعل فصار كقولك: ضرب عبد الله الضربَ الذي يعلمُ, وشتم عبد الله الشتمَ الشديد, وكذلك لو قلت: مر بعبد الله مروان, وسير بعبد الله سير شديد لكان مفيدًا. وقال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2, فإن قلت: سيرَ بعبد الله سيرٌ وسيرًا, وذهب إلى عبد الله ذهابًا, فالنصب الوجه, لأن المصادر موكدة, أما جواز الرفع على بعد إذا قلت: سير بعبد الله, لأنه ليس في قولك: سير

_ 1 ليس كل الظروف، وإنما المتصرف منها، أي: ما يصح وقوعه مسندا إليه، كيوم وليلة، وشهر، ودهر، وأمام، ووراء، ومجلس، وجهة. أما غير المتصرف، فلا يكون إلا ظرفا كحيث، وعورض، وقط، والآن. 2 الحاقة: 13، رفع لما نعت، فإذا أخبر عن "الصور" قال: المنفوخ فيه نفخة واحدة الصور وإن أخبر عن النفخة قال: المنفوخة في الصور نفخة واحدة. المقتضب 3/ 104.

من الفائدة إلا ما في "سير"1 وجوازه على أنك إذا قلتَ: سير بعبد الله سيرٌ, فمعناه: سيرَ بعبد الله ضرب من السير/ 173؛ لأنه لو اختلف لكان الوجه أن تقول: سير بعبد الله سيران أي: سيرٌ سريعٌ وبطيء أو: قديمٌ وحديثٌ وهذا قولُ أبي العباس -رحمه الله-2. واعلم: أن قولهم ضرب زيد سوطًا, أن معناه: ضرب زيد ضربة بسوط فالسوط هنا قد قامَ مقامَ المصدر, ولذلك لم يجز أن تقيمَ السوطَ مقامَ الفاعلِ, لا يجوز أن تقول: ضُرِبَ سوطٌ3 زيدًا, كما تقول: أعطى درهم4 عمرًا ...

_ 1 لأنك لم تفد بقولك "سيرا" شيئا لم يكن "سير" أكثر من التوكيد. 2 انظر: المقتضب 3/ 104 و4/ 51. 3 لا يجوز هذا, وذلك أن السوط -إذا قلت: ضربت زيدا سوطا- مصدر ومعناه: ضربت زيدا ضربة بالسوط. ويدلك على ذلك قولك: ضربت زيدا مائة سوط، لست تعني: أنك ضربته بمائة سوط، ولكنك تعني: أنك ضربته مائة ضربة بسوط، أو بأكثر من ذلك من هذا الجنس. 4 لما كان الدرهم مفعولا كعمرو جاز أن تقيمه مقام الفاعل.

شرح الثاني وهو المفعول به

شرح الثاني: وهو المفعول به. قد تقدّم قولنا في المفعول على الحقيقة أنه المصدر, ولما كانت هذه تكون على ضربين: ضرب فيها يلاقي شيئًا ويؤثر فيه. وضرب منه لا يلاقي شيئًا ولا يؤثر فيه, فسمي الفعل الملاقي متعديًا وما لا يلاقي غير متعد. فأما الفعل الذي هو غير متعد فهو الذي لم يلاق مصدره مفعولًا نحو: قام وأحمرَ وطالَ. إذا أردت به ضد قصر خاصةً, وإن أردتَ بِه معنى علا كان متعديًا, والأفعال التي لا تتعدى هي ما كان منها خلقةً أو حركة للجسم/ 174 في ذاته وهيئةً له, أو فعلًا من أفعال النفس غير متشبث بشيء خارج عنها. أما الذي

هو خلقة فنحو: أسوَدَ وأحمرَ, وأعورَ, وأشهابَ, وطالَ وما أشبه ذلك. وأما حركة الجسم بغير ملاقاة لشيء آخر فنحو: قامَ وقعدَ, وسارَ وغارَ, ألا ترى أن هذه الأفعال مصوغة لحركة الجسم وهيئته في ذاته, فإن قال قائل: فلا بد لهذه الأفعال من أن تلاقي المكان وأن تكون فيه. قيل: هذا لا بدَّ منه لكل فعلٍ, والمتعدي وغير المتعدي في هذا سواء وإنما علمنا محيط بأن ذلك كذلك, لأن الفعل يصنع ليدل على المكان كما صيغ ليدل على المصدر والزمان. وأما أفعال النفس التي لا تتعداها فنحو: كرُمَ, وظَرُفَ, وفَكَر, وغَضِبَ, وخَبرَ, وبَطُرَ, ومَلُحَ, وحَسُنَ, وسمحَ, وما أشبه ذلك. وأما الفعل الذي يتعدى, فكل حركة للجسم كانت ملاقيةً لغيرها وما أشبه ذلك من أفعال النفس وأفعال الحواس من الخمس كلها متعدية ملاقية نحو: نظرت/175 وشممت, وسمعت, وذقت, ولمست, وجميع ما كان في معانيهن فهو متعد, وكذلك حركة الجسم إذا لاقت شيئًا كان الفعلُ من ذلك متعديًا نحو: أتيتُ زيدًا ووطئتُ بلدكَ وداركَ وأما قولك: فارقته وقاطعتهُ, وباريتهُ, وتاركتهُ, فإنما معناه: فعلت كما يفعل وساويت بين الفعلين, والمساواة إنما تعلم بالتلاقي وتركتكَ في معنى تاركتكَ لأن كل شيء تركتهُ فقد ترككَ فافهم هذا فإن فيه غموضًا قليلًا. وقد اختلف النحويون في: "دخلت البيت" هل هو متعد أو غير متعد, وإنما التبس عليهم ذلك لاستعمال العرب له بغير حرف الجر في كثير من المواضع وهو عندي غير متعد كما قدمناه وإنك لما قلت: دخلت إنما عنيت بذلك انتقالك من بسيط الأرض ومنكشفها إلى ما كان منها غير بسيط منكشف فالانتقال ضربٌ واحدٌ وإن اختلفت المواضع و"دخلت" مثل غرتُ إذا أتيت الغور/ 176 فإن وجب أن يكون "دخلت" متعديًا وجبَ أن يتعدى "غرتُ" ودليلٌ آخر: أنك لا ترى فعلًا من الأفعال يكون متعديًا إلا كان مضاده متعديًا وإن كان غير متعد كان مضادُهُ غير متعد, فَمن ذلك: تحركَ،

وسكنَ, فتحرك غير متعد, وسكنَ غير متعد, وأبيضَ وأسود كلاهما غير متعد, وخرج ضد دخل, وخرج غير متعد فواجب أن يكون دخل غير متعد, وهذا مذهب سيبويه1. قال سيبويه: ومثل: ذهبت الشام, دخلت البيت2, يعني: أنه قد حذف حرف الجر من الكلام, وكان الأصل عنده: ذهبت إلى الشام ودخلت في البيت. وهما مستعملان بحروف الجر, فحذف حرف الجر, من حذفه اتساعًا واستخفافًا, فإذا قلت: ضربتُ وقتلتُ, وأكلتُ وشربت, وذكرتُ, ونسيتُ وأحيا وأماتَ فهذه الأفعال ونحوها هي المتعدية إلى /177 المفعولين, نحو: ضربتُ زيدًا, وأكلتُ الطعامَ, وشربتُ الشراب, وذكرتُ الله, واشتهيتُ لقاءك, وهويتُ زيدًا وما أشبه هذا من أفعال النفس المتعدية, فهذا حكمه, ولا تتمُ هذه الأفعال المتعدية, ولا توجد إلا بوجود المفعول, لأنك إن قلت: ذكرت, ولم يكن مذكور فهو محال, وكذلك. اشتهيت وما أشبههُ. واعلم: أن هذا إنما قيل له مفعول به, لأنه لما قال القائل: ضَرَبَ وقتل قيل له: هذا الفعل بمنْ وقع؟ فقال: بزيدٍ أو بعمروٍ فهذا إنما يكون في المتعدي نحو ما ذكرنا, ولا يقال فيما لا يتعدى نحو: قام وقعد لا يقال هذا القيام بمن وقع؟ ولا هذا القعود بمن حل؟ إنما يقال: متى كان هذا القيام؟ وفي أي وقت؟ وأين كان؟ وفي أي موضع؟ والمكان والزمان لا يخلو فعلٌ منهما متعديًا كان أو غير متعد فمتى وجدتَ فعلًا حقه أن يكون غير متعد بالصفة التي ذكرتُ لك ووجدتَ العرب قد عدتهُ, فاعلمْ, أن ذلك اتساعٌ في اللغة واستخفاف/ 178 وأن الأصلَ فيه أن يكون متعديًا بحرف جر, وإنما حذفوه استخفافًا نحو ما ذكرت لك من: ذهبت الشام, ودخلت البيت وسترى هذا في مواضع من هذا الكتاب.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 15. 2 انظر الكتاب: 1/ 15-16.

وهذه الأفعال المتعدية تنقسم ثلاثة أقسام: منها ما يتعدى إلى مفعول واحد ومنها ما يتعدى إلى مفعولين ومنها ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل, فأما ما يتعدى إلى مفعول واحد فقد ذكرنا منه ما فيه كفاية, ونحن نتبعه بما يتعدى إلى مفعولين وإلى ثلاثة بعد ذكرنا مسائل هذا الباب إن شاء الله.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: اعلم: أن الأفعال لا تثنى ولا تجمع, وذلك لأنها أجناس كمصادرها, ألا ترى أنك تقول: بلغني ضربكم زيدًا كثيرًا, وجلوسكم إلى زيد قليلًا, كان الضربُ والجلوس قليلًا أو كثيرًا, وإنما يثنى الفاعل في الفعل, فإن قلت فإنك تقول: ضربتكَ ضربتين وعلمتُ علمتين, فإنما ذلك لاختلاف النوعين من ضرب يخالف ضربًا/ 179 في شدته وقلتِه أو علم يخالف علمًا, كعلمِ الفقهِ وعلمِ النحوِ, كما تقولُ: عندي تمور إذا اختلفت الأجناس, ومع ذلك فإن الفعل يدل على زمان, فلا يجوز أن تثنيه كما ثنيت المصدر وإن اختلفت أنواعه فالفعل لا بد له من الفاعل يليه بعده إما ظاهرًا وإما مضمرًا ولا يجوز أن يثنى ولا يجمع لما بينت لك فإذا قلت: الزيدان يقومان, فهذه الألف ضمير الفاعلين والنون علامة الرفع وإذا قلت: الزيدون يقومون فهذه الواو ضمير الجمع والنون علامة الرفع ويجوز: قاموا الزيدون ويقومون الزيدون على لغة من قال: أكلوني البراغيث1, فهؤلاء إنما يجيئون بالألف والنون وبالواو والنون في: يضربان ويضربون وبالألف والواو في: ضربا وضربوا فيقولون: ضربا الزيدان وضربوا الزيدون ليعلموا أن هذا الفعل لاثنين لا لواحد ولا لجميع ولا لاثنين ولا لواحد, كما أدخلت التاء في فِعلِ المؤنثِ لتفصل بين فعل المذكر والمؤنث, فكذلك هؤلاء زادوا بيانًا

_ 1 أي: أن الواو في "أكلوني" علامة تفيد الجمع وليست ضميرا للفاعل، بل إنها جاءت للفرق بين الواحد والجماعة.

ليفرقوا بين/ 180 فِعْلِ الاثنين وبين الواحد والجميع وهذا لعمري هو القياس على ما أجمعوا عليه في التاء من قولهم: قامت هند وقعدت سلمى, ولكن هذا أدى إلى إلباس إذ كان من كلامهم التقديم والتأخير, فكأن السامع إذا سمع قاموا الزيدون لا يدري هل هو خبر مقدم والواو فيه ضمير, أم الواو عمل الجمع فقط غير ضمير, وكذلك الألف في "قاما الزيدان" فلهذا وغيره من العلل ما جمع على التاء ولم يجمع على الألف والواو فجاز في كل فعل لمؤنث تقول: فعلت ولا يحسنُ سقوطها. إلا أن تفرق بين الاسم والفعل1, فإذا بعُد منه حسن نحو قولهم: حضر اليوم القاضي امرأة. وقال أبو العباس -رحمه الله: إن التأنيث معنى لازم غير مفارق, إذا لزم المعنى لزمت علامته وليس كذا التثنية والجمع لأنه يجوز أن يفترق الاثنان والجمع فتخبر عن كل واحد منهما2 على حياله3, والتأنيث الحقيقي الذي لا يجوز فعله إلا بعلامة التأنيث هو كل مؤنث له/ 181 ذكر كالحيوان نحو قولك: قامت أمة الله ونتجت فرسك والناقة, إلا أن يضطر شاعر فيجوز له حذف العلامة على قبح, فإن كان التأنيث في الاسم ولا معنى تحته فأنت مخير إن شئت جئت بالتاء لتأنيث اللفظ وإن شئت حذفتها. قال الله عز وجل: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} 4 "قالوا" لأن الموعظة والوعظ سواء،

_ 1 المقتضب 2/ 148. قال المبرد: وأما: لقد ولد الأخيطل أم سوء فإنما جاز للضرورة في الشعر جوازا حسنا، ولو كان مثله في الكلام لكان عند النحويين جائزا على بعد، وجوازه للتفرقة بين الاسم والفعل بكلام، فتقديرهم أن ذلك الكلام صار عوضا من علامة التأنيث نحو: حضر القاضي اليوم امرأة، ونزل دارك ودار زيد جارية. 2 في الأصل "منهم". 3 انظر المقتضب جـ2/ 147. 4 البقرة: 275، وهي قراءة الجمهور، وقد قرأ أبي بن كعب والحسن البصري على الأصل: أي: فمن جاءته موعظة، انظر البحر المحيط جـ5/ 294. قال سيبويه: إنما جاءوا بالتاء للتأنيث لأنها ليست علامة إضمار كالواو والألف، وإنما هي كتاء التأنيث في "كلمة" وليست باسم وقال بعض العرب: قال فلانة، وكلما طال الكلام فهو أحسن نحو قولك: حضر القاضي امرأة، لأنه إذا طال الكلام كان الحذف أجمل.

وقال تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} 1, لأن الصيحة والصوت واحد أما قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} 2, فإنما جاء على تقدير جماعة فهو تأنيث الجمع ولا واحد لزمه التأنيث فجمع عليه, فلو كان تأنيث الواحد للزمه التاء كما تقول: قامت المسلمات, لأنه على "مسلمة" وتقول: قامت الرجال لأنه تأنيث الجمع. واعلم: أن الفاعل لا يجوز أن يُقدم على الفعل إلا على شرط الابتداء خاصة, وكذلك ما قام مقامه من المفعولين الذين لم يسم من فَعَلَ بهم, فأما المفعول إذا كان الفعل متصرفًا فيجوز تقديمُه وتأخيره, تقول: ضربت/ 182 زيدًا, وزيدًا ضربتُ, وأكلت خبزًا, وخبزًا أكلت, وضَرَبَتْ هند عمرًا, وعمرًا ضَرَبَتْ هند, وغلامُك أخرج بكرًا, وبكرًا أخرج غلامك, وتقول: أشبع الرجلين الرغيفان, ويكفي الرجلين الدرهمان وتقول: حرق فاه الخل, لأن الخل هو الفاعل وتقول: أعجب ركوبك الدابة زيدًا فالكاف في قولك: "ركوبك" مخفوضة بالإِضافة وموضعها رفع والتقدير: أعجب زيدًا أن رَكِبت الدابة فالمصدر يجر ما أُضيف إليه فاعلًا كان أو مفعولًا ويجري ما بعده على الأصل فإضافته إلى الفاعل أحسن, لأنه له كقول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض} 3. وإضافته إلى المفعول حسنة لأنه

_ 1 هود: 67. 2 يوسف: 30، "والنسوة اسم جمع عند سيبويه. قال 2/ 89" وليس نسوة بجمع كسر له واحد وانظر ص/ 142، وكذلك عند المبرد في المقتضب 2/ 292، قال: لأن نسوة من امرأة بمنزلة نفر من رجل. ويرى أبو حران: أنها جمع تكسير للقلة لا واحد له من لفظه. انظر البحر المحيط 5/ 299 وهذا مذهب ابن السراج كما ترى. 3 البقرة: 251.

به اتصل وفيه حل. تقول: أعجبني بناءُ هذه الدار, وما أحسن خياطةَ هذا الثوب, فعلى هذا يقول: أعجب ركوبُ الفرس عمرو زيدًا أردت: أعجب أن رَكِبَ الفرس عمرو زيدًا. فالفرس وعمرو وركب في صلة/ 183 أن وزيد منتصب بـ"أعجب" خارج عن الصلة تقدمه إن شئت قبل "أعجب" وإن شئت جعلته بين أعجب والركوب وكذلك: عجبت من دق الثوبِ القصارُ, فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفًا ولامًا امتنعت إضافته فجرى كل شيء على أصله, فقلت: أعجب ركوبٌ زيدٌ الفرس عمرًا, وإن شئت قلت: أعجب ركوبٌ الفرسَ زيدٌ عمرًا, ولا يجوز أن تقدم الفرس ولا زيدًا قبل الركوب, لأنهما من صلته فقد صارا1 منه كالياء والدال من زيد. وتقول: ما أعجب شيء شيئًا إعجاب زيدٍ ركوبُ الفرسِ عمرو نصبت "إعجاب", لأنه مصدر وتقديره: ما أعجب شيء شيئًا إعجابا مثل إعجاب زيد ورفعت الركوب بقولك: أعجب لأن معناه: كما أعجب زيدًا أن ركب الفرس عمروٌ. وتقول: أعجب الأكلُ الخبزَ زيدٌ عمرًا على ما وصفت لك وعلى ذلك قال الله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ, يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة} 2, التقدير: أو أن أُطعم. لقوله/ 184 وما أدراك. وتقول: أعجب بيعُ طعامِك رخصُه المشتريه فالتقدير: أعجب أن باع طعامك رخصه الرجل المشتريه. فالرخص هو الذي باع الطعام وتقول: أعجبني ضربُ الضارب زيدًا عبدَ الله رفعت الضرب, لأنه فاعل بـ"أعجبني" وأضفته إلى الضارب, ونصبت زيدًا لأنه مفعول في صلة الضارب, ونصبت عبد الله بالضرب الأول وفاعله "الضارب" المجرور وتقديره: أعجبني أن ضرب الضارب زيدًا عبد الله. وتقول: أعجب إعطاءٌ الدراهم أخاك غلامك أباك نصبت أباك بـ"أعجب" وجعلت غلامك هو الذي أعطى الدراهم أخاك. وتقول: ضَرْبَ الضاربِ عمرًا المكرم زيدًا أحبَّ أخواك نصبت ضرب الأول بـ"أحب" وجررت

_ 1 في الأصل "صار". 2 البلد: 14-15.

"الضارب" بالإِضافة وعديته إلى "عمرو" ونصبت المكرم زيدًا بضرب الأول, فإن أردت أن لا تعديه إلى عمرو قلت: ضرْبَ الضاربِ المكرمَ زيدًا أحبَّ أخواك, وهذا كله في صلة الضرب لأنك أضفته إلى الضارب/ 185 وسائر الكلام إلى قولك "أحب" متصل به. وتقول: سر دفعك إلى المعطي زيدًا دينارًا درهمًا القائم في داره عمرو1, نصبت القائم "بسر" ورفعت عمرًا بقيامه, ولو قلت: سرّ دفعكَ إلى زيدٍ درهمًا ضربكَ عمرًا كان محالًا, لأن الضرب ليس مما يسرُّ2, ولو قلت: وافق قيامُك قعود زيد, صلح, ومعناه أنهما اتفقا في وقت واحد ولو أردت "بوافق" معنى الموافقة التي هي الإِعجاب لم يصلح إلا في الآدميين.

_ 1 بيان هذه المسألة: أن يكون سر فعلا ماضيا ودفعك مصدرا مرفوعا لأنه فاعل سر، وإلى المعطي، من صلة المصدر والمعطي صلة وموصول وآخره قولك: دينارا، وقولك "درهما" من صلة الدفع وهو آخر صلته، والقائم مفعول سر وهو صلة وموصول، وقولك في "داره" من صلة القائم. وعمرو فاعل القائم وهو آخر صلته والهاء من داره تعود إلى الألف واللام. انظر المقتضب 1/ 20. 2 وكذلك لو قلت: أعجب قيامك قعودك، كان خطأ، انظر المقتضب 1/ 21.

باب الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين

باب الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين: الفعل الذي يتعدى على مفعولين ينقسم إلى قسمين: فأحدهما يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر. والآخر يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر, فأما الذي يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر فقولك: أعطى عبد الله زيدًا درهمًا, وكسا عبد الله بكرًا ثوبًا فهذا الباب الذي يجوز فيه الاقتصار على/ 186 المفعول الأول, ولا بد أن يكون المفعول الأول فاعلًا فيه في المعنى بالمفعول الثاني, ألا ترى أنك إذا قلت: أعطيت زيدًا درهمًا فزيد المفعول الأول. والمعنى: أنك أعطيته فأخذ الدرهم والدرهم مفعول في المعنى لزيد وكذلك: كسوت زيدًا ثوبًا المعنى: أنّ زيدًا اكتسى الثوب ولبسه. والأفعال التي تتعدى إلى مفعول واحد كلها إذا نقلتها من "فَعلَ" إلى "أفْعَلَ" كانت من هذا الباب تقول: ضرب زيدًا عمرًا ثم تقول: أضربت زيدًا عمرًا أي: جعلت زيدًا يضرب عمرًا, فعمرو في المعنى مفعول لزيد فهذه هي الأفعال التي يجوز لك فيها الاقتصار على المفعول الأول, لأن الفائدة واقعة به وحده تقول: أعطيت زيدًا ولا تذكر ما أعطيته فيكون كلامًا تاما مفيدًا. وتقول: أضربت زيدًا ولا تقول لمن أضربته. واعلم: أن من الأفعال ما يتعدى إلى مفعولين/ 187 في اللفظ وحقه أن يتعدى إلى الثاني بحرف جر, إلا أنهم استعملوا حذف حرف الجر فيه

فيجوز فيه الوجهان في الكلام. فمن ذلك قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} 1 وسميته زيدًا وكنيت زيدًا أبا عبد الله ألا ترى أنك تقول: اخترت من الرجال وسميته بزيد وكنيته بأبي عبد الله ومن ذلك قول الشاعر: أستغفرُ اللَه ذَنْبًا لَسْتُ مُحصيهُ ... رَبَّ العبادِ إليهِ الوجهُ والعَملُ2 وقال عمرو بن معد يكرب: أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافعَلْ ما أُمِرْتَ بهِ ... فقدْ تركتُكَ ذَا مالٍ وذَا نَشَبِ3

_ 1 الأعراف: 155. 2 من شواهد سيبويه 2/ 17 على أنه سمع حذف الجار من ثاني مفعولي -استغفر- الذي تعدى إليه بوساطة الحرف. أراد من ذنب، فحذف الجار وأوصل الفعل فنصب. والذنب: هنا اسم جنس بمعنى الجمع، فلذلك قال: لست محصية. والوجه: القصد، والمراد، وهو بمعنى التوجه. ولم ينسب هذا البيت لقائل معين، وانظر المقتضب 2/ 321 و331، والخصائص 3/ 347، وابن يعيش 7/ 63 و8/ 51، والصاحبي لابن فارس 151، ومعاني القرآن 2/ 314، وأدب الكاتب/ 530، والكامل للمبرد/ 209، وأمالي السيد المرتضى 3/ 47. 3 من شواهد سيبويه 1/ 17، على حذف حرف الجر من "الخير". وروى: أمرتك الرشد.. والنشب: المال الثابت كالضياع وغيرها، وهو من نشب الشيء إذا ثبت في موضع ولزمه، وكأنه أراد بالمال هنا الإبل خاصة، فلذلك عطف عليه النشب وقيل: النشب: جميع المال، فيكون على هذا التقدير عطفه على الأول مبالغة وتوكيدا، وسوغ ذلك اختلاف اللفظين: وتركتك: إذا كانت بمعنى: صيرتك، كان "ذا مال" مفعولا ثانيا، وإذا كانت بمعنى: "خلفتك" كان حالا، وقد للتحقيق. واختلف في نسبة هذا البيت، فسيبويه نسبه إلى معد يكرب كما فعل ذلك ابن السراج. وغيرهما نسبه إلى عدد من الشعراء، كإياس بن عامر وزرعة بن السائب وخفاف بن ندبة، والعباس بن مرداس، وأعشى طرود "بوزن مبرد" انظر المقتضب 2/ 36، 86، 321، 231، وأمالي ابن الشجري 1/ 365، 2/ 240، وابن يعيش 2/ 44، و8/ 50، والكامل/ 32، والمؤتلف والمختلف/ 17، وشروح سقط الزند 4/ 1833.

أراد: أستغفر الله من ذنب, وأمرتك بالخير ومن ذلك: دعوته زيدًا إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته, وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولًا واحدًا فأصل هذا دخول الباء, فإذا حذف حرف الجر عمل الفعل ومنه: نبئت زيدًا تريد: عن زيد وأنشد سيبويه في حذف حرف الجر قول المتلمس: آليتُ/ 188حَبَّ العراقِ الدَّهرَ أطعمُهُ ... والحَبُّ يأكلُهُ في القريةِ السُّوسُ1 وقال: تريد على حب العراق2. وقد خولف في ذلك. قال أبو العباس: إنما هو: آليت أطعم حب العراق, أي: لا أطعم,

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 17 "على انتصاب" حب العراق ... على التوسع، إذ التقدير: على حب العراق فحذف الخافض ونصب ما بعده ولم يجعله من "باب زيدا ضربته" والتقدير: أطعمه. وهذه الجملة جواب لـ"آليت" فإن معناه. حلفت، و"لا" لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملا. وضمير الخطاب في آليت عائد إلى عمرو بن هند الذي أقسم ألا يذوق المتلمس قمح العراق، أي لا يأتيها. ومعنى الشطر الثاني: أن القمح مبتذل ميسور والبخل به قبيح، وأراد بالقرية: الشام، وبالحب: البر. والمتلمس: هو جرير بن عبد المسيح. انظر شرح السيرافي 1/ 28، والمغني 1/ 103، و2/ 152، والشعر والشعراء 1/ 182، وجمهرة أشعار العرب/ 113، وروايته: آكله بدلا من أطعمه. ورواية سيبويه والأعلم "بالقرية" والديوان/ 180 ط - ليبزك. ورواية الديوان: بالقرية السوس، والهمع 1/ 162، والمفصل للزمخشري 2/ 291، وأمالي السيد المرتضى 1/ 130. 2 انظر الكتاب 1/ 17، جعل انتصاب حب العراق على التوسع وإسقاط الخافض وهو "على".

كما تقول: والله أبرح ههنا, أي: لا أبرح. وخالفه أيضًا في نبَّأْتُ زيدًا فقالَ: زيدًا معناهُ: أعلمتَ زيدًا ونبَّأْتُ زيدًا معناه: أعلمتُ زيدًا. واعلم: أنه ليس كل فعل يتعدى بحرف جر لك أن تحذف حرف الجر منه وتعدي الفعل إنما هذا يجوز فيما استعملوه وأُخذ سماعًا عنهم ومن ذلك قول الفرزدق: مِنَا الَّذي اخْتِيرَ الرِّجَالَ سَمَاحَةً ... وُجودًا إذا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازعُ1 والقسم الثاني: وهو الذي يتعدى إلى معفولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر هذا الصنف من الأفعال التي تنفذ منك إلى غيرك ولا يكون من الأفعال المؤثرة وإنما هي أفعال تدخل على المبتدأ والخبر فتجعل الخبر/ 189 يقينًا أو شكا, وذلك قولك: حسب عبد الله زيدًا بكرًا وظن عمروٌ خالدًا أخاك وخال عبد الله زيدًا أباك وعلمت زيدًا أخاك ومثل ذلك: رأى عبد الله زيدًا صاحبنا إذا لم ترد رؤية العين. ووجد عبد الله زيدًا ذا الحفاظ إذا لم ترد التي في معنى وجدان الضالة2. ألا ترى أنك إذا قلت: ظننت عمرًا منطلقًا فإنما شكك في انطلاق عمرو لا في عمروٍ, وكذلك إذا

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 81 على جواز نيابة ثاني مفعولي "اختار" والأصل: اختير زيد الرجال أو من الرجال، فنصب "الرجال" على نزع الخافض، والزعازع: جمع زعزع كجعفر، وهي الريح التي تهب بشدة، عني بذلك الشتاء. وسماحة وجودا: مصدران منصوبان على المفعول لأجله كأنه قيل: اختير من الرجال لسماحته وجوده، ويجوز أن يكونا حالين أو تمييزين. وأراد بقوله: منا أباه غالبا، فإنه كان جوادا. ورواية الديوان والمقتضب كرواية المصنف: "منا" بالخرم لحذف الواو. انظر المقتضب 4/ 330، والهمع 1/ 162، والكامل/ 21 ط ليبزك، والديوان/ 516. 2 في الكتاب 1/ 18 فإن قلت: رأيت فأردت رؤية العين أو وجدت فأردت وجدان الضالة فهو بمنزلة ضربت ولكنك إنما تريد بوجدت علمت وبرأيت ذلك أيضا.

قلت: علمت زيدًا قائمًا, فالمخاطب إنما استفاد قيام زيدٍ لا زيدًا لأنه يعرف زيدًا كما تعرفه أنت, والمخاطبُ والمُخاطِبُ في المفعول الأول سواء, وإنما الفائدة في المفعول الثاني, كما كان في المبتدأ والخبر الفائدة في الخبر لا في المبتدأ, فلما كانت هذه الأفعال إنما تدخل على المبتدأ والخبر والفائدة في الخبر والمفعول الأول هو الذي كان مبتدأ والمفعول الثاني هو الذي كان الخبرَ بقيَ موضعُ الفائدةِ على حالهِ. واعلم: أن كل فعل متعد لك ألاّ تعديه وسواء عليك أكان يتعدى إلى مفعول واحد أو إلى مفعولين أو إلى ثلاثة/ 190 لك أن تقول: ضربت ولا تذكر المضروب لتفيد السامع أنه قد كان منك ضرب. وكذلك ظننت يجوز أن تقول: ظننت وعلمت إلى أن تفيد غيرك ذلك. واعلم: أن ظننت وحسبت وعلمت وما كان نحوهن لا يجوز أن يتعدى واحد منها إلى أحد المفعولين دون الآخر لا يجوز: ظننت زيدًا وتسكت حتى تقول: "قائمًا" وما أشبه. من أجل أنه إنما يدخل على المبتدأ والخبر فكما لا يكون المبتدأ بغير خبر كذلك: "ظننت" لا تعمل في المفعول الأول بغير مفعول ثانٍ. فأما قولهم: ظننت ذاك, فإنما جاز السكوت عليه, لأنه كناية عن الظن يعني المصدر1 فكأنه قال: ظننت ذاك الظن فـ"ذاك": إشارة إلى المصدر تعمل الظن فيه كما تعمل الأفعال التي لا تتعدى في المصدر إذا قلت: قمت قيامًا ويجوز إذا لم تعد: ظننت أن تقول: ظننت به تجعله موضع ظنك, كما تقول: نزلت به ويجوز لك أن تلغي الظن إذا توسط الكلام أو تأخر وإن/ 191 شئت أعملته تقول: زيدٌ ظننت منطلق. وزيدٌ منطلقٌ ظننت فتلغي الظن إذا تأخر ولا يحسن الإِلغاء إلا مؤخرًا, فإذا ألغيت فكأنك قلت: زيدٌ منطلق في ظني ولا يحسن أن تلغيَهُ إذا تقدم.

_ 1 في الكتاب 1/ 18 "وأما ظننت ذاك" فإنما جاز السكوت عليه لأنك تقول: ظننت فتقتصر كما تقول: ذهبت، ثم تعمله في الظن كما تعمل ذهبت في الذهاب فـ"ذاك" ههنا هو الظن، كأنك قلت: ظننت ذاك الظن.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: ظننته أخاك قائمًا, تريد: ظننت الظن, فتكون الهاء كناية عن الظن كأنك قلت: ظننت أخاك قائمًا الظن, ثم كنيتَ عن الظن وأجاز بعضهم: ظننتها أخاك قائمًا يريد: الظنة, وكذلك إن جعلت الهاء وقتا أو مكانًا على السعة, تقول: ظننت زيدًا منطلقًا اليوم, ثم تكني عن اليوم فتقول: ظننت زيدًا منطلقًا فيه, ثم تحذف حرف الجر على السعة فتقول: ظننته زيدًا منطلقًا, تريد: ظننت فيه والمكان كذلك وإذا ولي الظن حروف الاستفهام وجوابات القسم بطل في اللفظ عمله وعمل في الموضع تقول: علمت أزيدٌ في الدار أم عمرو وعلمت إن زيدًا لقائم وأخال/ 192 لعمرو أخوك, وأحسب ليقومن زيد, ومن النحويين من يجعل ما ولا كـ"أَنْ" واللام في هذا المعنى فيقول: أظن ما زيد منطلقًا وأحسب لا يقوم زيد لأنه يقول: والله ما زيد محسنًا ووالله لا يقوم وزيد. وتقول: ظننته زيدٌ قائمٌ تريد ظننت الأمر والخبر وهذا الذي يسميه الكوفيون المجهول1. وتقول ظننته هند قائمة فتذكر لأنك تريد الأمر والخبر وظننته

_ 1 يطلق عند الكوفيون على الضمير الذي لم يتقدمه ما يعود عليه، ويسميه البصريون ضمير الشأن والقصة والحديث، ولا خلاف بين الفريقين في مأخذ التسمية فكلاهما يريد به ضميرا لا يعود على شيء تقدم عليه في الذكر، وإنما يعود على الجملة التالية له. ويرى البصريون أن ضمير الشأن إنما يتقدم جملة يكون هو كناية عنها، وتكون هي خبرا عنه، انظر شرح المفصل 3/ 114 ومؤدى هذا الكلام: أن خبره يكون جملة دائما، إلا أن الفراء وسائر الكوفيين يرون جواز الإخبار عنه بالمفرد فيجيزون نحو: كان قائما زيد، وكان قائما الزيدان، وكان قائما الزيدون، ولا يكون هذا الضمير عند الفراء مستأنفا به حتى يكون قبله "إن" أو بعض أخوات كان أو ظن، ولذلك كان يرد على الكسائي زعمه أن "هو" من قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} هو المجهول أو ضمير الشأن، وكان يرى أنه ضمير اسم الله تعالى، وكان يقول: قال الكسائي فيه قولا لا أراه شيئا، لأن الكسائي كان يوافق البصريين على أنه ضمير الشأن. انظر معاني القرآن ورقة 222 وشرح المفصل 3/ 114.

تقوم هند, ويجوز في القياس: ظننتها زيد قائم, تريد: القصة1. ولا أعلمه مسموعًا من العرب. فأما الكوفيون فيجيزون تأنيث المجهول وتذكيره إذا وقع بعده المؤنث, يقولون: ظننته هند قائمة, وظننتها هند قائمة وتقول: ظننته قائم زيد والهاء كناية عن المجهول. والكوفيون يجيزون إذا ولي هذه الهاء فعل دائم2 النصب, فيقولون: ظننته قائمًا زيدٌ ولا أعرف لذلك وجهًا في القياس ولا السماع من العرب/ 193 وتقول: زيدٌ أظنُّ منطلقٌ فتلغي "أظنُّ" كما عرفتك. وتقول: خلفكَ أحسبُ عمروٌ قامَ وقائمٌ أظن زيد فتلغي, وإن شئت أَعملت والكوفيون لا يجيزون إذا تقدمه ماضٍ أو مستقبل أن يعملوا3. ويجيزون أن يعمل إذا تقدمه اسم أو صفة, والإِلغاء عندهم أحسن. قال أبو بكر وذلك عندنا سواء. قال الشاعر: أَبالأراجيزِ يابنَ اللُّؤمِ تُوعِدُني ... وفي الأَراجِيزِ خلتُ اللومُ والخورُ 4

_ 1 أي: ضمير المجهول أو الشأن. 2 المراد بالفعل الدائم: اسم الفاعل على رأي الكوفيين والبصريين معا. 3 في الأصل يعلموا فيها تقديم وتأخير في الحروف. 4 من شواهد سيبويه 1/ 61 "على رفع" اللؤم والخور "بعد" "خلت" لما تقدم عليها من الخبر ونوى فيها من التأخير. والتقدير: وفي الأراجيز اللؤم والخور خلت ذلك. والبيت: للعين المنقري، منازل ابن زمعة من بني منقر يهجو رؤبة بن العجاج، وقيل: يهجو العجاج نفسه. وبيت اللعين هذا من قصيدة رويها لام، وقبل الشاهد: أني أنا ابن جلا إن كنت تعرفني ... يا رؤب والحية الصماء في الجبل أبالأراجيز ... ... ........ على أن في بيت الشاهد إقواء وهو اختلاف حركة الروي. وهكذا رواه السيوطي في الهمع 1/ 153، وروى أيضا: وفي الأراجيز رأس القول والفشل وليس في هذه الرواية إقواء، ولكنها لا شاهد فيها. وقوله: يا رؤب، فإن أصله: يا رؤبة فرخم بحذف التاء، وهذا يؤيد ما ذهب إليه جماعة من أن اللعين يهجو بهذه الكلمة رؤبة لا أباه العجاج. وقوله: أبالأراجيز: فإنه يعني القصائد المرجزة الجارية على بحر الرجز. والخور: الضعف. وتوعدني: تتهددني. وانظر شرح السيرافي 1/ 253، وابن يعيش 7/ 84، والمفصل للزمخشري 261، وأمالي السيد المرتضى 4/ 90.

فألغى: "خلتُ" ويلغي المصدر كما يلغي الفعل, وتقول: عبد الله ظني قائم وفي ظني وفيما أظن وظنا مني, فهذا يلغي وهو نصب تريد: أظن ظنا وإذا قلت: في ظني "ففي" من صلة كلامك جعلت ذلك فيما تظن. وحكي عن بعضهم: أنه جعله من صلة خبر عبد الله لأن قيامه فيما يظن, وتقول: ظننت زيدًا طعامَكَ آكلًا, وطعامكَ ظننت زيدًا آكلًا. ولا يجوز: ظننت طعامك زيدًا آكلًا, من حيث قبح: كانت زيدًا الحمّى تأخذ, وهذه/ 194 المسألة توافق: كانتْ زيدًا الحمى تأخذُ من جهة وتخالفها من جهة, أما الجهة التي تخالفها فإن "كانت" خالية من الفاعل وظننت معها الفاعل, والفعل لا يخلو من الفاعل. والتفريق بينه وبين الفاعل أقبح منه بينه وبين المفعول. والذي يتفقان فيه أن "كان" تدخل على مبتدأ وخبر وظننت تدخل على مبتدأ وخبر, فهما يستويان من هذه الجهة. وقد فرقت بينهما وبين ما عملا فيه بما لم يعملا فيه. فإن أعملت: "ظننت" في مجهول جاز كما جاز في "كان" ورفعت زيدًا وخبره فقلت: ظننته طعامك زيدٌ آكلٌ ويجوز: ظننته آكل زيد طعامك ويجوز في قول الكوفيين نصب آكل. وقد أجاز قوم من النحويين: ظننت عبد الله يقوم وقاعدًا وظننت عبد الله قاعدًا ويقوم. ترفع "يقوم" وأحدهما نسق على الآخر. ولكن إعرابهما مختلف, وهو عندي قبيح من أجل عطف الاسم على الفعل, والفعل على الاسم لأن العطف أخو التثنية/ 195 فكما لا يجوز أن ينضم فعل إلى اسم في تثنية, كذلك لا يجوز في العطف ألا ترى أنك إذا قلت: زيدان, فإنما معناه: زيد وزيد فلو كانت الأسماء على لفظ واحد لاستغني عن العطف,

وإنما احتيج إلى العطف لاختلاف الأسماء, تقول: جاءني زيد وعمرو لما اختلف الاسمان ولو كان اسم كل واحد منهما عمرو لقلت: جاءني العمران, فالتثنية نظير العطف, ألا ترى أنه يجوز لك أن تقول: جاءني زيد وزيد فحق الكلم التي يعطف بعضها على بعض أن يكون متى اتفقت ألفاظها جاز تثنيتها, وما ذكروا جائز في التأويل لمضارعة "يَفْعَلُ" لفاعل وهو عندي قبيح لما ذكرت لك. وتقول: ظن ظانا زيدًا أخاك عمرو تريد: ظن عمرو ظانا زيدًا أخاك رفعت عمرًا وهو المفعول الأول إذ قام مقام الفاعل ونصبت "ظانا", لأنه المفعول الثاني فبقي على نصبه. ويجوز أن ترفع ظانا وتنصب عمرًا فتقول: ظن ظان زيدًا أخاك عمرًا كأنك قلت/ 196: ظن رجل ظان زيدًا أخاك عمرًا فترفع "ظانا" بأنه قد قام مقام الفاعل وتنصب زيدًا أخاك به وتنصب عمرًا, لأنه مفعول "ظن". وهو خبر ما لم يسم فاعله وتقول: ظن مظنون عمرًا زيدًا. كأنك قلت: ظن رجل مظنون عمرًا زيدًا فترفع "مظنون" بأنه قام مقام الفاعل وفيه ضمير رجل والضمير مرتفع بـ"مظنون" وهو الذي قام مقام الفاعل في مظنون وعمرًا منصوب بـ"مظنون" وزيدًا منصوب بـ"ظن". وتقول: ظن مظنون عمرو أخاه زيدًا كأنك قلت: ظن رجل مظنون عمرو أخاه زيدًا و"مظنون" في هذا وما أشبهه من النعوت يسميه الكوفيون خلفًا1, يعنون أنه خلف من اسم. ولا بد من أن يكون فيه راجع إلى الاسم المحذوف. والبصريون يقولون: صفة قامت مقام

_ 1 أقسام الكلمة عند الفراء أكثر من الثلاثة المعروفة، فقد جعل كلمة "كلا" ليست قسما خاصا بين الأسماء والأفعال، فهي ليست باسم، كما أنها ليست بفعل، وبالطبع ليست بحرف كما هو واضح من كلامه في طبقات الزبيدي 145، وقال صاحب التصريح 1/ 25: بأنها تمثل عند الفراء قسما مستقلا، وربما كان هذا القسم هو الذي أطلق عليه اسم الخالفة لأنه يطلق على ما يسمى عند البصريين باسم الفعل، وما اسم الفعل إلا كلمة هي بين الأسماء والأفعال لوجود علامات كل منهما فيهما، فكلمة "كلا" واسم الفعل يشتركان في هذه الصيغة ولهذا نرى أنهما قسم واحد هو الذي أطلق عليه الكوفيون اسم الخالفة.

الموصوف والمعنى واحد, فيرفع "مظنون" بأنه قام مقام الفاعل وهو ما لم يسم فاعله وترفع عمرًا بـ"مظنون" لأنه قام مقام الفاعل في مظنون. ونصبت أخاه بـ"مظنون"/ 197 ورجعت الهاء إلى الاسم الموصوف الذي "مظنون" خلف منه ونصبت زيدًا بـ"ظن" فكأنك قلت: ظن رجل زيدًا ولو قتل: ظن مظنون عمرو أخاك زيدًا لم يجز لأن التأويل: ظن رجل مظنون عمرو أخاك زيدًا فـ"مظنون" صفة لرجل ولا بد من أن يكون في الصفة أو فيما تشبثت به الصفة ما يرجع إلى رجل. وليس في هذه المسألة ما يرجع إلى رجل فمن أجل ذلك لم يجز ويجوز في قول الكوفيين: ظن زيد قائمًا أبوه على معنى أن يقوم أبوه. ولا يجيز هذا البصريون لأنه نقض لباب "ظن" وما عليه أصول الكلام وإنما يجيز هذا الكوفيون فيما عاد عليه ذكره. وينشدون: أظنُّ ابنَ طُرثُوثٍ عُتيبةُ ذَاهِبًا ... بعَاديتي تكذابُهُ وجَعائلُه1

_ 1 العادية: البئر القديمة. والجعائل: جمع جعالة، وهي هنا الرشوة، والشاهد لذي الرمة. وكان قد اختصم هو وابن طرثوث في بئر فأراد أن يقضي له بها. ورواية الديوان: لعل ابن طرثوب: انظر معاني القرآن 1/ 415. والديوان 1/ 473.

باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين

باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين: اعلم: أن المفعول الأول في هذا الباب هو الذي كان فاعلًا في الباب الذي قبله فنقلته من فَعَلَ إلى "أفعلَ" فصار الفاعل مفعولًا, وقد بينت هذا فيما تقدم, تقول/ 198 رأى زيد بشرًا أخاك, فإذا نقلتها إلى "أفعل" قلت: أرى الله زيدًا بشرًا أخاك, وأعلم الله زيدًا بكرًا خير الناس. وقد جاء "فَعَلْتُ" في هذا النحو تقول: نبأت زيدًا عمرًا أبا فلان ولا يجوز الإِلغاء في هذا الباب, كما جاز في الباب الذي قبله لأنك إذا قلت: علمت وظننت وما أشبه ذلك فهي أفعال غير واصلة, فإذا قلت: "أعلمت" كانت واصلة فمن هنا حسن الإِلغاء في "ظننت وعلمت"ولم يجز إلغاء: "علمت" لأنك إذا "ظننت", فإنما هو شيء وقع في نفسك لا شيء فعلتَه. وإذا قلت: "أعلمت" فقد أثرت أثرًا أوقعته في نفس غيرك. ومع ذلك فإن: "ظننت وعلمت" تدخلان على المبتدأ والخبر فإذا ألغينا بقي الكلام تاما مستغنيًا بنفسه تقول: زيدًا ظننت منطلقًا, فإذا ألغيت: "ظننت" بقي زيد ومنطلق فقلت: زيد منطلق ثم تقول "ظننت" والكلام مستغن والملغى نظير المحذوف, فلا يجوز أن يلغى من الكلام ما إذا حذفته بقي الكلام غير تام ولو ألغيت: "أعلمت ورأيت" من/ 199 قولك: أريت زيدًا بكرًا خير الناس وأعلمت بشرًا خالدًا شر الناس -والملغى كالمحذوف- لبقي زيد بكر خير الناس فزيد بغير خبر والكلام غير مؤتلف ولا تام.

واعلم: أن هذه الأفعال المتعدية كلها ما تعدى منها إلى مفعول وما تعدى منها إلى اثنين وما تعدى منها إلى ثلاثة إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين, فلم يكن بعد ذلك متعدي, تعدت إلى جميع ما يتعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى مفعول من المصدر والظرفين والحال1, وذلك قولك: أعطى عبد الله زيدًا المال إعطاء جميلًا, وأعلمت هذا زيدًا قائمًا العلم اليقين إعلامًا لما انتهت صارت بمنزلة ما لا يتعدى.

_ 1 في الكتاب 1/ 19 قال سيبويه: واعلم: أن هذه الأفعال إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدي تعدت إلى جميع ما تعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل وذلك قولك: أعطى عبد الله زيدا المال إعطاء جميلا.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: سرقت عبد الله الثوب الليلة1, فتعدى "سَرَقْتُ" إلى ثلاثة مفعولين, على أن لا تجعل "الليلة" ظرفًا, ولكنك تجعلها مفعولًا على السعة في اللغة كما تقول: يا سارق الليلة زيدًا الثوب. فتضيف "سارقًا" إلى الليلة وإنما تكون الإِضافة إلى الأسماء/ 200 لا إلى الظروف وكذلك حروف الجر, إنما تدخل على الأسماء لا على الظروف فكل منجر بجار عامل فيه فهو اسم وتقول: أعلمت زيدًا عمرًا هندٌ معجبها هو. كان أصل الكلام: علم زيدًا عمرًا هند معجبها هو. فزيد مرفوع بـ"عَلَم" وعمرو منصوب بأنه المفعول الأول وهند مرتفعة بالابتداء "ومعجبها" هو الخبر و"هو" هذه كناية عن عمرو وراجعة إليه فلم يجز أن تقول: معجبها ولا تذكر "هو", لأن أسماء الفاعلين إذا جرت على غير من هي له لم يكن بد من إظهار الفاعل. وقد بينا هذا فيما تقدم و"هند" وخبرها الجملة بأسرها قامت مقام المفعول الثاني وموضعها نصب فإذا نقلت "علم" إلى "أعلمت" صار زيد مفعولًا فقلت: أعلمت زيدًا عمرًا هند معجبها هو, فإن قيل لك أكن عن "هند معجبها هو"

_ 1 قال سيبويه 1/ 19 إذا قلت: سرقت عبد الله الثوب الليلة لا تجعله ظرفا ولكن كما تقول: يا سارق الليلة زيدا الثوب، لم تجعلها ظرفا.

قلت: أعلمت زيدًا عمرًا إياه, لأن موضع الخبر نصب. وهذا إذا كنيت عن معنى الجملة لا عن الجملة وتقول: أعلمته زيدًا أخاك قائمًا, تريد: أعلمت العلم فتكون الهاء كناية/ 201 عن المصدر كما كانت في "ظننته زيدًا أخاك" فإن جعلت الهاء وقتًا أو مكانًا على السعة جاز كما كان في "ظننته" وقد فسرته في باب مسائل "ظننت". ومن قال ظننته زيد قائم: فجعل الهاء كناية عن الخبر والأمر وهو الذي يسميه الكوفيون المجهول1, لم يجز له أن يقول في "أعلمت زيدًا عمرًا خير الناس" أعلمته زيدًا عمرو خير الناس لما خبرتك به من أنه يبقى زيد بلا خبر, وإنما يجوز ذلك في الفعل الداخل على المبتدأ والخبر, فلا يجوز هذا في "أعلمت", كما لا يجوز الإِلغاء لأنك تحتاج إلى أن تذكر بعد الهاء خبرًا تاما يكون هو بجملته تلك الهاء والأفعال المؤثرة لا يجوز أن يضمر فيها المجهول, إنما تذكر المجهول مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر نحو: كان وظننت وأن وما أشبه ذلك2. ألا ترى أن تأويل: ظننته زيد قائم, ظننت الأمر والخبر زيد قائم وكذلك إذا قلت: إنَّه زيد قائم فالتأويل: أن الأمر زيد قائم وكذلك: كان زيد قائم إذا كان فيها مجهول التأويل/ 202 كان الأمر زيد قائم ولا يجوز أن تقول: أعلمت الأمر ولا أريت الأمر هو ممتنع من جهتين: من جهة أن زيدًا يكون بغير خبر يعود إليه, ولو زدت في المسألة أيضًا ما يرجع إليه ما جاز من الجهة الثانية. وهي أنه لا يجوز: أعلمت الخبر خبرًا إنما يعلم المستخبر وتقول: أعلمت عمرًا زيدًا ظانا بكرًا أخاك كأنك قلت: أعلمت عمرًا زيدًا رجلًا ظانا بكرًا أخاك. فإن رددت إلى ما لم يسم فاعله قلت: أعلم عمرو زيدًا ظانا بكرًا أخاك ولك أن تقيم "زيدًا" مقام الفاعل وتنصب عمرًا فتقول: أعلم زيد عمرًا ظانا بكرًا أخاك ولا يجوز: أعلم ظان بكرًا أخاك.

_ 1 يطلق الكوفيون على الضمير الذي لم يتقدمه ما يعود عليه ضمير المجهول الذي يسميه البصريون ضمير الشأن والقصة. 2 انظر معاني القرآن/ 222. ورقة.

عمرًا زيدًا. من أجل أن حق المفعول الثالث أن يكون هو الثاني في المعنى, إذ كان أصله المبتدأ والخبر وقد تقدم تفسير ذلك, فإن كان عمرو هو زيد له اسمان جاز وجعلته/ 203 هو على أن يغني غناه, ويقوم مقامه, كما تقول: زيد عمرو, أي: إن أمره وهو يقوم مقامه جازَ, وإلا فالكلام محالٌ, لأن عمرًا لا يكون زيدًا.

شرح الثالث وهو المفعول فيه

شرح الثالث: وهو المفعول فيه: المفعول فيه ينقسم على قسمين: زمان ومكان, أما الزمان, فإن جميع الأفعال تتعدى إلى كل ضرب منه معرفة كان أو نكرة. وذلك أن الأفعال صيغت من المصادر بأقسام الأزمنة كما بينا فيما تقدم, فما نصب من أسماء الزمان فانتصابه على أنه ظرف, وتعتبره بحرف الظرف أعني. "في" فيحسن معه فتقول: قمت اليوم, وقمت في اليوم, فأنت تريد معنى "في" وإن لم تذكرها, ولذلك سميت -إذا نصبت- ظروفًا؛ لأنها قامت مقام "في" ألا ترى أنك إذا قلت: قمت اليوم, ثم قيل لك: أكن عن اليوم قلت: قمت فيه1, وكذلك: يوم الجمعة ويوم الأحد والليلة وليلة السبت وما أشبه ذلك وكذلك: نكراتها نحو قولك: قمت يومًا وساعة وليلة وعشيا وعشيةً وصباحًا ومساءً/ 204. فأما سحر إذا أردت به سحر يومك وغدوة وبكرة هذه الثلاثة الأحرف, فإنها لا تتصرف2, تقول: جئتك اليوم سحر وغدوة وبكرة يا هذا وسنذكرها في موضعها فيما يتصرف وما لا يتصرف إن شاء الله. وكل ما جاز أن يكون جواب "متى" فهو زمان ويصلح أن يكون ظرفًا.

_ 1 قال المبرد في المقتضب 4/ 330 واعلم: أن هذه الظروف المتمكنة -يعني التي يصح أن تقع مسندا إليه يجوز أن تجعلها أسماء فتقول: يوم الجمعة قمته في موضع قمت فيه، والفرسخ سرته، ومكانكم جلسته، وإنما هذا اتساع، والأصل ما بدأنا به لأنها مفعول فيها، وليست مفعولا بها، وإنما هذا على حذف حرف الإضافة. 2 أي: إنها لا تقع مسندا إليه، فلا تكون إلا ظرفا.

للفعل. يقول القائل: متى قمت؟ فتقول: يوم الجمعة, ومتى صمت؟ فتقول: يوم الخميس, ومتى قدم فلان؟ فتقول: عام كذا وكذا, وكل ما كان جواب متى فالعمل يجوز أن يكون في بعضه وفي كله يقول القائل: متى سرت؟ فتقول: يوم الجمعة, فيجوز أن يكون سرت بعض ذلك اليوم, ويجوز أن يكون قد سرت اليوم كله "وكم". من أجل أنها سؤال عن عدد تقع على كل معدود والأزمنة مما يعد فهي يسأل بها عن عدد الأزمنة فيقول القائل: كم سرت؟ فتقول: ساعة أو يومًا أو يومين ولا يسأل "بكم" إلا عن نكرة "ومتى" لا يسأل بها إلا عن معرفة أو ما قارب المعرفة يقول القائل/ 205: كم سرت؟ فتقول: شهرين أو شهرًا أو يوما ولا يجوز أن تقول: الشهر الذي تعلم ولا اليوم الذي تعلم لأن هذا من جواب "متى". وأما قولهم: سار الليل والنهار والدهر والأبد فهو وإن كان لفظه لفظ المعارف فهو في جواب "كم", ولا يجوز أن يكون جواب "متى", لأنه إنما يراد به التكثير وليست بأوقات معلومة محدودة فإذا قالوا: سِيرَ عليه الليل والنهار فكأنهم قالوا: سِيرَ عليه دهرًا طويلًا وكذلك الأبد فإنما يراد به التكثير والعدد وإلا فالكلام محال. وذكر سيبويه: أن المحرم وسائر أسماء الشهور أجريت مجرى الدهر والليل والنهار وقال لو قلت: شهر رمضان أو شهر ذي الحجة كان بمنزلة يوم الجمعة أو البارحة ولصار جواب "متى"1 فالمحرم عنده بلا ذكر "شهر" يكون في جواب "كم" فإن أضفت شهرًا إليه صار في جواب "متى" وحجته في ذلك استعمال العرب له لذلك قال: وجميع ما ذكرت لك مما يكون مجرى على "متى" يكون مجرى على "كم" ظرفًا2 / 206 وغير ظرف. وبعض ما يكون في "كم" لا يكون في "متى" نحو: الدهر والليل والنهار3.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 111. 2 الكتاب 1/ 111. والنص: وجميع ما ذكرت لك مما يكون على "متى" يكون مجرى على كم ظرفا وغير ظرف. 3 انظر الكتاب 1/ 111.

واعلم: أن أسماء الأزمنة تكون على ضربين: فمنها ما يكون اسمًا ويكون ظرفًا ومنها ما لا يكون إلا ظرفًا, فكل اسم من أسماء الزمان فلك أن تجعله اسمًا وظرفًا إلا ما خصته العرب بأن جعلته ظرفًا وذلك ما لم تستعمله العرب مجرورًا ولا مرفوعًا. وهذا إنما يؤخذ سماعًا عنهم فمن ذلك: "سحر" إذا كان معرفة غير مصروف تعني به: سحر يومك لا يكون إلا ظرفًا وإنما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر [و] 1 بالألف واللام2 أو نكرة وكذلك تحقير سحر إذا عنيت: سحر يومك لم يكن إلا ظرفًا. تقول: سير عليه سحيرًا وتصرفه لأن "فعيلًا" منصرف حيث كان. ومثله ضحى إذا عنيت: ضحى يومك وصباحًا وعشية وعشاء إذا أردت: عشاء يومك فإنه لم يستعمل إلا ظرفًا وكذلك: ذات مرة/ 207 وبعيدات بينَ3 وبكرًا4 وضحوة إذا عنيت ضحوة يومك وعتمة إذا أردت: عتمة ليلتك وذات يوم وذات مرة وليل ونهار إذا أردت: ليل ليلتك ونهار نهارك وذو صباح ظرف. قال سيبيويه: أخبرنا بذلك يونس إلا أنه قد جاء في لغة لخثعم: ذات ليلة وذات مرة5 أي: جاءتا مرفوعتين فيجوز على هذا أن تنصب نصب المفعول على السعة.

_ 1 أضيفت واوا لأن المعنى يحتاجها. 2 انظر الكتاب 1/ 115. 3 في اللسان: أبو عبيد، يقال: لقيته بعيدات إذا لقيته بعد حين، وقيل: بعيدات بين، أي بعيد فراق وذلك إذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزمان ثم يأتيه ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضا ثم يأتيه. 4 البكر: بمعنى البكرة كما في اللسان. 5 انظر الكتاب 1/ 115 قال سيبويه: أخبرنا بذلك يونس عن العرب، إلا أنه قد جاء في لغة لخثعم مفارقا لذات مرة وذات ليلة، وأما الجيدة العربية فأن يكون بمنزلتها، وقال رجل من خثعم: عزمت على إقامة ذي صباح ... لشيء ما يسود من يسود فهو على هذه اللغة، يجوز فيه الرفع.

واعلم: أن العرب قد أقامت أسماء ليست بأزمنة مقام الأزمنة اتساعًا واختصارًا وهذه الأسماء تجيء على ضربين: أحدهما: أن يكون أصل الكلام إضافة أسماء الزمان إلى مصدر مضاف فحذف اسم الزمان اتساعًا نحو: جئتك مقدم الحاج, وخفوق النجم وخلافة فلان وصلاة العصر1, فالمراد في جميع هذا: جئتك وقت مقدم الحاج ووقت خفوق النجم ووقت خلافة فلان ووقت صلاة العصر. والآخر: أن يكون اسم الزمان موصوفًا فحذفا اتساعًا وأُقيم الوصف مقام الموصوف/ 208 نحو: طويل وحديث وكثير وقليل وقديم وجميع هذه الصفات إذا أقمتها مقام الأحيان لم يجز فيها الرفع ولم تكن إلا ظروفًا وجرت مجرى ما لا يكون إلا ظرفًا من الأزمنة فأما قريب فإن سيبويه أجاز فيه الرفع وقال: لأنهم يقولون: لقيته مذ قريب وكذلك ملى, قال: والنصب عندي عربي كثير2. فإن قلت: سير عليه طويل من الدهر, وشديد من السير فأطلقت الكلام ووصفته, كان أحسن وأقوى وجاز3. قال أبو بكر: وإنما صار أحسن إذا وصف لأنه يصير كالأسماء, لأن الأسماء هي التي توصف وكل ما كان من أسماء الزمان يجوز أن يكون اسمًا, وأن يكون ظرفًا فلك أن تنصبه نصب المفعول على السعة تقول: قمت اليوم وقعدت الليلة فتنصبه نصب "زيد" إذا قلت: ضربت زيدًا ويتبين لك هذا في الكناية أنك إذا قلت: قمت اليوم فتنصبه نصب المفعول على

_ 1 قال سيبويه 1/ 114: هذا باب ما يكون فيه المصدر حينا لسعة الكلام والاختصار وذلك قولك: متى سير عليه، فيقول: مقدم الحاج وخفوق النجم وخلافة فلان وصلاة العصر، فإنما هو: زمن مقدم الحاج وحين خفوق النجم ولكنه على سعة الكلام والاختصار. 2 الكتاب 1/ 116. ونص سيبويه: وقد يحسن أن تقول: سير عليه قريب، لأنك تقول: لقيته مذ قريب، والنصب عربي كثير جيد.. ومن ذلك ملى من النهار والليل، تقول: سير عليه ملى والنصب فيه كالنصب في قريب. 3 انظر الكتاب 1/ 117.

السعة فكنيت/ 209 عنه قلت: قمته وإذا نصبته نصب الظروف قلت: قمت فيه. وإذا وقع موقع المفعول جاز أن يقوم مقام الفاعل فيما لم يُسَم فاعلُهُ. ألا تراهم قالوا: صِيد عليه يومان وولد له ستون عامًا1.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 114.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: يوم الجمعة القتال فيه, فيوم الجمعة مرفوع بالابتداء, والقتال فيه الخبر, والهاء راجعة إلى يوم الجمعة وإذا أضمرته وشغلت الفعل عنه خرج من أن يكون ظرفًا, والظروف متى كني وتحدث عنها زال معنى الظرف, ويجوز: يوم الجمعة القتال فيه, على أن تضمر فعلًا قبل يوم الجمعة يفسره القتال فيه, كأنك قلت: القتال يوم الجمعة القتال فيه, هذا مذهب سيبويه1 والبصريين فلك أن تنصبه نصب الظروف ونصب المفعول. وتقول: اليوم الصيام, واليوم القتال فترفع الصيام والقتال بالابتداء, واليوم خبر الصيام والقتال, واليوم منصوب بفعل محذوف, كأنك قلت: الصيام يستقر اليوم/ 210 أو يكون اليوم, وما أشبه ذلك, ولا يجوز أن تقول: زيدٌ اليوم, ويجوز أن تقول: الليلة الهلال2. وقد بينا هذا فيما تقدم عند ذكرنا خبر المبتدأ. وتقول: اليوم الجمعة واليوم السبت, لأنه عمل في اليوم, فإن جعلته اسم اليوم رفعت. فأما: اليوم الأحد واليوم الاثنان إلى الخميس فحق هذا الرفع لأن هذه كلها أسماء لليوم ولا يكون عملًا فيها3 وإنما كان ذلك في الجمعة والسبت لأن الجمعة بمعنى الاجتماع والسبت بمعنى الانقطاع.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 114 و208. 2 في الكتاب 1/ 208 وإن قلت: الليلة الهلال واليوم القتال نصبت، التقديم والتأخير في ذلك سواء، وإن شئت رفعت فجعلت الآخر الأول، وكذلك: اليوم الجمعة، واليوم السبت وإن شئت رفعت. 3 انظر الكتاب 1/ 208.

وتقول: اليومُ رأس الشهر, واليومَ رأس الشهر, أما النصب فكأنك قلت: اليوم ابتداء الشهر وأما الرفع فكأنك قلت: اليوم أول الشهر فتجعل اليوم هو الأول. وإذا نصبت فالثاني غير الأول. واعلم: أن أسماء الزمان تضاف إلى الجمل وإلى الفعل1 والفاعل وإلى الابتداء والخبر, تقول: هذا يوم يقوم زيد, وأجيئك يوم يخرج الأمير, وأخرج يوم عبد الله/ 211 أمير وتقول: إن يوم عبد الله أمير زيدًا جالس, تريد: أن زيدًا جالس يوم عبد الله أمير, فإن جعلت في أول كلامك "فيه" قلت: إن يومًا فيه عبد الله خارج زيدًا مقيم فتنصب "زيدًا" بـ"أن" و"مقيم" خبره و"يومًا" منتصب بأنه ظرف لـ"مقيم" و"فيه عبد الله خارج" صفة ليوم فإن قلت: إن يومًا فيه عبد الله خارج زيد فيه مقيم, خرج اليوم من أن يكون ظرفًا وصار اسمًا لـ"أَنَّ" وإنما أخرجه من أن يكون ظرفًا: أنك جئت "بفيه" فأخبرت عنه: بأن إقامة زيد فيه, فـ"فيه" الثانية أخرجته عن أن يكون ظرفًا, لأنها شغلت مقيمًا عنه, ولم تخرجه "فيه" الأولى من أن يكون ظرفًا, لأنها من صلة الكلام الذي هو صفة "لليوم" فالصفة لا تعمل في الموصوف فيكون متى شغلتها خرج الظرف عما هو عليه, وإنما دخلت لتفصل بين يوم خرج فيه عبد الله وبين يوم لم يخرج فيه فقولك: يوم الجمعة قمت فيه بمنزلة قولك: زيد مررت به لا فرق في الإِخبار عنهما وتقول: ما اليوم خارجًا فيه عبد الله وما يوم خارج/ 212 فيه عبد الله منطلقًا فيه زيد. وتقول: ما يومًا خارجًا فيه زيد منطلق عمرو, فتنصب يومًا بأنك جعلته ظرفًا للانطلاق ونصبت "خارجًا", لأنه صفة لليوم, وأما "منطلق" فإنما رفعته لأنك قدمت خبر "ما". ومن قال: يا سَارِقَ اللَّيلةِ أَهْلَ الدَّارِ2

_ 1 الكتاب 1/ 461، والمقتضب 2/ 347. 2 من شواهد سيبويه 1/ 89 على إضافة "سارق" إلى الليلة ونصب "أهل" للاتساع في الظروف فنصبت نصب المفعول به. وكان بعض النحويين ينصب "الليلة" ويخفض "أهل" فيقول: يا سارق الليلة أهل الدار ونقل البغدادي عن ابن خروف: أن أهل الدار منصوب بإسقاط الجار ومفعوله الأول محذوف والمعنى: يا سارق الليلة لأهل الدار متاعا، فسارق متعد لثلاثة: أحدها: الليلة على السعة، والثاني: بعد إسقاط حرف الجر، والثالث: مفعول حقيقي. وجميع الأفعال متعديها ولازمها يتعدى إلى الأزمنة الثلاثة والأمكنة. قال البغدادي وفيه نظر. وهذا الرجز لم ينسبه أحد لقائل معين. وانظر: الحجة لأبي علي 1/ 14، والمحتسب 2/ 295، وأمالي ابن الشجري 2/ 250، والمفصل للزمخشري/ 45، وشرح الحماسة/ 655، ومعاني الفراء 2/ 80، وابن يعيش 2/ 45.

فجر "الليلة" وجعلها مفعولًا بها على السعة, فإنه يقول: أما الليلة فأنت سارقها زيدا, وأما اليوم فأنتَ آكله خبزًا, وهذان اليومان أنا ظانهما زيدًا عاقلًا, لأنه قد جعله مفعولًا به على السعة ولا تقول: اليوم أنا معلمه زيدًا بشرًا منطلقًا, لأنه لا يكون فعل يتعدى إلى أربعة مفاعيل فيشبه هذا به, وقد أجازه بعض الناس. وتقول على هذا القياس: أما الليلة فكأنها زيدٌ منطلقًا, وأما اليوم فليسه زيد منطلقًا, وأما الليلة فليس زيد إياها منطلقًا, وأما اليوم, فكأنه زيد منطلقًا, وأما اليوم فكان زيد إياه منطلقًا تريد في جميع هذا: "في" فتحذف على السعة ولا تقول: أما اليوم فليته زيدًا منطلق/ 213 تريد: ليت فيه؛ لأن "ليت" ليست بفعل ولا هذا موضعَ مفعولٍ فيتسع فيهِ. وجميع هذا مذهب الأخفش. وذكر الأخفش أنه يجوز: أما الليلة فما زيد إياها منطلقًا, لأن "ما" مشبه بالفعل قال: لم يجوزه في "ما" فهو أقيس؛ لأن "ما" وإن كانت شبهت بالفعل فليست كالفعل. قال أبو بكر: وهو عندي لا يجوز البتة. وتقول: الليلة أنا أنطلقها,

تريد: أنا أن أنطلق فيها. وتقول: الليلة أنا منطلقها تريد: أنا منطلق فيها ولا يجوز: الليلة أنا إياها منطلق ولا: اليوم نحن إياه منطلقون تريد: نحن منطلقون فيه ولا يجوز: أما اليوم فالقتال إياه تريد فيه, وأما الليلة فالرحيل إياها تريد: فيها لأن السعة والحذف لا يكونان1 فيه, كما لا سعة فيه ولا حذف في جميع أحواله. قال الأخفش: ولو تكلمت به العرب لأجزناه.

_ 1 في الأصل "يكون".

ذكر المكان

ذكر المكان: اعلم: أن الأماكن ليست كالأزمنة التي يعمل فيها كل فعل فينصبها نصب/ 214 الظروف, لأن الأمكنة: أشخاص له خلق وصور تعرف بها كالجبل والوادي, وما أشبه ذلك, وهن بالناس أشبه من الأزمنة لذلك وإنما الظروف منها التي يتعدى إليها الفعل الذي لا يتعدى ما كان منها مبهمًا خاصة, ومعنى المبهم أنه هو الذي ليست له حدود معلومة تحصره. وهو يلي الاسم من أقطاره نحو: خلف وقدام وأمام ووراء وما أشبه ذلك, ألا ترى أنك إذا قلت: قمت خلف المسجد لم يكن لذلك الخلف نهاية تقف عندها, وكذلك إذا قلت: قدام زيد. لم يكن لذلك حد ينتهي إليه فهذا وما أشبهه هو المبهم الذي لا اختلاف فيه أنه ظرف. وأما مكة والمدينة والمسجد والدار والبيت فلا يجوز أن يكن ظروفًا, لأن لها أقطارًا محدودة معلومة تقول: قمت أمامك وصليت وراءك, ولا يجوز أن تقول: قمت المسجد/ 215 ولا قعدت المدينة ولا ما أشبه ذلك, والأمكنة تنقسم قسمين منها ما استعمل اسمًا يتصرف في جميع الإِعراب وظرفًا ومنها ما لا يرفع ولا يكون إلا ظرفًا. فأما الظروف التي تكون اسمًا فذكر سيبويه: أنها خلفك, وقدامك, وأمامك, وتحتك, وقبالتك, ثم قال:

وما أشبه ذلك, وقال: ومن ذلك: هو ناحيةً من الدار. ومكانًا صالحًا وداره ذات اليمين وشرقي كذا وكذا. قال: وقالوا: منازلهم يمينًا وشمالًا وهو قصدك وهو حلَةَ الغور, أي: قصده وهما خطان جنابتي أنفهما يعني الخطين اللذين اكتنفا أنف الظبية وهو موضعه ومكانه صددك ومعناه القصد وسقبك1 وهو قربك وقرابتك2 ثم قال: واعلم: أن هذه الأشياء كلها قد تكون اسمًا غير ظرف بمنزلة زيد وعمرو3. وحكى: هم قريب منك وقريبًا4 منك وهو وزن الجبل أي: ناحية منه, وهو زنة الجبل أي: حذاءه, وقُرابَتك وقُربكَ/ 216 وحواليه بنو فلان, وقومك أقطار البلاد, قال: ومن ذلك قول أبي حية: إذَا ما نَعَشْنَاهُ علَى الرَّحْلِ يَنثني ... مُسالَيْهِ عنهُ مِنْ وراءٍ ومُقدَمِ5 مسالاة: عطفاه6. ومما يجري مجرى ما ذكره سيبويه من الأسماء التي تكون ظروفًا, فرسخ

_ 1 سقبك: قربك، يقال: سقبت الدار واسقبت إذا قربت. 2 يقال: هم قرابتك في العلم: أي: قريبا منك. 3 انظر الكتاب 1/ 204. 4 قال سيبويه: ومن ذلك قول العرب: هم قرابتك، أي: قربك يعني المكان، وهم قرابتك في العلم، أي: قريبا منك في العلم، فصار هذا بمنزلة قول العرب: هو حذاءه وإزاءه وحواليه بنو فلان. الكتاب 1/ 204. 5 نصب مساليه على الظرف والتقدير: ينثني في مساليه، أي: في عطفيه وناحيتيه، وسميا مسالين، لأنهم أسيلا، أي: سهلا في طول وانحدار فهما كمسيل الماء، وصف الشاعر راكبا أدام السرى حتى غشيه النوم، وغلبه، فجعل ينثني في عطفيه من مقدم الرحل ومؤخره. ومعنى: نعشناه رفعناه، ومنه سمي النعش نعشا لحمله على الأعناق والهاء في عنه راجعة على الرحل، أي: ينثني عن الرحل من وراه ومقدم. انظر الكتاب 1/ 205، وشرح السيرافي 2/ 136. 6 الكتاب 1/ 204-205.

وميل. تقول: سرت فرسخًا وفرسخين وميلًا وميلين, فإن قال قائل: ففرسخ وميل موقت معلوم فلم جعلته مبهمًا؟ قيل له: إنما يراد بالمبهم ما لا يعرف له من البلاد موضع ثابت ولا حدود من الأمكنة, فهذا إنما يعرف مقداره. فالإِبهام في الفرسخ والميل بعد موجود, لأن كل موضع يصلح أن يكون من الفرسخ والميل فافهم الفرق بين المعروف الموضع والمعروف القدر, وكذلك ما كان من الأمكنة مشتقا من الفعل نحو: ذهبت المذهب البعيد, وجلست المجلس الكريم. وأما الظروف التي لا ترفع: فعند وسوى, وسواء إذا أردت بهما معنى "غير" لم تستعمل إلا ظروفًا. قال سيبويه: إن/ 217 سواءك بمنزلة مكانك, ولا يكون اسمًا إلا في الشعر1. ودل على أن سواءك ظرف أنك تقول: مررت بمن سواءك, والفرق بين قولك: عندك وخلفك أن خلفك تعرف بها الجهة وعندك لما حضرك من جميع أقطارك, وكذلك سواءك لا تخص مكانًا من مكان فبعدًا من الأسماء لاستيلاء الإِبهام عليهما. واعلم: أن الظروف أصلها الأزمنة والأمكنة ثم تتسع العرب فيها للتقريب والتشبيه, فمن ذلك قولك: زيد دون الدار وفوق الدار إنما تريد: مكانًا دون الدار ومكانًا فوق الدار ثم يتسع ذلك فتقول: زيد دون عمرو, وأنت تريد في الشرف أو العلم أو المال أو نحو ذلك, وإنما الأصل المكان. ومما اتسعوا فيه قولهم: هو مني بمنزلة الولد, إنما أخبرت أنه في أقرب المواضع وإن لم ترد البقعة من الأرض, وهو مني منزلة الشغاف ومزجر الكلب ومقعد القابلة ومناط الثريا2 ومعقد الإِزار.

_ 1 الكتاب 1/ 202-103. قال سيبويه: ومن ذلك أيضا: هذا سواءك، وهذا رجل سواءك، فهذا بمنزلة مكانك إذا جعلته في معنى بدلك ولا يكون اسما إلا في الشعر. قال بعض العرب لما اضطر في الشعر جعله بمنزلة "غير" قال الشاعر: ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا قعدوا منا ولا من سوائنا 2 مناط الثريا: فإنما معناه: هذا أبعد البعد.

قال سيبويه1: أجرى مجرى: هو مني مكان كذا, ولكنه/ 218 حذف. ودرج السيول ورجع أدراجه وقال: إنما يستعمل من هذا الباب ما استعملت العرب. وأما ما يرتفع من هذا الباب فقولك: هو مني فرسخان وأنت مني يومان وميلان وأنت مني عدوة2 الفرس وغلوة3 السهم4 هذا كله مرفوع لا يجوز فيه إلا ذاك وإنما فصله من الباب الذي قبله أنك تريد: ههنا بيني وبينك فرسخان ولم ترد أنت في هذا المكان؛ لأن ذلك لا معنى له, فما كان في هذا المعنى فهذا مجراه نحو: أنت مني5 فوت اليد, ودعوة الرجل. قال سيبويه: وأما أنت مرأى ومسمع, فرفع لأنهم جعلوه الأول6, وبعض الناس ينصب مرأى ومسمعًا, فأما قولهم: داري من خلف دارك فرسخًا فانتصب فرسخ لأن ما خلف دارك الخبر وفرسخًا على جهة التمييز فإن شئت قلت: داري خلف دارك فرسخان تلغي "خلف". قال سيبويه: وزعم يونس: أن أبا عمرو7 كان يقول8 / 219: داري من خلف دارك

_ 1 الكتاب 1/ 206. 2 عدوة الفرس: أن تجعل ذلك مسافة ما بينك وبينه. 3 غلوة السهم: يقال غلا السهم نفسه إذا ارتفع في ذهابه وجاوز المدى، وكذلك الحجر، وكل مرماة من ذلك غلوة. 4 انظر الكتاب 1/ 206، قال سيبويه: ومن ذلك قول العرب: هو مني درج السيل، أي: مكان درج السيل من السيل، ويقال: رجع أدراجه أي: رجع في الطريق الذي جاء منه. 5 فوت اليد: يريد أنه يقرب ما بينه وبينه. 6 الكتاب جـ1/ 207. نص سيبويه: فإنما رفعوه لأنهم جعلوه هو الأول حتى صار بمنزلة قولهم: أنت مني قريب. 7 أبو عمرو: أبو عمرو بن العلاء اسمه: زبان بن العلاء التميمي المازني، كان من أكثر الناس علما بالعربية وغريبها، وبالقراءات، نحويا لغويا ثقة مرضيا، توفي سنة 154هـ، ترجمته في مراتب النحويين/ 13، وأخبار النحويين/ 22. 8 الكتاب 1/ 208.

فرسخان, شبهه: بدارك مني فرسخان. قال: وتقول في البعد زيد مني مناط الثريا, كما قال: وإنَّ بني حَرْبٍ كمَا قَد عَلِمْتُمُ ... مَناطَ الثُّريَّا قَد تَعَلَّت نُجُومُها1 واعلم: أنه لا يجوز: أنت مني مربط الفرس وموضع الحمار, لأن ذلك شيء غير معروف في تقريب ولا تبعيد, وجميع الظروف من الأمكنة خاصة تتضمن الجثث دون ظرف الأزمنة, تقول: زيد خلفَكَ والركب أمامَكَ والناس عندَكَ, وقد مضى تفسير هذا, ذلك أن تجعل الظروف من المكان مفعولات على السعة كما فعلت ذلك في الأزمنة.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 206 على نصب "مناط الثريا" على الظرفية ومناط الثريا: معلقها في السماء. وهو نطت الشيء أنوطه إذا علقته. بني حرب: آل سفيان بن حرب. يقول: هم في ارتفاع المنزلة وعلو المرتبة كالثريا إذا استعلت وصارت على قمة الرأس. والبيت للأحوص وهو بالخاء المعجمة والحاء المهملة، يمدح آل سفيان بن حرب. وقد نسبه ابن الشجري لعبد الرحمن بن حسان. وانظر: المقتضب: 4/ 243. وأمالي ابن الشجري 2/ 254 والمؤتلف والمختلف/ 47.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: وَسْطَ رأسه دهن, لأنك تخبر عن شيء فيه وليس به, هذا إذا أسكنت السين كان ظرفًا1, فإِنْ حركت السين فقلت: وسَطَ لم يكن ظرفًا تقول: وسط رأسه صلب فترفع؛ لأنك إنما تخبر عن بعض الرأس, فوسط إذا أردت به الشيء الذي هو اسمه وجعلته بمنزلة البعض فهو اسم وحركت/ 220 السين, وكان كسائر الأسماء وإذا أردت به الظرف وأسكنت

_ 1 قال المبرد: وتقول: وسط رأسك دهن يا فتى، لأنك أخبرت أنه استقر في ذلك الموضع فأسكنت السين ونصبت، لأنه ظرف، انظر: المقتضب 4/ 341. والكتاب 1/ 24.

السين: تقول: ضربت وَسْطَهُ, وَوَسْطَ الدار واسع, وهذا في وَسَط الكتاب, لأن ما كان معه حرف الجر فهو اسم بمنزلة زيد وعمرو. وأما قول الشاعر1: هَبَّتْ شَمالًا فذِكرى ما ذكرتُكُم ... عِنْدَ الصَّفَاةِ التي شرقيَّ حَوَرانَا فإنه جعل الصفاة في ذلك الموضع, ولو رفع الشرقي لكان جيدًا بجعل الصفاة هي الشرق بعينه, ونقول: زيد خلفك وهو الأجود. فإن جعلت زيدًا هو الخلف قلت: زيد خلفك فرفعت. وتقول: سير بزيد فرسخان يومين وإن شئت: فرسخين يومان, أي: ذلك أقمته مقام الفاعل على سعة الكلام وصلح. وتقول: ضربت زيدًا يوم الجمعة عندك ضربًا شديدًا, فالضرب مصدر, ويوم الجمعة ظرف من الزمان, وعندك ظرف من المكان, وقولك: شديدًا نعت للمصدر, ليقع فيه فائدة. فإذا بنيت الفعل لما لم يسم فاعله, رفعت زيدًا وأقررت/ 221 الكلام على ما هو عليه؛ لأنه لا سبيل إلى أن تجعل شيئًا من هذه التي ذكرنا من ظرف أو مصدر في مكان الفاعل, والاسم الصحيح معها, فإن أدخلت "شاغلًا" من حروف الإِضافة كنت مخيرًا بين هذه الأشياء وبينه. فإن شئت نصبت الظرف والمصدر وأقمت الاسم الذي

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 113، 201. على نصب "شرقي" على الظرف، إذ لا يسوغ هنا رفعه لحذف الضمير، ولو أظهر فقال: هي التي شرقي حورانا لجاز الرفع على الاتساع. ورواية سيبويه: هبت جنوبا. وصف أنه تغرب عن أهله ومن يحبه وصار في شق الشمال فكلما هبت الشمال ذكرهم لهبوبها من شقهم. وحوران: مدينة من مدن الشام. وأضمر الريح في "هبت" لدلالة الشمال عليها. وما زائدة مؤكدة، والتقدير: فذكرتكم ذكرى. والصفاة: الصخرة الملساء، وهي هنا موضع بعينه والبيت من قصيدة طويلة لجرير في هجاء الأخطل. وانظر: الكامل للمبرد/ 468. وشروح سقط الزند 3/ 1194، والديوان/ 596.

معه حرف الإِضافة مقام الفاعل, وإن شئت أقمت أحدها ذلك المقام, إذا كان متصرفًا في بابه, فإن كان بمنزلة عند وذات مرة, وما أشبه ذلك, لم يقم شيء منها مقام الفاعل, ولم يقع له ضمير كضمير المصادر, والظروف المتمكنة1, وأجود ذلك أن يقوم المتصرف من الظروف والمصادر مقام الفاعل إذا كان معرفة أو نكرة موصوفة, لأنك تقرب ذلك من الأسماء وتقول: سير على بعيرك فرسخان يوم الجمعة, فإن شئت نصبت "يوم الجمعة" على الظرف وهو الوجه, وإن شئت نصبته على أنه مفعول على السعة, كما رفعت الفرسخين على ذلك, وتقول: الفرسخان سير بزيد يوم الجمعة, فإن قدمت يوم الجمعة وهو/ 222 ظرف قلت: يوم الجمعة سير بزيد فيه فرسخان, وإن قدمت: يوم الجمعة على أنه مفعول قلت: يوم الجمعة سيرُه بزيد فرسخان, وإن قدمت يوم الجمعة والفرسخين ويوم الجمعة ظرف قلت: الفرسخان يوم الجمعة سيرا فيه بزيد, وإن جعلت يوم الجمعة مفعولًا قلت: سيراه. فإن أقمت يوم الجمعة مقام الفاعل قلت: الفرسخان يوم الجمعة سير بزيد فيهما, فإن جعلت الفرسخين مفعولين على السعة قلت: الفرسخان يوم الجمعة سيرهما بزيد, فإن زدت في المسألة خلفك قلت: سير بزيد فرسخان يوم الجمعة خلفك, فإذا قدمت الخلف مع تقديمك الفرسخين واليوم وأقمت الفرسخين مقام الفاعل, وجعلت الخلف واليوم ظرفين قلت: الفرسخان يوم الجمعة خلفك سيرا بزيد فيه فيه, وإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت: الفرسخان يوم الجمعة خلفك سيراه بزيد إياه, ترد أحد الضميرين المنصوبين إلى اليوم والآخر/ 223 إلى خلف, وأن لا تجعل الخلف مفعولًا ولا مرفوعًا أحسن؛ وذلك لأنه من الظروف المقاربة للإِبهام, وكذلك أمام ويمين وشمال فإذا

_ 1 الذي منعها من التمكن أنها لا تخص موضعا، ولا تكون إلا مضافة، فإذا قلت: جلست عند زيد - فإنما معناه الموضع الذي فيه زيد، فحيث انتقل زيد فذلك الموضع يقال له عند زيد.

قلت: عندك قام زيد فقيل لك أكن عن "عندك" لم يجز لأنك لا تقول: قمت في عندك فلذلك لم توقعه على ضمير وإنما دخلت "من" على "عند" من بين سائر حروف الجر, كما دخلت على "لدن"1. وقال أبو العباس: وإنما خصت "من" بذلك لأنها لابتداء الغاية2, فهي أصل حروف الإِضافة. واعلم: أنَّ الأشياءَ التي يسميها البصريونَ ظروفًا يسميها الكسائي صفة3, والفراء4 يسميها محال ويخلطون الأسماء بالحروف فيقولون: حروف الخفض: أمام وقدام وخلف وقبل وبعد وتلقاء وتجاه وحذاء وإزاء ووراء ممدودات. ومع وعن وفي وعلى ومن وإلى وبين ودون وعند وتحت وفوق وقباله وحيال وقبل وشطر وقرب ووسَطَ ووسْطَ ومِثل ومَثَلَ وسوى/ 224 وسواء ممدودة ومتى في معنى وَسْطَ والباء الزائدة والكاف الزائدة وحول وحوالي وأجْلٌ وإجلٌ وإجلىَ مقصورٌ وجَلَل5 وجِلالٌ في معناها وحذاء ممدود ومقصور وبَدْل وَبَدلٌ ورئِد

_ 1 قد ورد دخول "من" على لدن وعند في قوله تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} . 2 انظر المقتضب 1/ 44 وجـ4/ 136. 3 ويعني بها الكوفيون: الظرف الذي يطلقه البصريون على نحو: أمام وخلف، ويمين، وشمال وغيرها من ظروف المكان، وعلى نحو: يوم، وليلة وقبل، وبعد من ظروف الزمان، ومجافاة الكوفيين للتأثر بالفلسفة ظاهرة في هذا المصطلح فلم تعرف العربية كلمة، "الظرف" بهذا المعنى لأن الظروف فيها هو الوعاء. واعتبار مدلولات هذه الألفاظ أوعية للموجودات غني بالتأثر الفلسفي، وانظر الإنصاف مسألة 60. ومفاتيح العلوم/ 35. 4 الفراء: هو أبو زكريا يحيى بن زياد، أخذ عن الكسائي، وكان فقيها عالما في النحو واللغة، مات سنة "207هـ". ترجمته في نزهة الألباء/ 134 ومعجم الأدباء جـ2/ 9. 5 جلل، وجلال: جمع جلة وهي القفة الكبيرة.

وهو القرنُ ومكانُ, وقُرابُ, وَلدة1, وشبهَ وخدن2, وقرن, وقرْن, وميتاء3, وميداء والمعنى واحد ممدود ومنا4 مقصورٌ بمنزلة حذاء ولدى, فيخلطون الحروف بالأسماء, والشاذ بالشائع, وقد تقدم تبيين الفرق بين الاسم والحرف, وبين الشاذ والمستعمل, فإذا كان الظرف غير محل للأسماء سماه الكوفيون الصفة الناقصة وجعله البصريون لغوًا5 ولم يجز في الخبر إلا الرفع, وذلك قولك: فيك عبد الله راغب, ومنك أخواك هاربان, وإليك قومك قاصدون؛ لأن "منك وفيك وإليك" في هذه المسائل لا تكون محلا6 ولا يتم بها الكلام, وقد أجاز الكوفيون: فيك راغبًا عبد الله, شبهها الفراء/ 255 بالصفة التامة لتقدم "راغب" على عبد الله. وذهب الكسائي إلى أن المعنى: فيك رغبةً عبد الله. واستضعفوا أن يقولوا: فيكَ عبدُ الله راغبًا, وقد أنشدوا بيتًا جاءَ فيهِ مثلُ هذا منصوبًا في التأخير: فَلاَ تَلْحَنيِ فِيهَا فإنَّ بِحُبِّها ... أَخَاكَ مُصَابَ القَلبِ جَمًا بلابِلهُ7

_ 1 لدة: الترب وهو الذي تربى معك. 2 الخدن: الحبيب والصاحب، للمذكر والمؤنث. والجمع أخدان. 3 ميداء وميتاء: ميداء الشيء قياسه ومبلغه، ويقال: هذا ميداء ذاك وبميدائه, أي: بحذائه. 4 المن: لغة في المنا الذي يوزن، والمن والمنا: هو رطلان: وقال ابن بري: والمن أيضا الفترة. 5 اللغو: ما كان فضلة، وسمي لغوا لأنه لو حذف لكان الكلام مستغنيا عنه لا حاجة إليه. 6 لأن الخبر هنا محذوف، والاستقرار أو مستقر حذف اختصارا. 7 من شواهد سيبويه 1/ 280 على جواز تقديم معمول خبر "إن" على اسمها إذا كان مجرورا، والظرف يساويه في ذلك. ورواية "جم" بالرفع. وتلحني: يقال: لحيت الرجل إذا لمته. والجم الكثير، والبلابل: الأحزان وشغل البال. واحدها: بلبال، يقول: لا تلمني في حب هذه المرأة فقد أصيب قلبي بها واستولى عليه حبها فالعذل لا يصرفني عنها. ولا ينسب هذا البيت لقائل معين وانظر شرح السيرافي 3/ 5. والمغني 2/ 773 تحقيق الدكتور مازن المبارك: وابن عقيل جـ1/ 137. والهمع جـ1/ 135.

فنصب "مصاب القلب" على التشبيه بقولك: إن بالباب أخاك واقفًا, وتقول: في الدار عبد الله قائمًا, فتعيد "فيها" توكيدًا ويجوز أن ترفع "قائمًا" فتقول: في الدار عبد الله قائم فيها, ولا يجيز الكوفيون الرفع قالوا: لأن الفعل لا يوصف بصفتين متفقتين, لأنك لو قلت: عبد الله قائم في الدار فيها, لم يكنْ يحسنُ أنْ تكرَر "في" مرتين بمعنى. وهذا الذي اعتلوا به لازم في النصب, لأنه قد أعاد "في" والتأكيد إنما هو إعادة للكلمة, أو ما كان في معناها, فإن استقبح التكرير سقط التأكيد ويجيزون في قولك: عبد الله في الدار قائم في البيت, الرفع والنصب لاختلاف/ 226 الصفتين وتقول: له عليَّ عشرون درهمًا فلك أن تجعل "له" الخبر ولك أن تجعل "عليَّ" الخبر. وتلغي أيما شئتَ.

شرح الرابع من المنصوبات وهو المفعول له

شرح الرابع من المنصوبات: وهو المفعول له. اعلم: أن المفعول له لا يكون إلا مصدرًا, ولكن العامل فيه فعل غير مشتق منه, وإنما يذكر لأنه عذر لوقوع الأمر1 نحو قولك: فعلت ذاك حذار الشر وجئتك مخافة فلان "فجئتك" غير مشتق من "مخافة" فليس انتصابه هنا انتصاب المصدر بفعله الذي هو مشتق منه نحو "خفتك" مأخوذة من مخافة وجئتك ليست مأخوذة من مخافة, فلما كان ليس منه أشبه المفعول به الذي ليس بينه وبين الفعل نسب. قال سيبويه: إن هذا كله ينتصب لأنه مفعول له كأنه قيل له: لِمَ فعلتَ

_ 1 الكتاب 1/ 184 قال سيبويه: هذا باب: ما ينتصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر فانتصب لأنه موقوع له ولأنه تفسير لما قبله لِمَ كان، وليس بصفة لما قبله، ولا منه فانتصب كما انتصب الدرهم في قولك: عشرون درهما, وذلك قولك: فعلت ذاك حذار الشر. وفعلت ذاك مخافة فلان وادخار فلان.

كذا وكذا؟ فقال: لِكَذا وكذا, ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله1, ومن ذلك: فعلت ذاك أجل كذا وكذا وصنعت ذلك ادخار فلان, قال حاتم2: / 227. "وأَغْفِرُ عُوْرَاءَ الكَرِيمِ ادِّخَارَهُ ... وأَصْفَحُ عَنْ شَتْمِ اللَّئيمِ تَكَرُّمَا3 وقال الحرث بن هُشام: فَصفُحْتُ عَنْهُم والأَحِبَّةُ فِيهِمُ ... طَمَعًَا لهَم بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفسدٍ4 وقال النابغة: وحَلَّتْ بُيوتي في يَفَاعٍ مُمنَّعٍ ... يُخَالُ بِه راعي الحمولةِ طَائرا حِذارًا عَلَى أنْ لا تُصَابَ مقَادتي ... ولا نِسوتي حَتَّى يَمُتْنَ حَرائَرا5

_ 1 انظر الكتاب 1/ 185-186. 2 انظر الكتاب 2/ 184 "ونص سيبويه": وفعلت ذاك مخافة فلان وادخار فلان. 3 من شواهد سيبويه جـ1/ 184 و464 "على نصب" الادخار والتكرم على المفعول له. والتقدير: لادخاره وللتكرم. فحذف حرف الجر ووصل الفعل ونصب. والعوراء: الكلمة القبيحة أو الفعلة. يقول: إذا جهل على الكريم احتملت جهلة إبقاء عليه وإدخارا له، وإن سبني اللئيم أعرضت عن شتمه إكراما لنفسي. وانظر: المقتضب 2/ 348. والكامل/ 165. وشرح السيرافي 2/ 109، والنوادر/ 110، ومعاني القرآن 2/ 5. وشروح سقط الزند/ 619، وابن يعيش 2/ 54، وديوان حاتم/ 108. 4 من شواهد سيبويه جـ1/ 185 "على نصب" طمعا. على المفعول له. يقول هذا معتذرا من فراره يوم قتل أبو جهل أخاه ببدر، وهو من أحسن الاعتذار فيما يأتيه الرجل من قبيح الفعل، أي: لم أفر جبنا ولم أصفح عنهم خوفا وضعفا. ولكن طمعا في أن أعدلهم وأعاقبهم بيوم أوقع بهم فيه فتفسد أحوالهم. انظر: شرح السيرافي 2/ 310 وابن يعيش 2/ 89. 5 من شواهد سيبويه 1/ 185 "على نصب" حذارا على المفعول له. اليفاع: ما ارتفع من الأرض. والحرائر: جمع حرة على غير قياس وقيل: واحدتها حريرة بمعنى حرة وهو غريب. والحمولة: الإبل التي قد أطاقت الحمل. يقول: من أجل حذاري أن تصاب مقادتي: أي: لئلا أقاد إليك أنا ونسوتي نزلت هذا الجبل. والبيتان من قصيدة للنابغة الذبياني يقولها للنعمان وكان واجدا عليه. وانظر: شرح السيرافي 2/ 110 وشرح ابن يعيش جـ2/ 54، والتهذيب للأزهري جـ5/ 91، والديوان/ 40.

وقال العجاج: يَركَبُ كُلُّ عَاقِرٍ جُمهْورِ ... مَخافَةً وزَعَلَ المَحبْورِ1 يصف ثور الوحش, والعاقر هنا: الرملة التي لا تنبت أي: يركب هذا الثور كل عاقر مخافة الرماة, والزعل: النشاط, أي: يركب خوفًا ونشاطًا, والمحبور: المسرور. واعلم: أن هذا المصدر الذي ينتصب لأنه مفعول له يكون معرفة ويكون نكرة كشعر حاتم, ولا يصلح أن يكون حالًا كما تقول: جئتك مشيًا لا يجوز أن تقول: جئتك خوفًا تريد: خائفًا وأنت تريد معنى للخوف, ومن أجل الخوف, وإنما يجوز: جئتك خوفًا, إذا أردت الحال فقط, أي: جئتك في حال خوفي, أي: خائفًا ولا يجوز أيضًا في هذا المصدر الذي تنصبه نصب المفعول له أن تقيمه مقام ما لم يسم فاعله/ 228. قال أبو العباس -رحمه الله: أبو عمر2 يذهب إلى أنه ما جاء في معنى لـ"كذا" لا يقوم مقام الفاعل, ولو قام مقام الفاعل لجاز: سير عليه مخافة الشر, فلو جاز: سير فيه المخافة لم يكن إلا رفعًا فكان مخافة وما أشبهه لم يجئ إلا نكرة

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 185 على نصب "مخافة" وزعل وعلى أنهما مفعولان لأجله وهذا رجز للعجاج. وانظر شرح السيرافي 2/ 110، والتمام في تفسير أشعار هذيل: 89 والاقتضاب للبطلوسي: 220، وابن يعيش 3/ 54. والخزانة 1/ 488، وديوان العجاج/ 28. 2 أي: الجرمي: وقد مرت ترجمته/ 116. من الأصل.

فأشبه مع خرج مخرج مع لا يقوم مقام الفاعل نحو: الحال والتمييز, ولو جاز لما أشبه "مخافة الشر" أن يقوم مقام الفاعل لجاز سير "بزيد راكب" فأقمت "راكبًا" مقام الفاعل, ومخافة الشر وإن أضفته إلى معرفةٍ فهو بمنزلةِ "مثلِكَ" وغيركَ وضارب زيد غدًا نكرة. قال أبو بكر: وقرأت بخط أبي العباس في كتابه: أخطأ الرياشي1 في قوله: مخافة الشر ونحوه "حال" أقبح الخطأ لأن باب لـ"كذا" يكون معرفة ونكرة, وهذا خلاف قول سيبويه, لأن سيبويه بجعله معرفة ونكرة إذا لم تضفه أو تدخله الألف2 / 229, واللام كمجراه في سائر الكلام, لأنه لا يكون حالًا قال سيبويه: حسن فيه الألف واللام, لأنه ليس بحال فيكون في موضع فاعل حالًا, وأنه لا يبتدأ به ولا يبنى على مبتدأ3, لأنه عنده تفسير لما قبله وليس منه. وأنه انتصب كما انتصب الدرهم في قولك عشرون درهمًا.

_ 1 أبو العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشي مولى محمد بن سليمان بن علي، قرأ على المازني، وكان عالما بالرواية، واللغة والشعر. مات سنة "257هـ" ترجمته في إنباه الرواة 2/ 368، المنتظم 5/ 5-6 وبغية الوعاة 275 وإشارة التعيين ورقة "23". 2 الكتاب 1/ 184-185. 3 الكتاب 1/ 186 وجـ1/ 184.

شرح الخامس وهو المفعول معه

شرح الخامس: وهو المفعول معه. اعلم: أن الفعل إنما يعمل في هذا الباب في المفعول بتوسط الواو1, والواو هي التي دلت على معنى "مع" لأنها لا تكون في العطف بمعنى "مع" وهي ههنا لا تكون إذا عمل الفعل فيما بعدها إلا بمعنى "مع" ألزمت ذلك, ولو كانت عاملة كان حقها أن تخفض. فلما لم تكن من الحروف التي تعمل في الأسماء, ولا في الأفعال وكانت تدخل على الأسماء والأفعال وصل الفعل إلى ما بعدها فعمل فيه. وكان مع ذلك أنها في العطف لا تمنع الفعل الذي قبلها أن يعمل فيما بعدها/ 230 فاستجازوا في هذا الباب إعمال الفعل ما بعدها في الأسماء وإن لم يكن قبلها ما

_ 1 هذا مذهب سيبويه انظر الكتاب 1/ 105.

يعطف عليه وذلك قولهم: ما صنعت وأباك, ولو تركت الناقة وفصيلَها لرضعها. قال سيبويه: إنما أردت: ما صنعت مع أبيك, ولو تركت الناقة مع فصيلها والفصيل مفعول معه. والأب كذلك والواو لم تغير المعنى. ولكنها تعمل في الاسم ما قبلها. ومثل ذلك: ما زلت وزيدًا, أي: ما زلت بزيد حتى فَعَلَ فهو مفعول به1 فقد عمل ما قبل الواو, فيما بعدها والمعنى معنى الباء, ومعنى "مع" أيضا يصلح في هذه المسألة, لأن الباء يقرب معناها من معنى "مع"2 إذ كانت الباء معناها الملاصقة للشيء, ومعنى "مع" المصاحبة ومن ذلك: ما زلت أسير والنيل واستوى الماء, والخشبة أي: مع الخشبة وبالخشبة وجاء البرد والطيالسة, أي: مع الطيالسة وأنشد سيبويه: وكُوُنُوا أَنْتُمُ وَبَني أَبِيكُمْ ... مَكَانَ الكُلْيَتيْن مِنَ الطَّحَالِ3

_ 1 الكتاب جـ1/ 150. قال: وما زلت أسير والنيل، أي: مع النيل، واستوى الماء والخشبة، أي: بالخشبة، وجاء البرد والطيالسة، أي: مع الطيالسة. 2 تكون الباء بمعنى "مع" وهي التي يقال لها باء المصاحبة، نحو: دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واشترى الدار بآلاتها. قيل: ولا تكون بهذا المعنى إلا مستقرا أي: كائنين بالكفر وكائنة بالآتها، والظاهر لا مانع من كونها لغوا، ومن ذلك قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} ، أي: انزل مع سلام، والفرق بينها وبين الإلصاق، أن الإلصاق يستلزم المصاحبة من غير عكس. وانظر: شرح التصريح 2/ 12، وتحفة الإخوان 16. 3 من شواهد سيبويه 1/ 150 على أرجحية النصب على المعية، لأن العطف حسن من جهة اللفظ وفيه تكلف من جهة المعنى، لأن المراد: كونوا لبني أبيكم، فالمخاطبون هم المأمورون، فإذا عطفت كان التقدير: كونوا لبني أبيكم وليكن بنو أبيكم لكم، وذلك خلاف المقصود قال العيني: قوله: وبني أبيكم أراد بهم الإخوة والمعنى: كونوا أنتم مع إخوتكم متوافقين متصلين اتصال بعضكم ببعض كاتصال الكليتين وقربهما من الطحال. وأراد الشاعر بهذا الحث على الائتلاف والتقارب في المذهب. وضرب لهم مثلا بقرب الكليتين من الطحال. ولم ينسب هذا البيت لقائل معين. وانظر: مجالس ثعلب/ 25، وشرح السيرافي 2/ 79، والمفصل للزمخشري 56، وابن يعيش 2/ 48، والعيني 3/ 102.

وقال كعيب بنُ جعيل: فَكانَ وإيَّاهَا كَحَرَّانَ لَمْ يُفِقْ ... عَنِ الماءِ إذ لاقاهُ حَتَّى تقدَّدا1 قال: وإن قلت: ما صنعت أنت وأبوك, جاز لكل الرفع والنصب, لأنك أكدت التاء التي هي اسمك بأنت. وقبيح أن تقول: ما صنعت وأبوك, فتعطف على التاء, وإنما قبح لأنك قد بنيتها مع الفعل, وأسكنت لها ما كان في الفعل متحركًا, وهو لام الفعل فإذا عطفت عليها فكأنك عطفت على الفعل وهو على قبحه يجوز, وكذلك لو قلت: اذهب وأخوك كان قبيحًا حتى تقول: أنت, لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر. فقد دلك استقباحهم العطف على المضمرات الاسم ليس بمعطوف على ما قبله في قولهم: ما صنعت وأباك. ومما يدلك على أن هذا الباب كان حقه خفض المفعول بحرف جر أنك تجد الأفعال التي لا تتعدى, والأفعال التي قد تعدت إلى مفعولاتها/ 232 جميعًا, فاستوفت ما لها تتعدى إليه فتقول: استوى الماء والخشبة وجاء البرد والطيالسة, فلولا توسط الواو وإنها في معنى حرف الجر لم يجز, ولكن الحرف لما كان غير عامل عمل الفعل فيما بعدها, ولا يجوز التقديم للمفعول في هذا الباب لا تقول: والخشبة استوى الماء, لأن الواو أصلها أن تكون للعطف وحق المعطوف أن يكون بعد العطف عليه, كما أن حق الصفة أن تكون بعد الموصوف وقد أخرجت الواو في هذا الباب عن حدها ومن شأنهم إذا أخرجوا

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 150، على قوله: "إياها" والمعنى: فكان معها، يقول: كان غرضا إليها فلما لقيها قتله الحب سرورا بها فكان كالحران وهو الشديد العطش أمكنه الماء وهو بآخر رمق، فلم يفق عنه حتى انقد بطنه، أي: انشق، يقال: قددت الأديم إذا شققته وهذا مثل.

الشيء عن حده الذي كان له الزموه حالًا واحدة, وسنفرد فصلًا في هذا الكتاب لذكر التقديم والتأخير وما يحسن منه ويجوز وما يقبح ولا يجوز إن شاء الله1. وهذا الباب, والباب الذي قبله أعني: بابي المفعول له والمفعول معه, كان حقهما أن لا يفارقهما حرف الجر, ولكنه حذف فيهما ولم يجريا/ 233 مجرى الظروف في التصرف في الإِعراب, وفي إقامتها مقام الفاعل فيدلك ترك العرب لذلك أنهما بابان وضعا في2 غير موضعهما, وأن ذلك اتساع منهم فيهما؛ لأن المفعولات التي تقدم ذكرها وجدناها كلها تقدم وتؤخر وتقام مقام الفاعل وتبتدأ ويخبر عنها إلا أشياء منها مخصوصة. وقد تقدم تبييننا إياها في مواضعها. ويفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله أن باب المفعول له إذا قلت: جئتك طلب الخير إن في "جئتك" دليلًا على أن ذلك لشيء. وإذا قلت: ما صنعت وأباك فليس في "صنعت" دليل على أن ذلك مع شيء, لأن لكل فاعل غرضًا له فعل ذلك الفعل وليس لكل فاعل مصاحب لا بد منه, ولا يجوز حذف الواو في ما صنعت وأباك كما جاز حذف اللام في قولك: فعلت ذاك حذار الشر تريد: لحذار الشر, لأن حذف اللام لا يلبس وحذف/ 234 الواو يلبس. ألا ترى أنك لو قلت: ما صنعت أباك صار الأب مفعولًا به.

_ 1 سوفي يذكر هذا الباب في أول الجزء الثاني من هذا الكتاب، وهو باب التقديم والتأخير 3/ 71 من الأصل. 2 أضفت كلمة "في" لأن المعنى يقتضيها.

القسم الثاني من الضرب الأول من المنصوبات وهو المشبه بالمفعول

القسم الثاني من الضرب الأول من المنصوبات: وهو المشبه بالمفعول. المشبه بالمفعول ينقسم على قسمين: فالقسم الأول قد يكون فيه المنصوب في اللفظ هو المرفوع في المعنى. والقسم الثاني: ما يكون المنصوب في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع.

ذكر ما كان المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى: هذا النوع ينقسم على ثلاثة أضرب: فمنه ما العامل فيه فعل حقيقي, ومنه ما العامل فيه شيء على وزن الفعل, ويتصرف تصرفه وليس بفعل في الحقيقة, ومنه ما العامل فيه حرف جامد غير متصرف. ذكر ما شبه بالمفعول والعالم فيه فعل حقيقي: وهو صنفان يسميها النحويون الحال والتمييز: فأما الذي يسمونه الحال فنحو قولك: جاء عبد الله راكبًا, وقام أخوك منتصبًا, وجلس بكر متكئًا1. فعبد الله مرتفع "بجاء" والمعنى: جاء عبد الله في هذه الحال, وراكب/ 235 منتصب لشبهه بالمفعول, لأنه جيء به بعد تمام الكلام واستغناء الفاعل بفعله, وإن في الفعل دليلًا عليه كما كان فيه دليل على المفعول, ألا ترى أنك إذا قلت: قمت فلا بد من أن يكون قد قمت على حال من أحوال الفعل فأشبه: جاء عبد الله راكبًا. ضرب عبد الله رجلًا وراكب, هو عبد الله, ليس هو غيره, وجاء وقام فعل حقيقي تقول: جاء يجيء, وهو جاء, وقام يقوم وهو قائم, والحال تعرفها, وتعتبرها بإدخال "كيف" على الفعل والفاعل تقول: كيف جاء عبد الله فيكون الجواب: راكبًا وإنما سميت الحال, لأنه لا يجوز أن يكون اسم الفاعل فيها إلا لما أنت فيه تطاول الوقت أو قصر. ولا يجوز أن يكون لما مضى وانقطع ولا لما لم يأت من الأفعال ويبتدأ بها. والحال إنما هي هيئة الفاعل أو المفعول أو صفته في وقت ذلك الفعل المخبر به عنه, ولا يجوز أن تكون تلك الصفة إلا صفةً متصفة/ 236 غير ملازمة. ولا يجوز أن تكون خلقة, لا يجوز أن تقول: جاءني زيد أحمر ولا

_ 1 في الأصل متمكنا، وهو تحريف أثناء النسخ.

أخوك ولا جاءني عمرو طويلًا, فإن قلت: متطاولًا أو متحاولًا جاز, لأن ذلك شيء يفعله وليس بخلقة. ولا تكون الحال إلا نكرة لأنها زيادة في الخبر والفائدة, وإنما تفيد السائل والمحدث غير ما يعرف, فإن أدخلت الألف واللام صارت صفة للاسم المعرفة وفرقًا بينه وبين غيره, والفرق بين الحال وبين الصفة تفرق بين اسمين مشتركين في اللفظ والحال زيادة في الفائدة والخبر, وإن لم يكن للاسم مشارك في لفظه. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد القائم فأنت لا تقول ذلك إلا وفي الناس رجل آخر اسمه زيد وهو غير قائم ففصلت بالقائم بينه وبين من له هذا الاسم وليس بقائم. وتقول: مررت بالفرزدق قائمًا وإن لم يكن أحد اسمه الفرزدق غيره فقولك: قائمًا إنما ضممت به إلى الأخبار/ 237 بالمرور خبرًا آخر متصلًا به مفيدًا. فهذا فرق ما بين الصفة والحال, وهو أن الصفة لا تكون إلا لاسم مشترك فيه لمعنيين أو لمعان, والحال قد تكون للاسم المشترك والاسم المفرد, وكذلك الأمر في النكرة إذا قلت: جاءني رجل من أصحابك راكبًا إذا أردت الزيادة في الفائدة والخبر وإن أردت الصفة خفضت فقلت: مررت برجل من أصحابك راكب, وقبيح أن تكون الحال من نكرة, لأنه كالخبر عن النكرة والإِخبار عن النكرات لا فائدة فيها إلا بما قدمنا ذكره في هذا الكتاب فمتى كان في الكلام فائدة فهو جائز في الحال كما جاز في الخبر, وإذا وصفت النكرة بشيء قربتها من المعرفة وحسن الكلام. تقول: جاءني رجل من بني تميم راكبًا. وما أشبه ذلك. واعلم: أن الحال يجوز أن تكون من المفعول كما تكون من الفاعل تقول: ضربت زيدًا قائمًا فتجعل قائمًا لزيد. ويجوز أن تكون/ 238 الحال من التاء في "ضربتُ" إلا أنك إذا أزلت الحال عن صاحبها فلم تلاصقه لم يجز ذلك إلا أن يكون السامع يعلمه كما تعلمه أنت, فإن كان غير معلوم لم يجز وتكون الحال من المجرور كما تكون من المنصوب إن كان العامل في الموضع فعلًا فتقول: مررت بزيد راكبًا, فإن كان الفعل لا يصل إلا بحرف جر لم يجز أن تقدم الحال على

المجرور إذا كانت له فتقول: مررت راكبًا بزيد إذا كان "راكبًا" حالًا لك وإن كان لزيدٍ لَمْ يجز لأن العامل في "زيد" الباءُ فلمَّا كانَ الفِعْل لا يصلُ إلى زيدٍ إلا بحرفِ جر لم يجز أن يعمل في حالِه قبل ذكر الحرف. والبصريون يجيزون تقديم الحال على الفاعل والمفعول والمكنى والظاهر إذا كان العامل فعلًا1, يقولون: جاءني راكبًا أخوك وراكبًا جاءني أخوك وضربت زيدًا راكبًا وراكبًا ضربت زيدًا فإن كان العامل معنى. لم يجز تقديم الحال تقول: زيد فيها/ 239 قائمًا فالعامل في "قائم" معنى الفعل لأن الفعل غير موجود. ولا يجوز أن تقول: قائمًا زيد فيها ولا زيدٌ قائمًا فيها. والكوفيون لا يقدمون الحال في أول الكلام؛ لأن فيها ذكرًا من الأسماء فإن كانت لمكنى جاز تقديمها2, فيشبهها البصريون بنصب التمييز ويُشَبّهها الكسائي بالوقت. وقال الفراء: هي بتأويل جزاء وكان الكسائي يقول: رأيت زيدًا ظريفًا,

_ 1 قال المبرد: وإذا كان العامل في الحال فعلا، صلح تقديمها وتأخيرها, لتصريف العامل فيها، فقلت: جاء زيد راكبا، وراكبا جاء زيد، وجاء راكبا زيد. قال الله عز وجل: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} . انظر المقتضب 4/ 300. وذكر ابن هشام: أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلا متصرفا، أو وصفا يشبهه نحو: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} وقوله: عدس ما لعباد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق أي: وهذا طليق محمولا لك. المغني 2/ 462. 2 يذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيها مع الاسم الظاهر -أي: إذا كان صاحب الحال- الذي هو الفاعل للفعل مثلا اسما ظاهرا نحو: راكبا جاء زيد، ويجوز مع المضمر نحو: راكبا جئت، وذلك لأنه يؤدي إلى تقديم المضمر على المظهر. ألا ترى. أنك إذا قلت: راكبا جاء زيد كان في "راكبا" ضمير زيد وقد تقدم عليه، وتقديم المضمر على المظهر لا يجوز. الإنصاف 1/ 143.

فينصب "ظريفًا" على القطع, ومعنى القطع أن يكون أراد النعت, فلما كان ما قبله معرفة وهو نكرة انقطع منه وخالفه. واعلم: أنه يجوز لك أن تقيم الفعل مقام اسم الفاعل في هذا الباب إذا كان في معناه وكنت إنما تريد به الحال المصاحبة للفعل, تقول: جاءني زيد يضحك أي: ضاحكًا. وضربت زيدًا يقوم وإنما يقع من الأفعال في هذا الموضع ما كان للحاضر من الزمان. فأما المستقبل والماضي فلا يجوز إلا أن تدخل "قد" على الماضي فيصلح حينئذ/ 240 أن يكون حالًا, تقول: رأيت زيدًا قد ركب أي: راكبًا إلا أنك إنما تأتي "بقد" في هذا الموضع إذا كان ركوبه متوقعًا فتأتي "بقد" ليعلم أنه قد ابتدأ بالفعل, ومر منه جزء والحال معلوم منها أنها تتطاول فإنما صلح الماضي هنا لاتصاله بالحاضر فأغنى عنه ولولا ذلك لم يجز فمتى رأيت فعلًا ماضيًا قد وقع موقع الحال, فهذا تأويله ولا بد من أن يكون معه "قَدْ" إما ظاهرةً1, وإما مضمرةً لتؤذَن بابتداء الفعلِ الذي كان متوقعًا.

_ 1 في الأصل "ظاهرا".

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: زيد في الدار قائمًا. فتنصب "قائمًا" بمعنى الفعل الذي وقع في الدار, لأن المعنى: استقر زيد في الدار, فإن جعلت في الدار للقيام ولم تجعله لزيد قلت: زيد في الدار قائم, لأنك إنما أردت: زيد قائم في الدار, فجعلت: "قائمًا" خبرًا عن زيد وجعلت: "في الدار" ظرفًا لقائم فمن قال هذا قال: إن زيدًا في الدار قائم ومن قال: الأول قال: إن زيدًا في الدار/ 241 قائمًا, فيكون: "في الدار" الخبر ثم خَبَّرَ على أي حال وقع استقراره في الدار, ونظير ذلك قوله

تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ} 1, فالخبر قوله: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون} و {آخِذِينَ} : حال وقال عز وجل: {وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} 2, لأن المعنى: وهم خالدون في النار, فخالدون: الخبر و "فِي النَّارِ": ظرف للخلود. وتقول: جاء راكبًا زيد كما تقول: ضرب عمرًا زيد, وراكبًا جاء زيد, كما تقول: عمرًا ضرب زيد, وقائمًا زيدًا رأيتُ كما تقولُ: الدرهمُ زيدًا أعطيت, وضربتُ قائمًا زيدًا. قال أبو العباس3: وقول الله تعالى عندنا: على تقدير الحال, والله أعلم وذلك قوله: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} 4, وكذلك هذا البيت: مُزِبْدًا يَخْطُر ما لَمْ يَرَني ... وإذَا يَخلوُ لَهُ لحمي رَتَعْ5

_ 1 الذاريات: 15. 2 التوبة: 17. 3 انظر المقتضب 4/ 168، وقول الله -عز وجل- عندنا: على تقديم الحال -والله أعلم- وذلك: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} . 4 القمر: 7، في البحر المحيط 8/ 175 انتصب: "خشعا" على الحال من ضمير "يخرجون" والعامل فيه "يخرجون" لأنه فعل متصرف وفي هذا دليل على بطلان مذهب الجرمي، لأنه لا يجيز تقديم الحال على الفعل وإن كان متصرفا، وقد قالت العرب: شتى تئوب الحلبة: وقيل: هو حال من الضمير المجرور في "عنهم" من قوله: "فتول عنهم". وقيل: مفعول: "بيدع" وفيه بعد. 5 الشاهد فيه نصب "مزبدا" على الحال مع تقدمه على عامله ومزبدا: من أزبد الجمل: إذا ظهر الزبد على مشافره وقت هياجه. ويخطر من الخطر -بسكون الطاء وهو ضرب الفحل بذنبه إذا هاج. والبيت من قصيدة من المفضلية "40" وهي من أغلى الشعر وأنفسه، لسويد بن كاهل اليشكري/ 191-202 وفي شرحها للأنباري/ 381-409. والبيت في الأصول، وفي المقتضب 4/ 170، مركب من بيتين، وروايتهما: مزبد يخطر ما لم يرني ... فإذا أسمعته صوتي انقمع ويحييني إذا لاقيته ... وإذا يخلو له لحمي رتع والرواية: برفع "مزبد" في المفضليات والشعر والشعراء 1/ 421، وطبقات الشعراء 35، والأغاني 11/ 165، واللآلي: 313، والإصابة لابن حجر 3/ 173، والتهذيب 5/ 104 وروايته: وإذا أمكنه لحمي رتع.

قال: ومن كلام العرب: رأيت زيدًا مصعدًا منحدرًا, ورأيتُ/ 242 زيدًا ماشيًا راكبًا1 إذا كان أحدُهما ماشيًا والآخر راكبًا وأحدكما مصعدًا والآخر منحدرًا. تعني أنك إذا قلت: رأيت زيدًا مصعدًا منحدرًا أن تكون أنت المصعد وزيد المنحدر فيكون "مصعدًا" حالًا للتاء و"منحدرًا" حالًا لزيد وكيف قدرت بعد أن يعلم السامع من المصعد ومن المنحدر جاز وتقول: هذا زيد قائمًا وذاك عبد الله راكبًا فالعاملُ معنى الفعل وهو التنبيه كأنك قلت: أنتبه له راكبًا وإذا قلت: ذاك زيد قائمًا فإنما ذاك للإِشارة كأنك قلت: أشير لك إليه راكبًا ولا يجوز أن يعمل في الحال إلا فعل أو شيء في معنى الفعل لأنها كالمفعول فيها2, وفي كتاب الله: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} 3. ولو قلت: زيد أخوك قائمًا وعبد الله أبوك ضاحكًا/ 243 كان غير جائز. وذلك أنه ليس ههنا فعل ولا معنى فعل ولا يستقيم أن يكون أباه أو أخاه من النسب في حال ولا يكون أباه أو أخاه في أخرى4, ولكنك إن قلت: زيدٌ أخوك قائمًا فأردت: أخاه من الصداقة جاز, لأن فيه معنى فعل كأنك قلت: زيد يؤاخيك قائمًا فإذا كان العامل غير فعل ولكن شيء في معناه لم تقدم الحال على العامل لأن هذا لا يعمل مثله في المفعول وذلك

_ 1 انظر المقتضب 4/ 169. 2 انظر الكتاب 1/ 256. باب ما ينتصب لأنه خبر للمصروف. 3 هود: 72 وقرئ في الشواذ: شيخ بالرفع - الإتحاف/ 259 وانظر الكتاب 1/ 258. 4 في المقتضب 4/ 168: "ولا يستقيم أن يكون أباه في حال، ولا يكون أباه في حال أخرى".

قولك: زيدٌ في الدار قائمًا لا تقول: زيدٌ قائمًا في الدار1, وتقول: هذا قائمًا حسن, ولا تقول: قائمًا هذا حسن2, وتقول: رأيت زيدًا ضاربًا عمرًا, وأنت تريد رؤية العين ثم تقدم الحال فتقول: ضاربًا عمرًا رأيت زيدًا, وتقول: أقبل عبد الله شاتمًا أخاه ثم تقدم الحال فتقول: شاتمًا أخاه أقبل عبد الله, وقوم يجيزون: ضربت يقوم زيدًا, ولا يجيزون: ضربت قائمًا/ 244 زيدًا إلا وقائم حال من التاء. لأن "قائمًا" يلبس ولا يعلم أهو حال من التاء أم من زيد, والفعل يبين فيه لمن الحال. والإِلباس متى وقع لم يجز, لأن الكلام وضع للإِبانة إلا أن هذه المسألة إن علم السامع من القائم جاز التقديم كما ذكرنا فيما تقدم تقول: جاءني زيد فرسك راكبًا, وجاءني زيدٌ فيك راغبًا وتقول: فيها قائمين أخواك تنصب "قائمين" على الحال ولا يجوز التقديم لما أخبرتك ولا يجوز: جالسًا مررت بزيد3, لأن العامل الباء وقد بنيته فيما مضى, ومحال أن يكون: "جالس" حالًا من التاء, لأن المرور يناقض الجلوس إلا أن يكون محمولًا في قبة أو سفينة, وما أشبه ذلك تقول: لقي عبد الله زيدًا راكبين ولا يجوز أن تقول: الراكبان ولا الراكبين وأنت تريد النعت, وذلك لاختلاف إعراب المنعوتين, فاعلم.

_ 1 لا يجوز هذا إلا برفع "قائم"، لأنك جعلت في "الدار" للقيام، ولم تجعله لزيد لأنك إنما أردت: زيد قائم في الدار. فجعلت: "قائما" خبرا عن زيد وجعلت: "في الدار" ظرفا لقائم. 2 انظر الكتاب 1/ 277. 3 جالسا مررت بزيد "يجوز إذا كان "راكبا" لك، فإن أردت أن يكون لزيد لم يجز لأن العامل الباء، قال سيبويه جـ1/ 277"، ومن ثم صار: مررت قائما برجل، ولا يجوز، لأنه صار قبل العامل في الاسم، وليس بفعل والعامل الباء، ولو حسن هذا، لحسن قائما هذا رجل، فإن قال: أقول: مررت بقائما رجل، فهذا أخبث من قبل أنه لا يفصل بين الجار والمجرور، وانظر أمالي ابن الشجري جـ2/ 280-281 وشرح الكافية جـ1/ 189، وقال ابن مالك: وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبو ولا امنعه فقد ورد

والأخفش/ 245 يذكر في باب الحال: هذا بسرًا أطيب منه تمرًا1 وهذا عبد الله مقبلًا أفضل منه جالسًا, قال: وتقول: هذا بسر أطيب منه عنب, فهذا: اسم مبتدأ, والبسر: خبره, وأطيب: مبتدأ ثانٍ, وعنب: خبر له, قال: وكذلك ما كان من هذا النحو لا يتحول فهو رفع, وما كان يتحول فهو نصب وإنما قلنا: لا يتحول, لأن البسر لا يصير عنبًا, والذي يتحول قولك: هذا بسرًا أطيب منه تمرًا, وهذا عنبًا أطيب منه زبيبًا, وأما الذي لا يتحول فنحو قولك: هذا بسر أطيب منه عنب, وهذا زبيب أطيب منه تمر "فأطيب منه": مبتدأ وتمر: خبره وإن شئت قلت: "تمر" هو المبتدأ و"أطيب منه": خبر مقدم وتقول: مررت بزيد واقفًا فتنصب "واقفًا" على الحال, والكوفيون يجيزون نصبه على الخبر يجعلونه كنصب خبر "كان" وخبر الظن ويجيزون فيه إدخال الألف واللام, ويكون: مررت عندهم على ضربين: مررت بزيد فتكون تامة, ومررت/ 246 بزيد أخاك فتكون ناقصة إن أسقطت الأخ كنقصان "كان" إذا قلت: كان زيد أخاك ثم أسقطت الأخ كان ناقصًا حتى تجيء به. وهذا الذي أجازوه غير معروف عندي من كلام العرب ولا موجود في ما يوجبه القياس. وأجاز الأخفش: إن في الدار قائمين أخويك, وقال: هذه الحال ليست متقدمة, لأنها حال لقولك "في الدار" ألا ترى أنك لو قلت: قائمين في الدار أخواك لم يجز, لأن: "في الدار" ليس بفعل. وتقول: جلسَ

_ 1 في المقتضب جـ3/ 351 قولك: هذا بسرا أطيب منه تمرا, فإن أومأت إليه وهو بسر، تريد: هذا إذ صار بسرا أطيب منه إذا صار تمرا، وإن أومأت إليه وهو تمر قلت: هذا بسرا أطيب منه تمرا، أي: هذا إذ كان بسرا أطيب منه إذ صار تمرا، فإنما على هذا يوجه، لأن الانتقال فيه موجود، فإن أومأت إلى عنب قلت: هذا عنب أطيب منه بسر، ولم يجز إلا الرفع، لأنه لا ينتقل. فتقول: هذا عنب أطيب منه بسر، تريد: هذا عنب البسر أطيب منه. وانظر: أمالي ابن الشجري جـ2/ 285، والكافية للرضي 1/ 190-191.

عبد الله آكلًا طعامك, فالكسائي يجيز تقديم "طعامك" على "آكلٍ" فيقول: جلسَ عبد الله طعامك آكلًا, ولم يجزه الفراء, وحكي عن أبي العباس محمد بن يزيد: أنه أجاز هذه المسألة.

باب التمييز

باب التمييز مدخل ... باب التمييز: 1 الأسماء التي تنتصب بالتمييز والعامل فيها فعل أو معنى فعل, والمفعول هو فاعل في المعنى وذلك قولك: قد تفقأ زيد شحمًا, وتصبب عرقًا/ 247 وطبت بذلك نفسًا, وامتلأ الإِناء ماءً, وضقت به ذرعًا, فالماء هو الذي ملأ الإِناء والنفس هي التي طابت, والعَرَق هو الذي تصبب فلفظهُ لفظ المفعول, وهو في المعنى فاعل. وكذلك: ما جاء في معنى الفعل, وقام مقامه نحو قولك: زيد أفرهم عبدًا, وهو أحسنهم وجهًا فالفاره في الحقيقة هو العبد, والحسن هو الوجه إلا أن قولك: أفره وأحسن في اللفظ لزيد وفيه ضميره والعبد غير زيد والوجه إنما هو بعضه إلا أن الحسن في الحقيقة للوجه والفراهة للعبد, فإذا قلت: أنت أفره العبيد فأضفت فقد قدمته على العبيد, ولا بدّ من أن يكون -إذا أضفته- واحدا منهم. فإذا قلت: أنت أفره عبد في الناس فمعناه: أنت أفره من كل عبد إذا أفردوا عبدًا عبدًا كما تقول: هذا خير اثنين في الناس أي: إذا كان الناس اثنين اثنين2.

_ 1 ويقال له التبيين والتفسير، وهو رفع الإبهام في جملة أو مفرد وإزالة اللبس. 2 قال المبرد 3/ 34. وإذا قلت: أفره عبد في الناس، فإنما معناه: أنت أفره من كل عبد، إذا أفردوا عبدا عبدا، كمال تقول: هذا خير اثنين في الناس، إذا كان الناس اثنين اثنين.

واعلم: أن الأسماء التي تنصب على التمييز لا تكون/ 248 إلا نكرات تدل على الأجناس, وأن العوامل فيها إذا كن أفعالًا, أو في معاني الأفعال كنت بالخيار في الاسم المميز إن شئت جمعته, وإن شئت وحَّدته تقول: طبتم بذلك نفسًا, وإن شئت أنفسًا قال الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} 1, وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} 2, فتقول على هذا: هو أفره الناس عبيدًا, وأجود الناس دورًا. قال أبو العباس: ولا يجوز عندي: عشرون دراهم يا فتى, والفصل بينهما أنك إذا قلت: عشرون فقد أتيت على العدد فلم يحتج إلا إلى ذكر ما يدل على الجنس. فإذا قلت: هو أفره الناس عبدًا جاز أن تعني عبدًا واحدًا فمن ثم اختير وحسن إذا أردت الجماعة أن تقول: عبيدًا3, وإذا كان العامل في الاسم المميز فعلًا جاز تقديمه عند المازني4 وأبي العباس5, وكان سيبويه لا يجيزه6, والكوفيون في ذلك على مذهب سيبويه فيه لأنه يراه

_ 1 النساء: 4. 2 الكهف: 103. وانظر سيبويه 1/ 103. 3 انظر: المقتضب 3/ 34. 4 المازني: هو أبو عثمان بكر بن عثمان المازني أستاذ المبرد. مات سنة 249هـ وقيل: 236 ترجمته في طبقات الزبيدي 143، معجم الأدباء جـ7/ 107، وإنباه الرواة جـ1/ 246. 5 انظر المقتضب جـ3/ 36 قال المبرد: واعلم: أن التبيين إذا كان العامل فيه فعلا جاز تقديمه، لتصرف الفعل فقلت: تفقأت شحما، وتصببت عرقا، فإن شئت قدمت فقلت: شحما تفقأت، وعرقا تصببت، وقال: وتقول: راكبا جاء زيد، لأن العامل فعل، فلذلك أجزنا تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا وهذا رأي أبي عثمان المازني. 6 انظر الكتاب جـ1/ 105: لا يجيز سيبويه تقديم التمييز إذا كان عامله فعلا، لأنه يراه كقولك عشرون درهما، وهذا أفرههم عبدا. قال: جاء من الفعل ما أنفذ إلى مفعول ولم يقو قوة غيره، مما قد تعدى إلى مفعول وذلك قولك: امتلأت ماء، وتفقأت شحما، ولا تقول: امتلأته، ولا تفقأته، ولا يعمل في غيره من المعارف، ولا يقدم لمفعول فيه فتقول: ماء امتلأت، كما لا تقدم المفعول فيه في الصفات المشبهة، ولا في هذه الأسماء لأنها ليست كالفاعل وذلك لأنه فعل لا يتعدى إلى مفعول وإنما هو بمنزلة الأفعال، وإنما أصله: امتلأت من الماء، وتفقأت من الشحم ...

كقولك/ 249: عشرون درهمًا, وهذا أفرههم عبدًا, فكما لا يجوز: درهمًا عشرون, ولا: عبدًا هذا أفرههم, لا يجوز هذا1, ومن أجاز التقديم قال: ليس هذا بمنزلة ذلك, لأن قولك: عشرون درهمًا, إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من فعل2. وقال الشاعر فقدم التمييز لما كان العامل فعلًا: أتَهْجُرُ سَلْمَى لِلفِرَاقِ حبيبها ... ومَا كانَ نَفْسًا بالفِرَاقِ تَطِيبُ3 فعلى هذا تقول: شحمًا تفقأت, وعرقًا تصببت, وما أشبه ذلك, وأما قولك: الحسن وجهًا والكريم أبا فإن أصحابنا4 يشبهونه: بالضارب رجلًا وقد قدمت تفسيره في هذا الكتاب وغير ممتنع عندي أن ينتصب على التمييز أيضًا بل الأصل ينبغي أن يكون هذا. وذلك الفرع, لأنك قد بينت بالوجه

_ 1 انظر الكتاب 1/ 105. 2 يشير إلى قول المبرد في المقتضب جـ3/ 36. وهو يرد على سيبويه، لأنه يراده -أي: سيبويه- كقولك: عشرون درهما وهذا أفرههم عبدا، وليس هذا بمنزلة ذلك لأن: عشرين درهما، إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من الفعل. 3 الشاهد فيه تقديم التمييز "نفسا" على عامله تطيب. والشاهد للمخبل السعدي ربيع بن ربيعة بن مالك. وقيل: لأعشى همدان، ولقيس بن معاذ. ويروى: أتوذن سلمى بالفراق حبيبها ... ولم تك نفس بالفراق تطيب ولا شاهد فيه على هذه الرواية. ويرى أتهجر ليلى ... بدلا من سلمى. وانظر: المقتضب 3/ 37. وشرح السيرافي 1/ 25 والخصائص 2/ 28. والإنصاف 447، وابن يعيش 2/ 74، وشرح الكافية للرضي 1/ 204. 4 أي: البصريون.

الحسن منه, كما بينت في قولك: هو أحسنهم وجهًا, وكذلك يجري عندي/ 250 قولهم: هو العقور كلبًا وما أشبه, فإذا نصبت هذا على تقدير التمييز لم يجز أن تدخل عليه الألف واللام, فإذا نصبته على تقدير المفعول والتشبيه بقولك: الضارب رجلًا جاز أن تدخل عليه الألف واللام, وكان الفراء لا يجيز إدخال الألف واللام في وجه وهو منصوب إلا وفيما قبله الألف واللام نحو قولك: مررت بالرجل الحسن الوجه, وهو كله جائز لك أن تنصبه تشبيهًا بالمفعول.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: زيد أفضل منك أبًا, فالفضل في الأصل للأب كأنك قلت: زيد يفضل أبوه أباك, ثم نقلت الفضل إلى زيد وجئت بالأب مفسرًا1, ولك أن تؤخر "منك" فتقول: زيد أفضل أبًا منك, وإن حذفت "منك", وجئت بعد أفضل بشيء يصلح أن يكون مفسرًا, فإن كان هو الأول فأضف أفضل إليه, واخفضه, وإن كان غيره فانصبه/ 251 واضمره نحو قولك: علمك أحسن علم تخفض "علمًا", لأنك تريد: أحسن العلوم وهو بعضها, وتقول: زيد أحسن علمًا تريد: أحسن منك علمًا فالعلم غير زيد فلم تجز إضافته وإذا قلت: أنت أفره عبد في الناس فإنما معناه: أنت أحد هؤلاء العبيد الذين فضلتهم. ولا يضاف "أفعل" إلى شيء إلا وهو بعضه كقولك: عمرو أقوى الناس ولو قلت: عمرو أقوى الأسد لم يجز وكان محالًا لأنه ليس منها2،

_ 1 أي: تمييزا وهو من مصطلحات الكوفيين. 2 في المقتضب: 23/ 38 ولا يضاف "أفعل" إلى شيء إلا وهو بعضه كقولك: الخليفة أفضل بني هاشم، ولو قلت: الخليفة أفضل بني تميم كان محالا، لأنه ليس منهم، وكذلك هذا خير ثوب في الثياب، إذا عنيت ثوبا وهذا خير منك ثوبا، إذا عنيت رجلا.

ولذلك لا يجوز أن تقول: زيد أفضل إخوته, لأن هذا كلام محال يلزم منه أن يكون هو أخا نفسه, فإن أدخلت "من" فيه جاز فقلت: عمرو أقوى من الأسد أفضل من إخوته, ولكن يجوز أن تقول: زيد أفضل الإِخوة إذا كان واحدًا من الإِخوة, وتقول: هذا الثوب خير ثوب في اللباس, إذا كان هذا هو الثوب فإن كان هذا رجلًا قلت: هذا الرجل/ 252 خير منك ثوبًا, لأن الرجل غير الثوب, وتقول: ما أنت بأحسن وجهًا مني, ولا أفره عبدًا, فإن قصدت قصد الوجه بعينه قلت: ما هذا أحسن وجه رأيته, إنما تعني الوجوه إذا ميزت وجهًا. وقال أبو العباس -رحمه الله: فأما قولهم: حسبك بزيد رجلًا, وأكرم به فارسًا وما أشبه ذلك, ثم تقول: حسبك به من رجل وأكرم به من فارس, ولله دره من شاعر, وأنت لا تقول: عشرون من درهم, ولا هو أفره منك من1, عبد فالفصل بينهما أن الأول كان يلتبس فيه التمييز بالحال فأدخلت "من" لتخلصه للتمييز ألا ترى أنك لو قلت: أكرِم به فارسًا وحسبك به خطيبًا2, لجاز أن تعني في هذه الحال, وكذلك إذا قلت: كم ضربت رجلًا, وكم ضربت من رجل, جاز ذلك لأن "كم" قد يتراخى عنها مميزها, فإن قلت: كم ضربتَ رجلًا؟ لم يدر السامع/ 253 أردت: كم مرة

_ 1 المقتضب 3/ 35، قال المبرد: ومن التمييز: ويحه رجلا، لله دره فارسا، وحسبك به شجاعا، إلا أنه إذا كان في الأول ذكر منه حسن أن تدخل "من" توكيدا لذلك الذكر، فتقول: ويحه من رجل، ولله دره من فارس وحسبك به من شجاع. ولا يجوز: عشرون من درهم، ولا: هو أفرههم من عبد، لأنه لم يذكره في الأول. 2 قال سيبويه: باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير وذلك قولك: ويحه رجلا، ولله دره رجلا، وحسبك به رجلا، وما أشبه ذلك، وإن شئت قلت: ويحه من رجل، وحسبك به من رجل، ولله دره من رجل، فتدخل "من" ههنا كدخولها في "كم" توكيدا. وانتصب الرجل لأنه ليس من الكلام الأول، وعمل فيه الكلام الأول. فصارت الهاء بمنزلة التنوين. الكتاب جـ1/ 299.

ضربتَ رجلًا واحدًا, أم: كم ضربت من رجل فدخول "من" قد أزال الشك وقال في قول الله تعالى: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} 1, وقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} 2: أن التمييز إذا لم يسم عددًا معلومًا: كالعشرين والثلاثين جاز تبيينه بالواحد للدلالة على الجنس, وبالجميع إذا وقع الإِلباس ولا إلباس في هذا الموضع لقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} , ولقوله: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ} , وقال: وقد قال قوم "طِفْلًا" حال وهذا أحسن إلا أن الحال إذا وقعت موقع التمييز لزمها ما لزمه كما أن المصدر إذا وقع موقع الحال لم يكن إلا نكرة تقول: جاء زيد مشيًا فهو مصدر ومعناه ماشيًا وهذا كقوله تعالى: {يَأْتِينَكَ سَعْيًا} 3 لأنه في هذه الحال. واعلم: أن "أفعل منك" لا يثنى ولا يجمع, وقد مضى ذكر هذا, تقول: مررت برجل أفضل منك وبرجلين أفضل منك وبقوم أفضل منك/ 254, وكذلك المؤنث. وأفضل موضعه خفض على النعت, إلا أنه لا ينصرف, فإن أضفته جرى على وجهين, إذا أردت: أنه يزيد على غيره في الفضل, فهو مثل الذي معه "من" فتوحده, تقول: مررت برجل أفضل الناس وأفضل رجل في معنى أفضل الرجال, وكذلك التثنية والجمع, تقول: مررت برجلين أفضل رجلين, وبنساء أفضل نساء. والوجه الآخر أن تجعل أفضل اسمًا ويثنى ويجمع في الإِضافة ولا يكون فيه معنى "من كذا" فإذا كان بهذه الصفة جاز أن تدخله الألف واللام إذا لم تضفه, ويثنى ويجمع ويؤنث.

_ 1 غافر: 67. وفي تأويل مشكل القرآن/ 219: أنه من وضع المفرد موضع الجمع. وفي المخصص جـ1/ 31: قد يقع الطفل على الجميع، وفي البحر المحيط جـ6/ 346: يوصف بالطفل المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، يقال أيضا: طفل وطفلان وأطفال. 2 النساء: 4. وانظر المقتضب 2/ 173. فالآيتان مذكورتان ولكن شرحهما غير موجود. 3 البقرة: 260.

ويعرف بالإِضافة, فتقول: جاءني الأفضل, والأفضلان, والأفضلون, وهذان أفضلا أصحابك وهؤلاء أفاضل أصحابك, فإذا كان على هذا لم تقع معه "من" وكانت أنثاه على "فعلى" وتثنيتها الفضليان والفضلين وتجمع الفضل والفضليات قال سيبويه: لا تقول: نسوة صغر1, ولا قوم/ 255 أصاغر إلا بالألف واللام, وأفعل التي معها "منك" لا تنصرف2, وإن أضفتها إلى معرفة ألا ترى أنك تقول: مررت برجل أفضل الناس فلو كانت معرفة ما جاز أن تصف بها النكرة, ولا يجوز أن تسقط من أفعل "من" إذا جعلته اسمًا أو نعتًا تقول: جاءني رجل أفضل منك ومررت برجل أفضل منك فلا تسقطها, فإن كان خبرًا جاز حذفها وأنت تريد: أفضل منك وزيد أفضل وهند أفضل. قال أبو بكر: جاز حذف "من", لأن حذف الخبر كله جائز, والصفة تبيين ولا يجوز فيه حذف "من" كما لا يجوز حذف الصفة, لأن الصفة تبيين وليس لك أن تبهم إذا أردت أن تبين.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 14 تابع 5/ 276 قال سيبويه: قلت: ما بال أُخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؟ فقال -أي: الخليل- لأن أُخر خالفت أخواتها وأصلها، وإنما هي بمنزلة: الطول، والوسط، والكبر، لا يكن صفة إلا وفيهن ألف ولام فيوصف بهن المعرفة، ألا ترى أنك لا تقول: نسوة صغر، ولا هؤلاء نسوة وسط ولا تقول: هؤلاء قوم أصاغر، فلما خالفت الأصل جاءت صفة بغير الألف واللام، وتركوا صرفها كما تركوا صرف لكع حين أرادوا: يا ألكع، وفسق حين أرادوا: يا فاسق. انظر: الكتاب 2/ 14. 2 انظر: الكتاب 2/ 5.

الضرب الثاني المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى

الضرب الثاني: المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى: هذا الضرب العامل فيه ما كان على لفظ الفعل, وتصرف تصرفه وجرى مجراه وليس به فهو خبر "كان وأخواتها" ألا ترى أنك/ 256 إذا قلت: كان عبد الله

منطلقًا, فالمنطلق هو عبد الله, وقد مضى شرح ذلك في الأسماء المرفوعات إذ لم يمكن أن تخلى الأسماء من الأخبار فيها. فقد غنينا عن إعادة ذلك في هذا الموضوع.

الضرب الثالث الذي العامل فيه حرف جامد غير متصرف

الضرب الثالث: الذي العامل فيه حرف جامد غير متصرف. الحروف التي تعمل مثل عمل الفعل فترفع وتنصب خمسة أحرف1 وهي: إنَّ ولكن وليت ولعلَّ وكأنَّ. فإنَّ: توكيد الحديث وهي موصلة للقسم لأنك لا تقول: والله زيد منطلق, فإنْ أدخلت "إنَّ" اتصلت بالقسم فقلت: والله إنَّ زيدًا منطلق2, وإذا خففت فهي كذلك, إلا أنَّ لام التوكيد تلزمها عوضًا لما ذهب منها فتقول: إنَّ زيدًا لقائم, ولا بدّ من اللام إذا خففت كأنهم جعلوها عوضًا ولئلا تلتبس بالنفي. ولكنَّ: ثقيلة وخفيفة توجب بها بعد نفي, ويستدرك بها فهي تحقيق وعطف حال على حال تخالفها. وليت: تمن/ 257. ولعل: معناها التوقع لمرجو أو مخوف.

_ 1 كان سيبويه قد أشار إلى أن الحروف المشبهة خمسة، فهو لم يذكر أن المفتوحة الهمزة حين عدد الحروف المشبهة بالفعل، ولكن المتتبع لأمثلة الكتاب وشواهده يرى سيبويه يذكرها أحيانا وهو يتحدث عن مكسورة الهمزة. وقد أفرد بابا خاصا لاستعمالات "إن وأن" في آخر الجزء الأول، كل هذا يدل على أنه يراها حرفا واحدا تكسر همزته في مواطن، وتفتح في مواطن أخرى، انظر الكتاب: 1/ 285 و1/ 461 والمقتضب 4/ 107. 2 كلام ابن السراج صريح في أنه إذا وقعت "إن" في جواب القسم وجب كسر همزتها وإن لم يكن في خبرها اللام.

وقال سيبويه: لعل وعسى: طمع وإشفاق1. وكأنَّ: معناها التشبيه إنما هي الكاف التي تكون للتشبيه دخلت على "أن"2. وجميع هذه الحروف مبنية على الفتح مشبهة للفعل الواجب, ألا ترى أن الفعل الماضي كله مبني على الفتح, فهذه الأحرف الخمسة تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب ما كان مبتدأ, وترفع الخبر فتقول: إن زيدًا أخوك, ولعل بكرًا منطلق, ولأنَّ زيدًا الأسد, فإنّ: تشبه من الأفعال ما قدم مفعوله نحو: ضرب زيدًا رجل, وأعلمت هذه الأحرف في المبتدأ والخبر كما أعلمت "كان" وفرق بين عمليهما: بأن قدم المنصوب بالحروف على المرفوع كأنهم جعلوا ذلك فرقًا بين الحرف والفعل, فإن قال قائل: إن "أنَّ" إنما عملت في الاسم فقط فنصبته وتركت الخبر على حاله كما كان مع الابتداء, وهو قول الكوفيين3. قيل له: الدليل على أنها هي الرافعة/ 258 للخبر, أن الابتداء قد زال وبه وبالمبتدأ كان يرتفع الخبر فلما زال العامل بطل أن يكون هذا معمولًا فيه, ومع ذلك أنا وجدنا كلما عمل في المبتدأ رفعًا أو نصبًا علم في خبره, ألا ترى إلى ظننت وأخواتها لما عملت في المبتدأ عملت في

_ 1 الكتاب 1/ 287 و2/ 67. 2 والذي قال بتركيب "كأن" هو الخليل، قال سيبويه: وسألت الخليل عن "كأن" فزعم: أنها "أن" لحقتها الكاف للتشبيه ولكنها صارت مع "أن" بمنزلة كلمة واحدة، وكذلك يراها سيبويه مركبة أيضا، قال وهو يتحدث عن زيادة اللام في "لعل"، وكذلك: كأن، دخلت الكاف فيها للتشبيه ومثل ذلك: "كأن وكذا" انظر الكتاب 1/ 287 و2/ 67. 3 مذهب الكوفيين أنها لم تعمل في الخبر، بل هو باق على رفعه قبل دخولها، وذلك لأن الأصل في هذه الحروف أن لا تنصب الاسم إنما نصبته لأنها أشبهت الفعل فإذا كانت إنما عملت لأنها أشبهت الفعل فهي فرع عليه، وإذا كانت فرعا عليه فهي أضعف، لأن الفرع أبدا يكون أضعف من الأصل، وينبغي في الخبر جريا على القياس في حط الفروع عن الأصول. انظر الإنصاف جـ1/ 104 وارتشاف الضرب/ 583.

خبره, وكذلك: كان وأخواتها, فكما جاز لك في المبتدأ والخبر, جاز مع "أن" لا فرق بينهما في ذلك, إلا أن الذي كان مبتدأ ينتصب بأن وأخواتها. ولا يجوز أن يقدم خبرها ولا اسمها عليها, ولا يجوز أيضًا أن تفصل بينهما وبين اسمها بخبرها إلا أن يكون ظرفًا لا يجوز أن تقول: إن منطلق زيدًا تريد: إن زيدًا منطلق1 ويجوز أن تقول: إن في الدار زيدًا وإن خلفك عمرًا, لأنهم اتسعوا في الظروف, وخصوها بذلك وإنما حسن تقديم الظرف إذا كان خبرًا, لأنَّ الظرفَ ليسَ مما تعملُ فيه "إنَّ" ولكثرتهِ في الاستعمال. وإذا/ 259 اجتمع في هذه الحروف المعروفة والنكرة, فالاختيار أن يكون الاسم المعرفة والخبر النكرة, كما كان ذلك في المبتدأ لا فرق بينها في ذلك2, واللام تدخل على خبر "إن" خاصة مؤكدة له ولا تدخل في خبر أخواتها, وإذا دخلت لم تغير الكلام عما كان عليه تقول: إنَّ زيدًا لقائم وإنَّ زيدًا لفيك راغب, وإنَّ عمرًا لطعامك آكل, وإن شئت قلت: إنَّ زيدًا فيك لراغب, وإنَّ عمرًا طعامك لآكل, ولكنه لا بدّ من أن يكون خبر "إنَّ "بعد اللام, لأنه كان موضعها أن تقع موقع "إن" لأنها للتأكيد ووصلة للقسم مثل إن فلما أزالتهما "إن" عن موضعها وهو المبتدأ أُدخلت على الخبر فما كان بعدها فهي داخلة عليه, فإن قدمت الخبر لم يجز أن تدخل اللام فيما بعده لا يصلح أن تقول: إنَّ زيدًا لفيك راغب ولا: إنَّ زيدًا أكل لطعامك وتدخل هذه/ 260 اللام على الاسم إذا وقع موقع الخبر. تقول: إنَّ في الدار لزيدًا وإنَّ خلفك لعمرًا قال الله تعالى: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} 3.

_ 1 لا يجوز فيها التقديم والتأخير، لأنها حرف جامد، لا تقول فيه: فعل، ولا فاعل كما كنت تقول في "كان" يكون، وهو كائن. وانظر الكتاب 1/ 280، ذلك في إشارته إلى جواز تقديم الخبر في "إن وأخواتها" إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا. 2 لأن "إن وأخواتها" تدخل على الابتداء والخبر فقصتها قصتهما. 3 الليل: 13.

واعلم: أنهم يقولون: إنه زيد منطلق, يريدون: أن الأمر زيد منطلق, وإنما أظهروا المضمر المجهول في "إن وظننت" خاصة, ولم يظهروا في "كان" لأن المرفوع ينستر في الفعل والمنصوب يظهر ضميره فمن قال: كان زيد منطلق قال: إنه زيد منطلق وإنه أمة الله ذاهبة وإنه قام عمرو والكوفيون يقولون: إنه قام عمرو هذه الهاء عماد ويسمونها المجهول1. ويجوز أن تحذف الهاء وأنت تريدها فتقول: إنَّ زيدًا منطلق تريد: إنه وإن حذفت الهاء فقبيح أن يلي إن فعل يقبح أن تقول: إن قام زيد وإن يقوم عمرو2 تريد: إنه فإن فصلت بينها وبين الفعل بظرف جاز ذلك/ 261 فقلت: إن خلفك قام زيد ويقوم عمرو وإن اليوم خرج أخوك ويخرج عمرو وقال الفراء: اسم إن في المعنى وقال الكسائي: هي معلقة وأصحابنا3 يجيزون: إن قائمًا زيد وإن قائمًا الزيدان وإن قائمًا الزيدون ينصبون "قائمًا" بإنَّ ويرفعون "زيدًا" بقائم على أنه فاعل. ويقولون: الفاعل سد مسد الخبر كما أن "قائمًا" قام مقام الاسم. وتدخل "ما" زائدة على "إن" على ضربين: فمرة تكون ملغاة دخولها كخروجها لا تغير إعرابًا تقول: إنما زيدًا منطلق وتدخل على "إن" كافة للعمل فتبنى معها بناء فيبطل شبهها بالفعل فتقول: إنما زيد منطلق "فإنما": ههنا بمنزلة "فعل" ملغى مثل: أشهد لزيد خير منك.

_ 1 يطلق الكوفيون على الضمير الذي لم يتقدمه ما يعود عليه هذه التسمية ويسميه البصريون: ضمير الشأن والقصة والحديث. وانظر: شرح المفصل 3/ 114. 2 لا يجوز هذا لبعده، وذلك أن موضع الأخبار إنما هو للأسماء، لأن الخبر إنما هو الابتداء في المعنى، ثم إن "أن" مشبهة بالفعل، فلا يجوز أن تلي الفعل، كما لا يلي فعل فعلا، وليس فيها ضمير فيكون بمنزلة: كاد يقدم زيد، لأن في كاد ضميرا حائلا بينها وبين الفعل. 3 أي: البصريون.

قال سيبويه: وأما ليتما زيدًا منطلق, فإن الإِلغاء فيه حسن, وقد كان رؤبة ينشد هذا البيت رفعًا1: قَالَتْ ألا لَيْتَمَا هَذا الحَمَامَ لَنَا ... إلى حَمَامَتِينَا وَنِصفه فَقَدِ2 قال وأما لعلَّما فهو بمنزلة كأنما, قال ابن كراع: تَحَلَّلْ وعَالِجْ ذَاتَ نَفْسِكَ وانظُرَنْ ... أبا جُعَلٍ لعلَّما أنْتَ حَالِمُ3 قال الخليل: إنما لا تعمل في ما بعدها كما أن "أرى" إذا كانت لغوًا لم تعمل, ونظير "إنما" قول المرار:

_ 1 انظر الكتاب 1/ 282. 2 من شواهد الكتاب 1/ 282. ويروى "الحمام" بالرفع كرواية المصنف وبالنصب فمن رفع جعل "ما" بمعنى الذي وهي منصوبة "بليت" وهذا: خبر مبتدأ مضمر، تقديره: الذي هو هذا، ومثله: ما بعوضة. فيمن رفع، ويجوز أن تكون "ما" كافة فترفع "هذا" بالابتداء ويكون "الحمام" بدلا منه. فإن جعلت "ما" زائدة نصبت وهي في "ليت" أحسن وفي "أن" إذا وصلت بها قبيح. ويروى: أو نصفه فقد.. والبيت للنابغة الذبياني في وصف ما كان من زرقاء اليمامة حين نظرت إلى القطا طائرة فأحصت عددها وخبرها مشهور. وانظر الخزانة 4/ 297، وشواهد العيني 2/ 254. وشعراء النصرانية/ 664. والمغني جـ1/ 66، تحقيق: د. مازن المبارك. وشرح ابن يعيش 8/ 58 وديوان النابغة/ 45. 3 من شواهد الكتاب جـ1/ 283، على إلغاء "لعل" لأنها جعلت مع "ما" من حروف الابتداء. يقول: هذا هازئا برجل توعده، أي: إنك كالحالم في وعيدك لي ويمينك على مضرتي فتحلل من يمينك، أي: استثن وعالج ذات نفسك من ذهاب عقلك وتعاطيك ما ليس في وسعك. والبيت لسويد بن كراع العكلي. وانظر ابن يعيش 8/ 54 والخزانة 4/ 297.

أَعَلاقَةً أمَّ الوَلِيدِ بَعْدَمَا ... أفْنَانُ رأسِكِ كالثَّغَامِ المُخْلِسِ1. جعل "بعد" مع "ما" بمنزلة حرف واحد وابتدأ ما بعده, والفرق بين إن وإنما في المعنى أن إنما تجيء لتحقير الخبر, قال سيبويه تقول: إنما سرت حتى أدخلها, إذا كنت محتقرًا لسيرك إلى الدخول2. و"أن" المفتوحة الألف عملها كعمل "إن" المكسورة الألف, إلا أن الموضع الذي تقع فيه المكسورة خلاف الموضع الذي تقع فيه المفتوحة, ونحن نفرد بابًا لذكر الفتح والكسر يلي هذا الباب إن شاء الله, "وأن" المفتوحة مع ما/ 263 بعدها بمنزلة المصدر, تقول: قد علمت أن زيدًا منطلق, فهو بمنزلة قولك: علمت انطلاق زيد, وعرفت أن زيدًا قائم, كقولك: عرفت قيام زيد.

_ 1 من شواهد سيبويه أيضا 1/ 283. على زيادة "ما" وجعلها كافة "لبعد" عن الإضافة. وكذلك في جـ1/ 60 "على نصب" أم الوليد بعلاقة فإنه اسم مصدر "لتعلق" وعمل عمل المصدر. والعلاقة: الحب. والأفنان: جمع فنن وهو الغصن، وأراد بها ذوائب الشعر على سبيل الاستعارة. والثغام: نبات له خيوط طوال دقاق من أصل واحد, وإذا جفت ابيضت كلها. ويشبه بها الشيب. والمخلس: ما اختلط فيه البياض بالسواد. وصغر الوليد ليدل على شباب المرأة، ولأن صغر ولدها لا يكون إلا في عصر شبابها. والبيت للمرار الفقعسي. وانظر المقتضب 2/ 54. وإصلاح المنطق/ 45. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 210. وأمالي ابن الشجري 2/ 242. وجمهرة الأمثال للعسكري 2/ 38. واللسان "ثغم" وشرح الرضي على الكافية 2/ 359. والمغني 1/ 344 وشرح الشافية 1/ 273. والخزانة 4/ 493. 2 انظر الكتاب 1/ 415. ذكر سيبويه هذا المثال تحت باب "حتى" من الأدوات الناصبة للفعل المضارع، لكن ابن السراج ذكره تحت باب "إن وأخواتها" وذلك لاتصاله بهذا الموضوع وعلاقته به.

واعلم: أنَّ "إن وأن" تخففان, فإذا خففتا فلك أن تعملهما, ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما, فالحجة له: أنه إنما أعمل لما أشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة. فلما خففت زال الوزن والشبه. والحجة لمن أعمل أن يقول: هما بمنزلة الفعل. فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف. فالفعل يعمل محذوفًا عمله تامًا وذلك قولك: لم يك زيد منطلقًا فعمل عمله والنون فيه والأقيس في "أن": أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ: "إِنْ هَذَا لَسَاحِرَانِ"1 فيؤدي خط المصحف2, ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول: إنِ الزيدان لمنطلقان, وإنْ هذا لمنطلقان/ 264 كيلا يلتبس "بإن" التي تكون نفيًا في قولك: إن زيد قائم, تريد: ما زيد بقائم وإذا نصب الاسم بعدها لم يحتج إلى اللام, لأن النصب دليل, فكان سيبويه لا يرى في "إن" إذا كانت بمعنى "ما" إلا رفع الخبر3 لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبر, كما تدخل ألف

_ 1 طه: 63. 2 في الإتحاف ص/ 304. فنافع وابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف بتشديد "إن"، وهذان بالألف وتخفيف النون، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف "إن" وهذان بالألف مع تشديد النون. وقرأ حفص كذلك، إلا أنه خفف نون "هذان". وهاتان القراءتان أوضح القراءات في هذه الآية معنى ولفظا وخطا، وذلك أن "إن" المخففة أهملت، وهذان: مبتدأ، وساحران: الخبر, واللام للفرق بين النافية والمخففة. وقرأ أبو عمرو: إن بتشديد النون، وهذين بالياء مع تخفيف النون، وهذه القراءة واضحة من حيث الإعراب لكن استكملت من حيث خط المصحف، وذلك أن هذين رسم بغير ألف ولا ياء. ولا يرد بهذا على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم مما هو خارج عن القياس مع صحة القراءة وتواترها. وانظر البحر المحيط 6/ 255. 3 قال سيبويه 1/ 475 وتكون "إن" في معنى "ما" قال الله عز وجل: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} ، أي: ما الكافرون إلا في غرور، ولم يمثل لها سيبويه في حالة إعمالها.

الاستفهام, ولا تغير الكلام وذلك مذهب بني تميم. قال أبو العباس وغيره: نجيز نصب الخبر على التشبيه بـ"ليس" كما فعل ذلك في ما1. قال أبو بكر: وهذا هو القول, لأنه لا فصل بينهما وبين "ما" في المعنى2. قال أبو علي الفارسي3: القول غير هذا, ولـ"إنْ" المخففة أربعة مواضع: "إن" التي تكون في الجزاء نحو: إن تأتني آتك. والثاني: أن تكون في معنى "ما" نفيًا تقول: إن زيد منطلق, تريد: ما زيد منطلق. والثالث: أن تدخل زائدة مع "ما" فتردها إلى/ 265 الابتداء, كما تدخل "ما" على إن الثقيلة فتمنعها عملها وذلك قولك: ما إن يقوم زيد, وما إن زيد منطلق, ولا يكون الخبر إلا مرفوعًا, قال الشاعر فروة بن مسيك: ومَا إنْ طِبُّنا جُبْنٌ وَلكِنْ ... مَنَايَانَا ودَوْلهٌ آخِرينَا4

_ 1 انظر المقتضب 2/ 362. 2 هذه الجملة للمبرد، قال في المقتضب 2/ 362: وغير سيبويه يجيز نصب الخبر على التشبيه بليس كما فعل ذلك في "ما" وهذا هو القول لأنه لا فصل بينهما وبين "ما" في المعنى. 3 أظن هذا من عمل الناسخ لأن أبا على تلميذ ابن السراج وربما أخذ الأستاذ عن تلميذه النابه. 4 من شواهد سيبويه 1/ 475 و2/ 305. على زيادة "إن" بعد "ما" وكفها عن العمل كما تكف "ما" إن عن العمل في قولك: إنما.. والطب: العلة والسبب. أي: لم يكن سبب قتلنا الجبن، وإنما كان ما جرى به القدر من حضور المنية وانتقال الدولة عنا. وانظر المقتضب جـ1/ 50 والصاحبي/ 103 والخصائص جـ3/ 108. والمنصف جـ3/ 128 والسيرة لابن هشام/ 950. والروض الأنف. والمحتسب جـ1/ 92 والوحشيات/ 27 وشرح الكافية للرضي جـ1/ 246.

الرابع: أن تكون مخففة من الثقيلة, فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن تدخل اللام على الخبر, ولم يجز غير ذلك لما خبرتك به, وعلى هذا قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 1 وقوله: {وَإِنْ كَانُوا يَقُولُون} 2, وإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام, إلا أن تدخلها توكيدًا كما تدخلها في "إن" الثقيلة, لأن اللبس قد زال. وأما "أن المخففة" من المفتوحة الألف إذا خففتها من أن المشددة فالاختيار أن ترفع ما بعدها على أن تضمر فيها الهاء, لأن المفتوحة وما بعدها مصدر فلا معنى لها في الابتداء, والمكسورة إنما دخلت على الابتداء/ 266 وخبره. وأن الخفيفة تكون في الكلام على أربعة أوجه: فوجه: أن تكون هي والفعل الذي تنصبه مصدرًا نحو قولك: أريد أن تقوم, أي: أريد قيامك. والثاني: أن تكون في معنى "أي" التي تقع للعبارة والتفسير وذلك قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} 3. ومثله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} 4. والثالث: أن تكون فيه زائدة مؤكدة وذلك قولك: لما أن جاء زيد

_ 1 الطارق: 4. وقراءة تشديد "لما" ليس لها تخريج سوى أن تكون "إن" نافية ولما بمعنى إلا، انظر البحر المحيط جـ8/ 454 وجـ7/ 334، والكشاف 4/ 202 والمغني 1/ 220، وقراءة تخفيف الميم من "لما" تكون "إن" فيها مخففة و"ما" زائدة. والقراءتان سبعيتان. النشر جـ2/ 399. 2 الصافات: 167. 3 سورة ص: 6 "في سيبويه 1/ 479" باب ما تكون أن فيه بمنزلة أي وذلك قوله عز وجل: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا} زعم الخليل: أنه بمنزلة أي، لأنك إذا قلت: انطلق بنو فلان أن امشوا فأنت لا تريد أن تخبر أنهم انطلقوا بالمشي - وانظر: المقتضب 1/ 49. 4 المائدة: 117.

قمت: والله أن لو فعلت لأكرمتك, قال الله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا} 1. والرابع: أن تكون مخففة من الثقيلة وذلك قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2. ولو نصبت بها وهي مخففة لجاز. قال سيبويه: لا تخففها أبدًا في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأَنتَ تريد الثقيلة تضمر فيها الاسم -يعني الهاء- قال: ولو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون إذ اضطروا في الشعر3 / 267 يريدون معنى "كأن" ولم يريدوا الإِضمار وذلك قوله: كأنَّ وَرِيْدَيهِ رِشَاءُ خُلْبِ4 قال: وهذه الكاف إنما هي مضافة إلى "إن" فلما اضطر إلى التخفيف ولم يضمر لم يغير ذلك التخفيف أن ينصب بها كما أنك قد تحذف من الفعل

_ 1 العنكبوت: 33. 2 يونس: 10 "وفي سيبويه جـ1/ 480 وأما قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وآخر قولهم: أن لا إله إلا الله فعلى قوله: أنه لا إله إلا الله. وعلى أنه الحمد لله". 3 انظر الكتاب جـ1/ 280. 4 من شواهد سيبويه جـ1/ 480. على تخفيف "كأن" ونصبها الاسم وجوز الرفع أيضا على إلغاء العمل. والوريدان: عرقان في الرقبة، والرشاء: الحبل، والخلب: الليف. وقيل: البئر البعيدة القعر. والرجز: كما نسبه العيني إلى رؤية بن العجاج، وبعده: غادرته مجدلا كالكلب. وانظر: المقتضب 1/ 50. الإنصاف جـ1/ 113. والمفصل للزمخشري/ 301. وابن يعيش جـ8/ 83. واللسان 1/ 352.

فلا يتغير عن عمله نحو: لم يكن صالحًا, ولم يك صالحًا, ومثل ذلك -يعني الأول- قول الأعشى: في فتيةٍ كسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هالكٌ كلُّ منْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ1. كأنه قال: إنه هالك وإن شئت رفعت في قول الشاعر: كأن وريداه رشاء خلب2. واعلم: أنه قبيح أن يلي "إن" المخففة الفعل إذا حذفت الهاء وأنت تريدها, كأنهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذف وأن يليه ما لم يكن يليه وهو مثقل, قبيح أن تقول: قد عرفت أن يقوم زيد: حتى تفصل بين أن والفعل/ 268 بشيء يكون عوضًا من الاسم نحو: لا, وقد, والسين,

_ 1 من شواهد سيبويه جـ1/ 282، 440، 480، جـ2/ 123، على تخفيف "أن" واسمها ضمير الشأن محذوف. وقوله: هالك: خبر مقدم، وكل: مبتدأ مؤخر، والجملة منهما في محل رفع خبر "أن"، يريد: أنهم كالسيوف في المضاء والعزم أو في صباحة الوجوه، تبرق كالسيوف. وخص سيوف الهند لحسن صقالتها. ويحفى: من الحفاء، وهو المشي بلا نعل ولا خف، وأراد به الفقير. وينتعل: يلبس النعل، وأراد به الغني. والمعنى: قد علم هؤلاء الفتيان أن الموت يعم غنيهم وفقيرهم فهم يبادرون إلى اللذات قبل أن يحول الموت بينها وبينهم. وقيل: إن الشاهد مصنوع والرواية الصحيحة في هي: أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل.. وفي هذه الرواية شاهد أيضا، إذ إن تقدير الكلام: أنه ليس يدفع.. والبيت من قصيدة مشهورة للأعشى. ورواية الديوان: أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل وانظر: المقتضب 3/ 9. وشرح السيرافي 4/ 49. والخصائص 2/ 441. وأمالي ابن الشجري 2/ 2. وابن يعيش 8/ 74. والعيني 2/ 287. والخزانة 3/ 547. والديوان/ 59. 2 انظر الكتاب 1/ 480. والرفع على إلغاء العمل بعد التخفيف.

تقول: قد عرفت أن لا يقوم زيد, وأن سيقوم زيد وأن قد قام زيد كأنه قال: عرفت أنه لا يقوم زيد وأنه سيقوم زيد وأنه قد قام زيد ونظير ذلك قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 1, وقوله: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} 2.. وأما قولهم: أما أن جزاك الله خيرًا فإنهم إنما أجازوه لأنه دعاء ولا يصلون إلى "قد" هنا ولا إلى "السين" لو قلت: أما أن يغفر الله لك. لجاز لأنه دعاء ولا تصل هنا إلى السين ومع هذا كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه: أنه وإنه لا يحذف في غير هذا الموضع. وسمعناهم يقولون3: أما أن جزاك الله خيرًا شبهوه "بأنه" أضمروا فيها كما أضمروا في "أن" فلما جازت "أن" كانت هذه أجوز. واعلم: أنك إذا عطفت اسمًا على/ 296 أن وما عملت فيه من اسم وخبر فلك أن تنصبه على الإِشراك بينه وبين ما عملت فيه أن ولك أن ترفع, تحمله على الابتداء, يعني -موضع أن- فتقول: إن زيدًا منطلق وعمرًا وعمرو, لأن معنى: إن زيدًا منطلق, زيد منطلق, قال الله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} 4. ولك أن تحمله على الاسم المضمر في "منطلق" وذلك ضعيف إلا أن تأتي "بهو" توكيدًا للمضمر فتقول: إن زيدًا منطلق هو وعمرو, وإن شئت حملت الكلام على الأول فقلت: إن زيدًا منطلق وعمرًا ظريف. ولعل وكأن وليت: ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إن إلا أنه لا

_ 1 المزمل: 20، واسمها ضمير الشأن والجملة خبرها. 2 طه: 89، قراءة نصب الفعل من الشواذ، ابن خالويه/ 89 وقال أبو حيان: الرؤية من الأبصار، البحر المحيط 6/ 269. 3 انظر: الكتاب 1/ 481. 4 التوبة: 3. وانظر الكتاب 1/ 285.

يرفع بعدهن شيء على الابتداء, وقال سيبويه: ومن ثم اختار الناس: ليت زيدًا منطلق وعمرًا, وضعف عندهم أن يحملوا عمرًا على المضمر حتى يقولوا "هو", ولم تكن ليت واجبة ولا لعل1 / 270 ولا كأن فقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع التمني فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس في معناه2, يعني أنك لو قلت: ليت زيدًا منطلق وعمرو, فرفعت عمرا كما ترفعه إذا قلت إن زيدا منطلق وعمرو فعطف عمرا على الموضع لم يصلح من أجل أن ليت وكأن ولعل لها معان غير معنى الابتداء وإن: إنما تؤكد الخبر والمعنى معنى الابتداء والخبر, ولم تزل الحديث عن وجوبه وما كان عليه. وإذا كان خبر إن فعلًا ماضيًا لم يجز أن تدخل عليه اللام التي تدخل على خبرها إذا كان اسمًا تقول: إنّ عمرًا لقائم وإنّ بكرًا لأخوك, ولا يجوز أن تقيم "قام" مقام "قائم" فتقول: إن زيدًا لقامَ, وأنت تريد هذه اللام, لأن هذه اللام لام الابتداء. تقول: والله لزيد في الدار, ولعمرو أخوك فإذا دخلت إن أزيلت إلى الخبر والدليل على ذلك قولهم: قد علمت إنّ زيدًا لمنطلق, فلولا/ 271 اللام لانفتحت أن, وإنما انكسرت, لأن اللام مقدرة بين علمت وإن, ألا ترى أنك تقول: قد علمت لزيد منطلق أقحمت اللام بين الفعل والابتداء, لأنها لام الابتداء فلما أدخلت "أن", وهي تدخل على المبتدأ وخبره تأكيدًا كدخول اللام للتأكيد لم يجمعوا بين تأكدين, وأزالوها إلى الخبر, فإن كان الخبر اسمًا كالمبتدأ أو مضارعًا للاسم دخلت عليه, وإن لم يكن كذلك لم تدخل عليه, قال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُم} 3, أي: لحاكم, فإن قال

_ 1 انظر الكتاب جـ1/ 286. الكتاب 1/ 286، ونص سيبوبه ... فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس على معناه بمنزلة "أن". 2 النحل: 124، قال سيبويه: وإنما ضارعت أسماء الفاعلين أنك تقول: إن عبد الله. 3 ليفعل، فيوافق قولك لفاعل.

قائل: أراني أقول: لأقومن, ولتنطلقن, فأبدأ باللام وأدخلها على الفعل؟ قيل له: ليست هذه اللام تلك اللام, هذه تلحقها النون وتلزمها وليست الأسماء داخلة في هذا الضرب فإذا سمعت: والله لقامَ زيد, فهذه اللام هي التي إذا دخلت على المستقبل كان معها النون كما قال امرؤ القيس: حَلَفْتُ لَهَا بالله حلفَةَ فَاجِرٍ ... لَنَامُوا فَمَا إن مِنْ حَديثٍ ولا صَالي1 قال/ 272: ويقال: إنه أراد: لقد ناموا, فلما جاء "بقد" قربت الفعل من الحاضر, فهذه اللام التي تكون معها النون غير مقدر فيها الابتداء. تقول: قد علمت أن زيدًا ليقومن, وأن زيدًا لقائم, فلا تكسر أن كما تكسرها في قولك: أشهد إن محمدًا لرسول الله. واعلم إن بكرًا ليعلم ذلك, قال سيبويه: إن هذه اللام دخلت على جهة الشذوذ2. قال سيبويه: وقد يستقيم في الكلام: إن زيدًا ليضرب وليذهب3, ولم يقع "ضرب" والأكثر على ألسنتهم كما خبرتك في اليمين, ولا يجوز أن تدخل "إنَّ" على "أنَّ"4, كما لا يدخل تأنيث على تأنيث, ولا استفهام على

_ 1 الشاهد فيه حذف "قد" من "لناموا" على الشذوذ، وقد ذكر ابن هشام: أن ابن عصفور قال: إن القسم إذا أجيب بماض متصرف مثبت، فإن كان قريبا من الحال جيء باللام و"قد" جميعا، نحو: تالله لقد آثرك الله علينا، وإن كان بعيدا جيء باللام وحدها كقوله: حلفت لها بالله ... والصالي: المستدفئ. وانظر: شرح المفصل لابن يعيش جـ9/ 20، والمغني جـ1/ 188 تحقيق د. مازن المبارك، والخزانة جـ4/ 221. والشعر والشعراء/ 136. وروايته: وما إن من حديث ولا صالي. والتهذيب للأزهري جـ5/ 66. والمفصل للزمخشري/ 12. 2 انظر الكتاب 1/ 473. 3 انظر الكتاب 1/ 473. 4 قال سيبويه: اعلم: أنه ليس يحسن أن تلي أن إن، ولا إن أن، ألا ترى أنك لا تقول: إن إنك ذاهب في الكتاب، ولا تقول: قد عرفت أن إنك منطلق في الكتاب، وإنما قبح هذا ههنا كما قبح في الابتداء. فهو يرى أن كل واحدة منهما لا تستغني عن الاسم والخبر، كما أن المبتدأ لا يستغني عن الخبر، والجملة يتعذر أن تكون في آن واحد اسما وخبرا لأن وأن على السواء. الكتاب 1/ 463. أما السيرافي فيرى المانع هو: أنهما جميعا للتأكيد، يجريان مجرى واحد فكرهوا الجمع بينهما، كما كرهوا الجمع بين اللام وإن، وهذا لا يختلف عن رأي ابن السراج انظر شرح الكتاب جـ4/ 22.

استفهام, فحرف التأكيد كذلك لا يجوز أن يدخل حرف تأكيد على حرف مثله, لا يجوز أن تقول: إن إنكَ منطلق يسرني/ 273 تريد: إن انطلاقَك يسرني. فإن فصلتَ بينها فقلت: إن عندي أنك منطلق جاز. قال الله عز وجل: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 1, فإنَّ هي التي فتحت أن وموضع أن في قوله: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا} , وما علمت فيه نصب بأن الأولى كما تقول: إن في الدار لزيدًا, فحسن إذا فرقت بين التأكيدين. ومن قرأ: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ} , وجعلهُ مستأنفًا, كقولكَ: إن في الدارِ زيدًا وعمرو منطلق, لأن الكلام إذا تم فلك أن تستأنف ما بعده, فإن قال قائل: من أين قلت في قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُم} 2 أن الفعل المضارع وقع موقع "حاكم", ولم تقل إن الموضع للفعل وإنما وقع الاسم موقعه بمضارعته له؟ قيل له: لو كان حق اللام أن تدخل على الفعل وما ضارع الفعل لكان دخولها على الماضي/ 274 أولى, لأنه فعل كما أن المضارع فعل. ومع ذلك إنها قد تدخل على الاسم

_ 1 طه: 118-119. في سيبويه 1/ 463، وتقول: إن لك هذا على وأنك لا تؤذي، كأنك قلت: وإن لك ألا تؤذي، وإن شئت ابتدأت ولم تحمل الكلام على أن لك، وقد قرئ هذا الحرف على وجهين، قال بعضهم: وإنك لا تظمأ فيها، وقال بعضهم: "وأنك" القراءتان: فتح همزة أنك وكسرها سبعيتان. الفتح بالعطف على ألا تجوع والكسر بالعطف على جملة أن الأولى أو على الاستنئاف. انظر: النشر 2/ 322، الإتحاف 308. الكاشف 2/ 444. البحر المحيط 6/ 284. 2 النحل: 124.

الذي لا يضارع الفعل, نحو قولك: إن الله لربنا, وإن زيدًا لأخوك, فليس هنا فعل ولا مضارع لفعل. ولا يجوز أن تُدخل هذه اللام على حرف الجزاء, لا تقول: إن زيدًا, لأن أتاني أكرمته, ولا ما أشبه ذلك. ولا تدخل على النفي, ولا على الحال, ولا على الصفة, ولا على التوكيد, ولا على الفعل الماضي كما قلنا, إلا أن يكون معه "قد". ولكنَّ الثقيلة التي تعمل عمل "إن" يستدرك بها بعد النفي وبعد الإِيجاب, يعني إذا كان بعدها جملة تامة كالذي قبلها نحو قولك: ما جاءني زيدٌ لكن عمرًا قد جاء, وتكلم عمرو لكن بكرًا لم يتكلم. ولكن الخفيفة إذا ابتدأت ما بعدها وقعت أيضًا بعد الإِيجاب والنفي للاستدراك. فأما إذا كانت "لكن" عاطفة اسمًا مفردًا على اسم/ 275 لم يجز أن تقع إلا بعد نفي, لا يجوز أن تقول: جاءني زيد لكن عمرو, وأنت تريد عطف عمرو على زيد1.

_ 1 بل القول الصحيح: ما جاءني زيد لكن عمرو هذا في المفرد أما إذا عطفت بها جملة جاز أن يكون ذلك بعد الإيجاب، تقول: قد جاءني زيد لكن عمرو لم يأتني.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: إن عبد الله الظريف منطلق, فإن لم تذكر "منطلق" وجعلت الظريف خبرًا رفعته فقلت: إن عبد الله الظريف1, كما كنت تقول: كان زيدٌ الظريف ذاهبًا, وإذا لم تجئ بالذاهب قلت: كان زيدٌ الظريف وتقول: إن فيها زيدًا قائمًا إذا جعلت "فيها" الخبر ونصبت "قائمًا"على الحال. فإن جعلت "قائمًا" الخبر والظرف "فيها" رفعت فقلت: إن فيها زيدًا قائم, وكذلك إن زيدًا فيها قائمٌ وقائمًا, تقول: إن بك زيدًا مأخوذ, وإن لك زيدًا, واقف لا يجوز إلا الرفع؛ لأن "بك ولكل" لا يكونان خبرًا لزيد2, فلو قلت: إن زيدًا بكَ وإن زيدًا لك, لم يكن كلامًا تاما وأنت

_ 1 وذلك لأن الخبر لا بد منه، وله وضع الكلام، والصفة تبيين وتركها جائز. 2 لأن المتعلق مخصوص لا يفهم المراد به إلا ذكر "لا" للإلغاء.

تريد هذه المعاني, فإن أردت بأن زيدًا لك/ 276 أي: ملك لك, وما أشبه ذلك, جاز, ومثل ذلك: إن فيك زيدًا لراغب, ولو قلت: إن فيك زيدًا راغبًا لم يصلح, وإنما تنصب الحال بعد تمام الكلام, وتقول: إن اليوم زيدًا منطلق, لا يجوز إلا الرفع, لأن "اليوم" لا يكون خبرًا لزيد, وتقول: إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب "اليوم" بإن؛ لأنه ليس هنا بظرف إذ صار في الكلام ما يعود إليه. وتقو ل: إن زيدًا لفيها قائمًا. وإن شئت ألغيت "لفيها" فقلت: إن زيدًا لفيها قائم واللام تدخل على الظرف خبرًا كان أو ملغى, مقدمًا على الخبر خاصة ويدلك على ذلك قول الشاعر وهو أبو زبيد: إن أمرًا خصني عمدًا مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور1 وإذا قلت: إن زيدًا فيها لقائم, فليس "فيها" إلا الرفع؛ لأن اللام لا بُدَّ من/ 277 أن يكون خبر إن بعدها على كل حال, وكذلك: إن فيها زيدًا لقائم, وروى الخليل: أن ناسًا يقولون: إن بك زيد مأخوذ, فقال: هذا علي: إنه بك زيد مأخوذ, وشبهه بما يجوز في الشعر نحو قول ابن صريم اليشكري: وَيْوَمًا تُوافِينَا بِوَجْهٍ مقسَّم ... كَأَنْ طَبْيةٌ تَعْطُو إلى وَارِقِ السلمِ 2

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 281. على إلغاء الظرف وهو "عندي" والمكفور هنا: من كفر النعمة. وجحودها، وأراد: خصني بمودته فحذف وأوصل الفعل فنصب، والبيت لأبي زبيد يمدح أخاه لأمه وليد بن عقبة. وانظر: شرح السيرافي 3/ 5، ابن يعيش 8/ 64. والهمع جـ1/ 116 والمغني جـ2/ 752. تحقيق د. مازن المبارك. 2 من شواهد سيبويه 1/ 281 على رفع ظبية على الخبر وحذف الاسم مع تخفيف "كأن" والتقدير: كأنها ظبية. ويجوز نصب "الظبية" "بكأن" تشبيها بالفعل إذا حذف بعضه وعمل نحو: لم يك زيد منطلقا. والخبر محذوف لعلم السامع، والتقدير: كأن ظبية تعطو هذه المرأة. ويجوز جر الظبية على تقدير: كظبية و"أن" زائدة مؤكدة. والموافاة: الإتيان. والمقسم -بضم الميم وفتح القاف والسين- المحسن من القسامة وهو الحسن، يقال فلان: قسيم الوجه ومقسمه، أي: حسنه، وتعطو: تتناول وعداه "بإلى" لتضمنه معنى تميل. والوراق: اسم فاعل، وفعله أورق وهو نادر. والسلم: شجر العضاة، وصف امرأة حسنة الوجه، فشبهها بظبية مخصبة، تأتي إلى الشجر الكثير الأوراق فتتناول منه ما تشاء وذلك أدعى لسمنتها وتمام خلقها. وانظر: الكامل/ 49، وشرح السيرافي 4/ 50، والمحتسب 1/ 308، وابن يعيش 8/ 83، والتصريح 1/ 234، والعيني 2/ 301، والخزانة 4/ 365، والمغني 1/ 32.

وقال آخر: وَوَجْه مُشْرِقِ النَّحْرِ ... كأنْ ثَدْياهُ حُقَّانِ1 لأنه لا يحسن ههنا إلا الإِضمار.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 281 على تخفيف "كأن" وحذف اسمها ورفع الاسم المذكور بعدها على أنه مبتدأ، والجملة منه ومن خبره خبر "كأن" والتقدير: كأنه ثديا حقان. ويجوز أن تقول: كأن ثدييه حقان على الأعمال، وقد ورد كذلك في رواية أخرى. والهاء في ثدييه عائدة على النحر أو الوجه لأن فيه رواية أخرى: ونحر مشرق اللون. والمراد: كأن ثديي صاحبه حقان في نهودهما. واكتنازهما. ومشرق: من أشرق أي: أضاء. والنحر: موضع القلادة من الصدر والحق بالضم، ويقال أيضا حقة معروفة. ولم ينسب لقائل معين. وانظر: شرح السيرافي 3/ 6، وأمالي ابن الشجري 1/ 237، وشرح المفصل لابن يعيش 8/ 82، وشرح ابن عقيل 147، والخزانة 4/ 358.

وزعم الخليل: أن هذا يشبه قول الفرزدق: فَلَوْ كُنْتٌ ضَبِّيًا عَرَفْت قَرَابتي ... وَلَكِنَّ زِنجيٌ عَظِيمُ المشافِرِ1 قال سيبويه: والنصب أكثر في كلام العرب, كأنه قال: ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي. ولكنه أضمر هذا. قال: والنصب أجود, لأنه لو أراد الإِضمار لخفف ولجعل المضمر مبتدأ كقولك: ما أنت صالحًا ولكن طالح: وتقول: إن مالًا وإن ولدًا, وإن عددًا أي: إن لهم2 / 278 مالًا, والذي أضمرت "لهم" وقال الأعشى: إنَّ محلًا وإنَّ مرتحلًا ... وإنَّ في السفر إذ مَضَوْا مَهَلًا3

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 282 و284 على جواز حذف اسم "لكن" والتقدير: ولكنك زنجي، ويجوز نصب "زنجي" "بلكن" على إضمار الخبر وهو أقيس. والتقدير: ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي. والبيت في هجاء رجل من ضبة اسمه: أيوب بن عيسى فنفاه عنها ونسبه إلى الزنج. وأصل المشفر للبعير فاستعاره للإنسان لما قصد به تشنيع الخلق. والقرابة التي بين ضبة وبينه، أنه من تميم بن مر بن أد بن طابخة وضبة هو ابن أد بن طابخة. وقافية البيت اشتهرت عند النحويين كذا وصوابه: "ولكن زنجيا عظيما مشافره" وبعده: مقتت له بالرحم بين وبينه ... فألقيته مني بعيدا أواصراه ورواية الديوان: ولو كنت ... .... ولكن زنجي. وانظر: مجالس ثعلب 1/ 105 وشرح السيرافي 3/ 6 والمحتسب 2/ 182 وجمهرة اللغة 3/ 490، والأغاني 19/ 24، والمخصص 7/ 48، وشرح القصائد السبع لابن الأنباري/ 145، وابن يعيش 8/ 82، والمغني 1/ 323 والإنصاف/ 18، والديوان/ 481. 2 انظر الكتاب 1/ 282 و284. 3 من شواهد الكتاب 1/ 284، على جواز حذف خبر "إن" للعلم ولا يشترط في ذلك أن يكون الاسم معرفة، بل هو جائز سواء أكان الاسم معرفة أم نكرة، وسواء كررت "إن" أم لم تكرر وزعم الكوفيون: أنه يشترط تنكير الاسم، وزعم الفراء، أنه يشترط تكرير "إن" ويروى: إذ مضوا مهلا. والمحل والمرتحل: مصدران ميميان بمعنى الحلول والارتحال، أو اسما زمان، أي: إن لنا في الدنيا حلولا، وإن لنا عنها ارتحالا. والسفر: اسم جمع مسافر وقيل جمع سافر. والمهل: السبق. والبيت مطلع قصيدة للأعشى في المدح. وانظر المقتضب 4/ 130، وشرح السيرافي 3/ 8، والخصائص 2/ 373، وأمالي الشجري 1/ 322 وابن يعيش 8/ 84، والمغني 1/ 87 تحقيق: د. مازن المبارك، والسيوطي/ 84, والأغاني 9/ 121 وروايته: وإن في السفر من مضى مهلا. والخزانة 4/ 381. والمحتسب 1/ 349، والديوان 170.

وتقول: إن غيرها إبلا وشاء, كأنه قال: إن لنا غيرها إبلا وشاء, وإن عندنا غيرها إبلا وشاء, فالذي يضمر هذا النحو وما أشبهه, ونصبت إبلا وشاء على التمييز, والتبيين, كانتصاب الفارس إذا قلت: ما مثله من الناس فارسًا, ومثل ذلك قول الشاعر: يا لَيْتَ أياَّمَ الصِّبَا رواجِعَا1 كأنه قال: يا ليت أيام الصبا لنا رواجعا أو أقبلت رواجعًا. وقال الكسائي: أضمر "كانت"2 وتقول: إن قريبًا منك زيدًا إذا جعلت "قريبًا" ظرفًا, وإن جعلته اسمًا قلت: إن قريبًا منك زيد, فيكون الأول هو

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 284 على نصب "رواجعا" على الحال، وحذف الخبر ويستدل به الكوفيون -الفراء خاصة- على نصب المبتدأ والخبر "بليت". ولم ينسب هذا الرجز لقائل معين، وقد نسب في حاشية المغني تحقيق الدكتور مازن المبارك إلى العجاج ولم يوجد في ديوانه وانظر شرح السيرافي 3/ 9 والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 165، وابن يعيش 8/ 84، والمغني 1/ 316، والخزانة 4/ 290. 2 الكسائي يقدر "رواجعا" خبرا لكان المحذوفة، لأن "كان" تستعمل كثيرا هنا. قال تعالى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} وقال: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} . والفراء يجعل "ليت" ناصبة للمبتدأ والخبر معا، وانظر المغني 1/ 361 تحقيق الدكتور مازن المبارك، وشرح المفصل 8/ 84، والخزانة 4/ 291، والهمع 1/ 134.

الآخر. وإذا كان ظرفًا كان غيره. وتقول: إن بعيدًا منك زيد, والوجه: أن تجعل المعرفة اسم إن1 فتقول: إن زيدًا بعيد منك. قال سيبويه: وإن شئت/ 279 قلت: إن بعيدًا منك زيدًا, وقلما2 يكون بعيد منك ظرفًا. وإنما قل هذا لأنك لا تقول إن بعدك زيدًا, وتقول إن قربك زيدًا3, فالدنو أشد تمكنا من الظروف من البعد, لأن حق الظرف أن يكون محيطًا بالجسم من أقطاره. وزعم يونس: أن العرب تقول: إن بدلك زيدًا, أي: إن مكانك زيدًا4, وإن جعلت البدل بمنزلة البديل, قلت: إن بدلك زيد, أي: إن بديلك5 زيد, وتقول: إن ألفًا في دراهمك بيض, إذا جعلت: "بيضًا" خبرًا فإن وصفت بها "ألفًا" قلت: إن ألفًا في دراهمك بيضًا, يجوز لك أن تفصل بين الصفة والموصوف وتقول: إن زيدًا منطلق وعمرًا ظريف فتعطف عمرًا على "إن" ومثل ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} 6. وقد رفعه قوم ولم يجعلوا/ 280 الواو عاطفة على تأويل "إذ"7 كقولك: لو ضربت عبد الله وزيد قائم

_ 1 قال المبرد: والمعرفة والنكرة ههنا واحد، وإنما تحذف إذا علم المخاطب ما تعني بأن تقدم له خبرا، أو يجري القول على لسانه، وانظر المقتضب 4/ 130. 2 في الأصل: وقل ما. 3 انظر الكتاب 1/ 284-285. 4 المصدر السابق 1/ 285. 5 في الأصل "بدلك". 6 لقمان: 27. 7 في الكتاب 1/ 47. وأما قوله -عز وجل: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} ، فإنما وجهوه على أنه يغشى طائفة منكم وطائفة في هذه الحال. كأنه قال إذ طائفة في هذه الحال، فإنما جعله وقتا، ولم يرد أن يجعلها واو عطف، إنما هي واو الابتداء. وانظر المقتضب 4/ 125.

ما ضرك, أي: لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال, فكأنه قال: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نَفَدِتْ كلمات الله وتقول: إن زيدًا منطلق وعمرًا فتعطف على زيد وتستغني بخبر الأول, إذ كان الثاني في مثل حاله, قال رؤبة: إنَّ الرَّبيعَ الجود والخريفا ... يدا أبي العباس والصيوفا1 أراد: وإن الصيوف يدا أبي العباس فاكتفى بخبر الأول. ولك أن ترفع على الموضع, لأن موضع إن الابتداء فتقول: إن زيدا منطلق وعمرو, لأن الموضع للابتداء, وإنما دخلت إن مؤكدة للكلام. وتقول: إن قومك فيها أجمعون. وإن قومك فيها كلهم ففي "فيها" اسم مضمر مرفوع كالذي يكون في الفعل/ 281 إذا قلت: إن قومك ينطلقون أجمعون, فإذا قلت: إن زيدًا فيها, وإن زيدًا يقول ذلك, ثم قلت: نفسه. فالنصب أحسن. فإذا أردت حمله على المضمر قلت: إن زيدًا يقول ذاك هو نفسه, فإذا قلت: إن زيدا منطلق لا عمرو, فتفسيره كتفسيره مع الواو في النصب والرفع وذلك قولك: إن زيدًا منطلق لا عمرًا, وإن زيدًا منطلق لا عمرو, ولكن بمنزلة إن وتقول: إن زيدا فيها لا بل عمرو, وإن شئت نصبت و"لا بل" تجري مجرى الواو ولا تقول: إن زيدًا منطلق العاقل اللبيب, إذا جعلته صفة لزيد, ويجوز أن تقول: إن زيدًا منطلق العاقل اللبيب فترفع.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 285، على العطف على اسم أن بالنصب. والجواد: بفتح الجيم وسكون الواو: المطر الغزير. مدح الشاعر: عبد الله السفاح، وأراد بالربيع والخريف والصيوف: أمطارهن. وفي هذا الرجز عكس التشبيه. والأصل أن يدي أبي العباس الربيع والخريف والصيوف. وانظر المقتضب 4/ 111، وشرح السيرافي 3/ 10، والتصريح 1/ 226، والعيني 1/ 261، وديوان رؤبة/ 179. وذكر هناك على أنه مما نسب إليه مع بيتين آخرين من الرجز، والهمع 2/ 144.

قال سيبويه: والرفع على وجهين: على الاسم المضمر في "منطلق" كأنه بدل منه, كقولك: مررت به زيد -يعني أنه يجعله بدلًا من المضمر في منطلق. قال: وإن شاء رفعه على معنى: مررت به زيد, إذا كان جواب1 / 282 من هو فتقول: زيد كأنه قيل له: من هو؟ فقال: العاقل اللبيب, وقد قرأ الناس هذه الآية على وجهين: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} 2, وعلامَ الغيوب. وتقول: إن هذا أخاك منطلق, فتنصب أخاك على ضربين من التقدير: على عطف البيان وهو كالصفة, وعلى البدل, فمن قال هذا قال: إن الذي رأيت أخاك ذاهب, ولا يكون الأخ صفة "الذي", لأن أخاك أخص من الذي. فلا يكون صفة وإنما حق الصفة أن تكون أعم من الموصوف. قال الخليل: إن من أفضلهم كان زيدًا, على إلغاء "كان"3. قال سيبويه: وسألت الخليل عن قوله: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 4 و {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} 5, فزعم: أنها وي مفصولة من "كأن" والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم: أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم. قال: وأما المفسرون فقالوا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ} 6, وقال/ 283 زيد بن عمرو بن نفيل.

_ 1 الكتاب 1/ 286. 2 سبأ: 48 وقراءة: "عَلَّامُ الْغُيُوبِ" بالنصب من الشواذ. ابن خالويه/ 122. وفي البحر المحيط 7/ 292 قرأ الجمهور: {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} بالرفع. فالظاهر أنه خبر ثانٍ وهو ظاهر قول الزجاج. وقال الزمخشري رفعه محمول على محل "أن" واسمها أو على المستكن في "يقذف" أو هو خبر مبتدأ محذوف. 3 انظر الكتاب 1/ 290. 4, 5 القصص: 82. 6 انظر الكتاب 1/ 290.

سألتاني الطَّلاق إذْ رأتَاني ... قَلَّ مالي قَدْ جِئْتُماني بنكر ويَ كأنْ مَنْ يَكُنْ لَه نَشَبٌ يُحبَـ ... ـبْ ومَنْ يفتقرْ يَعشْ عيَشَ ضُرِّ1 قال2 وناس من العرب, يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون, وإنكَ وزيد ذاهبان وذلك: أن معناه معنى الابتداء فيرى أنه قال هم كما قال زهير: بَدَا لي أنِّي لَسْتُ مُدْرِكٌ ما مَضَى ... ولا سَابِقٍ شيئًا إذَا كَانَ جَائِيا3

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 290. على تركيب "ويكأن" من "وي" التعجبية، و"كأن" المخففة من المثقلة. وفيها شاهد: على أن أسماء الأفعال ترد للتندم. وذكر الأعلم: أن بعض النحويين زعم: أن قولهم: ويكأن بمعنى: ويلك اعلم أن.. فحذفت اللام من "ويلك" كما قال عنترة: قيل الفوارس ويك عنتر أقدم. وحذف "اعلم" لعلم المخاطب مع كثرة الاستعمال. وهذا القول مردود لما يقع فيه من كثرة التغيير. وقوله: سألتاني أبدل فيه الهمزة ألفا صورة، أو يكون استعمل لغة من يقول: سلته أسأله مثل: خفته أخافه، وهما يتساولان وهي لغة معروفة وعليها قراءة من قرأ: "سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذابٍ وَاقِعٍ". والنشب: المال، ويروى: سألتاني الطلاق أن رأتاني ... وانظر شرح السيرافي 1/ 234، والمقتضب 2/ 155، تحقيق د: مازن المبارك، 2/ 139، والصاحبي لابن فارس/ 147، ومجالس ثعلب 389، وابن يعيش 4/ 76، ومعاني القرآن 2/ 312. 2 يعني سيبويه: انظر الكتاب 1/ 290، وانظر الدرر اللوامع للشنقيطي 3/ 140، والخزانة 3/ 95. 3 من شواهد الكتاب 1/ 154 على عطف "سابق" بالجر على "مدرك" على توهم الباء فيه. ورواية سيبويه: ولا سابقا شيئا، والديوان: ولا سابقي شيء. وانظر الكتاب 2/ 278، والمقتضب 2/ 339، وشرح السيرافي 3/ 16، والإنصاف 111، وابن يعيش 8/ 69، والمفصل للزمخشري 256، والعيني 2/ 262، والخزانة 3/ 665، والديوان 287.

فأضمر الباء وأعلمها, وأما قولهم: {وَالصَّابِئُونَ} 1 فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ فقال: والصابئون بعد ما مضى الخبر, قال الشاعر: وإلاَّ فاعْلَمُوا أنَا وأَنْتُم ... بُغَاة ما بَقيْنَا في شِقَاقِ2 كأنه قال: فاعلموا أنا بغاة ما بقينا وأنتم كذلك. وتقول: إن القائم أبوه منطلقة جاريته, نصبت القائم بإن, ورفعت الأب بفعله وهو القيام ورفعت "منطلقةً", لأنه خبر إن, ورفعت الجارية بالانطلاق, لأنه فعلها. ويجوز أن/ 284 تكون الجارية مرفوعة بالابتداء, وخبرها: "منطلقة" والجملة خبر "إن" فيكون التقدير: إن القائم أبوه جاريته منطلقة, إلا أنك قدمت وأخرت ويقول: إن القائم وأخوه قاعد, فترفع الأخ بعطفك إياه على المضمر في "قائم" والوجه إذا أردت أن تعطفه على المضمر المرفوع أن تؤكد ذلك المضمر, فتقول: إن القائم هو وأخوه قاعدٌ. وإنما قلت: "قاعد" لأن الأخ لم يدخل في "إن" وإنما دخل في صلة القائم فصار بمنزلة قولك: إن الذي قام مع أخيه قاعدٌ, ونظير ذلك أن المتروك هو وأخوه مريضين

_ 1 المائدة: 66 والآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} هذا على التقديم والتأخير عند البصريين، أما الكوفيون فيرون أن "الصابئين" معطوف على موضع "أن" قبل تمام الخبر, وهو قوله تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} . وانظر الإنصاف 1/ 108، وابن يعيش 8/ 69. 2 من شواهد الكتاب 1/ 290 على رفع قوله: بغاة على التقديم والتأخير فأنتم: مبتدأ، والخبر محذوف لعلم السامع، والتقدير: نحن بغاة ما بقينا وأنتم، والذي سوغ حذف الأول لدلالة الثاني عليه، والبغاة: جمع باغ، وهو الساعي بالفساد. والشقاق: الخلاف وأصله أن يأتي كل واحد من الفريقين ما يشق على صاحبه، أو يكون كل واحد منهما في شق غير شق صاحبه. والشق: الجانب. والبيت لبشر بن أبي خازم الأسدي: وانظر: معاني القرآن 1/ 311، وشرح السيرافي 3/ 16، وابن يعيش 8/ 70، والإنصاف 1/ 108، والتصريح 1/ 328، وشرح شواهد الألفية للعاملي/ 112، والخزانة 4/ 315.

صحيح, ولو أردت أن تدخل الأخ في "إن" لقلت: إن المتروك مريضًا وأخاه صحيحان, وتقول: إن زيدا كان منطلقًا, نصبت زيدًا "بإن" وجعلت ضميره في "كان". وكان وما عملت فيه في موضع خبر "إن" وإن شئت رفعت "منطلقًا" على وجهين: أحدهما: أن تلغي "كان"/ 285 وقد مضى ذكر ذلك. والوجه الثاني: أن تضمر المفعول به في "كان", وهو قبيح, وتجعل منطلقًا اسم "كان" فكأنك قلت: إن زيدًا كأنه منطلق. وقبحه من وجهين: أحدهما: حذف الهاء, وهو كقولك: إن زيدًا ضرب عمرو, تريد: ضربه, والوجه الآخر: أنك جعلت منطلقًا هو الاسم "لكان" وهو نكرة وجعلت الخبر الضمير وهو معرفة فلو كان: إن زيدًا كان أخوك, تريد: كأنه أخوك, كان أسهل وهو مع ذلك قبيح لحذف الهاء وتقول: إن أفضلهم الضارب أخًا له -كان صالحًا- فقولك: كان "صالحًا" صفة لقولك: "أخا له", لأن النكرات توصف بالجمل, ولا يجوز أن تقول: إن أفضلهم الضارب أخاه كان صالحًا, فتجعل: "كان صالحًا" صفة لأخيه, وهو معرفة، فإن قال قائل: فإنها نكرة مثلها فأجز ذلك على أن تجعله حالًا فذاك قبيحٌ والأخفش يجيزه على قبحه/ 286 وقد تأولوا على ذلك قول الله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} 1 وتأويل ذلك عند

_ 1 النساء: 90، وقوع الفعل الماضي حالا من غير تقدير "قد" وهو مذهب الكوفيين والأخفش، وقد عقد ابن الأنباري لذلك مسألة في الإنصاف/ 160-164 وقد جهد ابن الأنباري في تضعيف مذهب الكوفيين وإن كان مرتكزا على أساس متين من القياس والسماع. والمتبع لأبي حيان في البحر المحيط يجده في مواضع كثيرة يرجح مذهب الكوفيين، ولا يقدر "قد" مع الماضي فيقول 3/ 317 جاء منه ما لا يحصى كثرة بغير "قد" ويقول 6/ 355 ولا يحتاج إلى إضمار "قد" لأنه قد كثر وقوع الماضي حالا في لسان العرب بغير "قد" فساغ القياس عليه. ويقول في 6/ 355 "أيضا" ولا يحتاج إلى إضمار "قد" فقد كثر وقوع الماضي حالا بغير "قد" كثرة ينبغي القياس عليها. ويقول 7/ 493 وقد أجاز الأخفش من البصريين وقوع الماضي حالا بغير "قد" وهو الصحيح، إذ كثر ذلك في لسان العرب كثرة توجب القياس، ويبعد فيها التأويل.

أبي العباس: على الدعاء وأنه من الله تعالى إيجاب عليهم. وقال: القراءة الصحيحة التي جل أهل العلم عليها إنما هي: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَةً صُدُورُهُمْ} 1. وقال الأخفش: أقول: إن في الدار جالسًا أخواك, فانصب "جالسًا" "بإن" وارفع "الأخوين" بفعلهما واستغنِ بهما عن خبر "إن" كما أقول: أذاهب أخواكَ فارفع "أذاهب" بالابتداء, وأخواك بفعلهما واستغنِ عن خبر الابتداء, لأن خبر الابتداء إنما جيء به ليتم به الكلام. قال: وكذلك تقول: إن بك واثقًا أخواك, وإن شئت "واثقين أخواك" فجعلت "واثقين" اسم "إن", ولا يجوز: أن بك واثقين أخويك فتنصب "واثقين" على الحال, لأن الحال لا يجوز في هذا, لأنك لا تقول: إن بك أخويك, وتسكت. وتقول: إن فيها قائمًا أخواك, وإن شئت/ 287 قائمين أخويك, فتنصب أخويك "بأن" وقائمين على الحال, وفيها خبر "إن" وهو خبر مقدم, وإذا ولي "قائم" إن, ولم يكن بينهما ظرف لم يجز توحيده عند الكوفيين, وصار اسمًا لا يفصل بينه وبين عمله بخبر إن وذلك قولك: إن قائمين الزيدان, وإن قائمين الزيدون.

_ 1 هذه جرأة من المبرد فصنيعه هذا يشعر بأن قراءة "حصرت" بالتاء المفتوحة ليست بصحيحة مع أن القراء السبعة اتفقوا عليها، ولم يقرأ "حصرة" إلا يعقوب من العشرة. انظر: النشر 2/ 251، والإتحاف/ 193، والمقتضب ج4/ 125.

وأجاز الفراء: إن قائمًا الزيدان وإن قائمًا الزيدون, على معنى إن من قام الزيدان. وإن من قام الزيدون. وأجاز البصريون إن قائمًا الزيدان والزيدون على ما تقدم ذكره, ولا يجيز الكوفيون. إن آكلًا زيد طعامك, إذا كان المنصوب بعد زيد, وهذا جائز عند البصريين, فإن قلت: إن آكلًا طعامك زيدٌ, كانت المسألة جائزة في كل قول, وكذلك كل منصوب, من مصدر أو وقت أو حال أو ظرف, فإن قلت/ 288: خلفك آكلًا زيد, استوى القولان في تأخير الطعام بعد زيد فقلت: إن خلفك آكلًا زيد طعامك, ولك أن تؤخر "آكلًا", والظروف من الزمان في ذا كالظروف من المكان. والفراء1 يجيز: إن هذا وزيد قائمان, وإن الذي عندك وزيد قائمان, وإنك وزيد قائمان, إذا كان اسم "إن" لا يتبين فيه الإِعراب نحو هذا وما ذكرناه في هذه المسائل, وعلى ذلك ينشدون هذا البيت2:

_ 1 قال الفراء: ولا أستحب أن أقول: إن عبد الله وزيد قائمان، لتبين الإعراب في عبد الله، وقد كان الكسائي يجيزه لضعف "إن" وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا: فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيارا بها لغريب وقيار: ليس هذا بحجة للكسائي في إجازته: "إن عمرا وزيدا قائمان" لأن قيارا قد عطف على اسم مكنى عنه والمكنى لا إعراب له فيسهل ذلك فيه كما سهل في "الذين" إذا عطفت عليه "الصابئون". وهذا أقوى من الصابئين، لأن المكنى لا يتبين فيه الرفع في حال، والذين قد يقال: اللذون فيرفع في حال. معاني القرآن جـ1/ 311. 2 من شواهد الكتاب 1/ 8. على أن قوله: "وقيار" مبتدأ حذف خبره، والجملة على هذا اعتراضية بين اسم إن وخبرها، وتقدير الكلام: فإني وقيار كذلك لغريب. ويروى البيت: وقيارا بالعطف على اسم "إن" وقيرا: هو فرس الشاعر أو غلامه وقيل: هو اسم جملة. والمعنى: من يك مقيما بالمدينة فلست على صفته وإني غريب عنها. والبيت لضابئ بن الحارث البرجمي من أبيات قالها في سجنه بالمدينة على عهد عثمان وذلك لقذفه المحصنات. وانظر: معاني القرآن 1/ 311، وشروح سقط الزند 4/ 1773، وابن يعيش 8/ 68، والخزانة 4/ 323.

ومَنْ يَكُ أَمْسَى بالمَدينة رَحلُه ... فَإنِّي وَقَيَّارٌ بَهَا لَغَريبُ فيرفع "قيارًا" وينصب وكذلك لو قال: الغريبان, فإفراد الفعل وتثنيته في هذا عندهم سواء. والكسائي يجيز الرفع في الاسم الثاني مع الظاهر والمكنى, فإن نعت اسم إن أو أكدته أو أبدلت منه, فالنصب عندنا لا يجوز غيره, وإنما الرفع جاء عندنا على الغلط1. وقد قال الفراء: يجوز أن تقول: إنهم أجمعون قومك على/ 289 الغلط لما كان معناه: هم أجمعون قومك, وإنه نفسه يقوم, يجوز أن ترفع توكيد ما لا يتبين فيه الإِعراب, وهو وأصحابه كثيرًا ما يقيسون على الأشياء الشاذة. وقال قوم: إن الاختيار مع الواو التثنية في قولك: إن زيدًا وعمرًا قائمان, ويجوز: قائم مع ثم والفاء التوحيد, ويجوز التثنية, يجوز: إن زيدًا ثم عمرًا قائم, وقائمان. وإن زيدًا فعمرًا قائم وقائمان. ومع "أو" "ولا" التوحيد, لا غير, لأن الخبر عن أحدهما خاصة دون الآخر. واعلم: أن الهاء التي تسمى المجهولة في قولك: إنه قام بكر, وفي كل موضع تستعمل فيه, فهي موحدة لا ينسق عليها, ولا تكون منها حال منصوبة ولا توكيد, ولا تؤنث ولا تثنى, ولا تجمع, ولا تذكر, وما بعدها مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل. وقوم يقولون: إنها إذا كانت مع مؤنث أنثت,

_ 1 يشير إلى قول سيبويه: واعلم: أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان، وانظر الكتاب 1/ 290. ووجه الغلط أنهم رأوا أن معنى: إنهم: ذاهبون هم ذاهبون، فاعتقد سقوط "أن" من اللفظ، ثم عطف عليه بالرفع.

وذكرت نحو قولك: إنه قائمة جاريتك/ 390 وإنها قائمة جاريتك. وقالوا إذا قلت: إنه قائم جواريك, ذكرت لا غير, فإن جئت بما يصلح للمذكر والمؤنث أنثت وذكرت نحو قولك: إنه في الدار جاريتك, وإنها في الدار جاريتك. وحُكي عن الفراء أنه قال: لا أُجيز: إنه قام؛ لأن هاء العماد إنما دخلت لشيئين, لاسم وخبر, وكان يجيز فيما لم يسم فاعله: إنه ضُرِب, وقال: لأن الضمة تدل على آخر. والكسائي يجيز: إنه قام, قال: والبغداديون إذا وليت أن النكرات أضمروا والهاء ولم تضمر1 الهاء إلا صفة متقدمة, وإن جاءوا بعدها بأفعال -يعنون بالأفعال اسم الفاعل- أتبعوها إذا كانت نكرة ورفعوها إذا كانت معرفة كقولهم: إن رجلًا قائمًا, وإن رجلًا أخوك, وإذا أضمروا الخبر لم ينسقوا عليها بالمعرفة فلا يقولون: إن رجلًا وزيدًا, لأن خبر المعرفة لا يُضمر عندهم ويقولون: كل أداة ناصبة/ 291 أو جازمة لا تدخل عليها اللام مع "إن", فإن كانت الأداة لا تعمل شيئًا دخلت اللام عليها. وقد أجاز الفراء حذف الخبر في: "إن الرجل" وإن المرأة, وإن الفأرة, وإن الذبابة, ولا يجيزه إلا بتكرير "إن"2. ويقولون: "ليت" تنصب الأسماء والأفعال, أي: الأخبار نحو: ليت زيدًا قائمًا, وقال الكسائي: أضمرت: "كان"3.

_ 1 حذفت "يضمروا" لأنها زائدة. 2 هذا مذهب سيبويه والبصريين، قال: هذا باب ما يحسن عليه السكوت في هذه الأحرف الخمسة لإضمارك ما يمكن مستقرا لها وموضعا لو أظهرته وليس هذا المضمر نفس المظهر. وذلك: إن مالا، وإن ولدا، أي: إن لهم مالا، فالذي أضمرت "لهم". وانظر الكتاب 1/ 284. 3 إذا قلت: ليت زيدا قائما، فالتقدير عند الكسائي: ليت زيدا كان قائما، بإضمار "كان"، لأنها تستعمل هنا كثيرا، نحو قوله تعالى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} ، و {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} . أما الفراء: فأجاز نصب الاسمين جميعا بأن قال: ليت زيدا قائما. على معنى "تمنيت" فكأنه قال: أتمنى زيدا قائما، أو تمنيت زيدا قائما، كأنه يلمح الفعل الذي ناب عنه الحرف. وانظر ابن يعيش 8/ 64.

وقالوا: "لعل" تكون بمعنى: "كي"1 وبمعنى: خليق وبمعنى: ظننت, وقالوا: والدليل على ظننت أن تجيء بالشيئين, والدليل على "عسى" أن تجيء بأن, وقالوا: "ليت" قد ذهب بها إلى "لو" وأولوها الفعل الماضي, وليتني أكثر من ليتي, ولعلي أكثر من لعلني, وإنني وإني سواءٌ. وذكر سيبويه: لهنك لرجل صدق2 قال: وهذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين وليس كل العرب تتكلم بها في "إن" ولكنهم/ 292 أبدلوا الهاء مكان الألف كقولك: هرقت3. ولحقت هذه اللام "إن" كما لحقت "ما" حين قلت: "إن زيدًا لما لينطلقن فلحقت" اللام في اليمين والثانية لام "إن" وفي: لما لينطلقن اللام الأولى: لام "لئن" والثانية: لام اليمين. والدليل على ذلك النون التي معها. وقال: قول العرب في الجواب إنه, فهو بمنزلة أجل4 وإذا وصلت قلت: إنَّ يا فتى.

_ 1 تأتي لعل بمعنى: "كي" للتعليل، كقولك: ابعث إليّ بدابتك لعلي أركبها، أي: كي أركبها، وجعلوا منه قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} ، أي: كي تتقوا، وكي تعقلوا، وكي تذكروا، قال الكسائي والأخفش: ومنه لعله يتذكر. انظر التصريح جـ1/ 213. 2 انظر الكتاب 1/ 474. 3 من قال: هراق، فالهاء عنده بدل من همزة "أراق" على حد: هردت أن أفعل في أردت ونظائره. ومن قال: إهراق، فجمع بين الهمزة والهاء، فالهاء عنده زائدة كالعوض من ذهاب حركة العين على حد ضيعهم في "اسطاع" وانظر شرح المفصل لابن يعيش 10/ 5. 4 قال سيبويه: وأما قول العرب في الجواب: إنه بمنزلة أجل، وإذا وصلت قلت: إن يا فتى وهي بمنزلة أجل، قال الشاعر: ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه الكتاب 1/ 475 و2/ 279.

واعلم: أن "إنَّ وأخواتها" قد يجوز أن تفصل بينها وبين, أخبارها بما يدخل لتوكيد الشيء أو لرفعه؛ لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده وذلك قولك: إن زيدًا فافهم ما أقول رجل صالح, وإن عمرًا والله ظالم, وإن زيدا هو المسكين مرجوم؛ لأن هذا في الرفع يجري مجرى/ 293 المدح والذم في النصب وعلى ذلك يتأول قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} 1, فأولئك هو الخبر. ومذهب الكوفيين والبغداديين في "إن" التي تجاب باللام, يقولون: هي بمنزلة "ما" وإلا وقد قال الفراء: إنها بمنزلة "قد" وتدخل أبدًا على آخر الكلام نحو قولك: إن زيدًا لقائم, تريد: ما زيد إلا قائم, وقد قيل: إنه, يريد: قد قام زيد, وكذلك: إن ضرب زيد لعمرًا, وإن أكل زيد لطعامك وكان الكسائي يقول: هي مع الأسماء والصفات -يعني بالصفات والظروف- إن المثقلة خففت, ومع الأفعال بمعنى ما وإلا, وقال الفراء: كلام العرب أن يولوها الماضي قالوا: وقد حكى: إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه, وقد حُكي مع الأسماء وأنشدوا2: فقلت: إن القوم الذي أَنَا مِنهم ... لأَهل مَقَامَات وشَاء وجامِلِ3

_ 1 الكهف: 30. 2 رد ما ذهب إليه الكسائي بسماع الإعمال. يؤيد ذلك ما ذكره سيبويه من جواز إعمالها مع التخفيف، فحال "إن" المخففة كحالها وهي مشددة في جميع الأحكام إلا في شيء واحد، وهو أنها لا تعمل في الضمير بخلاف المشددة، تقول: إنك قائم، ولا تقول: إنك قائم، وانظر الارتشاف/ 583. والأشباه والنظائر 2/ 61. 3 لم أعثر لهذا الشاهد على ترجمة في كتب النحو واللغة والأدب.

وكل ما كان من صلة الثاني لم تدخل اللام عليه, وكل ما كان من صلة الأول أدخلت اللام عليه نحو قولك: إن ظننت زيدًا لفي الدار قائمًا, فإن كان في الدار من صلة الظن دخل عليها, وإن كان من صلة "قائم" دخلت اللام على "قائم" يعنون أن اللام إنما تدخل على ما هو في الأصل خبر المبتدأ, ألا ترى أنه لو خلا الكلام من "ظننت": كان زيد في الدار قائمًا, فزيد مبتدأ وفي الدار خبره وقائم حال, والعامل فيه "في الدار" فهو من صلة "في الدار" فاستقبحوا أن يدخلوا اللام على "قائم" لأنه من صلة الثاني, وهو الخبر, وقالوا: كل أخوات الظن وكان على هذا المذهب, وكذلك صلة الثاني في قولك: إن ضربت رجلًا لقائمًا, لا يدخلون/ 295 عليها اللام, و"قائمًا" صلة رجل هذا خطأ عندهم, وعند غيرهم, ولا يجوز: إن زال زيد قائمًا, لأنه لا يجوز, زال زيدٌ قائمًا وتقول: إن كان زيدٌ لقائمًا.

باب كسر ألف إن وفتحها

باب كسر ألف إن وفتحها مدخل ... باب كسر ألف إن وفتحها 1: ألف إن تكسر في كل موضع يصلح أن يقع فيه الفعل والابتداء جميعًا, وإن وقعت في موضع لا يصلح أن يقع فيه إلا أحدهما لم يجز لأنها إنما تشبه فعلًا داخلًا على جملة, وتلك الجملة مبتدأ وخبر, والجملة التي بعد "إنَّ" لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف, ألا ترى أنك تقول: إن عمرًا منطلق, فهذا موضع يصلح أن يبتدأ الكلام فيه فتقول: عمرو منطلق, ويصلح أن يقع الفعل موقع المبتدأ, فتقول: انطلق عمرو, وهذه الجملة لا موضع لها من الإِعراب, لأنها غير مبنية على شيء. و"إنَّ" المكسورة تكون مبتدأة ولا يعمل فيها ما قبلها وهي كلام تام/ 296 مع ما بعدها وتدخل اللام في خبرها2 ولا تدخل اللام في خبر "إن" إذا كانت

_ 1 الذي يجمع بين "إن وأن" هو العمل وحده، وذلك لو تتبعنا المواضع التي تفتح فيها الهمزة والتي تكسر لوجدناها تختلف اختلافا كليا. فإن ما بعد المكسورة كلام تام لفظا ومعنى، وهو يأتي لتحقيق مضمون الجملة بخلاف المفتوحة، لأن ما بعدها مفرد معنى، ولذلك تتعين المكسورة حيث لا يجوز أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها، قال سيبويه: وأما إن فهي بمنزلة الفعل لا يعمل فيها ما يعمل في "أن" كما لا يعمل في الفعل ما يعمل في الأسماء. وانظر الكتاب 1/ 461، والسيرافي 4/ 18. 2 لا يجوز مع لام الابتداء إلا كسر "إن" لأن لها صدر الكلام، وإنما أخرت إلى موضع الخبر، لئلا يجمع بين حرفي تأكيد، وموضعهما واحد لما في ذلك من إيهام الفساد باختلاف المعنى وإن أحدهما أحق بالتقديم من الآخر فأخرت اللام إلى موضع الخبر ... وانظر شرح الرماني 2/ 7.

"إن" محمولة على ما قبلها. واللام إذا وليت الظن والعلم علقت الفعل فلم تعمل نحو قولك: قد علمت إن زيدًا لمنطلق, وأظن إن زيدًا لقائم, فهذا إنما يكون في العلم والظن ونحوه. ولا يجوز في غير ذلك من الأفعال, لا تقول: وعدتك إنك لخارج, إنما تدخل في الموضع الذي تدخل فيه أيهم فتعلق الفعل, ألا ترى أنك تقول: قد علمت أيهم في الدار, وكل موضع تقع فيه "إن" بمعنى اليمين وصلة القسم1 فهي مكسورة, فمن ذلك قولهم إذا أرادوا معنى اليمين: أعطيته ما إن شره خير من جيد ما معك, وهؤلاء الذين إن أجبتهم لأشجع من شجعائكم, قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} 2 / 297 "فإن" تدخل صلة "للذي", لأن صلة الذي لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف جر. فإذا وقعت إن بعد القول حكاية فهي أيضًا مكسورة, لأنك تحكي الكلام مبتدأ, والحكاية لا تغير الكلام عما كان عليه تقول: قال عمرو: إن زيدًا خير منك. قال سيبويه: كان عيسى يقرأ هذا الحرف: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} 3

_ 1 تكسر همزة "إن" في جواب القسم ليفصل بين القسم والمقسم عليه، لأن هذا موقع لا يصلح فيه إلا الكسر كما لا يصلح إذا تقدم كلام دخوله وخروجه واحد في أنه لا يجوز أن يعمل في "إن" لأنه موضع قطع عن الكلام الأول كقولك: قد تكلم الناس في أمور كثيرة إني لأعجب منها، فهذا موضع قطع عن الكلام الأول فهو بمنزلة: إني لأتعجب من أمور كثيرة قد تكلم الناس فيها ... وانظر شرح الرماني 2/ 183. 2 القصص: 76. وانظر الكتاب 1/ 473. وقال الله عز وجل: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} . "فإن" صلة "لما" وتكسر همزة "إن" الواقعة في بدء جملة الصلة. 3 القمر: 10.

أراد أن يحكي كما قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} 1 كأنه قال والله أعلم: قالوا: ما نعبدهم2, فعلى هذا عندي قراءة: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} أي: دعا ربه فقال: إني مغلوب. وتكسر أيضًا بعد إلا في قولك: ما قدم علينا أمير إلا إنَّهُ مكرم لي, لأنه ليس هنا شيءٌ يعمل في "إن" ولا يجوز أن تكون عليه. قال سيبويه: ودخول اللام ههنا يدلك على أنه موضع ابتداء3. قال الله تعالى/ 298: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 4, فإن زال ما بعد إلا عن الابتداء وبنيته على شيء فتحت تقول: ما غضبت عليك إلا أنك فاسق, كأنك قلت: إلا لأنك فاسق, وأما قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} 5. فإنما حمله على "منعهم" أي: ما منعهم إلا أنهم كفروا, فموضع: أنهم كفروا, رفع, أي: ما منعهم إلا كفرُهم, فلما صار لها موضع فتحت. و"حتى": تبتدأ بعدها الأسماء وهي معلقة لا تعمل في "إن" وذلك قولك: قد قاله القوم حتى إن زيدًا يقوله: وانطلق الناس حتى إن عمرًا لمنطلق. وأحال6 سيبويه أن تقع المفتوحة ههنا, وكذلك إذا قلت: مررت فإذا إنَّهُ

_ 1 الزمر: 3. وانظر الكتاب 1/ 471: كأنه قال والله أعلم: قالوا: ما نعبدهم، ويزعمون: أنها في قراءة ابن مسعود كذا. ومثل ذلك كثير في القرآن. 2 انظر الكتاب 1/ 471. 3 انظر الكتاب 1/ 472. وشرح الرماني 2/ 184. 4 الفرقان: 20. وفي الكتاب 1/ 472، ودخول اللام ههنا يدلك على أنه موضع ابتداء. 5 التوبة: 54. 6 قال سيبويه: ولو أردت أن تقول: حتى إن في هذا الموضع, أي: موضع الابتداء كنت محيلا، لأن أن وصلتها بمنزلة الانطلاق. الكتاب 1/ 471، وشرح الرماني 2/ 184.

يقول ذاك, قال: وسمعت رجلًا من العرب ينشد هذا البيت1 كما أخبرتك به: وكُنْتُ أُرى زيدًا -كَما قِيلَ- سِيدًا ... إذَا إنَّهُ عَبْدُ القَفَا واللُّهَازمِ وإذا/ 299 ذكرت "إن" بعد واو الوقت كسرت, لأنه موضع ابتداء نحو قولك: رأيته شابا وإنه يومئذ يفخر.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 471. على جواز فتح همزة أن وكسرها بعد إذا فالكسر على نية وقوع المبتدأ والخبر بعد إذا، فالتقدير إذا هو عبد القفا، والفتح على تأويل المصدر: فإذا العبودية حاصلة ... والمعنى: كنت أظن زيدا سيدا شريفا كما قيل فيه، فظهر أنه لئيم. ومعنى قوله: عبد القفا واللهازم، أي: إذا نظرت إلى قفاه ولهازمه تبينت عبوديته ولؤمه، لأن القفا موضع الصفع واللهزمة موضع اللكز، وهي بضيعة في أصل الحنك الأسفل. وهذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. وانظر المقتضب 2/ 351، وشرح الرماني 2/ 183، والخصائص 2/ 269، وابن يعيش 8/ 61.

ذكر أن المفتوحة

ذكر أن المفتوحة: أن المفتوحة الألف مع ما بعدها بتأويل المصدر وهي تجعل الكلام: شأنًا وقصة وحديثًا, ألا ترى أنك إذا قلت: علمت أنك منطلق, فإنما هو: علمت انطلاقك, فكأنك قلت: علمت الحديث, ويقول القائل: ما الخبر؟ فيقول المجيب: الخبر أن الأمير قادم. فهي لا تكون مبتدأة ولا بد من أن تكون قد عمل فيها عامل أو تكون مبنية على قبلها, لا تريد بها الابتداء, تقول: بلغني أنك منطلق, "فأن" في موضع اسم مرفوع, كأنك قلت: بلغني انطلاقك, وتقول: قد عرفت أنك قادم, "فأن" في موضع اسم منصوب, كأنك قلت: عرفت قدومك, وتقول: جئتك لأنك1 كريم/ 300 "فأن" في موضع اسم مخفوض, كأنك قلت:

_ 1 وهذا الموقع الذي يدخل فيه حرف الجر على "أن".

جئت لكرمك, و"أن" إذا كانت مكسورة بمنزلة الفعل. وإذا كانت مفتوحة بمنزلة الاسم, والفعل لا يعمل في الفعل, فلذلك لا يعمل الفعل في "إن" المكسورة, ويعمل في "أن" المفتوحة لما صارت بمعنى المصدر, والمصدر اسم. قال سيبويه: يقبح أن تقول: أنك منطلق بلغني, أو عرفت1. وإنما استقبح ذلك -وإن أردت تقديم الفعل لامتناعهم- من الابتداء بأن المفتوحة لأنها إنما هي بمنزلة "أَنْ" الخفيفة التي هي مع الفعل بمعنى المصدر. وما كان بمنزلة الشيء فليس هو ذلك الشيء بعينه, فلا يجوز أن يتصرف تصرف "أن" الخفيفة الناصبة للفعل في جميع أحوالها. فأما "أَنْ" الخفيفة التي تنصب الفعل, فإنها يبتدأ بها, لأن الفعل صلة لها, وقد نابت هي والفعل عن مصدر ذلك الفعل, ولا يلي أن الخفيفة الناصبة للفعل إلا الفعل و"أَنَّ" الشديدة ليست كذلك, لأنه/ 301 لا يليها إلا الاسم, وهي بعد للتأكيد, كما إن "إن" المكسورة للتأكيد, تقول: إن يقوم زيد خير لك ولا يجوز: أنْ زيد قائم خير لك, قال الله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} 2, وتقول: ليت أن زيدًا منطلق, فأصل هذا الابتداء والخبر, فينوب عن خبر "ليت" ولا يجوز: أن يقوم زيد, حتى يأتي بخبر, وأنت مع "أن" تلفظ بالفعل ومع "أن" المشددة قد يجوز أن لا تلفظ بالفعل, نحو قولك: قد علمت أن زيدًا أخوك, والمواضع التي تقع فيها أن المفتوحة لا تقع فيها "إن" المكسورة, فمتى وجدتهما يقعان في موقع واحد, فاعلم: أن المعنى والتأويل مختلف. وإذا وقعت أن موقع المصدر الذي تدخل عليه لام الجر فتحتها, نحو: جئتك أنك, تريد

_ 1 الكتاب 1/ 463. ونص الكتاب: ألا ترى أنه قبيح أن تقول: إنك منطلق بلغني أو عرفت، لأن الكلام بعد أن وإن غير مستغن كما أن المبتدأ غير مستغن، وإنما كرهوا ابتداء "أن" يشبهوها بالأسماء التي تعمل فيها "إن" ولئلا يشبهوها بأن الخفيفة، لأن أن والفعل بمنزلة مصدر فعله الذي ينصبه والمصادر تعمل فيها إن وأن. 2 البقرة: 184.

الخير1, ويقول الرجل للرجل: لم فعلتَ ذلك؟ فيقول: لم2 أنه ظريف, تريد: لأنه. قال سيبويه: سألت الخليل3 عن قوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} 4 / 302 فقال: إنما هو على حذف اللام5, وقال عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِين} 6: إنما أراد: بأني, وإذا عطفت "إن" على أن, وقد عمل في الأولى الفعل ففتحها فتحتَ المعطوفَ أيضًا, إلا أن تريد أن تستأنف ما بعد حرف العطف, وتأتي بجملة نحو قولك: قد عرفتُ أنه ذاهب, ثم إنه معجل فتحت الثانية لأن "عرفت" قد عمل فيها, وتقول قد عرفتُ أنه منطلق ثم إنني أخبرتك أنه معجل, لأنك ابتدأت "بأني". وإن جئت بها بعد واو الوقت كسرت, كما أخبرتك وتقع بعد "لو" مفتوحة فتقول: لو أنك في الدار لجئتك. قال سيبويه: "فأن" مبنية على "لو" كما كانت مبنية على "لولا" تقول:

_ 1 أي: لأنك تريد الخبر. 2 في الأصل "لما". وانظر الكتاب 1/ 463. 3 انظر الكتاب 1/ 464. 4 المؤمنون: 52. قال شعيب: الآية في الأصل: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وكذلك جاءت في نسختين خطيتين من أصول سيبويه كما ذكر عبد السلام هارون، والصواب: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} كما أثبتنا، وهي الآية 52 من سورة المؤمنين، فإنها هي التي اختلف فيها القراء فبعضهم قرأ بكسر همزة إن وبعضهم قرأ بفتحها بخلاف الآية في سورة الأنبياء "92" فإنهم اتفقوا على قراءتها بكسر الهمزة. وفي البحر المحيط 6/ 408-409: قرأ الكوفيون بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف والحرميان وأبو عمرو بالفتح والتشديد، أي: ولأن وابن عامر بالفتح والتخفيف. وانظر النشر 2/ 327، والإتحاف/ 319. 5 انظر الكتاب 1/ 464، وفي المقتضب 2/ 247: وزعم قوم من النحويين: أن موضع إن خفض في هذه الآية وما أشبهها. وأن اللام مضمرة وليس هذا بشيء. 6 هود: 25، قال شعيب: قرأ ابن كثير وأبو عمرو، والكسائي: "أنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ" بفتح الألف، وقرأ الباقون بالكسر، "حجة القراءات" ص337.

لولا أني منطلق لفعلت, "فأن" مبنية على "لولا" كما تبنى عليها الأسماء, وقال في لو: كأنك قلت: لو ذاك, وهذا تمثيل, وإن كانوا لا يبنون على "لو", غير أن كما كان "تسلم" في قولك بذي تسلم في1 / 303 موضع اسم. قال أبو العباس -رحمه الله: إن "لو" إنما تجيء على هيئة الجزاء, فإذا قلت: لو أكرمتني لزرتك فلا بد من الجواب, لأن معناها: إن الزيارة امتنعت لامتناع الكرامة فلا بد من الجواب, لأنه علة الامتناع2 و"إن" المكسورة لا يجوز أن تقع هنا كما لا يجوز أن تقع بعد حروف الجزاء, لأنها إنما أشبهت الفعل في اللفظ والعمل لا في المعنى و"أن" المفتوحة مع صلتها مصدر في الحقيقة فوقوعها على ضربين: أحدهما أن المصدر يدل على فعله فيجري منه ويعمل عمله فقد صح معناها في هذا الوجه. فإن قال قائل إذا قلت: لو أنك جئتني لأكرمتك فلِمَ لا تقول: لو مجيئك لأكرمتك, قيل له: لأن الفعل الذي قد لفظت به من صلة "أن" والمصدر ليس كذلك, ألا ترى أنك تقول: ظننت أنك منطلق فتعديه إلى "أن" وهي وصلتها اسم واحد؛ لأنه قد صار لها اسم وخبر فدلت بهما على المفعولين. وغيرهما من الأسماء/ 304 لا بد معه من مفعول ثان. والوجه الآخر أن الأسماء تقع بعد "لو" على تقديم الفعل الذي بعدها, فقد وليتها على حال وإن كان ذلك من أجل ما بعدها, فلذلك وليتها "أن", لأنها اسم وامتنعت المكسورة, لأنها حرف جاء لمعنى التوكيد, والحروف لا تلي "لو" فمما وليها من الأسماء قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} 3. وقال جرير: لَوْ غَيْرُكُم عَلقَ الزُّبيرُ بِحبْلِه ... أدى الجِوَارَ إلى بني العَوَّامِ4

_ 1 انظر الكتاب 1/ 462. 2 انظر المقتضب 3/ 76. 3 الإسراء: 100 وتكملة الآية: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} . 4 الشاهد فيه: أن "لو" لا يليها إلا الفعل ظاهرا، وأما إن وليها مضمر فذلك خاص بالشعر كالبيت، والأصل: لو علق بغيركم فالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده، لأنه لفعل. وكذلك كل شيء للفعل. نحو: الاستفهام والأمر والنهي. والخطاب في البيت للفرزدق وقومه، يعيرهم بقتل ابن جرموز للزبير في جوارهم. قال المبرد: "فغيركم" يختار فيها النصب، لأن سببها في موضع نصب. وانظر المقتضب 3/ 78، والكامل/ 185، والكافية للرضي 2/ 325، والمغني 1/ 296، والديوان 553.

وفي المثل: لو ذات سوارٍ لطمتني1.. وكذلك: لو أنك جئت, أي: لو وقع مجيئك, لأن المعنى عليه, قال سيبويه: سألته -يعني الخليل- عن قول العرب: ما رأيته مذ أنّ الله خلقني. فقال: إن في موضع اسم كأنك قلت: مذ ذاك2, فإن كان الفعل أو غيره يصل باللام جاز تقديمه وتأخيره, لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى وذلك نحو قوله/ 305 تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} 3 أي: ولأن المساجد, وإنما جاز ذلك لأن اللام مقدرة قبل "أن" وهي العاملة في "أن" لا الفعل, وكل موضع تقع فيه "أن" تقع فيه "إنما" وما ابتدئ بعدها صلة لها كما أن ما ابتدئ بعد الذي صلة له ولا تكون هي عاملة فيما بعدها, كما لا يكون الذي عاملًا فيما بعده, فمن ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ

_ 1 معناه: لو ظلمني من كان كفؤا لها عليّ، ولكن ظلمني من هو دوني، وقيل: أراد: لو لطمتني حرة فجعل السوار علامة للحرة، ولأن العرب قلما تلبس الإماء السوار. وفي حاشية الأمير على المغني 1/ 212. أصله لحاتم الطائي أسر في حي من العرب، فقالت له امرأة رب المنزل: أقصد ناقة، وكان من عادة العرب أكل دم الفصاد في المجاعة فنحرها، وقال: هذا فصدي. فطلمته جارية فقال ذلك ... وانظر مقدمة ديوان حاتم/ 26، ومجمع الأمثال 2/ 174، قال المبرد والصحيح من روايتهم: لو غير ذات سوار لطمتني، وفيه خبر لحاتم، وانظر المقتضب 3/ 77، وفي الكامل/ 185: لو ذات سوار لطمتني كرواية ابن السراج. 2 أجاز الأخفش الكسر ومنعه بعضهم، لأن الجملة بعدها بتأويل مصدر. أما سيبويه وابن السراج فقد جوزا الفتح ساكتين عن إجازته وامتناعه، ولم يقل أحد بتعيين الكسر وامتناع الفتح. وانظر الكتاب 1/ 462، وشرح السيرافي 3/ 138 ورقة. 3 الجن: 18، وانظر الكتاب 1/ 464.

وَاحِدٌ} 1, فلو قلت: يوحي إليّ أن إلهكم إله واحد, كان حسنًا, فأما إنما مكسورة فلا تكون اسمًا وإنما هي -فيما زعم الخليل: بمنزلة فعل ملغى, مثل: أشهد لزيد خير منك2. والموضع الذي لا يجوز أن يكون فيه "أن" لا تكون "إنما" إلا مبتدأة مكسورة مثل قولك: وجدتك إنما أنت صاحب كل خنيّ لأنك لو قلت: وجدتك أنك صاحب كل خنيِّ لم يجز. "وإنما وأن" يُصيّران الكلام: شأنًا وقصةً وحديثًا, ولا يكون الحديث الرجل/ 306 ولا زيدًا ولا ما أشبه ذلك من الأسماء. ويجوز أن تبدل مما قبلها إذا كان ما قبلها حديثًا وقصةً, تقول: بلغتني قصتك أنك فاعل, وقد بلغني الحديث أنهم منطلقون فقولك: "أنهم منطلقون" هو الحديث. وقد تبدل من شيء ليس هو الحديث ولا القصة لاشتمال المعنى عليه نحو قوله عز وجل: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} 3. "فأن" مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعة في مكانها, كأنك قلت: وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم, وهذا يَتَّضِح إذا ذكرنا البدل في موضعه إن شاء الله.

_ 1 الأنبياء: 108. 2 انظر الكتاب 1/ 466. 3 الأنفال: 7.

ذكر المواضع التي تقع فيها إن وأن المفتوحة والمكسورة

ذكر المواضع التي تقع فيها إن وأن: المفتوحة والمكسورة والتأويل والمعنى مختلف. تقول: إمّا أنه ذاهب وإمّا أنه منطلق. فتفتح وتكسر, قال سيبويه: وسألت الخليل عن ذاك فقال: إذا فتحت فإنك تجعله كقولك: حقا أنه منطلق, وإذا كسرت فكأنه قال: إلا/ 307 أنه ذاهب. وتقول: أمَا والله إنه ذاهب, كأنك قلت: قد علمت والله إنه ذاهب. وأمَا والله أنه ذاهب, كقولك: إلا أنه والله ذاهب. قال: وسألته عن قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ

أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} 1, ما يمنعه أن يكون كقولك: ما يدريك أنه يفعل, فقال: لا يحسن ذا في هذا الموضع, إنما قال: وما يشعركم, ثم ابتدأ فأوجب, فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون قال: ولو كان: "وما يشعركم أنها" كان ذلك عذرًا لهم, وأهل المدينة يقرءون: أنَّها, فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: إئت السوق أنك تشتري لنا شيئًا, أي: لعلك. فكأنه قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. وتقول: إن لك هذا على وأنك لا تؤذي, فكأنه قال: وإن لك أنك لا تؤذي, وإن شاء ابتدأ2. وقد قرئ هذا الحرف على وجهين: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 3. وتقول: / 308 إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم, أي: إني نَجْدٌ إذا ابتدأت, كما تقول: أنا نَجْدٌ وإذا شئت قلت, أي: أني نَجْدٌ. كأنك قلت: أي: لأني نَجْدٌ. وتقول: ذاك وإن لك عندي ما أحببت4, قال الله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} 5. كأنه قال: يعني الأمر ذلك, وإن لك. قال سيبويه: ولو جاءت مبتدأة لجاز. قال: وسألت الخليل عن قوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} 6. فقال: إنما هو على حذف اللام قال: ولو قرأها قارئ:

_ 1 الأنعام: 109، وانظر الكتاب 100/ 462. 2 انظر الكتاب 1/ 462-463. 3 طه: 118-119 في سيبويه 1/ 463. وقد قرئ هذا الحرف على وجهين: قال بعضهم: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا} وقال بعضهم: {وإِنَّكَ} . القراءتان بفتح همزة "إنك" وكسرها سبعيتان، الفتح بالعطف على: "ألا تجوع" والكسر بالعطف على جملة أن الأولى أو على الاستئناف. انظر النشر 2/ 322، الكشاف 2/ 449، البحر المحيط 6/ 284. 4 انظر الكتاب 1/ 463. 5 الأنفال: 14. 6 المؤمنون: 52، فاعبدون والصواب ما أثبتناه، انظر ص324 ق4 والآية من سورة المؤمنين "52".

"وإِنَّ" كان جيدًا1. وتقول: لبيك إنَّ الحمد والنعمة لك, وإن شئت قلت: أنَّ الحمد, قال ابن الأطنابة: أَبْلِغِ الحارِثَ بنَ ظَالم المو ... عِدِ والناذرَ النذورِ عليّا إنما تَقْتُلُ النِّيامَ ولا تقتُل ... يقظانَ ذا سلاحٍ كميا2 وإن شئتَ قلت: إنما تقتل النيامَ على الابتداء زعم ذلك3 الخليل. وقال الخليل4 / 309: في قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} 5, قال: ولو قال: فإن كانت عربية جيدة6. وتقول: أول ما أقول أني أحمد الله, كأنك قلت: أول ما أقول الحمدُ لله. و"إن" في موضعه فإن أردت أن تحكي قلت: أول ما أقول: إني أحمد الله, وتقول: مررت فإذا إنه عبد, وإذا أنه عبد, تريد: مررت فإذا العبودية به واللؤم,

_ 1 قرأ الكوفيون بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف. انظر البحر المحيط 6/ 409. 2 من شواهد الكتاب 1/ 465-466 على فتح همزة "إن" حملا على "أبلغ" وجريها مجرى "أن" لأن ما فيها صلة فلا تغيرها عن جواز الفتح والكسر. يقول هذا للحارث بن ظالم المري، وكان قد توعده بالقتل ونذر دمه إن ظفر به، وإنما قال: تقتل النيام لأنه قتل خالد بن جعفر بن كلاب غيلة وهو نائم في قبته، ولما سمع الحارث هذا أقبل في سلاحه واستصرخ عمرو بن الأطنابة، فلما بعد عن الحي قال له: ألست يقظان ذا سلاح، قال: أجل، قال: فإني الحارث بن ظالم فاستخذي له، ومنّ عليه الحارث بن ظالم وخلى سبيله. والكمي: الشجاع. وانظر شرح السيرافي 4/ 23، والاشتقاق 2/ 453، والمفصل للزمخشري/ 465، وابن يعيش 8/ 56. 3 أضفت كلمة "ذلك" لأن المعنى يقتضيها. 4 انظر الكتاب 1/ 466. 5 التوبة: 63. والقراءة بكسر الهمزة من "فأن" من الشواذ، انظر البحر 5/ 65، وانظر الكتاب 1/ 467. 6 انظر: الكتاب 1/ 467. والكسر على جعلها مبتدأة بعد الفاء، لأن ما بعد فاء المجازاة ابتداء.

وقد عرفت أمورك حتى إنك أحمق, كأنه قال: حتى حمقكم, وهذا قول الخليل1.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 473.

مسائل في فتح ألف أن وكسرها

مسائل في فتح ألف "أن" وكسرها: تقول: قد علمت أنك إذا فعلت ذاك أنك سوف تغبط, ويجوز أن تكسر, تريد معنى الفاء وتقول: أحقا أنك ذاهب والحق أنك ذاهب, وأكبر1 ظنك أنك ذاهب, وأجهد رأيك أنك ذاهب, وكذلك هما إذا كانا خبرًا غير استفهام, حملوه على: أفي حق أنك ذاهب, قال العبدي2 / 310: أَحَقًَّا أن جِيرَتَنا استَقَلُّوا ... فنِيَّتُنا ونِيَّتُهُم فَرِيقٌ3 قال: فريق ولم يقل فريقان, كما يقال للجماعة: هم صديق. وقال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} 4 ولم يقل: قعيدان, والرفع في

_ 1 في الكتاب 1/ 468: وكذلك: أأكبر ظنك. 2 انظر: الكتاب 1/ 468. 3 من شواهد سيبويه 1/ 468، على أن "حقا" منصوب على الظرفية ولذا تفتح بعدها همزة "إن". ويروى: ألم تر أن جيرتنا.. ولا شاهد فيه حينئذ. والمعنى: أحقا أنهم ارتحلوا، فإن وجهتنا ووجهتهم مفترقان. ومعنى استقلوا: نهضوا مرتفعين مرتحلين، والنية: الجهة التي ينوونها، والفريق: يقع للواحد والمذكر وغيره: كصديق، والبيت نسبه المصنف للعبدي، وقد نسب إلى المفضل السكري من عبد القيس واسمه عياض بن معشر بن سمي. وانظر: المغني 1/ 56، تحقيق د. مازن المبارك، والهمع 2/ 71، والتصريح 1/ 221، والأشموني 1/ 484، وابن سلام/ 233، والدرر اللوامع 2/ 87، والعيني 2/ 235، ونسبه إلى رجل من عبد القيس. 4 سورة ق: 17.

جميع هذا قويّ, إن شئت قلت: أحق أنك ذاهب, وأكبر ظني أنك ذاهب, تجعل الآخر هو الأول. قال أبو العباس: سألت أبا عثمان1 لِمَ لا تقول: يوم الجمعة أنك منطلق قال: هذا يجيزه قوم -وهم قليل- على التقديم والتأخير, يجيزون: أنك منطلق يوم الجمعة, وإنما كان الوجه: يوم الجمعة أنك منطلق لأنهم يريدون: في يوم الجمعة انطلاقك قلت: فلِمَ أجازوا: أما يوم الجمعة فإنك منطلق قال: لأن ما بعد الفاء مبتدأ ونصب "يومَ الجمعة" بالمعنى الذي أحدثته أما كأنه قال: مهما يكن من شيء يوم الجمعة فإنك منطلق وهو نحو قولك: زيد في الدار "اليوم" نصبت اليوم بمعنى الاستقرار في قولك: في الدار, قلت: أتجيز كيف إنك صانع على قولك: كيف أنت صانع؟ قال: من أجازه/ 311 في يوم الجمعة أجازه ههنا. قال أبو العباس: لا يجوز هذا في "كيف" لأن كيف لا ناصب لها قال: قال أبو عثمان: قرأ سعيد بن جبير: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 2, ففتح إن وجعل اللام زائدة, كما زيدت في قوله: أُم الحُلَيسِ لعجوزٌ شهربهْ3 ...

_ 1 هو أبو عثمان بكر بن عثمان المازني أستاذ المبرد، عالما بالنحو متسعا في الرواية. مات سنة: 249هـ، وقيل: سنة "236هـ" ترجمته في أخبار النحويين/ 57، وفهرست ابن النديم/ 67، وتاريخ بغداد 7/ 93، ووفيات الأعيان 1/ 254، وطبقات النحويين للزبيدي/ 92، ونزهة الألباء/ 124، ومعجم الأدباء 7/ 107، وإنباه الرواة 1/ 246. 2 الفرقان: 20 وانظر الخزانة 4/ 328، وقال ابن السراج في الأصول: قال أبو عثمان: وقرأ سعيد ابن جبير: {إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} فتح "إن" وجعل اللام زائدة كما زيدت في قوله: أم الحليس لعجوز شهربه. 3 الشاهد فيه زيادة اللام في "لعجوز" على توهم "إن" لكثرة دخولها على المبتدأ. والحليس: بضم الحاء وفتح اللام -وهو تصغير "حلس" بكسر الحاء وسكون اللام- وهو كساء رقيق يوضع تحت البرذعة، وأصل هذه كنية الأتان، شهربه: العجوز لكبير الطاعنة في السن وأراد من رضاها بعظم الرقبة بدل اللحم أنها خرفت فهي لا تميز بين الحسن والقبيح، وذلك لأن لحم الرقبة مرذول مستقذر عندهم. ونسب هذا الشاهد لرؤبة بن العجاج، وانظر الاشتقاق/ 544، ابن يعيش 3/ 130، واللسان 1/ 492، مادة "حلس".

وتقول: قد علمت أن زيدًا لينطلقن, فتفتح لأن هذه لام القسم وليست لام "إن" التي في قولك: قد علمت إن زيدًا ليقوم لأن هذه لام الابتداء, والأولى لام اليمين فليست من "إن" في شيء. قال أبو عثمان: في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} 1 إن "مِثْلَ" و"ما" جُعِلا اسمًا واحدًا مثل: خمسة عشر وإن كانت ما زائدة, وأنشد: وتَدَاعى مَنخرَاهُ بِدَم ... مثلَ ما أثمرَ حُماضُ الجبَل2 قال سيبويه والنحويون يقولون: إنما بناه -يعني مثل- لأنه أضافه إلى غير متمكن وهو قوله: إنكم وإن شاء أعربَ "مثلًا" لأنها كانت معربة قبل الإِضافة فترفع فتقول: مثل ما أنكم كما تقول في "يومئذ" من النباء والإِعراب/ 312 فتعربه كما كان قبل الإِضافة ويبينه. لما أضافه إليه من أجل أنه غير متمكن وأن الأول كان مبهمًا. فإنما حصر بالثاني. وكذلك:

_ 1 الذاريات: 23. قرأ حمزة والكسائي "مثل" بالرفع على الصفة "لحق" والباقون على النصب. انظر ابن يعيش 8/ 135، والكتاب 1/ 270. 2 لم أعثر على قائل هذا البيت، قال ابن يعيش: أنشد أبو عثمان البيت: وتداعى منخراه ... قال: أبو عثمان: سيبويه والنحويون يقولون: إنما بني "مثل" لأنه أضيف إلى غير معرب، وهو: أنكم. وقال أبو عمر الجرمي: هو حال من النكرة وهو "حق" والمذهب الأول وهو رأي سيبويه، وما ذهب إليه الجرمي صحيح، إلا أنه لا ينفك من ضعف لأن الحال من النكرة ضعيف، وفي اللسان: وأنشد ابن بري: فتداعى منخراه ... والحماض: بقلة برية تنبت أيام الربيع في مسائل الماء ولها ثمرة حمراء وهي من ذكور البقول. وانظر ابن يعيش 8/ 135، واللسان "حمض" وأمالي ابن الشجري 2/ 266.

عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبا1 وكذلك: لم يَمْنَعِ الشّربَ منها غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ ... حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ2 وكل المبهمات كذلك, ولا يدخل في هذا: ضربني غلام خمسة عشر رجلًا لأن الغلام مخصوص معلوم غير مبهم بمنزلة وحين ونحو ذلك, وأبو عمرو يختار أن يكون نصب: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} على أنه حال للنكرة "لحقٌ" ولا اختلاف في جوازه على ما قال. وتقول: إن زيدًا إنه منطلق,

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 269. على إضافة "حين" إلى الفعل وبناؤها معه على الفتح، وإعرابها على الأصل جائز. وهذا صدر بيت للنابغة الذبياني، وعجزه: وقلت ألما أصح والشيب وازع والوازع: الناهي. وأوقع الفعل على المشيب اتساعا. وصف أنه بكى على الديار في حين مشيبه ومعاتبته لنفسه على صباه وطربه. وانظر معاني القرآن 1/ 327، والكامل/ 105، وشرح السيرافي 1/ 48، والجمهرة 3/ 492، وأمالي ابن الشجري 2/ 264، والارتشاف/ 278، وابن يعيش 8/ 136، والديوان 110. 2 من شواهد سيبويه 1/ 69 على بناء "غير" على الفتح لإضافتها إلى غير متمكن وإن كانت في موضع رفع وذلك إن "أن" حرف توصل بالفعل، وإنما تأولت اسما مع ما بعدها من صلتها لأنها دلت على المصدر ونابت منابه في المعنى، فلما أضفت "غير" إليها مع لزومها للإضافة بنيت معها، وإعرابها على الأصل جائز. والأوقال: الأعالي، ومنه التوقل في الجبل وهو الصعود فيه. والمعنى: لم يمنع الناقة من الشرب إلا سماعها صوت حمامة على أغصان ذات ثمرات. والبيت لرجل من كنانة، وقيل: لأبي قيس بن الأسلت -صفي بن عامر- وينسب للشماخ معقل بن ضرار وليس موجودا في ديوانه. وانظر معاني القرآن 1/ 383، وشرح السيرافي 3/ 116، والمفصل للزمخشري/ 125، وأمالي الشجري 1/ 46، والارتشاف/ 228، والإنصاف/ 130، وابن يعيش 8/ 134، والمغني 1/ 171، والعيني 1/ 233.

كأنك قلت: إن زيدًا هو منطلق. والمكسورة والمفتوحة مجازهما واحد قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 1, وقال عبد الله بن وهب الفزاري الأسدي جاهلي/ 313: زَعَمَتْ هُنَيْدَةُ أنها صَرَمَتْ ... حَبْلي وَوَصْلُ الغَانِيَاتِ غُرُورُ إني وحالِك إنَّني لمشيّعٌ ... صُلْبُ القَناةِ بصرحكن جَدَير قال سيبويه2: وسألته -يعني الخليل- عن شد ما أنك ذاهب بمنزلة: حقا أنك ذاهب؟ فقال: هذا بمنزلة حقا إنك ذاهب كما تقول: أما إنك ذاهب بمنزلة: حقا إنك وكما كانت "لو" بمنزلة "لولا" ولا يبدأ بعدها من الأسماء سوى "إن" نحو: لو أنك ذاهب ولولا يبتدأ بعدها الأسماء ولو بمنزلة "لولا" وإن لم يجز فيها ما يجوز فيها, وإن شئت جعلت: شد ما كنِعْمَ ما كأنك قلت: نعم العملُ أنك تقول الحق قال: وسألته عن قوله. كما أنَّه لا يعلم ذلك فتجاوزَ الله عنه, وذلك حق كما أنك ههنا فزعم أنَّ العاملة في "أنَّ" الكاف وما لغوٌ, إلا أن "ما" لا تحذف من ههنا3 كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ "كأن" التي للتشبيه كما ألزموا النون "لأفعلن" واللام في قولهم: إن كان ليفعل: كراهية أن يلتبس اللفظان, ويدلك4 على/ 314 أن الكاف هي5 العاملة قولهم: هذا حق مثل ما أنك هنا ففتحوا "أن" وبعض العرب يرفع "مثل" حدثنا به يونس6 فما أيضًا لَغْو لأنك تقول:

_ 1 النحل: 119. 2 لم أعثر لهما على مرجع نحوي أو لغوي. 3 انظر الكتاب 1/ 470. 4 انظر الكتاب 1/ 470. 5 أضفت كلمة "هي". 6 انظر الكتاب 1/ 470.

مثل ما أنك ههنا, ولو جاءت "ما" مسقطة من الكاف في الشعر جاز. قال النابغة الجعدي: قُرُومٌ تَسَامَى عِنْدَ بَابِ دِفَاعِه ... كَأَنْ يُؤْخَذَ المرءُ الكريمُ فيقتلا1 يريد: كما أنه يؤخذ المرء قال أبو عثمان: أنا لا أنشده إلا "كأن" يؤخذ المرء. فأَنصُب يؤخذ لأنها "أن" التي تنصب الأفعال دخلت عليها كاف التشبيه ألا ترى أنه نسق عليه "يقتل" فنصبه لذلك. قال سيبويه: سألته -يعني الخليل- هل يجوز: إنه لحق كما أنك ههنا على حد قولك: كما أنت ههنا؟ فقال: لا, لأن أن لا يبتدأ بها في كل موضع, ألا ترى أنك لا تقول: يوم الجمعة أنك ذاهب ولا: كيف أنك صانع "فكما" بتلك المنزلة2 قال: وسألتُ الخليل عن قوله: أحقا أنه لذاهب فقال: لا يجوز كما لا يجوز يوم الجمعة أنه لذاهب3 / 315. وقال: يجوز في الشعر: أشهد أَنهُ ذاهب, يشبهه بقوله والله أنه ذاهب4, لأن معناه معنى اليمين كما أنه إذا قال: أشهد أَنتَ ذاهب ولم يذكر اللام لم يكن إلا ابتداء وهو قبيح ضعيف إلا باللام, ومثل ذلك في الضعف: علمت أن

_ 1 من شواهد الكتاب جـ1/ 470، حذف "ما" ضرورة من قوله "كأن" يؤخذ، والتقدير عنده كما أنه يؤخذ. وقد خولف في هذا التقدير، وجعلت أن الناصبة للفعل، ونصب يؤخذ بعدها، واستدل صاحب هذا القول على ذلك بقوله. فيقتلا بالنصب، وجعلت الكاف جارة لأن على تقدير: دفاعه كأخذ المرء وقتله، قال الأعلم وكلا القولين منهما خارج. والآخر منهما أقرب وأسهل. القروم: السادة وأصل القرم الفحل من الإبل. ومعنى. تسامى، يفخر بعضهم على بعض ويسمو بنسبه وعشيرته. وانظر: الأشباه والنظائر 2/ 300 والرواية "قروم تسامى عند باب رفاعة". 2 الكتاب 1/ 472. 3 الكتاب 1/ 474. 4 في الكتاب 1/ 474 وقد يجوز في الشعر: أشهد أن زيدا ذاهب، يشبهها بقوله: والله أنه لذاهب "أدخل اللام على ذاهب".

زيدًا ذاهب, كما أنه ضعيف: قد علمت عمرو خير منك, ولكنه على إرادة اللام, كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} 1 ... وهو على اليمين, وكان في هذا حسن حين طال الكلام, يعني أن التأويل: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} 2, لقد أفلح. قال أبو العباس -رحمه الله: والبغداديون يقولون: والله إن زيدًا منطلق, فيفتحون "إن" وهو عندي القياس لأنه قسم فكأنه قال: أحلف بالله على ذاك, أشهد أنك منطلق. قال: والقول عندي في قوله تعالى: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} 3 -والله أعلم- أن "لا" زائدة للتوكيد, وجرم فعل ماض فكأنه قال -والله أعلم: جرم أن لهم النار وزيادة "لا" في/ 316 هذا الموضع كزيادتها في قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} 4 وإنما تقول: لا يستوي عبد الله وزيد, وكقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} 5 ونحوه من الفواتح.

_ 1 الشمس: 9، في إعراب ثلاثين سورة/ 100، وقد أفلح، ههنا لام مضمرة هي جواب القسم. والأصل: لقد أفلح. وانظر التبيان لابن القيم/ 18. 2 الشمس: 1. 3 النحل: 62، في سيبويه جـ1/ 469، وأما قوله عز وجل: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} ، فإن جرم عملت فيها لأنها فعل ومعناها: لقد حق عليهم أن لهم النار، لقد استحق أن لهم النار. وقول المفسرين: معناها: حقا أن لهم النار يدلك على أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مثلت. فجرم قد عملت في أن سيبويه وابن السراج على أن فتح همزة أن واجب بعد "لا جرم" وهو ما جاء في القرآن الكريم في الآيات الخمس في القراءات السبعية وغيرها يجيز كسر الهمزة بعد "لا جرم" وقد قرئ في الشواذ بالكسر في قوله: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون: شواذ ابن خالويه/ 72، البحر المحيط جـ5/ 484، 506. 4 فصلت: 34. 5 البلد: 1.

وتقول: أما جهد رأيي فإنك راحل, وأما يوم الجمعة فإنك سائر, لأن معنى "أما" مهما يكن1 من شيء فإنك سائر يوم الجمعة, فما بعد الفاء يقع مبتدأ, ألا ترى أنك تقول: أما زيدًا فضربت, على التقديم, لأن المعنى: مهما يكن من2 شيء فزيدًا ضربت. وفضربت. قال أبو العباس: فيلزم سيبويه أن يقول على هذا: أما زيدًا فإنك ضارب3. قال سيبويه وإذا قلت: أما حقا فإنك قائم وأما أكبر ظني فإنك منطلق فعلى الفعل لا على الظرف, لأنك لم تضطر إلى أن تجعلها ظرفًا إذا كانت "أما" إنما وضعت على التقديم لما بعد الفاء فصار التقدير: مهما يكن من شيء فإنك ذاهب حقا4, وفيما قال نظر/ 317 وشغب: ولا يجوز عندي على هذا أن يقول: أما هندًا فإن عمرًا ضارب لأن تقدير الاسم الذي يلي "أما" أن يلي الفاء ملاصقًا لهما. فما جاز أن يلاصق الفاء جاز أن يلي "أما" وما لم يجز أن يلاصقها لم يجز أن يلي "أما" فلا يجوز أن تقول: مهما يكن من شيء فإن هندًا عمرًا ضارب فتنصب هندًا بضارب ويجوز أن تقول: مهما يكن من شيء فإن أكبر ظني عمرًا ذاهب فيكون: أكبر ظني ظرفًا "لذاهب" وهذا إنما أجازه مع إما لأنهم وضعوها في أول أحوالها على التقديم والتأخير صار حكمها حكم ما لا تأخير فيه ولو كان موضع يجوز أن يقدم فيه ولا يقدم لم يجز أن يعمل ما بعد "أن" في ما قبلها وعلى ذلك ففيه نظر كثير والأقيس في قولك: أما حقا فإنك قائم: أن تعمل معنى "أما" في "حقا" كأنك قلت: مهما يكن من شيء حقا فإنك قائم وأحسبه قول/ 318 المازني.

_ 1 في الأصل "في". 2 في الأصل "في". 3 انظر: المقتضب 2/ 354-355. 4 انظر: الكتاب 1/ 468-469.

وتقول: أيقول: إنَّ عمرًا منطلق, إذا أردت معنى: أتظن, كأنك قلت: أتظن أن عمرًا منطلق, فإن أردت الحكاية قلت: أتقول: إنَّ, وتقول: ظننت زيدًا أنه منطلق, لأن المعنى: ظننت زيدًا هو منطلق ولا يجوز فيه الفتح؛ لأنه يصير معناه: ظننت زيدًا الانطلاق ولو قلت: ظننت أمرك أنك منطلق جاز كأنك قلت: ظننت أمرك الانطلاق, والأخفش يقول: إذا حسن في موضع "إن" وما عملت فيه "ذاك" فافتحها نحو قولك: بلغني أنه ظريف لأنك تقول: بلغني ذاك قال: وما لم يحسن فيه "ذاك" فاكسرها قال: وتقول: أما أنه منطلق؛ لأنه لا يحسن ههنا أما ذاك, ثم أجازه بعد على معنى: حقا أنه منطلق وقال: لأن أما في المعنى: "حقا", لأنها تأكيد فكأنه ذكر حقا فجعلها ظرفًا قال: وقد قال ناس: حقا إنك ذاهب على قولهم: إنك/ 319 منطلق حقا فتنصب "حقا" على المصدر كأنه قال: أحِقُّ ذاك حقا قال: وهذا قبيح وهو من كلام العرب.

ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع وهو المستثنى

ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع وهو المستثنى مدخل ... ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع, والمنصوب بعض المرفوع وهو المستثنى: المستثنى يشبه المفعول إذا أتي به بعد استغناء الفعل بالفاعل, وبعد تمام الكلام. تقول: جاءني القوم إلا زيدًا, فجاءني القوم: كلام تام وهو فعل وفاعل فلو جاز أن تذكر "زيدًا" بعد هذا الكلام بغير حرف الاستثناء ما كان إلا نصبًا. لكن لا معنى لذلك إلا بتوسط شيء آخر فلما توسطت "إلا" حدت معنى الاستثناء ووصل الفعل إلى ما بعد إلا, فالمستثنى بعض المستثنى منهم ألا ترى أن زيدًا من القوم فهو بعضهم فتقول على ذلك: ضربت القومَ إلا زيدًا ومررت بالقومِ إلا زيدًا فكأنك قلت في جميع ذلك: أستثني زيدًا فكل ما أستثنيه/ 320 "بإلا" بعد كلام موجب فهو منصوبٌ وألا تخرج الثاني مما دخل فيه الأول فهي تشبه حرف النفي فإذا قلت: قام القوم إلا زيدًا فالمعنى: قام القوم لا زيد, إلا أن الفرق بين الاستثناء والعطف, أن الاستثناء لا يكون إلا بعضًا من كلّ, والمعطوف يكون غير

الأول, ويجوز أيضًا في المعطوف أن تعطف على واحد نحو قولك: قام زيد لا عمرو ولا يجوز أن تقول في الاستثناء: قام زيد إلا عمرو1. لا يكون المستثنى إلا بعضًا من كل وشيئًا من أشياء و"لا" إنما تأتي لتنفي عن الثاني ما وجب للأول, و"إلا" تخرج الثاني مما دخل فيه الأول موجبًا كان أو منفيا, ومعناها الاستثناء والاسم المستثنى منه مع ما تستثنيه منه بمنزلة اسم مضاف ألا ترى أنك إذا قلت: جاءني قومك إلا قليلًا منهم فهو بمنزلة قولك: جاءني أكثر قومك فكأنه اسم مضاف لا يتم إلا بالإِضافة فإن فرغت الفعل/ 321 لما بعد إلا عمل فيما بعدها, لأنك إنما تنصب المستثنى إذا كان اسمًا من الأسماء وهو بعضها, فأما إذا فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعد إلا, وزال ما كنت تستثني منه2, وذلك نحو قولك: ما قام إلا زيد وما قعد إلا بكر فزيد مرتفع بقام وبكر مرتفع بقعد وكذلك: ما ضربت إلا زيدًا وما مررت إلا بعمرو ولما فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيه. فإذا قلت: ما قام أحد إلا زيد فإنما رفعت لأنك قدرت إبدال زيد من "أحد". فكأنك قلت: ما قام إلا زيد وكذلك البدل من المنصوب والمخفوض تقول: ما ضربت إلا أحدًا إلا زيدًا وما مررت بأحد إلا زيد فالمبدل منه بمنزلة ما ليس في الكلام وهذا يبين في باب البدل فإن لم تقدر البدل وجعلت قولك: ما قام أحد كلامًا تاما لا ينوي فيه الإِبدال من "أحد" نصبت فقلت: ما قام أحد إلا زيدًا3,

_ 1 في الأصل "لا". 2 انظر الكتاب 1/ 360.. فأما الوجه الذي يكون فيه الاسم بمنزلته قبل أن تلحق "إلا" فهو أن تدخل الاسم في شيء تنفي عنه ما سواه وذلك قولك: ما أتاني إلا زيد، وما لقيت إلا زيدا. وما مررت إلا بزيد، تجري الاسم مجراه إذا قلت: ما أتاني زيد، وما لقيت زيدا، وما مررت بزيد، ولكنك أدخلت "إلا" لتوجب الأفعال لهذه الأسماء وتنفي ما سواها. 3 فإن لم تقدر البدل, وجعلت قولك "ما قام أحد" كلاما تاما, لا تنوي فيه الإبدال من "أحد" ثم استثنيت، نصبت فقلت: ما قام أحد إلا زيدا فعلى هذا يكون للزوم النصب بعد النفي شيئان التراخي وعروض الاستثناء. وانظر التذييل والتكميل لأبي حيان 4/ 247.

والقياس عندي إذا قال قائل: قام القوم/ 322 إلا أباك, فنفيت هذا الكلام, أن تقول: ما قام القوم إلا أباك؛ لأن حق حرف النفي أن ينفي الكلام الموجب بحاله وهيئته, فأما إن كان لم يقصد إلى نفي هذا الكلام الموجب بتمامه وبني كلامه على البدل قال: ما قام القوم إلا أبوك, فإن قدمت المستثنى لم يكن إلا النصب نحو قولك: ما لي إلا أباك صديق, وما فيها إلا زيدًا أحدًا, لأنه قد بطل البدل فلم يتقدم ما يبدل فيه لأن البدل كالنعت, إنما يجري على ما قبله, فإن أوقعت استثناء بعد استثناء قلت: ما قام أحد إلا زيد إلا عمرًا. فتنصب عمرًا, لأنه لا يجوز أن يكون لفعل واحد فاعلان مختلفان يرتفعان به بغير حرف عطف فهذا مما يبصرك أن النصب واجب بعد استغناء الرافع بالمرفوع. ولك أن تقول: ما أتاني أحد إلا زيد إلا عمرًا, وإلا زيدًا إلا عمرو, فتنصب أيهما شئت وترفع الآخر. وتقول: ما أتاني إلا عمرًا إلا بشرًا أحد. فإن استثنيت/ 323 بعد الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين نحو: أعطيتُ زيدًا درهمًا قلت: أعطيتُ الناس الدراهم إلا زيدًا ولا يجوز أن تقول: إلا عمرًا الدنانير؛ لأن حرف الاستثناء إنما تستثني به واحدًا, فإن قلت: ما أعطيتُ أحدًا درهمًا إلا عمرًا دانقًا1 وأردت الاستثناء أيضًا لم يجز فإن أردت البدل جاز فأبدلت عمرًا من أحد ودانقًا من قولك: درهمًا فكأنك قلت: ما أعطيت إلا عمرًا دانقًا. واعلم: أنهم قد يحذفون المستثنى استخفافًا نحو قولهم: ليس إلا وليس غير كأنه قال: ليس إلا ذاك وليس غير ذلك.

_ 1 ذهب ابن السراج في: ما أعطيت أحدا درهما، إلا عمرا دانقا إلى إبدال المرفوع من المرفوع والمنصوب من المنصوب أو هو على أن تجعل أحدهما بدلا، والثاني معمول عامل مضمر، فيكون "إلا زيدا" بدلا من "أحد" وانظر: التذييل والتكميل لأبي حيان 4/ 247.

واعلم: أيضًا: أنهم ربما يحملون في هذا الباب الاسم على الموضع وذلك قولهم: ما أتاني من أحد إلا زيد, وما رأيت من أحد إلا زيدًا؛ لأنه يقبح أن تقول: ما أتاني إلا من زيد. فإذا قلت: لا أحد فيها إلا عبد الله فلا بد من إجرائه على الموضع ورفعه؛ لأن أحدًا مبني مع "لا" وسنذكره في بابه إن شاء الله. ولا يجوز أن يعمل ما بعد "إلا" فيما قبلها, لا يجوز ما أنا زيدًا/ 324 إلا ضارب, تريد, ما أنا إلا ضاربٌ زيدًا, وقد جاءت ألفاظ قامت مقام "إلا" وأصل الاستثناء "لا لا" ونحن نفرد لها بابًا إن شاء الله. ولا يجوز أن تستثني النكرة من النكرات في الموجب, لا تقول: جاءني قوم إلا رجلًا؛ لأن هذا لا فائدة في استثنائه, فإن نَعَتَّه أو خَصَصْتَه جاز, وهذا امتناعه من جهة الفائدة, فمتى وقعت الفائدة جاز.

هذا باب ما جاء من الكلم في معنى إلا

هذا باب ما جاء من الكلم في معنى إلا: اعلم: أنه قد جاء من الأسماء والأفعال والحروف ما فيه إلا: أما الأول من ذلك: فما جاء من الأسماء نحو: غير وسوى, وقوم يحكون: سوى وسواء1 ويضمون إليها: بيد, بمعنى: غير, وحكم "غير" إذا أوقعتها موقع إلا أن تعربها بالإِعراب الذي يجب للاسم الواقع بعد إلا, تقول: أتاني القوم غير زيد, لأنك كنت تقول: أتاني القوم إلا زيدًا, وتقول: ما جاءني أحد غير زيد؛ لأنك كنت/ 325 تقول: أتاني القوم إلا زيدا. وتقول ما جاءني أحد غير زيد؛ لأنك كنت تقول: ما جاءني أحد إلا زيد, وما رأيت أحدًا غير زيد, كما تقول: ما رأيت أحدًا إلا زيدًا, وما مررت بأحد غير

_ 1 في الكتاب 1/ 377 وأما أتاني القوم سواك، فزعم الخليل: أن هذا كقولك: أتاني القوم مكانك. وما أتاني أحد مكانك إلا أن في سواك معنى الاستثناء. وقال المبرد 4/ 249 في المقتضب: ومما لا يكون إلا ظرفا، ويقبح أن يكون اسما سوى وسواء ممدودة بمعنى "سوى".

الموضع الذي ضارعت فيه إلا, ألا ترى أنك تقول: مررت برجل غيرك, ولا تقع إلا في مكانها, لا يجوز أن تقول: جاءني رجل إلا زيد, تريد غير زيد على الوصف, والاستثناء ههنا محال, ولكن تقول: ما يحسن بالرجل إلا زيد أن يفعل كذا, لأن الرجل: جنس, ومعناها بالرجل الذي هو غير زيد, كما قال لبيد: إنما يُجزَى الفتى غَيرُ الجَمَل1 وكذلك: مررت بالقوم إلا زيد, كما قال: أُنيخَتْ فألقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَة ... قَلِيل بها الأَصْوَات إلا بُغَامُها2

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 370 على نعت "الفتى" وهو معرفة "بغير" وإن كانت نكرة، والذي سوغ هذا أن التعريف بالألف واللام يكون للجنس، فلا يخص واحدا بعينه، فهو مقارب للنكرة، وإن غيرا مضافة إلى معرفة فقاربت المعارف لذلك وإن كانت نكرة. والشاهد عجز بيت صدره: وإذا أقرضت قرضا فاجزه ... وإنما يجزى الفتى ليس الجمل ويروى: وعلى هذه الرواية استشهد البغداديون على أن ليس عاطفة وانظر: المقتضب 4/ 410، ومجالس ثعلب/ 515، والصاحبي/ 141 وشرح السيرافي 3/ 116، وحماسة البحتري/ 252 والأمثال للميداني/ 24، والعيني 4/ 176، والديوان/ 12 طبعة فيينا. 2 من شواهد سيبويه 1/ 370، على وقوع "إلا" صفة. قال الأعلم: والمعنى: قليل بها الأصوات غير بغامها، أي: الأصوات التي هي غير صوت الناقة. وأصل البغام للظبي فاستعاره للناقة. ويجوز أن يكون البغام بدلا من الأصوات على أن يكون "قليل" بمعنى النفي، فكأنه قال: ليس بها صوت إلا بغامها. ولما كانت "إلا" التي تقع صفة في صورة الحرف الاستثنائي نقل إعرابها الذي تستحقه إلى ما بعدها فرفع "بغامها" إنما هو بطريق النقل من "إلا". وأنختها: أبركتها. والبلدة الأولى الصدر، والثانية: الأرض. أي: بركت فألقت صدرها على الأرض. وبغام الظبية: صوتها، وكذا بغام الناقة صوت لا تفصح به. والبيت لذي الرمة في وصف ناقة بركت بصدرها على الأرض. وانظر المقتضب 4/ 409. وشرح السيرافي 1/ 71. والمغني 1/ 75، والمسلسل 199، واللسان 4/ 81، والديوان 638.

وذكر سيبويه قولهم: أتاني القوم سواك, وحكى عن الخليل أن هذا كقولك: أتاني القوم مكانك, إلا أن في سواك معنى1 / 328 الاستثناء وسواء تنصب في هذا كله, لأنها تجري مجرى الظروف وتخفض ما بعدها. وأما الثاني: فما جاء من الأفعال في موضع الاستثناء وهي: لا يكون وليس وعدا وخلا فإذا جاءت وفيها معنى الاستثناء ففيها إضمار وذلك قولك: أتاني القوم ليس زيدًا وأتوني لا يكون عمرًا وما أتاني أحد لا يكون زيدًا كأنه قال: ليس بعضهم زيدًا. وترك "بعضًا" استغناءً بعلم المخاطب والخليل يجيز في ليس ولا يكون أن تجعلهما صفتين وذلك قولك: ما أتاني أحد ليس زيدًا وما أتاني رجل لا يكون عمرًا فيدلك على أنه صفة أن بعضهم يقول: ما أتاني امرأة لا تكون فلانة وما أتتني امرأة ليست فلانة2. وأما "عدا" و"خلا" فلا يكونان صفة, ولكن فيهما إضمار كما كان في "ليس". ولا "يكون" وذلك قولُك: ما أتاني أحد خلا زيدًا وأتاني القوم عدا عمرًا فإن أدخلت "ما" على عدا وخلا وقلت: / 329 أتاني القومُ ما عدا زيدًا, وأني ما خلا زيدًا "فما" هنا اسم وخلا وعدا صلة له, قال: ولا توصل إلا بفعل3. قال سيبويه: وإذا قلت: أتوني إلا أن يكون زيد, فالرفع جيد بالغ وهو كثير في كلامهم و"أن يكون" في موضع اسم مستثنى والدليل على أن "أن يكون" هنا ليس فيها معنى الاستثناء أن ليس وخلا وعدا لا يقَعْنَ هنا,

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 377. 2 المصدر السابق 1/ 376-377. 3 انظر: الكتاب 1/ 377.

ومثل الرفع قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 1, وبعضهم ينصب على وجه النصب في لا يكون2. وأما الثالث: فما جاء من الحروف في معنى "إلا" قال سيبويه: من ذلك "حاشا" وذكر أنه حرف يجر ما بعده كما تجرُّ "حتى" ما بعدها وفيه معنى الاستثناء قال: وبعضُ العرب يقول: ما أتاني القوم خلا عبدِ الله فيجعل خلا بمنزلة حاشا, فإذا قلت: ما خلا فليس فيه إلا النصب؛ لأن "ما" اسم ولا يكون صلتها إلا الفعل وهي "ما" التي في قولك: أفعل ما3 فعلت4. وحكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد5: قال: سمعتُ أعرابيا/ 330 يقول: اللهم أغفر لي ولمن سَمِعَ حاشا الشيطان وأبا الأصبع, نصب بـ"حاشا"6.

_ 1 النساء: 39، وقراءة رفع "تجارة" ونصبها من السبعة، فعاصم وحده نصب "تجارة". "فكان" ناقصة واسمها ضمير مستتر. أي: المبايعة، والباقون بالرفع. النشر 2/ 237، والبحر المحيط 2/ 353. 2 انظر: الكتاب 1/ 377. 3 "ما" هنا بمعنى الذي. 4 انظر: الكتاب 1/ 377. 5 أبو زيد: هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري الخزرجي من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء، كما كان أيضا من تلاميذ المفضل الكوفي، وله كتاب النوادر في اللغة، توفي سنة "214هـ" أو "215هـ"، ترجمته في تاريخ بغداد 9/ 77، ونزهة الألباء/ 173، والإرشاد لياقوت 4/ 138، وبغية الوعاة/ 254، وأخبار النحويين البصريين/ 41. 6 أنكر سيبويه فعلية "حاشا" وقال بحرفيتها خلافا للمبرد الذي يجيز الأمرين في "حاشا" فقد جاء في المقتضب: أما ما كان من ذلك اسما فغير وسوى وسواء. وما كان حرفا سوى إلا فحاشا وخلا، وما كان فعلا فحاشا وخلا، وإن وافقا لفظ الحروف. انظر الكتاب 1/ 359، والمقتضب 4/ 491.

قال أبو العباس: إنما حاشا بمنزلة خلا, ولأن خلا إذا أردت به الفعل إنما معناه جاوزه من قولك: خلا يخلو, وكذلك حاشا يحاشي, وكذلك قولك: أنت أحب الناس إليّ ولا أُحاشي أحداُ, أي: ولا أستثني أحدًا, وتصييرها فعلًا بمنزلة خلا في الاستثناء قول أبي عمر الجرمي, وأنشد قول النابغة: وَلاَ أَرَى فَاعِلًا في النَّاسِ يُشبِهُهُ ... ولا أُحَاشِي مِنَ الأَقْوَامِ مِنْ أَحَد1 والبغداديون أيضًا يجيزون النصب والجر بـ"حاشا". واعلم: أن من الاستثناء ما يكون منقطعًا من الأول, وليس ببعض له وهذا الذي يكون "إلا" فيه بمعنى لكن. ونحن نفرد له بابًا يلي هذا الباب إن شاء الله.

_ 1 استشهد بهذا البيت لمذهب الجرمي والمبرد من أن "حاشا" كما تكون حرفا تكون فعلا بدليل تصرفها في مثل هذا البيت. والضمير البارز المتصل في قوله: يشبهه راجع إلى النعمان بن المنذر ممدوح النابغة، والبيت من قصيدة له يمدحه ويعتذر له. وانظر مجالس ثعلب/ 504 وشرح السيرافي 3/ 129، وابن يعيش 2/ 85، والمغني 1/ 130، وأمالي ابن الشجري 2/ 85، والإنصاف/ 278، والديوان / 42.

باب الاستثناء المنقطع من الأول

باب الاستثناء المنقطع من الأول مدخل ... باب الاستثناء المنقطع من الأول: إلا في تأويل "لكن" إذا كان الاستثناء منقطعًا عند البصريين1. ومعنى سوى عند/ 331 الكوفيين, والاختيار فيه النصب في كل وجه2. وربما ارتفع ما قبل إلا, وهي لغة بني تميم, وإنما ضارعت إلا "لكن", لأن "لكن" للاستدراك بعد النفي, فأنت توجب بها للثاني ما نفيت عن الأول, فمن ههنا تشابها, تقول: ما قام أحدٌ إلا زيد, فزيد قد قام ويفرق بينهما: أنّ لكن لا يجوز أن تدخل بعد واجب, إلا لترك قصة إلى قصة تامة نحو قولك: جاءني عبد الله لكن زيد لم يجئ ولو قلت: مررت بعبد الله لكن عمرو, لم يجز, وليس منهاج الاستثناء المنقطع منهاج الاستثناء الصحيح؛ لأن الاستثناء الصحيح إنما هو أن يقع جمع يوهم أن كل جنسه داخل فيه, ويكون واحد منه أو أكثر من ذلك لم يدخل فيما دخل فيه السائر بمستثنيه منه ليعرف أنه لم

_ 1 قال سيبويه: هذا باب ما يكون إلا على معنى "ولكن" فمن ذلك قوله عز وجل: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} ، أي: ولكن من رحم: انظر الكتاب 1/ 366. 2 في الكتاب 1/ 363. هذا باب يختار فيه النصب لأن الآخر ليس من نوع الأول، وهي لغة أهل الحجاز وذلك قولك: ما فيها أحد إلا حمارا، جاءوا به على معنى ولكن حمارا وكرهوا أن يبدلوا الآخر من الأول فيصير كأنه من نوعه فحمل على معنى ولكن وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم، وأما بنو تميم فيقولون لا أحد فيها إلا حمارا، أرادوا: ليس فيها إلا حمار ولكنه ذكر أحدا توكيدا. وانظر المقتضب 4/ 412-413.

يدخل فيهم, نحو: جاءني القوم إلا زيدًا, فإن قال: ما جاءني زيد إلا عمرًا, فلا يجوز إلا على معنى لكن/ 332. واعلم: أن إلا في كل موضع على معناها في الاستثناء, وأنها لا بد من أن تخرج بعضًا من كل, فإذا كان الاستثناء منقطعًا, فلا بد من أن يكون الكلام الذي قبل إلا قد دل على ما يُستَثْنى منه فتفقد هذا فإنه يدقّ, فمن ذلك قوله تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} 1, فالعاصم الفاعل, من رحم ليس بعاصم ولكنه دلّ على العصمة والنجاة. فكأنه قال -والله أعلم: لكن من رحم يُعصم أو معصوم, ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} 2, وهذا الضرب في القرآن كثير. ومن ذلك من الكلام: لا تكونن من فلان في شيء إلا سلامًا بسلام, وما زاد إلا ما نقص, وما نفع إلا ما ضرَّ, "فما نفع" مع الفعل بمنزلة اسم3. ولولا "ما" لم يجز الفعل هنا بعد إلا وإنما حسن هذا الكلام؛ لأنه لما قال: ما زاد دل على قوله هو على حاله, فكأنه/ 333 4 قال: هو على حاله إلا ما نقص, وكذلك دل بقوله: ما نفع ما هو على أمره إلا ما ضرَّ وقال الشاعر: نَجَا سَالِم والنَّفْسُ مِنْهُ بِشِدْقهِ ... ولم يَنْج إلا جَفْنَ سيفٍ ومئزَرا5

_ 1 هود: 43 الاستثناء في الآية يكون منقطعا إذا أبقى عاصم على أصل معناه، ويكون المراد عن رحم المعصوم أما إذا أريد بمعنى من رحم الله تعالى، أي: الراحم، أو أريد بعاصم معنى معصوم فاعل بمعنى مفعول أو صيغة نسب، أي: ذي عصمة أو قدر حذف مضاف، أي: مكان من رحم -كان الاستثناء متصلا- وانظر: العكبري 2/ 21، والبحر المحيط 5/ 227، وابن يعيش 2/ 81، وشرح الكافية للرضي 1/ 210، والكشاف 2/ 217، والتذييل والتكميل لأبي حيان 4/ 215. 2 يونس: 98. أي: ولكن قوم يونس. وانظر الكتاب 1/ 366. 3 نحو النقصان والضرر. 4 انظر الكتاب 1/ 367. 5 الشاهد فيه نصب "جفن" على الاستثناء، وإلا هنا بمعنى: لكن وهو لحذيفة بن أنس الهذلي وقيل: لأبي خراش. ويروى: نجا عامر، أي: نجا والنفس في شدقه، وزعم يونس: أن معناه: لم ينج إلا بجفن سيف. وانظر الجمهرة 2/ 366. والصاحبي/ 8.

فقوله: نجا, ولم ينج كقولك: أفلت ولم يفلت, أي: لم يفلت إفلاتًا صحيحًا كقولك: تكلمت ولم أتكلم, ثم قال: إلا جفن سيف ومئزرًا, كأنه قال: لكن جفن سيف ومئزرًا, وقال الآخر: وما بالربَّعِ من أحدِ ثم قال: إلا أَوَ آرِيَّ1 ... فهذا كأنه كما قال: من أحد اجتزأ بالبعض من الكل, فكأنه قال: ما

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 364، على إبدال الأواري بالرفع من موضع "أحد" على لغة تميم في المنقطع. وهما بيتان للنابغة الذبياني روى منها عجز البيت الأول وقسما من صدر البيت الثاني وهما بتمامهما: وقفت فيها أصيلالا أسائلها ... عيت جوابا وما بالربع من أحد إلا أواري لأيا ما أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد والأصيل: الوقت بعد العصر إلى المغرب، وروي البيت الأول: وقفت فيها أصيلا كي أسائلها. كما روي: وقفت فيها طويلا ... ووقفت فيها أصيلانا وفيه ثلاثة أقوال: 1- أنه مصغر أصيل على غير قياس كأنه تصغير أصلان. 2 أنه تصغير أصلان جمع أصيل، كرغفان جمع رغيف، وفيه أن جمع الكثرة لا يصغر إلا برده إلى المفرد. 3- أنه مصغر أصلان وهو اسم مفرد بمعنى الأصيل، مثل التكلان والغفران. وفيه رواية أخرى: أصيلالا على إبدال النون لاما. والربع: محلة القوم ومنزلهم أينما كانوا، والمربع كجعفر منزلهم في الربع. والأواري: جمع آرية بمد الهمزة: وتشديد الياء، وهي التي تحبس فيها الخيل من وتد أو حبل. والنؤي: حاجز حول الخباء يدفع عنه الماء ويبعده. والمظلومة: أرض حفر فيها الحوض لغير إقامة لأنها في فلاة. وانظر: المقتضب 4/ 414، ومعاني القرآن 1/ 480، وإصلاح المنطق 47، وابن يعيش 2/ 80، وشرح المعلقات للزوزني/ 196، وشرح القصائد السبع 242، والإنصاف/ 269، والديوان 16.

بالربع من شيء واكتفى بأحد لأنه من الاستثناء فساغ ذلك له لأنه لم يلبس وأما قول الشاعر: مَنْ كَانَ أَسْرَعَ في تَفَرٌّقِ فَالِجٍ ... فَلَبُونُه جربت مَعَا وأغَدَّتِ إلا كَنَاشِرَةِ الَّذِي ضيَّعَتُمُ ... كالغُصْنِ في غُلوائِهِ المتنبّتِ1 وقال الآخر: كَلاَّ وَبَيْتِ الله حتى يُنْزِلوا ... مِنْ رأسِ شاهقةٍ إلينا الأسْوَدا

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 378، على الاستثناء المنقطع ثم قال: كأنه قال: ولكن هذا كناشرة، وكان المبرد يجعل الكاف في قوله: "كناشرة" زائدة، ولا يحتاج إلى زيادتها لأنه أراد ناشرة، وكذلك فعل ابن جني في سر صناعة الإعراب كما فعل المبرد وابن السراج، ورواية سيبويه: من كان أشرك ... وفالج: هو فالج بن مازن أساء إليه بعض بني مازن حتى رحل عنهم إلى بني ولحق ببني ذكوان بن بهشة بن سليم بن قيس عيلان فنسب إليهم. وناشرة: رجل من بني مازن ضيف عليه قومه فانتقل عنهم إلى بني أسد، فدعا هذا الشاعر المازني على بني مازن حيث اضطروه إلى الخروج عنهم، واستثنى ناشرة منهم لأنه لم يرض فعلهم، ولأنه امتحن محنة فالج بهم. أغدت: صارت فيها الغدة. وهي كالذبحة تعتري البعير فلا تلبثه فالهمزة للصيرورة. والغلواء: سرعة الشباب، وهو من الغلو أي: الارتفاع. المتنبت: المنمى المغذى، وقيل: هنا المتأصل. ونسب الشعر في سيبويه وشراحه إلى عنز بن دحاجة المازني. ونسب ابن سيده البيت الثاني إلى الأعشى وليس في ديوانه. وللأعشى تائية على هذا الروي، ولكنها من بحر الطويل. والبيتان من الكامل. وانظر المقتضب 4/ 417، وسر صناعة الإعراب 1/ 301، والمخصص لابن سيده 16/ 68، والمفضليات/ 209، واللسان "نبت".

ثم قال: إلا كَخَارِجَةِ المكلّفِ نفسَه ... وابنى قبيصة أن أَغِيبَ ويُشْهدا1 فإن الكاف زائدة كزيادتها في قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} 2.

_ 1 الشاهد فيه زيادة الكاف عند المصنف, وكذلك عند المبرد وابن جني. وتقديره: إلا خارجة، وهو من الاستثناء المنقطع عن الأول معناه "لكن". ولم ينسبهما سيبويه لقائل معين وكذلك المحققون لكتاب. والبيتان من قصيدة للأعشى في ديوانه/ 277-233، قالها لكسرى حين أراد منهم رهائن، والاستثناء من قوله: آليت لا نعطيه من أبنائنا ... رهنا فيفسدهم كمن قد أفسدا والمعنى: آليت ألا نجيبه إلى ما يسألنا من تقديم الرهائن من أبنائنا، إلا ما سبق من أمر خارجة -وهو رجل من شيبان- الذي يكلف نفسه أن يحضر حين أغيب، وابني قبيصة اللذين أخذ منهما الخوف فأرهقا أنفسهما وحملا إليك الرهائن، والخائف جدير بأن يرهق نفسه. وانظر: الكتاب 1/ 368، والمقتضب 4/ 418، وسر صناعة الإعراب 1/ 302، وشرح المفضليات 209. 2 الشورى: 11. "في الروض الأنف 1/ 47" الكاف تكون حرف جر وتكون اسما بمعنى: "مثل". ويدلك على أنها حرف وقوعها صلة للذي. وتكون اسما بمعنى: "مثل" ويدلك على أنها تكون اسما دخول حرف الجر عليها وإذا دخلت على مثل، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، فهي إذن حرف إذ لا يستقيم أن يقال: مثل مثله.. وفي البحر المحيط 7/ 501 تقول العرب: مثلك لا يفعل كذا، يريدون به المخاطب، كأنهم إذا أنفوا الوصف عن مثل الشخص كان نفيا عن الشخص وهو من باب المبالغة.. فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء وما ذهب إليه الطبري وغيره من أن مثلا زائدة للتوكيد ليس بجيد، لأن مثلا اسم، والأسماء لا تزاد بخلاف الكاف فإنها حرف فتصلح للزيادة. ويحتمل أيضا أن يراد بالمثل الصفة وذلك سائغ.. فيكون المعنى: ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره وهذا محمل سهل، والوجه الأول أعوص. انظر: شرح الكافية 2/ 319، والمغني 1/ 153، وسر الصناعة 1/ 291-292، والخزانة 4/ 273.

وكقول رؤبة: لواحقُ الأقرابِ فيها كالمقَق1 والمقق: الطول وإنما المعنى: فيها طول, كما يقال: فلان كذا الهيئة أي: ذو الهيئة.

_ 1 الشاهد فيه زيادة الكاف، لأن المقق معناه: الطول فلا يقال في الشيء كالطول، وإنما يقال: فيه طول، فكأنه قال: مقق، أي: طول. ونقل البغدادي عن ابن السراج قوله: أما مجيء الكاف حرفا زائدًا لغير معنى التشبيه فكقولهم -فيما حدثناه عن أبي العباس: فلان كذي الهيئة، يريدون: فلان ذو الهيئة فموضع المجرور رفع، ومنه: لواحق الأقراب فيها كالمقق، أي: فيها مقق، لأنه يصف الأضلاع بأن فيها طولا، وليس يريد أن شيئا مثل الطول نفسه. ومنه: ليس كمثله شيء. اللواحق: جمع لاحقة اسم فاعل من لحق كسمع لحوقا: ضمر وهزل: والأقراب: جمع قرب بضمه فسكون وبضمتين: الخاصرة. يريد أنها خماص البطون، وضمير "فيها" للأقراب. وانظر: المقتضب 4/ 119، وشرح الحماسة 4/ 1649، وارتشاف الضرب 259، والخزانة 4/ 266، و1/ 38، وديوان رؤبة 106.

مسائل من باب الاستثناء

مسائل من باب الاستثناء: تقول: ما مررتُ بأحدٍ يقول ذاك إلا زيد. وما رأيت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا, هذا وجه الكلام, وإن حَملْتَه على الإِضمار الذي في الفعل, أعني: المضمر في "يقول" فقلت: ما رأيت أحدا يقول ذاك إلا زيدٌ, فعربي. قال عديُّ بن زيد: في لَيْلَةٍ لا نَرَى بها أحَدًَا ... يَحْكِي علينا إلا كَواكِبُها1

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 361 على إبدال "كواكبها" من الضمير المستتر في "يحكي" لأنه منفي في المعنى. ولو نصب على البدل من "أحد" لكان أحسن لأن أحدا منفي في اللفظ والمعنى. قال ابن الشجري: وجدت هذا البيت في كتاب لغوي منسوبا إلى عدي بن زيد. وتصفحت نسختين من ديوان شعر عدي فلم أجده فيهما، وجدت له قصيدة على هذا الوزن وهذه القافية. وقال البغدادي: إنما هذا البيت لأحيحة بن الجلاخ الأنصاري أثبتها الأصبهاني في الأغاني. ثم ذكرها والقافية فيها مرفوعة. ويحكي علينا: بمعنى يروي، و"على" بمعنى عن أو ضمن "يحكي" معنى "يتم" وانظر المقتضب 4/ 402، وأمالي ابن الشجري 2/ 73، والأغاني 13/ 115، والمغني 1/ 153، والخزانة 2/ 18، ومهذب الأغاني 1/ 113، وملحقات ديوان عدي بن زيد/ 194.

وإنما تكلَّموا بذلك لأن "تقول" في المعنى منفي, إذ كان وصفًا لمنفي أو خبرًا, كما قالوا: قد عَرَفْتُ زيدًا أبو من هو, لأن معناه معنى المستفهم عنه. ويجوز: ما أظنُّ أحدًا فيها إلا زيدٌ, ولا أحدٌ منهم اتخذت عنده يدًا إلا زيد, رفعت زيدًا في المسألة الأولى على البدل من المضمر في فيها/ 325 المرفوع وخفضته في الثانية على البدل من الهاء المخفوضة. في "عنده" وتقول: ما ضربت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا لا يكون في ذلك إلا النصب؛ لأن القول غير منفي هنا, وإنما أخبرت: أنك ضربت ممن يقول ذاك زيدًا, والمعنى في الأول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إلا زيد. ولكنك قلت: رأيت أو ظننت ونحوهما لتجعل ذلك فيما رأيت وفيما ظننت ولو جعلت: رأيت من رؤية العين كان بمنزلة "ضربت". قال الخليل: ألا ترى أنك تقول: ما رأيته يقول ذلك إلا زيد, وما أظنُّه يقوله إلا عمرو, فهذا يدلك على أنك إنما انتحيت على القول1, وتقول: قل رجل يقول ذاك إلا زيد, وليس "زيد" بدلًا من الرجل في "قل". قال سيبويه: لكن "قل رجل" في موضع "أقل رجل" ومعناه كمعناه, وأقل رجل مبتدأ 2 / 333 مبنى عليه. والمستثنى بدل منه لأنه يدخله في شيء.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 361. 2 المصدر السابق: 1/ 361.

يخرج منه من سواه, وكذلك أقل من وقل من إذا جعلت من بمزلة رجل, قال حدثنا بذلك يونس عن العرب. يجعلونه نكرة1 -يعني من- قال أبو العباس: إذا قلت: قل رجل يقول ذاك إلا زيد فهذا نفي. كثر رجل2 يقول ذاك إلا زيد وليست هذه قل التي تريد بها قل الشيء وإنما تريد ما يقول ذاك إلا زيد. والدليل على أن رجل في معنى رجال, أنك لو قلت: قل زيد إلا زيد, لم يجز لأنك لا تستثني واحدًا من واحد هو هو, وقولك: إلا زيدًا يدلُّ على معنى أقل رجل3 فهو بدل من قولك: قل رجل. وتقول: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به, من قبل "أن بشيء" في موضع رفع في لغة بني تميم فلما قبح أن يحمله على الباء صار كأنه 4 / 337 بدل من اسم مرفوع, وبشيء في لغة أهل الحجاز في موضع اسم منصوب ولكنك إذا قلت: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به, استوت اللغتان وصارت "ما" على أقيس الوجهين5, وهي لغة تميم. وتقول: لا أحد فيها إلا عبد الله, تحمل عبد الله على موضع "لا" دون

_ 1 المصدر السابق 1/ 361. والنص في الكتاب: ... وكذلك أقل من يقول ذلك وقل من يقول ذاك، إذا جعلت "من" بمنزلة رجل. حدثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة. 2 المقتضب 4/ 405. 3 للنحويين كلام طويل في إعراب قولهم: أقل رجل يقول ذاك إلا زيد. فأقل مبتدأ لا خبر له واستغنى، لأنه شابه حرف النفي عند ابن جني، أو لأنه بمعنى الفعل في قولهم: قل رجل يقول ذاك إلا زيد عند النحاس، واستغنى بصفة المضاف إليه عن الخبر، ولا يجوز أن تكون جملة: "يقول ذاك" خبرا للمبتدأ لأنها جرت على المضاف إليه في تثنيته وجمعه وتأنيثه يقولون: أقل امرأة تقول ذاك، وأقل امرأتين تقولان ذاك، وأقل رجال يقولون ذاك. انظر: الخصائص 2/ 124، والأشباه 2/ 45، والخزانة 2/ 26، وشرح الكافية 1/ 77. 4 انظر: الكتاب 1/ 362. 5 المصدر السابق 1/ 362، لأنك إذا قلت: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به فكأنك قلت: ما أنت إلا شيء لا يعبأ به.

لفظه وكذلك تقول: ما أتاني من أحد إلا عبد الله, ألا ترى أنك تقول: ما أتاني من أحد لا عبدُ الله ولا زيدٌ, من قبل أنه خطأ أن تحمل المعرفة على "من" في هذا الموضع كما تقول: لا أحدَ فيها إلا زيدٌ, لا عمروٌ؛ لأن المعرفة لا تحمل على "لا"1. وتقول: ما فيها إلا زيد, وما علمت أن فيها إلا زيدًا, ولا يجوز: ما إلا زيد فيها, ولا ما علمت أن إلا زيدًا فيها2, وإنما حسن لما قدمت وفصلت بين أن وإلا لطول الكلام, كأشياء تجوز في الكلام إذا طال وتحسن. ولا يجوز أن تقول: ما علمت أن إلا زيدا فيها, من أجل أنك/ 338 لم تفصل بين "أن" وإلا كما فصَلْت في قولك ما علمت أن فيها إلا زيدًا. قال سيبويه: وتقول إن أحدًا لا يقول ذاك وهو خبيث ضعيف3 فمن أجاز هذا قال: إن أحدًا لا يقول هذا إلا زيدًا, حمله على "إن" وتقول: لا أحد رأيته إلا زيد, وإن بنيت جعلت "رأيته" خبرًا لأحد أو صفة. وتقول ما فيهم أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدًا كأنه قال: قد قالوا ذاك إلا زيدا. وتقول: ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا و"أن" في موضع اسم مرفوع قال الشاعر: لم يَمْنَعِ الشَّربَ منها غَيْرَ أن هَتَفت ... حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ4 وناس يقولون: غير أن نطقت5, وقد مضى تفسيره.

_ 1 المصدر السابق 1/ 362 وذلك لأن هذا الكلام جواب لقوله: هل من أحد أو هل أتاك من أحد. 2 لأنك إذا قلبته وجعلته يلي "أن" و"ما" في لغة أهل الحجاز قبح ولم يجز لأنها ليست بفعل فيحتمل قلبهما كما لم يجز فيهما التقديم والتأخير. 3 الكتاب 1/ 363، لأن أحدا لا يستعمل في الواجب وإنما نفيت بعد أن أوجبت. 4 مر تفسير هذا البيت، انظر 312 من المخطوط وهو لأبي قيس بن رفاعة. ورواه سيبويه 1/ 369 غير أن نطقت. 5 انظر: الكتاب 1/ 369.

وتقول: ما أتاني زيد إلا عمرو, إذا أردت بذكرك زيدًا: بعض من نَفَيْتَ توكيدًا للنفي فهي بمنزلة ما لم تذكره ولا يجوز أن تقول: ما زيد إلا قام, فإن قلت: ما زيد إلا يقوم كان جيدًا/ 339 وذلك أن الموضع موضع خبر والخبر اسم فلو كان: ما زيدًا إلا يقوم كان جيدًا لمضارعة يفعل الأسماء. ولم يقولوا: أكثر من ذلك. قال أبو العباس -رحمه الله: والتقدير: ما زيد شيئًا إلا ذا فلا يجوز أن يقع بعد إلا شيء إلا اسم في معنى شيء الذي هو حدُّ زيد؛ لأنه واحد من شيء لأنه شيء في معنى جماعة, وتقدره: ما زيد شيئًا من الأشياء إلا قائم, فلا يجوز أن يقع بعد "إلا" إلا اسم أو مضارع له, ومن ههنا وجب أن تقول ما زيد إلا الجبن آكل وإلا الخبز آكله هو, وفيمن قال زيدًا ضربته: قال: ما زيد إلا الخبز آكله ولا يجوز: ما الخبز إلا زيد آكل. لا يجوز أن تعمل الفعل الذي بعد إلا في الاسم الذي قبلها بوجه من الوجوه, لأن الاستثناء إنما يجيء بعد مضي الابتداء, لأن المعنى: ما الخبز شيئًا إلا زيد آكله, فإن حذفت الهاء من "آكله" أضمرتها ورفعت الخبز. لا يجوز إلا ذلك/ 340. فإن قلت: ما زيد إلا قد قام, فهو أمثل ولو لم يجزه مجيز كان قاصدًا فيه إلى مثل ترك إجازة ما قبله لأن "قد" إنما أكدت وصارت جوابًا لتوقع خبر والفعل الماضي على حاله ومن أجازه فعلى وجه أن "قد" لما زادت ضارع الفعل بالزيادة التي قبله الأفعال المضارعة والأسماء لأن الأفعال المضارعة يدخلها السين, وسوف والأسماء يدخلها الألف واللام فتقول: ما زيد إلا قد قام ألا ترى أن "قد" إذا لحقت الفعل الماضي صلح أن يكون حالًا نحو: جاء زيد قد ركب دابة ولولا "قد" كان قبيحًا فإن قيل: ألست تقول: ما جاءني زيد إلا تكلم بجميل, فقد وقع الفعل الماضي بعد إلا, قيل: إنما جاز وجاد لأنه ليس قبله اسم يكون خبرًا له وإنما معناه: كلما جاءني زيد تكلم "بجميل" فإن قال: فأنت قد تقول: ما تأتيني إلا قلت حسنًا وما تحدثني إلى صدقت فمن أين وقع الماضي بعد إلا/341 والذي قبله مضارع؟ قيل: فالمضارع الذي قبله في معنى الماضي, لأنه حكاية الحال,

ألا ترى أن معناه: كلما حدثتني صدقتني, وكلما جئتني قلت: حقا, ولو قلت: ما زيد إلا أنا ضارب, لأضمرت الهاء في "ضارب", لأن زيدًا لا سبيل لضارب عليه لأن تقديره: ما زيد شيئًا إلا أنا ضاربه, فإن كانت ما الحجازية فهي الرافعة لزيد, وإن كانت التميمية فإنما جاء الفعل بعد أن عمل الابتداء فصار بمنزلة قولك كان زيد ضربت في أنه لا بد من الهاء في "ضربت" وتقول: ما كان أخاك إلا زيد, وما ضرب أباك إلا زيد؛ لأن الفعل فارغ لما بعده فتقديره, ما كان أحد أخاك إلا عمرو, وما كان أخوك أحدًا إلا زيدًا1, فما بعد "إلا" من فاعل أو مفعول مستثنيًا من اسم في النية أو خبر ولا يجوز: ما منطلقًا إلا كان زيد, من حيث استحال ما زيدًا إلا ضرب عمرو, وتقول ما كان زيد قائمًا إلا أبوه وما زيد قائمًا إلا أبوه لأن "ما" في قائم منفي/ 342 في المعنى, والأب هو الفاعل كما تقول: ما قام إلا زيد. فإن قلت: ما زيد قائمًا أحد إلا أبوه كان جيدًا لأن الاستثناء معلق بما قبله غير منفصل منه ونظير ذلك: زيد ما قام أحد إلا أبوه وزيد ما كان أحد قائمًا إلا أبوه. وتقول: ما أظنُّ أحدًا قائمًا إلا أبوك والنصب في الأب أجود على البدل من "أحد" ولو قلت: ما زيد قائمًا أحد إليه إلا أبوه كان أجود حتى يكون الاستثناء فضلة. ويقول: إن أخويك ليسا منطلقًا إلا أبوهما كما تقول: إن أخويك ليسا منطلقة جاريتهما وكذلك: إن أخويك ليسا منطلقًا أحد إلا أبوهما, كما تقول: مررت برجالٍ ليسوا إلا منطلقًا آباؤهم. قال أبو العباس -رحمه الله: يزعم البغداديون: أن قولهم: إلا في الاستثناء, إنما هي إن ولا2, ولكنهم خففوا إن لكثرة الاستعمال, ويقولون

_ 1 فما بعد إلا من زيدا جملة زائدة مقحمة أظنها من عمل الناسخ. 2 مذهب الفراء: أن "إلا" مركبة من إن ولا العاطفة حذفت النون الثانية من إن وأدغمت الأولى في لام لا، فإذا انتصب الاسم بعدها فبإن وإذا تبع ما قبلها بالإعراب فبلا العاطفة فكأن أصل قام القوم إلا زيدا، قام القوم إلا زيدا لا قام. أي: لم يقم فلا لنفي حكم ما قبل إلا ونقضه نفيا كان ذلك الحكم أو إثباتا فهو كقولك: كأن زيدا أسد الأصل عند بعضهم إن زيدا كأسد فقدموا الكاف وركبوها مع إن. انظر الإنصاف/ 150، وشرح الكافية 2/ 247، وشرح المفصل 2/ 77.

إذا قلنا: ما جاءني أحد إلا زيد. فإنما رفعنا زيدًا "بلا" وإن نصبنا فبإن. ونحن في ذلك مخيرون في هذا لأنه قد/ 343 اجتمع عاملان "إن ولا" فنحن نعمل أيهما شئنا وكذلك يقولون: جاءني القوم إلا زيد وإلا زيدًا, ولا يعرفون ما نقول نحن أن رفعه على الوصف في معنى غير فيلزمهم أن يقولون: ما جاءني إلا زيدًا إذا أعملوا "إن" وهم لا يقولون1 به, فسألناهم: لِمَ2 ذلك؟ فقالوا: لأن أحدا مضمرة, قلت: ذاك أجدر أن يجوز النصب, كما يجوز إذا أظهرت أحدًا, فلم يكن في ذاك وما يتولد فيه من المسائل حجة, وهذا فاسد من كل وجه ذكرنا إياه يجعل له حظا فيما يلتفت إليه ويجب على قولهم أن تنصب النكرات في الاستثناء بلا تنوين لأن: لا تنصب النكرات بلا تنوين, قال سيبويه: إذا قلت لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا, الدليل على أنه وصف أنك لو قلت: لو كان معنا إلا زيد لهلكنا, وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلت ونظير ذلك قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ 3 لَفَسَدَتَا} 4 ومثل ذلك قوله: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 5 ومثله قول لبيد: / 335 وإذا جُوزِيتَ قَرْضًَا فَاجْزهِ ... إنّما يَجْزِي الفَتَى غَيْرُ الجَمَل6 قال أبو العباس -رحمه الله: لو كان معنا إلا زيدًا لغلبنا أجود كلام وأحسنه, والدليل على جودته أنه بمنزلة النفي, نحو قولك: ما جاءني أحد إلا

_ 1 في الأصل: لا يقولوا. 2 في الأصل "لما". 3 انظر: الكتاب 1/ 370. 4 الأنبياء: 22. وانظر: الإنصاف 1/ 175، والكعبري 2/ 69، والبحر المحيط 6/ 304-305، وشرح الكافية للرضي 1/ 277. 5 النساء: 95. 6 مر هذا الشاعر ص348.

زيد وما جاءني إلا زيد, أنك لو قلت: لو كان معنا أحد إلا زيد لهلكنا فزيد معك كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 1 والله تعالى فيهما2. وتقول: لو كان لنا إلا زيدًا أحد لهلكنا كما تقول: ما جاءني إلا زيدًا أحد والدليل على جودة الاستثناء أيضًا أنه لا يجوز أن يكون إلا وما بعدها وصفًا إلا في موضع لو كان فيه استثناء لجاز. ألا ترى أنك تقول: ما جاءني أحد إلا زيد على الوصف إن شئت وكذلك: جاءني القوم إلا زيد على ذلك, ولو/ 345 قلت: جاءني رجلًا إلا زيد, تريد: غير زيد على الوصف لم يجز؛ لأن الاستثناء هنا محال وتقول: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدًا لأن معنى: ما أكل أحد إلا الخبز أنه قد أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان إلا زيدًا وكذلك ما مسلوب أحد إلا ثوبًا إلا زيدًا؛ لأنك أردت: كل إنسان سلب ثوبًا إلا زيدًا وتقول: ما ضربت أحدًا إلا قائمًا فتنصب "قائمًا" على الحال وكذلك: ما مررت بأحد إلا "قائمًا" وما جاءَني أحد إلا راكبًا فإن قلت: ما مررت بأحد إلا قائمًا إلا زيدًا نصبت: زيدًا ولم يجز أن تبدله من "أحد" لأن المعنى: مررت بكل أحد قائم, وإن شئت: قائمًا إلا زيدًا وتقول: ما مر بي البعير إلا إبلك وذهب الدنانير إلا دنانيرك وفي كتاب الله تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 3. قال الأخفش: لو قلت: أين إلا زيدًا قومك/ 346 وكيف إلا زيدًا قومك. لجاز لأن هذا بمنزلة أههنا إلا زيدًا قومك, ويجيز ضرب إلا زيد قومك أصحابنا, على أن يستثنى زيدًا من الفاعلين. وقال: لو استثنيته من المفعولين لم يحسن؛ لأنك لم تجئ للمفعولين بذكر في أول الكلام و"ضرب" هو من ذكر الفاعلين لأن الفعل "لهم".

_ 1 الأنبياء: 22. 2 انظر: المقتضب 4/ 408، والانتصار لابن ولاد/ 123. 3 العصر.

واعلم: أنه لا يجوز أن تجمع بين حرفين من هذه الحروف, إلا ويكون الثاني اسمًا, مثل قولك: قام القوم إلا خلا زيدًا, هذا لا يجوز أن تجمع بين إلا وخلا فإن قلت: إلا ما خلا زيدًا وإلا ما عدا جاز1 ولا يجوز إلا حاش زيدًا والكسائي: يجيزه إذا خفض "بحاشا", والبغداديون يجيزون في: ما عندي إلا أباك أحدًا, الرفع والنصب في "أبيك" يجيزون: ما عندي إلا أبوك أحد. وقد مضى ذكر هذا. وما يجوز فيه وما لا يجوز. وإذا قلت: ما قام القوم إلا زيد, وهل قام القوم إلا زيد, فالرفع عند/ 347 البصريين على البدل2, وعند الكوفيين على العطف3, ويقولون: إذا اجتمعت "إلا وغير" فاجعل إحداهما تتبع ما قبلها وإحداهما استثناء, فيقولون: ما جاءني أحد إلا زيد غير عمرو, ترفع زيدًا وتنصب "غير" وهذا عندنا إنما انتصب الثاني, لأنه لا يجوز أن يرفع بالفعل فاعلان وقد مضى تفسير ذلك, وإذا نَسَقْتَ جاز رفعهما جميعًا فقلت: ما جاءني أحد إلا زيد وغير عمرو, قال الشاعر: مَا بِالمِدِينَةِ دَارٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ ... دَار الخليفةِ إلا دَارَ مَرْوَانَا4

_ 1 لأن "ما" اسم فلا توصل "إلا" بالفعل فخلا وعدا هنا صلة "لما". 2 انظر: الكتاب 1/ 360. 3 لأن الكوفيين يذهبون إلى أن "إلا" تكون بمعنى "الواو" واحتجوا بقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي: ولا الذين ظلموا، يعني: والذين ظلموا لا تكون لهم حجة أيضا. ويأبى البصريون هذا.. وانظر: الإنصاف/ 155-156. 4 من شواهد سيبويه 1/ 373 على جعل "غير" نعتا للدار فلذلك رفع ما بعد "إلا". والمعنى: ما بالمدينة دار غير واحدة، وهي دار الخليفة إلا دار مروان وما بعد "إلا" بدل من دار الأولى، ولو جعل "غير واحدة" استثناء بمنزلة، إلا واحدة. لجاز نصبها على الاستثناء ورفعها على البدل. وأراد مروان بن الحكم. وقد نسب سيبويه هذا الشاهد إلى الفرزدق وليس في ديوانه. وفي الديوان قصيدتان من بحر الشاهد ورويه. ص/ 875-877. وانظر: معاني القرآن 1/ 90، والمقتضب 4/ 425، وشرح السيرافي 3/ 306، والأبيات المشكلة للفارقي/ 271.

ترفع "غير" وتنصب دارَ مروان, ولك أن تنصبهما جميعًا على قولك: ما جاءني أحد إلا زيدًا, ورفعهما جميعًا, لا يجوز إلا على أن تجعل "غير" نعتًا فيصير الكلام كأنك قلت: ما بالمدينة دار كبيرة إلا دار مروان. ولا يجوز أن يقع بعد إلا شيئان مختلفان على غير جهة البدل/ 348 لا يجوز: ما أكل إلا عبد الله طعامَكَ. ولا ما أكل إلا طعامك عبد الله, وقد مضى تفسير هذا فإن جعلت "إلا" بمعنى غير فقد أجازه قوم. وإذا قال القائل: الذي له عندي مائة دِرهم إلا درهَمَين, فقد أقر بثمانية وتسعينَ وإذا قال: الذي له عندي مائة إلا درهمان فقد أقر بمائة لأن المعنى: له عندي مائة غير درهمين. وكذلك لو قال: له عليَّ مائة غير ألف. كان له مائة, ألا ترى أنه لو قال: له عليَّ مائة مثل درهمين, جاز أن يكون المعنى: أن المائة درهمان. وكذلك لو قال: له عليَّ مائة مثل ألف كان عليه ألف "فغير" نقيض مثل, وإذا قلت: ما له عندي إلا درهمين, فأردت أن تقر بما بعد "إلا" رفعته لأنك إذا قلت: ما له عندي مائة إلا درهمان, فإنما رفعت درهمان, بأن جعلته بدلًا من "مائة" فكأنك قلت: ما له عندي إلا درهمان, وإذا نصبت فقلت: ما له عندي مائة إلا درهمين, فما أقررت بشيء لأن "عندي" لم ترفع شيئًا فيثبت له عندك/ 349 فكأنك قلت: ما له عندي ثمانية وتسعون. كذلك إذا قلت ما لك عليّ عشرون إلا درهمًا, فإذا قلت: ما لك عشرون إلا خمسة, فأنت تريد: ما لك إلا خمسة وتقول: لك عليّ عشرة إلا خمسة ما خلا درهمًا فالذي له ستة. وكل استثناء فهو مما يليه والأول: حط والثاني: زيادة وكذلك جميع العدد, فالدرهم مستثنى من الخمسة فصار

المستثنى أربعة. ولا ينسق على حروف الاستثناء "بلا" لا تقول: قام القوم ليس زيدًا ولا عمرًا, ولا: قام القوم غير زيد ولا عمرو, والنفي في جميع العربية ينسق عليه "بلا"1 إلا في الاستثناء, وقال بعضهم: "لا سيما" يجيء شبيهًا بالاستثناء وحكي: ولا سيما يوم ويومًا, من رفع جعله في صلة "ما" ومن خفض خفض بشيء. ههنا وجعل "ما" زائدة2 للتوكيد والسي/ 350. والمثل ومن نصب جعله ظرفًا وحكي عن الأحمر3: أنه كان يجيز: ما قام صغير وما خلا أخاك كبير وإنما قاسه على قول الشاعر: وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بها طُورِي ... ولا خلا الجن بها إنسي4

_ 1 في الأصل "بولا". 2 في الكتاب 1/ 350 قال سيبويه: وسألت الخليل عن قول العرب: ولا سيما زيد، فزعم، أنه مثل قولك: ولا مثل زيد، و"ما" لغو وقال: ولا سيما زيد كقولهم: دع ما زيد، وكقوله مثلا، ما بعوضة في هذا الموضع بمنزلة مثل فمن ثم عملت فيه "لا" كما تعمل رب في "مثل". فالجر: بالإضافة إلى "سي" وما زائدة، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو، ولا تكون "ما" اسم موصول محلها الجر بالإضافة إلى "سي" وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول، والنصب على التمييز "لسي" وما لغو، وهذا الوجه الأخير لم يذكره ابن السراج، وإنما قال: ومن نصب جعله ظرفا. 3 الأحمر: علي بن الحسن، والأحمر في الأصل صفة للرجل الذي فيه الحمرة، صاحب الكسائي، وهو أحد من اشتهر بالنحو واتساع الحفظ، وكان فطنا، مات بطريق مكة قبل الفراء بمدة سنة "194هـ"، ومات الفراء سنة: "204هـ"، ترجمته في تاريخ بغداد جـ12/ 104-105، وطبقات الزبيدي/ 95، ومعجم الأدباء جـ13/ 5-11، والأنساب/ 20، وإنباه الرواة جـ2/ 313. 4 الشاهد فيه جواز تقديم المستثنى، لأن تقدم المستثنى غير المنسوب شاذ، والأصل: ولا بها إنسي خلا الجن. قال ابن الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم حرف الاستثناء في أول الكلام نحو: إلا طعامك ما أكل زيد، نص عليه الكسائي وإليه ذهب الزجاج في بعض المواضع. واستدلوا بهذا البيت ونحوه، ومنعه البصريون، وأجابوا عن البيت بأن تقديره: "وبلدة ليس بها طوري ولا إنسي ما خلا الجن". فحذف إنسيا وأضمر المستثنى منه، وما أظهره تفصيل لما أضمره. وقيل: تقديره: ولا بها إنسي خلا الجن، فيها مقدرة بعد "إلا" وتقديم المستثنى للضرورة فلا يكون فيه حجة. وهذان بيتان من الرجز للعجاج. والبلدة: الأرض، يقال: هذه بلدتنا، أي: أرضنا. وقوله: ليس بها طوري, أي: ليس بها أحد، ولا يجيء "طوري" إلا مع النفي. ويروى: وليس بها طوئي. وانظر: النوادر/ 226، والمنصف 3/ 62، والإنصاف/ 274، وشرح الكافية للرضي 1/ 209، والخزانة 2/ 3، وأمالي القالي 1/ 251، وديوان العجاج/ 68.

وليس كما ظن لأن إنسي مرتفع "بها" على مذهبهم ولو قلت: ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله, إذا كان أبو عبد الله زيدًا كان جيدًا. قال أبو بكر: قد كنا قلنا عند افتتاحنا ذكرنا الأسماء المنصوبات أنها تنقسم قسمة أولى على ضربين. وأن الضرب الأول: هو العام الكثير. وقد ذكرناه بجميع أقسامه وبقي الضرب الآخر وهو "إلا" ونحن ذاكرون إن شاء الله الضرب الآخر من الأسماء المنصوبة من القسمة الأولى. هذا الضرب كل اسم نذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة قد تما بالإِضافة والنون وحالت النون بينهما أو/ 351 الإِضافة ولولاها لصلح أن يضاف إليه والفرق بين هذا الضرب من التمييز وبين التمييز الذي قبله أن المنصوب هنا ينتصب عند تمام الاسم وذلك ينتصب عند تمام الكلام, وهذا الضرب أكثر ما يكون في نوعين يميزان المقادير والأعداد, وقد نصبوا أشياء نصب الأسماء بعد المقادير.

باب تمييز المقادير

باب تمييز المقادير: المقدرات بالمقادير على ثلاثة أضرب: ممسوح, ومكيل, وموزون. أما ما كان منها على معنى المساحة, فقولهم: ما في السماء قدر راحة سحابًا, جعل قدر الراحة شيئا معلومًا نحو: ما يمسح به ما في الأرض وكل ما كان في هذا المعنى فهذا حكمه. وأما ما كان على معنى الكيل فقولهم: عندي قفيزان برا وما أشبه ذلك. وأما ما كان على معنى الوزن فقولهم: عندي منوان سمنًا وعندي رطل زيتًا. فالتمييز إنما هو فيما يحتمل أن يكون أنواعًا, ألا ترى أنك إذا قلت: عندي منا ورطل وأنت تريد: مقدار منا ومقدار رطل لا الرطل والمن1 اللذين2 / 352 يوزن بهما جاز أن يكون ذلك المقدار من كل شيء يوزن من الذهب والفضة والسمن والزيت, وجميع الموزونات, وكذلك الذراع يجوز أن يكون مقدار الذراع من الأرضين والثياب ومن كل ما يمسح, وكذلك القفيز والمكيل يصلح أن يكال به الحنطة, والشعير والتراب وكل ما يكال. فأما قولهم: لي مثله رجلًا فمشبه بذلك لأن المثل مقدار فذلك الأصل ولكنهم يتسعون في الكلام فيقولون: لي مثله رجلًا وهم يريدون: في شجاعته وغنائه أو غير ذلك. فإذا قلت: لي مثله زيدًا فذلك على بابه إنما يريد: مثل شيء في وزنه وقدره والهاء في مثله حالت بين مثل وبين زيد

_ 1 في الأصل "المنا". 2 في الأصل "الذي".

أن تضيفه إليه, وكذلك النون في "منوان" فنصبته كما نصبت المفعول لما حال الفاعل بينه وبين الفعل. ولولا المضاف, والنون لأضفته إليه, لأن كل اسم يلي اسمًا ليس بخبر له, ولا/ 353 صفة ولا بدل منه فحقه الإِضافة, وسيتضح لك ذلك في باب الخفض إن شاء الله. ومثل ذلك: عليه شعر كلبين دينًا فالشعر مقدار وكذلك: لي ملء الدار خيرًا منك, ولي ملء الدار أمثالك؛ لأن خيرًا منك وأمثالك نكرتان1 وإن شئت قلت: لي ملء الدار رجلًا وأنت تريد: رجالًا وكل مميز مفسر في المقادير والأعداد وغيرها. "فمن" تحسن فيه إذا رددته إلى الجنس تقول: لي مثله من الرجال, وما في السماء قدر راحة من السحاب, ولله دره من الرجال, وعندي عشرون من الدراهم, ومنه ما تدخل فيه "من" وتقره على إفراده كقولك: لله دره من رجل. قال أبو العباس -رحمه الله: أما قولهم: حسبك بزيد رجلًا, وأكرم به فارسًا, وحسبك يزيدٍ من رجل, وأكرم به من فارس, ولله دره من شاعر, وأنت لا تقول: عشرون من درهم ولا هو أفره من عبد, فالفصل بينهما: أن الأول كان يلتبس فيه التمييز بالحال فأدخلت2 / 345 "من" لتخلصه للتمييز, ألا ترى أنك لو قلت: أكرم به فارسًا وحسبك به خطيبًا لجاز أن تعني في هذه الحال, وكذلك إذا قلت: كم ضربت رجلًا وكم ضربت من رجل. جاز ذلك لأن "كم" قد يتراخى عنها مميزها. وإذا قلت: كم ضربت لم يدر السامع أردت: كم مرةً ضربت رجلًا واحدًا أم: كم ضربت من رجل فدخول "من" قد أزال الشك. ويجوز أن تقول: عندي رطل زيت وخمسة أثواب, على البدل لأنه جائز أن تقول: عندي زيت رطل, وأثواب خمسة فتوخوها على هذا المعنى, وجائز الرفع في: لي مثله رجل،

_ 1 في الأصل "نكرة". 2 انظر: المقتضب 3/ 34-35.

تريد: رجل مثله, فأما الذي ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير فقولك: ويحه رجلًا, ولله دره رجلًا, وحسبك به رجلًا, قال العباس بن مرداس: ومرة يحميهم إذا ما تبدَّدوا ... ويطعنهم شزرًا فأبرحتَ فارسا1 قال سيبويه: كأنه قال: فكفى بك فارسًا, وإنما يريد: كفيت فارسًا2 / 355 ودخلت هذه الباء توكيدًا, ومن ذلك قول الأعشى: فأَبْرَحْتَ رَبًّا وَأْبرَحْتَ جَارًَا3

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 299 على نصب "فارس" على التمييز للنوع الذي أوجب له فيه المدح، والمعنى: فأبرحت، أي: بالغت وتناهيت في الفروسية، وأصل أبرحت من البراح وهو المتسع من الأرض المنكشف، أي: تبين فضلك بتبيين البراح من الأرض وما نبت فيه. فإذا تبددت الخليل، أي: تفرقت للغارة، ردها وحمي منها. والشزر: الطعن في جانب، فإن كان مستقيما فهو من اليسر. والشزر أشد منه لأن مقاتل الإنسان فيه جانبيه. وقد استشهد به: على أن الكوفيين قالوا: أن "أفعل" بدون من صيغ التعجب. وانظر المقتضب 2/ 151، ورواه: ومرة يرميهم إذا ما تبدوا.. والأصمعيات/ 237، الأغاني 14/ 315، والخزانة 3/ 518، وشروح سقط الزند 1/ 248. والديوان تحقيق د. يحيى الجبوري/ 71. 2 انظر الكتاب 1/ 199. 3 من شواهد سيبويه 1/ 299، على نصب "ربا وجارا" على التمييز، والمعنى: أبرحت من رب ومن جار، أي: بلغت غاية الفضل في هذا النوع. وأراد بالرب الملك الممدوح، وكل من ملك شيئا فهو ربه. يشير إلى ابنته التي تحدث عنها تقول له وقد حزم أمره على الرحلة لممدوحه، أي أب كنت لي أعتز برعايته، وأي جار كنت أجد الأنس في قربه. وضبط صاحب اللسان تاء الفاعل في "أبرحت" بالكسر بناء على أن هذا خطاب لابنته ولكن الرواية في الديوان تدل على أنه من ابنته له، وكذا فعل ابن السراج. وانظر: نوادر أبي زيد/ 55، والتهذيب 5/ 19، وشرح الحماسة 3/ 1263، والحماسة/ 334، وجمهرة الأمثال للعسكري 1/ 205، والفاخر للمفضل بن سلمة / 214، وشروح سقط الزند 1/ 248. والجمهرة 1/ 16، وارتشاف الضرب/ 244، والديوان/ 49.

ومثله: أكرم به رجلًا. وإذا كان في الأول ذكر منه حسن أن تدخل "من" توكيدًا لذلك الذكر تقول: ويحه من رجل, ولله در زيد من فارس, وحسبك به من شجاع ولا يجوز: عشرون من درهم, ولا هو أفرههم من عبد؛ لأنه لم يذكره في الأول ومعنى قولهم: ذكر منه, أن رجلًا هو الهاء في ويحه. وفارس هو زيد, والدرهم ليس هو العشرون والعبد ليس هو زيد, ولا الأفره, لأن الأفره خبر زيد.

باب تمييز الأعداد

باب تمييز الأعداد: اعلم: أن الأعداد كالمقادير تحتاج إلى ما يميزها كحاجتها. وهي تجيء على ضربين: منها ما حقه الإِضافة إلى المعدود وذلك ما كان منه يلحقه التنوين ومنها ما لا يضاف, وهو ما كان فيه نون أو بني اسم منه مع اسم فجعلا بمنزلة اسم واحد. أما المضاف فما كان منها من الثلاثة إلا العشرة فأنت تضيفه/ 356 إلى الجمع الذي بني لأدنى العدد نحو: ثلاثة أثوب وأربعة أفلس وخمسة أكلب وعشرة أجمال. فأفعل وأفعال مما بني لأقل العدد1 وأقل العدد هو العشرة فما دونها ذلك أن تدخل في المضاف إليه الألف واللام؛ لأنه يكون الأول به معرفة فتقول: ثلاث الأثواب وعشرة الأفلس. ومن ذلك مائة وألف؛ لأن المائة نظير عشرة لأنها عشر عشرات والألف نظير المائة لأنه عشر مئات. قال أبو العباس -رحمه الله-: ولكنك أضفت إلى المميز: لأن التنوين غير لازم في المائة, والألف والنون في عشرين لازمة؛ لأنها تثبت في الوقف وتثبت مع الألف واللام, فإذا زدت على العشرة شيئًا جعل مع الأول اسمًا واحدًا وبنيا على الفتح, ويكون في موضع عدد فيه نون, وذلك قولك: أحد

_ 1 إذا كان المذكر من ذوات الثلاثة كانت له أبنية تدل على أقل العدد: أفعل، وأفعال وأفعلة وفعلة، وهذان الأخيران لم يذكرهما ابن السراج نحو: أحمرة وأقفرة وأجربة، وفعلة نحو: صبية، وغلمة، وفتية.

عشر درهمًا, وخمسة عشر دينارًا, ويدلك على أن عشر قد قامت مقام التنوين قولهم: اثنا عشر درهمًا, ألا ترى أن عشر قد عاقبت النون فلم تجتمعا فهذا1 / 357 على ذلك إلى تسعة عشر, فإذا ضاعفت أدنى العقود وهو عشرة كان له اسم من لفظه ولحقته الواو والنون والياء والنون, نحو: عشرون وثلاثون, إلى تسعين والذي يبين به هذه العقود لا يكون إلا واحدًا نكرة, تقول: عشرون ثوبًا وتسعون غلامًا, فإذا بلغت المائة تركت التنوين وأضفت المائة إلى واحد مفسر ووجب ذلك في المائة لأنها تشبه عشرة وعشرين أما شبهها بعشرة فلأنها عشر عشرات فوجب لها من هذه الجهة الإِضافة, وأما شبهها بعشرين وتسعين فلأنها العقد الذي يلي تسعين, فوجب أن يكون مميزها واحدًا, فأُضيفت إلى واحد لذلك إلا أنك تدخل عليه الألف واللام إن شئت. لأن الأول يكون به معرفة, وكذلك ألفَ حكمهُ حكمُ مائة وتثنيتها فتقول: مائة درهم وألفا درهم وقدْ جاءَ بعضُ هذا منونًا منصوبًا ما بعده في الشعر, قال الربيع: إذَا عاشَ الفَتى مائتين عامًا ... فقد ذهبَ البشاشةُ والفَتاءُ2

_ 1 انظر: المقتضب 2/ 168. 2 من شواهد الكتاب 1/ 293، ونسبه سيبويه إلى الربيع بن ضبع الفزاري 1/ 106، ثم عاد في 1/ 293 فنسبه إلى يزيد بن ضبة. وذكر المسرة بدلا من البشاشة في الشطر الثاني. والشاهد فيه إثبات النون في "مائتين" ضرورة ونصب ما بعدها بها وكان الواجب حذفها وخفض ما بعدها إلا أنها شبهت للضرورة بالعشرين، ونحوها مما يثبت نونه ونصب ما بعدها بها. وصف الشاعر هرمه وذهاب مسرته ولذته وكان قد عمر نيفا على المائتين فيما يروي. ومعنى: ذهب: أودى وانقطع، والفتاء: المصدر من الشباب ممدود. يقال أنه لفتى بين الفتاء كقولك بين الشباب. وانظر: المقتضب 2/ 169، ورواه المبرد: ذهب اللذاذة، ومجالس ثعلب/ 332، وشرح السيرافي 2/ 35، والمخصص لابن سيدة 15/ 38، وأمالي القالي 3/ 214، ومقاييس اللغة 4/ 474. والمعمرين للسجستاني/ 7 واللسان "فتا" وأمالي السيد المرتضى 1/ 155، وأدب الكاتب لابن قتيبة /95, والخزانة 3/ 306.

قال/ 358 سيبويه وثلاث: وأما تسع مائة وثلاث مائة فكان حقه مائتين أو مئات ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر1. وقال: اختص هذا إلى تسع مائة ثم ذكر: أنهم قد يختصونَ الشيءَ بما لا يكون لنظائرهِ, فذكَر: لدُن وغدوة وما شعرت به شعرة, وليت شعري والعَمْرُ, والعُمْرُ, ولا يقولون إلا لعمرك في اليمين, وذكر مع ذلك أنه قد جاء في الشعر الواحد يراد به الجمع2 وأنشد: في حَلقُكُم عَظمٌ وقَد شَجِينَا3 يريد في حلوقكم. وقال آخر: كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا ... فإنَّ زمانَكم زَمَنٌ خَمِيصُ4

_ 1 نص الكتاب 1/ 107 وأما ثلاث مائة إلى تسع مائة فكان ينبغي أن يكون مئين أو مئات، ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر حيث جعلوا ما يبين به العدد واحد لأنه اسم لعدد كما أن عشرين اسم لعدد. 2 انظر: الكتاب 1/ 107. 3 من شواهد سيبويه 1/ 107. وهو عجز بيت تكملته: لا تنكر القتل وقد سبينا ... في حلقكم ... والشاهد فيه: وضع الحلق موضع الحلوق. وصف: أنهم قتلوا من قوم كانوا قد سبوا من قومه، ويقول: لا تنكروا قتلنا لكم وقد سبيتم منا ففي حلوقكم عظم بقتلنا لكم وقد شجينا نحن أيضا، أي: غصصنا بسببكم لم سبيتم منا، وهذا نسبه الأعلم: إلى المسيب بن زيد مناة الغنوي، وانظر المقتضب 2/ 172، وابن يعيش 6/ 22، والخزانة 3/ 379 والمخصص 1/ 31. 4 من شواهد سيبويه 1/ 108، وضع البطن في موضع البطون. وصف شدة الزمان وكلبه فقال: كلوا في بعض بطونكم ولا تملئوها حتى تعتادوا ذلك وتعفوا عن كثرة الأكل وتقنعوا باليسير فإن الزمان ذو مخمصة وجدب والخميص: الجائع. الصفة للزمن، والمعنى لأهله. وتعفوا مجزوم بجواب الأمر. والبيت من الأبيات الخمسين التي لا يعرف قائلها. وانظر: معاني القرآن 2/ 102، والمقتضب 2/ 172، والمحتسب 2/ 87، والمخصص لابن سيدة، وأمالي ابن الشجري 1/ 311 والمفصل للزمخشري/ 123 والصاحبي/ 180، والخزانة 3/ 379.

باب كم

باب كم مدخل ... باب كم: اعلم: أن لـ"كم" موضعين: تكون في أحدهما استفهامًا وفي الآخر خبرًا, فأما إذا كانت استفهامًا فهي فيه بمنزلة: عشرين وما أشبهه من الأعداد التي فيها/ 359 نون تنصب ما يفسرها, تقول: كم درهمًا لك, كما تقول: أعشرون درهمًا لك, أثلاثون درهمًا لك, فينتصب الدرهم بعد "كم" كما انتصب بعد عشرين وثلاثين؛ لأن "كم" اسم ينتظمُ العدد كلهُ وخص الاستفهام بالنصب ليكون فرقًا بينه وبين الخبر لأن العدد على ضربين: منه ما يضاف إلى المعدود, ومنه ما لا يضاف كما ذكرنا, فجعلت "كم" في الاستفهام بمنزلة ما لا يضاف منه وذلك نحو: خمسة عشر, وعشرين, فخمسة عشر أيضًا بمنزلة اسم منون, ألا ترى أنه لا يضاف إلى ما يفسره فإذا قلت: كم درهمًا لك فإنما أردت: كم لك من الدراهم كما أنك لما قلت: عشرون درهمًا إنما أردت: عشرون من الدراهم ولكنهم حذفوا "من" استخفافًا كما قالوا: هذا أول فارس في الناس, وإنما يريدون: هذا أول الفرسان. قال الخليل: إن كم درهمًا لك أقوى من قولك: كم لك درهمًا, وذلك أن قولك: أعشرون1 / 360 لك درهمًا أقبح إلا أنها في "كم" عربية

_ 1 في الكتاب 1/ 291، قال سيبويه: وزعم -يعني الخليل: أن كم درهما لك، أقوى من: كم لك درهما. وإن كانت عربية جيدة.

جيدة, وذلك قبيح في عشرين, إلا أن الشاعر قد قال1: على أنني بعد ما قد مضى ... ثلاثونَ للهجرِ حولًا كميلا واعلم: أن "كم" لا تكون إلا مبتدأة في الاستفهام والخبر, ولا يجوز أن تبنيها على فعل, وأنها تكون فاعلة في المعنى ومفعولة ومبتدأة وظرفًا, كما يكون سائر الأعداد في التقدير لا يجوز أن تقول: رأيت كم رجلًا, فتقدم عليها ما يعمل فيها. فأما كونها فاعلة فقولك: كم رجلًا أتاني وأما كونها مفعولة فقولك: كم رجلًا ضربت وأما كونها مبتدأة فقولك: كم دانقًا دراهمك. واعلم: أنه لك ألا تذكر ما تفسر به "كم" كما جاز لك ذلك في العدد تقول: كم درهم لك, فالتقدير: كم قيراطًا درهم لك, ولا تذكر القيراط،

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 292 وذكر بعده هذا البيت: يذكرنيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا فقد فصل بين الثلاثين والحول بالمجرور ضرورة، فجعل سيبويه هذا تقوية لما يجوز في كم من الفصل عوضا لما منعته من التصرف في الكلام بالتقديم والتأخير لتضمنها معنى الاستفهام والتصدير بها لذلك، والثلاثون ونحوها من العدد لا تمنع من التقديم والتأخير. والكميل: الكامل، والعجول من الإبل: الواله التي فقدت ولدها بذبح أو موت أو هبة، وقيل: الناقة التي ألقت ولدها قبل أن يتم بشهر أو شهرين. ونوح الحمامة. صوت تستقبل به صاحبها لأن أصل النوح التقابل. والهديل: تجعله العرب مرة فرخا ومرة الطائر نفسه ومرة ثالثة الصوت، فيكون مفعولا مطلقا على الأخير، ومعنى البيتين: لم أنس عهدك على بعده، وكلما حنت عجول أو صاحت حمامة رقت نفسي. فذكرتك، وخبر "أنني" يذكرنيك والبيت ينسب للعباس بن مرداس. وانظر: المقتضب 3/ 55. ومجلس تعلب/ 492، وشرح السيرافي 3/ 18 والإنصاف/ 308، والمغني/ 633، وابن يعيش 4/ 130، والمسلسل/ 370 والعيني 4/ 489، والخزانة 1/ 573، وديوان العباس بن مرداس/ 136، تحقيق الدكتور يحيى الجبوري.

وتقول: كم غلمانك والمعنى كم/ 361 غلامًا غلمانك, ولا يجوز إلا الرفع في غلمانك لأنه معرفة. ولا يكون التمييز بالمعرفة, فكأنك قلت: أعشرون غلمانك, وأما كونها ظرفًا فقولك: كم ليلة سرت كأنك قلت: أعشرين ليلة سرت, وكم يومًا أقمت كأنك قلت: أثلاثين يومًا أقمت, فكم عدد. والعدد: حكمه حكم المعدود الذي عددته به. فإن كان المعدود زمانًا فهو زمان, وإن كان حيوانًا فهو حيوان. وإن كان غير ذلك, فحكمه حكمه. ولا يجوز: كم غلمانًا لك, كما لا يجوز: أعشرون غلمانًا لك. قال: وحكى الأخفش: أن الكوفيين يجيزونه1, وإذا قلت: كم عبد الله ماكث "فكم" ظرف, فكأنك قلت: كم يومًا عبد الله ماكث فكم أيام, وعبد الله يرتفع بالابتداء كما ارتفع بالفعل حين قلت: كم رجلًا ضرب عبد الله وتقول: كم غلمان لك, فتجعل "لك" صفة لهم2 والمعنى: كم غلامًا غلمان لك. قال سيبويه: وسألته -يعني الخليل- عن قولهم: على كم جذع بيتك مبني3 / 362 فقال: القياس والنصب وهو قول عامة الناس. يعني نصب جذع. قال: فأما الذين جروا فإنهم أرادوا معنى: "مِن" ولكنهم حذفوا ههنا تخفيفًا على اللسان. وصارت "على" عوضًا منها4, أما "كم" التي تكون خبرا فهي في الكثير نظيره: "رُبَّ" في التقليل, إلا أن "كم": التي اسم, ورب: حرف وهي في الخبر بمنزلة اسم لعدد غير منون نحو: مائتي درهم, فهي

_ 1 أجاز الكوفيون جمع تمييز "كم" الاستفهامية نحو: كم شهودا لك.. والذي أوهم الجمع عنده يحمل على الحال عند سيبويه، انظر الكتاب 1/ 292، وشرح الألفية لابن الناظم/ 290. 2 الكتاب 1/ 292، ونص سيبويه: وإن شئت قلت: كم غلمان لك "فتجعل غلمان" في موضع خبر "كم" وتجعل لك صفة لهم. 3 انظر: الكتاب 1/ 293. 4 انظر: الكتاب 1/ 293.

مضافة وذلك قولك: كم غلام لك قد ذهب, جعلوها في الاستفهام بمنزلة: عشرين وفي الخبر بمنزلة: ثلاثة, تجر ما بعدها ولا تعمل "كم" في الخبر إلاّ فيما تعمل فيه "رب" في اسم نكرة لا يجوز أن تدخل فيه الألف واللام كما فعلت ذلك في مائة الدرهم وما أشبهها, ولا تعمل إلا في نكرة نصبت أو خفضت فتقول: كم رجل قد لقيت, وكم درهم قد أعطيت. وإن شئت قلت: كم رجال قد لقيت, وكم غلمان قد وهبت, فيجوز الجمع إذا كانت خبرًا, ولا يجوز إذا كانت استفهامًا أن تفسر/ 363 بجميع. وتقول العرب: كم رجل أفضل منك, تجعله خبر "كم" وحكى ذلك: يونس عن أبي عمرو1, وكم تفسر ما وقعت عليه من العدد بالواحد المنكور, كما قلت: عشرون درهمًا أو بجمع منكور نحو: ثلاثة أثواب. وهذا جائز في التي تقع في الخبر. فأما التي في الاستفهام فلا يجوز فيها إلا ما جاز في العشرين2, وناس من العرب يعملونها في الخبر كعملها في الاستفهام فينصبون كأنهم يقدرون التنوين ومعناها منونة وغير منونة سواء. وبعض العرب ينشد: كَمْ عمةً لَكَ يَا جَريرُ وخَالةً ... فَدْعَاءُ قَدْ حلَبَتْ عليَّ عِشَارِي3

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 293. 2 انظر: الكتاب 1/ 293. 3 من شواهد الكتاب 1/ 253، 293. والمبرد يرى أن "كم" استفهامية في البيت، وتوجيه ذلك بأن الاستفهام ليس على معناه الحقيقي، ولكنه على سبيل التهكم والسخرية. فكأنه يقول لجرير: أخبرني عن عدد عماتك وخالاتك اللاتي حلبن على عشارى. فقد ذهب عني عددها. وكم: مبتدأ، خبرها: جملة "قد حلبت" وأفرد الضمير مراعاة للفظ "كم". والفدع: إعوجاج في رسغ اليد من كثرة الحلب أو في رسغ الرجل من كثرة الرعي. والعشار: جمع عشراء وهي الناقة الحامل في شهرها العاشر. والبيت للفرزدق في هجاء جرير. وانظر: المقتضب 3/ 58، والموجز لابن السراج/ 44، وشرح السيرافي 3/ 19، والجمل للزجاجي/ 148، وابن يعيش 4/ 133، وشرح الكافية للرضي 2/ 93، والمغني 1/ 202، والنقائض/ 33، والديوان/ 451.

وهم كثير منهم الفرزدق, وهذا البيت ينشد على ثلاثة أوجه: رفع ونصب وخفض, فإذا قلت: كم عمة فعلى معنى: رُبَّ, فإن قلت: كم عمةً فعلى وجهين: على ما قال سيبويه في لغة من ينصب في الخبر, وعلى الاستفهامِ1, فإن قلتَ: كم عمةٌ فرفعتَ أوقعتَ "كم" على الزمان فقلت: كم يومًا عمة/ 364 لك وخالة قد حلبت عليّ عشاري, أو كم مرة ونحو ذلك. واعلم: أنك إذا قلت: كم عمة فلست تقصد إلى واحدة بعينها. وكذلك إذا نصبت. فإن رفعت لم يكن إلا واحدة؛ لأن التمييز يقع واحدة في موضع الجميع. فإذا رفعت فإنما المعنى: كم دانقًا هذا الدرهم الذي أسألك عنه, فالدرهم واحد لأنه خبر وليس بتمييز, وإذا فصلت بين كم وبين الاسم وبشيء استغنى عليه السكون, أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يجعلونها بمنزلة اسم منون, وانصب لأنه قبيح أن تفصل بين الجار والمجرور قال زهير: تَؤُمُّ سَنانًا وكَمْ دُونَهُ ... من الأرضِ مُحدوْدِبًا غَارُهَا2

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 394. 2 من شواهد سيبويه 1/ 295. على فصل "كم" من المجرور بها ونصبه على التمييز لقبح الفصل بين الجار والمجرور. والغار: هنا الغائر من الأرض والمطمئن، وجعله محدودبا لما يتصل به من الأكمام ومتون الأرض. وقيل في الغائر: غار، كما قيل في الشائك شاك. وفي السائر سار. وصف ناقة له فقال: تؤم سنانا، هذا الممدوح على بعد المسافة بينها وبينه. وانظر: المحتسب 1/ 138، وشرح السيرافي 3/ 19، والمفصل للزمخشري/ 181، وابن يعيش 4/ 129، والإنصاف/ 173، وشواهد الألفية للعاملي/ 408، ولم يوجد في ديوان زهير المطبوع.

وإن شئت رفعت فجعلت: كم مرارًا وأنشد سيبويه: كَمْ بِجُودٍ مقرفٍ نَالَ العُلى ... وكَرِيمٍ بخلهُ قد وضَعَهْ1 يفصل بين كم وبين مقرف بالظرف, وأجاز في مقرف الرفع والنصب2 / 265 أيضًا على ما فسرنا. واعلم: أنك إذا قلت: كم من درهم عندك, فلا يجوز أن تقول: عندك عشرون من درهم. وقد أجروا مجرى "كم" في الاستفهام فنصبوا قولهم: له كذا وكذا درهمًا, كأنهم قالوا: له عدد ذا دراهم. قال سيبويه: هو كناية للعدد بمنزلة فلان في الحيوان, وهو مبهم وصار ذا من كذا بمنزلة التنوين؛ لأن المجرور بمنزلة التنوين. قال! وكذلك كأين رجلًا قد رأيت, قال: زعم ذلك يونس. وكائن قد أتاني رجلًا, إلا أن أكثر العرب إنما تتكلم بها مع3 "من" قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَة} 4, فإن حذفت "من" فالكلام عربي جيد.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 296، على جواز الرفع والنصب والجر في "مقرف" فالرفع على أن تجعل "كم" ظرفا ويكون لتكثير المرار وترفع المقرف، بالابتداء وما بعده خبر، والتقدير: كم مرة مقرف نال العلى. والنصب على التمييز لقبح الفصل بينه وبين "كم" في الجر. وأما الجر فعلى جواز الفصل. بين "كم" وما عملت فيه بالمجرور ضرورة. وموقع "كم" في الموضعين رفع بالابتداء والتقدير كثير من المقرفين نال العلى بجوده. والمقرف: النذل اللئيم الأب، يريد قد يرفع اللئيم بجوده, ويتضع الكريم الأب ببخله. ونسب الشاهد إلى أنس بن زنيم وإلى عبد الله بن كويز، ولأبي الأسود الدؤلي وانظر: المقتضب 3/ 61، وشرح السيرافي 3/ 19، وابن يعيش 4/ 132، والإنصاف 192. 2 انظر: الكتاب 1/ 296. 3 انظر: الكتاب 1/ 297. 4 الحج: 48.

مسائل من هذه الأبواب

مسائل من هذه الأبواب: تقول: عندي رطل زيتًا ورطل زيت, فمن نصب فعلى التمييز, ومن خفض أضاف, ومن رفع اتبع, وكل هذا جائز في المقادير, وكذلك: بيت تبنٍ وجرة زيتٍ, فإن قلت: شاة لحمٍ وجبة خز فالإِضافة؛ لأنك لم ترد: مقدار شاة لحمًا, ومقدار جبة خزا, فإن أردت هذا المعنى جاز/ 366 النصب, وتقول: عندي زق عسل سمنًا, تضيف الأول وتنصب الثاني تريد: مقدار زق عسل سمنا, ولا يجوز عندي ملء زق عسلًا سمنًا إلا في بدل الغلط خاصة, لأنه لا يكون عندك ملء زق سمنًا وملؤه عسلًا, لأنه من أيهما امتلأ فقد شغله عن الآخر, ومن ذلك قوله جل وعز: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} 1 و {مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} 2 ويجوز: ملءُ الأَرضِ ذَهبٌ في غير القرآن. وتقول: عندي رطلان زيتًا والرطلان زيتًا ورطلا زيت, ولا يجوز: الرطلا زيت, لأنه لا يجمع بين الألف واللام والإِضافة, وكان الكسائي يضيفه ويدخل الألف واللام في كل ما كان مفسرًا ويجيز أيضًا: الرطل الزيت, والرطل الزيت والخمسة الأثواب والخمسة الأثواب فإذا قال: رجل السوء وزن السبعة لم يجز أن تدخل عليه الألف واللام, لإن إضافته صحيحة, والبصريون يأبون إدخال الألف واللام في جميع هذا, والفراء أيضًا يأباه إلا مع الضارب الرجل/ 367 والحسن الوجه, وقد مضى تفسير هذا. فإذا قلت: ماء فرات وتمر شهرير, ورطب بَرْنِيّ3 قضيبا عوسج4, ونخلتا برني, فكان ليس بمقدار معروف مشهور, فكلام العرب الخفض والاختيار فيه الإِضافة أو الإِتباع ولا يجوز فيه التمييز إذ لم يكن

_ 1 المائدة: 95. 2 آل عمران: 91. 3 البرني: ضرب من التمر أصفر مدور، وهو أجود التمر. 4 العوسج: شجر شاك نجدي له جناة حمراء واحدته عوسجة.

مقدار. وتقول: كم مثله لك, وكم خيرًا منه لك, وكم غيره مثله لك انتصب "غير" بكم وانتصب المثل, لأنه صفة له ومثله وغيره نكرة, وإن كانا مضافين إلى معرفة وقد ذكر هذا. ولم يجز يونس والخليل: كم غلمانًا لك؛ لأنك لا تقول: أعشرون غلمانًا لك إلا على وجه: لك مائة بيضًا وعليك راقود خلا, فإن أردت هذا المعنى قلت: كم لك غلمانا, ويقبح أن تقول: كم غلمانا لك1, لأن: لك سبب نصب: غلمان, ولا يجوز أن يتقدم عليها كما لم يجز: زيد قائمًا فيها, وقد بينا: أن العامل إذا كان معنى لم يجز أن يتقدم مفعوله عليه. وتقول: كم أتاني لا رجل ولا رجلان وكم عبد لك/ 368 لا عبد ولا عبدان فهذا محمول على "كَمْ" وموضعُها مِنَ الإِعرابِ لا على ما تعملُ فيهِ كم كأنك قلت: عشرونَ أتوني لا رجلٌ ولا رجلان2 ولو قلت: كم لا رجل ولا رجلين في الخبر والاستفهام كان غير جائز. وتقول: كم منهم شاهد على فلان إذا جعلت شاهدًا خبرًا "لكم" وكذلك هو في الخبر أيضًا تقول: كم مأخوذ بك إذا أردت أن تجعل: مأخوذًا بك في موضع "لك" إذا قلت: كم لك؛ لأن "لك" لا تعمل فيه "كم" ولكنه مبني عليها3 -خبر لها- وتقول: كم رجل قد رأيته أفضل من زيد لأنك جعلت "أفضل" خبرًا عن "كم" لأن "كم"اسم مبتدأ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 292. وقد ذكر سيبويه: عشرون ثيابا، بدلا من: أعشرون غلمانا. 2 في الكتاب 1/ 296 وتقول: كم قد أتاني لا رجل ولا رجلان، وكم عبد لك لا عبد ولا عبدان، فهذا محمول على ما حمل عليه "كم" لا على ما عمل فيه "كم" كأنك قلت: لا رجل أتاني ولا رجلان ولا عبد ولا عبدان وذاك لأن "كم" تفسر ما وقعت عليه من العدد بالواحد المذكور كما قلت: عشرون درهما، أو بجمع فتكون نحو: ثلاثة أثواب. 3 انظر: الكتاب 1/ 297.

فأما "رُبَّ" إذا قلت: رُب رجل أفضل منك فلا يكون لها خبرٌ, لأنها حرف جر, وكم: لا تكون إلا اسمًا وتقول: كم امرأة قد قامت, ولا يجوز أن تقول: كم امرأة قد قمن, لأن المعنى: كم من مرة امرأة قد قامت. فإن كانت "امرأة" مميزة فقلت: كم امرأة قد قامت, جاز أن تقول: قامت وقمن لجعل الفعل مرة على لفظ المفسر ومرة على معنى "كم" وقال/ 369 الله جل وعز: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} 1 فردوه إلى معنى "كم" وقال جل ثناؤه: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} 2 فجاء على لفظ المفسر فإدخالك "من" وإخراجها واحد لأنك تريد التفسير. وتقول: كم ناقة لك وفصيلَها وفصيلُها نصبًا ورفعًا من رفع اتبع ما في لك ومن نصب اتبع الناقة, وإنما جاز في فصيلها النصب وهو مضاف إلى الضمير لأن التأويل: وفصيلا لها كما قيل: كل شاة وسخلتها بدرهم, فالتأويل وسخلة لها, كما قالوا: رُب رجل وأخيه والمعنى: وأخ له, فإذا قلت: كم ناقة وفصيلها لك فلا يجوز في الفصيل إلا النصب كأنك قلت: كم ناقة وكم فصيل ناقة لك وتقول: كم رجلًا قد رأيت وامرأة على لفظ "رجل" ويجوز: ونساءه لأن المعنى: رجال لكل رجل امرأة, والفراء يقول: كم رجلًا قد رأيت ونساءه, وكم رجل قد رأيت ونسائه ويقول: تأويل "رجل" جمع فلا أرد عليه بالتوحيد.

_ 1 النجم: 26. 2 الأعراف: 4 دخول "من" في الآيتين الكريمتين مع "كم" الخبرية كثير وذلك لموافقته جرا للمميز المضاف إليه. أما مميز "كم" الاستفهامية فقد أنكر بعض النحويين جره "بمن" في نظم ولا نثر ويرد على ذلك بقوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} . قال أبو حيان في البحر المحيط 2/ 127: "من" آية تمييز "لكم" ويجوز دخول "من" على تمييز "كم" الاستفهامية والخبرية سواء وليها أم فصل عنها، والفصل بينهما بجملة وبظرف وبمجرور جائز على ما قرر في النحو. وانظر: الكشاف 2/ 128، وشرح الكافية 2/ 91، والمغني 2/ 109-110.

قال أبو بكر: ويجوز عندي: كم رجلًا رأيت ونساءهم/ 370 لأن المعنى: كم رجالًا رأيت ونساء لهم. وتقول: كم زيد قائم, وبكم ثوبك مصبوغ تريد: كم مرة أو ساعة زيد قائم, وما أشبه ذلك. وبكم درهمًا أو دينارًا ثوبك مصبوغ وما أشبه ذلك. قال الفراء: إذا قلت: عندي خمسة أثوابًا, فهو أشبه شيء بقولك: مررت برجل حسن وجهًا. قال أبو بكر: وليس هو عند أصحابنا1 كذلك, لأن وجهًا عندهم منصوب بأنه مشبه بالمفعول؛ لأن حسن يشبه اسم الفاعل. وقد مضى ذكر هذا. والنصب في قولهم: خمسة أثوابًا شاذ, إنما يجوز مثله في ضرورة شاعر. وقال أحمد بن يحيى2 -رحمه الله: كل منصوب على التفسير فقد جعل ما قبله في تأويل الفعل, ولذلك قلت: عندي خمسة وزنًا وعددًا فجعلت لها مصدرًا. فتأويله عندي ما يعد به الدرهم خمسة وكذلك في كل التفسير ترده تقديره إلى أن تقدره الفعل: فإن قال قائل: فأنت تقول: ما/ 371 أحسنك من الرجال وما أحسنك من رجل فيثبتهما إذًا فيه فرق إذا قلت: ما أحسنك من الرجال فإنما تريد: أنتَ حَسَنٌ مِن بينهم ومِن جماعتِهم وإذا قلتَ: مِنْ رجل ففيها مَذاهب. أما مذهب أبي العباس محمد بن يزيد -رحمه الله- فيقول: فصلوا بين الحال والتمييز, وقد مضى ذكر ذلك. وقال غيره: تكون "من" هنا لابتداء الغاية كأنك قلت: ما أحسنك من أول أحوالك يوصف بها الرجل إلى غاية النهاية ومذهب آخر أن تكون "من" تبعيضًا للجنس المميز برجل رجل كأنك

_ 1 أي: البصريون، لأنهم يرون أن الصفة المشبهة تعمل عمل اسم الفاعل. 2 أحمد بن يحيى: أبو العباس الملقب بثعلب، كبير نحاة الكوفة في عصره، مات سنة "291هـ" وترجمته مستوفاة في: إنباه الرواة 1/ 138، وطبقات الزبيدي/ 155، ونزهة الألباء/ 293، ومعجم الأدباء 5/ 102.

قلت: ما أحسنك من الرجال إذا ميزوا رجلًا رجلًا, فجعلت رجلًا موحدًا ليدل على تمييز الرجال بهذا الإِفراد وكذلك: ما أحسنك من رجلين. كأنك قلت: من الرجال إذا ميزوا رجلين رجلين. والقياس على مذهب الكسائي: عندي الخمسة الألف الدرهم, فيجعل الخمسة مضافة إلى الالف, والألف مضافة إلى الدرهم, وذا عندنا لا يجوز, وتقول على مذهبهم: عندي الخمسة/ 372 العشر الألْف الدرهم, فتفتح الخمسة والعشر, وتنصب الألْف على التفسير وتضيفه إلى الدرهم. وهذا لا يجوز لما قدمنا ذكره. وتقول: عندي عشرون رجلًا صالحًا وعندي عشرون رجلًا صالحون ولا يجوز: صالحين على أن تجعله صفة رجل, فإن كان جمعًا على لفظ الواحد جاز فيه وجهان: تقول: عندي عشرون درهمًا جيادًا وجياد, من رفع جعله صفة للعشرين ومن نصب أتبعه المفسر وهذا البيت ينشد على وجهين: فِيهَا اثْنَتَانِ وأرْبَعُونَ حَلُوبةً ... سُودًَا كَخَافِيَةِ الغُرَابِ الأَسْحمِ1 يروى: سود وتقول: عندي ثلاث نسوة وعجوزان, وشابة وعجوزين وشابة. ترده مرة على ثلاث ومرة على نسوة وإذا قلت: خمستك أو خمسة أثوابك لم تخرج منه مفسرًا؛ لأنه قد أضيف وعلم. ويجيز البغداديون: خمسة دراهمك, ودرهمك ينوي في الأول الإِضافة وهذا إنما يجوز عندي مثله في ضرورة الشاعر قالوا/ 373: وقد سمع: برئت إليك من خمسة وعشري

_ 1 من نصب "سود" ورفعها، على الصفة والتمييز، ويروى: خلية موضع حلوبة، فلا شاهد فيه حينئذ والخلية أن يعطف على الحوار ثلاث من النوق ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن فتلك الخلية، والحلوبة: التي يحتلبون فهي محلوبة وفيه الشاهد، فإن "فعولا" إذا كان بمعنى مفعول جاز فيه لحاق التاء وحذفها، فإن كان بمعنى فاعل لم يجز فيه إلا حذف التاء، تقول: امرأة صبور وشكور، وشذ من ذلك قولهم: عدوة، فهو مؤنث عدو. قال سيبويه: شبهوا عدوة بصديقة. وانظر: شرح المفصل لابن يعيش 3/ 55، وشعراء النصرانية/ 810، والعيني 4/ 487، والعيني 4/ 487، والخزانة 3/ 310. والديوان/ 216، وشرح الديوان/ 144، والمعلقات السبع 165.

النخاسين قالوا: ولا يجوز مع المكنى, وتقول: عندي خمسةٌ وزنًا, تنصب وترفع, من نصب فعلى المصدر, ومن رفع جعله نعتًا. كأنه قال: خمسة موزونة وإذا قالوا: عندي عشرون وزن سبعة, نصبوا ورفعوا مثل ذلك, وكذلك إن أدخلوا الألف واللام قالوا: عندي العشرون وزنُ السبعة, ووزنَ السبعة, النصب والرفع, وكان الأخفش يجيز: كم رجلًا عندك وعبيده, يعطف "عبيده" على المضمر الذي في "عندكَ" ويرفعهُ قال: ولو قلت: كَمْ رجلًا وعبيدهُ عندك على التقديمِ والتأخير جاز, كأنك قلت: كم رجلًا عندك وعبيده قال الشاعر: ألا يَا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقِ ... عَلَيْكِ وَرَحْمَة اللهِ السَّلامُ1 وقال يزيدُ بنُ الحكم الثقفي: جَمَعْتَ وَبُخلًا غِيَبةً ونَمِيمَةً ... ثَلاَثَ خِصَال لَسْتَ عَنْها بِمُرْعَوي2 قال: وقد فسروا الآية في كتاب الله جل وعز: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا

_ 1 الشاهد فيه قوله "ورحمة" عطف على الضمير المستكن في "عليك" الراجع إلى "السلام" لأنه في التقدير: السلام حصل عليك، فحذف "حصل" ونقل ضميره إلى "عليك" واستتر فيه، ولو كان الفعل محذوفا مع الضمير لزم العطف بدون المعطوف عليه، وروي الشطر الثاني: برود الظل شاعكم السلام، وحينئذ فلا شاهد فيه. وذات عرق: موضع بالحجاز وميقات أهل العراق للإحرام بالحج. وقوله: نخلة كناية عن المرأة، وأصل هذه الكناية أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: نهى الشعراء عن ذكر النساء في أشعارهم لما في ذلك من الفضيحة. والبيت للأحوص، وانظر: الخصائص 2/ 386، والجمل للزجاجي 159، ومجالس ثعلب 239، وأمالي ابن الشجري 1/ 180، والمغني 1/ 395. 2 الشاهد فيه على ما في البيت قبله من العطف، وقد أجاز ابن جني في الخصائص: تقديم المفعول معه على المعمول لمصاحبة المصاحب متمسكا بهذا البيت. والأصل: جمعت غيبة وفحشا، والأولى المنع رعاية لأصل الواو، والشعر ضرورة، ويروى: ثلاث خلال لست عنها بمرعوي، وكذلك خصال ثلاث لست عنها بمرعوي. والغيبة: عدوان الجواب، والغيبة: أن يتكلم الإنسان خلف إنسان بما يغمه لو سمعه، والنميمة: إفساد الكلام وتزينه بالكذب، ومرعوي يقال: ارعوى عن القبح: رجع عنه ... والشاعر يعاتب ابن عمه. وانظر: الخصائص 2/ 383، وأمالي ابن الشجري 1/ 177، والقالي 1/ 67، والتصريح 1/ 344، والهمع 1/ 220 والأشموني 2/ 137، والعيني 3/ 86، والخزانة 1/ 496.

وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} 1 والصابئون [كذلك] وتقول: كم يسرك أن لك درهمًا. فتنصب الدرهم وتعني: درهمًا واحدا, ولو قلت: كم يسرك أن لك من "درهم" لم يجز لأن "أن" لا اسم لها, وكذلك لو قلت: كم درهمًا يسرك أن لك, لم يجز وتصحيح المسألة: كم يسرك أنه لك من درهم, تريد: كم من درهم يسرك أنه لك وتقول: كم تزعم أن إلى زيد درهمًا قد دفع, تنصب درهمًا "بأن" ودرهم ههنا واحد, وكم مرار تريد: كم مرة تزعم, وتقول: كم عندك قائمًا رجلًا, تنصب "قائمًا" على الحال, وتجعل خبر "كم" "عندك" وهو قبيح؛ لأنك قد فصلت بين "كم" وبين ما عملت فيه, وتقول: كم مالك إلا درهمان, إذا كنت تستقله وكم عطاؤك إلا خمسون كأنك قلت: كم درهمًا مالك إلا درهمان وكم درهمًا عطاؤك إلا خمسون, فهذا في الاستقلال كقول القائل: هل الأمير إلا عبد الله, وهل الدنيا إلا شيء زائل/ 375 وتقول: كم ثلاثة ستة إلا ثلاثتان, وكم خمسة عشرة إلا خمستان, وكم رجلًا أصحابك إلا خمسون, إذا كنت تستقل عددهم, ويكون ما بعد إلا تفسيرًا "لكم" وترفعه إذا كانت "كم" رفعًا, وتنصب إذا كانت "كم" نصبًا وتجره إذا كانت "كم" جرا يقول: كم ثلاثة وجدت ستة إلا ثلاثين, وبكم درهمًا أرضك إلا ألف, وكذلك: كم ثلاثة ستة إلا ثلاثتان, وكم عشرون خمسة إلا أربع خمسات. هذا على الاستثناء تجعل ما بعد إلا بدلًا من "كم" كأنك

_ 1 المائدة: 69 عطف "الصابئون" على موضع اسم "إن" قبل تمام الخبر وهو قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} .

قلت: هل بشيء أرضك إلا ألف, وهل شيئًا وجدت ستة إلا ثلاثين فاعتبر هذا بهذا. قال أبو بكر: قد فرغنا من ذكر المرفوعات والمنصوبات وذكرنا في كل باب من المسائل مقدارًا كافيًا فيه دربة للمتعلم ودرس للعالم بحسب ما يصلح في هذا الكتاب؛ لأنه كتاب أصول ونحن نفرد كتابًا لتفريع الأصول ومزج بعضها ببعض ونسميه كتاب الفروع ليكون فروع هذه الأصول, إن أخر الله في الأجل وأعان/ 376, وإذا فرغنا من الرفع والنصب فلنذكر الضم والفتح اللذين يضارعانهما إن شاء الله. ذكر الاسم المضموم والمفتوح اللذين1 يضارعان المعرب: اعلم: أن الضم الذي يضارع الرفع هو الضم الذي يطرد في الأسماء ولا يخص اسمًا بعينه, كما أن الفعل هو الذي يرفع الأسماء, ولا يخص اسمًا بعينه وهذا الضرب إنما يكون في النداء, وأما الفتح الذي يشبه النصب فما كان على هذا المنهاج مطردًا في الأسماء ولا يخص اسمًا بعينه, وهذا الضرب إنما يكون في النفي "بلا" وسنذكر كل واحد منهما في بابه, إن شاء الله.

_ 1 في الأصل "الذين".

باب النداء

باب النداء مدخل ... باب النداء: الحروف التي ينادى بها خمسة1: يا, وأيا, وهيا, وأي, وبالألف, وهذه ينبه بها المدعو, إلا أن أربعة غير الألف يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخى عنه أو للإِنسان المعروض أو النائم المستثقل/ 377, وقد يستعملون هذه التي للمد في موضع الألف, ولا يستعملون الألف في هذه المواضع التي يمدون فيها, ويجوز أن تستعمل هذه الخمسة إذا كان صاحبك قريبًا مقبلًا عليك توكيدًا وإن شئت حذفتهن كلهن استغناء إلا في المبهم والنكرة فلا يحسن أن تقول: هذا وأنت تريد: يا هذا ولا رجل وأنت تريد: يا رجل ويجوز حذف: يا, من النكرة في الشعر. والندبة يلزمها: يا ووا, "ووا" يخص بها المندوب. وأصل النداء تنبيه المدعو ليقبل عليك وتعرض فيه الاستغاثة والتعجب والمدح والندبة وسنذكر ذلك في مواضعه, والأسماء المناداة تنقسم على ثلاثة أضرب: مفرد ومضاف ومضارع للمضاف بطوله.

_ 1 في الكتاب 1/ 325: فأما الاسم غير المندوب فينبه بخمسة أشياء: بيا، وأيا، وهيا، وأي، والألف، نحو قولك: أحار بن عمرو، إلا أن الأربعة غير الألف قد يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخى عنهم أو للإنسان المعرض عنهم، الذين يرون أنه لا يقبل عليهم إلا باجتهاد ...

شرح الأول: وهو الاسم المفرد في النداء, الاسم المفرد ينقسم على ضربين: معرفة ونكرة, فالمعرفة: هو المضموم في النداء, والمعرفة المضمومة في النداء على ضربين: إحداهما/ 378: ما كان اسمًا علمًا قبل النداء, نحو: زيد وعمرو فهو على معرفته. وضرب كان نكرة فتعرف بالنداء نحو: يا رجل أقبل, صار معرفة بالخطاب وأنه في معنى: يا أيها الرجل. فهذان الضربان هما اللذان يُضَمّان في النداء تقول: يا زيد, ويا عمرو, ويا بكر, ويا جعفر, ويا رجل أقبل, ويا غلام تعال. فأما: يا زيد فزيد وما أشبهه من المعارف معارف قبل النداء, وهو في النداء معرفة كما كان, ولو كان تعريفه بالنداء لقدر تنكيره قبل تعريفه, ويحيل قول من قال: أنه معرفة بالنداء فقط, إنك قد تنادي باسمه من لا تعلم له فيه شريكًا, كما تقول: يا فرزدق أقبل, ولو كنت لا تعرف أحدًا له مثل هذا الاسم ولو لم يكن عرف أن هذا اسمه فيما تقدم لما أجابك إذا دعوته به. ومن قال إذا قلت: يا زيد, أنه معرفة بالنداء1, فهذا الكلام من وجه حسن ومن وجه قبيح عندي, أما حسنة: فأن/ 379 يعني: أن أول ما يوضع الاسم ليعرف به الإِنسان أنه ينادى به فيقول له أبوه أو من سماه مبتدأ: يا فلان, وإذا كرر ذلك عليه, علم أنه اسمه, ولولا التكرير أيضًا ما علم, فمن قال: أن الاسم معرفة بالنداء أي: أصله أنه به صار يعرف المسمى, فحسن, وإن كان أراد: أن التعريف الذي كان فيه قد زال وحدث بالنداء تعريف آخر, فقد بينا وجه الإِحالة فيه ويلزم قائل هذا القول شناعات أخر عندي.

_ 1 انظر: المقتضب 4/ 205.

وأما قولك: يا رجل. فهذا كان نكرة لا شك فيه قبل النداء, وإنما صار باختصاصك له وإقبالك عليه في معنى: يا أيها الرجل, فرفع وإنما ادعى من قال: أن: يا زيد معرفة بالنداء1 لا بالتعريف الذي كان له. قيل: إنه وُجِد الألف واللام لا يثبتان مع "يا" في التعريف في التثنية, ألا ترى أنك تقول يا زيدان أقبلا ولولا "يا" لقلت: الزيدان إذا أردت التعريف, وإنما حذفت الألف واللام استغناء "بيا" عنهما, إذ كانتا آلة للتعريف, كما حذفنا/ 380 من النكرة في النداء أيضًا. ووجدنا ما ينوب عنهما فليس ينادي شيءٌ مما فيه الألف واللام إلا الله عز وجل2. قال سيبويه: وذلك من أجل أن هذا الاسم لا تفارقه الألف واللام وكثر في كلام العرب3. وأما الاسم النكرة الذي بقي على نكرته فلم يتعرف بتسمية ولا نداء فإذا ناديته فهو منصوب, تقول: يا رجلًا أقبل ويا غلامًا تعال, وكذلك إن قلت: يا رجلًا عاقلًا تعالى, فالنكرة منصوبة وصفتها أو لم تصفها, ومعنى هذا أنك لم تدع رجلًا بعينه, فمن أجابك فقد أطاعك, ألا ترى أنه يقول: من هو وراء حائط ولا يدري من وراءه من الناس: يا رجلًا أغثني, ويا غلامًا كلمني, كما يقول: الضرير يا رجلًا خذ بيدي فهو ليس يقصد واحدًا بعينهِ بَل من أخذَ بيدهِ فهو بغيتُهُ قال الشاعر: فيا رَاكِبًا إما عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدامَايَ مِنْ نَجْرَان أنْ لا تَلاقِيا4

_ 1 يرد على المبرد، انظر: المقتضب 4/ 205. 2 لأن الألف واللام إنما يدخلان للتعريف والنداء تعريف لأنك لا تنادي إلا من قد عرفته، فكرهوا الجمع بين تعريفين وأما الألف واللام في اسم الله تعالى فمن نفس الاسم. 3 انظر: الكتاب 1/ 309. 4 من شواهد سيبويه 1/ 312. على نصب "راكب" لأنه منادى منكور إذ لم يقصد به راكبا بعينه. وإنما التمس راكبا من الركبان يبلغ قومه تحيته، ولو أراد راكبا بعينه لبناه على الضم ولم يجز تنوينه ونصبه لأنه ليس بعده شيء نكرة يكون من وصفه. والراكب: راكب الإبل، ولا تسمي العرب راكبا على الإطلاق إلا راكب البعير والناقة والجمع ركبان. عرضت: بمعنى أتى العروض، وهي مكة والمدينة وما حولهما. وبمعنى: تعرضت وظهرت، وبمعنى: بلغت العرض، وهي جبال نجد. والندامى: جمع ندمان بمعنى نديم، وهو المشارب، وإنما قيل له: ندمان من الندامة، لأنه إذا سكر تكلم بما يندم عليه، وقيل: المنادمة مقلوبة من المدامنة، وذلك إدمان الشراب ويكون النديم والندمان أيضا: المجالس والمصاحب على غير الشراب. ونجران: مدينة بالحجاز من شق اليمن والبيت لعبد يغوث الحارثي. وانظر: المقتضب 4/ 204، وشرح السيرافي 3/ 44، والخصائص 2/ 448، والمفضليات/ 156، والأغاني 15/ 72، وأمالي القالي 3/ 132، وذيل الأمالي/ 52، ومعجم البلدان 5/ 266، وابن يعيش 1/ 127.

وإنما أعربت النكرة ولم تبن لأنها لم تخرج عن بابها إلى/ 381 غير بابها كما خرجت المعرفة, فإن قال قائل: ما علمنا أن قولهم: يا زيد مبني على الضم وليس بمعرب مرفوع1 قيل: يدل على أنه غير معرب أن موضعه نصب, والدليل على ذلك أن المضاف إذا وقع موقع المفرد نصب, تقول: يا عبدَ الله, وأن الصفة قد تنصب على الموضع تقول: يا زيدُ الطويلُ فلو كانت الضمة إعرابًا لما جاز أن تنصبه إذا أضفناه, ولا أن تنصب وصفه, لكنا نقول: أنه مضموم, مضارع للمرفوع ويشبهه من أجل أن كل اسم متمكن يقع في هذا الموضع يضم فأشبه من أجل ذلك المرفوع "بقام" يعني الفاعل؛ لأن كل اسم متمكن يلي "قام" فهو مرفوع, فلهذا حسن أن تتبعه النعت فتقول: يا زيدٌ الطويل كما تقول: قام زيد الطويل, يا زيد وعمرو, فتعطف كما تعطف على المرفوع.

_ 1 علل المبرد في المقتضب 4/ 204 "بناء المنادى بقوله" فإن كان المنادى واحدا مفردا معرفة بني على الضم، ولم يلحقه التنوين، وإنما فعل ذلك به لخروجه عن الباب، ومضارعته ما لا يكون معربا، وذلك أنك إذا قلت: يا زيد، ويا عمرو فقد أخرجته من بابه لأن حد الأسماء الظاهرة أن يخبر بها واحد عن واحد غائب والمخبر عنه غيرها فتقول: قال زيد، فزيد غيرك وغير المخاطب، ولا تقول: قال زيد وأنت تعنيه، أعني: المخاطب، فلما قلت: يا زيد - خاطبته بهذا الاسم فأدخلته في باب ما لا يكون إلا مبنيا نحو: أنت وإياك والتاء في قمت.

وينبغي أن تعلم: أن حق كل منادى النصب. من قبل أن قولك: يا فلان ينوب عن قولك: أنادي/ 382 فلانًا؛ لأن قولك: "يا" هو العمل بعينه وأنه فارق سائر الكلام. لأن الكلام لفظ يغني عن العمل, وهذا العمل فيه هو اللفظ. فإن قلت: ناديت زيدًا بعدَ قولِكَ: يا زيد وهو مثل قولِكَ: ضربت زيدًا, بعدَ علمِكَ ذلكَ به, فتأملْ هذا فإنه منفرد به هذا الباب. وأما السبب الذي أوجب بناء الاسم المفرد فوقوعه موقع غير المتمكن, ألا ترى أنه قد وقع موقع المضمرة والمكنيات والأسماء إنما جعلت للغيبة لا تقول: قام زيد وأنت تحذف زيدًا عن نفسه, إنما تقول: قمت يا هذا فلما وقع زيد وما أشبهه بعد "يا" في النداء موقع أنت والكاف وأنتم وهذه مبنيات لمضارعتها الحروف بُني, وسنبين أمر المبنيات في مواضعها. وبني على الحركة في النداء لأن أصله التمكن ففرق بينه وبين ما لا أصل له في التمكن فأما تحريكه بالضم دون غيره فإنهم شبهوه بالغايات نحو قبل وبعد إذ كانت تعرب بما يجب لها من الإِعراب/ 383 إذا أضفتها وهو النصب والخفض دون الرفع, وتقول: جئت قبلك ومن قبلك فلما حذف منها الاسم المضاف إليه بني الباقي على الضم, وهي الحركة التي لم تكن له قبل البناء, فعلم أنها غير إعراب. فقالوا: جئتك من قبل ومن بعد ومن علُ يا هذا, فكذلك هذا المنادى لما كان مضافهُ منصوبًا ضم مفرده, ألا ترى أنك تقول: يا عبد الله فتنصب, فإن لم تضف قلت: يا عبد ويا غلام فضممت فكذلك التقدير في كل مفرد, وإن كنت لم تفرد عن إضافة فهذا تقديره. واعلم: أن لك أن تصف زيدًا وما أشبهه في النداء وتؤكده وتبدل منه وتعطف عليه بحرف العطف وعطف البيان. أما الوصف فقولك: يا زيد الطويلُ والطويلَ فترفع على اللفظ وتنصب على الموضع1, فإن وصفته

_ 1 هذا إذا كان مفردا، فيجوز فيه الرفع والنصب.

بمضاف نصبت الوصف لا غير1 لأنه لو وقع موقع زيد لم يكن إلا منصوبًا تقول: يا زيد ذا الجمة/ 384 وكذلك إن أكدته تقول: يا زيد نفسُهُ ويا تميم كلكُم ويا قيس كلكُم. فأما يا تميم أجمعون, فأنت فيه بالخيار, إن شئت رفعت وإن شئت نصبت, حكم التأكيد حكم النعت, إلا أن الصفة يجوز فيها النصب على إضمار "أعني" ولا يجوز في أجمعين ذلك, وأما البدل فقولك: يا زيد زيدٌ الطويلَ, ويا زيد أخان؛ لأن تقدير البدل أن يقوم الثاني مقام الأول فيعمل فيه ما عمل في الأول فقولك: يا زيد أخانا كقولك: يا أخانا. واعلم: أن عطف البيان كالنعت سواء, لا يلزمك فيه طرح التنوين كما لا يلزمك في النعت طرح الألف والام, تقول: يا زيدٌ زيدًا فتعطفُ على الموضعِ, ويا زيدٌ زيدٌ وأمر البدل وعطف البيان سنذكرهما مع ذكر توابع الأسماء وهذا البيت ينشد على ضروب: إني وأسطارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا ... لَقَائِلٌ: يا نَصْرُ نَصْرًَا نَصْرَا 2 فمن قال: يا نصر نصرًا, فإنه جعل المنصوبين تبيينًا للمضموم وهو

_ 1 قال سيبويه: إنه من قال: يا زيد الطويل فنصب المنادى ثم وصفت النعت بمضاف نحو: "ذو الجمة" وجب عليه أن ينصب الوصف، لأنه لمنصوب، نحو قولك: يا زيد الطويل ذا الجمة. وانظر: الكتاب 1/ 308. 2 من شواهد سيبويه 1/ 304 على نصبه "نصرا" نصرا حملا على موضع الأول لأنه في موضع نصب، ولو رفع حملا على لفظ الأولى لجاز، كما تقول: يا زيد العاقلُ والعاقلَ. والأسطار: جمع سطر وهو الخط، ونصر: هو نصر بن سيار عامل بني أمية في آخر دولتهم على خراسان، وفي رواية: يا نصر نضر نصرا بالضاد المعجمة في الثاني، وهو صاحب نصر، ولا معنى لذكره بين الأول والثالث إلا أن يعرب خبرا لمبتدأ محذوف، أي: هذا نضر، في رواية أخرى: يا نصر نصرا برفع الثاني والأول. وانظر: المقتضب 4/ 208، وشرح السيرافي 3/ 33، والخصائص 1/ 340، والمغني 2/ 434، وابن يعيش 3/ 72، وملحقات ديوان رؤبة/ 174.

الذي يسميه النحويون عطف البيان, وسأفرق لك/ 385 عطف البيان من البدل في موضعه, ومجرى العطف للبيانِ مجرى الصفةِ فأجريا على قولك: يا زيد الظريفَ وتقديرهُ: يا رجل زيدًا أقبل على قول من نصب الصفة. وينشد: يا نَصْرُ نَصْرا1 جعلهما تبيينًا وأجرى أحدهما على اللفظ والآخر على الموضع كما تقول: يا زيدٌ الظريف العاقلُ ولو نصبت "العاقل" على "أعني" كان جيدًا, ومنهم من ينشده: يا نَصْرُ نَصْرُ نَصْرا2 فجعل الثاني بدلًا من الأول, وتنصب الثالث على التبيين فكأنه قال: يا نَصْرُ نصرُ نَصْرا3. وأما العطف فقولك: يا زيد وعمرو أقبلا, ويا هند وزيد أقبلا, ولا

_ 1 نصر الأول روي فيه وجهان: ضمه. ونصبه. 2 ونصر الثاني: روي بأربعة أوجه: ضمه، ورفعه منونا، ونصبه، وجره: 3 نصر الثالث: روي فيه وجه واحد وهو النصب. وتوجيه هذه الروايات: أ- ضم الأول مع رفع الثاني على أن يكون الثاني عطف بيان على اللفظ عند سيبويه. انظر الكتاب جـ1/ 305، وعند الرضي: هو توكيد لفظي، وضعف البيان والبدل بقوله: لأن البدل وعطف البيان يفيدان ما لا يفيده الأول من غير معنى التأكيد، والثاني فيما نحن فيه لا يفيد إلا التأكيد. ب- ضم الأول مع نصب الثاني عطف بيان على المحل أو توكيد أو نصب بتقدير: أعني. أو مصدر بدل من فعل الأمر أو مصدر أريد به الدعاء. جـ- نصب الأول وجر الثاني على إضافة الأول إلى الثاني، كما تقول: حاتم الجود أو طلحة الخير. وإعراب نصب الثالث أن يكون عطف بيان أو توكيدا على المحل إذا ضم نصر الأول أو هو منصوب على المصدرية. وانظر: شرح الكافية 1/ 125، وشرح المفصل 2/ 3. المقتضب 4/ 209.

يجوز عطف الثاني على الموضع لما ذكرناه في باب العطف وهو أن حكم الثاني حكم الأول لأنه منادى مثله وكل مفرد منادى فهو مضموم. وقد قالوا على ذلك: يا زيد والحرث لما دخلتِ الألفُ واللامُ "ويا" لا تدخل عليهما, فاعلم وإنما يبنى الأولُ لأنه منادى مخاطب باسمه, وعلة/ 386 الثاني وما بعده كعلة الأول لا فرقَ بينهما في ذلك, ألا ترى أنهم: يقولون: يا عبدَ الله وزيدٌ فيضمون الثاني والأول منصوب لهذه العلة ولولا ذلك لم يجز, قال جميع ذلك ابن السراج, أيضًا فإن عطفت اسمًا فيه ألف ولام على مفرد فإن فيه اختلافًا. أما الخليل وسيبويه والمازني: فيختارون الرفع, يقولون: يا زيدٌ والحارثُ أقبلا1, وقرأ الأعرج وهو عبد الرحمن بن هرمز: "يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرُ"2. وأما أبو عمرو وعيسى ويونس وأبو عمر الجرمي فيختارون النصب3, وهي قراءة العامة. وكان أبو العباس يختار النصب في قولك: يا زيد والرجلُ ويختار الرفع في الحارث إذا قلت: يا زيدٌ والحارثُ؛ لأن الألف واللام في "الحارث" دخلت عنده للتفخيم, والألف واللام في الرجل دخلتا بدلًا من "يا" لأن قولك: النضر والحارث, ونصر وحارث بمنزلة4 ومثل

_ 1 انظر: الكتاب جـ1/ 305. 2 سبأ: 10، القراءة برفع "والطير" من الشواذ. انظر: النشر جـ2/ 349، والإتحاف/ 358. 3 قال الفراء: والطير منصوبة على جهتين: إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله: ولقد آتينا داود منا فضلا وسخرنا له الطير، فيكون مثل قولك: أطعمته طعاما وماء، تريد؛ وسقيته ماء. فيجوز ذلك، والوجه الآخر بالنداء لأنك إذا قلت: يا عمرو والصلت أقبلا، نصبت الصلت لأنه إنما يدعي: بيا أيها، فإذا فقدتها كان كالمعدول عن جهته فنصب. وقد يجوز رفعه على أن يتبع ما قبله. ويجوز رفعه على "أوبي أنت والطير" أي: بالعطف على الضمير المرفوع في قوله: "أوبي" انظر: معاني القرآن، 1/ 355. والمقتضب 4/ 212. 4 المقتضب 4/ 212-213.

ذلك اختلافهم في الاسم المنادى إذا لحقه التنوين اضطرارًا في الشعر, فإن الأولين يؤثرون رفعه 1 / 387 أيضًا ويقولون: هو بمنزلة مرفوع لا ينصرف يلحقه التنوين فيبقى على لفظه وأبو عمرو بن العلاء وأصحابه يلزمون النصب ويقولون هو بمنزلة قولك: مررت بعثمان يا فتى, فإذا لحقه التنوين رجع إلى الخفض2. فإن كان المنادى مبهمًا, فحكمه حكم غيره, إلا أنه يوصف بالرجل وما أشبهه من الأجناس وتقول: يا أيها الرجل أقبل, فيكون "أي" ورجل كاسم واحد "فأي" مدعو والرجل نعت له, ولا يجوز أن يفارقه نعته؛ لأن "أيا" اسم مبهم ولا يستعمل إلا بصلة, إلا في الجزاء والاستفهام فلما لم يوصل أُلزم الصفة لتبينه كما كانت تبينه الصلة. و"ها" تبينه وكذلك إذا قلت: يا هذا الرجل, فإذا قلت: يا أيها الرجل لم يصلح في "الرجل" إلا الرفع؛ لأنه المنادى في الحقيقة و"أي" مبهم متوصل إليه به. وكذلك: يا هذا الرجل إذا جعلت هذا سببًا إلى نداء الرجل, ولك أن تقيم الصفة مقام الموصوف فتقول: / 388 يا أيها الطويل ويا هذا القصير كقوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} 3 فإن قدرت الوقف على هذا ولم تجعله وصلة إلى الصفة وكان مستغنيًا بإفرادهِ كنت في صفته بالخيار: إن شئت رفعت وإن شئت نصبت كما كان ذلك في نعت زيد فقلت: يا هذا الطويلُ والطويلَ. وأما "أي" فلا يجوز في وصفها النصب لأنها لا تستعمل مفردة فإن وصفتَ الصفةَ بمضافٍ فهو مرفوع لأنك إنما تنصب صفة المنادى فقط. قال الشاعر: يا أيُّها الجَاهِلُ ذو التَّنَزِّي4

_ 1 انظر: المقتضب 4/ 213. 2 هذا نص المبرد في المقتضب 4/ 213. 3 يوسف: 88. 4 من شواهد سيبويه 1/ 308. قال الأعلم: ولو نصب "ذو التنزي" على البدل من "أي" أو إرادة النداء على معنى: "ويا ذا التنزي" لجاز. وروى ابن الشجري هذا الشاهد بالنصب "ذا التنزي" وجعله على استئناف نداء وذكر بعده: لا توعدني حية بالنكز. والتنزي: تسرع الإنسان إلى الشر، ويقال: نكزته الحية نكزا إذا ضربته بفيها، ولم تنهشه ونسب هذا الرجز لرؤبة بن العجاج وهو مطلع أرجوزة في ديوانه. وانظر: المقتضب 4/ 218، وأمالي ابن الشجري 2/ 300، والعيني 4/ 219، وديوان رؤبة/ 63.

فوصف "الجاهل" وهو صفة بـ"ذو" ويجوز النصب على أن تجعله بدلًا من "أي" فتقول: يا أيها الجاهل ذا التنزي, ولا يجوز أن تقول: هذا أقبل وأنت تناديه تريد: يا هذا كما تقول: زيد أقبل وأنت تريد يا زيد ولا: رجل أقبل؛ لأن هذين نعت لأي, فإن جاء في الشعر فهو جائز ولك أن تسقط "يا" فتقول: زيد أقبل وإنما قبح إسقاط حرف النداء من هذا/ 389 ورجل لأنهما يكونان نعتًا لأي فلا يجمع عليها حذف المنعوتِ وحرفُ النداءِ فاعلم. فأما قولهم: اللهُّم اغفر لي, فإنَّ الخليل كان يقول: الميم المشددة في آخرهِ بدل من "يا" التي للنداء لأنهما حرفان مكان حرفين1. قال أبو العباس: الدليل على صحة قول الخليل: أن قولك: اللهم لا يكون إلا في النداء لا تقول: غفر اللهم لزيد ولا: سخط اللهم على زيد كما تقول: سخط الله على زيد وغفر الله لزيد وإنما تقول: اللهم اغفر لنا اللهم اهدنا وقال: فإن قال الفراء: هو نداء معه "أم" قيل: له فكيف تقول: اللهم اغفر لنا, واللهم أمنا بخير فقد ذكر "أم" مرتين قال: ويجب على قوله أن تقول: يا اللهم لأنه: يا الله أمنا ولا يلزم ذلك الخليل: لأنه يقول الميم بدل من يا2. وإذا وصفت مفردًا بمضاف لم يكن المضاف إلا منصوبًا تقول: يا زيد.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 310. 2 انظر: المقتضب 4/ 239.

ذا الجمة, فأما: يا زيد الحسن الوجه, فإن سيبويه: يجيز الرفع والنصب في الصفة, لأن معناه عنده الانفصال فهو كالمفرد في التقدير, لأن حسن1 / 390 الوجه بمنزلة حسن وجههُ, فكما أنه يجيز: يا زيد الحَسَنُ والحسنَ فكذلك يفعل إذا أضاف, لأنه غير الإِضافة يعني به, وأنشد: يا صَاحِ يا ذَا الضَّامِرِ العَنسِ2 يريد: يا ذا الضامرة عنسُه وتقول: يا زيدٌ أو عبد الله, ويا زيدُ أو خالدُ وقال سيبويه: أو, ولا في العطفِ على المنادى بمنزلة الواو3.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 307. 2 هذا صدر بيت عجزه: والرحل ذي الأقتاب والحلس وهو من شواهد سيبويه 1/ 306 على وصف "ذا" بما فيه الألف واللام، والضامر رفع وإن كان مضافا إلى العنس لأن إضافته غير محضة إذ التقدير: يا ذا الذي ضمرت عنسه، والعنس: الناقة الشديدة، وأصل العنس: الصخرة في الماء قيل لها ذلك لصلابتها. وذهب الكوفيون إلى أن الرواية: يا صاح يا ذا ضامر العنس، يخفض الضامر، ويضيفون "ذا" إلى الضامر ويجعلونه مثل: يا ذا الجمة، وتكون "ذو" بمعنى: صاحب: وهي التي تتغير فتكون في الرفع بالواو وفي النصب بالألف وفي الجر بالياء. والرحل: كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع، ومركب للبعير، والأقتاب: جمع قتب، رحل صغير على قدر السنام، وروي: الأقتاد جمع قتد، وهو خشب الرحل، والحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله، والبيت كما نسبه سيبويه إلى خزر بن لوذان السدوسي، ونسبه صاحب الأغاني إلى خالد بن المهاجر. وانظر: المقتضب 4/ 223، ومجالس ثعلب /333، 513، وشرح السيرافي 3/ 38، وأمالي ابن الشجري 2/ 32، 322، والخصائص 3/ 302، والأغاني 15/ 13. 3 انظر: الكتاب 1/ 305، قال سيبويه: وتقول: يا زيد وعمرو ليس إلا، أنهما قد اشتركا في النداء في قوله: يا، وكذلك: يا زيد وعبد الله، ويا زيد لا عمرو، ويا زيد أو عمرو، لأن هذه الحروف تدخل الرفع في الآخر، كما دخل في الأول.

شرح الاسم المنادى الثاني وهو المضاف

شرح الاسم المنادى الثاني وهو المضاف: اعلم: أن كل اسم مضاف منادى, فهو منصوب على أصل النداء الذي يجب فيه -كما بينا- تقول: يا عبدَ الله أقبل, ويا غلامَ زيد افعل, ويا عبدَ مرة تعال, ويا رجل سوء تُبْ, المعرفة والنكرة في هذا سواء, وقال عز وجل: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} 1. وذكر سيبويه: أن ذلك منصوب على إضمار الفعل المتروك إظهاره2. وقال أبو العباس: أن "يا" بدل من قولك: أَدعو أو أُريد لا أنك تخبر أنك تفعل, ولكن بها علم أنك قد أوقعت فعلًا, يا عبد الله وقع دعاؤك بعبد الله فانتصب على 3 / 391 أنه مفعول تعدى إليه فعلك, فإن أضفت المنادى إلى نفسك فحكم كل اسم تضيفه إلى نفسك أن تحذف إعرابه وتكسر حرف الإِعراب وتأتي بالياء التي هي اسمك فتقول: يا غلامي وزيدي, فإذا ناديت قلت: يا غلام أقبل, لا تثبت "ياء" الإِضافة كما تثبت التنوين في المفرد تشبيهًا به, وثبات الياء فيما زعم يونس في المضاف لغة, وكان أبو عمرو يقول: "يَا عِبَادِي فَاتَّقُونِ"4. وقد يبدلون مكان الياء الألف لأنها أخف عليهم نحو: يا ربا تجاوز عنا, ويا غلاما لا تفعل, فإذا وقفت قلت: يا غلاماُه, وعلى هذا يجوز: يا أَباه ويا أُماه. قال سيبويه: وسألت الخليل عن قولهم: يا أبه, ويا أبةِ لا تفعل, ويا أبتاه, ويا أُمتاه فزعم الخليل: أن هذه الهاء مثل الهاء في عمة وخالة, وزعم: أنه سمع من العرب من يقول: يا أمة لا تفعلي ويدلك على أن الهاء بمنزلة الهاء في عمة أنك تقول في الوقت: يا أمةْ ويا أبه كما تقول:

_ 1 الأحقاف: 31. 2 انظر: الكتاب 1/ 303. 3 انظر: المقتضب 4/ 202. 4 الزمر: 16، وانظر: الكتاب 2/ 316.

يا خالة, إنما يلزمون هذه في النداء1 / 392 إذا أضفت إلى نفسك خاصة, كأنهم جعلوها عوضًا من حذف الياء, قال: وحدثنا يونس: أن بعض العرب يقول: يا أم لا تفعلي, ولا يجوز ذلك في غيرها من المضاف. وبعض العرب يقول: يا ربُّ اغفر لي, ويا قومُ لا تفعلوا, فإن أضفت إلى مضاف إليك قلت: يا غلام غلامي, ويابن أخي, فتثبت الياء لأن الثاني غير منادى, فإنما تسقط الياء في الموضع الذي يسقط فيه التنوين وقالوا: يابن أُم, ويابن عم, فجعلوا ذلكَ بمنزلة اسمْ واحدٍ لكثرته في كلامهم2. قال أبو العباس -رحمه الله: سألت أبا عثمان عن قول من قال: يابن أم لا تفعل, فقال: عندي فيه وجهان: أحدهما أن يكون أراد: يابن أمي فقلب الياء ألفًا فقال: يابن أما ثم حذف الألف استخفافًا من "أما" كما حذف الياء من "أمي". ومثل ذلك: يا أبة لا تفعل, والوجه الآخر أن يكون: ابن عمل في أُم عمل خمسة عشر فبني/ 393 لذلك قلت: فلم جاز في الوجه الأول قلب الياء ألفًا؟ فقال: يجوز في النداء والخبر وهو في النداء أجود قلت: وأمّ؟ قال: لأن النداء يقرب من الندبة وهو قياس واحد وذلك قولك: وا أماه قلت: فنجيزه في الخبر في الشعرِ؟ فقالَ: في الشعر وفي الكلام جيدٌ بالغ, أقول: هذا غلاما قد جاء فأقلبها؛ لأنَّ الألف أخف من الياء. وقد قال الشاعر: وقَدْ زَعَمُوا أنِّي جَزِعْتُ علَيهِمَا ... وهَلْ جَزَعٌ إن قُلْتَ: وا بأباهما3

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 317. 2 انظر: الكتاب 1/ 317، و1/ 318. 3 الشاهد فيه قلب "الياء" من "أبي" ألفا، لأن الألف أخف من الياء، والمعنى: بأبي هما. وفي النوادر: أنه لا مرأة جاهلية من بني سعد. وانظر: النوادر/ 115، وابن يعيش 2/ 12، والحماسة/ 44.

يريد: وا بأبي هما. وأنشد سيبويه لأبي النجم: يا بنتَ عَمَّا لا تلومِي واهْجَعِي1 فإن أضفت اسمًا مثنى إليك: نحو عبدين وزيدين قلت: يا عبدي ويا زيدي ففتحت الياء من قبل أن أصل الإِضافة إلى نفسك الفتح, تقول: هذا بني وغلامي يا فتي, ثم تسكن إن شئت استخفافًا فلما التقى ساكنان في عبدي واحتجت إلى الحركة رددت ما كان للياء إليها فإذا صغرت ابنًا فقلت بني, ثم أضفته إلى نفسك قلت: يا بني أقبل, ولم تكن هذه الياء كياء التثنية؛ لأن هذه حرف/ 394 إعراب كما يتحرك دال عبدٍ, تقول: هذا بني كما تقول: هذا عبد, فإذا أضفتهما إلى نفسك كسرت حرف الإِعراب إرادة للياء, وكان الأصل في: يا بني أن تأتي بياء بعد الياء المشددة فحذفتها واستغنيت بالكسر عنها وتقول: يا زيد عمرو ويا زيد زيد أخينا ويا زيد زيدنا. قال سيبويه, وزعم الخليل ويونس: أن هذا كله سواء وهي لغة للعرب جيدة, وذلك لأنهم قد علموا: أنهم لو لم يكرروا الاسم كان الأول نصبًا لأنه مضاف فلما كرروه تركوه على حاله2 قال الشاعر:

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 318، على إبدال الألف من الياء في قوله: ابنة عما كراهة لاجتماع الكسرة والياء مع كثرة الاستعمال. وجعل الاسمين اسما واحدا. ويروى: يا ابنة عمي لا تلومني ... والهجوع: النوم بالليل خاصة. وبعد الشاهد: لا يخرق اللوم حجاب مسمعي وأراد بابنة عمه زوجته أم الخيار التي ذكرها في شعره بقوله: قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع يقول لها: دعي لومي على صلع رأس فإنه كان يشيب لو لم يصلع. وانظر: المقتضب 4/ 252، وشرح السيرافي 3/ 50، والخصائص 1/ 252، والنوادر/ 19، وأمالي ابن الشجري 1/ 8، وابن يعيش. 2 انظر: الكتاب 1/ 314-315، والنص كما يلي: زعم الخليل ويونس: أن هذا كله سواء، وهي لغة للعرب جيدة وذلك لأنهم قد علموا أنهم لو لم يكرروا الاسم صار الأول نصبا، فلما كرروا الاسم توكيدا تركوا الأول على الذي كان يكون عليه ولم يكرروا.

يا تيمَ تَيمَ عَدِيٍّ لا أَبَا لَكُمُ ... لا يَلْقَيَنَّكُم في سَوأةٍ عُمَرُ1 وإن شئت قلت: يا تيم تيمَ عدي2, ويا زيد زيدَ أخينا, فكل اسمين لفظهما واحد والآخر منهما مضاف فالجيد الضم في الأول والثاني منهما منصوب, لأنه مضاف, فإن شئت كان بدلًا من الأول وإن شئت كان عطفًا عليه, عطف البيان والوجه الآخر نصب الأول بغير تنوين لأنك/ 395 أردت بالأول: يا زيد عمرو فأما أقحمت الثاني توكيدا للأول, وأما حذفت من الأول المضاف استغناء بإضافة الثاني, فكأنه في التقدير: يا زيد عمرو, زيد عمرو, ويا تيم عدي تيم عدي. واعلم: أن المضاف إذا وصفته بمفرد وبمضاف مثله لم يكن نعته إلا نصبًا؛ لأنك إن حملته على اللفظ فهو نصب والموضع موضع نصب, فلا يزال ما كان على أصله إلى غيره وذلك نحو قولك: يا عبدَ الله العاقلَ, ويا غلامنا الطويلَ, والبدل يقوم مقام المبدل منه, تقول: يا أخانا زيد أقبل, فإن لم ترد البدل وأردت البيان قلت: يا أخانا زيدًا أقبل, لأن البيان يجري مجرى النعت.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 26، و2/ 214، على الرفع والنصب في "تيم" والأجود الرفع لأنه لا ضرورة فيه. لا أبا لكم: الغلظة في الخطاب وأصله أن ينسب المخاطب إلى غير أب معلوم شتما له واحتقارا. وإنما استعملها الجفاة من الأعراب عند المسألة والطلب. لا يلقينكم: من الإلقاء، وهو الرمي. وروي: لا يوقعنكم. والسوأة: الفعلة القبيحة، أي: لا يوقعنكم عمر في بلية ومكروه لأجل تعرضه لي. أي: امنعوه من هجائي فإنكم قادرون على كفه. والبيت لجرير في هجاء عمر بن لجأ. وانظر: المقتضب 4/ 229، والكامل/ 563، والخصائص 1/ 345، وابن الشجري 2/ 83. وابن يعيش 2/ 10، 105، و3/ 21، والديوان/ 285. 2 لأنه لا ضرورة فيه ولا حذف ولا إزالة شيء عن موضعه.

شرح الثالث وهو الاسم المنادى المضارع للمضاف لطوله

شرح الثالث: وهو الاسم المنادى المضارع للمضاف لطوله. إذا ناديت أسمًا موصولًا بشيء هو كالتمام له فحكمه حكم المضاف إذ كان يشبهه في أنه لفظ مضموم إلى لفظ هو تمام الاسم الأول ويكون معرفة ونكرة وذلك قولك: يا خيرًا من زيد أقبل. ويا ضاربًا رجلًا ويا عشرون رجلًا/ 396 ويا قائمًا في الدار, وما أشبهه, جميع هذا منصوب, إذا أقبلت على واحد فخاطبته وقدرت التعريف, وإن أردت التنكير فهو أيضا منصوب, وقد كنت عرفتك أن المعارف على ضربين: معرفة بالتسمية ومعرفة بالنداء. وقال الخليل: إذا أردت النكرة فوصفت أو لم تصف فهي منصوبة؛ لأن التنوين لحقها فطالت فجعلت بمنزلة المضاف لما طال نصب ورد إلى الأصل كما تفعل ذلك بقبل وبعد1, وزعموا: أن بعض العرب يصرف قبلًا فيقول: ابدأ بهذا قبلا, فكأنه جعلها نكرة, وأما قول الأحوص: سَلامُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلامُ2 فإنما لحقه التنوين كما لحق ما لا ينصرف. وكان عيسى بن عمر يقول: يا مطرًا, يشبهه بيا رجلًا, قال سيبويه: ولم نسمع عربيا يقوله, وله وجه من القياس إذا نون فطال كالنكرة, فالتنوين في جميع هذا الباب كحرف في وسط الاسم وكذلك: لو سميت رجلًا: بثلاثة وثلاثين, لقلت: يا ثلاثة وثلاثين أقبل, وليس بمنزلة قولك 3 / 397 للجماعة: يا ثلاثة وثلاثون, لأنك أردت

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 311. 2 من شواهد سيبويه 1/ 313. على تنوين "مطر" وتركه على ضمه لجريه في النداء على الضم واطرد ذلك في كل علم مثله. فأشبه المرفوع غير المنصرف في غير النداء فلما نون ضرورة وترك على لفظه كما ينون الاسم المرفوع الذي لا ينصرف فلا يغيره التنوين من رفعه. ومطر هو من سلف الشاعر، وانظر: المقتضب 4/ 214، ومجالس ثعلب/ 92، 239، 542، وشرح السيرافي 2/ 46، وأمالي ابن الشجري 1/ 341، والإنصاف/ 311، والأغاني 14/ 61، 62، والمحتسب 2/ 93. 3 انظر: الكتاب 1/ 313.

في هذا: يا أيها الثلاثة والثلاثون, ولو قلت أيضًا وأنت تنادي الجماعة: يا ثلاثة والثلاثين لجاز الرفع والنصب في الثلاثين كما تقول: يا زيد والحارث والحارثَ, ولكنك أردت في الأول: يا من يقال له ثلاثة وثلاثون1. وإن نعت الاسم المفرد بابن فلان أو ابن أبي فلان, وذكرت اسمه الغالب عليه وأضفته إلى اسم أبيه أو كنيته فإن الاسمين قد جعلا بمنزلة اسم واحد؛ لأنه لا ينفك منه ونصب لطوله, تقول: يا زيدَ بن عمرو كأنك قلت: يا زيد عمرو, فجعلت زيدًا وابنًا بمنزلة اسم واحد ولا تنون زيدًا, كما لم تكن تنونه قبل النداء إذا قلت: رأيت زيد بن عمرو فإن قلت: يا زيد ابن أخينا ضممت الدال من "زيد" لأن ابن أخينا نعت غير لازم, وكذلك: يا زيد ابن ذي المال ويا رجل ابن عبد الله؛ لأن رجلًا اسم غير غالب, فمتى لم يكن المنادى/ 398 اسمًا غالبًا, والذي يضيف إليه ابنا سما غالبًا, لم يجز فيه ما ذكرنا من نصب الأول بغير تنوين, وإذا قلت: يا رجل ابن عبد الله, فكأنك قلت: يا رجل يابن عبد الله, وعلى هذا ينشد هذا البيت: يا حكمَ بنَ المنذرِ بن الجَارُود2

_ 1 انظر: المقتضب للمبرد 4/ 225، وابن يعيش 1/ 128. 2 من شواهد الكتاب 1/ 313، على بناء "حكم" على الفتح اتباعا لحركة الابن، لأن النعت والمنعوت كاسم ضم إلى اسم مع كثرة الاستعمال وهو مشبه في الاتباع بقولهم: يا تيم تيم عدي ... والرفع في "حكم" أقيس لأنه اسم مفرد نعت بمضاف، فقياسه أن يكون بمنزلة قولهم: يا زيد ذا الجمةِ: ونسب هذا الرجز في الكتاب إلى رجل من بني الحوماز، ونسبه الجوهري إلى رؤبة، وبعده: سرادق المجد عليك ممدود والرواية في الديوان: أنت الجواد ابن الجواد المحمود. مدح المنذر بن الجارود العبدي ابن عبد القيس، وكان أحد ولاة البصرة لهشام بن عبد الملك، وسمي جده الجارود، لأنه أغار على قوم فاكتسح أموالهم، فشبه بالسيل الذي يجرد ما يمر به. وانظر: المقتضب 4/ 232، وابن يعيش 2/ 5، والكامل/ 263، طبعة ليبسك، والتصريح 2/ 169، والعيني 4/ 210، وديوان رؤبة/ 172، ذكر على أنه مما نسب إليه.

ولو قلت: يا حكمُ بنُ المنذر كان جيدًا وقياسًا مطردًا, وكان أبو العباس -رحمه الله- يقول: إن نصب: يا حسن الوجه لطوله لا لأنه مضاف؛ لأن معناه: حسن وجههُ1. قال أبو بكر: والذي عندي أنه نصب من حيث أضيف, فما جاز أن يضاف ويخفض ما أضيف إليه, وإن كان المعنى على غير ذلك, كذلك نصب كما ينصب المضاف لأنه على لفظه.

_ 1 قال المبرد: وقولك: يا حسن الوجه، إذا لم ترد النكرة، إنما معناه: يا أيها الحسن، فهو وإن كان مضافا في تقدير: يا حسنا وجهه. إذا أردت: يا أيها الحسن وجهه. وانظر: المقتضب 1/ 326.

باب ما خص به النداء من تغيير بناء الاسم المنادى والزيادة في آخره والحذف فيه

باب ما خص به النداء من تغيير بناء الاسم المنادى والزيادة في آخره والحذف فيه: أما التغيير, فقولهم: يا فسقُ ويا لكعُ, عدل عن فاعل إلى فعيل للتكثير والمبالغة كما عدل: عمر عن عامر, ولم يستعمل فسق إلا في النداء وهو معرفة فيه ويقوى/ 399 أنه كذلك ما حكى سيبويه عن يونس: أنه سمع من العرب من يقول: يا فاسقُ الخبيثُ1 فلو لم يكن فاسق عنده معرفة ما وصفه بما فيه الألف واللام, وكذلك: يا لَكاعِ ويا فَساقِ ويا خَباثِ معدول عن معرفة, كما صارت جَعَارِ اسمًا للضبع, وكما صارت: حذام ورقاش اسمًا للمرأة, وجميع ذلك مبني على الكسر؛ لأنك عدلته من اسم معرفة مؤنث غير منصرف وليس بعد ترك الصرف إلا البناء, فبني على كسر؛ لأن الكسرة والتاء من علامات التأنيث. ولهذا موضع يذكر فيه إن شاء الله, فإن لم ترد العدل قلت: يا لكعُ, ويا لكعاءُ, وأما ما لحقه الزيادة من آخره فقولهم: يا نومان ويا هناه, وقال بعض المتقدمين في النحو: يا هناه2 هو فعال في

_ 1 انظر الكتاب 1/ 311. 2 في الكتاب 1/ 33 يا هناه، ومعناه: يا رجل، وفي 1/ 311 ومن هذا النحو أسماء اختص بها الاسم المنادى لا يجوز منها شيء في غير النداء نحو: يا نومان، ويا هناه، ويا فل: وقال المبرد في المقتضب 4/ 235: واعلم: أن للنداء أسماء يخص بها، فمنها قولهم: يا هناه أقبل، ولا يكون ذلك في غير النداء، لأنه كناية للنداء. وانظر: أمالي الشجري 2/ 101.

التقدير وأصله هن, فزيد هذا في النداء وبني هذا البناء. ويلزم قائل هذا القول أن يقول في التثنية: يا هنانان أقبلا, ولا أعلم أحدًا يقول هذا. قال الأخفش: تقول: يا هناه/ 400 أقبل, ويا هنانيه أقبلا, و [يا] 1 هنوناه أقبلوا. وإن شئت قلت: يا هن, ويا هنان أقبلا, ويا هنون أقبلوا وإن أضفت إلى نفسك لم يكن فيه إلا شيء واحد يأتي فيما بعده قال أبو بكر: والمنكر من ذا تحريك الهاء من هناه, وإلا فالقياس مطرد كهاء الندبة وألفها. وقال أيضًا الأخفش: تقول: يا هنتاه2 أقبلي, ويا هنتانيه أقبلا, ويا هناتوه أقبلن. وتقول للمرأة بغير زيادة يا هنت أقبلي ويا هنتان أقبلا ويا هنات أقبلن, وتقول في الإِضافة: إليك: ياهن3 أقبل ويا هني أقبلا ويا هني4 أقبلوا. وللمرأة في الإِضافة يا هنت أقبلي ويا هنتي أقبلا وللجمع: يا هنات5 أقبلن وتزاد في آخر الاسم في النداء الألف التي تبين بالهاء في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيدًا أو تندب هالكًا؛ لأن المندوب في غاية البعد/ 401 وللندبة باب مفرد نذكره بعون الله تعالى. تقول: يا زيداه, إذا ناديت بعيدًا, هذا إذا وقفت على الهاء وهي ساكنة, وإنما تزاد في الوقف لخفاء الألف كا تزاد لبيان الحركة في قولك غلاميه, وما أشبه ذلك. إذا وصلت ألف النداءِ بشيءٍ أغنى ما بعدَ الألف من الهاءِ فقلت: يا زيدا أقبل, ويا قوما تعالوا. فأما لام الاستغاثة والتعجب فتدخل على الاسم المنادى من أوله وهي

_ 1 أضفت "يا" لأن المعنى يحتاجها. 2 يجوز هنا في هنتاه الكسر والضم. 3 يجوز يا هن: بالضم والفتح والكسر، فمن كسر النون قال: الكسرة تدل على الياء وتخلفها، ومن فتحها قال: أردت الندبة، يا هناه، ومن ضمها قال: أعطيت المفرد المنادى ما يستحق من الإعراب وأجود الوجوه الكسر. 4 تفتح النون في التثنية وتكسر في الجمع. 5 بكسر التاء وبغير ياء.

لام الجر فتخفضهُ, ولذلكَ أيضًا بابٌ يذكر فيه إلا أنها تزادُ إذا أردت أن تسمع بعيدًا, وأما ما حذفُ من آخره في النداء فقولهم في فلان: يا فل أقبل. وذكر سيبويه أن: هناه ونومان وفل أسماء اختص بها النداء. وقال: قول العرب: يا فل أقبل, لم يجعلوه اسمًا حذفوا منه شيئًا يثبت في غير النداء ولكنهم بنوا الاسم على حرفين وجعلوه بمنزلة دم والدليل1 على/ 402 ذلك أنه ليس أحد يقول: يا فلا. فإن عنوا امرأة قالوا: يا فلة, وإنما بني على حرفين؛ لأن النداء موضع تخفيف ولم يجز في غير النداء؛ لأنه جعل اسمًا لا يكون إلا كناية لمنادى نحو: يا هناه ومعناه. يا رجل. وأما فلان. فإنما هو كناية عن اسم سمي به المحدث عنه خاص غالب قال: وقد اضطر الشاعر فبناه على هذا المعن, ى قال أبو النجم: في لَجَّةٍ أَمْسِكْ فلانًا عن فُلِ2 قوله في لجة أي: في كثرة أصوات, ومعناه: أمسك فلانًا عن فلان,

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 311. و1/ 33. 2 من شواهد سيبويه 1/ 333 على استعمال "فل" مكان "فلان" في غير النداء، ضرورة واستشهد به مرة ثانية 2/ 122، على أن "فل" أصله "فلان" فإذا صغر رد إلى أصله وهذا الرجز لأبي النجم العجلي، وقبل الشاهد: تدافع الشيب ولم ... تقتل في لجة.... واللجة: بفتح -اللام وتشديد الجيم- اختلاط الأصوات في الحرب شبه تزاحمها ومدافعة بعضها بعضا بقوم شيوخ في لجة وشر يدفع بعضهم بعضا، فيقال: أمسك فلانا عن فلان، أي: أحجز بينهم، وخص الشيوخ، لأن الشباب فيهم التسرع إلى القتال، أي: هي في تزاحم ولا تقاتل كالشيوخ. وانظر: المقتضب 4/ 238، والصاحبي/ 194، وشرح السيرافي 3/ 67، ومعجم مقاييس اللغة 4/ 477، والشعر والشعراء/ 586، والجمهرة لابن دريد 2/ 25، والأغاني 9/ 74، وأمالي ابن الشجري 2/ 101.

فأما ما حذف آخره للترخيم فله باب وإنما أخرجنا "فل" عن الترخيم لأنه لا يجوز أن يرخم اسم ثلاثي فينقص في النداء ولم يكن منقوصًا في غيرِ النداءِ؛ ولأنَّه ليس باسم علمٍ, وللترخيمِ بابٌ يفرد به, إن شاء الله.

باب اللام التي تدخل في النداء للاستغاثة والتعجب

باب اللام التي تدخل في النداء للاستغاثة والتعجب: اعلم: أن اللام التي تدخل للاستغاثة هي/ 403 لام الخفض وهي مفتوحة إذا أدخلتها على الاسم المنادى, كأن المنادى كالمكنى. وقد بينا هذا فيما مضى فانفتحت مع المنادى كما تنفتح مع المكنى ألا ترى أنك تقول: لزيد ولبكر فتكسر. فإذا قلت: لك وله فتحت, وقد تقدم قولنا في أن المبني كالمكنى؛ فلذلك لم يتمكن في الإِعراب وبني فتقول: يا لبكر ويا لزيد ويا للرجال ويا للرجلين1 إذا كنت تدعوهم وقال أصحابنا2: إنما فتحتها لتفصل بين المدعو والمدعو إليه. ووجب أن تفتحها لأن أصل اللام الخافضة إنما كان الفتح فكسرت مع المظهر ليفصل بينها وبين لام التوكيد3, ألا ترى أنك تقول: إن هذا لزيد إذا أردت: إن هذا زيد, فاللام هنا مؤكدة/ 404 وتقول: إن هذا لِزيد إذا أردت أنه في ملكه. ولو فتحت لالتبسا, فإن وقعت اللام على مضمر فتحتها على أصلها فقلت: أن هذا لك, وإن هذا لأنت؛ لأنه ليس هنا لبس, وتقول: يا للرجال للماء, ويا للرجال للعجب, ويا لزيد للخطب الجليل, قال الشاعر:

_ 1 في الأصل "يا لرجلين" بلام واحدة. 2 أي: البصريون. 3 قال: المبرد 4/ 254: فأما قولنا: فتحت على الأصل فلأن أصل هذه اللام الفتح, تقول: هذا له: وهذا لك. وإنما كسرت مع الظاهر فرارا من اللبس. لأنك لو قلت: إنك لهذا وأنت تريد لِهذا - لم يدر السامع أتريد لام الملك أم اللام التي للتوكيد.

يا لَلِّرجَالِ لِيوْمِ الأربعاءِ أما ... يَنْفَكُّ يُحْدِثُ لِي بَعْدَ النُّهى طَربا1 وقال آخر: تَكَنَّفَني الوُشَاةُ فَأَزْعَجُوني ... فَيا للناسِ لِلواشي المُطَاعِ2 فالذي دخلت عليه اللام المفتوحة هو المدعو, والمستغاث به, والذي دخلت عليه اللام المكسورة هو الذي دعي له ومن أجله. واعلم: أنه لا يجوز أن تقول: يا لزيدٍ لمن هو قريب منك ومقبل عليك. وذكر سيبويه: أن هذه اللام التي للاستغاثة بمنزلة الألف التي تبين بها في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيدًا, فإن قلت: يا لزيد3 / 405 ولعمرو

_ 1 الشاهد فيه: فتح لام المستغاث به، وكسر لام المدعو له. والبيت من قصيدة غزلية لعبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي، وفي معجم البلدان 1/ 111، لما ولي الحسن بن زيد المدينة منع عبد الله بن مسلم بن جندب أن يؤم الناس في مسجد الأحزاب فقال له: أصلح الله الأمير، لِمَ منعتني مقامي ومقام آبائي وأجدادي قبل؟ قال: ما منعك إلا يوم الأربعاء. ثم ذكر القصيدة، وذكر ثعلب هذه القصيدة في مجالسه، وانفرد المبرد بنسبة الشاهد للحارث بن خالد، وانظر: المقتضب 4/ 256، ومجالس ثعلب/ 474-475. والكامل للمبرد/ 601، طبعة ليبسك، وروايته: ينفك يبعث، والإنصاف/ 265، وأسرار العربية/ 290، والعيني 4/ 96، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 168، وكتاب منازل الحروف/ 51. 2 من شواهد سيبويه 1/ 319، على فتح اللام الأولى من "الناس" لأنهم مستغاث بهم وكسر الثانية لأنه مستغاث من أجله. وتكنفني الوشاة: أي: أحاط بي الوشاة. جمع واش. من وشى به: إذا سعى، وأزعجوني: أقلقوني وإنما وصفه بالمطاع، لأنه أراد به أباه ومن يحذو حذوه في الإشارة بالكلام مثل: أمه وعشيرته والبيت لقيس بن ذريح المحاربي وقد تزوج "بلبنى بنت الحباب الكعبية" بعد أن هام بها واشتغل بها عن كل شيء، فصعب ذلك على أبيه وأشار إليه بالطلاق فلم يقبل ... وانظر: شرج المفصل 1/ 131، وشرح السيرافي 3/ 51، والكامل للمبرد/ 601، طبعة ليبسك، والعيني 4/ 259، ونسبه لحسان بن ثابت، والموجز لابن السراج/ 49. 3 انظر: الكتاب 1/ 320.

كسرت اللام في "عمرو" وهو مدعو لأنه يسوغ في المعطوف على المنادى ما لا يسوغ في المنادى. ألا ترى أن الألف واللام تدخل على المعطوف على المنادى, ويجوز فيه النصب, وإنما يتمكن في باب النداء ما لصق "بيا" يعني بحرف النداء. وأما أبو العباس -رحمه الله- فكان يقول في قولهم: يا لزيد ولعمرو, إنما فتحت اللام في "زيد" ليفصل بين المدعو والمدعى إليه فلما عطفت على "زيد" استغنيت عن الفصل لأنك إذا عطفت عليه شيئًا صار في مثل حاله1 وقال الشاعر: يَبْكِيكَ نَاءٍ2 بَعِيدُ الدارِ مُغتَربٌ ... يا لَلْكُهُولِ ولِلشُّبان لِلْعِجبِ3 وأما التي في التعجب فقول الشاعر: لَخُطَّابُ لَيْلَى يا لبُرثُنَ مِنْكُمُ ... أَدَلُّ وأمضى مِنْ سُليكِ المقانبِ4 وقالوا: يا للعجب ويا للماء لما رأوا عجبًا أو رأوا ماء كثيرًا, كأنه يقول:

_ 1 انظر: المقتضب: 40/ 255. 2 في الأصل "نائي" بالياء. 3 الشاهد فيه على أن لام المستغاث المعطوف تكسر إن لم تعد معه "يا" وذلك في قوله "وللشبان" والنائي: البعيد النسب. ولم ينسب هذا البيت لقائل معين، وانظر: المقتضب 4/ 256، والصاحبي/ 85، والكامل/ 602، والموجز لابن السراج/ 49، وشرح السيرافي 3/ 52، ورواه: "يبكيه" بهاء الغائب والجمل للزجاجي/ 180، والهمع 1/ 180، والعيني 4/ 257. 4 من شواهد سيبويه 1/ 319 على دخول لام الاستغاثة على "برثن" تعجبا منهم لا مستغيثا بهم، وكانوا قد دخلوا امرأته وأفسدوها عليه، فقال لهم هذا متعجبا من فعلهم. والسليك: هو مقاعس من بني سعد بن مناة من بني تميم، وإنما شبههم به في حذقهم وقدة حيلتهم في الفساد والمقانب: جماعات الخيل، واحدها مقنب. ونسب البيت لفرار الأسدي، وانظر: شرح السيرافي 3/ 52، وابن يعيش 1/ 131، والأشباه والنظائر 3/ 142، ورواه صاحب اللسان في "قنب": على الهول أمضى من سليك المقانب.

تعال/ 406 يا عجب, وتعال يا ماء, فإنه من أيامك وزمانك وأبانك ومثل ذلك قولهم: يا للدواهي أي: تعالين فإنه لا يستنكر لكن لأنه من أحيانكن, وكل هذا في معنى التعجب, والاستغاثة فلا يكون موضع "يا" سواها من حروف النداء نحو: أي وهيا وأيا. وقد يجوز أن تدعو مستغيثًا بغير لام فتقول: يا زيد وتتعجب كذلك كما أن لك أن تنادي المندوب ولا تلحق آخره ألِفًا؛ لأن النداء أصل لهذه أجمع وقد تحذف العرب المنادى المستغاث به مع "يا" لأن الكلام يدل عليه فيقولون: يا للعجب, ويا للماء, كأنه قال: يا لقوم للماء, ويا لقوم للعجب, وقال أبو عمرو قولهم: يا ويل لك, ويا ويح لك, كأنه نبه إنسانًا ثم جعل الويل له1 ومن ذلك قول الشاعر: يَا لعنَةُ الله والأقوامِ كُلِّهِمِ ... والصالحينَ على سِمَعانَ مِن جَارِ2 فيا/ 407 لغير اللعنة ولغير الويل كأنه قال: يا قوم لعنة الله على فلان.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 320. 2 من شواهد سيبويه: 1/ 320، على حذف المنادى وإبقاء حرف النداء. أي: يا قوم لعنة الله. وسمعان: اسم رجل يروى -بفتح السين وكسرها- والفتح أكثر وكلاهما قياس، فمن كسرها كان كعمران وحطان، ومن فتحها، كان كقحطان ومروان. ولم ينسب هذا البيت لقائل معين. وانظر: الكامل/ 601، وشرح السيرافي 3/ 52، والمفصل للزمخشري/ 48، وأمالي ابن الشجري 1/ 325، وابن يعيش 2/ 24، والمغني 1/ 414.

باب الندبة

باب الندبة: الندبة تكون بياء أو بواو ولا بد من أحدهما وتلحق الألف آخر الاسم المندوب إن شئت وإن شئت ندبت بغير ألف والألف أكثر في هذا الباب قال سيبويه: لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها1 ومن شأنهم أن يزيدوا حرفًا إذا نادوا بعيدًا ولا أبعد من المندوب فإذا وقفوا قالوا: يا زيداه واعمراه فيقفون على هاء لخفاء الألف فإن وصلوا النداء بكلام أسقطوا الهاء وإذا لم تلحق الألف قلت: وا زيد, ويا بكر, والألف تفتح ما قبلها مضموما كان أو مكسورا تقول: وا زيد فتضم, فإن أدخلت الألف قلت: وا زيداه, فإن أضفت إلى اسم ظاهر غير مكنى قلت: وا غلام زيد فإن أدخلت الألف قلت وا غلام زيداه وحذفت التنوين لأنه لا/ 408 يلتقي ساكنان. قال سيبويه: ولم يحركوها يعني التنوين في هذا الموضع لأن الألف زيادة فصارت تعاقب التنوين وكان أخف عليهم2, فإن أضفت إلى نفسك, قتل وازيدِ فكسرت الدال فإن أدخلت الأل, قلت: وا زيداه يكون إذا أضفته إلى نفسك وإذا لم تضفه سواء ومن قال: يا غلامي قال: وا زيدياه فيحرك الياء في لغة من أسكن الياء للألف التي بعدها لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 221. 2 انظر: الكتاب 1/ 322.

قال أبو العباس: ولك في وا غلامي في لغة من أسكن الياء وجهان: أن تحرك الياء لدخول الألف, فتقول: واغلامياه, وأن تسقطها لالتقاء الساكنين فتقول: وا غلاماه كما تقول جاء غلام العاقل فتحذف الياء فأما من كان يحرك الياء قبل الندبة, فليس في لغته إلا إثباتها مع الألف, تقول: وا غلاماه1 وذكر سيبويه: أنه يجوز/ 409 في الندبة: وا غلاميه فيبين الياء بالهاء كما هي في غير النداء2, فإن أضفت إلى مضاف إليك قلت: وا غلام غلامي, فإن أدخلت الألف قلت: وا غلام غلامياه, لا يكون إلا ذلك؛ لأن المضاف الثاني غير منادى, وقد بيناه لك فيما تقدم. وكذلك وانقطاع ظهرياه لا بد من إثبات الياء, وإذا وافقت ياء الإِضافة الياء الساكنة في النداء لم يجدوا بدا من فتح ياء الإِضافة ولم يكسر ما قبلها كراهية للكسرة في الياء ولكنهم يفتحون3 ياء الإِضافة ويجمعون على ذلك لئلا يلتقي ساكنان. فإذا ناديت فأنت في إلحاق الألف بالخيار أيضًا, وذلك قولك: وا غلامياه ووا قاضياه ووا غلاميَّ في تثنية غلام ووا قاضيَّ.

_ 1 انظر: المقتضب 4/ 270، ونص المقتضب هو كما يلي: ومن رأى أن يثبت الياء ساكنة فيقول: يا غلامي أقبل، فهو بالخيار: إن شاء الله: وا غلامياه فحرك لالتقاء الساكنين وأثبت الياء لأنها علامة. وكانت فتحتها ههنا مستخفة، لفتحه الياء في القاضي ونحوه للنصب. وإن شاء حذفها لالتقاء الساكنين، كما تقول: جاء غلام العاقل. وم رأي أن يثبتها متحركة قال: وا غلامياه ليس غير. انظر: الانتصار لابن ولاد 154-157. 2 انظر: الكتاب 1/ 321 وهذا رأي الخليل وليس رأي سيبويه. قال: وزعم الخليل: أنه يجوز في الندبة: وا غلاميه من قبل أنه قد يجوز أن أقول: وا غلامي فأبين الياء كما أبينها في غير النداء. 3 قال سيبويه واعلم: أنه إذا وافقت الياء الساكنة ياء الإضافة في النداء لم تحذف أبدا ياء الإضافة ولم يكسر ما قبلها كراهية للكسرة في الياء, ولكنهم يلحقون يا الإضافة وينصبونها لئلا ينجزم حرفان. انظر: الكتاب 1/ 322، والمقتضب 4/ 272.

وإن وافقت ياء الإِضافة ألفًا لم تحرك الألف وأثبتوا الياء وفتحوها لئلا يلتقي ساكنان, وأنت أيضًا بالخيار في إلحاق الألف وذلك قولك/ 410: وا مثناي ووا مثناه. فإن لم تضف إلى نفسك قلت: وا مثناي وتحذف الألف الأولى لئلا يلتقي ساكنان, ولم يخافوا التباسًا فإن كان الاسم المندوب مضافًا إلى مخاطب مذكر قلت: وا غلامك يا هذا, فإن ألحقت ألف الندبة قلت: وا غلامكاه وإن ثنيت قلت: وا غلامكاه وإن جمعت قلت: وغلامكموه فقلبت ألف الندبة واوًا كيلا يلتبس بالتثنية, وتقول للمؤنث: وا غلامكية. وكان القياس الألف لولا اللبس وفي التثنية وا غلامهماه والمذكر والمؤنث في التثنية سواء وتقول في الجمع: وا غلامكناه وتقول في الواحد المذكر الغائب, وا غلامهوه وللاثنين وا غلامهماه, وللجميع وا غلامهموه وللمؤنث: وا غلامهاه وفي التثنية: وا غلامهاه وللجميع وا غلامهناه, فإن كان المنادى مضافًا إلى مضاف نحو: وانقطاع ظهره "91/ 411" قلت في قول من قال: مررت بظهرهوه قيل: وانقطاع ظهرهوه وفي قول من قال: بظهرهي قال: وانقطاع ظهرهيه2. وقال قوم من النحويين: كل ما كان في أخره ضم أو فتح وكسر, ليس يفرق بين شيء وبين شيء جاز فيه الإِتباع والفتح وغير الإِتباع مثل قطام تقول: وا قطاميهْ ويا قطاماه ويقولون: يا رجلانية ويا رجلاناه ويا مسلموناه ويقولون: يا غلام الرجلية والرجلاه, فإذا كانت الحركة فرقًا بين شيئين مثل: قمتُ وقمتَ فالإِتباع لا غير نحو: وا قيامًا قمتوه وقمتاه وقمتيه وقد مر تثنية المفرد وجمعه في النداء في "هن" فقس عليه. واعلم: أن ألف الندبة لا تدخل على الصفة ولا الموصوف إذا اجتمعا

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 323، والمقتضب 4/ 274. 2 انظر: الكتاب 1/ 323.

نحو وا زيد الظريف والظريفَ, لأن الظريف غير منادى1 وليس هو بمنزلة المضاف والمضاف إليه, لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد وأنت في الصفة/ 412 بالخيار إن شئت وصفت وإن شئت لم تصف, وهذا قول الخليل. وأما يونس فيلحق الألف الصفة ويقول: وا زيد الظريفاه2, ولا يجوز أن تندب النكرة وذلك: وا رجلاه ويا رجلاه ولا المبهم, لا تقول: وا هذاه, قال سيبويه: إنما ينبغي أن تتفجع بأعرف الأسماء ولا تبهم3, وكذلك قولك: وا مَن في الداراه في الفتح وذكر يونس: أنه لا يستقبح: وا من حفر زمزماه؛ لأن هذا معروف بعينه4. وقال الأخفش: الندبة لا يعرفها كل العرب وإنما هي من كلام النساء5, فإذا أرادوا السجع وقطع الكلام بعضه من بعض أدخلوا ألف الندبة على كلام يريدون أن يسكتوا عليه, وألحقوا الهاء لا يبالون أي كلام كان.

_ 1 في الكتاب 1/ 323، هذا باب ما لا تلحقه الألف التي تلحق المندوب، وذلك قولك: وأزيد الظريف والظريف، وزعم الخليل: أنه منعه من أن يقول: الظريفاه أن الظريف ليس بمنادى ... 2 انظر: الكتاب 1/ 323-324. 3 انظر: الكتاب 1/ 324. ونص سيبويه هو: ألا ترى أنك لو قلت: وا هذاه كان قبيحا، لأنك إذا ندبت فإنما ينبغي لك أن تفجع بأعراف الأسماء وأن تخص فلا تبهم، لأن الندبة على البيان. 4 انظر الكتاب 1/ 324. نسب ابن السراج هذا القول إلى يونس وهو عند سيبويه قول الخليل لأنه قال: وزعم أنه لا يستقبح: وا من حفر زمزماه، لأن هذا معروف بعينه، والمقصود بـ"زعم" هو الخليل لا يونس. 5 قال ابن يعيش: واعلم: أن الندبة لما كانت بكاء ونوحا بتعداد مآثر المندوب وفضائله وإظهار ذلك ضعف وخور، ولذلك كانت في الأكثر من كلام النسوان لضعفهن عن الاحتمال وقلة صبرهن وجب أن لا يندب إلا بأشهر أسماء المندوب وأعرفها لكي يعرفه السامعون. وانظر: شرح المفصل 2/ 14.

باب الترخيم

باب الترخيم: الترخيم حذف أواخر الأسماء المفردة الأعلام تحقيقًا ولا يكون ذلك إلا/ 413 في النداء, إلا أن يضطر شاعر, ولا يكون في مضاف إليه, ولا مضاف ولا في وصف ولا اسم منون في النداء, ولا يرخم مستغاث به, إذا كان مجرورًا؛ لأنه بمنزلة المضاف ولا يرخم المندوب هذا قول سيبويه1, والمعروف من مذاهب العرب. والترخيم يجري في الكلام على ضربين: فأجود ذلك أن ترخم الاسم فتدع ما قبل آخره على ما كان عليه وتقول في حارث: يا حار أقبل فتترك الراء مكسورة كما كانت. وفي مسلمة: يا مسلم أقبل وفي جعفر: يا جعف أقبل تدع الفتحة على حالها, وفي يعفر: يا يعف أقبل وفي برثن: يا برث أقبل, تترك الضمة على حالها, وفي هرقل أقبل تدع القاف على سكونها والوجه الآخر أن تحذف من أواخر الأسماء وتدع ما بقي اسمًا على حياله نحو: زيد وعمرو فتقول: في حارث يا حار وفي جعفر يا جعفُ أقبل/ 414 وفي هرقل: يا هرق أقبل. وكذلك كل اسم جاز ترخيمه فإن كان آخر الاسم حرفان زيدا معا حذفتهما؛ لأنهما بمنزلة زيادة واحدة, وذلك قولك: في عثمان: يا عثم وفي مروان يا مرو أقبل وفي أسماء يا أسم أقبلي وكذلك كل ألفين للتأنيث نحو: حمراء وصفراء وما

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 330.

أشبه ذلك. إذا سميت به, وكذلك ترخيم رجل يقال له: مسلمون تحذف منه الواو والنون وكذلك رجل اسمه مسلمان قال سيبويه: فأما رجل اسمه بنون فلا يطرح منه إلا النّون لأنك لا تصير اسمًا على أقل من ثلاثة أحرف1 ومن قال: يا حار قال: يا بني فإن رخمت اسما آخره غير زائد إلا أن قبل آخره حرفًا زائدًا وذلك الزائد واو ساكنة قبلها ضمة أو ياء ساكنة قبلها كسرة أو ألف ساكنة حذفت الزائد مع الأصلي وشبه بحذف الزائد ولم يكن ليحذف/ 415 الأصل, ويبقى الزائد, وذلك قولك في منصور: يا منص أقبل, تحذف الراء وهي أصل وتحذف الواو وهي زائدة, وفي عمار يا عمَّ أقبل وفي رجل اسمه عنتريس: يا عنتر أقبل فإن كان الزائد الذي قبل حرف الإِعراب متحركًا ملحقًا كان أو زائدًا جرى مجرى الأصل. فأما الملحق فقولك في قَنَّور: يا قنو أقبل, وفي رجل اسمه هبينح2 يا هبي أقبل لأن هذا ملحق بسفرجل وسنبين لك هذا في موضعه من التصريف إن شاء الله. وأما الزائد غير الملحق فقولك في رجل سميته بحولايا, وبردرايا, يا حولاي أقبل ويا بردراي أقبل3, لأن الحرف الذي قبل آخره متحركًا فأشبهت الألف التي للتأنيث الهاء التي للتأنيث فحذفت الألف وحدها كما تحذف الهاء وحدها؛ لأن الهاء بمنزلة اسم ضم إلى اسم ولا يكون ما قبلها/ 416 إلا مفتوحًا والهاء لا تحذف إلا وحدها, كان ما قبلها أصليا أو زائدًا أو ملحقًا أو منقوصًا وحذف الهاء في ترخيم الاسم العلم أكثر في كلام العرب من الترخيم فيما لا هاء فيه, وكذلك إن كان اسمًا عاما غير علم,

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 338. 2 انظر: الكتاب 1/ 339. 3 قال سيبويه 1/ 339 هذا باب تكون الزوائد فيه أيضا بمنزلة ما هو من نفس الحرف، وذلك قولك في رجل اسمه حولايا أو بردرايا: يا بردراي أقبل، ويا حولاي أقبل، من قبل أن هذه الألف لو جيء بها للتأنيث والزيادة التي قبلها لازمة لها تقعان معا لكانت الياء ساكنة.

والعلم قولهم في سلمة: يا سلم أقبل, تريد يا سلمة, وقالت الجهنية في هوذة بن علي الحنفي وكان كسرى أقطعه وتوَّجَهُ بتاج: يا هَوذَ ذَا التاَّجِ إنَّا لا نَقُولُ سَوَى ... يا هَوذَ يا هَوذَ إما فَادحٌ دَهَمَا1 وأما العام فنحو قول العجاج: جَارِيَ لاَ تسْتَنْكِرِي عَذِيرِي2 ... ................................. ًٍـ 1 الشاهد فيه: ترخيم "هوذ" من هوذة على لغة من ينتظر. والهوذ: القطاة الأنثى وبها سمي الرجل هوذة. والمعنى: إنا لا ندعو عند الملمات المفاجئة إلا هوذ ذا التاج. وهوذة: هو ابن علي الحنفي صاحب اليمامة كما ذكره الزبيدي شارح القاموس. وانظر: شجر الدر لأبي الطيب/ 75، والأصمعيات/ 41، وارتشاف الضرب/ 288. 2 من شواهد الكتاب 1/ 325، و1/ 330، والشاهد فيه حذف حرف النداء ضرورة وهو اسم منكور قبل النداء لا يتعرف إلا بحرف النداء، وإنما يطرد الحذف في المعارف. ورد المبرد على سيبويه جعله الجارية نكرة وهو يشير إلى جارية بعينها فقد صارت معرفة بالإشارة. قال الأعلم: ولم يذهب سيبويه إلى ما تأوله المبرد عليه من أنه نكرة بعد النداء إنما أراد أنه اسم شائع في الجنس نقل إلى النداء وهو نكرة، وكيف يتأول عليه الغلط في مثل هذا وهو قد فرق بين ما كان مقصودا بالنداء من أسماء الأجناس وبين ما لم يقصد قصده ولا اختص بالنداء من غيره بأن جعل الأول مبنيا على الضم بناء زيد وغيره من المعارف وجعل الآخر معربا بالنصب وهذا من التعسف الشديد والاعتراض القبيح. والعذير هنا الحال، وكان يحاول عمل حلس لبعيره فهزئت منه فقال لها هذا وبعده: سيري وإشفاقي على بعيري أي: لا يستنكر عذيري وإشفاقي على بعيري وسيري عني واذهبي. ويقال أراد بالعذير ههنا: الصوت لأنه كان يرجز في عمله لحلسه فأنكرت عليه ذلك. وانظر: المقتضب 4/ 260، وأمالي ابن الشجري 2/ 88، وابن يعيش 2/ 16، والعيني 4/ 277، والخزانة 1/ 283، وشرح المعلقات للتبريزي/ 48. وشرح الحماسة 4/ 180، والديوان.

أي: حالي, وأما ما كان منقوصًا وكان مع الهاء على ثلاثة أحرف فقولهم: يا شاء ادجني1. قال أبو علي2: إذا وصلت سقطت همزة الوصل فالتقت الألف وهي ساكنة مع الراء مع ادجني وهي ساكنة أيضًا فحذفت الألف لالتقاء الساكنين/ 417 ووليت الشين المفتوحة الراء, وإذا وقفت قلت: يا أدجني مثل أقبلي فلم يحذف الألف رخم شاة ويا ثبت أقبلي تريد: ثبة وناس من العرب يثبتون الهاء فيقولون: يا سلمة أقبلي, يقحمون الهاء ويدعون الاسم مفتوحا على لفظ الترخيم, والذين يحذفون في الوصل الهاء إذا وقفوا قالوا: يا سلمهْ ويا طلحهْ لبيان الحركة, ولم يجعلوا المتكلم بالخيار في حذف الهاء عند الوقف, والشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف؛ لأنهم إذا اضطروا يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلًا منها قال ابن الخَرِع: وكَادَتْ3 فَزَارَةُ تَشَقَى بِنَا ... فَأَوْلَى فَزَارَةَ أَوْلى فَزَارا4 والضم جائز في البيت, وكذلك إن رخمت اسمًا مركبًا من اسمين قد

_ 1 في الأصل "ارجني" بالراء، وليس صحيحا، إذ هو "ادجني" من دجن في بيته إذا لزمه وبه سميت دواجن البيت وهي ما ألف من الشاء وغيرها، والواحدة: داجنة. 2 أبو علي تلميذ ابن السراج وليس من المعقول أن ينقل عنه. ربما كان هذا من عمل النساخ. 3 رواه سيبويه بلا واو، ولا يستقيم الوزن. 4 من شواهد الكتاب 1/ 331، رخم فزارة ووقف عليها بالألف عوضا من الهاء لأنهم إذا رخموا ما فيه الهاء ثم وقفوا عليه ردوا الهاء للوقف فلما لم يمكنه رد الهاء ههنا جعل الألف عوضا منها. يقول: كدنا نوقع بفزارة فتشقى بنا لولا فرارهم وتحصنهم منا. ويقال للرجل إذا أفلت: وقد كاد يعطب أولى له، وهي كلمة وعيد وتهديد فلذلك قال: فأولى فزارة أولى، أي: أولى لك يا فزارة. وانظر: الصاحبي/ 194، وشرح السيرافي 3/ 67.

ضم أحدهما إلى الآخر, فحكم الثاني حكم الهاء في الحذف وذلك. نحو: حضرموت, ومعدي كرب, ومارسرجس/ 418 ومثل رجل سميته بخمسة عشر تحذف الثاني وتبقي الصدر على حاله فتقول: يا حضر أقبل ويا معدي أقبل ويا خمسة أقبل1 قال سيبويه: وإن وقفت قلت: يا خمسهْ بالهاء, وإنما قال ذلك لأن تاء التأنيث لا ينطق بها إلا في الوصل. فإذا وقفت عليها وقفت بالهاء ومما شبه بحضرموت: عمرويه زعم الخليل: أنه يحذف الكلمة التي ضمت إلى الصدر فيقول: يا عمر أقبل قال: أراه مثل الهاء لأنهما كانا بائنين فضم أحدهما إلى الآخر2. واعلم: أن من قال: يا حار, فإنه لا يعتد بما حذف ويجعل حكم الاسم حكم ما لم تحذف منه شيئًا. فإن كان قبل الطرف حرفًا يعتل في أواخر الأسماء وينقلب أعل وقلب نحو: رجل سميته بعرقوة إن رخمت فيمن قال يا حار قلت: يا عرقي أقبل, ولم يجز أن تقول: يا عرقو؛ لأن الاسم لا يكون آخره/ 419 واوًا قبلها حرف متحرك وهذا يبين في التصريف, ومن قال: يا حار فإنما يجعل الراء حرف الإِعراب, ويقدره تقدير ما لا فاء فيه, فيجب عليه أن لا يفعل ذاك إلا بما مثله في الأسماء فمن رخم اسمًا فكان ما بيقى منه على مثال الأسماء فجائز وإن كان ما يبقى على غير مثال الأسماء فهو غير جائز وكذلك إن كان قبل المحذوف للترخيم شيء قد سقط لالتقاء الساكنين فإنك إذا رخمت وحذفت رجع الحرف الذي كان سقط لالتقاء الساكنين نحو: رجل سميته "بقاضون" كان الواحد "قاضي" قبل الجمع فلما جاءت واو الجمع سقطت الياء لالتقاء الساكنين فإن رخمت "قاضين" وهو في الأصل قلت: يا قاضي, فرجع ما كان سقط

_ 1 هذا رأي الخليل، انظر: الكتاب 1/ 341 ... مثل: حضرموت، ومعدي كرب، وبخت نصر، ومارسرجس ومثل رجل اسمه: خمسة عشر ومثل: عمرويه، فزعم الخليل: أنه يحذف الكلمة التي ضمت إلى الصدر رأسا. 2 انظر: الكتاب 1/ 341.

لالتقاء الساكنين1 وشبيه بهذا وقفك على الهاء إذا رخمت رجلًا اسمه: خمسة عشر؛ لأن التاء إنما جلبها الوصل فلما زال/ 420 الوصل رجعت الهاء, وكذلك إن كنت أسكنت حرفًا متحركًا للإِدغام في حرف مثله وقبله ساكن فحذفت الأخير للترخيم فإنك ترد الحركة لالتقاء الساكنين, وذلك قولك لرجل اسمه "راد" يا رادِ أقبل2 إذا رخمت وفي محمارٍّ أقبل؛ لأن الأصل: رادد ومحمارر, وأما مفر فإذا سميت به ورخمته قلت: يا مفر أقبل ولم تحرك الراء لأن ما قبلها متحرك وأما محمر إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخمته تركت الراء الأولى مجزومة لأن ما قبلها متحرك فقلت: يا محمر أقبل ولقائل أن يقول: هلاَّ رددت الحركة فقلت: يا محمرُ أقبل, إذ كان الأصل محمررًا كما رددت الياء في "قاضي" فالجواب في ذلك: أنك إنما رددت الياء في "قاضي" لأنك لم تبن الواحد على حذفها كما بنيت "دم" على الحذف ومحمر لم تلحق الراء الأخيرة بعد أن تم بالأولى ولم يتكلم بأصله. فإن كان آخر الاسم حرفًا مدغمًا بعد الألف/ 421 وأصل الأول منهما السكون, أعني الحرفين المدغم أحدهما في الآخر حركته إذا رخمته بحركة ما قبله وذلك نحو: اسحارّ يا هذا تقول: يا اسحار فتحركه بحركة أقرب المتحركات منه. وكذلك تفعل بكل ساكن احتيج إلى حركته من هذا الضرب. قال رجل من أزد السراة: ألا رُبَّ مَوْلُودٍ وليَسْ لَه أبٌ ... وذي وََلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أبوانِ3

_ 1 في الكتاب 1/ 340 هذا باب ما إذا طرحت منه الزائدتان اللتان بمنزلة زيادة واحدة رجعت حرفا وذلك قولك في رجل اسمه قاضون، يا قاضي أقبل وفي رجل اسمه ناجي، يا ناجي أقبل، أظهرت الياء لحذف الواو والنون. 2 انظر: الكتاب 1/ 340. 3 من شواهد سيبويه 1/ 341، 2/ 258، على سكون اللام في "يلده" وفتح الدال فإنه أراد كسر اللام وسكون الدال، فسكن المكسورة تخفيفا فالتقى ساكنان فحرك الدال بحركة أقرب المتحركات منه وهي الفتحة لأن الياء مفتوحة، ولم يعتد باللام الساكنة لأن الساكن غير حاجز حصين. وأراد بالمولود الذي لا أب له: عيسى عليه السلام، وبذي الولد الذي لم يلده أبوان: آدم عليه السلام. وفيه شاهد على إتيان رب للتقليل، وفيه رواية: عجبت لمولود وليس له أب. قيل إنه لعمرو الحبني، وانظر: شرح السيرافي 3/ 77، والخصائص 2/ 333، وابن يعيش 4/ 48، والمغني 1/ 144، والخزانة 1/ 397، والعيني 3/ 354.

ففتحَ الدالَ بحركةِ الياءِ لما احتاجَ إلى تحريكها؛ لأن الفتحة قريبةٌ مِنها, وأسحارٌ اسم وقع مدغمًا آخره وليس لرائه الأولى نصيب في الحركة. واعلم: أن الأسماء التي ليست في أواخرها هاء أن لا يحذف منها أكثر, قال سيبويه: وليس الحذف لشيء من هذه الأسماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر, قال: وكل اسم خاص رخمته في النداء فالترخيم فيه جائز وإن كان في هذه الأسماء الثلاثة أكثر1 / 422 وكل اسم على ثلاثة أحرف لا يحذف منه شيء إذا لم يكن آخره الهاء لأن أقل الأصول ثلاثة, فإنما يرخم من الأربعة وما زاد؛ لأن ما بقي في الأسماء على عدته. والفراء يرخم من ذلك ما كان محرك الثاني نحو: قدم وعضد وكتف إذا سمي به رجلًا وقال: إن من الأسماء ما يكون على حرفين كدم ويد ولم يجز أن تقول في بكر: يا بك أقبل؛ لأنه لا يكون اسم على حرفين ثانيه ساكن إلا مبهمًا نحو من وكم, وليس من الأسماء اسم نكرة ليس في آخره هاء تحذف منه شيء إذا لم يكن اسمًا غالبًا إلا أنهم قد قالوا: يا صاح أقبل وهم يريدون: يا صاحب وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف والفراء إذا رخم: قمطر, حذف الطاء مع الراء لأنها حرف ساكن, والنحويون على خلافه في حذف الطاء, وما أشبهها من السواكن الواقعة ثالثة, ويجيز الفراء في حمار: يا حما أقبل, يصير مثل رضا. وفي سعيد: يا سعي يصير/ 423 مثل عمي ولا يجيز: يا ثمو في ثمود؛ لأنه ليس له في الأسماء نظير.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 335.

واعلم: أن الشعراء يرخمون في غير النداء اضطرارًا, فمن ذلك قول الأسود بن يعفر: أَوْدَى ابنُ جَلْهُمَ عَبَّادٌ بِصِرْمَته ... إنَّ ابْنَ جُلْهَمَ أمسى حَيَّةَ الوادي1 أراد: جُلهمه والعربَ يسمون الرجل جُلهمه والمرأة جُلهم.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 344 على قولهم: جلهم وأنه إذا أراد أمه جلهم فلا ترخيم فيه على هذا، لأن العرب سمت المرأة جلهم، والرجل جلهمة بالهاء، وكذا جرى استعمالهم للاسمين، وإن كان أراد أباه فقد رخم. والصرمة: القطعة من الإبل ما بين الثلاثين إلى الأربعين، وأودى بها: ذهب بها، وقوله: أمسى حية الوادي: أي: يحمي ناحيته ويتقي منه كما يتقي من الحية الحامية لواديها المانعة. والوادي: المطمئن من الأرض. وانظر: شرح السيرافي 3/ 80، والإنصاف/ 195، واللسان "جلهم" والخزانة 1/ 374.

باب مضارع للنداء

باب مضارع للنداء: اعلم: أن كل منادى مختص, وأن العرب أجرت أشياء لما اختصتها مجرى المنادى كما أجروا التسوية مجرى الاستفهام, إذ كان التسوية موجودة في الاستفهام وذلك قولهم: أما أنا فأفعل كذا وكذا أيها الرجل, أو: نفعل نحن كذا وكذا أيها القوم. واللهم اغفر لنا أيتها العصابة. قال سيبويه: أراد أن يؤكذ لأنه اختص إذ قال: إنه, لكنه أكد كما تقول لمن هو مقبل عليك كذا كان الأمر يا فلان1, ولا يدخل في هذا الباب/ 424 لأنك لست تنبه غيرك. ومن هذا الباب قول الشاعر: إنَّا بني نَهْشَلٍ لا نَنْتَمي لأَبٍ ... عنْهُ ولا هُوَ بالأَبْناءِ يَشرِيناَ2 نصب بني مختصا على فعل مضمر كما يفعل في النداء نحو "أعني" وما أشبه ذلك.

_ 1 ونص الكتاب 1/ 326: أراد أن يؤكد لأنه اختص حين قال: أنا، ولكنه أكد، كما تقول: للذي هو مقبل عليك بوجهه مستمع منصت كذا كان الأمر يا أبا فلان توكيدا. 2 الشاهد فيه: نصب "بني" على الاختصاص والتقدير "أعني". وقوله: إنا بني نهشل: يعني نهشل بن دارم بن مالك بن تميم. ومن قال: إنا بنو نهشل جعل "بنو" خبر "إن" ومن قال: "بني" فإنما جعل الخبر أن تبتدر في البيت الذي يلي الشاهد وهو: إن تبتدر غاية يوما لمكرمة ... تلق السوابق منا والمصلينا ونسب هذا الشاهد المبرد في الكامل إلى رجل يكنى أبا مخزوم من بني نهشل بن دارم، وهو بشامة بن حزن النهشلي. ونسبها صاحب الحماسة لبعض بني قيس بن ثعلبة. وانظر: الكامل/ 65، طبعة ليبسك، والحماسة 1/ 97، والاقتضاب للبطليوسي/ 318، وعيون الأخبار لابن قتيبة 1/ 190 والشعر والشعراء 2/ 638، وكتاب الفاخر للمفضل بن سلمة/ 177، ورواه: لا ندعى لأب، والعيني 3/ 370، والخزانة 3/ 510.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: يا هذا الطويلُ أقبل, في قول من قال: يا زيدُ الطويلُ, ومن قال: يا زيدُ الطويلَ قال: يا هذا الطويلَ, وليس الطويل بنعت لهذا ولكنه عطف عليه وهو الذي يسمى عطف البيان؛ لأن هذا وسائر المبهمات إنما تبينُ بالأجناس, ألا ترى أنكَ إذا قلت: جاءني زيدٌ فخفت أن يلتبس الزيدان على السامع أو الزيود قلت: الطويل وما أشبه لتفصل بينه وبين غيره ممن له مثل اسمه وإذا قلت: جاءني هذا, فقد أومأت له إلى واحد بحضرتك, وبحضرتك أشياء كثيرة, وإنما ينبغي لك أن تبين له عن الجنس الذي أومأت له إليه لتفصل ذلك عن جميع ما بحضرتك من الأشياء/ 425, ألا ترى أنك لو قلت له: يا هذا الطويلُ وبحضرتك إنسان ورمح وغيرهما لم يدر إلى أي شيء تشير. وإن لم يكن بحضرتك إلا شيء طويل واحد وشيء قصير واحد فقلت: يا هذا الطويل جاز عندي؛ لأنه غير ملبس, والأصل ذاك وأنت في المبهمة تخص له ما يعرفه بعينه وفي غير المبهمة تخص له ما يعلمه بقلبه. وتقول في رجل سميته بقولك: زيد وعمرو يا زيدًا وعمرًا أقبل تنصب لطول الاسم, ولو سميته: طلحة وزيدًا لقلت: يا طلحة وزيدًا أقبل, فإن أردت بطلحة الواحدة من الطلح قلت: يا طلحةً وزيدًا أقبل؛ لأنك سميته بها منكورة ولم تكن جميع الاسم فتصير معرفة, إنما

هي في حشو الاسم كما كانت فيما نقلتها عنه وتقول: يا زيدُ الظريفَ, على أصلِ النداء عند البصريين1, وقال الكوفيون: يراد بها يا أيها الظريفَ, فلما لم يأت "بيا أيها", نصبته, وربما نصبوا المنعوت بغير تنوين/ 426 فأتبعوه نعته وينشدون: فَما كَعْبُ بنُ مَاَمَة وابنُ سُعدى ... بأَجْودَ مِنْكَ يا عُمر الجَوادا2 والنصب عند الكوفيين في العطف على "أيها" كما كان في النعت فلما لم يأتي "يا أيها" نصب, ويجيزون: يا عبد الله وزيدًا, ويقولون: يا أبا محمدٍ زيدٌ أقبل وهو عند البصريين بدل وهو عند الكوفيين من نداء ابن. وإذا قلت: زيدًا فهو عند الكوفيين نداء واحد ويسميه البصريون عطف البيان, ويجيز الكوفيون: يا أيها الرجلُ العاقلَ على تجديد النداء, كذا حكي لي عنهم, ويجيز البصريون: يا رجلًا, ولا يجيز الكوفيون ذاك إلا فيما كان نعتًا نحو قوله: فيَا رَاكِبًَا إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدَاماي مِنْ نَجْرَانَ أنْ لا تلاقيا3

_ 1 قال المبرد في المقتضب 3/ 207، وإن نعت مفردا بمفرد فأنت في النعت بالخيار إن شئت رفعته، وإن شئت نصبته، تقول: يا زيدُ العاقلُ أقبل، ويا عمرُ الظريفُ هلم، وإن شئت قلت: العاقلَ، والظريفَ، أما الرفع فلأنك أتبعته مرفوعا. 2 الشاهد فيه: نعت المنادى المفرد منصوبا بغير ابن عند الكوفيين، وأوله المانعون بالقطع، أي: إنه مفعول لفعل محذوف. وكعب بن مامة هذا من إياد، وكان من أجواد العرب المشهورين حتى ضرب به المثل في ذلك وهو الذي آثر رفيقه بالماء فنجا ومات هو عطشا. وابن سعدى، هو أوس بن حارثة بن لام الطائي أجود الأجواد أيضا الذين ضرب بجودهم المثل ... وعمر المذكور: هو ابن عبد العزيز بن مروان المشهور بالعدل والديانة. والبيت من قصيدة لجرير يمدح بها عمر المذكور. وانظر: المقتضب 4/ 208، والكامل/ 132، والمفضليات للأنباري/ 449، وأمالي ابن الشجري 1/ 307، والعيني 4/ 254، والتصريح 2/ 169. 3 مر تفسير هذا البيت ص403.

ولا يكادون يحذفون "يا" من النكرة ويقولون: وا زيدُ في النداء ويقولون: وأ أي زيد. قال أبو العباس: إنما قالوا: هذا ابنمٌ, ورأيت ابنمًا, ومررت بابنمٍ, فكسروا/ 427 ما قبل الميم إذا انكسرت وفعلوا ذلك في الضم والنصب؛ لأن هذه الميم زيدت على اسم كان منفردًا منها, وكان الإِعراب يقع على آخره, فلما زيدت عليه ميم1 أُعربت الميم إذ كانت طرفًا, وأُعربت ما قبلها إذ كانت تسقط فرجع الإِعراب إليه, وقولك وقد يخفف الهمز فتقول: مُرْ فيقع الإِعراب على الراء, فلذلك تبعت الهمزة وكذلك إذا قلت: يا زيدَ بنَ عمرو, جعلتهما بمنزلة واحدة اسم واحد واتبعت الدال حركة ابن فهو مثل ابنم, وقال في قولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. لا يجوز: اللهم اغفر لهم أيتها العصابة. وقال: قلت لأبي عثمان2: ما أنكرت من الحال للمدعو؟ قال: لم أنكر منه إلا أن العرب لم تدع على شريطة, لا يقولون: يا زيد راكبًا, أي: ندعوك في هذه الحال ونمسك عن دعائك ماشيًا؛ لأنه إذا قال: يا زيد فقد وقع الدعاء على كل حال. قال: قلت: فإنه إن احتاج/ 428 إليه, راكبًا ولم يحتج إليه في غير هذه الحال, فقال: يا زيد راكبًا, أي: أريدك في هذه الحال, قال: ألست قد تقول: يا زيد دعاء حقا؟ قلت: بلى, قال: علام تحمل المصدر؟ قلت: لأن قولي: يا زيد كقولي3: أدعو زيدًا فكأني قلت: أدعو دعاء حقا قال: فلا أرى بأسًا بأن تقول على هذا: يا زيد قائمًا وألزم القياس. قال أبو العباس: ووجدت أنا تصديقًا لهذا قول النابغة:

_ 1 في الأصل "ميما" بالنصب. 2 هذه المسألة ذكرها ابن الأنباري في الإنصاف/ 186، والبغدادي في الخزانة 1/ 285. 3 في الأصل "محقق لي" وهو تصحيف.

قَالت بنو عامرٍ خَالوا بني أسَد ... يا بُؤْسَ لِلَجْهِل ضَرَّارًا لأقوامِ1 وقال الأخفش: لو قلت: يا عبد الله صالحًا, لم يكن كلامًا. وقال أبو إسحاق يعني الزيادي2: كان الأصمعي3: لا يجيز أن يوصف المنادى بصفة البتة مرفوعة ومنصوبة. وقال أبو عثمان لا أقول: يا زيد وخيرًا من عمرو أقبلا, إذا أردت بخير من عمرو المعرفة, لأني أدخل الألف واللام إذا تباعد المنادى من حرف النداء كما أقول: يا زيد والرجل أقبلا/ 429 ولكن أقول: يا زيد والأخير

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 346 -على إقحام اللام بين المضاف والمضاف إليه في قوله: يا بؤس للجهل- توكيدا للإضافة. خالوا: من خاليته، يقال: خاليته مخالاة وخلاء. فمعناه: أخلوا من حلفهم وتاركوهم. وهذه اللام من الاسم بمنزلة الهاء من طلحة، لأن الاسم على حاله قبل أن تلحق. وهذه اللفظة تأتي بها العرب على جهة التضعيف والتأييس من الأمر. ومعنى البيت: أن بني عامر أضر بهم في عرضهم علينا مقاطعة بني أسد، وما أبأس الجهل على صاحبه وأضر له. وانظر: الشعر والشعراء/ 95، والأغاني 1/ 78، وشرح السيرافي 3/ 36، والخصائص 3/ 106، وشرح الحماسة/ 1483، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 77، وشعراء النصرانية/ 710، والموشح للمرزباني/ 44, والإنصاف/ 186، والديوان/ 71. 2 الزيادي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر عبد الرحمن بن زياد بن أبيه، قرأ الكتاب على أبي عمر الجرمي وأتمه على المازني. مات سنة: "249هـ" ترجمته في مراتب النحويين لأبي الطيب/ 75، وأخبار النحويين البصريين/ 67، ومعجم الأدباء 1/ 158. 3 هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء، أخذ عن خلف الأحمر أيضا وروى عنه شعر جرير، ويقرر الخطيب البغدادي أنه كان دون أبي زيد في النحو والقواعد، توفي سنة 216هـ وقيل سنة 215هـ أو 217هـ ترجمته في تاريخ بغداد جـ10/ 410، وطبقات الزبيدي رقم 94، ونزهة الألباء/ 150، وبغية الوعاة/ 313، وإنباه الرواة جـ2/ 197، ومراتب النحويين/ 57.

أقبلا ويا زيد ويا خيرًا من عمرو أقبلا, إذا أردت حرف النداء كان ما بعده معرفة. ولم يجئ معه الألف واللام, كما تقول: يا خيرًا من زيد العاقل أقبل فتنصب العاقل؛ لأنه صفة له, وكذلك: يا زيد ويا أخير أقبلا, وقال أبو عثمان: أنا لا أرى أن أقول: يا زيد الطويل وذا الجمة إن عطفت على زيد, والنحويون جميعًا في هذا على قول. قال: وأرى إن عطفت "ذا الجمة" على "الطويل" أن أرفعه كما فعلت في الصفة, والنحويون كلهم يخالفونه ولا يجيزون إلا نصب ذي الجمة, وهذا عنده كما تقول: يا زيدُ الطويلُ ذو الجمة, إذا جعلته صفة للطويل. وإن كان وصفًا لزيد أو بدلًا منه نصبته, وكان أبو عثمان يجيز يا زيد أقبل على حذف ألف الإِضافة, لأنه يجوز في الإِضافة: يا زيدِ, أردت: يا زيدي فأبدلت من الياء ألفًا. وعلى هذا قرئ: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ} 1, و {يَا قَوْمِ / 430 لا أَسْأَلُكُمْ} 2: قال: ومن زعم أنه على حذ ألف الندبة فهذا خطأ؛ لأن من كان من العرب لا يلحق الندبة ألفًا فهي عنده نداء, فلو حذفوها لصارت بدلًا على غير جهة الندبة. وقال أبو العباس: لا أرى ما قال أبو عثمان في حذف الألف إذا جعلتها مكان ياء الإِضافة. صوابًا نحو: يا غلامًا أقبل لا يجوز حذف الألف لخفتها كما تحذف الياء إذا قلت: يا غلامِ أقبل. وقال: يا أبت. لا يجوز عندي إلا على الترخيم كما قال سيبويه مثل: يا طلحة أقبل3 وقال: زعم أبو عثمان أنه يجيز: يا زيد وعمرًا أقبلا, على الموضع كما أجاز: يا زيدُ زيدًا أقبل, فعطف زيد الثاني على الموضع عطف البيان, وأهل بغداد يقولون: يا الرجلُ أقبل, ويقولون: لم نر موضعًا يدخله التنوين يمتنع من الألف واللام وينشدون:

_ 1 مريم: 42. 2 هود: 51. 3 انظر: الكتاب 1/ 333.

فَيا الغُلامَانِ اللَّذَانِ فَرّا ... إيَّاكُما أن تُكْسِبانا شَرّا1 وقال أبو عثمان: سألت/ 431 الأخفش كيف يرخم طيلسان فيمن كسر اللام على قولك: يا حار؟ فقال: يا طيلس أقبل, قلت: أرأيت فيعل اسمًا قط في الصحيح إنما يوجد هذا في المعتل نحو: سيد وميت. قال: فقال: قد علمت أني قد أخطأت, لا يجوز ترخيمه إلا على قولك: يا حار, قال: وكان الأخفش لا يجوز عنده ترخيم حُبلوى اسم رجل فيمن قال: يا حار؛ وذلك لأنه يلزمه أن يحذف يائي النسب ويقلب الواو ألفًا لانفتاح ما قبلها, فيقول: يا حُبلى فتصير ألف فعلى منقلبة, وهذا لا يكون أبدًا إلا للتأنيث. فلهذا لا يجوز؛ لأن ألف التأنيث لا تكون منقلبة أبدًا من شيء, وهذا البناء لا يكون للمذكر أبدًا, وقال: كان الأخفش يقول: إذا رخمت سفيرج اسم رجل في قول من قال: يا حار. فحذفت الجيم لزمك أن ترد اللام التي حذفتها لطول الاسم وخروجه من/ 432 باب التصغير فتقول: يا سفيرلُ أقبل؛ لأنه لما صار اسمًا على حياله فحذفت الجيم على أن يعتد بها وتجعله بمنزلة "قاضون" اسم رجل إذا قلت: يا قاضي, الياء التي كانت ذهبت لالتقاء الساكنين لما حذفت ما حذفت من أجله. قال أبو العباس: وليس هذا القول بشيء. ووجه الغلط فيه بينِّ, وذلك لأنك لم تقصد به إلى سفرجل فتسميه به ولا هو منه في شيء, إنما قصدت إلى هذا الذي هو سفيرج ولا لام فيه فهو على مثال ما يرخم فرخمته

_ 1 هذا البيت شائع في كتب النحو، ولم يعرف له قائل ولا ضميمة, وخرجه ابن الأنباري في الإنصاف على حذف المنادى وإقامة صفته مقامه قال: والتقدير فيه: فيا أيها الغلامان. وهذا قليل بابه في الشعر. وإياكما تحذير: وأن تكسبانا، أي: من أن تكسبانا، وماضيه: أكسب يتعدى إلى مفعولين، يقال: كسبت زيدا مالا وعلما. أي: أنلته. وانظر: المقتضب 4/ 243، والإنصاف/ 188، وأمالي ابن الشجري 2/ 182، وابن يعيش 2/ 9، وأسرار العربية/ 230.

بعد أن ثبت اسمًا, ألا ترى أنك تقول: في تصغير سفرجل: سفيرج وسفيريج للعوض, ولو سميته: سفيريج لم يجز أن تقول فيه: سفرجل, واسمه سفيريج؛ لأنك لست تقصد إلى ما كان يجوز في سفرجل, وكذلك فرزدق. لو سميته بتصغيره فيمن قال: فريزد, لم يجز في اسمه أن تقول: فريزق/ 433 وإن كان ذلك يجوز في تصغير فرزدق لأنك سميته بشيء بعينه فلزمه. وتقول: يا زيد وعمرو الطويلين والطويلان, لأنه بمنزلة قولك: يا زيد الطويل, وتقول يلا هؤلاءِ وزيدُ الطوالُ, لأن كله رفع والطوال عطف عليهم, ولا يجوز أن يكون صفة لافتراق الموصوفين, وتقول: يا هذا ويا هذان الطَّوالُ وإن شئت قلت: الطَّوالُ لأن هذا كله مرفوع, والطوال عطف عليهم ههنا, وليس الطوال بمنزلة: يا هؤلاء الطوال؛ لأن هذا يقبح من جهتين: من جهة أن المبهم إذا وصفته بمنزلة اسم واحد فلا يجوز أن تفرق بينه وبينه, والجهة الأخرى أن حق المبهم أن يوصف بالأجناس لا بالنعوت, وتقول: يا أيها الرجلُ وزيدُ الرجلين الصالحين تنصب ولا ترفع من قبل أن رفعهما مختلف وذلك أن زيدًا على النداء/ 434 والرجل نعت "لأي" وتقول في الندبة: يا زيدُ زيداه, ويا زيدًا زيداه, وقوم يجيزون: يا زيدًا زيداه, وقوم يجيزون: يا زيدًا يا زيداه, ويا زيداه يا زيداه, وقد مضى تفسير ما يجوز من ذا وما لا يجوز, وقالوا: من قال يا هناهُ ويا هناهِ بالرفع والجر, من رفع توهم أنه طرف للاسم ويكسر لأنه جاء بعد الألف. والتثنية: يا هنانيه, ويا هناناه ويا هنوتاه في الجمع, وهنتاه في المؤنث وهنتانيه في التثنية وهنتاناه, ويا هناتوه في الجمع لا غير, والفراء لا ينعت المرخم إلا أن يريد نداءين, ونعت المرخم عندي قبيح كما قال الفراء من أجل أنه لا يرخم الاسم إلا وقد علم ما حذف منه وما يعني به. فإن احتيج إلى النعت للفرق فرد ما سقط منه أولى كقول الشاعر: أضمرَ بن ضمرةَ ماذا ذكر ... تَ من صرمةٍ أخذتْ بالمرار1

_ 1 الشاهد فيه حذف ياء بالنداء، والأصل: يا ضمر يا بن ضمرة. وضمرة: هو أبو بطن من العرب، وضمرة بن ضمرة أحد رجال العرب معروف وهو صاحب خطاب النعمان، وله حديث. وكان اسمه شق بن ضمرة فسماه النعمان ضمرة، والصرمة: القطعة من الإبل. والمرار: موضع. وهو لسبرة بن عمرو الأسدي الفقعسي. وانظر: النوادر لأبي زيد/ 155، والجمهرة لابن دريد 2/ 366، ورواه: من صرمة أخذت بالمغار، والاشتقاق/ 17، ومعاني القرآن 2/ 416.

أراد/ 435: يا ضمر يابن ضمرة. والكوفيون يجيزون: يا جرجر في جرة, وفي حولايا يا حول, فيحذفون الزوائد كلها, وهذا إخلال بالاسم. يسقطون فيه ثلاثة أحرف فيها حرف متحرك ولا نظير لهذا في كلام العرب, ويقولون للمرأة: يا ذات الجمة أقبلي, ويا ذواتي الجمم للاثنين, وللجماعة يا ذوات الجمم, بكسر التاء وقد يقال: يا ذواتي الجمة, ويا ذوات الجمة. قال أبو بكر: وذلك أن ذات إنما هي ذاة, فالتاء زائدة للجمع, وإنما صارت الهاء في الواحدة تاء حين أضفتها ووصلتها بغيرها. وتقول: يا هذا الرجلُ. والرجلَ أقبل, ويا هذان الرجلان والرجلين, مثل: يا زيد الظريفُ والظريفَ, النصب على الموضع والرفع على اللفظ, وتقول: يا أخوينا زيد وعمرو, على قولك: يا زيد وعمرو, يعني البدل. وقال الأخفش: وإن شئت قلت: زيد وعمرو على التعويض كأنك قلت أحدهما زيد والآخر عمرو. قال أبو بكر: هذا عندي إنما يجوز/ 346 إذا أراد أن يخبر بذلك بعد تمام النداء. وتقول: يا أيها الرجلُ زيدٌ, لأن زيدًا معطوف على الرجل عطف البيان يجري عليه كما يجري النعت للبيان, ولو جاز أن لا تنون زيدًا لجاز أن تقول: يا أيها الجاهلُ ذا التنزي1. على النعت وإنما هو ذو التنزي, وتقول: يا أيها الرجلُ عبدُ الله, تعطف على الرجل عطف البيان.

_ 1 يشير إلى الرجز الذي مر شرحه/ ص: 411.

قال الأخفش: ولو نصبت كان في القياس جائز إلا أن العرب لا تكلم به نصبًا, ولكن تحمله على أن تبدله من "أي"؛ لأن "أي" في موضع نصب على أصل النداء, وقال: إذا رخمت رجلًا اسمه شاة قلت: يا شا أقبل, ومن قال: يا حارُ فرفع قال: يا شاةُ أقبل فرد الهاء الأصلية؛ لأنه لا يكون الاسم على حرفين أحدهما ساكن إلا مبهمًا1, وقال: تقول في شية على ذا القياس يا وشي أقبل, وفي دية: يا ودي/ 437 أقبل فترد الواو في أوله؛ لأنها ذهبت من الأول لأن الأصل: وديت ووشيت وإنما ردت الواو؛ لأن مثل: شيء لا يكون اسما. وذلك أن الاسم لا يكون على حرفين أحدهما ساكن قال: وتكسر الواو إذا رددتها لأن الأصل وشية, كما قالت العرب: وجهة لما أتموا: وقالوا: ولدة, والكوفيون وقوم يجيزون: يا رجل قام ويقولون: إن كان تعجبًا نصبت كقولك: يا سيدًا ما أنت من سيد, ويكون مدحًا كقولك: يا رجلًا لم أرَ مثله, وكذلك جميع النكرات عندهم وتقول: يا أيها الرجل, ويا أيها الرجلان, ويا أيها الرجال, ويا أيها النساء على لفظ واحد, والاختيار في الواحدة في المؤنث يا أيتها المرأة, وإذا قلت: يا ضاربي فأردت به المعرفة كان مثل: يا صاحبي وغلامي ويجوز عندي أن تقول: يا ضاربِ أقبل كما تقول: يا غلامِ أقبل, فإن أردت/ 438 غير المعرفة لم يجز إلا إثبات الياء وتقول: يا ضاربي غدًا وشاتمي؛ لأنك تنوي الانفصال وتقول: يا قاضي المدينة, لك أن تنصبهما ولك أن ترفع الأول وتنصب الثاني والكوفيون يجيزون نصب الأول بتنوين؛ لأنه يكون خلفًا وما لا يكون خلفًا فلا يجوز في الأول عندهم التنوين مثل: يا رجلُ رجلنا, لا يجيزون النصب في الأول وقالوا: كل ما كان يكون خلفًا فلك الرفع بلا تنوين والنصب بتنوين ويقولون: يا قائمًا أقبل ويا قائمُ أقبل, ويجيزون أن يؤكد ما فيه وينسق عليه ويقطع منه كما يصنع بالخلف ويجيزون: يا رجلُ قائمًا أقبل على نداءين وإن شئت كان في الصلة ويجيزون: يا رجلُ قائمٌ أقبل.

_ 1 أي: ضميرا.

ينوون فيها الألف واللام. ويحكون عن العرب: يا مجنونُ مجنونُ أقبل, ويجيزون: يا أيها الذي قمت أقبل/ 439 ويا أيها الذي قام أقبل وهو جائز ولا يجيزونه في من وكذا ينبغي ويقولون: يا رجلًا قمت أقبل, ويا رجلُ قمت أقبل, والفراء إذا خاطب رفع لا غير, ويقولون: يا قاتلَ نفسك ويا عبدَ بطنك وهذا جائز قال أحمد بن يحيى1: لو أجزت الرفع لم يكن خطأ قال: وكذلك: يا ضاربنا ولا شاتمنا يختار النصب مع كل ما ظهرت إضافته قال: ويجوز في القياس الرفع وأنت تنوي الألف واللام. فإذا كان لا يجوز فيه الألف واللام لم يجز إلا النصب مثل: يا أفضل منا, ويا أفضلنا, ويا غلام زيد ويا غلام رجل, إنما يجوز الرفع في القياس مع ضارب زيدٍ, وحسن الوجهِ وقال: أما مثلنا وشبهنا فالنصب لا غير. وقال الأخفش: تقول: إذا نسبت رجلًا إلى حباري2 وحبنطي3 قلت: حباريُّ وحبنطيُّ فإذا رخمت لم ترد الألف, وكذلك إذا نسبت إلى مرمى فقلت: مرميُّ لم/ 440 ترد الألف لو رخمته لأن هذا لم يحذف لالتقاء الساكنين ولو كان حذف لالتقاء الساكنين لبقي الحرف مفتوحًا فكان يكون: حباريُّ وحبنطيُّ قال: وإن شئت قلت: إني أرد الألف وأقول ذهب لاجتماع الساكنين ولكنهم كسروا لأنهم رأوا جميع النسب يكسر ما قبله قال: ومن قال: احذفه على أني أبنيه بناء قال: لا أحذفه لاجتماع الساكنين وجب عليه أن لا يرد في: ناحي وقاضي, إذا نسب إلى ناحية وقاضٍ وقال: إذا سميت رجلًا حبلاوي أو حمراوي إذا رخمته فيمن قال: يا حارُ, فرفع همزت لأنها واو صارت آخرًا فتهمزها وتصرفها في المعرفة والنكرة لأنها الآن ليست للتأنيث.

_ 1 أي: ثعلب من أئمة نحاة الكوفة، وقد مرت ترجمته صفحة: 370 من الأصل. 2 حبارى: طائر يقع على الذكر والأنثى، واحدها وجمعها سواء. 3 حبنطي: وهو الممتلئ غيظا أو بطنة.

قال أبو بكر: وجميع ما ذكرت من المسائل فينبغي أن تعرضه على الأصول التي قدمتها فما صح في القياس فأجزه وما لم يصح فلا تجزه وإنما أذكر/ 441 لك قول القائلين كيلا تكون غريبًا فيمن خالفك, فإن الحيرة تقارن الغربة وقد ذكرنا الضم الذي يضارع الرفع ونحو نتبعه الفتح الذي يشبه النصب, إن شاء الله.

باب النفي بلا

باب النفي بلا مدخل ... باب النفي بلا: الفتح الذي يشبه النصب هو ما جاء مطردًا في الأسماء النكرات المفردة ولا تخص اسمًا بعينه من النكرات إذا نفيتها "بلا" وذلك قولك: لا رجل في الدار ولا جارية فأي اسم نكرة ولي "لا" وكان جوابًا لمن قال: هل من غلام فهو مفتوح, فإن دخلت "لا" على ما عمل بعضه في بعض من معرفة أو نكرة لم تعمل هي شيئًا إنما تفتح الاسم الذي يليها إذا كانت قد نفت ما لم يوجبه موجب. فأما إذا دخلت على كلام قد أوجبه موجب فإنها لا تعمل شيئًا وإنما خولف بها إذا كانت تنفي ما لم يوجب, وكل منفي فإنما ينفى بعد أن كان موجبًا/ 442 وأنت إذا قلت: لا رجل فيها إنما نفيت جماعة الجنس, وكذلك إذا قلت: هل من رجل؟ لم تسأل عن رجل واحد بعينه, إنما سألت عن كل من له هذا الاسم, ولو أسقطت "من" فقلت: هل رجل؟ لصلح لواحد ولجمع فإذا دخلت "من" لم يكن إلا للجنس. واعلم: أن "لا" إذا فتحت ما بعدها فقد يجيء الخبر محذوفًا كثيرًا, تقول: لا رجل ولا شيء تريد في مكان أو زمان, وربما لم يحذف, خالفت ما وليس ألا ترى أن "ما" تنفي بها ما أوجبه الموجب و"ليس" كذلك وهما يدخلان على المعارف و"لا" في هذا الموضع ليست كذلك وقد اختلف النحويون في تقديرها اختلافًا شديدًا فقال سيبويه: "لا" تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين ونصبها لما بعدها كنصب "إنَّ" لما بعدها وترك التنوين لما

تعمل فيه لازم لأنها جعلت وما تعمل فيه بمنزلة اسم واحد نحو: خمسة عشر وذلك لأنه لا يشبه ما ينصب وهو الفعل1 / 443 ولا ما أجرى مجراه لأنها لا تعمل إلا في نكرة "ولا" ما بعدها في موضع ابتدء فلما خولف بها عن حال أخواتها خولف بلفظها كما خولف بخمسة عشر ولا تعمل إلا في نكرة كما أن: رُبَّ لا تعمل إلا في نكرة فجعلت وما بعدها كخمسة عشر في اللفظ وهي عاملة فيما بعدها كما قالوا: يابن أم فهي مثلها في اللفظ وفي أن الأول عامل في الثاني و"لا": لا تعمل إلا في نكرة من قبل أنها جواب فيما زعم الخليل كقوله: هل من عبد أو جارية؟ فصار الجواب نكرة كما أنه لا يقع في هذه المسألة إلا نكرة2. "فلا" وما عملت فيه في موضع ابتداء كما أنك إذا قلت: هل من رجل؟ فالكلام بمنزلة اسم مبتدأ والذي يبني عليه في زمان أو مكان هو الخبر ولكنك تضمره, وإن شئت أظهرته. قال أبو العباس محمد/ 444 بن يزيد: فإن قال قائل: فهل يعمل في الاسم بعضه؟ فالجواب في ذلك: بلغني أنك منطلق إنما هو بلغني انطلاقك "فإن" عاملة في الكاف وفي منطلق وكذلك موقعها مفتوحة أبدا, وكذلك "أن" الخفيفة هي عاملة في الفعل وبه تمت اسمًا, فكذلك "لا" عملت عنده فيما بعدها وهي وما بعدها بمنزلة اسم. قال: والدليل على أن "لا" وما عملت فيه اسم أنك تقول: غضبت من لا شيء وجئت بلا مال, كما قال3: حَنَّتْ قلُوصي حينَ لا حِينَ محن4

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 345 وقال المبرد في المقتضب: فأما ترك التنوين فإنما هو لأنها جعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد كخمسة عشر. المقتضب 4/ 357. 2 انظر: الكتاب 1/ 345. 3 انظر: المقتضب 4/ 358. 4 من شواهد الكتاب 1/ 358 و2/ 53، فقد نصب "حين" بلا، وإضافة حين الأولى إلى الجملة، وخبر "لا" محذوف والتقدير: حين لا حين محن لها، أي: حنت في غير وقت الحنين، وحنينها: صوتها شوقا إلى أصحابها والمعنى: أنها حنت إليهم على بعد منها، قال الأعلم: ولو جر "الحين" على إلغاء "لا" لجاز. والقلوص: الناقة الفتية. والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها ولا تتمة لها. وانظر: المقتضب 4/ 358، وشرح السيرافي 3/ 95، وأمالي ابن الشجري 1/ 239، والحجة لأبي علي 1/ 123، والخزانة 2/ 93.

فجعلها اسمًا واحدًا, فالموضع موضع نصب نصبته "لا" وسقوط التنوين, لأنه جعل معها اسمًا واحدا, والدليل على ذلك: أنه إن اتصل بها اسم مفرد سقط منه التنوين وصار اسمًا واحدًا وموضع الاسم بأسره موضع رفع كما كان موضع ما هو جوابه كذلك. وأما الكسائي: فإنه يقول/ 445: النكرات يبتدأ بأخبارها قبلها لئلا يوهمك أخبارها أنها لها صلات, فلما لزمت التبرئة الاسمَ وتأخر الخبر أرادوا أن يفصلوا بين ما ابتدئ خبره وما لا يكون خبره إلا بعده فغيروه من الرفع إلى النصب لهذا, ونصبوه بغير تنوين لأنه ليس بنصب صحيح إنما هو مغير كما فعلوا في الندءا حين خالفوا به نصب المضاف فرفعوه بغير تنوين ولم يكسروه فيشبه ما أُضيف إليه. وقال الفراء: إنما أخرجت "لا" من معنى غير إلى "ليس" ولم تظهر ليس ولا إذا كانت في معنى "غير" عمل ما قبلها فيما بعدها كقولك: مررت برجل لا عالم ولا زاهد و"لا" إذا كانت تبرئة كان الخبر بعدها ففصلوا بهذا الإِعراب بين معنيين. وفي جميع هذه الأقوال نظر, وإنما تضمنا في هذا الكتاب الأصول والوصول إلى الإِعراب, فأما عدا ذلك من/ 446 النظر بين المخالفين فإن الكلام يطول فيه ولا يصلح في هذا الكتاب, على أنا ربما ذكرنا من ذلك الشيء القليل.

ذكر الأسماء المنفية في هذا الباب

ذكر الأسماء المنفية في هذا الباب: واعلم: أن المنفي في هذا الباب ينقسم أربعة أقسام: نكرة مفردة غير موصوفة, ونكرة موصوفة, ونكرة مضافة, ومضارع للمضاف. أما الأول: وهو النكرة المفردة: فنحو ما خبرتك من قولك: لا رجل عندي, ولا رجل في الدار, ولا صاحب لك و {لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} 1, ولا صنع لزيد, ولا رجل ولا شيء, تريد: لا رجل في مكان ولا شيء في زمان وتقول: لا غلامَ ظريفٌ في الدار. فقولك: ظريف خبر, وقولك: في الدار, خبر آخر, وإن شئت جعلته لظريف خاصة, ومن ذلك قول الله عز وجل: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّه} 2. وقال: {الم, ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 3 وأما قول الشاعر: لا هَيثَم الليلَة للمَطِّي4

_ 1 التوبة: 118. 2 هود: 43. اليوم: خبر عاصم وإن كان جثة، إذ المعنى: لا وجود عاصم، ومن أمر الله: خبر مبتدأ محذوف، أي: العصمة المنفية من أمر الله. 3 البقرة: 1-2. 4 لتأويل هذا الرجز بالمنكر وجهان: إما أن يقدر مضاف هو مثل: فلا يتعرف بالإضافة، لتوغله في الإبهام، وإنما يجعل في صورة النكرة ينزع اللام، وإن كان المنفي في الحقيقة هو المضاف المذكور الذي لا يتعرف بالإضافة إلى أي معرفة كان، وإما أن يجعل العلم لاشتهاره بتلك الخلة كأنه اسم جنس موضوع لإفادة ذلك المعنى. وهيثم: اسم رجل كان حسن الحداء للإبل، وقيل جيد الرعي، وقيل: هو هيثم بن الأشتر وكان مشهورا بين العرب بحسن الصوت في حدائه. وكان أعرف أهل زمانه بالبيداء والفلوات. وهذا من شواهد سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. وانظر: الكتاب 1/ 354، والمقتضب 4/ 374، وشرح السيرافي 3/ 92، وأمالي ابن الشجري 1/ 139، وابن يعيش 2/ 103، والمفصل للزمخشري/ 222.

فإنه جعله نكرة أراد لا مثل هيثم, ومثل ذلك: لا بصرَ لكم. وقال ابن الزبير الأسدي: أَرَى الحَاجَاتِ عِنْدَ أبي خُبَيْبٍ ... نَكِدْنَ ولا أُمَيَّةَ في البلادِ1 أراد: ولا مثل أمية فإن ثنيت المنفي "بلا" قلت: لا غلامين لك ولا جاريتين, لا بدّ من إثبات النون في التثنية والجمع الذي هو بالواو والنون, قد تثبت في المواضع التي لا يثبت فيها التنوين, بل قد يثنى بعض المبنيات بالألف والنون, والياء والنون. نحو: هذا والذي. تقول: هذان, واللذان. قال أبو العباس: وكان سيبويه والخليل يزعمان: أنك إذا قلت: لا غلامين لك, أن غلامين مع "لا" اسم واحد, وتثبت النون كما تثبت مع الألف واللام في تثنية ما لا ينصرف وجمعه نحو: هذان أحمران وهذان المسلمان2, وقال: وليس القول عندي كذلك؛ لأن الأسماء المثناة والمجموعة بالواو والنون لا تكون مع ما قبلها3 / 448 اسمًا واحدًا, لم يوجد ذلك كما لم يوجد المضاف, ولا الموصول مع ما قبلهما بمنزلة اسم واحد4.

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 355، على أن التقدير: ولا أمثال أمية في البلاد. وأبو خبيب: كنية عبد الله بن الزبير بن العوام وكان يرمى بالبخل، وكان إذا هجي كني بأبي خبيب. ونكدن: من باب فرح، فهو نكدا، إذا تعسر، ونكد العيش: اشتد، يقال: نكد زيد جارية عمرو إذا منعه إياها. والبيت في هجاء عبد الله بن الزبير. وانظر: المقتضب 4/ 362، وشرح السيرافي 3/ 92، وأمالي ابن الشجري 1/ 239، والمفصل للزمخشري/ 77، وابن يعيش 2/ 102، والأغاني 1/ 8 و12/ 71، ونسبه إلى فضالة بن شريك. 2 انظر: الكتاب 1/ 348-349. 3 انظر: المقتضب 4/ 366. 4 انظر: المقتضب 4/ 366 وهذا ما علل به المبرد إعراب المثنى وجمع المذكر السالم في باب "لا" وقد ذكر رأي المبرد وتعليله هذا ابن يعيش 2/ 106 وعقب عليه بقوله: وهذا إشارة إلى عدم النظير وإذا قام الدليل فلا عبرة بعدم النظير.

الثاني: النكرة الموصوفة: اعلم: أنك إذا وصفت النكرة في هذا الباب فلك فيها ثلاثة أوجه: الأول منها: وهو الأحسن, أن تجري الصفة على الموصوف, وتنون الصفة, وذلك قولك: لا رجل ظريفًا في الدار, فتنون لأنه صفة, ويكون قولك: في الدار, هو الخبر, وحجة من فعل هذا أن النعت منفصل من المنعوت مستغنٍ عنه, وإنما جيء به بعد أن مضى الاسم على حاله, فإن لم تأتِ به لم تحتج إليه. والوجه الثاني: أن تجعل المنفي ونعته اسمًا واحدا1, وتبنيه معه فتقول: لا رجلَ ظريفَ في الدار بنيت رجل مع ظريف, وحجة من رأى أن يجعله مع المنعوت اسمًا واحدًا أن يقول: لما كان موضع/ 449 يصلح فيه بناء الاسمين اسمًا واحدًا كان بناء اسم مع "اسم" أكثر وأفشى من بناء اسم مع حرف فإن قلت: لا رجل ظريفًا عاقلًا, فأنت في النعت الأول بالخيار فأما الثاني: فليس فيه إلا التنوين؛ لأنه لا يكون ثلاثة أشياء اسمًا واحدًا2, وكذلك المعطوف, لو قلت: لا رجل وغلامًا عندك لم يصلح في "غلام" إلا التنوين من أجل واو العطف؛ لأنه لا يكون في الأسماء مثل حضرموت اسمًا

_ 1 قال سيبويه 1/ 351، اعلم: أنك إذا وصفت المنفي، فإن شئت نونت صفة المنفي، وهو أكثر في الكلام، وإن شئت لم تنون وذلك قولك: لا غلام ظريفا لك، ولا غلام ظريف لك، فأما الذين نونوا فإنهم جعلوا الاسم ولا بمنزلة اسم واحد، وجعلوا صفة المنصوب في هذا الموضع بمنزلته في غير النفي. وأما الذين قالوا: لا غلام ظريف لك فإنهم جعلوا الموصوف والوصف بمنزلة اسم واحد. 2 في الكتاب 1/ 351، فإذا قلت: لا غلام ظريفا عاقلا لك، فإن في الوصف الأول بالخيار، ولا يكون الثاني إلا منونا، من قبل أنه لا تكون ثلاثة أشياء منفصلة اسم واحد. وفي المقتضب 4/ 367 إن قلت: لا رجل ظريفا عاقلا، فأنت في النعت في الأول بالخيار، فأما الثاني: فليس فيه إلا التنوين، لأنه لا يكون ثلاثة أشياء اسما واحدا.

واحدًا إذا كانت بينهما واو العطف. والتكرير والنعت: بمنزلة واحدة تقول في النعت: لا رجل ظريف لك, والتكرير على ذلك يجري تقول: لا ماءَ ماءً باردًا, وإن فصلت بين الموصوف والصفة بشيء لم يجز في الصفة إلا التنوين, وذلك قولك: لا رجل اليوم ظريفًا, ولا رجل فيها عاقلًا, من قبل أنه لا يجوز لك/ 450 أن تجعل الاسم والصفة بمنزلة اسم واحد, وقد فصلت بينهما كما أنه لا يجوز لك أن تفصل بين: عشر وخمسة, في خمسة عشر. والوجه الثالث: أن تجعل النعت على الموضع فترفع لأن "لا" وما علمت فيه في موضع اسم مبتدأ فتقول: لا رجلَ ظريفَ, فتجري "ظريف" على الموضع فيكون موضع اسم مبتدأ والخبر محذوف, وإن شئت جئت بخبر فقلت: "لك" أو عندك كما بينت لك فيما تقدم, قال الشاعر: ورَدَّ جَازِرُهُم حَرْفًا مُصَرَّمةً ... ولا كَرِيمَ مِن الوِلْدَانِ مَصْبُوحُ1 والنعت على اللفظ أحسن, وكذلك إذا قلت: لا ماءَ ماءً باردًا, وإن

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 356 على رفع "مصبوح" على أنه خبر "لا" لأنها وما عملت فيه في موضع اسم مبتدأ، ويجوز أن يكون مصبوح نعتا لاسمها محمولا على الموضع، ويكون الخبر محذوفا لعلم السامع، تقديره: موجود. والجازر: الذي ينحر الذبائح. والحرف: الناقة الضامر. وقيل: القوية الصلبة شبهت بحرف الجبل وهو ناحية منه. والمصرمة: المقطوعة اللبن لعدم الرعي، والمصبوح: المسقى صباحا، وهو شرب الغداة، يقول: هم في جدب فاللبن عندهم متعذر لا يسقاه الولد الكريم النسب فضلا على غيره لعدمه، فجازرهم يرد عليهم من المرعى ما ينحرون للضيف. والشاهد كما نسبه الأعلم والعيني لرجل جاهلي من بني النبيت، ونسبه الزمخشري لحاتم الطائي وهو موجود في ديوانه. وانظر: المقتضب 4/ 370، والموجز لابن السراج/ 53، وشرح السيرافي 3/ 93، وشعراء النصرانية/ 109، والمفصل للزمخشري/ 89، وابن يعيش 2/ 107، والعيني 2/ 369، وشواهد الألفية للعاملي/ 127، والديوان/ 39.

شئت قلت: لا ماءَ ماءٌ باردٌ, فإن جعلت الاسمين اسما واحدا قلت: لا ماءَ ماءَ باردٌ, جعلت ماء الأول والثاني اسمًا واحدًا وجعلت "بارد" نعتًا على الموضع. ومن ذا قول العرب: لا مالَ لهُ قليلٌ ولا كثيرٌ. قال سيبويه: والدليل على أن "لا رجل" في موضع اسم "مبتدأ" في لغة تميم قول العرب من أهل الحجاز: لا رجلَ 1 / 451 أفضل منك, والعطف في هذا الباب على الموضع كالنعت, فمن ذلك قول الشاعر وهو رجل من مذحج: هَذا -لَعَمْرُكُم- الصَّغَارُ بَعْينِه ... لا أُمَّ لي إِنْ كَانَ ذاكَ ولا أَبُ2 والأجود أن تعطِفَ على اللفظ فتقول: لا حولَ ولا قوةٌ, هذا إذا جعلت لا الثانية مؤكدة للنفي ولم يقدر أنك ابتدأت النفي بها, فإن قدرت ذلك كان حكمها حكم الأول فقلت: لا حولَ ولا قوةَ, وإن شئت عطفت على الموضع كما خبرتك.

_ 1 نظر: الكتاب 1/ 345. 2 القطعة التي منها هذا الشاهد اختلف في قائلها، فنسبها سيبويه 2/ 161، و1/ 352، إلى رجل من مذحج وفسره في ص/ 162 بأنه هنى بن أحمر الكناني وكذلك نسبه الآمدي في المؤتلف والمختلف ونسبه البغدادي لضمرة بن جابر ولغيره أيضا. والشاهد فيه: عطف الأب بالرفع مراعاة لمحل "لا" مع اسمها ويجوز أن تكون "لا" الثانية عاملة عمل ليس فيكون لكل من "لا" الأولى والثانية خبر يخصها، لأن خبر الأولى مرفوع وخبر الثانية منصوب، كما يجوز أن تكون "لا" مهملة وأب مبتدأ خبره محذوف. والصغار: الذل، وهو خبر هذا وفصل بينهما بالجملة القسمية التي حذف خبرها وجوبا. بعينه: الباء زائدة في لفظ التوكيد وكان تامة وجواب الشرط محذوف. وانظر: الخزانة 1/ 244، وانظر: المقتضب 4/ 371، وشرح السيرافي 3/ 90، والمفصل للزمخشري/ 233، وابن يعيش 2/ 110، والعيني 2/ 239، والخزانة 1/ 344، ورواه البغدادي: هذا وجدكم الصغار بعينه، والمؤتلف والمختلف/ 215.

باب ما يثبت فيه التنوين والنون من الأسماء المنفية

باب ما يثبت فيه التنوين والنون من الأسماء المنفية: فإن ثنيت فلا بد من النون تقول: لا غلامين ولا جاريتين, تثبت النون هنا كما تثبت في النداء, والأسماء المبنية فيها ما يبنى وتثبت فيه النون, وإن كان المفرد مبنيا, ألا ترى أنك تثني هذا فتقول: هذان وهذين, وكذلك: اللذان واللذين. وتقول: لا غلامين ظريفين لك, ولا مسلمين صالحين لك, ولا عشرين درهمًا لك, ونظير هذه/ 452 النون التنوين إذا لم يكن منتهى الاسم, وصار كأنه حرف قبل آخر الاسم وهو قولك: لا خيرًا منه ولا حسنًا وجهه لك, ولا ضاربًا زيدًا لك؛ لأن ما بعد حسن وضارب وخير صار من تمام الاسم فقبح أن يحذفوا قبل أن ينتهوا منتهى الاسم. وقال الخليل: كذلك: لا آمرًا بالمعروف لك, إذا جعلت "بالمعروف" من تمام الاسم وجعلته متصلًا به, كأنك قلت: لا آمرًا معروفًا لك. وإن قلت: لا آمر بمعروف لك, فكأنك جئت بمعروف بعد ما بنيت على الأول كلامًا1. الثالث: نكرة مضافة: التنوين يسقط من كل مضاف في هذا الباب, وغيره فإذا نصبت

_ 1 انظر: الكتاب جـ1/ 350.

مضافًا وأعملت "لا" نصبته ولا بد من أن يكون ذلك المضاف نكرة؛ لأن "لا" لا تعمل في المعارف, والمضاف ينقسم في هذا الباب على قسمين: مضاف لم يذكر معه لام الإِضافة, ومضاف ذكرت معه لام الإِضافة/ 453. فأما المضاف المطلق, فقولك: لا غلامَ رجلٍ لك, ولا ماءَ سماءٍ في دارك, ولا مثلَ زيدٍ لك, وإنما امتنع هذا أن يكون اسمًا واحدًا مع "لا" لأنه مضاف والمضاف لا يكون مع ما قبله اسمًا واحدًا, ألا ترى أنّكَ لا تجد اسمين جعلا اسمًا واحدًا, وأحدهما مضاف, إنما يكونان مفردين: كحضرموت وبعلبك, ألا ترى أن قوله: يابن أم, لما جعل "أم" مع ابن اسمًا واحدًا حذف ياء الإِضافة, وقال ذو الرمة: هيَ الدَّار إذْ ميٌّ لأهلكِ جيرَةٌ ... لَيَاليَ لا أمثالَهَنَ لَياليا1 فأمثالهن نصب بـ"لا". وأما القسم الآخر المنفي بلام الإِضافة: فالتنوين والنون تقع في هذا الموضع كما وقع مما قبله لما أضفته وذلك قولهم: لا أبًا لك, ولا غلام لك:

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 352 وقد نصب أمثالهن بلا، لأن المثل نكرة وإن كان مضافا إلى معرفة ونصب لياليا على التبيين لأمثالهن على مثال قولك: لا مثلك رجلا، فرجل تبيين للمثل على اللفظ، ولو حمل على المعنى لجاز, ويجوز نصب "لياليا" على التمييز كما تقول: لا مثلك رجلا. على تقدير: لا مثلك من رجل وفي نصبه على التمييز قبح لأن حكم التمييز أن يكون واحدا يؤدي عن الجميع. يقول: هذه الدار كانت لمية دارا زمن المرتبع وتجاور الأحياء، وفضل تلك الليالي لما نال فيها من التنعيم بالوصال واجتماع الشمل. والبيت في مدح: بلال بن أبي بردة. وانظر: المقتضب 4/ 364، وشرح السيرافي 3/ 91، وابن يعيش 2/ 103، وشرح الكافية للرضي 1/ 245.

وقال الخليل: إن النون إنما ذهبت للإِضافة, ولذلك لحقت الألف الأب التي لا تكون إلا في الإِضافة, وإنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول: لا أباك, في1 / 454 موضع: لا أبالك, ولو أردت الإِفراد: لا أبَ لزيد, فاللام مقحمة ليؤكد بها الإِضافة كما وقع في النداء: يا بؤس للحرب2 هذا مقدار ما ذكره أصحابنا3. ولقائل أن يقول: إذا قلت: أنّ قولهم: لا أبالك تريد به: لا أباك, فمن أين جاز هذا التقدير والمضاف إلى كاف المخاطب معرفة والمعارف لا تعمل فيها لا؟ قيل له: إن المعنى إذا قلت: لا أبالك الانفصال كأنك قلت: لا أبًا لك فتنون لطول الاسم وجعلت "لك" من تمامه وأضمرت الخبر ثم حذفت التنوين استخفافًا وأضافوا وألزموا اللام لتدل على هذا المعنى فهو منفصل بدخول اللام وهو متصل بالإِضافة. وإنما فعل في هذا الباب وخصوه كما خصوا النداء بأشياء ليست في غيره. وإنما يجوز في اللام وحدها أن تقحم بين المضاف والمضاف إليه/ 455 لأن معنى الإِضافة معنى اللام, ألا ترى أنك إذا قلت: غلام زيد فمعناه: غلام لزيد, فدخول اللام في هذا يشبه قولهم: يا تيمَ تيمَ عَدي4 أكد هذه الإِضافة بإعادة الاسم, كما أكد ذلك بحرف الإِضافة, فكأنه قد أضافه مرتين.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 345-346. 2 يريدان اللام زائدة بين المضاف والمضاف إليه. قال المبرد في الكامل 7/ 147: "يا بؤس للحرب"، أراد: يا بؤس الحرب، فأقحم اللام توكيدا، "ويا بؤس الحرب" جزء من قصيدة حماسية لسعد بن مالك: يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا وانظر: الكتاب 1/ 346 عند قوله: يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام، والخزانة 1/ 224. 3 يريد: البصريين. 4 يشير إلى قول الشاعر: يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... في باب النداء. وقد مر شرحه ص419.

والشاعر قد يضطر فيحذف اللام ويضيف قال: أبا المَوَتِ الذي لا بُدَّ أنِّي ... مُلاقٍ لا أباك تُخوِّفيني1 وقال الآخر: فقدْ ماتَ شَمَّاخٌ وماتَ مُزوِّدٌ ... وأيُّ كريمٍ -لا أباكَ- مُخَلَّدُ2 فإن قال: لا مسلمين صالحين لك, فوصف المنفي قبل مجيئك "بلك" لم يكن بد من إثبات النون من قبل أن الصالحين نعت للمنفي, وليس بمنفي, وإنما جاء التخفيف في النفي. الرابع: المضارع للمضاف: المضارع للمضاف في هذا الباب ما كان عاملًا فيما بعده, كما أن المضاف عامل فيما بعده فهو منصوب, كما أن المضاف منصوب وما بعده من تمامه كما أن المضاف من تمام الأول, إلا أن التنوين يثبت فيه ولا يسقط منه/ 456 لأنه ليس منتهى الاسم فصار كأنه حرف قبل آخر الاسم. فالتنوين

_ 1 الشاهد فيه: أن: "لا أبالك" أصله الإضافة، وزيدت اللام بين المضاف والمضاف إليه، فإذا حذفت اللام رجع إلى أصله من الإضافة. وتخوفيني: الأصل: تخوفينني، فحذفت إحدى النونين، فقيل الأولى، وقيل الثانية. والشاهد لأبي حية النميري، ونسب إلى الأعشى ولم يوجد في ديوانه. وانظر: المقتضب 4/ 375، والكامل/ 313، والخصائص 1/ 345، وشرح الحماسة 2/ 501، وأمالي ابن الشجري 1/ 362، وابن يعيش 2/ 105. 2 من شواهد سيبويه 1/ 36. والشاهد فيه: كالذي قبله، والشماخ والمزرد: أخوان شقيقان، وصحابيان وشاعران، ولكل منهما ديوان مطبوع، وقد طبع قريبا ديوان: مزرد بن ضرار، في بغداد. والبيت لمسكين الدارمي، ذكر فيه: حال الشعراء المتقدمين وأنهم ذهبوا ولم يبق منهم أحد، وانظر: المقتضب 4/ 375، والكامل/ 313، وشرح السيرافي 3/ 86، وابن يعيش 2/ 105.

هنا والنون يثبتان إذا كان المنفي عاملًا فيما بعده, فهو وما عمل فيه بمنزلة اسم واحد, فمن ذلك قولهم: لا خيرًا منه ولا حسنًا وجهه لك ولا ضاربًا زيدًا لك؛ لأن ما بعد حسن وضارب وخير صار من تمام الاسم. فجميع هذا قد عمل فيما بعده, ومثل ذلك قولك: لا عشرين درهمًا لك, لولا درهم لجاز أن تقول: لا عشرين لك, وعشرون عملت في درهم فنصبته وقال الخليل: كذلك: لا آمرًا بالمعروف لك. إذا جعلت بالمعروف من تمام الاسم وجعلته متصلًا به كأنك قلت: لا آمرًا معروفًا لك, وإذا قلت: لا آمر بمعروف فكأنك جئت بمعروف بنيت على الأول كلاما كقولك: لا آمر في الدار, ثم جئت بمعروف تبيينًا بعد أن تم الكلام وتقول: لا آمر يوم الجمعة لك, إذا نفيت جميع الآمريين1 / 457, وزعمت: أنه ليسوا له يوم الجمعة, فإن أردت أن تنفي الآمرين يوم الجمعة خاصة قلت: لا آمر يوم الجمعة لك جعلت يوم الجمعة من تمام الاسم فصار بمنزلة قولك: لا آمرًا معروفًا لك. ولو قلت: لا خير عند زيد, ولا آمر عنده, لم يجز إلا بحذف التنوين؛ لأنك لم تصله بما يكمله اسمًا ولكنه اسم تام فجعلته مع "لا" اسمًا واحدًا.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 350، وهذا الكلام الذي قاله الخليل كرره ابن السراج، في هذه الصفحة حرفيا بعد أن ذكره/ 472، ولعل هذا من عمل تلاميذه الذين يكتبون عنه.

باب ما إذا دخلت عليه لا لم تغيره عن حاله

باب ما إذا دخلت عليه "لا" لم تغيره عن حاله: هذا الباب ينقسم على ثلاثة أقسام: اسم معرفة, واسم منفي بلا, بعده اسم منفي بلا, وهما جواب مستفهم قد ثبت عنده أحد الشيئين, واسم قد عمل فيه فعل أو هو في معنى ذلك. أما الأول: فالاسم المعرفة: وقد عرفتك أن "لا" لا تنصب المعارف فإن عطفت معرفة منفية على نكرة وقد عملت فيها لم تعملها في المعرفة, وأعملتها في النكرة/ 458 وذلك قولك: لا غلام لك ولا العباس لك, ولا غلامَ لك ولا أخوةٌ لك. قال سيبويه: فأما من قال: كل نعجة وسخلَتها بدرهم, فينبغي أن يقول: لا رجلَ لك وأخًا له1, ولا يحسن أن تدخل "لا" على معرفة مبتدأة غير معطوفة على كلام, فقد تقدم فيه "لا" فإن كررت, لا جاز. فأما الذي لا يجوز فقولك: لا زيد في الدار؛ لأن هذا موضع "ما" إلا أن يضطر شاعر فيرفع المعرفة ولا يثني "لا" قال الشاعر:

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 356، وقال المبرد في المقتضب 4/ 379: ومثله: كل رجل في الدار وزيد فله درهم، وكل رجل في الدار وعبد الله لأكرمنهم، لأنه لا يجوز: كل عبد الله، فعطف على كل نفسها.

بَكَتْ حَزَنًا واسترجعت ثمَّ آذَنَتْ ... ركائبُها أن لا إلينا رُجوعها1 فأما الذي يحسن ويجوز فقولك: لا زيد في الدار ولا عمرو, ولما ثنيت حسن. الثاني: الاسم المنفي بلا وبعده اسم منفي أيضًا بلا: وهذا الصنف إنما يجيء على لفظ السائل إذا قال: أغلام عندك أم جارية/ 459 إذا ادعى أن عنده أحدهما, إلا أنه لا يدري: أغلام هو أم جارية فلا يحسن في هذا إلا أن تعيد "لا" فتقول: لا غلام عندي ولا جارية, وإذا قال: لا غلام فإنما هو جواب لقوله: هل من غلام, ولم يثبت أن عنده شيئًا فعملت لا فيما بعدها, وإن كان في موضع ابتداء, ومن ذلك قول الله: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 2. وقال الشاعر:

_ 1 من أبيات سيبويه 1/ 355، الخمسين التي لا يعرف قائلها على عدم تكرير "لا" للفصل بينها وبين اسمها ووقوع المعرفة بعدها للضرورة. وفي الاسترجاع هنا قولان: أحدهما أنه من الاسترجاع عند المصيبة وهو قول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} . وثانيهما: أنه طلب الرجوع من الرحيل لكراهية فراق الأحبة، وهو الأقرب إلى المعنى. وآذنت: أشعرت وأعلمت. وركائبها: جمع ركيبة وهي الراحلة التي تركب. وأن: مفسرة. ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف. وفي الكتاب: بكت جزعا، لا بكت حزنا كما رواه ابن السراج. وقد يكون تصحيفا من الناسخ إذ أبدل الحاء جيما. وانظر: المقتضب 4/ 361، ورواه المبرد: قضت وطرا واسترجعت ... وهذا أقرب إلى المعنى لأنها طلبت الرجوع بعد أن قضت وطرا على فراق الأحبة. وشرح السيرافي 3/ 93، وأمالي ابن الشجري 2/ 225، والمفصل للزمخشري/ 238، وابن يعيش 2/ 112. 2 آية: 38 سورة البقرة. وقراءة: لا خوفَ بفتح الفاء ليعقوب في جميع القرآن وفي النشر 2/ 211 قرأ يعقوب: لا خوف عليهم.. حيث وقعت بفتح الفاء وحذف التنوين. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين. وانظر: الإنصاف ص/ 134، والبحر المحيط جـ1/ 169 وجـ2/ 88.

ومَا صَرَمْتُكِ حَتَّى قُلْتِ مُعْلِنَةً ... لاَ نَاقَةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ1 وكذلك إذا فصلت بين "لا" والاسم بحشو, لم يحسن, إلا أن تعيد الثانية؛ لأن جعل جواب إذا عندك أم ذا, فمن ذلك قوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} 2. ولا يجوز: لا فيها أحد, إلا على ضعف, فإن تكلمت به لم يكن إلا رفعًا لأن "لا" لا تعمل إذا فصل بينها وبين الاسم رافعة ولا ناصبةً, ومعنى قولي: رافعةً إذا أعملت عملَ/ 460 ليسَ تقول: لا أحدٌ أفضلَ منكَ في قولِ مَنْ جعلهَا كـ"ليس". الثالث: وهو ما عمل فيه فعل أو كان في معنى ذلك: اعلم: أن هذا يلزمك فيه تثينة "لا" كما لا تثنى لا في الأفعال وذلك قولك: لا مرحبًا ولا أهلًا, ولا كرامةً ولا مسرةً ولا سقيا, ولا رعيا, ولا هنيئًا ولا مريا, لأن هذه الأسماء كلها عملت فيها أفعالٌ مضمرة, فالفعل مقدر بعد "لا" كأنك قلت: لا أكرمك كرامةً ولا أسرك مسرةً, فعلى هذا جميع هذه الأسماء وما لم يجز أن يلي "لا" من الأفعال, لم يجز أن يليها ما عمل فيه ذلك الفعل, لا يجوز أن تقول: لا ضربًا وأنت تريد الأمر لأنه لا يجوز: لا أضرب إنما تدخل على الدعاء إذا كان لفظه لفظ الخبر وأضربه على ذلك نحو: لا سقيا ولا رعيا كأنك قلت: لا سقاه الله ولا رعاه,

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 354 على تكرار "لا" مع رفع اسمها ولو نصب على إعمالها لجاز والرفع أكثر لأنها جواب لمن قال: ألك في ذا ناقة أو جمل. فقيل له: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، فجرى ما بعدها في الجواب مجراه في السؤال. يقول: ما عمل على فراقها حتى تبرأت منه وجفته وأعلنت بذلك، وضرب قوله: لا ناقة لي في هذا ولا جمل مثلا لبراءتها منه وقطعها له. وهذا مثل سائر في هذا المعنى. والبيت للراعي النميري. وانظر: مجالس ثعلب/ 35، وروايته: وما هجرتك.. والموجز لابن السراج/ 54، وابن يعيش 2/ 11، والعيني 4/ 477. 2 الصافات: 47.

وكذلك إذا ولي "لا" مبتدأ في معنى الدعاء لم/ 461 تعمل فيه كما لم تعمل فيما بني على الفعل, ومعناه الدعاء, وذلك قولهم: لا سلام عليكم. قال سيبويه: قولهم: لا سواء إنما دخلت ههنا؛ لأنها عاقبت ما ارتفعت عليه, ألا ترى أنك لا تقول: هذان لا سواء فجاز هذا كما جاز: لاها الله ذا حين عاقبت فلم يجز ذكر الواو1 -يعني أن قولهم: لا سواء أصله: هذان لا سواء وهذان مبتدأ ولا سواء خبرهما كما تقول: هذان سواء, ثم أدخلت "لا" للنفي وحذفت "هذان" وجعلت "لا" تعاقب "هذان" وقال أبو العباس: وقول سيبويه: ألا ترى أنك لا تقول: هذان لا سواء أي: لا تكاد تقول, ولو قلته جاز2. وقالوا: لا نولك أن تفعل جعلوه معاقبًا لقولك لا ينبغي وصار بدلًا منه. واعلم: أنه قبيح أن تقول: مررت برجل لا فارسٍ حتى تقول: ولا شجاع وكذلك: هذا زيد فارسًا, لا/ 462 يحسن حتى تقول: لا فارسًا ولا شجاعًا وذلك أنه جواب لمن قال: أبرجل شجاع مررت أم بفارس, ولقوله: أفارس زيد أم شجاع, وقد يجوز على ضعفه في الشعر.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 357. 2 انظر: الكتاب 1/ 357.

باب لا النافية إذا دخلت عليها ألف الاستفهام

باب لا النافية إذا دخلت عليها ألف الاستفهام: الألف إذا دخلت على "لا" جاز أن يكون الكلام استفهامًا, وجاز أن يكون تمنيًا, والأصل الاستفهام فإذا كان استفهامًا محضًا فحالها كحالها قبل أن يلحقها ألف الاستفهام, وذلك قولك: ألا رجلَ في الدار إلا غلامَ أفضلْ منك, ومن قال: لا رجلَ قائمٌ في الدار, قال: ههنا ألا رجل قائم في الدار وكذلك من نون ومن رفع, ثم رفع ههنا, وقال الشاعر: حَارِ بن كعبٍ ألا أَحْلاَمَ تَزْجُرُكُم ... عَنَّا وأَنْتُم مِن الجُوف الجماخيرِ1

_ 1 استشهد سيبويه 1/ 325 بما بعده وهو قوله: لا عيب بالقوم من طول ولا عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير حار: مرخم حارث، وجاء على لغة من ينتظر، والأحلام: جمع حلم بالكسر وهو العقل. والجوف: جمع أجوف وهو الواسع الجوف. ورواية المبرد حار بن عمرو. والجماخير: جمع جمخور -بضم الجيم وسكون الميم- العظيم الجسد، القليل العقل والقوة. ألا أحلام: لا نافية للجنس والهمزة للاستفهام الإنكاري، وأحلام اسم "لا" والجملة خبرها والبيت مطلع قصيدة لحسان بن ثابت في هجاء بني الحارث بن كعب المذحجي. وانظر: المقتضب 4/ 233، والحجة لأبي علي 1/ 229، وشرح السيرافي 2/ 192، وأمالي ابن الشجري 2/ 80، والديوان/ 48، طبة ليدن.

فإذا دخلها مع الاستفهام معنى التمني, فإن النحويين مختلفون في رفع الخبر ويجرون ما سواه على ما كان عليه/ 463 قبل. فأما الخليل وسيبويه1 والجرمي وأكثر النحويين فيقولون: ألا رجل أفضل منك, ولا يجيزون رفع: أفضل وحجتهم في ذلك أنهم قالوا: كنا نقول: لا رجل أفضل منك, فيرفع لأن "لا" ورجل في موضع ابتداء, وأفضل: خبره فهو خبر اسم مبتدأ وإذا قلت متمنيًا: ألا رجل أفضل منك فموضعه نصب وإنما هو كقولك: اللهم غلامًا, أي: هب لي غلامًا, فكأنك قلت: ألا أعطي ألا أصيب فهذا مفعول. وكان المازني وحده يجيز فيه جميع ما جاز في النافية بغير الاستفهام فتقول: ألا رجل أفضل منك, وتقول فيمن جعلها كليس: ألا أفضل منك, ويجريها مجراها قبل ألف الاستفهام.

_ 1 قال سيبويه: ومن قال: لا غلام أفضل منك، لم يقل: في ألا غلام أفضلَ منك، إلا بالنصب، لأنه دخل فيه معنى التمني وصار مستغنيا عن الخبر كاستغناء اللهم غلاما. ومعناه اللهم هب لي غلاما. والكتاب 1/ 359، وانظر: المقتضب 4/ 382. قال المبرد: فإن دخلها معنى التمني فالنصب لا غير في قول سيبويه والخليل وغيرهما إلا المازني وحده. تقول: ألا ماء أشربه وعسلا، وتنون عسلا كما في قولك: لا رجل وغلاما في الدار.. وكان المازني يجري هذا مع التمني مجراه قبل ويقول: يكون اللفظ على ما كان عليه وإن دخله خلاف معناه، ألا ترى أن قولك: غفر الله لزيد، معناه الدعاء ولفظه لفظ: ضرب فلم يغير لما دخله من المعنى وكذلك قولك: علم الله لأفعلن، لفظه لفظ: رزق الله ومعناه القسم فلم يغيره. وانظر: المقتضب 4/ 383. وكان أبو عمر الجرمي يخالف المازني في هذه المسألة. واحتج ببعض ما ذكره سيبويه فقال: أنه لم يجز في ألا، التي للتمني ما جاز في "لا" من رفع الصفة على الموضع بنحو: لا رجل أفضل منك، لأن موضع النفي للابتداء, ولما دخله معنى التمني زال الابتداء، لأنه قد تحول إلى معنى آخر وصار في موضع نصب، كما لا يجوز في: "ليت"، ولعل، وكان من الحمل على الموضع ما جاز في: إن ولكن، فلذلك زعم: أنه لا يجوز: ألا ماء ولبن، كما تقول في المنفي. الانتصار/ 196.

واعلم: أن "لا" إذا جعلت كـ"ليس" لم تعمل إلا في نكرة ولا يفصل بينها وبينَ ما عملت فيهِ لأنها تجري رافعة مجراها ناصبة. وأما قول الشاعر/ 464. ألا رجلًا جَزاهُ اللَّهُ خَيرًا ... يَدُلُّ على محصَلة تَبيتُ1 فزعم الخليل: أنه أراد: الفعل وأنه ليس لـ"لا" ههنا عمل, إنما أراد ألا ترونني2, وأما يونس فكان يقول: إنما تمنى ولكنه نوّن مضطرًا3 وكان يقول في قول جرير: فلا حَسَبًا فَخَرْتَ بهِ لِتَيِمِ ... ولا جَدا إذا ذُكِرَ الجُدودُ4 إنما نوّن مضطرًا, وكذا يقول أبو الحسن الأخفش.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 359 على نصب رجل وتنوينه، لأنه حمله على إضمار فعل وجعل: ألا حرف تحضيض, والتقدير: ألا ترونني رجلا ولو جعلها: ألا التي للتمني لنصب ما بعدها بغير تنوين. وأراد بالمحصلة: المرأة التي تحصل الذهب من تراب المعدن وتخلصه منه وطلبها للمبيت إما للتحصيل أو للفاحشة. والبيت لعمرو بن قعناس المراري. وانظر: شرح السيرافي 3/ 96، ونوادر أبي زيد/ 56، والسيوطي/ 77، وابن يعيش 2/ 101، والعيني 2/ 366، والخزانة 1/ 459 و2/ 112. 2 انظر: الكتاب 1/ 359. 3 انظر: الكتاب 1/ 359. 4 من شواهد الكتاب 1/ 73 واستشهد به سيبويه على نصب الحسب بإضمار فعل، والفعل المقدر هنا واصل إلى المفعول بذاته في معنى الفعل الظاهر، والتقدير: ولا ذكرت حسبا فخرت به. يخاطب عمر بن لجأ وهو من تميم، فيقول: لم تكسب لهم حسبا يفخرون به ولا لك جد شريف تعول عليه عند ازدحام الناس للمفاخر والحسب: الكرم وشرف الإنسان في نفسه وأخلاقه، والجد: أبو الأب. وقيل: الجد: هنا الحظ، أي: ليس لتيم حظ في علو المرتبة والذكر الجميل. وانظر: شرح السيرافي 2/ 7، والمفصل للزمخشري/ 51، وابن يعيش 1/ 109، والخزانة 1/ 447 والديوان/ 165.

ومن قال: لا رجلَ ولا امرأةٌ لم يقل في التمني إلا بالنصب, وعلى مذهب أبي عثمان يجوز الرفع كما كان قبل دخول الألف. كان أبو عثمان يقول: اللفظ على ما كان عليه وإن كان دخله خلاف معناه, ألا ترى أن قولك: غفر الله لزيد معناه الدعاء ولفظه لفظ ضرب فلم يغير لما دخله في المعنى. وكذلك: حسبكَ رفعٌ بالابتداء إن كان معناه النهي.

باب تصرف لا

باب تصرف "لا": لـ"لا" في الكلام/ 465 مواضع وجملتها النفي ومواضعها تختلف فتقع على الأسماء نحو قولك: ضربت زيدًا لا عمرًا, وجاءني زيدٌ لا أخوه, وتقع على الأفعال في القَسَم وغيره, تقول: لا يخرج زيد وأنت مخبر ولا ينطلق عبد الله, ويكون للنهي في قولك: لا ينطلق عبد الله ولا يخرج زيد, وتجزم بها الفعل فيكون بحذاء قولك في الأمر: ليخرج عبد الله, ولتقم طائفة منهم معك1. وقد تكون من النفي في موضع آخر وهو نفي, قولك: إيتِ وعمراً, فإذا أردت نفي هذا قلت: لا تأت زيدًا وعمرًا, لم يكن هذا نفيه على الحقيقة لأنه إن أتى أحدهما لم يعصه لأنه نهاه عنهما جميعًا فإن أراد أن تمتنع منهما معًا فنفي ذلك: لا تأت زيدًا ولا عمرًا, فمجيئها ههنا لمعنى انتظام النهي بأمره لأن خروجها إخلال به. ويقع بعدها في القسم الفعل الماضي في/ 466 معنى المستقبل وذلك قولك: والله لا فعلت, إنما المعنى: لا أفعل؛ لأن قولك في القسم: لا أفعل إنما هو لما يقع, فأما قولهم: لا أفعل نفي لقولك: لأفعلنَّ ولذلك يجوز أن تحذف "لا" وأنت تريد النفي وجائز أن تقول: لا قام زيد ولا قعد عمرو تريد الدعاء عليه. وهذا مجاز. وحق هذا الكلام أن يكون نفيًا لقيامه وقعوده فيما مضى. وقال الله عز وجل: {فَلا

_ 1 النساء: 102 والآية هي: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} بالفاء لا بالواو.

اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} 1. ومن هذا قول النبي, صلى الله عليه وسلم: "أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا صاح فاستهل" أي: من لم يأكل ولم يشرب يعني الجنين. فإذا قلت: والله أفعل ذاك, فمعناه: لا أفعل, فلو قلت: والله أقوم تريد: لأقومنَّ كان خطأ؛ لأنها حذفت استخفافًا لاستبداد الإِيجاب باللام والنون, ولهذا موضع آخر يذكر فيه, ويكون في موضع/ 467 "ليس" وقد مضى ذكرها, وقد تكون "لا" مؤكدة كما كانت "ما" في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 2 و"مما خطاياهم"3. فمن ذلك قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} 4.. إنما هو: فأقسم, يدلك على ذلك قوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} 5.. وكذلك قال المفسرون في قوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 6 إنما هو: أُقسم, فوقع القسم على قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} 7. قال أبو العباس: فقيل لهم في عروض ذلك: أن الزوائد من هذا الضرب إنما تقع بين كلامين أو بعد كلام كقولك: جئتك لأمرٍ ما, فكان من جوابهم: أن مجاز القرآن كله مجاز سورة واحدة بعد ابتدائه, وأن بعضه متصل ببعض, فمن ذلك قوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} 8. وقوله: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} 9, وإنما هو: لا تستوي الحسنة والسيئة, ومعناه ينبئك عن ذلك/ 468 إنما هو: لا تساوي الحسنة السيئة.

_ 1 البلد: 10, 11، والآية: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ, فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} . 2 آل عمران: 159. 3 نوح: 25 قال شعيب: قرأ أبو عمرو بن العلاء المازني البصري: "مما خطاياهم" مثل قضاياهم، وقرأ الباقون: "خطيئاتهم". 4 المعارج: 40. 5 الواقعة: 76. 6 القيامة: 1. 7 القيامة: 17. 8 الحديد: 29. وانظر: الكتاب 2/ 306. والمقتضب 1/ 47. 9 فصلت: 34.

مسائل من باب لا

مسائل من باب "لا": تقول: لا غلامين ولا جاريتي لك, إذا جعلت الآخر مضافًا ولم تجعله خبرًا له. وصار الأول مضمرًا له كأنك قلت: لا غلامين في ملكك ولا جاريتي لك, كأنك قلت: ولا جاريتك في التمثيل. قال سيبويه: ولكنهم لا يتكلمون به -يعني بالمضمر- واختص "لا" بهذا النفي, وإن شئت قلت: لا غلامين ولا جاريتين لك, إذا جعلت "لك" خبرًا لهما وهو قول أبي عمرو. وكذلك لو قلت: لا غلامين لك, وجعلت "لك" خبرًا. فإذا قلت: لا أبالك, فههنا إضمار مكان ولكنه يترك استخفافًا واستغناء. وتقول: لا غلامين ولا جاريتين لك, وغلامين وجاريتين لك, كأنك قلت: لا غلامين ولا جاريتين في مكان كذا وكذا. فجاء "بلك" بعدما بني على الكلام الأول في مكان كذا وكذا, كما قال: لا يدين بها لك1 / 469 حين صيره كأنه جاء "بلك" بعدما قال: لا يدين بها في الدنيا لك, وقبيح أن تفصل بين الجار والمجرور فتقول: لا أخا هذين اليومين لك قال سيبويه: وهذا يجوز في ضرورة الشعر لأن الشاعر إذا اضطر, فصل بين المضاف والمضاف إليه. قال الشاعر2:

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 347-348 هذا الكلام بالتفصيل. 2 من شواهد الكتاب 1/ 92 و1/ 347، على المفصل بين المضاف والمضاف إليه للضرورة، والأصل: كأن أصوات أواخر الميسِ. ولإيغال الابتعاد، يقال: أوغل في الأرض: إذا أبعد فيها. أوغل في الأمر إذا دخل فيه بسرعة. والضمير للإبل في بيت قبله. والآواخر: جمع آخرة، بوزن: فاعلة، وهي آخر الرحل. وهي العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب ويقال فيه مؤخر الرحل. وقيل: يجوز فتح الخاء فيه أيضا. والميس بفتح الميم: شجر يتخذ منه الرحال والأقتاب، وإضافة أواخر إليه، كإضافة خاتم فضة. والفراريج: جمع فروجة: وهي صغار الدجاج، يريد أن رحالهم جدد وقد طال سيرهم، فبعض الرحل يحك بعضا فتصوت مثل أصوات الفراريج من شدة السير واضطراب الرحل، ومن إيغالهن: من هنا للتعليل. والشاعر هو ذو الرمة. وانظر: المقتضب 4/ 376، وشرح السيرافي 1/ 246، والموشح/ 185، والخصائص 2/ 304، والإنصاف/ 433. وابن يعيش 1/ 301، و2/ 108، وشرح الحماسة 3/ 1083، والخزانة 2/ 250، وشروح سقط الزند 4/ 1573، والديوان/ 76.

كأنَّ أصواتَ مِنْ إيغالهنَّ بِنَا ... أواخرِ الميسِ أصواتُ الفراريج ومن قال: كم بها رجل فأضاف فلم يبال الفتح قال: لا يدري بها لك ولا أخا يوم الجمعة لك, ولا أخا فاعلم لك, والجر في: "كم" بها وترك النون في: لا يدي بها لك, قول يونس. واحتج بأن الكلام لا يستغني ورد ذلك عليه سيبويه بأن قال: الذي يستغني به الكلام والذي لا يستغني قبحهما واحد إذا فصلت بين الجار والمجرور, وتقول: لا غلامَ وجاريةً فيها لأن "لا" إنما تجعل وما تعمل فيه اسمًا إذا كانت إلى جنب الاسم, لكنك يجوز أن تفصل بين/ 470 خمسة وعشر في قولك: خمسة عشر, كذلك لا يجوز أن تفصل بين "لا" وبين ما بني معها, وتقول: لا رجلٌ ولا امرأةٌ يا فتى. إذا كانت "لا" بمنزلتها في "ليس" مؤكدة للنفي حين تقول: ليس لك رجل ولا امرأة, قال رجل من بني سليم وهو أنس بن العباس: لا نَسَبَ اليومَ ولا خُلَّةً ... اتَّسَعَ الفَتْقُ على الراَّتِقِ1

_ 1 من سيبويه 1/ 349 على نصب المعطوف وتنوينه على إلغاء "لا" الثانية وزيادتها لتأكيد النفي والتقدير: لا نسب وخلة اليوم: ويروى: لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع وانظر: الجمهرة لابن دريد 2/ 373، ونسبه لنصر بن سيار وشرح الحماسة 2/ 967، وأمالي القالي 3/ 73، وارتشاف الضرب/ 186، وابن يعيش 2/ 101، والمؤتلف والمختلف/ 127، ومجمع الأمثال للميداني 1/ 160.

وتقول: لا رجل ولا امرأة فيها، فتعيد "لا" الأولى كما تقول: ليس عبد الله وليس أخوه فيها، فيكون حال الآخرة كحال الأولى، وتقول: لا رجل اليوم ظريفا، ولا رجل فيها عاقلا، إذا جعلت "فيها" خبرًا ولا رجلَ فيك راغبًا, من قبل أنه لا يجوز لك أن تجعل الاسم والصفة بمنزلة اسم واحد. وقد فصلت بينهما. وتقول: لا ماء سماء باردًا, ولا مثله عاقلًا. من قبل أن المضاف لا يجعل مع غيره بمنزلة خمسة عشر, فإذا قلت: لا/ 471 ماء ولا لبن ثم وصفت اللبن فأنت بالخيار في التنوين وتركه فإن جعلت الصفةَ للماء لم يكن إلا منونًا؛ لأنُه لا يفصل بين الشيئينِ اللذينِ يجعلان بمنزلة اسم واحد. وحكى سيبويه عن العرب: لا كزيد أحدًا تنون؛ لأنك فصلت بين "لا" و"أحد" وحكى سيبويه عن العرب: لا كزيد أحد, ولا مثله أحد, فحمله على الموضع والموضع رفع, وإن شئت حملته على "لا" فنونته ونصبته وإن شئت قلت: لا مثلَهُ رجلًا على التمييز كما تقول: لي مثله غلامًا, قال ذو الرمة: هِيَ الدَّارُ إذْ مَيَّ لأهْلِكِ جِيرَةٌ ... لَيالِيَ لا أَمْثَالُهُنَّ لَيَاليَا1 قال سيبويه: وأما قول جرير: لا كالعَشِيَّةِ زائرًا ومَزُورا2

_ 1 مر تفسير ص/ 473. 2 من شواهد الكتاب 1/ 353، على نصب "زائرا" لأن العيشة ليست بالزائر وإنما أراد: لا أرى كالعشية زائرا، وقال: الأعلم: ولا يحسن في هذا رفع الزائر لأنه غير العشية بمنزلة: لا كزيد رجل، لأن زيدا من الرجال. ويجوز الرضي: أن يكون زائرا تابعا بتقدير مضاف. فالأصل: كزائر العشية. والعشي: قيل ما بين الزوال إلى الغروب وقيل: هو آخر الليل. وقيل: بعد صلاة المغرب إلى العتمة، وأراد الشاعر بالزائر: نفسه، وبالمزور: من يهواه. وصدر البيت: يا صاحبي دنا المسير فسيرا ... لا كالعشية.... وانظر: المقتضب 2/ 152، ومجالس ثعلب/ 321، وشرح السيرافي 3/ 91، وابن يعيش 2/ 114. وشرح الرضي على الكافية 1/ 343، والديوان 290.

فلا يكون إلا نصبًا من قبل أن العشية ليست بالزائر وإنما أراد: لا أرى كالعشية زائرًا كما تقول: ما رأيت كاليوم رجلًا, فكاليوم كقولك: في اليوم. لأن الكاف ليست باسم/ 472 وفيه معنى التعجب كما قال: تالله رجلًا وسبحان الله رجلًا, إنما أراد: تالله ما رأيت رجلًا, ولكنه يترك إظهار الفعل استغناء. وتقول: لا كالعشية عشية ولا كزيد رجل. لأن الآخر هو الأول؛ ولأن زيدًا رجل وصار: لا كزيد كأنك قلت: لا أحد كزيد ثم قلت: رجل كما تقول: لا مال له قليل ولا كثير على الموضع, قال امرؤ القيس: ويلمها في هَوَاء الجَوِّ طَالِبة ... ولا كهذا الذي في الأْرضِ مَطْلُوبُ1 لأنه قال: ولا شيء لهذا ورفع على الموضع. وإن شئت نصبت على التفسير كأنه قال: لا أحد كزيد رجلًا. قال سيبويه: ونظير: لا كزيد في حذفهم الاسم قولهم: لا عليك, وإنما يريدون: لا بأس عليك ولا شيء عليك, ولكنه حذف لكثرة استعمالهم إياه2. ومن قال: لا غلامٌ ولا جارية3 قال: أغلام وألا جارية

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 353 و2/ 172. رفع مطلوب حملا على موضع الكاف، لأنها في تأويل مثل وموضعها موضع رفع وهو بمنزلة: لا كزيد رجل، ولو نصب حملا على اللفظ أو على التمييز لجاز. وصف عقابا تتبع ذئبا لتصيده فتعجب منها في شدة طلبها ومنه في سرعته، وشدة هروبه، وأراد: ويل أمها فحذف الهمزة لثقلها ثم اتبع اللام حركة الميم. وانظر: شرح السيرافي 3/ 91، وابن يعيش 2/ 114، والعمدة لابن رشيق/ 1، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 16، والخزانة 2/ 113، والديوان/ 227. 2 انظر: الكتاب 1/ 354. 3 جملة زائدة في الأصل حذفتها وهي "قال: لا غلام ولا جارية".

إنما دخلت في النفي لا في المعطوف عليه. ألا تراك تقول في النداء: يا بؤس للحرب1, ولا تقول: يا بؤس زيد وبؤس الحرب, فالنفي كالنداء وكذلك إذا قلت: لا غلامي لك ولا مسلمي لك, إن كانت لا الثانية نافية غير عاطفة جاز إسقاط النون وإن كانت عاطفة لم يجز إلا إثبات النون فتقول: لا غلامين لك ولا مسلمين لك. وناس يجيزون أن تقول: لا رجلٌ ولا امرأةَ, وهو عندي جائز على قبح؛ لأنك إذا رفعت فحقه التكرير, وتقول: لا رجل كان قائمًا ولا رجل ظننته قائمًا, إن جعلت كان وظننت: صلة لرجل, أضمرت الخبر, وإن جعلتهما خبرين لم تحتج إلى مضمر. وقوم يجيزون: لا زيدَ لك, ولا يجيزون لا غلامَ الرجل لك إلا بالرفع, ويجيزون: لا أبا محمد لك, ولا أبا/ 474 زيد لك. يجعلونه بمنزلة اسم واحد ولا يجيزون: لا صاحب درهم لك؛ لأن الكنية بمنزلة الاسم. ويقولون: عبد الله يجري مجرى النكرة إذ كانت الألف واللام لا يسقطان منه. وقال الفراء: جعل الكسائي: عبد العزيز وعبد الرحمن بمنزلة عبد الله وإسقاط الألف واللام يجوز نحو قولك: عبدَ عزيز لك. وقالوا: الغائب من المكنى يكون مذهب نكرة نحو قولك: لا هو ولا هي؛ لأنه يوهمك عددًا, وإن شئت قضيت عليه بالرفع والنصب فإن جعلته معرفة جئت معه بما يرفعه وحكوا: إن كان أحدٌ في هذا الفخ ولا هو يا هذا وكذلك: هذا وهذان عندهم, ويقولون: لا هذين لك ولا هاتين لك وكذلك ذاك لأنه غائب. وجميع هذه الأشياء التي تخالف الأصول التي قدمتها لك لا تجوز في القياس ولا هي مسموعة من الفصحاء. وتقول: لا رجل أخوك ولا رجل عمك لا يجوز في أخيك وعمك إلا الرفع. وقد حُكي: أنّ كلام العرب أنْ يُدخِلوا: هو مع المفرد/ 475 فيقولون: لا رجل هو أخوك ولا رجل هو عمرو, ويقولون: لا بنات لك كما تقول: لا مسلمي لك. وتقول: ألا رجلًا زيدًا أو عمرً, اتريد: ألا أحدَ

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 345-346.

رجلًا يكون زيدًا أو عمرًا ويجوز أن يكون بدلًا من رجل فإذا جاءت أو مع "ألا" فهو طلب. وتقول: لا رجل في الدار لا زيدٌ ويدخل عليها ألف الاستفهام فتقول: ألا رجل في الدار ألا زيد. وتقول: ألا رجل ألا امرأةٌ يا هذا. وتقول: ألا ماء ولو باردًا, وهو عند سيبويه: قبيح. لأنه وضع النعت موضع المنعوت1 فلو قلت: ألا ماء ولو باردًا لكان جيدًا. وذلك يجوز إلا أنك تضمر بعد "لو" فعلًا ينصب ماء. وكأنك قلت: ولو كان ماءً باردًا. فإذا جئت بلو كان ما بعدها أحسن, قال أحمد بن يحيى ثعلب: كان يقال: متى كان ما بعد "لو" نعتًا للأول نصب ورفع ومتى كان غير نعت رفع/ 476 هذا قول المشايخ. وقال الفراء: سمعت في غير النعت الرفع والنصب. وإذا قال: ألا مستعدي الخليفة أو غيره, وألا معدي الخليفة أو غيره, فالرفع كأنك بينت فقلت: ذاك الخليفة أو غيره أو هو الخليفة أو الخليفة هو أو غيره. والنصب على إضمار "يكون" كأنك قلت: يكون الخليفة. أي: يكون المعدي الخليفة أو غيره. وقوم يجيزون: ألا قائل قولًا, ألا ضارب ضربًا, وهذا عندي لا يجوز إلا بتنوينٍ لأنه قد أعملَ في المصدر فطالَ, وقد مضى تفسير هذا. ويجوز أن تقول: لا قائل قول, ولا ضارب ضرب, فتضيف إلى المصدر. وتقول: لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة؛ لأنك قلت: لا خير في خير بعده النار ولا شر في شَرٍّ بعده الجنة, ويجوز أن تكون هذه الباء دخلت لتأكيد النفي كما تدخل في خبر "ما" وليس, فتكون زائدة كأنك/ 477 قلت: لا خير خير بعده النار ولا شر شرٍّ بعده الجنة فإن جعلت الهاء راجعة إلى خبر الأول الذي مع "لا" قلت: لا خير بعدهُ النار خير. فصار قولكَ: بعد النار جملة نعت بها: لا خير والنار مبتدأ وبعده:

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 116.

خبره والجملة صفة لخير, كما تقول: لا رجلَ أبوه منطلق في الدارِ فرجل: منفي وأبوه: منطلق مبتدأ وخبر. والجملة بأسرها صفة لرجل قال أبو بكر: وقد ذكرنا الأسماء المرفوعات والمنصوبات وما ضارعها بجميع أقسامها وبقي الأسماء المجرورة ونحن نذكرها إن شاء الله.

ذكر الجر والأسماء المجرورة

ذكر الجر والأسماء المجرورة ذكر حروف الجر ... ذكر الجر والأسماء المجرورة: الأسماء المجرورة تنقسم قسمين: اسم مجرور بحرف جر, أو مجرور بإضافة اسم مثله إليه, وقولي: جر وخفض بمعنى واحد. ذكر حروف الجر: حروف الجر تصل ما قبلها بما بعدها فتوصل الاسم بالاسمِ والفعلَ بالاسم ولا يدخل حرف/ 478 الجر إلا على الأسماء كما بينا فيما تقدم, فأما إيصالها الاسم بالاسم فقولك: الدار لعمرو, وأما وصلها الفعل بالاسم فقولك: مررت بزيد فالباء هي التي أوصلت المرور بزيد. وحروف الجر, تنقسم قسمين: فأحد القسمين: ما استعملته العرب حرفًا فقط ولم يشترك في لفظهِ الاسم ولا الفعل مع الحرف ولم تجره في موضع من المواضع مجرى الأسماء ولا الأفعال. والقسم الآخر: ما استعملته العرب حرفًا وغير حرف. فالقسم الأول: وهو الحرف التي استعملته حرفًا فقط على ضربين: فالضرب الأول منها: أُلزم عمل الجر, والضرب الثاني: غير ملازم لعمل الجر. فأما الحروف الملازمة لعملِ الجرِّ: فمن وإلى وفي والباء واللام. ولِرُبَّ: باب يفردُ به لخروجها عن منهاجِ أخواتِها وأنا مُبيّن معنى حرفٍ حرفٍ منها.

أما "من": فمعناها/ 479: ابتداء الغاية. تقول: سرت من موضع كذا إلى موضع كذا. وفي الكتاب: من فلان إلى1 فلان. إنما يريد: ابتداؤه فلان. وسيبويه يذهب إلى أنها تكون لابتداء الغاية في الأماكن2 وتكون للتبعيض نحو قولك: هذا من الثوب. وهذا منهم تقول: أخذت ماله, ثم تقول: أخذت من ماله فقد دلت على البعض3. قال أبو العباس: وليس هو كما قال عندي؛ لأن قوله: أخذت من ماله, إنما ابتداء غاية ما أخذ, فدل على التبعيض من حيث صار ما بقي انتهاء له والأصل واحد. وكذلك: أخذت منه درهمًا وسمعت منه حديثًا, أي: أول الحديث, وأول مخرج هذه الدراهم وقولك: زيد أفضل من عمرو4 وإنما ابتدأت في إعطائه الفضل من حيث عرفت فضل عمرو فابتداء تقديمه هذا الموضع فلم يخرج من ابتداء الغايةِ. وقال في وقتٍ آخرَ: مِنْ تكون/ 480 على ثلاثة أضرب لابتداء الغاية كقولكَ: خرجت مِنَ الكوفة إلى البصرة وللتبعيض كقولك: أخذت من ماله. والأصل يرجع إلى ابتداء الغاية لإنك إذا قلت: أخذت من المال فأخذك إنما وقع ابتداؤه من المال5. ويكون لإِضافة الأنواع إلى الأسماء6 كقول الله تعالى: {إنَّمَا

_ 1 في كتاب سيبويه 2/ 307، وتقول إذا كتبت كتابا من فلان إلى فلان.. 2 انظر: الكتاب 2/ 307 ويرى الكوفيون: أن "من" تكون للابتداء في الزمان أيضا. انظر: الإنصاف/ 328. 3 انظر: الكتاب 2/ 307. 4 انظر: المقتضب 1/ 44 و4/ 136. وقال سيبويه 2/ 307. وكذلك هو أفضل من زيد إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم، وجعل زيدا الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه. وقد غلط المبرد سيبويه في هذا الموضع وذلك موجود في الانتصار/ 313-316. 5 انظر: المقتضب 4/ 136 و1/ 44. 6 نص المبرد هنا غير موجود في المقتضب ولا في الكامل.

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} 1. وكقول الله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً} 2, أي: من هؤلاء الذين آمنوا واجتنبوا الرجس من الأوثان. فقولك: رجس جامع للأوثان وغيرها. فإذا قلت: من الأوثان فإنما معناه الذي ابتداؤه من هذا الصنف, قال: وكذلك قول سيبويه: هذا باب علم ما الكلم من العربية3؛ لأن الكلم يكون عربيا وعجميا, فأضاف النوع وهو الكلم إلى اسمه الذي يبين به ما هو وهو العربية وتكون زائدة/ 481 قد دخلت على ما هو مستغن من الكلام إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة نحو قولهم: ما جاءني من أحد, وما كلمت من أحد, وكقوله عز وجل: {أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} 4 إنما هو: خير, ولكنها توكيد وكذلك: ما ضربت من رجل, إنما هو: ما ضربت رجلًا فهذا موضع زيادتها إلا أنه موضع دلت فيه على أنه للنكرات دون المعارف ألا ترى أنك تقول: ما جاءني من أحد, وما جاءني من رجل ولا تقول: ما جاءني من عبد الله. لأن رجلًا في موضع الجمع, ولا يقع المعروف هذا الموضع لأنه شيء قد عرف بعينِه ألا ترى أنك تقول: عشرون درهمًا ولا تقول: عشرون الدرهم وقال سيبويه: إذا قلت: ما أتاني من رجل أكدت بمن لأنه موضع تبعيض فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس, وكذلك: ويحه من رجل إنما أراد أن يجعل التعجب من بعض الرجال 5 / 482 وكذلك: لي ملؤه من عسل وقال كذلك: أفضل من زيد. إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم, وجعل زيدًا الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه في قولك: شر من زيد, وكذلك إذا قال: أخزى الله

_ 1 المائدة: 90. 2 المائدة: 9. 3 انظر: الكتاب 1/ 2. 4 البقرة: 105 في البحر المحيط 1/ 340 من زائدة. والتقدير: خير من ربكم ... 5 انظر: الكتاب 2/ 307.

الكاذبين مني ومنك, إلا أن هذا وأفضل لا يستغني عن "من" فيهما, لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها, وقال: وتقول: رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء1. وأما "إلى" فهي للمنتهى2 تقول: سرت إلى موضع كذا, فهي منتهى سيرك, وإذا كتبت من فلان إلى فلان فهو النهاية, فمن الابتداء وإلى الانتهاء, وجائز أن تقول: سرت إلى الكوفة وقد دخلت الكوفة, وجائز أن تكون بلغتها ولم تدخلها؛ لأن "إلى" نهاية فهي تقع على أول الحد, وجائز أن تتوغل في المكان ولكن تمتنع من مجاوزته لأن النهاية غاية/ 483 قال أبو بكر: وهذا كلام يخلط معنى "من" بمعنى "إلى" فإنما "إلى" للغاية و"من" لابتداء الغاية, وحقيقة هذه المسألة: أنك إذا قلت: رأيت الهلال من موضعي "فمن" لك وإذا قلت: رأيت الهلال من خلال السحاب "فمن" للهلال, والهلال غاية لرؤيتك, فكذلك جعل سيبويه "من" غاية في قولك: رأيته من ذلك الموضع وهي عنده ابتداء غاية إذا كانت "إلى" معها مذكورة أو منوية فإذا استغنى الكلام عن "إلى" ولم يكن يقتضيها جعلها غاية ويدل على ذلك قوله: ما رأيته مذ يومين فجعلتها غاية كما قلت: أخذته من ذلك المكان فجعلته غاية ولم ترد منتهى أي: لم ترد ابتداء له منتهى3. أي: استغنى الكلام دون ذكر المنتهى وهذا المعنى أراد, والله أعلم وهذه المسألة ونحوها إنما/ 484 تكون في الأفعال المتعدية نحو: رأيت وسمعت وشممت وأخذت. تقول: سمعت من بلادي الرعد من السماء, ورأيت من موضعي

_ 1 انظر: الكتاب 307-308. 2 قال سيبويه 2/ 310: وأما إلى فمنتهى لابتداء الغاية، تقول: من كذا إلى كذا. ويقول الرجل إنما أنا إليك، إنما أنت غايتي. وقال المبرد: في المقتضب 4/ 139، أما "إلى" فإنما هي للمنتهى، ألا ترى أنك تقول: ذهبت إلى زيد وسرت إلى عبد الله، ووكلتك إلى الله. 3 انظر: الكتاب 2/ 308 و2/ 310.

البرق من السحاب, وشممت من داري الريحان من الطريق "فمن" الأولى للفاعل و"من" الثانية للمفعول, وعلى هذا جميع هذا الباب, لا يجوز عندي غيره, إنما جاز هذا لأن للمفعول حصة مِن الفعل كما للفاعل. وبعض العرب يحذف الأسماء مع "من" وقد ذكرنا بعض ذلك فيما قد مضى, قال الله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} 1: والتأويل عند أصحابنا2: وما منا أحد إلا له. والكوفيون يقولون إن "مَنْ" تضمر مع "من" وفي التأويل عندهم: إلا مَنْ له مقام/ 485 وما كان بعده شيء لم يسم غاية, قال سيبويه: "إلى" منتهى لابتداء الغاية يقول: مِنْ كذا إلى كذا. ويقول: الرجل: إنما أنا إليك أي: أنت غايتي وتقول: قمت إليه فتجعله منتهاك من مكانك3. "في": وفي معناها الوعاء. فإذا قلت: فلان في البيت, فإنما تريد: أن البيت قد حواه وكذلك: المال في الكيس فإن قلت: في فلان عيب, فمجاز واتساع؛ لأنكَ جعلتَ الرجل مكانًا للعيب يحتويه وإنما هذا تمثيل بذاك, وكذلك تقول: أتيتُ فلانًا وهو في عنفوان شبابه أي: وهو في أمرهِ ونهيهِ فهذا تشبيه وتمثيل, أي: أحاطت بهِ هذه الأمور قال4: وإن اتسعت في الكلام فإنما تكون كالمثل يجاءُ به يقارب الشيء وليس مثله5. "الباء": معناه الإِلصاق6 فجائز أن يكون معه استعانة, وجائز لا

_ 1 الصافات/ 64، وانظر: الكشاف 1/ 312، والبحر المحيط 3/ 392، قال الزجاج: وحذف أحد لأنه مطلوب في كل نفي يدخله الاستثناء نحو: ما قام إلا زيد، ومعناه: ما قام أحد إلا زيد. وانظر المغني 1/ 166. 2 أي: البصريون. 3 انظر: الكتاب 2/ 310. 4 أي: سيبويه. انظر: الكتاب 2/ 308. 5 انظر: الكتاب 2/ 308, وانظر: المقتضب 4/ 139. 6 قال المبرد في المقتضب 4/ 142، وأما الباء فمعناه الإلصاق بالشيء. وذلك قولك: مررت بزيد، والباء ألصقت مرورك بزيد، وكذلك لصقت به. وانظر: المقتضب 1/ 39.

يكون, فأما الذي معه استعانة فقولك: كتبت بالقلم/ 486 وعمل الصانع بالقيدوم1. والذي لا استعانة معهُ فقولك: مررتُ بزيدٍ, ونزلت بعبد الله. وتزاد في خبر المنفي توكيدًا نحو قولك: ليس زيد بقائم, وجاءت زائدة في قولك: حسبك بزيد, وكفى بالله شهيدًا, وإنما هو كفى الله. قال سيبويه: باء الجر إنما هي للإِلزاق والاختلاط وذلك قولك: خرجت بزيدٍ ودخلت به وضربته بالسوط, ألزقت ضربك إياه بالسوط, فما اتسع من هذا الكلام فهذا أصله2. "اللام": اللام: لام الإِضافة قال سيبويه: معناها الملك والاستحقاق, ألا ترى أنك تقول: الغلام لك, والعبدُ لكَ, فيكون في معنى: هو عبدٌ لكَ وهو أخ لكَ فيصير نحو: هو أخوك فيكون هو مستحقا لهذا, كما يكون مستحقا لما يملك, فمعنى هذا اللام معنى إضافة الاسم3. وقال أبو العباس: لام الإِضافة تجعل الأول لاصقًا بالثاني4 / 487 ويكون المعنى: ما يوجد في الأول تقول: هذا غلام لزيد وهذه دار لعبدِ الله, فأما تسميتهم إياها لام الملك فليس بشيء إذا قلت: هذا غلام لعبد الله, فإنما دللت على الملك من الثاني للأول, فإذا قلت: هذا سيد لعبدِ الله دللت بقولك على أن الثاني للأول. وإذا قلت: هذا أخ لعبدِ الله, فإنما هي مقاربة وليس أحدهما في ملك الآخر. ولام الاستغاثة: هي هذه اللام إلا أن هذه تكسر مع الاسم الظاهر وتلك تفتح وقد مضى ذكر ذلك في حد النداء. فلام الإضافة حقها الكسر إلا أن تدخلها على مكنى5 نحو قولك: له مال, ولك, ولهم, ولها فهي في جميع ذلك مفتوحة وهي في الاستغاثة كما عرفتك مفتوحة.

_ 1 القيدوم: قيدوم الرجل قادمته. 2 انظر: الكتاب 2/ 304. 3 انظر: الكتاب 2/ 304. 4 انظر: المقتضب 4/ 143 و1/ 39 وص/ 354 و2/ 37. 5 أي: ضمير، وهو من اصطلاحات الكوفيين.

قال سيبويه: إنما أردت أن تجعل ما يعمل في المنادى مضافًا إلى بكر1 / 488 باللام, يعني بذلك الفعل المضمر الذي أغنت عن إظهاره "يا" وقد مضى تفسير هذا. فهذه الحروف التي للجر كلها تضيف ما قبلها إلى ما بعدها. فإذا قلت: سرتَ مِن موضع كَذا, فقد أضفتَ السير إلى ما بعدها, فإذا قلت: مررت بزيد, فقد أضفت المرورَ إلى زيد بالباء. وكذلك إذا قلت: هذا لعبدِ الله, فإذا قلت: أنتَ في الدار, فقد أضفتَ كينونتك في الدار إلى الدار "بفي" فإذا قلت: فيك خصلة سوء فقد أضفت إليه الرداءة "بفي" فهذه الحروف التي ذكرت لك تدخل على المعرفة والنكرة والظاهر والمضمر فلا تجاوز الجرَّ. واعلم: أن العرب تتسع2 فيها فتقيم بعضها مقام بعض إذا تقاربت المعاني فمن ذلك: الباء تقول: فلان بمكة وفي مكة3, وإنما جازا معًا لأنك إذا قلت: فلان/ 489 بموضع كذا وكذا. فقد خبرت عن اتصاله والتصاقه بذلك الموضع, وإذا قلت: في موضع كذا فقد خبرت "بفي" عن احتوائه إياه وإحاطته به, فإذا تقارب الحرفان فإن هذا التقارب يصلح لمعاقبة, وإذا تباين معناهما لم يجز, ألا ترى أن رجلًا لو قال: مررت في زيد أو: كتبت إلى القلم, لم يكن هذا يلتبس به, فهذا حقيقة تعاقب

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 209. 2 البصريون يرون أن حروف الجر لا ينوب بعضها عن بعض قياسا على حروف الجزم، وأحرف النصب، فإنها هي الأخرى لا يجوز فيها ذلك. وما أوهم ذلك عندهم: إما مؤول تأويلا يقبله اللفظ كما قيل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ، أن "في" ليست بمعنى: "على" ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء، وإما على تضمن الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، وإما على إنابة كلمة عن أخرى، لذا نرى سيبويه يكرر في باب حروف الجر عبارة: فهذا أصله وإن اتسعت، وانظر: الكتاب 1/ 310. 3 وتجيء الباء بمعنى "في" كقوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} ، وقوله: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} أي: في يدك.

حروف الخفض, فمتى لم يتقارب المعنى لم يجز وقد حكي: كنت بالمال حربًا وفي المالِ حَربًا, وهو يستعلي الناسَ بكفهِ وفي كفهِ. وقال في قولِ طرفة: وإنْ يَلْتقِ الحَيُّ الجَمِيعُ تلاقني ... إلى ذِرْوَةِ البَيت الكَرِيمِ المُصَمد1 إنَّ "إلى" بمعنى "في" ولا يجوز أن يدخل حرف من هذه التي ذكرت على حرف منها فلا يجوز أن تدخل الباء على "إلى" ولا اللام على "مِنْ" ولا "في" على "إلى" ولا شيئًا/ 490 منها على آخر.

_ 1 الشاهد فيه: استعمال "إلى" بمعنى في والصمد: القصد، والفعل صمد يصمد، والتصميد مبالغة الصمد. يقول: إن اجتمع الحي للافتخار تلاقني أنتمي وأعتزي إلى ذروة البيت الشريف، أي: إلى أعلى الشرف، يريد أنه أوفاهم حظا من الحسب وأعلاهم سهما من النسب، وقوله: تلاقني، يريد: أعتزي "إلى" فحذف الفعل لدلالة الحرف عليه. ويروى: إلى ذروة البيت الرفيع: وانظر أمالي ابن الشجري 2/ 268، والاقتضاب للبطليوسي/ 243، والخزانة 3/ 594، وشرح الأنباري/ 192، والمعلقات السبع للزوزني/ 67، والديوان/ 25.

باب رب

باب رُبَّ: رُبَّ: حرف جر, وكان حقه أن يكون بعد الفعل موصلًا له إلى المجرور كأخواته إذا قلت: مررت برجل وذهبت إلى غلام لك, ولكنه لما كان معناه التقليل1 وكان لا يعمل إلا في نكرة فصار مقابلًا "لكم" إذا كانت خبرًا فجعل له صدر الكلام كما جعل "لكم" وآخر الفعل والفاعل, فموضع رُبَّ وما عملت فيه نصبٌ, كما أن موضع الباء ومن وما عملنا فيه نصب إذا قلت: مررت بزيد وأخذت من ماله. ويدل على ذلك أن "كم" يُبنى عليها, ورُبَّ: لا يجوز ذلك فيها, وذلك قولهم: كم رجل أفضل منك, فجعلوه خبرًا "لكم" كذلك رواه سيبويه عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء: أن العربَ تقوله2, ولا يجوز أن تقول: رُبَّ رجل أفضل منك, ولا يجوز أن تجعله/ 491 خبرًا لِرُب كما جعلته خبرًا "لكم" ومما يتبين أن رُبَّ حرف وليست باسم "ككم". أن "كم" يدخل عليها حرف الجر ولا يدخل على رُبَّ تقول: بكم رجل مررت, وإنك تولي "كم" الأفعال ولا توليها رُبَّ. قال أبو العباس: رُبَّ تنبئ عما وقعت عليه أنه قد كان وليس بكثير,

_ 1 لم ينص سيبويه صراحة على أن "رب" تفيد التكثير أو التقليل وإنما ذكر أن "كم" في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه "رب" لأن المعنى واحد، وهذا يحتمل تفسيرات كثيرة, ربما يكون أحد هذه التفسيرات أنها تفيد التكثير. 2 انظر: الكتاب 1/ 293.

فلذلك لا تقع إلا على نكرة ولأن ما بعدها يخرج مخرج التمييز تقول: رب رجل قد جاءني فأكرمته ورب دار قد ابتنيتها وأنفقت عليها, وقال في موضع آخر: رب معناها الشيء يقع قليلًا ولا يكون ذلك الشيء إلا منكورًا؛ لأنه واحد يدل على أكثر منه ولا تكون رب إلا في أول الكلام لدخول هذا المعنى فيها1. وقال أبو بكر: والنحويون كالمجتمعين على أن رُبَّ جواب إنما تقول: / 492 رُبَّ رجل عالمٍ, لمن قال: رأيت رجلًا عالمًا, أو قدرت ذلك فيه فتقول: رُبَّ رجل عالم, تريد: رُبَّ رجل عالم قد رأيتُ, فضارعت أيضًا حرف النفي إذا كان حرف النفي يليه الواحد المنكور وهو يراد به الجماعة. فهذا أيضًا مما جعلت له صدرًا. واعلم: أن الفعل العامل فيها أكثر ما يستعمله العرب محذوفًا؛ لأنه جواب وقد علم فحذف, وربما جيء به توكيدًا وزيادة في البيان فتقول: رُبّ رجل عالم قد أتيت, فتجعل هذا هو الفعل الذي تعلقت به "رُبَّ" حتى يكون في تقديره: برجلٍ عالمٍ مررت, وكذلك إذا قال: رُبَّ رجل جاءني فأكرمته, وأكرمته, فههنا فعل أيضًا محذوف, فكأنه قال له قائل: ما جاءك رجل فأكرمته وأكرمته فقلت: رُبَّ رجل جاءني فأكرمته وأكرمته أي: قد كنت فعلت ذاك فيكون/ 493 جاءني وما بعده صفة رجلٍ, والصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد, والكلام بعدُ ما تم, فإن لم تضمر: قد فعلت وما أشبه ذلك وإلا لم يجز فإذا قال: ما أحسنت إليّ. قلت: رُبَّ إحسان قد تقدم إليك مني, فكأنك قلت: قد فعلت من إحسان إليك قد تقدم. فإن قال قائل: لِمَ لزم الصفة؟ قيل: لأنه أبلغ في باب التقليلِ لأن رجلًا قائمًا أقل من رجل وحده, فخصت بذلك, والله أعلم. وكذلك لو قلتَ: رُب رجل جاهل ضربت, إن جعلت: ضربتُ هو

_ 1 انظر: المقتضب 4/ 139-140.

العامل في رب. فإن جعلته صفة أضمرت فعلًا نحو ما ذكرنا. فصار معنى الكلام: رُبَّ رجل جاهل ضربت قد فعلت ذاك. واعلم: أنَّهُ لا بد للنكرة التي تعمل فيها "رُبَّ" من صفة, إما اسم وإما فعل, لا يجوز أن تقول: رُبَّ رجل وتسكت حتى تقول: رُبَّ رجل صالح أو تقول: رجل يفهم ذاك/ 494 ورب حرف قد خولف به أخواته واضطرب النحويون في الكلام فيه. وهذا الذي خبرتك به ما خلص لي بعد مباحثة أبي العباس -رحمه الله- وأصحابنا المنقبين الفهماء وسأخبرك ما قال سيبويه والكوفيون فيه, قال سيبويه: إذا قلت: رُب رجل يقول ذاك فقد أضفت القول إلى الرجل بِرُب1, وكذلك يقول مَنْ تابعه على هذا القول, إذا قال: رُب رجل ظريف, قد أضافت رُب الظريف إلى رجل, وهذا لا معنى له؛ لأن اتصال الصفة بالموصوف يغني عن الإِضافة. وأما الكوفيون ومن ذهب مذهبهم فيقولون: رب وضعت على التقليل2 نحو: ما أقل من يقول ذاك, وكم وضعت على التكثير نحو قولك: ما أكثر من يقول ذاك, وإنما خفضوا "لكم" لأن مِن تصحبها, تقول: كم من رجل ثم تسقط من وتعمل فكذلك/ 495: رُبَّ وإن لم تر "من" معها كما قال: ألا رجل ومن رجل, وهم يريدون: أمَا من رجل وحكي عن الكسائي أو غيره من القدماء: أن بعض العرب يقول: رُبَّ رجل ظريف فترفع ظريفًا, تجعله خبرًا "لرُب" ومن فعل هذا فقد جعلها اسمًا, وهذا إنما يجيء على الغَلط والتشبيه, وفي رب لغات: رُبَّ ورُبُّ يا هذا, ومن النحويينَ من يقولُ: لو سكنت جازَ: ورُبْتَ. واعلم: أن رُبَّ تستعملُ على ثلاثة وجوه3.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 209. 2 انظر: ارتشاف الضرب/ 842، والهمع 2/ 25. 3 في الأصل: "جهات".

فالوجه الأول: هو الذي قد ذكرت من دخولها على الاسم الظاهر النكرة1 وعملها فيه وفي صفته الجر. والوجه الثاني: دخولها على المضمر على شريطة التفسير, فإذا أدخلوها على المضمر نصبوا الاسم الذي يذكرونه للتفسير بعد المضمر, فيقولون: رُبَّه رجلًا, والمضمر ههنا كالمضمر في "نعم" إذا قلت: نعم رجلًا/ 496 زيد, إلا أن المضمر في "نعم" مرفوع لأنه ضمير الفاعل وهو مع رُبَّ مجرور, وإنما جاز في رُبّ وهي لا تدخل إلا على نكرة من أجل أن المعنى تؤول إلى نكرة, وليس هو ضمير مذكور, وحق الإِضمار أن يكون بعد مذكور ولكنهم ربما خصوا أشياء بأن يضمروا فيها على شريطة التفسير وليس ذلك بمطرد في كل الكلام, وإنما يخصون به بعضه فإذا فعلت ذلك نصبت ما بعد الهاء على التفسير فقلت: ربُه رجلًا وهذه الهاء على لفظ واحد وإن وليها المذكر أو المؤنث أو الإثنان أو الجماعة موحدة على كل حال2. الوجه الثالث: أن تصلها فتستأنف ما بعدها وتكفها عن العمل فتقول: ربما قام زيد وربما قعد, وربما زيد قام, وربما فعلت كذا3, ولما كانت رب إنما تأتي لما مضى فكذلك ربما لما وقع بعدها الفعل/ 497 كان حقه أن يكون ماضيًا, فإذا رأيت الفعل المضارع بعدها فثم إضمار كان, قالوا: في قوله: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 4, أنه لصدق

_ 1 هذا ما نص عليه سيبويه وابن السراج، ولكن بعضهم أجاز جرها لما فيه الألف واللام في الشعر كقول الشاعر: ربما الجامل المؤبل فيهم. بخفض "الجامل"، وصفته، وانظر: الكتاب 1/ 270، وشرح الرماني 2/ 144. 2 حكي عن الكوفيين: مطابقة الضمير لمميزه، فيقولون: ربها امرأة، وربهما امرأتين ورجلين، وربهم رجالا وربهن نساء. وانظر: تسهيل الفوائد/ 212. 3 إذا كفت "رب" بما عن العمل صارت كحرف الابتداء، يقع ما بعدها الجملة والفعل. 4 الحجر: 2.

الوعد كأنه قد كان كما قال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ} 1. ولم يكن, فكأنه قد كان لصدق الوعد. ولا يجوز: رُبَّ رجل سيقوم, وليقومن غدًا2, إلا أن تريد: رُبّ رجل يوصف بهذا تقول: رب رجل مسيء اليوم ومحسن غدًا أي: يوصف بهذا ويجوز: ربما رجل عندكَ فتجعل: "مَا" صلة ملغاة. واعلم: أنّ العربَ تستعملُ الواوَ مبتدأة بمعنى: "رُبَّ" فيقولون: وبلد قطعتُ يريدونُ ورُبَّ3 بلد وهذا كثير. وقال بعض النحويين: أن الواو التي تكونَ معَ المنكراتِ ليست بخلف من "رُبَّ" ولا كم وإنما تكون مع حروف الاستفهام فتقول: وكم قد رأيت {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} 4, يدل على التعجب ثم تسقط/ 498 كم وتترك الواو, ولا تدخل مع رُبَّ, ولو كانت خلفًا مِن "كم" لجازَ أن يدخلَ

_ 1 سبأ: 51. 2 قال أبو حيان في الارتشاف/ 851: أن العامل في رب يكون ماضيا في الأكثر، ويجوز أن يكون حالا ومستقبلا، وهذا قليل في كلامهم، وإنما يوقعونها على الماضي. ثم اعتذر عن قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِين ... } ثم قال: ومع هذا يحسن أن يقال في الكلام: رأيت الرجل يفعل ما يخاف منه، ربما يندم، وربما يتمنى أن لا تكون فعلت. قال أبو حيان: وهذا كلام عربي حسن. ومثله قال الفراء. انظر: الارتشاف/ 852. 3 أجاز سيبويه: حذف "رب" وإبقاء عملها، قال: وليس كل جار يضمر، لأن المجرور داخل في الجار فصار عندهم بمنزلة حرف واحد، فمن ثم قبح، ولكنهم قد يضمرونه ويحذفونه فيما كثر في كلامهم، لأنهم إلى تخفيف ما أكثروا استعماله أحوج. ثم ذكر قول العنبري: وجداء ما يرجى بها ذو قرابة ... لعطف وما يخشى السماة ربيبها قال: سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب، وانظر: الكتاب 2/ 294. إشارة إلى أن بعض العرب ينصب هذا النوع على الفعل الذي بعده، لكنه يرى أنه مجرور "برب" المحذوفة وهو القياس. 4 آل عمران: 101 وتكملة الآية: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} .

عليها النسق كما فعلَ بواوِ اليمينِ, وهي عندي: واو العطفِ وهذا أيضًا مما يدل على أن رب جواب وعطف على كلام.

مسائل من باب رب

مسائل من باب رب ... مسائل من هذا الباب: تقول: رُبَّ رجل قائم وضارب, وَرُبَّ رجل يقوم ويضرب. وتقول: رب رجل قائم نفسه وعمرو, ورب رجل قائم ظريفًا فتنصب على الحال من "قائم" وتقول: رب رجل ضربته وزيدًا ورب رجل مررت به, فتعيد الباء؛ لأن المضمر المجرور لا ينسق عليه بالاسم الظاهر, وتقول: رب رجل قائم هو وزيد, فتؤكد ما في "قائم" إذا عطفت عليه ويجوز أن تقولَ: رب رجل قامَ وزيدٌ, فتعطف على المضمر من غير تأكيد وتقول: رب رجل كان قائمًا, وظننته قائمًا, ففي "كان" ضمير رجل وهو اسمها وقائمًا/ 499 خبرها. وكذلك: الهاء في "ظننته" ضمير رجل وهو مفعولها الأول. وقائمًا مفعولها الثاني وإذا قلت: رب رجل قد رأيت ورب امرأة, فالاختيار أن تعيد الصفة فتقول: ورب امرأة قد رأيت؛ لأنك قد أعدت رُب, وقد جاء عن العرب إدخال "رُبَّ" على "مِنْ" إذا كانت نكرة غير موصولة إلا أنها إذا لم توصل لم يكن بُد من أن توصف؛ لأنها مبهمة حكي عنهم: مررت بمن صالح, ورب من يقوم ظريف, وقال الشاعر. يَا رُبَّ مَنْ تَغْتَشُّه لَكَ نَاصِحٍ ... ومُؤتَمَنٍ بالغَيْبِ غَيْرِ أَمِينِ1

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 271 على تنكير "من" ووصفها بناصح، وتغتشه في موضع الوصف، يقول: قد ينصح الإنسان ويتولاه من يظن به الغش. وقد يغشه ويغتابه من يأمنه ويثق به. وتغتشه تظن به الغش والخديعة. ومؤتمن: تراه أمينا ناصحا. وانظر: شرح الرماني 2/ 144، وروايته: ألا رب من تغتشه.. بدلا يا رب كرواية سيبويه واللسان غشش رواه: أيا رب من تغتشه.. والهمزة زائدة، إذ لا يستقيم معها الوزن، فالبيت من الكامل، وإذا زيدت الهمزة فلا يكون من هذا الوزن، ولم يعرف قائل هذا البيت.

وتدخل رُب على مثلكَ وشبهكَ إذ كانتا لم تتصرفا بالإِضافة وهما نكرتان في المعنى. وتقول: رب رجل تختصم وامرأة وزيد, ولا يجوز الخفض لأنه لا يتم إلا باثنين, فإن قلتَ: رب/ 500 رجلين مختصين وامرأتين جازَ لكَ الخفض والرفع, فتقول: وامرأتان وامرأتين, أما الخفض: فبالعطفِ على "رجلين" والرفع: بالعطف على ما في مختصمين, ولو قلت: رُبَّ رجلين مختصمين هما وامرأتان فأكدت, ثم عطفتَ لكان أجود حكي عن بعضهم: أنه يقول: إذا جاءَ فعل يعني بالفعلِ اسمَ الفاعل بعد النعتِ رفعَ نحو قولك: رب رجل ظريف قائم, والكلام الخفض, وزعم الفراء: أنهم توهموا "كم" إذ كانوا يقولون: كم رجلًا قائمٌ. وتقول: رب ضاربكَ قد رأيت, ورب شاتمك لقد لقيت؛ لأن التنوين في تَينكَ يريد ضارب لكَ وإن قلت: ضاربكَ أمس لم يجز لأنه معرفة. والأخفش يعترض بالأيمان فيقول: رُبَّ -وَالله- رجل قد رأيت, ورُبَّ/ 501 رجل قد رأيت, وهذا لا يجوزُ عندنا لأنّ حروف الجر لا يفصل بينَها وبينَ ما عملت فيهِ1 وسائر النحويين يخالفونَه. وحكى الكوفيون: ربه رجلًا قد رأيت وربهما رجلين وربهم رجالًا, وربه رجالًا, وربهن نساء وربَه نساء2 مَنْ وحَد. فلأنه كناية عن مجهول ومَن لم يوحد فلأنه رد كلام كأنه قال: له ما لك جوار؟ فقال: ربهن جوار قد ملكت. وكان الكسائي يجيز: رب مَنْ قائم على أنَّهَ استفهام ويخفض "قائمًا" والفراء يأباه؛ لأن كل موضع لم تقعه المعرفة لم يستفهم بمن فيه. والضرب الثاني: من حروف الجر وهو ما كان غير ملازم للجر. وذلك

_ 1 يرى سيبويه أن الفصل بين الجار والمجرور أمر قبيح، لأنهما بمنزلة كلمة واحدة، وانظر: الكتاب 1/ 295. 2 انظر: التسهيل لابن مالك/ 52.

حتى والواو. فواو القسم وهي بدل من الباء1 وأبدلت لأنها من الشفة مثلها. والتاء: تستعمل في القسم في الله عز وجل, وهي بدل من الواو, والتاء قد تبدل من الواوِ في مواضع/ 502 ستراها وقد خصوا القسمَ بأشياء, ونحن نفرد بابًا للأسماء المخفوضة في القسم وأما الواو التي تقع موقع رب فقد مضى ذكرها.

_ 1 قال سيبويه: والواو التي تكون للقسم بمنزلة الباء، وذلك قولك: والله أفعل. الكتاب 2/ 145.

باب حتى

باب حتى: حتى: منتهى لابتداء الغاية بمنزلة "إلى" إلا أنها تقع على ضربين: إحداهما: أن يكون ما بعدها جزءًا مما قبلها وينتهي الأمر به. والضرب الآخر أن ينتهي الأمر عنده ولكنها قد تكون عاطفة وتليها الأفعال. ويستأنف الكلام بعدها ولها تصرف ليس "لإِلى", و"لإِلى" أيضًا مواقع لا تقع "حتى" فيها. فأما الضرب الأول: وهو ما ينتهي به الأمر, فإنه لا يجوز: أن يكون الاسم بعد حتى إلا من جماعة كالاستثناء, لا يجوز: أن يكون بعد واحد ولا اثنين؛ لأنه جزء من جماعة وإنما يذكر لتحقير أو تعظيم أو قوة أو ضعف وذلك قولك: ضربتُ القومَ حتى زيدٍ فزيد من/ 503 القوم وانتهى الضرب به فهو مضروب مفعول, ولا يخلو أن يكون أحقر من ضربت أو أعظمهم شأنًا وإلا فلا معنى لذكره, وكذلك المعنى إذا كانت عاطفة كما تعطف الواو تقول: ضربتَ القومَ حتى عمرًا. فعمرو من القوم به انتهى الضرب. وقدمَ الحاج حتى المشاة والنساء. فهذا في التحقير والضعف وتقول: ماتَ الناسُ حتى الأنبياء والملوكُ, فهذا في التعظيم والقوة, ولك أن تقول: قامَ القومُ حتى زيد جر وإن كان في المعنى: جاء؛ لأنك انتهيت بالمجيء إليه بحتى, فتقدير المفعولِ وقد بينا فيما تقدم أن كل فعل معه فاعلُه تعدى بحرف جر إلى اسم فموضعه نصب قال أبو بكر: والأحسن عندي في هذا إذا أردت أن تخبرَ عن زيد بفعله أن تقول/ 504: القوم حتى زيد, فإذا رفعت فحكمه حكم الفاعل في أنه لا

بد منه, فإذا خفضت فهو كالمنصوب الذي يستغني الفاعل دونه وأما قول الشاعر: أَلْقَى الصَّحِيفةِ كَيْ يُخَفِّف رَحْلَهُ ... والزَّادَ حتَّى نَعلَه أَلْقَاهَا1 فلك فيه الخفض, والرفع والنصب, فالخفض: على ما خبرتكِ به والنصب فيه وجهان: فوجه أن يكون منصوبًا "بألقى" ومعطوفًا على ما عمل فيه "ألقى" ويكون ألقاها توكيدًا. والوجه الثاني: أنْ تنصبه بفعل مضمر يفسره "ألقاها" والرفع على أن يستأنفَ بعدها, والمعنى ألقى ما في رحله حتى نعله هذه حالها, وإذا قلت: العجب حتى زيد يشتمني فالمعنى: العجب لسبِّ الناس إياي حتى زيد يشتمني. قال الفرزدق: فيا عَجَبًا حَتَّى كُلَيْب تَسُّبني ... كأنَّ أباها نَهْشلٌ أو مُجَاشِعٌ2 فإذا قلت: مررتُ بالقوم حتى زيدٍ فإن أردتَ العطف/ 505 فينبغي أن تعيد الياء لتفرق بين ما انجر بالباء وبين ما انجر "بحتى". الضرب الثاني: المجرور بحتى: وهو ما انتهى الأمر عنده, وهذا

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 50 على مجيء "حتى" عاطفة بنصب "نعله" وعلى مجيئها ابتدائية برفع "نعله" وفيه وجود قرينة هي "ألقاها" تقتضي دخول ما بعد "حتى" في مضمون الحكم قبلها. والبيت: ينسب للمتلمس أو لأبي مروان النحوي، وفيه إشارة إلى قصة المتلمس وطرفة حين كتب لهما عمرو بن هند كتابين. وانظر: الموجز لابن السراج/ 57 والجمل للزجاجي/ 81، ومعجم الأدباء 19/ 146، وابن يعيش 8/ 19. 2 من شواهد الكتاب 1/ 413 على دخول "حتى" على الجملة الاسمية، لأنها إذا كانت حرف ابتداء تقع على الجمل الفعلية والاسمية معا، وتفيد معنى الغاية، إما في التحقير أو التعظيم. هجا الشاعر كليب بن يربوع: رهط جرير، وجعلهم من الضعة بحيث لا يسابون مثله لشرفه، ونهشل ومجاشع رهط الفرزدق وهما ابنا دارم. وانظر: المقتضب 2/ 41، والمغني 1/ 114، والخزانة 4/ 141، والسيوطي/ 4 والديوان/ 517.

الضرب لا يجوز فيه إلا الجر لأن معنى العطف قد زال وذلك قولك: إن فلانًا ليصوم الأيام حتى يوم الفطر, فانتهت "حتى" بصوم الأيام إلى يوم الفطر, ولا يجوز أن تنصب "يوم الفطر" لأنه لم يصمه فلا يعمل الفعل فيما لم يفعله, وكذلك إذا خالف الاسم الذي بعدها ما قبلها نحو قولك: قام القوم حتى الليل فالتأويل: قام القوم اليومَ حتى الليلِ. واعلم: أنك إذا قلت: سرتُ حتى أدخلها فحتى على حالها في عمل الجر وإن كان لم يظهرْ هنا "وإن وصلتها" اسم وقال سيبويه: إذا قلت: سرت حتى أدخلها فالناصب للفعل ههنا هو الجار للاسم إذا كان غاية1. فالفعل إذا كان غاية منصوب والاسم كان غاية جر/ 506 وهذا قول الخليل2. وقال سيبويه: إنها تجيء مثل كي التي فيها إضمار "أن" وفي معناها وذلك قولك: كلمتك حتى تأمر لي بشيء3: قال سيبويه: لحتى في الكلام نحو ليس لإِلى تقول: إنما أنا إليك أي: أنت غايتي ولا تكون حتى ههنا4. وهي أعم من "حتى" تقول: قمت إليه فجعلته منتهاك من مكانك, ولا تقول: حتاه وغير سيبويه يجيز: حتاه وحتاك في الخفض5, ولا يجيزون في النسق؛ لأن المضمر المتصل لا يلي حرف النسق, لا تقول: ضربت زيدًا وك يا هذا, ولا قتلت عمرًا وه, إنما يقولون في مثل هذا: إياك وإياه, والقول عندي ما قال سيبويه: لأنه غير معروف اتصال حتى بالكاف وهو في القياس غير ممتنع.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 413 وهذا على مذهب البصريين. أما الكوفيون فيرون: أن حتى تنصب بنفسها لقيامها مقام الناصب. 2 انظر: الكتاب 1/ 413. 3 انظر: الكتاب 1/ 413. 4 انظر: الكتاب 2/ 310. 5 كان المبرد يرى إضافة ما منع سيبويه إضافته إلى المضمر في هذا الباب، ولا يمنع منها إذا كان ما بعد حتى منصوبا، حتى إياه، وإذا كان مرفوعا حتى هو، وإذا كان مجرورا: حتاه وحتاك. انظر: المقتضب 2/ 7.

مسائل من باب حتى

مسائل من باب حتى ... مسائل من هذا الباب: تقول: ضربتُ القومَ حتى زيدًا وأوجعتُ, تنصب لأنك جئت بحرف نسق على الأول وكذلك/ 507: ضربت القوم حتى زيدًا, ثم أوجعت, وقال قوم: النصب في هذا لا غيرَ لأنكَ جئتَ بحرف نسق على الأولِ, تريد حتى ضربت زيدًا وأوجعت وثم أوجعت. قال أبو بكر: وهذا عندي على ما يقدر المتكلم أن قدر الإِيجاع لزيد, فالنصب هو الحسن, وإذا كان الإِيجاع للقوم جاز عندي النصب والخفض, وتقول: ضربتُ القومَ حتى زيدًا أيضًا وحتى زيدًا زيادة, وحتى زيدًا فيما أظن؛ لأن هذه دلت على المضمر: كأنك قلت: حتى: ضربت زيدًا فيما أظن. وحتى ضربت زيدًا أيضًا, فإن جعلت: "فيما أظن" من صلة الأول خفضت, كأنك قلت: ضربتُ القومَ فيما أظن حتى زيد وتقول: أتيتكَ الأيامَ حتى يومِ الخميس, ولا يجوز: حتى يوم؛ لأنه لا فائدة فيه, وكذلك لو قلت: صمتُ الأيامَ إلا يومًا, فإن وقت ما بعد إلا وما بعد "حتى" حسن وكانت فيه فائدة فقلت/ 508: صمتُ الأيامَ إلا يومَ الجمعة, وحتى يومِ الجمعةِ. وقال قوم: إن أردت مقدار يوم جاز فقلت على هذا: أتيتكَ الأيامَ حتى يومٍ. وقالوا: فإن قلت: أتيتك كل وقت حتى ليلًا. وحتى نهارًا, وكان الأول غير موقت والثاني غير موقت نصبت الثاني كما نصبت الأول وكان الخفض قبيحًا. وقال أبو بكر: وجميع هذا إنما يراعي به الفائدة واستقامة الكلام صلحا فيه فهو جائز. ونقول: ضربتُ القومَ حتى إن زيدًا لمضروب. فإذا أسقطت اللام, فإن كانت "إن" مع ما بعدها بتأويل المصدر فتحتها, قال سيبويه: قد عرفت أموركَ حتى إنك أحمقُ, كأنه قال: حتى حمقَك وقال: هذا قول الخليل1, فهذا لأن الحمق جاء بتأويلِ المصدر وقد مضى تفسير ذا.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 473 والنص: وتقول قد عرفت أمورك حتى إنك أحمق، كأنك قلت: عرفت أمورك حتى حمقك، وصفت "إن" في هذا الموضع. هذا قول الخليل.

وتقول: ضربتُ القوم حتى كان زيد مضروبًا وضربتُ القوم حتى لا مضروبَ صالحًا فيهم/ 509 جاز في هذا كما جاز الاستئناف والابتداء بعدها, فلما جاز الابتداء جاز ما كان بمنزلة الابتداء وتقول: لا آتيكَ إلى عشر مِنَ الشهرِ. وحتى عَشر من الشهر؛ لأنكَ تترك الإِتيانَ من أول العشرِ إلى آخر هذه فتقع هنا "حتى" وإلى ولا تقول: آتيكَ حتى عشر, إلا أن تريد: آتيكَ وأواظب على إتيانك إلى عشر. وتقول: كتبتُ إلى زيد, ولا يجوز حتى زيد لأنه ليس هنا ما يستثنى منه زيد على ما بينت لك فيما تقدم. وقوم يجيزون: ضربتُ القومَ حتى زيدًا فضربت, إن أردتَ كلامين, وقالوا: يجوز فيه الخفض والنصب, والاختيار عندهم الخفض قالوا: وإن اختلف الفعل أدخل في الثاني الفاء ولم تسقط وخفض الأول نحو قولك: ضربتُ القومَ حتى زيدٍ فتركت, ولا يكون ضربت القومَ حتى تركت زيدًا. وتقول: جَلسَ حتى إذا تهيأ أمرنا قام, وأقام حتى ساعة تهيأ أمرنا قطع علينا, وانتظر حتى يوم شخصنا مضى معنا/ 510 فيوم وساعة مجروران وإذا في موضع جر, وهذا قول الأخفش لأن قولك: جلسَ حتى ساعة تهيأ أمرنا ذهب إنما قولك: ذهبَ جواب لتهيأ وحتى واقع على الساعةِ وهي غاية له. وتقول: انتظر حتى إن قسم شيء أخذته منه, فقولكَ: أخذت منه راجع إلى قسَم, وهو جوابه وقعَ الشرط والجواب بعدها كما استؤنف ما بعدها وكما وقعَ الفعل والفاعلَ والابتداء والخبر. وتقول: اقم حتى متَى تأكلْ تأكلْ معنا. وأقم حتى أينا يخرج تخرج معه, فأي مبتدأه لأنها للمجازاة, وكذلك: أجلس حتى أي يخرج تخرج معه. وقال الأخفش: يقول لكَ الرجل: ائتني فتقول: إما حتى الليل فلا, وإما حتى الظهر فلا وإما إلى الليل فلا, ولا يحسن فيه إلا الجر, وقال تقول: كل القوم حتى أخيك/ 511 وهو الآن غاية, وذلك أنه لا بد لكلِ القومِ من جر, وتقول: كل القوم حتى أخيك فيها لأنك أردت: كل القوم فيها حتى أخيك. وتقول: كل القومِ حتى أخيكَ ضربت. وقالَ الأخفش في كتابه الأوسط: إن قومًا يقولون: جاءني القوم حتى أخوكَ, يعطفونَ الأخ على

"القوم" وكذلك: ضربت القومَ حتى أخاكَ قال: وليس بالمعروفِ. وتقول: ضربت القومَ حتى زيدٍ ضربته على الغاية ولو قلت: حتى زيدٍ مضروب, فجررت زيدًا, لم يكن كلامًا؛ لأن مضروبًا وحده لا يستغني؛ لأنه اسم واحد كما استغنى ضربته فعل وفاعل وهو كلام تام.

باب الأسماء المخفوضة في القسم

باب الأسماء المخفوضة في القسم مدخل ... باب الأسماء المخفوضة في القسم: أدوات القسم والمقسم به خمس: الواو والباء والتاء واللام ومن, فأكثرها الواو ثم الباء وهما يدخلان على محلوف, تقول: والله/ 512 لأفعلن وبالله لأفعلن فالأصل الباء كما ذكرت لك, ألا ترى أنك إذا كنيت عن المقسم به رجعت إلى الأصل فقلت: به آتيكَ ولا يجوزوه لا آتيكَ, ثم التاء وذلك قولك: تالله لأفعلن, ولا تقال مع غير الله, قال الله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 1, وقد تقول: تالله وفيها معنى التعجب, وبعض العربِ يقول في هذا المعنى فتجيء باللامِ ولا يجيء إلا أن يكون فيه معنى التعجب, وقال أُمية بن عائِذ: للِه يَبْقَى عَلَى اَلأيَّامِ ذُو حَيَدٍ ... بِمُشْمَخِرٍ بهِ الظيَّانُ والآسُ2 يريد والله: لا يبقى, إلا أن هذا مستعمل في حال تعجب. وقد

_ 1 الأنبياء: 57 2 من شواهد سيبويه 2/ 144، على دخول اللام على اسم "الله" في القسم بمعنى التعجب. والحيد -بفتح الحاء- مصدر: وهو إعوجاج يكون في قرن الوعل. ويروى -بكسر الحاء- وفسر بأنه جمع حيدة وهي العقدة في قرن الوعل. وقيل: هو مصدر حاد يحيد حيدا بالسكون فحركه للضرورة، ومعناه الروغان. وروي: ذو جيد بالجيم، وهو جناح مائل من الجبل، وقيل: يريد به الظبي. والمشمخر: الجبل الشامخ العالي، والباء بمعنى "في" والظيان: ياسمين البر. والآس: نقط من العسل يقع من النحل على الحجارة. لا النافية حذفت من "يبقى" وهو حذف قياس، لأن المضارع وقع جوابا للقسم، ونسبه غير سيبويه وابن السراج إلى مالك بن خالد الخزاعي. ولعبد مناة الهذلي، ولأبي زبيد الطائي. وانظر: المقتضب 2/ 324، وابن يعيش 9/ 98، والمفصل للزمخشري/ 345، وأمالي الشجري 1/ 369، والخزانة 2/ 361، والمخصص لابن سيده 13/ 111، وديوان الهذليين 3/ 2، والصاحبي/ 86.

يقول بعض العرب: للِه لأفعلنَ. ومن العرب من يقول: مِن ربي لأفعلنَ ذاك ومن ربي إنك لا شر كذا حكاه سيبويه وقال: ولا يدخلونها في غير "ربي" ولا تدخل الضمة في "مِنْ" إلا ههنا1. وقال الخليل: جئتُ بهذه الحروفِ لأنكَ تضيف حلفك/ 513 إلى المحلوف به كما تضيف به بالباء إلا أن الفعلَ يجيء مضمرًا, يعني أنك إذا قلت: واللِه لأفعلنَ وباللِه لأفعلنَ, فقد أضمرتَ: أحلف وأقسم, وما أشبهه, مما لا يتعدى إلا بحرفٍ والقسم في الكلام إنما تجيء به للتوكيد وهو وحده لا معنى له, لو قلت: والله وسكت أو بالله ووقفت لم يكن لذلك معنى حتى تقسم على أمر من الأمور, وكذا إن أظهرتَ الفعل وأنت تريد القسم فقلت: أَشهدُ باللِه وأُقسم بالله, فلفظه لفظ الخبر إلا أنه مَضمر بما يؤكده. ويعرض في القسم شيئان: أحدهما: حذف حرف الجر والتعويض أو الحذف فيه بغير تعويض. فأما ما حذف منه حرف الجر وعوض منه فقولهم: أي ها اللِه ثبتت ألفَ ها؛ لأن الذي بعدها مدغم, ومن العرب من يقول: أي هَللهِ فيحذف الألف التي بعد الهاء قال سيبويه: فلا يكون في المقسم به ههنا/ 514 إلا الجر لأن قولهم "ها" صار عوضًا من اللفظ بالواو فحذفت تخفيفًا على اللسان, ألا ترى أن الواو لا تظهر ههنا. ويقولون: أي هَا اللِه ذا, فأما لقولهم: ذا, فذكر الخليل: أنه المحلوف عليه, كأنه قال: أي والله للأمر هذا فحذف الأمر لكثرة استعمالهم وقدم "ها" كما قدم قوم: ها هو ذا وها أنذا قال زهير:

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 145.

تَعْلَمَنْ هَا لَعَمْرِ اللِه ذا قَسَمًا ... فاقْصِدْ بذَرْعِكَ واْنُظْر أينَ تَنْسِلِكُ1 ومن ذلك ألف الاستفهام قالوا: اللِه ليفعلنَ فالألف عوض من الواو ألا ترى أنك لا تقول: أو اللِه. وقال سيبويه: ومن ذلك ألف اللام وذلك قولهم: أفاللِه لتفعلنَ: وقال: ألا ترى أنك إن قلت: أفوالله لم تثبت هذا قول سيبويه2, وللمحتج لسيبويه أن يقول: إن الألف كما جعلت عوضًا قطعت وهي لا تقطع مع الواو/ 515. الثاني: ما يعرض في القسم وهو حذف حرف الجر بغير تعويض. اعلم: أن هذا يجيء على ضربين: فربما حذفوا حرف الجر وأعملوا الفعل في المقسم فنصبوه. وربما حذفوا حرف الجر وأعملوا الحرف في الاسمِ مضمرًا. فالضربُ الأول قولك: اللِه لأفعلنّ وقال ذو الرمة: ألا رَُبَّ مِنْ قَلْبِي لَه اللَّه نَاصِحٌ ... ومَنْ قَلْبُه لي في الظِّبَاءِ السَّوانِحِ3

_ 1 استشهد به سيبويه 2/ 145 على الفصل بين "ها" التنبيه و"ذا" بالقسم واستشهد به 2/ 150 على التوكيد بالنون الخفيفة. والبيت روي بروايتين: أقدر من بابي ضرب وقتل بمعنى: قدر. واقصد بذرعك الباء بمعنى "في" وقسما: مصدر مؤكد لما قبله لأن معناه: أقسم. تعلمن: بمعنى ملازم للأمر. وذرع الإنسان: طاقته -واقصد بذرعك- مثل أورده الميداني، وقال عنه: يضرب لمن يتوعد، أي: كلف نفسك ما تطيق، والذرع: عبارة عن الاستطاعة، كأنه قال: اقصد الأمر بما تملكه أنت لا بما يملكه غيرك، أي: توعد بما تسعه قدرتك. وانظر: المقتضب 2/ 323، ومجمع الأمثال 2/ 92، والخزانة 4/ 208 و2/ 475، والديوان/ 175. 2 انظر: الكتاب 2/ 145. 3 من شواهد الكتاب 2/ 144 على نصب اسم الله عز وجل لما حذف حرف الجر وأوصل إليه الفعل المقدر والتقدير: أحلف بالله، ثم حذف الجار فعمل الفعل فنصب. والسوانح من الظباء: ما أخذ عن ميامن الرامي فلم يتمكنه رميه حتى ينحرف له فيتشاءم به. ومن العرب من يتيمن به لأخذه عن الميامن فيجعله مشوما، وضرب به المثل في انحراف مية عنه ومخالفة قلبها وهواها لقلبه وهواه. ويروى: ومن هو عندي في الظباء السوانح. وانظر: ابن يعيش 9/ 102، وشرح السيرافي 4/ 232، والمفصل للزمخشري/ 347، وانظر ديوان ذي الرمة/ 664، مما نسب إليه.

وقال الآخر: إِذَا ما الخُبْزُ تَأدُمهُ بِلَحْمٍ ... فَذَاكَ أَمَانةَ اللِه الثَرِيدُ1 أراد: وأمانة الله. ووالله, فلما حذف أعمل الفعل المضمر, ولكنه لا يضمر ما يتعدى بحرف جر. وتقول: أي اللَه لأفعلنّ, ومنهم مَن يقول: أي اللَه لأفعلنَ فيحرك أي بالفتح لالتقاء الساكنين, ومنهم من يدعها على سكونها, ولا يحذفونها لأن الساكن الذي بعدها/ 516 مدغم. والضرب الثاني: وهو إضمار حرفِ الجر وهو قول بعضِ العرب: الله لأفعلن. قال سيبويه: جازَ حيثُ كثر في كلامهم فحذفوه تخفيفًا كما حذف رُبَّ قال: وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين من قولهم: لاه أبوك, حذفوا لام الإِضافة واللام الأخرى ليخفوا الحرف على اللسان وذلك ينوون قال: وقال بعضهم: لهي أبوك فقلب العين وجعل اللام ساكنة إذا صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة وتركوا آخر الاسم مفتوحًا كما تركوا آخر "أين" مفتوحًا وإنما فعلوا ذلك به لكثرته في كلامهم, فغيروا إعرابه كما غيروه2.

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 144، على نصب أمانة بإضمار فعل، ويقال: وضعه النحويون. تأدمه: تخلطه. ولم يعرف قائل هذا البيت، وقد روى رفع الأمانة على الابتداء محذوف الخبر، وانظر: شرح السيرافي 3/ 225، والمفصل للزمخشري/ 348، وابن يعيش 9/ 102. 2 انظر: الكتاب 2/ 144-145.

واعلم: أنه يجيء كلام عامل بعضه في بعض: إما مبتدأ وخبر وإما فعل وفاعل, ومعنى ذلك القسم فالمبتدأ والخبر قولك: لعَمَر الله لأفعلن/ 516 وبعض العرب يقول: وأيمُن الكعبة وأيمُ الله فقولك: لعَمَرَ الله اللام: لام الابتداء وعمر الله: مرفوع بالابتداء. والخبر محذوف كأنه قال: لعَمَر الله المقسم به وكذلك: أيم الله. وأيمن. وتقول: العرب: عليّ عهد الله لأفعلن. فعهد مرتفعة وعليّ مستقر لها, وفيها معنى اليمين وزعم يونس: أن ألف أيم موصولة وحكوا: أيم وإيم وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرجل وكذلك أيمن قال الشاعر: فَقَالَ فَرِيقُ اَلْقومِ لمَّا نَشَدتُهم ... نَعَمْ وفريقٌ ليَمنُ اللِه ما نَدري1 وأما الفعل والفاعل فقولهم: يعلمُ الله لأفعلن وعلمَ الله لأفعلنَ فإعرابه كإعراب: يذهبُ زيد والمعنى: واللِه لأفعلن. قال سيبويه: وسمعنا فصحاءَ العربِ يقولون في بيت امرئ القيس: فَقُلْتُ يَمِينَ اللِه أبرح قَاعِدًَا ... ولو قَطَّعُوا رَأسي لَدَيْكِ وأوصالي2

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 147، و2/ 273، على حذف الوصل من "أيمن". ونشدتهم: سألتهم. وصف أنه تعرض لزيارة من يحب فجعل ينشد ذودا من الإبل ضلت له مخافة أن ينكر عليه مجيئه وإلمامه. وبين البصريين والكوفيين خلاف في كلمة "أيمن" وهل هي مفردة أو جمع؟ وقد عقد ابن الأنباري في الإنصاف مسألة لهذا الخلاف/ 246-249. والبيت كما نسبه الأعلم لنصيب. وانظر: المقتضب 1/ 228 و2/ 90، وشرح السيرافي 4/ 234، وشرح ابن يعيش 9/ 92، والهمع 2/ 40، والدرر اللوامع 2/ 44. 2 من شواهد سيبويه 2/ 147 على رفع "يمين الله" بالابتداء وحذف الخبر. وروى: يمين الله مرفوعا كذلك. فالرفع على الابتداء والخبر محذوف. وأما النصب فعلى أن أصله: أحلف بيمين الله، فلما حذف الباء وصل فعل القسم إليه بنفسه، ثم حذف فعل القسم وبقي منصوبا. والأوصال: المفاصل. وقيل مجتمع العظام. المفرد مفصل -بكسر الواو وضمها- كل عظم لا ينكسر ولا يختلط بغيره. وانظر: معاني القرآن 2/ 54، والمقتضب 2/ 326، ورواه المبرد: ولو ضربوا رأسي. والخصائص 2/ 284. وشرح السيرافي 4/ 234، والديوان وفيه القصيدة 105.

قال: جعلوه بمنزلة أيمن الكعبةِ, وأَيم الله1, وقالوا: / 518 تتلقى اليمين بأربعة أحرف من جوابات الأيمان في القرآن وفي الكلام, مَا ولا وإن واللامُ فأما: ما فتقول: واللِه ما قامَ. وما يقوم وما زيد قائمًا. ولا تدخل اللام على "ما" لأن اللامَ تحقيق وما نفي فلا يجتمعان. قال وقول الشاعر: لما أغفلت شُكركَ فاصْطَنِعْنِي ... فَكَيْفَ ومِنْ عَطائِكَ جُلُّ مالي2 فإنه توهم الذي والصلة. وأما: لا, فتقول: والله لا يقوم. وتلغي "لا" من بين أخواتها جوابات الأيمان فتقول: واللِه أقوم إليكَ أبدًا تريد: لا أقوم إليكم أبدًا. فإذا قلت: واللِه لا قمت إليك أبدًا تريد: أقوم جاز وإن أردت: المضي كان خطأ فأما "إن" فقولك: واللِه إن زيدًا في الدار, وإنكَ لقائم وقوله عز وجل: {حم?, وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ, إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} 3 قال الكسائي: إنا أنزلنا استئناف/ 519 وحم والكتابُ كأنه قال: حق والله. وقال الفراء: قد يكون جوابًا. وأما اللام فتدخل على المبتدأ والخبر. فتقول: واللِه لزيد في الدارِ, هذه

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 147. 2 الشاهد فيه: دخول لام الابتداء على "ما" النافية حملا لها في اللفظ على "ما" الموصولة الواقعة مبتدأ. فهو محمول في اللفظ على نحو قولك: لم تصنعه حسن. ولم يعرف قائل هذا البيت. وانظر: المغني 2/ 857، وكتاب منازل الحروف للرماني/ 51، تحقيق الدكتور مصطفى جواد. 3 الدخان: 1-3.

التي تدخل على المبتدأ والخبر. وأما التي تدخل على الأفعال: فإن كان الفعل ماضيًا قلت: والله لقد فعلَ وكذلك: واللِه لفيكَ رغبت. وأما اللام التي تدخلُ على المستقبلِ فإن النونينِ: الخفيفةَ والثقيلةَ يجيئان معها نحو: والله ليقومنَّ ولتقومَنْ يا هذا ولهما باب يذكران فيه.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: وحياتي ثم حياتك لأفعلنّ فثم: بمنزلة الواو وتقول: واللِه ثم اللِه لأفعلن وبالله ثُم اللِه لأفعلن. وإن شئت قلتَ: واللَه لآتينكَ ثم الله لأضربنكَ, وإن شئت قلت: واللِه لآتينكَ لأضربنكَ. قال سيبويه: وهذه الواو بمنزلة الواو التي في/ 520 قولك: مررتُ بزيدٍ وعمروٍ خارج1, يعني أن الواو في قولك: وعمرو خارج عطفتَ جملةً على جملة كأنك قلت: باللِه لآتينكَ. الله لأضربنكَ مبتدأ ثم عطفت هذا الكلام على هذا الكلام, فإذا لم تقطع جررت قلت: وإلا لآتينكَ, ثم واللِه لأضربنكَ صارت بمنزلة قولك: مررت بزيدٍ ثم بعمروٍ وإن قلت: واللِه لآتينكَ ثم لأضربنك الله, لم يكن إلا النصبُ لأنه ضم الفعل إلى الفعل, ثم جاء بالقسم على حدته2. وإذا قلت: واللِه لآتينكَ ثم اللِه, فإنما أحد الاسمين مضموم إلى الآخر وإن كان قد أخر أحدهما ولا يجوز في هذا إلا الجر لأن الآخر معلق بالأول لأنه ليس بعده محلوف عليه. قال سيبويه: ولو قالَ: وحقِّكَ وحقِّ زيدٍ, على وجهِ الغلطِ والنسيانِ جازَ3, يريدُ بذلكَ أنهُ لا يجوز لغير4 كساه/ 512 من عري5 وسقاه من

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 146. 2 في الكتاب 2/ 146: ثم جاء بالقسم له على حدته ولم يحمله على الأول. 3 انظر: الكتاب 2/ 146. 4 هنا: ساقط من الكتاب. 5 ساقط قبل هذا الكلام. وانظر: الكتاب 2/ 308.

العيمة, فهذا يبن أنها في هذا الموضع حرف لأنهم أجمعوا على أن "من" حرف وعن أيضًا لفظة مشتركة للاسم والحرف. قال أبو العباس: إذا قال قائل: على زيدٍ نزلت وعن زيدٍ أخذت1, فهما حرفان يعرف ذلك ضرورة لأنهما أوصلا الفعل إلى زيد كما تقول: بزيدٍ مررت. وفي الدار نزلت وإليكَ جئت, فهذا مذهب الحروف وإذا قلت: جئت من عن يمينهِ, فعن اسم ومعناها ناحية, وبنيت لمضارعتها الحروف. وأما الموضع الذي هي فيه اسم فقولهم: مَن عن يمينكَ لأن "من" لا تعمل إلا في الأسماء. قال الشاعر: فَقُلْتُ اجْعَلِي ضَوْءَ الفَرَاقِدِ كُلَّها ... يَمِينًا ومهوى النَّجْمِ مِن عَن شِمَالِكَ2 وأما كاف التشبيه فقولك: أنت كزيدٍ ومعناها معنى/ 522: مثل, وسيبويه يذهب إلى أنها حرف3. وكذلك البصريون, ويستدلون على أنه حرف بقولك: جاءني الذي كزيدٍ كما تقول: جاءني الذي في الدارِ ولو قلتَ: جاءني الذي مثل زيدٍ لم يصلح إلا أن تقول: الذي هو مثل زيدٍ, حتى يكون لهذا الخبر ابتداء ويكون راجعًا في الصلة إلى الذي فإن أضمرته: جاز على قبح وإذا قلت: جاءني الذي كزيدٍ لم تحتج إلى هو, ومما يدلك على أنها حرف مجيئها زائدة. والأسماء لا تقعَ موقعَ الزوائدِ, إنما تزاد الحروف, قالَ

_ 1 قال المبرد في المقتضب 1/ 46. وقد يكون اللفظ واحدا ويدل على اسم وفعل، نحو قولك: زيد على الجبل يا فتى، وزيد علا الجبل، فيكون "على" فعلا ويكون حرفا خافضا والمعنى قريب. 2 الشاهد فيه: أن "عن" اسم لدخول حرف الجر عليها إذ إن حرف الجر لا يدخل على مثله. والبيت لذي الرمة بن غيلان. وانظر: أسرار العربية لابن الأنباري/ 102، وشروح سقط الزند 2/ 539، والديوان/ 429. 3 انظر: الكتاب 2/ 304، قال: وكاف الجر التي تجيء للتشبيه وذلك قولك: أنت كزيد، بينما يرى المبرد: أنها بمعنى مثل، قال في المقتضب 4/ 140: وأما الكاف الزائدة فمعناها: التشبيه، نحو: عبد الله كزيد، وإنما معناه مثل زيد.

الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1. فالكاف زائدة لأنه لم يثبت له مثلًا تبارك وتعالى عن ذلك والمعنى: ليس مثله شيء. وقد جاءت في الشعر واقعةً موقع مثل موضوعةً موضعها قال الشاعر: وَصَالِيَاتٍ كَكَما يُؤْثَفَيْن1 ... أراد كمثل ما وقال الآخر: فصيروا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأكُول3

_ 1 الشورى: 11 "وفي البحر المحيط 7/ 510" تقول العرب: مثلك لا يفعل كذا يريدون به المخاطب، كأنهم إذا نفوا الوصف عن مثل الشخص كان نفيا عن الشخص وهو من باب المبالغة.. فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء. وانظر المغني 1/ 153 وسر صناعة الإعراب: 1/ 291-292. 2 من شواهد الكتاب 1/ 13 في باب ما يحتمل الشعر. وفي 1/ 203 على أن الكاف اسم بمعنى مثل. و2/ 331 على بقاء الهمزة في المضارع للضرورة. والصاليات: أراد بها الأثافي. لأنها صليت بالنار، أي: أحرقت حتى اسودت، والأثافي: جمع أثفية وهي الحجارة التي ينصب عليها القدر. والمعنى: لم يبق من هذه الديار التي خلت من أهلها غير رماد القدر، وغير حجارة القدر. وقال البغدادي: هو من بحر السريع. وربما حسب من لا يعرف العروض أنه من الرجز وهو لخصام المجاشعي. وانظر: المقتضب 4/ 97، وشرح السيرافي 1/ 260، والخصائص 2/ 368 والموجز لابن السراج/ 58، والمحتسب 1/ 186، والتصريف للمازني 2/ 184. 3 من شواهد سيبويه 1/ 203، على أن الكاف بمعنى "مثل" قال الأعلم: وجاز الجمع بين "مثل" والكاف جوازا حسنا لاختلاف لفظهما مع ما قصده من المبالغة في التشبيه ولو كرر المثل لم يحسن. وقيل: إن الكاف فيه زائدة، فكأنه قال: فصيروا مثل عصف مأكول. والعصف: بقل الزرع أو الزرع الذي أكل حبه وبقي نبته. ونسب إلى حميد الأرقط وإلى رؤبة بن العجاج وهو في ديوانه مما نسب إليه، وقبله: ولعبت طير بهم أبابيل ... فصيروا مثل كعصف مأكول وانظر: المقتضب 4/ 141، وسر صناعة الإعراب 1/ 296، وشرح الكافية للرضي 2/ 319، وديوان رؤبة/ 181.

فإضافته مثل إلى الكاف يدل على أنه قدرها اسمًا. وهذا إنما جاءَ على ضرورة الشاعر. وذكر سيبويه: أنه لا يجوز الإِضمار معها إذا قلت: أنت كزيدٍ, لم يجز أن تكني عن زيدٍ. استغنوا بمثل وشبه فتقول: أنتَ مثلُ زيدٍ وقال: مثل ذلك في حتى ومذ. وقال أبو العباس: فأما الكاف وحتى فقد خولف فيهما قال: وهذا حَسن والكاف أشد تمكنًا فأما امتناعهم من الكاف ومذ وحتى فلعلةٍ واحدة. يقولون: كل شيء من هذه الحروف غير متمكن في بابه لأن الكاف تكون اسمًا وتكون حرفًا فلا تضيفها إلى المضمر مع قلة تمكنها وضعف المضمر إلا أن يضطر شاعر. ومنذ تكون اسمًا/ 524 وتكون حرفًا. وحتى تكون عاطفة وتكون جارة, فلم تعط نصيبها كاملًا في أحد البابين وقال: الكاف معناها معنى مثل, فبذلك حكم أنها اسم لأن الأسماء إنما عرفت بمعانيها, وأنت إذا قلت: زيد كعمروٍ أو زيد مثل عمروٍ فالمعنى واحد فهذا باب المعنى. قال: وأما اللفظ فقد قيل في الكلام والأشعار ما يوجب لها أنها اسم. قال الأعشى: أَتَنْتَهُونَ ولَنْ يَنهَى ذَوِي شَططٍ ... كالطَّعْنِ يَذْهَبُ فيه الزَّيْتُ والفتل2

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 203. 2 من شواهد الكتاب 1/ 203 وهو مخصوص بالضرورة قال: إلا أن ناسا من العرب إذا اضطروا في الشعر جعلوها بمنزلة: مثل، والكاف يجيء اسما في الاختيار عند ابن جني قال في سر صناعة الإعراب: فأما قوله: ولن ينهى ذوي شطط كالطعن، فلو حملته على إقامة الصفة مقام الموصوف لكان أقبح. لأن الكاف في بيت الأعشى هي الفاعلة في المعنى. والفاعل لا يكون إلا اسما صريحا محضا وهم على إمحاضه اسما محافظة من جميع الأسماء. والشطط. الجور والظلم. والفتل: جمع فتيلة، أراد: الحراجة. والمعنى: لا ينهى أصحاب الجور مثل طعن نافذ إلى الجوف يغيب فيه الزيت والفتل. وانظر: المقتضب 4/ 141، وسر صناعة الإعراب 1/ 185، وشرح السيرافي 1/ 72، والحيوان للجاحظ 3/ 466، وروايته: لا تنتهون. والكامل/ 44، وأمالي ابن الشجري 2/ 229، والخصائص 2/ 386، والغيث المنسجم 1/ 52، والديوان/ 58.

فالكاف هي الفاعلة, فإن قال قائل: إنما هي نعتُ, قيل له: إنما يخلف الاسم ويقوم مقامه ما كان اسمًا مثله نحو: جاءني عاقل ومررت بظريف, وليس بالحسن1. انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني -إن شاء الله-.

_ 1 هنا ينتهي الجزء الأول: ويلاحظ أن سقطا لا يعرف مقداره بعدد الصفحات.

فهرس

فهرس: مقدمة 5 ابن السراج 9 أخلاقه ومكانته العلمية 11 أساتذته 12 تلاميذه 13 وفاته 15 آثاره 16 مذهب ابن السراج النحوي 20 كتاب الأصول 21 منهج ابن السراج 22 تأثره بمن سبقه 24 المسائل التي تفرد بها ابن السراج 25 زمن تأليف كتاب الأصول 28 تسمية الكتاب 28 منهج التحقيق 29 نسخ الكتاب 32 الكلام 36 شرح الاسم 36

الحروف 37 شرح الفعل 38 شرح الحرف 40 باب مواقع الحروف 42 ذكر ما يدخله من هذه الثلاثة وما لا يتغير منها 43 باب الإعراب والمعرب والبناء والمبني 45 ذكر العوامل من الكلم الثلاثة: الاسم والفعل والحرف 51 تفسير الأول: وهو الاسم 52 تفسير الثاني: وهو الفعل 54 تفسير الثالث: وهو العامل من الحروف 54 القسم الثاني من الحروف 55 القسم الثالث من الحروف 55 ذكر الأسماء المرتفعة 58 شرح الأول: وهو المبتدأ 58 شرح الثاني: وهو خبر المبتدأ 62 شرح الثالث من الأسماء المرتفعة. وهو الفاعل 72 شرح الرابع من الأسماء المرتفعة: وهو المفعول الذي لم يسم من فعل به 76 شرح الخامس: وهو المشبه بالفاعل في اللفظ 81 ذكر الفعل الذي لا يتصرف 98 مسائل من فعل التعجب 98 باب نعم وبئس 111 مسائل من نعم وبئس 117 باب الأسماء التي عملت عمل الفعل 122 شرح الأول: وهو اسم الفاعل والمفعول 122 مسائل من هذا الباب 125

شرح الثاني: وهو الصفة المشبهة باسم الفاعل 130 مسائل من باب الصفة المشبهة 132 شرح الثالث: وهو المصدر 137 شرح الرابع: وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها 141 مسائل من باب أسماء الفعل 143 ذكر المعرفة: المكنى، والمبهم، والعلم، والمنقول، والأسماء المشتقة 148 ذكر الأسماء المنصوبات 158 شرح الأول: وهو المفعول المطلق 159 مسائل من باب المفعول المطلق 162 شرح الثاني: وهو المفعول به 169 مسائل من باب المفعول به 172 باب الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين 177 مسائل من باب الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين 182 باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين 187 مسائل من باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين 188 شرح الثالث: وهو المفعول فيه 190 مسائل من باب المفعول فيه 194 ذكر المكان 197 مسائل من باب الظروف 201 شرح الرابع من المنصوبات: وهو المفعول له 206 شرح الخامس: وهو المفعول معه 209 القسم الثاني من الضرب الأول من المنصوبات وهو المشبه بالمفعول 212 ذكر ما كان المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى 213 ذكر ما شبه بالمفعول والعامل فيه فعل حقيقي 213 مسائل من هذا الباب 216 باب التمييز 222 مسائل من باب التمييز 225

الضرب الثاني: مما يكون المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى 228 الضرب الثالث: الذي العامل فيه حرف جامد غير متصرف 229 مسائل من باب الحروف المشبهة بالفعل 244 باب كسر ألف إن وفتحها 262 ذكر أن المفتوحة 265 ذكر المواضع التي تقع فيها أن وإن المفتوحة والمكسورة 270 مسائل في فتح ألف إن وكسرها 273 ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع وهو المستثنى 281 هذا باب ما جاء من الكلم في معنى إلا 284 باب الاستثناء المنقطع من الأول 290 مسائل من باب الاستثناء 295 باب تمييز المقادير 307 باب تمييز الأعداد 311 باب كم 315 مسائل من أبواب الأعداد والمقادير وكم 321 ذكر الاسم المضموم والمفتوح اللذين يضارعان المعرب 328 باب النداء 329 شرح الاسم المنادى المضاف 340 باب ما خص به النداء من تغيير بناء الاسم المنادى والزيادة في آخره والحذف فيه 347 باب اللام التي تدخل في النداء للاستغاثة والتعجب 351 باب الندبة 355 باب الترخيم 359 باب مضارع للنداء 367 مسائل من باب النداء 368

باب النفي بلا 379 ذكر الأسماء المنفية في هذا الباب 382 باب ما يثبت فيه التنوين والنون من الأسماء المنفية 387 باب ما إذا دخلت عليه "لا" لم تغيره عن حاله 392 باب لا النافية إذا دخلت عليها ألف الاستفهام 396 باب تصرف "لا" 400 مسائل من باب "لا" 402 ذكر الجر والأسماء المجرورة 408 ذكر حروف الجر 408 باب "رب" 416 مسائل من باب "رب" 421 باب حتى 424 مسائل من باب حتى 427 باب الأسماء المخفوضة في القسم 430 مسائل من باب حروف الخفض 436

المجلد الثاني

المجلد الثاني المجرور بالإضافة مدخل ... المجرور * بالإِضافة: القسم الثاني من الأسماء المجرورة من القسمة الأولى وهو المجرورة بالإِضافة: الإِضافة على ضربين: إضافة محضة، وإضافة غيرُ محضة. والإِضافة المحضة تنقسم إلى قسمين: إضافة اسم إلى اسم غيرِه بمعنى اللام وإضافةِ اسم إلى اسم هو بعضُه بمعنى "من". أما التي بمعنى اللام فتكون في الأسماء والظروف. فالاسم نحو قولِك: غلامُ زيدٍ ومالُ عمرٍو وعبدُ بكرٍ وضَرْبُ خالدٍ وكل الدراهمِ، والنكرة إذا أُضيفت إلى المعرفة صارت معرفةً نحو: غلام زيدٍ ودار الخليفةِ والنكرة تُضاف إلى النكرة وتكون نكرةً نحو: راكب حمارٍ فأما مثل وغير وسوى فإنهن إذا أُضفن إلى المعارف لم يتعرفن لأنهن لم يُخصِّصن شيئًا بعينه. وأما الظروف فنحو: خَلْفَ، وقُدامَ, ووراءَ، وفوقَ, وما أشبهه، تقول: هو وراءك وفوق البيت وتحت السماء وعلى الأرض. الإِضافةُ المحضةُ لا تجتمع مع الألف واللام، ولا تجتمع أيضًا الإِضافةُ والتنوينُ ولا يجتمع الألفُ واللامُ والتنوينُ. الثاني: المضاف بمعنى "من" وذلك قولك: هذا بابُ ساجٍ وثوبُ خَزٍّ وكساءُ صوبٍ وماءُ بحرٍ، بمعنى: هذا بابٌ من ساجٍ وكساءٌ من صوفٍ.

_ * هذه الزيادة من كتاب الموجز للمصنف نفسه.

الضرب الثاني: الإِضافة التي ليست بمحضة. الأسماء التي أُضيفتْ إليها إضافةً غير محضة أربعة أضرب: الأول: اسم الفاعل إذا أضفته وأنت تريد التنوينَ نحو: هذا ضاربُ زيدٍ غدًا وهو بمعنى يضرب. والثاني: الصفةُ الجاري إعرابُها على ما قبلها، وهي في المعنى لما أُضيفتْ إليه، نحو: مررت برجلٍ حسنِ الوجهِ المعنى: حسنٌ وجهُه. شرح الثالث1: وهو إِضافة أفعلِ إلى ما هو بعضٌ له: إذا قلت: "زيدٌ أفضل القوم" فقد أضفته إلى جماعة هو أحدهم، تزيد صفته على صفتهم وجميعهم مشتركون في الصفة، تقول: عبد الله أفضل العشيرة، فهو أحد العشيرة وهمْ2 شركاءُ في الفضل والمفضل من بينهم يزيدُ فضلُه على فضلهم، ويَدُلُّك على أنه لا بد من أن يكون أحد ما أضيف إليه أنك لو قلت: زيد أفضل الحجارة لم يجز، فإن قلت: الباقون أفضل الحجارة، صلُحَ، وأفضل هذه لا تثنى ولا تجمعُ ولا تؤنثُ وهي "أفضل" التي إذا3 لم تضفها صَحِبَتْها "منك" تقول: فلان خيرٌ منك، وأحسنُ منكَ. وقد اختلف الناس في الاحتجاج لتركيب اِفعلَ في هذا الباب وجمعِه وتأنيثِه، فقال بعضهم: لأن تأويل هذا يرجع إلى المصدر، كأنه إذا قال: قومك أفضل أصحابنا قد قال: فضلُ قومِك يزيدُ على فضلِ سائِر أصحابنا، وإذا قلت: هو أفضلُ العشيرة فالمعنى أنَّ فضلَه يزيدُ على فضلِ كل واحدٍ من العشيرة وكذلك إذا قلت: زيدٌ أفضلُ منك، فمعناه: فضلُهُ يزيدُ على فضلك4 فجعلنا موضعَ: يزيدُ فضله، أفضل، تضمن معنى

_ 1 هذه بداية نسخة تركيا المرقمة "1077" وفيها سقط كما يبدو من هذا العنوان. 2 في الأصل "وهما". 3 في الأصل "يمنعها". 4 في الأصل "فضله".

المصدرِ والفعلِ جميعًا وأضفناه إلى القوم وما أشبههم، وفيهم أعداد المفضولين؛ لأنك كنت تذكر الفضلَ مرتين، إذا أظهرت "يزيدُ" فتجعل فضلًا زائدًا على فضل زائدٍ، فصار الذي جمع هذا المعنى مضافًا وقال آخرون: "أفعل" إنما لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث لأنه مضارع للبعض الذي يقع للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع بلفظ واحد1، وقال الكوفيون -وهو رأيُ الفراءِ- أنه إنما وُحِّد أفعلُ، هذا لأنه أُضيفَ إلى نفسه، فجرى مجرى الفعلِ، وجرى المخفوضُ مجرى ما يُضَمَّنُ في الفعل، فكما لا يثنى ولا يُجمع الفعلُ فكذا لا يثنى هذا ولا يجمع. قال أبو بكر: وأشبه هذه الاحتجاجات عندي بالصواب الاحتجاجُ الأول، والذي أقوله في ذا أن "أفعلُ" في المعنى لم يثن ولم يجمع لأن التثنيةَ والجمعَ إنما تلحق الأسماءَ التي تنفرد بالمعاني "وأفعلُ" اسم مركب يدل على فعلٍ وغيرِه فلم يجز تثنيته وجمعه، كما لم يجز تثنية الفعل ولا جمعه لما كان مركبًا يدل على معنى وزمان، وإنما فعلت العرب هذا اختصارًا للكلام وإيجازًا، واستغناءً بقليل اللفظ الدال على كثير من المعاني، ولا يجوز تأنيثه لأنك إذا قلت: هندُ أفضل منكَ، فكان المعنى هندُ يزيد فضلُها على فضلكَ2، فكان أفعلُ ينتظم معنى الفعلِ والمصدرِ، والمصدرُ مذكر، فلا طريق إلى تأنيثه وإنما وقع "أفعل" صفةً من حيثُ وقع "فاعل" لأن فاعل في معنى "يفعل" وقد فسر أبو العباسِ معنى "منكَ" إذا قلت: زيد أفضل من عمرٍو، أنه ابتداءُ فضلِه في الزيادة من عمرٍو، وقد تقدم هذا في ذكرنا معنى "مِن" ومواضِعها من الكلام، فقولُك3: زيدٌ أفضلُ "منكَ" وزيد أفضلكما،

_ 1 قال المبرد: تقول: هذا أفضل من زيد، وهذه أفضل من زيد، فيكون "أفعل" للمؤنث والمذكر والاثنين والجمع على لفظ واحد. انظر المقتضب 1/ 128. 2 في الأصل "فضله". 3 قال المبرد: ولا يضاف "أفعل" إلى شيء إلا وهو بعضه، كقولك: الخليفة أفضل بني هاشم. المقتضب 3/ 38.

في المعنى سواء، إلا أنك إذا أتيت "بمنك" فزيدٌ منفصلٌ ممن فضلته عليه، وإذا أَضفتَ فزيدٌ بعض ممن فضلته عليه1, فإن أردت "بأفعلَ" معنى فاعل ثنيتَ وجمعتَ، وأنَّثت فقلت: زيدٌ أفضلُكم، والزيدانِ أفضلاكم، والزيدونُ أفضلوكم وأفاضلكُم وهند فُضلاكم، والهندانِ فُضلياكم والهنداتُ فُضلياتِكم وفضلُكم، وإذا قلت: زيد الأفضل، استغنى عن "من" والإِضافة وعلم أنه قد بانَ بالفضل، فهو عند بعضهم إذا أُضيف على معنى "من" نكرةٌ وهو مذهبُ الكوفيين وإذا أُضيف على معنى اللام معرفةٌ، وفي قول البصريين هو معرفةٌ بالإِضافة على كل حال إلا أنْ يضاف إلى نكرة. الرابع: ما كان حقه أن يكون صفة للأول: فإنْ يكُ من الصفة وأُضيفَ إلى الاسم وذلك نحو: صلاة الأولى، ومسجدُ الجامعِ، فمن قال هذا فقد أزال الكلام عن جهته؛ لأن معناه النعت وحده الصلاةُ الأولى والمسجدُ الجامعُ، ومن أضاف فجواز إضافتهِ على إرادة: هذه صلاةُ الساعةِ الأولى وهذا مسجدُ الوقتِ الجامعِ أو اليومِ الجامعِ، وهو قبيحٌ بإقامته النعتَ مقام المنعوت، ولو أراد به نعت الصلاة والمسجد كانت الإِضافة إليهما مستحيلة لأنك لا تضيف الشيء إلى نفسه لا تقولُ: هذا زيدٌ العاقلِ، والعاقلُ هو زيدٌ، وهذا قول أبي العباس, رحمه الله. وسئل عن قولهم: جاءني زيدٌ نفسُه، ورأيت القومَ كلَّهم، وعن قول الناس: بابُ الحديدِ ودارُ الآخرةِ، وحقُّ اليقينِ وأشباه ذلك فقال: ليس من هذا شيء أضيف إلا قد جُعلَ الأول من الثاني بمنزلة الأجنبي، فإضافته راجعة إلى معنى اللام، ومن فأنت قد تقول: له نفسٌ وله حقيقةٌ والكل عقيب البعض فهو منسوب إلى ما يتضمنه الشيء فقد صار الاجتماعُ فيه

_ 1 انظر المقتضب 1/ 44.

كالتبعيض؛ لأنه محيط بذلك البعضِ الذي كان منسوبًا إليه، ألا ترى أنك لو قلتَ: اخترت من العشرةِ ثلاثةً، لكانت إضافةُ ثلاثةٍ إلى العشرة بعضًا صحيحًا فقلتَ: أضفتُ بعضَها، فإذا أخذتها كلَّها فالكل إنما هو محيط بالأجزاء المتبعضة وكل جزء منه ما كانت إضافته إلى العشرة جائزة، فصار الكل الذي يجمعها إضافته إلى العشرة؛ لأنه اسم لجميع أجزائها، كما جاز أن يضاف كل جزء منها إليها، فقيل له: أفلسنا نرجُع إلى أنه إذا اجتمعت الأجزاء صار الشيء المجزئ هو كل الأجزاء وصار الشيء هو الكل، والكل هو الشيء، فقال: لا؛ لأن الكل منفردًا لا يؤدي عن الشيء كما أن البعضَ منفردًا لا يؤدي عن المبعض دون إضافته إليه، فكذلك الكلُّ الذي جمع التبعيض وليس الكل هو الشيء المجزئ إنما الكل اسم لأجزائه جميعًا المضافة إليه، فصار هو بأنه اسمٌ لكل جزءٍ منها في الحكم بمنزلتها في إضافتها إلى المجزئ. قال أبو بكر: وهذا القول الذي قالهُ حَسنٌ، ألا ترى أنك لا تقول: رأيتُ زيدًا كلهُ، ولا توقع الكلَّ إلا على ما كان يجوز فيه التبعيض، وسُئل عن قولهم: دار الآخرة لِمَ لَمْ نقل الآخر؟ فقال: لأن أول الأوقات الساعة، فأكثر ما يجوز في هذا التأنيث كقولهم، ذات مرةٍ، ولو جرى بالتذكير كانَ وجهًا، فما جرى منه بالتأنيث حمل على الساعة ألا ترى أنه يسمى يوم القيامة الساعة لأن الساعةَ أولُ الأوقاتِ كلِّها، وأما النفس فهي بمنزلة حقيقة الشيء، وكذلك عينه أما أسماؤه الموضوعة عليه الفاصلة بينه وبين خبرِهِ فلا يجوز إضافة شيء منها إلى شيء ألا ترى أن رجلًا اسمه وهو شاب أو شيخ لا يجوز أن تقول: زيد الشابِ فتضيف، ولا زيد الشيخ، ولا شيخُ زيدٍ، ولا شابُّ زيد؟ فقيل له: وقد رأينا العلماءَ إذا لُقبَ الرجلُ بلقبٍ ثم ذكر لقبه مع اسمه، جاز أن تضيف اسمه إلى لقبه، كقولك: زيد رأسٍ، وثابتُ قطنة ولا تجد بين ثابت وقطنة، إذا كان قد عُرفا فرقًا؟ فقال: اللقب مما يشتهر به الاسم حتى يكون هو الأعرفُ، ويكون اسمه لو ذكر على أفراده مجهولًا، فصار اللقب علمًا، والاسم مجرورًا إليه كالمقطوع عن المسمى؛ لأن الملقب إنما

يراد بلقبه طرح اسمه، وقد كانت تسميتهم أن يسمى الشيء بالاسم المضاف إلى شيء كقولك: عبدُ الدارِ، وعبدُ اللهِ فجعلوا الاسم مع لقبه بمنزلة ما أضيف ثم سمي به، وكان اللقب أولى بأن يضاف الاسم إليه؛ لأنه صار أعرف من الاسم وأصل الإِضافة تعريف كقولك: جاءني غلام زيدٍ فالغلام يتعربُ بزيد فلذلك جعل الاسم مضافًا إلى اللقب. ومن الإِضافة التي ليست بمحضة إضافة أسماء الزمان إلى الأفعال والجمل، ونحن نفرد بابًا لذلك إن شاء الله.

باب إضافة الأسماء إلى الأفعال والجمل

باب إضافة الأسماء إلى الأفعال والجمل: اعلم: أن حق الأسماء أن تضاف إلى الأسماء، وأن الأصل والقياس أن لا يضاف اسم إلى فعل، ولا فعل إلى اسم، ولكن العرب اتسعت في بعض ذلك فخصت أسماء الزمان بالإِضافة إلى الأفعال؛ لأن الزمان مضارعٌ للفعل؛ لأن الفعل له بنى, فصارت إضافة الزمان إليه كإضافته إلى مصدره لما فيه من الدليل عليهما1، وذلك قولهم: أتيتكُ يوم قام زيدٌ، وأتيتُك يوم يقعدُ عمرو، فإذا أضفت إلى فعل معرب، فإعراب الاسم عندي هو الحسنَ، تقول: هذا يوم يقومُ زيد2، وقوم يفتحون "اليوم"، وإذا أضفته إلى فعل مبني جاز إعرابه وبناؤه على الفتح، وأن يُبنى مع المبني أحسنُ عندي من أن يُبنى مع المعرب، وهذا سنعيد ذكره في موضع ذكر الأسماء المبنية إن شاء الله. وقال الكوفيون: تُضاف الأوقات إلى الأفعال وإلى كل كلام تم وتفتح في موضع الرفعِ3 والخفض والنصب، فتقول: أعجبني يومَ يقومُ، ويوم قمتُ، ويوم زيدٌ قائمٌ، وساعةَ قمت، ويجوز عندهم أن يعرب إذا جعلته بمنزلة إذ وإذا كأنك إذا قلت: يوم قامَ زيدٌ, إذا قام زيد، وإذا قلت: يوم

_ 1 هذه المسألة ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر 2/ 87 عن ابن السراج في الأصول. 2 في سيبويه 1/ 460 "هذا يوم يقوم زيد، وآتيك يوم يقوم ذاك". وانظر المقتضب 3/ 177. 3 انظر: ارتشاف الضرب/ 278.

يقوم زيد قلت: إذا يقوم, ولك أن تضيف أسماء الزمان إلى المبتدأ وخبره، كقولك: أتيتكَ زمنَ زيدٌ أميرٌ1، كما تقول: إذا زيد أميرٌ، والأوقات التي يجوز أن يفعل فيها هذا ما كان حينًا وزمانًا، يكون في الدهر كله لا يختص منه به شيءٌ، دون شيء كقولك: أتيتك حين قام زيد, وزمن قامَ، ويوم قام، وساعة قام، وعامَ وليلة وأزمان وليالي قام، وأيام قام, ويفتح في الموقتات كقولك: شهر قامَ وسنة قام وقالوا: لا يضاف في هذا الباب شيء له عدد مثل يومين، وجمعه، ولا صباحَ ولا مساءَ, وأما ذو تسلم2 وآية يفعل، فقال أبو العباس: هذا من الشواذ، قالوا: أفعلُه بذي تسْلم، وآية يقوم زيد، فأما آية فهي علامة والعلامة تقع بالفعل وبالاسم، وإنما هي إشارة إلى الشيء فجعله لك علمًا لتوقَع فعلك بوقوعه، وأما بذي تسْلم فإنه اسم لم يكن إلا مضافًا فاحتمل أن يدخل على الأفعال، والتأويل: بذي سلامتُكَ، وفيه معنى الذي فصرفه إلى الفعل، وليس بقياس عليه. قال أبو بكر: وللسائل في هذا الباب أن يقول: إذا قلت: آتيكَ يوم تقوم فإنها بمعنى، يوم قيامك فلِمَ لا تنصب الفعل بإضمار "أنْ" كما فعل باللام فإن الإِضافة إنما هي في الأسماء، فالجواب في ذلك أنَّ أنْ لا تصلح في هذا الموضع، لو قلت: أجيئك يوم أن يقوم زيد لم يجز؛ لأن هذا موضع يتعاقب المبتدأ والخبر والفاعل فيه، ويحسن أن يقع موقع اسم إذ وإذا وجميع ذلك لا يصلح مع "أنْ" وليس كل موضع يقع فيه المصدر تصلح فيه "أنْ" ألا ترى أنك إذا قلت: ضربًا زيدًا لم يقع هذا الموضع "أنْ تضرب". وحكى الكوفيون: أن العرب تضيف إلى "أنّ وأنْ" فتقول: أعجبني يوم أنّكَ محسنٌ ويوم أن تقوم، ومن أجاز هذا فينبغي أن يجيز: يوم يقوم:

_ 1 قال المبرد 3/ 177: "تقول: جئتك يوم زيد أمير، وأتيتك يوم قام زيد". 2 في سيبويه 1/ 461: "ومما يضاف أيضًا إلى الفعل قوله: لا أفعل بذي تسلم، ولا أفعل بذي تسلمان، ولا أفعل بذي تسلمون. المعنى: لا أفعل بسلامته، وذو مضافة إلى الفعل".

فينصب، ولا يجوز أن يبنى اليوم لأنه قد أضافه إضافة صحيحة، وأظن أن الفراء كان ربما أجازه وربما لم يجزه، أعني أنْ يعرب "يومَ" أو يبنيه وكان يقيسه على قوله: هل غير أنْ كثر الأشد وأهلكت ... حربُ الملوكِ أكاثر الأقوام1

_ 1 استشهد العروضيون بهذا البيت على الخرم بعد الوقص، وروي: غير أن كثر. انظر المعيار في أوزان الأشعار/ 51، والبارع لابن القطاع الصقلي/ 8.

مسائل من هذه الأبواب

مسائل من هذه الأبواب: تقول: "هذا معطي زيد أمس الدراهم" بعد الإِضافة أضفتَ "الدراهمَ" قال أبو العباس: وليس كذلك لأنك أعملت فيها "معطي" هذه التي ذكرنا، ولكن جاءت الدراهم بعد الإِضافة فحملت في النصب على المعنى، لأنك ذكرت اسمًا يدل على فعل ولا موضع لما بعده إذا كان قد استغنى بالتعريف فحملته على المعنى الذي دل عليه ما قبله، وكذلك لو قلت: هذا ضاربُ زيدٍ أمسِ وعمرًا, لجاز والوجه الجر؛ لأنهما شريكان في الإِضافة، ولكن الحمل على المعنى يحسن إذا تراخى ما بين الجار والمجرور، ومن ذلك حمل على جعل الليل سكنًا قول الله عز وجل: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} 1 لأن الاسم دل على ذلك، ولو قال قائل: "مررت بزيد وعمرو" لجاز لأن "بزيدٍ" مفعول والواصل إليه الفعل بحرف في المعنى كالذي يصل إليه الفعل بذاته، لأن قولكَ: "مررت بزيدٍ" معناه أتيت زيدًا إلا أن الجر الوجه للشركة.

_ 1 الأنعام: 96 وقراءة: "وجاعل" من السبعة أيضًا في النشر2/ 36، قرأ الكوفيون "وجعل" بفتح العين من غير ألف وبنصب اللام من الليل, وقرأ الباقون بالألف وكسر العين ورفع اللام وخفض "الليل". وانظر: الإتحاف/ 214، والبحر المحيط 4/ 186.

وقولك: خشنت بصدره، وصدر زيد، وهو إذا نصبت في هذا الموضع أحسن من قولك: مررتُ بزيدٍ وعمرٍو، لأن قولك: "خشنت" يجوز فيه حذف الباء ولا يجوز في: "مررتُ بزيدٍ" حذفها. وتقول: "عبد اللهِ الضاربُ زيدًا" جميع النحويين على أن هذا في تقدير: الذي ضرب زيدًا، ولم يجيزوا الإِضافة، وزعم الفراء: أنه جائز في القياس على أن يكون بتأويل: "الذي هو ضارب زيدٍ" وكذا حكم: "زيدٌ الحَسنُ الوجهِ" عنده أن يكون تأويله، الذي هو حسن الوجه، وقد ذكرنا أصول هذا وحقائقه فيما تقدم، وتقول عبد الله الحسنُ وجهًا، ولا يجوز: الحسنُ وجهٍ لأنه يخالف سائر الإِضافات، وأما أهل الكوفة فيجوز في القياس عندهم إلا أنهم يقولون: "الوجهُ" مفسرٌ وإذا دخل في الأول ألف ولام دخل في مفسره عندهم، ومن قولهم: خاصة العشرون الدرهم والخمسة الدراهم والمائة الدرهم ولا يجوزُّ هذا البصريون1؛ لأنه نقض لأصول الإِضافة، والبصريون يقولون: خمسةُ الدراهم، ومائة الدرهم فيدخلون الألف واللام في الثاني، ويكون الأول معرفًا به على سبيل الإِضافة ويقولون: العشرون درهمًا والخمسةَ عشر درهمًا، فيدخلون الألف واللام في الأول فيكون معرفًا، يقرون الثاني على حده في النكرة. وقيل لأبي العباس رحمه الله: ألستم تقولون: عبد الله الضاربهُ، والضاربك والضاربي فتجمعون على أن موضع الكاف والهاء خفض؟ قال: بلى، قيل له: فهذا يوجبُ الضاربُ زيدٍ، لأن المكنى على حد الظاهر، ومن قولك أنت خاصة: إن كل من عمل في المظهر، جائز أن يعمل في المضمر، وكذلك ما عمل في المضمر جائز أن يعمل في المظهر، فقال: نحو قول سيبويه: إن هذه الحروف يعني حروف الإِضمار قلَّتْ وصارت بمنزلة التنوين؛ لأنها على حرف، كما أن التنوين حرف، فاستخفوا أن يضيفوا إليها الفاعل، لأنها تصير في الاسم

_ 1 انظر الإنصاف/ 176-177 "شرح هذه المسألة ابن الأنباري".

كبعض حروفه، وحكَى لي عنه بعدُ أنه قال: "الضاربَهُ" "الهاء" في موضع نصب؛ لأن لا تنوين ههنا، تعاقبه الهاء والضارباه "الهاء" في موضع خفض فإذا أردت النصب أثبت النون بناء على الظاهر، وبه اختلف الناس في المضمر فأما الظاهر فلا أعلم أحدًا يجيزه الخفض إلا الفراء وحكى لنا عنه أنه قال: وليس منْ كلام العرب، إنما هو قياس، ويقول: أعجبني يوم قام زيدٌ ويوم قيامِكَ، نسقت بإضافة محضة على إضافة غير محضة، فإن قلت: أعجبني يوم قمته فرددت إلى "يومٍ" ضميرًا في "قامَ" لم تجز الإِضافة قال الله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} 1، والمضافُ إلى غير محضٍ لا يؤكد ولا ينعت. ومن الكوفيين من يجيز تأكيده. وقال الأخفش: في قول العرب: اذهبْ بذي تَسلم وإنما هو اذهب لسلامتِكَ2 أي: اذهب وأنت سالم، كما تقول: قام بحمقة وقام بغصة وخرج بطلعته أي خرج وهو هكذا وهذا في موضع حال، قال: وإن شئت قلت: معناه معنى سلمكَ اللهُ وجاء في لفظ ما لا يستغنى وحده، ألا ترى أنك [تقول] 3: زيد بسلامته، كما تقول: زيد سلمهُ اللهُ ولا تقول: إنك بذي تَسلم وتقول: إنك مسلمك الله إلا أن تدعو له فإن دعوت لم يحسن حتى تجيء له بخبر لأن لا بد لها من خبر وقد خرج مسلمك الله من أن يكون خبرًا وقال: تقول: هذه تمرة قريثاء يا هذا، وإن شئت قلت: كريثاء وهما لغتان وتمرتا كريثاء، إذا أردت الإِضافة وهاتان تمرتان قريثاء4 إذا أردت النعت، وهذه تمرة دقلة وتمرتان دقلتان إذا نعت وتمرتا دقل إذا أضفت، وتقول: هذه تمرة إذاذة، وتمرتان إذاذتان، وتمرتا إذاذ، قال: وليس شيء من الأجناس يثنى ويجمع إذا وصف به إلا التمر.

_ 1 البقرة: 281. 2 في سيبويه 1/ 461: "قوله: لا أفعل بذي تسلم.. المعنى: لا أفعل بسلامتك". 3 زيادة يقتضيها السياق. 4 قريثاء وكريثاء: نوع من التمر الأسود, وهو أطيب تمر بسرًا.

قال أبو بكر: والذي عندي أن كل جنس اختلف ضروبه جاز أن يثنى ويجمع إذا أردت ضربين منه أو أكثر, وتقول: هذا رجلٌ حَسنُ وجه الأخ جميلهُ، فتضمنُ الوجهَ لأنك قد ذكرته وتقول هذانِ رجلان حسنا الوجوهِ جميلاها1 تضيف "الجميلين" إلى الوجوه، وإنما قلت: جميلاها فأنثت؛ لأن الوجوه مؤنثة، وتقول: هذا رجلٌ أحمرُ الجاريةِ لا أسودها، فقلت: أحمر وإنما الحمرةُ للجارية لأنك تُجري التأنيث والتذكير على الأول وعطِفت الأسود على الأحمر وأضفت الأسود إلى الجارية كما أضفت الأحمرَ إليها، وتقول: هذانِ رجلانِ أحمرا الجارية لا أسوداها, وهولاء رجال حمرُ الجواري لا سودُها تجعل التثنية والجمع والتأنيث والتذكير على الأول، وتقول: هذا رجلٌ أبيضُ بطنِ الراحة، لا أسوَدُه وإنما قلت: لا أسوده لأن البطنَ مذكرٌ وتقول: هذان رجلان أبيضا بطون الراح لا أسوداها وإنما قلت: الراحُ لأنه جمع جماعة الراحة، وقلت: بطونُ لأن كل شيئين من شيئين فهو جماعةٌ وتقول هؤلاء رجالٌ حمر بطون الراح لا سودها وأجاز الأخفش: هذان أخواك أبيضُ بطوح الراح لا أسوديها، وقال: لأن أخويكَ معرفة وأبيض بطون الراح نكرةٌ، وقال: تقول: هذه جاريتُك بيضاءَ بطن الراحة لا سوداءهُ، لأنك أضفت إلى البطن وهو مذكر ونصبت بيضاء وسوداء لأنه نكرةٌ وهؤلاء رجال بيض بطون الراح لا سودها، لأن هذا نكرةٌ وصف بنكرةٍ وتقول: هذا رجل أحمر شرك النعلين إذ جعلت الشراكين من النعلين وإن شئت لم تجعلهما من النعلين، فقلت: هذا رجل أحمر شراكي النعلين، وتقول: هاتان حمراوا الشراك لا صفراواها وإن شئت: حمراوا الشراكين لا صفراواهما وتقول: مررتُ بنعلك المقطوعتي إحدى الأذنين ومررت برجل مقطوع إحدى الأذنين ولا تقول: مررت برجلينِ مقطوعي إحدى الآذان لأن "إحدى" لا تثنى ولا تجمع وتقول: مررت برجل مكسور إحدى الجانبين ولا تقولُ: مررتُ برجلينِ مكسوري أحد الجنوب لأنه يلزمك أن تثني

_ 1 في الأصل "جميلاه" وهو خطأ.

"أحدًا" لأن جنب كل واحدٍ منهما مكسور، ولا يجوز تثنية أحدٍ ولا إحدى، لأن موضع أحدٍ، وإحدى من الكلام في الإِيجاب أن يدلا على أن معهما غيرهما ألا ترى أنك إذا قلت: إحداهما أو أحدهم فليس يكون إلا مضافًا لا بد من أن يكون معه غيره فلو ثنيت زال هذا المعنى وكذلك "كِلا وكلتا" لا يجوز أن يثنى ولا يجمع لأنهما يدلان على اثنين فلو ثنيا لزال ما وضعا له ولو قلت: مررتُ برجلين مكسوري أحد الجنوب، وأنت تريد أن أحدهما مكسور الجنب جاز على قبح؛ لأن تأويله: مررتُ برجلينِ مكسور أحد جنوبهما. قال الأخفش: ولو قلت: أي النعال المقطوعة إحدى الآذان نعلك وواحدة منهن المقطوعة إحدى الأذنين لجاز على قبحه وقال: ألا ترى أنك لو قلت: ضربت أحد رءوس القوم وإنما ضربت رأسًا واحدا لكان كلامًا ولو قلت: قطعتُ إحدى آذان هؤلاء القوم وإنما قطعت أذنًا واحدة لجاز وتقول: هذا رجلٌ لا أحمر الرأس فأقول: أحمره ولا أسوده فأقول: أسود ومررت برجلينِ لا أحمري الرءوس فأقول: أحمراهُما ولا أسوديهما فأقول: أسوداها ومررتُ برجالٍ لا حمرُ الرءوسِ فأقول: حُمرها ولا سودها فأقول: سودها ومررت بامرأةٍ لا حمراء الرأس فأقول: حمراوة ولا سوداية, فأقول: سودايةً، ونصبت "أقول" في كل هذا لأنها بالفاء وهو جواب النفي ورفعت ما بعد القول؛ لأن ما بعد القول لا يقع إلا مرفوعًا وعطفت قولًا وما بعده على الذي قبله وكذلك: مررت بامرأتين لا حمراوي الرءوس فأقول: حمراواهما ولا سوداويهما، فأقول: سوداواها وتقول: هذه امرأة أحمر ما بين عينيها لا أسود, ترفعُ "بين" إذا جعلت "ما" لغوًا، لأنك جعلت الصفة "للبين" فرفعته بها، كما ترفع بالفعل. وقلت: أسود ولم تصف لأنك لم تضف الأول، وكذلك تقول: هاتان امرأتان أحمر ما بينَ عينيهما لا أسود، فإن جعلت "ما" بمنزلة "الذي" ولم تجعلها زائدة وجعلتها في موضع رفع فرفعتهما بأحمر، نصبت البينَ لأنه

ظرفٌ فإن أضفت أحمر ونقلت إلى العينين قلت إذا، جعلت "ما" لغوًا قلت1: هذه امرأةٌ حمراءُ ما بينَ العينين لا سودائه، وهذا رجل أحمرُ ما بينَ العينين لا أصفره لما أضفت أحمر إلى ما بين, وأضفت أصفر إلى ضميره وتقول: هذان رجلان أحمرا ما بينَ الأعين لا أصفراه وهؤلاء رجال حمرُ ما بينَ الأعين لا صفره إذا ألغيت "ما" فإن جعلت "ما" بمنزلة "الذي" جعلتها في موضع جر وأضفت إليها الصفة، وجعلت "بين" ظرفًا "لما" فقلت: هاتان امرأتان حمراوا ما بينَ الأعين لا صفراواه، فهذه الهاء التي في قولك: لا صفراواه "لما" فكأنك قلت: هاتان امرأتانِ حمراوا الذي بين الأعينِ. واعلم أنه من قال: مررت برجلٍ حسنٍ الوجهَ، [قال: مررت برجل أحمرَ الوجهُ] 2؛ لأن أحمر لا ينصرف ومن قال: مررت برجل حسن الوجه جميله لم يجد بدًّا من أن يضيف جميلًا إلى مررت برجل حسن الوجه جميله لم يجد بدًّا من أن يضيف جميلًا إلى ضمير الوجه فكذلك: مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره لم يجد بدًّا من أن يضيف أصفر إلى ضمير الوجه وإذا أضافه انجر ويشبه هذا مررت برجل ضاربٍ أخاكَ لا شاتمِه لا تجد بدًّا من أن تقول: لا شاتمهِ لأنك تجيء بالاسم المفعول فإذا جئت بالاسم المفعول به في هذا الباب مضمرًا لم تكن الصفة إلا مضافة إليه نحو: هذان ضاربان غدًا فلذلك قلت: أصفره فصرفت "أصفر" لأنك أضفته ولم تجعله يعمل كعمل الأول، لأن المضمر والمظهر يختلفان في هذا الباب، ألا ترى أنك تقول: مررت بنسوةٍ ضوارب زيدًا لا قواتله تجر الآخر وتفتح ضوارب؛ لأنك أردت معنى التنوين، ويدلك على ذلك أنك تقول: مررت برجلين أحمرين الوجوه ولا أصفريها ولا يجوز بوجه من الوجوه أصفرنيها فإن قلت: لِمَ لا أقول: لا أصفرين لأن لَم أضف الأول فلا أضيف الآخر فلأن الأول قد وقع على شيء حين صار كالمفعول به، فلا بد من أن يكون

_ 1 أظنها زائدة. 2 أضفت هذه الجملة؛ لأن السياق يقتضيها.

الثاني أيضًا له مفعولٌ. نجزت الأسماء المرفوعاتُ والمنصوباتُ والمجروراتُ، وسنذكر توابعها في إعرابها إن شاء الله.

هذه توابع الأسماء في إعرابها

هذه توابع الأسماء في إعرابها شرح الأول وهو التوكيد ... هذه توابع الأسماء في إعرابها: التوابع خمسة: التوكيد والنعت وعطف البيان والبدل والعطف بالحروف، وهذه الخمسة: أربعة تتبع بغير متوسط، والخامس وهو العطف لا يتبع إلا بتوسط حرف، فجميع هذه تجري على الثاني ما جرى على الأول من الرفع والنصب والخفضِ. شرح الأول: وهو التوكيد. التوكيد يجيء على ضربين، إما توكيد بتكرير الاسم، وإما أن يؤكد بما يحيط به. الأول: وهو تكرير الاسم: اعلم: أنه يجيء على ضربين، ضرب يعاد فيه الاسم بلفظه, وضرب يعاد معناه، فأما ما يعاد بلفظه فنحو قولك: رأيت زيدًا زيدًا, ولقيت عمرًا عمرًا, وهذا زيدٌ زيدٌ, ومررت بزيدٍ زيدٍ, وهذا الضرب يصلح في الأفعال والحروف والجمل وفي كل كلام تريد تأكيده، فأما الفعل فتقول: قام عمرو, قامَ, وقم قمْ, واجلس اجلسْ, قال الشاعر: ألا فَاسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي ثَمَّتَ اسْلَمِي ... ثَلاثُ تَحيَّاتٍ وإنْ لم تكلَّمِي1 وأما الحروف فنحو قولك: في الدار زيدٌ قائمٌ فيها, فتعيد فيها

_ 1 الشاهد فيه جواز تأكيد الجملة تأكيدًا لفظيًّا كما يجوز تأكيد المفرد كذلك، والجملة مستقبلة كما هو ظاهر. وتكلمي أصله: تتكلمي بتاءين فحذف إحداهما, ولم أعثر على قائل هذا البيت. وانظر: ابن يعيش 3/ 39، وشرح الحماسة 3/ 1374.

"توكيدًا" وفيك زيدٌ راغِبٌ فيك, وقال الله عز وجل: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} 1، إلا أن الحرف إنما يكرر مع ما يتصل به لا سيما إذا كان عاملًا، وأما الجملُ فنحو قولك: قام عمرو قام عمرو, وزيدٌ منطلقٌ زيد منطلقٌ، والله أكبر الله أكبر، وكل كلام تريد تأكيده فلك أن تكرره بلفظه. الثاني: الذي هو إعادة المعنى بلفظٍ آخر نحو قولك: مررتُ بزيدٍ نفسهِ، وبكم أنفسكم، وجاءني زيدٌ نفسُه، ورأيت زيدًا نفسَهُ، ومررت بهم أنفسِهم, فحق هذا أن يتكلم به المتكلم في عقب شك منه ومن مخاطبه فتقول: مررت بزيدٍ نفسِه كما تقول: مررت بزيدٍ لا أشك, ومررت بزيد حقًّا لتزيل الشك فإذا قلت: قمت نفسُك فهو ضعيف لأن النفس لم تتمكن في التأكيد؛ لأنها تكون اسمًا تقول: نزلتُ بنفس الجبلِ، وخرجت نفسه، وأخرج الله نفسه، فلما وصلتها الاسم المضمر في الفعل الذي قد صار كأحد حروفه فأسكنت له ما كان في الفعل متحركًا, ضعف ذلك من حيث ضعف العطف عليه. فإن أكدته ظهر ما يجوز أن تحمل النفس عليه فقلت: قمتَ أنتَ نفسُكَ وقاموا هم أنفسُهم فإن أتبعته منصوبًا أو مجرورًا حسنٌ؛ لأن المنصوب والمجرور لا يغيران الفعل تقول: رأيتكم أنفسكم ومررت بكم أنفسِكم ومررتُ بكم أنفسِكم وتقول: إن زيدًا قامَ هو نفسُه فتؤكد المضمر الفاعل المتصل بالمكنى المنفصل وتؤكد المكنى المنفصل بالنفس كالظاهر. والمضمر المتصل يؤكد بالمضمر المتصل وللمكنيات باب يذكر فيه, فإن قلت: إن زيدًا قامَ نفسُه فحملتَهُ على المنصوب جاز وكذلك: مررت بهِ نفسِه ورأيتُك نفسَك لأن المنصوب والمجرور المضمرين لا يغيرُ لهما الفعل.

_ 1 هود: 108.

الضرب الثاني في التأكيد وهو ما يجيء للإِحاطة والعموم: تقول: جاءني القومُ أجمعون، وجاءني القومُ كلهُم، وجاءوني أجمعون وكلهم, وإن المال لكَ أجمع أكتع، ترفع إذا أردت أن تؤكد ما في "لك" وإذا أردت أن تؤكد المال بعينه نصبت وكذلك: مررتُ بدارك جمعاء كتعاء أو مررت بنسائك جمع كتع1. ولا يجوز بزيدٍ أجمع، ولا بزيدٍ كله وإنما يجوز ذلك فيما جازت عليه التفرقة, وأجمعون وما تصرف منها، وكل إذا كانت مضافة إلى الضمير وجميعهن يجرين على كل مضمر إلا أجمعين لا تكون إلا تابعة, لا تقول: رأيت أجمعين ولا مررت بأجمعين, لا يجوز أن يلي رافعًا ولا ناصبًا ولا جارا فلما قويت في الإتباعِ تمكنت فيه, وصلح ذلك في "كُلٍّ" لأنها في معنى "أجمعين" في العموم وذلك قولك: إن قومك جاءوني أجمعون ومررت بكم أجمعين فمعناها العموم وذلك مخالف لمعنى نفسه وأنفسهم؛ لأن أنفسهم وأخواتها تثبت بعد الشك فإذا قلت: مررتُ بهم كلِّهم فهو بمنزلة "أجمعين" ومررت بهم جميعهم, وتقول: مررت بدارك كلها ولا تقول: مررت بزيدٍ كله ولو قلت: أخذت درهمًا أجمع لم يجزْ لأن درهمًا نكرة وأجمع معرفة2 كما لا يجوز: مررت برجلٍ الظريف إلا على البَدلِ ولا يجوز البدل في "أجمعَ" لأنه لا يلي العوامل, ولكن يجوز: أخذت الدرهم أجمع وأكلت الرغيف كله. فأما قولهم: مررت بالرجلِ كُلِّ الرجلِ، فقال أبو العباس: معناه: مررت بالرجل المستحقِّ لأن يكون الرجلَ الكاملَ لأنك [لا] 3 تقول ذاك إلا وأنت تريد حزمه ونفاذه أو جبنه وشجاعتَهُ، وما أشبه ذلك، فإذا

_ 1 انظر الكتاب 2/ 5. 2 قال المبرد في المقتضب 3/ 342، وأجمع لم يكن نكرة وإنما هو معرفة ونعت, فإذا سميت به صرفته في النكرة. 3 أضفت كلمة "لا" لأن المعنى يحتاجها.

[قلت] 1: مررت بالرجلِ كل الرجلِ، فهو كقولك: مررت بالعالمِ حقِّ العالمِ, ومررت بالظريف حقِّ الظريفِ, ولو قلت على هذا: مررت بزيدٍ كل الرجل لم يجز إلا ضعيفًا، لأن زيدًا اسم علم وليس فيه معنى تقريظ ولا تخسيس وكذلك: مررت برجلٍ كلِّ رجلٍ وبعالم حق عالمٍ وبتاجر خيرِ تاجرٍ فجميع هذا ثناء مؤكد وليس بنعت يخلص واحدًا من آخر ولو قلت: زيدٌ كلُّ الرجلِ فجعلته خبرًا صَلُحَ لأنه ليس بتأكيد لشيء ولكنه ثناءٌ خالص كما تقول: زيدٌ حقٌّ العالمِ وزيد عينُ العالم لأنك لو قلت: مررت بزيدٍ حَقِّ العالمِ لم يكن هذا موضعه وتقول: مررت بالرجلين كليهما ومررت بالمرأتين كلتيهما ولك أن تجري ثلاثتهم وأربعتَهم مجرى كلهم فتقول: مررت بهم ثلاثتهم ولك أن تنصب كما تنصب "وحدَهُ" في قولك: مررت برجلٍ وحدَهُ وكذلك المؤنث: مررت بهن ثلاثَتِهن وأربعَتهن ولك أن تقول: أتينني ثلاثتهن وأربعتهن نصبًا ورفعًا قال الأخفش: فإذا جاوزت العشرة لم يكن إلا مفتوحًا إلى العشرين، تقول للنساء: أتينني ثماني عشرهن وللرجال: أتوني ثمانية عشرهم وأما نصبكَ "وحدَهُ" فعلى المصدر كأنك قلت: أوحدَتُه إيحادًا فصار وحده كقولك: إيحادًا كأنك قلت: أفردتهُ إفرادًا وتقول: إنَّ المالَ لكَ أجمع أكتعُ إذا أردت أن تؤكد ما في "لكَ". وأما "كُلهم" فالأحسن أن تكون جامعين وقد يجوز أن تلي العوامل وتقول إن القومَ جاءوني كلهُم وكلهم: النصب إذا أكدت "القومَ" والرفع إذا أكدت الفاعلين المضمرين في "جاءوني" ويجوز أن تقول: إن قومَك كلهُم ذاهبٌ يحسن عند الخايل أن يكون مبتدأً بعد أن تذكر "قومَك" فيشبه التوكيد لأن التوكيد لا يكون إلا جاريًا على ما قبله ويجوز أيضًا قومكَ ضربت كلهم لهذه الإِضافة الواقعة في "كُلِّ" فصار معاقبًا "لبعضهم" كقولك: ضربتُ بعضهم وهو على ذلك ضعيف والصواب الجيد: قومك ضربتهم كلهم لأن المعنى معنى "أجمعينَ" في العموم والتأكيد فأما قوله عز

_ 1 أضفت كلمة "قلت" لإيضاح المعنى.

وجل: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} 1 فالنصب على التوكيد للأمر، والرفع على قولك: إن الأمر جميعه لله2. واعلم: أنه لا يجوز أن تقول: مررت بقومِكَ إما بعضهم وإما أجمعينَ، وإما كلهُم وإما بعضهم لأن أجمعينَ لا تنفرد، ولكن تقول: إما بهم كلهم وإما بهم أجمعينَ فإن قلت: مررت بقومكَ إما كلهم وإما بعضهم جاز على قبحٍ فأما ما يؤكد به "أجمعون" من قولك: جاءني قومُكَ أجمعون أكتعونَ ونحوه فإنما هو مبالغة ولا يجوز أن يكون أكتعون قبل "أجمعين" وكذلك سائر هذه التوكيدات نحو قولك: ويلة وعولة وهو جائعُ نائعُ وعطشان نطشان وحسن بسن وقبيح شقيح وما أشبه هذا إلا يكون المؤكِّدُ قبل المؤكَّدِ وكلاهما وكلتاهما وكلهن يجرين مجرى "كلهم" فأما النكرة فلا يجوز أن تؤكدُ بنفسه ولا أجمعينَ ولا كلهم لأن هذه معارف فإن أكدت بتكرير اللفظ بعينه لم يمتنع أن تقول: رأيتُ رجلًا رجلًا وأصبتُ درةً درة فأما قولهم: "مررت برجلٍ كلِّ رجلٍ" فإنما هذا على المبالغة في المدح كأنك قلت: مررت برجلٍ كاملٍ.

_ 1 آل عمران: 154. 2 أي: على الابتداء.

الثاني من التوابع وهو النعت

الثاني من التوابع وهو النعتُ: النعت ينقسم بأقسام المنعوتِ في معرفته ونكرتِه، فنعتُ المعرفةِ معرفةٌ، ونعت النكرةِ نكرةٌ والنعت يتبع المنعوت في رفعه ونصبه وخفضه، وأصل الصفة أن يقع للنكرةِ دون المعرفةِ، لأن المعرفةَ كان حقها أن تستغني بنفسها، وإنما عرض لها ضرب من التنكير فاحتيج إلى الصفة، فأما النكرات فهي المستحقة للصفات لتقرب من المعارف، وتقع بها حينئذٍ الفائدة، والصفة: كل ما فرق بين موصوفين مشتركين في اللفظ، وهي تنقسم على خمسة أقسام:

القسم الأول: حلية للموصوف تكون فيه أو في شيء من سببه. الثاني: فعلٌ للموصوف يكون به فاعلًا هو أو شيء من سببهِ. الثالث: وصفٌ ليس بعمل ولا بحليةٍ. الرابع: وصفٌ ينسبُ إلى أبٍ أو بلدة أو صناعة أو ضرب من الضروبِ. الخامس: الوصفُ "بذي" التي في معنى صاحبٍ لا بذو التي في معنى "الذي". شرح الأول: وهو ما كان حلية للموصوف تكون فيه أو في شيء من سببه نحو الحلية: نحو الزرقة والحمرةِ، والبياضِ والحول، والعور، والطول والقصر والحسنِ والقبح وما أشبهُ هذه الأشياء، تقول: مررت برجل أزرق وأحمرَ وطويل وقصير وأحول وأعور وبامرأة عوراء وطويلة زرقاء وبرجلٍ حَسَنٍ وبامرأة حسنَةٍ فجميعُ هذه الصفات قد فرقت لك بين الرجلِ الأزرق وغيره والأحمر وغيره والرفع والنصب مثل الخفضِ، والرجل والجمل والحجرُ في الوصف سواء إذا وصفتهنَّ بما هو حليةٌ لهن، فأما الموصوف بصفة ليست له في الحقيقة وإنما هي لشيء من سببه، وإنما جرت على الاسم الأول لأنها تفرق بينه وبين منْ له اسم مثل اسمِه، وذلك قولك: مررتُ برجلٍ حَسنٍ أبوهُ ومضيت إلى رجلٍ طويل أخوهُ وقد تقدم ذكر الصفة التي تجري على الموصوف في الإِعرابِ إذا كان لشيءٍ من سببه عورض بها وقلنا: إنه إنما يجري على الاسم منها ما كان مشبهًا باسم الفاعل مما تدخله الألف واللام أو يثنى ويجمع بالواو والنون ويذكّر ويؤنث. شرح الثاني من النعوت: وهو ما كان فعلًا للموصوف يكون به فاعلًا أو متصلًا بشيءٍ من سببه وذلك نحو "قائمٍ" وقاعدٍ، وضاربٍ ونائمٍ، تقول: مررت برجلٍ قائمٍ،

وبرجلٍ نائمٍ، وبرجل ضاربٍ، وهذا رجلٌ قائمٌ ورأيت رجلًا قائمًا، فهذه صفة استحقها الموصوف بفعله، لأنه لما قام وجب أن يقالَ له: قائمٌ ولما ضَرَبَ، وجب أن يُقال له: ضاربٌ، وكذلك جميع أسماء الفاعلينَ على هذا، نحو: مكرم, ومستخرج، ومدحرج، كثرت حروفُه أو قلت ولهذا حَسُنَ أن توصف النكرة بالفعل فتقول: مررتُ برجلٍ ضَرب زيدًا وبرجلٍ قامَ وبرجلٍ يضربُ لأنه ما قيل له ضاربٌ إلا بعد أن ضَربَ أو يضربُ في ذلك الوقت أو يكون مقدرًا للضربِ لأن اسم الفاعل إنما1 يجري [مجرى] 2 الفعل، فجميع هذا الذي ذكرت لك -من أسماء الفاعلين- يجري على الموصوفات التي قبلها فيفصل بين بعض المسميات وبعضٍ إذا أخلصتها نحو: مررتُ برجلٍ ضاربٍ وقاتلٍ ومكرمٍ ونائمٍ وكذلك إن كانت لما هو من سبب الأول نحو قولك: مررت برجلٍ ضاربٍ أبوه وبرجلٍ قائم أخوهُ ورأيت رجلًا ضاربًا أخوه عمرًا وهذا رجلٌ شاكر أخوه زيدًا ولك أن تحذف التنوين -وأنت تريده- من اسم وتضيف فتقول: مررت [برجل] 3 ضاربِ زيدٍ غدًا، وبرجلِ قاتلِ بكرٍ الساعةَ، وقد بينت ذا فيما تقدم, وكذا إن كان الفعل متصلًا بشيءٍ من سبب الأول تقول: مررت برجلٍ ضاربٍ رجلًا أبوه وبرجلٍ مخالطِ بدنَه داءٌ ولك أن تحذف التنوين كما حذفت فيما قبله فتقول: مررت برجلٍ ضاربِ رجلٍ أبوهُ وبرجلِ مخالطِ بدنه داءٌ. وحكى سيبويه عن بعض المتقدمين من النحويين أنه كان [لا] 4 يجيز إلا النصب في: مررتُ برجلٍ مخالطٍ بدنه داءٌ فينصبون "مخالطَ" وردَّ هذا القول وقال: العمل الذي لم يقع والعمل والواقع الثابت في هذا الباب

_ 1 في الأصل: "إما". 2 أضفت كلمة "مجرى" لإيضاح المعنى. 3 أضفت كلمة "رجل" لإيضاح المعنى. 4 أضفت كلمة "لا" لأن المعنى يستقيم بها.

سواءٌ، قال: وناس من النحويين يفرقون بين التنوين وغير التنوين، ويفرقون إذا لم ينونوا بين العمل الثابتِ الذي ليس فيه علاجٌ يرونَهُ نحو الآخذِ واللازم والمخالطِ، وبين ما كان علاجًا نحو الضاربِ والكاسر فيجعلون هذا رفعًا على كل حال ويجعلون اللازم ما أشبههُ نصبًا إذا كان واقعًا فإن جعلت ملازمهُ وضاربه وما أشبه هذا لما مضى صار اسمًا ولم يكن إلا رفعًا، تقول: مررتُ برجلٍ ضاربهُ زيدٌ أمسِ، وبرجلٍ ضارب أبيه عمرو أمس ورأيتُ رجلًا مخالطه داءٌ أمسِ1. شرح الثالث: من النعوت وهو ما كان صفة غير عمل وتحلية: وذلك نحو العقلِ والفهمِ، والعلم والحزنِ، والفرحِ, وما جرى هذا المجرى، تقول: مررتُ برجلٍ عالم وبرجل عاقلٍ ورجل عالمٍ أبوهُ، وبرجل ظريفةٍ جاريتُهُ فجميع هذه الصفات وما أشبهها وقاربها فحكمها حكمٌ واحدٌ، وقياسُها قياسُ ضاربٍ وقائمٍ في إعرابها إذا كانت متصرفةً كتصرفها. شرح الرابع: وهو النسب: إذا نسبت إلى أبٍ أو بلدةٍ أو صناعةٍ أو ضربٍ من الضروب جرى مجرى النعوت التي تقدم ذكرها، وذلك قولك: مررتُ برجلٍ هاشمي، وبرجلٍ عربيٍّ منسوب إلى الجنس وكذلك عجمي وبرجلٍ بزازٍ وعطارٍ, وسراج وجمّال ونجار فهذا منسوبٌ إلى الأمور التي تعالج وبرجلٍ بصري، ومصري، وكوفي وشامي فهذا منسوب إلى البلد وتقول: مررتُ برجلٍ دارعٍ ونابلٍ أي: صاحبُ درعٍ وصاحبُ نبلٍ، وكذلك برجلِ

_ 1 انظر الكتاب 1/ 226-228.

فارسٍ، فجميع هذه الأشياءُ إنما صارت صفاتٍ بما لها من معنى الصفةِ، وسنبين النسب في بابه، فإنه حدٌّ من النحو كبير -إن شاء الله- فأما أبٌ وأخٌ وابنٌ وما جرى مجراهن، فصفاتٌ ليست منسوبة إلى شيءٍ، وهي أسماءٌ أوائل في أبوابها و [لا] 1، يجوز أن تنسب إليها كنسب هاشمي المنسوب إلى هاشم ولا كعطارِ المنسوب إلى العطرِ ولا دارع المنسوب للدرعِ. شرح الخامس: وهو الوصفُ بذي: وذلك نحو: مررتُ برجلٍ ذي إبلٍ وذي أدبٍ وذي عقل وذي مروءة، وما أشبه ذلك، ويفسر بأن معناه "صاحبٌ" ولا يكون إلا مضافًا ولا يجوز أن تضيفه إلى مضمر وإذا وصفت به نكرةً أضفته إلى نكرةٍ وإذا وصفت به معرفةً أَضَفْتَ إلى الألف واللام ولا يجوز أن تضيفه إلى زيدٍ وما أشبههُ وتقول للمؤنث "ذاتِ" تقول: مررتُ بامرأةٍ ذات جمالٍ وإذا ثنيت قلت: مررت برجلينِ ذوي مالٍ وهذان رجلانِ ذوا مالٍ وهاتانِ امرأتان ذواتا مالٍ وهؤلاء رجالٌ ذوو مالٍ ونساء ذوات مالٍ فأما "ذو" التي بمعنى "الذي" فهي لغةُ طيءٍ فحقها أن يوصفَ بها المعارف. ذكر الصفات التي ليست بصفات محضة: هذه الصفات التي ليست بصفات محضة في الوصف يجوز أن تبتدأ كما تبتدأ الأسماء، ويحسن ذلك فيها وهي التي لا تجري على الأول إذا كانت لشيءٍ من سببه، وهي تنقسم ثلاثة أقسام: مفردٍ، ومضافٍ، وموصولٍ. فالأول: المفرد نحو قولك: مررتُ بثوبٍ سبعٍ، وقول العرب: أخذَ بنو فلانٍ من بني فلانٍ إبلًا مائةً. وقال الأعشى: لئن كنتَ في جُبٍّ ثمانينَ قامةً ... ورقيتَ أسبابَ السماءِ بسلمِ2

_ 1 أضفت "لا" لإيضاح المعنى. 2 من شواهد سيبويه 1/ 231 "أجرى فيه الثمانين على الجب نعتًا له؛ لأنها تنوب مناب طويل وعميق ونحوه، فكأنه قال: في جب بعيد القعر طويل، يقول هذا ليزيد بن مسهر الشيباني متوعدًا له بالهجاء والحرب، لا ينجيك مني بعدك وضرب رقيه في السماء وهويه تحت الأرض مثلًا، والأسباب الأبواب؛ لأنها تؤدي إلى ما بعدها، وكل ما أدى إلى غيره فهو سببه، وأصل، السبب الحبل؛ لأنه يوصل إلى الماء، ونحوه مما يبعد مرامه، وانظر: ابن يعيش 2/ 74.

ومررتُ بحيةٍ ذراعٍ، فإذا قلت: مررت بحيةٍ ذراعٌ طولها رفعت "الذراع" وجعلت ما بعد "حيةٍ" مبتدأً وخبرًا وكذلك مررت بثوب سبعٌ طوله, ومررت برجلٍ مائةٌ إبلُه. قال سيبويه: وبعض العرب يجره كما يجر الخزَّ حين تقول: مررت برجلِ خَزٍّ صُفَتُه1، وهو قليل: كما تقول: مررت برجل أسد أبوهُ، إذا كنت تريد أن تجعله شديدًا ومررت برجلٍ مثل الأسد أبوهُ إذا كنت تشبهه فإن قلت: مررت بدابةٍ أسدٌ أبوها، فهو رفعٌ لأنك إنما تخبر أن أباها هذا السبعُ قال: فإن قلت: مررت برجلٍ أسدٌ أبوهُ على هذا المعنى رفعت لأنك لا تجعل أباه خلقته كخلقة الأسد ولا صورته هذا لا يكون ولكنه يجيء كالمثل ومن قال: مررتُ برجلٍ أسدٌ أبوهُ قال: مررت برجلٍ مائةٌ إبلُه وزعم يونس: أنه لم يسمعهُ من ثقةٍ2 ولكنهم يقولون: هو نارٌ جُمْرة لأنهم قد يبنون الأسماء على المبتدأ ولا يصفون بها فالرفع فيما كان بهذه الحال الوجه قال: ومن قال: مررتُ برجلٍ سواءٍ والعدمُ كان قبيحًا حتى تقول: هو والعدمُ لأن في "سواءٍ" اسمًا مضمرًا مرفوعًا، كما تقول: مررتُ بقومٍ عربٍ أجمعونَ، فارتفع "أجمعونَ" على مضمرٍ في "عَربٍ"3 في النيةِ، فالعدم هنا معطوف على المضمر الثاني المضاف وذلك قولهم: مررتُ برجلٍ أي رجلٍ, وبرجلٍ أيما رجلٍ, وبرجل أبي عشرةٍ، وبرجلٍ كُلِّ

_ 1 انظر الكتاب 1/ 230-231. 2 انظر الكتاب 1/ 231. 3 انظر الكتاب 1/ 232.

رجلٍ، وبرجل مثلِكَ، وغيرك وبرجلٍ أفضلَ رجلٍ وما أشبههُ، فجميع هذا يجري على الموصوف في إعرابه في رفعه ونصبه وجره إذا أخلصتها له فإن جعلت شيئًا من هذه الصفات رافعًا لشيء من سببه لم يجز أن تصف به الأول، ولا تجريه عليه، ورفعته فقلت: مررت برجلٍ أبو عشرةٍ أبوه وبرجلٍ أفضلَ رجلٍ أبوه وبرجلِ مثلكَ أخوهُ وبرجل غيركَ صاحبُه, وكلُّ ما ورد عليك من هذا النحو فقسهُ عليه. الثالث: النعت الموصول المشبه بالمضاف: وإنما أشبه المضاف لأنه غير مستعمل إلا مع صلته، وذلك نحو: أفضل منكَ وأب لكَ وأخ لكَ وصاحبٌ لكَ فجميع هذه لا يحسن أن تفردها من صلاتها لو قلت: مررت برجلٍ أبٍ وبرجلٍ أخٍ لك وبرجلٍ خيرٍ وبرجل شَرٍّ لم يجز حتى تقول: مررتْ برجلٍ أبٍ لك وبرجل أخٍ لك وبرجل خيرٍ منكَ فجميع هذه إذًا أخلصتها للموصوف ولم تعلقها بشيءٍ من سببه أجريتها على الأول فقلت: هذا رجلٌ خيرٌ منكَ وصاحبٌ لكَ وأبٌ لكَ ورأيت رجلًا خيرًا منكَ وأبًا لكَ ومررت برجلِ خيرٍ منكَ وأبٍ لكَ فإن علقتها بشيء من سببه رفعت وغلبت عليها الاسمية فقلت: مررت برجلٍ أبٍ لكَ أبوهُ وبرجلٍ صاحبٍ لكَ أخوه وبرجلٍ خير منه أبوه ترفع جميع هذا على الابتداء والخبر والجر لغة، وليست بالجيدة وتقول: ما رأيت رجلًا أبغضَ إليه الشرُّ منهُ إليه، وما رأيتُ آخر [أحسن] 1 في عينه الكحلُ منه في عين زيدٍ فإنما جرى: "أبغضُ وأحسنُ" على "رجلٍ" في إعرابه. وإن كان قد وقع بهما الشر والكحلَ، لأن الصفة في المعنى له، وليس هنا موصوفٌ غيره لأنه هو المبغضُ للشر وهو الحسنُ بالكحلِ فلهذا لم يشبه: مررت برجلٍ خيرٍ منهُ أبوهُ لأن أباه غيره وليس له في الخبر الذي

_ 1 أضفت كلمة "أحسن" لإيضاح المعنى.

في "أبيهِ" نصيبٌ وقد تخفضُ العرب هذا الكلام فتقول: ما رأيتُ رجلًا أحسن في عينه الكحل من زيدٍ، وما رأيت أبغضَ إليه الشرُّ منهُ فإذا فعلوا هذا جعلوا الهاء التي كانت في "منهُ" للمذكرِ المضمرِ وكانت للكحلِ والشرِّ وما أشبههما, قال الشاعر: مَرَرْتُ عَلَى وادي السِّبَاعِ ولا أَرَى ... كَوَادي السِّبَاعِ حِينَ يُظْلمُ وَادِيا أقلَّ بهِ رَكْبٌ أَتَوْهُ تئيةً ... وأخوْفَ إلاّ ما وقى الله ساريا1 قال سيبويه: إنما أراد: أقلَّ به الركب تئيةً منهم ولكنه حذف ذلك استخافًا كما تقول: أنت أفضلُ، ولا تقولُ من أحدٍ، وتقول: الله أكبرُ، ومعناه: أكبر من كلِّ كبير وكلِّ شيءٍ. وكما تقول: لا مالَ ولا تقول لك2. واعلم: أن ما جرى نعتًا على النكرة فإنه منصوبٌ في المعرفة على الحال وذلك قولك: مررتُ بزيدٍ حسنًا أبوهُ ومررتُ بعبد الله ملازمكَ وما كان في النكرة رفعًا غير صفةٍ فهو في المعرفة رفعٌ فمن ذلك قولهُ عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} 3 لأنك تقول: مررت برجلٍ سواءٌ محياهُ ومماتهُ وتقول: مررت بعبد الله خير منهُ أبوهُ، ومن أجرى هذا على الأول في

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 233 على قوله: "أقل به ركب" وحذفه تمام الكلام اختصارًا لعلم السامع والتقدير: أقل به ركب أتوه منهم بوادي السباع، فجرى في الحذف مجرى قولهم: الله أكبر، ومعناه الله أكبر من كل شيء. والبيتان لسحيم بن وثيل، يقول: وافيت هذا الوادي ليلًا وهو وادٍ بعينه فأوحشني لكثرة سباعه، فرحلت عنه ولم أمكث فيه لوحشته، والتئية: الثابت والماكث، ورفع الركب "بأقل" والمعنى: ولا أرى كوادي السباع واديًا أقل به الركب الآتوه تئية منهم بوادي السباع. وانظر منهج السالك/ 134, وارتشاف الضرب/ 373, وشواهد الألفية للعاملي/ 302, وشرح شواهد ابن عقيل/ 167. 2 انظر الكتاب 1/ 233. 3 الجاثية: 21

النكرة نصبه هنا على الحال، فقال: مررت بعبدِ اللهِ خيرًا منهُ أبوهُ، وهي لغةٌ رديئةٌ1، وقد يكون حالًا ما لا يكون صفةً، لأن الحال زيادة في الخبر فأشبهت خبر المبتدأ الذي يجوزُ أن يكون صفةً ويجوز أن يكون اسمًا, والصفة ما كانت تفرق بين اسمين، والحال ليست تفرق بين اسمين, وقد يجوز أن يكون من اسم لا شريكَ له في لفظه ولكنها تفرق بين صاحبِ الفعل فاعلًا كان أو مفعولًا وبين نفسه في وقتهن فمما استعملوه حالًا ولم يجز أن يكون صفةً. قولهم: مررتُ بزيد أسدًا شدة، قال سيبويه: إنما قال النحويون: مررتُ برجلٍ أسدًا شدةً وجرأةً، إنما يريدون: مثل الأسد وهذا ضعيفٌ قبيحٌ لأنه لم يجعل صفةً، إنما قاله النحويون تشبيهًا بقولهم: مررتُ بزيدٍ أسدًا شدةً، وقد يكون خبرًا ما لا يكون صفةً2 واعلم أنهم ربما وصفوا بالمصدر نحو قولك: رجلٌ عدلٌ وعلم، فإذا فعلوا هذا فحقه أن لا يثنى ولا يجمع، ولا يذكّر ولا يؤنث والمعنى إنما هو ذو عَدلٍ فإن ثنى من هذا شيءٌ فإنما يشبه بالصفة إذا كثر الوصف به والنكرة توصف بالجمل وبالمبتدأ والخبر والفعل والفاعلِ، لأن كلَّ جملة فهي نكرةٌ، لأنها حديثٌ وإنما يحدث بما لا يعرف ليعيدهُ السامع فيقول: مررتُ برجلٍ أبوهُ منطلقٌ فرجل صفته مبتدأ وخبره وتقول: مررتْ برجلِ قائمٌ أبوهُ فهذا موصوف بفعل وفاعلٍ ولا يجوز أن تصف المعرفة بالجمل لأن الجملَ نكراتٌ والمعرفة لا توصف إلا بمعرفةٍ فإذا أردت ذلك أتيت "بالذي" فقلت: مررتُ بزيدٍ الذي أبوهُ قائمٌ، وبعمروٍ الذي قائمٌ أبوهُ. ذكر وصف المعرفة: وهو ينقسم بأقسام المعارف إلا المضمر فإنه لا يوصف به، وأقسام

_ 1 انظر الكتاب 1/ 233. 2 انظر الكتاب 1/ 233.

الأسماء المعارف خمسةٌ، العلم الخاصُ والمضاف إلى المعرفةِ، والألف واللام، والأسماء المبهمةُ والإِضمار. فالموصوف منها أربعٌ: الأول: وهو العلم الخاص: يوصف بثلاثة أشياء بالمضاف إلى مثله، وبالألف واللام نحو: مررتُ بزيدٍ أخيكَ والألف واللام نحو: مررتَ بزيدٍ الطويلِ وما أشبه هذا من الإِضافة والألف واللام. وأما المبهمة فنحو: مررتُ بزيدٍ هذا وبعمروٍ ذاكَ والمرفوع والمنصوب في أتباع الأول كالمجرورِ. الثاني: المضاف إلى المعرفة يوصف بثلاثة أشياء، بما أضيف كإضافته، وبالألف واللام والأسماء المبهمةُ وذلك مررتُ بصاحبِكَ أخي زيدٍ ومررتُ بصاحبِكَ الطويلِ ومررتُ بصاحبِكَ هذا. الثالث: الألف واللامُ: يوصف بالألف واللامِ، وربما أضيف إلى الألف واللامِ، لأنه بمنزلة الألف واللامِ وذلك قولكَ مررتُ بالجميلِ النبيلِ، ومررت بالرجلِ ذي المالِ. الرابع: المبهمةُ: توصف بالأسماء التي فيها الألفُ واللامُ، والصفات التي فيها الألف واللامُ جميعًا. قال سيبويه: وإنما وصفت بالأسماء1 لأنها والمبهمة كشيءٍ واحدٍ. والصفات التي فيها الألف واللام هي بمنزلة الأسماء في هذا الموضع وليست بمنزلة الصفاتِ في زيدٍ وعمروٍ، يعني أنك إذا قلت: هذا الطويل، فإنما تريد: الرجل الطويل أو الرمح الطويل أو ما أشبه ذلك، لأن هذا مبهم يصلح أن تشير به إلى كل ما بحضرتك فإذا ألبس على السامع فلم يدر إلى الرجل تشير أم إلى الرمح وجب أن تقول: بهذا الرجلِ أو بهذا الرمحِ فالمبهم يحتاج إلى أن يميز بالأجناسِ عند الإِلباس، فلهذا صار هو وصفتُه بمنزلة شيءٍ واحدٍ، وخالف

_ 1 انظر الكتاب 1/ 221.

سائر الموصوفات؛ لأنها لم توصف بالأجناس، وإنما يجوز أن تقول بهذا الطويلِ، إذا لم يكن بحضرتكَ طويلانِ فيقع لبسٌ، فأما إذا كان شيئانِ طويلانِ لم يجز إلا أن تذكر الاسم قبل الصفة وهذا المعنى ذكره النحويون مجملًا وقد ذكرته مفصلًا واعلم أن صفة المعرفة لا تكون إلا معرفةً كما أن صفة النكرةِ لا تكون إلا نكرةً ولا يجوز أن تكون الصفةُ أخص من الموصوفِ ألا ترى أنك إذا قلت: مررتُ بزيدٍ الطويلِ فالطويلُ أعم من زيد وحدُه والأشياء الطوال كثيرة وزيدٌ وحدُه أخص من الطويل وحده فإن قال قائل: فكان ينبغي إذا وصفت الخاص بالعامِ أن تخرجه إلى العموم؟ قيلَ له: هذا كانَ يكونُ واجبًا لو ذكرَ الوصف وحدهُ، فقلت: مررتُ بالطويلِ لكانَ لَعمري أعم من زيدٍ ولكنك إذا قلت: بزيدِ الطويلِ كان مجموع ذلك أحسن من زيدٍ وحده ومن الطويل وحده ولهذا صارت الصفة والموصوف كالشيء الواحد. واعلم: أنه لك أن تجمع الصفة وتفرق الموصوف إذا كانت الصفة محضة، ولم تكن اسما وصفت به مبهمًا. ولك أن تفرق الصفة وتجمع الموصوف في المعرفة والنكرة فتقول: مررتُ بزيدٍ وعمروٍ وبكرٍ الطوال تجمع النعت وتفرق المنعوت وتقول: مررتُ بالزيدينِ الراكبِ والجالسِ والضاحكِ فتجمع الاسم وتفرق الصفة, ولكن المفرق يجب أن يكون بعدد المجموع وليس لك مثل هذا في المبهم لا يجوز أن تقول: مررتُ بهذينِ: الراكع والساجد، وأنت تريد الوصف؛ لأن المبهم اسم وصفته اسم فهما اسمان يبين أحدهما، الآخر فقاما مقام اسم واحد ولا يجوز أن يفرقا، لا يثني أحدهما ويفرد الآخر، بل يجب أن يكون مناسبًا له في توحيده وتثنيته وجمعه ليكون مطابقًا له، لا يفصل أحدهما عن الآخر.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: إن خيرهم كلهم زيدٌ، وإن لي قبلكم كلكم خمسين درهمًا وإن خيرهما كليهما أخوك، لا يكون "كلَيهما" من نعت "خيرٍ" لأن خيرًا واحدٌ.

وتقول: جاءني خيرُهما كليهما راكبًا، وإن خيرهما كليهما نفسه زيد، فيكون "نفسُه" من نعت "خيرٍ" وتقول: جاءني اليوم خيرهما كليهما نفسُه، وقال الأخفش: أن عبدَ الله ساجٌ بابُهُ منطلقٌ فجعل "ساجٌ بابُه" في موضع نصب على الحال لأَنه كان صفة للنكرة. وتقول: مررتُ بحسنٍ أبوهُ تريد: رجلٌ حَسن أبوه وبأحمرَ أبوهُ، ولا يجوز: رأيت ساجًا بابُهُ تريد: رأيت رجلًا ساجًا بابُه. وتقول: مررتُ بأصحابٍ لكَ أجمعونَ أكتعونَ لأن في "لَكَ" اسمًا مضمرًا مرفوعًا, ومررتُ بقومٍ ذاهبينَ أجمعونَ أكتعونَ، لأن في "ذاهبين" اسمًا مرفوعًا مضمرًا، وكذلك: مررت بدرهمٍ أجمع أكتع ومررت بدارٍ لك جمعاءَ كتعاءَ ومررت بنساءٍ لكَ جمع كتع ولا يجوز أن تكون هذه الصفة للأول لأن الأول نكرة وتقول: مررت بالقوم ذاهبينَ أجمعينَ أكتعينَ إذا أكدت القومَ فإن أجريته على الاسم المضمر في "ذاهبين" رفعت فقلت: أجمعونَ أكتعونَ. وتقول: مررت برجلٍ أيما رجلٍ، وهذا رجلٌ أيما رجلٍ، وهذان رجلانِ أيما رجلينِ وهاتان امرأتانِ أيتما امرأتين ومررت بامرأتين أيتما امرأتينِ و"ما" في كل هذا زائدة وأضفت أيًّا وأية إلى ما بعدها. وتقول: مررت برجل حسبكَ من رجلٍ, وبامرأة حسبكَ من امرأة, وهذه امرأةٌ حسبك من امرأةٍ، وهاتان امرأتان حسبك من امرأتين وتقول: هذا رجلٌ، ناهيكَ من رجلٍ وهذه امرأة، ناهيتك من امرأةٍ فتذَكر "ناهيًا" وتؤنثه لأنه اسم فاعل ولا تفعل ذلك في "حسبكَ" لأنه مصدر وتقول في المعرفة: هذا عبد الله حسبكَ من رجل وهذا زيد أيما رجلٍ فتنصب "حسبكَ" وأيما على الحال. وهذا زيدٌ ناهيكَ من رجلٍ وهذه أمة الله أيتما جاريةٍ. وتقول: مررت برجلين لا عطشاني المرأتين، فأقول: عطشاناهما ولا ريانيهما، فأقول: رياناهما وتقول: مررت برجال لا عطاش النساء فأقول:

عطاشهن ولا روائهن، فأقول: رواؤهن، وإنما قلت: رواء لأنه فعال من رويت. وتقول: هاتان امرأتان عطشيا الزوجين لا ريياهما وتقول هؤلاء نساءٌ لا عطاش الأزواج، فأقول: عطاشهم، ولا رواؤهم، فإذا جمعت: ريّا، وريان، فهو على فعال. وتقول: مررت برجل حائضٍ جاريتُه، ومررت بامرأة خصي غلامُها، ولو قلت: مررت برجلِ حائض الجارية لقَبحَ لأنك إن أدخلت الألف واللام جعلت التأنيث والتذكير على الأول فأنت تريد أن تذكر حائضًا لأن قبله رجلًا والحائض لا يكون مذكرًا أبدًا، وقال بعضهم: هذا كلام جائز لأن "حائضًا" مذكر في الأصل، وقد أُجيز، مررت بامرأة خصي الزوجِ، لأن خصيًا فعيلٌ مما يكون فيه مفعولُه فهذا يكون للمذكر والمؤنث سواء ولا يجوز: مررت برجلٍ عذر الجاريةِ إذا كان الجارية، عُذرًا وكذلك: مررت بامرأة محتلمة الزوجِ لأن محتلمًا مما لا يكون مؤنثًا وكذلك: مررت بامرأةٍ آدر1 الزوجِ، ولا يجوز: مررت برجلٍ أعْفلَ المرأةِ؛ لأن أعفل مما لا يكون في الكلام2. ومن قال: مررت برجل كفاكَ به رجلًا، قال للجميع: كفاكَ بهم، وللاثنين: كفاكَ بهما، لأن اسم الفاعل هو الذي بعد الباء، والباءُ زائدةٌ وفي هذا لغتان: منهم من يجريه مجرى المصدر فلا يؤنثه ولا يثنيه ولا يجمعه، ومنهم من يجمعه فعلًا، فيقول: مررت برجل هدكَ من رجلٍ، وبامرأةٍ هدتك3 من امرأة، وإن أردت الفعل في "حسبكَ" قلت: مررت برجل

_ 1 آدر: الأدرة -بالضم- نفخة في الخصية. 2 يقال: عفلت المرأة عفلًا فهي عفلاء, والعفلة: بضارة المرأة، ولا يكون بالأبكار ولا يصيب المرأة إلا بعد أن تلد، وقال ابن دريد: العفل في الرجال غلظ يحدث في الدبر وفي النساء غلظ في الرحم. 3 انظر الكتاب 2/ 210 "وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقولون: مررت برجل هدك من رجل وبامرأة هدتك من امرأة". وقال ابن يعيش 3/ 50: "وأما هدك، فهو من القوة. يقال: فلان يهد على ما لم يسم فاعله: إذا نسب إلى الجلادة، والكفاية, فالهد بالفتح للرجل القوي. وإذا أريد الذم والوصف بالضعف كسر وقيل: هدك".

حسبكَ من رجلٍ، وبرجلين أحسباك من رجلينِ, وبرجال أحسبوكَ, وتقول: مررت برجلين ملازماهما رجلانِ أمسِ كما تقول: برجلين عبداهما رجلانِ ومررت برجل ملازموهُ رجالٌ أمسِ؛ لأن ملازمه هذا اسم مبتدأ، لأنه بمنزلة غلام إذا كان لما مضى وقد بينا ذا فيما تقدم فإذا كان اسمًا صار مبتدأً ولا بدّ من أن يكون مساويًا للخبر في عدته كما تقول: الزيدانِ قائمانِ وغلاماك منطلقانِ وتقول: مررت برجلٍ حسبكَ ومررت بعبد الله حسبكَ فيكون حالًا فإذا قلت: حسبك يلزمكَ فحسبك, مرتفع بالابتداء والخبر محذوف, وهذا قول الأخفش وغيره من النحويين. وقال أبو العباس, رحمه الله: الخبر محذوف لعلتين: إحداهما: أنك لا تقول "حسبَك" إلا بعد شيء قد قاله أو فعله، ومعناه: يكفيك أي: ما فعلت وتقديره: كافيكَ لأن حسبكَ اسم, فقد استغنيت عن الخبر بما شاهدت مما فعل قال: وكذلك أخوات حسبك نحو "هدكَ". والوجه الآخر: في الاقتصار على حسبٍ بغير خبرٍ, إن معنى الأمر لما دخلها استغنت عن ذلك كما تستغني أفعال الأمر تقول: حسبُكَ ينم الناسُ كما تقول: اكففْ ينم الناسُ وكذلك "قدكَ" و"قطكَ" لأن معناهما حسبك إلا أن حسبك معربة, وهاتان مبنيتان على السكون يعني: قَدْ وقَطْ، وتقول: حسبكَ درهمانِ فأنت تجريه مجرى يكفيك درهمانِ وتقول: إن حسبك درهمانِ. قال الأخفش: إذا تكلمت "بحسب" وحدها -يعني إذا لم تضفها- جعلتها أمرًا وحركت آخرها لسكون السين، تقول: رأيت زيدًا حسب يا فتى، غير منون، كأنك قلت: حسبي أو حسبكَ فأضمر هذا فلذلك لم ينون لأنه أراد الإِضافة. وقال: تقول: حسبُكَ وعبد اللهِ1 درهمان، على

_ 1 على أن عبد الله مفعول معه أو مفعول به بإضمار "يحسب" وهو الصحيح؛ لأنه لا يعمل في المفعول معه إلا ما كان من جنس ما يعمل في المفعول به، وجواز جره قيل: بالعطف، وقيل: بإضمار "حسب" أخرى وهو الصواب، ورفعه بتقدير حسب، فحذفت وخلفها المضاف إليه، وانظر المغني/ 619-620 تحقيق مازن المبارك.

معنى يكفيك وعبد الله درهمانِ، فإن جررت فهو جائز وهو قبيح، وقبحه أنك لا تعطف ظاهرًا على مضمر مجرور, وأنشدوا: إذَا كَانَتِ الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا ... فَحَسْبُكَ والضَّحَّاك سَيْفٌ مُهَنَّدُ1 فمنهم من ينصب "الضحاكَ" ومنهم من يجر ومنهم من يرفع، فإن أظهرت قلت: حسب زيدٍ وأخيهِ درهمانِ، وقبح النصب والرفع؛ لأنك لم تضطر إلى ذلك وتقول مررت برجل في ماءٍ خائضهُ هُوَ لا يكون إلا هو, إذا أدخلت الواو لأنك قد فصلت بينه وبين ماء وتقول: مررت برجلٍ معهُ صقْرٌ صائدٌ وصائد بهِ, كما تقول: أتيتَ على رجلٍ ومررت بهِ قائمًا إن حملته على الرجل جررت, وإن حملته على "مررت بهِ" نصبت, وتقول: نحن قومٌ ننطلق عامدونَ وعامدينَ إلى بلد كذا وتقول: مررت برجلٍ معه بازٌ قابض على آخر وبرجل معه جبةٌ لابس غيرها ولابسًا2 إن حملته على الإِضمار الذي في "معهُ" وتقول: مررت برجل عندهُ صقرٌ صائدٍ ببازٍ وصائدًا, إن حملته على ما في "عندَه" من الإِضمار، وكأنك قلت: عندَه صقرٌ صائدًا ببازٍ, وتقول: هذا رجلٌ عاقلٌ لبيبٌ، لم تجعل الآخر حالًا وقع فيه.

_ 1 الشاهد فيه جواز الرفع في "الضحاك" والنصب والجر، على أنه مضاف إلى "حسب" وكانت هنا فعل تام. والهيجاء: الحرب. وانشقت العصا: تفرقت الجماعة ونسب هذا البيت في ذيل الأمالي إلى جرير ولم يوجد في ديوانه. وانظر: معاني القرآن 1/ 417، والسمط/ 899، وذيل الأمالي/ 140، والمغني/ 622، تحقيق الدكتور مازن المبارك، والسيوطي 2/ 900, وكتاب الغريب لعيسى بن إبراهيم الربعي/ 106, والأمالي لأبي علي القالي 2/ 262, وكتاب إيضاح شواهد الإيضاح/ 118. 2 في الأصل "وإن" والواو زائدة.

الأول، ولكنك سويت بينهما في الإِجراء على الاسم، والنصب فيه جائز ضعيفٌ. قال سيبويه: وإنما ضعف؛ لأنه لم يرد أن الأول وقع وهو في هذه الحال ولكنه أراد أنهما فيه ثابتان لم يكن واحد منهما قبل صاحبه1، وقد يجوز في سعة الكلام، وتقول: مررت برجلٍ معه كيسٌ مختوم عليهِ، الرفع الوجهُ؛ لأنه صفة الكيس والنصب جائز على قوله: فيها رجلٌ قائمًا وهذا رجلٌ ذاهبًا, وتقول: مررت برجلٍ معه صقرٌ صائدًا به غدًا تريد: مقدرًا الصيد به غدًا، ولولا2 هذا التقدير ما جاز هذا الكلامُ، وتقول: مررتُ برجلٍ معهُ امرأةٌ ضاربتُه فهذا بمنزلة معه كيسٌ مختومٌ عليهِ, فإن قلت: مررت برجلٍ معه امرأةٌ ضارِبها جررت ونصبت على ما فسر3. وإن شئتَ وصفت المضمر في "ضاربها" في النصب والجر فقلت: مررت برجلٍ معهُ امرأةٌ ضاربها هُوَ أو ضاربها هُو, فإن شئت جعلت "هو" منفصلًا فيصير بمنزلة اسم ليس من علامات الإِضمار, فتقول: مررت برجلٍ معه امرأةٌ ضاربها "هُوَ" كأنك قلت: معه ضاربها زيدٌ وتقول: يا ذا الجاريةُ الواطئَها أبوه كما تقول يا ذا الجارية الواطئَها زيدٌ والمعنى: التي وطئَها زيدٌ, وتقول: يا ذا الجاريةُ الواطئَها أبوهُ فجعل بها "الواطئَها" صفة "ذا" المنادى. ولا يجوز أن تقول: يا ذا الجاريةُ الواطئُها زيدٌ، من قبل أن "الواطئَها" من صفة المنادى فإذا لم يكن هو الواطئ ولا أحد من سببه؛ لم يكن صفة له كما لا يجوز: يا عبد اللهِ الواطئ الجارية زيدٌ فلم يجز هذا كما لم يجز: مررتُ بالرجل الحسنِ زيدٌ, وقد يجوز أن تقول: مررتُ بالرجل الحسنِ أبوهُ وتقول: يا ذا الجاريةِ الواطئُها هُو, جعلت "هُو" منفصلًا كالأجنبي, لا يجوز حذفه وإن شئت نصبته كما تقول: يا ذا الجاريةِ الواطئَها تجريه على

_ 1 انظر الكتاب 1/ 242. 2 في الأصل "ولو" ولا يستقيم المعنى. 3 الجر على أنها نعت سببي، والنصب على الحال.

المنادى، فإن قلت: يا ذا الجاريةِ الواطئَها، وأنت تريد: الواطئَها هُو, لم يجز أن تطرح "هُوَ" كما لا يجوز بالجاريةِ الواطئها هو أو أنت حتى تذكرهما فإن ذكرتهما جاز, وليس هذا كقولك: مررت بالجاريةِ التي وطئَها أو التي وطئتُها؛ لأن الفعل يضمر فيه وتقع فيه علامة الإِضمار وقد فسرت هذا فيما تقدم, وإنما يقع في هذا إضمار الاسم رفعًا إذا لم يوصف به شيء غير الأول, وذلك قولك: يا ذا الجارية الواطئَها, ففي هذا إضمار "هُوَ" وهو اسم المنادى، والصفة إنما هي للأول المنادى. قال سيبويه: ولو جاز هذا لجازَ: مررت بالرجلِ الآخذيهِ، تريد: أنتَ, ولجاز: مررت بجاريتِكَ راضيًا عنها1، تريد: أنْتَ ويقبح أن تقول: رُبَّ رجلٍ وأخيهِ منطلقينِ، حتى تقول: وأخٍ لهُ, وإذا قيل: والمنطلقين, مجروران من قبل أنّ قوله: وأخيهِ في موضع نكرة, والمعنى: وأخٍ لَهُ, والدليلُ على أنه نكرةٌ دخول "رُبَّ" عليه, ومثل ذلك قول بعض العرب: كُلُّ شاةٍ وسخلتِها2, أي: وسخلةٍ لَها، ولا يجوز ذلك حتى تذكر قبله نكرة, فيعلم أنك لا تريد شيئًا بعينه, وأنشد سيبويه في نحو ذلك: وأيُّ فَتى هَيْجَاءَ أنْتَ وَجَارِها ... إذا ما رجَالٌ بالرِّجَالِ استقَّلتِ3 فلو رفع لم يكن فيه معنى: أي جارها، الذي هو في معنى التعجب، والمعنى: أي فتى هيجاءَ, وأي جارٍ لها أنْتَ، قال الأعشى:

_ 1 انظر الكتاب 1/ 244. 2 انظر الكتاب 1/ 244, وانظر شرح الرماني 2/ 45. 3 من شواهد سيبويه 1/ 244 على عطف "جارها" على "فتى" والتقدير: أي فتى هيجاء أنت، فجارها نكرة لأن أيًّا إذا أضيفت إلى واحد لم يكن إلا نكرة؛ لأنه فرد الجنس. والهيجاء: الحرب. وأراد بفتاها القائم بها المبلى فيها، وبجارها: المجير منها الكافي لها، واستقلت: نهضت، ولم ينسب سيبويه الشاهد إلى قائل معين.

وكم دُونَ بيتِكَ منْ صَفْصَفٍ ... ودَكْدَاكِ رمْلٍ وأعقادِهَا1 ووَضْعِ سِقاءٍ وأحْقابِهِ ... وحَلِّ حُلوسٍ وأغْمادِهَا فجميع هذا حجة: لرب رجل وأخيه، وهذا المضافُ إلى الضمير لا يكون وحده منفردًا نكرة, ولا يقع في موضع لا يكون فيه إلا نكرة حتى يكون أول ما يشغل به "رُبَّ" نكرة ثم يعطف عليه ما أضيف إلى النكرة، وتقول: هذا رجلٌ معهُ رجل قائمينِ, فهذا ينتصب؛ لأن الهاء التي في معهُ [معرفةٌ] 2 وانتصابه عندي بفعلٍ مضمر، ولا يجوز نصبه على الحال لاختلاف العاملين؛ لأنه لا يجوز أن يعمل في شيء عاملان, وتقول: "فوق الدار رجل وقد جئتُكَ برجلٍ آخر عاقلينِ مسلمينِ" فتنصب بفعل آخر مضمر وتقول: "اصنع ما سرَّ أخاكَ وما أحب أبوك الرجلانِ الصالحانِ" فترفع على الابتداء، وتنصب على المدح, كقول الخرنق: لا يَبْعَدَنْ قَوْمي الَّذِينَ هُمُ ... سَمُّ العُدَاةِ وآفَةُ الجُزْرِ النَّازِلِينَ بكُلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطَّيِّبُونَ مَعاقِدَ الأُزْرِ3

_ 1 من شواهد سيبويه أيضًا 1/ 245 على إضافة: أعقادها وأحقابه وأغمادها وحملها كلها وهي مضافة إلى الضمائر على الأسماء المجرورة "بمن" وهي أسماء منكورة لوقوعها موقع المنصوب على التمييز. وصف بعد المسافة بينه وبين الممدوح الذي قصده ليستوجب بذلك جائزته. والصفصف: المستوي من الأرض الذي لا ينبت، يريد: الفلاة، والدكداك: الرمل المستوي. والأعقاد: جمع عقد، وهو المنعقد من الرمل المتراكم. ووضع السقاء: حطه على الراحلة. وأغمادها: شدها تحت الرحل. 2 أضفت كلمة "معرفة" لتوضيح المعنى. 3 من شواهد سيبويه 1/ 104 و1/ 146 على قطع النازلين والطيبين من الموصوف وحملهما على إضمار الفعل والمبتدأ، لما قصد بهما من معنى المدح دون الوصف. والعداة: الأعداء، جمع عاد، والجزر: جمع الجزور، وهي الناقة التي تنحر وسكنت زاي الجزر للتخفيف. وصفت قومها بالظهور على العدو نحر الجزور للأضياف والملازمة للحرب والعفة عن الفواحش، فجعلت قومها سمًّا لأعدائهم يقضي عليهم، وآفة للجزر لكثرة ما ينحرون منها. وانظر الكامل/ 454, والمحتسب 2/ 198, والتمام في تفسير أشعار هذيل 209, والحماسة البصرية 1/ 227, وأمالي ابن الشجري 2/ 158, ومعاني الفراء 1/ 105، والإنصاف/ 249, والعيني 3/ 603, والخزانة 1/ 301, والديوان/ 29: تحقيق الدكتور نصار.

وسيبويه يجيزُ نصب: هذا رجل مع امرأةٍ قائمين على الحال, ويجيزُ: مررت برجلٍ مع امرأةٍ منطلقينِ على الحال أيضًا, ويحتج بأن الآخر قد دخل مع الأول في التنبيه والإِشارة, وأنك قد جعلت الآخر في مرورك فكأنك قلت: هذا رجل وامرأة, ومررت برجلٍ وامرأةٍ, وتجعل1 ما كان معناهما واحدًا على الحال. وإذا كان معنى ما بينهما يختلف فهو على "أعني" والقياس المحض يوجب إذا اختلف عاملان في اسمين أو أكثر من ذلك لم يجز أن تثنى صفتهما ولا حالهما؛ لاختلاف العاملين اللذين عملا في الاسمين, وكيف يجوز أن يفترقا في الموصوفين ويجتمعا في الصفة, ولكن يجوز النصب بإضمار شيء ينتظم المعنيين يجتمعان فيه. واعلم: أنه لا يجوز أن تجيز وصف المعرفة والنكرة، كما لا يجوز وصف المختلفين. وزعم الخليل: أن الرفعين أو الجرين إذا اختلفا فهما بمنزلة الجر والرفع, وذلك قولك: "هذا رجلٌ وفي الدار آخر كريمينِ" لأنهما2 لم يرتفعا من جهة واحدة. وشبه بقوله: هذا لابنِ إنسانينِ عندنا كرامًا، فقال: الجر ههنا مختلف ولم يشرك الآخر فيما جر الأول، ومثل ذلك: هذا جارية أخوي

_ 1 انظر الكتاب 1/ 246. 2 انظر الكتاب 1/ 247.

ابنينِ لفلان كرامًا؛ لأن أخوي ابنينِ، اسم واحد والمضاف إليه الآخر منتهاه، ولم يأت بشيء من حروف الإِشراك, ومثل ذلك: هذا فرس أخوي ابنيك العقلاء الحلماء؛ لأن هذا في المعرفة مثل ذلك في النكرة, ولا يجوز إلا النصب على "أعني" ولا يكون الكرام العقلاء صفة للأخوين والابنين, ولا يجوز أن يجري وصفًا لما انجر من وجهين، كما لم يجز فيما اختلف إعرابه. وقال سيبويه: سألت الخليل عن: مررت بزيدٍ وأتاني أخوهُ أنفسهما فقال: الرفع على هُما صاحباي أنفسهُما والنصب على "أعنيهما" ولا مدح فيه؛ لأنه ليس مما يمدح به, وقال: تقول: هذا رجلٌ وامرأة1 منطلقان, وهذا عبد اللهِ وذاكَ أخوك الصالحانِ؛ لأنهما ارتفعا من وجه وهما اسمان بنيا على مبتدأَين وانطلق عبد اللهِ ومضى أخوك الصالحان؛ لأنهما ارتفعا بفعلين معناهما واحد. والقياس عندي أن يرتفعا على "هُما" لأن الذي ارتفع به الأول غير الذي ارتفع به الثاني. ولكن إن قدرت في معنى التأكيد، ورفعت عبد اللهِ بالعطف من الفعل جازت عندي الصفة، ولا يجوز من: عبد اللهِ وهذا زيدٌ الرجلينِ الصالحينِ، رفعت أم نصبت؛ لأنك لا تثني إلا على من أثبته وعرفته فلذلك لم يجز المدح في ذا, ولا يجوز صفتهما لأنك من يعلم ومن لا يعلمُ فتجعلهما بمنزلة واحدةٍ. قال أبو العباس في قولهم: ما رأيت رجلًا أحسنُ في عينه الكحلُ منهُ في عين زيدٍ، وما رأيت رجلًا أبغض إليه الشر منهُ إلى زيدٍ: قد علمنا أن الاختيار: مررت برجلٍ أحسنَ2 منه أبوهُ، ومررت برجلٍ خير منه زيدٌ، فما باله لم يجز الرفع في قوله: أحسنُ في عينه الكحلُ، وأبغض إليه الشر، فقال: الجواب في ذلك: أنه إن أراد أن يجعل الكحل الابتداء كان الاختيار،

_ 1 في أصل سيبويه 1/ 247 وامرأته، وهو خطأ؛ لأن امرأته معرفة ورجلًا نكرة، ولا يجوز ذلك. 2 أكثر العرب يوجب رفع "أحسن" في ذلك على أنه خبر مقدم، و"أبوه" مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع خفض نعت لرجل. وانظر التصريح 2/ 106.

ما رأيت رجلًا أحسنُ في عينه منه في عين زيدٍ الكحل، تقديره: ما رأيتُ رجلًا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيدٍ, وما رأيت رجلًا الكحل في عينه أحسنُ منهُ في عينِ زيدٍ، كل1 جيد، كما تقول: زيدٌ أحسنُ في الدار منه في الطريق, وزيدٌ في الدار أحسن منهُ في الطريقِ، فتقدم في الدار لأنه ظرف، والتفضيل إنما يقع بأفعل فإن أردت أن يكون "أحسنُ" هو الابتداء فمحالٌ؛ لأنك تضمر قبل الذكر2؛ لأن الهاء في قولك: "منه" هي الكحل ومنه متصلة "بأفعلَ" لأن "أَفعلَ" للتفضيل فيصير التقدير: ما رأيت رجلًا أحسنُ في عينه منهُ في عينِ زيدٍ الكحلُ, فتضمر الكحل قبل أن تذكره؛ لأن الكحل الآن خبر الابتداء، وإن قدمت الكحل فقلت, على أن ترفع "أحسنَ" بالابتداء: ما رأيتُ رجلًا أحسن في عينه الكحلُ منه في عينِ "زيدٍ" فهو أردأ؛ وذلك لأنه خبر الابتداء وقد فصلت بين "أحسنَ" وما يتصل به وليس منهما في شيء؛ فلذلك لم يجز على هذه الشريطة, إلا أن الجملة على مثل قولك: مررت برجلٍ خيرٌ منهُ أبوهُ3، فتقول: ما رأيت رجلًا أحسنُ في عينه الكحلُ منه في عين زيدٍ, فترفع الكحلَ "بأحسنَ" ويقع "منهُ" بعده فيكون الإِضمار بعد الذكر وتقديره: ما رأيت رجلًا يحسنُ الكحل في عينه كحسنهِ في عينِ زيدٍ، فالمعرفة والنكرة في هذا واحد إذا كان الفعل للثاني ارتفع به معرفة كان أو نكرة, وإن كان للأول والثاني معرفة بطل, وإن كان الثاني نكرة انتصب على التمييز, وذلك قولك: ما رأيت رجلًا أحسنَ وجهًا من زيدٍ ولا رأيتُ رجلًا أكرمَ حسبًا منهُ؛ لأن أكرم وأحسن للأول لأن فيه ضميره, فإن جعلته للثاني رفعته به ورددت إلى الأول شيئًا يصله بالثاني، كما

_ 1 انظر المقتضب 3/ 248-249. 2 في المقتضب 3/ 249: فإن أخرت الكحل فقلت: ما رأيت أحسن في عينه منه في عين زيد الكحل وأنت تقدر أن "أحسن" هو الابتداء، كان خطأ لما قدمت من ضمير الكحل قبل ذكره. وانظر: الكتاب 1/ 232. 3 أي: إن خيرًا تعرب خبرًا مقدمًا، و"أبوه" مبتدأً مؤخرًا.

تقول: رأيتُ رجلًا حسَن الوجهِ؛ لأن حَسن الوجه "لرجلٍ" فإن جعلته لغيره قلت: رأيتُ رجلًا حسنَ الوجهِ أخوهُ وحسن الوجهِ رجلٌ عندهُ, فإن قلت: ما رأيت قومًا أشبه بعضُ ببعضٍ من قومِكَ, رفعت البعض لأن "أشبَه" له وليس لقومٍ؛ لأن المعنى: ما رأيت قومًا أشبه بعضُهم ببعضٍ كما ذكر ذلك سيبويه في قوله: مررتُ بكُلٍّ صالحًا وببعضٍ قائمًا أنه محذوف من قولك: بعضُهم وكلهم, والمعنى يدل على ذلك, ألا ترى أن تقديره: ما رأيتُ قومًا أشبَهَ بعضُهم بعضًا, كما وقع ذلك في "قومِكَ" وتقول: ما رأيت رجلًا أبر أبٍ لهُ بأُم من أخيكَ؛ لأن الفعل للأب ووضعت الهاء في "لَهُ" إلى الرجل فلم يكن في "أُمٍّ" ضمير؛ لأن الأب قد ارتفع به فإن لم يرد هذا التقدير, قلت: ما رأيتُ رجلًا أبَر أبًا بأُمٍّ من زيدٍ كما تقول: ما رأيت رجلًا أحسنَ وجهًا من زيدٍ, وكذلك: ما رأيت رجلًا أشبه وجهٍ لهُ بقفًا من زيدٍ, فإن حذفت له قلت: ما رأيت رجلًا أشبه بقفًا من زيدٍ؛ لأن في "أشبَه" ضمير رجل. وأما قولهم: "ما من أيامٍ أحبَّ إلى اللهِ فيها الصومُ منه في عَشْرِ ذي الحجةِ" 1، ولكنه لما قال في الأول "إلى اللهِ" لم يحتج إلى أنْ يذكر "إليه" لأن الرد إلى واحدٍ وليس كقولك: زيدٌ أحب إلى عمرو منه إلى خالدٍ؛ لأنك رددت إلى اثنين فلا تحتاج إلى أن تقول: زيدٌ عندي أحسن من عمرٍو عندي؛ لأن الخبر يرجع إلى واحد فأما قولهم: ما مِن أيامٍ أحب إلى اللهِ فيها الصومُ منه في عَشْرِ ذي الحجةِ فإنما هو بمنزلة: ما رأيت رجلًا أحسنَ في عينه الكحلُ منهُ في عينِ زيدٍ فقولُه: فيها بمنزلة قولهِ: في عينهِ وإنما أضمرت الهاءَ [في] 2 "فيها" وفي عينِه لأنك ذكرت الأيام وذكرت رجلًا،

_ 1 انظر الكتاب 1/ 232, والمقتضب 3/ 250, وجعل الأشموني هذا حديثًا، والرواية في كتب الحديث: البخاري والترمذي وسنن ابن ماجه وسنن النسائي ليس فيها "أحب" رافعًا للاسم الظاهر. 2 أضفت "في" لتوضيح المعنى.

وكذلك قلت: اللهُ عز وجلَّ: ما رأَيت أيامًا أحب إليه فيها الصوم، لأضمرته في "إليهِ" ومنه للصوم، كما كان للكحلِ، وأما قولُهُ: إلى اللهِ فتبيينٌ لأحب، وأحسن لا يحتاج إلى ذلك، ألا ترى أنك تقول: زيد أحسن من عمرٍو، فلا تحتاج إلى شيء، وتقول: زيد أحب إلى عمرٍو منكَ، فقولك: إلى عمرٍو كقولك: إلى الله في المسألة الأولى، ولو قلت: ما رأيتُ رجلًا أحسن في عينه الكحلُ عند عمرٍو منهُ في عينِ أخيكَ كان بمنزلة ذلك؛ لأن قولك عندَ عمرٍو قد صار مختصرًا كقولك: إلى اللهِ في تلك المسألةِ وأما قولهم: ما رأيت رجلًا أبغضَ إليه الشرُّ من زيدٍ, وما رأيت رجلًا أحسنَ في عينه الكحل من زيدٍ, فإنما هو مختصر من الأول, والمعنى: إنما هو الأول لا أنك فضلت الكحل على زيدٍ ولكنك أخبرت أن الكحل في عين زيدٍ أحسنُ منه في غيرها, كما أردت في الأول, ولكنك حذفت لقلة التباسه وليست "مِنْ" ههنا بمنزلتها في قولك: ما رأيتُ رجلًا أحسنَ من زيدٍ؛ لأنكَ هنا تخبر أنك لم ترَ من يتقدم زيدًا وأنت في الأول تخبر أنك لم ترَ من يعمل الكحل في عينه عمله في عين زيدٍ, فتقديره: ما رأيت رجلًا أحسنَ كحلًا في عينٍ من زيدٍ, لما أضمرت رجلًا في "أحسَن" نصبت كحلًا على التمييز ليصح معنى الاختصار.

الثالث من التوابع وهو عطف البيان

الثالث من التوابع: وهو عطف البيان. اعلم: أن عطف البيان كالنعت والتأكيد في إعرابهما وتقديرهما، وهو مبين لما تجريه عليه كما يبينان، وإنما سمي عطف البيان ولم يقل أنه نعت؛ لأنه اسم غير مشتق من فعل، ولا هو تحلية، ولا ضرب من ضروب الصفات فعدل النحويون عن تسميته نعتًا. وسموه عطف البيان لأنه للبيان، جيء به وهو مفرق بين الاسم الذي يجري عليه وبين ما له مثل اسمه نحو: رأيتُ زيدًا أبَا عمرٍو, ولقيت أخاكَ بكرًا.

والفرق بين عطف البيان والبدل أن عطف البيان تقديره النعت التابع للاسم الأول، والبدل تقديره أن يوضع موضع الأول, وتقول في النداء إذا أردت عطف البيان: يا أخانا زيدًا1، فتنصب وتنون؛ لأنه غير منادى، فإن أردت البدل قلت: يا أخانا زيدُ, وقد بينت هذا الباب في النداء ومسائله، وستزداد بيانًا في باب البدل إن شاء الله2.

_ 1 قال المبرد في المقتضب 4/ 220: ومن قال: يا زيد الطويل، قال: يا هذا الطويل، وليس بنعت لهذا، ولكنه عطف عليه، وهو الذي يسمى عطف البيان. 2 ذكر باب النداء في الجزء الأول.

الرابع من التوابع وهو عطف البدل

الرابع من التوابع: وهو عطف البدل. البدل على أربعة أقسام: إما أن يكون الثاني هو الأول أو بعضه، أو يكون المعنى مشتملًا عليه أو غلطًا، وحق البدل وتقديره أن يعمل العامل في الثاني كأنه خالٍ من الأول، وكان الأصل أن يكونا خبرين، أو تدخل عليه واو العطف، ولكنهم اجتنبوا ذلك للبس. الأول: ما ابتدلته من الأول وهو هُو: وذلك نحو قولك: مررتُ بعبد الله زيدٍ، ومررت برجلٍ عبد الله، وكان أصل الكلام: مررت بعبد الله ومررت بزيدٍ أو تقول: مررتُ بعبد اللهِ وزيدٍ, ولو قلت ذلك لظن أن الثاني غير الأول؛ فلذلك استعمل البدل فرارًا من اللبس وطلبًا للاختصار والإِيجاز، ويجوز إبدال المعرفة من النكرة والنكرة من المعرفة والمضمر من المظهر والمظهر من المضمر، البدل في جميع ذلك سواء. فأما إبدال المعرفة من النكرة فنحو قول الله: {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} 1 فهذا إبدال معرفة من نكرة، فتقول على هذا: مررت برجلٍ عبد اللهِ، وأما إبدال النكرة من المعرفة

_ 1 الشورى: 52-53, والآية: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} . وانظر الكتاب 1/ 224.

فنحو قولك: مررت بزيدٍ رجلٍ صالحٍ كما قال الله عز وجل: {بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} 1، فهذا إبدال نكرة من معرفة، وأما إبدال الظاهر من المضمر فنحو قولك: مررتُ بهِ زيدٍ وبهما أخويك, ورأيت الذي قامَ زيدٌ، تبدل زيدًا من الضمير الذي في "قام" ولا يجوز أن تقول: رأيتُ زيدًا أباهُ والأب غير زيدٍ؛ لأنك لا تبينه لغيره. الثاني: ما أبدل من الأول وهو بعضه: وذلك نحو قولك: ضربتُ زيدًا رأسَهُ2، وأتيتُ قومَكَ بعضَهم، ورأيتُ قومَكَ أكثَرهم، ولقيت قومكَ ثلاثَتهم, ورأيت بني عمِّكَ ناسًا منهم, وضربت وجوهها أولها قال سيبويه: فهذا يجيء على وجهيِن3: على أنه أراد أكثَر قومِكَ، وثلثي قومكَ، وضربتُ وجوهَ أولِها، ولكنه ثنى الاسم تأكيدًا، والوجه الآخر: أن يتكلم فيقول: رأيتُ قومَكَ ثم يبدو أن يبين ما الذي رأى منهم, فيقول: ثلاثتَهم، أو ناسًا منهم، ومن هذا قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 4 والمستطيعونَ بعضُ الناسِ. الثالث: ما كان من سبب الأول: وهو مشتمل عليه نحو: سُلبَ زيدٌ ثوبَهُ وسرق زيد مالُه؛ لأن المعنى: سُلبَ ثوب زيد, وسرق مالُ زيدٍ, ومن ذلك قول الله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 5 لأن المسألة في المعنى عن القتال في الشهر الحرام، ومثله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} 6، وقال الأعشى:

_ 1 العلق: 15، 16، والآية: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ....} وانظر الكتاب 1/ 260، و1/ 198. 2 أردت أن تبين موضع الضرب، فصار كقولك: ضربت رأس زيد. 3 انظر الكتاب 1/ 75. 4 آل عمران: 97، وانظر الكتاب 1/ 75-76. 5 البقرة: 217، وانظر الكتاب 1/ 75. 6 البروج: 4، وانظر المقتضب 4/ 297.

لَقدْ كَانَ في حَوْل ثَوَاءٍ ثَوَيْتُهُ ... تفضى لَبَانَاتُ ويسأْمُ سائِمُ1 وقال آخر: وذَكَرَتْ تَقْتُدَ بَرْدَ مَائِهَا ... وعَتَكُ البولِ على أنسائِها2 الرابع: وهو بدل الغلط والنسيان: وهو البدل الذي لا يقع في قرآن ولا شعرٍ، وذلك نحو قولهم: مررتُ برجلٍ حمارٍ، كأنه أراد أن يقول: مررتَ بحمار فغلط فقال: برجلٍ أو بشيءٍ. واعلم: أن الفعل قد يبدل من الفعل وليس شيء من الفعل يتبع الثاني الأول في الإِعراب إلا البدل والعطف, والبدل نحو قول الشاعر: إنَّ على اللهِ أنْ تُبايعا ... تُؤخذَ كُرهًا أو تجيء طائعا3

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 423 على رفع الفعل "يسأم" واستشهد به المبرد على بدل الاشتمال كذلك فعل المصنف. ثويته: الأصل: ثويت فيه، فحذف حرف الجر واتصل الضمير بالفعل، والثواء: الإقامة، اللبانات: الحاجات. وانظر المقتضب 4/ 297، و1/ 27, وأمالي ابن الشجري 1/ 363, وابن يعيش 3/ 65, والديوان/ 177. 2 من شواهد سيبويه 1/ 75، على نصب برد مائها على البدل من "تقتد" لاشتمال الذكر عليها. وصف ناقة بعد عهدها بورود الماء لإدمانها السير في الفلاة، فيقول: ذكرت برد ماء تقتد وهو موضع بعينه وأثر بولها على أنسائها ظاهر بين لخثارته. وإذا قل ورودها للماء خثر بولها وغلظ واشتدت صفرته، وعتك البول أن يضرب إلى الحمرة. ويروى: وعبك البول, وهو اختلاطه بوبرها وتلبده به والأنساء: جمع نسأ, وهو عرق يستبطن الفخذ والساق. والبيت لجبر بن عبد الرحمن. وانظر: الجمهرة 2/ 21. 3 من شواهد الكتاب 1/ 78، على حمل "تؤخذ على تبايع؛ لأنه مع قوله تجيء تفسير للمبايعة إذ لا تكون إلا أحد الوجهين من إكراه أو طاعة". وأراد بقوله الله: القسم. والمعنى: إن على والله، فلما حذف الجار نصبت. والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. وانظر المقتضب: 2/ 63, والخزانة 2/ 373, ومنهج السالك 26, وشواهد الألفية للعاملي/ 347, وشرح شواهد ابن عقيل/ 179.

وإنما يبدل الفعل من الفعلِ إذا كان ضربًا منه نحو هذا البيت, ونحو قولك: إن تأتني تمشي أمشي معكَ؛ لأن المشيَ ضرب من الإِتيان, ولا يجوز أن تقول: إن تأتي تأكل آكلْ معكَ؛ لأن الأكل ليس من الإِتيان في شيء.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: تقول: بعتُ متاعَك أسفلَهُ قبلَ أعلاهُ، واشتريتُ متاعَك بعضَهُ أعَجلَ من بعضٍ، وسقيت إبلَك صغارها أحسن من سقي كبارها، ودفعت الناس بعضَهم ببعضٍ، وضربت الناسَ بعضَهم قائمًا وبعضَهم قاعدًا، وتقول: مررت بمتاعِكَ بعضِه مرفوعًا، وبعضِه مطروحًا، كأنك قلت: مررت ببعضِ متاعِكَ مرفوعًا وببعض مطروحًا؛ لأنك مررتَ به في هذه الحال، وإذا كان صفة للفعل لم يجز الرفع, وتقول: بعتُ طعامَكَ بعضه مكيلًا وبعضَهُ موزونًا إذا أردت أن الكيل والوزن وقعا في حال البيع، فإن رفعت فإلى هذا المعنى، ولم يكن متعلقًا بالبيع فقلت: بعتُ طعامَك بعضهُ مكيلٌ وبعضهُ موزونٌ، أي: بعته وهو موجود كذا, فيكون الوزن والكيل قد لحقاه قبل البيع وليسا بصفة للبيع, وتفهم هذا بأن الرجل إذا قال: بعتُكَ هذا الطعامَ مكيلًا وهذا الثوب مقصورًا, فعليه أن يسلمه إليه مكيلًا ومقصورًا, وإذا قال: بعتُكَ وهو مكيل فإنما باعه شيئًا موصوفًا بالكيل ولم يتضمنه البيع، تقول: خَوفتُ الناسَ ضعيفَهم وقويهم، كأنك قلت: خوفت ضعيفَ الناسِ وقويهم, وكان تقدير الكلام قبل أن ينقل فعل إلى "فَعَلتُ" خافهُ الناس ضعيفُهم وقويهم, فلما قلت: خَوَّفتُ صار الفاعلُ مفعولًا وقد بينت هذا فيما

تقدم. ومثل ذلك ألزمت الناس بعضهم بعضًا، كان الأصل: لزمَ الناسُ بعضهم بعضًا، فلما قلت: ألزمتُ صار الفاعل مفعولًا، وصار الفعل يتعدى إلى مفعولين، وتقول: دفعتُ الناس بعضهم ببعضٍ على قولكَ: دفع الناسُ بعضُهم بعضًا فإذا قلت: دفعَ صار ما كان يتعدى لا يتعدى إلا بحرف جر فتقول: دفعَ الناسُ بعضهم ببعضٍ وتقول: فضلتُ متاعَكَ أسفلَهُ على أعلاه كأنه في التمثيل: فَضل متاعُكَ أسفلهُ على أعلاه، فلما قلت: فضَّلتُ صار الفاعل مفعولًا، ومثله: صككتُ الحجرينِ أحدهما بالآخرِ, كان التقدير: اصطك الحجرانِ أحدهما بالآخرِ، فلما قلت: صككتُ، صار الفاعل مفعولًا، ومثل ذلِكَ: "ولولا دفاعُ* اللهِ الناسَ بعضَهُم ببعضٍ"1 والمعنى: لولا أن دفعَ الناسُ بعضهُم ببعضٍ، ولو قلت: دفعَ الناسُ بعضهم بعضًا لم يحتج إلى الباء؛ لأنه فعل يتعدى إلى مفعول، قلت: دفَع اللهُ الناسَ واستتر في الفعلِ عمله في الفاعل، لم يجز أن يتعدى إلى مفعول ثانٍ إلا بحرفِ جرٍّ، فعلى هذا جاءت الآيةُ؛ ولذلك دخلت الباء وتقول: عجبتُ من دفعِ الناسِ بعضهم بعضًا، إذا جعلت الناس فاعلين كأنك قلت: عجبت من أن دفع الناسُ بعضَهم بعضًا فإن جعلت الناس مفعولين قلت: عجبت من دفعِ الناسِ بعضِهم ببعضٍ؛ لأن المعنى: عجبتُ من أنْ دفَع الناسُ بعضهم ببعضٍ وتقول: سمعتُ وقع أَنيابهِ بعضِها فوقَ بعضٍ, جرى على قولك: وقعت أنيابهُ بعضُها فوقَ بعضٍ, فأنيابُه هنا فاعلةٌ وتقول: عجبتُ من إيقاعِ أنيابهِ بعضِها فوقَ بعضٍ جرًّا, فأنيابه هنا مفعولةٌ قامت مقام الفاعل, ولو قلت: أوقعت أنيابُه بعضُها فوقَ بعضٍ لقلت: عجبتُ من إيقاعي أنيابَهُ بعضَها فوقَ بعضٍ فنصبت أنيابَه, وتقول: رأيتُ متاعك بعضَهُ فوقَ بعضٍ إذا جعلت "فوقَ" في موضع الاسم المبني، على المبتدأ, وجعلت المبتدأ بعضهُ كأنك قلت: رأيتُ متاعَكَ بعضهُ أجود من

_ 1 البقرة: 251، وانظر الكتاب 1/ 76. * قال شعيب: هي قراءة نافع، وقرأ الباقون: {وَلَوْلا دَفْعُ} حجة القراءات ص140.

بعضٍ، فإن جعلت "فوقَ" وأجودها حالًا نصبتَ "بعضَهُ" وإن شئت قلت: رأيت متاعَك بعضه أحسنَ من بعض فتنصبُ "أَحسنَ" على أنه مفعول ثانٍ وبعضه منصوب بأنه بدلٌ من متاعِكَ. قال سيبويه: والرفع في هذا أعرف، والنصب عربي جيدٌ1، فما جاء في الرفع: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} 2. ومما جاء في النصب: "خلقَ اللهُ الزرافةَ يديها أطول من رجلِيها" قال: حدثنا يونس أن العرب تنشد هذا البيت لعبدة بن الطبيب: فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُه هُلْك وَاحِدٍ ... ولكنهُ بُنيانُ قَوْمٍ تَهَدَّما3 وقال رجل من خثعم أو بجيلة: ذَرِيني إنَّ أَمركِ لَنْ يُطاعَا ... وما ألفيتِني حِلْمي مُضَاعا4 وتقول: جعلتُ متاعَكَ بعضَهُ فوقَ بعضٍ، كما قلت: رأيتُ متاعَك

_ 1 انظر الكتاب 1/ 77. 2 الزمر: 60، وانظر الكتاب 1/ 77. 3 من شواهد سيبويه 1/ 77، على رفع "هلك واحد" ونصبه على جعل هلكه بدلًا من قيس، أو مبتدأ أو خبره فيما بعد. رثى الشاعر: قيس بن عاصم المنقري وكان سيد أهل الوبر من تميم, فيقول: كان لقومه وجيرته مأوًى وحرزًا، فلما هلك تهدم بنيانهم وذهب عزهم. وانظر: شرح المفصل لابن يعيش 3/ 65. 4 من شواهد سيبويه 1/ 78 على حمل الحلم على الضمير المنصوب بدلًا منه لاشتمال المعنى عليه، يخاطب عاذلته على إتلافه ماله، فيقول: ذريني من عذلك فإني لا أطيع أمرك، فالحلم وصحة التمييز والفعل يأمرني بإتلافه في اكتساب الحمد ولا أضيع، والبيت من قصيدة لعدي بن زيد العبادي. وانظر: الهمع 2/ 172, والدرر اللوامع 2/ 165, والمفصل لابن يعيش 3/ 65، ومعاني الفراء 2/ 73، وشواهد الألفية للعاملي 345, وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاوي/ 178.

بعضَهُ فوقَ بعضٍ، وأنتَ تريد رؤية العين، وتنصب "فوقَ" بأنه وقع موقع الحال, فالتأويل: جعلت ورأيتُ متاعك بعضهُ مستقرًّا فوقَ بعضٍ أو راكبًا فوق بعضٍ أو مطروحًا فوق بعضٍ أو ما أشبه هذا المعنى "ففوقَ" ظرف نصبه الحال وقام مقام الحال كما يقوم مقام الخبر في قولك: زيدٌ فوقَ الحائِط إذا قلت: رأيتُ زيدًا في الدار, فقولك "في الدارِ" يجوز أن يكون ظرفًا لرأيت ويجوز أن يكون ظرفًا لزيدٍ, كما تقول: رميتُ من الأرضِ زيدًا على الحائِط فقولك: على الحائِط، ظرف يعمل فيه استقرار زيدٍ, كأنكَ قلت: رميتُ من الأرضِ زيدًا مستقرًّا على الحائِط, ونحو هذا ما جاء في الخبر: كتب عمر إلى أبي عبيدة بالشام: الغوثَ الغوثَ وأبو عبيدة وعمر -رحمه اللهُ- كتب إليه من الحجاز، فالكتاب لم يكن بالشام ولك أن تعدي "جعلتَ" إلى مفعولين فتقول: جعلتُ متاعَكَ بعضَهُ فوقَ بعضٍ, فتجعل "فوقَ بعضٍ" مفعولًا ثانيًا كما يكون في "ظننتُ" متاعَكَ بعضَه فوقَ بعضٍ "فجعلتُ" هذه إذا كانت بمعنى "علمتُ" تعدت إلى واحد مثل "رأيتُ" إذا كانت من رؤية العين، وإذا كانت جعلتُ ليست بمعنى علمتُ وإنما تكلم بها عن توهم أو رأيٍ أو قولٍ كقول القائل: جَعلتُ حسني قبيحًا وجعلتُ البصرةَ بغدادَ وجعلت الحلالَ حرامًا, فإذا لم ترد فجعلت العلاج والعمل في التعدي بمنزلة "رأيتُ" إذا أردت بها رؤية القلب ولم ترد رؤية العين ولك أن تعدي "جعلتُ" إلى مفعولين على ضرب آخر على أن تجعل المفعول الأول فاعلًا في الثاني, كما تقول: أَضربتُ زيدًا عمرًا تريد: أنك جعلتَ زيدًا يضربُ عمرًا فيكون حينئذٍ قولك: فوقَ بعضٍ مفعول مفعولٍ, وموضعه نصب تعدى إليه الفعل بحرف جرٍّ؛ لأنك إذا قلت: مررت بزيدٍ فموضع هذا نصب وهذا نحو: صُكَّ الحجرانِ أحدهما بالآخرِ, فإذا جعلت أنت أحدهما يفعل بالآخر قلت: صككتُ الحجرين أحدهما بالآخر ولم يكن بُدٌّ من الباء لأن الفعل متعدٍّ إلى مفعولٍ واحدٍ, فلما جعلت المفعول في المعنى فاعلًا احتجت إلى مفعول، فلم يتصل الكلام إلا بحرف جرٍّ، وقد بينت ذا فيما تقدم وأوضحته، فهذه ثلاثة أوجهٍ في نصب "جَعَلْتُ"

متاعَكَ بعضَهُ على بعضٍ، وهي النصب على الحال، والنصب على أنه مفعولٌ ثانٍ، والنصب على أنه مفعولُ مفعولٍ، فافهمهُ فإنه مشكل في كتبهم ويجوز الرفعُ فتقول: جعلت متاعَك بعضه على بعضٍ, وتقول: أبكيتَ قومكَ بعضهم على بعضٍ, فهذا كان أصله: بكى قومُكَ بعضُهم على بعضٍ, فلما نقلته إلى "أبكيتُ" جعلت الفاعل مفعولًا، وهو في المعنى فاعلٌ، إلا أنك أنت جعلتهُ فاعلًا وقولك: على بعضٍ لا يجوز أن يقع موقع الحال لأنك لا تريد أنّ بعضَهم مستقرٌّ على بعضٍ ولا مطروحٌ على بعضٍ, كما كان ذلكَ في المتاعِ, قال سيبويه: لم ترد أن تقول: بعضُهم على بعضٍ في عونٍ ولا أن أجسادَهم بعضًا على بعضٍ1، وقولك: بعضُهم، في جميع هذه المسائل منصوب على البدل, فإن قلت: حزنتُ قومك بعضُهم أفضلُ من بعضٍ، كان الرفع حُسنًا لأن الآخر هو الأول وإن شئت نصبت على الحال يعني "أفضلَ" فقلت: حَزنت قومَكَ بعضَهم أفضلَ من بعضٍ, كأنك قلت: حَزنت بعضَ قومِكَ فاضلين بعضهم. قال سيبويه: إلا أن الأعرف والأكثر إذا كان الآخر هو الأول أن يبتدأ، والنصب عربي جيد2 وتقول: ضُربَ عبد اللهِ ظهرُه وبطنُهُ، ومُطرنا سهلنا وجبلنا، ومطرنَا السهل والجبل، وجميع هذا لك فيه البدل, ولك أن يكون تأكيدًا كأجمعينَ لأنك إذا قلت: ضُرب زيدٌ الظهرُ والبطنُ, فالظهر والبطن هما3 جماعة زيدٍ وإذا قلت: "مطرنا" فإنما تعني: مطرت بلادُنا, والبلاد يجمعها السهل والجبل. قال سيبويه: وإن شئت نصبت فقلت: ضُربَ زيدٌ الظهرَ والبطنَ، ومطرنا السهل والجبل، وضُرب زيد ظهرهُ وبطنهُ4، والمعنى: حرف الجر،

_ 1 انظر الكتاب 1/ 79. 2 انظر الكتاب 1/ 79. 3 في الأصل: "هو". 4 انظر الكتاب 1/ 79.

وهو "في" ولكنهم حذفوه قال: وأجازوا هذا كما أجازوا: دخلتُ البيتَ، وإنما معناه: دخلت في البيتِ والعامل فيه الفعل، وليس انتصابه هنا انتصاب الظروف، قال: ولم يجيزوا حذف حرف الجر في غير السهلِ والجبلِ، والظهر والبطنِ، نظير هذا في حذف حرف الجر: نُبئت زيدًا، تريد: عن زيدٍ، وزعم الخليل أنهم يقولون: مطرنا الزرع والضرع، وإن شئت رفعت على البدل على أن تصيره بمنزلة أجمعينَ1، توكيدًا. قال سيبويه2: إن قلت: ضُربَ زيد اليدُ والرجلُ، جاز أن يكون بدلًا، وأن يكون توكيدًا, وإن نصبته لم يحسن، والبدل كما قال جائزٌ حَسنٌ، والتوكيد عندي يَقْبُحُ إذا لم يكن الاسم المؤكدُ هو المؤكدُ, واليد والرجل ليستا جماعة زيدٍ وهو في السهلِ والجبلِ عندي يحسنُ لأن السهلَ والجبلَ هما جماعة البلادِ، وكذلك البطنُ والظهرُ، إنما يراد بهما3 جماعة الشخص، فإن أراد باليد والرجل أنه قد: ضُربت جماعة، واجتزأ بذكر الطرفين في ذلك جاز. قال: وقد سمعناهم يقولون: ضربتهم4 ظهرًا وبطنًا، وتقول: ضربت قومَك صغيرهم وكبيرهم على البدل، والتأكيد جميعًا فإن قلت: أو كبيرهم لم يجز إلا البدل وتقول: زيد ضربتهُ أخاكَ فتبدل "أخاك" من الهاء؛ لأن الكلام الأول قد تم وقد خبرتك: أن البدل إنما هو اختصار خبرين فإن قلت: زيدٌ ضربتُ أخاكَ إيّاهُ لم يجز لأن الكلام الأول ما تم فإن قلت: مررتُ برجلٍ قائمٍ رجل أبوهُ، فجعلت أباه بدلًا من رجل، لم يجز لأنه لا يصلح أن تقول: مررت برجلٍ قائمٍ أبوهُ وتسكت ولا يتم بذلك الكلام, فإن قلت: مررتُ برجلٍ قائمٍ زيدٍ أبوهُ فقد أجازه الأخفش

_ 1 انظر الكتاب 1/ 79. 2 انظر الكتاب 1/ 79. 3 في الأصل: "به". 4 في سيبويه 1/ 80: مطرتهم.

على الصفة، وقال: لأن قولك: أبوه من صفة زيدٍ، فصار كأنه بعض اسمه، ولو كان بدلًا من زيدٍ لم يكن كلامًا، ونظير هذا: مررتُ برجلٍ قائمٍ رجلٌ يحبهُ, وبرجلٍ قائمٍ زيدٌ الضاربه.

الخامس من التوابع وهو العطف بحرف

الخامس من التوابع: وهو العطف بحرف: حروف العطف عشرة أحرف يتبعنَ ما بعدهن ما قبلهن من الأسماء والأفعال في إعرابها. الأول: [الواو] 1 ومعناها إشراك الثاني فيما دخل فيه الأول وليس فيها دليل على أيهما كان أولًا نحو قولك: جاء زيدٌ وعمرٌو، ولقيت بكرًا وخالدًا، ومررت بالكوفةِ والبصرةِ، فجائز أن تكون البصرة أولًا، وجائز أن تكون الكوفةُ أولًا، قال الله عز وجل: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} 2 والركوع قبل السجود. الثاني: الفاء. وهي توجب أن الثاني بعد الأول، وأن الأمر بينهما قريبٌ، نحو قولك: رأيتُ زيدًا فعمرًا، ودخلت مكةَ فالمدينةَ3، وجاءني زيدٌ فعمرٌو، ومررت بزيدٍ فعمرٍو، فهي تجيء لتقدم الأول واتصال الثاني فيه. الثالث: ثُمَّ. وثم مثل الفاء، إلا أنها أشد تراخيًا، وتجيء لتعلم أن بين الثاني والأول مهلة، تقول: ضربتُ زيدًا ثم عمرًا، وجاءني زيدٌ ثم عمرٌو، ومررت بزيدٍ ثم عمرٍو. الرابع: أو. ولها ثلاثة مواضع، تكون لأحد الشيئين بغير تعيينه عند

_ 1 أضفت "الواو" لإيضاح المعنى، وانظر الموجز/ 65. 2 آل عمران: 43. 3 في سيبويه 2/ 304 وإنما جئت بالواو لتضم الآخر إلى الأول وتجمعهما، وليس فيه دليل على أن أحدهما قبل الآخر، وانظر سيبويه أيضًا 1/ 219.

شك المتكلم، أو قصده أحدهما، أو إباحة وذلك قولك: أتيت زيدًا أو عمرًا، وجاءني رجلٌ أو امرأةٌ هذا إذا شك, فأما إذا قصد بقوله أحدهما، فنحو: كُلِ السمكَ أو اشربِ اللبنَ، أي: لا تجمعهما, ولكن اختر أيهما شئت, وكقولك: أعطني دينارًا أو اكسني ثوبًا, والموضع الثالث الإِباحة1، وذلك قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، وائت المسجد أو السوق، أي: قد أذنت لك في مجالسة هذا الضرب من الناسِ, وعلى هذا قولُ الله عز وجلَ: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} 2. الخامس: إما. وإما في الشك والخبر بمنزلة "أو" وبينهما فصل، وذلك أنك إذا قلت: جاءني زيدٌ أو عمرٌو وقع الخبر في "زيدٍ" يقينًا حتى ذكرت "أو" فصار فيه وفي عمرٍو شك و"إما" تبتدئ به شاكًّا, وذلك قولك: جاءني إما زيدٌ وإما عمرٌو أي: أحدهما, وكذلك وقوعها للتخيير3، تقول: اضرب إما عبد الله وإما خالدًا، فالآمر لم يشك ولكنه خير المأمور كما كان ذلك في "أو" ونظيره قول الله عز وجل: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} 4 وكقوله عز وجل: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 5. السادس: "لاَ". وهي تقع لإخراج الثاني مما دخل فيه الأول، وذلك قولك: ضربتُ زيدًا لا عمرًا، ومررت برجلٍ لا امرأةٍ6، وجاءني زيدٌ لا عمرٌو.

_ 1 في سيبويه 1/ 489 "تقول: جالس عمرًا أو خالدًا أو بشرًا، كأنك قلت: جالس أحد هؤلاء، ولم ترد إنسانًا بعينه، ففي هذا دليل على أن كلهم أهل أن يجالس، كأنك قلت: جالس هذا الضرب". 2 الإنسان: 24. 3 أضفت كلمة "التخيير" لإيضاح المعنى. 4 الإنسان: 3. 5 سورة محمد "صلى الله عليه وسلم": 4. 6 في سيبويه 1/ 218 "ومن ذلك": مررت برجل لا امرأة، أشركت بينهما "لا" في الباء وأحقت المرور للأول وفصلت بينهما عند من التبس عليه فلم يدرِ بأيهما مررت.

السابع: بلْ. ومعناها الإِضراب عن الأول، والإِثبات للثاني نحو قولك: ضربتُ زيدًا بلْ عمرًا, وجاءني عبد الله بلْ أخوهُ, وما جاءني رجلٌ بل امرأةٌ. الثامن: لكنْ. وهي للاستدراك بعد النفي، ولا يجوز أن تدخل بعد واجب إلا لترك قصةٍ إلى قصةٍ "تامةٍ"، فأما مجيئها للاستدراك بعد النفي فنحو قولك: ما جاءني زيدٌ لكنْ عمرٌو, وما رأيت رجلًا لكن امرأة، ومررت بزيدٍ لكنْ عمرٍو، لم يجز1. التاسع: أَمْ. وهي تقع في الاستفهام في موضعين: فأحدهما أن تقع عديلة الألف على معنى "أي" وذلك نحو قولك: أزيدٌ في الدار أم عمرٌو؟ وكقولك: أأعطيتَ زيدًا أم أحرمته؟ فليس جوابُ هذا لا، ولا "نَعَمْ" كما أنه إذا قال: أيهما لقيتَ أو أي الأمرين فعلت؟ لم يكن جواب هذا لا ولا "نعم" لأن المتكلم مدعٍ أن أحد الأمرين قد وقع، لا يدري أيهما هو فالجواب أن يقول: زيدٌ أو عمرٌو2، فإن كان الأمر على غير دعواه فالجواب: أن تقول: لم ألقَ واحدًا منهما، [أو كليهما] 3، فمن ذلك قول الله عز وجل: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} 4، ومثل ذلك: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} 5 فخرج هذا من الله مخرج التوقيف والتوبيخ، ومخرجه من الناس يكون استفهامًا، ويكون توبيخًا6، ويدخل في هذا

_ 1 في الأصل الجملة مسبوقة "بما" وقد حذفتها؛ لأنه لا مانع من الاستدراك بعد النفي، والذي يريده المصنف عدم التدارك بعد الإيجاب، ولكنها يثبت بها بعد نفي. وانظر الكتاب 1/ 216. 2 في سيبويه 1/ 482-483 هذا باب "أم" إذا كان الكلام استفهامًا. ويقع الكلام بها في الاستفهام على وجهين: على معنى: أيهم، وأيهما. 3 أضفت "أو كليهما" لإيضاح المعنى. 4 النازعات: 27. 5 الدخان: 37. 6 انظر المقتضب 3/ 287.

الباب التسوية؛ لأن كل استفهام فهو تسوية, وذلك نحو قولك: ليتَ شعري أزيدٌ في الدارِ أمْ عمرٌو؟ وسواءٌ عليَّ أذهبت أم جئتَ فقولك: سواءٌ عليَّ تخبر أن الأمرين عندك واحدٌ وإنما استوت التسوية والاستفهام لأنك إذا قلتَ مستفهمًا: أزيدٌ عندك أم عمرٌو؟ فهما في جهلك لهما مستويان لا تدري أن زيدًا في الدار كما لا تدري أن عمرًا فيها, وإذا قلت: قد علمتُ أزيدٌ في الدار أم عمرٌو, فقد استويا عند السامع كما استوى الأولانِ عند المستفهم, وأي داخلة في كل موضع تدخل فيه أم مع الألف, تقول: قد علمتُ أيّهما في الدار, تريد أذَا أم ذَا, قال الله عز وجل: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} 1، وقال: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} 2 فأي تنتظم معنى الألف مع أم جميعًا، وأما الموضع الثاني من موضعي "أمْ" فإن تكون منقطعة مما قبلها خبرًا كان أو استفهامًا, وذلك نحو قولك فيما كان خبرًا: إنَّ هذا لزيد أم عمرٌو يا فتى3، وذلك أنك نظرت إلى شخصٍ فتوهمته زيدًا فقلت [على] 4 ما سبق إليك، ثم أدركك الظن أنه عمرو، فانصرفت عن الأول, فقلت: أم عمرٌو مستفهمًا، فإنما هو إضراب على معنى "بَلْ" إلا أن ما يقعُ بعد "بَلْ" يقينٌ وما يقع بعد "أمْ" مظنون مشكوك فيه, وذلك أنك تقول: ضربتُ زيدًا ناسيًا أو غالطًا ثم تذكر فتقول: بَلْ عمرًا مستدركًا مثبتًا للثاني تاركًا للأول فهي تخرج من الغلط إلى استثباتٍ ومن نسيان إلى ذكر و"أمْ" معها ظن أو استفهام وإضراب عما كان قبله ومن ذلك: هل زيدٌ منطلقٌ أم عمرٌو يا فتى قائمًا, أضرب عن سؤاله عن انطلاق زيد، وجعل السؤال عن عمرو، فهذا مجرى هذا، وليس على منهاج

_ 1 الكهف: 19. 2 الكهف: 12. 3 في شرح الكافية للرضي 2/ 347 "المتصلة يليها المفرد والجملة بخلاف المنقطعة, فإنه لا يليها إلا الجملة ظاهرة الجزأين نحو: أزيد عندك أم عمرو، مقدرًا أحدهما، نحو: إنها إبل أم شاء، أي: أم هي شاء". 4 أضفت كلمة "على" لتوضيح المعنى.

قولك: أزيدٌ في الدار أم عمرٌو، وأنت تريد: أيهما في الدار لأن "أَمْ" عديلة الألف ولا تقع "هَلْ" موقع الألف مع "أَمْ" وقد تدخل "أَمْ" على "هلْ". قال الشاعر: أمْ هَلْ كَبيرٌ بكى1 ... العاشر: حتى. تقول: ضربتُ القومَ حتىَّ زيدًا، وقد ذكرتها كيف تكون عاطفة فيما تقدم2 حين ذكرناها مع حروف الخفض وأفردنا لها بابًا, واعلم أن قومًا يُدخلون ليس في حروف العطف ويجعلونها كلا، وهذا شاذ في كلامهم، وقد حكى سيبويه أن قومًا يجعلونها "كَما" فيقولون: لَيس الطيبُ إلا المسكَ3. واعلم: أن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض فإن وجدت ذلك في كلام فقد أُخرج أحدهما من حروف النسق، وذلك مثل قولهم: لم يقم عمرٌو ولا زيدٌ، الواو نَسقٌ و"لا" توكيد للنفي, وكذلك قولك: والله لا فعلتُ ثم والله لا فعلتُ, ثم نَسق والواو قَسمٌ، وحروف العطف لا يفرق

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 487 على دخول "أم" المنقطعة على "هل" و"أم" المتصلة لا تدخل على أدوات الاستفهام، أما "أم" المنقطعة فتدخل عليها إلا ألف الاستفهام. والشاهد جزء من صدر بيت وتكملته: أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبة يوم البين مشكوم المشكوم: المجزى، وقال الشجري: مشكوم: مثاب مجازى. إثر الأحبة -بكسر الهمزة وسكون الثاء- وفتحها لغة. البين: الفراق, وإثر ويوم متعلقان "ببكى". والعبرة: الدمعة، أي: لم يشتفِ من البكاء؛ لأن في ذلك راحة والبيت مطلع قصيدة لعلقمة بن عبدة. وانظر المقتضب 3/ 290, وأمالي ابن الشجري 2/ 334, وابن يعيش 8/ 153، والخزانة 4/ 516, والمفضليات/ 397, وشرح المفضليات للأنباري/ 786, وديوان علقمة/ 12. 2 ذكر ذلك في الجزء الأول. 3 انظر الكتاب 1/ 31.

بينها وبين المعطوف بشيء مما يعترض بين العامل والمعمول فيه، والأشياء التي يعترض بها: الأيمانُ، والشكوكُ والشروطُ. وقد يجوز ذلك في "ثم وأو ولا" لأنها تنفصل وتقوم بأنفسها وقد يجوز الوقوف عليها فتقول: قامَ زيدٌ ثم والله عمرٌو وثم أظن عمرٌو و"لا" التي للعطف يصح أن تلي الماضي لأنه قد غلب عليه الدعاء وقد يجوز أن يكون مع الماضي بمنزلة "لَم" وذلك قولك: زيدٌ قامَ لا قعد, فيلتبس بالدعاء فإن لم يلتبس جاز عندي وقد جاءت "لا" نافية مع الماضي في غير خبر كما جاءت "لَم" وذلك قوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} 1 وتقول: لم يقمْ زيدٌ ولم يقعد، ولا يجوز: ولا يقعدُ إلا أن ترفعه وكذلك: لن يقومَ زيدٌ ولا يقعدُ، بواوٍ وغير واوٍ.

_ 1 القيامة: 31.

باب العطف على الموضع

باب العطف على الموضع: الأشياء التي يقال: إن لها موضعًا غير لفظها على ضربين: أحدهما اسمٌ مفرد مبني، والضرب الآخر اسم قد عمل فيه عامل أو جعل مع غيره بمنزلة اسم، فيقال: إن الموضع للجميع، فإن كان الاسم معربًا مفردًا، فلا يجوز أن يكون له موضع؛ لأنا إنما نعترف بالموضع إذا لم يظهر [في] 1 اللفظ الإِعراب، فإذا ظهر الإِعراب فلا مطلوب. الضرب الأول: وهو الاسم المضمر والمبني، وذلك نحو: هذا، تقول: إن هذا أخوكَ، فموضع "هذَا" نصب؛ لأنك لو جعلت موضع هذا اسمًا معربًا قلت: إن زيدًا أخوكَ فمن أجل هذا جاز أن تقول: إن هذا وزيدًا قائمان؛ ولهذا جاز أن تقول: يا زيدُ العاقلَ، فتنصب على الموضع، وإنما جاز الرفع على اللفظ لأنه مبني يشبه المعرب؛ لاطراده في الرفع، وقد بينت هذا في باب النداء، وليس في قولك "هذا" حركة تشبه الإِعراب فإذا قلت: يا زيد وعمرو فحكم الثاني حكم الأول؛ لأنه منادى فهو مضموم، وقد قالوا على

_ 1 أضفت "في" لإيضاح المعنى.

ذلك: يا زيدُ والحارثُ، كما دخلت الألف واللام، و"يا" لا تدخل عليهما, ومن قال: إن موضع الاسم الذي عملت فيه "إنَّ" رفعٌ فقد غلط من قبل أن المعرب لا موضع له, ومن أجل أنه يلزمه أن يكون لهذا موضعان في قولك: إن هذا وزيدًا أخواكَ؛ لأن موضع زيدٍ عنده إذا قال: إن زيدًا, رفعٌ, فيلزمه أن يكون موضع "هذا" نصبًا ورفعًا. الضرب الثاني: ينقسم أربعة أقسام: جملة قد عمل بعضها في بعضٍ، أو اسم عمل فيه حرف, أو اسمٌ بني مع غيره بناء, أو اسم موصول لا يتمُّ إلا بصلته. الأول: جملة قد عمل بعضها في بعض: اعلم أن الجمل على ضربين: ضربٍ لا موضع له وضرب له موضع. فأما الجملة التي لا موضع لها فكل جملة ابتدأتها، فلا موضع لها نحو قولك مبتدئًا: زيدٌ في الدار وعمرٌو عندكَ فهذه لا موضع لها. الضرب الثاني: الجملة موقع اسم مفرد نحو قولك: زيدٌ أبوهُ قائمٌ، فأبوه قائم جملة موضعها رفع؛ لأنك لو جعلت موضعها اسمًا مفردًا نحو: منطلق لصلح, وكنت تقول: زيدٌ منطلقٌ فتقول على هذا: هندٌ منطلقةٌ وأبوها قائمٌ فيكون موضع أبوها "قائمٌ" رفعًا؛ لأنك لو وضعت موضع هذه الجملة "قائمةً" لكان رفعًا, فإن قلت: هندٌ أبوها قائمٌ ومنطلقةٌ جاز, والأحسن عندي أن تقدم "منطلقةً" لأن الأصل للمفرد، والجملة فرع ولا ينبغي أن تقدم الفرع على الأصل إلا في ضرورة شعرهم، وكذلك: مررت بامرأةٍ أبوها شريفٌ وكريمةٌ حقه أن يقول: بامرأةٍ كريمةٍ وأبوها شريفٌ؛ لأن الأصل للمفرد وإن وصفه مثله مفردا, وتقديم الجملة في الصفة عندي على المفرد أقبح منه في الخبر, إذا قلت: هندٌ أبوها كريمٌ وشريفةٌ؛ لأن أصل الصفة أن تكون مساوية للموصوف تابعة له في لفظها ومعرفتها ونكرتها، وليس الخبر، من

المبتدأ بهذه المنزلة، فإذا قلت: زيدٌ أبوه قائمٌ، و [كريم] 1 لزيدٍ لم يحسنْ؛ لأنه ملبس، يصلح أن يكون لزيدٍ وللأبِ, والأولى أن يكون معطوفًا على "قائمٍ" لما خبرتك فإن لم يلبس صلُحَ, وكذلك حق حروف العطف أن تعطف على ما قرب منها أولى. القسم الثاني: اسم عمل فيه حرف. هذا القسم على ضربين: ضرب يكون العامل فيه حرفًا زائدًا للتوكيد سقوطه لا يخل بالكلام، بل يكون الإِعراب على حقه والكلام مستعمل. والضرب الآخر أن يكون الحرف العامل غير زائد، ومتى أسقط لم يتصل الكلام بعضه ببعض. فالضرب الأول: نحو قولك: لستَ بقائمٍ ولا قاعدٍ، الباء زائدة لتأكيد النفي, ولو أسقطتها لم يخلّ بالكلام واتصل بعضه ببعضٍ، فموضع "بقائمٍ" نصب لأن الكلام المستعمل قبل دخولها "لستَ قائمًا" فهذا لك أن تعطف على موضعه فتقول: "لستَ بقائمٍ ولا قاعدًا"، ومن ذلك: هل من رجلٍ عندك؟ وما من أحد في الدار، فهذا لك أن تعطف على الموضع لأن موضع "من رجلٍ" رفعٌ، وكذلك: خَشَّنتُ بصدره، وصدر زيدٍ2، ولو أسقطت الباء كان جيدًا فقلت: خَشنت صدره وصدر زيدٍ، وكذلك: كفى

_ 1 أضفت كلمة "كريم" لأن المعنى يقتضيها. 2 قال المبرد في المقتضب 4/ 73: "وإنما اختاروا إعمال الآخر؛ لأنه أقرب من الأول ألا ترى أن الوجه أن تقول: خشنت بصدرك وصدر زيد، فتعمل الباء؛ لأنها أقرب، وانظر الكتاب 1/ 37".

بالله1، إنما هو: كفى الله، فعلى ذا تقول: كفى بزيدٍ وعمروٍ, ومن ذلكَ: إن زيدًا في الدار وعمرًا، ولو أسقطت "إنّ" لكان: زيدٌ في الدار وعمرٌو, فإن مع ما عملت فيه في موضع رفعٍ, وينبغي أن تعلم أنه ليس لك أن تعطف على الموضع الذي فيه حرف عامل إلا بعد تمام الكلام، من قبل أن العطف نظير التثنية والجمع ألا ترى أن معنى قولك: قامَ الزيدانِ إنما هو: قامَ زيدٌ وزيدٌ فلما كان العاملان مشتركين في الاسم ثُنيا ولو اختلفا لم يصلح فيهما إلا الواو, فكنت تقول: قامَ زيدٌ وعمرٌو, فالواو نظير التثنية وإنما تدخل إذا لم تكن التثنية, فلما لم يكن يجوز أن يجتمع في التثنية الرفع والنصب، ولا الرفع والخفض، ولا أن يعمل في المثنى عاملان، كذلك لم يجز في المعطوف والمعطوف عليه. فإذا تم الكلام عطفت على العامل الأول، وكنت مقدرًا إعادته وإن كنت لا تقيده في اللفظ لأنك مستغنٍ عنه, ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: إن زيدًا وعمرٌو منطلقان لما خبرتك به, ولأن قولك: "منطلقانِ" يصير خبرًا لمرفوع ومنصوب وهذا مستحيل، فإذا قلت: "إن زيدًا منطلق وعمرٌو" صَلُح؛ لأن الكلام قد تم ورفعت، لأن الموضع للابتداء وإن زائدةٌ فعطفت على موضع "إنّ" وأعملت الابتداء وأضمرت الخبر وحذفته اجتزاءً بأن الأول يدل عليه, فإن اختلف الخبران لم يكن بد من ذكره ولم يجز حذفهُ نحو قولك: إن زيدًا ذاهبٌ وعمرٌو جالسٌ؛ لأن "ذاهبًا" لا يدل على "جالس" فإذا تم الكلام فلك العطف على اللفظ والموضع جميعًا, وإذا لم يتم لم يجز إلا اللفظ فقط وكذلك لو قلت: "هَلْ من رجلٍ وحمارٍ موجودان" فإن قلت: وحمارٌ جاز كما تقول: إن عمرًا وزيدًا منطلقان, وكذلك إذا قلت: خشنت بصدره وصدر زيدٍ عطفت على "خشنت" ولم يعرج على الباء2 وجاز؛ لأن الكلام قد تم، فكأنك قد أعدت: خشنت

_ 1 في كتاب الله العزيز: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} النساء: 79. 2 جعل ابن جني في الخصائص 2/ 278 "خشن" مما يتعدى بنفسه تارة، وبحرف الجر أخرى مثل جاء، ومعنى: خشنت صدره: أوغر صدره وأغضبه. وانظر: المقتضب 4/ 73.

ثانية، فالفرق بين العطف على الموضع والعطف على اللفظ أن المعطوف على اللفظ كالشيء يعمل فيهما عامل واحد؛ لأنهما كاسم واحد والمعطوف على المعنى يعمل فيهما عاملان, والتقدير تكرير العامل في الثاني إذا لم يظهر عمله في الأول, وتصير كأنها جملة معطوفة على جملة وكل جملتين يحذف من أحدهما شيء ويقتصر بدلالة الجملة الأخرى على ما حذف, فهي كالجملة الواحدة ونظير هذا قولهم: ضربتُ وضربني زيدٌ, اكتفوا بذكر زيد عن أن يذكروا أولًا إلا أن هذا حذف منه المعمول فيه، وكان الثاني دليلًا على الأول، وذاك حذف العامل منه إلا أن حذف العامل إذا دل عليه الأول أحسن مع العطف؛ لأن الواو تقوم مقام العامل في كل الكلام. الضرب الآخر: أن يكون الحرف العامل غير زائد، وذلك نحو قولك: مررتُ بزيدٍ وذهبتُ إلى عمرٍو ومُرَّ بزيدٍ وذهب إلى عمرو، فتقول: إن موضع "بزيدٍ" في: "مررتُ بزيدٍ" منصوب، وموضع إلى عمرو في: ذهبت إلى عمرو نصب، وموضع بزيد في: "مر بزيدٍ" رفع، وإنما كان ذلك لأنك لو جعلت موضع: "مررتُ" ما يقارب معناه من الأفعال المتعدية لكان زيد منصوبًا نحو: أتيتُ زيدًا, ولو أسقطت الباء في قولك: مررت بزيدٍ لم يجز؛ لأن الأفعال التي هي غير متعدية في الأصل لا تتعدى إلا بحرف جر، وقد بينت فيما تقدم صفة الأفعال المتعدية والأفعال التي لا تتعدى, فتقول على هذا إذا عطفت على الموضع: مررتُ بزيدٍ وعمرًا وذهبتُ إلى بكرٍ وخالدًا ومُرَّ بزيدٍ وعمروٍ، كأنك قلت: وأتى عمرٌو، وأتيتُ عمرًا، ودل "مررتُ" على "أتيتُ" فاستغنيت بها وحذفت, قال الشاعر: جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهم ... أو مِثْل أسرةِ مَنظورِ بن سيارِ1

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 86 و1/ 48 "على حمل الاسم المعطوف على موضع الباء وما عملت فيه؛ لأن معنى قوله: جئتني بمثل بني بدر: هاتني مثلهم، فكأنه قال: هات مثل بني بدر أو مثل أسرة منظور والبيت لجرير يخاطب الفرزدق فيفخر عليه بسادات قيس، لأنهم أخواله، وبنو بدر من فزارة وفيهم شرف قيس بن عيلان وبنو سيار من سادات فزارة أيضًا، وفزارة من ذبيان من قيس، وأسرة الرجل: رهطه الأدنون إليه، واشتقاقه من أسرت الشيء إذا شددته وقويته". لأن الإنسان يقوى برهطه على العدو ويعز, وانظر المقتضب 4/ 153 ورواه: جيئوا بمثل، والخصائص 2/ 278, وجمهرة الأنساب/ 258, وديوان جرير/ 312, ومعاني الفراء 2/ 22, والمحتسب 2/ 78, وابن يعيش 6/ 96.

كأنه قال: أو هاتِ مثل أسرة منظور؛ لأنّ جئني بمثل بني بدرٍ، يدل على: هاتِ أو أعطني وما أشبه هذا. القسم الثاني: اسم بني مع غيره. وذلك نحو: خمسةَ عشرَ وتسعةَ عشرَ، فحكم هذا حكم المبني المفرد، تقول: إن خمسةَ عشرَ درهمًا ويكفيك خمسةَ دنانير وخمسةُ دنانير النصب على "إنَّ" والرفع على موضع "إنَّ" وقولك: لا رجل في الدار بمنزلةِ: خمسة عشر في البناء إلا أن "رجل" مبني يضارع المعرفة فجاز لك أن تقول: لا رجلَ وغلامًا لكَ فتعطف عليه لأن "لا" تعمل في النكرة عمل "إنّ" فبنيت مع "لا" على الفتح الذي عملته "لا" ومنعت التنوين؛ ليدل منع التنوين على البناء لأنه اسم نكرة منصوبٌ متمكنٌ ودل على ذلك قولهم: لا ماءَ ماءَ باردًا لك, ألا تراهم بنوا ماء مع ماءٍ فعلمت بذلك أن هذا الفتح قد ضارعوا به المبني وأشبه خمسة عشر وكان هو الدليل على أن "لا" مبنية مع النكرة المفردة إذا قلت: لا ماءَ لك وقد بينت هذا في باب النفي1، فلهذا جاز أن تقول لا رجل وغلامًا لك على اللفظ، ولا رجل وغلامٌ لك على موضع "لا" ويدل على بناء رجل في قولك: لا رجلَ أنه لا يجوز أن تقول: لا رجلَ وغلامُ لكَ فلو لم يعدلوا فتحة النصب إلى فتحة البناء [لما] 2 جاز؛ لأنّ الواو تدخل الثاني فيما دخل فيه الأول، ولو وجدنا في كلامهم اسمًا نكرة

_ 1 انظر الجزء الأول/ 441 وما بعدها. 2 أضفت "لما" لأن المعنى يحتاجها.

متمكنًا ينصب بغير تنوين لقلنا: إنه منصوب غير مبني، فكما تقول: إن المنادى المفرد بني على الضم كالمعرب المرفوع، تقول في هذا: إنه معرب كالمبني المفتوح؛ ولهذا لا يجوز أن ينعت الرجل على الموضع1، فيرفع لأن موضع "رجلٍ" نصبٌ؛ لأنه لو كان موضعه مضافًا ما كان إلا نصبًا؛ فلهذا قلنا: إنه بني على التقدير الذي كان له وموضع "لا" مع رجلٍ رفعٌ موضعُ ابتداءٍ كما كانت إن مع ما عملت فيه, إلا أن النحويين أجازوا: لا رجلَ ظريفٌ وقالوا: رفعناه على موضع: لا رجل وإنما جاز هذا مع "لا" ولم يجز مع "أن" لأن "لا" مع رجلٍ بمنزلة اسم واحد وليست "إنَّ" مع ما عملت فيه بمنزلة شيء واحد, لو قلت: إن زيدًا العاقلُ منطلقٌ لم يجز وقد ذكرت هذا في باب إنّ ويدلك أيضًا على أن "لا" مع ما عملت فيه بمنزلة اسم واحد أنه لا يجوز لك أن تفصل بين "لا" والاسم ومتى فعلت ذلك لم يكن إلا الرفع، وذلك قولك: لا لك مالٌ, ولا تقول: لا لكَ مالَ، لأن "لكَ" قد منع البناء وقد حكي عن بعضهم: لا رجلَ وغلامَ لك فحذف التنوين من الثاني وشبهه بالعطف على النداء وهذا شاذٌّ لا يعرج عليه وإنما حكمنا على "لا" أنها نصبت في قولك: لا رجلَ لقولهم: لا رجلَ وغلامًا لكَ, وأنه يجوز أن تقول: لا رجل وغلامًا منطلقان, فلو لم تكن "لا" نصبت لم يجز أن تعطف على رجل منصوبًا, فهذا الفرق بين "لا" رجلَ وخمسة عشَر. وقد عرفتك من أين تشابها ومن أين افترقا, وأما عطف المفرد على المفرد في النداء فلا يجوز أن تعطفه على الموضع لو قلت: يا زيدُ وعمرًا لم يجز من قبل أن زيدًا إنما بني؛ لأنه منادى مخاطب باسمه. والصلة التي أوجبت البناء في زيدٍ هي التي أوجبت البناء في عمرٍو وهُما في ذلك سواءٌ, ألا ترى أنهم يقولون: يا عبد الله وزيدٌ فيضمون الثاني والأول منصوب لهذه العلة، ولولا ذلك لما جاز وليس مثل هذا في سائر ما يعطف عليه.

_ 1 في الأصل: الموضوع.

القسم الرابع: وهو ما عطف على شيء موصول لا يتم إلا بصلته. وذلك قولك: ضربت الذي في الدارِ وزيدًا عطفت على الذي مع صلتها ولو عطفت على الذي مفردًا، لم يجز ولم يكن اسمًا معلومًا، وكذلك "مَن" إذا كانت بمعنى الذي تقول: ضربتُ مَن في الدار وزيدًا, ومثل ذلك "مَا" إذا كانت بمعنى "الذي" تقول: أخرجتُ ما في الدار وزيدًا, فالذي ومَنْ وما مبهمات لا تتم في الإِخبار إلا بصلات، وما يوصل فيكون كالشيء الواحد "أن" مع صلتها تكون كالمصدر نحو قولك: يعجبني أن تقوم, فموضع أن تقوم رفع لأن المعنى: يعجبني قيامُك وكذلك إن قلت: كرهتُ أن تقومَ، فموضع أن تقوم نصب1، وعجبت مِنْ أن تقومَ خَفضٌ, فتقولُ على هذا: عجبتُ من أن يقومَ زيدٌ وقعودِكَ، تريد: من قيامِ زيدٍ وقعودِك.

_ 1 أي: إنه مفعول به، على تقدير: كرهت قيامك.

باب العطف على عاملين

باب العطف على عاملين: اعلم: أن العطف على عاملين، لا يجوز من قبل أن حرف العطف إنما وضع لينوب عن العامل، ويغني عن إعادته، فإن قلت: قامَ زيدٌ وعمرٌو فالواو أغنت عن إعادة "قام" فقد صارت ترفع كما يرفع قامَ, وكذلك إذا عطفت بها على منصوب نحو قولك: إن زيدًا منطلقٌ وعمرًا فالواو نصبت كما نصبت "إنَّ" وكذلك في الخفض إذا قلت: مررت بزيدٍ وعمروٍ, فالواو جرت كما جرت الباء فلو عطفت على عاملين أحدهما يرفع والآخر ينصب, لكنت قد أحلت؛ لأنها كان تكون رافعةً ناصبة في حال قد أجمعوا على أنه لا يجوز أن تقول: مَرَّ زيدٌ بعمروٍ وبكرٌ خالدٍ, فتعطف على الفعل والباء ولو جاز العطف على عاملين لجاز هذا واختلفوا إذا جعلوا المخفوض يلي الواو, فأجاز الأخفش1 ومن ذهب مذهبه: مَرَّ زيدٌ بعمرٍو وخالدٌ بكرٍ، واحتجوا بأشياء منها قول الشاعر: هَوِّنْ عَلَيْكَ فإنَّ الأُمورَ ... بِكَفِّ الإِلهِ مَقَادِيرُهَا فَلَيْسَ بآتِيكَ مَنْهِيُّهَا ... ولاَ قَاصِرٍ عَنْكَ مأمورُهَا2

_ 1 انظر المقتضب 4/ 195, وشرح الكافية 1/ 299, وابن يعيش 3/ 27, والمغني 2/ 101. 2 من شواهد سيبويه 1/ 31 على جواز النصب في الخبر المعطوف على خبر "ليس" وإن كان الآخر أجنبيًّا؛ لأن "ليس" تعمل في الخبر مقدمًا ومؤخرًا لقوتها، وقال ابن هشام في المغني: ومما يشكل على مذهب سيبويه قوله: هون عليك؛ لأن "قاصر" عطف على مجرور الباء، فإن كان مأمورها عطفًا على مرفوع "ليس" لزم العطف على معمول عاملين، وإن كان فاعلًا بقاصر لزم عدم الارتباط بالمخبر عنه، إذ التقدير حينئذ: فليس منهيها بقاصر عنك مأمورها. والبيتان للأعور الشني, وكان الخليفة عمر "رضي الله عنه" كثيرًا ما يتمثل بالبيتين، وهو على المنبر. وانظر: المقتضب 4/ 196, والمغني 1/ 128 و2/ 101, والسيوطي/ 146, والأشباه والنظائر 4/ 12, وشرح السيرافي 1/ 420.

وقال النابغة: فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ لَنَا أنْ نَرُدَّها ... صِحَاحًا ولا مستنكرًا أن تُعقَّرا1 وما يحتجون به: ما كل سوداءَ تمرةً، ولا بيضاءَ شحمةً، فعطف على كُل وما، ومن ذلك: أَكُلَّ امرِئٍ تَحْسَبِينَ امرأً ... ونَارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نَارَا2

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 32 قال الأعلم: فرد قوله: ولا مستنكرًا على قوله "بمعروف" وجعل الآخر من سبب الأول؛ لأن الرد ملتبس بالخيل، وكأنه والعقر متصل بضميرها، فكأنه اتصل بضمير الرد حيث كان من الخيل ... فتقدير البيت: فليس بمعروفة خلينا ردها صحاحًا ولا مستنكر عقرها، لما ذكر من التباس الرد بالخيل، فكأنه من الخيل, والبيت للنابغة الجعدي من قصيدة قالها حينما وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنشده إياها. وانظر: المقتضب 4/ 194، والخزانة 1/ 513، واللآلئ/ 247، وأمالي المرتضى 1/ 267، وجمهرة أشعار العرب/ 303، وديوان النابغة/ 73. 2 من شواهد سيبويه 1/ 33 أراد: "وكل نار" فحذف لما جرى من ذكر كل مع تقديمه المجرورين وحصول الرتبة في آخر الكلام، واتصال المجرور بحرف العطف لفظًا ومعنى ... فسيبويه يحمله على حذف مضاف تقديره: وكل نار إلا أنه حذف، ويقدرها موجودة، والأخفش يحمله على العطف على عاملين فيخفض نارًا بالعطف على امرئ المخفوض بكل، وينصب نارًا بالعطف على الخبر. والبيت لأبي دواد الإيادي حارثة بن الحجاج من إياد بن نزار, شاعر قديم من شعراء الجاهلية. وانظر المحتسب 2/ 281، وأمالي ابن الشجري 1/ 196, ومفاتيح العلوم: 69، والكامل/ 163، وابن يعيش 3/ 27، ومشكل إعراب القرآن 489.

ومذهب سيبويه في جميع هذه أن لا يعطف على عاملين، ويذكر أن في جميعها تأويلًا يرده إلى عمل واحد، ونحن نذكر ما قاله سيبويه في باب "ما"1 تقول: ما أبو زينب ذاهبًا ولا مقيمةٌ أُمها، ترفع لأنك لو قلت: ما أبو زينبَ مقيمةً أمها لم يجز؛ لأنها ليست من سببه ومثل ذلك قول الأعور الشني: هَوّنْ عليكَ فأنشد البيتين ورفَع, ولا قاصر عنك مأمورها, وقال: لأنه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكر وهو المنهي ومعنى كلامه أنه لو كان موضع ليس "ما" لكان الخبر إذا تقدم في "ما" على الاسم لم يجز إلا الرفع, لا يجوز أن تقول: ما زيدٌ منطلقًا ولا خارجًا معنٌ, فإن جعلت في "خارجٍ معن" شيئًا من سبب زيدٍ جاز النصب، وكان عطفًا على الخبر لأنه يصير خبرًا لزيدٍ لأنه معلق بسبب له، فكذلك لو قلت: فما يأتيكَ منهيها ولا قاصرٌ عنك مأمورها غير قولك منهيها، ثم قال: وجَرهُ قومٌ فجعلوا المأمور للمنهي والمنهي هو الأمور؛ لأنه من الأمور وهو بعضُها فأجراه [وأنثه] 2 كما قال جرير3: إذا بَعْضُ السِّنين تَعرَّقتْنا ... كَفَى الأيتام فَقْد أَبي اليتيمِ4

_ 1 انظر الكتاب 1/ 31. 2 زيادة من سيبويه، انظر الكتاب 1/ 31-32. 3 في الأصل: حديث ولا معنى لها. 4 من شواهد سيبويه 1/ 25 و1/ 32 على تأنيث تعرقتنا فعل بعض لإضافته إلى السنين, ولأنه أراد سنة، فكأنه قال: إذا سنة من السنين تعرقتنا. عنى بالبيت هشام بن عبد الملك، فيقول: إذا أصابتنا سنة جدب تذهب المال قام للأيتام مقام آبائهم. وأراد أن يقول: كفى الأيتام فقد آبائهم، فلم يمكنه، فقال: فقد أبى اليتيم؛ لأنه ذكر الأيتام أولًا، ولكنه أفرد حملا على المعنى، لأن الأيتام هنا اسم جنس فواحدها ينوب مناب جمعها، كان المقام مقام الإضمار فأتى بالاسم الظاهر. وانظر المقتضب 4/ 198، وابن يعيش 5/ 96، والفائق للزمخشري 3/ 137، والمذكر والمؤنث لابن الأنباري/ 318، والخزانة 2/ 167، وديوان جرير/ 507.

فصار تأويل الخبر ليس: بآتيك الأمور ولا قاصرٌ بعضها، فجعل: بعض الأمور أمورًا وكذلك احتج لقول النابغة في الجر فقال: يجوز أن تجر وتحمله على الرد لأنه من الخيل يعني في قوله: أن تردَها.... لأن "أن تردهَا" في موضع ردهَا، كما قال ذو الرمة: مَشَيْنَ كَمَا اهتزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهتْ ... أَعَاليها مَرَّ الرِّياحِ النَّواسِمِ1 كأنه قال: تسفهتها الرياح، فهذا بناء الكلام على الخيل وذلك ردَّ إلى الأمور وقال: كأنه قال: ليس بآتيكَ منهيها وليست بمعروفة ردها حين كان من الخيلِ والخيلُ مؤنثةٌ فأنثَ وهذا مثل قوله: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا [خَوْفٌ] 2 عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 3 أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى، هذا مثله في أنه تكلم به مذكرًا ثم أنث، كما جمع وهو في قوله: ليس بآتيتكَ منهيها، كأنه قال: ليس بآتيتكَ الأمور، وفي ليس بمعروف ردَها، وكأنه قال: ليست بمعروفةٍ خيلنا صحاصًا قال: وإن شئت نصبت فقلت: ولا مستنكرًا ولا قاصرًا4.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 23، 25 على اكتساب المضاف التأنيث وكذلك استشهد به المبرد في المقتضب. وتسفهت: تحركت. والنواسم التي تهب بضعف. وصف نساء فقال: إذا مشين اهتززن في مشيهن وتثنين فكأنهن رماح نصبت فمرت عليها الرياح فاهتزت وتثنت، وخص النواسم لأن الزعازع الشديدة تعصف ما مرت به وتغيره. ويروى: مرضى الرياح، يريد الفاترة. ولا شاهد فيه، على هذه الرواية، وذكر المبرد في الكامل عن بعضهم أن البيت مصنوع، وأن الصحيح فيه مرضى الرياح النواسم. وانظر المقتضب 4/ 197, والخصائص 2/ 417, وشرح السيرافي 1/ 322, ومعجم المقاييس 3/ 79, وشرح ابن عقيل/ 291, والمذكر والمؤنث لابن الأنباري/ 318, والمحتسب 1/ 237، والكامل للمبرد/ 313 طبعة أوروبا, والديوان/ 116 ورواية الديوان: رويدًا كما اهتزت. 2 خوف، ساقطة من الآية. 3 البقرة: 112 وانظر الكتاب 1/ 33. 4 انظر الكتاب 1/ 33.

قال أبو العباس1: قال الأخفش: وليس هذان البيتان على ما زعم سيبويه، يعني في الجر؛ لأنه يجوز عند العطف، وأن يكون الثاني من سبب الأول وأنكر ذلك سيبويه لأنه عطف على عاملين على السين والباء فزعم أبو الحسن: أنها غلط منهُ وأن العطف على عاملين جائز نحو قول الله عز وجل في قراءة بعض الناس: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ} 2، فجر الآيات وهي في موضع نصب، ومثل قوله: {لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 3 عطف على خبر "إنّ" وعلى "الكل". قال أبو العباس: وغلطَ أبو الحسن في الآيتين جميعًا ولكن قوله: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 4 وابتدأ الكلام: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} 5، {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ} 6 بعد هذه الآية، وإن جرَّ آيات فقد عطف على عاملين وهي قراءة عطف على "إن" و"في" قال: وهذا عندنا غير جائز7؛ لأن الذي تأوله سيبويه بعيدٌ وقال: لأن الرد غير الخيل والعقرُ راجع إلى الخيل فليس بمتصل بشيء من الخيل ولا داخل في المعنى, وقال: أما قوله: فليس بآتيكَ منهيها ولا قاصرٌ عنكَ مأمورها فهو أقرب قليلًا وليس

_ 1 انظر المقتضب 4/ 195. 2 الجاثية: 4، قرأ حمزة والكسائي {وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ} {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ} بالخفض فيهما، وقرأ الباقون بالرفع فيهما. انظر حجة القراءات ص658, وغيث النفع/ 236، والنشر2/ 371, والإتحاف/ 389, والبحر المحيط 8/ 43. 3 سبأ: 24. 4 الجاثية: 5. 5 الجاثية: 3. 6 الجاثية: 5, وانظر "ت" 14. 7 انظر المقتضب 4/ 195، وهذه الآية موجودة والتي قبلها غير موجودة.

منه لأن المأمورَ بعضها والمنهي بعضها، وقربه أنهما قد أحاطا بالأمور، وقال: وليس يجوزُ الخفض عندنا إلا على العطف على عاملين فيمن أجازه. وأما قولُهم: ما كلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمة, فقال سيبويه: كأنكَ أظهرت كُلَّ مضمرٍ فقلت: ولا كُلَّ بيضاء1، فمذهب سيبويه أنَّ "كُلَّ" مضمرة هنا محذوفة وكذلك: أُكَلَّ امْرِئٍ تَحْسَبِينَ امرأً ... ونَارٍ تَوقَّدُ بالليلِ نَارا2 يذهب إلى أنه حذف "كُلُّ" بعد أن لفظ بها ثانية، وقال: استغنيت عن تثنيةِ "كلِّ" لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب قال: وجاز كما جازَ في قوله: ما مثلُ عبد اللَّهِ يقول ذاكَ ولا أخيهِ وإن شئت قلت: ولا مثلَ أخيهِ فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه وتفريقُه أن تقول: ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاك ولا أخيه يكرهُ ذاكَ قال: ومثلُ ذلك: ما مثلُ أخيكَ ولا أبيكَ يقولانِ ذلكَ3، فلما جاز في هذا جاز في ذاك. وأبو العباس -رحمه الله- لا يجيزُ: ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاكَ، ولا أخيهِ يكرهُ ذاكَ والذي بدأ به سيبويه الرفعُ في قولكَ: ما كُلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمةٌ، والنصب في "ونارًا"4 هو الوجه، وهذه الحروف شواذ، فأما من ظنَّ أن من جَر آياتٍ5 في الآية فقد عطف على عاملين فغلطٌ منهُ، وإنما نظير ذلك قولك: إنَّ في الدار علامةً للمسلمين والبيتِ عَلامةً للمؤمنينِ, فإعادة علامة تأكيد وإنما حسنت الإِعادة للتأكيد لما طال الكلام، كما تعاد "إن" إذا طال الكلام، وقد ذكرنا هذا في باب إنَّ وأنَّ، ولولا أنا ذكرنا التأكيد

_ 1 انظر الكتاب 1/ 33. 2 مر تفسيره/ ص71. 3 انظر الكتاب 1/ 33. 4 يشير إلى قول الشاعر: ونار توقد في الليل نارا. 5 يشير إلى قوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ} .

وأحكامه فيما تقدم لذكرنا ههنا منه طرفًا، كما أنك لو قلت: إنَّ في الدار الخيرَ والسوق والمسجدَ والبلدَ الخير, كان إعادته تأكيدًا وحسُن لما طال الكلام فآياتٌ الأخيرةُ هي الأولى, وإنما كانت تكون فيه حجة لو كان الثاني غير الأول حتى يصيرا1 خبرين وأما من رفع وليست "آيات" عنده مكررة للتأكيد فقد عطف أيضًا على عاملين نصب أو رفع؛ لأنه إذا قال: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2، فإذا رفع فقد عطف "آياتٍ" على الابتداء واختلافًا على "في" وذلك عاملان, ولكنه إذا قصد التكرير رفع أو نصب فقد زال العطف على عاملين فالعطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموعٍ من العرب, ولو جاز العطف على عاملين لجاز على ثلاثة وأكثر من ذلك, ولو كان الذي أجاز العطف على عاملين أي شاهد عليه بلفظ غير مكرر نحو: "إنَّ في الدار زيدًا والمسجدَ عمرًا" وعمرٌو غيرُ زيدٍ لكان ذلك له شاهدًا على أنه إنْ حكى مثله حاكٍ ولم يوجد في كلام العرب شائعًا فلا ينبغي أن تقبله وتحمل كتاب الله عز وجل عليه.

_ 1 في الأصل: "بصير". 2 الجاثية: 3، 4، 5 على التوالي.

باب مسائل العطف

باب مسائل العطف: نقول: مررتُ بزيدٍ أنيسِكَ وصاحبِكَ فإن قلت: مررت بزيدٍ أخيك فصاحبِك، والصاحب زيدٌ لم يجز وتقول: اختصم زيدٌ وعمرٌو ولا يجوز أن تقتصر في هذا الفعل وما أشبهه على اسم واحد؛ لأنه لا يكون إلا من اثنين ولا يجوز أن يقع هنا من حروف العطف إلا الواو1 لا يجوز أن تقول: اختصم زيدٌ فعمرٌو لأنك إذا أدخلت الفاء وثم اقتصرت على الاسم الأول؛ لأن الفاء توجب المهلة بين الأول والثاني وهذا الفعل إنما يقع من اثنين معًا وكذلك قولك: جمعت زيدًا وعمرًا ولا يجوز أن تقول: جمعت زيدًا فعمرًا وكذلك المال بين زيدٍ وعمروٍ ولا يجوز: بين زيدٍ فعمرٍو وتقول: زيدٌ راغبٌ فيك وعمرٌو تعطف "عمرًا" على الابتداء فإن عطفت على "زيدٍ" لم يكن بُد من أن تقول: زيدٌ وعمرٌو راغبانِ فيكَ فإن عطفت عمرًا على الضمير الذي في "راغبٍ" قلت: "زيدٌ راغبٌ هو وعمرو فيكَ" فإن عطفت على ابتداء والمبتدأ لم يجز أن تقول: زيد راغبٌ وعمرو فيك لأن "فيك" معلقة براغب فلا يجوز أن تفصل بينهما وقد أجازوا تقديم حرف النسق في الشعر فتقول على ذاك: قامَ وزيدٌ عمرٌو وقامَ ثُمَّ زيدٌ وعمرو وتقول: زيدٌ وعمرو قاما ويجوز: زيد وعمرو قامَ فحذف "قامَ" من الأول اجتزاءً بالثاني وتقول: زيدٌ ثم عمرو قامَ وزيد فعمرٌو قامَ وقد أجازوا التثنية،

_ 1 لأن الواو تشرك الثاني فيما دخل فيه الأول.

فتقول: زيدٌ فعمرو قاما وزيد ثم عمرو قاما ولا يجيزون مع "أو ولا" إلا التوحيد لا غير نحو زيدٍ لا عمرٍو قامَ وزيد أو عمرو قامَ لا يجوز أن تقول: زيدٌ لا عمرٌو قاما لأنك تخلط من قام بمن لم يقم وكذلك لو قلت قَاما لجعلت القيام لهما إنما هو لأحدهما ومن أجاز: لقيتُ وزيدًا عمرًا لم يجز ذلك في المخفوض لا تقول: مررت وزيدٍ بعمروٍ تريد: مررت بعمروٍ وزيد لأنه قد قدم المعطوف على العامل وإنما أجازوا للضرورة أن يقدم معمولٌ فيه على معمولٍ فيه والعامل قبلهما وذا ليس كذلك وقد حلت بينه وبين ما نسقته عليه بغيره وهو الباء. وأجاز قوم: قام ثم زيد عمرٌو، ولا يجيزون: إن وزيدًا عمرًا قائمانِ لأن "إنَّ" أداة. ويجيزون: "كيف وزيدٌ عمرٌو" ويقولون: كلُّ شيءٍ لم يكن يرفع لم يجز أن يليه الواو نحو: "هل وزيد عمرو قائمانِ" محال وإنما صار العطف إذا لم يكن قبله ما يرفع أقبح لأنه يصير مبتدأً وفي موضع مبتدأ وليس أحد يجيز مبتدأً: وزيدٌ عمرٌو قائمانِ يريد: عمرو وزيد قائمان وإن بمنزلة الابتداء فلذلك قبح أيضًا فيها وتقول: زيدٌ رغبَ فيكَ وعمرٌو وزيد فيكَ رغبَ وعمرٌو فإن أخرجت "رغب" على هذا لم يجز: أن تقول: زيدٌ فيكَ وعمرٌو رغبَ لأنك قد فصلت بين المبتدأ وخبره بالمعطوف وقدمت ما هو متصل بالفعل وفرقت بينهما بالمعطوف أيضًا وتقول: أنت غير قائمٍ ولا قاعدٍ تريد: وغير قاعد لما في "غير" من معنى النفي وتقول: أنت غير القائم ولا القاعد تريد: غير القاعد كما قال الله عز وجل: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 1 ولم يجئ هذا في المعرفة، لا يستعملون "لا" مع المعرفة العلم في مذهب "غير" لا يجوز: أنت غيرُ زيدٍ ولا

_ 1 الفاتحة: 7. قال ابن خالويه في إعراب ثلاثين سورة/ 32: "غير" نعت للذين والتقدير: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} , غير اليهود؛ لأنك إذا قلت: مررت برجل صادق غير كاذب، فغير كاذب هو الصادق، وانظر المحيط 1/ 28.

عمروٍ1 تقول: زيدٌ قام أمس ولم يقعدْ، ولا يجوز: زيد قامَ ويقعدُ، وإنما جاز مع "لم" لأنها مع عملت فيه في معنى الماضي، ولا يجوز أن تنسق على "لن ولم" بلا مع الأفعال لا تقول: لم يقم عبد الله لا يقعد وكذلك: لن يقوم عبد الله لا يقعدُ يا هذا لأن "لا" إنما تجيء في العطف لتنفي عن الثاني ما وجب للأول وتقول: ضربتُ عمرًا وأخاهُ وزيدٌ ضربتُ عمرًا ثم أخاه وزيدٌ ضربت عمرًا أو أخاهُ وقوم لا يجيزون من هذه الحروف إلا الواو فقط ويقولون: لأن الواو بمعنى الاجتماع فلا يجيزون ذلك مع ثم وأو لأن مع "ثم وأو" عندهم فعلًا مضمرًا فإن قلت: "زيدٌ ضربت عمرًا وضربتُ أخاهُ" لم يجز: لأن الفعل الأول والجملة الأولى قد تمت ولا وصلةٌ لها بزيد وعطفت بفعل آخر هو المتصل لسببه وليس لأخيه في "ضربتُ" الأولى وصلةٌ فإن أردت بقولك: وضربتُ إعادة للفعل الأول على التأكيد جازَ ومن أجاز العطف على عاملين قال: زيدٌ في الدار والبيت أخوهُ وأمرتُ لعبد الله بدرهمٍ وأخيه بدينارٍ لأن دينارًا ليس إلى جانب ما عملت فيه الباء وحرف النسق مع الأخِ ولا يجوز أيضًا أمرتُ لعبد الله بدرهمٍ ودينارٍ أخيهِ لأن أخاهُ ليس إلى جانب ما عملت فيه اللام وحرف النسق مع دينارٍ وتقول: ضربتُ زيدٌ وعمرًا ويجوز أن ترفع عمرًا وهو مضروب فتقول: ضربتُ زيدًا وعمرٌ تريد: وعمرو كذلك وإنما يجوز هذا إذا علم المحذوف ولم يلبس وتقول: هذان ضاربٌ زيدًا وتاركهُ لأن الفعل لا يصلح هنا لو قلت: هذانِ يضربُ زيدًا ويتركهُ لم يجز وإنما جاز هذا في "فاعلٍ" لأنه اسم فإذا قلت: هذانِ زيدٌ وعمرٌو لم يجز إلا بالواو لأن الواو تقوم مقام التثنية والجمع. واعلم: أنه لا يجوز عطف الظاهر على المكني المتصل المرفوع حتى تؤكده نحو: قمتُ أنا وزيدٌ وقامَ هُو وعمرٌو قال الله عز وجل: {اذْهَبْ أَنْتَ

_ 1 لأن "غيرًا" لا تكون إلا نكرة عند المصنف، وغيره يقول: تكون معرفة في حال، ونكرة في حال، وانظر البحر المحيط 1/ 28.

وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} 1, فإن فصلت بين الضمير وبين المعطوف بشيءٍ حسنَ، نحو: ما قمتُ ولا عمرٌو، ويجوز أن تعطف بغير تأكيد ولا يجوز عطفُ الظاهر على المكنى المخفوض نحو: مررت به وعمروٍ إلا أن يضطر الشاعر وتقول: أقْبَل إن قيلَ لك الحقُّ والباطل إذا أمرت بالحقِّ: أردت: أقْبَل الحقَّ إن قيلَ لك هُو والباطلُ. قد ذكرنا جميع هذه الأسماء المرفوعة والمنصوبة والمجرورة وما يتبعها في إعرابها، وكنت قلت في أول الكتاب أن الأسماء تنقسم قسمين: معربٍ ومبنيٍ فإن المعرب ينقسم قسمين: منصرفٍ وغير منصرفٍ وقد وجب أن يذكر من الأسماء ما ينصرفُ وما لا ينصرف ثم نتبعهُ المبنياتِ.

_ 1 المائدة: 24.

ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف

ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف مدخل ... ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف: اعلم: أن معنى قولهم اسم منصرف أنه يراد بذلك إعرابه بالحركات الثلاث والتنوين والذي لا ينصرف لا يدخله جرٌ ولا تنوينٌ، لأنه مضارعٌ عندهم للفعل، والفعل لا جرَّ فيه ولا تنوين وجر ما لا ينصرف كنصبه، كما أن نصب الفعل كجزمه، والجر في الأسماء نظير الجزم في الفعل لأن الجر يخص الأسماء والجزم يخص الأفعال، وإنما منع ما لا ينصرف الصرف لشبهه بالفعل كما أعرب من الأفعال ما أشبه الاسم فجميعُ ما لا ينصرف إذا أُدخلت عليه الألف واللام أو أُضيف جُرَّ في موضع الجَرِّ وإنما فُعل به ذلك؛ لأنه دخل عليه ما لا يدخل على الأفعال وما يؤمن معه التنوين، ألا ترى أن الألف واللام لا يدخلان على الفعل وكذلك الأفعال لا تضاف إلى شيءٍ وأن التنوين لا يجتمع مع الألف واللام والإِضافة وأصول الأسماء كلها الصرف وإنما في بعضها ترك الصرف وللشاعر إذا اضطر أن يصرف جميع ما لا ينصرف، ونحن نذكر ما لا ينصرف منها ليعلم ما عداها منصرفٌ.

الأسباب التي تمنع الصرف تسعة

الأسباب التي تمنع الصرف تسعة: متى كان في الاسم اثنان منها أو تكرر واحد في شيء منها منع الصرف وذلك وزن الفعل الذي يغلب على الفعل والصفة، والتأنيث الذي يكون لغير فرق والألف والنون المضارعة لألفي التأنيث، والتعريف والعدل، والجمع والعجمة وبناء الاسم مع الاسم كالشيء الواحد. الأول: وزن الفعل: فما جاء من الأسماء على أفعل أو يفعلُ، أو تَفعل، أو نَفعل، أو فَعل ويفعلُ، وانضم معه سبب من الأسباب التي ذكرنا لم ينصرف، فأفعل نحو أحمرَ وأصفرَ وأخضرَ لا ينصرف لأنه على وزن أَذَهَبُ وأعلمُ، وهي صفات فقد اجتمع فيها علتان وأحمدُ اسم رجل لا ينصرف، لأنه على وزن أذْهبُ فهو معرفةٌ ففيه علتان فإنْ نكرته صرفته تقول: مررتُ بأحمدَ يا هذا وبأحمدٍ آخر وأعصرُ اسم رجلٍ لا ينصرف لأنه مثل أقَتل وكذلك إن سميته بتنضب، وترتب1 وتألبَ، فأما تولبُ، إذا سميت به فمصروف2، لأنه مثل جعفر، فإن سميت على هذا رجلًا بيضربَ قلت: هذا يضربُ قد جاءَ ومررت بيضربَ ورأيت يضرب وكذلك: تضربُ ونضربْ واضربُ وإن سميته بفَعَلَ قلت: هذا ضَربَ قَد جاءَ، ورأيتُ ضربَ*، وإن سميته بضربَ صرفته لأنه مثل حَجرٍ وجَملٍ وليس بناؤه بناء يخص الأفعال، ولا هي أولى به من الأسماء بل الأسماء والأفعال فيه مشتركة، وهو

_ 1 ترتب: هو الشيء الثابت. 2 انظر سيبويه 2/ 3، وأما ما جاء مثل تولب ونهشل فهو عندنا من نفس الحرف مصروف حتى يجيء أمر يبينه. * منع ذلك من الصرف هو رأي عيسى بن عمر، انظر الكتاب 2/ 7.

كثير فيهما جميعًا، وإن سميتَ رجلًا بنرجس لم تصرفهُ، لأنه على مثال نَصربُ، وليس في الأسماء شيء على مثال فَعْلِلَ ولو كان فيها فَعْلِلٌ لصرفنا نرجسَ إذا سمينا به. أما نهشل1 اسم رجل فمصروفٌ؛ لأنه على مثال "جَعْفَر" وليس هو تفعلُ إنما هو فَعْلَلٌ ولكن لو سميت رجلًا بتذهبُ لتركت صرفه فقلت: هذا تذهبُ ورأيتُ تذهبَ ومررتُ بتذهبَ وجميع هذه إذا نكرتها صرفتها تقول: مرتُ بتغلبَ وتغلبٍ آخر لأنه قد زالت إحدى العلتين. وهي التعريف فإن سميت بقام عمرُو حكيت فقلت: هذا قامَ عمرٌو ورأيت قامَ عمرو وكذلك كل جملة يسمى بها نحو: تأبَّط شرًّا تقول هذا تأبَّط شرًّا وكذلك إذا سميته "بقاما" قلت: هذا قاما ورأيت قاما ومررت بقاما وهذا، قاموا ورأيتُ قاموا ومررت بقاموا وإن سميت "بقام" وفي قام ضمير الفاعل حكيته فقلت: هذا قام قد جاء ومررتُ بقام يا هذا تدعه على لفظه لأنك لم تنقله من فعل إلى اسم إنما سميت بالفعل مع الفاعل جميعًا رجلًا فوجب أن تحكيه فأما إن سميت "بقام" ولا ضمير فيه فهو مصروفٌ لأنه مثل بابٍ ودارٍ وقد نقلته من الفعل إلى الاسم ولو كان فعلًا لكان معه فاعلٌ ظاهر أو مضمرٌ وكذلك لو سميت بقولك: زيدٌ أخوكَ لقلت هذا زيد أخوكَ قد جاءَ ورأيت أخوكَ ومررت بزيدٌ أخوكَ تحكي الكلام كما كان فإن سميت رجلًا "بضربتُ" ولا ضمير فيه قلت: هذا ضَربه فتقف عليه بهاءٍ لأن الأسماء المؤنثة من هذا الضرب إذا وقفت عليها أبدلت التاء هاءً تقول: هذا سلمةُ قد جاءَ فإذا وقفت قلت: سلمهْ وكذلك "ضربتُ" إذا سميت بها خرجت عن لفظ الأفعال ولزمها ما يلزم الأسماء، وليست التاء في "ضربت" اسمًا ولو كانت اسمًا لحكى، وقد ذكرنا فيما تقدم أن هذه التاء إنما تدخل في فعل المؤنث لتفرق بينه وبين فعل المذكر، وإذا سميت "بضربتُ" وفيها ضمير الفاعلة، حكيت، فقلت: هذا ضربتُ قد جاءَ، ورأيت ضربتُ ومررت بضربت لأن فيه ضميرًا، ولو

_ 1 النهشل: الشيخ الكبير والأنثى نهشلة, والنهشل أيضًا الذئب.

أظهرت لقلت: ضَرَبَت هِي، وكل اسم صار علمًا لشيءٍ وهو على مثال الأفعال في أوله زياداتها لا تصرفه فإن سميت بأضرب أو أقبل قطعت الألف ولم تصرفه فقلت: هذا أضرب قد جاء وأذهب وأقبل قد جاء لأن ألف الوصل إنما حقها الدخول على الأفعال وعلى الأسماء الجارية على تلك الأفعال نحو: استضرب استضرابًا وانطلق انطلاقًا فأما الأسماء التي ليست بمصادر جاريةٍ على أفعالها فألف الوصل غير داخلة عليها وإنما دخلت في أسماء قليلة نحو ابنٍ وامرئٍ واستٍ وليس هذا بابُها وإن سميت رجلًا "بتضاربَ" صرفته لأنه ليس على مثال الفعل فتقول: هذا تضاربُ قد جاءَ ومررت بتضاربٍ فإن صغرته وهو معرفة قلت: تُضَيرِبُ فلم تصرفه لأنه قد ساوى تصغير "تَضرِب" وأنت لو سميت رجلًا "بتضربَ" ثم صغرته وأنت تريد المعرفة لم تصرفه. وأفعل منك لا يصرف نحو: أفضل منك وأظرفَ منكَ لأنه على وزن الفعل وهو صفة فإن زال وزن الفعل انصرف ألا ترى أن العرب تقول: هو خيرٌ منك وشرٌ منكَ لما زال بناء "أَفعلَ" صرفوه فإن سميت بأفعلَ مفردًا أو معها "منكَ" لم تصرفها على حال وأما أجمعُ وأكتعُ فلا ينصرفان لأنهما على وزن الفعل وهما معرفتان لأنهما لا يوصف بهما إلا معرفة فإن ذكرتهما صرفتهما وإن سميت رجلًا ضربوا فيمن قال: أكلوني البراغيثُ قلت: هذا ضربونَ قد جاءَ من قبل أن هذه الواو ليست بضمير فلما صار اسمًا صار مثل "مسلمونَ" والاسم لا يجمع بواو ولا نونٍ معها، ومن قال مسلمين قالت: ضَربينَ وكذلك لو سميت "بضَربا" قلت: ضربانِ قد جاءَ فيمن قال: أكلوني البراغيثُ ومن قال: مسلمينَ وعشرينَ لم يقل في مسلمات مسلمينَ؛ لأن ذاك لما صار اسمًا لواحدٍ شبه بعشرينَ ويبرينَ. الثاني: الصفة التي تتصرف. وذلك نحو: أفعلَ الذي لَهُ فَعْلاءُ، نحو أحمرَ وحمراءَ، وأصفرَ وصفراءَ، وأعمى وعمياءَ وأحمرُ لا ينصرف لأنه على وزن الفعل، وهو

صفةٌ، وحمراءُ لا تتصرفُ لأن فيها ألف التأنيث وهي مع ذلك صفة، ولو كان ألف التأنيث وحدها في غير صفةٍ لم تنصرف، ونحن نذكر ذلك في باب التأنيث والصفة لا تكون معرفة إلا بالألف واللام وكل بناء دخلته الألف واللام فهو منصرفٌ ومتى صارت الصفة اسمًا فقد زال عنها الصفة فأما قائمةٌ وقاعدةٌ وما أشبه ذلك إذا وصفت بها فهو منصرفٌ، لأن هذه الهاء إنما دخلت فرقًا بين المذكر والمؤنث وهي غير لازمةٍ فهي مثل التاء في الفعل إذا قلت: ضربتُ وضربتَ وإنما يعتد بالتأنيث الذي لم يذكر للفرق وأجازوا مثنى وثلاثَ ورباعَ غير مصروفٍ وذكر سيبويه أنه نكرةٌ1 وهو معدولٌ فقد اجتمع فيه علتان وإذا حقرت ثُناء وأحادَ صرفته لأنك تقول: أُحَيْدٌ، وثُنيٌّ فيصير مثل حُمَيرٍ فيخرج إلى مثال ما ينصرف. الثالث: التأنيث: والمؤنث على ضربين: ضرب بعلامةٍ، وضرب بغير علامة، فأما المؤنث الذي بالعلامة فالعلامةُ للتأنيث علامتان2: الهاءُ والألفُ, فالأسماء التي لا تنصرف مما فيها علامة فنحو: حَمْدَة اسم امرأة وطلحةَ اسم رجل، لا ينصرفان لأنهما معرفتان، وفيهما علامة التأنيث فإن نكرتهما صرفتهما تقول: مررت بحمدَة وحَمْدةٍ أخرى وبطلحةَ وطلحةٍ آخرَ، وكل اسم معرفة فيه هاء التأنيث فهو غير مصروف فأما ألف التأنيث فتجيء على ضربين: ألف مفردة نحو بُشرى وحبلَى وسكرى وألف قبلها ألف زائدة نحو صحراء وحمراءَ وخُنْفَساءَ، وكل اسم فيه ألف التأنيث ممدودةً أو مقصورة فهو غير مصروف معرفة كان أو نكرة، فإن قال قائل فما العلتان اللتان أوجبتا ترك صرف بُشرى، وإنما فيه ألف للتأنيث فقط؟ قيل: هذه التي تدخلها الألف

_ 1 انظر الكتاب 2/ 15. 2 هكذا في الأصل وفي العبارة ركاكة, والمراد: فللتأنيث علامتان.

يبنى الاسم لها وهي لازمة وليست كالهاء التي تدخل بعد التذكير، فصارت للملازمة والبناء كأنه تأنيث آخر وتضارع هذه الألفُ الألفَ التي تجيء زائدةً للإِلحاق إذا سميت بما يكون فيه وذلك نحو: ألف ذِفْرَى وعَلْقَى فيمن قال: عَلْقاةٌ وحَبنَطى1، فإن سميت بشيءٍ منها لم تصرفه؛ لأنها ألفٌ زائدةٌ كما أن ألف التأنيث زائدة وقد امتنع دخول الهاء عليها في المعرفة وأشبهت ألف التأنيث لذلك. وحق كل ألف تجيء زائدةً رابعةً فما زاد أن يحكم عليها بالتأنيث حتى تقوم الحجة بأنها ملحقة لأن بابها إذا جاءت زائدةً رابعةً فما زاد فللتأنيث لكثرة ذلك واتساعه والإِلحاق يحتاج إلى دليل لقلته والدليل الذي تعلم به الألف الملحقة أن تنون وتدخل عليها هاءٌ نحو من جعل عَلقًى ملحقةً فنون وألحق الهاء فقال: عَلقاةٌ ولهذا موضع يبين فيه وإنما شبهت ألفُ حبَنَطْىَ بألف التأنيث، كما يثبت الألف والنون في عثمان بالألف والنون في غَضبْانَ لما تعرف عثمان وصار لا يدخله التأنيث، فإن صغرت عَلْقَى اسم رجل صرفته وإن سميت رجلًا بمعزَى لم تصرفه وإن صغرته لم تصرفه أيضًا لأنه اسمٌ لمؤنثٍ فأما من ذكر معزى فهو يصرفه وتَترى فيها لغتان كعَلْقَى فأما أرَطْى ومعْزى فليس فيه إلا لغة واحدة الإِلحاق والتنوين فإن سميت بهما لم تصرفهما كما ذكرت لك وإن سميت بعِلبَاء صرفته لأنه ملحقٌ بسرداحُ2، تقول عُليبى كما تقول: سُرَيْديحٌ ولو كانت للتأنيث لقلت عُلَبياءٌ. وأما التأنيث بغير علامةٍ فنحو: زينب وسعاد لا ينصرفان لأنهما اسمان لمؤنث وإن سميت امرأة باسمٍ على أربعة أحرف أصلية أو فيها زائدةٌ فما زاد لم يصرف لأن الحرف الرابع بمنزلة الهاء، لأن الهاء لا تكون إلا رابعةً فصاعدًا، إلا في اسم منقوص نحو ثُبَةٍ وكذلك إن سميت مذكرًا باسم مؤنث لا علامة فيه ولم تصرفه نحو رجل سميته بعناق وسعادَ وقالوا: إنّ أسماءَ اسم رجلٍ، إنما لم يصرف وهو جمع

_ 1 حبنطى: الكبير البطن. 2 سرداح: الناقة الطويلة.

اسم على أفعال، وحق هذا الجمع الصرفُ؛ لأنه من أسماء النساء، فلما سمي به الرجلُ لم يصرف، ولو قال قائل: إنما هو فعلاءُ أرادوا أسماء وأبدلوا الواوَ همزةً كما قال في وسادةٍ إسادةٍ لكان مذهبًا فإن سميت مؤنثا باسم ثلاثي متحرك الأوسط فهو غير مصروف نحو: امرأة سميتَها بقدَمٍ فإن كان الثلاثي ساكن الأوسط نحو هنْدٍ ودَعْدٍ وجُمْلِ فمن العرب من يصرف لخفة الاسمِ1، وأنه أقل ما تكون عليه الأسماء من العدد والحركة، ومنهم من يلزم القياس فلا يصرف، فإن سميت امرأة باسم مذكرٍ -وإن كان ساكن الأوسط- لم تصرفه نحو زيدٍ وعمروٍ، لأن هذه من الأخف وهو المذكر إلى الأثقل وهو المؤنث فهذا مذهب أصحابنا2، وهو في هذا الموضع نظير رجلٍ سميته بسعادَ وزينبَ وجَيْئَلَ فلم تصرفه؛ لأنها أسماءٌ اختص بها المؤنث وهو على أربعةِ أحرف والرابع كحرف التأنيث، وإن سموا رجلًا بقَدَمٍ وخَشلٍ3 صرفوه وحقروهُ فقالوا: قُدَيمٌ. الرابع: الألف والنون اللتان تضارعان ألفي التأنيث: اعلم: أنهما لا يضارعان ألفي التأنيث إلا إذا كانتا زائدتين، زيدا معًا، كما زيدت ألفا التأنيث معًا، وإذا كانتا لا يدخل عليهما حرف تأنيث كما لا يدخل على ألفي التأنيث تأنيثٌ وذلك نحو سكرانَ وغضبانَ، لأنك لا تقول: سكَرانة ولا غضبانةٌ، إنما تقول: غَضْبَى، وسَكَرى فلما امتنع دخول

_ 1 انظر الكتاب 2/ 22, والمقتضب 3/ 350. 2 أي: البصريون, قال سيبويه: فإن سميت المؤنث بعمرو أو زيد لم يجز الصرف، هذا قول أبي إسحاق وأبي عمرو فيما حدثنا يونس وهو القياس؛ لأن المؤنث أشد ملاءمة للمؤنث والأصل عندهم أن يسمى المؤنث بالمؤنث، كما أن أصل تسمية المذكر بالمذكر، وكان عيسى يصرف امرأة اسمها عمرو؛ لأنه أخف الأبنية. انظر الكتاب 2/ 23, وانظر المقتضب 3/ 350-351. 3 الخشل: من معانيه الشيء الخشن والرديء من كل شيء، والحلى والمقل اليابس.

حرف التأنيث عليهما ضارعا التأنيث وكذلك كل اسمٍ معرفةٍ في آخره ألفٌ ونونٌ، زائدتان زيدا معًا، فهو غير مصروفٍ وذلك نحو عثمانَ اسم رجلٍ لا تصرفه لأنه معرفة وفي آخره ألفٌ ونونٌ، وهما في موضع لا يدخل عليهما التأنيث لأن التسمية قد حظرت ذلك, فهذا مثل حَبَنْطَى وذِفْرى, إذا سميت بهما لما حظرت التسمية دخول الهاء أشبهت الألفُ ألفَ التأنيث، فلم تصرف في المعرفة، وصرف في النكرة, وكذلك عثمان غير مصروف في المعرفة, فإن نكرته صرفته؛ لأنه في نكرته كعطشانَ الذي له عطشى, وكذلك إن سميته بِعُريانَ، وسرحانَ وضُبعانَ لم تصرفه, فإن نكرته صرفته, وإن حقرت سرحان اسم رجلٍ صرفته فقلت: سُريحينٌ؛ لأنه ملحقٌ بسرداحَ في نكرته ولكنك إن حقرت عثمانَ فقلت: عُثيمانُ لم تصرفه وتركت الألف والنون على حالهما, كما فعلت بألفي التأنيث إذا قلت: حُمَيراءُ فعثمانُ مخالفٌ كسرحانَ، كأنه إنما بني هذا البناء في حال معرفته وهذا يبين في التصغير, وإن سميت بطحان من الطحنِ، وسمانَ1 من السمنِ وتبانَ2 من التبن، صرفت جميع ذلك، وإن سميت بدهقانَ من الدهقِ، لم تصرفه وإن سميته من التدهقن [صرفته] 3. وكذلك شيطان إن كان من التشيطنِ صرفته، وإن كان من شَيَّطَ لم تصرفه، وقال سيبويه: سألتُ الخليل عن رُمّانَ، فقال: لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف4 -يعني أنه إذا سمي لم يصرفه في المعرفة- لأنه لا يدري من أي شيءٍ اشتقاقه فحمله على الأكثر، والأكثر زيادة الألف والنون، قال: وسألته عن سَعْدانَ ومَرْجانَ،

_ 1 في اللسان: السمان: بائع السمن. الجوهري السمان: إن جعلته بائع السمن انصرف، وإن جعلته من السم لم ينصرف في المعرفة. 2 التبان -بالضم والتشديد: سروال صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط، يكون للملاحين وفي اللسان: ورجل تبان يبيع التبن, وإن جعلته فعلان من التبن لم تصرفه. 3 أضفت كلمة "صرفته" لإيضاح السياق، وانظر الكتاب 2/ 11. 4 انظر الكتاب 2/ 11.

فقال: لا أشكُّ في أن هذه النونَ زائدةٌ؛ لأنه ليس في الكلام مثل: سِرداح، ولا فَعْلالٍ إلا مضعفًا, ولو جاء شيء على مثال جَنْجَانَ لكانت النون عندنا بمنزلة نون مُرّان1، إلا أن يجيء أمرٌ يبين أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه2، قال أبو العباس: صُرف جَنْجانُ لأن المضاعف من نفس الحرف بمنزلة خَضْخَاضٍ ونحوه، فأما غَوْغَاء فيختلف فيها, فمنهم من يجعلها كخَضْخاضٍ فيصرف ومنهم من يجعلها بمنزلة عوراء فلا يصرف. الخامس: التعريف: متى ما اجتمع مع التعريف التأنيث أو وزن الفعل أو العجمة أو العدل أو الألف والنون لم يصرف، فالتأنيث نحو طلحةَ وحَمْزة وزينبَ, اجتمع في هذه الأسماء أنها مؤنثات وأنها معارف, والألف والنون مثل عثمان, والعدل مثل عُمَر وسَحَر، ووزن الفعل مثل أحَمَد ويشكر، والعجمة نحو إبراهيم وإسماعيل ويعقوبَ, فجميع هذه لا تصرف لاجتماع العلتين فيها, فإن سميت بيعقوب وأنتَ تريد ذكر القبح3 صرفته، لأنه مثل يربوعَ4، فأما الصفة والجمع فإنهما لا يجتمعان مع التعريف بالتسمية؛ لأن الصفة إذا سمي بها زال عنها معنى الصفة والجمع لا يكون معرفة أبدًا إلا بالألف واللام، فإن سميت بالجمع الذي لا ينصرف رجلًا نحو: مساجد، لم تصرفه وقلت: هذا مساجدُ قد جاءَ إنما لم يصرف لأنه معرفة, وإنه مثالٌ لا يكون في الواحد فأشبه الأعجمي المعرفة، فإن صغرته صرفته فقلت: مُسَيجِدٌ، لأنه قد عاد

_ 1 المران في اللسان: الرماح الصلبة اللدنة واحدتها: مرانة. 2 انظر الكتاب 2/ 12. وتكملة النص.. فيعلم أنهم جعلوها زائدة. 3 القبج: الحجل. انظر حياة الحيوان 2/ 340. 4 اليربوع: حيوان طويل الرجلين قصير اليدين، حياة الحيوان 2/ 339.

البناء إلى ما يكون في الواحد مثله, وصار مثل مُييسِرٍ، وقال سيبويه: سَراويلُ واحدٌ أعرب وهو أعجمي وأشبه من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرةٍ, فهو مصروفٌ في النكرة1, وإن سميت به لم تصرفه، وإن حقرته اسم رجلٍ لم تصرفه؛ لأنه مؤنث مثل عَنَاق وعَنَاق إذا سميت به مذكرًا لم تصرفه, وأما شراحيل فمصروفٌ في التحقير، لأنه لا يكون إلا جمعًا وهو عربيٌّ, وقال الأخفش: الجمعُ الذي لا ينصرفُ إذا سميتَ بِه، إنْ نكّرتهُ بعد ذلك لم تصرفه أيضًا. السادس: العدل: ومعنى العَدْلِ أن يشتق من الاسم النكرة الشائع اسمٌ ويغير بناؤه، إما لإِزالة معنى إلى معنى وإما لأن يسمى به، فأما الذي عُدل لإِزالة معنى إلى معنى فمثنى وثلاث ورباع وأحادَ, فهذا عُدِلَ لفظه ومعناه, عُدِلَ عن معنى اثنين إلى معنى اثنين اثنين، وعن لفظ اثنين إلى لفظ مثنى، وكذلك أحاد عُدِلَ عن لفظ واحد إلى لفظ أحاد, وعن معنى واحد إلى معنى واحد واحد, وسيبويه يذكر أنه لم ينصرف؛ لأنه معدول وأنه صفةٌ2، ولو قال قائلٌ: إنه لم ينصرف لأنه عُدل في اللفظ والمعنى جميعًا، وجعل ذلك لكان قولًا. فأما ما عُدل في حال لتعريف، فنحو عُمَرَ وزُفرَ وقثم, عُدلنَ عن عامرٍ، وزافرٍ, وقاَئمٍ3..... أما قولهم: يا فسقُ فإنما أرادوا: يا فاسقُ، وقد ذكر في باب النداء، وسحرُ إذا أردت سحر ليلتك فهو معدول عن الألف واللام4، فهو لا يصرف تقول: لقيتُهُ سَحَر يا هذا, فاجتمع فيه التعريف

_ 1 انظر الكتاب 2/ 16. 2 انظر الكتاب 2/ 14-15. وهو رأي الخليل ويؤيده أبو عمرو بن العلاء. 3 مطموس في الأصل، وقدره نصف سطر. 4 انظر الكتاب 2/ 43، وأمالي ابن الشجري 2/ 250, وابن يعيش 2/ 41.

والعدل عن الألف واللام، فإن أردت سحرًا من الأسحار صرفته وإن ذكرته بالألف واللام أيضًا صرفته, فأما ما عُدِلَ للمؤنث فحقه عند أهل الحجاز1 البناء؛ لأنه عُدل مما لا ينصرف، فلم يكن بعد ترك الصرف إلا البناء. ويجيء على "فَعالِ" مكسور اللام نحو حَذامِ وقَطامِ، وكذلك في النداء نحو: يا فساقِ ويا غَدارِ، ويا لكاعِ ويا خباثِ فهذا اسم الخبيث واللكعاء والفاسقة, وفَعالِ في المؤنث نظيرُ فُعَلٍ في المذكر, وقد جاء هذا البناء اسمًا للمصدر فقالوا: فَجارِ يريدونَ: فَجرةَ وبَدادِ يريدون: بددًا ولا مَساسِ يريدون: المسَّ ويجيء اسمًا للفعل نحو: مَناعَها أي: امنَعْهَا, وحَذارِ اسم احذر, ومما عُدل عن الأربعة: قَرْقَارِ يريدون: قَرقِرْ وعرعَارِ، وهي لعبة ونظيرها من الثلاثة: خراجِ أي اخرجوا وهي لعبة أيضًا, وجميع ما ذكر إذا سمي به امرأة فبنو تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسمٍ لا ينصرفُ2، فأما ما كان آخره راء فإن بني تميم وأهل الحجاز يتفقون على الحجازية3، وذلك: سَفارِ، وهو اسم ماءٍ وحضارِ اسم كوكبٍ، قال سيبويه: يجوزُ الرفع والنصب، قال الأعشى: ومَرَّ دهرٌ عَلى وبَارِ ... فهَلكتْ جَهْرَةً وَبارُ4

_ 1 انظر الكتاب 2/ 40, قال سيبويه: "وأما أهل الحجاز فلما رأوه اسمًا لمؤنث، ورأوا ذلك البناء على حاله لم يغيروه؛ لأن البناء واحد وهو ههنا اسم للمؤنث". 2 انظر الكتاب 2/ 40. 3 انظر الكتاب 2/ 41, والمقتضب 3/ 375. 4 من شواهد سيبويه 2/ 41 على إعراب "وبار ورفعها والمطرد فيما كان في آخره الراء أن يبنى على الكسر في لغة أهل الحجاز ولغة بني تميم؛ لأن كسرة الراء توجب إمالة الألف ... وأعرب في لغة بني تميم فاضطر الأعشى فرفع لأن القوافي مرفوعة". ووبار: اسم أمة قديمة من العرب العاربة هلكت، وانقطعت كهلاك عاد وثمود، وقال السهيلي: وبار: أمة هلكت في الرمل ... وقال ابن الشجري: وبار: اسم إقليم تسكنه الجن مسخ أهله، وقيل: وبار موضع. وانظر: المقتضب 3/ 376, وأمالي ابن الشجري 2/ 115، وابن يعيش 4/ 65 ومعجم البلدان 5/ 356, والعيني 4/ 359, والمخصص لابن سيده 17/ 67، وجمهرة أنساب العرب/ 462, والروض الأنف 1/ 14, وديوان الأعشى/ 281, والرواية فيه: ومرحد.

وجمع هذا إذا سمي به المذكر لم ينصرف؛ لأن هذا بناءٌ بني للتأنيث، وحرك بالكسر لذلك، لأن الكسرة من الياء, والياءُ يؤنثُ بها, وهو متصرف في النكرة, ومنهم من يصرف رقاش وعَلابِ, إذا سمي به كأنهُ سمي بصباح, وإذا كان اسمًا على فعال لا يدري ما أصله بالقياس صرفه؛ لأنه لم يعلم له علةٌ توجبُ إخراجُه عن أصله، وأصل الأسماء الصرف وكل "فَعال" جائزٌ متى كانت من "فَعَل أو فعُلَ أو فعِلَ ولا يجوز من أفعْلتُ" لأنه لم يسمع من بنات الأربعة إلا قَرْقَار وعَرْعَارِ, وفَعالِ إذا كان أمرًا نصب بعده وليس يطرد "فَعالِ" إلا في النداء وفي الأمر. السابع: الجمع الذي لا ينصرف: وهو الذي ينتهي إليه الجموع، ولا يجوز أن يجمع، وإنما مُنع الصرف لأنه جمعُ جمع، لا جمع بعده، ألا ترى أن أكلُبًا جمع كَلْبٍ، فإن جمع أَكلُبًا قلت: أكالبُ فهذا قد جمع مرتين، فكل ما كان من هذا النوع من الجموع التي تشبه التصغير وثالثهُ ألفٌ زائدةٌ، كما أن ثالث التصغير ياءٌ زائدة وما بعده مكسور، كما أن ما بعد ثالث التصغير مكسور فهو غير منصرف، وذلك نحو: دراهم ودنانير, فدراهم في الجمع نظير دُريهم في التصغير، ودنانير نظير دُنينير, فليس بين هذا الجمع وبين التصغير إلا ضمة الأول في التصغير, وفتحة في الجمع, وإن ثالث التصغير ياءٌ وثالث هذا ألفٌ, فهذا الجمع الذي لا ينصرف. فإن أدخلت الهاء على هذا الجمع انصرف، وذلك نحو صياقلةٍ1؛ لأن الهاء قد شبهته بالواحد، فصار كمدائني لما نسبت إلى مدائن

_ 1 صياقلة: جمع صيقل وهو شحاذ السيوف.

انصرف, وكان قبل التسمية لا ينصرف، ووقع الإِعراب على الباء, كما وقع على ياء النسب، فإن كان هذا الجمع فيما لامهُ ياء1 مثل جَوارٍ نونت في الجر والرفع؛ لأن هذه الياء تحذف في الوقت، في الجر والرفع, فعوضت النون من ذلك وإذا وقعت موضع النصب بنيت الياء ولم تصرف, وقلت: رأيت جواري يا هذا. وقال أبو العباس, رحمه الله: قال أبو عثمان: كان يونس وعيسى وأبو زيد والكسائي ينظرون إلى جوار وبابه أجمع، فكل ما كان نظيره من غير المعتل مصروفًا صرفوه, وإلا لم يصرفوه وفتحوه في موضع الجر, كما يفعلون بغير المعتل يسكنونه في الرفع خاصةً، وهو قول أهل بغداد، والصرف الذي نحن عليه في الجر والرفع هو قول الخليل وأبي عمرو بن العلاء وابن أبي إسحاق، وجميع البصريين، قال أبو بكر: فأما الياء في "ثمانٍ" فهي "ياءُ نسبٍ" وكان الأصل ثمني مثل يمني, فحذفت إحدى الياءين وأبدلت منها الألف, كما فُعل ذلك بيمني حين قالوا: يَمانٍ يا هذا, وقد جعل بعض الشعراء ثماني لا ينصرف. قال الشاعر: يَحْدو ثَماني مولعًا بلقاحِها2 وأما بخاتي3 فلا ينصرف لأن الياء لغير النسب، وهي التي كانت في بُختية وكذلك كُرسي وكَراسي، وقُمْري وقَماري.

_ 1 في الأصل "فيما لامه جوار" وهو خطأ. 2 من شواهد سيبويه 2/ 17 على ترك صرف ثماني تشبيها لها بما جمع على زنة مفاعل, كأنه توهم واحدتها ثمنية كحذرية ثم جمع فقال: ثمان كما يقال: حذار في جمع حذرية، والمعروف في كلام العرب صرفها على أنها اسم واحد أتى بلفظ المنسوب نحو: "يمان" وهو صدر بيت عجزه: حتى هممن بزيغه الإرتاج. وصف إبلا أولع راعيها بلقاحها حتى لقحت ثم حداها أشد الحداء ثم همت بإزلاق ما ارتجت عليه أرحامها من الأجنة والزيغ بها وهو إزلاقها وإسقاطها. وانظر: الخزانة 1/ 74, وشواهد الألفية للعاملي/ 375. 3 بخاتي: جمع بختي، ككرسي، وفي اللسان: البخت والبختية دخيل في العربية أعجمي معرب وهي الإبل الخراسانية تنتج من عربية.

الثامن: العجمة. الأسماء الأعجمية الأعلام غير مصروفة إذا كانت العرب إنما أعربتها في حال تعريفها نحو: إسحاق، وإبراهيم, ويعقوب؛ لأن العرب لم تنطق بهذه إلا معارف ولم تنقلها من تنكير إلى تعريف، فأما [ما] 1 أعربته العرب من النكرات من كلام العجم، وأدخلت عليه الألف واللام، فقد أجروه مجرى ما أصل بنائه له, وذلك نحو ديباجٍ وإبريسم ونيروز وفِرْنِد2 وزنجبيلَ، وشهريزَ، وآجر، فهذا كله قد أعربته العرب في نكرته وأدخلت عليه الألف واللام، فقالوا: الديباج والشهريزُ والنيروزُ والفِرنِدُ، فجميع هذا إذا سميت به مذكرًا صرفته، لأن حكمه حكم العربي, فإن كان الاسم العلمُ ثلاثيا صرفوه لخفته نحو نُوحٍ ولُوطٍ، ينصرفانِ على كل حالٍ3. التاسع: الاسمان اللذان يجعلان اسمًا واحدًا. والأول منهما مفتوح، والثاني بمنزلة ما لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة, وهو مشبه بما فيه الهاء لأن ما قبله مفتوحٌ، كما أن ما قبل الياء مفتوح وهو مضموم إلى ما قبله, كما ضمت الهاء إلى ما قبلها, وذلك نحو: حضرموت وبعلبكَ ورام هُرمز ومارسَرْجِس، ومنهم من يضيف ويصرف، ومنهم من يضيف ولا يصرف ويجعل كَرِبَ في "معدي كرب" مؤنثًا، ومنهم من يقول: معد يكرب يجعله اسمًا واحدًا4، إلا أنهم لا يفتحون الياء،

_ 1 أضفت كلمة "ما" لإيضاح المعنى. وانظر الموجز/ 73. 2 فرند: السيف وجوهره. 3 انظر الكتاب 2/ 19, وأما هود ونوح فتنصرفان على كل حال لخفتهما، والمقتضب 3/ 353. 4 انظر الكتاب 2/ 50, وأما معد يكرب ففيه لغات، منهم من يقول: معد يكرب فيضيف, ومنهم من يقول: معد يكرب ولا يصرف، يجعل كرب اسمًا مؤنثًا.

ويتركونها ساكنةً, يجعلونها بمنزلة الياء في دردبيس1، وكذلك إذا أضافوا، يقولون: رأيت معدي كرب، يلزمون الياء الإسكان استثقالًا للحركةِ فيها.

_ 1 دردبيس: الداهية، والشيخ والعجوز الفانية.

مسائل من هذا الباب

مسائل من هذا الباب: قال أبو العباس: قال سيبويه: تصرفُ رجلًا سميته قيل أوردَ اللتين تقديرهما فُعِل، فقيل له: لم صرفتهما, وفعِلَ لا ينصرف في المعرفة لأنه مثال لا تكون عليه الأسماء؟ فقال: لما سكنت عيناهما ذهب ذلك البناءُ وصارا بمنزلة فُعْلٍ وفَعْلٍ قيل له: فكيف تزعم أنك إذا قلت لَقضْوُ الرجلُ ثم أسكنت على قول من قال في عَضُدٍ: عَضْدٌ قلت: لَقَضْو الرجل1، ولم ترد الياء وإن كانت الضمة قد ذهبت؛ لأنك زعمت تنويها, وأنك لم تبنها على "فعلٍ" ولكنك أسكنتها من "فَعْلٍ" فذلك البناء في نيتك, وكذلك تقول في "ضوءٍ" كما ترى إذا خففت الهمزة "ضَوٌ" فأثبت واوًا طرفًا وقبلها حركةٌ, ومثل هذا لا يكون في الكلام، فقلت: إنما جاز هذا لأن حركتها إنما هي حركة الهمز لأنها الأصل، فهي في النية وأشباه هذا كثير فَلمَ لَم تترك الصرف في قيل وَردَّ اللتين هُما فَعلَ؛ لأن الإِسكان عارض، والحركات في النية؟ قال: فالجواب في ذلك أنه حين قال: لَقَضْوَ الرجلُ فأسكن الضاد, إنما سكنها من شيءٍ مستعمل يتكلم به, فالإِسكان فيه عارضٌ؛ لأن قولهم المستعمل إنما هو لَقَضُوَ ثم يسكنون, وكذلك الهمزة المخففة إنما المستعمل إثباتها ثم تخفف استثقالًا فيقولون: ضَوٌ وقَضْو استخفافًا، وأما قيلَ، وَردَّ فلا يستعملُ الأصلُ منهما ألبتة، لا يقال: قَول ثم يخففُ ولا رَدُدَ, فهذا يجري مجرى ما لا أصل له إلا ما يستعمل، ولذلك قالوا في تصغير سماءٍ: سُمَيةٌ

_ 1 في سيبويه 2/ 382 "ألا تراهم قالوا: لقضوا الرجل ثم قالوا: لقضو الرجل، فلما كانت مخففة مما أصله التحريك وقلب الواو لم يغيروا الواو، ولو قالوا: غزو وشقو لقالوا: لقضي ... ".

لأن هذه الياء لا يستعمل إلا حذفها؛ فلذلك دخلت الهاء وصارت بمنزلة ما أصله الثلاثة، وقياس هذا القول أنك إذا سميت رجلًا: "ضَرَبَ" ثم أسكنت فقلت: ضَرْب لم تصرفه؛ لأن الأصل يستعمل, وإن أسكنت فقلت: "ضَرْبُ" التي هي فَعْلٌ ثم سميت بها مسكنة وجب أن تصرف لأن الأصل لم يقع في الاسم قط, وأنه لم يُسم به إلا مسكنًا, والدليل على ذلك أنهم إذا سموا رجلًا جيأَلَ1، ثم خففوا الهمزة قالوا: جمل ولم يصرفوه, وقال: سُئل التوزي وروي عن أبي عبيدة أنه يقال للفرس الذكرِ: لُكَعُ2, والأنثى لُكَعةُ، فهل ينصرف لُكَع على هذا القول؟ فالجواب في ذلك: أن لُكَعًا هذه تنصرف في المعرفة؛ لأنه ليس ذلك المعدول الذي يقالُ للمؤنث منه "لكاعِ" ولكنه بمنزلة: حُطَمٍ3، وإن كان حَطْمٌ صفةً؛ لأنه اسم ذكره من باب صُرَدٍ ونَغْرٍ فلم يؤخذ من مثال عامرٍ فيعدلُ في حالة التعريف إلى عُمَر ونحوه, وقال: الأسماء الأعجمية التي أعربتها العرب لا يجيءُ شيءٌ منها على هيئته وأنت إذا تفقدت ذلك وجدته في إبراهيم وإسحاق ويعقوبُ، وكذلك فرعونُ وهامانُ وما أشبهها؛ لأنها في كلام العجم بغير هذه الألفاظ, فمن ذلك أن إبراهيم بلغة اليهود منقوص الياء ذاهب الميم, وأن سارة لما أعربها نقصت نقصًا كبيرًا، وكذلك إسحاق والأسماء العربية ليس فيها تغييرٌ, ويبين ذلك أن الاشتقاق فيها غير موجودٍ ولا يكون في العربية نعتٌ إلا باشتقاقٍ من لفظه أو من معناه, ولو قال قائل: هل يجوز أن يصرف إسحاق كنت مشتركًا إن كان مصدر أسحق السفرُ إسحاقًا، تريد: أبَعَدَه إبعادًا فهو مصروفٌ لأنه لم يغير, والسحيقُ: البعيدُ, قال الله عز وجل: {أَوْ تَهْوِي بِهِ

_ 1 جيئل: الضبع معرفة بغير ألف ولام، وهو غير معروف؛ لأنه اسم علم بمنزلة جعار. 2 في اللسان 10/ 199 قال أبو عبيد: اللكع عند العرب: العبد أو اللئيم. 3 رجل حطم، وحطمة: إذا كان قليل الرحمة للماشية يهشم بعضها ببعض، ويضرب مثلًا لوالي السوء. قال سيبويه 2/ 315: فالأسماء نحو: صرد, ونغر، وربع، والصفة نحو: حطم ولبد، قال الله تعالى: {أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} .

الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} 1 وإن سميته إسحاق اسم النبي -عليه السلام- تصرفه؛ لأنه قد غير عن جهته، فوقع في كلام العرب غير معروف المذهب، وكذلك يعقوب الذي لم يغير، وإنما هو اسم طائر معروف، قال الشاعر: عَالٍ يُقَصّرُ دونَهُ اليعقوبُ2 فإذا سمينا بهذا صرفناه، وإن سميناه يعقوب اسم النبي -عليه السلام- لم تصرفه؛ لأنه قد غير عن جهته فوقع غير معروف المذهب، وإنما جاء في القرآن في مواضع من صرف عاد وثمود وسبأ، فالقول فيها أنها أسماء عربية وأن القوم عرب في أنفسهم، فقولُه عز وجل: {وَعَادًا وَثَمُودَا وَأَصْحَابَ الرَّس} 3، وإنما هم آباء القبائل، كقولك: جاءتني تميم وعامر, إنما هو قبيلة تميم وقبيلة عامر، فحذف قبيلة كقولك: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 4 فأما عاد، فمنصرف اسم رجل على كل حال، لأن كل عجمي لا علامة للتأنيث فيه على ثلاثة أحرف فهو مصروف، وأما ثمودُ فهو فعول من الثَّمَدِ, وهو الماء القليل فمن صرفه جعله أبًا للحي والحي نفسه، وأما سبأ فهو جد بني

_ 1 الحج: 31 وتكملة الآية: {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} . 2 عجز بيت وصدره: ضحيان شاهقة يرف بشامه، ويروى الشطر الثاني: نديان يقصر دونه اليعقوب. والضحيان: البارز للشمس، وكان القياس في ضحيان ضحوان؛ لأنه من الضحوة، إلا أنه استخف بالياء, أي: إن الياء أخف من الواو. وشاهقة: بقعة عالية. والبشام: نبت طيب الرائحة والطعم، يرف ويهتز خضرة وتلألؤا ونديان أصابه الندى. واليعقوب: الظاهر فيه أنه ذكر العقاب، ومن فسره بذكر الحجل فقد أخطأ؛ لأن الحجل لا يعرف لها مثل هذا العلو في الطيران. وانظر: الحيوان للجاحظ 5/ 145, واللسان 20/ 186 و2/ 113, والصحاح 10/ 186. 3 الفرقان: 38. 4 يوسف: 82.

قحطان والقول فيه كالقول في ثمود وعاد، والأغلب فيه أنه الأب، والأكثر في القراءة: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَة} 1، و {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} 2، وتقول: هو اسم امرأة وهي أمهم3 وليس هذا بالبعيد، قال النابغة الجعدي: مِنْ سبأَ الحاضرينَ مأَرب إذْ ... يبنونَ من دونِ سيلهِ العَرِما4 مأرب: موضع, والعرمُ: هذا الذي يسمى السكر، والسكر فهو من قولك: سميته سكرًا, والسِّكْرُ: اسم الموضع وتقول: كل أفعل يكون وصفًا5، وكل أفعل يكون اسمًا، وكل أفعل أردت به الفعل [نصب أبدًا] 6 لأنَّ "كل" لا يليها اسم علم إلا أن تريد كل أجزائه, فأما إذا وليها اسم مفرد يقوم مقام الجمع فلا يكون إلا نكرة, وقد بينتُ ذا فيما تقدم, وتقول: أفعل إذا [كان] 7 وصفًا فقصته كذا، فتترك صرفه, كما تترك صرف أفعل إذا كان معرفة, وإنما صار معرفة لأنك إذا أردت هذا البناء فقط وهذا الوزن فصار مثل زيد الذي يدل على شيء بعينه, ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: الأفعل وإذا كان كذا, فقضيته كذا؛ لأنه لا ثاني له

_ 1 سبأ: 15. 2 النمل: 22. 3 انظر الكتاب 2/ 28، قال سيبويه: وكان أبو عمرو لا يعرف سبأ يجعله اسمًا للقبيلة. 4 من شواهد سيبويه 2/ 28، على ترك صرف سبأ حملا على معنى القبيلة والأم، ولو أمكنه الصرف على معنى الحي والأب لجاز، وقد قرئ بالوجهين. ومأرب: أرض باليمن، والحاضر: المقيم على الماء، والمحاضر: مياه العرب التي يقيمون عليها، والعرم: جمع عرمة وهي السد، ويقال لها السكر والمسناة. انظر: الإنصاف 265, واللسان 15/ 290, والرواية: شرد بدل يبنون. 5 قال سيبويه في باب ما ينصرف من الأمثلة وما لا ينصرف: تقول: كل أفعل يكون وصفًا لا تصرفه في معرفة ولا نكرة. انظر الكتاب 2/ 5. 6 زيادة من سيبويه 2/ 5 لإيضاح المعنى. 7 أضفت كلمة "كان" للمعنى.

فإن قلت: هذا رجل أفعل، فلا تصرفه لأنه موضع حكاية حكيت بها رجلًا أحمر كقولك: كلُّ أفعلَ زيدٌ، نصب أبدًا*، إذا مثلت به الفعل خاصة، وتقولُ: هذا رجل فعلان فتصرف؛ لأنه قد يكون هذا البناء منصرفًا إذا لم يكن له فعلى, فإن قلتُ فعلان إذا كان من قصته كذا فجئت به اسما لا يشركه غيره, لم تصرف وتقول: كل فَعْلَى أو فِعْلَى كانت ألفها لغير التأنيث انصرفت, وإن كانت الألف جاءت للتأنيث لم تنصرف لأن ما فيه ألف التأنيث لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، وقال الأخفش: لو سميت رجلًا بخمسة عشر لقلت: هذا خمسةَ عشرَ قد جاء، وهذا خمسةَ عشر آخرَ, ومررت بخمسة عشر مقبلًا، وتقول: بلال أباذ. ومثل ذلك مائة دينار يعني إذا جعلت مائة مع دينار اسمًا واحدًا, قال أبو بكر: وما استعملته العرب مضافًا وعرف ذلك في كلامها فلا يجوز عندي أن يجعل المضاف والمضاف إليه بمنزلة خمسة عشر, من قبل أنهم قد فرقوا بين مائة دينار وخمسة عشر؛ لأن خمسة عشر, عددان فجعلا اسمًا واحدًا للمعنى وهما بمنزلة عشرة؛ لاختلاط العدد بعضه ببعض, ومائة دينار ليس كذلك؛ لأن دينارًا هو مفسر المعدود، والذي ذهب إليه الأخفش: أن مائة دينار إضافته غير إضافة حقيقية لأنه مميز وليس كإضافة صاحب دينار، ولا إضافة عبد الله, واعلم أن من أضاف معدي كرب وحضر موت يقول: هذا رامهرمز يا فتى فترفع "رام" ولا تصرف هرمز؛ لأنه أعجمي معرفة. واعلم: أنه لا يصلح أن يجعل مثل: مدائن محاريب, ولا مثل: مساجد محاريب, ولا مثل: جلاجل سلاسل, اسمًا واحدًا مثل حضرموت؛ لأنه لم يجئ شيء من هذه الأمثلة, اسمان يكون منهما اسمًا واحدًا، فإن جاء فالقياس فيه أن يجعل كحضرموت، وأن ينصرف في النكرة، وقال الأخفش: إنما صرفته لأني قد حولته إلى باب ما ينصرف في النكرة، وخرج من حد

_ * هنا العبارة مضطربة في الأصل والتصحيح من كتاب سيبويه 2/ 6.

البناء الذي لا ينصرف؛ لأني إنما كنت لا أصرفه لأنه على مثال لا يجيء في الواحد مثله1، وأنت الآن لا يمنعك البناء. ألا ترى أنك حين أدخلت في الجمع الهاء صرفته في النكرة نحو: صياقلة2 وجحاجحة، لما دخل في غير بابه قال: فإن قلت: ما بالي إذا سميت رجلًا بمساجد لم أصرفه في النكرة, قلت على بناء منعه من الصرف ولم يزل لذلك البناء حيث سميت به، وإذا سميته بمساجد محاريب وجعلته اسمًا واحدًا، فقد صغته غير الذي كان وبنيته بناء آخر، وكذلك لو سميت رجلًا بواحد حمراء، وواحدة بشرى أو رجل بيضاء، وأنت تريد أن تجعله اسمًا واحدًا مثل حضرموت, انصرف في النكرة؛ لأن الألف ليست للتأنيث في هذه الحال، ألا ترى أنك لو رخّمته حذفت الاسم الآخر ولم تكن تحذف الهاء، وينبغي في القياس إن بنيته أن تهمز فتقول: واحدة حمران ورجل بيضان؛ لأن الألف ليست للتأنيث عنده في هذه الحال, ولو أسميت امرأة ببنت وأخت لوجب أن يجريهما مجرى من أجرى جملًا وهندًا؛ لأن هذه التاء بدل من واو وأخت في التقدير كقفل, وبنت كَعِدْلٍ ولو كانت التاء تاء التأنيث لكان ما قبلها مفتوحًا, وكانت في الوقف هاء, وقوم لا يجرونها في المعرفة, فإن سميت رجلًا بهنة وقد كانت في هَنْتٍ ياء هذا قلت: هِنَه يا فتى, فلم تصرف وصارت هاء في الوقف وتقول: ما في يدك إلا ثلاثة, إذا أردت المعرفة والعدد فقط؛ لأنه اسم لا ثاني له, وهذا كما عرفتك في "أفعل" البناء الذي تريد به المعرفة, فإذا أردت ثلاثة من الدراهم وغير ذلك تنكر وصرفته, فأما إذا قلت: ثلاثة أكثر من اثنين وأقل من أربعة تريد هذا العدد فهو معرفة غير مصروف، ولا يجوز: رُبَّ ثلاثة أكثر

_ 1 انظر المقتضب 3/ 345، فأما العجمة فقد زالت عنها بأنها قد أعربت إلا أن أبا الحسن الأخفش فإنه كان إذا سمى بشيء من هذا رجلًا أو امرأة صرفه في النكرة -وهو القياس عند المبرد- وكان يقول: إنما منعه من الصرف أنه مثال لا يقع عليه الحد. 2 صرف صياقلة وجحاجحة، وذلك لامتناعهما بالهاء من الصرف في المعرفة؛ لأنهما قد خرجا إلى مثل الواحد.

من اثنين، ولو سميت امرأة بغلام زيدٍ لصرفت زيدًا؛ لأن الاسم إنما هو غلام زيدٍ، جميعًا, والمقصود هو الأول كما كان قبل التسمية، وكذلك: ذات عرق لأن الاسم "ذات" دون عرق, وكذلك أم بكر وعمرو، تجر بكرًا وعمرًا1 وكذلك أم أناس، وقوم لا يصرفون أم أناس؛ لأنه ليس بابن لها معروف، فصار اسمًا وينشدون: وإلى ابن أُمِّ أُناسَ تَعمدُ2 ناقتي واعلم: أن أسماء البلدان والمواضع ما جاء منها لا ينصرف، فإنما يراد به أنه اسم للبلدة والبقعة، وما أشبه ذلك، وما جاء منها مصروفًا فإنما يراد به البلد والمكان، ووقع هذا في المواضع؛ لأن تأنيثه ليس بحقيقي وإنما المؤنث في الحقيقة هو الذي له فرج من الحيوان، فمن ذلك: واسط3، وهو اسم قصر، ودابق وهو نهر، وهجر ذكر4، ومنى ذكر، والشام ذكر، والعراق

_ 1 أي: إن بكرًا وعمرًا مصروفان في حالة فصلهما عن "أم". 2 من شواهد الكتاب 1/ 222، على إجراء ملك على ما قبله بدلًا منه وهو من بدل النكرة من المعرفة؛ لما فيه زيادة الفائدة. وقد ذكر سيبويه بيتين هما: فإلى ابن أم أناس أرحل ناقتي ... عمرو فتبلغ حاجتي أو تزحف ملك إذا نزل الوفود ببابه ... عرفوا مواد مزبد لا ينزف يمدح عمرو بن هند الملك، وأم أناس بعض جداته وهو من بني يشكر، ومعنى تزحف: تعيا وتكل, والموارد مناهل الماء المورودة، شبه بها عطاياه وجعله كالبحر المزبد لكثرة جوده. ومعنى ينزف: يستنفد ماؤه, ولم يعرف قائل هذين البيتين. وانظر: الإنصاف 362، والهمع 2/ 127, والدرر اللوامع 2/ 165. 3 قال سيبويه 2/ 23: وأما واسط فالتذكير والصرف أكثر، وإنما سمي واسطًا؛ لأنه مكان وسط البصرة والكوفة، وانظر معجم البلدان 5/ 347. 4 قال سيبويه 2/ 23: هجر يؤنث ويذكر ... وسمعنا من يقول: كجالب التمر إلى هجر يا فتى

ذكر، وأما ما يذكر ويؤنث فنحو: مصر1 وأضاخ وقباء2 وحراء3 وحجر4، وحنين، وبدر ماء وحمص، وجور, وماه: لا ينصرف5؛ لأن المؤنث من الثلاثة الأحرف الخفيفة إن كان أعجميا لم ينصرف؛ لأن العجمة قد زادته ثقلًا, وإنما صرفته ومن صرفه فلأنه معرفة مؤنث فقط لخفته في الوزن, فعادل في خفة أحد الثقلين, فلما حدث ثقل ثالث قاوم الخفة, وتقولُ: قرأت هودًا إذا أردت سورة هود فحذفت سورة, وإن جعلته اسمًا للسورة لم تصرف؛ لأنك سميت مؤنثا بمذكر، وإن سميت امرأة بأم صبيان لم تصرف "صبيان" لأنك لو سميت به وحده لم تصرفه؛ لأن الألف والنون فيه زائدتان, وقد صار معرفة وهو وإن كان لم تتقدم التسمية به فتحكمه حكم ذلك, وإن سميت رجلًا بملح وربح صرفتهما, كما تصرف رجلًا سميته بهند, كأنك قد نقلته من الأثقل إلى الأخف وهو على ثلاثة أحرف, وقد بيَّنا هذا فيما تقدم, وكذلك إذا سميت رجلًا بخمس وست فاصرفه, وإن سميت رجلًا بطالق وطامث فالقياس صرفه لأنك قد نقلته عن الصفة, وهو في الأصل مذكر وصفت به مؤنثًا, وحَمّار جمع حَمَّارةِ القيظ مصروف إذا أردت الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء. قال أبو العباس: سألت أبا عثمان عنه فصرفه فقلت: لم صرفته؟ هلاّ كان بمنزلة دواب؟ قال: لأن الأصل الباء الأولى في دواب الحركة، والراء في "حمارٍ" ساكنة على أصلها تجري مجرى الواحد؛ لأنه ليس بين الجمع والواحد إلا الهاء، بمنزلة تمرةٍ وتمرٍ، وأما إذا

_ 1 في اللسان 7/ 24، مصر هي المدينة المعروفة، تذكر وتؤنث عن ابن السراج. 2 في معجم البلدان 4/ 301، قبا -بالضم- وأصله اسم بئر هناك، وألفه واو ويمد ويقصر ويصرف ولا يصرف. 3 حراء: في معجم البلدان 2/ 233 حراء بالكسر والتخفيف: جبل من جبال مكة. 4 في معجم البلدان 2/ 221، حجر بالفتح: مدينة باليمامة وأم قراها، وانظر الروض الأنف 1/ 14. 5 في سيبويه 2/ 23: فمن الأعجمية حمص وجور، فلو سميت امرأة بشيء من هذه الأسماء لم تصرفها، كما لا تصرف الرجل لو سميته بفارس.

أردت جمع التكسير فهو غير مصروف؛ لأن التقدير حمار, وكذلك في جبنة جبّان يا هذا, وإن سميت رجلًا بأفضل وأعلم بغير منك, لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة, فإن سميته بأفعل منك كله, لم تصرفه على حال، لأنك تحتاج إلى أن تحكي ما كان عليه، وإذا سميت بأجمع وأكتع لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة، وهما قبل التسمية إذا كانا تأكيدًا لا ينصرفان؛ لأنهما يوصف بهما المعرفة. فأما أسماء الأحياء, فمعد وقريش وثقيف وكل شيء لا يجوز لك أن تقول فيه من بني فلان، وإذا قالوا: هذه ثقيف، فإنما أرادوا جماعة ثقيفٍ1. وقد يكون تميم اسمًا للحي، فإن جعلت قريش وأخواتها أسماء للقبائل جاز, وتقولُ: هؤلاء ثقيف بن قسي, فتجعله اسم الحي, وابن صفة, فما جعلته اسمًا للقبيلة لم تصرفه وأما مجوس ويهود فلم تقعا إلا اسمًا للقبيلة, ولو سميت رجلًا بمجوس لم تصرفه, وأما قولهم: اليهود والمجوس2، فإنما أرادوا المجوسيين واليهوديين ولكنهم حذفوا ياءي الإِضافة كما قالوا: زنجي وزنجٌ ونصارى نكرة, وهو جمع نصران ونصرانةٍ, كندمان وندامى, ولكن لم يستعمل نصران إلا بياء النسب. وقال أبو العباس: إذا سميت رجلًا بنساء, صرفته في المعرفة والنكرة؛ لأن نساء اسم للجماعة وليس لها تأنيث لفظًا, وإنما تأنيثها من جهة الجماعة, فهي بمنزلة قولك كلاب إذا قلت: بني كلاب؛ لأن تأنيث كلاب إنما هو تأنيث جماعة وإنما أنثت كل جماعة كانت لغير الآدميين؛ لأنهم قد نقصوا عن الآدميين فالحيوان الذي لا يعقل والموات متفقان في جمع التكسير, وإنما خص من يعقل بجمع السلامة؛ لأن له أسماء أعلاما يعرف

_ 1 انظر الكتاب 2/ 26، والمقتضب 3/ 361. 2 في سيبويه 2/ 29، وأما قولهم: اليهود والمجوس، فإنما أدخلوهما الألف واللام ههنا كما أدخلوهما في المجوس واليهودي، لأنهم أرادوا اليهوديين والمجوسيين, ولكنهم حذفوا ياءي الإضافة.

بها، وكان جمع السلامة يؤدي الاسم المعروف وبعده علامة الجمع فكان به أولى، ولو أنك لا تخص الموات وما لا يعقل بالواو والنون، وخصصت ما يعقل بالتكسير لكان السؤال واحدا, وإنما قصدنا أن نفضله بمنزلة ليست لغيره, وإنما قلت: هي الرجال؛ لأن الرجال جماعة فكان هذا التأنيث تأنيث الجماعة, وهو مشارك للموات في هذا الموضع إذا وافقه في جمع التكسير. والتأنيث تأنيثان: تأنيث حقيقي فهو لازم, وتأنيث غير حقيقي فهو غير لازم؛ فالتأنيث اللازم مثل امرأة وما أشبه ذلك، والتأنيث الذي هو غير لازم مثل دار وذراع، فإنما هذا تأنيث لفظ، فلهذا كان تذكير أفعال المؤنث في غير الآدميين أحسن منه في الآدميين, قال محمد بن يزيد: ناظرت ثعلبًا في هذا بحضرة محمد بن عبد الله1 فلم يفهمه، فقلت له: أخبرني عن قولنا: دار, أليس هو مؤنث اللفظ؟ قال: بلى, قلت: فإذا قلنا: منزل، هل زال معنى الدار, أفلا ترى التأنيث إنما هو اللفظ, فلما زال اللفظ زال ذلك المعنى؟ وكذلك قولنا: ساعد وذراع ورمح وقناة أفتراه في نفسه مؤنثًا مذكرًا في حال؟ فقال له محمد بن عبد الله: هذا بين جدا, وليس كذلك ما كان تأنيثه لازمًا, ألا ترى أنا لو سمينا امرأة بجعفر أو بزيد لصغرنا زبيدة، فلما كان مؤنث الحقيقة لم يغير عن تأنيثه, تعليقنا عليه, أسماء مذكرة في اللفظ, وإنما قلت: قالت النساء بمنزلة جاءت الإِبل والكلاب وما أشبه ذلك, وليس تأنيث النساء تأنيثًا حقيقيًّا، وإنما هو اسم للجماعة, تقولُ: قال النساء إذا أردت الجمع، وقالت النساء إذا أردت معنى الجماعة؛ لأن قولك النساء وما أشبهه إنما هو اسم حملته للجمع, وكذلك قوله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} 2، إنما أنث لأنه أراد الجماعة، وتقول في أسماء السور: هذه هود إذا أردت سورة هود, وإن جعلت هودًا اسم السورة لم تصرفه؛ لأنها بمنزلة امرأة سميتها

_ 1 أمير من أسرة آل طاهر توفي عام 270هـ. 2 الحجرات: 14، والآية: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} .

بعمر، وكذا حكم نوح ونون، وإذا جعلت، اقتربت اسمًا قطعت الألف نحو: أصبع وإن سميت بحاميم، لم ينصرف لأنه أعجمي نحو: هابيل وإنما جعلته أعجميا لأنه ليس من أسماء العرب, وكذلك: طس وحسن، وإن أردت الحكاية تركته وقفًا1، وقد قرأ بعضهم: {يّس وَالْقُرْآنِ} 2، و {ق وَالْقُرْآنِ} 3، جعله أعجميا ونصب "باذكر"4 وأما صاد فلا تجعله أعجميا لأن هذا البناء والوزن في كلامهم, فإن جعلت اسمًا للسورة لم تصرفه, ويجوز أن يكون {يس} و {ص} مبنيين على الفتح لالتقاء الساكنين، فإن جعلت {طسم} اسمًا واحدًا حركت الميم بالفتح، فصار مثل دراب جرد, وبعل بك وإن حكيت تركت السواكن على حالها, قال سيبويه: فأما: {كهيعص} و {ألم} ، فلا تكونان إلا حكاية5، وإنما أفرد بابًا للحكاية إن شاء الله. وقال سيبويه: أبو جاد وهَوَّار وحُطي، كعمرو وهي أسماء عربية، وأما كَلَمَنْ وسَعْفَص وقُريشيات فإنهن أعجمية لا ينصرفن, ولكنهن يقعن مواقع عمرو فيما ذكرنا، إلاّ أن قريشيات بمنزلة عرفات وأذرعات6.

_ 1 لأنها حروف مقطعة. 2 سورة يس: 2 والآية: {يّس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} . 3 سورة ق: 1 والآية: {ق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} . 4 أي: نصب يس ونون. 5 انظر الكتاب 2/ 31. 6 انظر الكتاب 2/ 36.

باب ما يحكى من الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى

باب ما يحكى من الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى مدخل ... باب ما يحكى من الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى: اعلم: أن ما يُحكى من الكلم إذا سمي به على ثلاث جهات, إحداها: أن تكون جملة والثانية أن يشبه الجملة وهو بعض لها وذلك البعض ليس باسم مفرد ولا مضاف، ولا فيه ألف ولا مبني مع اسم ولا حرف معنى مفرد، والثالثة: أن يكون اسمًا مثنى أو مجموعًا على حد التثنية. الأول: نحو: تأبّط شرًّا وبرق نحره وذَرَّى حيا تقول: هذا تأبّط شرا ورأيت تأبّط شرا ومررت بتأبّط شرا وهذه الأسماء المحكية لا تثنى ولا تجمع، إلا أنْ تقول: كلهم تأبّط شرا أو كلاهما تأبّط شرا ولا تحقره ولا ترخمه، فجميع هذه الجمل التي قد عمل بعضها في بعض وتمت كلامًا لا يجوز إلا حكايتها, وكذلك كل ما أشبه ما ذكرت من مبتدأ وخبره وفعل وفاعل، وإن أدخلت عليها إنَّ وأخواتها وكان وأخواتها فجميعه يحكى بلفظه قبل التسمية وإن سميت رجلًا بوزيد أو وزيدًا أو وزيدٌ حكيت؛ لأن الواو عاملة تقوم مقام ما عطفت عليه. الضرب الثاني: الذي يشبه الجملة. وهو على خمسة أضرب: اسم موصول واسم موصوف وحرف مع اسم وحرف مع حرفٍ وفعل مع حرف, فجميع هذا تدعه على حاله قبل التسمية من الصرف وغير الصرف؛ لأنك لم تسم بالموصول دون الصلة، ولا بشيء من هذه دون صاحبه.

الأول: الاسم الموصول: نحو رجل سميته: خيرًا منك ومأخوذًا بك أو ضاربًا رجلًا، فتقول: رأيت خيرًا منك، وهذا خير منك, ومررت بخير منك, فإن سميت به امرأة لم تدع التنوين، وحكيته كما كان قبل التسمية من قبل أنه ليس منتهى الاسم، كما أن بعض الجملة ليس بمنتهى الاسم. الثاني: الموصوف: إن سميت رجلًا: زيدٌ العاقلُ, قلت: هذا زيدٌ العاقلُ ورأيت زيدًا العاقلَ وكذلك لو سميت امرأة، لكان على هذا اللفظ, وإن سميت رجلًا "بعاقلة" لبيبةٍ قلت: هذا عاقلة لبيبة ورأيت عاقلةً لبيبةً فصرفته؛ لأنك تحكيه ولو كان الاسم عاقلةً وحدها لم تصرف، فحكاية الشيء أن تدعه على حكمه ما لم يكن معه عاقل, فإن كان معه عاقل أعملت العامل ونقلته بحاله. الثالث: الحرف مع الاسم: وذلك إذا سميت إنسانًا كزيدٍ، وبزيدٍ, وإن زيدًا حكيته، وحيثما وأنت تحكيهما لأن "حيثما" اسم وحرف, وأنت التاء للخطاب والألف والنون هما الاسم, وكذلك أما التي في الاستفهام حكاية؛ لأنها مع "ما" دخلت عليهما ألف الاستفهام, ومما يحكى: كذا وكأي و"ذلك" يحكى لأن الكاف للخطاب, وهذا وهؤلاء يحكيان؛ لأن ها دخلت على ذا وأولاء, وإن سميت "زيد وعمرو" رجلًا, قلت في النداء: يا زيدًا وعمرًا فنصبت ونونت لطول الاسم. الرابع: الحرف مع الحرف: وذلك نحو: إنما وكأنما وأما وإن لا في الجزاء ولعل؛ لأن اللام عندهم زائدة وكأن1؛ لأنها كاف التشبيه دخلت على "أن" فجميع هذا وما أشبهه يحكى. الخامس: الفعل مع الحرف: وذلك هلم: إذا سميت به حكيته وإن أخليته من الفاعل، وإن سميت بالذي رأيت لم تغيره عما كان عليه قبل أن

_ 1 قال سيبويه 2/ 67: ولعل حكاية؛ لأن اللام ههنا زائدة. ألا ترى أنك تقول: علك، وكذلك كأن؛ لأن الكاف دخلت للتشبيه.

يكون اسمًا، ولو جاز1 أن تناديه بعد التسمية، لجاز أن تناديه قبلها، ولكن لو سميته: الرجل منطلق بهذه الجملة لناديتها؛ لأن كل واحد منهما اسم تام وذلك غير تام، وإنما يتم بصلته, وهو يقوم مقام اسم مفرد، ولو سميته الرجل والرجلان لم يجز فيه النداء2. الضرب الثالث: من القسمة الأولى، وهو التسمية بالتثنية والجمع الذي على حد التثنية, وذلك إذا سميت رجلًا بسلمانِ وزيدانِ حكيت التثنية، فقلت: هو زيدان, ومررت بزيدين, ورأيت زيدين, فتحكي التثنية ولفظها وإن أردت الواحد، وقد أجازوا أن تقول: هذا زيدان وتجعله كفعلان، وإن سميت بجميع على هذا الحد حكيت فقلت: هذا زيدونَ ورأيت زيدين ومررت بزيدين, ومنهم من يجعله كقنسرين فيقول: هذا زيدون، ومسلمون وقد ذكرت ذا فيما تقدم وإن بجمع مؤنث قلت: هذا مسلمات، ورأيت مسلماتٍ، ومررت بمسلماتٍ، تحكي: تقول العرب: هذه عرفات مباركًا فيها، فعرفات بمنزلة آبانين3، ومثل ذلك أذرعات, قال امرؤ القيس: تَنَوَّرْتُها مِنْ أَذْرِعَاتٍ وأهلُها ... بِيَثْرِبَ أَدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عالي4

_ 1 في الأصل "ولا يجوز" ولا يستقيم المعنى. 2 لأن ذا يجري مجراه قبل أن يكون اسمًا في الجر والنصب والرفع. انظر الكتاب: 2/ 68. 3 أبان: جبل أبانان، أبان الأسود، وأبان الأبيض، وانظر معجم البلدان واللسان، والاشتقاق 77, والمغني 2/ 10, والسيوطي 247. 4 من شواهد سيبويه 2/ 18، على تنوين أذرعات، والمتنور: الناظر إلى النار من بعد, أراد قصدها أو لم يرد، وقد نظر امرؤ القيس بقلبه تشوقًا إليها، أذرعات: بلد من أطراف الشام، ويثرب: مدينة الرسول, صلى الله عليه وسلم. انظر المقتضب 3/ 333, والخزانة 1/ 26, ومعجم البلدان 1/ 130، وجـ5/ 430, والديوان 105.

ومن العرب من لا ينون أذرعات ويقول: هذه قريشياتُ، كما ترى، شبهوها بهاء التأنيث في المعرفة؛ لأنها لا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة, ولا الأربعة بالخمسة. قال أبو العباس: أنشدني أبو عثمان للأعشى: تَخَيَّرَهَا أخو عَانَاتِ شَهرا1 فلم يصرف ذلك، قال أبو بكر: قد ذكرت ما ينصرف وبقي ذكر المبني المضارع للمعرف، ونحن نتبع ذلك الأسماء المبنيات, إن شاء الله تعالى.

_ 1 صدر بيت وعجزه: ورجى خيرها عامًا فعاما ورواه المبرد في المقتضب: تخيرها أخو عانات دهرا، وفي الخزانة: فخيرها أخو عانات شهرا, وفي اللسان: برها عامًا فعاما، والشاهد حذف التنوين من عانات، ويجوز أن تكسر التاء وأن تفتح فيكون ممنوعًا من الصرف. وعانات: موضع بالجزيرة تنسب إليها الخمرة العانية، وفي معجم البلدان: قرى عانات، سميت بثلاثة إخوة من قوم عاد خرجوا هرابًا فنزلوا تلك الجزيرة، فلما نظرت العرب إليها قالت: كأنها عانات، أي: قطع من الظباء وهي بالشام. وانظر المقتضب 3/ 333, والخزانة 1/ 27, واللسان "عون", ومعجم البلدان 4/ 72, والديوان 197.

باب ما لا يجوز أن يحكى

باب ما لا يجوز أن يحكى: هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام: وهو كل اسم مبني، أو مضاف ملازم للإِضافة وأفردته أو فعل فارغ، أو حرف قصدت التسمية به فقط, فجميع هذه إذا سميت بشيء منها أعربته إعراب الأسماء الأول، وإن نقص عما كانت عليه الأسماء. الأول: إن سميت بكم أو بمن، قلت: هذا كم قد جاء؛ لأن في الأسماء مثل دم ويد, وإن سميت بهو قلت: هذا هو, فاعلم, وإن سميت به مؤنثًا لم تصرفه؛ لأنه ضمير مذكر, وإنما ثقلت "هو" لأنه ليس في كلامهم اسم على حرفين أحدهما ياء أو واو أو ألف, وسمع منهم إذا أعربوا شيئًا من هذا الضرب التثقيل, فإن سميت بذو قلت ذوًّا؛ لأنك تقول: هاتان ذواتا مال, فلما علمت الأصل رددته إلى أصله, كما تكلموا به ولو لم يقولوا: ذوا ثم سمينا بذو لما قلت إلا ذو، وكان الخليل1 يقول: ذو أصل، الذال على كل قول الفتح، وإن سميت "بفو" قلت: فم, ولو لم يكن قبل فم لقلت: فوه2 مؤنثان وأين, ومتى، وثم، وهنا، وحيث، وإذا، وعند وعن فيمن

_ 1 في الكتاب 2/ 33 وكان الخليل يقول: هذا ذو، بفتح الذال لأن أصلها الفتح، تقول: ذوا وتقول: ذوو. 2 قال سيبويه 2/ 33: ولو لم يكونوا قالوا: فم لقلت: فوه؛ لأنه من الهاء.

قال, من عن يمينه1، ومنذ في لغة من رفع، تصرف الجميع، تحمله على التذكير حتى يتبين غيره، وإن سميت كلمة بتحت أو خلف أو فوق لم تصرفها؛ لأنها مذكرات، يدل على تذكيرها تحت, وخليف ذاك، ودوين، ولو كان مؤنثًا دخلت الهاء كما دخلت في قديديمةٍ، ووريئةٍ. الثاني: التسمية بالفعل الفارغ من الفاعل والمفعول: إن سميت رجلًا بضرب، أو ضُرِبَ أو يضرِب أعربته، وقد عرفتك ما ينصرف من ذلك وما لا ينصرف, وحكم نعم وبئس حكم الفعل إذا سميت به، تقولُ: هذا نعم وبئس، وإن سميته أزمة قلت: أزمٍ, ورأيت أزمى، وبيغزو2، قلت: يغز ورأيت يغزى، وإن سميته بعهْ قلت: وعٍ وإن سميت برَه: قلت إرْأً.

_ 1 قال سيبويه 2/ 309: وأما "عن" فاسم إذا قلت: من عن يمينك؛ لأن من لا تعمل إلا في الأسماء. 2 قال سيبويه 2/ 60: وسألته عن رجل يغزو فقال: رأيت يغزى قبل، وهذا يغزو هذا يغزي زيد وقال: لا ينبغي له أن يكون في قول يونس إلا يغزى وثبات الواو خطأ؛ لأنه ليس في الأسماء واو قبلها مضموم.

باب التسمية بالحروف

باب التسمية بالحروف: وذلك نحو إن, إذا سميت بها قلت: هذا إن، وكذلك أن، وكذلك ليت، وإن سميت بأن المفتوحة لم تكسر، وإن سميت بلو واو زدت واوًا فقلت: لو واو وكان بعض العرب يهمز فيقول: لؤ1، وإن سميت "بلا" زدت ألفًا ثم همزت فقلتَ: لاء؛ لأن الألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان, وإذا سميت بحرف التهجي نحو: باء وتاء وثاء وحاء مددت فقلت: هذه باء وتاء, وإذا تهجيت قصرت ووقفت ولم تعرب, وفي "زاي" لغتان2: منهم من يجعلها "ككي" ومنهم من يقول: زاي, فإن سميته بزي على لغة من يجعلها ككي قلت: زي فاعلم, وإن سميت بها على لغة من يقول: زايٌ قلت: زاءٌ وكذا واوٌ وآءٌ, وسنبين هذا في التصريف وجميع هذه الحروف إذا أردت بالواحد منها معنى حرف فهو مذكر, وإن أردت به معنى كلمةٍ فهو مؤنث, وإن سميت بحرف متحرك أشبعت الحركة إن كانت فتحةً جعلتها ألفًا وضممت إليها ألفًا أخرى، وإن كانت كسرة أشبعتها حتى تصير ياء وتضم إليها أخرى وكذلك المضموم إذا وجدته كذلك وذلك أن تسمي رجلًا بالكاف

_ 1 انظر الكتاب 2/ 33 قال سيبويه: وكان بعض العرب يهمز كما يهمز النئور فيقول: لوء. 2 قال سيبويه 2/ 34: وأما زاي، ففيها لغتان: فمنهم من يجعلها في التهجي ككي, ومنهم من يقول: زاي، فيجعلها بزنة واو وهي أكثر.

من قولك: كزيدٍ، تقول: هذا "كا" وإن سميته بالباء من بزيد, قلت: بي, فإن سميته بحرف ساكن فإن الحرف الساكن لا يجوز من غير كلمة فترده إلى ما أخذ منه. واعلم: أن كل اسم مفرد لا تجوز حكايته, وكذلك كل مضاف, وإن سميت رجلًا عم, فأردت أن تحكي به في الاستفهام تركته على حاله، وإن جعلته اسمًا قلت: عن ما تمد "ما" لأنك جعلته اسمًا كما تركت تنوين سبعة إذا سميت فقلت: سبعةُ. والمضاف بمنزلة الألف واللام لا يجعلان الاسم حكاية, قال أبو بكر: قد ذكرنا ما لا ينصرف، وقد مضى ذكر المبني المضارع للمعرب، ونحن نتبع ذلك الأسماء المبنيات إن شاء الله.

ذكر الأسماء المبنية التي تضارع المعرب

ذكر الأسماء المبنية التي تضارع المعرب: شرح الأول من المعرب: هذه الأسماء على ضربين: مفرد ومركب, فنبدأ بذكر المفرد إذ كان هو الأصل؛ لأن التركيب إنما هو ضم مفرد إلى مفرد، ولنبين أولًا المعرب ما هو لنبين به المبني، فنقول: إن الاسم المفرد المتمكن في الإِعراب على أربعة أضرب: اسم الجنس الذي تعليله من جنس آخر، والواحد من الجنس, وما اشتق من الجنس, ولقب الواحد من الجنس. شرح الأول من المعرب: الجنس: الاسم الدال على كل ما له ذلك الاسم, ويتساوى الجميع في المعنى, نحو: الرجل, والإِنسان, والمرأة، والجمل، والحمار، والدينار، والدرهم، والضرب, والأكل, والنوم, والحمرة, والصفرة، والحسن, والقبح وجميع ما أردت به العموم، لما يتفق في المعنى، بأي لفظ كان فهو جنس، وإذا قلت: ما هذا؟ فقيل لك: إنسان, فإنما يراد به الجنس، فإذا قال: الإِنسان فالألف واللام لعهد الجنس، وليست لتعريف الإِنسان بعينه، وإنما هي فرق

بين إنسان موضوع للجنس وبين إنسان هو من الجنس، إذا قلت إنسان, قال الله عز وجل: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} 1 فدل بهذا أن الإِنسان يراد به الجنس، ومعنى قول النحويين: الألف واللام لعهد الجنس أنك تشير بالألف واللام إلى ما في النفس من معرفة الجنس؛ لأنه شيء لا يدرك بالعيان والحس، وكذلك إذا قلت: فضةٌ والفضةُ, وأرضٌ والأرضُ, وأسماء الأجناس إنما قيلت ليفرق بين بعضها وبعض, مثل الجماد والإِنسان، وهذه الأسماء تكون أسماء لما له شخص ولغير شخص, فالذي له شخص نحو: ما ذكرنا من الإِنسان والحمار والفضة, وما لا شخص له مثل الحمرة والضرب والعلم والظن.

_ 1 العصر: 2-3.

شرح الثاني من المعرب

شرح الثاني من المعرب: وهو الواحد من الجنس نحو رجل وفرس ودينار ودرهم وضربةٍ وأكلةٍ فتقول: إذا كان واحد من هذه معهودًا بينك وبين المخاطب, الرجل, والفرس, والدينار، والضرب، أي: الفرس الذي تعرف والضرب الذي تعلم، والفرق بين قولك: رجل وبين فضة, أن رجلًا يتضمن معنى جنس له صورة فمتى زالت تلك الصورة زال الاسم, وفضة ليس يتضمن هذا الاسم صورة, فأما درهم فهو مثل رجل في أنه يتضمن معنى الفضة بصورة من الصور.

الثالث ما اشتق للوصف من جنس من الأجناس التي لا أشخاص لها

الثالث: ما اشتق للوصف من جنس من الأجناس التي لا أشخاص لها. نحو: ضارب, مشتق من الضرب, وحَسَنٌ مشتق من الحُسْنِ, وقبيحٌ مشتق من القُبحِ، وآكلٌ مشتق من الأكل، وأسود من السواد, وهذه كلها صفات تجري على الموصوفين، فإن كان الموصوف جنسًا، فهي أجناس وإن كان واحد منكورًا من الجنس فهو واحد منكور نحو القائمِ, وقائمٍ، والحَسِنُ، وحَسَنٌ، وإن كان معهودًا فهو معهودٌ وحكم الصفة حكم الموصوف في إعرابه.

الرابع ما يلقب به شيء بعينه ليعرف من سائر أمته

الرابع: ما يلقب به شيء بعينه ليعرف من سائر أمته. نحو: زيد وعمرو وبكر وخالد وما أشبه ذلك من الأسماء الأعلام التي تكون للآدميين وغيرهم. فجميع هذه الأسماء المتمكنة إلا الجنس يجوز أن تعرف النكرة منها بدخول الألف واللام عليها، ويجوز أن تنكر المعرفة منها، ألا ترى أنك تقولُ: الرجل إذا كان معهودًا، ثم تقول: رجلٌ إذا لم يكن معهودًا والمعنى واحد وكذلك ضرب, والضربُ, وحَسُنَ، والحسنُ، وضاربٌ، والضَارب، وقبيحٌ، والقبيحُ، وتقول: زيدُ عمرٍو, فإذا تنكرا بأن يتشاركا في الاسم قلت: الزيدان والعمران تدخل الألف واللام مع التثنية؛ لأنه لا يكون نكرة إلا ما يثنى ويجمع, والأسماء المبنية بخلاف هذه الصفة, لا يجوز أن تنكر المعرفة منها ولا تعرف النكرة، ألا ترى أنه لا يجوز أن يتنكر "هذا" فتقول: الهذان ولا يتنكر أنا, ولا أنت, ولا هو, فهذا من المعارف المبنيات التي لا يجوز أن يتنكر ما كان منها فيه الألف واللام، فلا يجوز أن يخرج منها الألف واللام نحو: الذي والآن، وأما النكرة التي لا يجوز أن تعرف نحو قولك: كيف وكم, فجميع ما امتنع أن يعرف بالألف واللام, وامتنع من نزع الألف واللام منه لتنكير فهو مبني, ولا يلزم من هذا القول البناء في اسم الله عز وجل، إذ كانت الألف واللام لا تفارقانه فإن الألف واللام وإن كانتا غير مفارقتين, فالأصل فيهما أنهما دخلتا على إله, قال سيبويه: أصل هذا الاسم أن يكون إلها1, وتقديره "فعال" والألف واللام

_ 1 قال سيبويه 1/ 309: وكأن الاسم -والله أعلم- "إله" فلما أدخل فيه الألف واللام حذفوا الألف وصارت الألف واللام خلفًا منها، وفي 2/ 144، أنه مأخوذ من "لاه", وانظر المقتضب 4/ 240.

عوض من الهمزة التي في "إله" وهو على هذا علم، قال أبو العباس: لأنك تذكر الآلهة الباطلة فتكون نكرات تعرف بالألف واللام، وتجمع كما قال الله عز وجل: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَة} 1، وتعالى الله أن يعتور اسمه تعريف بعد تنكير أو إضافة بعد أن كان علمًا, وقال سيبويه في موضع آخر: ويقولون: لاه أبوك يريدون: لله أبوك2، فيقدمون اللام ويؤخرون العين، والاسم كامل, وهو علم، وحق الألف واللام إذا كانتا في الاسم ألا ينادى إلا الله عز وجل، فإنك تقول: يا لله وتقطع الألف، فتفارق سائر ألفات الوصل, والشاعر إذا اضطر فقال: "يا التي"3 لم تقطع الألف، فهذا الاسم مفارق لجميع الأسماء عز الله وجل.

_ 1 يس: 22. 2 انظر الكتاب 2/ 144. 3 لعله يشير إلى قول الشاعر: من أجلك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عني

أقسام الأسماء المبنيات المفردات

أقسام الأسماء المبنيات المفردات مدخل ... أقسام الأسماء المبنيات المفردات ستة: اسم كني به عن اسمٍ, واسم أشير به إلى مسمى وفيه معنى فِعْلٍ، واسم سمي به فعل، واسم قام مقام الحرف، وظرف لم يتمكن, وأصوات تحكى.

باب الكنايات وهي علامات المضمرين

باب الكنايات وهي علامات المضمرين: الكنايات على ضربين: متصل بالفعل ومنفصل عنه، فالمتصل غير مفارق للفعل, والفعل غير خالٍ منه، وعلامة المرفوع فيه خلاف علامة المنصوب والمخفوض, فالتاء للفاعل المتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا فعلتُ وصنعتُ وعلامة المخاطب المذكر فعلتَ, والمؤنث فعلتِ, وعلامة المضمر النائب في النية تقول: فعل وصنع، فاستغنى عن إظهاره والعلامة فيه بأن كل واحد من المتكلمين والمخاطبين له علامة, فصار علامة الغائب أن لا علامة له, هذا في الفعل الماضي, فأما الفعل المضارع فليس يظهر في فعل الواحد ضمير ألبتة, متكلمًا كان أو مخاطبًا إلا في فعل المؤنث المخاطب, وذلك أنه استغنى بحروف المضارعة عن إظهار الضمير, يقولُ المتكلمُ: أنا أفعل, ذكرًا كان أو أنثى فالمتكلم لا يحتاج إلى علامة؛ لأنه لا يختلط بغيره, وإنما أظهرت العلامة في "فعلتُ" للمتكلم؛ لأنه لو أسقطها لالتبس بالغائب، فصار فعل, فلا يعلم لمن هو, فإن خاطبت ذكرًا قلت: أنت تفعل، والغائب هو يفعل، فإن خاطبت مؤنثًا قلت: تفعلين, فظهرت العلامة وهي الياء, وإن كانت غائبة قلت: هي تفعل فيصير لفظ الغائبة كلفظ المخاطب, ويفصل بينهما الخطاب وما جرى في الكلام من ذكر ومؤنث, وتقول للمؤنث في الغيبة: فعلتْ وصنعتْ, فالتاء علامة فقط وليست باسمٍ, يدلك على ذلك قولهم: فعلت هند، فأما التاء التي هي اسم فيسكن لام الفعل لها، نحو فَعلْتُ وصنَعْتُ وإنما أسكن لها لام الفعل؛ لأن ضمير الفاعل والفعل

كالشيء الواحد، فلو لم يسكنوا لقالوا: ضَرَبتُ فجمعوا بين أربعة متحركات، وهم يستثقلون ذلك فإن ثنيت وجمعت الضمير الذي في الفعل, قال الفاعل: فعلنا في التثنية والجمع والمذكر والمؤنث في هذا اللفظ سواء وتقولُ في الخطاب: فعلتما للمذكر والمؤنث, ولجمع المذكرين فعلتم, وللمؤنث فعلتن, فإن ثنيت الغائب قلت: قاما, فظهرت العلامة وهي الألف1 وفي الجمع قاموا، وفي المضارع يقومان ويقومون, تثبت النون في الفعل المعرب وتسقط من الفعل المبني, وقد ذكرناه فيما تقدم, وتقول في المؤنث: قامتا وقمن ويقومان ويقمن, هذه علامات المضمر المتصل المرفوع, فأما علامة المخفوض والمنصوب المتصل فهي واحدة، فعلامة المتكلم ياء قبلها نون نحو: ضربني, وجيء بالنون لتسلم الفتحة, ولئلا يدخل الفعل جر, وللمجرور علامته, ياء بغير نون نحو: مررت بي وغلامي, وهذه الياء تفتح وتسكن, فمن فتح جعلها كالكاف أختها ومن أسكن فلاستثقال الحركة في الياء في أنها تكسر ما قبلها, وكلهم إذا جاء بها بعد ألف فتحها نحو: عصايَ ورحايَ, وإذا تكلم منه ومن غيره قال: ضربنا زيد والمؤنث في ذا كالمذكر، وكذلك هو في الجر, تقول: ضربنا وغلامنا, فإذا خاطبت فعلامة المخاطب المذكر كاف مفتوحة, والمؤنث كاف مكسورة نحو: ضربتك وكذلك المجرور تقول: مررت بكَ يا رجل, وبكِ يا امرأة, وإذا ثنيت قلت في المذكر والمؤنث: ضربتكما, وللجميع المذكرين: ضربتكم، وكذلك تقول: مررت بكما في التذكير والتأنيث، ومررت بكم في المذكرين, ومررت بكن للمؤنث. الضرب الثاني: وهو علامات المضمرين المتصلة: أما علامة المرفوعين، فللمتكلم أنا، فالاسم الألف والنون وإنما تأتي بهذه الألف الأخيرة في الوقف، فإن وصلت سقطت فقلت: أن فعلتُ ذاكَ, وإن حدث عن نفسه وعن آخر قال: نحن وكذلك إن تحدث عن نفسه وعن

_ 1 في الأصل: والاسم ولا معنى لها.

جماعة قال: نحن، ولا يقع "أنا" في موضع التاء، والموضع الذي يصلح فيه المتصل لا يصلح فيه المنفصل, لا تقول: فعل أنا وعلامة المخاطب إن كان واحدًا أنت, وإن خاطبت اثنين فعلامتها أنتما، والجميع أنتم فالاسم هو الألف والنون في "أنت" والتاء علامة المخاطب, والمضمر الغائب علامته "هو" وإن كان مؤنثًا فعلامته "هي", والاثنان والاثنتان هما والجميع هم, وإن كان الجمع جمع مؤنث فعلامته هن, وأما علامة المضمر المنصوب "فإيا" فإن كان غائبًا قلت: إياه, وإن كان متكلمًا قلت: إياي وإيانا في التثنية والجمع، وللمخاطب المذكر: إياكَ وللمؤنث: إياكِ, وإياكما إذا ثنيت, المؤنث والمذكر, وإياكم للمذكرين, وإياكن في التأنيث, وللغائب المذكر إياه, وللمؤنث إياها, وإياهما للمذكر والمؤنث, وإياهم للمذكرين, وإياهن للجميع المؤنث, وقد قالوا: إن "إيا" مضاف إلى الهاء والكاف والقياس أن يكون "إيا" مثل الألف والنون التي في أنت, فيكون "إيا" الاسم وما بعدها للخطاب، ويقوي ذلك أن الأسماء المبهمة وسائر المكنيات لا تضاف, و"إيا" مع ما يتصل بها كالشيء الواحد نحو: أنت, فأما المجرور فليست له علامة منفصلة؛ لأنه لا يفارق الجار ولا يتقدم عليه, وجميع المواضع التي يقع فيها المنفصل لا يقع المتصل, والموضع الذي يقع فيه لا يقع المنفصل؛ لأن المنفصل كالظاهر تقول: إني وزيدًا منطلقانِ, ولا تقول: إن إياي وزيدًا منطلقانِ, وتقول: ما قام إلا أنت ولا تقول: إلاتَ, وتقول: إن زيدًا وإياك منطلقانِ، ولا تقول: إن زيدًا إلاك منطلقان، ومما يدل على "إن وأخواتها" مشبهة بالفعل, أن المكني معها كالمكني مع الفعل, تقول: إنني كما تقول: ضربني, وأما قولهم: عجبتُ من ضريبكَ, وضريبه فالأصل من ضربي إياك وضربي إياه, وأقل العرب1 من يقول: ضَريبهُ وإنما وقع هذا مع المصدر؛ لأنه لم تستحكم علامات الإِضمار معه، ألا ترى أنهم لا يقولون:

_ 1 قال سيبويه 1/ 381: تقول: عجبت من ضريبك ومن ضريبه وضريبكم، فالعرب قد تتكلم بهذا وليس بالكثير.

عجبت من ضربكني، إذا بدأت بالمخاطب قبل المتكلم، ولا من ضربهيك إذا بدأت بالبعيد قبل القريب, وقالوا: عجبت من ضريبك وضربكه, ولو كان هذا موضعًا يصلح فيه المتصل لجاز فيه جميع هذا, ألا ترى أنك تقول: ضَريبكَ إذا جئت بالفعل ضربته, وموضع ضربكه ضربته, وكان الذين قالوا: ضريبه قالوا ذلك اختصارًا لأن المصدر اسم, فإذا أضفته إلى مضمر فحقه إن عديته لمعنى الفعل أن تعديه إلى ظاهر أو ما أشبه الظاهر من المضمر المتصل، وكان حق المضمر المتصل أن لا يصلح أن يقع موقع المنفصل, والأصل في هذا: عجبتُ من ضربي إياك, كما تقول: من ضربي زيدًا ومن ضربك إياه, كما تقول: من ضربك عمرًا, والكسائي يصل جميع المؤنث فيقول: أعطيتهنه والضارباناه؛ لأنه لم يتفق حرفان ولا أعلم بين الواحد والجمع فرقًا, ومن ذلك قولهم: كان إياه لأن "كانَهُ" قليلة ولا تقول: كانني وليسني1، ولا كانَكَ؛ لأن موضعه موضع ابتداء وخبر، فالمنفصل أحق به، قال الشاعر: لَيْتَ هَذَا اللَّيْلَ شَهْرٌ ... لا نَرى فيهِ عَريبا2 لَيس إيايَ وإيَا ... كَ ولا نخشَى رَقيبا

_ 1 قال سيبويه 1/ 381: وبلغني عن بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ليسني وكأنني. 2 من شواهد سيبويه 1/ 381، على إتيانه بالضمير بعد ليس منفصلًا لوقوعه موقع خبرها، والخبر منفصل من المخبر عنه، فكان الاختيار فصل الضمير إذا وقع موقعه، واتصاله بليس جائز؛ لأنها فعل وإن لم تقو قوة الفعل الصحيح.... ويجوز في شهر الرفع والنصب.. والنصب على لغة من ينصب الجزأين أو على تقدير أن الخبر محذوف. نرى: من رؤية العين وعريب من الألفاظ الملازمة للنفي, ونسب الأعلم الشعر إلى عمر بن أبي ربيعة، ونسبه صاحب الأغاني إلى العرجي. وقد ذكر البيتان في قصيدة لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه 430 وما بعدها، كما ذكرت القصيدة في ديوان العرجي 61 وما بعدها مع خلاف في الترتيب, وفي بعض الألفاظ. ورواية البيت الثاني في ديوان العرجي كذا: غير أسماء وجمل ... ثم لا نخشى رقيبا وانظر المقتضب 3/ 98, وابن يعيش 3/ 75, وشرح الرماني 3/ 65, وشرح السيرافي 3/ 136, والخزانة 2/ 424, ولسان العرب مادة "ليس".

وقد حكوا: ليسني، وكأنني, واعلم أنك إذا أكدت المرفوع المتصل والمنصوب والمخفوض المتصلين أكدته بما كان علامة المضمر المرفوع المنفصل, وذلك قولك: قمت أنتَ وضربتُك أنت وإنما جاز ذلك؛ لأن الخطاب جنس واحد وليس بأسماء معربة, والأصل في كل مبني أن يكون المرفوع والمنصوب والمخفوض على صيغة واحدة وإنما فرق في هذا للبيان, فإذا أمنوا اللبس رجع المبني إلى أصله, ومع ذلك فلو أكد المرفوع والمنصوب المتصلان بالمنفصلين اللذين لهما لبقي المجرور بغير شيء يؤكده ولا يحسن أن يعطف الاسم الظاهر على المرفوع المتصل, لا يحسن أن تقول: قمتُ وزيدٌ حتى تؤكد فتقول: أنا وزيدٌ, ولا تقول: قام وزيدٌ حتى تقول: قام, هو وزيدٌ وقال عز وجل: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} 1 ربما جاء على قبحه غير مؤكد ويحتمل لضرورة الشاعر. وإنما قَبُحَ أن تقول: قمت وزيد لأن التاء قد صارت كأنها جزء من الفعل إذ كانت لا تقوم بنفسها, وقد غير الفعل لها، فإن عوضت من التأكيد شيئًا يفصل به بين المعطوف والمعطوف عليه نحو: ما قمتُ ولا عمرو, وقعدتُ اليومَ وزيد فحسن, فأما ضمير المنصوب فيجوز أن يعطف عليه الظاهر تقول: ضربتُك وزيدًا وضربت زيدًا وإياكَ, فيجوز تقديمه وتأخيره, وأما المخفوض فلا يجوز أن يعطف عليه الظاهر لا يجوز أن تقول: مررت بكِ وزيدٍ؛ لأن المجرور ليس له اسم منفصل يتقدم ويتأخر كما للمنصوب، وكل اسم معطوف عليه فهو يجوز أن يؤخر ويقدم الآخر عليه فلما خالف المجرور سائر الأسماء لم يجزْ أن يعطف عليه, وقد حكي أنه قد جاء في الشعر: فَاذْهَب فَمَا بِكَ والأيَّامِ مِنْ عَجَبِ2

_ 1 طه: 42. 2 من شواهد سيبويه 1/ 392، على عطف الأيام على المضمر المجرور، وهو عجز بيت صدره: فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب............. ومعنى: قربت: جعلت وأخذت، يقال: قربت تفعل كذا، أي: جعلت تفعله, والمعنى: هجوك لنا من عجائب الدهر، فقد كثرت فلا يعجب منها. وانظر: الإنصاف/ 251, وشرح ابن عقيل 2/ 240.

وتقول: عجبت من ضربِ زيدٍ أنت, إذا جعلت زيدًا مفعولًا، ومن ضربكه إذا جعلت الكاف مفعولًا, وتقول فيما يجري من الأسماء مجرى الفعل: عليكهُ ورويدهُ وعليكني, ولا تقول: عليك إيايَ ومنهم من لا يستعمل "ني" ولا "نا"، استغناء بعليك "بي" و"بنا"1 وهو القياس, ولو قلت: عليك إياه كان جائزًا؛ لأنه ليس بفعل والشاعر إن اضطر جعل المنفصل موضع المتصل, قال حميد الأرقط: إليك حَتىَّ بَلَغت إياكا2 يريد: حتى بلغتكَ, فإن ذكرتَ الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين فحق هذا الباب إذا جئت بالمتصل أن تبتدئ بالأقرب قبل الأبعد, وأعني بالأقرب المتكلم قبل المخاطب, والمخاطب قبل الغائب, وتعرف القوي من غيره, فإن الفعلين إذا اجتمعا إلى القوي, فتقول: قمت وأنت ثم تقول: قمنا وقام وأنتَ, ثم تقول: قمتما فتغلب المخاطب على الغائب وتقول: أعطانيه وأعطانيك ويجوز: أعطاكني, فإن بدأ بالغائب قال: أعطاهوني وقال سيبويه: هو قبيح لا يتكلم به العرب3، وقال أبو العباس: هذا كلام جيد ليس بقبيحٍ، وقال الله عز وجل: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} 4 فتقول

_ 1 انظر الكتاب 1/ 382. 2 من شواهد سيبويه 1/ 383، على وضعه إياك موضع الكاف ضرورة، وقال الزجاج: أراد بلغتك إياك فحذف الكاف ضرورة، قال الأعلم: وهذا التقدير ليس بشيء؛ لأنه حذف المؤكد وترك التوكيد مؤكدًا لغير موجود, فلم يخرج من الضرورة إلا إلى أقبح منها، والمعنى: سارت هذه الناقة إليك حتى بلغتك. وانظر: الخصائص 1/ 307 و2/ 194, والإنصاف 369. 3 انظر الكتاب 1/ 383. 4 هود: 28، وانظر الكتاب 1/ 384.

على هذا أعطاه إياك، وهو أحسن من أعطاهوكَ، فإذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب قلت: لمعطاهوه, وليس بالكثير في كلامهم, والأكثر المعطاه إياه1، والمنفصل بمنزلة الظاهر، فأما المفعولان في ظننت وأخواتها، فأصلها الابتداء الخبر, كما جاء في "كان" فالأحسن أن نقول: ظننتك إياه، كما تقول: كان إياهُ وكنت إياهُ. واعلم: أنه لا يجوز أن يجتمع ضمير الفاعل والمفعول إذا كان المفعول هو الفاعل في الأفعال المتعدية والمؤثرة, لا يجوز أن تقول: ضربتني ولا أضربك إذا أمرت, فإن أردت هذا قلت: ضربت نفسي واضرب نفسك, وكذلك الغائب لا يجوز أن تقول: ضربه إذا أردت ضرب نفسه, ويجوز في باب ظننت وحسبت, أن يتعدى المضمر إلى المضمر, ولا يجوز أن يتعدى المضمر إلى الظاهر, تقول: ظننتني قائمًا وخلتني منطلقًا؛ لأنها أفعال غير مؤثرة, ولا نافذة منك إلى غيرك, فتقول على هذا: زيد ظنه منطلقًا، فتعدى فعل المضمر في ظن إلى الهاء, ولا يجوز زيدًا ظن منطلقًا, فتعدى فعل المضمر الذي في ظن إلى زيدٍ فتكون قد عديت في هذا الباب فعل المضمر إلى الظاهر، وإنما حقه أن يتعدى فعل المضمر إلى المضمر, وتكون أيضًا قد جعلت المفعول الذي هو فضلة في الكلام لا بد منه, وإلا بطل الكلامُ, فهذه جميع علامات المضمر المرفوع والمنصوب قد بينتها في المنفصل والمتصل, وقد خبرتك أن المجرور لا علامة له منفصلة, وأن علامته في الاتصال كعلامة المنصوب, لا فرق بينها في الكاف والهاء تقول: رأيتك كما تقول: مررت بك, وتقول: ضربته كما تقول: مررت به, فهذا مطرد لا زيادة فيه, فإذا جاءوا إلى الياء التي هي ضمير المتكلم زادوا في الفعل نونا قبل الياء؛ لئلا يكسروا لام الفعل, والفعل لا جرّ فيه فقالوا: ضربني فسلمت الفتحة بالنون، ووقع الكسر على النون، وكذلك: يضربني، فإذا جاءوا بالاسم لم يحتاجوا إلى النون فقالوا: الضاربي في النصب واستحسنوا

_ 1 انظر الكتاب 1/ 384.

الكسرة في الباء؛ لأنه موضع يدخله الجر, ولم يستحسنوا ذلك في لام الفعل لأنه موضع لا يدخله الجر, وقالوا: إنني ولعلني ولكنني؛ لأن هذه حروف مشبهة بالفعل. قال سيبويه: قلت له, يعني الخليل: ما بال العرب قالت: إني وكأني ولعلي ولكني؟ فزعم: أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة1 من كلامهم، وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف, فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف, حذفوا النون التي تلي الياء قال: فإن قلت: "لعلي" ليس فيها تضعيف, فإنه زعم: أن اللام قريبة من النون2، يعني في مخرجها من الفم، وقد قال3 الشعراء في الضرورة: ليتي4. وقال: سألته عن قولهم عني وقطني ولدني: ما بالهم جعلوا علامة المجرور ههنا كعلامة المنصوب؟ فقال: إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإِضافة إلا كان متحركًا مكسورًا، ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في "قط" ولا النون التي في "من" فجاءوا بالنون ليسلم السكون, وقدني بهذه المنزلة5 وهذه النون لا ينبغي أن نذكرها في غير ما سمع من العرب, لا يجوز أن تقول: قدي كما قلت مني, وقد جاء في الشعر "قدي" قال الشاعر: قدْنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبيْبَيْن قَدِي6

_ 1 أظن الأفصح "في كلامهم" وليس من كلامهم. 2 انظر الكتاب 1/ 386. 3 في الأصل "قالت". 4 مثل ذلك سيبويه، بقول زيد الخيل: كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأتلف بعض مالي 5 انظر الكتاب 1/ 386. 6 من شواهد سيبويه 1/ 387 على حذف النون من "قدني" تشبيهًا بحسبي وإثباتها في قد وقط هو المستعمل؛ لأنها في البناء ومضارعة الحروف بمنزلة من وعن فتلزمها النون المكسورة قبل الياء لئلا يغير آخرها عن السكون, وهو صدر بيت، وعجزه: ليس الإمام بالشحيح الملحد وأراد بالخبيبين: عبد الله بن الزبير وكنيته أبو خبيب ومصعبا أخاه، وغلبه لشهرته، ويروى بالخبيبين على الجمع، يريد أبا خبيب وشيعته، ومعنى قدني: حسبي وكفاني، والبيت لأبي نخيلة حميد بن مالك الأرقط. وانظر الهمع 1/ 64 والدرر اللوامع 1/ 42, والأشباه والنظائر 2/ 282 وشرح الحماسة 2/ 896 والخزانة 1/ 453, وشرح السيرافي 5/ 109, وأمالي ابن الشجري 2/ 142, والمحتسب 2/ 223.

فقال: قدي لما اضطر شبهه بحسبي، كما قال: ليتي حيث اضطر, وقال سيبويه: لو أضفت إلى الياء الكاف تجر بها لقلت: ما أنت كِي؛ لأنها متحركة قال الشاعر لما اضطر: وأمّ أوعالٍ كها أو أقربا1 وقال آخر لما اضطر: فلا تَرى بَعْلًا ولا حَلائِلا ... كَهُ ولا كَهُنَّ إلاّ حَاظِلا2 فهذا قاله سيبويه قياسًا, وهو غير معروف في الكلام، واستغنى عن "كي" بمثلي. ولام الإِضافة تفتح مع المضمر إلا مع الياء؛ لأن الياء تكسر ما قبلها, تقول: لَهُ ولَكَ, ثم تقول: لِي فتكسر؛ لأن هذه الياء لا يكون ما

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 392 على إدخال الكاف على المضمر تشبيهًا لها بمثل؛ لأنها في معناها واستعمل ذلك عند الضرورة, وأم أوعال: أكمة بعينها، والهاء في قوله: كها عائدة على شيء مؤنث شبه الأكمة به، وعطف أقرب على شيء قبل البيت, والشاهد للعجاج. وانظر: شروح سقط الزند 1/ 267, والخزانة 4/ 77, وشواهد الألفية للعاملي 218, والتصريح 2/ 4, والكنز اللغوي 155, وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاوي 120. 2 من شواهد سيبويه أيضًا 1/ 392 على كهو ولا كهن وأراد مثله ومثلهن، والوقف على "كهو" بإسكان الواو لأنه ضمير جر متصل بالكاف اتصاله بمثل، فالوقف عليه هنا كالوقف عليه هناك، وصف حمارًا وآتنا، والحاظل هو المانع من التزويج؛ لأن الحمار يمنع آتنه من حمار آخر يريدهن، ولذلك جعلهن كالحلائل وهي الأزواج. والشاهد للعجاج، وانظر الهمع 1/ 30, والدرر اللوامع 2/ 27, وشرح السيرافي 186, وحاشية شرح القطر للألوسي 83, ومنهج السالك 49, وشرح ابن عقيل 171, وشروح سقط الزند 1/ 267, والخزانة 4/ 276, والعيني 2/ 257.

قبلها حرف متحرك إلا مكسورًا، وهي مفارقة لأخواتها في هذا, ألا ترى أنك تقول: هذا غلامُه فتصرف, فإذا أضفت غلامًا إلى نفسك قلت: هذا غلامي, فذهب الإِعراب وإنما فعلوا ذلك؛ لأن الضم قبلها لا يصلح، فلما غير لها الرفع وهو أول غير لها النصب إذا كان ثانيًا وألزمت حالًا واحدًا, فقلت: رأيت غلامي. واعلم: أن الذي حكي من قولهم: لولاي, ولولا شيء شذ عن القياس كان عند شيخنا1 يجري مجرى الغلط, والكلام الفصيح ما جاء به القرآن: لولا أنت, كما قال عز وجل: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} 2، والذين قالوا: لولاك ولولاي قالوا: لأنها أسماء مبنية يؤكد المرفوع منها المخفوض, فكأنهم إنما يقتصرون العبارة عن المتكلم والمخاطب والغائب لا بأي لفظ كان؛ لأنه غير ملبس, ولكنهم لا يجعلون غائبًا مكان مخاطب, لا يقولون: لولاه مكان لولاك, فأما قولهم: عساك فالكاف منصوبة؛ لأنك تقول: عساني، فعساك مثل رماك، وعساني مثل رماني. واعلم: أن علامة الإِضمار قد ترد أشياء إلى أصولها, فمن ذلك قولك: لعبد الله مال ثم تقول: لك, وله إنما كسرت مع الظاهر في قولك: لزيدٍ مالٌ كيلا يلتبس بلام الابتداء, إذا قلت: لهذا أفضل منك ألا تراهم قالوا: يا لبَكر حين أمنوا الالتباس فمن ذلك: أعطيتكموه في قول من قال: أعطيتكم ذاك فأسكن ردوه بالإِضمار إلى أصله، كما ردوا بالألف واللام حين قالوا: أعطيتموا اليوم فكان الذين وقفوا بإسكان الميم كرهوا الوقف على الواو،

_ 1 أي أبو العباس المبرد؛ لأن المبرد يرى أنه لا يصلح إلا أن تقول: ولولا أنت كما قال الله تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} . قال: ومن خالفنا يزعم أن الذي قلناه أجود، ويدعي الوجه الآخر فيجيزه على بعد، فهو ينكر الشواهد التي استدل بها سيبويه ومن سار على نهجه وكذلك ينكر مذهب الأخفش ويرده. انظر: الكامل 650 طبعة ليبك. 2 سبأ: 31.

فلما وصلوا زال ما كرهوا، فردوا وزعم يونس أنه يقول: أعطيتُكُمْه1، بإسكان الميم كما قال في الظاهر: أعطيتكم زيدًا. واعلم: أنَّ أنت، وأنا، ونحن، وأخواتهن يكن فصلًا, ومعنى الفصل أنهن يدخلن زوائد على المبتدأ المعرفة وخبره, وما كان بمنزلة الابتداء والخبر ليؤذن بأن الخبر معرفة أو بمنزلة المعرفة, ولا يكون الفصل إلا ما يصلح أن يكون كناية عن الاسم المذكور, فأما ما الخبر فيه معرفة واضحة فنحو قولك: زيد هو العاقلُ وكان زيد هو العاقل، وأما ما الخبر فيه يقرب من المعرفة إذا أردت المعرفة, وكان على لفظه فنحو قولك: حسبت زيدًا هو خيرًا منك وكان زيد هو خيرًا منك وتقول: إن زيدًا هو الظريف فيكون فصل, وإن زيدًا هو الظريف، وتقول: إن كان زيدٌ لهو الظريفُ وإن كنا لنحن, هي "نا" في كنا, ولو قلت: كان زيدٌ أنت خيرا منه, لم يجز أن تجعل "أنت" فصلًا, لأن أنت غير زيد فإن قلت: كنت أنت خيرًا من زيدٍ, جاز أن يكون فصلًا وأن يكون تأكيدًا فجميع هذه لمسائل الاسم فيها معرفة والخبر معرفة, أو قريب منها، مما لا يجوز أن يدخل عليه الألف واللام، ولو قلت: ما أظن أحدًا هو خير منك لم يجز أن تجعل "هو" فصلًا لأن واحدًا نكرة ولكن تقول: ما أظن أحدًا هو خير منك, فجعل: هو مبتدأ و"خير منك" خبره, وهذا الباب يسميه الكوفيون العماد, وقال الفراء: أدخلوا العمادَ ليفرقوا بين الفعل والنعت؛ لأنك لو قلت: زيدٌ العاقل لأشبه النعت, فإذا قلت: زيدٌ هو العاقل قطعت "هو" عن توهم النعتِ, فهذا الذي يسميه البصريون فصلًا ويسميه الكوفيون عِمادًا2، وهو ملغى من الإِعراب، فلا يؤكد ولا ينسق عليه ولا يحال بينه وبين الألف واللام وما قاربهما, ولا يقدم قبل الاسم المبتدأ ولا قبل "كان" ولا يجوز كان هو القائم زيدٌ, ولا هو القائم كان زيد, وقد حكي هذا عن الكسائي، لأنه كان يجعل العماد بمنزلة الألف

_ 1 انظر الكتاب 1/ 389. 2 انظر الإنصاف 375, فقد شرح ابن الأنباري هذه المسألة وبين فيها آراء الفريقين.

واللام في كل موضع يجوز وضعه معهما, فإذا قلت: كنت أنت القائم جاز أن يكون أنت فصلًا, وجاز أن يكون تأكيدًا، ويجوز أن يبتدأ به فترفع القائم, ولك أن تثني الفعل وتجمعه وتؤنثه فتقول: كان الزيدان هما القائمينِ, وكان الزيدونَ هم القائمينَ, وكانت هندٌ هي القائمة, والظن وإنّ, وجميع ما يدخل على المبتدأ والخبر، يجوز الفصل فيه؛ تقول: ظننتُ زيدًا هو العاقلَ، وإن زيدًا هو العاقلُ, فإذا قلت: كان زيدٌ قائمةً جاريته, فأدخلت الألف واللام على "قائمةٍ" وجعلتها لزيدٍ قلت: كان زيد القائمةُ جاريتهُ, فإن كانت الألف واللام للجارية صار المعنى: كان زيد التي قامت جاريتهُ فقلت: كان زيدٌ القائمة جاريتُه حينئذٍ, وهذا لا يجوز عندي ولا عند الفراء، من قبل أنه ينبغي أن يكون الألف واللام هما الفصل بعينه, وأن يصلح أن يكون ضميرًا للأول.

الباب الثالث من المبنيات وهو الاسم الذي يشار به إلى المسمى

الباب الثالث من المبنيات: وهو الاسم الذي يشار به إلى المسمى. وفيه من أجل ذلك معنى الفعل، وهي: ذَا، وذه، وتثنى ذا وذه فتقول: ذانِ في الرفع وذينِ في النصب والجر وتثنية "تا" تان وتجمع ذا, وذه, وتا, أُولى, وأولاءِ, والمذكر والمؤنث فيه سواء, فذا اسم تشير به إلى المخاطب إلى كل ما حضر كما يدخلون عليه هاء التنبيه, فيقولون: هذا زيدٌ وهذي أمةُ الله, فإذا وقفوا على الياء أبدلوا منها هاءً في الوقف, فإذا وصلوا أسقطوا الهاء وردوا الياء, ويبدلون من الياء فيقولون: هذهِ أمةُ الله, فإذا وصلوا قالوا: هذي أمةُ اللهِ, فإذا وقفوا حذفوا الهاء وردوا الياء, ومنهم من يقول: هذه أمةُ الله. وهؤلاءِ تُمد وتقصرُ, وإذا مدوا بنوه على الكسر لالتقاء الساكنين فإن أدخلوا كاف المخاطبة فأول كلامهم لما يشار إليه وآخره للمخاطب, والكاف ههنا حرف جيء به للخطاب وليس باسمٍ؛ لأن إضافة المبهمة محال من قبل أنها معارف, فلا يجوز تنكيرها, وكل مضافٍ فهو نكرةٌ قبل إضافته فإذا أُضيف إلى معرفة صار بالإِضافة معرفة، وهو قولك: ذاكَ وذلكَ، واللام في "ذلكَ" زائدة والأصل "ذَا" والكاف للخطاب فقط, ومحالٌ أن تكون هنا اسمًا لما بينت لك, فإنما زدت الكاف على "ذَا" وكانت "ذَا" لما يومئ إليه بالقرب. فإذا قلت ذلك, دلت على أن الذي يومئ إليه بعيدٌ, وكذلك جميع الأسماء المبهمة إذا أردت المتراخي زدت كافًا للمخاطبة لحاجتك أن تنبه بالكاف المخاطب, ونظير هذا هنا وههنا, وهناكَ وهنالكَ إذا أشرت إلى مكان، فإن سألت رجلًا عن رجلٍ قلت: كيف ذاكَ الرجلُ؟

فتحت الكاف. فإن سألت امرأة عن رجلٍ قلت: كيفَ ذاكِ الرجلُ؟ فكسرت الكاف, قال الله عز وجل: {كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} 1، فإن سألت رجلًا عن امرأةٍ قلت: كيفَ تلكَ المرأةُ؟ فإن سألت المرأة عن امرأةٍ، قلت: كيف تلكِ المرأةُ؟ تكسر الكاف, فإن سألت رجلًا عن رجلينِ قلت: كيف ذانكَ الرجلانِ؟ ومن قال في الرجلِ ذلكَ قال في الاثنينِ: ذانّكَ بتشديد النون, أبدلوا من اللام نونًا وأدغمت إحدى النونين في الأخرى, كما قال عز وجل: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} 2، فإن سألت عن جماعةٍ رجلًا, قلت: كيف أولئك الرجالُ, وأولاكَ الرجالُ؟ فإن سألت رجلًا عن امرأتين قلت: كيفَ تانك المرأتانِ؟ وإن سألت امرأة عن رجلين قلت: كيف ذانِك الرجلانِ يا امرأةُ؟ وإن سألتها عن جماعةٍ قلت: كيف أولئكِ الرجالُ يا امرأة؟ فإن سألت رجلينِ عن رجلينِ قلت: كيف ذانكما الرجلانِ يا رجلانِ؟ وإن سألتهما عن جماعةٍ قلت: كيف أولئكما الرجالُ يا رجلانِ؟ وإن سألتهما عن امرأةٍ قلت: كيف تيكما وتلكما المرأةُ يا رجلانِ؟ وإن سألتهما عن امرأتين قلت: كيفَ تانكما المرأتان يا رجلانِ؟ وإن سألت جماعة عن واحدٍ قلت: كيف ذاكم الرجلُ يا رجالُ؟ وإن سألتهم عن رجلين قلت: كيف ذانكم الرجلانِ يا رجالُ؟ وإن سألتهم عن جماعة قلت: كيف أُولئكَ الرجالُ، يا رجالُ؟ وإن سألتهم عن امرأةٍ قلت: كيف تلكم المرأة يا رجال؟ وإن سألتهم عن امرأتين قلت: كيف تانكم المرأتانِ يا رجالُ؟ وإن سألت امرأتين, فعلامة المرأتينِ والرجلين في الخطاب سواءٌ, فإن سألت نساء عن رجلٍ قلت: كيف ذاكنَّ الرجلُ يا نساءُ؟ وباللام: كيف ذلكن الرجلُ يا نساءُ؟ قال الله عز وجل: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} 3، فإن سألتهن عن رجلين قلت: كيف تيكن؟ وإن سألتهن عن جماعةٍ قلت: كيفَ أُولئكنَّ النساءُ؟ مثل المذكرِ.

_ 1 آل عمران: 47. 2 القصص: 32. 3 يوسف: 32.

واعلم: أنه يجوز لك أن تجعل مخاطب الجماعة على لفظ الجنس، أو تخاطبُ واحدًا عن الجماعة, فيكون الكلام له والمعنى يرجع إليهم, كما قال الله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} 1، ولم يقل: ذلكم؛ لأن المخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على أن في هذا معنى فعلٍ قولهم: هذا زيدٌ منطلقًا؛ لأن منطلقًا انتصب على الحالِ, والحال لا بد من أن يكون العامل فيها فعلٌ أو معنى فعلٍ.

_ 1 النساء: 3.

باب الأسماء المبنية المفردة التي سمي بها الفعل

باب الأسماء المبنية المفردة التي سمي بها الفعل: وذلك قولهم: صه ومه ورويدَ وإيه وما جاء على فَعال, نحو: حَذارِ ونزالِ وشتان, فمعنى صه: اسكت, ومعنى مه: اكفف, فهذانِ حرفانِ مبنيانِ على السكون سمي الفعل بهما, فأما رويدَ: فمعناه المهلةُ, وهو مبني على الفتح ولم يسكن آخره؛ لأن قبله ساكنًا فاختير له الفتح للياء قبله, تقول: رويدَ زيدًا فتعديهِ, فأما قولك: رويدَك زيدًا فإن الكاف زائدةٌ للمخاطبة وليست باسم, وإنما هي بمنزلة قولك: التجاءَك يا فتى، وأرأيتُك زيدًا ما فعلَ, ويدلك على أن الكاف ليست باسمٍ في: التجاءَكَ دخول الألف واللام, والألف واللام والإِضافة لا يجتمعان وكذلك الكاف في: أرأيتُكَ زيدًا زائدةٌ للخطاب وتأكيده, ألا ترى أن الفعل إنما عمل في زيد, فإن قلت: ارودّ كان المصدر اروادًا, وتصرف جميع المصادر فإن حذفت الزوائد على هذه الشريطة صرفت رويدَ فقلت: رويدًا يا فتى، وإن نعت به قلت: ضعهُ وضعًا رويدًا وتضيفه لأنه كسائر المصادر تقول: رويدَ زيدٍ, كما قال الله عز وجل: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} 1، ورويدًا زيدًا، كما تقول: ضربًا زيدًا في الأمر, فأما إيه وآه فمعنى إيه الأمر بأن يزيدك من الحديث المعهودِ بينكما, فإذا نونت قلت: إيهٍ والتنوين للتنكير, كأنك قلت: هات حديثًا وذاك كأنه قال: هات الحديثَ, قال ذو الرمةِ:

_ 1 سورة محمد صلى الله عليه وسلم: 4, وتكملتها: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} .

وقَفْنَا فَقُلْنَا إيهِ عَنْ أمِّ سَالِمٍ ... وَمَا بَالُ تَكْلِيمِ الدِّيَارِ البَلاقِعِ1 فإذا فتحت فهي زجرٌ ونهي كقولك: إيه يا رجلُ إني جئتُكَ، فإذا لم ينون فالتصويت, يريد الزجر عن شيءٍ معروفٍ، وإذا نونت فإنما تريد الزجر عن شيءٍ منكورٍ، قال حاتم: إيهًا فِدًى لَكُمْ أُمّي وَمَا وَلَدَتْ ... حَامُوا على مَجْدِكُم واكْفُوا مَنِ اتَّكَلاَ2 ومن ينون إذا فتح فكثير، والقليل من يفتح ولا ينون، وجميع التنوين الذي يدخل في هذه الأصوات، إنما يفرق بين التعريف والتنكير, تقول: صه يا رجلُ هذا الأصل في جميع هذه المبنيات, ومنها ما يستعمل بغير تنوين ألبتة فما دخله التنوين لأنه نكرةٌ قولهم: فدًى لكَ, يريدون به الدعاء, والدعاء حقه أن يكون على لفظ الأمر, فمن العرب من يبني هذه اللفظة على الكسر وينونها؛ لأنها نكرةٌ يريدُ بها معنى الدعاء. ومن هذا الباب قولهم: هاء يا فتى, ويثنى فيقول هائِمًا، وهائم

_ 1 الشاهد في قوله: إيه بلا تنوين يدل على أنه يريد الاستزادة، من حديث معين. وقيل: تنوين التنكير لا يوجد في معرفة ولا يكون إلا تابعًا لحركات البناء، وذلك نحو: إيه، فإذا نونت وقلت: إيهٍ، فكأنك قلت: استزادة، وإذا قلت: إيه بلا تنوين, فكأنك قلت الاستزادة فصار التنوين علم التنكير وتركه علم التعريف. والبال: الشأن والحال. والديار البلاقع: التي ارتحل سكانها فهي خالية. طلب الحديث من الطلل أولًا ليخبره عن حبيبته أم سالم. وهذا من فرط تحيره وتدلهه في استخباره مما لا يعقل ثم أفاق وأنكر من نفسه بأنه ليس من شأن الأماكن الإخبار عن السواكن. وانظر: المقتضب 3/ 179 ورواه المبرد: ما بال تكليم الرسوم بدل الديار, ومجالس ثعلب/ 275، وشرح المفصل 9/ 30، وإصلاح المنطق/ 291، والمخصص 14/ 18، والخزانة 2/ 19، واللسان "إيه"، والديوان/ 356. 2 في المقتضب: تقول: أيها يا فتى، إذا أمرته بالكف وويها إذا أغريته، ورواه المبرد: ويهًا فداء لكم أمي ... وروي البيت في الديوان: ويها فداؤكم أمي وما ولدت. ورواية اللسان: ويهًا فدى لكم أمي وما ولدت. وانظر: المقتضب 3/ 180، وابن يعيش 4/ 71، وشرح الكافية 7/ 67، واللسان "ويه".

للجميع، كما قال: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} 1، وللمؤنث هاء بلا ياءٍ مثل هاكَ، والتثنية هاؤما مثل المذكرين وهاؤن تقوم الهمزة في جميع ذا مقام الكاف, ولك أن تقول: هاءَ يا قوم كما قال عز وجل: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ} 2، وأصل الكلام "ذلكم" هذا في الخطاب يجوز؛ لأن كل واحدٍ منهم يخاطب, وقال: هاكَ وهاكما وهاكم والمؤنث هاكِ, وأما ما كان على مثالِ فَعالِ مكسورِ الآخر فهو على أربعةِ أضربٍ، والأصل واحدٌ. واعلم: أنه لا يبنى شيءٌ من هذا الباب على الكسر إلا وهو مؤنثٌ معرفة ومعدولٌ عن جهته, وإنما يبنى على الكسر لأن الكسر مما يؤنث به, تقول للمرأة: أنتِ فعلتِ وإنكِ فاعلة وكان أصل هذا إذا أردت به الأمر السكون, فحركت لالتقاء الساكنين، فجعلت الحركة الكسر للتأنيث، وذلك قولك: نَزالِ وتَراكِ، ومعناه: انزلْ واتركْ, فهما معدولان عن المتاركة والمنازلة، قال الشاعر: وَلِنعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنْتَ إذَا ... دُعِيت نَزالِ وَلُجَّ في الذُّعْرِ3

_ 1 الحاقة: 19. 2 المجادلة: 12. 3 من شواهد سيبويه 2/ 37 على أن "نزال" بمعنى انزل، جعل لابس الدرع حشوا لها لاشتمالها عليه، كما يشتمل الإناء على ما فيه، وهو العامل في "ذا" لأنه بمعنى لابس، وقيل: متعلق بنعم لما فيه من معنى الثناء. ومعنى: وعاء الأبطال بعضهم بعضًا بنزال، أن الحرب إذا اشتدت بهم وتزاحموا فلم يمكنهم التطاحن بالرماح، تداعوا بالنزول عن الخيل والتضارب والسيوف، ومعنى: لج في الذعر تتابع الناس في الفزع، وهو من اللجاج وهو التمادي فيه، والبيت لزهير بن أبي سلمى في مدح الهرم بن سنان. وانظر المقتضب 3/ 370، وأمالي ابن الشجري 2/ 111، وابن يعيش 4/ 50، وإصلاح المنطق/ 336، والخزانة 3/ 64، وشواهد الشافية/ 230، والديوان/ 87، والدرر اللوامع 2/ 138، وشرح السيرافي 1/ 66، ومفاتيح العلوم للسكاكي/ 285، والإنصاف/ 278 وروايته: ولأنت أشجع من أسامة إذ......

فقال: دُعيت, لما ذكر ذلك في التأنيث. وقالوا: تراكَها1، وحَذارِ2، ونَظارِ، فهذا ما سمي الفعل به باسم مؤنثٍ، ويكون "فَعالِ" صفةً غالبةً تحل محل الاسم نحو قولهم للضبعِ: جَعارِ يا فتى, وللمنية: حَلاقِ ويكون في التأنيث نحو: يا فَساقِ. والثالث: أن تسمي امرأةً، أو شيئًا مؤنثًا باسم مصوغ على هذا المثال نحو: حَذامِ ورَقاشِ. والرابع: ما عَدَلَ مِن المصدر نحو قوله: جَمَادِ لَهَا جَمَادِ ولا تَقولِي ... طَوَالَ الدَّهْرِ ما ذُكِرَتْ حَمَادٍ3 قال سيبويه: يريد: قولي لَها جمود, ولا تقولي لَها حَمْدًا4، ومن ذلك فَجارِ، يريدون: الفَجرَة, ومَسارِ يريدون: المَسرةَ، وبَداوِ يريدون: البَدوَ, وقد جاء من بَنات الأربعة معدولًا مبنى قَرْ قارِ، وعَرْ عَارِ، وهي لُغيةٌ وشتان: مبني على الفتح لأنه غير مؤنثٍ فهو اسم للفعل إلا أن الفعل هنا غير أمر, وهو خبر ومعناه: البعدُ المفرط وذلك قولك: شتانَ زيدٌ وعمرٌو فمعناه: بَعُد ما بين زيدٍ وعَمرٍو جدًّا، وهو مأخوذ من شَتَّ، والتشتتُ: التبعيد ما بين الشيئين أو الأشياء, فتقدير: شتانَ زيدٌ وعمرٌو، تباعدَ زيدٌ وعمرٌو, ولأنه اسم لفعلٍ ما تم به كلام قال الشاعر:

_ 1 قال الشاعر: تراكها من إبل تراكها. وانظر: الكتاب 2/ 37. 2 قال الشاعر: حذار من أرماحنا حذار. وانظر: الكتاب 2/ 37. 3 من شواهد سيبويه 2/ 39، على قوله: جماد وحماد وهما اسمان للجمود والحمد, معدولان عن اسمين مؤنثين سميا بهما كالجمدة والحمدة. ووصف امرأة بالجمود والبخل, وجعلها مستحقة للذم ومستوجبة للحمد، وطوال الدهر وطوله سواء, والبيت للمتلمس. وانظر ابن يعيش 4/ 5, ورواية الشطر الثاني هكذا: .... لها أبدًا ما ذكرت حماد. 4 انظر الكتاب 2/ 39.

شَتَّانَ هَذَا والعِناقُ والنَّوم ... والمَشْربُ البَارِدُ في ظِلِّ الدَّوْمْ1 فجميع هذه الأسماء التي سمي بها الفعل إنما أُريد بها المبالغة، ولولا ذلك لكانت الأفعال قد كَفَتْ عنها.

_ 1 البيت للقيط بن زرارة بن عدس بن تميم ويكنى أبا نهشل، ويروى الشطر الثاني: والمشرب الدائم في ظل الدوم. ويراد على هذه الرواية بالدوم الدائم, فهو مصدر أقيم مقام اسم الفاعل, وعلى رواية ابن السراج: الدوم شجر المقل وهي رواية أبي عبيدة. وقد أنكرها الأصمعي؛ لأن الدوم لا ينبت في بلاد الشاعر. والعناق بكسر العين: المعانقة، والمعنى: افترق الذي أنا فيه من التعب والمشقة، فليس بشبه المعانقة والراحة, والنوم والماء العذب في ظل هذا الشجر أو تحت الظلال الدائمة. وانظر: المقتضب 4/ 350، وابن يعيش 4/ 37، والخزانة 3/ 57، والمخصص 14/ 85، والجمهرة 2/ 87.

باب الاسم الذي قام مقام الحرف

باب الاسم الذي قام مقام الحرف: وذلك كَمْ, ومَنْ، وما, وكيفَ، ومتى, وأينَ، فأما "كَمْ" فبنيت لأنها وقعت موقع حرف الاستفهام وهو الألف، وأصل الاستفهام بحروف المعاني؛ لأنها آلة، إذا دخلت في الكلام أعلمت أن الخبر استخبارٌ, و"كَمْ" اسم لعدد مبهم فقالوا: كَم مالكَ؟ فأوقعوا "كَمْ" موقع الألف لما في ذلك من الحكمة والاختصار إذ كان قد أغناهم عن أن يقولوا: أعشرونَ مالَكَ, أثلاثونَ مالكَ, أخمسونَ؟ والعدد بلا نهايةٍ, فأتوا باسم ينتظم العدد كلَّهُ. وأما "مَنْ" فجعلوه سؤالًا عن منْ يعقلُ, نحو قولك: مَنْ هذا؟ ومَن عمرٌو؟ فاستغني بمن عن قولك: أزيدٌ هذا, أعمرٌو هذا, أبكرٌ هذا؟ والأسماء لا تحصى فانتظم بِمَنْ جميع ذلك، ووقعت أيضًا موقع حرف الجزاء، وهو "إنْ" في قولك: مَنْ يأتني آتِه. وأما "ما" فيسأل بها عن الأجناس والنعوت، تقول: ما هذا الشيء؟ فيقال: إنسانٌ أو حمارٌ أو ذهَبٌ أو فِضَّةٌ، ففيها من الاختصار مثل ما كان في "مَنْ" وتسأل بها عن الصفات، فتقول: ما زيدٌ؟ فيقال: الطويلُ والقصيرُ، وما أشبه ذلك, ولا يكون جوابها: زيدٌ ولا عمرٌو, فإن جعلت الصفة في موضع الموصوف على العموم جاز أن تقع على مَن يعقلُ. ومن كلام العرب: سبحانَ ما سبحَ الرعدُ بحمدهِ، وسبحانَ ما سخركن لنا، وقال الله عز وجل:

{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} 1، فقال قوم: معناه: ومنْ بَناها، وقال آخرون: إنما: والسماء وبنائها2، كما تقول: بلغني ما صنعتَ, أي: صنيعُكَ؛ لأن "ما" إذا وصلت بالفعل كانت بمعنى المصدرِ. وأما "كيفَ" فسؤال عن حال ينتظم جميع الأحوال, يقالُ: كيف أنتَ؟ فتقول: صالحٌ وصحيح, وآكلٌ وشارب، ونائمٌ وجالسٌ وقاعدٌ, والأحوال أكثر من أن يحاط بها، فإذا قلت: "كيفَ" فقد أغنى عن ذكر ذلك كلهِ, وهي مبنيةٌ على الفتح لأن قبل الياءِ فاء فاستثقلوا الكسر مع الياء, وأصل تحريك التقاء الساكنين الكسر، فمتى حركوا بغير ذلك فإنما هو للاستثقالِ أو لإتباع اللفظِ اللفظَ. فأما "متى" فسؤالٌ عن زمانٍ وهو اسمٌ مبنيٌّ, والقصة فيه كقصةِ "مَنْ وكيفَ" في أنه مغنٍ عن جميع أسماء الزمان, أيوم الجمعةِ القتال, أمْ يوم السبتِ, أم يوم الأحدِ، أم سنة كذا، أم شهر كذا؟ فمتى يغني عَنْ هذا كله، وكذا "أيانَ" في معناها, كما قال الله عز وجل: {أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} 3 وقال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} 4 وبنيت على الفتح لأن قبلها ألفًا، فأتبعوا الفتحَ الفتحَ. وأما "أينَ" فسؤالٌ عن مكانٍ وهي كمَتى في السؤال عن الزمان إذا قلت: أينَ زيد؟ قيل لك: في بغدادَ أو البصرة أو السوقِ, فلا يمتنع مكان من أن يكون جوابًا, وإنما الجواب من جنس السؤال, فإذا سئلت عن مكان لم يجز أن تخبر بزمان, وإذا سئلت عن عددٍ لم يجز أن تخَبرَ بحالٍ, وإذا سئلت عن معرفةٍ لم يجز أن تخبر بنكرةٍ, وإذا سئلتَ عن نكرةٍ لم يجز أن تخبر بمعرفةٍ، فهذه المبنيات المبهمات إنما تعرف بأخواتها وتعلم مواضعها من الإِعراب بذلك.

_ 1 الشمس: 5. 2 انظر: المقتضب 2/ 52. 3 القيامة: 6. 4 الأعراف: 187.

باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات

باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات: وذلك نحو الآنَ ومُذْ ومنذُ, فأما الآن فقال أبو العباس رحمه الله: إنما بني لأنه وقع معرفةً، وهو مما وقعت معرفته قبل نكرته؛ لأنك إذا قلت: الآنَ فإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان، فليس له ما يشركه, ليس هو آنٌ وآنٌ فتدخل عليه الألف واللام للمعرفة, وإنما وقع معرفةً لِما أنت فيه من الوقت1. وأما "مُنذ" فإذا استعملت اسمًا أن يقع ما بعدها مرفوعًا أو جملة نحو: ما رأيته منذ يومان, وإن المعنى: بيني وبينَ رؤيته يومانِ, وقد فسرت ذلك فيما تقدم وهي مبنيةٌ على الضم, وإنما حركت لذلك لأن قبلها ساكنًا، وبنيت على الضم لأنها غاية عند سيبويه2، وأتبعوا الضَّم الضَّم، وقد يستعمل حرفًا يجر، وأما "مذ" فمحذوفةٌ من "مُنْذُ" والأغلب على "مُذْ" أن تستعمل اسمًا، ولو سميت إنسانًا بمذ لقلت: مُنيذُ إذا صغرته، فرددت ما ذهب وصار "مُذْ" أغلب على الأسماءِ؛ لأنها منقوصة, ولَدن ومِنْ عَلُ, كما قال الشاعر: وهي تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشًا مِن علا3

_ 1 انظر الإنصاف/ 272، وشرح الكافية 2/ 141. 2 انظر: الكتاب 2/ 45. 3 من شواهد سيبويه 2/ 123 على أن "علا" محذوف اللام, فإذا صغر اسمًا لرجل ردت لامه فقيل "على" لأن أصله من العلو, وهو صدر بيت لغيلان بن حريث، وعجزه: "نوشا به تقطع أجواز الفلا" وصف إبلًا وردت الماء في فلاة, فعافته وتناولته من أعلاه ولم تمعن في شربه, والنوش: التناول. وانظر: معاني القرآن 2/ 365، ومجالس ثعلب/ 655، وشرح السيرافي 1/ 78، والفاخر لأبي طالب المفضل/ 34، والاقتضاب للبطليوسي/ 427، وأسرار العربية/ 103.

وأما الأفعال فنحو: خذْ وكُلْ وعِ كلامي وشِ ثَوبًا، وأما الحروف فلا يلحقها ذلك، وكانت مذ ومنذ أغلب على الحروف، فكل واحدٍ منهما يصلحُ في مكانِ أُختِها وإنما ذكرنا منذُ ومذْ في الظروف؛ لأنهما مستعملان في الزمان.

الباب السادس من المبنيات المفردة وهو الصوت المحكي

الباب السادس من المبنيات المفردة وهو الصوت المحكي: وذلك نحو: غاق وهي حكاية صوت الغراب، وماء وهو حكاية صوت الشاةِ, وعاءٍ وحاءٍ زجرٌ, ومن ذلك حروف الهجاء نحو ألفٍ باء تاء ثاء وجميع حروف المعجم إذا تهجيت مقصورة موقوفة, وكذلك كاف ميم, موقوفة في التهجي، أما زاي فيقال: زاي وزي, والعدد مثله إذا أردت العدد فقط, وقال سيبويه تقول: واحد اثنانِ فتشم الواحد؛ لأنه اسمٌ ليس كالصوتِ ومنهم من يقول: ثلاثة أربعة فيطرحُ حركة الهمزة على الهاء ويفتحها, ولم يحولها تاءً لأنه جعلها ساكنة, والساكن لا يغير في الإِدراج فإذا لم ترد التهجي بهذه الحروف, ولم تردْ أن تعد بأسماء العدد فررت منها جرت مجرى الأسماء, ومددت المقصور في الهجاء فقلت: هذه الباء أحسن من هذه الباءِ وتقول: هذه الميم أحسن من هذه الميمِ, وكذلك إذا عطفت بعضها على بعضٍ أعربت؛ لأنها قد خرجت من باب الحكاية, وذلك نحو قولك: ميمٌ وباءٌ, وثلاثةٌ وأربعةٌ إنما مددت المقصور من حروف الهجاء إذا جعلته اسمًا وأعربته؛ لأن الأسماء لا يكون منها شيءٌ على حرفين, أحدهما حرف علةٍ. ذكر الضرب الثاني من المبنيات, وهو الكلم المركب: هذه الأسماء على ضربين: فضربٌ منها يبنى فيه الاسم مع غيره وكان الأصل أن يكون كل واحدٍ منهما منفردًا عن صاحبه، والضرب الثاني: أن يكون أصلُ الاسم الإِضافة, فيحذف المضافُ إليه وهو في النية.

فالضرب الأول على ستة أقسام: اسمٌ مبني مع اسمٍ، واسمٌ مبني مع فعلٍ، واسم مبني مع حرفٍ, واسم مع صوتٍ، وحرف بنيَ مع فعلٍ, وصوت مع صوتٍ, فأما الاسم الذي بني مع الاسم فخمسةَ عشر وستةَ عشَر, وكل كلمتين من هذا الضرب من العدد فهما مبنيتان على الفتح وكان الأصلُ: خمسةٌ وعشرةٌ, فحذفت الواو وبني أحدهما مع الآخر اختصارًا وجعلا كاسمٍ واحدٍ, وكذلك حادي عشَرَ وثالث عشر إلى تاسعَ عشَر, والعرب تدع خمسة عشر في الإِضافة والألف واللام على حالها, ومنهم من يقول: خمسةَ عشَركَ وهي رديئة1، ومن ذلك: حيصَ بيص بنيا على الفتح، وهي تقال عند اختلاط الأمر, وذهب شغَرَ بغَرَ, وأيادي سبأ, ومعناه الافتراق وقَالى قَلا بمنزلة خمسَةَ عشَر ولكنهم كرهوا الفتح في الياء والألف لا يمكن تحريكها. ومن ذلك: خَازِ بَازَ، وهو ذباب عند بعضهم وعند بعضهم داءٌ, ومنهم من يكسر فيقول: خازِ بازِ, وبعض يقول: الخازَ بازَ كحضرموتَ، ومنهم من يقول: خاز بازٍ فيضيفُ وينون, ومن ذلك قولهم: بيتَ بيتَ وبينَ بينَ, ومنهم من يبني هذا ومنهم من يضيف ويبني صباحَ مساءَ ويومَ يومٍ, ومنهم من يضيف جميع هذا، ومن ذلك لقيته كفةَ كفةَ، وكفةً كفةً. واعلم: أنهم لا يجعلون شيئًا من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحدٍ إلا إذا أرادوا الحالَ والظرفَ, والأصل والقياسُ الإِضافة, فإذا سميت بشيءٍ من ذا أضفته فإذا قلت: أنت تأتينا في كل صباح ومساءٍ أضفت لا غير؛ لأنه قد زال الظرف وصار اسمًا خالصًا, فمعنى قولهم: هُوَ جاري بيتَ بيتَ أي: ملاصقًا، ووقع بينَ بينَ، أي: وسطًا, وأما قَالى قَلا فبمنزلة: حضرموتَ لأنه اسم بلدٍ وليسَ بظرفٍ ولا حالٍ. وأسماء الزمان إذا أضيفت إلى اسمٍ مبني جاز أن تعربَها، وجاز أن تبنيَها، وذاك نحو "يومئذ", تقول: سيرَ عليهِ يومْئذٍ، ويومئذِ، والتنوين ههنا مقتطع ليعلم أنه ليس يراد به الإِضافة، والكسر في الذال من أجل سكون النون، فتقرأ على هذا إن شئت: {مِنْ

_ 1 قال سيبويه 2/ 51: ومن العرب من يقول: خمسة عشرك، وهي لغة رديئة.

عَذَابٍ يَوْمَئِذِ} 1، ومن عذابٍ يومئذٍ، ومذهب أبي العباس -رحمه الله- في دخول التنوين هنا أنه عوض من حذف المضاف إليه. الثاني: اسم بني مع فعل: وهو قولهم: حبذا هندٌ وحبذا زيدٌ، بنيَ حَبَّ وهو فعلٌ مع ذا وهو اسم. ومن العرب من يقول في أحبَّ حَبَّ, وقولهم: محبوب إنما جاء على حَبَّ ولو كان على أحبَّ لكان: محبّ, فإذا بنوا أحَبَّ مع ذا اجتمعوا على طرح الألف، والدليل على أن حبذا بمنزلة اسم أنك لا تقول حبذهِ وأنه لا يجوز أن تقول حبذا، وتقف حتى تقول: زيدٌ أو هندٌ فتأتي بخبرٍ فحبذا مبتدأٌ, وهند وزيد خبرٌ, ومما يدل على أن حَبَّ مع ذَا بمنزلة اسم أنه لا يجوز لك أن تقول: حَبَّ في الدار ذَا زيدٌ، فلا يجوز أن تفصل بينها وبين "ذَا" كما تفصل في باب نِعْمَ. الثالث: اسم بني مع حرف: وذلك قولك: لا رجل ولا غلامَ, ويدلك على أن "لا" مع رجلٍ بمنزلة اسم واحدٍ أنه لا يجوز لك أن تفصل رجلًا من "لا" لا تقول: لا فيها رحلٌ لكَ، يجوز القول: لا ماءَ ماءَ باردًا, ولا رجلَ رجل صالحًا عندكَ, فبني "ماءٌ مع ماءٍ ورجل مع رجلٍ" قال أبو بكر: وقد استقصيتُ ذكر ذَا في بابه, ومن ذلك قولهم: يا زيداه ويا أيها الرجلُ فأي اسمٌ وهاء حرفٌ وهو غير مفارقٍ لأيٍّ في النداء, وقد بينا ذَا في باب النداء. الرابع: اسم بني مع صوت: وذلك نحو سيبويه وعمرويه، تقول: هذا سيبويه يا هذا، وهذا عمرويهِ يا فلانُ وهو مبني على الكسرِ، وإن قلت: مررتُ بعمرويهِ وعمرويهٍ آخر، نونت الثاني لأنه نكرةٌ. الخامس: الحرف الذي بني مع الفعل: وذلك: هَلمَّ مبنيًّا على الفتح وهو اسمٌ للفعل، ومعناه: تعالَ، ويدل على أنه حرفٌ بني مع فعلٍ، قول من

_ 1 المعارج: 11.

قال من العرب: هلما للاثنينِ، وهلموا للجماعة1، وصرفوه تصريف لمَّ بكذا، والمعنى يدلُّ على ذلكَ. السادس: الصوت الذي بني مع الصوت: وذلك قولهم: حَيَّ هَلَ الثريدَ، ومعناه: ايتوا الثريدَ, وحكى سيبويه عن أبي الخطاب أن بعض العرب يقول: حَيَّهلَ الصلاةَ2. الضرب الثاني من القسمة الأولى: وهو ما أصله الإِضافة إلى اسم, فحذف المضاف إليه: فهذه المضافات على قسمين: قسم حذف المضاف إليه ألبتة, وضربٌ منع الإِضافة إلى الواحد وأُضيف إلى جملة, فأما ما حذف المضاف إليه فيجيء على ضربين: منهما ما بني على الضمة وهي التي يسميها النحويون الغاياتِ فمصروفة عن وجهها....3 قبلُ وغيرُ وحسبُ فجميع هذه كانَ أصلها الإِضافة، تقول: جئت من قبل هذا, ومن بعد هذا, وكنت أول هذا, أو فوقَ وغيرَ هذا, وهذا حسبُك, أي كافيكَ, فلما حذف ما أُضيفت إليه بنيت, وإنما بنيت على الحركة ولم تبنَ على السكون, وفي بعضها ما قبل لامه متحرك لأنها أسماءٌ أصلها التمكن, وتكون نكراتٍ معرباتٍ, فلما بنيتْ تجنب إسكانها وزادوها فضيلة على ما لا أصل له في التمكن فهذه علة بنائها على الحركة، وأما بناؤها على الضم خاصةً فلأنَّ أكثر أحوالِ هذه الظروف أن تكون منصوبةً وذلك الغالب عليها فأخرجت إلى الضم ولم تخرج إلى الكسر؛ لأن الكسر أخو النصب، وجعلوا ذلك علامة للغاية؛ لأن الكسر حقه أن يكون لالتقاء الساكنين، فتجنبوه ههنا لأنه موضع تحرك لغير التقاء الساكنين. الثاني: ما بني وليس بغاية, من ذلك: أمس مبنية على الكسر، وكسرت

_ 1 هذا على لغة بني تميم، أما أهل الحجاز فلا يصرفونها. انظر الكتاب 2/ 67. 2 انظر الكتاب 1/ 123. 3 مطموس في الأصل, وهذا يسميه النحويون الظروف المقطوعة عن الإضافة لفظًا.

لالتقاء الساكنين، وإنما بني لأنه يقال لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه، وهو ملازم لكل يوم من أيام الجمعة، ووقع في أول أحواله معرفة، فمعرفته قبل نكرته, فمتى نكرته أعربته, وغدٌ ليس كذلك لأنه غير معلوم؛ لأنه مستقبلٌ لا تعرفه, فإذا أضفت أمسِ نكرته ثم أضفته فيصير معرفة بالإِضافة, كما تقول: زيدكَ إذا جعلتَهُ من أمةٍ كُلها زيدٌ، وعرفته بالإِضافة، وزالت المعرفة الأولى. وقال أبو العباس -رحمه الله- في قول الشاعر: طَلبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوَانٍ ... فَأَجَبْنَا أنْ لَيْسَ حِينَ بقاءِ1 كان "أوان" مما لا يستعمل إلا مضافًا، فلما حذف ما يضاف إليه بنوه على الكسر لالتقاء الساكنين كما فُعِلَ بأمسِ وأُدخل التنوين عوضًا لحذف ما يُضاف إليه "أوان"، ألا ترى أنهم لا يكادون يقولون: أوان صدقٍ, كما يقولون في الوقت والزمن, ولكن يدخلون الألف واللام فيقولون: كانَ ذلكَ في هذا الأوانِ, فيكونان عوضًا. الضرب الثاني: ما منع الإِضافة إلى الواحد وأُضيف إلى جملة: وذلك: حيثُ, وإذْ، وإذا، فأما "حيثُ" فإن من العرب من يبنيها على الضم2 ومنهم من يبنيها على الفتح3، ولم تجئ إلا مضافةً إلى جملةٍ، نحو

_ 1 الشاهد فيه على عمل "لات" في لفظ "أوان" وهو من معنى الحين وليس بلفظه، فهو رد على سيبويه ومن معه حيث اشترطوا لعمل "لات" أن يكون معمولاها من لفظ. والبيت لأبي زبيد الطائي، وكان رجل من شيبان نزل برجل طائي، فأضافه وسقاه خمرًا، فلما سكر وثب إليه الشيباني بالسيف فقتله، وافتخر بذلك بنو شيبان، ففي هذا قال أبو زبيد. وانظر: معاني القرآن 2/ 398, وشرح السيرافي 1/ 108, والخصائص 2/ 377, والمخصص 16/ 119, والإنصاف 66, وابن يعيش 9/ 32, والديوان 30. 2 الضم هي اللغة الفاشية، قال تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} فهي غاية، والذي يعرفها ما وقعت عليه من الابتداء والخبر, [سورة الأعراف: 182] . 3 قال سيبويه 2/ 44: "وقد قال بعضهم" حيث شبهوه بأين.

قولك: أقومُ حيثُ يقوم زيدٌ وأصلي حيثُ يصلي، فالحركة التي في الثاء لالتقاء الساكنين، فَمنْ فتح فَمِنْ أجل الياء التي قبلها, وفتح استثقالًا للكسر, ومن ضمَّ فلشبهها بالغايات إذ كانت لا تضاف إلى واحدٍ ومعناها الإِضافةُ، وكان الأصل فيها أن تقول: قمتُ حيثُ زيدٌ, كما تقولُ: قمتُ مكانَ زيدٍ وأما إذْ فمبنية على السكون, وتضاف إلى الجمل أيضًا نحو قولك: إذْ قامَ زيدٌ، وهي تدل على ما مضى من الزمان, ويستقبحون: جئتُكَ إذْ زيدٌ قامَ، إذا كان الفعلُ ماضيًا لم يحسن أن نفرق بينه وبين إذْ؛ لأن معناهما في المضي واحدٌ. وتقول: جئتُكَ إذْ زيدٌ قام، وإذ زيدٌ يقوم, فحقها أن تجيء مضافة إلى جملة فإذا لم تضف نونته، قال أبو ذؤيب: نَهيتُك عنْ طِلابِكَ أُمَّ عَمْرٍو ... بِعَاقِبةٍ وأَنْتَ إذٍ صَحِيح1 وأما "إذا" فقلما تأتي من الزمان، وهي مضافة إلى الجملة، تقول: أجيئُكَ إذا احمَرَّ البسرُ وإذا قدَم فلانٌ, ويدلك على أنها اسم أنها تقع موقع قولك: آتيكَ يوم الجمعةِ، وآتيكَ زمَن كَذا، ووقتَ كذا, وهي لما يستأنف من الزمان ولم تستعمل إلا مضافةً إلى جملة. فأما "لَدُنْ" فجاءت مضافةً، ومن العرب من يحذف النون فيقول: لدُ كذا, وقد جعل حذف النون بعضهم أن قال: لَدُن غدوةً، فنصب غدوةً لأنه توهم أن هذه النون زائدةٌ تقوم مقام التنوين فنصب كما تقول: قائمٌ غدوةً, ولم يعملوا "لَدن" إلا في غدوةً خاصةً, قال أبو بكر: قد ذكرنا الأسماء المعربة والأسماء المبنية، وقد كنا قلنا: إن الكلام اسم وفعلٌ وحرفٌ، ونحن نتبع الأسماء والأفعال، ونذكر إعرابها وبناءها إن شاء الله.

_ 1 الشاهد فيه قوله: "إذ" حيث جاء بالتنوين عوضًا عن الجملة، والأصل: وأنت إذ الأمر على هذه الحال، والمعنى: نهيتك عن طلبها بأن ذكرت لك ما يكون من عاقبة التمادي في حبها وما يفضي أمرك إليه، وكنت سليمًا تستطيع التخلص, وممكن لك النجاة. وانظر: الخصائص 2/ 376, وابن يعيش 3/ 29, والمغني 1/ 86, والأشموني 3/ 420, والأشباه والنظائر 2/ 311.

باب إعراب الأفعال وبنائها

باب إعراب الأفعال وبنائها مدخل ... باب إعراب الأفعال وبنائها: الأفعال تقسم قسمين: مبنيٌّ ومعرب. فالمبني ينقسم قسمين: مبني على حركةٍ ومبني على سكونٍ، فأما المبني على حركةٍ فالفعل الماضي بجميع أبنيته, نحو: قام واستقام وضربَ واضطربَ، ودحرجَ، وتدحرجَ، واحمر واحمارَّ وما أشبه ذلك, وإنما بني على الحركة لأنه ضارعَ الفعل المضارع في بعض المواضع نحو قولك: إنْ قامَ قمتُ, فوقع في موضع: إنْ تَقم، ويقولون: مررتَ برجلٍ ضَرَبَ كما تقول: مررتُ برجلٍ يضربُ، فبنيَ على الحركة كما بني "أولُ وعلُ" في بابه على الحركة وجعل له فضيلة على ما ليس بمضارع المضارعِ عما حصل "لأول وعل"، أو من قبل ومن بعد فضيلة على المبنيات, وأما المبني على السكون فما أمرت به وليس فيه حرف من حروف المضارعة, وحروف المضارعة الألف والتاءُ والنون والياءُ وذلك نحو قولك: قُم واقعدْ واضربْ, فلما لم يكن مضارعًا للاسم ولا مضارعًا للمضارع ترك على سكونه لأن أصل الأفعال السكونُ والبناءُ، وإنما أعربوا منها ما أشبه الأسماء وضارعها، وبنوا منها على الحركة ما ضارع المضارع وما خلا من ذلك أسكنوهُ، وهذه الألف في قولك: اقعد ألفُ وصلٍ، إنما تنطق بها إذا ابتدأت؛ لأنه لا يجوز أن تبتدئ بساكنٍ، وما بعد حروف المضارعة ساكن, فلما خلا الفعل منها واحتِيجَ إلى النطق به أدخلت ألف الوصل, وحق ألف الوصل أن تدخل على الأفعال المبنية فقط، ولا تدخل على الأفعال المضارعة؛ لأنها لا تدخل على الأسماء إلا

على ابنٍ وأخواتها، وهو قليل العدد, وإنما بني فعلُ التعجب الذي يجيء على لفظ الأمر بنيَ على السكونِ نحو قولك: أكرمْ بزيدٍ و {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 1. وقد مضى ذكر ذا في باب التعجب. وأما الفعل المعرب فقد بينا أنه الذي يكون في أوله الحروف الزوائد التي تسمى حروف المضارعة, وهذا الفعل إنما أُعرب لمضارعته الأسماءَ وشبهه بها, والإِعراب في الأصل للأسماء وما أشبهها من الأفعال أُعرب كما أنه إنما أعرب من أسماء الفاعلين ما جرى على الأفعال المضارعة وأشباهها، ألا ترى أنك إنما تُعمِلُ "ضاربًا" إذا كان بمعنى يفعلُ فتقول: هذا ضاربٌ زيدًا, فإن كان بمعنى "ضرب" لم تعمله, فمنعت هذا العمل كما منعت ذلك الإِعراب, واعلم أنه إنما يدخله من الإِعراب الذي يكون في الأسماء: الرفعُ والنصب، ولا جرَّ فيه، وفيه الجزم وهو نظير الخفض في الأسماء؛ لأن الجَرَّ يخص الأسماء والجزم يخص الأفعال، ونحن نذكرها نوعًا نوعًا بعونِ الله.

_ 1 مريم: 38 والآية: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} .

الأفعال المرفوعة

الأفعال المرفوعة: الفعل يرتفع بموقعهِ موقعَ الأسماءِ، كانت تلك الأسماء مرفوعةً أو مخفوضةً أو منصوبةً، فمتى كان الفعل لا يجوز أن يقع موقعه اسمٌ لم يجزْ رفعه، وذلك نحو قولك: يقومُ زيدٌ ويقعدُ عمرٌو، وكذلك عمرو يقولُ وبكرٌ ينظرُ ومررتُ برجلٍ يقومُ ورأيت رجلًا يقولُ ذاكَ, ألا تَرى أنك إذا قلت: يقومُ زيدٌ جاز أن تجعل زيدًا موضع "يقومُ" فتقول: زيدٌ يفعلُ كَذا, وكذلك إذا قلت: عمرو ينطلق، فإنما ارتفع "ينطلقُ" لأنه وقع موقع "أخوكَ" إذا قلت: زيدٌ أخوكَ فمتى وقع الفعل المضارع في موضع لا تقع فيه الأسماء فلا يجوزُ رفعه, وذلك نحو قولك: لم يقمْ زيدٌ، لا يجوز أن ترفعه لأنه لا يجوز أن تقول: لم زيدٌ فافهَم هذا. واعلم: أن الفعل إنما أُعرب ما أُعرب منه لمشابهته الأسماء، فأما الرفع خاصةً فإنما هو لموقعه موقع الأسماء، فالمعنى الذي رفعت به غير المعنى الذي أعربتَ بهِ.

الأفعال المنصوبة

الأفعال المنصوبة: وهي تنقسم على ثلاثة أقسام: فعلٌ ينصبُ بحرفٍ ظاهرٍ ولا يجوز إضمارهُ، وفعلٌ ينتصبُ بحرفٍ يجوز أن يُضمَر، وفعلٌ ينتصب بحرفٍ لا يجوزُ إظهارهُ، والحروفُ التي تنصبُ: أنْ, ولَن, وكي, وإذن. الأول: ما انتصب بحرف ظاهر لا يجوز إضماره, وذلك ما انتصب بلن وكي, تقول: لن يقومَ زيدٌ ولن يجلسَ، فقولك: لن يفعلَ يعني: سَيفعلُ1، يقول القائل: سيقومُ عمرٌو, فتقول: لَن يقومَ عمرو, وكان الخليل يقول: أصلها لا أَنْ فألزمه سيبويه أن يكون يقدم ما في صلة "أن"2 في قوله: زيدًا لَنْ أضربَ، وليس يمتنع أحد من نصب هذا وتقديمه، فإن كان على تقديره فقد قدم ما في الصلة على الموصول. وأما "كي" فجواب لقولك: لِمه, إذا قال القائل: لِمَ فعلت كذا؟ فتقول: كي يكون كذا ولِمَ جئتني؟ فتقول: كي تعطيَني, فهو مقارب لمعنى اللام إذا قلت: فعلتُ ذلك لِكذا, فأما قول من قال: كيمه في الاستفهام، فإنه جعلها مثل لِمَه، فقياس ذلك أن يُضمر "أنْ" بعد "كي" إذا قال: كي يفعل؛ لأنه قد أدخلها على الأسماء. وكذا قول سيبويه3: والذي عندي أنه إنما قيل: كيمه لَما....4 تشبيهًا, وقد يشبهون الشيء بالشيءِ وإن كان بعيدًا منه.

_ 1 لن: حرف نفي ونصب عند سيبويه يختص "بيفعل" ويفعل بعدها تشعر بالدلالة على ما يأتي من الزمان, فقوله: لن أضرب نفي لقوله: سأضرب. انظر الكتاب 1/ 68 و2/ 304. 2 انظر الكتاب 1/ 407. 3 انظر الكتاب 1/ 408. 4 بياض في الأصل قدره كلمتان.

وأما إذن، فتعمل إذا كانت جوابًا، وكانت مبتدأة ولم يكن الفعل الذي بعدها معتمدًا على ما قبلها, وكان فعلًا مستقبلًا, فإنما يعمل بجميع هذه الشرائط, وذلك أن يقول القائل: أنا أكرمكَ فتقول: إذن أجيئَك, إذن أحسنَ إليكَ, إذن آتيَكَ. فإن اعتمدت بالفعل على شيءٍ قبل "إذنْ" نحو قولك: أنا إذنْ آتيكَ, رفعت وألغيتَ كما تلغى ظننتُ وحسبتُ وليس بشيءٍ من أخواتها التي تعمل في الفعل يُلغى غيرها, فهي في الحروف نظير أرى في الأفعال، ومن ذلك: إن تأتني إذن آتك، لأن الفعل جواب: إنْ تأتني, فإن تم الكلام دونها جاز أن تستأنف بها وتنصب ويكون جوابًا, وذلك نحو قول ابن عَنَمة: ارْدُدْ حِمَارَكَ لا تُنْزَع سَوِيَّتُهُ ... إذنْ يُردَّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ1 فهذا نصبٌ؛ لأن ما قبله من الكلام قد استغنى وتمَّ، ألا ترى أنَّ قوله: اردد حمارَك لا تُنزعْ سويتُه, كلام قد تمَّ, ثم استأنف كأنه أجاب من قال: لا أفعلُ ذاكَ فقال: إذنْ يُردَّ وقَيْدُ العيرِ مكروبُ فإن كان الفعل الذي دخلت عليه "إذنْ" فعلًا حاضرًا لم يجز أن تعمل فيه، لأن أخواتها لا يدخلن إلا على المستقبل وذلك إذا حدثت بحديثٍ فقلت: إذنْ أظنه فاعلًا, وإذن أخالكَ كاذبًا، وذلك لأنك تخبر عن الحال

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 411 على عمل إذن فيما بعدها؛ لأنها مبتدأة والسوية: شيء يجعل تحت البرذعة للحمار كالحلس للبعير، والنزع: السلب وقيد العير مكروب أي: مضيق حتى لا يقدر على الخطو. وجعل الشاعر إرسال الحمار في حماهم كناية عن التحكك بهم والتعرض لمساءتهم. وانظر: المقتضب 2/ 10, وشرح السيرافي 1/ 33, وشرح الرماني 3/ 94، والمفضليات 382, والأصمعيات 267, وابن يعيش 7/ 16, وديوان الحماسة 2/ 148, وشرح الكافية للرضي.

التي أنت فيها في وقت كلامك، فلا تعمل "إذن" لأنه موضع لا تعمل1 فيه أخواتها، فإذا وقعت "إذن" بين الفاء والواو, وبين الفعل المستقبل فإنك فيها بالخيار: إن شئتَ أعملتها كإعمالك أرى وحسبت, إذا كانت واحدةٌ منهما بين اسمين, وإن شئت ألغيت فأما الإِعمال فقولك: فإذنْ آتيكَ، فإذنْ أكرمَكَ قال سيبويه: وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف: {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} 2 وأما الإِلغاء فقولك: فإذن أجيئُكَ، وقال عز وجل: {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} 3. واعلم: أنه لا يجوز أن تفصل بين الفعل وبين ما ينصبه بسوى إذن، وهي تُلغى وتقدم وتؤخر، تقول: إذنْ والله أجيئكَ فتفصل, والإِلغاء قد عرفتك إياهُ وتقول: أنا أفعلُ كذا إذنْ, فتؤخرها وهي ملغاة أيضًا، وإذا قلت: إذنْ عبدُ الله يقولُ ذلكَ، فالرفع لا غير لأنه قد وليها المبتدأ، فصارت بمنزلة "هَلْ" وزعم عيسى: أن ناسًا يقولون: إذن أفعلُ في الجواب4. الثاني: ما انتصب بحرف يجوز إظهاره وإضماره. وهذا يقع على ضربين: أحدهما أن تعطف بالفعل على الاسم، والآخر أن تدخل لامَ الجر على الفعل، فأما الضرب الأول من هذا وهو أن تعطف الفعل على المصدر فنحو قولك: يعجبني ضربُ زيدٍ وتغضبَ, تريد: وأنْ

_ 1 في الأصل "فيها". 2 الإسراء: 76 وقراءة "ولا يلبثوا" بحذف النون شاذة. انظر شواذ ابن خالويه 77. وأما قراءة "خلفك" فهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وأبي بكر، وقرأ الباقون {خِلافَكَ} بالألف انظر "حجة القراءات" ص408 لزنجلة. 3 النساء: 53. وقد قرئ بنصب المضارع في الشواذ, فإذن لا يأتوا الناس. وانظر البحر المحيط 3/ 673, وشواذ ابن خالويه 77. 4 انظر الكتاب 1/ 412.

تغضَب, فهذا إظهار "أنْ" فيه أحسن. ويجوز إضمارها فأنْ مع الفعل بمنزلة المصدر، فإذا نصبت فقد عطفت اسمًا على اسمٍ ولولا أنك أضمرت "أنْ" ما جاز أن تعطف الفعل على الاسم؛ لأن الأسماء لا تُعطف على الأفعالِ, ولا تُعطفُ الأفعالُ على الأسماءِ؛ لأن العطف نظير التثنية فكما لا يجتمع الفعل والاسم في التثنية كذلك لا يجتمعان في العطف, فمما نصب من الأفعال المضارعة لما عطف على اسمٍ قول الشاعر: لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عيني ... أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ1 كأنه قال: للبسُ عباءةٍ وأنْ تقرَّ عيني. وأما الضرب الآخر فما دخلت عليه لام الجر وذلك نحو قولك: جئتُكَ لتعطيني ولتقومَ، ولتذهبَ, وتأويل هذا: جئتُك لأنْ تقومَ, جئتُكَ لأنْ تعطيني ولأن تذهبَ, وإنْ شئتَ أظهرتَ فقلت "لأنَّ" في جميعِ ذلك وإن شئت حذفت "أنْ" وأضمرتها, ويدلك على أنه لا بدّ من إضمار "أنْ" هنا إذا لم تذكرها أن لام الجر لا تدخل على الأفعال, وأن جميع الحروف العوامل في الأسماء لا تدخل على الأفعالِ, وكذلك عوامل الأفعال لا تدخل على الأسماء, وليس لك أن تفعل هذا مع غير اللام، لو قلت: هذا لك بتقوم, تريد بأن تقوم لم يجز، وإنما شاع هذا مع اللام من بين حروف الجر فقط للمقاربة التي بين كي واللام في المعنى.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 426 على إضمار "أن" لأنه لم يكن بد من ذلك، فلم يستقم أن تحمل، وتقر, وهو فعل على "لبس" وهو اسم، والعباءة: جبة من صوف, والشفوف: ثياب رقاق نصف البدن واحدها شف, بكسر الشين وفتحها. والشاهد لميسون بنت بحدل، وانظر المقتضب 2/ 27, والصاحبي 84، وأمالي ابن الشجري 1/ 280, والإنصاف 283, وارتشاف الضرب 810, والمغني 2/ 532, وحياة الحيوان للدميري 2/ 208, وابن يعيش 7/ 25.

الثالث: وهو الفعل الذي ينتصب بحرف لا يجوز إظهاره: وذلك الحرف "أنْ" والحروفُ التي تضمر معها ولا يجوز إظهارها أربعة أحرفٍ: "حتى" إذا كانت بمعنى إلى أنْ، والفاء إذا عطفت على معنى الفعل لا على لفظه, والواو إذا كانت بمعنى الاجتماع فقط، وأو إذا كانت بمعنى إلى "أنْ". شرح الأول من ذلك وهو حتى: اعلم: أن "حتى" إذا وقعت الموقع الذي تخفض فيه الأسماء ووليها فعلٌ مضارع أضمر بعدها "أنْ" ونصب الفعل, وهي تجيء على ضربين: بمعنى "إلى" وبمعنى "كي" فالضرب الأول قولك: أنا أسيرُ حتى أدخلَها والمعنى: أسير إلى أن أدخلَها, وسرت حتى أدخلَها، كأنه قال: سرت إلى دخولِها, فالدخول غايةٌ للسير وليسَ بعلةٍ للسير, وكذلك: أنا أقف حتى تطلعَ الشمسُ، وسرتُ حتى تطلعَ الشمسُ، والضربُ الآخر أن يكون الدخول علة للسيرِ, فتكون بمعنى "كي" كأنه قال: "سرتُ كي أدخلَها" فهذا الوجه يكون السير فيه كان والدخول لم يكن, كما تقول: أسلمت حتى أدخلَ الجنةَ, وكلمته كي يأمر لي بشيءٍ "فَحتَّى" متى كانت من هذين القسمين اللذين أحدهما يكون غاية الفعل وهي متعلقة به, وهي من الجملة التي قبلها, فهي ناصبة وإن جاءت بمعنى العطف فقد تقع ما بعدها جملة, وارتفاع الفعل بعدها على وجهين: على أن يكون الفعل الذي بعدها متصلًا بالفعل الذي قبلها أو يكون منقطعًا منه ولا بدّ في الجميع من أن يكون الفعلُ الثاني يؤديه الفعل الأول, فأما الوجه الأول فنحو قولك: سرتُ حتى أدخلَها، ذكرت أن الدخول اتصل بالسير بلا مهلة بينهما, كمعنى الفاء إذا عطفت بها فقلت: سرت فأنا أدخلَها, وصلت الدخول بالسير، كما قال الشاعر: تُرادى عَلَى دِمْنِ الحِيَاضِ فإنْ تَعَفْ ... فإنَّ المُنَدَّى رِحْلَةٌ فَرُكُوبُ1

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 414 على قوله: فركوب واتصال هذا بهذا كاتصال الدخول بالسير في قولهم: سرت حتى أدخل، أي: كان مني سير فدخول. وترادى: مقلوب تراود، والدمنة: البعر، والتراب يسقط في الماء فيسمى الماء دمنا أيضًا, والمندى: مصدر ميمي، وهو أن ترعى الإبل قليلًا حول الماء، ثم ترد ثانية للشرب. يقول: يعرض عليها بقايا في الحوض وهي الدمن، فإن عافت الشرب وكرهته فليس إلا الرحلة والركوب، والبيت لعلقمة بن عبدة. وانظر: المقتضب 2/ 31, والمخصص 7/ 100, والمفضليات 119، والخصائص 368, والسمط 254, وابن يعيش 6/ 50, واللسان 1/ 418, وشرح الحماسة 2/ 726, والديوان 3.

وينشدُ تراد لم يجعل بين الرحلة والركوب مهلة, ولم يرد أنَّ رحلته فيما مضى وركوبه الآن, ولكنه وصل الثاني بالأول، ومعنى قولي: إنَّكَ إذا رفعتَ ما بعد حتى, فلا بدّ من أن يكون الفعلُ الذي قبلها هو الذي أدى الفعلَ الذي بعدها أن السير به, كان الدخول إذا قلت: سرتُ حتى أدخلَها, ولو لمْ يسرْ لَم يدخلْها، ولو قلت: سرتُ حتى يدخلُ زيدٌ فرفعت "يدخلُ" لم تَجر؛ لأن سيرك لا يؤدي زيدًا إلى الدخول، فإن نصبت وجعلتَها غايةً جازَ فقلت: سرتُ حتى يدخلَ زيدٌ, تريدُ إلى أن يدخل زيدٌ، وكذلك: سرتُ حتى تطلعَ الشمسُ ولا يجوز أن ترفع "تَطلعُ" لأنَّ سيركَ ليس بسببٍ لطلوع الشمسِ وجاز النصب لأن طلوع الشمسِ قد يكون غايةً لسيرك. وأما الوجه الثاني من الرفع: فأن يكون الفعلُ الذي بعد "حتَّى" حاضرًا ولا يراد به اتصاله بما قبله، ويجوز أن يكون ما قبله منقطعًا، ومن ذلك قولك: لقد سرت حتى أدخلها, ما أمنع حتى إني أدخلُها الآن, أدخلُها كيفَ شئت، ومثل قول الرجل: لقد رأى مني عامًا أول شيئًا حتى لا أستطيع أن أكلمه العامَ بشيءٍ. ولقد مَرِض حتى لا يرجونه, إنما يراد أنه الآن لا يرجونه, وأن هذه حاله وقت كلامه, "فحتى" ههنا كحرفٍ من حروف الابتداء, والرفع

في الوجهين جميعًا كالرفع في الاسم؛ لأن حتى ينبغي1 أن يكون الفعل الأول هو الذي أدى إلى الثاني؛ لأنه لولا سيره لم يدخل, ولولا ما رأى منه في العام الأول ما كان, لا يستطيع أن يكلمه العام ولولا المرضُ ما كان، لا يُرجى, وهذه مسألة تبين لك فيما فرق ما بين النصب والرفع، تقول: كان سيري حتَى أدخلُها, فإذا نصبت كان المعنى: إلى أن أدخلَها, فتكون "حتى" وما عملت فيه خبرَ كان، فإن رفعت ما بعد "حتى" لم يجز أن تقول: كان سيري حتَّى أدخلَها؛ لأنك قد تركت "كانَ" بغير خبرٍ، لأن معنى "حتى" معنى الفاء, فكأنك قلت: كان سيري فأدخلها, فإن زدت في المسألة ما يكون خبرًا "لكانَ" جاز، فقلت: كان سيري سيرًا متعبًا حتى أدخلَها وعلى ذلك قرئ: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 2 وحتى يقولُ: مَنْ نصبَ جعلَهُ غايةً، ومَن رفَع جعلَه حالًا3. شرح الثاني: وهو الفاء: اعلم: أن الفاء عاطفة في الفعل كما يعطف في الاسم، كما بينت لك فيما تقدم، فإذا قلت: زيدٌ يقومُ فيتحدث, فقد عطفت فعلًا موجبًا على فعلٍ موجبٍ، وإذا قلت: ما يقومُ فيتحدثَ, فقد عطفت فعلًا منفيًّا على منفيّ، فمتى جئت بالفاء وخالف ما بعدها ما قبلها, لم يجز أن تحمل عليه, فحينئذٍ تحمل الأول على معناه، وينصب الثاني بإضمار "أنْ" وذلك قولك: ما تأتني فتكرمني، وما أزورك فتحدثني, لَم ترد: ما أزورك وما تحدثني، ولو أردت

_ 1 الجملة مضطربة والصواب: لأن حتى ينبغي أن يكون الفعل الأول هو الذي أدى إلى الثاني. انظر الكتاب 1/ 417. 2 البقرة: 214، في سيبويه 1/ 417: وبلغنا أن مجاهدًا قرأ هذه الآية "حتى بقول الرسول" وهي قراءة أهل الحجاز، وقراءة الرفع في هذه الآية سبعية لنافع، انظر: غيث النفع 15، والنشر 2/ 227، والبحر المحيط 2/ 140. 3 الرفع على قوله: فإذا الرسول في حال قول, والنصب على معنى: إلى أن يقول الرسول.

ذلك لرفعت، ولكنك لما خالفت في المعنى فصار: ما أزوركَ فكيف تحدثني، وما أزوركَ إلاّ لم تحدثني، حمل الثاني على مصدر الفعل الأول, وأضمر "أنْ" كي يعطف اسمًا على اسمٍ, فصار المعنى: ما يكون زيارةٌ مني فحديثٌ منكَ. وكذا كلما كان غير واجب نحو الأمر والنهي والاستفهام؛ فالأمرُ نحو قولك: ائتني فأكرِمَكَ, والنهي مثل: لا تأتني فأكرمَكَ, والاستفهام مثل: أتأتني فأعطيَك لأنه إنما يستفهم عن الإِتيان ولم يستفهم عن الإِعطاء، وإنما تضمر "أنْ" إذا خالف الأول الثاني، فمتى أشركت الفاء الفعلَ الثاني بالأول فلا تضمر "أنْ" وكذلك إذا وقعت موقع الابتداء, أو مبنيٌّ على الابتداء. شرح الثالث: وهو الواو: الواو تنصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء, وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الإِشراك بين الفعلِ والفعلِ, وأردت عطفَ الفعلِ على مصدر الفعلِ الذي قبلَها, كما كان في الفاء وأضمرت "أنْ" وتكون الواو في جميع هذا بمعنى "مَع" فقط، وذلك قولك: لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبنَ، أي: لا تجمعْ بين أكلِ السمكِ وشربِ اللبنِ, فإنْ نهاه عن كل واحدٍ منهما على حالٍ قال: ولاَ تشربِ اللبنَ على حالٍ, وتقول: لا يسعني شيءٌ ويعجز عنكَ فتنصبُ, ولا معنى للرفع في "يعجزُ" لأنه ليس يخبر أن الأشياء كلها لا تسعه، وأن الأشياء كلها لا تعجز عنه, إنما يعني: لا يجتمع أن يسعني شيءٌ ويعجز عنك، كما قال: لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ -إذا فَعَلْتَ- عَظِيمُ1

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 424، على نصب "تأتي" بإضمار أن بعد واو المعية, والتقدير: لا يكن منك نهي وإتيان، وهذا البيت مختلف في قائله، فقد نسب إلى المتوكل الكناني، ونسبه سيبويه إلى الأخطل وليس في ديوانه، ونسب إلى أبي الأسود الدؤلي وهو الصحيح. وانظر المقتضب 2/ 26, وحماسة البحتري 173, وشروح الحماسة 2/ 535, ومعاني الفراء 1/ 34, والمؤتلف والمختلف 179، وابن يعيش 7/ 24.

أي: لا يجتمع أن تنهى وتأتي, ولو جزم كان المعنى فاسدًا. ولو قلت بالفاء: لا يسعني شيءٌ فيعجزَ عنكَ كان جيدًا؛ لأن معناه: لا يسعني شيءٌ إلا لم يعجزْ عنكَ ولا يسعني شيءٌ عاجزًا عنكَ. فهذا تمثيلٌ كما تمثلُ: ما تأتيني فتحدثني إذا نصبت بما تأتيني إلاّ لم تحدثني, وبما تأتيني محدثًا, وتنصب مع الواو في كل موضع تنصب فيه مع الفاء، وكذلك إذا قلت: زرني فأزوركَ, تريدُ ليجتمعَ هذان، قال الشاعر: أَلم أَكُ جَارَكُمْ ويَكُونَ بَيْنِي ... وَبَيْنَكُمُ المَوَدَّةُ والإِخَاءُ1 أراد: ألم يجتمعْ هذانِ, ولو أراد الإِفراد فيهما لم يكن إلا مجزومًا, والآية تقرأ على وجهين: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} 2 وإنما وقع النصب في باب الواو والفاء في غير الواجب؛ لأنه لو كان الفعلُ المعطوف عليه واجبًا لم يبنِ الخلاف فيصلحُ إضمارُ "أنْ". شرح الرابع: وهو "أو": اعلم: أن الفعل ينتصب بعدها إذا كان المعنى معنى إلا أن تفعلَ، تقول: لألزمنَّكَ أو تعطيني، كأنه قال: ليكوننَّ اللزومُ والعطيةُ, وفي مصحف أُبي: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} 3 على معنى: إلا أن يُسلموا، أو حتى يسلموا، وقال امرؤ القيس:

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 425 على نصب الفعل "يكون" بإضمار "أن" بعد واو المعية الواقعة بعد الاستفهام، والتقدير: ألم يقع أن أكون جاركم، ويكون بيني وبينكم المودة. والشاهد للحطيئة يقوله لآل الزبرقان بن بدر، وكانوا قد جفوه فانتقل عنهم وهجاهم. انظر المقتضب 2/ 22, والصاحبي 90, والعيني 4/ 417, والهمع 2/ 13, والسيوطي 321, والدرر اللوامع 2/ 10, والديوان 40. 2 آل عمران: 142, وقراءة الجزم من الشواذ، قال ابن خالويه 22 بكسر الميم الحسن، والإتحاف 179, وانظر الكتاب 1/ 426. 3 الفتح: 16 والقراءة برفع يسلمون، أما أو يسلموا فمن الشواذ. انظر ابن خالويه 142.

فَقُلْتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَينُكَ إنَّما ... نُحَاوِلُ مُلْكًا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا1 أي: إلا أن نموت فنعذَرا, فكل موضعٍ وقعتْ فيهِ أو يصلح فيه إلا أنْ وحتى, فالفعل منصوب, فإن جاء فعلٌ لا يصلحُ هذا فيهِ رفعت، وذلك نحو قولك: أتجلس أو تقومُ يا فَتى, والمعنى: أيكون منكَ أحدُ هذينِ؟ وهل تكلمنا أو تنبسطُ إلينا؟ لا معنى للنصبِ هنا، وقال الله عز وجل: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} 2 فهذا مرفوع، لا يجوز فيه النصب؛ لأن هذا موضع لا يصلحُ فيه "إلاّ أنْ".

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 427 على نصب "نموت" بأن مضمرة بعد "أو"، والمعنى: على إلا أن نموت. ولو رفع لكان عربيًّا جائزًا, على وجهين: على أن تعطف على "نحاول"، وعلى أن يكون مبتدأً مقطوعًا من الأول، يعني: أو نحن ممن نموت. وانظر: معاني القرآن 2/ 71, والمقتضب 2/ 28، والخصائص 1/ 63، وأمالي ابن الشجري 2/ 316، وابن يعيش 7/ 22، والخزانة 3/ 609، والديوان/ 91. 2 الشعراء: 73.

شرح القسم الأول: وهو الأحرف الأربعة: لم ولمَّا ولا في النهي ولام الأمر؛ أما لَمْ فتدخلُ على الأفعال المضارعة، واللفظُ لفظُ المضارع والمعنى معنى الماضي، تقولُ: لَمْ يقمْ زيدٌ أمسِ, ولَم يقعدْ خالدٌ, وأما "لَمَّا" لَمْ ضمتْ إليها "مَا" وبنيتْ معها فغيرت حالها كما غيرت لو "ما" ونحوها، ألا تَرى أنكَ تقول: لمّا ولا يتبعها شيءٌ، ولا تقول ذلك في "لَمْ" وجوابُ "لمّا" قد فَعلَ، يقول القائل: لمَّا يفعلْ فيقول: قد فعَلَ, ويقول أيضًا للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره وتقول: لما جئتَ جئتُ، فيصيرُ ظرفًا1، وأما "لا في النهي" فنحو قولِكَ: لا تقمْ ولا تقعدْ, ولفظ الدعاء لفظُ النهي كما كان كلفظِ الأمر تقول: لا يقطع اللهُ يدكَ، ولا يتعس اللهُ جدك، ولا يبعدُ الله غيرَك ولا في النهي بمعنى واحدٍ؛ لأنك إنَّما تأمره أن يكون ذلك الشيء الموجب منفيا, ألا ترى أنَّكَ إذا قلت: قُمْ إنّما تأمره بأن يكون منه قيام, فإذا نهيت فقلت: لا تَقم فقد أردت منه نفي ذلكَ, فكما أنَّ الأمر يراد به الإِيجاب فكذلك النهي يراد به النفي, وأما لام الأمر فنحو قولك: ليقم زيدٌ وليقعدْ عمرٌو ولتقم يا فلانُ، تأمر بها المخاطب كما تأمرُ الغائب, وقال عز وجل: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} 2 ويجوز حذف هذه اللام في الشعر وتعمل مضمرة, قال متمم بن نويرة: علَى مِثْلِ أَصْحَابِ البَعُوضَةِ فَاخْمِشِي ... لَكِ الوَيْلُ حُرَّ الوَجْهِ أو يَبْكِ مَنْ بَكَى3 أراد: ليبكِ, ولا يجوزُ أن تضمر لَمْ وَلا في ضرورة شاعرٍ, ولو أضمرا لالتبس الأمر بالإِيجاب.

_ 1 الذي عليه الجمهور: أنها حرف وجود لوجود، وهي عند المصنف ظرف بمعنى: حين. وانظر المغني/ 310. 2 يونس: 58، وهذه القراءة عشرية، في النشر 2/ 285 روى رويس بالخطاب، وهي قراءة أبي. وانظر الإتحاف/ 252, والبحر المحيط 5/ 172. 3 من شواهد سيبويه 1/ 409 على جزم "يبكي" على إضمار لام الأمر، ويجوز أن يكون محمولًا على معنى: فاخمشي؛ لأنه في معنى لتخمشي، وهذا أحسن من الأول. والبعوضة هنا: موضع بعينه قتل فيه رجال من قوم الشاعر, فحض على البكاء عليهم، ومعنى اخمشي: اخدشي. وانظر: المقتضب 2/ 132, والضرائر/ 84, وأمالي ابن الشجري 1/ 375, والإنصاف/ 276, وابن يعيش 7/ 60, وشروح سقط الزند 3/ 1124, ومعجم البلدان "بعوضة"، والمغني/ 411، والخزانة 3/ 629، والسيوطي 204.

شرح القسم الثاني: وهو حرف الجزاء: اعلَمْ: أنَّ لحرف الجزاء ثلاثة أحوال؛ حالٍ يظهر فيها، وحالٍ يقع موقعه اسم يقوم مقامه ولا يجو أن يظهر معه، والثالث أن يحذف مع ما عمل فيه, ويكون في الكلام دليل عليه. فأما الأول الذي هو حرف الجزاء: فإن الخفيفة, ويقال لها: أم الجزاء وذلك قولك: إن تأتني آتِكَ, وإنْ تقمْ أقم, فقولك: إن تأتني شرط وآتِكَ جوابهُ, ولا بُدَّ للشرطِ من جوابٍ وإلا لم يتم الكلام, وهو نظيرُ المبتدأ الذي لا بُدَّ له من خبر، ألا ترى أنَّك لو قلت: "زيدٌ"1 لم يكن كلامًا يقال فيه صدقٌ ولا كذبٌ، فإذا قلت: منطلقٌ تَمَّ الكلام, فكذلك إذا قلت: إنْ تأتني لم يكن كلامًا حتى تقولَ: آتِكَ وما أشبه وحَقُّ "إن" في الجزاء أن يليها المستقبل من الفعل؛ لأنك إنما تشرط فيما يأتي أنْ يقعَ شيءٌ لوقوع غيره, وإنْ وليها فعل ماضٍ أحالت معناه إلى الاستقبال, وذلك قولك: إنْ قمتَ قمتُ, إنما المعنى: إنْ تَقمْ أقم "فإنْ" تجعل الماضي مستقبلًا، كما أنَّ "لَمْ" إذا وليها المستقبل جعلته ماضيًا, تقول: لم يقمْ زيدٌ أمسِ، والمعنى: ما قام, فعلى هذا يجوز أن تقول: إنْ لَم أَقمْ لَم أَقمْ, فلا بد لشرط الجزاء من جواب, والجواب يكون على ضربين: بالفعل ويكون بالفاء, فالفعل ما خبرتُكَ به, فأما الفاء فنحو قولك: إنْ تأتني فأنا أكرمُكَ, وإنْ تأتِ زيدًا فأخوه يحسن إليكَ, وإنْ تتّقِ الله فأنتَ كريمٌ, فحق الفاء إذا جاءت للجواب أن يُبتدأ بعدها اللام, ولا يجوز أن

_ 1 في الأصل "إن تأتني" وليس لها معنى.

يعمل فيما بعدها شيءٌ مما قبلها، وكذلك قولك: إنْ تأتني فلكَ درهمٌ، وما أشبه هذا، وقد أجازوا للشاعر إذا اضطر أن يحذف الفاء. وأما الثاني: فأن يقع موقع حرف الجزاء اسم، والأسماء التي تقع موقعه على ضربين: اسمٌ غير ظرفٍ واسمٌ ظرف. فالأسماء التي هي غير الظروف: مَنْ ومَا وأيّهم, تقول: مَنْ تكرمْ أكرمْ وكان الأصل: إنْ تكرمْ زيدًا وأشباهَ زيدٍ أكرم فوقعت "مَنْ" لما يعقل, كما وقعت "مَنْ" في الاستفهام مبهمةً لما في ذلك من الحكمة وكذلك: ما تصنعُ أَصنعْ، وأيَّهم تضرب أَضربْ، تنصب أيهم بتضرب؛ لأن المعنى: إنْ تضربْ أيًّا ما منهم أَضربْ ولكن لا يجوز أن تقدم "تضربْ" على "أي" لأن هذه الأسماء إذا كانت جزاءً أو استفهامًا فلها صدور الكلام، كما كان للحروف التي وقعت مواقعها, فكذلك مَنْ وما إذا قلت: مَنْ تكرمْ أكرمْ، وما تصنعْ أَصنعْ, وموضعها نصب وإذا أردت أن تبين مواضعها من الإِعراب فضع موضعها "إن" حتى يتبين لك, وإذا قلت: مَنْ يقمْ أَقم إليه فموضع "مَنْ" رفعٌ؛ لأنها غير معقولة وكذا أيهم يضرب زيدًا أضربه وأيهم يأتني أحسن إليه، وأما "مَهما" فقال الخليل: هي "مَا" أدخلت معها "ما" لغوًا وأبدلوا الألفَ هاء1. قال سيبويه: ويجوز أن تكون كإِذْ ضُمتْ إليها "مَا"2، وأما الظروف التي يجازى بها: فمتى وأينَ وأنَّى وأي حين وحيثُما وإذْ ما, لا يجازى بحيثُ وإذْ حتى يُضم إليهما "مَا" تصير مع كل واحد منهما بمنزلة حرف واحد. فتقول إذا جازيت بهن: متى تأتني آتِكَ وأين تقمْ أَقمْ وأَنى تذهبْ أَذهبْ، وأي حين تصلْ أَصلْ، "فأيُّ" إلى أي شيء أضفتها كانت منه، إن أضفتها إلى الزمان فهي زمانٌ, وإن أضفتها إلى المكان فهي مكانٌ، وتقول: حيثُما تذهبْ أذهبْ، وإذ ما تفعل أفعلْ، قال الشاعر:

_ 1 انظر الكتاب 1/ 433. 2 انظر الكتاب 1/ 433.

إِذْ مَا تَرَيْنِي اليَوْمَ مُزْجى ظعينتي ... أُصَعِّدُ سيرًا في البلادِ وأَفرَعُ فإِنِّيَ مِنْ قَوْمٍ سِواكُم وإِنَّما ... رِجالي فَهْمٌ بالحِجَازِ وأشجعُ1 قال سيبويه: والمعنى: إما2. وإذا, لا يجازى بها إلا في الشعر ضرورةً، وهي توصل بالفعل كما توصل "حيثُ" ويقع بعدها مبتدأٌ، وكل الحروف والأسماء التي يجازى بها فلك أن تزيد عليها "ما" ملغاةً, فإن زدتَ "مَا" على "مَا" لم يحسن حتى تقول: مهما، فيتغيرُ, فأمَّا "حيثما وإذ ما" لا يجازى بهما إلاّ و"مَا" لازمةٌ لهما. واعلم: أن الفعل في الجزاء ليس بعلةٍ لما قبله، كما أنه في حروف الاستفهام ليس بعلة لِمَا قبله. واعلم: أن الفعل إذا كان مجزومًا في الجزاء وغيره, فإنه يعمل عمله إذا كان مرفوعًا أو منصوبًا, تقول: إنْ تأتني ماشيًا أمشِ معكَ, وإن جعلت "تمشي" موضع "ماشيًا" جاز فقلت: إنْ تأتني تمشي أمشِ معكَ، وإن تأتني تضحكُ أَذهبْ معكَ, تريد "ضاحكًا" فإن جئتَ بفعلٍ يجوزُ أن يبدل من فعلٍ ولم ترد الحال جزمت فقلت: إنْ تأتني تمشِ أَمشِ معكَ, وإنَّما جاز البدل لأن المشيَ ضرب من الإِتيان, ولو لَمْ يكن ضربًا منه لم يجز، لا يصلح أن تقول: إنْ تأتني تضحكُ أَمشي معكَ، فتجزم "تضحكُ" وتجعله بدلًا, وقد كنت عرفتك أنَّ جميع جواب الجزاء لا يكون إلا بالفعل أو بالفاء، وحكى الخليل أنَّ "إذا" تكون جوابًا بمنزلة الفاء؛ لأنها في معناها لأن الفاء تصحب الثاني

_ 1 من شواهد سيبويه 10/ 432، على قوله "إذ ما" والفاء في أول البيت الثاني جوابها؛ ولذلك جاء به، والمزجي من أزجيته إذا سقته برفق, والظعينة المرأة في الهودج, والمفرع: المنحدر وهو من الأضداد. وانتمى في النسب إلى فهم وأشجع, وهو من سلول بن عامر؛ لأنهم كلهم من قيس عيلان بن مضر, والبيتان لعبد الله بن همام السلولي. وانظر شرح السيرافي 1/ 80، وأمالي ابن الشجري 2/ 245، وابن يعيش 7/ 52، وكتاب الحدود للرماني/ 61، تحقيق مصطفى جواد. 2 انظر: الكتاب 1/ 432.

الأول وتتبعه إياه، وإذا وقعت لشيءٍ يصحبه وذلك قوله عز وجل: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُون} 1. والمعنى: إنْ أصابتهُم سيئةٌ قَنطوا، ونظيره: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُون} 2، بمنزلة: أم صمتم ولا يجوز: إنْ تأتني لأفعلنّ3, ويجوز: إنْ أتيتني لأكرمنَّك، وإنْ لَم تأتني لأغمنك؛ لأنَّ المعنى: لئن أتيتني لأكرمنَّك فما حسن أن تدخل اللام على الشرط فيه, حسن أن يكون الجواب لأَفعلنَّ، وما لم يحسن في الشرط اللام لم يحسنْ في الجواب؛ لأنَّ الجواب تابعٌ فحقه أن يكون على شكل المتبوع، ولا يحسن أن تقول: لإِنْ تأتني لأَفعلنَّ, فلما قبح دخول اللام في الشرط قَبح في الجواب، ولو قلت ذاك أيضًا لكنت قد جزمت "بإنْ" الشرط وأتيت بجوابها غير مجزومٍ ويجوز أن تقول: "آتيكَ إنْ تأتني" فتستغني عن جواب الجزاء بما تقدم ولا يجوز: إن تأتني آتيكَ إلاّ في ضرورة شاعرٍ على إضمار الفاء، وأما ما كان سوى "إن" منها فلا يحسن أن يحذف الجواب، وسيبويه يجيز: إنْ أتيتني آتِكَ وإنْ لم تأتني أَجزكَ؛ لأنه في موضع الفعل المجزومِ4، وينبغي أن تعلم أنَّ المواضع التي لا يصلح فيها "إنْ" لا يجوز أن يجازى فيها بشيءٍ من هذه الأسماء ألبتة؛ لأن الجزاء في الحقيقة إنما هو بها، إذا دخل حرف الجر على الأسماء التي يجازى بها لم يغيرها عن الجزاء، تقول: على أي دابةٍ أحمل أَركبه, وبِمَنْ تؤخذْ أوْ خذ به, وإنما قدم حرف الجرِّ للضرورة لأنه لا يكون متعلقًا بالمفعول. فإن قلت: بمَنْ تَمرُّ بهِ أمرُّ وعلى أيهم تنزل عليه [أنزلُ] 5، رفعت وصارت بمعنى الذي, وصارت الباء الداخلة في "مَنْ" لأمرَّ والباء في "بهِ" لتَمرَّ، وقد يجوز أن تجزم بمَنْ تَمررْ

_ 1 الروم: 36، وانظر الكتاب 1/ 435. 2 الأعراف: 193، وانظر الكتاب 1/ 435. 3 من قبل أن "لأفعلن" تجيء مبتدأ, ألا ترى أن الرجل يقول: لأفعلن كذا وكذا. انظر: الكتاب 1/ 436. 4 انظر الكتاب 1/ 437. 5 أضفت كلمة "أنزل" لإيضاح المعنى.

أَمررْ، وأنت تريد "بهِ" وهو ضعيفٌ وتقول على ذلك: غلامَ مَنْ تضربْ أضربه، قدمت الغلام للإِضافة كما قدمت الباء وهو منصوب بالفعل، ولكن لا سبيل إلى تقديم الفعل على "مَنْ" في الجزاء والاستفهام. وأما الثالث: الذي يحذف فيه حرف الجزاء مع ما عمل فيه وفيما بقي من الكلام دليل عليه وذلك إذا كان الفعل جوابًا للأمر والنهي أو الاستفهام أو التمني أو العرض تقول: آتني آتِكَ فالتأويل: ائتني فإِنَّك إنْ تأتني آتِكَ، هذا أمرٌ، ولا تفعلْ يكنْ خيرًا لكَ, وهذا نهيٌ والتأويل لا تفعلْ فإِنَّكَ إن لا تفعلْ يكن خيرًا لكَ، وإلا تأتني أُحدثك وأينَ تكون أزرك, وألا ماءَ أشربهُ, وليته عندنا يحدثْنَا فهذا تمنٍّ, ألا تنزل تُصب خيرًا وهذا عرضٌ, ففي هذا كلِّه معنى "إنْ تفعلْ" فإن كان للاستفهام وجه من التقدير لم تجزم جوابهُ1. ولا يجوز: لا تدنُ من الأسدِ, فإنَّكَ إن تدنُ مِنَ الأسدِ يأكلكَ, فتجعل التباعد من الأسد سببًا لأكلكَ, فإذا أدخلت الفاء ونصبت جاز فقلت: لا تدنُ منَ الأسد فيأكلَكَ؛ لأنَّ المعنى لا يكونُ دنوٌّ ولا أَكلٌ, وتقول: مُرْهُ يحفرْها وقل له: يقل ذاك فتجزم، ويجوز أن تقول: مُرْهُ يحفرُها، فترفعُ على الابتداءِ، وقال سيبويه: وإن شئتَ على حذف "أنْ" كقوله: ألا أيُّهَا الزَّاجري احْضر الوَغى2

_ 1 انظر الكتاب 1/ 451. 2 من شواهد سيبويه 1/ 452، على رفع الفعل بعد حذف "أن" وتعري الفعل منها، وقد يجوز النصب بإضمار "أن" ضرورة وهو مذهب الكوفيين. وهذا صدر بيت عجزه: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي والوغى: الحرب، وأصله الأصوات التي تكون فيها, والشهود: الحضور, والبيت من معلقة طرفة بن العبد. وانظر: المقتضب 2/ 85، ومجالس ثعلب/ 383، والصاحبي/ 104، وأمالي ابن الشجري 1/ 83، والمحتسب 2/ 338، والإنصاف/ 296، والديوان/ 27.

وعسينا نفعلُ كذا، وهو قليل1، وقد جاءت أشياء أنزلوها بمنزلة الأمرِ والنهي، وذلك قولهم: حسبُكَ ينمُ الناسُ، واتقى الله امرؤٌ وفعلَ خيرًا يُثَبْ عليهِ.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 452.

باب إعراب الفعل المعتل اللام

باب إعراب الفعل المعتل اللام: اعلم: أن إعراب الفعل المعتل الذي لامهُ ياءٌ أو واوٌ أو ألفٌ مخالفٌ للفعل الصحيح، والفرق بينهما أن الفعل الذي آخره واوٌ أو ياءٌ نحو: يغزو أو يرمي تقول فيهما: هذا يغزو ويرمي, فيستوي هو والفعل الصحيح في الرفع في الوقت, كما تقول: هو يقتلُ ويضرب فإن وصلت خالف يقتل ويضرب, فقلت: هو يغزو عمرًا, ويرمي بكرًا فتسكن الياء والواو, ولا يجوز ضمها إلا في ضرورة شَاعرٍ, فإن نصبت كان كالصحيح فقلت: لنْ يغزوَ ولَنْ يرميَ, وإنما امتنع من ضم الياء والواو لأنها تثقل فيهما, فإن دخل الجزم اختلفا في الوقف والوصل فقلت: لم يغزُ ولَم يرمِ, فحذفت الياء والواو, وكذلك في الوصل تقول: لم يغزُ عمرًا ولم يرمِ بكرًا، وإنما حذفت الياء والواو في الجزم إذا لم تصادف الجازم حركة يحذفها, فحذفت الياء والواو لأن الحركة منهما وليكون للجزم دليل. والأمر كالجزم تقول: ارمِ خالدًا واغزُ بكرًا فتحذف في الوقف والوصل إلا أنكَ تضم الزايَ من "يغزو" وتكسر الميم من "يرمِي" إذا وصلتَ. فيدلان على ما ذهبَ للجزمِ والوقفِ، وإنما تساوى الوقف في الأمر للجزم؛ لأنهما استويا في اللفظ الصحيح, فلما كان ذلك في الصحيح على لفظٍ واحدٍ جعلوا المعتل مثل الصحيح فقالوا: ارمِ واغزُ، كما قالوا: لم يرمِ ولَم يغزُ, وقالوا: اضربا واضربوا، كما قالوا: لم يضربا، ولم يضربوا.

مسائل من سائر أبواب إعراب الفعل

مسائل من سائر أبواب إعراب الفعل: تقول: انتظرْ حتى إن يقسمْ شيءٌ تأخذْ، تجزم "تأخذْ" لأنه جوابُ لقولك: إنْ يقسمْ وانتظرْ حتى إن قسم شيءٌ تأخذْ, تنصبُ "تأخذ" إن شئت على حتَّى تأخذَ إن قسمَ, وإنْ شئتَ جزمت "تأخذ" فجعلته جوابًا لقولك: إنْ قسَم هذا قول الأخفش, وقبيح أن تفصل بين حتى وبينَ المنصوب قال: ومما يدلُّكَ على أنه يكون جوابًا ولا يحمل على "حتى" أنك تقول: حتى إنْ قسم شيءٌ أخذتُه يعني أنه معلقٌ بالجواب, فلا يرجعُ إلى "حتى" ألا ترى أنك لا تقول: حتى أخذت إنْ قُسِمَ شيءٌ وتقول: اجلسْ حتى إنْ يقلْ شيئًا فتسمعه تجبْنَا, جزمٌ كله ولا يجوز أن تنصب "تُجبنا" على حتى؛ لأن قولك: إن تفعلُ مجزومٌ في اللفظ فلا بد من أن يكون جوابه مجزومًا في اللفظ, وتقول: أَقم حتّى تأكلْ معَنا وأَقم حتى إيانا يخرجْ تخرجْ معَهُ, فأيُّ مبتدأٌ لأنها للمجازاة وحتى معلقةٌ, وكذلك اجلسْ حتى إنْ يخرجْ تخرجْ معَهُ, وانتظر حتى مَن يذهبْ تذهبْ معهُ, "فَمن" في موضعِ رفعٍ, واجلس حتى أَيًّا يأخذْ تأخذْ معهُ "أيا" منصوبة "بتأخذ" وتقولُ: أقم حتى أي القومِ تعط يعْطكَ, تعمل في "أي" ما بعدها, ولا تعمل فيها ما قبلها, وتقول: اجلس حتى غلامَ مَنْ تَلق تُكرمْ تنصب الغلام "بتلق" واجلس حتى غلامُ مَنْ تلقه تكرمْ, ترفع الغلام على الابتداء, ولو أن "حَتَّى" تكون معلقة في شيءٍ ما جاز دخولُها ههُنا لأن حرف1 الجزاء إذا دخل عليه عاملٌ أزالهُ عن حرف الجزاء, ألا ترى أنك تقول: مَنْ يزرنا نزرْهُ فيكون مرفوعًا بالابتداء وتكون للجزاء وذلك لأنَّ حال الابتداء كحالِ "إنْ" التي للجزاء, والشرط نظيرُ المبتدأ, والجوابُ نظيرُ الخبر. قال الأخفش: ومما يقوي "مَنْ" إذا كانت مبتدأة على الجزاء أنْ "إنْ" التي للجزاء تقع موقعها، ولو أدخلت إنَّ المشددة على "مَنْ" لقلت: إنَّ مَنْ

_ 1 في الأصل "الحرف".

يزورنا نزورهُ؛ لأنَّ المجازاة لا تقع ههنا فإن قلت: فَلِمَ لا تعملُ إنَّ في "مَنْ" وتدعها للمجازاة كما أعملت إنَّ الابتداء؟ فلأن "إنْ" التي للمجازاة لا تقع ههنا لأن إنَّ المشددة توجب بها والمجازاة أمرٌ مبهمٌ, يعني أنه لا تقع "إنْ" التي للمجازاة بعد "أنَّ" الناصبة، والمجازاة ليست بشيءٍ مخصوص إنما هي للعامة وإن الناصبة للإِيجاب, وكذلك: ليت مَنْ يزورنا نزورُه, ولعلَ وكانَ وليسَ لأنك إذا قلت: مَنْ يزورُنا نزوره، وما تعطي تأخذْ فأنتَ تبهمُ ولا توضحُ, وهكذا يجيءُ الجزاءُ بمَنْ وأخواتها, فإن أوضحت منه شيئًا بصلةٍ ذهبَ عنه هذا العملُ وجرى مجرى "الذي" وتقول: سكتَ حتى أردنا أن نقومَ, تقول: افعلوا كذا وكَذا, فترده على جواب "إذا" ولو رددته على حتى جاز على قبحه وحقُّ "حَتى" أن لا تفصل بينها وبين ما تعمل فيه, وتقول: لا واللهِ حتى إذا أمرتُك بأَمرٍ تطيعني, ترفع جواب "إذا" وإن شئتَ نصبت على "حتى" على قبحٍ عندي، إلا أن الفصل بالظرف أحسن من الفصل بغيره. وتقول: لا والله حتى إنْ أَقلْ لكَ: لا تشتمْ أَحدًا لا تشتمه. ولا تشتمهُ جوابُ "إنْ أَقلْ لك" فلا يكون فيه النصبُ؛ لأنه لا يرجع إلى: حتى لا والله وإذا قلت لكَ: اركبْ تركب يا هذا, تنصبُ "تركب" على أو وفصلت بالظرف والفصل بالظرف أحسنُ من الفصل بغيره، أردت: ولا واللَّه أو تركب, إذا قلت لكَ اركبْ ومَنْ رفع ما بعد "أوْ" في هذا المعنى رفع هذه المسألة وتقول: تسكت حتى إذا قلنا: ارتحلوا لا يذهب الليلُ تخالفْنا فلا تَذهبْ، "تذهبُ" معطوفٌ على "تخالفنا" وحتى إن نقل: ايتِ فلانًا تصبْ منهُ خيرًا لا تأتهِ، فتصب خيرًا جزمٌ على جواب ايتِ ولا تأته جواب "إنْ نقلْ". وتقول: لئن جئتني لأكرمنّكَ, الأولى توكيدٌ والثانية لليمين, ولا يجوز بغير النون ولئن جئتني لإِليكَ أقصدْ ولإِيّاك أكرمْ، ولا تنون أكرمْ لأن اللام لم تقع عليه ولو وقعت عليه فقلتَ: لأكرمنّكَ وكذلكَ: لئن جئتني لأكفلن بكَ، وفي كتابِ اللهِ عز وجل: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 1 لما وقعت اللام

_ 1 آل عمران: 158.

على كلام مع الفعل لم تدخله النون, وكذلك: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 1 وكذلك لئن جئتني لأهلٌ، وكذلك: ولئن وصلتك للصلة أنفعُ لك. قالَ الأخفش: المعنى: والله للصلة أنفعُ وإنْ وصلتكَ، كما أن قولك: لئن جئتني لأكرمنكَ، إنما هي: والله لأكرمنك إنْ جئتني, قال: واللام التي في "لئن جئتني" زائدة وقوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} 2 على معنى اليمين، كأنه قال والله أعلَم: واللهِ لمثوبةٌ مِن عندِ الله خيرٌ لَهم ولو آمنوا وقال لا تقول: إنَّ زيدًا لقامَ وتقولُ: إنَّ زيدًا إليكَ كفيلٌ, وإن زيدًا لهُ ولك منزلٌ؛ لأنَّ اللام لا تقع على فعلٍ، فإذا كان قبلَها كلامٌ ضممتهُ معها جاز دخول اللام, وتقول: سرت حتى أدخلُ أو أكادُ ترفعهما جميعًا لأنك تقول: حتى أكادُ والكيدودة كائنةٌ, وكذلكَ سرت حتى أدخلَها أو أقرب منها لأنه قد كان القرب أو الدخول وكذلك: سرتُ حتى أكاد أو أدخلُ, وأشكلَ عليَّ كُلُّ شيءٍ حتى أظن أني ذاهبُ العقلِ، فجميع هذا مرفوع لأنه فِعلٌ واجبٌ وهو فيه, قال الجعدي: ونُنْكِرُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَلْوانَ خَيْلِنَا ... مِنَ الطَّعنِ حَتى تحسبَ الجونَ أشقرا3 قال: يجوز في "تحسب" الرفع والنصب، والرفع على الحال, والنصب على الغاية وكأنكَ أردت إلى أن تحسب، وحكى الأخفش أن النحويين ينصبون إذا قالوا: سرتُ أكادَ أو أدخل يا هذا، ينصبون الدخول ويقولون:

_ 1 آل عمران: 157. 2 البقرة: 103. 3 الشاهد فيه رفع "تحسب" ونصبها، فالنصب على الغاية، كأنك أردت إلى أن تحسب. والبيت للنابغة الجعدي في مدح الرسول, صلى الله عليه وسلم. وانظر: معاني القرآن 1/ 134، والأغاني 14/ 129، ومعجم المرزباني/ 321، والإصابة/ 8633، وشرح السيرافي 1/ 426.

الفعلُ لم يجبْ, والكيدودة قد وجَبَتْ. قال: وهذا عندي يجوز فيه الرفع، يعني الدخول؛ لأنه في حال فعل إذا قلت: حتى أكاد, يعني إذا كنت في حال مقاربة، و"حتى" لا تعملُ في هذا المعنى, إنما تعمل في كل فعل لم يقع بعد، والكيدودةُ قد وقعتْ وأنت فيها, وتقول: الذي يأتيني فَلهُ درهم, والذي في الدارِ فلَهُ درهم, فدخولُ الفاء لمعنى المجازاة ولا يجوزُ: ظننتَ الذي في الدار فيأتيك. تريد: ظننتُ الذي في الدار يأتيك, والأخفش يجيزه على أن تكون الفاء زائدة وقال: قول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} 1 ولكن زدت "إن" توكيدًا، وقالَ: لو قلت: إن هذا لا يجوز أن يكون في معنى المجازاة كان صالحًا؛ لأنك إذا قلت: إن الذي يأتينا فلهُ درهم، فمعناه: الذي يأتينا فله درهم, ولا يحسن ليتَ الذي يأتينا فلَهُ درهم, ولا لعل الذي يأتينا فنكرمُه؛ لأنَّ هذا لا يجوز أن يكون في معنى المجازاة، ولا يحسنُ "كأنَّ الذي يأتينا فلَهُ درهم" لأن معنى الجزاء إنما يكون على ما يأتي لا على ما كان، فإن قدرت فيه زيادة الفاء جاز على مذهب الأخفشِ.

_ 1 الجمعة: 8.

فصل يذكر فيه قل وأقل

فصل يذكر فيه قَلَّ وأقلّ: اعلم: أنَّ قَلَّ: فعلٌ ماضٍ، وأقلَّ: اسم، إلاّ أن أقلّ رجل قد أَجروه مجرى قَلَّ رجل، فلا تدخل عليه العوامل، وقد وضعته العرب موضع "ما" لأنه أقرب شيءٍ إلى المنفي القليل، كما أن أبعد شيء منه الكثير، وجعلت "أقلَّ" مبتدأةً صدرًا إذا جُعلتْ تنوبُ عن النفي، كما أن النفيَ صدرٌ فلا يبنونَ أقلَّ على شيءٍ، فتقول: أقلّ رجلٍ يقول ذاك، ولا تقولُ: لَيتَ أقلَّ رجلٍ يقول ذاك، ولا لعل ولا إنَّ، إلا أن تضمر في "إنَّ" وترفع أقلّ بالابتداء، قال الأخفش: هو أيضًا قبيحٌ؛ لأن أقلَّ رجلٍ يجري مجرى:

قَلَّ رجلٍ, وربُّ رجلٍ، لو قلت: كان أقلُّ رجلٍ يقولُ ذاكَ فرفعت "أقلّ" على "كانَ" لم يجز ولكن تضمر في "كانَ" وترفع أقلَّ على الابتداء، وأقلُّ رجلٍ وقلَّ رجلٌ قد أجروه مجرى النفي، فقالوا: أقلُّ رجلٍ يقولُ ذاكَ إلا زيدٌ وقال سيبويه: لأنه صار في معنى: ما أحَدٌ فيهما إلا زيد1، وقال: وتقولُ: قلَّ رجلٌ يقولُ ذاك إلا زيدٌ، فليس زيدٌ بدلًا من الرجل في "قَلَّ" ولكن: قَلَّ رجلٌ في موضعِ أقلّ رجلٍ, ومعناه كمعناه وأقل رجل مبتدأ مبني عليه, والمستثنى بدل منه لأنك تدخله في شيءٍ يخرج من سواه. قال: وكذلك: أقلُّ مَنْ, وقَلُّ مَنْ، إذا جعلت "مَنْ" بمنزلة رجلٍ. حدثنا بذلك يونس عنِ العرب2 يجعلونه نكرةً كما قال: رُبَّما تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنَ ... الأمرِ لهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ3 يريد أنَّ "رُبَّ" دخلت على "مَا" وهي لا تدخلُ إلا على نكرةٍ، فتنكيرُ "مَا" كتنكير "مَنْ" قالَ: وتقولُ: قَلَّ ما سرتُ حتى أدخلُها، مِنْ قبل أنَّ قَلَّما نفي لقوله كَثُرَ مَا, كما أنَّ ما سرتُ نفي لقوله: سرتُ، ألا ترى أنه قبيح أن تقول: قلما سرتُ فأدخلها، كما يقبح في ما سرت إذا أردت معنى, فإذا أنا أدخل، إنما قبحه لأنه إذا لَمْ يكن سيرٌ, لم يكن دخولٌ, فكذلك قلّما لَمّا أُريدَ بها النفي كان حكمُها حكم قالَ, وتقولُ: قلَّما سرت فأدخلها, فانتصب بإلغائها هنا كما تنصبُ فيما قال. وتقول: قلّما سرت، إذا عنيت سيرًا واحدًا,

_ 1 انظر الكتاب 1/ 361. 2 انظر الكتاب 1/ 361. 3 من شواهد سيبويه 1/ 270 و1/ 362 على أن "ما" نكرة لوقوعها بعد "رب"، وقيل: إن "ما" هنا غير كافة لأن الضمير قد عاد عليها من قوله: له فرجة. والفرجة بالفتح في الأمر، وبالضم في الحائط ونحوه مما يرى. ونسب سيبويه هذا الشاهد إلى أمية وهو في ديوانه/ 50, وقد ورد في شعر عبيد بن الأبرص في ديوانه/ 36. وانظر: المقتضب 1/ 42, وأمالي ابن الشجري 2/ 238, وابن يعيش 4/ 2, وارتشاف الضرب/ 264, والمغني 1/ 297, والسيوطي/ 359, والخزانة 2/ 541.

أو عنيت غير سيرٍ، كأنك قد تنفي الكثيرَ من السيرِ الواحدِ، كما تنفيه من غير سيرٍ, يريدُ بقولِه: من غير سيرٍ أي: سيرًا بعد سيرٍ, قالَ الأخفش: الدليلُ على أن أقلَّ رجلٍ يجري مجرى رُبَّ وما أشبهها أنَّك تقول: أقلَّ امرأةٍ تقولُ ذاك فتجعلُ اللفظَ على امرأة, وأقلَّ امرأتين يقولان ذاكَ، فينفي أقلَّ، كأنه ليس له خبر، ولا تحمله إلا على الآخر، يعني: لا تحمل الفعلَ إلا على الذي أضفت إليه أقلَّ, فهذا يدل على أنه لا يشبه الأسماء, يعني إذا كان الخبر يجيء على الثاني وكذلك: أقلُّ رجال يقولون ذاك، ولا يحسن, كذلك لو قلت: أقَلُّ رجلينِ صالحانِ لم يُحسنْ, ولا يحسنُ من خبره إلا الفعل والظرف, أقلُّ رجلين صالحين في الدار وأقلُّ امرأةٍ ذاتُ جمةٍ في الدار, وأقلُّ رجلٍ ذي جمةٍ في الدار, كان جيدًا، ولو ألغيت الخبر كان مذهبه كمذهب "رُبَّ" فإنْ قلت: فما لي إذا قُلت: قلَّ رجلٌ يقولُ ذاك، وقَلّ رجلٌ قائلٌ ذاكَ, وهو صفة لا يجوز حذفه؛ فلأنك إنما قللتَ الموصوفين ولم تقللِ الرجال مفردين في الوصف، ألا ترى أنك لا تقول: قلّ رجلٌ قائلٌ ذاك إلا وأنت تريد القائلين ولست تريد أن تقلل الرجال كلهم.

فصل من مسائل الدعاء والأمر والنهي

فصل من مسائل الدعاء والأمر والنهي: اعلم: أن أصل الدعاء أن يكون على لفظ الأمر وإنما استعظم أن يقال: أمرٌ، والأمر لمن دونَك، والدعاء لمن فوقك, وإذا قلت: اللهم اغفر لي فهو كلفظك إذا أمرت فقلت: يا زيدُ أكرم عمرًا وكذلك إذا عرضت فقلت: انزل, فهو على لفظ اضربْ, وقد يجيء الأمر والنهي والدعاء على لفظ الخبر إذا لم يلبس, تقول: أطالَ الله بقاءهُ, فاللفظُ لفظ الخبر والمعنى دعاءٌ ولم يلبسْ لأنك لا تعلم أنّ الله قد أطالَ بقاءهُ لا محالة, فمتى أُلبسَ شيءٌ مِنْ ذَا بالخبر لم يجز حتى يبينَ, فتقول على ذا: لا يغفر الله لَهُ ولا يرحمهُ, فإن قلت: لا يغفرُ الله لَهُ ويقطعُ يدهُ لم يجز أن تجزم "يقطعُ" لأنهُ لا يشاكل الأول؛ لأنَّ الأول دعاءٌ عليه, وإذا جزمتَ "يقطعُ" فقد أردت: ولا يقطعُ الله, فهذا دعاء له فلا يتفق المعنى. وإذا لم يتفق لم يجز النسق،

وكذلك إذا قلت: ليغفر الله لزيدٍ ويقطعُ يَدهُ، لم يجز جزم "يقطعُ" لاختلاف المعنى, ولكن يجوز في جميع ذا الرفع, فيكون لفظه لفظ الخبر, والمعنى الدعاءُ وإذا أسقطت اللام ولا رفعت الفعلَ المضارع فقلت: يغفرُ الله لكَ وغفَر الله لكَ, وقال الله عز وجل: {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} 1، وقال: {فَلا يُؤْمِنُوا} 2، وقال الله تبارك وتعالى: {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} 3 باللام. وقال قوم: يجوزُ الدعاءُ بلَنْ، مثل قوله: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} . وقال الشاعر: "لن تَزالوا كذلكم ثُم لا زلـ ... ـتَ لهم خالدًا خُلُود الجبال"4 والدعاء "بلَنْ" غير معروف، إنما الأصلُ ما ذكرنا، أن يجيء على لفظ الأمر والنهي، ولكنه قد تجيء أخبار يقصدُ بها الدعاءُ إذا دلت الحالُ على ذلكَ, ألا ترى أنك إذا قلت: "اللهم افعلْ بنَا" لَم يحسنْ أن تأتي إلا بلفظ الأمر, وقد حكى قوم: اللهم قطعت يده وفقئت عينهُ, قال الشاعر: لا هم ربَّ الناس إن كذبت ليلى ... ..............................5 وإن قدمتَ الأسماءَ فقلتَ: زيدٌ قطعتْ يده كانَ قبيحًا؛ لأنه يشبهُ الخبرِ وهو جائزٌ إذا لم يشكل, وإذا قلت: زيدٌ ليقطع الله يده كانَ أمثلَ؛ لأنهُ غيرُ

_ 1 يوسف: 92، والآية: قال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} . 2 يونس: 88، والآية: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} . 3 يونس: 88، وتكملتها: {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} . 4 الشاهد فيه خروج الفعل بعد "لن" للدعاء، ولا تقع "لن" دعائية خلافًا للمصنف ومن ذهب مذهبه، ودليلهم على ذلك قوله تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} . إن معناه: فاجعلني لا أكون, والشاهد للأعشى من قصيدة طويلة يمدح فيها الأسود بن المنذر. وانظر: ارتشاف الضرب/ 246, والمغني 1/ 284, والتصريح 2/ 230، والسيوطي/ 684, وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاوي/ 11, والهمع 2/ 4، والدرر اللوامع 2/ 3. 5 لم أتبين هذا البيت؛ لأنه غير واضح في الأصل.

ملبسٍ وهو على ذلك اتساعٌ في الكلام؛ لأن المبتدأ ينبغي أن يكون خبره يجوزُ فيه الصدق والكذب, والأمر والنهي ليسا بخبرين والدعاء كالأمر, وإنما قالوا: زيدٌ قم إليه وعمرٌو اضربْهُ اتساعًا كما قالوا: زيدٌ هَلْ ضربتَهُ، فسدّ الاستفهام مسد الخبرِ وليس بخبر على الحقيقة وقال: إذا أجزت افعلْ ولا تفعل أمروا ولم ينهُوا، وذلك في المصادر والأسماء والأدوات, فتقول: ضربًا ضربًا والله، تريد: اضربْ ضربا واتقِ الله, وهلمَّ وهاؤم إنما لم يجز في النهي؛ لأنه لا يجوز أن يضمر شيئان لا والفعل، ولو جاءوا "بلا" وحدها لم يجز أيضًا أن يحال بين "لا" والفعل؛ لأنها عاملةٌ وتقولُ: ليضرب زيدٌ وليضرب عمرو وتقولُ: زيدًا اضربْ, تنصبُ زيدًا "باضربْ" وقال قوم: تنصبُ زيدًا بفعل مضمر، ودليلهم على ذلك أنك تدخلُ فيه الفاء فتقول: زيدًا فاضربْ, وقالوا: إنَّ الأمر والنهي لا يتقدمهما منصوبهما؛ لأن لهما الاستصدارَ والذين يجيزونَ التقديم يحتجون بقول العربِ: بزيد امرر ويقولون: إن الباءَ متعلقة بامرر ولأنه لا يكون الفعل فارغًا وقد تقدمه مفعوله ويضمرون إذا شغلوا نحو قولهم: زيدًا اضربْه, ولهذا موضع يذكر فيه إن شاء الله. وتقول: ضربًا زيدًا، تريد: اضربْ زيدًا, وقوم يجيزون ضرب زيد وأنت تريدُ: ضربًا زيدًا ثم تضيف, وهذا عندي قبيحٌ لأن ضربًا قامَ مقامَ اضربْ واضربْ لا يضاف، والألفُ في الأمر تذهب إذا اتصلت بكلام نحو قولك: اضربْ اضربْ, واذهبْ اذهبْ، ويقولون: ادخلْ ادخلْ, واذهبْ ادخلْ, ويختارون الضم إذا كانت بعد مضمومٍ والكسر جائزٌ, تقول: اذهبْ ادخلْ. وقد حكوا: ادخلِ الدارِ للواحدِ على الإِتباع وهو رديءٌ لأنه ملبسٌ1, وقالوا: يجوز الإِتباع في المفتوح مثل قولك: اصنع الخير. وقالوا: لا نجيزهُ ولم نسمعْهُ لأنّا قد سمعناهُ إذا حرك، نحو قول الشاعر: يَحسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما2

_ 1 يلتبس في حالة التثنية نحو: ادخلا الدار. 2 من شواهد سيبويه 2/ 152 على تأكيد الفعل المنفي بلم بالنون, وهو صدر بيت عجزه: شيخًا على كرسيه معمما يعلما: أصله "يعلمن" بالنون الخفيفة قلبت ألفًا. ومعمما من عممت الرجل: ألبسته العمامة، أو عمم الرجل: سود؛ لأن العمائم تيجان العرب. وقد ظن الشنتمري أن الراجز وصف جبلًا قد عمه الخصب وحفه النبات وملأه فجعله كشيخ معمم، والواقع أنه في وصف رغوة اللبن. والرجز ينسب إلى المساور العبسي، وإلى العجاج، وإلى أبي حيان الفقعسي وإلى عبد بني عبس. وانظر نوادر أبي زيد/ 13, ومجالس ثعلب/ 620, وأمالي الزجاجي/ 120, وابن يعيش 9/ 42, والإنصاف/ 347, وأمالي ابن الشجري 1/ 384, وارتشاف الضرب/ 382.

وقوله: أَجِّره الرُّمْحَ ولا تُهالَهْ1 لما كان قبله فتحٌ اتبع. فأما قول القائل: ما لَمْ يعلَما, فقد قيلَ فيه: إنهُ يريدُ النونَ الخفيفة، وأما قولُه: لا تُهالِه فإنه حركَ اللام لالتقاء الساكنين؛ لأنه قد علم أنه لا بد من حذفٍ أو تحريكٍ، وكان الباب هُنا الحذف وأن تقولَ: لا تهل ولكن فعلَ ذلك من أجل القافية؛ لأن الألف لازمةٌ لحرف الروي فرده إلى أصله فالتقى ساكنان، الألف واللام التي أسكنت للجزم فحرك اللام بالفتح لفتحة ما قبلها ولما منه الفتح وهي الألف وأدخل الهاءَ لبيان الحركة، وتقولُ: زرني ولأزركَ، فتدخل اللام؛ لأن الأمر لكَ, فإذا كان المأمور مخاطبًا

_ 1 عجز بيت، وصدره: إيها فداء لك يا فَضَالَهْ ... أجره الرمح....... وهو في نوادر أبي زيد منسوب إلى راجز لم يسمه، وأجره: اطعنه فيه؛ لأن الإجراء الطعن في الفم, ولا تهاله أراد: لا تهل بالجزم على البناء للمجهول، أي: لا يفزعك شيء, والهاء للوقف. وانظر: نوادر أبي زيد/ 13، والمقتضب 3/ 168, وسر صناعة الإعراب 1/ 92، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 14، والاشتقاق/ 321، وشرح المفضليات للأنباري/ 57، والحجة لأبي علي 1/ 50، والارتشاف/ 383، وشرح سقط الزند 3/ 969، وابن يعيش 4/ 72، واللسان 3/ 510، والاقتضاب للبطليوسي/ 345.

ففعلهُ مبني غير مجزومٍ، وقد بينا هذا فيما تقدم, وقوم من النحويين1 يزعمون أنَّ هذا مجزومٌ، وأن أصل الأمرِ أن يكونَ باللامِ في المخاطب، إلا أنه كثر فأسقطوا التاءَ واللامَ, يعنونَ أن أصلَ اضربْ لتضربْ, فأسقطوا اللامَ والتاء، قال محمد بن يزيد: وهذا خطأٌ فاحش2؛ وذلك لأن الإِعراب لا يدخل من الأفعال إلا فيما كان مضارعًا للأسماء وقولُكَ: اضربْ وقم ليسَ [فيه شيءٌ] 3 من حروف المضارعة، ولو كانت فيه لم يكن جزمهُ إلا بحرفٍ يدخل عليه. ويروى عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قرأ: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} 4 فإذا لم يكن الأمرُ للحاضرِ فلا بد من إدخال اللامِ، تقول: ليقمْ زيدٌ, وتقول: زرْ زيدًا وليزرْكَ إذا كان الأمرُ لهما جميعًا؛ لأن زيدًا غائبٌ فلا يكون الأمر له إلا بإدخال اللام, وكذلكَ إذا قلتَ: ضُرِبَ زيدٌ فأردتَ الأمرَ من هذا قلتَ: ليُضرَبْ زيدًا؛ لأنَّ المأمور ليس بمواجه، والنحويون يجيزونَ إضمارَ هذه اللام للشاعر إذا اضطر، وينشدون لمتمم بن نويرة: على مِثْلِ أصْحَابِ البَعُوضَةِ فاخْمِشِي ... لكِ الوَيْل حُرّ الوَجْهِ أو يَبْكِ مَنْ بَكَى5

_ 1 يقصد ابن السراج بقوم من النحويين: الكوفيين, وقد عقد ابن الأنباري مسألة في الإنصاف لهذا الخلاف من 303-317, كما عرض لذلك في أسرار العربية 316-321. 2 انظر المقتضب 2/ 131. 3 زيادة من المقتضب 2/ 131 يقتضيها المعنى. 4 يونس: 58. قراءة "فلتفرحوا" بتاء الخطاب عشرية في النشر 2/ 285. روى رويس بالخطاب وهي قراءة أبي ورويناها مسندة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي لغة لبعض العرب, أخبرنا شيخنا عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يعني بالخطاب فيهما, حديث حسن أخرجه أبو داود. وانظر الإتحاف/ 252، والبحر المحيط 5/ 172. 5 مر تفسيره/ 163 من هذا الجزء.

أراد: ليبكِ, وقولُ الآخر: مُحَمَّد تَفْدِ نَفْسُكَ كُلَّ نَفْسٍ ... إذا مَا خِفْتَ مِنْ شيءٍ تَبَالا1 قال أبو العباس2: ولا أرى ذا على ما قالوا؛ لأنَّ عوامل الأفعالِ لا تضمرُ وأضعفها الجازمة؛ لأن الجزم في الأفعال نظيرُ الخفض في الأسماء3، ولكن بيت متمم يُحملُ على المعنى؛ لأنه إذا قال: فاخمشي فهو في موضع فلتَخْمشي، فعطَف الثاني على المعنى. وأما هذا البيت الأخيرُ فليس بمعروف على أنه في كتاب سيبويه على ما ذكرت لكَ, وتقول: ليقمْ زيدٌ ويقعدْ خالدٌ وينطلقْ عبدُ اللهِ؛ لأنك عطفت على اللام. ولو قلت: قُمْ ويقعدْ زيدٌ لم يجز الجزم في الكلام, ولكنْ لو اضطر إليه الشاعر فحمله على موضع الأول لأنه مما كان حقهُ اللام جازَ، وتقول: لا يقمْ زيدٌ ولا يقعدْ عبد الله؛ لأنك عطفت نهيًا على نهيٍ فإن شئتَ قلتَ: لا يقمْ زيدٌ ويقعدْ عبد اللهِ، وهو بإعادتِكَ "لا" أوضحَ؛ لأنك إذا قلت: لا يقمْ زيدٌ ولا يقعدْ عبد الله تبين أنكَ قد نهيتَ كل واحدٍ منهما على حياله فإذا قلت: لا يقمْ زيدٌ ويقعدْ عبدُ الله بغير "لا" ففيه أوجه: قَد يجوزُ أن يقع عند السامع أنك أردتَ لا يجتمع هذان، فإن قَعد عبدُ الله ولم يقمْ زيدٌ لم يكن المأمور مخالفًا، وكذلك إن لَم يقمْ زيدٌ وقعدَ عبدُ الله. ووجه الاجتماع إذا قصدته أن تقول: لا يقمْ زيدٌ ويقعدْ عبدُ الله، أي لا يجتمع قيام عبد الله

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 408 على حذف لام الأمر للضرورة, والتبال: سوء العاقبة وهو بمعنى الوبال، فكأن التاء بدل من الواو. نسب الرضي هذا البيت إلى حسان وليس في ديوانه ونسب إلى الأعشى وليس في ديوانه أيضًا. وانظر: المقتضب 2/ 132, والصاحبي/ 86, وشرح السيرافي 1/ 39، وأمالي ابن الشجري 1/ 375, والإنصاف/ 276، والمغني 1/ 186, والخزانة 3/ 630، وشرح الكافية 2/ 249، والمفصل للزمخشري 2/ 220, وابن يعيش 9/ 24. 2 انظر المقتضب 2/ 133. 3 هذه عبارة سيبويه، انظر الكتاب 1/ 409.

وأنْ يقعد زيدٌ، "فلا" المؤكدة تدخل في النفي لمعنى، تقول: ما جاءني زيدٌ ولا عمرٌو, إذا أردت أنه لم يأتِكَ واحد منهما على الانفرادِ، ولا مع صاحبه لأنك لو قلت: لم يأتني زيدٌ وعمرٌو, وقد أتاك أحدُهما لم تكن كاذبًا "فلا" في قولك: لا يقمْ زيدٌ ولا يقعدْ عمرو, يجوزُ أن تكون التي للنهي وتكون المؤكدة التي تقعُ لما ذكرت لكَ في كل نفيٍ. واعلم: أن الطلب من النهي بمنزلته من الأمر، يجري على لفظه, وتقول: ائتني أكرمْكَ, وأينَ بيتُك أزرك, وهل تأتيني أعطك وأحسن إليكَ؛ لأنَّ المعنى: فإنَّكَ إنْ تفعلْ أفعلْ, فأما قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} 1 ثم قَال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّه} فإن أبا العباس -رحمه الله- يقول: ليسَ هذا الجواب، ولكنه شرح ما دعوا إليه, والجواب: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ} فإن قال قائلٌ: فَهلا كان الشرح "أن تؤمنوا" لأنه بدلٌ من تجارةٍ. فالجواب في ذلك: أن الفعل يكون دليلًا على مصدره, فإذا ذكرت ما يدل على الشيء، فهو كذكرِكَ إياهُ, ألا ترى أنهم يقولون: منْ كذبَ كانَ شَرًّا لَهُ يريدون: كانَ الكذبُ. وقال الله عز وجل: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} 2 لأن المعنى: البخل خير لهم، فدل عليه بقوله: {يَبْخَلُونَ} وقال الشاعر: أَلا أيُّهذا الزَّاجِرِي أحْضُرُ الوَغَى3 المعنى: عن أن أحضر الوَغَى، فأنْ والفعل كقولك: عن حضور الوغى، فلما ذكر "أَحضرُ" دل على الحضور, وقد نصبه قومٌ على إضمار "أنْ" وقدموا الرفع4. فأما الرفع فلأن الفعلَ لا يضمرُ عامله، فإذا حذف رفع

_ 1 الصف: 10 و11. 2 آل عمران: 180, ولا يحسبن "بالياء والتاء سبعيتان". انظر الإتحاف/ 183. 3 تقدم في ص168 من هذا الجزء. 4 انظر المقتضب 2/ 135-136.

الفعل وكان دالا على مصدره بمنزلة الآية, وهي: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم قال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وذلك لو قالَ قائلٌ: ما يصنع زيدٌ؟ فقلت: يأكلُ أو يصلي، لأغناك عن أن تقول: الأكلُ، والصلاةُ ألا ترى أنَّ الفعل إنَّما مفعوله اللازم له إنما هو مصدرهُ؛ لأن قولك: قد قامَ زيدٌ بمنزلة قولك: قد كان منه قيامٌ. فأما الذين نصبوا فلمْ يأبوا الرفعَ، ولكنهم أجازوا معه النصب؛ لأن المعنى "بأنْ" وقَد أبانَ ذلك بقوله فيما بعده, "وأنْ أَشهد" فجعله بمنزلة الأسماء التي يجيءُ بعضها محذوفًا للدليل عليه وفي كتاب الله عز وجل: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 1 قال2: والقولُ عندنا أنَّ "مَنْ" مشتملةٌ على الجميعِ؛ لأنها تقعُ للجميعِ على لفظها للواحد. وقد ذهب هؤلاء إلى أن المعنى: ومَنْ في الأرضِ، وليسَ القولُ عندي كما قالوا3. وقالوا في بيت حسان بن ثابت: فَمَنْ يَهْجُو رَسُول الله مِنْكُمْ ... ويَمْدَحهُ ويَنْصُره سَوَاءُ4 إنما المعنى: ومن يمدحهُ وينصرهُ، وليس الأمر عند أهلِ النظر كذلك، ولكنه جعل "مَنْ" نكرةً، وجعل الفعلَ وصفًا لها, ثم أقام في الثانية الوصف مقامَ الموصوف فكأنه قال: وواحدٌ يمدحهُ وينصرهُ؛ لأن الوصف يقعُ موضع

_ 1 الرحمن: 29. 2 الذي قال هو المبرد أستاذ المصنف، انظر المقتضب 2/ 137. 3 هذا قول المبرد في المقتضب 2/ 137, والذين قالوا الكوفيون والأخفش الذين أجازوا حذف الموصول الاسمي واحتجوا بقوله تعالى: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} , وقول حسان: فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وانظر: المغني 2/ 692. 4 البيت من قصيدة لحسان بن ثابت في أول ديوانه، وهي في كتاب حسن الصحابة ص17-28. والشاهد حذف الموصول الاسمي, والتقدير: ومن يمدحه. وانظر: معاني القرآن 2/ 315, والمقتضب 2/ 137, وارتشاف الضرب/ 143، والمغني 2/ 692, والديوان/ 9.

الموصوفِ إذا كان دالا عليه. وعلى هذا قول الله عز وجل: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} 1, وقال الشاعر: كأنَّك مِنْ جَمالِ بني أُقَيْشٍ ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ2 يريدُ: كأنَكَ جَملٌ ولذلك قال: يقعقعُ خلفَ رجليهِ. وقالَ في أشد مِن ذا: مَا لَك عِنْدِي غَيْرُ سَهْم وحَجَرْ ... وغَيْر كَبْدَاءَ شَدِيدَةِ الوَتَرْ جَادَت بِكفّيْ كانَ مِنْ أرمى البَشَرْ3

_ 1 النساء: 159، وانظر الكتاب 1/ 385. 2 من شواهد سيبويه 1/ 375 على حذف الموصوف. والقعقعة: تحريك الشيء اليابس الصلب, والشن: القربة البالية, وقعقعتها تكون بوضع الحصا فيها وتحريكها فيسمع فيها صوت، وهذا مما يزيد في نفورها. ومنه: لا يقعقع لي بالشنان, يضرب للرجل الشرس الصعب، أي: لا يهدد, وبنو أقيش: حي من عكل. قال الأصمعي: جمال بني أقيش: حوشية لا ينتفع بها فيضرب بنفارها المثل. والبيت للنابغة الذبياني من قصيدة قالها لما قتلت عبس رجلًا من أسد, فقتلت أسد به اثنين من عبس. وانظر المقتضب 2/ 138, والكامل/ 219, وشرح السيرافي 1/ 271, والمفصل للزمخشري/ 118، والاقتضاب للبطليوسي/ 314, وابن يعيش 1/ 61، وجمهرة الأنساب/ 199، والعيني 4/ 67، والديوان/ 77. 3 الشاهد فيه حذف الموصوف, والتقدير: بكفي رجل أو إنسان، قال البغدادي: تقدير رام للقرينة, وجادت أي أحسنت، ويروى: بكفي كان من أرمى البشر، بفتح ميم "من" أي: بكفي من هو أرمى البشر. وكان على هذا زائدة وهذا الرجز لا يعرف قائله. وانظر المقتضب 2/ 139، ومجالس ثعلب/ 513, والخصائص 2/ 367، والمحتسب 2/ 227، وأمالي ابن الشجري 2/ 149، والإنصاف/ 69، وشواهد الكشاف/ 137، وابن يعيش 3/ 62، والخزانة 2/ 312.

قال أبو بكر: وهذا كله قولُ أبي العباس ومذهبهُ1.

_ 1 انظر المقتضب ج2/ 131-139.

فصل من مسائل الجواب بالفاء

فصل من مسائل الجواب بالفاء: يَقول: هَلْ يقوم زيدٌ فتكرمُهُ، يجوزُ الرفع والنصب، النصب على الجواب والرفعُ على العطف, وقال الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ} 1 يقرأ بالرفع والنصب، وتقول: ما أنَتَ الذي تقومُ فتقومَ إليهِ, الرفع والنصب فالرفعُ على النسق والنصبُ على الجواب، وتقول: مَنْ ذا الذي يقوم فيقومُ إليهِ زيدٌ، الرفع والنصب, وقوم يجيزون توسط الفاء في الجزاء فيقولون: هَلْ تضربْ فيأتيكَ زيدٌ, وهو عندي في الجزاء كما قالوا؛ لأنَّ ما بعد الفاء إذا نُصِبَ فهو مع ما قبله من جملةٍ واحدةٍ، والجزاء وجوابه جملتان تنفصلُ كلُّ واحدة منهما عن صاحبتها فلا يجوز أن يختلطا, فإن قالَ قائلٌ: ينبغي أن يكون غيرَ جائز على مذهبكم من قبل أن التقدير عندكم: هَلْ يقع ضَربٌ زيدًا فإتيانك, فلو أجزت "زيدًا" في هذه المسألة لم يجزْ؛ لأنه في صلة "ضَربٌ" فلا يجوز أن تفصل بين الصلة الموصول بشيءٍ فالجواب في ذلك أنك إذا قلت: هل تضربُ فيأتيكَ زيدًا, فإنما العطفُ على مصدرٍ يدل عليه "يضربُ" فأغنى عنه, وعلى ذلك فينبغي أن لا يجري على التقديم والتأخير في مثل هذا إلا أن يسمع نحوه من العرب؛ لأنه قد خُولفَ به الكلام للمعنى الحادث, وإذا أزيلَ الكلام عن جهته لمعنى فحقه أن لا يزال بضده، ولا يتصرف فيه التصرف الذي له في الأصل إلا أن يقول العرب شيئًا فتقوله، والفراء يقول: إنما نصبوا الجواب بالفاء؛ لأن المعنى كان جوابًا بالجواب, فلما لم يؤتِ بالجزاء فينسق على غير شكله فنصب مثل قولكَ: هل تقومَ فأقومَ، ومَا قمتُ فأقوم إنما التأويلُ لو قمت لقمتُ, وشبههُ بقولهم: لو تركت والأسدَ لأكلك. وتقول: لا يسعني شيء ويضيقَ عنكَ، لم

_ 1 الحديد: 11.

يحسن التكريرُ فنصبتَ، وقال بعضهم: إنما نصب الجواب بالفاء، وإنْ لا تلي إلا المستقبلَ فشبه "بأنْ" والفاء في الجزاء تلي كل شيءٍ فبطلتْ, والذين يجيزون توسط الجواب يقولون: ما زيدٌ فنأتيَهُ بمذنبٍ, يجيزونَ النصب ولا يجيزون الرفع، ولا يجوز أن تقول: ما زيدٌ نأتيهِ إلا أن تريد الاستفهامَ. واعلم: أنه لا يجوز أن تلي الفاء "ما" ولا شيءٌ مما يكون جوابًا، وفي كتاب سيبويه في هذا الباب مسألةٌ مشكلةٌ, وأنا ذاكرٌ لفظَهُ وما يجب فيها من السؤال والجواب عنه. قال سيبويه: لا تدنُ من الأسدِ يأكُلكَ قبيحٌ إن جزمت وليس وجه كلام الناس؛ لأنك لا تريد أن تجعل تباعدهُ مِنَ الأسد سببًا لأكله, فإن رفعت فالكلام حسنٌ، فإن أدخلت الفاء فحسنٌ وذلك قولك: لا تدنُ منهُ فيأكلُكَ, وليس كل موضعٍ تدخل فيه الفاءُ يحسنُ فيه الجزاء, ألا ترى أنه يقول: ما أتيتنا فتحدثنا, والجزاء ههنا محال, وإنما قَبُحَ الجزم في هذا لأنه لا يجيء فيه المعنى الذي يجيء إذا أدخلت الفاء1 فمما يسأل عنه في هذا أن يقال: لِمَ حَسُنَ مع الفاءِ النصبُ وقبح في الجزم ولمْ يفصل بينهما سيبويه بشيءٍ قَبحه؟ فالجواب في ذلك أن الفرق بين المنصوب والمجرور أنك إذا جزمت إنما تقدر مع حرف الجزاء الفعل الذي ظهر, وإن كان أمرًا قدرت فِعلًا موجبًا, وإن كان نهيًا قدرت فِعلًا منفيًّا, ألا ترى أنك إذا قلت: قُم أعطكَ فالتأويلُ: إنْ تَقم أعطِكَ, وإذا قلتَ: لا تقمْ أعطكَ, فالتأويل: إلاّ تقمْ أعطكَ, فالإِيجابُ نظيرُ الأمرِ والنفي نظيرُ النهي؛ لأنَّ النهيَ نفيٌ فهذا الجزاء على أنه لم ينقل فيه فِعلٌ إلى اسمٍ, ولا يستدل فيه بفعل على اسم ثم عطف عليه, وإن قال: ما تأتيني فتحدثني, فما بعد الفاء في تقدير اسم قد عطف على اسم دل عليه "تأتيني" لأن الأفعال تدل على مصادرها, وكذلك إذا قال: لا تفعلْ فأضربكَ، فالتأويل على ما قال سيبويه أن المنصوب معطوفٌ على اسم، كأنه إذا قال: ليس تأتيني

_ 1 انظر الكتاب 1/ 451.

فتحدثَني. قال: ليسَ إتيانٌ فحديثٌ1، وإذا قال: لا تفعلْ فتضربْ, قد قال: لا يكنْ فِعلٌ فتضربَ، وهذا تمثيلٌ, وقد فَسرهُ وقواهُ, ودل على أن الثاني المنصوب من الجملة الأولى, وإن كانت الأولى مسألة. قال: اعلم: أن ما ينتصب على باب الفاء ينتصب على غير معنى واحدٍ وكل ذلك على إضمار "أنْ" إلا أن المعاني مختلفة, كما أن قولك: "يعلمُ اللَّهُ" يرتفع كما يرتفعُ: يذهبُ زيدٌ، وعَلِمَ اللَّهُ, يُفتحُ كما يُفتح: ذَهَب زيدٌ وفيها معنى اليمينِ, قال: فالنصب هنا كأنك قلت: لم يكنْ إتيانٌ فإن تحدثَ والمعنى غير ذلك كما أن معنى: عَلِمَ اللَّهُ لأفعلن غير معنى: رَزقَ اللَّهُ, فإن "تحدث" في اللفظ فمرفوعة "بيكن" لأن المعنى: لم يكن إتيانٌ فيكون حديثٌ2، فقوله: مرفوعةٌ يدل على أن الفاءَ عاطفةٌ عطفت اسمًا على اسمٍ والكلامُ جملةٌ واحدةٌ، ومن شأن العرب إذا أزالوا الكلام عن أصله إلى شيءٍ آخر غيروا لفظه وحذفوا منه شيئًا, وألزموه موضعًا واحدًا إذا لم يأتوا بحرف يدلُّ على ذلك المعنى, ولم يصرفوه وجعلوه كالمثل ليكون ذلك دليلًا لهم على أنهم خالفوا به أصل الكلام, فقد دل ما قال سيبويه: على أن النفي والنهي إنما وقعا على المصدرين اللذين دل عليهما الفعلان, ويقوي أن الفاء للعطف إذا نصبت ما بعدها, الواو, إن قصتها في النصب وهما للعطف, فإن قال قائلٌ: فَلِمَ جاءوا بالفعلِ بعدَ الفاء وهم يريدون الاسمَ؟ قيل: لأن الظاهر الذي عُطِفَ عليهِ فعلٌ, فكانَ الأحسن أن يعطفَ فعلٌ على فعل ويغير اللفظُ, فيكون ذلكَ التغيير دليلًا على المصدرين ألا تراهم في النفي كما قالوا: لا أبا لكَ فأضافوا إلى المعرفة، أقحموا اللام ليشبه النكرة والمعطوف بالفاء والواو وغيرهما على ما قبله, يجوز أن يكون ما قبله سببًا لَهُ، ويجوز أن لا يكون سببًا لهُ, إذا كان لفظهُ كلفظهِ نحو قولك: يقومُ زيدٌ فيضربُ ويقومُ ويضربُ, وزيدٌ يقوم فيقعد عمرٌو،

_ 1 انظر الكتاب 1/ 419. 2 انظر الكتاب 1/ 419.

فيجوز أن يكون القيامُ سببًا للضرب, ويجوز أن لا يكونَ إلا أن الفاء معناه إتباعُ الثاني الأولَ بلا مهلةٍ, فإذا أرادوا أن يجعلوا الفعل سببًا للثاني جاءوا به في الجزاء وفيما ضارعَ الجزاء, وجميع هذه المواضع يصلح فيها المعنى الذي فيها من الإتباع, ألا ترى أن الشاعر إذا اضطر فعطف على الفعل الواجب الذي على غير شرطٍ بالفاءِ, وكان الأول سببًا للثاني نصب, كما قال: سَأَتْرُكُ مَنْزِلي لِبَني تَمِيمٍ ... وألْحَقَ بالحِجَازِ فأَسْتَرِيحَا1 جعل لحاقَهُ بالحجاز سببًا لاستراحته, فتقديرهُ لما نصب كأنه قال: يكونُ لحاقٌ فاستراحةٌ, وقد جاء مثله في الشعر أبياتٌ لقوم فصحاءَ، إلاّ أنهُ قبيحٌ أن تنصب وتعطف على الواجبِ الذي على غير شِعْرٍ, وأَلحق بالحجاز فإذا لحقتَ استرحتَ وإنْ أَلحقْ أسترح, ومع ذلك فإن الإِيجاب على غير الشرط أصلُ الكلامِ, وإزالةُ اللفظ عن جهتهِ في الفروعِ أحسنُ منها في الأَصولِ لأنها أَدَلُّ على المعاني2، ألا ترى أنهم جازوا بحرف الاستفهامِ, والاستفهام, وإنما جازوا بالأخبارِ لأفعالِ المستفهمِ عنها, فقالَ: أَينَ بيتُكَ؟ يُرادُ به أعلمني, والعطفُ بالفاء مضارعٌ للجزاءِ لأنَّ الأولَ سببٌ للثاني وهو مخالف له من قبل عقدَهُ عَقدَ جملةٍ واحدةٍ, ألا ترى أنهم مثلوا: ما تأتينا فتحدثَنا في بعض وجوهها, بما يأتينا محدثنا، فإن قلت: لا تعصِ فتدخل النار فالنهي هُو النفي، كما عرفتُكَ فصارَ بمنزلةِ قولك: ما تعصي فتدخلُ النارَ، فقد نفيتَ العصيانَ الذي يتبعُه دخولُ النارِ،

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 423 على نصب "فأستريحا" وهو خبر واجب ضرورة بإضمار "أن" ويروى لأستريحا، ولا ضرورة فيه على هذا. والبيت لم ينسبه أحد ممن شرحوا أبيات سيبويه، ونسبه العيني وتبعه السيوطي في شرح شواهد المغني إلى المغيرة بن حنباء التميمي، ولم يوجد في ديوانه الذي لا يتعدى بضع وريقات. وانظر: المقتضب 2/ 24, وشرح السيرافي 3/ 209, وأمالي ابن الشجري 1/ 279, وارتشاف الضرب/ 255، والأبيات المشكلة للفارقي/ 110, والمغني 1/ 190. 2 شرح البيت نقله البغدادي 3/ 600 حرفيا من أصول ابن السراج.

وكذلك قد نهيتَ عنه. فالنهي قد اشتمل على الجميع إلا أن فيه من المعنى في النصب ما ذكرنا، فإن قلت: قُمْ فأعطيكَ, فالمعنى: ليكن منكَ قيامٌ يوجبُ عَطيتي, وكذلك اقعدْ فتستريحُ، أي: ليكن منكَ قعودٌ تتبعهُ راحةٌ فيقرب معناه من الجزاء إذا قلتَ: قم أعطكَ أي: إن تقم أعطك، وإذا دخلت الفاء في جواب الجزاء فهي غيرُ عاطفةٍ إلاّ أنَّ معناها الذاتي يخصها, تفارقهُ, إنها يتبع ما بعدها ما قبلها في كُلِّ موضعٍ, وقالَ الشاعرُ في جواب الأمر: يَا نَاقُ سِيرِي عَنقًا فَسِيحَا ... إلى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَريحَا1 فقد جعل سير ناقته سببًا لراحتِه، فكأنه قال: ليكن منك سيرٌ يوجبُ راحتَنا, وهذا مضارعٌ لقولهِ: إنْ تسيري نستريحْ؛ ولذلكَ سمى النحويون ما عُطفَ بالفاء ونُصِبَ جوابًا لشبهه بجواب الجزاءِ، وكذلك إذا قالَ: ادنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ فهو مضارعٌ لقولهِ: ادنُ مِنَ الأسد فيأكلكَ لأن معنى ذاكَ: إنْ تدنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ, ومعنى هذا: ليكن مِنك دنو مِنَ الأسدِ يوجبُ أكلكَ أو يتبعهُ أَكلُكَ، إلاّ أنّ هذا مما لا يؤمر بهِ؛ لأنَّ مِنْ شأنِ الناس النهي عَن مثلِ ذلكَ لا الأمر به، فإنْ أردتَ ذاك جازَ، فإذا قلت: لا تدن مِنَ الأسد يأكلْكَ، لَم يجزْ لأن المعنى أنكَ: تدنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ, لم يكنْ إلاّ على المجازِ وإن السامعَ يعلمُ ما تعني؛ لأنَّ المعنى: إلاّ تدن مِن الأسدِ يأكلْكَ, وهذا محالٌ لأن البعدَ لا يوجبُ الأكلَ, فإذا قلتَ: لا تدن من الأسدِ فيأكلُكَ جاز؛ لأنَّ النهي مشتملٌ في المعنى على الجميع، كأنه قال: لا يكنْ منكَ دنو مِنَ الأسدِ

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 421، على نصب الفعل بأنْ مضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب الأمر، والعنق: ضرب من السير, والفسيح: الواسع. والبيت لأبي النجم العجلي، وأراد سليمان بن عبد الملك. وانظر: معاني القرآن 1/ 478, والمقتضب 2/ 14، وشرح السيرافي 3/ 29، وسر صناعة الإعراب 1/ 272, وشرح ديوان المتنبي 4/ 24، واللسان "عنق"، والهمع 2/ 10.

يوجبُ أكلكَ أو يتبعه أكلُكَ، وكذلك قوله: ما تدنو من الأسدِ فيأكلُكَ، هو مثل لا تدن, لا فرقَ بينهما, وفي الجزاء قد جعل نفي الدنو موجبًا للأكلِ. واعلَمْ: أنَّ كل نفي في معنى تحقيق للإِيجاب بالفاء نحو: ما زال، ولَم يزلْ, لا تقول: ما زالَ زيدٌ قائمًا فأعطيكَ, وإنما صار النفي في معنى الإِيجاب من أجلِ أنَّ قولهم: زالَ بغير ذكر ما في معنى النفي؛ لأنك تريدُ عدم الخبرِ فكأنكَ لو قلت: زالَ زيدٌ قائمًا لكان المعنى زالَ قيامُه, فهو ضد كان زيدٌ قائمًا وكانَ وأَخواتُها إنما الفائدة في أخبارها والإِيجابُ والنفي يقع على الأخبار, فلما كان زالَ بمعنى: ما كانَ ثم أدخلتْ "ما" صار إيجابًا؛ لأنَّ نفيَ النفي إيجابٌ؛ فلذلك لم يجزْ أن يجابَ بالفاءِ, وقوم يجيزونَ: أنت غيرُ قائمٍ فَتأتيكَ, قال أبو بكر: وهذا عندي لا يجوز؛ لأنَّا إنما نَعطف المنصوب على مصدر يدلُّ عليه الفعلُ، فيكون حرف النفي منفصلًا وغير اسمٍ مضافٍ وليست بحرفٍ فتقول: ما قامَ زيدٌ فيحسنْ إلاّ حُمِدَ وما قامَ فيأكل إلا طعامَهُ، قال الشاعر: ومَا قَام مِنَّا قَائمٌ في نَدِيِّنَا ... فَيَنْطِقَ إلا بالَّتِي هِىَ أَعْرَفُ1 تقول: ألا سيفٌ فأكونَ أَولَ مقاتلٍ، وليتَ لي مالًا فأعينَك. وقوله: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ} 2، كانَ حمزةُ3 ينصبُ؛ لأنه اعتبر قراءة ابن مسعود

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 420، على نصب "ينطق" ما بعد الفاء على الجواب مع دخول إلا بعده للإيجاب؛ لأنها عرضت بعد اتصال الجواب بالنفي ونصبه على ما يجب له فلم يغيره, والندى: المجلس، أي: إذا نطق منا ناطق في مجلس جماعة عرف, وصوابه قوله فلم ترد مقالته، والبيت للفرزدق. وانظر: شرح الحماسة 2/ 535، والخزانة 3/ 607، وشواهد الألفية للعاملي/ 387، والديوان/ 561. 2 الأنعام: 27 والآية: {فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} . وانظر النشر 2/ 257, والتيسير/ 102. 3 حمزة: هو حمزة بن حبيب أحد قراء الكوفة الثلاثة, هو والكسائي وعاصم.

الذي كانَ يقرأُ بالفاء وينصبُ. والفراءُ يختار في الواو والفاء الرفع؛ لأن المعنى: يا ليتنا نرد ولسنا نكذبُ استأنفَ, ومن مسائلهم: لعلِّي سأَحجُّ فأزورَكَ, ولعلكَ تشتمنا فأقومَ إليكَ, ويقولون "لعل" تُجاب إذا كانت استفهامًا أو شكًّا, وأصحابنا لا يعرفون الاستفهامَ بلعلَ, وتقول: إنَّما هي ضربةٌ مِنَ الأسدِ فتحطم ظهرهُ كأنه قال: إنَّما هي ضربةٌ فحطمهُ فأضمر "أنْ" ليعطفَ مصدرًا على مصدر, وقالوا: الأمرُ مَنْ ينصبُ الجوابُ فيه والنهي يُجابُ بالفاءِ؛ لأنهُ بمنزلةِ النفي ويجوزُ النسق. وقالوا: العَربُ تذهبُ بالأمر إلى الاستهزاء والنهي فتنصب الجواب, فيقولون: استأذنْ فيؤذنَ لكَ أي: لا تستأذنْ وتحركْ فأصبنكَ, قالوا: والعربُ تحذفُ الفعلَ الأول مع الاستفهام للجواب ومعرفة الكلام, فيقولون: متى فأَسيرُ معكَ وأجازوا: متى فآتيكَ تخرجْ ولَم فأسيرَ تسرْ, وقالوا: كأنَّ ينصب الجواب معها وليس بالوجه, وذاك إذا كانت في غير معنى التشبيه, نحو قولك: كأنَّكَ والٍ علينَا فتشتمنَا، والمعنى لست واليًا علينا فتشتمنا, وتقول: أريد أن آتيك فأستشيرك؛ لأنك تريد إتيانه ومشورته جميعًا. فلذلك عطفت على "أن" فإن قلت: أريد أن آتيك فيمنعني الشغل, رفعت لأنك لا تريد منع الشغلِ، فإنْ أردت ذلك نصبت وقالوا: "لولا" إذا وليتْ فعلًا فهي بمنزلةِ هَلاّ، ولَو ما, تكون استفهامًا وتجاب بالفاء, وإذا وليت الأسماء لم ينسق عليها بلا ولَم تجب بالفاء، وكانت خبرًا نحو قوله: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} 1 و {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} 2 وقالوا: الاختيارُ في الواجبِ منها الرفعُ، وقد نصبَ منها الجوابُ, قال الشاعر: ولَو نُبِشَ المَقَابِرُ عَن كُلَيْبٍ ... فَيَعْلَمَ بالذَّنائبِ أَيُّ زِيرِ3

_ 1 سبأ: 31. 2 المنافقون: 10. 3 الشاهد فيه على أن "لو" المصدرية أغنت من فعل التمني, والشاهد لمهلهل بن أبي ربيعة في رثاء أخيه كليب, والذنائب: اسم فيه قبر كليب. وانظر الكامل 351 والجمهرة لابن دريد 1/ 253, والارتشاف 298, والمغني 1/ 97, واللسان 1/ 378, والسيوطي 654.

ذهب بِه مذهب "ليتَ" والكلام الرفع في قولهِ عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} 1. واعلم: أن الأسماء التي سمي بها الأمر وسائر الألفاظ التي أقيمت مقام فعلِ الأمر وليست بفعل لا يجوز أن تجاب بالفاء نحو قولك: تراكَها ونَزالِ ودونَك زيدًا وعليك زيدًا, لا يجابُ لأنه لا ينهى به. وكذلك إليك لا يجابُ بالفاءِ؛ لأنه لم يظهر فعلٌ, ومَه وصه كذلك. قالوا: الدعاءُ أيضًا لا يجابُ نحو قولك: ليغفرُ اللَّهُ وغفرَ اللَّهُ لَك، والكسائي يجيزُ الجواب في ذلك كله وأما الفراء فقال في الدعاء: إنَّما يكون مع الشروط: غَفر الله لكَ إنْ اسلمتَ, وإنْ قلتَ: غَفَر اللَّهُ لكَ فيدخلُك الجنةَ جازَ، وهو عندي في الدعاء جائزٌ إذا كان في لفظ الأمر, لا فرق بينهما ولا يكونُ للفاء جواب ثانٍ ولا لشيءٍ جَوابانِ، وأما قولهُ عزَّ وجلَّ: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} 2 إنما هُوَ: ولا تطردِ الذين يدعونَ ربهم فتكون من الظالمينَ ما عليك من حسابهم من شيءٍ فتطردَهم فتكونَ جَوابُ "لا" وقولهُ: فتطردهم جَوابُ "مَا" وتقول: ما قاَم أَحدٌ إلا زيدٌ فتحسنَ إليهِ، إنْ كانتِ الهاءُ لأحدٍ فجائز؛ لأن التقدير ما قام أَحدٌ فيحسنَ إليه وإنْ كانت الفاءُ لزيدٍ فَخطأٌ لأن الموجبَ لا يكون له جوابٌ والاستثناء إذا جاء بعد النفي فالمستثنى موجبٌ. وكذلك إنْ قلت: ما قامَ إلاّ زيدٌ فتحسنَ إليه، محالٌ لأن التحقيق لا جوابَ لَهُ.

_ 1 القلم: 9. 2 الأنعام: 52.

فصل من مسائل المجازاة

فصل من مسائل المجازاة: إذا شغلت حروف المجازاة بحرف سواها لم تجزم, نحو: إنْ وكان وإذا عَمِلَ في حرف المجازاة الشيءُ الذي عمل فيه الحرف لم يغيره نحو قولك: مَنْ تَضربْ يَضربْ, وأيًّا تَضربْ يَضربْ, فَمَن وأي قد عملت في الفعل، وعمل الفعلُ فِيهما. واعلم: أنه لا يجوز الجواب بالواو، ولو قلت: مَنْ يخرجُ الدلو لَهُ درهمانِ، رفعت "يخرجُ" وصار استفهاما, وإن جزمت لم يجز إلا بالفاء, وتقول: مَنْ كانَ يأتينا وأيٌّ كانَ يأتينا نأتيهِ، أذَهبتَ المجازاة لأنكَ قد شغلت "أيا ومَنْ" عن "يأتينا". وحكى الأخفش: "كنتُ ومَنْ يأتني آته" يجعلون الواو زائدة في "بابِ كانَ" خاصةً, وإن توصل "بما" فتقولَ: أمَّا تقمْ أقمْ, تدغم النون في الميم وتوصل "بلا" تقول: ألا تقمْ أقمْ إلا أن "ما" زائدة للتوكيد فقط و"لا" دخلت للنفي, والكوفيون يقولونَ: إذا وليت أنَّ الأسماءَ فُتحت، يقولون: أما زيدٌ قائمًا تقمْ, والفراء يقول: إن نية الجزاء على تقديم الفعل نحو قولك: أقوم إن تقم, وإنْ شرطٌ للفعلِ, وقالَ الكسائي: إنْ شرطٌ والجزاء الفعل الثاني وهذا الذي ذكره الفراء مخالف لمعنى الكلام, وما يجب من ترتيبه وللاستعمال, وذلكَ أنَّ كُل شيءٍ يكون سببًا لشيءٍ أو علةً لهُ فينبغي أن تقدم فيه العلةُ على المعلولِ, فإذا قلت: إن تأتني أعطكَ درهمًا فالإِتيانُ سببٌ للعطيةِ, بهِ يستوجبها, فينبغي أن يتقدم وكذلك إذا قلت: إنْ تعصِ اللَّهَ تدخلِ النَّارَ، فالعصيان سبب لدخول النار فينبغي أن يتقدم فأما قولهم: أَجيئكَ إنْ جئتَني، وإنك إنْ تأتني، فالذي عندنَا أن هذا الجواب محذوف كفى عنه الفعل المقدم وإنَّما يستعملُ هذا على جهتين: إما أنْ يضطر إليه الشاعر فيقدم الجزاء للضرورة وحقه التأخير, وإما أن تذكر الجزاء بغير شرط ولا نية فيه فتقول: أَجيئكَ, فيعدُكَ بذلكَ على كل حال ثم يبدو له ألا يجيئك بسبب فتقول: إنْ جئتني ويستغنى عن الجواب بما قدم, فيشبه الاستثناء وتقول: اضربْ إنْ تضربْ زيدًا, تنصبُ زيدًا بأي الفعلين شئت ما لم يلبسْ, فإذا قدمت فقلتَ: اضربْ زيدًا إنْ تضربْ، فإنما

تنصب زيدًا بالأول ولا تنصب بالثاني؛ لأن الذي ينتصبُ بما بعد الشروط لا يتقدم، وكذلك يقول الفراءُ ولا يجوزُ عنده إذا قلت: أَقوم كي تضربَ زيدًا, أنْ تقول: أقوم زيدًا كي تضرب, والكسائي يجيزهُ وينشد: وشِفَاءُ غَيِّكَ خابرًا أنْ تسألي1 وقال الفراء: "خَابرًا" حال من النفي: قمتُ كي تقومَ، وأقومُ كَيْ تقومَ, فهذا خلاف الجزاء لأن الأول وإن كان سببًا للثاني فقد يكون واقعًا ماضيًا والجزاء ليس كذلك، وهم يخلطونَ بالجزاء كل فعل يكونُ سببًا لفعلٍ, والبصريونَ يقتصرون باسم الجزاء على ما كانَ لهُ شرطٌ وكان جوابه مجزومًا وكان لِما يستقبلُ. وتقول: إنْ لم تقمْ قمتُ فلم في الأصل تقلب المستقبل إلى الماضي؛ لأنها تنفي ما مضى فإذا أدخلت عليها إنْ أحالت الماضي إلى المستقبل, وأما "لا" فتدع الكلام بحاله إلا ما تحدثه مِنَ النفي تقول: إنْ لا تقمْ أقَمْ, وإنْ لا تقمْ وتحسنُ آتكَ، وقوم يجيزون: إنْ لا تقمْ وأَحسنت آتكَ ويقولون: إذا أردت الإِتيانَ بالنسقِ جاز فيه الماضي, فإذا قلت: إنْ لَم تقمْ وتحسنُ آتكَ جاز معه الماضي إذا كان الأول بتأويلِ الماضي تقولُ: إنْ لم تقمْ ورغبتَ فينا نأتكَ, وتقول: إنْ تقمْ فأقومُ فترفعُ إذا أدخلت الفاءَ؛ لأن ما بعد الفاءِ استئنافٌ يقع فيه كل الكلام، فالجوابُ حقهُ أنْ يكونَ على قدر الأول إنْ كان ماضيًا فالجوابُ ماضٍ, وإنْ كانَ مستقبلًا فكذلك. وتقول: إنْ تقمْ وتحسنُ آتكَ، تريد: إنْ تجمع مع قيامِكَ إحسانًا آتك، وكذلك: إنْ تقمْ تحسنُ آتكَ، تريد: إنْ تقمْ محسنًا، ولم ترد:

_ 1 عجز بيت لربيعة بن مقروم التميمي "مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام" صدره: هلا سألت وخبر قوم عندهم ... وشفاء غيك خابرا والشاهد: تقديم "خابرًا" على أن نادر وهو منصوب بفعل يدل عليه المذكور والتقدير: تسألين خابرًا. والخابر: العالم, والغي بفتح الغين مصدر غوى غيًّا أي: انهمك في الجهل، وهو خلاف الرشد. وانظر الخزانة 3/ 564, وشرح الجمل لابن عصفور/ 627 مخطوط.

إنْ تقمْ وإن تحسنْ آتكَ، وهذا النصب يسميهِ الكوفيونَ الصرف1؛ لأنَّهم صرفوه على النسقِ إلى معنى غيره، وكذلك في الجواب تقول: إنْ تقمْ آتِكَ وأحسنَ إليك، وإنْ تقم آتك فأحسنَ إليكَ, وإذا قلتَ: أَقومُ إن تقمْ, فنسقت بفعل عليها فإن كان من شكل الأول رفعته, وإن كان من شكل الثاني ففيه ثلاثة أوجه: الجزم على النسقِ على "إنْ" والنصب على الصرف والرفع على الاستئناف, فأمَّا ما شاكلَ الأول فقولك: تُحمدُ إنْ تأمرْ بالمعروفِ وتؤجر لأنه من شكل تُحمدُ, فهذا الرفع فيه لا غير, وأما ما يكون للثاني فقولُك: تُحمد إنْ تأمر بالمعروفِ وتنهَ عن المنكرِ فيكون فيه ثلاثة أوجهِ: فإنْ نَسقت بفعلٍ يصلح للأول ففيه أربعة أوجهٍ: الرفع من جهتين نسقًا على الأول وعلى الاستئنافِ, والجزمُ, والنصبُ على الصرفِ, وقال قوم: يردُ بعد الجزاءِ فَعلَ على يفعلُ ويفعلُ على فَعَلَ نحو قولك: آتيكَ إنْ تأتني وأحسنتَ, وإنْ أحسنتَ وتأتني، والوجهُ الاتفاقُ وإذا جئتَ بفعلينِ لا نسق معهما فلك أنْ تجعل الثاني حالًا أو بدلًا, والكوفيون يقولون موضع بدل مترجمًا أو تكريرًا, فإن كررتَ جزمتَ، وإنْ كانَ حالًا رفعتَهُ وهو موضعُ نصبٍ إذا ردَّ إلى اسم الفاعلِ نصب، فأما الحال فقولك: إنْ تأتني تطلب ما عندي أحسنُ إليكَ, تريد: طالبًا, والتكرير مثل قولك: إنْ تأتني تأتني تريدُ الخيرَ أعطكَ, والبدل مثل قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} 2 ثم فسر فقال: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} 3، وكذلك إنْ تَبْرر أباكَ تصل رحمك،

_ 1 عامل الخلاف أو الصرف كما يسميه الكوفيون, فقد جعله الفراء وبعض الكوفيين عاملًا للنصب في المضارع بعد أو والفاء والواو، من حروف العطف في جواب الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض، أي: مخالفة الثاني للأول. قال الفراء: فإن قلت: ما الصرف؟ قلت: أن تأتي بالواو معطوفة على كلام في أوله حادثة لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليها, فإذا كان كذلك فهو الصرف. وانظر معاني القرآن 1/ 33. 2 الفرقان: 68. 3 الفرقان: 69.

تفعلْ ذاكَ للَّهِ تؤجرْ، إذا ترجمت عن الأفعال بفعلٍ ولا يجوز البدل في الفعل إلا أن يكون الثاني من معنى الأول, نحو قولك: إن تأتني تمشي أَمشِ معكَ لأن المشي ضرب من الإِتيان ولو قلت: إنْ تأتني تضحكُ معي آتكَ فجزمتَ تضحكْ لَمْ يجز, قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله عز وجل: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} 1، فقال: المعنى ليَظلُّنَّ, وكذلك: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} 2 وإنما يقعُ ما بعدها من الماضي في معنى المستقبل؛ لأنها مجازاة، نظير ذلك: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا} 3 أي: لا يمسكهما، وقال محمد بن يزيد, رحمه الله: وأما قوله4: والله لا فعلتُ ذاك أبدًا، فإنه لو أراد الماضي لقال: ما فعلتُ فإنما قلبت لأنها لِمَا يقعُ ألا ترى أنها نفي سيفعل, تقول: زيدٌ لا يأكلُ فيكون في معنى ما يستقبل، فإنْ قلت: ما يأكلُ نفيتَ ما في الحال والحروف تغلب الأفعال, ألا ترى أنكَ تدخلُ "لَم" على المستقبل، فيصير في معنى الماضي تقول: لم يقمْ زيدٌ, فكذلك حروف الجزاء تقلب الماضي إلى المستقبل تقول: إنْ أَتيتني أَتيتك، قال أبو العباس, رحمه الله: مما يسأل عنه في هذا الباب قولك: إنْ كنتَ زرتني أَمسِ أكرمتُكَ اليومَ, فقد صار ما بعد "إنْ" يقع في معنى الماضي فيقال للسائل عن هذا: ليس هذا من قبل "إن" ولكن لقوة كانَ, وأنها أصل الأفعال وعبارتها جازَ أن تقلب "إنْ" فتقول: إنْ كنتَ أعطيتني فسوفَ أكافيكَ, فلا يكون ذلك إلا ماضيًا كقول الله عز وجل: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} 5 والدليل على أنه كما قلت، وأن هذا لقوة "كانَ" أنه ليس شيءٌ من الأفعال يقع بعد "إنْ" غير "كانَ" إلا ومعناه الاستقبال، لا تقول: إن جئتني أمسِ أكرمتُكَ اليومَ، قال أبو بكر:

_ 1 الروم: 51. وانظر الكتاب 1/ 456. 2 البقرة: 145. وانظر الكتاب 1/ 456. 3 فاطر: 41. 4 انظر المقتضب 2/ 334-335. 5 المائدة: 116.

وهذا الذي قاله أبو العباس -رحمه الله- لست أقوله، ولا يجوز أن تكون "إن" تخلو من الفعلِ المستقبل؛ لأن الجزاء لا يكون إلا بالمستقبل وهذا الذي قال عندي نقض لأصول الكلام. فالتأويل عندي لقوله: إنْ كنتَ زرتني أمسِ أكرمتُك اليومَ, إنْ تكن كنتَ ممن زارني أمسِ أكرمتُكَ اليوم وإن كنت زرتني أمس زرتُكَ اليومَ, فدلتْ "كنت" على "تكن" وكذلك قوله عز وجل: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} 1 أي: إنْ أكنْ كنت "أو" إنْ أقل كنت قلته, أو أقر بهذا الكلامِ, وقد حكي عن المازني ما يقاربُ هذا، ورأيت في كتاب أبي العباس بخطهِ موقعًا عند الجواب في هذه المسألة ينظرُ فيه, وأحسبه ترك هذا القولَ وقال: قال سيبويه في قوله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} 2: إنما دخلت الفاء لذكره تفرون ونحن نعلمُ أنَّ الموتَ ليس يلاقيكم من أجل أنهم فروا كقولكَ: الذي يأتينا فلَهُ درهمانِ, فإنما وجب لَهُ الدرهمانِ من أجل الإِتيان, ولكن القول فيه, والله أَعلم: إنما هو مخاطبة لِمَنْ يهرب من الموت ولَم يتمنَّه، قال الله عز وجل: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} 3 فالمعنى: أي أنتم إنْ فررتم منهُ فإنه ملاقيكم، ودخلت الفاء لاعتلالهم من الموت عن أنفسهم بالفرار، نحو قول زهير: ومَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنِيَّة يَلْقَها ... وإنْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ4

_ 1 المائدة: 116. 2 الجمعة: 8، وانظر المقتضب 2/ 356-357. 3 البقرة: 94. 4 الشاهد من معلقة زهير بن أبي سلمى, والرواية في المعلقات: ومن هاب أسباب المنايا يلنه ... وإن يرق..... وأسباب المنايا: ما يفضي إلى الموت، وأسباب السماء: مراقيها أو نواحيها. وانظر الحجة لأبي علي 1/ 33, والخصائص 3/ 324, واللسان 1/ 441, وشرح المعلقات السبع/ 116.

ومن يهبها أيضًا يلقَها، ولكنه قالَ هذا لِمَنْ يهابُ لينجو، ومثل ذلك: إنْ شتمتني لم أشتمكَ, وهو يعلم أنه إنْ لم يشتمني لم أشتمه ولكنهُ قيل هذا؛ لأنه كان في التقدير أنه إنْ شتَم شُتِمَ كما كان في تقدير الفارِّ من الموت أن فراره ينجيه. وقال: قال سيبويه: إنَّ حروف الجزاء إذا لم تجزم جاز أن يتقدمها أخبارها نحو: أنت ظالمٌ إن فعلت, ثم أجرى حروفَ الجزاء كلها مجرًى واحدًا وهذه حكاية قول سيبويه, وقد تقول: إنْ أتيتني آتيكَ أي: آتيك إنْ أَتيتني، قال زهير: وإنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لا غَائِبٌ مالِي ولا حَرِمُ1 ولا يحسن: إنْ تأتني آتيكَ، مِنْ قبل أنَّ "إنْ" هي العاملة. وقد جاء في الشعر, قال: يَا أَقْرَعُ بن حَابِسٍ يا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ2

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 436 على رفع "يقول" على نية التقديم والتقدير: يقول: إن أتاه خليل، وجاز هذا لأن "إن" غير عاملة في اللفظ, والخليل من الخلة وهو الفقر. والبيت لزهير يمدح الهرم بن سنان. وانظر: المقتضب 2/ 70, والكامل/ 78, والجمهرة 2/ 69, والمحتسب 2/ 65, والأمالي 1/ 196, والإنصاف/ 329, والمسلسل من غريب لغة العرب/ 93, وشروح سقط الزند 1/ 328, وتهذيب إصلاح المنطق 2/ 29, والديوان/ 153, والرواية: وإن أتاه خليل يوم مسألة. 2 من شواهد سيبويه 1/ 438 على التقديم والتأخير، والتقدير عنده: إنك تصرع إن يصرع أخوك، والجواب محذوف، وابن السراج يقطع بتقدير الفاء فيه؛ لأن ما يحل محلا يمكن أن يكون له، ولا ينوي به غيره. والواقع أن التقديم والتأخير يحوج إلى جواب, ودعوى حذفه وجعل المذكور دليله خلاف الأصل وخلاف المسألة؛ لأن الغرض أنه الجواب, وإضمار الفاء مع غير القول مختص بالضرورة. والبيت من رجز لعمرو بن خثارم البجلي, خاطب به الأقرع بن حابس المجاشعي في شأن منافرة جرير بن عبد الله البجلي وخالد بن أرطأة الكلبي، وهما حكما الأقرع المذكور. وانظر: المقتضب 2/ 72, والكامل/ 78, وشرح السيرافي 3/ 226, وأمالي ابن الشجري 1/ 84, وارتشاف الضرب/ 286, والروض الأنف 1/ 60, وابن يعيش 8/ 158, والمغني/ 610.

أي: إنَّكَ تصرعُ إنْ يصرعْ أخوكَ. ومثلَ ذلكَ قوله: هَذَا سُرَاقَةُ لِلقُرآنِ يَدْرُسُهُ ... والمَرْء عِنْدَ الرُّشا إن يَلْقَها ذِيبُ1 أي: المرء ذيب إنْ يلقَ الرُّشا، فجاز هذا في الشعر, وشبهوه فالجزاء إذا كان جوابه منجزمًا لأنَّ المعنى واحدٌ، قال2: ثم قال في الباب الذي بعده: فإذا قلتَ: آتي مَن أتاني، فأنتَ بالخيار إنْ شئت كانت بمنزلتِها في "إنْ" وقد يجوز في الشعر: آتي مَنْ يأتيني, قال الشاعر: فَقُلتَ تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إنَّها ... مُطَبَّعَةٌ مَنْ يأتِها لا يَضِيرُهَا3 كأنه قال: لا يضيرها من يأتها، ولو أريد أنه حذف الفاء لجازَ، وأنشد في باب بعده:

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 437 على التقديم والتأخير، والتقدير عنده: والمرء عند الرشا ذيب إن يلقها. والمبرد يجعله على إرادة الفاء، هجا رجلًا من القراء فنسب إليه الرياء وقبول الرشا والحرص عليها، والهاء في يدرسه كناية عن المصدر والفعل متعدٍّ باللام إلى القرآن لتقدمه على حد قولك: لزيدا ضرب، والتقدير: هذا سراقة يدرس القرآن درسا, والبيت لم يعرف قائله. وانظر: الحجة 1/ 21, وأمالي ابن الشجري 1/ 339, والسيوطي/ 200، والهمع 2/ 33, والخزانة 1/ 227، والأشباه والنظائر 3/ 189. 2 الذي قال هو المبرد. 3 من شواهد سيبويه 1/ 438 على التقديم والتأخير أيضًا, والتقدير: لا يضيرها من يأتها، ثم قال أيضًا: ولو أريد به حذف الفاء جاز، يقدر الضمير في "يضيرها" على ما هو عليه في التأخير. ومطبعة: ملئت وطبع عليها, يصف قرية كثيرة الطعام من امتار منها وحمل فوق طاقته لم ينقصها, والطوق: الطاقة, والبيت لأبي ذؤيب الهذلي. وانظر: المقتضب 2/ 72, وشرح السيرافي 3/ 231, وشرح المفصل 8/ 158، وشرح الحماسة 3/ 68, والخزانة 3/ 647, وديوان الهذليين 1/ 154.

وَمَا ذَاكَ أَنْ كَانَ ابنَ عمِّي ولا أَخِي ... وَلكِنْ مَتَى مَا أَملكُ الضُّرَّ أَنْفَعُ1 كأنه قال: ولكن أنفع متى ما أَملك الضرَّ, قال أبو العباس, رحمه الله: أما قوله: آتيك إنْ أتيتني, فغير منكرٍ ولا مرفوع, استغنى عن الجواب بما تقدم, ولم تجزم "إنْ" شيئًا فيحتاج إلى جواب مجزوم أو شيءٍ في مكانه. وأما قولُهم: وإن أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ, تقول على القلب فهو محال وذلك كان الجواب حقه أن يكون بعد "إنْ" وفعلها الأول، وإنما يعني بالشيء موضعه إذا كان في غير موضعه نحو: ضَربَ غلامُهُ زيدٌ2؛ لأن حد الكلام أن يكون بعد زيدٍ وهذا قد وقع في موضعه من الجزاء، فلو جاز أن يعني به التقديم لجاز أن تقول: ضربُ غلامُهُ زيدًا، تريد: ضربَ زيدًا غلامُه, وأما ما ذكره من "مَنْ ومَتى" وسائر الحروف فإنه يستحيل في الأسماء منها والظروف من وجوه في التقديم والتأخير؛ لأنكَ إذا قلت: آتي مَنْ أتاني وجب أن تكون "مَنْ" منصوبة بقولكَ: أَتى ونحوهُ وحروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها, فليس يجوز هذا إلا أن تريد بها معنى الذي, و"متى" إذا قلت: آتيك متى أتيتني, فمتى للجزاء وهي ظرف3 "لأَتيتني" لأنَّ حروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها, ولكن الفعل الذي قبل متى قد أغنى عن الجواب كما قلت في الجواب: أَنتَ ظالمٌ إنْ فَعَلتَ, فأنتَ ظالمٌ منقطع مِنْ "إنْ" وقَد سَدَّ مسدَّ جواب "متى" و"إنْ" لم تكن منها في شيءٍ لأنَّ "مَتى" منصوبة "بيأتيني" لأنَّ حروف الجزاء من الظروف والأسماء إنما يعملُ فيها ما بعدها, وهو الجزاء الذي يعملُ فيه الجزم. والباب كله على هذا لا يجوز غيره، ولو وضع الكلام في موضعه لكانَ تقديره: متى أتيتني فآتيكَ أي: فأنا

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 442 على رفع "أنفع" على نية التقديم، والجزم بمتى على الشرط، والتقدير: ولكن أنفع متى ما أملك الضر، وما زائدة مؤكدة، يقول: إذا قدرت على الضر أخذت بالفضل فجعلت النفع بدلًا منه. 2 أضفت كلمة "زيد" لإيضاح المعنى. 3 في الأصل "ظروف".

آتيكَ، وإنما قوله "مَنْ" يأتها فمحالٌ أَنْ يرتفع "مَنْ" بقولكَ: لا يضيرها ومَنْ مبتدأٌ، كما لا تقول: زيدٌ يقومُ فترفعه "بيقوم" وكل ما كان مثله فهذا قياسه وهذه الأبيات التي أُنشدت كلها لا تصلح إلا على إرادة الفاء في الجواب. كقوله: "الله يشكرها"1 لا يجوز إلا ذلك. وتقولُ: إن الله أمكنني من فلانٍ فعلتُ, فتلي "إنْ" الاسم إلا أنكَ تضمر فعلًا يليها يفسرهُ "أمكنني" كما تفعل بألف الاستفهام. وزعم سيبويه أنه جاز فيها ما امتنع في غيرها؛ لأنها أصل الجزاء. قال: والدليل على ذلك أنها حرفه الذي لا يزولُ عنه؛ لأنها لا تكون أبدًا إلا للجزاء2 ومَنْ تكون استفهامًا، وتكون في معنى الذي وكذلكَ ما وأيُّ وأينَ ومتىَ تكون استفهامًا, وجميعُ الحروف تنقل غيرها. قال أبو العباس, رحمه الله: فيقال له: "إنْ" قد تكون في معنى "مَا" نحو: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} 3 وتكون مخففة من الثقيلة وتكون زائدةً نحو قوله:

_ 1 يشير إلى قول الشاعر: من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشر بالشر عند الله مثلان وهو من شواهد سيبويه 1/ 435، على حذف الفاء من جواب الشرط ضرورة، والتقدير: فالله يشكرها. وزعم الأصمعي: أن النحويين غيروه, وأن الرواية: من يفعل الخير فالرحمن يشكره. والمثلان السيان؛ لأن مثل الشيء مساوٍ له. وينسب هذا البيت لحسان بن ثابت ولم يوجد في ديوانه, ونسب كذلك لعبد الرحمن بن حسان, ورواه جماعة لكعب بن مالك الأنصاري. وانظر: معاني القرآن 1/ 476, والمقتضب 2/ 72, وشرح السيرافي 3/ 226, وأمالي ابن الشجري 1/ 290, وابن يعيش 9/ 3, وارتشاف الضرب/ 286، والمقرب لابن عصفور/ 188, والمغني 1/ 141, والعيني 4/ 433, واللسان 13/ 49. 2 انظر الكتاب 1/ 67 و1/ 435. 3 الملك: 20, وانظر المقتضب 2/ 364.

وما إنْ طبنَا جُبنٌ1 ثم قال2: والدليل على ما قال سيبويه: أنَّ هذا السؤال لا يلزمُ أنَّ "مَنْ" تكونُ لِما يعقل في الجزاء والاستفهام, ومعنى الذي فهي حيث تصرفتْ واحدة و"ما" واقعة على كل شيء غير الناس، وعلى صفات الناس وغيرهم حيث وقعت فهي واحدة وكذلك هذه الحروف، و"إنْ" للجزاء لا تخرجُ عنه, وتلك الحروف التي هي "إنْ" للنفي ومخففة من الثقيلة, وزائدة ليسَ على معنى "إنْ" الجزاء ولا منها في شيءٍ, وإنْ وقع اللفظان سواء فإنهما حرفانِ بمنزلةِ الاسم والفعل إذا وقعا في لفظ وليس أحدهما مشتقا من الآخر: نحو قولِكَ: هذا ذهبٌ وأنت تعني التِّبْر وذهب من الذهاب, ونحو قولِكَ: زيدٌ على الجبَلِ وعلا الجبلَ, فهذا فعلٌ، والأول حرفٌ قال: وسألت أبا عثمان عن "ما" و"مَنْ" في الاستفهام والجزاء أمعرفة هما أم نكرةٌ؟ فقال: يجوز أن يكونا معرفة وأن يكونا نكرة, فقلت: فأيُّ, ما تقول فيها؟ قال: أنا أقول: إنَّها مضافة معرفة ومفردة نكرة والدليل على ذلك أنك تقول: أية صاحبتُكَ ولو كانت معرفةً لم تتصرفْ. قال: وكان الأخفش يقول: هي معرفة ولكن أَنونُ لأن التنوينَ وقع وسط الاسم, فهو بمنزلة امرأةٍ سميتَها خيرًا منكَ, وكانَ غيرهُ لا يصرفها ويقول: أيّة صاحبتُك؛ لأنّها معرفةٌ. وشرح أبو العباس ذلك فقالَ: إن مَنْ وما وأيُّ مفردة نكراتٍ, وذلك أنَّ أيًّا منونةٌ في التأنيث، إذا قلت: أيّةٌ جاريتُكَ وقول الأخفش: التنوينُ وقعَ وسطًا غَلَط؛ وذاك لأنَّ "أَيّ" في الجزاء والاستفهام لا صلة لها "ومَنْ وما" إذا كانتا خبرًا فإنهما يعرفانِ بصلتهما, فقد حذفَ ما كان يعرفهما فهما بمنزلة "أي" مفردةً, ومن الدليل على أنهن نكراتٌ، أنك

_ 1 يشير إلى قول الشاعر فروة بن مسيك: وما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا وقد مر تفسيره في الجزء الأول/ 265. 2 الذي قال المبرد، انظر المقتضب 1/ 51، 2/ 364.

تسأل بمنْ سؤالًا شائعًا، ولو كنتَ تعرف ما تسأل عنه لم يكنْ للسؤال عنه وجه، فالتقدير فيها على ما ذكرنا إذا قلت: ما زيدٌ؟ وأيُّ زيدٍ؟ وما عندك؟ وأيُّ رجلٍ؟ وأي شيءٍ؟ فإذا قلت: أَيهم وأيُّ القومِ زيدٌ؟ فقد اختصصتَه من قوم فأضفته إليهم، والتقدير: أهذا زيدٌ منَ القومِ أم هذا للاختصاصِ؟ فلذلك كانت بالإِضافة معرفةً وفي الإِفراد نكرةً. وقال سيبويه: سألتُ الخليلَ عن "كيفَ": لِمَ لَمْ يجازوا بها؟ فقالَ: هي فيه مستكرهةٌ وأصلها من الجزاء ذلك لأنَّ معناها على أي حالٍ تكن أكن1. وقال محمد بن يزيد: والقول عندي في ذلك أنَّ علة الجزاءِ موجودةٌ في معناها، فما صَحَّ فيهِ معنى الجزاء جوزيَ بهِ وما امتنعَ فلا جزاءَ فيهِ وإنما امتنعت "كيفَ" من المجازاة؛ لأن حروف الجزاء التي يستفهم بها كانت استفهامًا قبل أن تكون جزاءً، والدليلُ على تقديم الاستفهام وتمكنه, أنَّ الاستفهام يدخل على الجزاء كدخوله على سائر الأخبارِ فتقول: أَإِنْ تأتني آتِكَ ونحوه, ولا يدخلُ الجزاء على الاستفهام ثم رأيتَ أنه ما كان من حروف الاستفهام متمكنًا يقعُ على المعرفة والنكرة جوزيَ به؛ لأنَّ حروفَ الجزاء الخالصة تقع على المعرفة والنكرة, تقول: إنْ تأتني زيدٌ آتِه وإن يأتني رجلٌ أَعطهِ، فكذلك من وما وأي وأينَ ومتَى وأنّى. وذلك إذا قلت في الاستفهام: من عندك؟ جاز أن تقول: زيدٌ أو رجل أو امرأةٌ وكذلك كلما ذكرنا من هذه الحروف. وأما كيف فحقّ جوابها النكرة وذلك قولك كيف زيدٌ؟ فيقالُ: صالحٌ أو فاسدٌ ولا يقالُ: الصالح ولا أخوكَ؛ لأنَّها حالٌ والحالُ نكرةٌ وكذلك "كم" لم يجازوا بها لأنَّ جوابها لا يكون نكرةً إذا قال: كمْ مالُكَ؟ فالجواب: مائةٌ أو ألفٌ أو نحو ذلك, والكوفيون يدخلون "كيف وكيفما" في حروف الجزاء2، ولو جازت العرب بها

_ 1 انظر الكتاب 1/ 433. 2 انظر الإنصاف/ 337-340 مسألة شرحها ابن الأنباري عن المجازاة بكيف عند الكوفيين, وامتناع ذلك لدى البصريين.

لأتبعناها، وتقول: إنْ تأمر أن آتيك، تريد أنَّك إنْ تأمرْ بأنْ آتيكَ، وإنْ أسقطت "إنْ" قلت: إنْ تأمر آتيكَ آتكَ, ولا يجوز عندي: إن تأمر لا أقم لا أقم إلا على بعدٍ، وقومٌ يجيزونهُ, وتقول: إنْ تقمْ إنَّ زيدًا قائمٌ تضمرُ الفاء تريدُ: فإنَّ زيدًا قائمٌ, وإنْ تقمْ لا تضرب زيدًا, يريد: فلا تضربْ زيدًا, وإنْ تقمْ أطرفْ بكَ أي: فأطرِفْ بكَ, وتقول: إنْ تَقمْ -يعلم الله- أزركَ تعترضُ باليمينِ ويكون بمنزلة ما لم يذكر, أعني قولك: يعلمُ اللَّهُ, وإنْ جَعلتَ الجواب للقسم أَتيتَ باللام فقلت: إنْ تقمْ -يعلمُ الله- لأزورنَّكَ وتضمر الفاءَ, وكذلكَ: إنْ تقم يعلم الله لآتينك, تريد: فيعلمُ الله لأزورنك، ويعلم اللَّهُ لآتينكَ.

باب الأفعال المبنية

باب الأفعال المبنية ذكر النون الثقيلة ... باب الأفعال المبنية: الأفعال التي تبنى على ضربين: فعلٌ أصله البناء فهو على بنائه لا يزول عنه، وفعلٌ أصله الإِعراب فأدخلَ عليه حرف للتأكيد فبنيَ معَهُ. فأما الضرب الأول، فقد تقدم ذكره، وهو الفعل الماضي، وفعل الأمر, وأما الضربُ الثاني فهو الفعلُ الذي أصله الإِعراب, فإذا دخلت عليه النون الثقيلة والخفيفة بني معهما. ذكر النون الثقيلة: هذه النونُ تلحقُ الفعل غيرَ الماضي إذا كانَ واجبًا للتأكيدِ فيبنى معها، وهي تجيءُ على ضربين: فموضعٌ لا بد منها فيه, وموضعٌ يصلحُ أنْ تخلو منه؛ فأمَّا الموضع الذي لا تخلو منه فإذا كانت مع القسم, وذلك قولُكَ: والله لأفْعَلنَّ وأقسم لأفعلنَّ وأشهد لأفعلنَّ وأقسمت عليك بالله لتفعلنَّ, فهذه النون ملازمةٌ للامِ وهي تفتح لام الفعل الذي كان معربًا وتبنى معهُ وهي إذا كانت مشددةً مفتوحةً، قال سيبويه: سألتُ الخليلَ عن قوله: لتفعلنَّ مبتدأة لا يمين قبلها؟ فقال: جاءت على نية اليمين1. وإذا حكيت عن غيرك

_ 1 انظر الكتاب 1/ 455.

قلتَ: أقسم لتفعلنَّ واستحلفتهُ لتفعلنَّ. وزعم1: أنَّ النونَ أُلحقت "في لتفعلنَّ" لئلا يشبه أنه ليفعل, فإذا أقسمتَ على ماضٍ دخلت اللامُ وحدها بغير نون نحو قولكَ: والله لقد قامَ ولقامَ, وحكى سيبويه: والله أنْ لو فعلتَ لفعلت2 وتقول: والله لا فعلتَ ذاكَ أبدًا، تريد: لا أَفعلُ, وقال الله عز وجل: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} على معنى: "ليظلّن"3, وتقول: لئن فعلت ما فَعلَ, تريد: ما هو فاعلٌ وتقول: والله أفعلُ, تريد: لا أفعلُ وإن شئت أظهرت "لا" وإنما جاز حذف "لا" لأنهُ موضع لا يلبس, ألا ترى أنك لو أردت الإِيجاب ولم ترد النفي قلت: لأفعلن, فلما لم تأت باللام والنون علم أنك تريد النفي، وأما الموضع الذي تقع فيه النون وتخلو منه, فالأمر والنهي وما جرى مجراهما من الأفعال غير الواجبة وذلك قولك: أفعلنَّ ذاكَ ولا تفعلنَّ وهَل تقولنَّ وأتقولنَّ؛ لأن معنى الاستفهام معنى أخبرني, وكذلك جميع حروف الاستفهام. وزعم يونس أنك تقول: هلا تفعلنَّ وألا تقولَنّ؛ لأنك تعرض ومعناه أفعلُ4، ومثل ذلك: لولا تقولنَّ لأنه عَرض. ومن مواضعها حروف الجزاء إذا أوقعت بينها وبين الفعل "مَا" للتوكيد تقول: إمّا تأتني آتكَ وأيُّهم ما يقولنَّ ذاكَ نجزهِ, وقد تدخل بغير "ما" في الجزاء في الشعر. وقد أدخلت في المجزوم تشبيهًا به للجزم, ولا يجوز إلا في ضرورة, قال الشاعر: يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما ... شَيْخًا على كُرْسِيِّه مُعمَّمَا5 والخفيفة والثقيلة سواء، ويقولون: أَقسمتُ لمَّا لم تفعلن؛ لأن ذا طلبٌ،

_ 1 الذي زعم هو الخليل, انظر الكتاب 1/ 455. قال سيبويه: فلم ألزمت النون آخر الكلمة, وهو يخاطب الخليل؟ فقال الخليل: لكي لا يشبه قوله: إنه ليفعل. 2 انظر الكتاب 1/ 455. 3 الروم: 51، وانظر الكتاب 1/ 456. 4 انظر الكتاب 2/ 152، وفيه: وزعم يونس أنك تقول: هلا تقولن، وألا تقولن. 5 من شواهد سيبويه 2/ 152، وقد مر تفسيره/ 144 من هذا الجزء.

وزعم يونس أنَّهم يقولونَ: رُبَّما تقولنَّ ذاك، وكثر ما تقولنَّ ذاك؛ لأنه فِعْل غير واجبٍ1، ولا يقعُ بعد هذه الحروف إلا و"ما" له لازمة، وإن شئت لم تدخل النون فهو أجودُ، فهذه النون تفتح ما قبلها مرفوعًا كان أو مجزومًا, فإذا أدخلت النون الشديدة على "يفعلانِ" حذفت النون التي هي علامة الرفع لاجتماع النونات, ولأن حقه البناء فينبغي أن تطرح الذي هو علامة الرفع، وكذلك النون في "يفعلون" تقول: ليفعلن ذاكَ وقد حذفت النون فيما هو أشد من هذا؛ لاجتماع النونات قرأ بعض القراء: {أَتُحَاجُّونِّي} 2، و {فَبِمَ تُبَشِّرُونّ} 3 وسقطت الواو لالتقاء الساكنين, فصار ليفعلنّ فإن أدخلتها على "تَضربينَ" حذفت أيضًا النون لاجتماع النونات لأنها تكون علمًا للرفع, وحذفت الياء لالتقاء الساكنين فقلت: هل تضربينَ؟ وتقول: اضربنَ زيدًا وأكرمن عمرًا وكان الأصل اضربي وأكرمي وتقول لجماعة المذكرينَ: اضربُنَّ زيدًا, كانَ الأصلُ: اضربوا وأكرموا, فسقطتِ الواو لالتقاء الساكنين, وتقول في التثنية: اضربانِ يا رجلانِ بكسر النونِ تشبيهًا بالنون التي تقعُ بعدَ الألف وهي فيما سوى هذا مفتوحة, ومتى دخلت النون بعد حرف إضمارٍ تحرك إذا لقيته لام المعرفة، حرك لها, تقول: ارضونَّ زيدًا واخشونَّ عمرًا وارضينَّ يا امرأةُ؛ لأنك تقول: اخشُو فتضم, وتقول: ارضي الرجلَ فتكسر فلذلك ضممتَ وكسرتَ مع النونِ, فإنْ أدخلت النون على تضربنَ الذي هو لجماعةِ المؤنث قلت: هَل تضربنانِ يا نسوةُ؟ واضربنانِ، لم تسقطْ هذه النون لأنها اسمٌ للجماعة وفصلت بين النونات بالألف؛ لئلا تجتمعَ النوناتُ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 153. 2 الأنعام: 80 والآية: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} وقراءة نافع بالتخفيف, وغيره بالتشديد. انظر القرطبي 7/ 29. 3 الحجر: 54. والآية: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونّ} نافع وشيبة بكسر النون والتخفيف, وقرأ ابن كثير وابن محيصن بكسر النون مشددة. انظر القرطبي 10/ 35.

واعلم: أن ما يحذف من اللامات في الجزم والأمر إذا أدخلت النون لم يحذفن، تقول: ارمين زيدًا, وكان اللفظ: ارمِ زيدًا؛ لأن الياء والواو تحذفان في المواضع التي أصلها الإِعراب, فإذا أدخلت النون عادت لأنها تبنى مع ما قبلها ولا سبيل للجزم.

ذكر النون الخفيفة

ذكر النون الخفيفة: كل شيء تدخله النون الثقيلة تدخله الخفيفة، إلا أن النون الخفيفة في الفعل نظير التنوين في الاسم فلا يجوز الوقف عليها كما لا يجوز الوقف على التنوين, تقول: اضربْن زيدًا إذا وصلت، فإذا وقفت قلت: اضربا كما تقول: ضربتُ زيدًا في الوقف وقد فرقوا بين التنوين والنون الخفيفة بشيءٍ آخر بأن الخفيفة لا تحرك لالتقاء الساكنين، والتنوين يحرك لالتقاء الساكنين فمتى لقي النون الخفيفة ساكن سقطت؛ لأنهم فضلوا ما يدخل الاسم على ما يدخل الفعل وتقول إذا أمرتَ امرأةً: اضربن يا هذه, فإذا وقفت قلت: اضربي ولَم يجز أن تقول: اضربنْ في الوقف لأنها بمنزلة التنوين, وأَنتَ تحذفُ التنوين إذا انكسر ما قبلهُ، فحذفت التنوين ههنا، فلما حذفتها عادت الياء؛ لأن سقوطها كان لالتقاء الساكنين وتقول للجماعة: اضربُنْ يا قومُ فإذا وقفت قلت: اضربوا, أعدت الواو لأنها إنما سقطت لالتقاء الساكنين، ولم يجز أن تقول: اضربنْ في الوقف، كما لم يجز أن تقول: زيد في الوقف، فقد يقفون وهم ينوونَ النونَ, كما ينوون التنوينَ في الرفع والجزم في الوقف. وتقول في الوقف: اخش وللرجال اخشوا، وحكى سيبويه: أن يونس1 يقول: اخْشَي واخْشَوُوا وقال الخليل: لا أرى ذلك إلا على قول مَنْ قال: هذا عمرو، ومررتُ بعمري قول العرب على قول الخليل2، وإذا أدخلت النون بعد حرف إضمار تحرك إذا لقيتْهُ لام المعرفة حرك من النون،

_ 1 انظر الكتاب 2/ 155. 2 انظر الكتاب 2/ 155.

وتقول: هَلْ تضربِنْ يا امرأةُ وكان الأصل: تضربينَ, فسقطت النون التي كانت علامة للرفع كما تسقط الضمة في: هَل تضربنْ؟ وتثبت النون الخفيفة أو الثقيلة إنْ شئتَ, وتسقط الياء لالتقاء الساكنين، فيصير: هل تضربِنْ في الوصل وكان في الأصل تضربينَ, وإذا وقفت قلت: هل تضربين, فأعدت النون التي كانت للرفع؛ لأنك لا تقفُ على النون الخفيفة ولا يجوز أن تسقطها لأنك لم تأت بما تسقط من أجله، وكذلك هل تضربونَ وهل تضربانِ؟ فأما الثقيلة فلا تتغير في الوقف، وإذا كان بعد الخفيفة ألف ولام ذهبت لالتقاء الساكنين, تقول: اضربا الرجل. وإذا أردت فِعلَ الاثنين في الخفيفة كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة في فعلِ الاثنين في الوصل والوقف؛ لأنك لو أتيت بها لاحتجت إلى تحريكها لأنها بعد ألفٍ وهي لا تحرك وذلك قولك: اضربا وأنت تنوي النونَ, وإذا أردت الخفيفة في فعلِ جمعِ النساء قلت في الوقف والوصل: اضربِنْ زيدًا, فيكون بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة, ولو أتيت بها للزمكَ أن تقول: اضربنانِ زيدًا فتأتي بالألف لتفصلَ بين النونين وتكسر النون لالتقاء الساكنين فتحركها وهي لا تحركُ. قال سيبويه: وأما يونس وناسٌ من النحويين فيقولون: اضربانْ زيدًا واضربنانْ زيدًا, ويقولون في الوقف: اضربا, واضربْنَا فيمدونَ1. فإذا وقع بعدها ألف ولام أو ألفُ وصلٍ جعلوها همزة مخففة، وهذا لم تفعلْهُ العرب، والقياس أن يقولوا في اضربنْ: اضربِ الرجلَ, فيحذفون لالتقاءِ الساكنين.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 157.

مسائل من باب النون

مسائل من باب النون: تقول في المضاعف من الفعل: رُدّن يا هذا، وردّانِ، ورُدُّن وكان قبل النون ردّوا، فسقطت الواو لالتقاء الساكنين، وتقول في المؤنث: رُدّن وكان قبل النون: ردي، فسقطت الياء لالتقاء الساكنين، وتثنية المؤنث كتثنية

المذكر, تقول: رُدّانِ يا امرأتانِ وتقول لجماعة النساء: ارددنانِ وكان قبل النون: ارددنَ, فجئت بالألف لتفصل بين النونات. وتقولُ: قولنْ وقولانِ وقولَنَّ, والمؤنث قولِنَّ, وقولانِ يا امرأتانِ وقُلنانِ يا نسوةُ, وقس على هذا جميع ما اعتلتْ عينه, وكذلك ما اعتلتْ لامه؛ اقضين زيدًا واقضيانِ واقضين تسقط الواو لسكون النون الأولى, اقضينَ يا امرأةُ تسقط ياءين, التي هي لام الفعل وياء التأنيث, أما لام الفعل فتسقط كما تسقط في "تقضينَ" لالتقاء الساكنين لأنها ساكنة وياء التأنيث ساكنة, وتسقط ياء التأنيث من أجل سكون النون الأولى فإن جمعت قلت: اقضينانِ, والكوفيونَ يحكون إذا أمرت رجلًا: اقضِنَّ يا هذا بكسر الضاد وإسقاط الياء, كأنهم أسقطوا الياءَ لسكونها وسكون النون هكذا اعتلوا. وعندي أنا: الذي فَعلَ هذا إنما أدخلَ النون على "اقضِ" ولم يجد ياءً فترك الكلام على ما كان عليه وهذا شاذ وتقول مِنْ دعوتُ: ادعون زيدًا أو ادعوان وادعنْ للجماعة, سقطت الواوان في "ادعن" الواو التي هي لام الفعل سقطتْ لدخول واو الجمع وسقطت واو الجمع لدخول النون الأولى وهي ساكنة. وتقول للواحدة: ادعَنْ, سقطتْ واوٌ وياءٌ, فالواو لام الفعل سقطت لدخول الياء التي هي للمؤنث حين قلت: ادعي, وسقطت الياء للنون فصار ادعن وتقول: للاثنين: ادعوان مثل المذكرين وللجماعة: ادعونانِ لأنكَ تقول قبل النون: ادعون زيدًا مثل اقضينْ زيدًا, ثم تأتي بالألف إذا أردت النون الشديدة فتفصلُ بين النوناتِ لئلا تجتمع، كما تقول: اقضنانِ زيدًا، وتقول من خَشيتَ: اخشَينَ زيدًا يا هذا واخشينانِ زيدًا يا هذان واخشُون زيدًا يا نسوةُ, تحرك الواو بالضم. وحكمُ هذا الباب أَنَّ كل واوٍ وياءٍ تحركت فيه إذا لقيتها لامُ المعرفة تحركت هنا، وإنْ كانت تسقط هناك لالتقاء الساكنين سقطت هنا؛ فلهذا قلت: اخشُون زيدًا, ضممتَ الواو كما تَضمُّها إذا قلت: اخشُوا الرجلَ وتقول للمرأة: اخشين زيدًا كما تقول: اخشي الرجلَ وتثنية المؤنث كتثنية المذكر، وتقول لجماعة النساء: اخشين زيدًا والكوفيون يحكون: اخشَن يا رجلُ بإسقاط الياء من "اخشين" وهذا

نظيرُ "اقضِن" وحكوا: لا يخفن عليكَ, يريدون: لا يخفين عليكَ، وقال الفراء: هذه لغة طيءٍ؛ لأنهم يسكنون الياء في النصب ولا ينصبونَ, والنونُ لا تشبه ذلك. وتقول: لا تضربني ولا تضربننا, ومنهم من يخفضُ لكثرة النونات فيقول: لا تضربني ولا تضربنَا, والكوفيون يحكون: اضربن يا رجلُ ينوون الجزم, قد ذكرنا جميع أصناف الأسماء المعربة والمبنية والأفعال المبنية, وبقيَ ذكر الحروف مفردةً.

باب الحروف التي جاءت للمعاني

باب الحروف التي جاءت للمعاني مدخل ... باب الحروف التي جاءت للمعاني: قد ذكرنا أول الكتاب ما يعرفُ به الحرف والفرق بينه وبين الاسم والفعل، وإنما هي أدوات قليلة تدخل في الأسماء والأفعال وتحفظ لقلتها, وسنذكرها بجميع أنواعها وكلها مبني, وحقها البناء على السكون وما بنيَ منها على حركة فإنما حرك لسكون ما قبله أو لأنه حرف واحد فلا يمكن أن يبتدأ به إلا متحركًا، وهي تنقسم أربعة أقسامٍ: ساكنٌ يقال لهُ موقوفٌ, ومضمومٌ, ومكسور, ومفتوح الأولِ. الموقوف: ويبدأ بما كان منه على حرفين وذلكَ أَمْ، وأَوْ، وهَلْ وتكون بمعنى: "قَدْ", ولَم نفيُ فَعَلٍ, ولَنْ نفيُ سيفعلُ, فإنْ للجزاء ووجوب الثاني لوجوب الأول، وتكون لغوًا في "ما إنْ يفعلُ" وتكون "كما" في معنى "ليسَ" قال الشاعر: وَرجِّ الفتى لِلخَيْرِ ما إنْ رأَيتَهُ1

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 306 على زيادة "إن" بعد "ما" للتوكيد، وما ههنا مؤدية عن معنى الزمان، فموضعها نصب على الظرفية. وهو صدر بيت عجزه: على السن خيرًا لا يزال يزيد والمعنى: وجه للخير ما رأيته يزيد خيره بزيادة سنه ويكف عن صباه وجهله، ولم يعرف قائل هذا البيت. وانظر: شرح السيرافي 5/ 513, والخصائص 1/ 110, والارتشاف 383، ومفاتيح العلوم للسكاكي/ 53، وابن يعيش 8/ 130، والمغني 2/ 756.

ومن ذلك "أنْ" المفتوحة يكون وما بعدها بمنزلة المصدر، وتكون بمنزلة "أَي" وتكون مخففة من الثقيلة وتكون لغوًا نحو قولك: لمَّا أَنْ جَاءَ. وأما واللهِ أَنْ فَعَلْتَ, فأما كونها بمنزلة المصدر فقولك: أَنْ تأتيني خيرٌ لَك واللام تحذف من أَنْ كقوله: أَنْ تقتلَ أحدهما وأنْ كانَ ذَا مالٍ, ويجوز أن تضيف إلى "أَنْ" الأسماء تقول: إنهُ أَهلٌ أَن يفعلَ ومخافة أَن يفعلَ، وإنْ شئت قلت: إنَّهُ أهلٌ أنْ يفعلَ ومخافةُ أنْ يفعلَ, وإنَّهُ خليقٌ لأَنْ يفعلَ, وإنَّهُ خليقٌ أنْ يفعلَ, وعسيتَ أَنْ تفعلَ, وقاربتَ أَنْ تفعلَ ودنوتَ أَنْ تفعلَ، ولا تقول: عسيتَ الفعل ولا للفعلِ وتقول: عسى أَنْ يفعلَ وعسى أَن يفعلا وعسى أَن يفعلوا، وتكون عسى للواحد وللاثنين وللجميع, والمذكر والمؤنث. ومن العرب من يقول: عَسى, وعَسيا، وعسوا، وعسيتُ، وعسيتِ، وعسينَ، فمن قال ذاك كانت "أَنْ" فيهن منصوبةً, ومن العرب من يقول: عس يفعلُ فشبهها بكادَ يفعلُ، فيفعلُ في موضعِ الاسمِ المنصوب في قوله: عسَى الغويرُ أَبؤسًا1. فأما "كادَ" فلا يذكرونَ فيها "أَنْ" وكذلك كربَ يفعلُ ومعناهما واحدٌ, وجعلَ وأَخذَ فالفعلُ هنا بمنزلة الفعلِ في "كانَ" إذا قلت: كانَ يقولُ, وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثَم وقد جاء في الشعر: كادَ أن يفعلَ, ويجوزُ في الشعر: لعلِّي أَن أفعلَ بمنزلة عسيتُ أَنْ أفعلَ، وتقول: يوشكُ أَنْ تجيءَ، فيكون موضعُ "أَن" رفعًا, ويجوز أن يكون نصبًا وقد يجوز: "يُوشكُ" تجيء بمنزلة "عسَى" قال أمية بن أبي الصلتِ:

_ 1 هذا مثل استشهد به سيبويه 1/ 478 وفي مجمع الأمثال 2/ 17 "الغوير: تصغير غار, والأبؤس جمع بؤس وهو الشدة". وأصل هذا المثل فيما يقال من قول الزباء, حين قالت لقومها عند رجوع قصير من العراق ومعه الرجال, وبات بالغوير على طريقه: عسى الغوير أبؤسًا، أي: لعل الشر يأتيكم من قبل الغار. وهو يضرب للرجل يخبر بالشر فيتهم به. وانظر: مجالس ثعلب/ 372, ومعجم البلدان 4/ 220, واللسان 19/ 284, والخزانة 4/ 78-79, وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 2/ 50.

يُوشكُ مَنْ فُرَّ مِنْ منيتهِ ... في بعضِ غراتهِ يُوافقُها1 قال سيبويه: وسألتهُ, يعني الخليل عن معنى أريدُ لأَنْ تفعلَ؟ فقال: المعنى إرادتي لهذا, كما قال تعالى: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} 2. وأما "أنْ" التي بمعنى "أيْ" فنحو قوله: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} 3 ومثله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّه} 4 فأما كتبت إليه أن افعل، وأمرتهُ أَنْ قُمْ فتكون على وجهينِ: على التي تنصب الأفعالَ وعلى "أَي" ووصلك لها بالأمرِ كوصلِكَ للذي يفعلُ إذا خاطبتَ, والدليل على أنَّها يجوز أن تكون الناصبة قولُكَ: أَوعز إليهِ بأَن افعلْ وقولُهم: أرسل إليه أنْ ما أَنتَ وذَا فهي على أي والتي بمعنى أَنْ لا تجيء إلا بعد استغناء الكلام؛ لأنها تفسيرٌ وأما مخففةٌ من الثقيلة فنحو قوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 5، يريدُ "أَنهُ" ويجوز الإِضمار بعد أَنْ هذه وقولُكَ "كأنَّ" وهي أنَّ دخلت عليها الكاف6 كما دخلت على ما خففت منه, وقال سيبويه:

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 479 على إسقاط أن بعد يوشك ضرورة كما أسقطت بعد "عسى" والمستعمل في الكلام إثباتها، ومعنى يوشك يقارب، والغرة: الغفلة عن الدهر وصروفه أي: لا ينجي من المنية شيء. وانظر: الكامل 43, والصاحبي 172, والمفصل للزمخشري 172, وابن يعيش 7/ 126, والتصريح 1/ 206, والأشموني 1/ 444, وشواهد الألفية للعاملي 102. 2 الزمر: 12, في سيبويه 1/ 479 كما قال عز وجل:.... الآية, إنما هو أمرت لهذا. 3 سورة ص: 6. 4 المائدة: 117. 5 يونس: 10 وانظر الكتاب 1/ 480. 6 اتفق البصريون والكوفيون على تركيب "كأن" فقد ذكر الفراء أنها مركبة من "إن" وكاف التشبيه والأصل: إن زيدًا كأسد، ثم قدم الكاف للاهتمام بالتشبيه، وفتحت همزة إن؛ لأن المكسورة لا تقع بعد حرف الجر. وانظر الكتاب 3/ 67، وشرح الكافية 2/ 334, والهمع 9/ 133.

لو أنَّهم جعلوا أن المخففة بمنزلة إنَّما كان قويا1 وفي هذا البابِ شيءٌ مشكلٌ أنا أبينهُ. اعلم: أن الأفعال على ضروب ثلاثة: فضرب منها يقين وهو عَلِمتُ وضَرب هو لتوقعِ الشيءِ نحو: رجوتُ وخفتُ، وضربٍ هو بينهما يحمل على ذا, وعلى ذَا نحو: ظننتُ وحسبتُ. واعلم: أن "أنّ" إنما هي لما تتيقنه ويستقر عندك و"أَنْ" الخفيفة إنما هي لما لَم يقعْ نحو قولك: أُريد أَنْ تذهبَ، فإذا كانت أن الخفيفة بعد "علمتُ" فهي مخففةٌ من الثقيلة وإذا خففت أتى بلا والسين وسوف عوضًا مما حذف, وجعلوا حذفها دليلًا على الإِضمار, وقد ذكروا فيما تقدم و"أَنْ" التي تنصب بها الأفعال تقع بعد رجوت وخفتُ؛ تقول: خفتُ أَنْ لا تفعلَ. فأما بعد حسبت وظننت فإنها تكون على ضربين: إنْ كان حسبانكَ قد استقر كانت مخففة من الثقيلة وإن حملته على الشك كانت خفيفة كقوله: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 2, تقرأ بالرفع والنصب, فمن رفع فكأنه أرادَ وحسبوا أَنْ لا تكون لما استقر تقديرهم فصار عندهم بمنزلة اليقين وهذا مذهب مشايخنا3. وقد حكي عن المازني نحو منه ثم يتسعون فيحملون "رجوتُ" على علمتُ إذا استقر عندهم الرجاء وهذا أبعدها. وحكي عن أبي العباس ولستُ أحفظهُ من قوله, أنه إن سُئلَ عن "أَنْ" الخفيفة المفتوحة ومواضعها قال: "أنْ" الخفيفة المفتوحة أصلها أَنَّ المفتوحة الثقيلة في جميع أحوالها، وإنها مفتوحة كما انفتحت أَنَّ المعمول فيها كأنما خففت أنَّ فصارت أنْ مخففة, فلها في الكلام موضعان: أحدهما تقع فيه على

_ 1 انظر الكتاب 1/ 466. 2 المائدة: 71 "والقراءتان برفع الفعل ونصبه من السبعة". غيث النفع/ 86, والنشر 2/ 255. 3 انظر المقتضب 2/ 32 و3/ 7-8.

الأسماء والأخبار, والآخر: تقع فيه على الأفعال المضارعة للأسماء. فأما كون وقوعها على الأسماء والأخبار, فإن ذلك لها إذا دخلت محل "أَنَّ" الثقيلة أعني: في التأكيد للابتداء والخبر, فإذا كانت بهذه المنزلة لم يقع عليها إلا فعل واجب وكانت مؤكدة لما تدخل عليه, وأما كون وقوعها على الأفعال المضارعة فلأنَّ العامل فيها غير واجب ولا واقع، وإنما يترجى كونه ووقوعه فإذا وجدت العامل فيها واجبًا على "أن" ففتحتها وأوقعتها على المضمر وجعلته اسمًا لها. وأما قولهم: أما أَن جزاكَ الله خيرًا، أو أما أنْ يغفر الله لكَ, قال سيبويه: إنما جاز لأنه دعاءٌ وقال: سمعناهم يحذفونَ إنَّ المكسورة في هذا الموضع، ولا يجوز حذفها في غيره. يقولون: أما إنْ جزاكَ الله خيرًا1، وهذا على إضمار الهاء في المحذوفة وقال: يجوزُ ما علمتُ إلا أنْ تأتيهُ إذا أردت معنى الإِشارة، لا أنكَ علمتَ ذلك وتيقنتهُ2, والمبتدأ وخبره بعد "أَن" يحسنُ بلا تعويض تقول: قَد علمتُ أَن عمرو ذاهبٌ وأَنت تريدُ "أَنهُ" ويجوز: كتبتُ إليه أن لا تقلْ ذاكَ، وأَن ترفعَ "تقولُ" وأنْ تنصب, فالجزم على النهي، والنصبُ على "لئلا", والرفعُ على "لأنَكَ لا تقول" أو بأنَّكَ لا تقول وقد تكون أَنْ بمنزلة لام القسم في قول الله: {أنْ لَوْ فَعَلَ} وتوكيدًا في قوله: لَما أَن فَعَلَ. ومن الحروف "مَا" وهي تكونُ نفي هو يفعلُ إذا كان في الحال وتكونُ كلَيْسَ في لغة أهل الحجاز3, وتكون توكيدًا لغوًا4 تغيرُ الحرفَ عن عمله نحو: إنما وكأَنما ولعلما جعلتهنَّ بمنزلة حروف الابتداء، ومن [ذلك] 5 حيثما

_ 1 انظر الكتاب 1/ 482. 2 انظر الكتاب 1/ 482. 3 في الكتاب 1/ 28 "وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس، إذ كان معناها كمعناها". وانظر الخصائص 1/ 125, وأمالي ابن الشجري 2/ 260, والإنصاف/ 107. 4 قال المبرد في المقتضب 2/ 54: "فما" تدخل على ضربين: أحدهما: أن تكون زائدة للتوكيد فلا يتغير الكلام بها عن عمل ولا معنى. 5 أضفت كلمة "ذلك" لإيضاح المعنى.

صارت بمجيء "ما" بمنزلة "إنْ" التي للجزاء وما في "لمَّا" مغيرة عن حال لم كما غيرت "لو ما" ألا ترى أنك تقول: "لمَّا" ولا تتبعها شيئًا, ومنها "لا" وهي نفي لقوله يَفْعل ولم يقع الفعلُ، وتكون "كما" في التوكيد واللغو في قوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} 1 وهو لأن يعلم ولا تكون توكيدًا إلا في الموضع الذي لا يلتبس فيه الإِيجاب بالنفي من أجل المعنى. وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعلُ "مَا" وذلك قولك: "لولا" غيرت معنى لَو وستبين إذا ذكرنا معنى "لو" وكذلك هَلا صيرتْ "لا" هل في معنى آخر، وتكون ضدا لنَعَمْ وَبَلى, ومنها "لوْ" وهو كان التي للجزاء لأَنَّ إنْ توقع الثاني مِنْ أجل وقوع الأول، ولم تمنع الثاني من أجل امتناع الأول تقول: إنْ جئتني أكرمتك فالإِكرامُ إنما يكون متى إذا كان منك مجيءٌ وتقول: لو جئتني لأكرمتُكَ، والمعنى: أنه امتنع إكرامي من أجل امتناع مجيئك. وقال سيبويه: "لو" لما كان سيقع لوقوع غيره2، وهو يرجع إلى هذا المعنى؛ لأنه لم يقع الأول لَمْ يقع الثاني, فتقدير إنْ قبل "لَو" تقول: إنْ أتيتني أَتيتكَ, يريد فيما يستقبل, فإذا لم تفعلْ وطالبتكَ بالإِتيان قلت: لو أتيتني أَتيتُكَ. ومنها "لَولا" وهي مركبة مِنْ معنى إنْ ولَو, وتبتدأ بعدها الأسماء وذلك أنها تمنع الثاني لوجود الأول, تقول: لَولا زيدٌ لهَلكنا تريدُ: لولا زيدٌ في هذا المكان لهلكنا, وإنما امتنع الهلاك لوجود زيدٍ في المكان وقال عز وجل: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} 3 وقد يستعملونها بمعنى هَلا يولونها الفعل، ومنها "كي" وهي جواب لقوله: كيمه, كما تقول: لِمه4. ومنها "بَلْ" وهي لترك شيءٍ من الكلام وأخذٍ في غيره. ومنها "قَدْ" وهي جوابٌ لقوله: لمَّا يفعلْ, وزعم الخليل: أَنَّ هذا لقومٍ

_ 1 الحديد: 29، قال سيبويه 1/ 306: وأما "لا" فتكون "كما" في التوكيد واللغو. وذكر الآية وقال: وتكون لا نفيًا لقوله: يفعل ولم يقع فتقول: لا يفعل. 2 انظر الكتاب 2/ 307. 3 سبأ: 31. 4 قال سيبويه 2/ 306: وأما "كي" فجواب لقوله: كيمه، كما يقول: لمه فتقول: ليفعل كذا وكذا.

ينتظرونَ الخبرَ1, وقد تكونُ "قَدْ" بمنزلة رُبَّما. ومنها "يَا" وهي تنبيهٌ وقد ذكرناها في بابِ النداء، ومنها "مِنْ" وهي لابتداء الغايةِ وتكون للتبعيض وتدخل توكيدًا بمنزلة "مَا" إلا أنها تجرُّ, وذلك قوله: ما أتاني من رجلٍ وويحَهُ من رجلٍ أكدتهما بمنْ, وقد ذكرناها فيما تقدمَ. ومنها "مذْ" وهي في قول مَن جَرَّ بَها حرفٌ فهي لابتداء غاية الأيام والأحيان وحقُّ "مذ" أن لا تدخل على ما تدخلُ عليهِ "مِن" وكذلك "مِنْ" لا تدخلُ على ما تدخل عليه "مذ". ومنها "عن" وهي لِمَا عدا الشيء وقد استعملت اسمًا, وقد ذكرتها في الظروف. وذكرها سيبويه في الحروف وفي الأسماء فقال: "عن" اسم إذا قلتَ: مِنْ عَن يمينِ كذا2, وأما "مَع" فهي اسمٌ3 ويدلك على أَنها اسمٌ أنها متحركة، ولو كانت حرفًا لَمَا جاز أَن تحرك العين؛ لأنَّ الحروفَ لا تحرك إذا كان قبلها متحركٌ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 307. 2 انظر الكتاب 2/ 309، قال سيبويه: "وأما عن فاسم إذا قلت: من عن يمينك، لأن "من" لا تعمل إلا في الأسماء". وقال في 2/ 308: "وأما عن فلما عدا الشيء وذلك قولك: أطعمه عن جوع, جعل الجوع منصرفًا تاركًا له قد جاوزه". 3 قال سيبويه 2/ 309: "وإذ وهي لما مضى من الدهر" وهي ظرف بمنزلة "مع".

باب أم وأو والفصل بينهما

باب أم وأو والفصل بينهما: اعلم: أنَّ "أَمْ" لا تكون إلا استفهامًا، وهي على وجهين: على معنى أيهما وأيهم, وعلى أن تكون منقطعة من الأول. فإذا كان الكلام بها بمنزلة أيهما وأيّهم فهو نحو قولك: أزَيدٌ عندكَ أمْ عمرٌو؟ وأزيدًا لقيت أم بشرًا؟ تقديم الاسم أحسن؛ لأَنكَ عنه تسألُ ويجوزُ تقديم الفعل. وإذا قلت: أضَربتَ زيدًا أمْ قتلتَهُ كان البدء بالفعلِ أحَسن لأنك عنهُ تسأل، وتقول: ما أبالي أزَيدًا لقيتُ أمْ عمرًا وسواءٌ عليَّ أزَيدًا كلمتُ أمْ عمرًا، وما أدَري أزيدٌ ثُمَّ عمرو أدخلت حرف الاستفهام للتسوية وعلى ذا: ما أدري أقامَ أمْ قعدَ على التسوية. وأما المنقطعة، فنحو قولك: أعَمرٌو عندكَ أمْ عندكَ زيدٌ؟ وإنَّها لإِبلٌ أَمْ شاءٌ؟ ويجوز حذف ألف الاستفهام في الضرورة. فأما "أو" فقد ذكرناها مع حروف العطف كما ذكرنا أمْ, وقد تختلطُ مسائلهما لاشتراك بينهما في بعض المعاني. واعلم: أنَّ "أَوْ" إنما تثبت أحد الشيئين أو الأشياء, وأنَّ أَمْ مرتبتها أنْ تأتي بعد أو, ويقول القائل: لقيَ زيدٌ عمرًا أوْ خالدًا, فيثبت عندك أنه قد لقيَ أحدهما إلا أنكَ لا تدري أيَّهما هو فتقول: حَسبَ أعَمرًا لقيَ زيدٌ أَمْ خالدًا. وكذلك إذا قال لك القائل: قد وهبَ لكَ أبوك غلامًا أوْ جاريةً, فقد ثبت عندك أن أحدهما قد وهب لك, إلا أنك لا تدري أَغلامٌ أم جاريةٌ, فإذا سألتَ أباكَ عنْ ذلك قلتَ: أَغلامًا وهبتَ لي أمْ جاريةً؟ وتقول: أَيَّهم تضربُ أو تقتلُ؟ ومن يأتيكَ أو يحدثكَ؟ لأن "أَمْ" قد استقر على أَي ومَنْ, وكأنَّكَ قلتَ: زيدًا أمْ عمرًا تضربُ أوَ تقتلُ؟ ثم أَتيت بأَي موضع زيدٍ وعمرٍو

فقلت: أيهما تضربُ أوْ تقتلُ؟ وعلى هذا يجري "مَا ومَتى وكيفَ وأينَ" لأن جميع هذه الأسماء إذا كانت استفهامًا فقد قامت مقام الألف وأمْ جميعًا. واعلم: أن جواب أوْ, نَعَمْ أو لا, وجواب "أَم" الشيء بعينه؛ إن سأل سائلٌ عن اسم أجبت بالاسم وإن سأل عن الفعل أجبتَ بالفعل، إذا قال: أَزيدٌ في الدارِ أَوْ عمرٌو؟ فالجوابُ نَعَمْ أو لا؛ لأن المعنى: أَأَحدهُما في الدار؟ وجوابُ أَأَحدهما في الدار: نَعَمْ أو لا, وكذلك إذا قال: أَتقعدُ أو تقومُ؟ فالجوابُ: نَعمْ أو لا, فإن قال: أزيدٌ أم عمرو في الدار؟ فالجواب أن تقولَ: زيدٌ إذا كانَ هو الذي في الدار. وكذلك إذا قال: أَتقومُ أمَ تقعدُ؟ قلت: أَقعدُ, "فأَوْ" تثبتُ أَحدَ الشيئين أَو الأشياء مبهمًا وأم تقتضي وتطلب إيضاح ذلك المبهم, و"أَوْ" تقوم مقامَ "أَمْ" مع هل وذلك لأنكَ لم تذكر الألف وأو لا تعادلُ الألفَ وذلك قولُهم: هَلْ عندكَ شعيرٌ أو برٌّ أو تَمرٌ؟ وهل تأتينا أو تحدثنا؟ لا يجوز أن تدخلَ "أَمْ" في "هَلْ" إلا على كلامين وكذلك سائر حروف الاستفهام وتقول: ما أدري هَل تأتينا أو تحدثنا؟ يكون في التسوية كما هو في الاستفهام وإذا قلت: أَزيدٌ أفضل أَمْ عمرو؟ لا يجوز إلا "بأَمْ" لأنك تسأل عن أيهما أفضلُ ولو قلت: "أَو" لم يصلح؛ لأن المعنى يصير أحدهما أفضل فليسَ هذا بكلام ولكنك لو قلت: أَزيدٌ أو عمرو أَفضلُ أم خالدٌ؟ جاز لأنَّ المعنى أحد ذَينِ أفضل أمْ خالدٌ؟ وجواب هذه المسألة أن تقول: خالدٌ إنْ كان هو الأفضل، أو أحدهما إنْ كان هو الأفضل, ويوضح هذه المسألة أن يقول القائل: الحسنُ أو الحسينُ أَشرفُ أم ابن الحنفيةِ؟ فالجواب في هذه المسألة أن تقول: أحدهما بهذا اللفظ ولا يجوز أن تقول: الحسنُ دونَ الحسينِ أو الحسينُ دونَ الحسنِ؛ لأنه إنما سألك: أأَحدهما أَشرفُ أَم ابن الحنفيةِ؟ وكذَاكَ الدرُّ أو الياقوتُ أَفضلُ أم الزجاج؟ فالجواب أحدهما, فإن كان قال: الزُّجاجُ أو الخزفُ أفضلْ أم الياقوت؟ قلت: الياقوتُ. وتقول: ما أدري أقامَ أو قعدَ، إذا لم يطل القيام ولم يبن من سرعته وكان بمنزلة ما لم يكن, كما تقول: تكلمتُ ولَم أَتكلم فيجوز أن يكونَ ثمَّ كلامٌ ولكنه لقلّته جعلهُ بمنزلة مَنْ لم يتكلمْ، ويجوز أن يكون لَم يبلغ

به المراد فصار بمنزلة مَنْ لم يتكلم، وهذا في الحكم بمنزلة قولك: صليتَ ولَمْ تصلِّ فإذا قال: ما أَدري أقام أو قعدَ، وهو يريد ذا المعنى فهو قد عَلمَ منه قيامه, ولكنه لم يعتد به وليس "لأمْ" هنا معنى؛ لأنهُ إذا قال: ما أَدري أَقامَ أمْ قعدَ, فقد استوى جهلهُ في القيام والقعود، وههنا قيام قد علم إلا أنه جعل بمنزلة ما يشك فيه لما خبرتك، فعلى هذا تقول: ما أدري أَقامَ أو قعدَ إذا كان لم يبن قيامهُ حتى قعدَ, فهذا الباب كله إنما جعل بأَوْ. وكذلك أَأَذنَ أو أقامَ إذا كان ساعة إذنٍ أقامَ، وما أدري أَبكى أو سكتَ لأنهُ لم يعد بكاؤهُ بكاءً ولا سكوته سكوتًا، فإن كان لا يدري أَأَذنَ أم أَقامَ قال: ما أدري أَأذنَ أم أقامَ كما تقول: ما أدري أَزيدٌ في الدار أو عمرٌو، إذا كنت تستيقن أن أحدهما في الدار ولا تدري أيهما هو.

باب ما جاء من ذلك على ثلاثة أحرف

باب ما جاء من ذلك على ثلاثة أحرف: فمن ذلك "عَلَى" ذكر محمد بن يزيد أنها تكون حرفًا واسمًا وفعلًا1، وأنّ جميع ذلك مأخوذٌ من الاستعلاء وقد ذكرتها فيما تقدم. وقال سيبويه: "عَلى" معناها استعلاءُ الشيءِ، ويكون أَن تطوي مستعليًا كقولك: أمررت يدي عليه ومررتُ على فلانٍ كالمثل, وكذلك علينا أميرٌ وعليه دينٌ؛ لأنهُ شيءٌ اعتلاهُ2, ويكونُ مررتُ عليه: مررت على مكانه. ويجيءُ كالمثل وهو اسم لا يكونُ إلا ظرفًا، قال3: ويدل على أنه اسمٌ قول بعضهم: غَدَتْ مِنْ عَليهِ4.... ومن ذلكَ "إلى" وهي منتهًى لابتداءِ الغايةِ ومنها "سَوفَ" وهي

_ 1 قال المبرد في المقتضب 1/ 46: وقد يكون اللفظ واحدًا ويدل على اسم وفعل نحو قولك: زيد على الجبل يا فتى، وزيد علا الجبل، فيكون "علا" فعلًا، ويكون حرفًا خافضًا، والمعنى قريب. وقال في ج3/ 53: فأما "على" فلا تصلح إمالتها؛ لأنها من علوت وهي اسم، يدلك على ذلك قولهم: جئت من عليه، أي: من فوقه. 2 انظر الكتاب: 2/ 310. 3 الذي قال هو سيبويه, انظر الكتاب 2/ 310. 4 يشير إلى قول الشاعر مزاحم العقيلي في وصف قطاة: غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض ببيداء مجهل وهو من شواهد سيبويه 2/ 310، على دخول "من" على "على" لأنها اسم في تأويل "فوق" كأنه قال: غدت من فوقه. وصف قطاة غدت عن فرخها طالبة للورد بعد تمام الخمس، وهو أن تبقى عن الماء ثلاثًا بعد يوم الورد ثم ترد اليوم الخامس ليوم الورد، معنى تصل: يصل جوفها يبس من العطش، والصلال والصلصال: كل شيء جاف يصوت إذا قرع كالفخار. والقيض: قشور البيض، يريد أنها كما أفرخت بيضها فهي تسرع في طيرانها إشفاقًا عليها، والبيداء: القفر، والمجهل: الذي لا يهتدى فيه، ويروى البيت: بزيراء مجهل. وانظر: المقتضب 2/ 53, والكامل 488، وأدب الكاتب 500، ومعجم مقاييس اللغة 4/ 116، والمخصص 14/ 57، وابن يعيش 8/ 39، والاقتضاب للبطليوسي 428, والعيني 3/ 311، والخزانة 4/ 253.

تنفيسٌ فيما لم يكن بعد. ألا تراه يقول: سوفتهُ وهذا لفظُ سيبويه1، ومنها "إنَّ" وهي توكيد لقوله: زيدٌ منطلقٌ، وإذا خففت فهي كذلك غير أنَّ لامَ التوكيد تلزمها إذا خفضت عوضًا لما ذهب منها لئلا تلتبس بأن التي للنفي، ومنها "ليت" وهي تَمنٍّ, ومنها بَلى, وهي توجبُ [بها بعد النفي] 2 ومنها نعم وهي عدةٌ وتصديقٌ, قال سيبويه: ولَيس بَلى ونَعَمْ اسمين وإذا استفهمتَ فأجبتَ بنَعمْ3، قال أبو بكر: والدليلُ على أنَّ "نعَم" حرفٌ, أنها نقيضةُ "لا" ومنها "إذن" وهي جوابٌ وجزاءٌ, ومنها إلا وهي تنبيهٌ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 311. 2 التصحيح من سيبويه 2/ 312. 3 انظر الكتاب 2/ 312.

باب ما جاء منها على أربعة حروف

باب ما جاء منها على أربعة حروف: من ذلك: حتى, هي كإلى وقد بين أَمرها في بابها ولها نحو ليس "لإِلى" يقول الرجلُ: إنما أَنا إليكَ أي: أنتَ غايتي ولا تكون "حتى" ههُنا، وهي أَعم في الكلام [من] 1 حتى. تقول: قمتُ إليه فتجعلهُ منتهًى لهُ مِنْ مكانِكَ، ولا تقولُ: حتاهُ، ومنها "لكنْ" خفيفةٌ وثقيلةٌ, توجبُ بها بعد النفي, وقد ذكرناها فيما تقدمَ. لَعَلَّ, قال سيبويه: لعلَّ وعسى طَمعٌ وإشفاق2.

_ 1 أضفت كلمة "من" لإيضاح المعنى، وانظر الكتاب 2/ 310 " ... ولها في الفعل نحو: ليس لإلى ويقول الرجل: إنما أنا إليك ... أي: إنما أنت غايتي، ولا تكون "حتى" ههنا، فهذا أمر "إلى" وأصله وإن اتسعت، وهي أعم في الكلام من "حتى". 2 انظر الكتاب 2/ 311.

باب ما جاء منها على حرف واحد

باب ما جاء منها على حرف واحد: كل هذه التي جاءت على حرف واحد متحركات إلا لام المعرفة, فإنها ساكنة, فإذا أرادوا أن يبدءوا أيضًا أتوا بألف الوصل قبلها، وأما لام الأمر فهي مكسورة, ويجوز أن تسكن ولا تسكن إلا أن يكون قبلها شيءٌ نحو قولك: فليقمْ زيدٌ, فالحروف على ثلاثة أضربٍ: مبني على السكون وعلى الفتح وعلى الكسر؛ فأما المبني على الفتح فواو العطف وليس فيه دليل أن أحد المعطوفين قبل الآخر, والفاء كالواو غير أنها تجعل ذلك بعضه في أثر بعض, وكاف الجر للتشبيه ولام الإِضافة مع المضمر وفي الاستغاثة وواو القسم وتاء القسم بمنزلتها, والسين في "سيفعلُ" وزعم الخليل أنها جواب لَن1, وألف الاستفهام ولام اليمين في لأفعلنَّ، ولام الابتداء في قولك: لزيدٌ منطلقٌ, وأما المبني على الكسر فباء الجر, وهي للإِلزاق والاختلاط، ولام الإِضافة مع الظاهر، ومعناها المُلْك واستحقاقُ الشيء. فجميع هذه جاءت قبل الحرف الذي جيء بها له, فأَما ما جاء بَعْدُ فالكاف التي تكون للخطاب فقط في قولك: ذاكَ, والتاء في أَنتَ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 304.

باب الحرف المبني مع حرف

باب الحرف المبني مع حرف: من الحروف ما يبنى مع غيره ويصير كالحرف الواحد ويغير المعنى؛ فمن ذلك لولا غيرت، "لاَ" معنى لَو, وكذلك لما غيرت "مَا" معنى لَمْ و"مهما" زعموا أنها "ما" ضُمت إليها "مَا" وأبدلوا الألف الأولى هاء1، ولما فعلوا ذلك صار فيها معنى المبالغة والتأكيد، فكأنَّ القائل إذا قال: مهما تفعلْ أَفعلْ فقد قال: لا أصغر عن كبير من فعلكَ ولا أكبر عن صغيرٍ أو ما أشبه هذا المعنى. ومن ذلك "إنَّما" إذا رفعت ما بعدها يصير فيها معنى التقليل, تقول: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ} 2، إذا أردت التواضع, وقال أَصحابنا: إنَّ اللام في "لعل"3 زائدة؛ لأنهم يقولون عَلَّ، والذي عندي أنهما لغتان وأن الذي يقول لَعلَّ لا يقولُ عَلَّ إلا مستعيرًا لغةَ غيره؛ لأَني لَم أَرَ زائدًا لغير معنًى. فإنْ قيل: إنها زيدت توكيدًا فهو قولٌ. ومن ذلكَ كأَنَّ بنيت الكافَ للتشبيه مع أنَّ

_ 1 مهما: مركبة عند الخليل من "ما" أدخلت معها "ما" لغوًا بمنزلتها مع "متى" إذا قلت: متى ما تأتني آتك ... ولكنهم استقبحوا أن يكرروا لفظًا واحدًا، فيقولوا: ما ما، فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى، أما عند سيبويه فمركبة من "مه" ضُم إليها "ما" كما تُضم "ما" إلى "إذ" فتصبح إذ ما فيجازى بها. وانظر الكتاب 1/ 433. 2 قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] . 3 استدل سيبويه على زيادة اللام الأولى في لعل أنها تجيء محذوفة اللام، قال: ألا ترى أنك تقول: علك. انظر الكتاب 2/ 67.

وجعلت صدرًا1، ولولا بناؤها معها لم يجز أن تبتدئ بها إلا وأنتَ تريد التأخير، ومنها: هلاّ بنيت "لا" مع "هَلْ" فصار فيها معنى التحضيض وما لم أذكره فهذا مجراه فيما بني له حرفٌ مع حرفٍ، قال أبو بكر: قد أَتينا على ذكر الاسم والفعل والحرف وإعرابها وبنائها ونحنُ نتبعُ ذلك ما يعرض في الكلام من التقديم والتأخير والإِضمار والإِظهار, إن شاء الله.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 67، 3 من هنا تبدأ نسخة المتحف البريطاني.

باب التقديم والتأخير

باب التقديم والتأخير مدخل ... باب التقديم والتأخير: الأشياء التي لا يجوز تقديمها ثلاثة عشر سنذكرها، وأما ما يجوز تقديمه فكل1 ما عمل فيه فعلٌ متصرفٌ أو كان خبرًا لمبتدأ سوى ما استثنيناه، فالثلاثة العشر التي لا يجوز تقديمها: الصلة على الموصول والمضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى إلا ما جاء على شريطة التفسير2 والصفة وما اتصل بها على الموصوف وجميع توابع الاسم حكمها كحكم3 الصفة، والمضافُ إليه وما اتصل به على المضاف، وما عمل فيه حرف أو اتصل به حرفٌ4 زائدٌ لا يقدم على الحرف وما شبه من هذه الحروف بالفعل فنصب ورفع فلا يقدم مرفوعه على منصوبه، والفاعل لا يقدم على الفعل والأفعال التي لا تتصرف لا يقدم عليها ما بعدها5، والصفات المشبهة بأسماءِ6 الفاعلين، والصفات التي لا تشبه أسماء الفاعلين لا يقدم عليها ما عملت فيه، والحروف التي لها صدر الكلام لا يقدم ما بعدها على ما قبلها، وما عمل فيه معنى الفعل فلا

_ 1 في الأصل: "وكلما". 2 الواو ساقطة في "ب". 3 في "ب" حكم. 4 زيادة من "ب". 5 الواو ساقطة في "ب". 6 "بأسماء" ساقطة في "ب".

يقدم المنصوب عليه، ولا يقدم التمييز [وما عمل فيه معنى الفعل] 1, وما بعد إلا, وحروف الاستثناء لا تعمل فيما قبلها ولا يقدم مرفوعه على منصوبه2، ولا يفرق بين الفعل العامل والمعمول فيه بشيءٍ لم يعمل فيه الفعل3.

_ 1 زيادة من في "ب". 2 ولا يقدم مرفوعه على منصوبه, ساقط في "ب". 3 نقل السيوطي هذا الباب حرفيا من الأصول. وانظر: الأشباه والنظائر 1/ 143.

شرح الأول من ذلك وهو الصلة

شرح الأول من ذلك: وهو الصلة: لا يجوز أن تقدم على الموصول؛ لأنها كبعضه وذلك نحو صلة "الذي" وأَنْ فالذي توصل بأربعة أشياء؛ بالفعل والفاعل والمبتدأ والخبر وجوابه والظرف ولا بدّ من أن تكون في صلتها ما يرجع إليها، والألف واللام إذا كانت بمنزلة "الذي" فصلتها1 كصلة "الذي" إلا أنكَ تنقل الفعلَ إلى اسم الفاعلِ في "الذي" فتقول في "الذي قامَ": القائمُ, وتقول في "الذي ضَربَ زيدًا": الضاربُ زيدًا, فتصير الألف واللام اسمًا يحتاج إلى صلة، وأنْ تكون في صلته ما يرجع إلى الألف واللام, فلو قلتَ: "الذي ضَربَ زيدًا عمرٌو" فأردت أن تقدم زيدًا على "الذي" لم يجزْ ولا يصلح أن تقدم شيئًا في الصلة ظرفًا كان أو غيره على "الذي" ألبتة، فأما قوله: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} 2 فلا يجوز أن تجعلَ "فيه" في الصلة. وقد كان بعضُ مشايخ3 البصريين يقول: إنَّ الألف واللام ههنا ليستا في معنى "الذي" وإنَّهما دخلتا كما تدخلان على الأسماء للتعريف، وأَجاز أن يقدم عليها إذا كانت بهذا المعنى ومتى كانت بهذا المعنى لم يجزْ أن يعمل ما دخلت عليه في شيءٍ فيحتاج فيه إلى عامل فيها, قال [أبو بكر] 4: وأنا أظن أنهُ مذهبُ أَبي العباسِ [يعني أنَّ

_ 1 في "ب" وصلتها. 2 يوسف: 20. 3 في "ب" المشايخ. 4 زيادة من "ب".

الألفَ واللامَ للتعريفِ] 1 والذي عندي فيه: أنَّ التأويل "وكانوا فيه زاهدين من الزاهدين" فحذف "زاهدينَ" وبينَهُ [بقولِه] 2: {مِنَ الزاهدينَ} وهو قول الكسائي, ولكنه لم يفسر هذا التفسيرَ وكان هو والفراءُ لا يجيزانِه إلا [في] 3 صفتين في "مِن وفي" فيقولان: "أَنتَ فينا مِنَ الراغبينَ4، وما أَنت فينا من الزاهدينَ" وأما "أَنْ" فنحو قولكَ: "أَن تقيمَ الصلاةَ خيرٌ لكَ" لا يجوز أن تقول: "الصلاةُ أنْ5 تقيمَ خيرٌ لكَ" ولا تقدمُ "تقيمُ" على "أَنْ" وكذلك لو قلت: "أنْ تقيمَ الصلاةَ الساعةَ خيرٌ لكَ" لم يجزْ تقديمُ "الساعةَ" على "أَنْ" وكذلك إذا قلت: "أَأَنْ تلد ناقتكم6 ذكرًا أَحبُّ إليكم7 أَمْ أُنثى" لم يجز أن تقول: أَذكرًا أَأنْ8 تلدُ ناقتكُم أَحبُّ إليكم أم أُنثى؛ لأن "ذكرًا" العاملُ فيهِ "تلدُ" وتلدُ في صلة "أَنْ" وكذلك المصادر التي في معنى "أَن نفعلَ"9 لا يجوز أن يتقدم ما في صلتها عليها, لو قلت: أَولادةُ ناقتكم10 ذكرًا أَحبُّ إليكم11 أم ولادتُها أُنثى، ما جاز أَن تقدم "ذكرًا" على "ولادةٍ"، وكل12 ما كان13 في صلة شيءٍ من اسمٍ أو فعلٍ مما لا يتمُّ إلا به فلا يجوز أن نفصلَ بينَهُ وبين صلته بشيءٍ غريب منه، لو قلت: "زيدٌ

_ 1 زيادة من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" من الزاهدين. 5 انظر الكتاب 1/ 457, باب الحروف التي لا يقدم فيها الأسماء الفعل. 6 في "ب" ناقتك. 7 في "ب" إليك. 8 في "ب" أن، بهمزة واحدة. 9 أي: المصادر الصريحة. 10 في "ب" ناقتك. 11 في "ب" إليك. 12 في الأصل "وكلما". 13 في "ب" من.

نفسهُ راغبٌ فيكم"1 لم يجزْ أن تؤخر "نفسَهُ" فتجعلهُ بين "راغبٍ" و"فيكم"2 فتقول: زيدٌ راغبٌ نفسهُ فيكم، فإن جعلتَ "نفسَهُ" تأكيدًا لما في "راغبٍ" جاز.

_ 1 في "ب" فيك. 2 في "ب" فيك.

شرح الثاني توابع الأسماء

شرح الثاني: توابع الأسماء. وهي الصفةُ والبدلُ والعطفُ، لا يجوز أن تقدم الصفة على الموصوف، ولا أن تُعملَ الصفة فيما قبل الموصوف، ولا تقدم شيئًا [بصيغة المجهول] 1 مما يتصل بالصفة على الموصوف2، وكذلك البدل إذا قلت: مررتُ برجلٍ ضاربٍ "زيدًا" لم يجز أن تقدم "زيدًا" على "رجل", وكذلك إذا قلت: "هذا رجلٌ يضربُ زيدًا" لم يجز أن تقول: "هذا زيدًا رجلٌ يضربُ" لأن الصفة مع الاسم بمنزلة الشيء الواحد، وكذلك كل ما اتصل بها، فإذا قلت: "عبد الله رجلٌ يأكلُ طعامَكَ" لم يجز أن تقدم "طعامَك" قبل "عبد الله" ولا قبل "رجل". والكوفيون يجيزون إلغاء "رجلٍ" فيجعلونه بمنزلة ما ليس في الكلام فيقولون: "طعامَكَ عبد اللهِ رجلٌ يأكلُ" لا يعتدون "برجلٍ" وتقديره عندهم: "طعامكَ عبد الله يأكلُ" وإلغاء هذا غيرُ معروف، وللإِلغاء حقوق سنذكرها إن شاءَ الله, ولكن هذه المسألة تجوز على غير ما قدروا وهو أنْ تجعل "رجلًا" بدلًا من "عبد الله" ترفعهُ3 بالابتداء وتجعلُ "يأكلُ" خبرًا، فحينئذٍ يصلحُ تقديم "طعامَك"، وأما4 البدلُ فلا يتقدم على المبدلِ منه، وكذلك ما اتصل به لا يتقدم على الاسم المبدلِ منه. وأما العطفُ فهو كذلك

_ 1 زيادة من "ب". 2 لأن الصفة والموصوف كالشيء الواحد. 3 في "ب" فترفعه. 4 في "ب" فأما.

لا يجوز أن يتقدم ما بعد حرف العطف عليه، وكذلك ما اتصل به، والذين أجازوا من ذلك شيئًا أجازوه في الشعر, ولو جعلنا ما جاء في ضرورات الشعر أصولًا لزال الكلام عن جهته, فقدموا حرف النسق مع المنسوق به على ما نُسقَ به عليه وقالوا: إذا لم يكن شيءٌ يرفعُ لم يجزْ تقديم الواو, والبيتُ الذي أنشدوه: عليكِ ورحمةُ اللهِ السلامُ1 فإنما جاز عندهم؛ لأن الرافع في مذهبهم "عليك" وقد تقدم، ولا يجيزونَ للشاعر إذا اضطر أن يقول: "إنَّ وزيدًا عمرًا قائمان" لأن "إنّ" أداةٌ وكل شيءٍ لم يكن يرفع لم يجز أن تليه الواو عندهم على كل حالٍ, فهذا شاذ لا يقاسُ عليه2، وليس شيءٌ منصوب مما3 بعد حرف النسق يجوز تقديمه إلا شيئًا أجازهُ الكوفيونَ فقط, وذلك قولهم: زيدًا قمتُ فَضَربتُ, وزيدًا أَقبلَ عبد اللهِ فشتمَ. وقالوا: الإِقبالُ والقيام هُنا لغوٌ.

_ 1 صدر بيت للأحوص, وقد مر في الجزء الأول 373 من الأصل. 2 في "ب" ليس عليه، ولا معنى له. 3 في "ب" بما.

شرح الثالث وهو المضاف إليه

شرح الثالث: وهو المضاف إليه: لا يجوز أن تقدم على المضاف ولا ما اتصل به، ولا يجوز أن تقدم عليه نفسه ما اتصل به فتفصل به بين المضاف والمضاف إليه إذا قلت: "هذا يومُ تضربُ زيدًا" لَمْ يجزْ أن تقول: "هذا زيدًا يومُ تضربُ"، ولا هذا يومُ زيدًا "تضربُ", وكذلك1: هذا يومُ ضربِكَ زيدًا، لا يجوز أن تقدم "زيدًا"2 على "يومٍ" ولا على3 "ضربِكَ" وأما قولُ الشاعر4:

_ 1 في "ب" فقولك. 2 زيدًا ساقط في "ب". 3 "على" ساقطة من "ب". 4 من شواهد سيبويه 1/ 91 على الفصل بالظرف بين المضاف والمضاف إليه في الضرورة وهو عجز بيت صدره: لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله در................. وساتيدما: جبل بالهند لا يعدم ثلجه أبدًا, ورجح البغدادي أنه نهر قرب أرزن. واستعبرت: بكت. والبيت لعمرو بن قميئة قاله في خروجه مع امرئ القيس إلى ملك الروم وهو الذي عناه بقوله: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا وانظر: المقتضب 4/ 377، ومجالس ثعلب 152، ومعجم البلدان 3/ 168-169، وشرح السيرافي 2/ 72، وابن يعيش 3/ 30، والضرائر 43، والإنصاف 1/ 226، والخزانة 2/ 247، والديوان 2/ 62.

للِه دَرُّ اليومَ مَنْ لاَمَهَا وقوله: كَما خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يومًا ... [يهوديٍّ يُقارِبُ أو يُزِيلُ] 1 فزعموا2: أن هذا لما اضطر فصل بالظرف؛ لأنَّ الظروف3 تقع مواقعَ لا تكون فيها غيرها، وأجازوا: "أَنا طعامَكَ غيرُ آكلٍ" وكان شيخنا يقول: حملته على "لا" إذ كانت "لا" تقعُ موقعَ "غير". [قال أبو بكر] 4:

_ 1 الشطر الثاني زيادة من "ب" وهو من شواهد سيبويه 1/ 91 على الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف للضرورة، والأصل: بكف يهودي، وصف رسوم الدار، فشبهها بالكتابة في دقتها والاستدلال بها، وخص اليهود لأنهم أهل كتاب، وجعل الكتابة بعضها متقارب وبعضها مفترق متباين، ومعنى يزيل: يفرق ويباعد, ونسب الشاهد إلى أبي حية النميري. وانظر: المقتضب 4/ 377، وشرح السيرافي 2/ 72، وأمالي ابن الشجري 2/ 250، وابن يعيش 1/ 103، والعيني 3/ 470، والتصريح 2/ 59. 2 في "ب" فزعم. 3 في "ب" الظرف. 4 زيادة من "ب".

والحق في ذا عندي أنْ يكون طعامُكَ منصوبًا بغيرِ "آكلٍ" هذا، ولكن تقدر ناصبًا يفسره "هذا" كأنك قلت1: أنا لا آكلُ طعامَك، واستغنيت "بغيرِ آكلٍ" ومثل هذا في العربية كثيرٌ مما يضمرُ إذا أتى بما يدل عليه.

_ 1 قلت: ساقط من "ب".

شرح الرابع الفاعل

شرح الرابع: الفاعل: لا يجوزُ أن يقدم على الفعل؛ إذا قلت: "قامَ زيدٌ" لا يجوز أن تقدم الفاعل فتقول: زيدٌ قامَ فترفع "زيدًا" بقامَ ويكون "قامَ" فارغًا، ولو جاز هذا لجاز أن تقول: "الزيدانِ قامَ، والزيدونَ قامَ" تريد: "قام الزيدانِ، وقامَ الزيدونَ" وما قام مقام الفاعل مما لم يُسم فاعلهُ, فحكمه حكم الفاعل إذا قلت: "ضُرِبَ زيدٌ" لم يجز أن تقدم "زيدًا" فتقول: "زيدٌ ضُرِبَ" وترفع زيدًا "بضُرِبَ" ولو جاز ذلك لجاز: "الزيدانِ ضُرِبَ, والزيدونَ ضُرِبَ", فأما تقديم المفعول على الفاعل وعلى الفعل1 إذا كان الفعل متصرفًا فجائزٌ, وأعني بمتصرفٍ أن يقال: [منه] 2 فَعَلَ يفعلُ فهو فاعلٌ، كضَرَبَ يضربُ وهو ضاربٌ, وكذلك اسم الفاعل الذي يعملُ عملَ الفعل حكمهُ حكمُ الفعلِ.

_ 1 على الفعل، ساقط في "ب". 2 زيادة من "ب".

الخامس الأفعال التي لا تتصرف

الخامس: الأفعال التي لا تتصرف: لا يجوز أن يقدم عليها شيءٌ مما عملتْ فيه وهي نحو: نِعْمَ وبِئْسَ وفِعلُ التعجب و"ليسَ" تجري عندي ذلك المجرى؛ لأنها غير متصرفةٍ، ومَه وصَه وعليكَ, وما أشبهَ هذا أبعد في التقديم والتأخير.

السادس ما أعمل من الصفات تشبيها بأسماء الفاعلين وعمل عمل الفعل

السادس: ما أعمل من الصفات تشبيهًا بأسماء الفاعلين وعمل عمل الفعل: وذلك نحو "حَسَنٌ وشديدٌ وكريمٌ" إذا قلتَ: هو كريمٌ حَسبَ الأبِ, وهو حَسَن وجهًا، لم يجز أن تقول: هُوَ وجهًا حَسَنٌ، ولا هُوَ حَسَب الأبِ كريمٌ، وما كان من الصفات لا يشبه أسماء الفاعلين فهو أَبعدُ لهُ من العمل والتقديم، وكل ما كان فيه معنى فعل وليسَ بفعلٍ ولا اسم1 فاعلٍ، فلا يجوزُ أن يتقدم ما عَمِلَ فيهِ عليهِ.

_ 1 تصحيح من "ب" والأصل "والاسم".

السابع التمييز

السابع: التمييز: اعلم: أن الأسماء التي تنتصب انتصاب التمييز لا يجوز أن تقدم على ما عمل فيها، وذلك قولك: "عشرونَ درهمًا" لا يجوزُ: "درهمًا عشرونَ" وكذلك: له عندي رطلٌ زيتًا, لا يجوز: "زيتًا رطلٌ" وكذلك إذا قلت: "هو خيرٌ عبدًا" لا يجوز: "هُو عبدًا خَيرٌ" فإن كان العامل في التمييز فعلًا، فالناس1 على ترك إجازة تقديمه سوى المازني، ومن قال بقوله وذلكَ قولكَ: "تفقأتُ سمنًا" فالمازني يجيز: "سمنًا تفقأتُ"2 وقياس بابه أن لا يجوز؛ لأنه فاعل في الحقيقة وهو مخالف للمفعولات، ألا ترى أنهُ إذا قال: "تفقأتُ شحمًا" فالشحمُ هو المفقأ، كما أنه إذا قال: "هو خيرٌ عبدًا" فالعبدُ هو خيرٌ، ولا يجوز تعريفهُ فبابه أولى به، وإن كان العاملُ فيه فعلًا، وفي الجملة أن المفسر إنَّما "ينبغي أن"3 يكون بعد المفسر، واختلف النحويون في: بطرتِ القريةُ

_ 1 قال سيبويه 1/ 105: وقد جاء من الفعل ما أنفذ إلى المفعول ولم يقوَ قوة غيره مما قد تعدى إلى مفعول, وذلك قولك: امتلأت ماء، وتفقأت شحمًا.. ولا يقدم المفعول فيه, فتقول: ماء امتلأت. 2 انظر: المقتضب 2/ 36، والإنصاف/ 493, وشرح ابن يعيش 2/ 73. 3 ينبغي أن, ساقط في "ب".

معيشتَها، وسفه زيدٌ رأيَه, فقال بعضهم: نصبُه كنصبِ التفسير، والمعنى: "سَفِهَ رأي زيد" ثم حول السفهُ إلى زيدٍ فخرج الرأي مفسرًا فكأن حكمه أن يكون: "سفَه زيدٌ رأيًا" فترك على إضافته ونُصبَ كنصبِ النكرة، قالوا: وكما1 لا يجوز تقديم ما نصب على التفسير لا يجوز تقديم هذا، وأجاز2 بعض التقديم وهو عندي القياس؛ لأن المفسر لا يكون إلا نكرةً، وإنما يجري هذا -والله أعلم- على: جَهِلَ زيدٌ رأيهُ، وضيّعَ زيدٌ رأيهُ, وما أشبه هذا. وكذلك: بطرتْ معيشَتها, كأنه: كرهت معيشتها وأحسبُ البطر أنه كراهيةُ الشيءِ من غير أنْ يستحق أن يكره, وكان شيخنا3 -رحمه الله- لا يجيز: "وجعَ عبد اللهِ رأسَهُ" في تقديمٍ ولا تأخيرٍ؛ لأن "وجعَ" لا تكون متعدية وهي جائزةٌ في قول الكسائي والفراء.

_ 1 في "ب" فكما. 2 في الأصل "وجاز" والتصحيح من "ب". 3 أي: أبو العباس المبرد.

الثامن العوامل في الأسماء والحروف التي تدخل على الأفعال

الثامن: العوامل 1 في الأسماء، والحروف التي تدخل على الأفعال: الأول 2 من ذلك: ما يدخلُ على الأسماء ويعمل فيها, فمن ذلك: حروف الجر، لا يجوز أن يقدم عليها ما عملت فيه، ولا يجوز أن يفرق بينها وبين ما تعملُ3 فيه، ولا يجوز أن يفصل بين الجار والمجرور حشو إلا ما جاء في ضرورة الشعر، لا يجوز أن تقول: "زيدٌ في اليوم الدارِ" تريدُ: "في الدار اليومَ" ولا ما أشبه ذلك، وقد أجاز قومٌ: "لستَ زيدًا بضاربٍ" لأن الباء تسقط، والقياس يوجب أن تضمر فعلًا ينصب "زيدًا" تفسرهُ4

_ 1 في "ب" العاملة. 2 في "ب" فالأول. 3 في "ب" وما عملت. 4 في "ب" تفسيره.

"بضاربٍ" ومن ذلك "إنَّ وأخواتها" لا يجوز أن يقدم عليهن ما عَملن فيه، ولا يجوز أن تفرقَ بينهن وبين ما عَملن فيه بفعلٍ، ولا تقدمُ أخبارهن على أسمائِهن إلا أن تكون الأخبارُ ظروفًا، فإن كان الخبرُ ظرفًا قلت: إنَّ في الدار زيدًا، وإنَّ خلفكَ عمرًا، والظروف يتسع فيهن خاصة، ولكن لا يجوز أن تقدم الظرف على "إنَّ"، ومن الحروف التي لا يقدم عليها ما يليها: "إلا" وجميع ما يستثنى به؛ لأنَّ ما بعد حرف الاستثناء نظيرُ ما بعد "لا" إذا كانت عاطفةً، وقد فسرنا1 هذا فيما تقدم2. وأما الحروف التي تدخلُ على الأفعال فلا تتقدم فيها الأسماء, وهي3 على ضربين: حروفٌ عواملُ، وحروفٌ غير عواملَ، فالحروفُ العوامل في الأفعالِ الناصبةِ نحو: "جئتكَ كي زيدٌ يقولَ ذاكَ"، لا يجوز4: "ولا خفتُ أن زيدٌ يقول ذاكَ"5، ومنها الحروف الجوازم وهي: لَمْ ولمَّا ولا التي تجزمُ في النهي واللام التي تجزم في الأمر6، لا يجوزُ أن تقولَ: "لَمْ زيد يأتِكَ" لأن الجزمَ نظير الجر, ولا يجوز لك أن تفصل بينها وبين الفعلِ بحشو، كما لا يجوز لك أن تفصل بين الجار والمجرور بحشوٍ إلا في ضرورة شعرٍ، ولا يجوز ذلك في التي تعمل في الأفعال فتنصب كراهية أن تشبه بما يعمل في الأسماء؛ لأن الاسم ليس كالفعل كذلك7 "ما يشبههُ"8، ألا

_ 1 في "ب" فسر. 2 شرح هذا/ 324 من الجزء الأول. 3 في "ب" فهي. 4 "لا يجوز" ساقط في "ب". 5 انظر الكتاب 1/ 456-457. 6 لما كان الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، فكما لا يجوز الفصل بين حرف الجر ومعموله، كذلك لا يجوز الفصل بين حرف الجزم ومعموله. 7 قال سيبويه 1/ 457: ومما لا تقدم فيه الأسماء الفعل الحروف العوامل في الأفعال الجازمة وتلك: لم، ولما، ولا التي تجزم الفعل في النهي, واللام التي في الأمر. 8 "ما يشبهه" ساقطة في "ب".

ترى كثرة ما يعمل في الاسم وقلة ما يعملُ في الفعلِ، وحروف الجزاء يقبحُ1 أن يقدم2 الاسمُ معها على3 الأفعال, شبهوها بالجوازم التي لا تخلو من الجزم إلا أنَّ حروف الجزاءِ "فقط"4 جاز ذلك فيها في الشعر؛ لأن حروف الجزاء يدخلها "فَعَلَ ويفعلُ" ويكون فيها الاستفهام، ويجوز في الكلام أن يلي "إن" الاسم إذا لم تجزم نحو قوله: عَاودْ هراةَ وإنْ معمورُها خرِبا5 وإن جزمت فلا يجوز إلا في الشعر؛ لأنها تشبهُ "بلَم"، وإنما جازَ هذا في "إنْ" لأنها أم الجزاء لا تفارقه كما جاز إضمار الفعل فيها حين قالوا: "إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًّا فشرٌّ" وهي على كل حالٍ إنْ لَم يلها فِعلٌ في اللفظ فهو مقدر في الضمير. وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيها ضعيفٌ, ومما جاء في الشعر مجزومًا في غير "إنْ" قول عَدي بن زيدٍ6: فَمَتَى وَاغِلٌ يَنُبْهُم يُحيُّو ... هُ وتُعْطَفْ عليهِ كَأْسُ السَّاقي7

_ 1 في الأصل: يصح، ولا معنى له. 2 في "ب" الأسماء. 3 في "ب" قبل الأفعال. 4 في "ب" فقط ساقطة. 5 من شواهد الكتاب 1/ 457 على تقديم الاسم على الفعل بعد "إن" وحمله على إضمار فعل؛ لأن حرف الشرط يقتضيه مظهرًا أو مضمرًا، وجاز تقديمه مع الفعل الماضي في "إن" لأنها أم حروف الجزاء، فقويت وتصرفت في التقديم والتأخير. قال الأعلم: وهراة: اسم أرض، وقال ياقوت: هراة: مدينة عظيمة من أمهات مدن خراسان زارها سنة 607هـ، وهذا الشاهد لم ينسب لقائل معين ولم تعرف بقيته. وانظر الحماسة للمرزوقي 1/ 174. 6 في "ب" فإن. 7 من شواهد سيبويه 1/ 458، والواغل: الداخل على الشرب من غير دعوة بمنزلة الوارش في الطعام، ينبهم: ينزل بهم. ورواه البغدادي في الخزانة: فمتى واغل يزرهم..... وانظر المقتضب 2/ 76، وابن الشجري 2/ 332، والإنصاف/ 617، وابن يعيش 9/ 10, والخزانة 1/ 456 و3/ 639، وحماسة البحتري/ 140.

وقال الحسامُ: صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ في حَائِرٍ ... أيْنَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ1 وإذا قالوا في الشعر: "إنْ زيدٌ يأتكَ يكن كَذا" إنما ارتفع2 على فعل هذا تفسيره، وهذا يبين في باب ما يضمر من الفعل, ويظهر إن شاء الله. الضرب الثاني [منه] 3 الحروف التي لا تعمل فمنها 4: "قَدْ" وهي جواب لقوله: "أَفعلُ" كما كانت "ما فعلَ" جوابًا لِهَلْ "فَعَلَ" إذا أخبرت أنه لم يقع، ولما يفعلْ وقد فَعلَ, إنما هُما لقومٍ ينتظرون شيئًا، فمن ثم أشبهت "قَد" لما في أنها لا يفصل بينها وبين الفعلِ، ومن هذه الحروف "سوفَ يفعلُ" لا يجوز أن تفصل بين "سوفَ" وبين "يفعلُ" لأنها بمنزلة "السين" في "سيفعلُ" وهي إثبات لقوله: "لَنْ يفعلَ" ومما شبهَ5 بهذه

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 458 على تقديم الاسم على الفعل مع "أينما" ضرورة، والصعدة: القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف وتعديل، والحائر: المكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف، وإنما قيل له حائر؛ لأن المياه تحير فيه فتجيء وتذهب. وصف امرأة فشبه قدها بقناة وجعلها في حائر؛ لأن ذلك أنعم لها وأشد لتثنيها إذا اختلفت الريح. ونسب البغدادي هذا البيت إلى ابن جعيل. وانظر: المقتضب 2/ 75، وابن الشجري 1/ 332، والإنصاف 618, والعيني 4/ 434، والخزانة 1/ 457 و3/ 460. 2 في "ب" تقع. 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" منها. 5 في "ب" يشبه.

الحروف "رُبَّمَا، وقَلما، وأشباههما" جعلوا "رُبَّ" مع "مَا" بمنزلة كلمة واحدة ليذكر بعدها الفعلُ، ومثل ذلك "هَلاَّ ولولا وألا, ألزموهن لا" وجعلوا كل واحدة مع "لا" بمنزلة حرف واحد، وأخلصوهن للفعلِ حيثُ دخل فيهن معنى التحضيض، وقد يجوز في الشعر تقديمُ الاسم، قال الشاعر: صَدَدْتِ فأَطْوَلْتِ الصُّدُودَ وقَلَّما ... وِصَالٌ على طُولِ الصُّدودِ يَدُومُ1 وهذا لفظُ سيبويه2.

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 12 و1/ 459 على وقوع الجملة الاسمية بعد "قلما" ضرورة؛ لأن ما تكف الفعل "قل" ولا يقع بعد "قلما" إلا الجمل الفعلية. ونسبه الأعلم للمرار الفقعسي، ونسبه سيبويه لعمر بن أبي ربيعة وهو في ديوانه/ 494 في قسم الشعر المنسوب إليه. وأطولت: من طال، وكان عليه أن يقول: أطلت, فقد جاء تصحيح الفعل "أطول" شاذًّا قياسًا. وانظر: المنصف 1/ 191، والمقتضب 1/ 84، وابن يعيش 7/ 116, وشرح السيرافي 4/ 13، والمحتسب 1/ 96، وشرح الرماني 3/ 163، والخصائص 1/ 143، وأمالي ابن الشجري 2/ 139. 2 انظر الكتاب 1/ 459, والتذييل والتكميل 3/ 263.

التاسع الحروف التي تكون صدور الكلام

التاسع: الحروف التي تكون صدور 1 الكلام: هذه الحروف عاملة كانت أو غير عاملةٍ, فلا يجوز أن يقدم ما بعدها على ما قبلها وذلك نحو ألف الاستفهام, و"ما" التي للنفي، ولامُ الابتداء, لا يجوز أن تقول: "طعامَكَ أَزيد آكلٌ" ولا "طعامَكَ لزيدٌ آكلٌ" وإنَّما أَجزنا: إنَّ زيدًا طعامَك لآكلٌ؛ لأن تقدير اللام أنْ يكون قبل "إنَّ" وقد بينا هذا فيما تقدم, هذه اللام التي تكسر "إنَّ" هي لام الابتداء، وإنما فُرقَ بينهما لأن معناهما في التأكيد واحدٌ, فلما أُزيلت عن المبتدأ وقعت2 على خبره, وهي

_ 1 في "ب" صدر. 2 في "ب" أوقعت.

لا يجوز أن تقع إلا على اسم "إنَّ" أو يكون بعدها خبره، فالاسم نحو قولك: "إنَّ خلفَك لزيدًا" والخبرُ نحو: "إنَّ زيدًا لآكلٌ طعامَكَ" فإن قلت: "إنَّ زيدًا آكلٌ لطعامكَ" لم يجز؛ لأنها لم تقع على الاسم ولا الخبر. ومن ذلك "ما" النافية، تقول: "ما1 زيدٌ آكلًا طعامَك"، ولا2 يجوزُ أن تقدم "طعامَكَ" فتقول: "طعامَكَ ما زيدٌ آكلًا" ولا يجوز عندي تقديمهُ وإن رفعت الخبر, وأما الكوفيون3 فيجيزون: "طعامَكَ ما زيد آكلًا" يشبهونها "بلَم" و"لنْ" وأَباهُ البصريون4، وحجة البصريين أنهم لا يوقعون المفعول إلا حيثُ يصلحُ لناصبه أن يقعه، فلما لم يجزْ أن يتقدم الفعلُ على ما لم يجز أن يتقدم ما عَمِلَ فيه الفعل, والفرق بين "مَا" وبين "لَمْ ولَنْ": أنَّ "لَنْ ولَمْ لا يليهما إلا الفعلُ, فصارتا مع الفعلِ بمنزلة حروف الفعل"5. وأجازَ البصريون6: "ما طعامَكَ آكلٌ إلاّ زيدٌ" وأحالها الكوفيونَ إلا أحمد بن يحيى7. ومن ذلك "لا" التي تعمل في النكرة النصب وتُبنى معها لا تكون إلا صدرًا ولا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها وهي مشبهة8 "بإنَّ"، وإنما يقع بعدها المبتدأُ والخبرُ، فكما لا يجوز أن تقدم ما بعد "إنَّ" عليها كذلك

_ 1 في "ب" ما زيدًا، وهو خطأ. 2 في "ب" لا بدون الواو. 3 جوز الكوفيون: ما زيد آكل؛ لأن "ما" بمنزلة لم ولن ولا، لأنها نافية، كما أنها نافية ... وانظر الإنصاف/ 101. 4 لأن "ما" معناها النفي ويليها الاسم والفعل, فأشبهت حرف الاستفهام. وحرف الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله، فكذلك "ما" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وانظر الإنصاف/ 101. 5 في "ب" حروف من الفعل. 6 في "ب" وأجازه. 7 أي: ثعلب. 8 في "ب" تشبه.

هي، والتقديم فيها أَبعدُ لأن "إنَّ" أشبهُ بالفعل منها، فأما "لا" إذا كانت تلي الأسماء والأفعال، وتصرفت في ذلك ولم تُشبه "بليسَ" فلك التقديم والتأخير؛ تقول: "أَنتَ زيدًا1 لا ضاربٌ ولا مكرمٌ" وما أشبه ذلك, ومن ذلك "إنْ" التي للجزاء لا تكون إلا صدرًا، ولا بُدَّ من شرط2 وجوابٍ، فالجزاء مشبه بالمبتدأ والخبر إذ كان لا يستغني أحدهما عن الآخر ولا يتم الكلام إلا بالجميع3 فلا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها، لا يجوز أن تقول: "زيدًا إنْ تضربْ أَضربْ" بأي الفعلين نصبته فهو غير جائزٍ؛ لأنه إذا لم يجز4 أن يتقدم العاملُ لم يجز أن يتقدم المعمولُ عليه5 وأجاز الكسائي أن تنصبهُ بالفعل الأول6، ولم يجزها أحدٌ من النحويين, وأجاز هو والفراءُ أن يكون منصوبًا بالفعل الثاني. قال الفراء: إنما أَجزتُ أن يكونَ منصوبًا بالفعل الثاني وإنْ كان مجزومًا؛ لأنهُ يصلحُ فيه الرفعُ وأن يكون مقدمًا فإذا قلت: "إنْ زيدًا تضربْ آتِكَ" فليس بينهم خلاف "وتضربْ جَزمٌ" إلا أنهم يختلفون في نصب "زيدٍ"، فأَهل البصرة يضمرونَ فعلًا ينصبُ وبعضهم ينصبه بالذي بعدهُ, وهو قولُ الكوفيينَ وأجازوا: "إنْ تأتني زيدًا أضربْ" إلا أنَّ البصريينَ يقولونَ بجزمِ الفعلِ بعد "زيدٍ" وأبى7 الكوفيونَ جزمَهُ، وكان الكسائي يجيزُ الجزمَ إذا فرق بين الفعلين بصفةٍ, نحو قولك: "إنْ تأتني إليك أَقصدْ"

_ 1 في "ب" زيد، بالرفع. 2 في "ب" شرك، وهو خطأ. 3 في "ب" ولا. 4 في "ب" لم يكن. 5 في "ب" فيه. 6 في الإنصاف/ 327، ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم المفعول بالجزاء على حرف الشرط نحو: زيدًا إن تضرب أضرب، واختلفوا في جواز نصبه بالشرط، فأجازه الكسائي ولم يجزه الفراء. 7 في الأصل: "وأبا".

فإذا1 فرق بينهما بشيءٍ من سبب الفعل الأول فكلهم2 يجزم الفعل الثاني.

_ 1 في "ب" وإذا. 2 في الأصل: وكلهم، والتصحيح من "ب".

العاشر أن يفرق بين العامل والمعمول فيه بما ليس للعامل فيه سبب وهو غريب منه

العاشر: أن يفرق بين العامل والمعمول فيه بما ليس للعامل فيه سبب, وهو غريب منه: وقد1 بينا أنَّ2 العوامل على ضربين: فعل وحرف، وقد شرحنا أمر الحرف فأما الفعل الذي لا يجوز أن يفرق بينه وبينَ ما عَمِلَ3 فيه4 فنحو قولك: "كانت زيدًا الحمى تأخذ" هذا لا يجوز5؛ لأنك فرقتَ بين "كانَ" واسمها بما هو غريبٌ منها؛ لأن "زيدًا" ليس بخبرٍ لها ولا اسم, ولا يجوز: "زيدٌ فيكَ وعمرٌو رغبَ" إذا أردت: " [زيدٌ] 6 فيكَ رَغِبَ وعمرٌو" لأنك فرقتَ بين "فيكَ" ورغب بما ليس منهُ. وإذا قلت: "زيدٌ راغبٌ نفسه فيكَ" فجعلتَ "نفسَهُ" تأكيدًا "لزيدٍ" لم يجزْ؛ لأنك فرقت بينَ "راغبٍ وفيكَ" بما هو غريب منه, فإنْ جعلتَ "نفسَهُ" تأكيدًا لما7 في "راغبٍ" جازَ، وكذلك الموصولاتُ لا يجوز أن يفرقَ8 بين بعض صلاتها وبعضٍ بشيءٍ غريب منها، تقول: "ضربي زيدًا قائمًا" تريد: إذا كان قائمًا، "فقائمًا" حالٌ لزيدٍ، وقد سدت9 مسدَّ الخبر؛ لأن "ضربي" مبتدأ، فإن

_ 1 في "ب" فقد. 2 "أنّ" ساقط من "ب". 3 في "ب" أعمل. 4 فيه ساقطة في "ب". 5 قال سيبويه / 36: لو قلت: كان زيدًا الحمى تأخذ، وتأخذ الحمى، لم يجز وكان قبيحًا. 6 زيادة من "ب". 7 "في" ساقط من "ب". 8 في "ب" بينها وبين صلاتها. 9 في "ب" سد، بإسقاط التاء.

قدمت "قائمًا" على زيدٍ، لم يجزْ لأن "زيدًا" في صلة "ضربي" و"قائمًا" بمنزلة الخبر، فكما لا يجوزُ: "ضَرْبي حَسَنٌ زيدًا" تريد: "ضربي زيدًا حَسَنٌ" كذلك لا يجوز هذا، وكذلك جميع الصلات.

الحادي عشر تقديم المضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى

الحادي عشر: تقديم المضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى: أما تقديم المضمر على الظاهر الذي يجوز في اللفظ فهو أن يكون مقدمًا في اللفظ مؤخرًا في معناهُ ومرتبته، وذلك نحو قولك: "ضَربَ غلامَه زيدٌ" كان الأصل: ضَرَبَ زيدٌ غلامَهُ, فقدمتَ ونيتُكَ التأخير، ومرتبةُ المفعول أن يكون بعد الفاعل, فإذا قلت: "ضَربَ زيدًا غلامُه" كان الأصل: "ضَرَبَ غلامُ زيد زيدًا" فلما قدمتَ "زيدًا" المفعول فقلت: ضَربَ زيدًا, قلت: غلامهُ وكان الأصل: "غلامُ زيدٍ" فاستغنيت عن إظهارهِ لتقدمِه، قال الله عز وجل: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} 1 وهذه المسألة في جميع أحوالها لم تقدم2 فيها مضمر3 على مظهرٍ, إنما جئتَ بالمضمر بعدَ المظهرِ إذا استغنيتَ عن إعادته، فلو4 قدمتَ فقلت: "ضَربَ غلامهُ زيدًا" تريدُ: ضربَ زيدًا غلامهُ لم يجزْ؛ لأنك قدمتَ المضمرَ على الظاهر في اللفظ [والمرتبةِ] 5 لأن حق الفاعل أن يكون قبل المفعول، فإذا كان في موضعه وعلى معناه فليس لك أن تنوي به غير موضعه، إنما تنوي بما كان في غير موضعهِ موضعَه6 فافهم هذا, فإنَّ هذا7 الباب عليه يدور. فإذا قلت:

_ 1 البقرة: 124، و"بكلمات" زيادة من "ب". 2 في "ب" يتقدم، بصيغة المبني للمفعول. 3 في "ب" مضمرًا بالنصب. 4 في "ب" لو. 5 زيادة من "ب". 6 في "ب" وموضعه، بزيادة واو. 7 في "ب" فإن ذا.

"في بيتهِ يؤتى الحكمُ"، جازَ1؛ لأن التقدير "يؤتى الحكمُ في بيتهِ"، فالذي قامَ مقامَ الفاعلِ ظاهرٌ وهو "الحكمُ" ولم تقدم ضميرًا على ظاهرٍ2 مرتبتُه أنْ يكون قبل الظاهر، فإن قلت: "في بيتِ الحكمِ يؤتى الحكمُ" جاز أن تقول: "يؤتى" وتضمر استغناءً عن إظهاره إذ كان قد ذكره كما تقول إذا ذكر إنسانٌ زيدًا: قامَ وفعلَ، وكذلك إذا ذكر اثنين قلت: "قاماَ وفَعلا" فتضمر اسم من لم تذكر استغناءً بأنَّ ذاكرًا قد ذكره, فإنْ لم تقدره هذا التقدير لم يجز, فإن قدمت فقلت: "يؤتيانِ في بيتِ الحكمينِ" تريد: "في بيتِ الحكمينِ يؤتيانِ" لم يجز, ومن هذا: زيدًا أبوهُ ضَربَ, أو يضربُ، أو ضاربٌ، فحقهُ3 أن تقول: "زيدًا أبو زيدٍ ضَرَبَ" واختلفوا في قولهم: "ما أَرادَ أَخَذ زيدٌ" فأجازهُ البصريون, ورفعوا زيدًا "بأَخذَ" وفي "أَرادَ" ذكرٌ من زيدٍ، وأبى4 ذلك الكوفيون ففرقوا5 بينهُ وبين "غلامَهُ ضَربَ زيدٌ" بأن الهاءَ من نفس الاسم بمنزلة التنوين فصار بمنزلة: غلامًا ضَربَ زيدٌ, ويقولُ قومٌ من النحويين: إذا كان المخفوض ليس في نية نصب فلا يقدم مكنيهُ تقول: "في داره ضربتُ زيدًا" ولا يجوز عندهم: "في داره قيامُ زيدٍ" وهذا الذي لم يجيزوهُ هو كما قالوا مِنْ قبل: إني إذا قلت: "قيامُ زيدٍ" فقيام مبتدأ، ويجوز أن يسقط "زيدٌ" فيتم الاسم, فهو بمنزلة ما ليس في الكلام لأنَّهُ من حشو الاسم وليسَ بالاسم، وإنما أجزت: "قيام زيدٍ في دارهِ"، استغناءً بذكرِ "زيدٍ" ولو قلت: قيام زيدٍ في دارٍ, تمَّ الكلام ولم يُضطر فيه إلى إضمار، فإذا جاءَ الضمير والكلام غير مضطر إليه كان بمنزلة ما لم يذكر، فإذا كان الضمير مؤخرًا بهذه الصفة فهو في التقديم أَبعدُ. واختلفوا في قولهم: "لبستُ مِنَ الثياب أَلينَها" فمنهم من يجيزها كما يجيز: درهَمهُ أَعطيتُ زيدًا، ومن أَباهُ قال:

_ 1 جاز، ساقط من "ب". 2 الحكم، ولم تقدم ضميرًا على ظاهر، ساقط في "ب". 3 في "ب" حقه، بإسقاط الفاء. 4 في الأصل: "وأبا". 5 في "ب" وفرقوا.

الفعلُ واقعٌ على "أَلينَ" دون الثيابِ, وأَجازوا جميعًا: "أَخذَ ما أرَادَ زيدٌ"، "وأحبَّ ما أَعجبَهُ زيدٌ" "وخَرجَ راكبًا زيدٌ" لم يختلفوا إذا قدموا الفعلَ, وأهل البصرة أجازوا1: "راكبًا خَرجَ زيدٌ" ولم يجزها الفراءُ والكسائي وقالا2: فيها ذكر من الاسم فلا يقدم على الظاهرِ، ولو كان لا يقدمُ ضمير ألبتة على ظاهرٍ لوجبَ ما قالا3 ولكن المضمر4 يقدمُ على الظاهر إذا كان في غير موضعه بالصفة التي ذكرت لك، وأجمعوا على قولهم: "أَحرز زيدًا أَجلُه" وفي القرآن: {لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} 5 لأنه ليس في ذا تقديمُ مضمرٍ على ظاهرٍ، وأجمعوا على: "أَحرزَ زيدًا أَجلُه" وعلى: "زيدًا أحرزَ أَجلهُ" فإن قالوا: "زيدًا أَجلهُ أَحرزَ" فأكثر النحويين المتقدمين وغيرهم يحيلُها إلاّ هِشامًا6 وهي تجوز لأن المعنى: "أَجلُ زيدٍ أحرزَ زيدًا" فلما قلت: "زيدًا أَجلُ زيدٍ أحرزَ" لم تحتج إلى إظهار زيدٍ مع الأجلِ، واختلفوا في: "ثوبِ أَخويكَ يلبسانِ" وهي عندي جائزةٌ؛ لأن المعنى: "ثوبُ أَخويكَ يلبسُ أَخواكَ" فاستغنى عن إعادة الأخوين بذكرهما فأُضمرا. وأجاز الفراء: دارُ قومِكَ يهدمُ هُم "ويهدمونَ هُم" وتقول: "حينَ يقومُ زيدٌ يغضبُ" لأنكَ تريد: "حينَ يقومُ زيدٌ يغضبُ زيدٌ" فلو أظهرتهُ لجاز واستغنى عن إضماره7 بذكرِ زيدٍ، ولو أظهرتهُ لظن أنه زيدٌ آخرُ، وهو على إلباسه يجوزُ، ولَيس هذا مثل: "زيدًا ضَربَ" إذا أردتَ: "ضَربَ نفسهُ"

_ 1 في "ب" يجيزون. 2 في الأصل "قالوا" وهذه مسألة شرحها ابن الأنباري في الإنصاف. انظر ص142-144. 3 في الأصل "قالوا". 4 في الأصل "الضمير" والتصحيح من "ب". 5 الأنعام: 158. 6 هشام: أبو عبد الله هشام بن معاوية الضرير من نحاة الكوفة, مات سنة 209هـ، ترجمته في معجم الأدباء 19/ 292. 7 في "ب" إظهاره.

لأن هذا إنما امتنع؛ لأنه فاعل مفعولٍ، وقد جعلت المفعولَ [لا بدّ منهُ] 1، وحقُّ الفاعل أن يكون غير المفعول إلا في الظن وأخواته، فإذا أردت هذا المعنى قلت: "ضَربَ زيدًا نفسُهُ" "وضَربَ زيدٌ نفسَهُ" وقالوا: فإن لم تجئ بالنفس فلا بدّ من إظهار المكني ليقوم مقامَ ما هو منفصلٌ من الفعل؛ لأن الضميرَ المنفصل بمنزلة الأجنبي، فتقول: "ضَربَ زيدًا هُوَ" و"ضَربَ زيدٌ إيَّاهُ" واحتجوا بقوله عز وجل2: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} 3 كأنه في التقدير: "وما يَعلمُ جنودَ ربِّكَ إلاّ ربُّكَ" ولو جاز أن تقولَ: ضربتني وضربتُكَ فأوقعتَ4 فعلَكَ على نفسِكَ ومَنْ تخاطِبهُ للزمكَ5 أن6 تقول: "ضَربهُ" للغائبِ، فتوقع فِعْلَ الغائب على نفسه بالكناية فلا يعلم لمن الهاء فإذا قلت: "ضَربَ نفسَهُ" بان لكَ ذلكَ, وأما الذي يجوز فيه تعدي فعلِ الفاعل إلى نفسهِ فقولك: "ظننتني قائمًا وخلتني جالسًا" فإنَّ هذا وما أشبههُ يتعدى فيه فعلُ المضمر إلى المضمر ولا يتعدى فعلُ المضمر إلى الظاهر؛ لأنَّهُ يصيرُ فيه المفعولُ الذي هو فضلةٌ لا بدَّ منهُ وإلا بطلَ الكلام. وهذه مسألةٌ شرحها أبو العباس وذكر قول أصحابه ثم قولهُ، قالَ: قال سيبويه: "أزيدًا7 ضربَهُ أبوهُ" لأن ما كانَ من سببهِ موقعٌ به الفِعلَ كما يوقعه ما ليس من سببه ولا أقول: "أزيدًا ضربَ" فيكون الضمير في "ضربَ" هو الفاعلُ، وزيدٌ مفعولًا, فيكون هو الضاربُ نفسَهُ وأضع الضمير في موضع أبيه حيث كان فاعلًا، قيلَ لهُ: لِمَ8 لا يجوزُ هذا وما9 الفصلُ بينَهُ

_ 1 زيادة من "ب". 2 عز وجل ساقط في "ب". 3 المدثر: 31. 4 في "ب" فتوقع. 5 في "ب" للزم. 6 في "ب" كأن. 7 في "ب" زيدًا، بدون الهمزة. 8 في "ب" فلم. 9 في الأصل "وأما" والتصحيح من "ب".

وبينَ أبيه, وقد رأينا ما كانَ من سببه يحلُّ محلَّهُ في أَبوابٍ؟ فالجوابُ في ذلك: أنَ المفعولَ منفصلٌ مستغنٍ عنهُ بمنزلةِ ما ليس في الكلامِ، وإنما ينبغي أن يصححَ الكلامُ بغير مفعولٍ ثم يؤتى بالمفعول فضلةً, وأنت إذا قلت: "أزيدًا ضَربَ" فَلو حذفتَ المفعول بطلَ الكلامُ، فصار المفعولُ لا يستغنى عنه، وإنما الذي لا بدّ منه مع الفعلِ الفاعلُ. وكذلك1 لا تقول: "أَزيدًا ظنهُ منطلقًا" لأن الفاعلَ إذا مَثُلَ بطلَ فصرتَ إنْ قدمتهُ لتضعهُ في موضعه، صار "ظَنَّ زيدًا منطلقًا" فأضمرتَ قبلَ الذكرِ، ولكن لو قلت: "ظنهُ زيدٌ قائمًا" وإياهُ ظُن زيدٌ أَخًا, كان أجود كلامٍ؛ لأنَّ فِعلَ زيدٍ يتعدى2 إليه في باب "ظننتُ وعلمتُ وأَخواتهما" ولا يتعدى إليه في "ضَربَ" ونحوه، ألا ترى أنكَ تقول: "غلامُ هندٍ ضَربَها" فترد الضمير إليها لأنها3 مستغنٍ عنها؛ لأنكِ لو قلت: "غلامُ هندٍ ضَربَ" لم تحتج إلى المفعول، فلما كانت في ذكرك رددتَ إليها وحلتْ محل الأجنبي, ولو قلتَ: "غلامُ هندٍ ضربتَ" تجعل ضمير هندٍ الفاعل لكان غلطًا عند بعضهم لأن هندًا من تمام الغلام, والغلامُ مفعولٌ, فقد جعلت المفعول الذي هو فضلة لا بدّ منه ليرجع الضمير الذي هو الفاعلُ إليه, فإن قلت: فما بالي أقول: "غلامُ هندٍ ضاربتهُ هي" فيجوز واجعل هِيَ إنْ شئت إظهارَ الفاعل وهو "لهند"4، وإنْ شئت ابتداءً وخبرًا، فالجواب فيه أنه إنما جازَ هنا لأن الغلام مبتدأٌ و"ضاربتهُ" على هذا التقدير مبتدأٌ والفاعلُ يسدُّ مسدَّ الخبرِ, فهو منفصلٌ بمنزلةِ الأجنبي, ألا ترى أنَّكَ لو وضعتَ مكانَ "هي" جاريتَكَ أو غيرها استقامَ، والفاعلُ المتصلُ لا يحل محلَّهُ غيرهُ، فإن قلت أَفتجيزُ: "غلامُ هندٍ ضاربتُه هي" تجعلُ "هي" إن شئتَ ابتداءً مؤخرًا وإن شئتَ جعلت "ضاربتُه"5 ابتداءً، و"هي" فاعلٌ يسدُّ مسد

_ 1 في "ب" فكذلك. 2 في "ب" عليه. 3 في "ب" لأنه. 4 في "ب" لهند. 5 في "ب" ضاربته ضاربة.

الخبر فكل هذا جيد لأن "هي" منفصلٌ بمنزلة الأجنبي، ولو قلت: "غلامَ هندٍ ضربتْ أمُّها" كان جيدًا؛ لأن الأم منفصلة وإنَّما أضفتها إلى هند لما تقدم من ذكرها, فهندٌ ههنا وغيرها سواءٌ ألا ترى أني1 لو قلتُ: غلامُ هندٍ ضربتْ أمُّ هندٍ كانَ بتلك المنزلةِ، إلا أن الإِضمار أحسن لما تقدم الذكر، والضمير المتصل لا يقع موقعه المنفصل2 المذكور إلا على معناه وتقديره، وإنما هذا كقولك: "زيدًا ضَربَ أَبُوه" لأنَّ الأب ظاهرٌ ولو حذفت ما أضفت إليه صَلُحَ فقلت: أبٌ وغلامٌ ونحوهما والأول بمنزلة: "زيدًا ضَربَ" الذي لا يحل محله ظاهرٌ؛ فلذلك استحالَ. قال أبو العباس: وأنا أرى أنه يجوز: "غُلامَ هندٍ ضَرَبتْ" وباب جوازه أنَّك أضمرتَ "هندًا" لذكركَ إياها، وكان التقدير: غُلامَ هندٍ "ضَربَتْ هِندٌ" فلم تحتج إلى إظهارها لتقدم ذكرها، وكان الوجه "غلامَها ضَربَتْ هندٌ" ويجوز الإِظهار على قولك: "ضَربَ أبَا زيدٍ زيدٌ" ولو قلت: "أَباهُ" كان أحسن فإنما أَضمرتَها في موضع ذكرها الظاهر، ولكن لا يجوز بوجهٍ من الوجوه: "زيدًا ضَربَ" إذا جعلت ضمير زيدٍ ناصبًا لظاهره لعلتين: إحداهما: أنَّ فعلَهُ لا يتعدى إليه في هذا الباب, لا تقول: "زيدٌ ضربَهُ" إذا رددتَ الضمير إلى "زيدٍ"، ولا تقول: ضربتني إذا كنتَ الفاعلَ والمفعولَ وقد بينَ هذا, والعلة الأخرى: ما تقدم ذكره من أن المفعول الذي فضلةٌ يصيرُ لازمًا؛ لأنَّ الفاعل الذي لا بدّ منه معلق به؛ ولهذا لم يجز: زيدًا ظَنَّ منطلقًا، إذا أضمرتَ "زيدًا" في "ظَنَّ" وإن كان فعله في هذا الباب يتعدى إليه نحو: "ظننتني أَخاكَ" ولكن لم يتعد المضمر إلى الظاهر لما ذكرتُ لكَ، وأما3 "غُلامَ هندٍ ضَرَبَتْ" فجاز، لأن هندًا غيرُ الغلامِ وإن كانت بالإِضافة قد صارت من تمامه، ألا ترى أنك تقول: "غلامُ هندٍ ضَربهَا" ولا تقول: "زيدٌ ضربهُ"

_ 1 في "ب" أنك. 2 زيادة من "ب". 3 في "ب" فأما.

فهذا بَينٌ جدًّا واختلفوا في: "ضربني وضربت زيدًا"، فرواهُ سيبويه وذكر أنهم أضمروا الفاعلَ قبلَ ذكره على شريطة التفسير1، وزعم الفراء أنه لا يجيزُ نصبَ "زيدٍ" وأجاز الكسائي على أن "ضربَ" لا شيء فيها وحذفَ "زيدًا" وقال بعضُ علمائنا "رحمه الله"2: والذي قال الفراء, لولا السماعُ لكانَ قياسًا. وأما "عبد اللهِ زيدٌ ضاربٌ أباهُ" فالبصريونَ يجيزون: "أَباهُ عبد اللهِ زيدٌ ضاربٌ"3, وغيرهم لا يجيزها وهو عندي قبيحٌ؛ لبعدِ العاملِ من الذي عَمِلَ فيه. وطعامَكَ زيدٌ يأكلُ أبوه، لا يجيزها الفراء ولا يجيزُ: "آكلٌ" أيضًا ويجيزها الكسائي إذا قال: "طعامَكَ زيدٌ آكلٌ أبوهُ" لأن زيدًا ارتفع عنده "بآكلٍ" فأجاز تقديم الطعام, ولما كان يرتفع بما عاد عليه من الذكر لم يجزه, وقال الفراء: هو في الدائم4 غيرُ جائزٍ؛ لأنه لا يخلو من أن أقدرَهُ تقديرَ الأفعال، فيكون بمنزلة الماضي والمستقبل إذا قَدَرهُ تقديرَ الأسماءِ, فلا يجوزُ أنْ أُقدم مفعول الأسماء, ولكني أجيزهُ في الصفات ويعني بالصفات "الظروف"5. وهذه المسألةُ لم يقدم فيها مضمرٌ على ظاهرٍ،

_ 1 انظر الكتاب 1/ 41. 2 رحمه الله، ساقط من "ب". 3 في الدائم، ساقط من "ب". 4 يقصد الكوفيون بالدائم أسماء الفاعلين، فقد قالوا: إنها أفعال دائمة عندهم فليست هي من الأسماء العاملة، ولها من قوة العمل ما للأفعال، ما يؤيد ذلك أنهم كانوا يعملونها في الماضي والحال والاستقبال مطلقًا وبلا شرط كما تعمل الأفعال في هذه الأزمنة الثلاثة أخذًا بقول الكسائي. وتجويزه أن يعمل بمعنى الماضي، كما يعمل بمعنى الحال والاستقبال سواء، وتمسك بجواز نحو: زيد معطي عمرو أمس درهمًا. انظر: شرح الكافية 2/ 200. 5 ويعني به الكوفيون الظرف الذي يطلقه البصريون على نحو: أمام وخلف ويمين وشمال وغيرها من ظروف المكان، وعلى نحو: يوم وليلة، وقبل, وبعد من ظروف الزمان، ومجافاة الكوفيين للتأثر بالفلسفة ظاهرة في هذا المصطلح فلم تعرف العربية كلمة الظرف في هذا المعنى؛ لأن الظرف فيها هو الوعاء، واعتبار مدلولات هذه الألفاظ أوعية للموجودات غنًى بالتأثر الفلسفي.

والمضمرُ في موضعه إلا أن "أَبوهُ" فاعلُ "يأكلُ" وطعامكَ مفعولٌ، وقد بعد ما بينهما، وفرقت بين الفاعل والمفعول [بهِ] 1 "بزيدٍ" وليسَ لهُ في الفعل نصيبٌ, ولكن يجوز أن تقولهُ من حيث قلت: "طعامَكَ زيدٌ يأكلُ" فالفاعلُ2 مضمرٌ فقامَ "أَبوهُ" مقامَ ذلك المضمرِ.

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" والفاعل.

الثاني عشر التقديم إذا ألبس على السامع أنه مقدم

الثاني عشر: التقديم إذا ألبس 1 على السامع أنه مقدم: وذلك نحو قولكَ: "ضربَ عيسى موسى" إذا كان "عيسى" الفاعل لم يجز أن يقدم "موسى" عليه؛ لأنه ملبس لا يبين2 فيه إعرابٌ، وكذلك: "ضرَبَ العَصا الرحى" لا يجوز التقديم والتأخير، فإن قلت: "كسر3 الرحى العصا" وكانت الرحى هي الفاعل وقد عُلِمَ أنَّ العَصا لا تكسرُ الرحى جاز التقديم والتأخير، ومن ذلك قولك: "ضربتُ زيدًا قائمًا" إذا كان السامع لا يعلم من القائم, الفاعلُ أم المفعولُ, لم يجز أن تكون الحال مِن صاحبها إلا في وضع الصفة ولم يجز أن تقدم على صاحبها، فإن كنت أنتَ القائم قلت: "ضربتُ قائمًا زيدًا" وإن كان زيدٌ القائمَ قلت: ضربتُ زيدًا قائمًا، فإن لم يُلبس4 جاز التقديمُ والتأخير, وكذلك إذا قلت: "لقيتُ مصعدًا زيدًا منحدرًا"5 لا يجوز أن يكون المصعدُ إلا أنتَ، والمنحدرُ إلا "زيدًا" لأنك إن

_ 1 "ب" التبس. 2 "ب" يتبين. 3 "ب" كسرت. 4 في "ب" يلتبس. 5 انظر المقتضب 4/ 169، وابن الشجري 2/ 282، والبحر المحيط 1/ 71, وهذه المسألة مشروحة بالتفصيل.

قدمت وأخرتَ التبسَ، ولو قلت: "ضربَ هَذا هَذا" تريدُ تقديمًا وتأخيرًا لم يجز, فإذا قلت: "ضربَ هَذا هذهِ" جازَ التقديمُ والتأخيرُ فقلت: "ضربَ هَذه هَذا" لأنه غيرُ ملبسٍ1، ولو قلتَ: "ضَرَب الذي في الدار الذي في البيت" لم يجز التقديمُ والتأخيرُ لإِلباسه2, ومن ذلك إذا قلت: "أعطيتُ زيدًا عمرًا" لم يجز أن تقدم "عمرًا" على "زيدٍ" وعمرو هو المأخوذ؛ لأنه ملبس3 إذا كان كل واحدٍ منهما يجوز أن يكون الآخذَ، فإذا4 قلت: "أعطيتُ زيدًا درهمًا" جازَ التقديم والتأخير5 فقلت: "أعطيتُ درهمًا زيدًا" لأنه غير ملبسٍ6، والدرهم لا يكون إلا مأخوذًا.

_ 1 في "ب" ملتبس. 2 في "ب" لالتباسه. 3 في "ب" ملتبس. 4 في "ب" وإذا. 5 زيادة من "ب". 6 في "ب" ملتبس.

الثالث عشر إذا كان العامل معنى الفعل ولم يكن فعلا

الثالث عشر: إذا كان العامل معنى الفعل 1 ولم يكن فعلًا: لا يجوز أن يقدم ما عمل فيه عليه، إلا أن يكون ظرفًا وذلك قولك: "فيها زيد قائمًا" لا يجوز أن تقدم "قائمًا" على فيها؛ لأنه ليس هنا فعلٌ، وإنما أعملتَ "فيها" في الحال لما تدل عليه من الاستقرار، وكذلك إذا قلت: "هذا زيدٌ منطلقًا" لا يجوز أن تقدم "منطلقًا" على "هذا" لأن العامل [هنا دلَّ على] 2 ما دل عليه "هذا" وهو التنبيه وليس بفعلٍ ظاهر، ومن3 ذلك: "هُو عبد الله حقا" لا يجوز أن تقدم "حقًّا" على "هُوَ" لأن العامل هو المعنى4، وإنما نصبت "حقا" لأنك لما قلت: هُو عبد الله، دَلَّكَ على "أحق

_ 1 في "ب" فعل. 2 هذه الزيادة من "ب". 3 "من" ساقطة في "ب". 4 في "ب" الابتداء بدلًا من المعنى.

ذَلكَ" فقلت "حقا" فأما الظرف1 الذي يقدم إذا كان العامل فيه معنى فنحو2 قولك: "أكلُّ يومٍ لَكَ ثوبٌ" العامل في "كُلّ" معنى "لَكَ" وهو الملك.

_ 1 في "ب" الظروف. 2 في الأصل: "فكنحو" والتصحيح من "ب".

ذكر ما يعرض من الإضمار والإظهار

ذكر ما يعرض من الإِضمار والإِظهار: اعلم: أنَّ الكلام يجيء على ثلاثة أضربٍ: ظاهر لا يحسنُ إضمارهُ, ومضمر مستعمل إظهارهُ, ومضمر متروك إظهاره. الأول: الذي لا يحسنُ إضمارهُ: ما ليس عليه دليل من لفظٍ ولا حال مشاهدةٍ، لو قلت: زيدًا، وأنت تريدُ: "كَلِّمْ زيدًا" فأضمرت ولم يتقدم ما يدل على "كَلِّمْ" ولم يكن إنسان مستعدًّا للكلام لم يجز, وكذلك غيره من جميع الأفعال. الثاني: المضمرُ المستعملُ إظهارهُ: هذا الباب إنما يجوز إذا علمت1 أنَّ الرجل مستغنٍ عن لفظكَ بما تضمره, فمن ذلك ما يجري في الأمر والنهي، وهو أن يكون الرجل في حال ضربٍ فتقول: زيدًا2 ورأسَهُ وما أشبه ذلك تريد: اضربْ رأسَهُ, وتقول في النهي: الأسدَ الأسدَ، نهيتهُ أنْ يقربَ الأسد، وهذا الإِضمار أجمع في الأمر والنهي، وإنما يجوز مع المخاطب ولا يجوز مع الغائب، ولا يجوز إضمار حرف الجر، ومن ذلك أن ترى رجلًا يسدد سهمًا فتقول: "القرطاس واللهِ" أي: يصيبُ القرطاسَ, أو رأيتهُ في حال رجلٍ قد أوقعَ فِعْلًا أو أخبرت عنهُ بفعلٍ فقلتَ: "القرطاسَ واللهِ" أي: أصاب القرطاسَ، وجاز أن تضمر الفعلَ للغائبِ؛ لأنه غير مأمورٍ ولا منهيٍّ، وإنما الكلامُ

_ 1 في "ب" إذا أعملت، وهو خطأ. 2 في "ب" أو رأسه.

خبرٌ فلا لبسَ فيه كما1 يقع في الأمر, وقالوا: "الناسُ مجزيونَ بأعمالهم" إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ، يراد إن كانَ خيرًا. ومن العرب من يقول: "إنْ خيرًا فخيرًا"2 كأنه قال: "إنْ كان ما فَعلَ خيرًا جُزي خيرًا"3 والرفع في الآخر أكثر؛ لأن ما بعد الفاء حقه الاستئناف ويجوز: "إن خيرٌ فخيرٌ" على أن تضمر "كانَ" التي لها خبر وتضمر خبرها، وإن شئت أضمرت "كانَ" التي بمعنى "وقَع" ومثل ذلك: قد مررتُ برجلٍ إنْ طويلًا وإنْ قصيرًا, ولا يجوز في هذا إلا النصب4, وزعم يونس: أنَّ من العرب من يقول: "إنْ لا صالحٌ فطالحٌ"، على: إنْ لا أكن مررتُ بصالحٍ فطالحٍ5 وقال سيبويه: هذا ضعيفٌ قبيحٌ, قال: ولا يجوزُ أن تقول: عبد الله المقتولُ6 وأنت تريد "كن عبد اللهِ" لأنه ليس فعلًا يصلُ من الشيء إلى الشيء7 ومن ذلك: "أو فرقًا خيرًا مِنْ حُبٍّ" ولو رفع جاز، كأنه قال8: "أو امرئٍ فرقٌ"، وألا طعامَ ولو تمرًا أي: "ولو كانَ الطعامُ تمرًا" ويجوز: "ولو تمرٌ" أي: ولو كان تمرٌ9، ومن هذا الباب: "خيرَ مقدمٍ"

_ 1 "كما" ساقط في "ب". 2 قال سيبويه 1/ 457 مستدلًّا على تقديم الفعل بعد إن الشرطية وحمله على إضمار فعل؛ لأن حرف الشرط يقتضيه مضمرًا أو مظهرًا، جاز تقديمه مع الفعل الماضي في "إن" لأنها أم حروف الجزاء، قال: ... هذا كما جاز إضمار الفعل فيها حين قالوا: إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا. انظر: الكتاب 1/ 130. 3 في الأصل: أجزى، والتصحيح من "ب". 4 لأنه لا يجوز أن يحمل الطويل والقصير على غير الأول. 5 انظر الكتاب 1/ 132. 6 المقتول، ساقط في "ب". 7 انظر الكتاب 1/ 133. 8 كأنه قال، ساقط في "ب". 9 قال سيبويه 1/ 136: ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره, قولك: ألا طعام ولو تمرًا، كأنك قلت: ولو كان تمرًا.

أي: قدمتَ، وإن شئتَ قلتَ: "خيرُ مقدمٍ" فجميع ما يرفع إنما تضمرُ في نفسك ما تظهرُ، وجميع ما ينصبُ إنما تضمر في نفسكَ غير ما تظهرُ [فافْهم هذا, فإنَّ عليه يجري هذا البابُ، ألا ترى أنكَ إذا قلت: خيرَ مقدمٍ فالمعنى: قدمتَ, فقدمتَ فعْلٌ، وخيرَ مقدم اسمٌ, والاسمُ غيرُ الفعلِ فانتصبَ بالفعل, فإذا رفعتَ فكأنَّك قلت: قدومُكَ خيرُ مقدم] 1 فإنما تضمر، قدومك خيرُ مقدمٍ, فقدومكَ "هو خيرُ مقدمٍ"، وخبرُ المبتدأ هو المبتدأُ وإذا قلت: "خير مقدمٍ" فالذي أضمرت "قدمت" وهو فعلٌ وفاعلٌ, والفعل والفاعل غير المفعول, فافهم هذا فإن عليه يجري هذا الباب, ومن هذا الباب قولهم: "ضربت وضربني زيدٌ" تريد: "ضربتُ زيدًا وضربني" إلا أن هذا الباب أضمرت ما عَمِلَ فيه الفعلُ, وذلك أضمرت الفعل نفسهُ, وكذلك كلُّ فعلين يعطفُ أحدهما على الآخر فيكون الفاعل فيهما هو المفعول, فلك أن تضمره مع الفعل وتعمل المجاور له, فتقول على هذا: متى ظننتُ أو قلتُ: زيدٌ منطلقٌ؛ لأنَّ ما بعد القول محكي, وتقول: "متى قلتَ أو ظننتَ زيدًا منطلقًا" فإذا قلت: "ضربني وضربتُ زيدًا" ثنيت فقلت: "ضرباني وضربتُ الزيدينِ" فأضمرت قبل الذكر؛ لأنَّ الفعلَ لا بد لهُ من فاعل, ولولا أنَّ هذا مسموعٌ من العرب لم يجز، وإنما حَسُنَ هذا لأنكَ إذا قلت: ضربتُ وضربني زيدٌ, وضربني وضربتُ زيدًا, فالتأويل: تضاربنا, فكل واحدٍ فاعلٌ مفعولٌ في المعنى فسُومِحَ في اللفظ لذلك. ومن ذلك: "ما منهم يقومُ" فحذفَ المبتدأُ، كأنهُ قال: "أحدٌ منهم يقومُ" ومن ذلك قوله عز وجل: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} 2, أي: "أَمرى صبرٌ جميلٌ". الثالث: المضمرُ المتروك إظهارهُ: المستولي على هذا الباب الأمر وما جرى مجراه، وقد يجوز فيه غيره، فمن ذلك ما جرى على الأمر والتحذير, نحو قولهم: "إياكَ" إذا حذرته، والمعنى: "باعدْ إياكَ" ولكن لا يجوز إظهاره،

_ 1 ما بين القوسين زيادة من "ب". 2 يوسف: 83.

وإياك والأسدَ وإياك الشرَّ, كأنه قال: إيايَ لأتقينَّ وإياكَ فاتقينَّ, فصارت "إياكَ" بدلًا من اللفظ بالفعلِ، ومن ذلك: "رأسَهُ والحائطَ, وشأنك والحجَّ, وامرأً ونفسَهُ" فجميع هذا المعطوفِ إنما يكون بمنزلة "إياكَ" لا يظهر فيه الفعلُ ما دام معطوفًا, فإن أفردتَ جازَ الإِظهار والواو ههنا بمعنى "مَع". ومما جُعلَ بدلًا من الفعل: "الحذرَ الحذرَ, والنجاءَ النجاءَ, وضربًا ضربًا" انتصب على "الزم"1 ولكنهم حذفوا لأنه صار بمعنى "افعل" ودخولُ "الزم" على "افعلْ" محالٌ, وتقول: "إياكَ أنت نفسُكَ أنْ تفعلَ" ونفسك إنْ وصفتَ المضمر الفاعل رفعت [وإنْ أضفتَ إياكَ نصبتَ وذلك] 2 لأنَّ "إياكَ" بدلٌ من فِعْلٍ وذلك الفعلُ لا بُدَّ لَهُ من ضمير الفاعل المأمور وإنْ وصفت "إياكَ" نصبتَ وتقول: "إياكَ أنتَ وزيدٌ, وزيدًا"3 بحسب ما تقدر، ولا يجوز: "إياكَ زيدًا" بغير واوٍ، وكذلك: "إياكَ أن تفعلَ" إن أردتَ: "إياك والفعلَ" وإنْ4 أردت: إياكَ أعِظُ مخافةَ أَنْ تفعلَ5, جازَ. وزعموا أن ابن أبي إسحاق6 أجازَ:

_ 1 قال سيبويه 1/ 139: ومما جعل بدلًا من اللفظ بالفعل قولهم: الحذر الحذر, والنجاء النجاء، وضربًا ضربًا، فإنما انتصب هذا على: الزم الحذر وعليك النجاء, ولكنهم حذفوا لأنه صار بمنزلة أفعل، ودخول الزم وعليك على "أفعل" محال. 2 زيادة من "ب". 3 قال سيبويه 1/ 140: "فإن قلت: إياك أنت وزيد" فأنت بالخيار، إن شئت حملته على المنصوب, وإن شئت على المضمر المرفوع. 4 في "ب" "فإن". 5 لأنك تريد أن تضمه إلى الاسم الأول، كأنك قلت: نحِّ لمكان كذا وكذا. 6 ابن أبي إسحاق: هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، كان أعلم أهل البصرة وأعقلهم, هو الذي فرع النحو وقاسه، وتكلم في الهمز حتى عمل فيه كتابًا مما أملاه, وكان رئيس الناس وواحدهم، أخذ النحو عن يحيى بن يعمر، وأخذ القراءة عنه وعن نصر بن عاصم, مات سنة 117هـ, وقال ابن تغري بردي: إنه توفي سنة 127هـ. وترجمته في طبقات الزبيدي/ 7، وإنباه الرواة 2/ 107، ومراتب النحويين/ 12، والنجوم الزاهرة 1/ 303.

إيَّاكَ إيَّاكَ المِرَاءَ فإنَّهُ ... إلى الشَّرِّ دعاءٌ ولِلخَيْرِ زَاجِرُ1 كأنهُ قال: "إياكَ" ثم أضمر بعد "إياك" فعلًا آخر, فقال: اتقِ المراءَ2. وقال الخليل: لو أنَّ رجلًا قالَ: إياكَ نفسَكَ لم أُعنفْهُ3، يريدُ أن "الكافَ" اسمٌ وموضعها خفضٌ، قال سيبويه: وحدثني منْ لا أتهم4 عن الخليلِ أنهُ سمعَ أعرابيا يقول: "إذا بلغَ الستينَ فإيَّاهُ وإيا الشواب5" ومن ذلك: "ما شأنُكَ وزيدًا" كأنهُ قال: "وما شأنكَ وملابسَة زيدًا"، وإنما فعلوا ذلك فرارًا من العطف على المضمر المخفوض وحكوا: ما أنتَ وزيدًا، وما شأنُ عبد الله وزيدًا كأنه قال ما كان7. فأما: ويلَهُ وأَخاهُ فانتصب بالفعل الذي نصبَ ويلَهُ, كأنَّكَ قلت: ألزمهُ الله ويلَهُ. وإن قلت: ويلٌ لَهُ وأَخاهُ نصبت؛ لأنَّ فيه ذلك المعنى، ومن ذلك: سقيًا ورعيًا وخيبةً ودفرًا

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 141، على نصب "المراء" بعد إياك مع إسقاط حرف العطف ضرورة، والمعروف في الكلام: إياك والمراء، ورواية سيبويه: إلى الشر دعاء وللشر جالب. وكذلك رواية المبرد في المقتضب, والمراء: مصدر ماريته مماراة، ومراء، أي: جادلته، ويقال: ماريته أيضًا إذا طعنت في قوله تزييفًا للقول وتصغيرًا للقائل، ولا يكون المراء اعتراضًا بخلاف الجدال، فإنه يكون ابتداء واعتراضًا. والبيت ينسب للفضل بن عبد الرحمن القريشي, يقوله لابنه القاسم بن الفضل. وانظر: المقتضب 3/ 213, والخصائص 3/ 112, والمعجم للمرزباني 310، وابن يعيش 2/ 25, والعيني 4/ 113, والخزانة 1/ 465. 2 انظر الكتاب 1/ 141. 3 قال سيبويه 1/ 141: قال الخليل: لو أن رجلًا قال: إياك نفسك، لم أعنفه؛ لأن هذه الكاف مجرورة. 4 لعله يعني أبا زيد الأنصاري. 5 انظر الكتاب 1/ 141, والشواب جمع شابة. 6 قال سيبويه 1/ 141: "قالوا: ما شأنك وزيدًا" أي: ما شأنك وتناولك زيدًا. 7 يريد: ما كان شأن عبد الله وزيدًا.

وجدعًا وعَقْرًا وبؤسًا وأفةً وتفةً [لهُ] 1 وبُعدًا وسحقًا وتعْسًا وتَبًّا وبَهْرًا، وجميع هذا بدل من الفعلِ كأنه قال: سقاكَ الله ورعاكَ، وأما ذكرهم "لَكَ" بعد "سقيًا" فليبينوا المعنى بالدعاء وليس بمبني على الأول2، ومنه: "تُربًا" و"جَنْدَلًا" أي: ألزمكَ الله وقالوا: فاهًا لفيك يريدون: الداهية، ومنه هنيئا مَرِيا ومنها ويْلَكَ وويْحَكَ وويْسكَ وويبَكَ وعَوْلكَ لا يتكلمُ به مفردًا ولا يكون إلا بعد "ويلكَ"3. ومن ذلك سبحان الله ومعاذَ الله وريحانهُ, وعمْرِكَ الله إلا فعلتَ, وقعدك الله إلا فعلت بمنزلة: نشدتُكَ الله, وزعمَ الخليلُ: أنهُ تمثيلٌ لا يتكلمُ به4، ومنه قولهم: كَرَمًا وصَلَفًَا وفيه معنى التعجب كأنه قال: "أَلزمكَ الله"5 وصار بدلًا من أكرمْ به وأصْلِفْ بهِ, ومنه: لبيكَ وسعديكَ وحنانيكَ وهذا مثنى، وجميعُ ذا6 الباب إنما يعرف بالسماع ولا يقاسُ, وفيما ذكرنا ما يدلُّكَ على الشيءِ المحذوف إذا سمعته, ومن ذلك قولهم: "مررتُ به فإذا لَهُ صوتٌ صوت حمارٍ" لأنَّ معنى "لَهُ صوتٌ" هو يصوتُ، فصار لهُ صوتٌ بدلًا منهُ, ومن هذا: "أَزيدًا ضربتَهُ" تريد: أضَرَبْتَ زيدًا ضربتَهُ فاستغنى7 "بضربتَهُ" وأُضمر فِعْلٌ يلي حرف الاستفهام، وكذلك يحسنُ في كل موضعٍ هو بالفعل أولى، كالأمر والنهي والجزاء، تقول: "زيدًا اضربهُ" وعمرًا لا يقطع الله يدهُ، وبكرًا لا تضربْهُ،

_ 1 زيادة من "ب". 2 يريد: أنه ليس خبرًا له. 3 انظر الكتاب 160-166. 4 انظر الكتاب 1/ 163. 5 قال سيبويه 1/ 165: "ومما ينتصب فيه المصدر على إضمار الفعل المتروك إظهاره ولكنه في معنى التعجب, قوله: كرمًا وصلفًا، كأنه يقول: ألزمك الله وأدام لك كرمًا، وألزمت صلفًا، ولكنهم حذفوا الفعل ههنا، كما حذفوه في الأول لأنه صار بدلًا من قولك: أكرم به وأصلف به..". 6 في "ب" هذان بدلًا من "ذا" وهو خطأ. 7 في "ب" واستغنى.

وإنْ زيدًا ترهُ تضربهُ، وكذلك إذا عطفت جملةً على جملةٍ فكانت الجملة الأولى فيها الاسم مبني على الفعل، كان الأحسنُ في الجملة الثانية أن تشاكلَ الأولى، وذلك نحو: "ضربتُ زيدًا وعمرًا كلمتهُ" والتقدير: ضربتُ زيدًا وكلمتُ عمرًا فأضمرت فعلًا يفسرهُ1 "كلمتهُ" وكذلك إن اتصلَ الفعل2 بشيءٍ من سبب الأول تقول: "لقيتُ زيدًا وعمرًا ضربتُ أَبَاهُ" كأنك قلت: "لقيتُ زيدًا وأهنتُ عمرًا وضربتُ أبَاهُ" فتضمر ما يليق بما ظهر، فإن كان في الكلام الأول المعطوف عليه جملتان متداخلتان كنت بالخيار, وذلك نحو قولك: "زيدٌ ضربتُه وعمرٌو كلمتهُ" إن عطفت على الجملة الأولى التي هي [الابتداءُ والخبرُ رفعتَ وإنْ عطفت على الثانية] 3 التي هي فِعْلٌ وفاعلٌ وذلك قولك: ضربتُه، نصبتَ، ومن ذلك قولهم: أمَّا سمينًا فسمينٌ، وأما عالِمًا فعالمٌ, ومنه4 قولهم: "لكَ الشاءُ شاةً بدرهمٍ" ومنه قولهم: "هذا ولا زعَماتِكَ" أي: لا أتوهم [زَعماتِكَ] 5 وكِليهما وتمرًا6. ومن العرب من يقول: "كِلاهما وتمرًا" كأنه قال "كِلاهما لي ثابتانِ, وزدني تمرًا" ومن ذلك: " {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} 7، ووراءكَ أوسع لك, وحسبك خيرًا لك" لأنَّك تخرجهُ منْ أمرٍ وتدخله في آخر ولا يجوزُ ينتهي خيرًا لي؛ لأنَّكَ إذا نهيتَهُ فأنتَ ترجيه إلى أمرٍ، وإذا أخبرتَ فلستَ تريد شيئًا من ذلك، ومن ذلك: "أخذتُه فصاعدًا وبدرهمٍ فزائدًا"8. أخبرت بأدنى الثمن، فجعلتَهُ أولًا، ثم قررت

_ 1 في "ب" تفسيره. 2 في "ب" الفعل بالفعل شيء بشيء. 3 ما بين القوسين ساقط في "ب". 4 في "ب" ومنهم، والصحيح ما أثبتناه. 5 زيادة من "ب" وهذا مثل, أي: هذا هو الحق ولا أتوهم زعماتك ... ولا يجوز ظهور العامل الذي قبله أتوهم؛ لأنه أجرى أتوهم مثلًا، والأمثال لا تغير. وانظر الأشباه والنظائر 1/ 89. 6 انظر الكتاب 1/ 142. 7 النساء: 171, وتكملة الآية: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . 8 انظر الكتاب 1/ 146-147 بعد زيد.

شيئًا بعد شيءٍ لأثمانٍ شتى، ولا يجوز دخولُ الواو1 هنا، ويجوز دخول "ثُمَّ" وممَّا انتصب على الفعل المتروك إظهارهُ المنادى في قولِكَ: "يا عبد الله" وقد ذكرت ذلك2 في بابِ النداءِ3. قال سيبويه: ومما يدلُّكَ على أنهُ انتصبَ على الفعل قولُكَ: "يا إياَّكَ" إنما قلت: يا إياكَ أَعني, ولكنهم حذفوا4، وذكر أَمَّا أنت منطلقًا انطلقتُ معكَ فقال: إنها "إن" ضمت إليها "مَا"5 وجعلت عوضًا من اللفظ بالفعل، تريد: إن كنتَ منطلقًا، قال6: ومثل ذلك: "إمّا لا" كأنَّهُ قال: "افعلْ هذا إنْ كنتَ لا تفعلُ غيرهُ"، وإنما هي "لا" أميلت في هذا الموضع؛ لأنَّها جعلت مع ما قبلها كالشيء الواحد, فصارت كأنها ألفٌ رابعةٌ, فأميلتْ لِذاكَ, ومن ذلك: مرحبًا وأهلًا، زعم الخليل أنه بدلٌ من: رحبت بلادكَ7، ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمر هو ما يظهر8. واعلم: أن جميع ما يحذف, فإنهم لا يحذفون شيئًا إلا وفيما أبقوا دليلٌ على ما ألقوا.

_ 1 قال سيبويه 1/ 147: "فالواو لم ترد فيها هذا المعنى ولم تلزم الواو الشيئين أن يكون أحدهما بعد الآخر، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد وعمرو، لم يكن في هذا دليل على أنك: مررت بعمرو". 2 في "ب" لك. 3 مر هذا في الجزء الأول ص414. 4 انظر الكتاب 1/ 147. 5 انظر الكتاب 1/ 147. 6 في "ب" وقال، بزيادة واو. 7 انظر الكتاب 1/ 149، فإنما رأيت رجلًا قاصدًا إلى مكان أو طالبًا أمرًا، فقلت: مرحبًا وأهلًا، أي: أدركت ذلك وأصبت, فحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه، فكأنه صار بدلًا من رحبت بلادك. 8 في سيبويه 1/ 149: ما يضمر هو ما أظهر.

الاتساع

الاتساع: اعلم: أن الاتساع ضربٌ من الحذف إلا أن الفرقَ بين هذا الباب والباب الذي قبلهُ، أن هذا تقيمه مقام المحذوف وتعربهُ بإعرابه, وذلك الباب تحذف العاملَ فيه وتدعُ ما عَمِلَ فيه على1 حالهِ في الإِعراب، وهذا البابُ العاملُ فيه بحاله وإنما تقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف, أو تجعل الظرف يقوم مقامَ الاسم. فأمَّا الاتساع في إقامة المضاف إليه مقام المضاف فنحو قولِه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 2 تريد: أهل القرية، وقول العرب: بنو فلانٍ يطؤهم الطريقُ, يريدون: أهل الطريقِ وقولهُ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} 3 إنما هو بر مَنْ آمنَ بالله4. وأما اتساعهم في الظروف فنحو قولهم: "صيدَ عليه يومانِ" وإنما المعنى: صيدَ عليه الوحش في يومين, و"ولدَ لَهُ ستونَ عامًا" والتأويل: "ولدَ لَهُ الولد في ستين عامًا" ومن ذلك قولهُ عز وجل5: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 6 وقولهم: "نَهاركَ صائمٌ وليلُكَ قائمٌ" وإنما المعنى: "أنَّكَ صائمٌ في النهار وقائمٌ في الليل" وكذلك: يا ساَرِقَ اللَّيلةِ أهلَ الدَّارْ7 وإنما سرق في الليلة, وهذا الاتساع أكثر في كلامهم من أن يحاط به، وتقول: "سرتُ فرسخينِ يومينِ"8 إن شئت نصبتَ انتصابَ الظروف، وإن

_ 1 في "ب" من، بدلًا من "على". 2 يوسف: 82, وانظر الكتاب 1/ 108 وج2/ 25، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} . 3 البقرة: 177، وانظر الكتاب 1/ 108, والمقتضب 3/ 231. 4 في سيبويه 1/ 108: إنما هو: "ولكنَّ الْبر برّ من آمن باللَّهِ". 5 في "ب" تعالى. 6 سبأ: 33, وانظر الكتاب 1/ 108. 7 هذا رجز من شواهد الكتاب 1/ 89 و2/ 99، وقد مر تفسيره في الجزء الأول ص/ 235. 8 انظر الكتاب 1/ 114.

شئت جعلت نصبهما بأنهما مفعولان1 على السعة، وعلى ذلك قولك: "سِيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ" إذا جعلت الفرسخين يقومان مقامَ الفاعل، ولك أن تقول: سِيرَ بزيدٍ فرسخينِ يومانِ، فتقوم اليومين مقامَ الفاعل.

_ 1 في الأصل: "مفعولين" وهو خطأ، وما بعد مفعولين إلى آخر الباب ساقط في "ب".

باب الزيادة والإلغاء

باب الزيادة والإلغاء مدخل ... باب الزيادة والإلغاء: اعلم: أن الإِلغاء إنما هو أن تأتي الكلمة لا موضع لها من الإِعراب إنْ كانت مما تعرب, وأنها متى أسقطت من الكلام لم يختل الكلام، وإنما يأتي ما يلغى من الكلام تأكيدًا أو تبيينًا [والجملُ التي تأتي مؤكدةً ملغاة أيضًا، وقد عَمِلَ بعضُها في بعضٍ فلا موضعَ لها من الإِعراب] 1 والتي تلغى تنقسم أربعة أقسام: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ وجملةٌ. الأول: الاسمُ: وذلك نحو: "هو"2 إذا كان الكلام فصلًا3 فإنه لا موضع له من الإِعراب، ولو كان له موضع لوجبَ أن يكون له خبرٌ إن كان مبتدأ أو يكون له مبتدأٌ إنْ كان هو خبرًا، وقيل في قوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} 4 "ذلك" [زائدةٌ] 5.

_ 1 زيادة من "ب". 2 يرى الكوفيون أن لهذا الضمير محلًّا من الإعراب وسموه عمادًا؛ لأنه يفصل بين النعت والخبر، أما البصريون فيسمونه ضمير الفصل؛ لأنه يفصل بين النعت والخبر إذا كان الخبر مضارعًا لنعت الاسم، ليخرج من معنى النعت ولا موضع له من الإعراب عندهم؛ لأنه إنما دخل لمعنى هو الفصل. وانظر الإنصاف/ 376. 3 "الكلام" ساقط في "ب". 4 الأعراف: 26. 5 زيادة من "ب".

الثاني: الفِعْلُ: ولا يجوز عندنا أن يُلغى فعلٌ ينفذ منك إلى غيركَ ولكن الملغى نحو: "كانَ" في قولك: "ما كانَ أحسنَ زيدًا" الكلامُ: ما أحسنَ زيدًا و"كانَ" إنما جِيءَ بها لتبين أنَّ ذلك [كان] 1 فيما مضى. الثالث: الحرفُ: وذلك نحو: ما في قوله عز وجل2: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} 3 لو كان "لِمَا" موضع من الإِعراب ما عملت الباء في "نقضِهم"، وإنما جِيءَ بها زائدةً للتأكيد، ومن ذلك "إنْ" الخفيفة تدخل مع "ما" للنفي4 في نحو قوله: وما إنْ طُبنا جُبن5, وكذلك "إنْ" في قولك: "لما إنْ جَاء قمتُ إليه"6 المعنى: "لَما جاءَ قمتَ" وكذلك "مَا" إذا كانت كافةً فلا موضع لها من الإِعراب في نحو قولك: "إنَّما زيدٌ منطلقٌ" كفت "مَا" "إنْ" عن الإِعراب [كما منعت إنْ "مَا" مِنَ الإِعراب] 7 وكذلك "رُبَّما" تقول: "رُبَّما يقومُ زيدٌ" لولا "ما" لما8 جاز أن يلي "رُبَّ" فِعلٌ, ومن ذلك "بعدَما"9، قال الشاعر: أَعلاقَة أُمَّ الوُلَيِّدِ بَعْدَمَا ... أَفنانُ رأسِكَ كالشِّهَابِ المُخْلِس10

_ 1 زيادة من "ب". 2 "عز وجل" ساقط من "ب". 3 النساء: 155. 4 في "ب" من، بدلًا من "في". 5 مر شرحه في الجزء الأول، ص/ 286. 6 "إليه" ساقط في "ب". 7 زيادة من "ب". 8 في الأصل "ما" وإضافة اللام من "ب". 9 حذفت جملة "زيد منطلق" إذ إنها دخيلة هنا. 10 من شواهد سيبويه 1/ 283، على زيادة "ما" وجعلها كافة "لبعد" عن الإضافة، ويروى الشاهد: كالثغام المخلس. والعلاقة: الحب, والأفنان: جمع فنن، وهو الغصن، وأراد بها ذوائب الشعر على سبيل الاستعارة, والشهاب معروف, والثغام على روايته به جمع ثغامة، وهي خيوط طوال دقاق من أصل واحد، إذا جفت ابيضت كلها, المخلس: ما اختلط فيه البياض بالسواد، وصغر الوليد ليدل على شباب المرأة, والبيت للمرار الفقعسي. وانظر: المقتضب 2/ 54، والكامل/ 194، وابن الشجري 2/ 242, والمغني 2/ 10, وإصلاح المنطق/ 45, والجمهرة 2/ 220، وشرح السيرافي 1/ 450.

فجميع هذه لا موضع لها من الإِعراب، وقد جاءت حروفٌ خافضةٌ، وذكروا أنها زوائد إلا أنها تدخل لمعانٍ1 فمن ذلك: "ليس زيدٌ بقائمٍ" أصل الكلام: "ليسَ زيدٌ قائمًا" ودخلت الباء لتؤكد النفي [وخُص النفي بها دون الإِيجاب] 2 ومن ذلك: "مَا مِنْ رجلٍ في الدارِ" دخلت "مِنْ" لتبين أن الجنس كله منفي وأنه لم3 يرد القائلُ أن ينفي رجلًا واحدًا. [قال أبو بكر] 4: وحقُّ الملغى عندي أنْ لا يكونَ عاملًا ولا معمولًا فيه5 حتى يلغى من الجميع وأنْ يكون دخوله كخروجه لا يحدث معنى غير6 التأكيد، وهذه الحروف التي خُفضَ بها قد دخلت لمعانٍ غير التأكيد. من الحروف الملغاة "لا" شبهوها "بمَا" فمن ذلك قولك: "ما قامَ زيدٌ ولا عمرٌو" والواو العاطفةُ ولا لَغْوٌ [و"لا" إنما دخلت تأكيدًا للنفي، وليزولَ بها اللبسُ إذا كانَ منفيا؛ لأنَّهُ قد يجوزُ أنْ تقول: ما قامَ زيدٌ وعمرٌو ما قاما معًا] 7 وقالوا في قوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 8: إنّ "لا" زائدةٌ، {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} 9 إنما هو: لأَنْ يعلَم، وجملةُ الأمر أنها لا تزادُ إلا في موضع غير مُلبسٍ كما لا تزاد10 "مَا" وأما

_ 1 في الأصل "لمعاني". 2 زيادة من "ب". 3 في "ب" ليس، بدلًا من "لم". 4 زيادة من "ب". 5 انظر شرح المفصل 8/ 137, فقد ذكر ابن يعيش هذا عن ابن السراج. 6 "غير" ساقطة في "ب". 7 زيادة من "ب". 8 القيامة: 1. 9 الحديد: 29. 10 كما لا تزاد، ساقط من "ب".

قولك1: "حسبُكَ بِه" كلامٌ صحيحٌ كما تقول: كفايتُك بهِ وفيه معنى الأمر2 أو التعجب وقولهم: {كَفَى بِاللَّهِ} 3 قال سيبويه: إنما هو "كفى الله" والباء زائدة4، والقياس يوجب أنْ يكون التأويل: "كفى كفايتي بالله" فحذفَ المصدر5 لدلالة الفعل عليه، وهذا في العربية موجود6. الرابع: الجملةُ: وذلك نحو قولك: "زيدٌ ظننتُ منطلقٌ" بنيتَ "منطلقًا" على "زيد" ولم تعمل "ظننتُ" وألغيته وصار المعنى: زيدٌ منطلقٌ في ظني, فإنْ قدمت "ظننتُ" قَبُحَ الإِلغاء. ومن هذا الباب الاعتراضات, وذلك نحو قولك: زيدٌ -أشهدُ بالله- منطلقٌ, وإنَّ زيدًا -فافهمْ ما أقولُ- رجلُ صدْقٍ, وإنَّ عمرًا -والله- ظالمٌ, وإنَّ زيدًا -هو المسكينُ- مرجومٌ، وعلى ذلك يتأول قوله عز وجل7: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} 8، فـ {أُولَئِكَ} هو الخبر و {إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} "اعتراض" ومنه قول الشاعر: إنِّي لأَمنَحُكَ الصُّدُودَ وإنَّني ... -قسمًا- إلَيكَ معَ الصُّدودِ لأَميَلُ9

_ 1 في "ب" قولهم. 2 في "ب" والتعجب. 3 العنكبوت: 52. 4 انظر الكتاب 1/ 19. 5 في "ب" المضاف. 6 في "ب" موجود في العربية. 7 كلمتا "عز وجل" ساقطتان في "ب". 8 الكهف: 30. 9 من شواهد سيبويه 1/ 190، على نصب "قسمًا" على المصدر المؤكد لما قبله، وابن السراج جعله توكيدًا على جهة الاعتراض. والبيت للأحوص يمدح به عمر بن عبد العزيز. وانظر الأغاني 18/ 195، والعقد الفريد 4/ 363, وابن يعيش 1/ 116, ومهذب الأغاني 3/ 187، وشرح الرماني 3/ 163, والخزانة 1/ 247 و4/ 15.

قوله "قسمًا" اعتراض, وجملة هذا الذي يجيء معترضًا, إنما يكون توكيدًا للشيء أو لدفعه؛ لأنَّهُ بمنزلة الصفة في الفائدة يوضحُ عن الشيء ويؤكده. واعلم: أنهُ لا يجوز أن يعترض بين واو العطف وبين المعطوف بشيءٍ, لا يجوز أن تقول: "قامَ زيدٌ -فافْهَم- عمرٌو، ولا قام زيدٌ -ووالله- عمرٌو". وقد أجاز قوم الاعتراض في "ثُمَّ وأوْ ولا" لأنَّ أوْ ولا وثُمَّ "يقمنَ بأنفسهنَّ" فيقولون: "قامَ زيدٌ ثم -والله- محمدٌ". ومما يلغيه الكوفيون ولا يعرفه البصريون: "زيدًا قمتُ فضربتُ"، يلغون القيام كأنهم قالوا: "زيدًا ضربتُ" وهذا رديءٌ في الإِلغاء؛ لأن ما يلغى ليس حقه أن يكون بعد فاءٍ تعلق ما بعدها به. [قال أبو بكر] 1: قد انتهينا إلى الموضع الذي يتساوى فيه كتابُ الأصول وكتاب الجُمل بعد ذكر "الذي" والألف واللام ثُمَّ لا فرق بينهما إلا أنَّ بعد التصريف زيادة المسائل فيه, والجملُ ليسَ فيه ذلك.

_ 1 زيادة من "ب". وقد ذكر البغدادي في شرح هذا البيت قول ابن السراج في الأصول.

ذكر الذي والألف واللام

ذكر الذي والألف واللام: الإِخبار بالذي والألف واللام التي في معناهُ: ضربٌ من المبتدأ والخبر، وموضع "الذي" من الكلام أن يكون مع صلته صفةً لشيءٍ وإنما اضطر إلى الصفة "بالذي" للمعرفة؛ لأن وصف النكرة على ضربين: مفردٌ وجملةٌ, فالمفرد نحو قولك: مررتُ برجلٍ عاقلٍ وقائمٍ وما أشبه ذلك, والجملة التي توصفُ بها النكرة تنقسم قسمين: مبتدأٌ وخبرٌ, نحو قولهم: مررتُ برجلٍ "أبوهُ منطلقٌ" وفِعْلٌ وفاعلٌ نحو قولك: مررتُ برجلٍ قامَ أبوهُ، فلما كانت النكرات قد توصف بالحديث والكلام التام احتيج في المعرفة إلى مثل ذلك، فلم يجز أن توصف المعرفة بما توصفُ به النكرة لأن

صفة النكرةِ نكرةٌ مثلها وصفة المعرفةِ معرفةٌ مثلها، فجاز وصف النكرة بالجمل؛ لأن كُلَّ جملةٍ فهي نكرةٌ ولولا أنها نكرة ما كان للمخاطب فيها فائدة؛ لأن ما يعرف لا يستفاد, فلما كان الأمر كذلك وأريد مثلهُ في المعرفة جاءوا باسمٍ مبهمٍ معرفةٍ لا يصح معناه إلا بصلتهِ1 وهو "الذي" فوصلوهُ بالجمل التي أرادوا أن يضعوا المعرفة بها لتكونَ صفةُ المعرفةِ معرفةً كما أن صفةَ النكرةِ نكرةٌ، "فالذي"2 عند البصريين أصلُه "لذي" مثل "عمى" ولزمته الألف واللام فلا يفارقانه ويثنى فيقال: "اللذانِ" في الرفع "واللذينِ" في الخفض والنصبِ3، ويجمع فيقال: "الذينَ" في الرفع وغيره, ومنهم من يقول: "اللذونَ" في الرفع "واللذينَ" في الخفض والنصب, والمؤنث "التي واللتان واللاتي واللواتي" وقد حكي في "الذي" "الذي" بإثبات الياء "والذِ" بكسر الذال بغير ياء و"الذْ"4 بإسكان الذال، "والذيّ" بتشديد الياء وفي التثنية "اللذان" بتشديد النون, "واللّذا" بحذف النون وفي الجمع "الذينَ والذونَ واللاءونَ, وفي النصب والخفض اللائينَ واللاءِ بلا نونٍ واللاي" بإثبات الياء في كل حالٍ [والأولى] 5 وللمؤنث، التي واللاءِ بالكسر ولا ياءَ والتي والتِ بالكسر بغير ياءٍ, والتْ بإسكان التاء, واللتانِ واللتا بغير نونٍ, واللتانَّ بتشديد النون وجمعُ "التي" اللاتي, واللاتِ بغير ياءٍ, واللواتي واللواتِ بالكسر بغير ياء, واللواء واللاءِ بهمزةٍ مكسورةٍ, واللااتِ مثل اللغات, ممدودٌ مكسور التاءِ وطيء6 تقول: "هذا ذو قالَ ذاكَ" يريدون: الذي [قالَ ذلكَ] 7

_ 1 في "ب" بصلة. 2 في "ب" والذي. 3 في "ب" في النصب والخفض. 4 في "ب" واللذ. 5 زيادة من "ب". 6 انظر: التصريح 1/ 137. 7 زيادة من "ب".

و"مررت بذو قال ذاك"1 في كل وجهٍ في الجمع، وحكي2: أنه يجوز ذواتِ قلت ذاكَ3، ورأيتُ ذو قالَ ذاكَ, وللأنثى: ذاتَ قالتْ ذاكَ قُلتِ ذاكَ "فذو" يكون في كل حالٍ رفعًا ويكون موحدًا في التثنية والجمع من المذكر والمؤنث، قالوا: ويجوز في المؤنث أن تقول: "هذه ذاتُ قالتْ ذاكَ" في الرفع والنصب والخفض، فأما التثنية في "ذو وذاتِ"، فلا يجوز فيه إلا الإِعراب في كل الوجوه، وحكي: أنه قد سمع في "ذاتِ" و"ذواتِ" الرفع في كل حالٍ. وقال غير البصريين: إن أصل "الذي" هَذا, وهَذا عندهم أصلهُ ذال واحدةٌ وما قالوه: بعيد جدا لأنه لا يجوز أن يكون اسمٌ على حرفٍ في كلام العرب إلا المضمر المتصل, ولو كان أيضًا الأصلُ حرفًا واحدًا ما جاز أن يصغر والتصغير لا يدخلُ إلا على اسمٍ ثلاثي، وقد صغرت العربُ "ذَا" والموجودُ والمسموعُ مع ردنا له إلى الأصول من "الذي" ثلاثة أحرفٍ: لامٌ وذالٌ وياءٌ، وليس لنا أن ندفع الموجود إلا بالدليل الواضح والحجة البينة على أني لا أدفع أنَّ "ذَا" يجوز أن يستعمل في موضع "الذي" فيشار به إلى الغائب ويوضح بالصلة؛ لأنه نقل من الإِشارة إلى الحاضر إلى الإِشارة إلى الغائب فاحتاج إلى ما يوضحه لما ذكرنا. وقال سيبويه: إن "ذَا" تجري بمنزلة "الذي" وحدها وتجري مع "مَا" بمنزلة اسم واحد, فأما4 إجراؤهم "ذَا" بمنزلة "الذي" فهو قولهم: ماذا رأيت؟ فيقول: متاعٌ حَسَنٌ5، وقال لبيد:

_ 1 "ذاك" ساقط من "ب". 2 في "ب" ويحكى. 3 زيادة من "ب". 4 في الأصل "فإنما" والتصحيح من "ب". 5 انظر الكتاب 1/ 405.

أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ ... أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وبَاطِلُ1 وأما إجراؤهم إياه مع "مَا" بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيتَ؟ فتقولُ: خيرًا, كأنك قلت: مَا رأيتَ؟ [ومثل ذلكَ قولهم] 2: ماذا تَرى؟ فتقول: خيرًا3 وقال الله4: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قَالُوا: خَيْرًا} 5 [كأنه قال: ما أنزلَ ربكم؟ قالوا: خيرًا, أي: أَنزل خيرًا"6 فلو كان "ذَا" لغوًا لَمَا قالت العربُ: عما ذا تسألُ؟ ولَقالوا: عَمَّ ذَا تسألُ؟ ولكنهم جعلوا "مَا وذَا" اسمًا واحدًا كما جَعلوا "مَا وإنَّ" حرفًا واحدًا حين قالوا: "إنَّما" ومثل ذلكَ كأنَّما و"حيثُما" في الجزاء ولو كان "ذَا" بمنزلة "الذي" في هذا الموضع ألبتة لكان الوجه في "ماذا رأيتُ؟ " إذا أراد الجواب أن تقول: خيرٌ7، فهذا الذي ذكر سيبويه بَيّنٌ واضح من استعمالهم "ذَا" بمنزلة "الذي"، فأما أنْ تكون "الذي" هي "ذَا" فبعيدٌ جدا، ألا ترى أنَّهم حين استعملوا "ذَا" بمنزلة "الذي" استعملوها بلفظها ولم يغيروها، والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه والله أعلم, ولا يعرف له نظير في كلامهم. ومَنْ

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 405، على رفع "نحب" وما بعده، وهو مردود على "ما" في قوله: ماذا، فدل ذلك على أن "ذا" في معنى الذي، وما بعده من صلته. والنحب: النذر، يقول: ألا تسألان مجتهدًا في أمر الدنيا وتتبعها، فكأنما أوجب على نفسه ذلك نذرًا يجري إلى قضائه وهو منه في ضلال. وانظر: شرح السيرافي 3/ 182, وابن يعيش 3/ 149, والمغني/ 332, والتصريح 1/ 139, والخزانة 2/ 556، واللسان "نحب", والسيوطي/ 711, والأشموني 1/ 79, والشعراء المخضرمين د. الحبوري/ 237, والديوان 254 "ط. ليبسك". 2 ما بين القوسين ساقط في "ب". 3 في "ب" خير، بالرفع. 4 وقال الله، ساقط من "ب". 5 النحل: 30، وانظر الكتاب 1/ 405. 6 زيادة من "ب". 7 انظر الكتاب 1/ 405.

ومَا وأي، يستعملن بمعنى "الذي" فيوصلن كما توصل، ولكن لا يجوز أن "يوصفَ بهن"1 كما وصف "بالذي" لأنها أسماءٌ لمعانٍ تلزمها, ولهن تصرفٌ غير تصرف "الذي" لأنهن يكنَّ استفهامًا وجزاء, وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم والألفُ واللام تستعمل في موضع "الذي"2 في الوصف ولكنها لا تدخل إلا على اسم, فلما كان ذلك من شأنها وأرادوا أن يصلوها بالفعل نقلوا الفعْلَ إلى اسم الفاعل, والفعل يريدون فيقولون في موضع "الذي قامَ" القائم [فالألفُ] 3 واللام قد صارتا اسمًا وزال المعنى الذي كان له واسمُ الفاعلِ ههنا فِعلٌ وذاكَ يرادُ بهِ, أَلاَ تَرى أنهُ لا يجوز أن تقول: "هذا ضَاربٌ زيدًا أَمسِ" حتى تضيف, ويجوز أن تقولَ: "هَذا الضاربُ زيدًا أمسِ" لأنك تنوي "بالضاربِ" الذي ضربَ, ومتى لم تنو بالألف واللام "الذي" لم يجز أن تعمل ما دخلت عليه, وصار بمنزلة سائر الأسماء إلا أن الفاعل هنا إعرابُه إعراب "الذي" بغير صلةٍ؛ لأنه لا يمكن فيه غير ذلكَ, وكان الأخفش يقول: "إنَّ زيدًا" في قولك: "الضارب زيدًا أَمسِ" منصوبٌ انتصابَ: الحسَنِ وجهًا4، وأنه إنما نصب لأنه جاء بعد تمام الاسم. وقال5 أبو بكر: ليس عندي كَما قَالَ؛ لأن الأسماءَ التي تنتصبُ عن تمام الاسم إنما يكنَّ نكراتٍ, والحَسَنُ وما أشبههُ قد قال سيبويه: إنه مشبه باسم الفاعلِ6، وقد ذكرنا ذَا فيما تقدم.

_ 1 يوصف بهن، ساقط من "ب". 2 قال سيبويه 1/ 93: "هذا باب صار الفاعل فيه بمنزلة الذي فعل في المعنى وما يعمل فيه، وذلك قولك: هذا الضارب زيدًا، في معنى: هذا الذي ضرب زيدًا، وعمل علمه؛ لأن الألف واللام منعتا الإضافة وصارتا بمنزلة التنوين". 3 زيادة من "ب". 4 منصوب على التمييز، انظر التذييل والتكميل لأبي حيان 1/ 378، وشرح الإيضاح للرهاوي 1/ 50. 5 في "ب" قال، بإسقاط الواو. 6 انظر الكتاب 1/ 99.

ذكر ما يوصل به الذي

ذكر ما يوصل به الذي 1: اعلمْ: أنَّ "الذي" لا تتم صلتها إلا بكلامٍ تام وهي توصل بأربعة أشياء: بالفعل والمبتدأ والظرف والجزاء بشرطه وجوابهِ, ولا بد من أن يكون في صلته ما يرجع إليه, فإن لم يكن كذلك فليس بصلة لهُ والفعل الذي يوصل به "الذي" ينقسم انقسامه [أربعة أقسام] 2 قبل أن يكون صلةً: فِعْلٌ غير متعد، وفِعل متعد إلى مفعولٍ واحدٍ، وفِعلٌ متعد إلى مفعولين, وفِعْلٌ متعد إلى ثلاثة مفاعيل, وفِعْلٌ غيرُ حقيقي نحو "كانَ" و"ليسَ" فهذه الأفعالُ كلها يوصل بها "الذي" مع جميع ما عملت فيه, وذلك قولك: الذي قامَ والذي ضَربَ زيدًا, والذي ظَنَّ زيدًا منطلقًا, والذي أعطى زيدًا درهمًا، والذي أعلمَ زيدًا عمرًا أبَا فلانٍ "والذي كانَ قائمًا والذي ليسَ منطلقًا" ففي هذه كلها ضمير "الذي" وهو يرجع إليه وهو في المعنى فاعلٌ، فاستتر3 في الفعل ضمير الفاعل؛ لأنه قد جرى على من هو لهُ فإن كان الفعل لغيره لم يستتر4 الضمير وقلت: "الذي قامَ أبوهُ أَخوك" والذي ضربَ أخوهُ زيدًا صاحبكَ، وأما وصله بالمبتدأ فنحو "الذي هُوَ زيدٌ أخوك" والذي زيدٌ أبوهُ غلامُكَ والذي غلامُه في الدار عبد الله. وأما صلته بالظرف فنحو قولك: "الذي خلفَكَ زيدٌ" كأنَّك

_ 1 أطال ابن السراج القول في هذا الباب ولم يوجد في كتب النحو مثل هذه الإطالة سوى ما في المقتضب 3/ 89 إلى 132. وشرح الكافية للرضي 2/ 42، وقد لام العصام الرضي على هذا فقال في شرحه للكافية/ 201: أكثر الرضي عنه لا سيما في الإخبار عن المتنازع فيه وفي إملال لا يتبعه مزيد نفع، ومسائل الرضي هذه منقولة من كتاب أصول ابن السراج/ 223 وما بعدها، وقد تنبه البغدادي إلى هذه الحقيقة. انظر الخزانة 2/ 530. 2 زيادة من "ب". 3 في "ب" فانستر. 4 في "ب" ينستر.

قلت: "الذي استقرَّ خلفَكَ زيدٌ"1 والذي عندَك والذي أمامَكَ وما أشبه ذلك وأما وصلُه بالجزاء فنحو قولك: "الذي إنْ تأتِه يأتِك عمرو" و"الذي إنْ جئتَهُ فهو يُحسنُ إليكَ" ولا يجوز أن تصلَ "الذي" إلا بما يوضحهُ ويبينهُ من الأخبار فأما الاستخبار فلا يجوز أنْ يوصل به "الذي" وأَخواتُها, لا يجوز أن تقول: "الذي أَزيدٌ أَبوهُ قائمٌ" وكذلك النداءُ والأمر والنهي. وجملة هذا أن كل ما تمكن في باب الأخبار ولم يزد فيه معنى على جملة الأخبار وصَلُحَ أن يقال فيه صدقٌ وكذبٌ، وجازَ أن توصف به النكرة فجائزٌ أن يوصل به "الذي" ويجوز أن تصل بالنفي فتقول: "الذي ما قامَ عمرو" لأنه خبرٌ يجوز فيه الصدقُ والكذبُ ولأنك2 قد تصفُ به النكرة فتقول: "مررتُ برجلٍ ما صَلى", وكل فعلٍ تصلُ به "الذي" أو تصفُ به النكرة لا يجوز أن يتضمن ضمير الموصول أو الموصوف, فغير جائزٍ أن تصل به "الذي"3 لو قلت: "مررتُ برجلٍ نِعم الرجلُ" لَما جاز إلا أن تريد: "هُوَ نِعْمَ الرجلُ" فتضمر المبتدأ على جهةِ الحكاية. ومن ذلك فِعْلُ التعجبِ، لا يجوز أن تصل به ولا تصف، لا تقول: "مررتُ برجلٍ أكرمْ به من رجلٍ" لأنَّ الصفةَ موضعها من الكلام أن تفصل بين الموصوفات وتبين4 بعضها من بعض, وإنما تكون كذلك إذا كانت الصفة محدودةً متحصلة, فأما إذا كانت مبهمة [غير متحصلةٍ] 5 فلا يجوز، ألا ترى أنك

_ 1 انظر المقتضب 3/ 102 قال المبرد: اعلم أن كل ظرف متمكن فالإخبار عنه جائز، وذلك قولك إذا قال قائل: زيد خلفك، أخبر عن "خلف" قلت: الذي زيد فيه خلفك، فترفعه؛ لأنه اسم، وقد خرج من أن يكون ظرفًا. وإنما يكون ظرفًا إذا تضمن شيئًا نحو: زيد خلفك؛ لأن المعنى: زيد مستقر في هذا الموضع والخلف مفعول فيه. 2 في "ب" لأنك، بإسقاط الواو. 3 "الذي" ساقط في "ب". 4 في "ب" وبين. 5 زيادة من "ب".

إذا قلت: "أكرم بزيد وما أكرمه" فقد فضلتهُ في الكرم على غيره إلا أنكَ لم تذكر المفضول إذ كان أبلغ في المدح أن يظن به كل ضربٍ من الكرم، فإذا قلت: أكرم من فلانٍ فَقَدْ تَحصّلَ وزالَ معنى التعجب وجاز أن تصفَ به وتصل1 به، فنعم وبئس من هذا الباب، فإن أضمرت مع جميع هذه القولَ جازَ فيهنَّ أن يكُنَّ صفاتٍ وصلاتٍ؛ لأن الكلام يصير خبرًا فتقول: مررتُ برجلٍ يقالُ [لَهُ] 2: ما أحسنه ويقالُ: أَحسنْ به، وبرجلٍ تقولُ لَهُ: اضربْ زيدًا وبالذي يقالُ لهُ: اضربْ زيدًا, وبالذي يقول: اضربْ زيدًا, ومررتُ برجلٍ نِعْمَ الرجل هُوَ، أي: تقولُ: نِعْمَ الرجلُ هُوَ, وبالذي نِعْمَ الرجلُ هُوَ أي: بالذي يقول: نِعْمَ الرجلُ هُوَ. واعلم: أنَّ الصلةَ والصفة حقهما أن تكونا موجودتينِ في حال الفعل الذي تتذكرهُ لأنَّ الشيءَ إنما يوصفُ بما فيه، فإذا وصفتهُ بفعلٍ أو وصلتهُ فالأولى به أن يكون حاضرًا كالاسم، ألا ترى أنكَ إذا قلت: مررتُ برجلٍ "قائمٍ" فهو في وقت مروركَ في حال قيامٍ، وإذا قلت: "هذا رجلٌ قامَ أمسِ" فكأنكَ قلتَ: "هذا رجلٌ معلومٌ" أي: "أعلمه"3 الساعة أنهُ قامَ أمسِ، ولأنكَ4 محققٌ ومخبرٌ عما تعلمه في وقت حديثكَ، وكذلكَ إذا قلت: "هذا رجل يقومُ غدًا" فإنما المعنى: "هذا رجلٌ معلومٌ الساعةَ أنَّهُ يقومُ غدًا" وعلى هذا أجازوا: مررتُ برجلٍ معه صقْرٌ صائدًا به غدًا, فنصبوا "صائدًا" على الحال؛ لأنَّ التأويل "مقدرًا الصيد بهِ غدًا" فإن لم يتأولْ ذلك فالكلام محالٌ, وكل موصوفٍ فإنما ينفصلُ من غيره بصفةٍ لزمته في وقته, وكذلك الصلة إذا قلت: "الذي قامَ أمسِ، والذي يقومُ غدًا" فإن وصلت "الذي" بالفعل المقسم عليه نحو قولك: "ليقومنَّ" لم تحتج إليه

_ 1 في "ب" نصف, وهو خطأ. 2 زيادة من "ب". 3 أي: أعلمه، ساقط من "ب". 4 في "ب" لأنك، بإسقاط الواو.

لأن القسمَ إنما يدخلُ على ما يؤكد إذا خِيفَ ضَعفُ علم المخاطب بما يقسم عليه، والصفة إنما يراعى فيها من الكلام مقدار البيان, وبابها: أن يكون خبرًا خالصًا لا يخلطه معنى قسم ولا غيره، فإن وصل به فهو عندي جائز؛ لأن التأكيد لا يبعده من أن يكون خبرًا, وأما إنَّ وأخواتها فحكم "إنَّ" من بين أخواتها، حكم الفعل المقسم عليه إن لم تذكرها في الصلة, فالكلام غير محتاج إليها وإن ذكرتها جاز, فقلت: "الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ أخوكَ" وفي "إنَّ" ما ليس في الفعل المقسم عليه؛ لأن خبر "إنَّ" قد يكون حاضرًا وهو بابها, وفعلُ القسمِ ليس كذلك إنما يكون ماضيًا أو مستقبلًا فحكمه حكم الفعلِ1 الماضي والمستقبل إذا وصف به، و"ليت ولعلَّ" لا يجوز أن يوصلَ بهما؛ لأنهما غيرُ أخبارٍ ولا يجوز أن يقال فيهما صدقٌ ولا كذبٌ، و"لكنَّ" لا يجوز أن يوصل بها ولا يوصفُ لأنها لا تكون إلا بعد كلام. وأما "كأَنَّ" فجائزٌ أن يوصل بها ويوصفُ بها وهي أحسنُ من "إنَّ" من أجل كافِ التشبيه، تقول: "الذي كأنَّهُ الأسدُ أَخوكَ, ومررت بالذي2 كأنَّهُ الأسدُ" لأنه في معنى قولك: مثلُ الأسَدِ [واعْلَم أنَّهُ لا يجوز أن تقدم الصلة على الموصولِ، ولا تفرق بين الصلة والموصول بالخبر، ولا بتوابع الموصول بعد تمامه كالصفة والبدلِ، وما أشبه ذلك] 3.

_ 1 الفعل، ساقط في "ب". 2 في "ب" برجل، ولا معنى لها. 3 زيادة من "ب".

ذكر الإخبار عن الذي

ذكر الإِخبار عن الذي: اعلم: أنَّ "الذي" إذا تمت بصلتها كان حكمها حكم سائر الأسماء التامة فجاز أن تقع فاعلةً ومفعولةً ومجرورةً ومبتدأةً وخبرًا لمبتدأ، فتقول: "قامَ الذي في الدارِ, ورأيت الذي في الدار، ومررتُ بالذي في الدار، وزيدٌ الذي في الدار" فيكون خبرًا1، والذي في الدار زيدٌ، فتكون

_ 1 فيكون خبرًا، ساقط في "ب".

"الذي" مبتدأةً وزيدٌ خبر المبتدأ، وإذا جعلت مبتدأةً فحينئذٍ تكثر المسائلُ وهو الباب الذي أفرده النحويون1 وجعلوه كحد من الحدودِ، فيقولون: إذا قلتَ "قامَ زيدٌ" كيف تخبر عن زيدٍ بالذي وبالألف واللام؟ فيكون الجواب: الذي قامَ زيدٌ والقائمُ زيدٌ "فتكون" الذي مبتدأ وقامَ صلتهُ وفيه ضمير يرجع إليه وبه تمَّ. وهو في المعنى: "زيدٌ" لأنَّ الضمير هو الذي والذي هو زيدٌ، فهو في المعنى الفاعلُ, كما كان حين قلتَ: "قامَ زيدٌ" وكذلك إذا دخلت الألف واللامُ بدلًا من الذي قلت: "القائمُ زيد" فالألف واللامُ قد قامتا مقامَ الذي و"قائم"2 [قَدْ] حَلَّ مقامَ "قامَ" وفي "قائمٍ" ضمير يرجع إلى الألف واللام, والألفُ واللام هما زيدٌ إلا أنكَ أعربت "القائمَ" بتمامه بالإِعراب الذي يجبُ "للذي" وحدها إذ لم يكن سبيلٌ إلى غير ذلك, وكل اسم قيل لك أخبر عنه فحقه أن تنتزعه من الكلام الذي كانَ فيه وتضع موضعه ضميرًا يقومُ مقامهُ، ويكون ذلك الضمير راجعًا إلى الذي أو الألف واللام، وإنما كان كذلك لأن كل مبتدأٍ فخبره إذا كان اسمًا مفردًا في المعنى هُوَ هُوَ، فإذا ابتدأتَ "بالذي" وجعلت اسمًا من الأسماء خبره, فالخبر هو "الذي" والذي هو الخبر, وهذا شرط المبتدأ والخبر, وإنما الأخبار عن "الذي والألف واللامِ" ضربٌ من المبتدأ والخبر, وقد كنت عرفتك أن الصلة كالصفة للنكرة فإذا أشكل عليك شيءٌ من ذلك فاجعل الصلة صفة3 ليبين لك إنْ قالَ قائلٌ إذا قلت: "ضربتُ زيدًا" كيف تخبر عن زيد، قلت: "الذي ضربتهُ زيدٌ" فجعلت موضع "زيدٍ" الهاء وهي مفعول كما كان زيدٌ وهو4 "الذي والذي هو زيد" فإن جعلته صفةً قلت: "رجلٌ ضربتهُ زيدٌ" إلا أنَّ حذف الهاء في

_ 1 انظر المقتضب 3/ 99 وما بعدها، وشرح الرضي 2/ 42 وما بعدها. 2...... 3 في الأصل "صلة" والتصحيح من "ب". 4 في الأصل "وهي" والتصحيح من "ب".

صلة "الذي" حَسَنٌ؛ لأنهم استثقلوا اجتماع ثلاثة أشياء في الصلة "فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ" فصرن1 مع "الذي" أربعة أشياء تقوم مقامَ اسمٍ واحدٍ فيحذفون الهاءَ لطول الاسم، ولك أن تثبتها على الأصلِ, فإن أخبرت عن المفعولِ بالألف واللام قلت: "الضاربُهُ أنا زيدٌ" وكان حذفُها قبيحًا, وقد أجازوهُ على قبحه. وقال المازني: لا يكادُ يسمع من العرب وحذفُ الهاء من الصفة قبيحٌ إلا أنه قد جاء في الشعر. والفرق بينهُ وبين الألف واللامِ أنَّ الهاء ثَمَّة تحذفُ من اسمٍ وهي في هذا تحذف من فعلٍ وإن قيلَ لكَ: أخبرْ عن "زيدٍ" من قولك: "زيدٌ أَخوكَ" قلت: "الذي هو أَخوك زيدٌ" أخذت زيدًا من الجملة وجعلت بدله ضميرهُ وهو مبتدأٌ كما كانَ زيدٌ مبتدأً وأخوك خبره كما كان, وقولك: هو وأخوك جميعًا صلة "الذي" وهي راجعة إلى "الذي" والذي هو "زيدٌ" وإن أردتَ أن تجعلهُ صفةً فتعتبره بهاء قلت: "رجلٌ هُو أخوكَ زيدٌ" فقولك2: هو أخوكَ جملةٌ, وهي صفةٌ لرجلٍ وزيدٌ الخبرُ, فإن أردت أن تخبر عن "أخوكَ" قلت: "الذي زيدٌ هُوَ أخوكَ" فجعلت الضميرَ موضعَ "الذي" انتزعتهُ من الكلام وجعلتهُ خبرًا, وإنما قال النحويونَ: أخبر عنهُ وهو في اللفظ خبر؛ لأنه في المعنى محدثٌ عنهُ, ولأنه قد يكون خبرًا3 ولا يجوز أن يحدث4 عنه نحو الفعل، والألف واللام لا مدخل لهما في المبتدأ والخبر كما عرفتك, وهذه المسائل تجيءُ في أبوابها مستقصاةً إن شاء الله, فإن كان خبر المبتدأ فعلًا أو ظرفًا غير متمكنٍ لم يجز الإِخبارُ عنه إذا قال لكَ: "زيدٌ قامَ" كيفَ تخبرُ عن "قامَ" لم يجز؛ لأن الفعل لا يضمر، وكذا5 لو قال: "زيدٌ في الدار" أخبر عن "في الدار" لم يجز؛ لأن هذا مما لا يضمر، وقد بينا أن معنى قولهم: أخبر

_ 1 في "ب" فصارت. 2 في "ب" وقولك. 3 زيادة الواو من "ب". 4 في "ب" يخبر. 5 في "ب" وكذلك.

عنهُ أي: انتزعهُ من الكلام واجعل موضعهُ ضميرًا، ثم اجعله خبرًا، فهذا لا يسوغُ في الأفعال ولا الحروف. واعلم: أنهُ إذا كان صلةُ "الذي" فعلًا جاز أن يدخل الفاء في الخبر نحو: "قامَ فلَهُ درهمٌ" والذي جاءني فأنا أكرمهُ, شبهَ هذا1 بالجزاء لأن قولك: فلَهُ درهمٌ تبع المجيء، وكذلك هو في الصفة تقول: "كُلُّ رجلٍ جاءني فلَهُ درهمٌ, وكلُّ رجلٍ قام فإني2 أكرمهُ" والأصل في جميع هذا طرح الفاء وأنت في ذكرها مخيرٌ إلا أنها إذا دخلت ضارع الكلام الجزاء ويبين أن الخبر من أجل الفعل؛ ولذلك لم يجزْ أن تدخل الفاءُ في كل حالٍ [وبأن] 3 لو قلت: "الذي إنْ قمتُ قام فلَهُ درهمٌ" لم يجزْ؛ لأن معنى الجزاء قد تمَّ في الصلة ولكن لو قلت: "الذي إنْ قمتُ قامَ [فلَهُ درهمٌ] 4 إنْ أعطاني أعطيتهُ" جاز لأنه بمنزلة قولك: "زيدٌ إن أعطاني أعطيتهُ" وكذلك إذا قلت: "الذي إنْ أَتاني فلَهُ درهمٌ لَهُ دينارٌ" لا يجوز أن تدخل الفاء على "لَهُ دينارٌ" فالفاء إذا دخلت في خبر "الذي" أشبه الجزاء من أجل أنه يقعُ الثاني بالأول، ألا ترى أنكَ إذا قلت: الذي يأتيني لهُ درهمٌ, قد يجوز أن يكون لهُ درهمٌ لا من أجل إتيانهِ، ويجوز أن يكونَ لهُ درهمٌ من أجلِ إتيانه, فإذا قلت: الذي يأتيني فلهُ درهمٌ دلت الفاءُ على أنَّ الدرهمَ إنما يجب لهُ من أجلِ الإِتيان, إلا أن الفرق بين الذي وبين الجزاء الخالص أنَّ الفِعلَ الذي في صلة "الذي" يجوز أن يكون ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، والجزاء لا يكون إلا مستقبلًا وإذا جاءت الفاء فحق الصلة5 أن تكون6 على اللفظ الذي يحسن في الجزاء في اللفظ

_ 1 "هذا" ساقط من "ب". 2 في "ب" فأنا. 3 زيادة من "ب". 4 زيادة من "ب". 5 في "ب" الصفة. 6 تكون، ساقطة من "ب".

وإن1 اختلفَ المعنى. فمن أجل هذا يقبحُ أن تقول: "الذي ما يأتني فلَهُ درهمٌ" لأنه لا يجوز أن تقول: "إنْ ما أتاني زيدٌ فلَهُ درهمٌ و"لاَ" كُلّ رجلٍ ما أتاني فلهُ درهمٌ" إذا أردتَ هذا المعنى, قلت: "الذي لم يأتني فلَهُ درهمٌ, وكُلُّ رجلٍ لم يأتني فلَهُ درهمٌ" والقياسُ يوجبُ إجازتهُ للفرق الذي بين "الذي [وبين] 2 الجزاء" لأنهُ إذا جازَ أن يلي الذي من الأفعال ما لا يلي "إنْ" وكان المعنى مفهومًا غير مستحيل فلا مانع يمنعُ من إجازته، وإنما أجزنا دخولَ الفاء في هذا لأن الذي ما فَعَل قد يجبُ لهُ شيءٌ بتركه الفعل إذا كان ممن يقدر منه ذلك الفِعْلُ, وإنما لم يجز "ما" مع "إنْ" في الجزاء؛ لأن "ما" لا تكون إلا صدرًا والجزاء لا يكون إلا صدرًا فلم يجز لأن "إن" تعمل فيما بعد "ما" فلما أرادوا النفي أتوا "بلَمْ" وبنوها مع الفعل حتى صارت كأنها جزءٌ منه أو "بلا" فقالوا: "إنْ لَمْ تَقمْ قمتُ، وإنْ لم3 تقمْ لا أقمْ". واعلم: أن كل اسمٍ لا يجوز أن تضمره وترفعهُ من الكلام وتكني عنه, فلا يجوز أن يكون خبرًا في هذا الباب من أجل أنكَ متى انتزعته من الكلام وهو اسم ظاهرٌ أو مضمر فلا بد [من] 4 أن تضمر في موضعه، كما خبرتُكَ. ولك اسم مبني إلا المبهمات والمضمرات والذي وما كان في معناهُ فإنهن في5 أصول الكلام لا يجوز أن يكُنَّ خبرًا "للذي"6، وكذلك كلُّ ظرفٍ غير متمكنٍ في الإِعراب ليس مما يرفع لا يجوز أن يكون خبرًا [للذي] 7 لأن جميع الأسماء إذا صارت أخبارًا "للذي" والذي مبتدأ

_ 1 "إن" ساقطة من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 في "ب" وإن لا تقم لا أقم. 4 زيادة من "ب". 5 زيادة من "ب". 6 في "ب" للمبتدأ. 7 زيادة من "ب".

لم يكن بد من رفعها فكلُّ ما لا1 يرتفع لا يجوز أن يكون خبرًا، لو قلت: الموضع الذي فيه زيدٌ عندك، لم يجز لأنه كان يلزم أن يرفع "عنه" وهو لا يرتفع, وكذلك ما أشبهه, ولو قلتَ: الموضع الذي قمتَ فيه خلفكَ, جاز لأن "خلفَ" قد يرفعُ ويتسعُ فيه فيقالُ: "خلفكَ2 واسع" وأما ما يجوز من المبهمات والمضمرات فنحو قولك: "الذي في الدار هَذا، والذي في الدار الذي كانَ يُحبُّك، والذي في الدار هُوَ" وكذلك ما كان في معنى "الذي" تقول: "الذي في الدار مَنْ تُحبُّ, والذي في الدار ما تحبُّ" فيكون3 الخبر "مَا ومَن" بصلتهما وتمامهما فإن كانتا4 مفردتين لم يجز أن يكونا خبرًا5 "للذي" وكذلك الذي لا يجوز أن يكون خبرًا وهو بغير صلة إلا على نحو ما جاء في الشعر مثل قوله: بَعْدَ اللتيّا واللتيّا والتي6 ...

_ 1 في "ب" فما. 2 يكون خلفك هنا خبرًا وليس بظرف؛ لأنه من الظروف المتصرفة، ومثل ذلك اليوم، تقول: يوم الجمعة، تخبر عن اليوم كما تخبر عن سائر الأسماء؛ لأنه ليس بظرف. 3 في "ب" ليكون. 4 في "ب" كانا. 5 في "ب" خبرين. 6 من شواهد الكتاب 1/ 376، على حذف الصلة اختصارًا لعلم السامع. واقتصر على الشطر الأول كذلك فعل ابن السراج. واستشهد به 2/ 140 على تصغير التي على اللتيا، وتكملة البيت: بعد اللتيا واللتيا والتي ... إذا علتها أنفس تردت اللتيا والتي ههنا، إنما هو لتأنيث الداهية، وتردت: تفعلت، من الردى مصدر ردى: إذا هلك، أو من التردي الذي هو السقوط من علو. وينسب هذا الرجز إلى العجاج. وانظر: المقتضب 2/ 289, والرماني 3/ 56, وأمالي ابن الشجري 1/ 24, وشرح المفصل 5/ 140, والديوان/ 5, وارتشاف الضرب/ 135, والخزانة 2/ 560.

فإن هذا حذف الصلات لعلم المخاطب بالقصة، ولا يجوز أن تخبر عن النعت لأنك تحتاج أن تضمره، فإذا أضمرته زال أن يكون نعتًا، لو قيل لك: أخبر عن العاقل في قولك: "زيدٌ العاقلُ أخوكَ" فأخبرت, لزمكَ أنْ تقول: "الذي زيدٌ هوَ أخوكَ العاقلُ" فتضع موضع "العاقل" هو1 فيصيرُ نعتًا لزيدٍ وهو لا يكون نعتًا ولا يجوز أن تخبر عن "زيدٍ" وحده في هذه المسألة؛ لأنه يلزمك أن تقول: "الذي هو العاقل أخوك زيدٌ, فتصف "هُوَ" بالعاقل وهذا لا يجوز, ولكن إذا قيل لك: أخبر عن مثل هذا فانتزع زيدًا وصفتهُ جميعًا من الكلام, وقل: "الذي هو أخوكَ زيدٌ العاقلُ" ومما لا يجوز أن يكون خبرًا المضافُ دون المضاف إليه, لو قيل: "هذا غلامُ زيدٍ" أخبر عن "غلامٍ" ما جاز؛ لأنه كان يلزم أن تضمرَ موضع غلامٍ وتضيفه إلى "زيدٍ" والمضمر لا يضاف، فأما المضاف إليه فيجوز أن2 يكون خبرًا؛ لأنه يجوز أن يضمر، وجميع ما قدمتُ سيزداد وضوحًا إذا ذكرت الأبواب التي أجازها النحويون.

_ 1 هو، ساقط في "ب". 2 في "ب" يضمر بعد "أن" ولا معنى لها.

باب ما جاز أن يكون خبرا

باب ما جاز أن يكون خبرا مدخل ... باب ما جاز أن يكون خبرًا: اعلم: أن أصول الكلام جملتان: فعلٌ وفاعلٌ ومبتدأٌ وخبرٌ، وقد عرفتُك كيفَ يكون الفاعل خبرًا وأن الفعل لا يجوز أن يكون خبرًا مخبرًا عنه في هذا الباب، وذكرت لك المبتدأ والخبر والإِخبار عن كُل واحدٍ منهما، وأبواب هذا الكتاب تنقسم بعددِ أسماء الفاعلين والمفعولين وبحسب ما يتعدى من الأفعال وما لا يتعدى، فكلُّ ما يتعدى إليه الفعلُ ويعمل فيه إلا ما استثنيناه [مما تقدمَ] 1 فهو جائز أن تخبر عنه، إلا أن يكون اسمًا نكرةً لا يجوز أن يضمر [فيعرف] 2 فإنه لا يجوز الإِخبار عنه نحو ما ينتصب بالتمييز, فجميع الأبواب التي يجوز الإِخبار عن الأسماء التي فيها [مميزٌ] 3 أربعة عشر بابًا: الأول: الفعل الذي لا يتعدى. والثاني: الفعلُ الذي يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ. والثالث4: ما يتعدى إلى مفعولين، ولكَ5 أن تقتصر على أحدهما.

_ 1 زيادة من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" الفعل، بدلًا من "ما". 5 في "ذلك" بإسقاط الواو.

والرابع: ما يتعدى إلى مفعولين وليس لكَ أن تقتصر على أحدهما. والخامس: ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ. والسادس: الفعلُ الذي بنيَ للمفعول الذي لم يذكر مَنْ فعَلَ بهِ. والسابع: الذي تعداهُ فعلهُ إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول لشيءٍ واحدٍ. والثامن: الظروف من الزمان والمكان. والتاسع: المصدرُ. والعاشر: المبتدأُ والخبرُ. والحادي عشر: المضافُ إليهِ. والثاني عشر: البدلُ. والثالث عشر: العطفُ. والرابع عشر: المضمرُ. وقد كان يجب أن يقدم باب1 ما يخبر فيه "بالذي" ولا يجوز أن يخبر عنه2 بالألف واللام ولكنا أخرناهُ ليزداد وضوحه بعد هذه الأبواب. فأما ما قاسه النحويون من المحذوفات في الكلام ومن3 إدخال "الذي" على "الذي" و"التي" وركبوه من ذلك, فنحن نفرده بعد إن شاء الله.

_ 1 في الأصل "الباب" التصحيح من "ب". 2 في الأصل "فيه" والتصحيح من "ب". 3 الواو، زيادة من "ب".

الأول باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول

الأول: باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول: وهو "ذهبَ زيدٌ وقعدَ خالدٌ"1 وكذلك جميع ما أشبههُ من الأفعال التي

_ 1 في "ب" عمرو بدلًا من خالد.

لا تتعدى إذا قيل لك: أخبرْ عن "زيدٍ" بالذي قلت: "الذي ذَهَبَ زيدٌ"1 فالذي مبتدأٌ, و"ذهبَ" صلته وفيه ضمير الفاعل وهو يرجع إلى "الذي" فقد تم "الذي" بصلته وخبرهُ زيدٌ, فإن قيل لك: أخبر عنه بالألف واللام قلت: "الذاهبُ أَخوكَ" فرفعت الذاهب؛ لأنهُ اسمٌ ومعناه: "الذي ذهبَ" ولم يكن بد من رفعه؛ لأن اللام لا تنفصل من الصلة كانفصال "الذي" وهي2 جزءٌ من الاسم ولكن المعنى معنى "الذي" فإن ثنيتَ "الذي" قلت: "اللذان قاما أَخواكَ" فإن جعلتَ "موضعَ" الذي3، الألف واللام قلت: "القائمانِ أخواك" ثنيتَ "القائمَ" إذ لم يكن سبيلٌ إلى ثنيةِ الألف واللام, والتأويل: "اللذان قاما" ويرجع إلى الألف واللام الضميرُ الذي في "القائمينِ" وليست الألفُ بضميرٍ في "قائمانِ" وإنما هي ألفُ التثنية مثلها في سائر الأسماء التي ليس فيها معاني الأفعال، كما تقول: الزيدان أخواكَ, فإن جمعتَ قلت: "الذينَ قاموا إخوتُكَ" وبالألف واللام: "القائمونَ إخوتُكَ" وتفسيرُ الجمع كتفسير التثنية، ومن استفهم قال4: "القائمونَ إخوتُكَ" و"القائمانِ أخواكَ"5 ولا يجوز أن تقول: "القائمُ إخوتُكَ" على قول من قالَ: "أَقائمٌ إخوتُكَ" لأن قولهم6: "أقائمٌ إخوتكَ"7 يجري مجرى: أَيقومُ إخوتُكَ، وما كان فيه الألف واللام لا يجري هذا المجرى؛ لأنه قد تكمل اسمًا معرفة والمعارف لا تقومُ مقامَ الأفعالِ؛ لأن الأفعالَ نكراتٌ، ولكن لا يجوز أن تعمل ما في صلة الألف واللام وهو "قائمٌ" فتقول: "القائمُ أَبوهُ وأَخوكَ, والقائمُ أَبوهما أَخواكَ" ولا يجوز أن تقول: "القائمانِ أَبواهما أَخواكَ" من أجل

_ 1 "زيد" ساقط من "ب", وانظر المقتضب 3/ 91. 2 في "ب" وهو. 3 في "ب" اللين، ولا معنى له. 4 قال: ساقط في "ب". 5 في "ب" الذاهبان. 6 في "ب" قولك. 7 أي: إن إعراب "إخوتك" فاعل سد مسد الخبر، وأقائم: مبتدأ.

أنَّ "قائمٌ" قد عَمِلَ عَمَلَ الفعْلِ وما تمت الألف واللامُ بعد بصلتهما وما لم يتم فلا يجوز أن يُثنى، فإذا1 أَعملت "ما" في صلة الألف واللام في "فاعل" امتنعت التثنية وإنّما جاز أن تقول: "القائمانِ أَخواكَ" لأن الاسم قد تم والضمير الذي في "القائمِ" لا يظهر فأشبه ما لا ضمير فيه، وإنما احتمل الضمير الاسم إذا كان في2 صلة ما هو له وجاريًا عليه استغناءً بعلم السامع، وليس بابُ الأسماء أن تضمر فيها إنما ذلك للأفعال، فإذا لم يكن اسمُ الفاعل فعلًا في الحقيقة للألف واللام أو لما يوصف به أو يكون خبرًا لهُ لم يحتمل الضمير ألبتة، وقد بينتُ ذا فيما تقدم. وتقول: "القائمُ أخواهُ زيدٌ, والقائمُ إخوتهُ عمرٌو" لأن الفعلَ للأَخوينَ وللإخوة وهو مقدمٌ, فالضمير أبدًا عدته بحسب الألف واللام إن عنيت بهما واحدًا كان واحدًا، وإن عنيتَ اثنين كانَ مُثنى, وإن عنيتَ جميعًا كان جمعًا، وكذلك الألف واللام والذي، إنما هي3 بحسب من تضمر في العدة، وإذا4 قلت: "اللذانِ ذهبا أخواك" قلت: "الذاهبان أخواك" وإذا قلت "الذين يذهبونَ قومكَ" قلت: "الذاهبونَ قومُكَ" تثني اسمَ الفاعل في الموضع الذي تثني فيه الفِعْلَ, ألا ترى أنكَ تقولُ: "الزيدانِ ذاهبانِ" لما كنت تقول: "الزيدانِ يذهبانِ" ولا يجوز أن تقول "الزيدانِ ذاهبٌ" وتضمرهما, وتقول: "الزيدانِ ذاهبٌ أبوهما" كما كنت تقول: "الزيدانِ يذهبُ5 أَبوهما" إلا أنَّ تقدير الألف في "ذاهبانِ" غير تقديرها6 في "يذهبان" لأنَّ ألفَ7 "يذهبانِ" للتثنية والضمير, وهي في "ذاهبانِ" تثنيةٌ وإنما الضميرُ في النية.

_ 1 زيادة الفاء من "ب". 2 في "ب" من، بدلًا من "في". 3 في "ب" هو. 4 في "ب" فإذا. 5 في الأصل "يذهبان" والتصحيح من "ب". 6 الهاء في "تقديرها" ساقطة من "ب". 7 في "ب" لأنها "في".

الثاني الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد

الثاني: الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد. وذلك قولك: "ضَربَ زيدٌ عمرًا" اعلم أن هذا الباب لا بد من أن يكون في جميع1 مسائله اسمانِ في كل مسألة: فاعلٌ ومفعولٌ, فإن قيل لك: "أخبرْ عن الفاعلِ بالذي" قلت: "الذي ضَربَ عمرًا زيدٌ" فالذي رفع بالابتداء "وضَربَ عمرًا" صلتهُ وفي "ضَرَبَ" ضميرُ "الذي" هو راجع إليه, وضَربَ وعمرو في صلة "الذي" وبهما تم اسم, والخبرُ زيدٌ, وزيدٌ هو "الذي", فإن قيلَ لكَ: ثَنِّ واجمعْ قلتَ: "اللذانِ ضربا عمرًا الزيدانِ" والذين ضربوا عمرًا الزيدونَ, لا بد من أن يكون الخبرُ بعدَ المبتدأ مساويًا لهُ, وكذلك الضمير الذي في الصلة وهي2 كلها يشار بها إلى معنى واحدٍ [الذي والضميرُ والخبرُ] 3، فإن قيل لك: أخبر بالألف واللام عن الفاعل في هذه المسألة قلت: "الضاربُ عمرًا زيدٌ" والتفسير كالتفسير في "الذي" فإن قيل لك4: ثَنِّ واجمعْ قلتَ: "الضاربانِ عمرًا الزيدانِ" والضاربون عمرًا الزيدون، ولا يجوز أن تقول: "الضارب عمرًا الزيدانِ" لأن المبتدأَ قد نقص عدده5 عن عدة الخَبر، والضاربُ عمرًا واحدٌ وليسَ في الصلةِ دليلٌ على أن الألف واللام لجماعةٍ، فإذا6 ثنيتَ وجمعت قام الدليل وقد مضى تفسيرُ ذا، وينبغي أنْ تراعي في التثنية والجمع "اللذين" في الألف واللام أن يكون الاسم الذي فيه الألف واللام بأسره نظير "الذي" وحدها في إعرابه وتثنيته وجمعه, فإن رفعتَ "الذي" رفعتهُ وإن نصبتهُ نصبتهُ وإن خفَضتَهُ خفضتهُ, وإنْ ثنيتَه وجمعتَه ثنيتهُ وجمعتهُ7, وكذلك يكونان إذا قامَ

_ 1 في الأصل "أربع" والتصحيح من "ب". 2 وهي، ساقطة في "ب". 3 زيادة من "ب". 4 زيادة من "ب". 5 في الأصل "عدته" والتصحيح من "ب". 6 في "ب" وإذا. 7 الواو، زيادة من "ب".

أحدهما مقامَ الآخر. ومن حيث أعرب الفاعل في هذا الباب نحو: "الضاربُ" كإعرابِ "الذي" كذلك ثُني وجُمع تثنيته1 وجمعهُ، ولو كانت الألف واللام تُثنى أو يكون فيها دليل إعرابٍ لانفصلت كانفصال "الذي" من الصلة, فما فيه الألف واللام مما جاء على معنى الذي لفظهُ لفظ الاسم غير الموصول ومعناهُ معنى الموصول، فإن قيل لكَ: أخبرْ عن المفعول في قولك: ضَربَ زيدٌ عمرًا قلت: "الذي ضربَهُ زيدٌ عمرٌو" وحذف الهاء حسنٌ2 كما خبرتك به، وإنْ3 شئت قلتَ: الذي ضربه4 زيدٌ عمرو، فالذي مبتدأٌ وضربَهُ زيدٌ صلتهُ, والهاء ترجع5 إلى "الذي" وعمرو خبر المبتدأ، والذي هو عمرو. فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ: اللذانِ ضربهما زيدٌ العمرانِ، والذينَ ضربهم زيدٌ العمرونَ، فإن أخبرتَ بالألف واللام قلتَ: الضاربهُ زيدٌ عمرٌو، جعلتَ: الضاربَهُ مبتدأً والهاء ترجع إلى الألف واللام ورفعت زيدًا6 بأنه خبرُ الضاربِ وحذف الهاء في هذه المسألة قبيحٌ وهو يجوزُ على قبحه، فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ: الضاربهما7 زيدٌ العمرانِ والضاربهم زيدٌ العمرونَ، فإذا8 قلتَ: "ضربتُ زيدًا" فقيلَ لك: أَخبر عن "التاءِ" فهو كالإخبار عن الظاهر وتأتي9 بالمكني المنفصل فتقول: "الذي ضَربَ زيدًا أنا" فإن10 قيل لك: أَخبرْ عن زيدٍ، قلتَ: "الذي ضربتهُ زيدٌ" لأن الضميرَ وقعَ موقعهُ من الفعل فلم يحتج إلى المنفصل، فإن ثنيتَ أو جمعتَ

_ 1 في "ب" بتثنية. 2 في "ب" لما. 3 في "ب" فإن. 4 في الأصل "ضرب" والتصحيح من "ب". 5 في الأصل "راجع" والتصحيح من "ب". 6 في "ب" عمرًا. 7 في الأصل: الضاربهم، والتصحيح ما أثبت. 8 في "ب" وإذا. 9 في "ب" فتأتي. 10 في "ب" وإن.

قلت: "اللذان ضربا زيدًا نحن"1 والذين ضربوا زيدًا نحن، فإن أتيت بالألف واللام قلت: "الضارب زيدًا أنا" فالضارب مبتدأ [الذي هو صلة الألف واللام] 2 وفي "ضارب"3 ضمير الألف واللام فهو يرجع إليهما، "وأنا" الخبر، "فأنا والذي" والضمير الذي يرجع إلى "الذي" هذه الثلاثة شيء واحد في كل مسألة [إذا كان خبر المبتدأ اسمًا واحدًا] 4 فافهم ذا5 فإن عليه تدور هذه المسائل، فإن أخبرت عن زيد بالألف واللام قلت: "الضاربه أنا زيد" فلم يكن بد من أن تأتي "بأنا" موضع الفاعل؛ لأن الضارب اسم والتاء إنما تتصل بالفعل فإن ثنيت وجمعت قلت: الضاربهما أنا الزيدانِ، والضاربهم أنا الزيدونَ.

_ 1 "نحن" ساقط في "ب". 2 زيادة من "ب". 3 وفي "ضارب" ساقط من "ب". 4 زيادة من "ب". 5 زيادة من "ب".

الثالث الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين

الثالث: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين: ولك أن تقتصر على أحدهما وذلك قولك: "أعطى عبد الله زيدًا درهمًا1، وكسا عبد الله زيدًا جبةً، واختار عبد الله الرجالَ زيدًا" فإن أخبرت عن الفاعل "بالذي" فعلت به ما فعلت به2 فيما تقدم, قلت3: "الذي أعطى زيدًا درهمًا عبد الله" فالذي مبتدأ و"أعطى زيدًا درهمًا" صلة "الذي" وعبد الله الخبر، وإن ثنيت قلت: اللذان أعطيا زيدًا درهمًا عبد الله، وإن جمعت قلت: "الذين أعطوا زيدًا درهمًا عبد الله" وكذلك تقول: "الذي كسا زيدًا جبة عبد الله" فانتزعت4 عبد الله من

_ 1 انظر الكتاب 1/ 16، والمقتضب 3/ 96. 2 "به" ساقط من "ب". 3 في "ب" فقلت. 4 الفاء ساقطة في "ب".

الكلام وجعلت موضعه ضميرًا يرجع إلى "الذي" والذي هو عبد الله كما عرفتك، فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: المعطي زيدًا درهمًا عبد الله، فإن ثنيت قلت: المعطيان زيدًا درهمًا عبد الله, أضمرت في "معطيان"1 ما يرجع إلى الألف واللام، وإذا جمعت قلت: المعطون. [وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت: الذي أعطى عبد الله درهمًا زيد] 2 تريد الذي أعطاه، ولكنك حذفت الهاء [وإن شئت أظهرت الضمير ولم تحذف] 3 لما عرفتك، ويجوز إثباتها، فإن ثنيت قلت: اللذان أعطى عبد الله درهمًا الزيدان، وكذلك إن جمعت قلت: "الذين أعطى عبد الله درهمًا الزيدون" وإن شئت أظهرت الضمير ولم تحذف, فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: "المعطية عبد الله درهمًا زيد" وإن ثنيت قلت: المعطيهما عبد الله درهمًا الزيدان، وإن جمعت قلت: "المعطيهم عبد الله درهمًا الزيدون"، فإن أخبرت عن الدرهم "بالذي" قلت: "الذي أعطى عبد الله زيدًا درهمٌ" تريد: الذي أعطاه عبد الله زيدًا درهم، فحذفت الهاء ويجوز إثباتها، ولك أن تقول: "الذي أعطى عبد الله زيدًا إياه درهم" وهو القياس؛ لأنك جعلت ضمير الدرهم في موضعه، ألا ترى أنك لو جعلت في هذه المسألة موضع الدرهم عمرًا، لم يحسن أن تجعل الضمير إلا [في] 4 موضع المفعول الثاني لأنه ملبس، وليس كالدرهم الذي لا يكون إلا مأخوذًا ولا يكون آخذًا، ومن قال في شيء من هذه المسائل "إياه" لم يجز حذفه لأنه كالظاهر، وليس بمنزلة الضمير المتصل بالفعل؛ لأنهم قد يحذفون من الفعل فكان ما اتصل به أولى أن يحذف إذا أمن الالتباس، فإن ثنيت قلت: اللذان أعطى عبد الله زيدًا درهمان، [وإن شئت قلت: أعطاهما] 5، [وإن جمعت قلت: اللواتي أعطى

_ 1 في "ب" المعطيان. 2 ما بين القوسين ساقط من "ب". 3 ما بين القوسين ساقط من "ب". 4 زيادة من "ب". 5 ما بين القوسين ساقط من "ب".

عبد الله زيدًا دراهم، وإن شئت قلت "التي"1] فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: "المعطيه عبد الله زيدًا درهم" وإن شئت قلت: "المعطي عبد الله زيدًا إياه درهم" وهو القياس كما خبرتك. قال المازني: في2 الإخبار عن الدرهم: المعطيه عبد الله زيدًا درهم، فجعلت الدرهم معلقًا بالمعطي، لأنك إذا قدرت على الهاء لم تجئ بإياه، ألا ترى أنك تقول: ضربته3 ولا تقول: ضربت إياه، قال: وإن شئت قلت: "المعطي عبد الله زيدًا إياه درهم" فجعلت ضمير الدرهم في موضعه, إذ كان مظهرًا فهذا مذهب حسن. قال أبو بكر: وهذا الذي قال المازني: إنه مذهب هو عندي الأجود.

_ 1 زيادة من "ب". 2 في الأصل "وليس" والتصحيح من "ب". 3 في الأصل "ضربته إياه" والتصحيح من "ب".

الرابع الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما

الرابع: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما 1: وذلك قولك: "ظننت زيدًا أخاك، وعلمت زيدًا صاحبك، وحسبت زيدًا أبا عبد الله" فإن أخبرت عن الفاعل من قولك: ظننت زيدًا أخاك "بالذي" قلت: الذي ظن زيدًا أخاك أنا "فالذي" مبتدأ و"ظن" وما عمل فيه في صلته و"أنا" الخبر، وقياسه قياس الباب الذي قبله لا فرق بينهما إلا أن ذاك يجوز الاقتصار فيه على المفعول الأول، وهذا لا يجوز "ذلك فيه"2.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 18، والمقتضب 3/ 95. 2 في "ب" فيه ذلك.

الخامس الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين

الخامس: الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين: قال سيبويه: وليس لك أن تقتصر على المفعول الأول؛ لأن المفعول الأول في ذا كالفاعل في الذي قبله1، وقال المازني: مثلُ ذلك [قال أبو بكر] 2 والذي عندي أنَّ المفعولَ الأول يجوز أن يقتصر عليه كما "كانَ"3 يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعولٍ وليس في الأفعال الحقيقية فِعْلٌ لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعولٍ. وكل فعلٍ لا يتعدى إذا نُقل إلى "أَفعلَ" تعدى، فلما كانَ يجوز أن أقول: "عَلمَ زيدٌ" فاقتصر4 على الفاعل, جاز أنْ أقول: "أَعلمَ اللهُ زيدًا" ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب؛ لأنه المفعولُ الأولُ في الباب الذي قبله5، وإنما استحالَ هذا من جهة المعنى؛ لأنَّكَ إذا قلت: "ظننتُ زيدًا منطلقًا" فالشكُّ إنما وقعَ في الانطلاق لا في زيدٍ؛ فلذلك لا يجوز أن تقول: "ظننتُ زيدًا" وتقطع الكلام ويجوز أن تقول: ظننتُ وتسكت فلا تعديه إلى مفعولٍ, وهذا لا خلاف فيه, وإذا جازَ أن تقول: "ظننتُ وتسكت فيساوي6 "قمت" في أنه لا يتعدى جاز أن تقول: "أظننت زيدًا" إذا جعلته يظن [بهِ] 7، [كما تقول: أَقمتُ زيدًا] 8 لأنه لا فرق بين "ظَنَّ زيدٌ" إذا لم تعده وبين قامَ زيدٌ [كما تقولُ: أَقمتُ زيدًا] 9 وكل فِعْلٍ لا يتعدى إذا نقلته إلى "أفعلَ" تعدّى إلى واحدٍ, فإن كان يتعدى إلى واحدٍ تعدّى إلى اثنين, وإنْ كانَ يتعدى إلى اثنينِ تعدى إلى ثلاثةٍ، فإن نقلتَ "فَعَلَ" إلى "فُعِلَ" كان بالعكس لأنه إنْ كان لا يتعدى لم يجز نقلهُ إلى "فُعِلَ"، وإنْ10 كان يتعدى إلى

_ 1 انظر الكتاب 1/ 19. 2 زيادة من "ب". 3 "كان" ساقط من "ب". 4 في "ب" اقتصر بإسقاط الفاء. 5 أي: باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين. 6 في الأصل "فيتعدى" والتصحيح من "ب". 7 زيادة من "ب". 8 ما بين القوسين ساقط من "ب". 9 زيادة من "ب". 10 في "ب" فإن.

مفعولٍ واحدٍ أُقيمَ المفعولُ فيه مقامَ الفاعلِ ولم يتعد بعدهُ إلى مفعولٍ، وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيمَ أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ، وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ تعدى إلى مفعولينِ "فَفُعِلَ" ينقصُ [مِن] 1 المفعولاتِ و"أَفعل" يزيدُ فيها إذا كان منقولًا من "فَعَلَ" فإذا أخبرتَ عن الفاعل "بالذي" من قولكَ: أعلمَ اللهُ زيدًا عمرًا خيرَ الناسِ، قلت: "الذي أَعلمَ زيدًا عمرًا خيرَ الناسِ اللهُ"2 وتفسيرهُ كتفسير ما قبله, فإن قيلَ لكَ: ثنِّ هذه المسألة بعينها فهو محالٌ, كُفرٌ؛ لأنَّ الله -عز وجل- لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه، ولكن لو قلت: "أعلمَ بكرٌ عمرًا زيدًا خيرَ الناسِ" لجاز تثنية بكرٍ3 وجمعهُ على ما تقدمَ من البيان، وإن قلته4 بالألف واللام وأردت الإِخبار عن الفاعل فهو كالإِخبار عنه في الباب الذي قبله, وذلك قولك: "المعلمُ زيدًا عمرًا خير الناسِ اللهُ" والمنبئ زيدًا عمرًا أَخاكَ اللهُ, وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت: "المعلمهُ الله عمرًا خيرَ الناسِ زيدٌ" وإثباتُ الهاءِ ههنا هو الوجه وحذفها جائز, وهو ههنا أسهل [عندَ المازني وعندي] 5 لكثرة صلة هذا حتى قد أفرط طولهُ، وإن6 أخبرت عن المفعول الثاني قلت: "المعلمهُ الله زيدًا خيرَ الناسِ عمرٌو" وإن شئتَ قلت: "المعلم الله زيدًا إيَّاهُ خيرَ الناسِ عمرو" وهو الوجهُ والقياسُ7؛ لأنَّ تقديمَ الضمير كأنهُ يدخلُ الكلام لبْسًا، فلا يعلم عن أي مفعولٍ أخبرتَ, أَعن الأول أم8 الثاني؟ وكذلك إذا أخبرتَ عن الثالث [قدمتَ الضمير إنْ

_ 1 زيادة من "ب". 2 "الله" ليس في "ب". 3 "بكر" ساقط في "ب". 4 في الأصل: قلت هو، والتصحيح من "ب". 5 زيادة من "ب". 6 في "ب" فإن. 7 والقياس: ساقط من "ب". 8 في "ب" أو بدلًا من أم.

شئتَ] 1 قلت: "المعلمهُ الله زيدًا عمرًا خيرُ الناسِ" وإنْ أخرت قلت: المعلمُ اللهُ زيدًا عمرًا إيَّاهُ خيرُ الناسِ, وهو القياسُ لِما يدخل من اللبسِ، ولأنَّ حقَّ الضمير أن يقعَ موقع الاسم الذي انتزع ليخبر عنه في2 موضعه.

_ 1 زيادة من "ب". 2 في الأصل "وفي" والتصحيح من "ب".

السادس الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به

السادس: الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به: اعلم: أن المفعول الذي تقيمه مقامَ الفاعل, حكمهُ حكم الفاعل، تقول: ضُرِبَ زيدٌ كما تقول: "ضَربَ زيدٌ" فإذا أردت أن تخبر عن "زيدٍ" من قولك: ضُربَ زيدٌ بالذي، قلت: "الذي ضُرِبَ زيدٌ" ففي "ضُرِبَ" ضميرُ "الذي" والذي مبتدأٌ وضرِبَ مع ما فيه من الضمير صلة لهُ، وزيدٌ الخبر على ما فسرنا في الفاعل, فإن ثنيتَ قلت: "اللذانِ ضُرِبا الزيدانِ" وإن جمعت قلت: "الذينَ ضُرِبوا الزيدونَ" فإنْ قلتَ ذلك بالألف واللام قلت: "المضروب زيدٌ" لأن مفعولًا في هذا الباب كفاعل في غيره, أَلا ترى أنَّكَ إذا1 جعلتهُ صفة قلتَ: "رجلٌ ضُرِبَ زيدٌ" ورجلٌ مضروبٌ زيدٌ، فإن ثنيتَ قلت: "المضروبانِ الزيدانِ" وإن جمعت قلت: "المضروبونَ الزيدونَ" وتفسيرُ المفعول كتفسير الفاعل, فإن قلتَ: "أُعطِي زيدٌ درهمًا" فأخبرتَ عن "زيدٍ" قلتَ: "أُعطي درهمًا زيدٌ" وإن أخبرتَ عن الدرهم قلتَ: "الذي أُعطِي زيدٌ درهمٌ" وإن شئتَ قلتَ: "الذي أُعطيهُ زيدٌ درهمٌ" ولكَ أن تقولَ: "أُعطيَ زيدٌ إيَّاهُ درهمٌ" وهو القياسُ؛ لأن الضمير في موضعه والتقديم في هذه المسألة جائزٌ لأنهُ غيرُ ملبس2، ولكن لو كان أصل المسألة: أُعطي زيدٌ عمرًا, ما جاز هذا عندي فيه؛ لأنه ملبس3 لا يعرف المأخوذ من الآخذ، وليس الدرهم

_ 1 "إذا" ساقطة من "ب". 2 في "ب" ملتبس. 3 في "ب" كذاك.

كذلك1؛ لأنه لا يجوز أن يكون آخذًا وعلى هذا المثال: "بابُ ظننتُ وأخواتُها" تقول: ظُنَّ زيدٌ قائمًا, فإن أخبرتَ عن "زيدٍ" بالذي قلتَ: الذي ظُنَّ قائمًا زيدٌ, وإن2 أخبرت عن "قائمٍ" قلت: "الذي ظُنَّ قائمًا زيدٌ" وإن أخبرتَ عن "قائمٍ" قلت: "الذي ظُنَّ زيدٌ قائمٌ" وإن شئتَ قلتَ: الذي ظَنَّهُ زيدٌ قائمٌ, ولكَ أن تقول: "الذي ظُنَّ زيدٌ إياهُ قائمٌ" وهو القياسُ، وإن3 قلتهُ بالألف واللام وأخبرت عن "زيدٍ" قلتَ: "المظنونُ قائمًا" وإن أخبرتَ عن "قائمٍ" قلتَ: "المظنونهُ زيدٌ قائمٌ" وإن شئتَ قلتَ: "المظنونُ زيدٌ إياهُ قائمٌ" فإن ثنيتَ قلتَ: "المظنونانِ قائمين الزيدانِ" وإن جمعتَ قلتَ: "المظنونون قائمينَ الزيدونَ"4، فإذا5 أخبرتَ عن "قائمٍ" قلتَ: "المظنونهما الزيدانِ قائمانِ" وإن شئت قلت: "المظنونُ الزيدانِ إيّاهما قائمانِ" وعلى هذا القياسُ [في الفِعْلِ الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ] 6.

_ 1 في الأصل كذاك، وما أثبته من "ب". 2 في "ب" فإن. 3 في "ب" فإن. 4 في الأصل "زيدون" والتصحيح من "ب". 5 في "ب" وإن. 6 زيادة من "ب".

السابع الفاعل الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد

السابع: الفاعل 1 الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد 2: وذلك, كانَ ويكونُ وما تصرف منهُ، وليسَ وما دامَ وما زال وأصبحَ وأمسى وما كانَ نحوهنَّ, تقول3: "كانَ عبدُ الله أَخاكَ، وأَصبحَ زيدٌ أَباك"

_ 1 الفاعل، ساقط من "ب". 2 قال سيبويه 1/ 20: "هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول, واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد". 3 في "ب" وتقول.

فإن أخبرت عن الفاعل في هذا الباب بالذي قلت: "الذي كانَ أخاكَ عبد اللهِ" ففي كانَ ضميرُ الذي وهو اسمُها, وأخاك خبرها وهي اسمُها وخبرها صلة "الذي" و"الذي" مبتدأٌ وعبد اللهِ خبرهُ, والذي أصبحَ أباكَ زيدٌ مثله. فإن أخبرتَ بالألف واللامِ قلت: "الكائنُ أَخاكَ زيدٌ" وتقديرهُ تقديرُ: "الضاربِ أخاكَ زيدٌ" ولا خلافَ في الإِخبار عن اسم "كانَ" فأما خبرها ففيه اختلاف1، فمن الناس من يجيزُ الإِخبار عنه فيقول: الكائنهُ زيدٌ أَخوكَ, والمصبحهُ عمرو أخوكَ, وإن شئتَ جعلتَ المفعولَ منفصلًا فقلت: "الكائنُ زيدٌ إياهُ أَخوكَ" والمصبحُ زيدٌ إياهُ أَبوكَ, وقال قوم: إن الإِخبار عن المفعول في هذا الباب محالٌ؛ لأن معناهُ: "كانَ زيدٌ مِن أَمرهِ كذا وكذا" فكما لا يجوز أن تخبر عن "كانَ من أمرهِ كذا وكذا" كذلك لا يجوز أن تخبر عن المفعول إذا2 كان في معناه, كذا حكى المازني جميع هذا. قال أبو بكر: والإِخبار عندي في هذا الباب عن المفعول قبيحٌ؛ لأنه ليس بمفعولٍ على الحقيقة وليس3 إضمارهُ متصلًا إنما هو مجازٌ، وعلامات الإِضمارِ ههنا غيرُ محكمةٍ؛ لأنَّ الموضع الذي تقعُ فيه الهاءُ لا يجوز أن تقع "إياَّه" ذلك الموقع, فإجازتهم إيّاهُ "في" كانَ وأخواته دليلٌ على أن علامات الإِضمار لا تستحكم ههنا, قال الشاعر: ليتَ هذَا اللَّيْلَ شَهْرًا4 ... لا تَرى فيه عَريبا لَيْسَ إيَّايَ وإيَّا ... كَ ولا نَخْشَى رَقِيبَا5 فقال: "ليسَ" إيَّاي، ولم يقل: ليسني، فقد فارقَ باب "ضربني" وقد

_ 1 انظر المقتضب 3/ 97، وشرح الكافية للرضي 2/ 44، والهمع 2/ 147-148. 2 في الأصل "إذ" والتصحيح من "ب". 3 "ليس" ساقطة من "ب". 4 في "ب" شهر بالرفع، وتجوز الروايتان. 5 مر تفسيره 2/ 98 من هذا الجزء.

روى "عليهِ رجلًا1 ليسني" وإنما هذا كالمثل؛ لأنهم لا يأمرون "بعليكَ" إلا المخاطبَ، فقد شذ هذا من جهتين من قولهم: "عليهِ" فأمروا غائبًا2 ومن قولهم: "ليسني" فأجروهُ مجرى "ضربني" فإذا قلت: "ليسَ زيدٌ أخاكَ" وأخبرتَ عن الفاعلِ والمفعول3 فإنَّهُ لا يجوز إلا "بالذي" ولا يجوز بالألف واللام4؛ لأن "ليسَ" لا تتصرف ولا يبنى منها فاعلٌ، أَلا ترى أَنَّكَ لا تقول: "يفعلُ" منها ولا شيئًا من أمثلةِ الفِعْلِ وهي فِعْلٌ، وأصلها "لَيِسَ" مثل "صَيِدَ" [البعيرُ] 5, وألزمتِ الإِسكانَ إذ6 كانت غير متصرفةٍ، فتقول إذا أَخبرتَ عنِ الفاعل من قولكَ "ليسَ زيدٌ أَخاكَ": "الذي ليسَ أَخاكَ زيدٌ"7 وإن أخبرتَ عن المفعول قلت: "الذي ليسَ زيدٌ إياهُ أَخوكَ" وإن شئتَ قلتَ: "الذي ليسهُ زيدٌ أَخوكَ" على قياسِ الذين أجازوهُ في "كانَ" والذين أجازوا الإِخبارَ عن المفعول في بابِ "كانَ" وأخواتِها يحتجون8 بقول أبي9 الأَسود الدؤلي: فإنْ لا تَكُنْهَا أَوْ تَكُنْه فإنَّهُ ... أَخوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلبانِها10 فجعله كقولك: اضربها11 ويضربها، ولو قلت: "كانَ زيدٌ حسنًا

_ 1 انظر الكتاب: 1/ 381، فقد جوز سيبويه: ليسني، وكأنني. 2 في الأصل "غائب" وهو خطأ. 3 في الأصل "أو" والتصحيح من "ب". 4 في "ب" فإنه لا يجوز بالألف واللام, ولا يجوز إلا بالذي. 5 زيادة من "ب". 6 في "ب" إذا. 7 ما بين القوسين ساقط من "ب". 8 في "ب" احتجوا. 9 أبي، ساقط من "ب". 10 مر تفسيره في الجزء الأول صفحة 104. 11 في "ب" وتضربه.

وجههُ" فأخبرت1 عن الوجه لم يجز؛ لأنَّك كنتَ تضع موضعهُ "هُوَ" فتقول: الذي كانَ زيدٌ حسنًا هُو وجههُ، إذا كانَ يلزمك أن تضعَ موضع الاسم الذي تخبر عنه ضميرًا يرجعُ إلى "الذي" كما بينت فيما تقدمَ، فإذا2 كان "هو" يرجع إلى "الذي" لم يرجع إلى زيدٍ شيءٌ [وإن رجعَ إلى زيدٍ لم يرجعْ إلى الذي] 3 ولكن لو أخبرتَ عن قولكَ: "حسنًا وجههُ بأَسرهِ" جازَ في قول من أجاز الإِخبار عن المفعول في هذا الباب, فتقول: الكائنهُ زيدٌ حَسنٌ وجههُ, ولو أخبرتَ "بالذي" لقلت: "الذي كانَ زيدٌ حَسنٌ وجههُ" وحذفت4 ضميرَ المفعولِ من "كانَ" كما حذفتهُ من "ضَرَبتُ" [حينَ قلتَ: الذي ضَربَ زيدٌ"5 ولو أَثبتَ الهاءَ لجازَ, وإنْ أخبرت بالذي على6 قول من جعل المفعول "إيَّاهُ" لم يجز حذفهُ؛ لأنه منفصلٌ وكنتَ تقول: الذي كانَ زيدٌ إياهُ حَسَنٌ وجهه.

_ 1 في "ب" وأخبرت. 2 في "ب" وإذا. 3 زيادة من "ب". 4 ضمير، ساقط من "ب". 5 ما بين القوسين ساقط من "ب". 6 في "ب" عن.

الثامن الظروف من الزمان والمكان

الثامن: الظروف من الزمان والمكان: اعلم: أنَّ الظرف1 إذا أخبرتَ عنه فقد خَلُصَ اسمًا وصار كسائر المفعولات، إلا أنَّكَ إذا أضمرتهُ أدخلتَ حرف الجرِّ على ضميره ولم تعد الفعلَ إلى ضميره إلا بحرف الجر2 إلا أنْ تريد السعة فتقدر نصبه كنصبِ سائر المفعولاتِ, وهذه الظروف منها ما يكون اسمًا وظرفًا, ومنها ما يكونُ ظرفًا

_ 1 في "ب" الظروف. 2 في "ب" جر, بلا ألف ولام.

ولا يكون اسمًا1 وقد تقدم ذكرها في هذا2 الكتاب, إلا أنَّا نعيدُ منه شيئًا هاهنا3 ليقومَ هذا الحدُّ بنفسه, فالذي يكون [منه] 4 ظرفًا واسمًا [ضمّ] 5 اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والعامُ والساعةُ ونحو ذلك, وأما ما6 يكون ظرفًا ولا يكون اسمًا فنحو: "ذاتَ مرةٍ وبُعيدات بَين وبكرًا وسَحَرًا" إذا أردتَ "سَحرًا" بعينه ولم تصرف7 ولَم تُردْ سحرًا من الأسحارِ، وكذلك ضحيًّا إذا أردت ضُحَى يومِكَ, وعشيةً وعتمةً إذا أردتَ عشيةَ يومكَ وعتمة ليلتِكَ, لم يستعملنَ على هذا المعنى إلا ظروفًا8، وأما الأماكن وما يكون منها اسم فنحو: المكان والخَلْف والقدام والأمام والناحية، وتكون هذه أيضًا ظروفًا والظروفُ كثيرةٌ, وأما ما يكون ظرفًا ولا يكون اسمًا فنحو: عندَ وسوى وسواء إذا أردتَ بهنَّ معنى "غير" لم تستعمل إلا ظروفًا9، ورُبَّما كان الظرفُ ظرفًا والعمل في بعضه لاَ في كله، نحو: آتيكَ يومَ الجمعةِ, وإنما تأتيهِ في بعضه [لا كلهِ] 10, وكذلك آتيكَ شهرَ رمضانَ وكل ما كان في جواب "مَتى" فعلى هذا يجيء, وأما ما كان جوابًا "لكم" فلا يكون العمل إلا فيه

_ 1 يرى سيبويه أن الجر يكون في كل مضاف إليه, وأنه ينجر بثلاثة أشياء: بشيء ليس باسم ولا ظرف، وبشيء يكون ظرفًا، وباسم لا يكون ظرفًا. انظر: الكتاب 1/ 209. 2 في "ب" ذا. 3 "ها" ساقطة في "ب". 4 زيادة من "ب". 5 زيادة من "ب". 6 "ما" ساقطة من "ب". 7 في "ب" تصرفه. 8 انظر الكتاب 1/ 115، وأمالي ابن الشجري 2/ 250، نقلًا عن أصول ابن السراج. 9 في الأصل "ظرفًا" والتصحيح من "ب". 10 زيادة من "ب".

كله نحو: سرتُ فرسخينِ وفرسخًا وميلًا, لا يجوز1 العمل في بعضه دون بعضٍ. وإذا2 قلت: صمتُ يومًا، لم يجزْ أن يكون الصوم في بعضه من أجل أنه وضع للإِمساكِ عن الطعام والشراب وغيره في اليوم كُله. فما كان من الظروف قد يستعمل اسمًا فالإِخبار عنه جائزٌ وما كان مِنها لا يجوز إلا ظرفًا لم يجز الإِخبارُ عنه، تقول3: "ذهبتُ اليومَ" فإذا قيلَ لكَ: أَخبرْ عنِ اليومِ "بالذي" قلتَ: الذي ذهبتُ فيهِ اليوم, ولَمْ يجز حذفُ "فيهِ" كما كان يجوز حذف الهاء؛ لأن الضمير قد انفصل بحرف الجر, وكذلك إذا قلتَ: "قمتُ اليومَ يا هذا" فجعلتَ اليومَ مبتدأ, قلت: "اليومُ قمتُ فيهِ" لأنه قد صار اسمًا والمضمر لا يكون ظرفًا وكل ما دخل عليه حرفُ الجر فهو اسمٌ، وإنما الظرفُ هو الذي قد حُذفَ حرف الجر منه, وذلك المعنى يُراد به, فإن ثنيتَ قلتَ: اللذان ذهبتُ فيهما اليومانِ, فإن قلت ذلك بالألف واللامِ قلتَ: "الذاهبُ فيهِ أَنا اليومُ" والذاهبُ فيهما أَنا اليومانِ, فالألفُ واللامُ قد قامَتا مقامَ "الذي" وأفردت "ذاهبًا" ولم تثنهِ؛ لأن فاعله غير مضمرٍ فيه وهو مذكور بعده [وإنْ جمعتَ قلتَ: الذاهبُ فيهن أَنا الأيامُ] 4 وكذلك الإِخبار عن المكان إذا قلت: "جلستُ مكانكَ" فإذا5 أردتَ الإِخبارَ عن "مكانك" قلت: "الذي جلستُ فيه مكانكَ" واللذانِ جلستُ فيهما مكاناكَ, وبالألف واللامِ: "الجالسُ فيهِ أنا مكانكَ" والجالسُ فيهما أنا مكاناكَ, فإن جعلتَ الزمان والمكان في هذه المسائل مفعولين على السعة أسقطت حرف الجر فصار حكمه حكم المفعول الذي تقدم ذكره, فقلت في: "ذهبتُ اليوم" إذا أردت أن تخبر عن اليوم بالذي, قلت: "الذي ذهبتُ اليوم" كما تخبرُ عن زيدٍ في

_ 1 في "ب" لا يكون. 2 في "ب" فإذا. 3 في "ب" وتقول بزيادة الواو. 4 زيادة من "ب". 5 زيادة من "ب".

قولك: "ضربتُ زيدًا" تريد: الذي ذهبتهُ1 اليوم، وإن شئتَ أظهرتَ الهاءَ [وهو الأصل] 2 وإثباتها عندي في هذا أَولى منهُ في ضربتُ؛ لأنَّ هنا حرف الجر محذوف الهاء معه إخلالٌ بالكلام, وتقولهُ بالألف واللام: الجالسهُ أَنا مكانكَ وتقول: "سرتُ بزيدٍ فرسخينِ يومين" فالفرسخان ظرفٌ من المكان واليومان ظرفٌ من الزمان, فإن أخبرت عن اليومين "بالذي" قلت: اللذان سرتُ بزيدٍ فرسخين فيهما يومانِ, وبالألف واللام: السائرُ أَنا بزيدٍ فرسخين "فيهما يومان" وإن أخبرت عنهما على3 السعة قلت: السائرهما أنا بزيدٍ فرسخينِ يومانِ، وبالذي: اللذانِ سرتُ بزيدٍ فرسخين يومانِ, وإن شئتَ قلت: سرتهما وهو أحبها4 إليَّ كي لا يكثر ما يحذفُ، فإن بنيت الفعل للمفعول فقلت: "سِيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ" فأنتَ بالخيار، إن شئتَ نصبتَ الفرسخينِ ورفعت اليومينِ, وإن شئتَ رفعتَ الفرسخينِ ونصبتَ اليومينِ5، إلا أنَّ الذي ترفعهُ تجعلهُ مفعولًا على السعة؛ لأنه قد صار اسمًا وخرج عن حد الظرف, وتجعلُ الثاني ظرفًا إن شئت, وإن شئتَ جعلتهُ مفعولًا على السعة أيضًا, فإذا أخبرتَ عن الفرسخين -فيمن رفعهما- بالذي قلت: "اللذانِ سيرا بزيدٍ يومينِ الفرسخانِ" وإن قلتهُ بالألف واللام قلت: "المسيرانِ بزيدٍ يومينِ فرسخانِ" وإن أخبرت عن "اليومينِ" في هذه المسألة -وقد رفعت الفرسخينِ- قلت: "المسيرُ بزيدٍ فرسخانِ فيهما يومانِ" هذا إذا كان "اليومانِ" ظرفًا فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت: "المسيرُهما بزيدٍ فرسخانِ يومانِ" وإذا قدمتَ الفرسخينَ من قولك: "سير بزيدٍ فرسخانِ

_ 1 في "ب" ذهبت بإسقاط الهاء. 2 زيادة من "ب". 3 في "ب" في، بدلًا من "على". 4 في "ب" أحب، بإسقاط "ها". 5 إن نصبتهما نصبت الظروف, قلت: فرسخين يومين. قال المبرد في المقتضب 3/ 106: والاختيار أن تقيم أحدهما مقام الفاعل، وإن نصبت اليومين نصبت الظرف، قلت: سير بزيد فرسخان يومين.

يومينِ" قلت: "الفرسخانِ سيرا بزيدٍ يومينِ" فجعلت ضمير الفرسخينِ في "سِيرَ" فقلت: سيرا وخَلف الضمير الفرسخين فقامَ مقامهما, فإن قدمت اليومين قلت: "اليومانِ سير بزيدٍ فيهما فرسخانِ" فأظهرتَ حرفَ الجرِّ لمَّا احتجتَ إلى إضمار "اليومينِ" فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت: اليومانِ سيرهما بزيدٍ فرسخانِ, فإن قدمت الفرسخينِ واليومين قلت: "الفرسخانِ اليومانِ سيراهما بزيدٍ" فالفرسخان مبتدأٌ واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ وسيراهما بزيدٍ خبر اليومين والألف ضمير الفرسخين وهي ترجع إليهما وهما ضمير اليومين, هذا إذا جعلتهما في أصل المسألة مفعولين على السعة, فإن لم تجعلهما كذلك قلت: سيرا فيهما وكل1 ما قدمته فقد قامَ مقامهُ ضميره, فإن أدخلت "اللذينِ" في "سيرَ" وجعلتَ "اللذينِ" هما الفرسخانِ قلت: "الفرسخانِ اليومانِ اللذانِ سيرا بزيدٍ فيهما هما" فالفرسخان: مبتدأٌ أولُ واليومان مبتدأٌ ثانٍ واللذان مبتدأٌ ثالثٌ وصلته سيرا بزيدٍ2 فيهما والخبرُ "هُما" والألف في "سيرا" ترجع إلى اللذين و"فيهما" ترجعُ إلى اليومين واليومانِ مبتدأٌ وخبرهما اللذان وصلتهما مع خبرهما الجملة, واليومان وما بعدهما3 خَبر الفرسخينِ، وإن شئتَ قلت: "اللذانِ سيراهما" فإن أخبرت بالألف واللام قلت: "الفرسخانِ اليومانِ المسيرانِ بزيدٍ فيهما هما" وإن شئت قلت على الاتساع: "الفرسخان اليومان المسيراهما بزيد هما" واعتبرْ صحةَ هذه المسائل بأنْ تجعل كل اسمٍ ابتدأتهُ موضعَ ضميره, فإن استقام ذلك وإلا فالكلام خطأٌ, ألا ترى أن قولك: "هما" ضمير الفرسخين و"هُما" التي في قولكَ: المسيراهُما ضمير اليومين, فإذا جعلت كلَّ واحدٍ منهما موضع ضميره صار الكلام: "المسيرانِ بزيدٍ يومين فرسخانِ" فعلى هذا يقعُ التقديم والتأخير في كل4 هذه المسائل, فإن جعلتَ "اللذين" في هذه المسألة لليومين قلت:

_ 1 في "ب" فكل ما. 2 في الأصل: "وبزيد سيرا بزيد" والتصحيح من "ب". 3 في الأصل: "بعده" والتصحيح من "ب". 4 "كل" ساقط من "ب".

الفرسخانِ اليومان اللذان سيرا فيهما [بزيدٍ] 1 فالفرسخان مبتدأٌ, واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ و"اللذانِ" خبرُ "اليومينِ" وهُما اليومانِ, والألفُ في "سيرا" ضمير الفرسخين, وفيهما ضميرُ "اللذينِ" فلو جعلتَ "الفرسخين" موضعَ ضميرهما لقلت: اليومانِ اللذان سير الفرسخان فيهما بزيدٍ [هما] 2 فإن أخبرت بالألف واللام في هذه المسألة وجعلتهما "لليومين" أيضًا قلت: "الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هما" فهما الأولى: مفعول على السعةِ والثانيةُ: فاعل, وإنما ظهر الفاعل ههنا لأن كُلَّ اسم كان فيه ضمير الفاعل جرى على غير نفسه فإن الفاعل يظهر فيه, وإنما جاز في "اللذينِ سيرا" لأنَّهُ فِعْلٌ فتثنيه وإن كان جاريًا على غير مَنْ هُو لهُ, ومعنى قولي: جَارٍ على غير مَنْ هو له, أن اللذينِ لليومين والألف في "سيرا" للفرسخين, فلما قلتهُ بالألف واللام لم يصلح أن تقول: المسيراهما كما قلت: "اللذانِ سيراهما" لأن مسيرًا اسمٌ ولو ثنيتهُ لكان فيه3 ضمير الألف واللام، ولا يجوز غير ذلك كما بينت فيما تقدم, لا يجوز أن تقول4: القائمان، وضمير الفاعل5 للألف واللام, وكذلك المضروبان فالألف واللام في هذا بخلاف "الذي" [وحده] 6 لأنها تتحد مع الاسم الذي بعدها فيثنى تثنية "الذي" وحدهُ إذا كان الفعلُ لهُ, فإن لم يكن الفعل للألف واللام يدخل على اسم الفاعل, واسم الفاعل لا يحتملُ الضمير إذا جرى على غير من هو لهُ, فإذا جرى اسمُ الفاعلِ على غير من هو له7 أفرد وذكر الفاعل بعده إما مظهرًا وإما مكنيا, فلذلك قلت: الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هُما؛ لأنك لو جعلتَ الفرسخين في موضعهما

_ 1 زيادة من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 "فيه" ساقطة من "ب". 4 "تقول" ساقطة من "ب". 5 في "ب" إلا للألف واللام. 6 زيادة من "ب". 7 زيادة من "ب".

لقلت: اليومانِ المسيرهما بزيدٍ الفرسخانِ, ويبينُ لكَ اسمُ الفاعلِ والمفعول إذا جرى على غير من هو لهُ في هذه المسألة تقول: الفرسخان اليومانِ مسيرهما بزيدٍ "هما" فتجعل الأولى مفعولا والثانيةَ تقومُ مقامَ الفاعلِ؛ لأن1 قولك: مسيرهما هُما الفرسخانِ, فإذا جعلت "مسيرهما" خبرًا عن اليومين فقد أجريتهما على غير من هُما لهُ فلم يحتمل الاسم إذ جرى على غير نفسه أن يكون فيه ضميرٌ مرفوع, ولو قلت: "الفرسخان اليومانِ سيراهما بزيدٍ" جازَ والألف للفرسخينِ ألا ترى أنك تقول: "زيدٌ ضاربُه أَنا" ولو قلت: "زيدٌ اضربْهُ" لم تحتجْ إلى "أنا" لأن الفعل مما يضمر فيه, وإن جرى على غير صاحبه.

_ 1 في "ب" لقولك.

التاسع الإخبار عن المصدر

التاسع: الإِخبار عن المصدر: اعلَم: أن المصدر إذا كان منصوبًا وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفًا1، فالإِخبار عنه قبيحٌ؛ لأنهُ بمنزلة ما ليس في الكلام, ألا ترى أنكَ إذا قلت: "ضربتُ ضربًا" فليس في "ضربًا" فائدةٌ لم تكن في "ضربتُ" وإنما تجيء تأكيدًا, فإذا قلت: ضربتُ ضربًا شديدًا أو الضرب الذي تعلمُ فقد أفادكَ ذلك أمرًا لم يكن في "ضربتُ" فهذا الذي يحسنُ الإِخبار عنه, فإن أردتَ الإِخبار عن ذلك قلت: "الذي ضربتُ ضربٌ شديدٌ" تريد: "الذي ضربتهُ ضربٌ شديدٌ" وإن قلت: "سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ" قلت: "الذي سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ" والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقومَ مقامَ الفاعل كما كانَ ذلك في الظروف, قال الله تبارك وتعالى2: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 3. وذكر المازني أن الإخبار عن النكرة يجوزُ من هذا الباب, وأن الأحسن أن يكون معرفةً أو

_ 1 في "ب" موصولًا. 2 في "ب" عز وجل. 3 الحاقة: 13، وانظر المقتضب 3/ 104.

موصوفًا، وهو عندي غيرُ جائزٍ إلا أنْ تريد بالمصدر نوعًا من الفعل, فتقول على ذلك: "ضُرِبَ ضَرْبٌ" أي: نوعٌ من الضرب وفيه بعدٌ, وتقول: "ضربتُكَ ضربًا شديدًا" فإذا أخبرتَ عنهُ بالألف واللام قلت: "الضاربكَ1 أنا ضَرْبٌ شديدٌ" أي: "الذي ضربتكه ضربٌ شديدٌ" فإن ثنيتَ المصدر أو أفردتَ المرة فيه حَسُنَ الإِخبار؛ لأنك تقول: ضُرِبَ ضربتانِ, فتكونُ فيه فائدة لأن قولك: "ضُرِبَ" لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت: "ضُرِبَ ضربةٌ واحدةٌ" أو ضربةٌ ولم تذكر واحدةً, فإذا قلت: "ضُرِبَ بزيدٍ ضربٌ شديدٌ" قلت: "المضروبُ بزيدٍ ضَرْبٌ شديدٌ" و"المنفوخُ في الصور نفخٌ شديدٌ"2, وإذا قلت: "شربتُ شربَ الإبلِ" قلت: "الشاربهُ أَنا شرب الإِبلِ" وإذا قلت: "تبسمتُ وميضَ البرقِ" قلت: المتبسمه أنا وميضُ البرقِ, وقد قال قومٌ: إنَّ وميضَ البرقِ ينتصبُ على "فعلٍ" غير "تبسمتُ"3 كأنهم قالوا: "ومضتُ وميضَ البرقِ" فهؤلاءِ لا يجيزون الإِخبار عن4 هذه الجهة، ومن نصب المصادر إذا كانت نكرةً على الحال لم يجز الإِخبار عنها, كما لا يجوز الإِخبار عن الحال, وإذا كانت المصادر وغيرها أيضًا5 حالًا فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو: أَرسلها العِراكَ, والقومُ فيها الجماءَ الغفيرَ, ورجعَ عودَهُ على بدئهِ, وما أشبه هذا مما جاء حالًا وهو معرفة, وكل ما شذَّ عن بابه فليس لنا أن نتصرفَ فيه ولا نتجاوز ما تكلموا به, وكل اسمٍ لا يكون إلا نكرةً فلا يجوز الإِخبار عنهُ, وقد ذكرنا هذا فيما تقدم, فقصة: رُبَّ رَجلٍ وأخيهِ, وكُلُّ شاةٍ وسخلتها, وما أشبه هذا مما جاء معطوفًا نكرةً فهو كالحالِ لا يجوز الإِخبارُ عنهُ, ولو أجزتهُ لوجبَ أن تكرر "رُبّ" فتقول: "الذي رُبّهُ"

_ 1 في "ب" الضاربكه. 2 قال المبرد في المقتضب 3/ 104: "فإن أخبرت عن الصور قلت: المنفوخ فيه نفخة واحدة الصور، وإن أخبرت عن النفخة قلت: المنفوخة في الصور نفخة واحدة. 3 انظر: ارتشاف الضرب/ 146, نقل هذه المسألة من أصول ابن السراج. 4 "عن" ساقط في "ب". 5 في "ب" وأيضًا بعد "حالًا".

ولا حجةَ في قول العربِ: رُبّهُ رجلًا, ورُبّها امرأةً؛ لأنَّ هذا ليس بقياسٍ ولا هو اسم تقدم. قال المازني: وأما قول العرب: "ويحَهُ رجلًا" فإنَّما جاءت الهاءُ بعد مذكورٍ, وقد يجوز الإِخبار عنها كما يجوز الإِخبارُ عن المضمر المذكور فتقول: "الذي ويحهُ رجلًا هو"1 وفيه قبحٌ؛ لأنَّ "ويح" بمعنى2 الدعاءِ مثل الأمر والنهي, والذي لا يوصل بالأمر والتي؛ لأنَّهما لا يوضحانه, والدعاءُ بتلكَ المنزلة, قال: إلا أنَّ هذا أسهل لأن لفظه كلفظ الخبر [قال أبو بكر] 3 أنا أقولُ: "وهو عندي غير جائزٍ؛ لأن هذه أخبار جعلتْ بموضع الدعاء فلا يجوز أن تحالَ عن ذلك, وأما ما جاء من المصادر مضمرًا فعله مثل: إنما أنتَ ضربًا وأنتَ سيرًا وضربًا ضربًا" فلا يجوز عندي الإِخبار عنها لأنها مصادر استغني بها عن ذكرِ الفعلِ فقامت مقامه, فلا يجوز الإِخبار عنها كما لا يجوز الإِخبار عن الفعل, والمصدر يدل على فعله المحذوف فإذا أضمرتهُ لم يدل ضميره على الفعل4. والمازني يجيزُ الإِخبار عن هذا فيقولُ إذا أخبرتَ عن "سير"5 من قولك: إنَّما6 أَنتَ سيرًا، قلتَ7: "الذي أنتَ إيّاهُ سيرٌ شديدٌ" كأنَّكَ قلتَ: الذي أنتَ تسيرهُ سيرٌ شديدٌ.

_ 1 انظر: شرح الرضي على الكافية 2/ 43-45. 2 في "ب" في معنى. 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" فعل، بدون الألف واللام. 5 انظر: شرح الكافية للرضي 2/ 43. 6 زيادة من "ب". 7 قلت: ساقط من "ب".

العاشر الابتداء والخبر

العاشر: الابتداء والخبر: اعلمْ: أنَّ هذا الباب لا يجوزُ الإخبار فيه إلا بالذي؛ لأنه لا يكونُ منه فاعل, وذلك قولكَ: "زيدٌ أخوكَ" إن أخبرتَ عن "زيد" قلت: "الذي

هو أخوكَ زيدٌ" انتزعت زيدًا من الصلة وجعلتَ موضعهُ "هو" فرجع1 إلى "الذي" والذي هُو زيدٌ على ما بينت فيما تقدم, وإن أخبرت عن الأخ قلت: "الذي زيد هو أخوكَ" جعلتَ "هو" مكان الخبر كما كان في أصل المسألة, ولا يجوز هذا التقديم والتأخير لأنهُ ملبسٌ2. وتقولُ: "أنتَ منطلقٌ" للذي تخاطبُ وإن3 أردتَ أن تخبر عن المخاطب قلت: "الذي هو منطلق أنت" وإن أخبرتَ عن "منطلق" قلت: "الذي أنت هو منطلقٌ" وإنْ أخبرتَ عن المضمر في "منطلقٍ" لم يجز لأنكَ تجعل مكانهُ ضميرًا يرجعُ إلى "الذي" ولا يرجع إلى المخاطب فيصيرُ المخاطب مبتدأ ليس في خبره ما يرجع إليه, وإذا قلت: "زيدٌ ضربته" فأخبرت عن "زيدٍ" أقمت مقامه "هو" فقلت: "الذي هو ضربتهُ زيدٌ" فهو, يرجع إلى "الذي" والهاءُ في "ضربتهُ" لم يجز لأنكَ تصيرُ إلى أن تقول: "الذي زيدٌ ضربتهُ هو" فإن جعلت الهاء التي في "ضربتهُ" ترجع إلى "زيدٍ" لم يرجع إلى "الذي" شيءٌ, وإن رددته إلى "الذي" لم يرجع إلى "زيدٍ" شيءٌ. قال المازني: هل يجوز أن أحملَ هذا على المعنى؛ لأنَّ زيدًا هو الذي في المعنى؟ فإن ذلك أيضًا غير جائز لأنك لا تفيدُ حينئذ بالخبر معنى, ولا يجوز الإِخبار عن "ضربتهُ" في هذه المسألة لأنه فعلٌ وجملةٌ, والأفعال والجملُ لا يخبر عنها لأنك إذا أخبرتَ احتجت أن تضمر ما تخبرُ عنهُ والفعلُ لا يضمرُ, وكذلكَ الجملةُ لأن ذلك محالٌ وإذا قلت: زيدٌ ذهب عمرو إليهِ, جاز أن تخبر عن زيدٍ فتقول: "الذي هو4 ذهبَ عمرو إليه زيدٌ" لأنك تجعل الهاء التي في "إليه" ترجع إلى "هو" وتجعلُ "هو" يرجع إلى "الذي" وإن أخبرت عن "عمرو" فجائزٌ فتقول: "الذي زيدٌ ذهبَ إليه عمرو" وتجعل5 للفاعل في "ذهب" ضميرًا،

_ 1 في "ب" ورجع. 2 في "ب" ملتبس. 3 في "ب" فإن. 4 هو، ساقطة من "ب". 5 في "ب" فتجعل.

يرجع إلى "الذي" وتجعل عمرًا خبرًا للمبتدأ وإن جعلت في1 موضع "عمرو" في هذه المسألة "هندًا" كان أبين إذا قلت: "زيدٌ ذهبتْ هندٌ إليهِ" فأخبرتَ عن "هندٍ" قلتُ: التي زيد2 ذهبتْ إليهِ هندٌ, فإن ثنيتَ هندًا قلت: "اللتانِ زيدٌ ذهبتا إليه الهندانِ" فصار3 الكلام أوضح لما ظهر ضمير الفاعل, وهو الراجع إلى "اللتين" فإن أخبرتَ عن "الهاءِ" في هذه المسألة لم يجز من حيث لم يجز الإِخبار عن الهاء في "زيد ضربتهُ" فإن قلت: "زيدٌ ذاهبٌ إليه عمرو" فأخبرتَ عن "عمرو" قلت: الذي زيدٌ ذاهبٌ إليه هو "عمرو" جعلتَ "هو" فاعلًا وجعلتَ "هو"4 منفصلًا؛ لأن "ذاهبًا" اسمٌ إذا صار خبرًا لغير من هو لهُ أو صفةً أو حالًا صار فاعلهُ منفصلًا والفعلُ ليس كذلك, وقد مضى تفسير هذا وتقول: "زيدٌ يضربهُ أبوهُ" فإن أخبرت عن "زيدٍ" قلت: "الذي هو يضربه أبوهُ زيدٌ" جعلتَ "هو" موضعَ "زيدٍ" وهو الراجعُ إلى "الذي" والهاء في يضربهُ ترجع إلى "هو" وكذلك الهاء في "أبيهِ" كما كان في أصل المسألة, وإن أخبرتَ عن الأبِ قلتَ: "الذي زيدٌ يضربه أبوهُ" فتجعل5 في "يضربهُ" فاعلًا وهو صلة "الذي" وجعلت الأب خبرًا وهو "الذي". وهذه المسألة تلبس6 بقولك: "زيدٌ يضربُ أبَاهُ" لو قيلَ لك: أخبر عن "الأبِ" لقلت: الذي زيدٌ يضربهُ أبوهُ, ولو جعلتَ موضع أبيهِ أمهُ لارتفعَ اللبْسُ, لو قيلَ لك: كيفَ تخبرُ عن الأم من قولك: "زيدٌ تضربهُ أمهُ" لقلت: "التي زيدٌ تضربهُ أمهُ" ولو قلت: "زيدٌ يضرب أمه" فأخبرت عن الأم لقلتَ: "التي زيدٌ يضربُها أمهُ" وهذه المسألة متى ما لم يخالف فيها بين

_ 1 "في" ساقطة من "ب". 2 في "ب" الذي، بدلًا من "زيد". 3 في "ب" وصار. 4 في "ب" وجعلته. 5 في "ب" وتجعل. 6 في "ب" تلتبس.

المبتدأ والفاعل أو المفعول ألبسَ1 فلم يعلم الفاعلُ من المفعول, فإن خالفتَ بأن تجعلَ أحدهما مفردًا والآخر مثنى أو مجموعًا أو تجعلَ أحدهما مذكرًا والآخر مؤنثًا زال اللبسُ, ألا ترى أن أصل المسألة2 إذا قلت: "زيدٌ يضربهُ عمرو" وعمرٌو فاعلٌ لو قيلَ لك: قدم عمرًا لقلت: عمرٌو زيدٌ يضربهُ ففي "يضربُه" ضمير "عمرٍو" مرفوعٌ, ولو قيلَ لك: قدم عمرًا من3 قولك: "زيدٌ يضربُ عمرًا" لقلت: "عمرٌو زيدٌ يضربهُ" ففي "يضربهُ" ضمير "زيدٍ" واللفظُ واحدٌ جعلتَ عمرًا فاعلًا أو مفعولًا إذا قدمتهُ وابتدأتهُ فإن خالفتَ بين الاسمين حتى يقعَ ضميراهما متخالفين بان المرادُ, وذلك أن تجعلَ موضع عمرٍو "العمرانِ" فإذا قلتَ: زيدٌ يضربهُ العمرانِ, فقدمتَ العمرين مبتدأينِ قلت: "العمرانِ زيدٌ يضربانهِ" وإن4 قلت: "زيدٌ يضربُ العمرين" فقدمتَ العمرينِ مبتدأينِ قلت: العمرانِ زيدٌ يضربهما, فإن جعلت موضعَ "يضربُ"5 ضاربًا من قولك: زيدٌ6 يضربهُ أبوهُ، قلتَ: زيدٌ ضاربهُ أبوهُ, فإن أخبرتَ عن الأب قلت: الذي زيدٌ ضاربهُ هو أبوهُ, فأظهرتَ "هو" منفصلةً لما تقدم ذكره, فإن أخبرتَ عن الأب من قولك: "زيدٌ ضاربٌ أباهُ" قلتَ: "الذي زيدٌ ضاربهُ أبوهُ" ولم تحتجْ إلى "هو" لأن "ضاربَ" إلى جانب زيدٍ وهو لهُ, فأما قولهم: "السمنُ منوانِ بدرهمٍ" فهذا مستعملٌ بالحذف, يريدونَ: السمن منوانِ منهُ بدرهمٍ, فإن أخبرتَ عن السمن قلت: "والذي هو منوانِ بدرهمٍ السمنُ" تريد: "الذي هو منوانِ منه بدرهمٍ السمنُ" نقلتهُ عما كانَ والحذفُ بحاله, والهاءُ التي في "منهُ" ترجِعُ إلى

_ 1 في "ب" التبس. 2 في "ب" وإذا قيل لك، وهي جملة دخيلة. 3 في "ب"، بدل "من". 4 في "ب" وإذا. 5 في "ب" يضربه. 6 زيد ساقط من "ب".

"هو" كما كانت ترجعُ إلى السمن في أصل المسألة. وإن1 أخبرت عن "المنوينِ" قلت: "اللذانِ السمنُ هما بدرهم منوانِ" وإن أتممت الكلامَ قلت: "اللذانِ السمنُ هُما بدرهمٍ منهُ منوان" والإِتمامُ هو2 أحبُّ إليّ؛ لأن المحذوفَ لا ينبغي أن يُصرفَ تصرفَ غير المحذوف وحقه3 أن يترك على لفظه ليدل على ما حذف منه، وهذه المسألة نظير قولك4: "زيدٌ عمرٌو قائمٌ إليه" فزيدٌ: مبتدأٌ كالسمنِ ومنوان مبتدأٌ ثانٍ كعمرٍو, وقولكَ: "بدرهمٍ منهُ" خبر "منوينِ" والهاءُ في "منهُ" ترجعُ إلى "السمنِ" كرجوع الهاء في "إليهِ" فإن قيلَ لك: أخبر عن خبر السمنِ بأسره, وهو قولك: "منوانِ منهُ بدرهمٍ"5 لم يجز؛ لأن الجمل لا تضمر، وكذلكَ لو قيلَ لك: أخبر في قولك: زيدٌ عمرٌو قائمٌ إليهِ, عن خبر "زيدٍ" بأسرهِ لَمْ يَجزْ.

_ 1 في "ب" فإن. 2 هو، ساقط من "ب". 3 في "ب" فحقه. 4 في "ب" قولهم. 5 في "ب" بدرهم منوان منه.

الحادي عشر المضاف إليه

الحادي عشر: المضاف إليه 1: اعلم: أن المضاف إليه2 على ضربين: فضربٌ [منه] 3 يكون الاسمانِ فيه كحروف زيدٍ وعمرٍو, يرادُ بهما التسميةُ فقط كرجل اسمهُ عبد الله أو4 عبد الملك, فهذا الضرب لا يجوز أن تخبر فيه عن المضاف إليه؛ لأنه كبعض حروف الاسم, وضربٌ ثانٍ من الإِضافة وهي التي يراد بها الملك نحو: "دارُ عبد الله" وغلامُ زيدٍ, فهذانِ منفصلان جمع بينهما المُلك, ومتى

_ 1 إليه، ساقط في "ب". 2 إليه، ساقط في "ب". 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" وعبد الملك.

زالَ الملكُ زالتِ الإِضافة فهذا الضرب الذي يجوز أن تخبر عن المضاف إليه, أما المضاف الأول فلا يجوزُ أن تخبر عنه ألبتة, أعني "غلامًا ودارًا" إذا قلت: غلامُ زيدٍ ودارُ عمرٍو؛ لأنكَ لو أخبرتَ عنهُ لوجبَ أن تضمره وتضيفهُ والمضمر لا يضاف, فإذا قلت: "هذا غلامُ زيدٍ" فأردت1 الإِخبار عن "زيدٍ" قلت: "الذي هذا غلامهُ زيدٌ" جعلت الهاء موضع زيدٍ وهي الراجعة إلى الذي وكذلك إذا قلت: "قمتُ في دار زيدٍ" فأخبرت عن زيد, قلت: "الذي قمتُ في داره زيدٌ" فإن قلت: هذا ابن عرس وسام أبرص, وحَمارُ قَبان وأبو الحرثِ, وأنتَ تعني الأسدَ فأخبرت عن المضاف إليه في هذا الباب لم يجز لأن الثاني ليس هو شيئًا يقصدُ إليه, وإنما حُمار قبان اسم للدابةِ, ليس أن قبان شيءٌ يقصدُ إليهِ, كما كان زيد شيئًا يقصد إليه. وقال أبو العباس عن أبي عثمان: إنه قد جاء الإِخبار في مثل حُمار قبان وأبي الحرثِ وما أشبههُ ولكنه في الشعر شاذٌّ.

_ 1 في "ب" وأردت.

الثاني عشر البدل

الثاني عشر: البدل: اختلف النحويون في الإِخبار في هذا الباب؛ فمنهم من لا يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ إلا والبدلُ معه كما يفعلُ في النصب1, قال أبو بكر: وإلى هذا أذهبُ وهو الذي يختارهُ المازني, ومنهم من يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ دون البدلِ, فإذا قلت: "مررتُ برجلٍ أخيكَ" فأخبرت عن "رجلٍ" قلت: الذي مررت بهِ رجلٌ أخوكَ, والمار به أنا رجلٌ أخوكَ, تجعلُ الرجل خبرًا ثم تبدلُ الأخ منه كما كان في أصل المسألة, وقومٌ يقولون: المار به أنا أخيك رجلٌ, فيجعلون "الأخ" بدلًا من الاسم المضمر كما كان بدلًا من مظهرٍ2. قال المازني: فإنْ أخبرت عن أخيك من قولك: "مررتُ برجلٍ أخيكَ"3 قلت:

_ 1 انظر: المقتضب 3/ 111، وشرح الكافية للرضي 2/ 42، والهمع 2/ 148. 2 في "ب" مظهره. 3 "من" ساقطة في "ب".

المار أنا برجلٍ بهِ أخوكَ, قال: وهذا قبيحٌ؛ لأنَّكَ جئتَ بالبدلِ الذي لا يصح الكلام إلا به, فجعلته بعدما قدرت كلامكَ تقديرًا فاسدًا, قال: ومن أجاز هذا أجازَ: "زيدٌ ضربتُ أخاكَ أباهُ" قال: وهو جائز على قبحه [قال أبو بكر] 1: ومعنى قول المازني: قدرت كلامكَ تقديرًا فاسدًا يعني: أنَّ حقَّ الكلامِ أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل؛ لأن حقَّ البدلِ أن يكون بمنزلة ما ليسَ في الكلام وأن يكون متى أسقط استغنى الكلامُ, فلو قلت: "المارُّ أنَا برجلٍ أخوكَ" لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى الألف واللام شيءٌ، فكان2 الكلام فاسدًا وكذلك لو قلت: "زيدٌ ضربتَ أخاكَ" لم يجز؛ لأنهُ لم يرجع إلى "زيدٍ" شيءٌ, وقولكَ: "أباهُ" بعدُ بمنزلة ما ليس في الكلام [قال المازني: وكِلا القولينِ مذهبٌ, وليسا بقويين] 3.

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" وكان. 3 زيادة من "ب".

الثالث عشر العطف

الثالث عشر: العطف: اعلم: أن العطف يشبهُ الصفة والبدل من وجهٍ ويفارقهما من وجهٍ؛ أما الوجهُ الذي أشبههما فإنه تابعٌ لِما قبلهُ في إعرابه, وأما الوجه الذي يفارقهما فيه فإن الثاني غير الأول, والنعتُ والبدلُ هما الأول, ألا ترى أنكَ إذا قلت: "زيدٌ العاقلُ" فالعاقل هو زيدٌ، وإذا1 قلت: "مررتُ بزيدٍ أخيكَ" فأخوكَ هو زيدٌ، وإذا قلت: "قامَ زيدٌ وأخوكَ" فأخوك غيرُ زيدٍ؛ فلذلك يجوز أن تخبر عن الاسم [المعطوفِ عليهِ الأولِ] 2، ويجوز أن تخبر عن الاسم المعطوف الثاني التابع لما قبلهُ, ولك أن تخبر عنهما جميعًا؛ تقول: زيدٌ وعمرٌو في الدارِ, فإن أخبرتَ عنهما جميعًا قلت: "اللذانِ هما في الدار زيدٌ وعمرٌو"،

_ 1 في "ب" وكان. 2 ما بين القوسين ساقط من "ب".

وإن1 أخبرتَ عن زيدٍ قلت: "الذي هو وعمرٌو في الدار زيدٌ" وإن أخبرتَ عن "عمرٍو" قلت: "الذي زيدٌ وهو في الدار عمرٌو" وإن شئت قلتَ: "الذي هو وزيدٌ في الدار عمرٌو" لأن المعنى واحدٌ فإن قلت: "قامَ زيدٌ وعمرٌو" فأخبرتَ عنهما جميعًا قلت: "اللذانِ قاما زيدٌ وعمرٌو" وإن أخبرت عن "زيدٍ" قلت: الذي قامَ هو وعمرٌو "زيدٌ" فأكدت الضمير في "قامَ" بهو؛ لتعطف عليه الظاهر, ويجوز أن لا تذكر2 "هو" فتقول: "الذي قامَ وعمرٌو زيدٌ" وفيه قبحٌ، وإن3 أخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي قامَ زيدٌ وهو عمرٌو زيدٌ" فإن قلت في هذه المسائل4 بالألف واللام فقياسهُ قياسُ ما تقدم, وإن أخبرت عن المفعول من قولك: ضربتُ زيدًا وعمرًا [فإن] 5 أردتَ أن تخبر عن "زيدٍ" قلت: الذي ضربتهُ وعمرًا زيدٌ, وإن أخبرتَ عن عمرٍو قلت: "الذي ضربتُ زيدًا وإياهُ عمرٌو" فإن لم تردْ ترتيب الكلام على ما كان عليه قلت: الذي ضربتهُ وزيدًا عمرٌو, وجاز ذلك لأنَّ قولك: "ضربتُ زيدًا وعمرًا, وضربتُ عمرًا وزيدًا" في الفائدة سواءٌ, فإن قلت: ضربتُ زيدًا وقامَ عمرٌو, لم يجز الإِخبار عن واحدٍ منهما؛ لأنهما من جملتين والعاملان يختلفان, فلو أخبرت عن "زيدٍ" لكنت قائلًا: "الذي ضربتهُ وقامَ عمرٌو زيدٌ" فليس لقولكَ: قامَ عمرٌو اتصالٌ بالصلة, فإن زدتَ في الكلام [فقلتَ] 6: وقامَ عمرٌو إليه أو من أجله جاز, فإن قلت: ضربتُ زيدًا أو عمرًا فأخبرت عن "زيدٍ" فإن الأخفش يقولُ: "الضاربهُ أنا أو عمرًا زيدٌ" قال لأنَّ

_ 1 في "ب" فإن. 2 في الأصل "تؤكد" والتصحيح من "ب". 3 في "ب" فإن. 4 في "ب" المسألة. 5 زيادة من "ب". 6 زيادة من "ب".

عمرًا قد1 صار كأنه من سببه إن وقع عليهما فِعْلٌ واحدٌ, كما تقول: مررتُ برجلٍ ذاهبٍ أبوهُ أو2 عمرو, ولو قلت: أو ذاهبٌ عمرٌو لم يجز؛ لأنهما لم يجتمعا في فِعْلٍ واحدٍ فيصير عمرٌو إذا جعلت لهُ فعلًا على حدته3 كأنك قلت: مررتُ برجلٍ ذاهبٌ عمرٌو وكذلك لا يجوز: الضاربه أنا والضاربُ زيدًا عمرٌو [قال أبو بكر] 4: لأنه قد انفصل من العامل الذي في صلة الضاربِ, وإذا قلت: ضربتُ أو شتمتُ عمرًا فأخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرٌو" تريد: "الذي ضربتهُ أو شتمتهُ عمرٌو" فالفعلانِ داخلانِ في الصلة، فإن5 قلتهُ بالألف واللام احتجتَ أن تقول: الضاربه أنا والشاتمه أنا عمرٌو, فأخرجتَ ما كان في صلة "الذي" عنها؛ لأنه لا بد من ألف ولامٍ أخرى حتى يصير فاعلٌ بمعنى الفعل, وهذا لا يجوز, ومعنى الكلام أيضًا يتغير لأنك إذا قلت: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرٌو" فالشك واقع في الفعلين, وإذا قلت: "الضاربهُ أنا أو الشاتمهُ أنا عمرٌو" فالشك في الاسمين, فإن قلت: ضربتُ زيدًا أو شتمتُ عمرًا لم يجز أن تخبر عن زيدٍ إلا أن تضمر في الجملة الثانية ما يرجعُ إلى "زيدٍ" فتقول: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرًا من أجله أو لهُ زيدٌ". واعلم: أنه قد جاء في العطف أشياء مخالفةٌ للقياس, فمن ذلك قولك: "مررت برجلٍ قائمٍ أبواه, لا قاعدين" فقولك: "لا قاعدينِ" معطوفٌ على "قائمٍ" وليس في قولك: "قاعدينِ" شيءٌ يرجعُ إلى رجلٍ, [كما كان في قولك: قائمٌ أبواهُ, ضميرٌ يرجع إلى "رجل"6] فجاز هذا في المعطوف على

_ 1 "قد" ساقط في "ب". 2 في "ب" وعمرو. 3 في "ب" حده. 4 زيادة من "ب". 5 في "ب" فإذا. 6 ما بين القوسين ساقط من "ب".

غير قياسٍ، وهذا لفظُ المازني وقول كلّ من يرضى قوله, وكان ينبغي أن تقول: مررتُ برجلٍ قائمٍ أبواه ولا قاعدٍ أبواه, وأن لا يجيء الأبوان مضمرين ولكنه حكي عن العرب وكثر في كلامهم حتى صار قياسًا مستقيمًا, ومما جاء في العطف لا يجوز في الأول قول العرب: "كُلُّ شاةٍ وسخلتها بدرهمٍ"1 ولو جعلتَ السخلةَ تلي "كُلّ" لم يستقمْ, ومثلهُ: "ربَّ رجلٍ وأخيهِ" فلو كان الأخ يلي "رُبَّ" لم يجز, ومن كلام العرب: "هذا الضاربُ الرجلِ وزيدٍ" ولو كان زيدٌ يلي الضاربَ لم يكن جرا, وينشدونَ هذا البيتَ [جرا] 2: الواهب المائةِ الهجانِ وعبدِها ... عوذًا تُزجَّى خلفَها أطفالها3 وكان أبو العباس4 -رحمهُ الله-5 يفرقُ بين عبدها وزيدٍ, ويقول: إن الضمير في "عبدِها" هو للمائة فكأنه قال: وعبدُ المائة, ولا يستحسنُ6 ذلك في "زيدٍ" ولا يجيزه7 وأجاز ذلك سيبويه8 والمازني, ولا أعلمهم قاسوه إلا على هذا البيت. وقال المازني: إنه من كلام العرب, والذي قال أبو العباس9 أولى وأحسن, فإذا قلت: "مررتُ بزيدٍ القائمِ أبواه, لا القاعدينِ" أجريتَ "القاعدينِ" على: القائم أبواه عطفًا, فصارا جميعا من صفة زيدٍ ولم يكن في "القاعدينِ" ما يرجع إلى الموصول في اللفظ, ولكنه جاز في المعرفة كما جاز في النكرة, وتقول على هذا القياس: مررتُ بهند القائمِ أبواها لا القاعدين, فتجري "القاعدينِ" عليها.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 244، وشرح الرماني 2/ 45، والخزانة 2/ 181. 2 زيادة من "ب". 3 مر تفسيره في الجزء الأول، صفة 88 من الأصل. 4 انظر: الخزانة 2/ 181، والدرر اللوامع 2/ 57. 5 رحمه الله، ساقط من "ب". 6 في "ب" استحسن. 7 في "ب" أجيزه. 8 انظر الكتاب 1/ 93, والخزانة 2/ 181, والدرر اللوامع 2/ 57. 9 انظر: المقتضب 4/ 164.

قال المازني: وقد قال قوم من أهل العلم: نجيزُ هذا في الألف واللام، ولا نجيزهُ في "الذي"؛ لأن الألف واللام ليستا على القياس و"الذي" لا بد في صلته من ضميره, وقال هؤلاء: ألا ترى أنك تقول: "نِعْمَ الذاهبُ زيدٌ, ونِعْمَ القائمُ أبوهُ زيدٌ, ونِعْمَ الضارب زيدًا عمرٌو" ولا تقول: "نِعْمَ الذي ذهبَ زيدٌ" ألا تَرى أن الألفَ واللامَ قد دخلتا مدخلًا لا يدخلهُ "الذي" وكذلك1 جاز: مررتُ بهندٍ القائمِ أبواها لا القاعدينِ، ولم يجز: "مررتُ بهندٍ القائم أبواها لا2 اللذينِ قَعَدا" وقال الآخرون: نجيزهُ "بالذي" معطوفًا ونجعل صلتهُ على المعنى, كما قلنا: أنا الذي قمتُ, وأنت الذي قمتَ, وأنا الذي ضربتُكَ فحملناهُ على المعنى فكان الحملُ على المعنى في العطف أقوى، إذ كان يكون ذلك في هذا وليس معطوفًا؛ لأنّا قد رأينا أشياء تكون في العطف فلا تكون في غيره، فإذا كانت صلةُ "الذي" جائزة أن تحمل على المعنى غير معطوفةٍ فهي معطوفةٌ أشد احتمالًا, فأجازوا هذا الباب على ما ذكرتُ لك. قال المازني: وهو عندي جائزٌ على المعنى كما تقول: "اللذانِ قامَ وقعدَ أخواك" فتجعل الضمير الذي في "قام وقعد" يرجع إلى "اللذينِ" على معناهما لا على لفظِهما. ومما جاءَ في الشعر في صلة الذي محمولًا على معناه لا على لفظه: وأَنَا الَّذِي قَتَّلتُ بَكْرًا بالقَنَا ... وتَرَكْتُ تَغْلِبَ غَيْرَ ذَاتِ سَنَامِ3 ولو حمله على لفظه لقال4: "قَتَل" قال: وليس كل كلام يحتمل5 أن

_ 1 في "ب" فكذلك. 2 في "ب" إلا، ولا معنى لها ههنا. 3 الشاهد فيه "قتَّلت" والكثير: قتل, والقنا: جمع قناة، يكتب بالألف؛ لأنك تقول في جمعه: قنوات, والبيت للمهلهل بن ربيعة. وانظر: المقتضب 4/ 132, والمقصور والممدود لابن ولاد 88, والأبيات المشكلة للفارقي/ 238, وشرح السيرافي 3/ 136. 4 في "ب" قال. 5 في "ب" محتملًا.

يحمل على المعنى, لو قلت: أخَواكَ قامَ وأنتَ تريدُ: قامَ أحدهُما، لم يكن كلامًا؛ لأنك ابتدأت الأخوين ولم تجئ في خبرهما بما1 يرجعُ إليهما, فلذلك لم يجز هذا, ولو قلت: أخواكَ قام وقعد فحملت "قامَ وقعدَ" على معنى الأخوين, كان هذا أقوى؛ لأن الكلام كلما طال جاز فيه ما لا يجوز فيه إذا لم يطل, ولو قلت: "اللذانِ قامَ أخواكَ" تريد: "اللذان قامَ أحدهما أخواك" لم يجز وقد يضطر الشاعر فيجيء بالشيء على المعنى فيكون ذلك جائزا2 كما جاز له صرف ما لا ينصرف ووضع الكلام في غير موضعه، ولا يجوز ذلك في غير الشعر [فكلُّ ما شنَع في السمع أجازته ولم يستعمل لا تجزه] 3. وقال الأخفش: لو أنَّ رجلًا أجاز: مررت بالذي ذهبت جاريتاهُ والذي أقَامتا على القياس -يعني في هذا الباب- وعلى أنه يجوز في العطف ما لا يجوز في الإِفراد كان قياسًا على قبحه، وعلى أنه ليس من كلام العرب، ومن لم يجز هذا لم يجز: "مررتُ بالحَسنة جاريتاهُ لا القبيحتينِ" إذا أرادَ معنى "الذي" ويجوز هذا على أن لا يجريه مجرى "الذي" ولكن يدخل الألف واللام للمعرفة, وإذا قلت: "ضربتُ زيدًا فعمرًا" فأردتَ الإِخبارَ عن "زيدٍ"4 قلت: "الذي ضربتُه فعمرًا زيدٌ" فإن أخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي ضربتُ زيدًا فإياهُ عمرٌو" ولا يجوز أن تجعل ضميره متصلًا وتقدمهُ كما فعلت في الواو؛ لأن معنى الفاء خلاف ذلك وثمَّ كالفاء, وكذلك "لا" إذا كانت5 عاطفة فإذا قلت: "ضربتُ زيدًا ثمَّ شتمتُ عمرًا" لم يجز أن تخبر عن زيدٍ بالألف واللام؛ لأنهُ يلزمكَ أن تقول: "الضاربهُ أنا ثُمَّ الشاتمُ أنَا عمرًا زيدٌ" فلا يكون لقولك: "الشاتمُ أنا عمرًا" اتصال بما في الصلة إلا أن تريد له أو من أجله كما بينا في مسائل تقدمت، لو قلت: الذي ضربتهُ

_ 1 في الأصل "ما" والتصحيح من "ب". 2 جائز، ساقط في "ب". 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" زيد عمرو. 5 في "ب" كان.

وضربتُ عمرًا زيدٌ, أو ثمَّ ضربتُ عمرًا أو فضربتُ عمرًا لم يجز ذلك كله إلا على هذا الضمير أو تكون تريد: "ضربتهُ وزيدًا" فتقول: ضربتهُ وضربتُ زيدًا, تريد الفعل الثاني توكيدًا فيجوز على هذا وهو أيضًا قبيحٌ, وكذلك لو قلت: الذي ضربتهُ وقمتُ أو ثم قمتُ أو قلتُ زيدٌ, لم يجز إلا على ما ذكرتُ لك وهو قبيحٌ, ألا ترى أنَّكَ لو قلت: "مررتُ برجلٍ قائمٍ أبوه وأنا" جاز ولو قلت: "مَرَّ زيدٌ برجلٍ وذاهبٌ أنا" لم يجز إلا على ما ذكرت [لك] 1 من الضمير فتقول2: وذاهبٌ أنا من أجلهِ ولو قلت: "الذي ضربتُه فبكى3 زيدٌ أخَوكَ" جاز لأَنَّ بكاء زيدٍ كان لضربِكَ إياهُ, ولو قلت: "الضاربهُ أنا4 والباكي زيدٌ أَخوكَ" لم يجز لأنك إذا أدخلت الألف واللام لم تجعل الأول علةً للآخر وإنما يكون ذلك في الفعل, ولو قلت: الذي ضربتهُ وقمتُ زيدٌ كان جيدًا؛ لأنَّ الفعلين جميعًا من صلة "الذي". وقال الأخفش: لو قلت: الضاربهُ أنا وقمتُ زيدٌ كان جائزًا على المعنى؛ لأن معنى الضاربهُ أنا الذي ضربتهُ5، وفي "كتاب الله عز وجل"6: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ} 7، ولو قلت: "الضاربه أنا، والقائم أنا زيدٌ" لم يجز لأن كل واحدٍ منهما اسمٌ على حياله, والقائمُ أنا ليس فيه ذكرُ زيدٍ, ولو قلت: "الضاربُ زيدًا فمبكيه أنتَ" كان جائزًا8 على أن يكون الضربُ علةً للبكاءِ؛ لأنك لو قلت: الضاربُ زيدًا

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" تقول. 3 في الأصل "فبكا". 4 "أنا" ساقط من "ب". 5 الذي ضربته، ساقط من "ب". 6 في "ب" قال الله عز وجل. 7 الحديد: 18. 8 في "ب" جاز على أن يكون.

[فبكى أنا "كان جيدًا"] 1 ولو قلت: "الضاربُ زيدًا فالباكي هو أنا" لم يحسن. وقال الأخفش: إلا على وجهٍ بعيدٍ, كأنه ليس فيه ألفٌ ولامٌ, كما قالت العرب: هم فيها الجماءَ الغفير, يريدون: هُم فيها جما غفيرًا, وأرسلها العراك2 يريد: أرَسلها عِراكًا, وقال: قالت العربُ: "همُ الخمسة العشَر" يريدون: "هُم الخمسةَ عَشَرَ".

_ 1 ما بين القوسين ساقط في "ب". 2 أي: إن الألف واللام زائدتان، والعراك تعرب حالًا.

الرابع عشر الإخبار عن المضمر

الرابع عشر: الإِخبار عن المضمر: إذا قلت: "قمتُ" فأخبرتَ عن "التاءِ" قلت: "القائمُ أنَا" فإن1 قلت: "قمتَ" فأخبرتَ عن "التاءِ" قلت: "القائمُ أنتَ" فإنْ كان الضمير غائبًا قلتُ: "القائمُ هوَ" وإن أخبرتَ "بالذي" قلت: "الذي قامَ هُوَ, والذي قامَ أنتَ, والذي قامَ أنَا" لأنك لو قلت: "الذي قمتُ أنا والذي قمتَ أنتَ" لم يكن في صلة "الذي" شيءٌ يرجع إليه, وزعموا أنه سمع من العرب وهو في أشعارهم: أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ, إذا بدأت بالمخاطب قبل "الذي" أو بدأ المتكلم "بأنا" قبل "الذي" فحملت "الذي" في هذا الباب على المعنى, والجيد2: أنا الذي قامَ والآخر جائزٌ, فإذا قلتَ: "ضربتني" فأخبرت عن المفعول قلت: "الذي ضربته أنا" فإن قلت: "ضربتك" فأخبرت عن الفاعل قلت: الذي ضربكَ3 أنا, ولا يجوز: "الذي ضربتُكَ أنتَ" ولا "الذي ضربتني أنا" إذا أخبرت عن "التاء" فإن قدمت "نفسَكَ" قبلَ "الذي" قلتَ: "أنا الذي ضربتُكَ وأنا الذي ضربتني". قال المازني: ولولا أن هذا حكي عن العرب الموثوق بعربيتهم لرددناه4 لفساده, وإذا قلتَ:

_ 1 في "ب" وإن. 2 في "ب" الجيد، بإسقاط الواو. 3 "ضربك" ساقط من "ب". 4 في "ب" رددناه بإسقاط اللام.

ضربتُكَ فخبرتَ عن المفعول بالذي, قلت: "الذي ضربتُ أنتَ" إن شئتَ حذفتَ الهاء من "ضربتُ" وإن شئت أثبتها وكذلك إذا قلت: مررتُ بِكَ فأخبرتَ عن "الكاف"1 بالذي, قلت: "الذي مررتُ بهِ أنتَ" فإن قلتَ: ضربتني أو مررت بي فأخبرتَ عن نفسك قلتَ: "الذي مررتُ بهِ أنا, والذي ضربتهُ أنا" فالمجرور2 والمنصوب والمرفوع من المضمر على هذا, فإذا قلت: هذا غلامُك فأخبرت عن "الكاف" قلت: الذي هذا غلامهُ أنتَ, وإذا قلت: هذا غلامي فأخبرت عن الياء قلت: "الذي هذا غلامهُ أنَا"3 وإذا قلت: "هذا غلامُه" قلت: "الذي هذا غلامُه هُوَ"4 لأن "أنَا" للمتكلم وأنتَ للمخاطب وهو للغائب. وقال المازني في هذا الباب: إنه جائزٌ عند جميع النحويين, ثم قال: وهو عندي رديءٌ في القياس, ولولا اجتماع النحويين على إجازته ما أجَزتُهُ, قال أبو بكر: والذي جعلهُ عندهُ رديئًا في القياس أنكَ تخرج المضمر الذي هو أعرف المعارف إلى الظاهر؛ لأن "الذي" وإن كان مبهمًا فهو كالظاهر لأنه يصحُّ بصلته.

_ 1 الكاف، ساقط من "ب". 2 في "ب" والمجرور. 3 في "ب" هو. 4 هو، ساقط في "ب".

باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه بالألف واللام

باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه بالألف واللام مدخل ... باب ما تخبر فيه 1 بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه 2 بالألف واللام, وما يجوز بالألف واللام ولا يجوز بالذي [وذلك المبتدأ والخبر] 3: أما ما يخبر فيه "بالذي" ولا يجوز بالألف واللام فالمبتدأ والخبر, وقد بيناه فيما تقدم, وكذلك ما جرى مجراهما, والمضاف إليه, والاسم المعطوف, وكل اسمٍ لا يتصلُ به فعلٌ فيرفعه أو ينصبه أو يتصل به بحرف جر, لا يجوز أن تخبر4 عنهُ إلا "بالذي" وكل فعلٍ لا يتصرف فلا يجوز عنه الإِخبار إلا "بالذي"5، وقد تقدم ذكر هذا. وأما ما يجوز بالألف واللام ولا يجوز "بالذي" مكانَهُ فقال الأخفش تقول: "مررتُ بالقائم أخواهُ إلا القاعدين" ولو قلت: "مررتُ بالذي قعدت جاريتاهُ لا الذي قامَتا" لم يجز؛ لأن "الذي" لا بد من أن يكون في صلتها ذكرها, وكذلك لو قلت: "مررتُ بالقاعد أبواها6 لا القائمين" كان جيدًا. ولو قلت: مررت بالتي7 قعدَ أبواها8 لا التي قاما لم يجز؛ لأنه ليس في صلة "التي" ذكر لها, ألا ترى أنكَ

_ 1 في "ب" عن. 2 في "ب" عن. 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" الإخبار. 5 الذي، ساقط في "ب". 6 في "ب" أبواه. 7 في "ب" الذي. 8 في "ب" أبواه.

تقول: "المضرُوبُ الوجه عبد الله" ولا تقول: "الذي ضُرِبَ الوجهُ عبد الله" وتقول: المضروبةُ الوجهِ ضربتين أمةُ الله, ولا تقول: التي ضُرِبتِ الوجهُ ضربتين أمةُ الله؛ لأنهُ ليسَ في صلة "التي" لها ذِكْرٌ.

ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون

ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون: وذلك قولك: "ضربتُ وضربَني زيدٌ" وضربني وضربتُ زيدًا, قال الأخفش: إذا قلتَ: "ضربتُ وضربني زيدٌ" فأدخلتَ عليه الألفَ واللام, وجعلتَ "زيدًا" خبرًا قلت: "الضاربهُ أنَا, والضاربي زيدٌ" لا يحسن غير ذلك؛ لأنك حين طرحتَ المفعول في "ضربتُ وضربني" لم تزد على ذلك, وأنت لو طرحتَ "الهاءَ" من قولكَ: "الضاربهُ أنَا والضاربي زيدٌ" كنتَ قد طرحتَ المفعول به كما طرحتَهُ في "ضربتُ" وطرحت الشيءَ الذي تصحُّ به الصلة؛ لأن كلَّ شيءٍ من صلة "الذي" لا يرجع فيه ذكر "الذي" فليس هو بكلام, قال: إلا أنَّ بعض النحويين قد أجازَ هذا, وهو عندي غير جائز لطول الاسم لأنه صيرَ "الضارب أنا والضاربي" كالشيء الواحد, وإذا جعلتَ "أنا" هُو الخبر يعني: إذا أخبرت عن "التاء" كان حذفُ "الهاء" أمثل من هذا وذلك أنك إذا قلت: "الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنَا" إنما أوقعت من "الضاربِ" المفعول به ولم توقع ذكر "الذي" فلم تزد على مثل ما صنعت في "ضربتُ وضربني زيدٌ" لأنك إنما ألغيتَ, ثم المفعول, وألغيتهُ ههُنا أيضًا وإن كان في قولك: "الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنا" أقبح منهُ في "ضربتُ وضربني زيدٌ" لأنَّ هذا مما يخل بصلة الاسم أن يحذف منه المفعول به حتى يصير الاسم كأنهُ لم يتعد. قال المازني: إذا أردتَ الإِخبار عن زيد فإن ناسًا من النحويين يقولون: "الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ"1, قال: وما أرى ما قالوا إلا محالًا, إن

_ 1 تجعل الضارب مبتدأ، وأنا خبره ولا تعده، كما لم يكن في الفعل متعديا، وتأتي بالفعل والفاعل في الإخبار، وهو: والضاربي زيد؛ لأن الكلام إنما كان: ضربت وضربني زيد فجعلت الابتداء والخبر كالفعل والفاعل، وجعلت المتعدي متعديا، والممتنع ممتنعًا. انظر المقتضب 3/ 128, وشرح الكافية للرضي 2/ 49.

كنت لم تنوِ أن يكون في "الضارب" مفعولٌ محذوفٌ, فإن كنت أردت أن يكون محذوفًا فإثباته أجودُ, قال: وإن قلت: إني1 إنما أحذفه كما أحذفه في الفعل فإن ذلك غير جائز؛ لأنكَ حين حذفته في الفعل لم تضمر, وأنت [ها] 2 هنا تحذفه مضمرًا فحذفهما مختلف؛ فلذلك لم يكن مثله في الفعل, قال: والقياس عندي أن أقول: "الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ" فأجعل "الضارب" مبتدأ وأجعل "أنا" خبره, فأجعل "الضاربي" مبتدأ وأجعل زيدًا خبره, وأجعله تفسيرًا لما وقع عليه "ضربتُ" كما كان تفسيرًا له مع الفعل, وأجعل الضارب الأول غير متعدٍّ كما كان الفعل الذي بنيته منه غير متعدٍّ, وأجعل "أنا" خبرًا له؛ لأن الفعل والفاعلَ نظيرهما من الأسماء المبتدأ والخبر لأنك إذا قلت: "ضرب زيدٌ" فلا بد لضرب من "زيدٍ" كما أنك إذا قلت: "زيدٌ منطلقٌ" فلا بد له من "منطلقٍ" أو ما أشبههُ, فجعلت الأول مبتدأً و"أنا" خبره, وعطفت عليه مبتدأ وخبره لتكون جملة عطفتَها على جملةٍ, كما كان الفعل والفاعل جملة عطفت عليها فعلًا وفاعلًا جملةً, قال: فهذا أشبه وأقيسُ مما قال النحويون. قال أبو بكر: وهذا الباب عندي لا يجوز الإِخبار فيه من أجل [أن] 3 هاتين الجملتين كجملة واحدة؛ لحاجة الأولى إلى ما يفسرها من الثانية, وإذا أدخلت الألف واللام فصلت, فإن أحوجت الضرورة إلى الإِخبار فهما بالألف واللام, فأَقيسُ المذهبين مذهب المازني ليكون الاسم محذوفًا ظاهرًا غير مضمرٍ, كما كان في الفعل. وقال الأخفش: من جوز الحذف في "ضربتُ وضربني زيدٌ" إذا أَدخلَ عليه الألف واللام, قال في

_ 1 "إني" ساقط في "ب". 2 زيادة من "ب". 3 زيادة من "ب".

"ظننتُ وظنني زيدٌ عاقلًا" إذا أعمل الآخر: "الظانُّ" [أنَا] 1 و"الظاني عاقلًا زيدٌ" فإن قال: قد أضمرت اسمين من قبل أن تذكرهما قلت: أما الأول منهما فأضمرتهُ ليكونَ له في الصلة ذكرٌ, والثاني أضمرتهُ لأنهُ لا بد إذا أعملتَ الفعلَ في واحد من أن تعمله في الآخر, قال: فإن جعلتَ "أنَا" هو الخبر يعني: إذا أخبرت عن الياء فحذف الهاء أمثل شيء؛ لأنك لم تزد على حذف المفعول به كما حذفته من قبل الألف واللام, فتقول: "الظانُّ والظانهُ زيدٌ عاقلًا أنا" وإن ألحقت "الهاء" قلت: "الظانهُ إياهُ, والظانهُ عاقلًا زيدٌ أنا". قال المازني: فإن قلت: "ضربني وضربتُ زيدًا" فأخبرت عن "زيدٍ" قلت: "الضاربي هُوَ والضاربهُ أنَا" فجعلت الضاربي مبتدأ وهو خبره كما كان فاعلًا في "ضربني" ليكون الضاربُ يستغني2، ويكون "هُو" يحتاج3 إلى أن يفسر كما كان محتاجًا وهو في موضع "ضربني" وليكون جملةً معطوفة على جملةٍ, وكذلك إن كان فعلًا تعدى إلى مفعولين نحو: أعطيتُ وأعطاني زيدٌ درهمًا إذا أخبرت عن نفسك قلت: المعطي أنا, والمعطي درهمًا زيدٌ, فجعلت "أنا" الأول خبرًا "للمعطي" كما كان فاعلًا "لأعطيتُ" وجعلت الثاني مبتدأ وآخر الكلام خبره فجعلته جملة معطوفة على جملة, قال أبو بكر4: فعلى هذا يجيء هذا الباب وإن كثرت مسائله فقسه على ما ذكرت لك وليس أحد يقوله علمت من أهل العلم؛ لأنهم إنما جروا على أشياء اصطلحوا عليها لم يفكروا في أصولها, وهذا أقيس وأشبه بكلام العرب.

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" مستغنيًا. 3 في "ب" محتاجًا. 4 قال أبو بكر: ساقط من "ب".

باب ما ألف النحويون من الذي والتي وإدخال الذي على الذي وما ركب من ذلك

باب ما ألف النحويون من "الذي" و"التي" وإدخال الذي على "الذي" وما ركب من ذلك: وقياسه قد تقدم من قولنا: إن "الذي" لا يتم إلا بصلة, وإنه وصلتهُ بمنزلة اسم مفرد, فمتى وصلت "الذي" بالذي فانظر إلى الأخير منهما فهو صلته1، فإذا تم بصلته وخبره فضع موضعه اسمًا مضافًا إلى ضمير ما قبله؛ لأنه إن لم يكن فيه ضمير يرجع إليه لم يصلح, فإذا كان الأول مبتدأً فإنه يحتاج إلى صلة وخبر كما كان يحتاج وصلته غير "الذي" ويكون "الذي" الثاني يحتاج إلى صلة وخبر ويكون الثاني وصلته وخبره صلة للأول ولا بد من أن يرجع إلى كل واحد منهما ضمير في صلته حتى يصح معناه, إلا أن "الذي" التالي للأول يحتاج [إلى] 2 أن يكون فيه ضميران أحدهما يرجع إلى الثاني, والآخر يرجع إلى "الذي"3 الأول، وإن كان "الذي" بعد "الذي" [الأول] 4، مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا أو ما بلغ, فحاله كحال الذي ذكرت لك من المبتدأ والخبر وحاجة كل واحد منهما إلى ما يتمه وما يكون خبرًا له, تقول: "الذي التي قامت في داره هندٌ عمرٌو" فيكون "الذي"5

_ 1 انظر: المقتضب 3/ 130، وشرح الكافية 2/ 43. 2 زيادة من "ب". 3 الذي، ساقط من "ب". 4 زيادة من "ب". 5 الذي، ساقط من "ب".

الأول مبتدأً وتكون "التي" الثانية مبتدأ أيضًا, ويكون "قامت في داره" فيه ضميران: أحدهما مرفوع وهو المضمر في "قامتْ" وهو راجع إلى "التي" والهاءُ راجعة إلى "الذي" الأول, وتكون "هندٌ" خبر "التي" الثانية, وتكون "التي" الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي "الأول" ويكون "عمرٌو" خبر "الذي" الأول, فإن ثنيت قلت: "اللذانِ اللتانِ قامَتا في دارهما الهندانِ العمرانِ" فظهر الضمير الذي كان في "قامت" في الواحدة والتفسير ذلك التفسير, وكذلك لو قلت: الذي التي في داره هندٌ عمرٌو, ففي "داره" ضميران أحدهما مرفوعٌ والآخر مجرور, فالمرفوع مضمر في الاستقرار المحذوف الذي قام الظرف مقامه, "فالتي" مع صلتها تقوم مقام اسم مضاف إلى ضمير "الذي" ألا ترى أنك لو وضعت موضع ذلك "أُختهُ" لجاز أن تقول: "الذي أُختهُ هندٌ عمرٌو" وتقول: "الذي [الذي] 1 ضرب عمرٌو زيدٌ" تجعل الفاعل الذي في "ضَربَ" يرجع إلى "الذي" الأول, وإن شئت إلى الثاني وتجعل المفعول المحذوف في "ضرب" يرجع إلى الآخر, وتجعل عمرًا خبرًا للثاني وزيدًا خبرًا للأول, وتقول: "الذي التي أختهُ أُمها هندٌ زيدٌ" فتجعلُ "الذي" مبتدأً والتي مبتدأً ثانيًا, وأختهُ أمها "صلة التي" وفيها ما يرجع إلى "الذي" وإلى "التي" وهند خبر "التي" فصارت "التي" مع صلتها مبتدأ خبره "هندٌ" وهذا المبتدأُ والخبر صلةُ "الذي" وقد تم به؛ لأن فيه ذكره و"زيدٌ" خبر "الذي" فكأنكَ قلت: "الذي أُختهُ هندٌ زيدٌ" فلو2 قلت: الذي التي أُختهُ هندٌ أُختها زيدٌ, لم يجز لأنك لم تجعل في صلة "التي" شيئًا يرجع إليهما, ولو قلت: "الذي التي أُختها هندٌ أُخته زيدٌ" جازَ؛ لأنكَ جعلتَ "أُختَها" مبتدأ و"هندًا" خبرًا, وهما في صلة "التي" وجعلت قولك: أُختهُ خبر التي وجعلت "الهاء" التي أضفت الأخت إليها راجعةً إلى "الذي" وجعلت التي وصلتها وخبرها صلةً "للذي" فصار خبرها مضافًا إلى الضمير الذي يرجع إلى "الذي"

_ 1 الذي، ساقط من "ب". 2 في "ب" ولو.

في صلته وصار زيدٌ خبرًا عن "الذي" فكأنك قلت: "الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ" فصلح أن تضع هذا موضع "التي" لأنه ليس في "التي" وصلتها ما يرجع إلى "الذي" ولولا الهاء في "أخته" ما كان كلامًا, فإن أدخلت كان1 على هذا قلت: "كان الذي التي أُختها هندٌ أختهُ زيدًا" وإن أدخلت "ظننتُ" قلت: "ظننتُ الذي التي أُختها هندٌ أخته زيدًا" فنصبت "الذي وزيدًا" وتركت سائر الكلام الذي هو صلة للذي مرفوعًا, فإن أدخلت في هذه المسائل "الذي" ثالثة فالقياس واحد, تقول: "اللذان الذي التي أُخته أُختها أخُتهما [هندٌ] 2 زيدٌ أخواكَ"3 لا بد في صلة الأخير وخبره من ثلاثة مضمرات بعدد المبتدآت الموصولات4. فإن لم يكن كذلك فالمسألة خطأٌ فتجعل اللذين ابتداءً, والذي ابتداءً ثانيًا, والتي ابتداءً ثالثًا, وتجعل أُخته أُختها صلة "للتي" والهاء في "أُختهِ" ترجع إلى "الذي" وها في "أُختها صلة للتي" والهاء في "أُختِه" ترجع إلى "الذي" وها في "أُختها" ترجع إلى "التي" وأُختهما خبر للتي وهي مضافةٌ إلى ضمير "اللذين" وهي وصلتها وخبرها صلة "للذي" وزيدٌ خبر الذي, والذي وصلته وخبره صلة للذين, وأخواك خبر "اللذين" وتعتبر هذا بأن تجعل موضع "التي" مع صلتها اسمًا مؤنثًا مضافًا إلى ضمير ما قبله كما كان في قولك: "أُختهُ" فتقول: "اللذانِ الذي أمهُ أختهما زيدٌ أخواكَ" فتجعل موضع "الذي" بتمامه صاحبهما فتقول: "اللذان صاحبهُما زيدٌ أخواكَ" فالكلام وإن طال فإلى هذا يرجع, فنعتبره إذا طال بهذا الامتحان فإنه يسهله وتعرف به الخطأ من الصواب. وتقول: "اللذان الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوه أخواكَ" تجعل اللذين ابتداءً والذي ابتداءً ثانيًا و"أخوهُ زيدٌ" صلة الذي, و"أخوهما" ابتداءً و"أبوهُ" خبرهُ, وهما جميعًا خبر "الذي" والضمير الذي في "أخيهما" راجع

_ 1 انظر: المقتضب 3/ 132. 2 زيادة من "ب". 3 وخبره، ساقط من "ب". 4 الموصولات، ساقط من "ب".

إلى "اللذينِ" والضمير الذي في قولك: "أبوه" راجع إلى الذي, والكلام الذي بعد "اللذين" إلى قولك: "أبوهُ" صلة للذينِ, وأخواكَ خبرٌ عنهما, ولو أدخلت على هذا "كانَ" أو ظننتُ وما أشبههما من العوامل, كان الكلام على حاله كله1 ما خلا "اللذين وأخويكَ" فإنهما يتغيرانِ وذلك قولك: "ظننت اللذينِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ أخَويك" فلو أخبرت عن اللذينِ لقلت: "الظانّهما أنا أخويكَ اللذانِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ". قال المازني2: فإن3 أخبرت عن زيد جازَ فقلت: "الظانُّ أنَا اللذين الذي أخوهُ هو أَخوهما أَبوهُ أخويك زيدٌ" جعلت "الظانَّ" ابتداءً وأوقعته على "اللذين والأخوينِ" وجعلت صلتهما على حالها وجعلت قولك: هو راجعًا إلى "الظانِّ" فلذلك صح الكلام, قال: ولو أخبرت عن "غير زيدٍ" مما في الصلة لم يجز وإنما لم يجز ذلك لأن ما في الصلة من الأسماء التي هي غير "زيدٍ" كلها مضافات إلى مضمراتٍ4، فلو أخبرت عنهما احتجت أن تنتزعهما من الكلام وتجعل موضعهما ضميرًا فلا يقومُ مقامَ الراجع الذي كان شيءٌ, ولو أخبرت عن "الذي" لقلت: الظانُّ أنا اللذينِ هو أَخوهما أبوه أَخويكَ الذي أخوهُ زيدٌ. [وقال أبو بكر] 5: وهذه مسألة في كتاب المازني ورأيتها في كثير من النسخ مضطربة معمولة على خطأ, والصواب ما وجدته في كتاب أبي العباس محمد بن يزيد بخطه عن المازني وقد أثبته كما وجدته, قال: لو قلت: "الذي التي اللذانِ التي أبوهما أُختها أخواكَ أُختهُ زيدٌ"6 جاز [أن] 7 تجعل "الذي" مبتدأً "والتي" مبتدأ أيضًا "واللذين" مبتدأين والتي مبتدأ

_ 1 في "ب" كله على حاله. 2 انظر المقتضب 3/ 128-129. 3 في "ب" وإن. 4 مضمرات، ساقط في "ب". 5 زيادة من "ب". 6 انظر: المقتضب 3/ 132. 7 زيادة من "ب".

وتجعل "أبوها" مبتدأً وهو مضاف إلى ضمير "التي" الثانية وأبوهما خبر "أبيها" وهو مضاف إلى ضمير "اللذينِ" وأُختها خبر "التي" الثانية وهو مضاف إلى ضمير "التي" الأولى, وهذا كله صلة للذينِ, وأخواك خبر اللذينِ وهذا كله صلة للتي الأولى, يعني اللذينِ وصلتهما وخبرهما "وأُختهُ" خبر عن "التي" وهي وصلتُها وخبرها صلة "للذي" وزيدٌ خبر عن "الذي". قال أبو بكر: ويعتبر هذا بأن تقيم مقام كل موصول مع صلته اسمًا حتى تردَّ الجميع إلى واحد, فإذا قلت: "الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُختهُ زيدٌ" عمدت إلى "التي" الثانية وصلتها أبوها أبَوهما, فأَقمتَ مقامهما "أمهما" فصار الكلام: الذي التي اللذان أُمهما أختها أخواكَ أختهُ زيدٌ, ثم تقيم مقام "اللذين" وصلتهما اسمًا فتقول: الذي التي صاحباها أَخواكَ أختهُ زيدٌ, ثم تقيم مقام "التي" مع صلتها "هندٌ" فيصير الكلام: "الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ" فإلى1 هذا التقدير ونحوه ترجع جميع المسائل وإن طالت. وإذا قلت: "الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُخته زيدٌ" فأردت الإِخبار عن "الذي" قلت: "الذي هو زيدٌ الذي التي اللذانِ التي أبوهما أُختها أخواكَ أُخته" لأن هذا كله صلة "للذي" الذي أخبرت عنه, وإن أخبرت عن شيءٍ في الصلة وكان مضافًا إلى ضمير لم يجز, وإن كان غير مضاف فالإِخبار عنه جائزٌ نحو الأخوين وزيدٍ فالإِخبار عن هذا كله جائز, وتقول: "الذي إنَّهُ زيدٌ الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ" تجعل "الذي" مبتدأ وتعمل "إنَّ" في ضميره وتجعل "زيدًا" خبرًا "لأن" وتجعل "إن" وما عملت فيه صلة "للذي" وتجعل "الذي" الثاني خبرًا للذي الأول وتجعل "إنَّ أباهُ منطلقٌ" صلة للذي الثاني. قال المازني: وإنما جاز أن تجعل في صلة "الذي" إنَّ؛ لأنهُ2 قد جاء في القرآن: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} 3 كأنهُ قال, والله أعلم: الذي إنَّ "مفاتحهُ" لأن "ما" إذا كانت بمنزلة "الذي" كانت صلتها كصلة الذي.

_ 1 في "ب" وإلى. 2 في "ب" أنه. 3 القصص: 76، وانظر الكتاب 1/ 473, والمقتضب 3/ 194.

باب أخوات الذي

باب أخوات الذي: وهي "ما ومن وأي" مضافات ومفردات, يكُنَّ استفهامًا وجزاءً وخبرًا بمنزلة "الذي" فإذا كن استفهامًا أو جزاءً لم يحتجن إلى صلات وكن أسماء على حدتهن تامات نحو: "من أبوك؟ " وما مالك؟ وأي أبوك؟ والجزاء نحو: "من يأتنا نأته" وأي يذهب تذهب معه, وأيا تأكل آكل, وقد يكن بمنزلة "الذي" فإذا كن كذلك وصلن1 بما وصل به "الذي" بالابتداء والخبر وبالظروف وبالفعل, وما يعمل فيه نحو: "اضرب من في الدار واضرب من أبوه منطلق" وكل ما أكل زيد, تريد: "ما أكله زيد" وتحذف الهاء من الصلة كما تحذفها من صلة "الذي" لطول الاسم, وقد توصل "أي" بالابتداء والخبر, وقد يحذف المبتدأ من اللفظ ويؤتى بالخبر, فإذا كانت كذلك وكانت مضافة بنيت على الضمة في كل أحوالها, كقولك: اضرب أيهم أفضل, واضرب أيهم قائم, ومثل ذلك قراءة الناس: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} 2 لأنك لو وضعت "الذي" ههنا كان قبيحًا, إنما تقول: "الذي هو قائم" فإن قلت: "الذي قائم" كان قبيحًا, فإن قلت: اضرب أيهم في الدار واضرب أيهم هو قائم واضرب أيهم يأتيك, نصبت لأنك لو وضعت "الذي" ههنا كان حسنًا وزعموا أن من العرب من يقول: "اضرب أيهم أفضل" على

_ 1 في "ب" وصلت. 2 مريم: 69.

القياس وقد قرأ بعض1 أهل الكوفة2: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} ، وإنما حذف المبتدأ من صلة "أي" مضافة لكثرة استعمالهم إياها, فإذا كانت مفردة لزمها الإِعراب فقلت: "اضرب أيًّا أفضل" ولا تثني ههنا, وإن كانت "الذي" تقبح ههنا من قبل أنهم إنما بنوها مضافة وتركوها مفردة على القياس. قال أبو بكر: هذا مذهب أصحابنا3 وأنا أستبعد بناء "أي" مضافة, وكانت مفردة أحق بالبناء، ولا أحسب الذين رفعوا أرادوا إلا الحكاية4، كأنه إذا قال: "اضرب أيهم أفضل" فكأنه قال: اضرب رجلًا إذا قيل: "أيهم أفضل" قيل: هو. والمحذوفات في كلامهم كثيرة والاختصار في كلام الفصحاء كثير5 موجود إذا آنسوا بعلم المخاطب ما يعنون, وهذا الذي اختاره مذهب الخليل. قال سيبويه: زعم الخليل أن "أيهم" إنما وقع في قولهم: اضرب أيهم على أنه حكاية, كأنه قال: "اضرب الذي يقال له: أيُّهم أفضل"6. وشبهه بقول الأخطل: ولَقَدْ أَبِيتُ مِنَ الفَتَاةِ بِمَنْزِلٍ ... فَأَبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ7

_ 1 بعض، ساقط من "ب". 2 انظر الكتاب 1/ 397. 3 أي: البصريين، انظر الكتاب 1/ 397. 4 ذكر سيبويه 1/ 398 أن الخليل زعم أن "أيهم" وقع في: اضرب أيهم أفضل على أنه حكاية, كأنه قال: اضرب الذي يقال له: أيهم أفضل, يعني: أن من رفعها من العرب إذا حذف المبتدأ من صلتها فهو يعرب أيًّا مطلقًا، وإن أضيفت وحذف صدر صلتها وجعل "أيا" استفهامية محكية بقول مقدر. أما يونس فيجعلها استفهامية أيضًا لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها عن العمل؛ لأن التعليق عنده غير مخصوص بأفعال القلوب, وكذلك يراها مبنية لا معربة. وقد نقل ابن الشجري 2/ 297-298 ما ذكره ابن السراج بشأن "أي". 5 في "ب" منهم. 6 انظر الكتاب 1/ 397-398. 7 من شواهد الكتاب 1/ 259، على رفع "حرج" و"محروم" وكان وجه الكلام نصبهما على الحال والخبر، ووجه رفعهما عند الخليل على الحكاية، والمعنى: فأبيت كالذي يقال له: لا حرج ولا محروم. وانظر: شرح الرماني 2/ 109, وشرح السيرافي 2/ 197, والحماسة/ 80، والمخصص 8/ 69, واللسان مادة "حرج", والخزانة 2/ 553، وابن يعيش 2/ 67، والديوان/ 84, وروايته: ولقد أكون من الفتاة بمنزل ... ..........................

وأما يونس فزعم: أنه بمنزلة قولك: "أشهد أنه لعبد الله" واضرب "معلقة"1 يعني "بمعلقةٍ" أنها لا تعمل شيئًا2، والبناء مذهب سيبويه3 والمازني4 وغيرهما من أصحابنا, ومن العرب من يعمل "منْ" وما نكرتين، فإذا فعلوا ذلك ألزموهما الصفة ولم يجيزوهما بغير صفة, قالوا: اضرب من طالحًا, أو امرر بمن صالح, قال الشاعر: يا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنَا ... رُحْنَ عَلَى بَغْضائِه واغْتَدَيْن5 وقال الآخر: رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْرِ ... لَهُ فَرْجةٌ كَحَلِّ العِقَال6 فجعلها نكرة وأدخل عليها "رُبَّ".

_ 1 انظر الكتاب 1/ 398، والإنصاف/ 379. 2 شيئًا، ساقطة في "ب". 3 انظر الكتاب 1/ 397. 4 ذكر ابن الشجري في أماليه 2/ 397 أن المازني يرى أن "أيا" مبنية؛ لأن التقدير عنده: الذي هو أشد على الرحمن عتيا، أو الذين هم أشد, فالضمة على قوله ضمة بناء, لا ضمة إعراب. 5 من شواهد الكتاب 1/ 270، على إدخال "رب" على "من" والاستدلال على تنكيرها؛ لأن رب لا تعمل إلا في نكرة, ويبغض في موضع الوصف "لمن". والمعنى: إنهم محسودون لشرفهم وكثرة مالهم، والحاسد لا ينال منهم أكثر من إظهار البغضاء لهم؛ لعزهم ومنعتهم. والشاهد لعمرو بن قميئة. وانظر: المقتضب 1/ 41، وأمالي ابن الشجري 2/ 311, وابن يعيش 4/ 11، وشرح الرماني 2/ 122، والوحشيات/ 9، ومعجم الشعراء/ 214. 6 مر تفسيره صفحة 141 من هذا الجزء.

واعلم: أنه يجوز أن تقول: لأضربن أيهم في الدار, وسأضرب أيهم في الدار, ولا يجوز: "ضربت أيهم في الدار" وهذه المسألة سُئِلَ عنها الكسائي في حلقة يونس فأجازها مع المستقبل ولم يجزها مع الماضي, فطُولب بالفرق فقال: "أي" كذا خلقت1. قال أبو بكر: والجواب عندي [في ذلك] 2 أن "أيا" بعض لما تضاف إليه مبهم مجهول, فإذا كان الفعل ماضيًا فقد علم البعض الذي وقع به الفعل وزال المعنى الذي وضعت له "أيّ" والمستقبل ليس كذلك.

_ 1 انظر حاشية الصبان 1/ 312. 2 زيادة من "ب".

باب الاستفهام إذا أردت الإخبار عنه

باب الاستفهام إذا أردت الإِخبار عنه: إذا قلت: "أيهم كان أخاك" فأردت الإِخبار عن الأخ, قلت: أيهم الذي هو كانه أخوك, وإن شئت "كان إيّاه" كما ذكر في مفعول "كان" المضمر فيما مضى, وذلك أن اسم "أي" كان مضمرًا في "كان" ولم يستقم أن تجعل "الذي" قبل "أي" لأنه استفهام, فجعلت "هو الذي" هو1 ضمير أي تقوم مقامه فصار "أي" ابتداء في "كان", وأخوك خبر "الذي" والذي وخبره خبر أي, وتقديره تقدير: زيد الذي أبوه ضربه عمرو؛ تجعل "الذي" لعمرو والأب هو الفاعل, فإن أخبرت عن "أي" في هذه المسألة قلت: "أيهم الذي هو ضرب أخاك" تجعل2 "أيهم" خبرًا مقدمًا وتجري الكلام مجراه كأنه في الأصل: "الذي هو ضرب أخاك أيُّهم" ثم قدمته؛ لأنه بمنزلة: زيد ضرب أخاك, فالإِخبار عن "زيد" الذي هو ضرب أخاك زيد, فإذا قدمت زيدًا وأدخلت عليه ألف الاستفهام قلت: "أزيد الذي هو ضرب أخاك" فهذا نظير "أيهم" فإن قلت: "أيهم ضرب أخوك؟ " فجعلت "أي" مفعولًا فأردت الإِخبار عن "أي" قلت: أيهم الذي إياهُ ضربت أخوك, والتقدير: "الذي إياه ضرب أخوك أيهم" إلا أنك قدمت "أي" وهي3 خبر الابتداء لأنها استفهام،

_ 1 هو، ساقط في "ب". 2 في "ب" فجعل. 3 في "ب" هو.

ويسهل هذه المسائل أن تجعل "بعضهم" موضع "أيهم" ونعتبره، وإن قلت: "أيهم زيد" فجعلتها ابتداء وزيد الخبر فأخبرت عن "أي" قلت: "أيهم الذي هو زيد" وتقديرها: "الذي هو زيد أيهم" كأنك قلت: "الذي هو زيد بعضهم" ثم قدمت لأنه استفهام, وإن أخبرت على هذه الشريطة عن "زيد" قلت: أيهم الذي هو هو زيد، وتقديره: الذي أيهم هو "زيد" فجعلت "هو" الأولى1 ضمير "أي" يقوم مقامها إذ لم يجز أن تزيل "أي" عن أول الكلام، فهذا إخبار على المعنى، فأما "أي" فلا يجوز أن تكون صلة. وإن2 قلت: "أيهم كان أبوه منطلقًا" فأخبرت عن "أي" قلت: "أيهم الذي هو كان أبوه منطلقًا" قدمت "أيًّا" وهي الخبر، وتقديرها: "الذي هو كان أبوه منطلقًا أيهم" كأنك قلت: بعضهم ولكنك قدمت لأنه استفهام، وإن أخبرت عن "أبيه" لم يجز من أجل الضمير، وإن أخبرت عن "منطلق" قلت: "أيهم الذي هو كان أبوه إياه منطلق" وتقديرها: "الذي أيهم كان أبوه إياه منطلق" كأنك قلت: الذي بعضهم، فقدمت "أيا" لما ذكرت لك وجعلت "هو" يقوم مقامه؛ لأنك لو قلت: "زيد كان أبوه منطلقًا" ثم أخبرت عن "منطلق" لقلت: الذي زيد أبوه إياه منطلق" ويسهل عليك هذا الباب أن تضع أبدًا "بعضهم" موضع "أيهم" فتنظر ما يجب أن تفعله في "بعضهم" فتفعله في "أيهم" فإذا قلت: "أيهم زيد" فكأنك قلت: "أبعضهم زيد" فإن أردت أن تخبر عن "بعضهم" والألف معه لم يجز إلا أن تقدمه فتقول: "أبعضهم الذي هو زيد" والتقدير: "الذي هو زيد بعضهم" ثم قدمت "بعضهم" وأدخلت عليها ألف الاستفهام، وكذلك إذا أردت أن تخبر عن "زيد" في هذه المسألة، فإنك قلت: "أبعضهم زيد" فإذا احتجت إلى أن تخبر عن "زيد" احتجت إلى أن تضمره وتحتاج أن تضمر "بعضهم" فتقول: "أبعضهم الذي هو هو زيد" كأنك قلت: "الذي

_ 1 في "ب" الأول. 2 في "ب" فإن.

بعضهم هو زيد" ولكنك قدمت للاستفهام1، "فبعض" يجوز فيها التقديم والتأخير وأن تقع صلةً وغير صلةٍ وخبرًا, وأيهم إذا كانت استفهامًا لا يجوز أن تكون إلا صدرًا كسائر حروف الاستفهام.

_ 1 في "ب" الاستفهام.

باب من الألف واللام يكون فيه المجاز

باب من الألف واللام يكون فيه المجاز: تقول في قولك: "ضربنا الذي ضربني" إذا كنت وصاحبك ضربتما رجلًا ضربك, فأردت أن تجعل اسميكما1 الخبر قلت: "الضاربان الذي ضربني نحن"2، وتصحيح المسألة: "الضاربان الذي ضرب أحدهما نحن" وإنما جاز أن تقول: "الذي ضربني" على المجاز وإنه في المعنى واحد, ألا ترى أنك لا تقول: "الضارب الذي ضربني أنا" إلا على المجاز, وتصحيح المسألة: "الضارب الذي ضربه أنا" لأن الضارب للغائب وإنما جاز الضارب الذي ضربني أنا, على قصد الإِبهام كأنه قال: "من ضرب الذي ضربك", فأجبته بحسب سؤاله فقلت: "الضارب الذي ضربني أنا" كما تقول: "الضارب غلامي أنا" والأحسن: "الضارب غلامه أنا" لأن الذي هو غلامه قد تقدم ذكره, والأحسن3 أن تضيفه إلى ضميره, فإن أردت أن تجعل اسم المضروب هو الخبر من قولك: "ضربنا الذي ضربني" قلت: "الضاربه نحن الذي ضربني" هذا المجاز, وتصحيح المسألة: الضاربه نحن الذي ضرب أحدنا.

_ 1 في الأصل "اسماكما". 2 ما بين القوسين، ساقط من "ب". 3 في "ب" فالأحسن.

باب مسائل من الألف واللام

باب مسائل [من] 1 الألف واللام: تقول: هذا ثالث ثلاثة قلت: الذين هذا ثالثهم ثلاثة, فإن قيل لك في حادي أحد عشر وثالث ثلاثة عشر: أخبر عن أحد عشر وثلاثة عشر, لم يجز أن تقول: الذين هذا حاديهم أحد عشر, ولا الذين هذا ثالثهم ثلاثة عشر, كما قلت: الذين هذا ثالثهم ثلاثة؛ لأن أصل "حادي" أحد عشر وثالث ثلاثة عشر, حادي عشر أحد عشر, وثالث عشر ثلاثة عشر, هذا الأصل ولكن استثقلوا أن يجيئوا باسم قد جمع من اسمين ويوقعوه على اسم قد جمع من اسمين, فلما ذهب لفظ "أحد عشر" وقام مقامه ضمير رد حادي عشر إلى أصله. ومع هذا فلو جاز أن تضمر أحد عشر واثني عشر من قولك: حادي أحد عشر2 وثاني اثني عشر ولا ترد ما حذف لوجب أن تقول: حاديهم وثانيهم وثالثهم ورابعهم فيلبس بثالثهم, وأنت تريد ثلث ثلاثة3، ولو أردت إدخال الألف واللام فقلت: الحادي عشر هم أنا أو4،

_ 1 زيادة من "ب". 2 في سيبويه 2/ 172: ومن قال: خامس خمسة، قال: خامس خمسة عشر, وحادي أحد عشر، وكان القياس أن يقول: حادي عشر أحد عشر؛ لأن حادي عشر وخامس عشر بمنزلة: خامس وسادس، ولكنه يعني: حادي ضم إلى عشر بمنزلة "حضرموت". وانظر الإنصاف/ 199. 3 في "ب" بثالهم، ولا معنى لها. 4 في "ب" والثاني.

الثاني الثاني عشرهم أنا, لم يجز في شيء من هذا إلى العشرين؛ لأن هذا مضاف ولا يجري مجرى الفعل لأنه اشتقّ من شيئين, وكان حق هذا أن لا يجوز في القياس, ولولا أن العرب تكلمت به لمنعه القياس, وإنما ثاني اثني عشر في المعنى أحد اثني عشر وليس يراد به الفعل, وثالث ثلاثة إنما يراد به أحد ثلاثة. قال الأخفش: ألا ترى أن العرب لا تقول: هذا خامس خمسة عددًا ولا ثاني اثنين عددًا, وقد يجوز فيما دون العشرة أن تنون وتدخل الألف واللام؛ لأن ذلك بناء يكون في الأفعال وإن كانت العرب لا تتكلم به في هذا المعنى, قال: ولكنه في القياس جائز أن تقول: الثاني اثنين أنا, والثانيهما أنا اثنان, ليس بكلام حسن, وإذا قلت: هذا ثالث اثنين ورابع ثلاثة فهو بما يؤخذ من الفعل أشبه؛ لأنك تريد: هذا الذي جعل اثنين ثلاثة, والذي جعل ثلاثةً أربعةً, ومع ذلك فهو ضعيفٌ؛ لأنه ليس1 له فعل معلوم إنما هو مشتق من العدد, وليس بمشتق من مصدر معروف كما يشتق "ضارب"2 من الضرب ومن ضرب، فإذا3 قلت: هذا رابع ثلاثة تريد رابع ثلاثة, فأخبرت عن ثلاثة, قلت: الذين هذا رابعهم ثلاثةٌ، وبالألف واللام: الرابعهم هذا ثلاثة وإنما يجوز مثل ذا عندي في ضرورة؛ لأن هذه الأشياء التي اتسعت فيها العرب مجراها مجرى الأمثال, ولا ينبغي أن يتجاوز بها استعمالهم ولا تصرف تصرف ما شبهت به, فثالث ورابع, مشبه4 بفاعل وليس به, وتقول: مررت بالضاربين أجمعون زيدًا, فتؤكد المضمرين في "الضاربين" لأن المعنى: "الذين ضربوا أجمعون زيدًا" ولو قلت: مررت بالضاربينَ أجمعين زيدًا, لم يجز لأن الصلة ما تمت, ولا يجوز أن تؤكد "الذين" قبل أن يتم بالصلة, ألا ترى أنك لو قلت: "مررت بالذين أجمعين في الدار" لم يجز لأنك

_ 1 ليس، ساقط من "ب". 2 انظر: المقتضب 2/ 183. 3 في "ب" إذا. 4 في "ب" يشبه.

وصفت الاسم قبل أن يتم. وتقول: "زيد الذي كان أبواه راغبين فيه" فزيد: مبتدأٌ و"الذي" خبره, ولا بد من أن يرجع إليه ضمير, أما الهاء في "أبويه"1 وأما الهاء في "فيه" لا بد من أن يرجع أحد الضميرين إلى "الذي" والآخر إلى "زيد" فكأنك قلت: "زيد الرجل الذي من2 قصته كذا وكذا" فإن جعلت "الذي" صفة لزيد, احتجت إلى خبر فقلت: زيد الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق, فكأنك3 قلت: "زيد الظريف منطلق" فإن جعلت موضع زيد "الذي" فلا بد من صلة, ولا يجوز أن تكون "الذي" الثانية صفة؛ لأن "الذي" لا يوصف حتى يتم بصلته, فإذا قلت: الذي الذي كان أبواه راغبين فيه, فقد تم الذي الثاني بصلته والأول ما تم, فإذا4 جئت بخبر تمت صلة الأولى "بالذي الثانية" وخبرها, فصار جميعه يقوم مقام قولك: زيد فقط واحتجت إلى خبر, فإن قلت: أخوك تم الكلام فقلت: الذي الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق أخوك, كأنك قلت: "الذي أبوه منطلق أخوكَ" فإن جعلت موضع "منطلق" مبتدأ وخبرًا لأن كل مبتدأ يجوز5 أن تجعل خبره مبتدأ وخبرًا, قلت: "الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقةٌ أخوك"6. فكأنك قلت: "الذي أبوه جاريته منطلقة أخوك" فإن جعلت موضع "أخوك" مبتدأ وخبرًا قلت: الذي7 الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه، فالذي الثانية صلتها: "كان أبواه راغبين فيه" وهي مع صلتها موضع مبتدأ وجاريته مبتدأ ومنطلقة خبر جاريته, وجاريته ومنطلقة جميعًا خبر الذي الثانية, والذي الثانية وصلتها وخبرها صلة

_ 1 أبويه، ساقط من "ب". 2 في "ب" في. 3 في "ب" كأنك. 4 في "ب" وإذا. 5 في "ب" فيجوز. 6 في "ب" أخواك. 7 الذي، ساقط من "ب".

للذي الأولى, فقد تمت الأولى بصلتها وهي مبتدأ, وعمرو مبتدأ ثانٍ, وأخوه خبر عمرو, وعمرو وأخوه جميعًا خبر الذي الأولى, فإن جعلت "من" موضع الذي فكذلك لا فرق بينهما, تقول: مَنْ مَنْ كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه, فإن أدخلت "كان" على "من" الثانية قلت: "من كان من أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه" لا فرق بينهما في اللفظ, إلا أن موضع جاريته منطلقة نصب, ألا ترى أنك لو جعلت خبر "من" الثانية اسمًا مفردًا كمنطلق لقلت: "من من كان أبواه راغبين فيه منطلقًا عمرو أخوه" فإن أدخلت على "من" الأولى "ليس" فاللفظ كما كان في هذه المسألة, إلا أن موضع قولك: "عمرو أخوه" نصب؛ لأن "من" بجميع صلتها اسم ليس وعمرو أخوه الخبر, فكأنك قلت: "ليس زيد عمرو أخوه". وقال الأخفش: "إذا قلت الضاربهما أنا رجلان" جاز ولا يجوز: الثانيهما أنا اثنانِ؛ لأنك إذا قلت: "الضاربهما" لم يعلم أرجلانِ1، أم امرأتان فقلت: رجلان أو امرأتان، وإذا قلت: الثانيهما أنا لم يكونا إلا اثنين، فكان2 هذا الكلام فضلًا أن تقول: الثانيهما أنا اثنانِ, قال: ولو قالت3 المرأة: الثانيتهما أنا اثنان, كان كاملًا لأنها قد تقول4: الثانيتهما أنا اثنتان، إذا كانت هي وامرأة قال: فإن قلت: الضاربتهن أنا إماء اللهِ, والضاربهن أنا إماء الله, وقد علم إذا قلت: الضاربهن أنهن من المؤنث قلت: أجل, ولكن لا يدري لعلهن جوار أو بهائم وأشباه ذلك مما يجوز في هذا, ولو قالت المرأة: "الثالثتهن أنا ثلاث" كان رديئًا؛ لأنه قد علم إذا قالت: الثالثتهن أنه لا يكون إلا ثلاث, وكذلك إذا قالت: الرابعتهن أنا أربع, يكون رديئًا لأنه قد علم. فإذا5 قلت: رأيت الذي قاما إليه, فهو غير جائز؛ لأن قولك:

_ 1 الهمزة، ساقطة من "ب". 2 في "ب" وكان. 3 في "ب" قلت. 4 لأنها قد تقول, ساقط من "ب". 5 في "ب" وإذا.

الذي قاما إليه ابتداء لا خبر له, وتصحيح المسألة: رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك, فترجع الألف في "قاما" إلى "اللذين" والهاء في "إليه" إلى "الذي" وأخوك خبر "الذي" فتمت صلة اللذين وصح الكلام, ولو قلت: "ظننت الذي التي تكرمه يضربها" لم يجز, وإن تمت الصلة لأن "التي" ابتداء ثانٍ, وتكرمه صلة لها, وتضربها خبر "التي" وجميع ذلك صلة "الذي" فقد تم الذي بصلته وهو مفعول أول "لظننت" وتحتاج "ظننت" إلى مفعولين, فهذا لا يجوز إلا أن تزيد في المسألة مفعولًا ثانيًا, فتقول: "ظننت الذي التي تكرمه يضربها أخاك" وما أشبه [ذلك] 1 وتقول: "ضرب اللذان القائمان إلى زيد أخواهما الذي المكرمهُ عبد الله" فاللذان ارتفعا "بضرب" والقائمان إلى "زيد" مبتدأ, وأخواهما خبرهما, وجميع ذلك صلة اللذين, فقد تمت صلة "اللذينِ" والذي مفعول, والمكرمة مبتدأ وعبد الله خبره, وجميع ذلك صلة "الذي" وقد تم بصلته, وإن جعلت "الذي" الفاعل نصبت "اللذينِ" وتقول: رأيت الراكبَ الشاتمهُ فرسكَ, والتقدير: رأيت الرجل الذي ركب الرجل الذي شتَمهُ فرسكَ2، وتقول: "مررت بالدار الهادمها المصلح داره عبد الله" فقولك: "الهادمها" في معنى "التي3 هدمها الرجل الذي أصلح دارَهُ عبدُ الله" وتقول: "رأيت الحاملَ المطعمَةُ طعامَك4 غلامُكَ" [أردت: رأيت الرجل الذي حمل الذي أطعمه غلامك طعامك] 5 وحق هذه المسائل إذا طالت أن تعتبرها بأن تقيم مقام "الذي" مع صلته اسمًا مفردًا وموضع "الذي" صفة مفردة لتتبين صحة المسألة, وتقدير هذه المسألة: رأيت الحاملَ الرجلَ الظريفَ, وتقول: "جاءني القائم إليه الشارب ماءهُ الساكن داره الضارب أخاه زيد" فالقائم إليه اسم واحد, وهذا كله في صلته, والشارب ارتفع

_ 1 زيادة من "ب". 2 معناها: رأيت الرجل الذي شتمه الرجل الذي ركب فرسك. 3 في "ب" الذي. 4 في "ب" غلامك طعامك. 5 ما بين القوسين، ساقط من "ب".

بقائم والساكن ارتفع "بشارب" والضارب ارتفع "بساكن" وزيد "بضارب" وتقول: "الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهمًا القائم في داره أخوك سوطًا أكرم الآكل طعامَهُ غلامَهُ" تريد: "أكرم الآكلُ طعامَهُ غلامَهُ الضاربُ الشاتم المكرم المعطيهُ درهمًا القائم في داره أخوك سوطًا"1 كأنك قلت: أكرم زيد الضارب الرجل سوطًا. واعلم: أنه لك أن تبدل من كل موصول إذا تم بصلته, ولا يجوز أن تبدل من اسم موصول قبل تمامه بالصلة فتفقد ذا, فمن قولك "الضارب" إلى أن تفرغ من قولك سوطًا اسم واحد, فيجوز أن تبدل2 من القائم بشرًا ومن المعطي بكرًا ومن المكرم عمرًا ومن الشاتم خالدًا, ثم لك أن تبدل من الضارب وما في صلته فتقول: "عبد الله" فتصير المسألة حينئذ: الضاربُ الشاتمُ المكرمُ المعطيهُ درهمًا القائم في داره أخوك سوطًا بشر بكرًا عمرًا خالدًا عبد الله أكرم الآكل طعامه غلامه3، وإنما ساغ لك أن تبدل من القائم مع صلته؛ لأنك لو جعلت موضعه ما أبدلته منه ولم تذكره لصلح ولا يجوز أن تذكر البدل من "المعطيه" قبل البدل من "القائم" لأنك إذا4 فعلت ذلك فرقت بين الصلة والموصول والبدل من "القائم" في صلة المعطي, والبدل من المعطي في صلة المكرم, فحق هذه المسألة وما أشبهها إذا أردت الإِبدال أن تبدأ بالموصول الأخير فتبدل منه ثم الذي يليه وهو قبله, فإذا استوفيت ذلك أبدلت من الموصول الأول؛ لأنه ليس لك أن تبدل منه قبل تمامه, ولا لك أن تقدم البدل من الضارب الذي هو الموصول الأول على اسم من المبدلات الباقيات؛ لأنها كلها في صلة الضارب, ولو فعلت ذلك كنت قد

_ 1 في "ب" سوطان. 2 فيجوز أن تبدل، ساقط من "ب". 3 انظر: المقتضب 4/ 59، مثل هذا الذي ذكره ابن السراج تحت عنوان: مسائل يمتحن بها المتعلمون. 4 في "ب" إذ لو.

أبدلت منه قبل أن يتم. فإن أبدلت من الفاعل وهو "الآكل" فلك ذاك, فتقول: الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهمًا القائم في داره أخوك سوطًا أكرم الآكل طعامَهُ غلامهُ جعفر, وتقول: الذي ضربني إياه ضربت, فالذي مبتدأ وخبره إياه ضربت, والهاء في "إياه" ترجع إلى الذي, وإنما جاء الضمير منفصلًا لأنك قدمته [وتقول: بالذي مررت بأخيه مررت, تريد: مررت بأخيه] 1 إذا قلت: "الذي كان أخاه زيد" إن أردت النسب, لم يجز لأن النسب لازم في كل الأوقات, وإن أردت من المؤاخاة والصداقة جاز أن تكون الهاء ضمير رجل مذكور, وتقول: الذي ضربت داره دارك فالذي مبتدأ وضربت صلته, وداره مبتدأ ثان, ودارك خبرها وهما جميعًا خبر "الذي" وتقول: "الذي ضربت زيد أخوك" فالذي مبتدأ و"ضربت" صلته وزيد الخبر وأخوك بدل من زيد, وتقول: الذي ضربت زيدًا شتمت تريد: "شتمت الذي ضربته زيدًا" فتجعل زيدًا بدلًا من الهاء المحذوفة2, وتقول: "الذي إياه ظننت زيد" "الذي ظننته زيدًا" وتجعل إياه لشيء مذكور, ولا يجوز أن تقول: "الذي إياه ظننت زيد" إن جعلت "إياه" للذي؛ لأن الظن لا بد أن يتعدى إلى مفعولين ولا يجوز أن تعديه إلى واحد, فإن قلت: المفعول الثاني الهاء محذوفة3 من "ظننت" فلا يجوز في هذا الموضع أن تحذف الهاء؛ لأنها ليست براجعة إلى الذي, وإنما هي راجعة إلى مذكور قبل الذي, وإنما تحذف الهاء من صلة "الذي" متى كانت ترجع إلى "الذي" وكذاك: "الذي أخاه ظننت زيد" وإن أضمرت هاء في "ظننت" ترجع إلى الذي جاز وإن جعلت الهاء في "أخيه" ترجع إلى "الذي" لم يجز أن تحذف الهاء من "ظننت" لأنها حينئذ لمذكور غير الذي, وإنما جاز حذف الهاء إذا كانت ضمير "الذي" لأنها [حينئذ] 4 لا يتم الذي إلا بها فتحذف منه لطول الاسم كما

_ 1 زيادة من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 في "ب" المحذوفة. 4 زيادة من "ب".

حذفوا الياء من اشهيباب فقالوا: اشهباب لطول الاسم1. فأما إذا كانت الهاء ضميرًا لغير الذي فقد يجوز أن تخلو الصلة من ذلك ألبتة, فأفهم الفرق بين الضميرين وما يجوز أن يحذف منهما وما لا يجوز حذفه, وتقول: "الذي ضارب أخوك" تريد: الذي هو ضارب أخوك, فتحذف هو وإثباتها أحسن "فهو" مبتدأ وضارب خبره, وهما جميعًا صلة "الذي" وهو يرجع إلى "الذي". وتقول: الذي هو وعبد الله ضاربان لي أخواك؛ نسقت بعبد الله على "هو" فتقول في هذه المسألة على قول من حذف: "هو الذي وعبد الله ضاربان لي أخوك" عطفت "عبد الله" على "هو" المحذوف وهو عندي قبيح والفراء يجيزه2، وإنما استقبحته لأن المحذوف ليس كالموجود وإن كنا ننويه, ويجب أن يكون بينهما فرق والعطف كالتثنية, فإذا جئت بواو وليس قبلها اسم مسموع يعطف عليه كنت بمنزلة من ثنى اسمًا واحدًا لا ثاني له, ألا ترى أن العرب قد استقبحت ما هو دون ذلك, وذلك قولك: "قمت وزيد" يستقبحونه حتى يقولوا: [قم] 3 أنت وزيد، فَاذْهَبْ 4 أَنْتَ وَرَبُّكَ} 5؛ لأنه لو قال: "اذهب وربكَ" كان في السمع العطف على الفعل, وإن كان المعنى غير ذلك, وهو يجوز على قبحه وتقول: "الذي هو وعبد الله ضَرباني أخوكَ" فإن حذفت "هو" من هذه المسألة لم يجز, لا تقول: "الذي وعبد الله ضرباني أخوكَ" فتضمر "هو" لأن هو إنما تحذف إذا كان خبر المبتدأ اسمًا, ألا ترى أنكَ إذا قلت: "الذي هو ضربني زيد" لم يجز أن تحذف "هو" وأنت تريده فتقول: "الذي ضربني زيد" لأنَّ الذي قد وصلت بفعل وفاعل, والفاعلُ ضمير "الذي" ولا دليل في "ضربني" على أن هنا محذوفًا كما يكون في الأسماء, ألا ترى أنك إذا قلت: "الذي منطلقٌ زيد" فقد دلك ارتفاع

_ 1 انظر المقتضب 3/ 122. 2 انظر معاني القرآن 1/ 132. 3 زيادة من "ب". 4 في الأصل "واذهب" والآية {فَاذْهَبْ} . 5 المائدة: 24, وانظر المقتضب 3/ 210, والكتاب 1/ 390.

"منطلقٍ" على أن ثم محذوفًا قد ارتفع به, ولا يجوز حذف ما لا دليل عليه, فلما لم يجز هذا في الأصل لم يجز في قولك: "الذي1 وعبد الله ضرباني أخوكَ" وجاز في قولك: "الذي وعبد الله ضاربانِ لي أخوكَ" فهذا فرق ما بين المسألتين, ولا يجوز أيضًا: "الذي وعبد اللهِ خلفكَ زيد" تريد: "الذي هو"2 فإن أظهرت "هو" جاز, والفراء يجيز: الذي نفسه محسن أخوكَ، تريد: الذي هو نفسهُ محسن أخوكَ, يؤكد المضمر وكذاك: "الذين أجمعون محسنون إخوتك"3 تريد: "الذين هم أجمعونَ" فيؤكد المضمر, قال: ومحال: "الذي نفسهُ يقومُ زيد" وقام أيضًا, وكذلك في الصفة يعني الظرف, محال: الذي نفسه عندنا عبد اللهِ, فإن أبرزته فجيد4 في هذا كله, ومن قال: "الذي ضربتُ عبد اللهِ" لم يقل: "الذي كان ضربتُ عبد الله" وفي "كان" ذكر الذي؛ لأن الضمير الراجع إلى الذي في "كان" فليس لك أن تحذفه من "ضربت"5 لأن الهاء إذا جاءت بعد ضميرٍ يرجع إلى "الذي" لم تحذف وكانت بمنزلة ضمير الأجنبي, فإن جعلت في "كان" مجهولًا جاز أن تضمر الهاء؛ لأنه لا راجع إلى الذي غيرها وليس في هذه المسألة "ككان" تقول: "الذي ليس أضربُ عبد اللهِ" وفي "ليس" مجهول, فإن كان فيه ذكر "الذي" لم يجز6، فإن ذهبت "بليس" مذهب ما جاز أن ترجع الهاء المضمرة إلى "الذي" فإذا قلت: "الذي ما ضربتُ عبد اللهِ" الهاء المضمرة ترجع إلى "الذي" فإن قلت: "الذي ما هو أكرمتُ زيد" في قول من جعل "هو" مجهولًا جاز؛ لأن الإِضمار يرجع إلى "الذي" وتقول: "الذي كنت أكرمتُ عبد الله" تريد: أكرمتهُ, وتقول: "الذي أكرمتُ ورجلًا صالحًا عبد الله"

_ 1 في "ب" لم يجز الذي في قولك. 2 هو ساقط في "ب". 3 أجمعون محسنون إخوتك، ساقط من "ب". 4 في "ب" وإن أردت هو. 5 في "ب" ضربته. 6 من لم يجز إلى ما يعادل صفحة، ساقط في "ب".

تريد: أكرمته، وعطفت على الهاء والأحسن عندي أن تظهر الهاء إذا عطفت عليها، وتقول: "الذي محسنًا ظننتُ أخوكَ" تريد: ظننتهُ, ومحسنًا مفعول ثان, فإذا قلت: "الذي محسنًا ظننتُ وعبد الله أخوك" قلت: محسنينِ؛ لأنك تريد: الذي ظننتهُ وعبد الله محسنينِ. وأجاز الفراء: "ما خلا أخاهُ سارَ الناسُ عبد اللهِ" تريد: الذي سارَ الناسُ ما خلا أخاهُ عبد الله, ويقول: الذي قيامًا ليقومن عبد الله، تريد: "الذي ليقومن قيامًا عبد الله" وكذلك: "الذي عبد الله ليضربن محمدٌ". ورد بعض أهل النحو "الذي ليقومن1 زيدٌ" فيما حكى الفراء, وقال: فاحتججنا عليه بقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} 2 وإذا قلت: "الذي ظنَّكَ زيدًا منطلقًا عبد الله" فهو خطأ؛ لأنه لم يعد على الذي ذكره, وإذا قلت: "الذي ظنكَ زيدًا إياهُ عبد الله" فهو خطأ أيضًا؛ لأنه لا خبر3 للظن وهو مبتدأ, فإن قلت: "الذي ظنكَ زيدًا إياهُ صواب عبد الله" جاز لأن الذكر قد عاد على "الذي" وقد جاء الظن بخبر, ولا يجوز أن تقول: "الذي مررتُ زيدٌ" تريد: "مررت به زيدٌ" كما بينت فيما تقدم. ويجوز: "الذي مررت مَمر حسنٌ" لأن كل فعل يتعدى إلى مصدره بغير حرف جر و"الذي" هنا هي المصدر في المعنى ولك أن تقول: "الذي مررتهُ ممر حسنٌ" وقال الفراء: لا إضمار هنا لأنه مصدر, كأنك قلت: "ممركَ مَمر حَسنٌ" واحتج بقول الله عز وجل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} 4 وقال: لا إضمار هنا لأنه في مذهب المصدر, وكذاك: {مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} 5 لم يعد على "ما" ذكر؛ لأنه في مذهب المصدر، قال أبو بكر: أما قوله في "ما" ففيها خلاف من النحويين, من يقول: إنها وما بعدها قد يكونان بمعنى المصدر6،

_ 1 انظر معاني القرآن 1/ 276. 2 النساء: 72. 3 في الأصل "لا خير" بالياء. 4 الحجر: 94, وانظر معاني القرآن 2/ 93. 5 الليل: 3. 6 انظر: المقتضب 3/ 197.

ومنهم من يقول: إنها إذا وقعت بمعنى1 المصدر فهي أيضًا التي تقومُ مقامَ "الذي" ولا أعلم أحدًا من البصريين يجيز أن تكون "الذي" بغير صلة, ولا يجيز أحدٌ منهم أن تكون صلتها ليس فيها ذكرها إما مظهرًا وإما محذوفًا, ولا أعرف لمن ادعى ذلك في "الذي" حجة قاطعة, وقوله عز وجل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} قد بينت ذلك: أن الأفعال كلها ما يتعدى منها وما لا يتعدى فإنه2 يتعدى إلى المصدر بغير حرف جر, وتقول: "ما تضربُ أخويك عاقلين" تجعل "ما" وتضرب في تأويل المصدر, كأنك قلت: "ضَرْبُكَ أَخويكَ إذا كانا عاقلين وإذْ كانا عاقلينِ" ولا يجوز أن تقدم "عاقلين" فتقول: "ما تضرب عاقلينِ أَخويكَ" ولا يجوز أيضًا: ما عاقلينِ تضربُ أَخويكَ, وإنما استحال ذلك3 من قبل أن صلة "ما" لا يجوز أن تفصل بين بعضها وبعض, ولا بين "ما" وبينها بشيءٍ ليس من الصلة. وتقول: الذي تضربُ أَخوينا "قبيحينِ" تريد: "إذا كانا قبيحينِ" فإن قلت: قبيحٌ, رفعت فقلت: "الذي تضربُ أخوينا قبيحٌ". واعلم: أن هذه الأسماء المبهمة التي توضحها صلاتها لا يحسن أن توصف بعد تمامها بصلاتها؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أدخلوا النعت في الصلة إلا "الذي" وحدها لأن "الذي" لها تصرف ليس هو لمنْ وما, ألا ترى أنك تقول: "رأيتُ الرجلَ الذي في الدار" ولا تقول: رأيتُ الرجلَ مَنْ في الدار, وأنت تريد الصفة وتقول: "رأيتُ الشيءَ الذي في الدار" ولا تقول: "رأيتُ الشيءَ ما في الدار" وأنت تريد الصفة, فالذي لما كان يوصف بها حَسُنَ أن توصف, و"مَنْ وما" لما لمْ يجز أن يوصف بهما لم يجز أن يوصفا, ويفرق بين الذي وبين "مَنْ" وما, أن الذي تصلح لكل موصوف مما يعقل ولا يعقلُ, وللواحد العلم وللجنس, وهي تقوم -في كل موضع- مقام الصفة و"مَنْ"

_ 1 في "ب" على معنى. 2 فإنه، ساقط في "ب". 3 ذلك، ساقط من "ب".

مخصوصة بما يعقل1 ولا تقع موقع الصفة, و"ما" مخصوصة بغير ما يعقل2 ولا يوصف بها. وقال الفراء: مَنْ نعت "مَنْ وما" على القياس لم نردد عليه ونخبره أنه ليس من كلام العرب، قال: وإنما جاز في القياس؛ لأنه إذا ادعى أنه معرفة لزمه أن ينعته, قال: وأما "ما ومن" فتؤكدان يقال: نظرتُ إلى ما عندكَ نفسه ومررت بمَن عندكَ نفسِه, قال أبو بكر: والتأكيد عندي جائزٌ كَما قال, وأما وصفهما فلا يجوز؛ لأن الصلة توضحهما وقد بينت الفرق بينهما وبين "الذي" وقد يؤكد ما لا يوصف نحو المكنيات, وأما "أنْ" إذا وصلتها فلا يجوز وصفها؛ لأنها حرف والقصد أن يوصف الشيء الموصول وإنما الصلة بمنزلة بعض حروف الاسم, وإنما تذكر "أن" إذا أردت أن تعلم المخاطب أن المصدر وقع من فاعله فيما مضى, أو فيما يأتي إذا كان المصدر لا دليل فيه على زمانٍ بعينه, فإذا احتجت إلى أن تصف المصدر تركته على لفظه ولم تقله إلى "أنْ" وتقول: "مَنْ أحمرُ أخوكَ" تريد: منْ هو أحمرُ أخوكَ, مَنْ حمراءُ جاريتُكَ, تريد: مَنْ هي حمراءُ جاريتُكَ, وليس لك أن تقول: "منْ أَحمر جاريتُكَ" فتذكر أحمر للفظ "مَنْ" لأن أحمر ليس بفعل تدخل التاء في تأنيثه ولا هو أيضًا باسم فاعل يجري مجرى الفعل في تذكيره وتأنيثه, لا يجوز أن تقول: "مَنْ أحمر جاريتُكَ"3 ويجوز أن تقول: منْ محسنٌ جاريتُكَ؛ لأنك تقول: محسنٌ ومحسنةٌ, كما تقول: ضَربَ وضربتُ،

_ 1 قال سيبويه 2/ 309: "من" هي للمسألة عن الأناسي ويكون بها الجزاء للأناسي وتكون بمنزلة الذي للأناسي. وانظر المقتضب 2/ 50 و3/ 63 و4/ 217. 2 في الكتاب 2/ 309 "ما" مثل "من" إلا أنها مبهمة تقع على كل شيء، أي لغير ذوي العقول. وانظر المقتضب 2/ 296. 3 يذهب ابن السراج هنا إلى منع الجمع بين الجملتين, وذلك إذا كان هذا الجمع بين الجملتين من الصفات المفصول بين مذكرها ومؤنثها بالتاء. فإن كان من غيرها وكانت صفة المذكر والمؤنث ترجع إلى مادة واحدة وأدى الحمل إلى جعل صفة المذكر للمؤنث، وصفة المؤنث للمذكر لم يجزه الكسائي. وأجاز الفراء: من كانت حمراء جاريتك على معنى "من" كان حمراء جاريتك، الاسم على اللفظ والخبر على المعنى. انظر الارتشاف/ 140.

فليس بين محسنٍ ومحسنةٍ في اللفظ والبناء إلا الهاء وأحمر وحمراء ليس كذلك للمذكر لفظ وبناء غير بناء المؤنث, وهذا مجاز والأصل غيره وهو في الفعل عربي حَسنٌ, تقول: منْ أحسَن جاريتُكَ ومن أحسنت جاريتكَ كلٌّ عربي فصيح ولست1 تحتاج أن تضمر "هو" ولا "هي" فإذا قلت: "محسنٌ جاريتُكَ" فكأنَّكَ قلت: "مَنْ هو محسنٌ جاريتُكَ, فأكدت تذكير "مَنْ" بهو, ثم يأتي بعد ذلك بمؤنث فهو قبيح إذا أظهرت "هو" وهو مع الحذف أحسن, وتقول: "ضربتُ الذي ضربني زيدًا" إذا جعلته بدلًا من "الذي" فإن جعلته بدلًا من اسم الفاعل وهو المضمر في "ضربني" رفعته فقلت: ضربتُ الذي ضربني زيدٌ؛ لأن في "ضربني" اسمًا مرفوعًا تبدل زيدًا منه, وتقول: "ضربتُ وجه الذي ضَربَ وجهي أخيكَ" لأن الأخ بدل من "الذي" فإن أبدلتهُ من اسم الفاعل المضمر في "ضربَ" رفعته, ولا يجوز أن تنصب "الأخ" على البدل من الوجه؛ لأن الأخَ غير الوجه. وتقول: ضربتُ وجوهَ اللذينِ ضربا وجهي أخويكَ إذا جعلت أخويكَ بدلًا من "اللذينِ" فإن جعلتهما بدلًا من الألف التي في "ضربا" رفعت, وإنما قلت: ضربتُ وجوهَ "اللذينِ" لأن كل شيئين من شيئين إذا جمعتهما جعلت لفظهما على الجماعة. قال الله جل ثناؤه2: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3 وقال: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} 4 وتقول: "ضربَ وجهي الذين ضربتُ وجوههم إخوتُكَ" ترفع الإخوة إذا جعلتهم بدلًا من "الذين" فإن جعلتهم بدلًا من الهاء والميم اللتين في وجوههم جررت. وتقول: "مررت باللذينِ مَرا بي أخويكَ" إذا كانا بدلًا من "اللذينِ" فإن5

_ 1 في الأصل: وليست. 2 في "ب" عز وجل. 3 المائدة: 38، والآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} . 4 التحريم: 4، وانظر معاني القرآن 1/ 307. وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنان في الإنسان: اليدان، والرجلان، والعينان, فلما جرى أكثره على هذا ذهب الواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية. 5 في "ب" وأن.

كانا بدلًا من الألف في "مَرا" رفعت فقلت: "أخواكَ" لأن في "مَرا" اسمين مضمرين, ولو قلت: "ضربني اللذان ضربتُ الصالحانِ" وأكرمتُ, وأنت تريد أن تجعل: "وأكرمت" من الصلة لم يجز؛ لأنك قد فرقت بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها, وتقول: المدخولُ به السجنَ زيدٌ؛ لأن السجن قام مقام الفاعل وشغلت الباء بالهاء, فالمدخولُ به [السجنَ] 1 ابتداء وزيد خبر الابتداء, وتقول: المدخل السجن زيد, على خبر الابتداء وأضمرت الاسم الذي يقوم مقامَ الفاعل في "المدخل" ويدلك على أن في "المدخل" إضمارًا أنك لو ثنيته لظهر، [فقلت] 2 المدخلان, وأقمت السجن مقام المفعول به والتأويل الذي أدخل السجن زيد, وإن شئت قلت: "المدخلهُ السجنَ زيدٌ" كأنك قلت: "الذي أَدخلهُ السجن زيد" ولك أن تقول: "الذي أُدخلَ السجن إياهُ زيد" لأن "أدخل" في الأصل يتعدى إلى مفعولين, فإذا بنيته للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل واقتضى مفعولًا آخر, ولا بدّ من إظهار الهاء في "المدخله" وقد بينت هذا وضربه فيما تقدم. وتقول: "أُدخلَ المدخلُ السجنَ الدارَ"3 لأن في "المدخل" ضمير الألف واللام وهو الذي قام مقام الفاعل, والسجن مفعول للفعل الذي في الصلة, والمدخلُ وصلته مرفوع4 بأدخل, والدار منصوبة بأدخل لأنه مفعول له5, كأنك قلت: أدخلَ زيد الدارَ, وتقول: "أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدارَ" قام المدخول به مقام الفاعل, ورفعت السجن لأنك شغلت الفعل به وشغلت الهاء بالباء, ومن قال: "دخلَ بزيدٍ السجنُ" قال: أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدار. وتقول: "دُخلَ بالمدخلِ السجنَ الدار" والتأويل: "دخلَ بالذي أدخلَ السجنَ الدارُ" فإن ثنيت قلت: "باللذينِ أُدخلا السجنُ الدارَ" وتقول:

_ 1 زيادة من "ب". 2 في الأصل "تقول" والتصحيح من "ب". 3 انظر: المقتضب 4/ 58. 4 في "ب" مرفوعًا، وهو خطأ. 5 "له" ساقط من "ب".

"جاريةُ منْ تضربْ نضربْ" تنصبهما بالفعل الثاني إذا جعلت "مَنْ" بمعنى "الذي" كأنك قلت: "جارية الذي تضربه تضربُ" فإن جعلت "من" للجزاء قلت: "جاريةُ مَنْ تضربْ نضربْ" تجزم الفعلين, وتنصب الجارية بالفعل الأول؛ لأن الثاني جواب فإن جعلت "من" استفهامًا قلت: "جاريةُ من تضربْ" جزمت "أضرب" لأنه جواب, كما تقول: "أتضربُ زيدًا أضربْ" أي: إنْ تفعل ذاك أفعل, وتقول: جارية من تضربها نضربْ, ترفع الجارية بالابتداء وشغلت الفعل بالهاء و"من" وحدها اسم؛ لأنه استفهام والكلام مستغن في الاستفهام والجزاء لا يحتاج "من" فيهما إلى صلة, فإن جئت بالجواب بعد ذلك جزمت على الجزاء, وإن أدخلت في الجواب الفاء نصبت, وتقول: على منْ أنتَ نازل؟ إذا كنت مستفهمًا توصل نازلًا "بعلى" إلى "من" فإن جعلت "من" بمعنى الذي في هذه المسألة لم يكن كلامًا؛ لأن الذي تحتاج إلى أن يوصل بكلام تام يكون فيه ما يرجع إليها، فإن1 كانت مبتدأ احتاجت إلى خبر, وإن لم تكن كذلك فلا بدّ من عامل يعمل فيها, فلو قلت: على من أنت نازلٌ عليه, لم يجز لأنك لم توصل بعلى إلى "من" شيئًا, فإن قلت: "نزلتُ على من أنتَ عليه2 نازلٌ" جاز, وتقول: أبا مَنْ تكنى؟ وأبا من أنتَ مكنى؟ "فمنْ" في هذا استفهام, ولا يجوز أن تكون فيه بمعنى "الذي" أضمرت3 الاسم الذي يقوم مقام الفاعل في مكنى، وتكنى ونصبت أبا منْ؛ لأنه مفعول به متقدم, وإنما نصبته "بتكنى" وهو لا يجوز أن يستقدم عليه؛ لأنه استفهام, فالاستفهام صدر أبدًا مبتدأ كان أو مبنيًّا على فعل والفعل الذي بعده يعمل فيه إذا كان مفعولًا, ولا يجوز تقديم الفعل على الاستفهام, وكلما أضفته إلى الأسماء التي يستفهم بها فحكمها حكم الاستفهام, لا تكون إلا صدرًا, ولا يجوز أن يقدم على حرف الاستفهام

_ 1 في "ب" وإن. 2 في "ب" نازل عليه. 3 أضمرت، ساقط من "ب".

شيء مما يستفهم عنه من الكلام, وتقول: أبو مَنْ أنتَ مكنى به؟ رفعت الأول لأنك شغلت الفعل بقولك: "به" كأنك قلت: أأبو زيد أنتَ مكنى به1، ولو قلت: بأبي من تكنى به، كان خطأ لأنك إنما توصل الفعل بياء واحدة, ألا ترى أنك تقول: "بعبد الله مررتُ" ولا يجوز: "بعبد الله مررتُ به" ولو جعلت "من" في هذه المسألة بمعنى "الذي" لم يجز حتى تزيد فيها فتقول: "أبو منْ أنت مكنى به زيد؟ " ألا ترى أنك تقول: من قام؟ فيكون كلامًا تاما في الاستفهام, فإن جعلت "من" بمعنى "الذي" صار "قام" صلة واحتاجت إلى الخبر, فلا بدّ أن تقول: "من قام زيد" وما أشبهه وتقول: "إنَّ بالذي به جراحات أخيكَ زيد عيبين" فقولك: "عيبين" اسم "إنَّ" وجعلت الهاء2 بدلًا من الذي ثم جعلت زيدًا بدلًا من الأخ, وتقول: إن الذي به جراحات كثيرة أخاك زيدا به عيبان, تجعل الأخ بدلًا من "الذي" وزيدًا بدلًا من الأخ, وبه عيبين خبر إنّ. وتقول: "إنّ الذي في الدار جالسًا زيدٌ" تريد: إنّ الذي هو في الدار جالسًا زيد, وإن شئت لم تضمر وأعملت الاستقرار في الحال, ألا ترى أن "الذي" يتم بالظرف كما يتم بالجمل, وإن شئت قلت: "إنّ الذي في الدار جالس زيد" تريد: "الذي هو في الدار جالس" فتجعل جالسًا خبر هو, وتقول: "إنّ الذي فيكَ راغب زيد" لا يكون في "راغب" إلا الرفع لأنه لا يجوز أن تقول: "إن الذي فيك زيدٌ" وتقول: "إن اللذين بك كفيلان أخويك زيد وعمرو" تريد: "إنّ" أخويك3 اللذين هما بك كفيلان زيد وعمرو، فزيد وعمرو خبر "إنّ" ولا يجوز أن تنصب كفيلين؛ لأن بك لا تتم بها صلة "الذي" في هذا المعنى, وقال الأخفش: تقول: "إنّ الذي به كفيل أخواك زيد" لأنها صفة مقدمة, قال: وإن شئت قلت: "كفيلًا" في قول من قال: أكلوني البراغيثُ4. قال أبو بكر: معنى قوله: صفة مقدمة

_ 1 انظر الكتاب 1/ 121. 2 في "ب" ساقط ما يعادل ثلاثة أسطر. 3 أخويك، ساقط في "ب". 4 أي: من يجعل الواو في "أكلوني" علامة للجمع وليست فاعلًا.

يعني أن كفيلا صفة وحقها التأخير, فإذا قدمت أعملت عمل الفعل, ولكن لا يحسن أن تعمل إلا وهي معتمدة على شيءٍ قبلها وقد بينا هذا في مواضع, ومعنى قوله: في قول من قال: "أكلوني البراغيث" أي: تثنيه على لغتهم وتجريه مجرى الفعل الذي يثنى قبل مذكور ويجمع ليدل على أن فاعله اثنان أو جماعة كالتاء التي تفصل فعل المذكر من فعل المؤنث نحو: قامَ وقامتْ, وقد مضى تفسير هذا أيضًا. وتقول: "إن اللذين في دارهما جالسين أخواك أبوانا" تريد: أن اللذين أخواكَ في دارهما جالسين, تنصب "جالسين" على الحال من الظرف. وإن رفعت "جالسين" [فقلت: إن اللذين في دارهما جالسان أخواك أبوانا, تريد أن اللذين أخواك في دارهما جالسينِ, رفعت وجعلتهما خبر الأخوينِ] 1 وتقول: منهن منْ كان أختُكَ, وكانت أُختكَ؛ فمن ذكر فللفظ ومن أنث فللتأويل, وكذلك: منهن من كانتا أُختيكَ, ومنهن من كان أخواتك, وكنَّ أخواتكَ, ومن يختصمان أخواك, وإن شئت: من يختصمُ أخواكَ توحد اللفظ, وكذاك: من يختصمُ إخوتُكَ ويختصمون, وتقول: منْ ذاهب, وعبد الله محمد, نسقت بعبد الله على ما في "ذاهب" والأجود أن تقول: "من هو وعبد الله ذاهبان محمد" فإذا قلت: "من ذاهب وعبد الله محمد" فالتقدير من2 هو ذاهب هو وعبد الله محمد "فهو الأول" مبتدأ محذوف. وتقول: "من يحسن إخوتك" ولك أن تقول: "من يحسنون إخوتُكَ" مرة على اللفظ ومرة على المعنى. وتقول: "من يحسنُ ويسيءُ إخوتُكَ, ومن يحسنون ويسيئونَ إخوتك, وقبيح أن تقول: "من يحسنُ ويسيئونَ إخوتُكَ لخلطك المعنى باللفظ في حالٍ واحدة, وتقول: "الذي ضربتُ عبد الله فيها" تجعل عبد الله بدلًا من "الذي" بتمامها, فإن أدخلت "إن" قلت: "إن الذي ضربتُ عبد الله فيها" نصبت عبد الله على البدل, فإن3 قلت: "الذي فيك

_ 1 زيادة من "ب". 2 "من" ساقط في "ب". 3 في "ب" فإذا.

عبد الله راغب" لم يجز لأن "راغبًا" مع "فيك" تمام الذي, فلا يجوز أن يفرق بينهما, وتقول: "الذي هو هو مثلُكَ" الأول كناية عن الذي, والثاني كناية عن اسم قد ذكر وكان تقديم ضمير الذي أولى من تقديم1 ضمير الأجنبي ومن قال: "الذي منطلق أخوك" وهو يريد: "الذي هو منطلق أخوك" جاز أن تقول: "الذي هو مثلك" يريد: "الذي هو هو مثلُكَ" فتحذف "هو" التي هي ضمير الذي, وتتركُ "هو" التي هي ضمير مذكور, وقد تقدم لأنها موضع "منطلق" من قولك: الذي منطلق مثلك. وتقول: "مررتُ بالذي هو مسرع, ومسرعًا" فمن رفع "مسرعًا" جعل هو مكنيا من "الذي" ومن نصب فعلَى إضمار "هو" أخرى, كأنه قال: الذي هو هو مسرعًا؛ لأن النصب لا يجوز إلا بعد تمام الكلام. وتقول: "مررت بالذي أنت محسنًا" تريد: الذي هو أنت محسنًا, ولا يجوز رفع "محسن" في هذه المسألة, وتقول: من عندك أضرب نفسهُ, تنصب "نفسه" لأنه تأكيد "لمنْ" فموضع2 "من" نصب "بأضربُ" فإن جعلت نفسه تأكيدًا للمضمر في "عند" رفعت وقدمته قبل "أضربُ" ولم يجز تأخيره؛ لأن وصف ما في الصلة وتأكيده في الصلة, فتقول: إذا أردت ذلك من عندك نفسه أضرب, وتقول: "من من أضربُ أنفسهم عبد الله" تؤكد "من" فتجر, وإن شئت نصبت أنفسهم تتبعه المضمر, كأنك قلت: من3 من أضربُهم أنفسَهم, وأجاز الفراء: "من4 من أضربُ أنفسهُ" يجعل الهاء "لمْن" ويوحد للفظ "من" وقال: حكى الكسائي عن العرب: ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسهِ5، الهاء للفظ الجراد, وقال: تقول: "من من داره تبنى زيد؟ " تريد: "مِنَ الذينَ دورهم تبنى زيد؟ " قال: ولا يجوز أن تقول: "مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد" حتى تقول:

_ 1 تقديم، ساقط في "ب". 2 في "ب" وموضع. 3 من، ساقط من "ب". 4 من، ساقط من "ب". 5 في "ب" نفسه.

"مِنْ مَنْ أَرؤسهُ مخضوباتٌ" فرق بين رأس ودار؛ لأن الدار قد تكون لجماعة والرأس لا يكون لجماعة, قال: ويجوز: "مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد" فيمن أجاز: ضربت رأسكم وتقول: "مِنَ المضروبين أحدُهم محسنٌ زيدٌ" تريد: "مِنَ المضروبين وأحدهم محسن زيد" والأحسن أن تجيء بالواو إلا أن لك أن تحذفها إذا كان في الكلام ما يرجع إلى الأول, فإن لم يكن لم يجز حذف الواو, فإن قلت: "من المظنونين أحدُهم محسن زيد" جاز بغير إضمار واو لأن قولك: "أحدُهم محسنٌ" مفعول للظن, كما تقول: "ظننت القوم أحدهم محسن" فأحدهم محسن مبتدأ وخبر1 في موضع مفعول ثانٍ للظن, فإذا رددته إلى ما لم يُسم فاعله قلت: "ظُنَّ القومُ أحدُهم محسنٌ" وتقول: "مررت بالتي بنى عبد الله" تريد: "الدار التي بناها عبد الله" وتقول: "الذي بالجارية كفل أبوهُ أبوها" ولا يجوز: "الذي بالجارية كفل أبوهُ" ولو جازَ هذا لجاز: زيد أبوهُ, وهذا لا يجوز إذا لم يكن مذكور غير زيد؛ لأنه لا2 يجب منه أن يكون زيد أبا نفسِه, وهذا محال إلا أن تريد التشبيه, أي: زيد كأبيهِ, وتقول: "مررت بالذي كَفلَ بالغلامين أبيهما" تجعل "الأبَ" بدلًا من الذي "وهما في أبيهما ضمير الغلامين" وكذاك: "إنَّ الذي كفلَ بالغلامين أبوهما" فأبوهما خبر إن "وهما" من أبيهما يرجع إلى الغلامين, وتقول: "مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله" نسقت "ألطفني" على "أكرمني" وهما جميعًا في صلة الذي, وعبد الله بدل من الذي, فإن عطفت "ألطفني" على مررت رفعت عبد الله, فقلت: "مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله" فأخرجت "ألطفني عبد الله" من الصلة, كأنك قلت: "مررت بزيد وألطفني عبد الله" وتقول: "الذي مررت وأكرمني عبد الله" رجع إلى الذي ما في "أكرمني" فصح الكلام, ولا تبال أن لا تعدى "مررت" إلى شيءٍ, هو نظير قولك: الذي قعدتُ وقمتُ إليه زيدٌ. فإن قلت: "الذي أكرمني ومررتُ عبد الله" جاز

_ 1 "وخبر" ساقط في "ب". 2 "لا" ساقط من "ب".

أيضًا؛ لأن الكلام لا خلل فيه كما تقول: "أكرمني زيد ومررتُ" لا تريد: أنك مررت بشيءٍ وإنما تريد: مضيتَ. وقال قوم: "الذي أكرمني ومررت عبد الله" محال, لا بدّ من إظهار الباء وهو قولك: "الذي أكرمني ومررت به عبد الله" وهذا إنما لا يجوز إذا أراد أن يعدي "مررت" إلى ضمير الذي, فإن لم ترد ذلك فهو جائز وهم مجيزون: "الذي مررت وأكرمني عبد الله" على معنى الإِضمار, وإذا قلت: "الذي أكرمتُ وظننتُ محسنًا زيد" جاز تريد: "ظننتهُ" لا بدّ من إضمار الهاء في "ظننتُ" لأن الظن لا يتعدى إلى مفعول واحد, وأما أكرمتُ فيجوز أن تضمرها معها ويجوز أن لا تضمر, كما فعلت في "مررت". وتقول: "مررت بالذي ضربتُ ظننتُ عبد الله" تلغي الظن, فإن قدمت "ظننت" على "ضربتُ" قبح؛ لأن الإِلغاء كلما تأخر كان أحسن وتقول: "الذي ضربتُ ضربتُ عبد الله" والتأويل: "الذي ضربتهُ أمس ضربُ اليوم" "فالذي" منصوب "بضربتُ" الثاني وعبد الله بدل من "الذي". وتقول: "للذي ظننتهُ عبد الله درهمان" تريد: للذي ظننته عبد الله درهمان, فإذا قلت: للذي ظننت ثم عبد الله درهمان, صار "ثم" المفعول الثاني للظن والمفعول الأول الهاء المحذوفة من "ظننت" وجررت عبد الله مبدلًا له من الذي, وتقول: تكلم الذي يكلم أخاكَ مرتين, إن نصبت أخاك "بيكلم" الفعل الذي في الصلة فتكون مرتين إن شئت في الصلة, وإن شئت كان منصوبًا بتكلم بالفعل الناصب "للذي" فإن جعلت أخاك بدلًا من "الذي" لم يجز أن يكون "مرتين" منصوبًا بالفعل الذي في الصلة؛ لأنك تفرق بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها. وتقول: الذين كلمت عامةً إخوتك تريد: "الذين كلمتهم عامة إخوتُكَ" والذين كلمتُ جميعًا1 أخوتكَ, مثله تنصب "عامة" [وجميعًا] 2 نصب الحال, فإن قلت: الذين "عامة" كلمتُ إخوتُكَ, قبحَ عندي لأنه في المعنى ينوب عن التأكيد, والمؤكِّدُ لا يكون قبل المؤكَّدِ، كما

_ 1 بعد جميعًا، ساقط من "ب" مقدار صفحة واحدة على الأقل. 2 زيادة من "ب".

أن الصفة لا تكون قبل الموصوف, وتقول: "الذي عَن الذي عنكَ معرضٌ زيدٌ" تريد: الذي هو معرض عن الذي هو عنك معرض زيد, كأنك قلت: "الذي معرض عن الرجل زيدٌ" وهذا شيءٌ يقيسه النحويون ويستبعده بعضهم لوقوع صلة الأول وصلة الثاني في موضع واحد, وتقول: "أعجبني ما تصنع حسنًا" تريد: "ما تصنعهُ حَسنًا" وكذلك: "أعجبني ما تضربُ أخاكَ" تريد: "ما تضربهُ أخاكَ" فما وصلتُها في معنى مصدر وكذلك: "أعجبني الذي تضربُ أخاكَ" تريد: الذي تضربهُ أخاكَ و"ما" أكثر في هذا من "الذي" إذا جاءت بمعنى المصدر. واعلم: أنك إذا قلت: "الذي قائم زيد" فرفعت قائمًا وأضمرت "هو" لم يجز أن تنسق على1 هو ولا تؤكده, لا تقول: "الذي نفسه قائمٌ زيدٌ" ولا الذي وعمرو قائمان زيد, وقوم يقولون إذا قلت: "الذي قمتُ فضربتهُ زيد": إن كان القيام لغوًا فالصلة "الضربُ", وإن كان غير لغوٍ فهو الصلة, ولا يجيزون أن يكون لغوًا إلا مع الفاء, ولا يجيزونَهُ مع جميع حروف النسق, فإن زدت في الفعل جحدًا أو2 شيئًا فسد، نحو قولك: "الذي لَم يقمْ فضربته زيد" وإلغاء القيام لا يعرفه البصريون, وإنما من الأفعال التي تلغى الأفعال التي تدخل على المبتدأ وخبره نحو: "كانَ وظننتُ" لأن الكلام بتم دونها و"قامَ" ليس من هذه الأفعال, وهؤلاء الذين أجازوا إلغاء "القيام" إنما أن يكونوا سمعوا كلمة شذت فقاسوا عليها كما حكى سيبويه: ما جاءت حاجتك3، أي: صارت على جهة الشذوذ, فالشاذ محكي ويخبر بما قصد فيه ولا يقاس عليه, وأما أن يكونوا تأولوا أنه لغو وليس بلغوٍ لشبهة دخلت

_ 1 على، ساقط من "ب". 2 جحدًا، ساقط من "ب". 3 انظر الكتاب 1/ 25. قال سيبويه: ومن العرب من يقول: ما جاءت حاجتك كثير كما تقول: من كانت أمك، ولم يقولوا: ما جاء حاجتك، كما قالوا: من كان أمك؛ لأنه بمنزلة المثل فألزموه التاء.

عليهم، وقال من يجيز اللغو: إذا قلت: "الذي قامَ قيامًا فضربتهُ زيد" خطأٌ إذا أردت اللغو, وكذاك: الذي قمتُ قيامًا فضربتهُ وهؤلاء يجيزون: "الذي ضاربٌ أنتَ زيد" يريدون: "الذي ضاربهُ أنتَ زيدٌ" فإذا حذفوا نونوا, ومثل ذا يجوز عندي في شعر على أن ترفع أنت بضاربٍ وتقيمه مقامَ الفعل, كما تقول: "زيد ضاربهُ أنتَ" تريدُ: "ضارب أنت إيَّاهُ" إذا أقمنا "ضاربٌ" مقام الفعل حذفنا معه, كما تحذف مع الفعل ضرورة, ولا يحسن عندي في غير ضرورة؛ لأنه ليس بفعل وإنما هو مشبه بالفعل, وما شبه بالشيء فلا يصرف تصريفه ولا يقوى قوته, وإنما هذا شيءٌ قاسوهُ ولا أعرف له أصلًا في كلام العرب, وهؤلاء لا يجيزون: "الذي يقوم كان زيدٌ" على أن تجعل "يقومُ" خبر كان, تريد: "الذي كانَ يقومُ زيدٌ" والقياس يوجبه؛ لأنه في موضع "قائم" وهو يقبح عندي من أجل أن "كان" إنما تدخل على مبتدأ وخبر, فإذا كان خبر المبتدأ قبل دخولها لا يجوز أن يقدم على المبتدأ, فكذا ينبغي أن تفعل إذا دخلت "كانَ" وأنت إذا قلت: "زيدٌ يقوم" فليس لك أن تقدم "يقومُ" على أنه خبر زيدٍ, وإذا قلت: "الذي كانَ أضربُ زيدٌ" كان خطأ؛ لأن الهاء المضمرة تعود على ما في "كان" ولا تعود على الذي, وإنما يحذف الضمير إذا عاد على "الذي" فإن قلت: "الذي كنتُ أضرب زيد" جاز لأن الهاء "للذي" وتقول: "الذي ضربتُ فأوجعتُ زيد" تريد: "الذي ضربته فأوجعتهُ" إذا كان الفعلان متفقين في التعدي وفي الحرف الذي يتعديان به, جاز أن تضمر في الثاني. وكذلك: "الذي أحسنتُ إليه وأسأتُ زيدٌ" أحسنت تعدت "بإليهِ" وأسأتُ مثلها, وإذا اختلف الفعلان لم يجز لو قلت: "الذي ذهبتُ إليه1 وكفلتُ زيد" تريد: بهِ لم يجز؛ لأن "به" خلاف "إليه" وحكوا: مررتُ بالذي مررتُ وكفلتُ بالذي كفلتُ, فاجتزوا بالأول, فإذا اختلف كان خطأ لو قالوا: "كفلتُ بالذي ذهبتُ" لم يجز حتى تقول: إليه. وقالوا: "أمرُّ بِمَنْ تمرُّ وأرغب فيمن ترغبُ" قالوا: وهو في "مَنْ" أجود لأَن تأويل الكلام عندهم

_ 1 "إليه" ساقط من "ب".

جزاءٌ, ومن قولهم: "إنْ هذا والرجلُ" وكل ما دخلته الألف واللام وكل نكرةٍ وكل ما كان من جنس هذا وذاك يوصل كما توصل "الذي" فما كان منه معرفة ووقع في صلته نكرة نصبت النكرة على الحال وهي في الصلة, وإذا كان نكرة تبع النكرة وهو في الصلة, وإذا كان في الصلة معرفة جئت "بهو" لا غير فتقول في هذا والرجل قام: "هذا ظريفًا" فظريف حال من "هذا" وهو في صلة "هذا" وضربت هذا قائمًا1، وقام الرجل ظريفًا، وظريف في صلة الرجل, وضربتُ الرجلَ يقومُ وقامَ، وعندك يجري على ما جرى عليه "الذي" لا فرق بينهما عندهم إلا في نصب النكرة، فتقول2 في النكرة: ضربتُ رجلًا قامَ ويقومُ وقائمًا, وضربتُ رجلًا ضربتُ, وضربت في صلة "رجلٍ" وثم هاء تعود على "رجل" ويقولون إذا قلت: "أنتَ الذي تقومُ وأنت رجلٌ تقومُ وأنتَ الرجلُ تقوم" فإن هذا كله يلغى؛ لأن الاعتماد على الفعل فإن جعلوا الفعل للرجل قالوا: "أنت الرجلُ يقوم" وقالوا إذا قلت: "أنت من يقومُ": لم يجز إلا بالياء؛ لأن "مَنْ" لا تلغى وقالوا: [قلت] 3: "أنت رجلٌ تأكلُ طعامَنا" وقدمت الطعام حيث شئت فقلت: "أنت طعامنا رجلٌ تأكلُ" أجازوه في4 "رجل" وفي كل نكرة, وهذا لا يجوز عندنا لأن إلغاء "رجلٍ" والرجل والذي غير معروف [عندهم] 5 وهؤلاء يقولون إذا قلت: "أنت الرجل تأكلُ طعامَنا" أو آكلًا طعامَنا: لم يجز أن تقول: "أنت طعامَنا الرجل آكلًا" لأنه حال وصلة الحال والقطع عندهم لا يحال بينهما, وقالوا: إذا قلت: "أنت فينا الذي ترغبُ" كان خطأ؛ لأن "الذي" لا يقوم بنفسه ورجل قد يقوم بلا صلة, قالوا: فإن جعلت "الذي" مصدرًا جاز, فقلت: "أنت

_ 1 قائمًا منصوب على الحال. 2 في "ب" وتقول. 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" من. 5 زيادة من "ب".

فينا الذي ترغب" ووحدت "الذي" في التثنية والجمع, قال الله عز وجل: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 1 يريد: كخوضهم, ويقولون على هذا القياس: "أنت فينا الذي ترغبُ" وأنتما فينا الذي ترغبان, وأنتم فينا الذي ترغبونَ, وكذاك المؤنث: "أنتِ فينا الذي ترغبينَ" تريد: "أنتِ فينا رغبتُك" ولا تثنى "الذي" ولا تجمع2 ولا تؤنث, وكذاك: "الذي تضربُ زيدًا قائمًا, وما تضربُ زيدًا قائمًا" تريد: "ضربكَ زيدًا قائمًا" قالوا: ولا يجوز هذا في "إنْ" لأن "إنْ" أصله الجزاء3 عندهم، وإذا4 قدمت رجلًا والرجل, والذي وهو ملغى كان خطأ في قول الفراء قال: إنه لا يلغى متقدمًا, وقال الكسائي: تقديمه وتأخيره واحد. وإذا قلت: "أين الرجلُ الذي قلتَ؟ وأينَ الرجلُ الذي زعمتَ؟ " فإن العرب تكتفي "بقلتُ وزعمتُ" من جملة الكلام الذي بعده؛ لأنه حكاية, تريد: الذي قلتَ: إنه من أمره كذا وكذا وقد كنت عرفتك أن العرب لا تجمع بين الذي، والذي5 ولا ما كان في معنى ذلك شيءٌ قاسهُ النحويون ليتدرب به المتعلمون, وكذا يقول البغداديون الذين على مذهب الكوفيين يقولون: إنه ليس من كلام العرب, ويذكرون أنه إن اختلف جاز, وينشدون: مِنَ النَّفَرِ اللاَّئِي الَّذِينَ إذَا هُمُ ... يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ البَابِ قَعْقَعُوا6

_ 1 التوبة: 69. 2 "تجمع" ساقط من "ب". 3 قال سيبويه 1/ 434: وزعم الخليل أن "إن" هي أم حروف الجزاء. 4 في "ب" فإذا. 5 انظر: المقتضب 3/ 130، وشرح الرضي 2/ 43. 6 اختلف في رواية هذا الشاهد، فرواه صاحب الموشح: من النفر البيض الذين إذا اعتزوا ... وهاب اللئام.... ورواه القالي: من النفر البيض الذين إذا انتموا ... وهاب اللئام ... ورواه الجاحظ: من النفر البيض الذين إذا انتموا ... وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا وكذلك روى: من النفر الشم ... والنفر: اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه. وإنما أطلقه الشاعر هنا على الكرام إشارة إلى أنهم ذوو عدد قليل. واللئام جمع لئيم، وهو الشحيح والدنيء النفس والمهيمن، واللؤم: ضد الكرم، وحلقة بفتح اللام جمع: حالق، وحلقة القوم وهم الذين يجتمعون مستديرين, وقعقعوا بمعنى: ضربوا الحلقة على الباب ليصوت. ونسب البغدادي هذا الشاهد إلى الربيس بن عباد بن عباس بن عوف. وانظر: الحيوان للجاحظ 3/ 486، والموشح للمرزباني 245, والكامل للمبرد 103, وشرح الكافية 2/ 50, والخزانة 2/ 530.

قالوا: فهذا جاء على إلغاء أحدهما، وهذا البيت قد رواه الرواة فلم يجمعوا بين "اللائي والذينَ" ويقولون: "على هذا مررتُ بالذي ذو قال ذاك" على الإِلغاء, فقال أبو بكر: وهذا عندي أقبحُ؛ لأن الذي يجعل "ذو" في معنى "الذي" من العرب طيءٌ1, فكيف يجمع بين اللغتين ولا يجيزون: "الذي منْ قامَ زيدٌ" على اللغو؟ ويحتجون بأنَّ "منْ" تكون معرفة ونكرة, مررتُ بالذي القائم "أبوهُ" على أن تجعل الألف واللام للذي2، وما عاد من الأب على الألف واللام, ويخفض [القائم] 3 يتبع "الذي" وهذا لا يجوز عندنا؛ لأن "الذي" لا بدّ لها من صلة توضحها, ومتى حذفت الصلة في كلامهم فإنما ذاك لأنه قد علم, وإذا حذفت الصلة وهي التي توضحه ولا معنى له إلا بها, كان حذف الصفة أولى فكيف تحذف الصلة وتترك الصفة, ويقولون: إن العرب إذا جعلت "الذي والتي" لمجهول مذكر أو مؤنث, تركوه بلا صلة نحو قول الشاعر:

_ 1 انظر التصريح 1/ 137, والخزانة 2/ 530. 2 "للذي" ساقط من "ب". 3 أضفت كلمة "القائم" لأن المعنى يحتاجها. وانظر الخزانة 2/ 530, وشرح الكافية 1/ 43.

فإن أَدْعُ اللَّوَاتِي مِنْ أُنَاسٍ ... أَضَاعُوهُنَّ لا أَدعُ الَّذِينا1 ويقولون: الذي إذا كان جزاء فإنه لا ينعت ولا يؤكد ولا ينسق عليه؛ لأنه مجهول, لا تقول: "الذي يقومُ الظريفُ فأخواكَ, ولا الذي يقوم وعمرو فأَخواكَ" لأنهُ مجهول "وعمرو" عندهم2 معروف. قال أبو بكر: إن كانَ "أخاهُ" من النسب فلا معنى لدخول الفاء؛ لأنه أخوه على كل حال, وإن كان من المؤاخاة فجائز, وأما النعت والتوكيد فهو عندي -كما قالوا- إذا جعلت "الذي" في معنى الجزاء؛ لأنه لم يثبت شيئًا منفصلًا من أمة فيصفه, وإذا قلت: "الذي يأتيني فلَهُ درهم" على معنى الجزاء فقد أردت: "كل من يأتيني" فلا معنى للصفة هنا, والعطف يجوز عندي كما تقول: الذي يجيءُ مع زيد فلهُ درهم, فعلى هذا المعنى تقول: "الذي يجيء هو وزيد فلهُ درهم" أردت الجائي مع زيد فقط, ولك أيضًا أن تقول في هذا الباب: "الذي يجيئني راكبًا فلهُ درهم" ويجيزون [أيضًا] 3 الدار تدخلُ فدارنا, يجعلونها مثل "الذي" كأنك قلت: "الدار4 التي تدخلُ فدارُنا" وهذا لا يجوز لما عرفتك إلا أن يصح أنه شائع في [كلام] 5 العرب, وأجازوا "الذي يقوم مع زيد أخواكَ" يريدون: "الذي يقومُ وزيد أخواكَ" يعطفون "زيدًا" على "الذي" وإنما يجيزون أن يكون مع بمنزلة الواو إذا كان الفعل تاما, وإذا كان ناقصًا لم يجز هذا. قال6 الفراء: إذا قلت: "الذي يقومُ مع زيدٍ أخواكَ" لم أقل:

_ 1 الشاهد فيه حذف صلة الموصول وهذا قليل، والمعنى: أنه لا يهجو النساء ولكن يهجو الرجال الذين لم يمنعوهن. وانظر ارتشاف الضرب 135. 2 عندهم، ساقط من "ب". 3 زيادة من "ب". 4 الدار، ساقطة من "ب". 5 أضفت كلمة "كلام" لإيضاح المعنى. 6 في "ب" وقال.

"أخواكَ الذي يقومُ مع زيدٍ" قال: ولا أقولُ: "الذي يختصمُ مع زيدٍ أخواكَ" لأن الاختصام لا يتم, والطوال1 وهشام يجيزانه مع الناقص وفي التقديم والتأخير, ويجعلون "مع" بمنزلة الواو, والفراء لم يكن يجيزه إلا وهو جزاء, وإذا قلت: "الذي يختصمُ وزيدٌ أخواكَ" فزيد لا يجوز أن ينسق به إلا على ما في الاختصام؛ لأنه لا يستغني عن اسمين, ويقول: "اللذانِ اختصما كلاهما أخواكَ" فاللذان ابتداء, واختصما صلة لهما, و"كلاهما" ابتداء ثانٍ, وأخواك خبره, وهذه الجملة خبر اللذين فإن جعلت "كلاهما" تأكيدًا لما في اختصما, لم يجز لأن الاختصام لا يكون إلا من اثنين فلا معنى للتأكيد هنا, فإن قلت: اللذان اختصما كلاهما أخوان, لم يجز على تأويل, وجاز على تأويل آخر إن أردت بقولك: "أخوان" أن كل واحد منهما أخ لصاحبه, لم يجز لأن "كلاهما" لا معنى لها ها2 هنا, وصار مثل "اختصما" الذي لا يكون إلا من اثنين؛ لأن الأخوين كل واحد منهما أخ لصاحبه, مثل المتخاصمين والمتجالسين, فإن أردت بأخوين أنهما أخوان لا نسيبان جاز؛ لأنه قد يجوز أن يكون أحدهما أخًا لزيد ولا يكون الآخر أخًا لزيد, فإذا كان أحدهما أخًا لصاحبه فلا بدّ من أن يكون الآخر أخًا له فلا معنى "لكلا" ههنا, وتقول: "الذي يطيرُ الذبابُ فيغضبُ زيدٌ" فالراجع إلى "الذي" ضميره في "يغضبُ" والمعنى: الذي إذا طار الذباب غضب زيد, ولا يجوز: "الذي يطير الذبابُ" فالذي يغضبُ زيدٌ؛ لأن الذي الأولى ليس في صلتها ما يرجع إليها, وقوم يجيزون: الطائر الذباب "فالغاضبُ زيدٌ" لأن الألف واللام الثانية ملغاة عندهم, فكأنهم قالوا: "الطائرُ الذبابُ" فغاضبٌ زيدٌ وهذا لا يجوز عندنا على ما قدمنا في الأصول أعني: إلغاء الألف واللام.

_ 1 الطوال: محمد بن أحمد أبو عبد الله من أهل الكوفة، صاحب الفراء، كان حاذقًا بإلقاء المسائل العربية، ولم يشتهر له تصنيف، مات سنة 243هـ، ترجمته في تاريخ بغداد 9/ 365-366، والفهرست 68, وطبقات الزبيدي 96, وإنباه الرواة 2/ 92، ومعجم الأدباء 2/ 116-117، وطبقات القراء 1/ 338. 2 زيادة من "ب".

واعلم: أن من قال: "من يقومُ ويقعدونَ قومُكَ, ومن يقعدونَ ويقومونَ إخوتكَ" فيرد مرة إلى اللفظ ومرة إلى المعنى, فإنه لا يجيز أن تقول: "من قاعدونَ وقائمُ إخوتكَ" فيرد "قائمًا" إلى لفظ "مَنْ" لأنك إذا جئت بالمعنى لم يحسن أن ترجع إلى اللفظ, وتقول: "منْ كان قائمًا إخوتُكَ, ومن كان يقومُ إخوتُكَ" ترد ما في كان على لفظ "مَنْ" وتوحد, فإذا وحدت اسم كان لم يجز أن يكون خبرها إلا واحدًا، فإذا1 قلت: مَنْ كانوا؟ قلت: قيامًا ويقومون, ولا يجوز: "منْ كانَ يقومونَ إخوتُكَ" وقوم يقولون إذا قلت: "أعجبني ما تفعلُ" فجعلتها مصدرًا فإنه لا عائد لها مثل "أَنْ" فكما أنَّ "أَنْ" لا عائد لها2 فكذلك ما, وقالوا: إذا قلت: "عبد الله أحسنُ ما يكون قائمًا" فجاءوا "بما" مع "يكونُ" لأن "ما" مجهول و"يكون" مجهول, فاختاروا "ما" مع يكون, أردت: "عبد الله أحسن شيء يكونُ" فما في "يكون" "لِمَا" فإذا قلت: "عبد اللهِ أحسنُ مَنْ يكونُ" فأردت أحسن من خلق, جاز ولا فعل "ليكون" يعنون: لا خبر لها3، وقالوا إذا قلت: "عبد الله أحسنُ ما يكونُ قائمًا" إذا أردت أن تنصب "قائمًا" على الحال أي: أحسن الأشياء في حال قيامه, قالوا: ولك أن ترفع عبد الله بما في "يكون" وترفع أحسن بالحال, وتثني وتجمع فتقول: "الزيدانِ أحسنُ ما يكونانِ قائمينِ, والزيدونَ أحسنُ ما يكونون قائمينَ" يرفعون "أحسنَ" بالحال ولا يستغنى عن الحال ههنا عندهم, فإن قلت: "عبد اللهِ أحسنُ ما يكونُ" وأنت أحسن ما تكون على هذا التقدير, لم يجز لأَن عبد الله إذا ارتفع بما في "يكون" لم يكن لأحسن خبر4، ومعنى

_ 1 في "ب" وإذا. 2 زيادة الفاء من "ب". 3 أي "كان" هنا تامة. 4 في الكتاب 1/ 200، وبعضهم يقول: الحرب أول ما تكون فتية، كأنه قال: الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية، كما تقول: عبد الله أحسن ما يكون قائمًا, لا يجوز فيه إلا النصب؛ لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائمًا على وجه من الوجوه.

قولهم: ارتفع بما في "يكون" يعنونَ أنهم يرفعون بالراجع من الذكر, وهذا خلاف مذهب البصريين؛ لأن البصريين يرفعون بالابتداء, قالوا: فهذا وقتٌ فلا يرتفع عبدُ اللهِ بجملته, فإن أردت: "عبد الله أحسنُ شيءٍ يكونُه" فهو جائز وهو صفة, فإذا قلت: "أحسنُ ما يكون عبد الله قائمًا" جرى مجرى: "ضربي زيدًا قائمًا" وقال محمد بن يزيد1: قول سيبويه: أخطبُ ما يكون الأمير قائمًا, تقديره على ما وضع عليه الباب: أخطبُ ما يكونُ الأمير إذا كانَ قائمًا، كما قال2: "هذا بُسْرًا أطيبُ منه تمرًا"3 فإن قال قائل: أحوال زيد إنما هي القيام والقعود ونحو ذلك فكيف لم يكن أخطب ما يكون الأمير بالقيام, أي: "أخطبُ أحوالهِ القيامُ"؟ فالجواب في ذلك: أن "القيامَ" مصدر وحال زيد هي الحال التي يكون فيها من قيام وقعود أو نحوه, فإن ذكرت المصدر أخليته من زيد وغيره, وإنما المصدر لذات الفعل, فأما اسم الفاعل فهو المترجم عن حال الفاعل لما يرجع إليه من الكناية, ولأنه مبني له, وذلك نحو: "جاءني زيدٌ راكبًا" لأن في "راكب" ضمير زيد وهو اسم الفاعل لهذا الفعل, فإن احتج القائل في إجازتنا: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة4، فالتقدير: "أخطبُ أيامِ الأميرِ يوم الجمعة" فجعلت الخطبة للأيام على السعة, وقد تقدم تفسير ذلك في الظروف مبينًا, كما قال الله عز وجل: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 5 أي: مكركم فيهما. قال محمد6: وجملة هذا أن الظرف من الزمان متضمن الفاعل لا يخلو منه, وقد يخلو من فعل إلى آخر, وقال في موضع آخر: كان سيبويه يقول في قولهم: أكثرُ ضربي

_ 1 في "ب" رحمه الله. 2 في "ب" قالوا. 3 ذكر المبرد في المقتضب 3/ 252 أن الحال يسد مسد الخبر، كقولك: الأمير أخطب ما يكون قائمًا. وانظر الكتاب 1/ 200. 4 انظر الكتاب 1/ 200. 5 سبأ: 33 وانظر المقتضب 3/ 105. 6 "محمد" ساقط في "ب" وهو محمد بن يزيد المبرد, أستاذ المصنف.

زيدًا قائمًا، إن قائمًا سَد مسدّ الخبر وهو حال1, قال: وأصله إنما هو على "إذ كان" وإذا كان, ومثله: "أخطبُ ما يكونُ الأمير قائمًا, وأكثر شربي السويقَ ملتوتًا, وضربي زيدًا قائمًا" وتقول ذلك في كل شيء كان المبتدأ فيه مصدرًا, وكذلك إن كان في موضع الحال ظرف, نحو قولك: أخطبُ ما يكونُ الأمير يوم الجمعة, وأحسنُ ما يكونُ زيدٌ عندكَ, وقال: وكان أبو الحسن الأخفش يقول: "أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائمٌ" ويقول: أضفت أخطبَ إلى أحوال, قائم أحدُها, ويزعم سيبويه أنك إذا قلت: "أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائمًا" فإنما أردت: "أخطبُ ما يكون الأمير إذا كان قائمًا" فحذفت؛ لأنه دل عليهما ما قبلها, و"قائمًا" حال وقد بقي منها بقية2، وكذلك قوله: ضربي زيدًا راكبًا أي: إذا كان راكبًا وهي "كان" التي معناها "وقع" فأما: أكلي الخبز يوم الجمعة فلا يحتاج فيه إلى شيءٍ؛ لأن يوم الجمعة خبر المصدر وينبغي أن يكون على قول سيبويه: ظننتُ ضربي زيدًا قائمًا, وظننتُ أكثر شربي السويقَ ملتُوتًا, أنه أتى "لظننتُ" بمفعول ثانٍ على الحال التي تسد مسد المفعول الثاني كما سدت مسد الخبر, فإن قيل: إن الشك إنما يقع في المفعول الثاني قيل: إن الشك واقع في "إذ كان" و"إذا كان" والحال دليل؛ لأن فيها الشك وأن يعمل فيها "ظننت" ولكن في موضعها كما كنت قائلًا: القتالُ يوم الجمعةِ, فتنصب يوم الجمعة بقولك: القتالُ, فإن جئت بظننت قلت: "ظننتُ القتالَ يوم الجمعةِ" فيوم الجمعة منتصب بوقوع القتال, وليس "بظننتُ" والدليل على ذلك أنه ليس يريد أن يخبر أن القتال هو اليوم, هذا محال ولكنه يخبر أن القتال في اليوم [وتقول: إنَّ القتالَ اليومَ ظننتُ] 3 فتنصب؛ لأنَّ "إنَّ" لا تعمل فيه4 شيئًا، إنما تعمل في موضعه كما وصفت

_ 1 انظر: المقتضب 3/ 252. 2 انظر الكتاب 1/ 200-201. 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" فيها.

لك، وقياس "ظننتُ" وإن وكان والابتداء [والخبر] 1 واحد، وكذلك لو قلت: "كانَ زيدٌ خلفكم"2 لم تكن كانَ الناصبة "لخلف"3 فكذلك إذا قلت: "كانَ أكثر شربي السويقَ ملتُوتًا" نصب4 "ملتُوتًا" بما كان انتصب به قبل دخول "كانَ" سد مسد خبرها, كما سد مسد خبر الابتداء, ولكن ما ينصب هذه الظروف هو الخبر لهذه العوامل كما كان خبر الابتداء, فإذا قلت: "كان زيدٌ خلفكم" فتقديره: "كان زيد مستقرًّا خلفكم"5 وكان ضربي زيدًا إذا كان قائمًا، وما كان مثلهن فهذا مجراه. [تم الكتابُ بمَنِّ الله وعونِه من باب الألف واللام] 6.

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" خلفك. 3 في "ب" بخلف. 4 في "ب" نصبت وهو الصحيح. 5 هذا مذهب البصريين، أما الكوفيون فلا يقدرون مستقرًّا، بل يعربون الظروف والمجرورات أخبارًا. 6 ما بين القوسين غير موجود في "ب" ويظن أنه من عمل الناسخ.

ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم

ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم مدخل ... ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم، وما يسكن من المتحركات، وما تغير حركته لغير إعراب، وما يحذف لغير جزم: أما ما يتحرك من السواكن لغير إعراب فهو على ضربين: إما أن يحرك من أجل ساكن يلقاه ولا يجوز الجمع بين ساكنين, وإما أن يكون بعده حرف متحرك فيحذف ويلقي حركته عليه. الأول على ضربين: أحدهما: إما أن يكون آخر الحرف ساكنًا فيلقاه ساكن نحو قولك: {قُمِ اللَّيْلَ} 1 حركت الميم بالكسر لالتقاء الساكنين, وأصل التحريكات لالتقاء الساكنين الكسر, ولم تردِ الواو؛ لأن الكسر غير لازمة في الوقف, وكذلك قولك: "كَمِ المالُ؟ ومَنِ

_ 1 المزمل: 2، قرئ بالكسر والفتح والضم في قوله: {قُمِ اللَّيْلَ} ، وانظر البحر الميحط.

الرجلُ؟ " فإن قلت: "مِنَ الرجل" فالفتح1 أحسن، من قبل أن الميم مكسورة فيثقل الكسر بعد كسرة ولكثرة الاستعمال أيضًا, والكسرة الأصل, فكل ما لا يتحرك إذا لقيهُ ساكن حرك، من ذلك قولك: "هذا زيد العاقلُ" حركت التنوين بالكسر. والآخر: ما حرك من أواخر الكلم السواكن من أجل سكون ما قبلها، وليس التحريك تحريك البناء كأين وأولاءِ وحيث, فمن ذلك الفعل المضاعف والعرب تختلف فيه, وذلك إذا اجتمع حرفان من موضع واحد؛ فأهل الحجاز يقولون: "ارددْ وإنْ تضاررْ أضاررْ"2 وغيرهم3 يقول: "ردَّد" وفرّ, وإنْ تردَّ أرَدّ ويقولون: لا تضار؛ لأن الألف يقع بعدها المدغم, والذين يدغمون يختلفون في تحريك الآخر, فمنهم من يحركه بحركة ما قبلها أي: حركة كانت وذلك4 رُدَّ وعُضَّ وفُرَّ واطمئن واستعدَّ واجترَّ؛ لأن قبلها فتحة5، فإذا جاءت الهاء والألف التي لضمير المؤنث فتحوا أبدًا فقالوا: رُدَّها وعُضَّها وفُرَّها؛ لأن الهاء خفية فكأنه قال: فِرّا ورِدّا ولم يذكرها، فإذا6 كانت الهاء [مضمومة] 7 في مثل قولهم: ردهو ضموا كأنهم قالوا: رُدوا. فإن جئت بالألف واللام [وأردت] 8 الوصل كسرت الأول كله فقلت: رُدِّ القومَ وردِّ ابنكَ وعَضِّ الرجل وفُرِّ اليوم؛ وذلك لأن الأصل: ارْدُدْ فهو ساكن, فلو قلت: اردُدِ

_ 1 يقول الكسائي: إن سبب فتح النون في "من" هو أن أصلها "منا" انظر شرح الشافية 2/ 446, وفي اللسان 17/ 311 أن قبيلة قضاعة تقول "منا" بدلًا من "من". 2 انظر الكتاب 2/ 158، وقرأ ابن مسعود: "ولا تضارر" على لغة أهل الحجاز، البقرة: 233، وانظر البحر المحيط. 3 يريد بني تميم وكثيرًا من العرب، انظر الكتاب 2/ 158-159. 4 في "ب" نحو. 5 انظر: الكتاب 2/ 159. 6 في "ب" وإذا. 7 زيادة من "ب". 8 زيادة من "ب".

القومَ لم يكن إلا الكسر فهذه الدال تلك1 وهي على سكونها وهو الأصل على لغة أهل الحجاز2، ألا ترى أن الذال في "مُذْ" واليوم في ذهبتم لما لقيها الألف واللام احتيج إلى تحريكها لالتقاء الساكنين رُدَّ إلى3 الأصل، وأصلها الضم4، فقلت: مُذُ اليوم وذهبتمُ اليوم؛ لأن أصل "مُذْ" منذُ يا هذا, وأصل ذهبتم: ذهبتُمُ يا قوم فرد مذ وذهبتم إلى أصله وهي الحركة, ومنهم من يفتح على كل [حال] 5 إلا في الألف واللام وألف الوصل وهم بنو أسد, قال الخليل: شبهوه "بأين وكيف"6 ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام مفتوحًا، يجعله في جميع الأشياء "كأينَ" ومن العرب من يكسرُ ذا أجمع على كل حال فيجعله بمنزلة "اضرب الرجلَ" وإن لم تجئ بالألف واللام لأنه فعل حرك لالتقاء الساكنين والذين يكسرون كعب وغني7. ولا يكسر هلم8 ألبتة من قال: هلما، وهلمي9 ليس إلا الفتح وأهل الحجاز وغيرهم يجمعون على أنهم يقولون للنساء: ارددنَ؛ لأن سكون الدال هنا لا

_ 1 يشير إلى أن الدال الساكنة هي نفسها التي كسرت لالتقاء الساكنين. 2 انظر الكتاب 2/ 160. 3 في "ب" ردوا. 4 قال سيبويه 2/ 160: "ومثل ذلك مذ وذهبتم فيمن أسكن، تقول: مذ اليوم، وذهبتم اليوم؛ لأنك لم تبن الميم على أن أصله السكون، ولكنه حذف كياء قاضٍ ونحوها. 5 زيادة من "ب". 6 قال سيبويه 2/ 160: زعم الخليل: أنهم شبهوه بأين وكيف وسوف وأشباه ذلك وفعلوا به إذا جاء بالألف واللام والألف الخفيفة ما فعل الأولون وهم بنو أسد وغيرهم من بني تميم. 7 كعب وغني من قيس، انظر الكتاب 2/ 160, وشرح الرضي 2/ 243. 8 لم يكسر "هلم" لأنه ضعف تمكنه وتصرف بما ضم إليه, فألزموه أخف الحركات كما اجتمعوا على فتح الدال في "رويد" انظر الكتاب 2/ 160. 9 في "ب" أو.

يشبه سكون الجزم ولا سكون الأمر والنهي؛ لأنها إنما سكنت من أجل النون كما تسكن مع التاء1، وزعم الخليل وغيره أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون: "ردَّنَ ومرَّنَ وردَّتْ"2، كأنهم قدروا الإِدغام قبل دخول النون والتاء, والشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أخرجوه على الأصل, ومن ذلك الهمزة إذا خففت وقبلها حرف ساكن حذفت وألقيت الحركة على الساكن, وسنذكر باب الهمزة3 إن شاء الله. والثاني: ما يسكن لغير جزم وإعراب, وهو على ثلاثة أضرب: إسكان لوقف وإسكان لإِدغام وإسكان لاستثقال؛ أما الوقف فكل حرف يوقف عليه فحقه السكون كما أن كل حرف يبتدأ به فهو متحرك وأنا أفرد ذكر الوقف والابتداء. وأما الإِدغام فنحو قولك: "جَعَلَ لَكَ" فمن العرب من يستثقل اجتماع كثرة المتحركات فيدغم وهذا يبين في الإِدغام. وأما إسكان الاستثقالِ فنحو ما حكوا في شعر امرئ القيس في قوله4: "فاليومَ أشربْ غَيْرَ مُسْتَحْقَبٍ ... إثمًا مِنَ الله ولا وَاغِلِ"5

_ 1 يشير إلى تاء: رددتُ، ورددتِ، ورددتَ. 2 انظر الكتاب 2/ 160. 3 في "ب" الهمز. 4 من شواهد سيبويه 2/ 297 على تسكين الباء من قوله: "أشرب" في حال الرفع والوصل، ويروى: فاليوم فأشرب.. وكذلك: فاليوم أسقى.. ولا شاهد فيه على هذه الرواية. والمستحقب: المكتسب, وأصله من استحقب، أي: وضع الحقيبة، وهي خرج يربط بالسرج خلف الراكب، والواغل: الذي يأتي شراب القوم من غير أن يدعى إليه. وهو مأخوذ من الوغول, وهو الدخول, ومعناه أنه وغل في القوم وليس منهم. وانظر: شرح السيرافي 1/ 229, والتمام في تفسير أشعار هذيل 205، والخصائص 1/ 74 وج2/ 274, والحماسة 612, والفاخر للمفضل بن سلمة 63, وابن يعيش 1/ 48, وإصلاح المنطق 245, والشعر والشعراء 98, والأصمعيات 40, والضرائر 225, والحجة 1/ 86، والخزانة 3/ 531, والديوان 150. 5 زيادة من "ب".

كان الأصل: أشربُ فأسكن الباءَ كما تسكن في "عَضُدِ" فتقول: "عَضْدٌ" للاستثقال فشبه المنفصل والإِعراب بما هو من نفس الكلمة, وهذا عندي غير جائز لذهاب علم الإِعراب, ولكن الذين قالوا "وهو" فأسكنوا الهاء تشبيهًا "بِعَضْدٍ" والذين يقولون في "عَضُدٍ": "عَضْدٌ"؛ وفي "فَخذٍ" إنما يفعلون هذا إذا كانت العين مكسورة أو مضمومة فإذا انفتحت لم يسكنوا. الثالث: ما غيرت حركته لغير إعراب تقول: هذا غلامٌ فإذا أضفته إلى نفسك قلت: غُلامي, فزالت حركت الإِعراب, وحدث موضعها كسرة, وقد ذكرت ذا فيما تقدم فهذه الياء تكسر ما قبلها إذا كان متحركًا, فإن كان قبلها ياءٌ نحو: "يا قاضي" قلت: قاضِيّ وجواريّ, فإن كان قبلها واو ساكنة وقبلها ضمةٌ قلبتها ياءً وأدغمت نحو "مسلميّ" فإن كان ما قبلها1 ياء ساكنة وقبلها حرف مفتوح لم تغيرها تقول: "رأيتُ غُلامي" تدع الفتحة على حالها وكل اسم آخره ياءٌ يلي حرفًا مكسورًا فلحقته الواو والنون والياء للجمعِ تحذف منه الياء ويصير مضمومًا, تقول في "قاضٍ" إذا جمعت: "قاضونَ" وقاضينَ لما لزم الياء التي هي لام السكون أسقطت لالتقاء الساكنين, فإن أضفت "قاضُون" إلى نفسك قلت: "قاضي" كما قلت: مُسلِميّ, وتختلف العرب في إضافة المنقوص إلى الياء فمن العرب2 من يقول: بُشرايَ بفتح الياء, ومنهم من يقول: بشريّ, وأما قولهم: في عَلَيّ عليكَ, ولَدَيّ لديكَ, فإنما ذاك ليفرقوا بينهما وبين الأسماء المتمكنة كذا قال سيبويه: وحدثنا الخليل3، أن ناسًا من العرب يقولون: علاكَ ولداكَ وإلاكَ وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف, وهؤلاء على القياس, قال: وسألته عَنْ مَنْ قال: رأيتُ كلا أَخويكَ, ومررت بكلا أخويكَ, ومررت

_ 1 "ما" ساقطة من "ب". 2 في الأصل "فالأعرف" والتصحيح من "ب". 3 انظر الكتاب 2/ 104-105, والحجة للفارسي 1/ 32.

بكليهما، فقال: جعلوه بمنزلة: عليكَ ولديكَ، وكِلا لا تفرد أبدًا, إنما تكون للمثنى1. الرابع: ما حذف لغير جزم, وذلك على ضربين: أحدهما ما يحذف من الحروف المعتلة لالتقاء الساكنين, والآخر ما2 يحذف في الوقف ويثبت في الإِدراج. فأما الذي يحذف لالتقاء الساكنين, فالألف والياءُ التي قبلها كسرة والواو التي قبلها ضمة, وذلك نحو: هو يغزو الرجل, ويرمي القومَ, ويلقي الفارسَ, وكذلك إن كانت واو جمع أو ياء نحو: مسلمو القوم ومسلمي الرجل, فإن كان قبل الواو التي للجمع فتحة لم يجز أن يحذف؛ لأنها لا تكون كذا إلا وقبلها حرف قد حذف لالتقاء الساكنين, وهي مع ذلك لو حذفت لالتبست بالواحد, وذلك قولك: هم مصطفو القوم واخشوا الرجلَ, والفتح مع ذلك أخف من الضم, وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في الوقف والابتداء ونجعله يتلو ما ذكرنا, ثم نتبعه الهمزَ للحاجة إليه إن شاء الله.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 105. 2 "ما" ساقطة من "ب".

باب ذكر الابتداء

باب ذكر الابتداء: كل كلمة يبتدأ بها من اسم1 وفعل وحرف، فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ, فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يغير إلا أن يكون ألف وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب, أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف2 الهمزة ويلقي الحركة على الساكن, وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة, فأما ما يتغير ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله.

_ 1 في "ب" أو. 2 في الأصل "يخفف" والتصحيح من "ب".

ألف الوصل

ألف الوصل: ألف الوصل همزة زائدة يوصل بها إلى الساكن في الفعل والاسم والحرف إذ كان لا يكون أن يبتدأ بساكن, وبابها أن تكون في الأفعال غير المضارعة، ثم المصادر الجارية على تلك الأفعال، وقد جاءت في أسماء قليلة غير مصادر ودخلت على حرف من الحروف التي جاءت لمعنى, ونحن نفصلها بعضها من بعض إن شاء الله. أما كونها في الأفعال غير المضارعة1 فنحو قولك مبتدئًا: اضربْ, اقتلْ2، اسمعْ, اذهب، كان الأصل: تذهبُ، تضربُ،

_ 1 انظر الكتاب 2/ 271. 2 في "ب" أقبل.

وتقتلُ، وتسمعُ، فلما أزلت حرف المضارعة وهو "التاءُ" بقي ما بعد الحرف ساكنًا فجئت بألف الوصل لتصل إلى الساكن وأصل كل حرف السكون, فكان أصل هذه الهمزة أيضًا السكون فحركتها لالتقاء الساكنين بالكسر, فإن كان الثالث في الفعل مضمومًا ضممتها, وتكون هذه الألف في "انفعلت" نحو: انطلقت, وافعللت نحو: احمررتُ, وافتعلتُ نحو: احتبستُ, وتكون في استفعلتُ نحو: استخرجتُ, وافعللتُ نحو: اقعنسستُ, وافعاللتُ نحو: اشهاببتُ, وافعولتُ نحو: اجلوذتُ, وافعوعلتُ نحو: اغدودنتُ, وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلتُ, نحو: احرنجمت واقشعررتُ, فألف الوصل في الفعل في الابتداء مكسورة أبدًا إلا أن يكون الثالث مضمومًا فتضمها نحو قولك: اقتل, استضعف, احتقر, احرنجم, والمصادر الجارية على هذه الأفعال كلها1 وأوائلها ألفاتُ الوصل مثلها في الفعل, ولا تكون إلا مكسورة تقول: انطلقتُ انطلاقًا واحمررتُ احمرارًا واحتبستُ احتباسًا واستخرجت2 استخراجًا واقعنسستُ اقعنساسًا واشتهاببتُ اشتهبابًا واجلوذتُ اجلواذًا واغدودنتُ اغديدانًا, وأما الأسماء التي تدخل عليها ألف الوصل سوى المصادر الجارية على أفعالها وهي أسماء قليلة, فهي: ابن وابنة واثنانِ واثنتانِ وامرؤٌ وامرأَة وابنم واسم واستٌ, فجميع هذه الألفات مكسورة في الابتداء3، ولا يلتفت إلى ضم الثالث, تقول مبتدئًا: ابنم وامرءٌ؛ لأنها ليست ضمة تثبت في هذا البناء على حال كما كانت في الفعل, وأما الحرف4 الذي تدخل عليه5 ألف الوصل، فاللام التي يعرف بها الأسماء, نحو: القوم والخليل والرجل والناس وما

_ 1 كلها، ساقطة في "ب". 2 في "ب" استخرجت قبل احتبست. 3 انظر الكتاب 2/ 273. 4 في "ب" الحروف. 5 عليه، ساقط في "ب".

أشبه ذلك, إلا أن هذه الألف مفتوحة وهي تسقط في كل موضع تسقط فيه ألف الوصل إلا مع ألف الاستفهام, فإنهم يقولون: أَالرجل عندك؟ فيمدون كيلا يلتبس الخبر بالاستفهام, وقد شبهوا بهذه الألف التي في "ايم وايمن" في القسم ففتحوها لما كان اسمًا مضارعًا للحروف, وأما ما يتغير إذا وصل بما قبله ولا يحذف فالهاء من "هو" إذا كان قبلها واو أو فاء نحو قولهم: فهو قالَ ذاكَ وهي أُمكَ, وكذلك لامُ [الأمر] 1 في قولك: لتضربْ زيدًا, إذا كان قبلها واو [وصلت] 2 فقلت: ولتضربْ, والعرب تختلف في ذلك, فمنهم من يدع الهاء في "هو" على حالها ولا يسكن, وكذلك هي, ومن ترك الهاء على حالها في "هي" و"هو" ترك الكسرة في اللام على حالها, فقال في قوله: فلينظرْ "فلينظر"3 فإن كان قبل ألف الوصل ساكن حذفت ألف الوصل وحركت ما قبل الساكن لالتقاء الساكنين, وإن كان مما يحذف لالتقاء الساكنين حذفته, فأما الذي يحرك لالتقاء الساكنين من هذا الباب فإنه يجيء على ثلاثة أضرب, يحرك بالكسر والضم والفتح؛ فالمكسور نحو قولك: "اضرب ابنَكَ واذهبِ اذهبْ" و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 4، اللَّهُ} 5، وإن الله6، وعنِ الرجلِ, وقَطِ الرجل، وأما الضم فنحو قوله: "قُلْ اُنُّظُرُوْا} 7, وقالتُ اُخرج"8 {وَعَذَابٍ، ارْكُضْ} 9 ومِنهُ10 {أَوِ انْقُصْ} 11، إنما فعل هذا

_ 1 زيادة من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 فلينظر، ساقط من "ب". 4 الإخلاص: 1. والشاهد في الآية كسر التنوين في أحدن الله. 5 قال سيبويه 2/ 275: لأن التنوين ساكن وقع بعد حرف ساكن، فصار بمنزلة باء أضرب ونحو ذلك. 6 انظر: الكتاب 2/ 275. 7 يونس: 101، ضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء. وقد قرأ حفص بكسر اللام من "قل" على أصل التقاء الساكنين، انظر الكتاب 2/ 275. 8 يوسف: 31، والآية: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} ، وقراءة حفص بكسر التاء على أصل التقاء الساكنين. 9 سورة ص: 41 والآية: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ {وَعَذَابٍ، ارْكُضْ} . 10 أضفت "ومنه" لأن المعنى يقتضيها. 11 المزمل: 3، والآية: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} .

من أجل1 الضم الذي بعد الساكن، ومنهم من يقول: قلِ انظرا ويكسر جميع ما ضم غيره, ومن2 ذلك الواو التي هي علامة الإِضمار يُضمُّ إذا كان ما قبلها مفتوحًا نحو: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} 3 قال الخليل4: لفصلَ بينها وبين واو "لَو" وأو التي من نفس الحرف وقد كسر قوم5، وقال قوم: لو استطعنا، والياء التي هي علامة الإِضمار وقبلها مفتوح تكسر لا غير, نحو: اخشي الرجل يا هذهِ, وواو الجميع وياؤه مثل الضمير تقول: مصطفو الله في الرفع ومصطفى الله في النصب والجر, وأما الفتح فجاء في حرفين {الم, اللَّهُ} 6 فرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء, والآخر: مِنَ الله ومِنَ الرسولِ لما كثرت7, وناس من العرب يقولون: "مِنِ الله"8 واختلفت العرب في "مِنْ" إذا كان بعدها ألف وصل غير الألف

_ 1 أجل، ساقط في "ب". 2 في "ب" إلا أن الواو التي هي علامة الإضمار, والمعنى واحد. 3 البقرة: 237، وانظر الكتاب 2/ 276، والجدير بالذكر: أن همز هذه الواو هو لغة قيس عامة وغني خاصة، كما قال ابن جني في المحتسب 1/ 20، وقد وردت قراءات شاهدة على هذه اللغة في قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} ، وفي قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ} [البقرة: 16] ، وذلك لانضمام الواو. 4 انظر الكتاب 2/ 276، قال سيبويه: وزعم الخليل أنهم جعلوا حركة منها ليفصل بينها وبين الواو التي من نفس الحرف، نحو: واو لو وأو. 5 ضموا واو "لو" شبهوها بواو اخشوا الرجل حيث كانت ساكنة مفتوحًا ما قبلها وهي في القلة بمنزلة: ولا تنسوا الفضل بينكم فيمن كسر الواو في "لا تنسوا". 6 آل عمران: 1. 7 انظر الكتاب 2/ 275، والجملة ناقصة هنا، قال سيبويه: لما كثرت في كلامهم ولم تكن فعلًا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا، وشبهوها بأين وكيف. 8 أي: يكسرونه ويجرونه على القياس لالتقاء الساكنين.

واللام, فكسره قوم ولم يكسره قوم1، ولم يكسروا في الألف واللام لكثرتها معها إذ كانت الألف واللام كثيرة في الكلام, وذلك: "مِن ابنِك" "ومِنِ امرئ" وقد فتح قوم فصحاء فقالوا: "مِنَ ابنكَ" وأما ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها حرف ساكن فثلاثة أحرف, الألف والياء التي قبلها حرف مكسور2، والواو التي قبلها حرف مضموم؛ فالألف نحو: رمى الرجل3، وحُبلى الرجل ومعزى القوم ورَمَتْ, دخلت التاء وهي ساكنة على ألف "رَمَى" فسقطت وقالوا: رَمَيا وغَزَوا؛ لئلا4 يلتبس بالواحد وقالوا: حبليان وذفريانِ5، لئلا يلتبس بما فيه ألف تأنيث, والياء مثل: يقضي القوم ويرمي الناس, والواو نحو: يغزو القوم, ومن ذلك: لم يبعْ ولم يقُلْ ولم يَخفْ, فإذا قلت: لم يخفِ الرجلُ ولم يبعِ الرجلُ ورمت المرأة, لم ترد الساكنَ الساقط وكان الأصل في "يبع" "يبيعُ" وفي "يخف" يخاف وفي "يَقلْ" يقول, فلم نرد لأنها حركة جاءت لالتقاء الساكنين غير لازمة, وقولهم: "رَمَتا" إنما حركوا للساكن الذي بعده, ولا يلزم هذا في "لم يخافاَ" و"لم يبيعَا" لأن الفاء غير مجزومة وإنما حذفت النون للجزم, ولم تلحق الألف شيئًا6 حقه السكون.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 275. 2 في "ب" قبلها كسرة. 3 انظر الكتاب 2/ 276. 4 في الأصل لأن لا. 5 في "ب" مغزيان, والذفري: العظم الشاخص خلف الأذن. 6 زيادة من "ب".

ذكر الوقف على الاسم والفعل والحرف

ذكر الوقف على الاسم والفعل والحرف: أما الأسماء فتنقسم في ذلك على أربعة أقسام: اسمٍ ظاهرٍ سالمٍ وظاهر معتل ومضمر مكني ومبهم مبنيّ. الأول: الأسماء الظاهرة السالمة نحو: "هذا خالدٌ، وهذا حَجر،

ومررت بخالد وحجرٍ" فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه: إسكان مجرد وإشمام وروم التحريك والتضعيف, وجعل سيبويه لكل شيءٍ من ذلك علامة في الخط1, فالإِشمام نقطة علامة2, وعلامة الإِسكان وروم الحركة خط بين يدي الحرف وللتضعيف الشين3، فالإِشمام لا يكون إلاّ في المرفوع خاصة؛ لأنك تقدر أن تضع لسانك في أي موضع شئت ثم تضم شفتيكَ, وإشمامُك للرفع4 إنما هو للرؤية وليس بصوت يسمع, فإذا قلت: "هذا مَعْنٌ" فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشم وإنما هو أن تضم شفتيكَ بغير تصويت, ورومُ الحركة صوت ضعيف ناقص, فكأنك تروم ذاك ولا تتممهُ, وأما التضعيف فقولك: هذا خالدٌ, وهو يجعل, وهذا فَرِحٌ, ومن ثم قالت العرب5 في الشعر في القوافي: "سبسبا, تريد: السبسب, وعَيهَل تريد: العَيهل" وإنما فعلوا ذلك ضرورة وحقه الوقف إذا شدد وإذا وصل رده إلى التخفيف فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرف ساكنًا لم يضعفوا نحو "عمرٍو"6 فإذا نصبت فكل اسم منون تلحقهُ الألف في النصب في الوقف فتقول: "رأيتُ زيدًا وخالدًا" فرقوا بين النون والتنوين ولا يفعل ذلك في غير النصب، وأزد السراة7 يقولون:

_ 1 انظر الكتاب 2/ 582. قال سيبويه: ولهذه علامات، فللإشمام نقطة, والذي أجرى مجرى الجزم والإسكان الخاء، ولزوم الحركة خط بين يدي الحرف, وللتضعيف الشين. 2 علامة، ساقطة من "ب". 3 لم يذكر ابن السراج الذي أجرى مجرى الجزم والإسكان, والذي جعل له سيبويه علامة هي "خ". 4 في "ب" الرفع. 5 العرب، ساقط في "ب". 6 لأن الذي قبله لا يكون ما بعده ساكنًا؛ لأنه ساكن، وانظر الكتاب 2/ 382. 7 قال سيبويه 2/ 281: "وزعم أبو الخطاب: أن أزد السراة يقولون: هذا زيدو وهذا عمرو، ومررت بزيدي وبعمري، جعلوه قياسًا واحدًا فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف".

هذا زيدوْ وهذا عَمرُوْ وبكرُوْ, ومررت بزيدي؛ يجعلون الخفض والرفع مثل النصب، والذين يرومون الحركة يرومونها في الجر [والنصب] 1 والذين يضاعفون يفعلون ذلك أيضًا في الجر والنصب إذا كان مما لا ينون2، فيقولون: مررت بخالد ورأيت أحمر. وقال سيبويه: وحدثني من أَثقُ به أنه سمع أعرابيا يقول3: أبيضه، يريد: أبيض وألحق4 الهاء مبنيا للحركة, فأما5 المنون في النصب فتبدل الألف من التنوين بغير تضعيف، وبعضُ العرب يقول في "بكرٍ": هذا بكرو من بكرٍ, فيحرك العين بالحركة التي هي اللام في الوصل ولم يقولوا: رأيتُ البكرَ؛ لأنه في موضع التنوين, وقالوا: هذا عِدِل وفِعِل فأتبعوها الكسرة الأولى؛ لأنه ليس من كلامهم فِعلٌ7، وقالوا في اليسر فأتبعوها الكسرة الأولى؛ لأنه ليس في الأسماء فُعِل وهم الذين يقولون في الصلة: اليُسْر فيخففون, وقالوا: "رأيتُ العِكِمَ"8 ولا يكون هذا في "زيدٍ وعَوْنٍ" ونحوهما لأنهما حَرفا مَدٍّ, فإن كان اسمٌ آخره هاء9 التأنيث نحو: "طلحة وتمرةٍ وسفرجلةٍ" وقفت عليها بالهاء في الرفع والنصب والجر وتصير تاء في الوصل, فإذا ثنيت الأسماء الظاهرة وجمعتها قلت: زيدانِ ومسلمانِ, وزيدونَ ومسلمونَ, تقف على النون في جميع ذلك, ومن العرب

_ 1 زيادة من "ب". 2 لا، ساقط من "ب". 3 انظر الكتاب 2/ 283 ألحق الهاء في أبيضه, كما ألحقها في "هنه" وهو يريد: هن. 4 في "ب" فألحق. 5 في "ب" وأما. 6 انظر الكتاب 2/ 283. 7 قال سيبويه 2/ 284: وقالوا: هذا عدل وفعل، فأتبعوها الكسرة الأولى ولم يفعلوا ما فعلوا بالأول؛ لأنه ليس من كلامهم "فعل" فشبهوها "بمنتن" أتبعوها الأول. 8 لم يفتحوا كاف "العكم" كما لم يفتحوا كاف "البكر" وجعلوا الضمة إذا كانت قبلها بمنزلتها إذا كانت، وهو قولك: رأيت الحجر. انظر الكتاب 2/ 284. 9 هاء، ساقط من "ب".

من يقول: ضَاربانِهْ، ومسلمونَهْ، فيزيد هاء يبين1 بها الحركة، ويقف عليها, والأجود ما بدأت به, وإذا جمعت المؤنث بالألف والتاء نحو تمراتٍ ومسلماتٍ فالوقف على التاء2، وكذلك الوصل لا فرق بينهما، فإذا استفهمت منكرًا, فمن العرب من [يقول] 3 إذا قلت: رأيت زيدًا قال: أزيدنيه, وإن كان مرفوعًا أو مجرورًا فهذا حكمه [في إلحاق الزيادة فيه, فأما آخر الكلام فعلى ما شرحتُ لكَ من الإِعراب] 4 فإذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لالتقاء الساكنين، وإن كان مضمومًا جعلته واوًا، وإن كان مكسورًا جعلته ياءً, وإن كان مفتوحًا جعلته ألفًا, فإن قال: "لقيتُ زيدًا وعمرًا" قلت: أَزيدًا وعمرنَيْهِ, وإذا5 قال: "ضربتُ عُمَر" قلت: أَعمراهُ, وإن قال: "ضربتُ زيدًا الطويلَ" قلت: الطويلاه, فإن قال: "أَزيدًا يا فتى؟ " تركت العلامة لما وصلت, ومن العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الاسم "إنْ" فتقول: أعمرَانِيه. القسم الثاني: وهو الظاهر المعتل: المعتل من الأسماء على ثلاثة أضرب: ما كان آخره ياءً قبلها كسرة أو همزة أو ألف مقصورة, فأما ما لامه ياءٌ فنحو: "هذا قاضٍ وهذا غازٍ وهذا العَمِ" يريد: القاضيَ والغازيَ والعَمِيَ, أسقطوها في الوقف؛ لأنها تسقط في الوصل من أجل التنوين. قال سيبويه6: وحدثنا7 أبو

_ 1 في "ب" لبيان. 2 التاء، ساقط من "ب". 3 أضفت كلمة يقول؛ لأن المعنى يحتاجها. 4 زيادة من "ب". 5 في "ب" فإذا. 6 انظر الكتاب 2/ 288. 7 في "ب" وحكى.

الخطاب1 أنَّ بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول: "هذا رامي وغازي وعَمِي" يعني في الوقف والحذف فيما فيه تنوين أجود, فإن لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف, وذلك قولك: هذا القاضِي والعاصِي, وهذا العَمِي لأنها ثابتة في الوصل, ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام, كأنهم أدخلوا الألف واللام بعد أن وجب الحذف فيقولون: "هذا القاض والعاص" هذا في الرفع والخفضِ, فأما النصب فليس فيه إلا البيان؛ لأنها ثابتة في الوصل, تقول: رأيتُ قاضيًا ورأيتُ القاضي2، وقال الله3 عز وجل: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} 4 وتقول: رأيت جواريَ, وهُنَّ جوارٍ يا فَتى في الوصل, ومررتُ بجوارٍ, فالياء كياء "قاضي" والياء الزائدة ههنا كالأصلية نحو ياءِ ثَمانٍ ورباع إذا كان يلحقها التنوين في الوصل. قال سيبويه5: وسألت الخليلَ عن "القاضي" في النداء, فقال: "اختر يا قاضي" لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي6 فأما يونس فقال: "يا قاض"7 بغير ياء, وقالا في "مُر" وهو اسم من أرى: هذا مُرِي بياء في الوقف كرهوا أن يخلو بالحرف فيجمعوا عليه -لو قالوا:

_ 1 أبو الخطاب وهو المعروف بالأخفش الكبير، واسمه عبد الحميد بن عبد المجيد، والأخافش الثلاثة المشهورون من النحاة, وهم: أبو الخطاب وسعيدة بن مسعدة وعلي بن سليمان, أخذ النحو عن أبي عمرو بن العلاء, مات ولم تعرف سنة وفاته. ترجمته في أخبار النحويين 37, ومراتب النحويين 23, وطبقات الزبيدي 35, وإنباه الرواة 2/ 157. 2 لأنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتلّ. 3 في "ب" تبارك وتعالى. 4 القيامة: 26. 5 انظر الكتاب 2/ 289. 6 انظر الكتاب 2/ 289. 7 قال سيبويه 2/ 289: "وقول يونس أقوى؛ لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء أجدر، لأن النداء موضع حذف، يحذفون التنوين ويقولون: يا حار، ويا صاح، ويا غلام أقبل".

مُر-1 ذهاب الهمزة والياء وذلك أن أصله: مُرئِي مثل: مُرْعِي, فإن كان الاسم آخره ياء قبلها حرف ساكن أو واو قبلها ساكن فحكمه حكم الصحيح نحو "ظَبيٍ وكرسيٍّ" وناس من بني سعد يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف؛ لأنها خفيفة فيقولون: هذا تميمج, يريدون "تميمي" وهذا عَلِجّ يريدون "عَلي" وعربَانج يريدون "عرباني" والبرنج2 يريدون "البِرَني" وجميع ما لا يحذف في الكلام وما لا3 يختار فيه أن لا يحذف يحذفُ في الفواصل والقوافي، فالفواصل4 قول الله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 5, و {ذَلِكَ ... نَبْغِ} 6, {يَوْمَ التَّنَادِ} 7 {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} 8. الضرب الثاني: وهو ما كان آخره همزة: ما كان في الأسماء في آخره همزة وقبل الهمزة ألف فحكمهُ حكم الصحيح وإعرابُه كإعرابِه, تقول: هذا كساءٌ ومررتُ بكساء, وهو9 مثل حُمارٍ في الوصل والوقف, فإن كانت الهمزة ألف قبلَها وقبلها ساكن فحكمها [حكم الصحيح وحكمها] 10 أن تكون كغيرها من الحروف كالعين, وذلك

_ 1 يريد "مفعل" من "رأيت". 2 يشير إلى قول الشاعر: وبالغداة فلق البرنج.. يريد: البرني، انظر الكتاب: 2/ 288. 3 سيبويه، ساقط من "ب". 4 في "ب" والفواصل. 5 الفجر: 4. 6 الكهف: 64، والآية: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا} . 7 غافر: 32، والآية: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} . 8 الرعد: 9، والآية: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} . 9 وهو، ساقط من "ب". 10 زيادة من "ب".

قولك: الخَبءُ حكمهُ حكم الفرع في الإِسكان, وروم الحركة والإِشمام, فتقول: هو الخَبْء, ساكن, والخَبء بروم الحركة, والخَبَءْ تشم, وناس من العرب كثير يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة الحركة1، ومنهم تميم وأسد، يقولون2: "هو الوثُوء" فيضمون الثاء بالضمة التي كانت في الهمزة في الوصل وفي الوثيء ورأيت الوثأ3 وهو البطء, ومن البطيء, ورأيت البطأ, وهو الردؤ, وتقديرها: الردعُ ومن الرديء ورأيتُ الردأ4، وناس من بني5 تميم يقولون: هو الردِيء كرهوا الضمة بعد الكسرة6، وقالوا: رأيتُ الردِيء سووا بين الرفع والنصب, وقالوا: من البُطء؛ لأنه ليس في الكلام "فُعِلٌ" ومن العرب من يقول: هو الوَثُو، فيجعلها واوًا7 من الوثُيْ ورأيتُ الوثَاءَ ومنهم من يسكن الثاء في الرفع والجر ويفتحها في النصب, وإذا كان ما قبل الهمزة متحركًا لزم الهمزة ما يلزم النَّطع من الإِشمام والسكون وروم الحركة8، وكذلك يلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها، وذلك قولك: هو الخَطأ، والخَطأ تشم والخَطأ ترومُ، قال سيبويه: ولم نسمعهم ضاعفوا؛ لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الكلمة, ومن العرب من يقول: هو الكَلَو حرصًا على البيان, ويقول: من الكَلَى ورأيت الكلاء9, وهذا وقف الذين يحققون الهمزة فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فيقولون: الكَلاَ, وأكمُو, وأهنى10، يبدل من الهمزة حرفًا من

_ 1 يعني حركة الهمزة. 2 في "ب" فيقولون. 3 الوثوء، والوثيء: البطء، انظر الكتاب 2/ 286. 4 الردأ يعني به: الصاحب. 5 بني، ساقط من "ب". 6 لأنه ليس في الكلام "فعل" فتنكبوا هذا اللفظ؛ لاستنكار هذا في كلامهم. 7 حرصًا على البيان، ويقول: من الوثي فيجعلها ياء، انظر الكتاب 2/ 286. 8 انظر الكتاب 2/ 286. 9 انظر الكتاب 2/ 286. 10 تقديرها: أهنع.

جنس الحركة التي قبلها, وإذا كانت الهمزة قبلها ساكن فالحذف عندهم لازم ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف من أصناف الوقف. الضرب الثالث منه: وهو ما كان في آخره ألف مقصورة: حقُّ هذا الاسم أن تقف عليه في الرفع والنصب والجر بغير تنوين, وإن كان منصرفًا فتقول: هذا قَفَا ورأيت قَفا ومررت بقفا, إلا أن هذه الألف التي وقفت عليها يجب أن تكون عوضًا من التنوين في النصب, وسقطت الألف التي هي لام لالتقاء الساكنين, كما تسقط مع التنوين في الوصل, هذا إذا كان الاسم مما ينون مثلهُ, وبعض العرب يقول في الوقف: هذا أَفْعَى, وحُبْلَى1، وفي مُثنّى مُثَنًّى2، فإذا وصل صيرها ألفًا وكذلك كل ألف في آخر3 اسم وزعموا أن بعض طَيء يقول: "أَفْعَو"4 لأنها أبين من الياء, وحكى الخليل عن بعضهم: هذه حُبْلأ, مهموز مثل حُبْلَع, ورأيت رَجُلًا مثل رَجُلَع, فهمزوا في الوقف فإذا وصلوا تركوا ذلك5. القسم الثالث: وهي الأسماء المكنية: من ذلك: "أَنا" الوقف بألف, فإذا وصلت قلت: أَنَ فعلت ذاك, بغير ألف, ومن العرب من يقول في الوقف: هذا غُلام, يريد: هذا غُلامي،

_ 1 أي: يقول في أفعى وحبلى. 2 ومثنى ساقط من "ب". 3 في سيبويه 2/ 287 "حدثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغة لفزارة وناس من قيس وهي قليلة، أما الأكثر الأعرف فإن تدع الألف في الوقف على حالها ولا تبدلها ياء, وإذا وصلت استوت اللغتان. 4 يشير إلى أفعى، قال سيبويه 2/ 287: "وأما طيء فزعموا أنهم يدعونها في الوصل على حالها في الوقف لأنها خفية لا تحرك، قريبة من الهمزة، حدثنا بذلك أبو الخطاب وغيره من العرب.. زعموا أن بعض طيء يقول: "أفعو" لأنها أبين من الياء". 5 انظر الكتاب 2/ 285.

شبهها1 بياء قاضٍ، وقد أسقَان وأَسْقِن يريد: أسقاني وأسقني لأن "في" اسم. وقد قرأ أبو عمرو فيقول: {رَبِّي أَكْرَمَنِ} 2، و {رَبِّي أَهَانَنِ} 3 على الوقف، وترك4 الحذف أقيس, فأما: هذا قاضِيَّ وهذا غلاميَّ ورأيتُ غلاميَّ فليس أحد يحذف هذا, ومن قال: غلاميَّ فاعلم, وإني ذاهبٌ لم يحذف في الوقف لأنها كياء القاضي في النصب, ومن ذلك قولهم: "ضربَهُو زيد وعليهُو مالٌ, ولديهو رجلٌ, وضربَها زيد" وعليها مالٌ فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء والواو في الوصل أحسن5 وأكثر، وذلك قولك: عليه يا فتى ولديه فلان ورأيتُ أباهُ قَبلُ, وهذا أبوه كما ترى وأحسنُ القراءتين: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} 6 {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ} 7، {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} 8، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} 9. والإِتمام عربي ولا يحذف الألف في المؤنث فيلتبس المذكر والمؤنث فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل وجميع هذا الذي يثبت في الوصل من الواو والياء يحذف في الوقف إلا الألف في "هَا" وكذلك إذا كان قبل الهاء حرف ساكن وذلك قول بعضهم: منهُ يا فتى وأصابتهُ جائحةٌ والإِتمام أجودُ, فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركًا فالإِثبات ليس إلا كما تثبت الألف في التأنيث, وهاتان, والواو والياء تلحقان الهاء التي هي كناية تسقطان في

_ 1 في "ب" تشبيها. 2 الفجر: 15، انظر البحر المحيط. 3 الفجر: 16. 4 في "ب" وتركوا. 5 لأن الياء من مخرج الألف، والألف تشبه الياء والواو تشبيهًا في المد وهي أختهما، فلما اجتمعت حروف متشابهة حذفوا، وهو أحسن وأكثر، وذلك قولك: عليه يا فتى، وانظر الكتاب 2/ 291. 6 الإسراء: 106. 7 الأعراف: 176. 8 يوسف: 20. 9 الحاقة: 30.

الوقف، هذا في المكني المتصل, فأما إن كانت الكناية منفصلة نحو: هُو وهي وهما وهنَّ, فإن جميع ذا لا يحذف منه في الوقف شيءٌ, ومن العرب من يقول: هُنَّهْ وضَرَبتنّهْ وذَهَبتنَّهْ وغُلاميهْ ومن بَعْدِيَهْ وضَربنهْ, فأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء, وَهِيَهْ يريدون "هي" وهوَهْ يريدون "هُوَ" يا هذا, وخُذه بحكمكهْ, وكثير من العرب لا يلحقون الهاء في الوقف فإذا قلت: عليكمو1 مال، وأنتُمو ذاهبونَ2، ولديهمي مال، فمنهم من يثبت الياء والواو في الوصل ومنهم من يسقطهما في الوصل3 ويسكن الميم، والجميع إذا وقفوا وقَفوا على الميم ولو حركوا الميم كما حركوا الهاء في "عليه مال" لاجتمع أربعة متحركات نحو: "رُسُلكمو"4، وهم يكرهون الجمع بين أربعة متحركات، وهذه الميمات من أسكنها في الوصل لا يكسرها إذا كان بعدها ألف وصل ولكن يضمها؛ لأنها في الوصل متحركة بعدها5 واو كما أنها في الاثنين متحركة بعدها ألف نحو: غُلامكُما، وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافًا وذلك قولك: كنتُمُ اليومَ وفعلتُمُ الخير وتقول: مررتُ بهي قَبلُ, ولديهي مال، ومررت بدارهي, وأهل الحجاز يقولون: مررتُ بِهُو قَبلُ, ولديهو مال6 ويقرءون: "فخسفنا بهو" وبدارهُو الأرض7، وجميع هذا الوقف فيه على الهاء ويقول: بهمي دَاءٌ وعليهمي مالٌ ومن قال: "بدارِهُو الأرض" قال: عليهمو مال وبهمو داءٌ والوقف على الميم.

_ 1 في الأصل "عليكموا". 2 في الأصل "وأنتم". 3 الوصل، ساقط من "ب". 4 في الأصل "رسلكم" وهو يشير إلى الآية الكريمة: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غافر: 50] ، وانظر الكتاب: 2/ 292. 5 في "ب" وبعدها. 6 مال، ساقط من "ب". 7 القصص: 81، وانظر الكتاب 1/ 293-294، والمقتضب 1/ 37.

الرابع: المبهم المبني: تقول في الوصل: علامَ تقولُ كَذا وكَذا؟ 1، وفيمَ صنعتَ؟ ولِمَ فعلتَ؟ وحتامَ؟ وكان الأصل: على "مَا" وفي ما ولِما صنعت, فالأصل "مَا" إلا أن الألف تحذف مع هذه الأحرف إذا كان "ما"2 استفهامًا, فإذا وقفت فلك أن تقول: فيمَ وبِمَ ولِمَ وحتامَ, ولك أن تأتي بالهاء فتقول: لِمَه وعلامَه وحتامَه وبِمَهْ, وإثبات الهاء أجود في هذه الحروف؛ لأنك حذفت الألف من "ما" فيعوضون منها في الوقف الهاء ويبينون الحركة, وأما قولهم: مجيءُ مَ جِئتَ؟ ومثلُ مَ أنتَ؟ فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء لأن "مجيء ومثل" يستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان, ويقولون: مثلَ ما أنتَ, ومجيءُ ما جئتَ, وأما حَيهلَ إذا وصلت فقلت: حَيهلَ بِعُمَر, وإذا وقفت فإن شئت قلت: حَيهلْ وإن شئت قلت: حَيهلا تقف على الألف كما وقفت في "أنَا" وتقول: هذي أمةُ الله, فإذا وقفت قلت: "هَذِهْ" فتكون الهاء عوضًا عن الياء, وقد مضى ذكر ذا, وقد تلحق الهاء بعد الألف في الوقف؛ لأن3 الألف خفية وذلك قولهم: هؤلاءِ وههُناهُ, والأجود أن تقف بغير هاءٍ4، ومن قال: هؤلاء وههُناه لم يقل في "أَفعى وأَعمى" ونحوهما من الأسماء المتمكنة كيلا يلتبس بهاء الإِضافة؛ لأنه لو قال: أَعماه وأَفعاه لتوهمتَ الإِضافة إلى ضمير. واعلم: أنهم لا يتبعون الهاء ساكنًا سوى هذا الحرف5 الذي يمتد به الصوت؛ لأنه خفي, وناس من العرب كثير لا يلحقون الهاء6.

_ 1 وكذا، ساقط من "ب". 2 ما، ساقط من "ب". 3 في الأصل: إلا أن، والتصحيح من "ب". 4 ما، ساقط من "ب". 5 أي: الألف؛ لأنه خفي فأرادوا البيان كما أرادوا أن يحركوا. 6 انظر الكتاب 2/ 281.

الوقف على الفعل

الوقف على الفعل: الفِعْلُ ينقسم إلى قسمين: سالم ومعتلّ, فأما السالم فما لم تكن لامه ألفًا ولا ياءً ولا واوًا, والمعتل ما كان لامهُ ألفًا أو ياءً أو واوًا. الأول: الفعل السالم والوقفُ عليه كما تقف على الاسم السالم في الرفع في جميع المذاهب غير مخالف له إلا في الاسم المنصوب المنصرف الذي تعوض فيه الألف من التنوين فيه فتعوض منه, تقول: لن نضرب أما1 المجزوم فقد استغني فيه عن الإِشمام والروم وغيره؛ لأنه ساكن وكذلك فعلُ الأمر, تقول: لم يضربْ ولَم يقتلْ, واضربْ واقتلْ, وإذا وقفت على النون الخفيفة في الفعل كان بمنزلة التنوين في الاسم المنصوب فتقول: اضربا, ومنهم من إذا ألحق النون الشديدة قال في الوقف: اضربنَّهْ وافعَلنَّهْ, ومنهم من لا يلحق الهاء, وقد ذكرنا باب النونين الخفيفة والشديدة. الثاني: الفعل المعتل: نحو: يرمي ويغزو وأخشى ويقضي ويرضى, وجميع هذا يوقف عليه بالواو والياء والألف, ولا يحذف منه في الوقف شيء2؛ لأنه ليس مما يلحقه التنوين في الوصل فيحذف, فأما المعتل إذا جزم أو وقف للأمر ففيه لغتان: من العرب من يقول: ارْمِهْ ولَم يَغْزه واخشَهْ ولم يقضِهْ ولم يَرضَهْ3، ومنهم من يقول: ارمِ واغزُ واخشَ, فيقف بغير هاء. قال سيبويه: حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس, وهذه اللغة أقل اللغتين4، فأما: لا تقهِ من وقيتُ, وإن تَعِ أَعِهْ من "وعَيتُ" فإنه

_ 1 في "ب" فأما. 2 شيء، ساقط من "ب". 3 قال سيبويه 2/ 278: لأنهم كرهوا ذهاب اللامات والإسكان جميعًا، فلما كان ذلك إخلالًا بالحرف كرهوا أن يسكنوا المتحرك، فهذا تبيان أنه قد حذف من آخرها هذه الحروف. 4 انظر الكتاب 2/ 278.

يلزمها الهاء في الوقف من تركها في "اخشَ"1 وقد قالوا: لا أَدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم وهو شاذ كما قالوا: "لم يَكُ" شبهت النون بالياء حيث سكنت, ولا يقولون: لَم يكُ الرجلُ؛ لأنها في موضع تحريك فيه, فلم يشبه بلا أدرِ ولا تحذف الياء إلا في: أَدرِ وما أَدرِ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 278.

الوقف على الحرف

الوقف على الحرف: الحروف كلها لك أن تقف عليها على لفظها, فالصحيح فيها والمعتل سواء, وقد ألحق بعضهم الهاء في الوقف لبيان الحركة فقال: إنَّهْ, يريدون "أنَّ" ومعناها أَجَلْ, قال الشاعر: ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ... كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ: إنَّهُ1 ولَيتَهْ, ولعَلهْ كذاك2.

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 279 على تبين حركة النون بالهاء، وعلته أنها حركة بناء لا تتغير، فكرهوا تسكينها لأنها حركة مبني لازمة. وينسب هذا الشاهد إلى ابن الرقيات وهو موجود في ديوانه. وانظر: الأغاني 1/ 16, وابن يعيش 8/ 6, والمغني 1/ 37, والسمط 2/ 939, والجمهرة 1/ 22, والخزانة 4/ 485, والديوان 142, وشرح السيرافي 5/ 405, وأمالي ابن الشجري 1/ 322. 2 انظر الكتاب 2/ 287 في ليت ولعل.

باب الساكن الذي تحركه في الوقف

باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعدها المذكر الذي هو علامة الإِضمار: وذلكَ قولك في: "ضربتُهُ ضَربْتُهُ وأضرِبُه, وقَدهُ, ومِنه, وعَنه" قال سيبويه: سمعنا ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء1، وقال أبو النجم: فَقَرِّبَنْ هذا وهذا أَزْحِلُه ... 2 وسمعنا بعض بني تميم من بني عدي يقولون: قد ضَرَبتِهْ وأَخَذتِهْ حرك لسكون الهاء وخفائها, فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبينُ. الوقف على القوافي: العرب إذا ترنمت في الإِنشاد ألحقت3 الألف والياء والواو فيما ينون ولا ينون؛ لأنهم أرادوا مدَّ الصوت فإذا لم يترنموا فالوقف على ثلاثة أوجه: أما

_ 1 انظر الكتاب 2/ 287. 2 من شواهد سيبويه 2/ 287 على نقل حركة الهاء إلى اللام ليكون أبين لها في الوقف؛ لأن مجيئها ساكنة بعد ساكن أخفى لها. ومعنى: أزحله: أبعده، ومنه سمي زحل لبعده عن الأرض أكثر من غيره من النجوم. انظر: الكامل 325، والمفصل للزمخشري 339. 3 في "ب" ألحقوا.

أهل الحجاز، فيدعون هذه القوافي ما نونَ منها وما لم ينونْ على حالها في الترنم؛ ليفرقوا بينهُ وبين الكلام، فيقولون: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَىَ حَبِيبٍ ومنزلي1 وفي النصب: فَبِتْنَا نَحِيدُ الوَحْشَ عَنَّا كأنما ... قَتِيلانِ لَمْ يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مصْرَعَا2 وفي الرفع: هُرَيْرَةَ وَدعْهَا وإنْ لاَمَ لاَئِمُو ... 3

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 298 على وصل اللام في حال الكسر بالياء للترنم ومد الصوت. والشاعر قد أجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرونة ألسنتهم عليه. وقيل: يجوز أن يكون المراد: قف، قف، فإلحاق الألف أمارة دالة على أن المراد تكرير اللفظ. والشاهد صدر بيت لامرئ القيس، وعجزه: بسقط اللوى بين الدخول فحومل وانظر: المنصف 1/ 225, وشرح السيرافي 5/ 477, والحجة لأبي علي 1/ 54, وارتشاف الضرب 382, والمحتسب 2/ 49, والمغني 1/ 394, وشرح المعلقات السبع 3, والخزانة 4/ 397. 2 من شواهد سيبويه 2/ 298، على إثبات الألف في الوقف في حال النصب كما ثبت الياء في الجر والواو في الرفع للترنم. ويروى: فبتنا نصد الوحش عنا كأننا.... وصف الشاعر أنه خلا بمن يحب بحيث لا يطلع عليهما إلا الوحش. والبيت لزيد بن الطثرية، وقيل: لامرئ القيس ولم يوجد في ديوانه. وانظر: شرح السيرافي 5/ 476. 3 من شواهد الكتاب 2/ 298 على وصل القافية بالواو في حال الرفع. وهو صدر بيت للأعشى, وعجزه: غداة غد أم أنت للبين واجم يعاتب فيه يزيد بن مسهر الشيباني، وهريرة: مولاة حسن بن عمرو بن مرثد، وواجم: حزين. وانظر الكامل للمبرد 394، والحجة للفارسي 1/ 54, وشرح السيرافي 5/ 447, وشعراء النصرانية 371، والديوان 646.

هذا فيما ينون, فأما ما لا ينون في الكلام وقد فعلوا به كفعلهم بما ينون, فقول جرير في الرفع: مَتى كَانَ الخِيَامُ بِذِي طُلُوحٍ ... سُقِيتِ الغَيْثَ أيَّتُها الخِيَامُو1 وقال في الجر: أَيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيقَةٍ ... كَانَتْ مُبَارَكةً مِنَ الأَيامِي2 وفي النصب: أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ والعِتَابَا3 ... وقُولِي: إنْ أَصَبْت لَقَد أَصَابَا4 فهذا وجهٌ. الثاني: ناس كثيرون من بني تميم يُبدلون مكانَ المدةِ النونَ فيما ينونُ ولا ينونُ لمَّا لم يريدوا الترنم, يقولون:

_ 1 من شواهد سيبويه أيضًا 2/ 298 على وصل القافية بالواو مع الألف اللام. وذي طلوح: اسم موضع، وسمي بما فيه من الطلح وهو الشجر. وانظر: التصريف 1/ 224, والحماسة 617, وشرح السيرافي 1/ 201, والارتشاف 302, والجمهرة 2/ 171, والعمدة 2/ 38. 2 من شواهد الكتاب 2/ 299 على وصل القافية بالياء في الجر، وأيهات لغة في هيهات، وروي في الخصائص: هيهات منزلنا ... ونعف سويقة: موضع، وقوله: مباركة, أي: كانت تلك الأيام التي جمعتنا ومن نحب، فأضمرها ولم يجر لها ذكرًا لما جاء بعد ذلك من التفسير. والبيت لجرير، وانظر شرح السيرافي 5/ 477، والخصائص 3/ 43, وابن يعيش 3/ 67، والعيني 1/ 38. 3 من شواهد سيبويه 2/ 298، على إجراء المنصوب وفيه الألف واللام مجرى ما لا ألف فيه ولا لام؛ لأن المنون وغير المنون في القوافي سواء. والبيت لجرير أيضًا وهو مطلع قصيدة مشهورة يهجو فيها الراعي النميري. وانظر المقتضب 1/ 240, والخصائص 1/ 171، وشرح السيرافي 1/ 134, والمنصف 1/ 224, والنقائض 432, والحجة لأبي علي الفارسي 1/ 54, والديوان 64. 4 زيادة من "ب".

يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكنْ1 ... ويا صاحِ ما هاجَ الدموعَ الذُّرفنَّ2 ... وقال العجاجُ: مِنْ طَللٍ كالأَتْحَمِي أنهجن3 ... .............................. وكذلك الجر والرفع, والمكسور والمبني, والمفتوحُ المبني, والمضموم المبني في جميع هذا كالمجرور والمرفوع والمنصوب. الثالث: إجراء القوافي في مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعر، يقولون:

_ 1 من شواهد الكتاب 2/ 299 و1/ 388 على وصل القافية؛ لضرب من الترنم. قيل: هذا الشاهد لرؤبة، ونسبه سيبويه للعجاج، وهو موجود في زيادات ديوان رؤبة بن العجاج وقبله: تقول بنيتي: قد أني أناكا ... يا أبتا علك أو عساكا وانظر شرح السيرافي 5/ 477, والخصائص 2/ 96, وشروح سقط الزند 2/ 714, ارتشاف الضرب 350. 2 هذا الرجز من شواهد سيبويه 2/ 299، على وصل القافية بالنون لضرب من الترنم, والذرفن: جمع ذارف. والرجز للعجاج من أرجوزة طويلة منها: وقاتم الأعماق خاوي المخترفن وانظر السيرافي 1/ 207, والمحتسب 1/ 86, والجمهرة 2/ 236, والحجة 1/ 65, ومقاييس اللغة 2/ 172, وشروح سقط الزند 2/ 582, والديوان 104. 3 من شواهد الكتاب 2/ 299 على وصل القافية بالنون كالذي قبله, وهو عجز بيت وصدره: ما هاج أشجانًا وشجوًا قد شجن وشجن أصله: شجًا، فألحقه تنوين الترنم، وأنهجن رسم بالألف "أنهجا" والأتحمي: ضرب من البرود، وشبه الطلل به في اختلاف آثاره، ومعنى أنهجن: أخلق، وهذا الرجز من نفس الأرجوزة التي ذكرت في الشاهد الذي قبل هذا الشاهد. وانظر: شرح السيرافي 5/ 478, والخصائص 1/ 171, والديوان 7.

أقِلِّي اللَّومَ عَاذِلَ والعِتَاب1 وقال الأخطلُ: واسأَلْ بمصقَلة البَكْرِي ما فَعَلْ2 ... ويقولون: قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فَحَرِّكْ حَفْصَا3 يثبتون الألف التي هي بدل من التنوين في النصب, كما يفعلون في الكلام, والياءات والواوات اللواتي هُنَّ لاماتٌ, إذا كان ما قبلها حرف الروي فُعِلَ بها ما فُعِلَ بالواو والياء اللتين ألحقتا للمد في القوافي, فالأصل والزائد للإِطلاق والترنم سواءٌ في هذا, من أثبت الزائد أثبت الأصل, ومن لم يثبت الزائد لم يثبت الأصل, فمن ذلك إنشادهم لزهير: وبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفْر4 ...

_ 1 من تفسيره وهو الشاهد رقم 3 ص409. 2 من شواهد سيبويه 2/ 299 على حذف الألف من "فعلا" حيث لم يرد الترنم ومد الصوت. وهذا عجز بيت صدره: دع المضمر لا تسأل بمصرعه ... واسأل...................... والبيت للأخطل التغلبي من قصيدة يمدح فيها مصقلة بن هبيرة أحد بني ثعلبة بن شيبان. وانظر أدب الكتاب 507, وشرح السيرافي 5/ 478, والاقتضاب 434. 3 من شواهد الكتاب 2/ 300 على إثبات الألف في قوله "حفصا" لأنه منون ولا تحذف ألفه هنا في الوقف كما لا تحذف في الكلام إلا على ضعف، ولم يعرف قائل هذا الشاهد. وانظر شرح السيرافي 5/ 478. 4 من شواهد سيبويه 2/ 300 على حذف الياء، وإن شاء أثبتها في "يفري" والشاهد عجز بيت صدره: ولأنت تفري ما خلقت ... وبعض القوم..... وهو من قصيدة لزهير يمدح فيها هرم بن سنان المري بالحزم ومضاء العزيمة. قال شارح الديوان: قوله: لأنت تفري ما خلقت, هذا مثل ضربه، والخالق: الذي يقدد الأديم ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه، والفري: القطع، والمعنى: إنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه، وبعض القوم يقدر الأمر ويتهيأ له ثم لا يقدم عليه ولا يمضيه عجزًا وضعف همة. وانظر: الشعر والشعراء 139, والأغاني 5/ 164, والحجة 1/ 307, والمفصل للزمخشري 341, والحيوان للجاحظ 3/ 383, والحماسة 2/ 74, والديوان 94.

وكذلك: يغزو لو كانت في قافية كنت حاذفًا الواو إن شئت، وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وتحذف في القوافي والفواصل, فتقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 1 إذا وقفت وأما يخشى ويرضى ونحوهما مما لامه ألف فإنه لا يحذف منهنَّ الألف لأنَّ هذه الألف لما كانت تثبتُ في الكلام جُعلت بمنزلة ألف النصب التي في الوقف بدلًا من التنوين فلم تحذف هذه الألف كما لم يجز حذف ألف النصب, ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول: لم يعلمْ لنا الناسُ مصرع2، فتحذف الألف, قال رؤبة: دايَنتُ أروى والدُّيونُ تُقضَى ... فَمَطَلتْ بعضًا وأَدَّتْ بَعْضَا3 فكما لا تحذف ألف "بعضا" لا تحذف ألف "تقضى". وزعم الخليل أن واو يغزو, وياء "يقضي" إذا كانت واحدة منهما حرف الروي ثم تحذف لأنها ليست بوصل حينئذ وهي حرف روي كما أن القاف في "وقاتم الأعماق خاوي4 المخترق"5 حرف رويٍّ، فكما لا تحذف القاف لا تحذف

_ 1 الفجر: 4. يريد في الآية: "والليلِ إذا يَسْري" بالياء. 2 يشير إلى قول يزيد بن الطثرية الذي مر "صفحة 408". 3 رجز من شواهد سيبويه 2/ 300 على إثبات الألف في "تقضى" كما تثبت ألف "بعضا" لأنها عوض من التنوين في حال النصب. وينسب هذا الرجز إلى رؤبة بن العجاج, داينت فلانًا: إذا أقرضته وأقرضك، وداينت فلانًا: إذا عاملته فأعطيته دينًا وأخذت بدين. وانظر شرح السيرافي 5/ 484, والخصائص 2/ 96, والحجة 1/ 58, والجمهرة 1/ 18, والخزانة 4/ 334, وديوان رؤبة 79. 4 في الأصل "خاوٍ". 5 من شواهد الكتاب 2/ 30 على ما يلزم من إثبات الياء والواو إذا كانتا قافيتين لما يلزم إثبات القاف في "المخترقن" لأنها حرف الروي. والرجز لرؤبة بن العجاج، وبعده: مشتبه الأعلام لماع الخفق ... والقاتم: المغبر, والقتام: الغبار، والأعماق: النواحي القاصية، وعمق الشيء قعره ومنتهاه. والخاوي: الذي لا شيء به، والمخترق المتسع، يعني: جوف الفلاة. وانظر: المنصف 2/ 3, والمحتسب 1/ 86, وشرح السيرافي 5/ 494, والتهذيب 1/ 290, والجمهرة 2/ 236, والحماسة 582.

واحدة منهما، وهذا هو القياس كما قال إذا كانتا حرفي روي, فأما إذا جاءتا بعد حرف الروي فحكمها حكم ما يزاد للترنم. وقال سيبويه1: وقد دعاهم حذف ياء "يقضي" إلى أن حذف ناس كثيرون من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما علامتا المضمر ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء "يقضي" لأنهما يجيئان لمعنى الأسماء وليستا حرفين [بنيا] 2 على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في قوله3: يا عَجبًا لِلدّهْرِ شَتَّى طَرَائِقُهْ4 وقال: سمعت من العرب من يروي هذا الشعر: لا يُبْعِد الله أصحابًا تَركْتُهُمُ ... لَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَدَاة الأمْسِ ما صَنَعْ5 يريدُ: ما صنعوا. وقال عنترةُ:

_ يلزم إثبات القاف في "المخترقن" لأنها حرف الروي. والرجز لرؤبة بن العجاج، وبعده: مشتبه الأعلام لماع الخفق ... والقاتم: المغبر, والقتام: الغبار، والأعماق: النواحي القاصية، وعمق الشيء قعره ومنتهاه. والخاوي: الذي لا شيء به، والمخترق المتسع، يعني: جوف الفلاة. وانظر: المنصف 2/ 3, والمحتسب 1/ 86, وشرح السيرافي 5/ 494, والتهذيب 1/ 290, والجمهرة 2/ 236, والحماسة 582. 1 قال سيبويه، ساقط في "ب" وانظر الكتاب 2/ 301. 2 أضفت كلمة "بنيا" لإيضاح المعنى. 3 زيادة من "ب". 4 من شواهد سيبويه 2/ 301، على لزوم الياء والواو، إذا كانتا للإضمار واتصلتا بحرف الروي. والشتى: المتفرقة المختلفة، أي: تأتي بخير وشر. وانظر الحجة 1/ 57. 5 من شواهد الكتاب 2/ 301، على حذف واو الجماعة من "صنعوا" كما تحذف الواو الزائدة إذا لم يريدوا الترنم, وهذا قبيح. ولم ينسب هذا البيت لقائل معين، بل قال: إنه سمعه من بعض العرب. انظر: الحجة 1/ 57, وشرح السيرافي 5/ 486, والمفصل للزمخشري 341.

يا دَارَ عَبْلَةَ بالجَوَاءِ تَكَلَّمْ1 ... يريد: تكلمي. فأما "الهاءُ" فلا تحذف من قولك: شتَّى طرائقهُ2 وما أشبهه؛ لأنَّ الهاء ليست من حروف المد واللين، قال3: وأنشدنا الخليل: خَلِيلَيَّ طِيرَا بالتَّفَرُّقِ أو قعَا4 ... فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من "يقضى" فإنما جاء الحذف في الياء والواو إذا كانا ضميرين فقط, ولم يجئ في الألف ولم يجز لما تقدم ذكره. واعلم: أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي5، فإذا وقع واحد منهما في القافية حرك, وجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها, ولا يقع ذلك في غير المجرور, كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها لالتقاء الساكنين كسروا, قال امرؤ القيس:

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 302 على حذف الياء من "تكلمي" وهي ضمير المؤنث, كما حذفت واو الجماعة من "صنعوا" في الشاهد الذي قبله. والشاهد صدر بيت عجزه: وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي والجواء: اسم موضع، وعبلة اسم معشوقة الشاعر، يقول: يا دار, حبيبتي بهذا الموضع تكلمي وأخبريني عن أهلك ما فعلوا. ثم أضرب عن استخبارها إلى تحيتها فقال: طاب عيشك في صباحك وسلمت يا دار عبلة. وانظر: الحجة 1/ 57, وشرح السيرافي 5/ 486, وشروح سقط الزند 2/ 607, وشرح المعلقات السبع للزوزني 163, والديوان 214. 2 يشير إلى شطر البيت السابق ص414. 3 يعني سيبويه، انظر الكتاب 2/ 302. 4 من شواهد سيبويه 2/ 302 على أن الألف من قوله: "قعا" لا تحذف، كما لا تحذف ألف "بعضا" يقال: وقع الطائر: إذا نزل بالأرض، والوقوع ضد الطيران. وانظر الحجة 1/ 57، وشرح السيرافي 5/ 487. 5 قال سيبويه 2/ 303: ولو لم يفعلوا ذلك لضاق عليهم, ولكنهم توسعوا بذلك.

أَغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلي ... وأنَّك مَهْمَا تَأمري القَلْبَ يَفْعَلِ1 وقال طرفة: مَتَى تَأْتِنِي أُصْبِحكَ كأسًا رَوِيَّةً ... فإنْ كُنْتَ عَنْها غَانِيًا فَاغْنَ وَازْدَدِ2 ولو كانت في قواف3 مرفوعة أو منصوبة كان إقواء, وقال أبو النجم: إذا استحثُّوها بَحَوْبٍ أو حلِ4 ... وحلْ، مسكنة في الكلام. قال سيبويه5: ويقول الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامهُ: "قالا" فيمد "قال" و"يقولوا" فيمد "يقولُ" ومن6

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 303 على كسر اللام في حال الجزم للإطلاق والوصل وإجرائها في ذلك مجرى المجرور، والشاهد لامرئ القيس يقول: قد غرك مني كون حبي لك قاتلي وكون قلبي منقادًا لك بحيث مهما أمرته بشيء فعله. وانظر شرح السيرافي 5/ 488، وشرح المعلقات السبع 13, والديوان 143. 2 في "ب" ساقط بيت طرفة. والشاهد في كتاب سيبويه 2/ 303، على أن ازدد بالسكون، ولكنه كسر للإطلاق في القافية ووصلها بحرف المد للترنم. وأراد بالكأس: الخمر في إنائها ولا تسمى كأسًا إلا كذلك، ومعنى أصبحك: أسقك صبوحًا، وهو شرب الغداة، والروية: المروية، وهي فعلية بمعنى مفعلة. 3 الغاني والمستغني سواء، يقال: غنيت عن الشيء, استغنيت. وصف الشاعر كلفه بالخمر واستهلاكه في شربها، والبيت من معلقة طرفة. وانظر: المقتضب 2/ 49, وشرح السيرافي 5/ 488, وجمهرة أشعار العرب 138, وشرح المعلقات السبع لابن الأنباري 187, والديوان 25 في الأصل "قوافي". 4 من شواهد الكتاب 2/ 303، على كسر لام "حل" للإطلاق والوصل، وحوب وحل زجر للناقة لحثها وحملها على السير، وحوب مكسورة لالتقاء الساكنين كما كسرت "جير" و"حل" ساكنة على ما يجب فيها، إلا أنها حركت للإطلاق. ونسب هذا الرجز إلى أبي النجم العجلي، وانظر: شرح السيرافي 5/ 488, والمخصص 7/ 80. 5 انظر الكتاب 2/ 303. 6 انظر الكتاب 2/ 303، ونص سيبويه: و"بين" بدلًا من "من".

العامي فيمدُّ "العام" سمعناهم يتكلمون به في الكلام, ويجعلونه علامة ما يتذكرونه1 ولم يقطعوا2 كلامهم، فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا سمعناهم يقولون: إنه "قدي" في "قَدْ" ويقولون: إلى في الألف واللام يتذكرون3 الحارث ونحوه. قال: وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول: "هذا سيفني يريد: سيفٌ, ولكنَّهُ تذكر بعدُ كلامًا ولم يرد أن يقطع اللفظ, ولو أراد القطعَ ما نونَ, فالتنوين حرف ساكن فكسر كما كسر دال4 "قَدْ".

_ 1 انظر الكتاب 2/ 303، والنص "يتذكر به". 2 انظر الكتاب 2/ 303، والنص "يقطع". 3 نص الكتاب 2/ 303 "يتذكر الحارث". 4 في الأصل "ذاك" وهو تصحيف؛ لأنه يريد كسر دال قد في "قدي".

باب من وأي إذا كنت مستفهما عن نكرة

باب من وأي إذا كنت مستفهما عن نكرة مدخل ... باب "من" وأي إذا كنت مستفهمًا عن نكرة: إذا قال القائل: رأيتُ رجلًا قلتَ: مَنَا وإذا قال: هذا رجلٌ قلت: مَنُو وإن قال: رأيتُ رجلين قلت: مَنَيْن وإن قال: "هذانِ رجلانِ" قلت: مَنَان وفي الجميع: مَنونْ ومَنَينْ, وللمؤنث: مَنَهْ ومَنَتْ مثل بنتٍ وابنةٍ ومنتانْ ومناتْ. وزعَمَ الخليل1: أنَّ هذا الباب في "مَا" إذا وصلت قلت: مَنْ يَا فتى؟ وإنما يصلحُ هذا في الوقف فقط. قال سيبويه2: وحدثنا يونس أن ناسًا يقولون: مَنَا ومِنَي ومَنَو واحدًا كان أو اثنين أو جماعة, وإذا قال: رأيتُ امرأة ورجلًا قلت: مَنْ ومَنَا؛ لأنكَ تقول: مَنْ يا فتى في الصلة للمؤنث وإن بدأت بالمذكر قلت: مَنْ ومنَهْ؟ قال: فإذا قال: "رأيتُ عبد اللهِ" فلا تقل: مَنَا, لا يصلح ذلك في شيءٍ من المعرفة، قال سيبويه3: وسمعنا من العرب من يقال لهُ: ذهب4 مَعَهم, فيقول: مع مَنِين وقد رأيتهُ فيقولُ: مَنَا, وذلك أنه سأله, على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفهم بأعيانهم, والعرب تختلف في الاسم المعروف فأهل الحجاز5 إذا

_ 1 انظر الكتاب 1/ 403. 2 انظر الكتاب 1/ 402. 3 انظر الكتاب 1/ 403. 4 في الكتاب 1/ 403، ذهبنا بدلًا من "ذهب". 5 انظر الكتاب 1/ 403.

قال الرجلُ: "رأيتُ زيدًا" قال: "مَنْ زيدًا" يحكون النصب أو الرفع أو الجر, وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال وإنما يكون هذا في الاسم الغالب فإذا قال: "رأيتُ أَخا زيدٍ" لم يجز: "منْ أخا زيدٍ" إلا قول من قال: "دَعنا من تمرتانِ"1 وليس بقرشيا2، والواجبُ الرفعُ3 وقال يونس4: إذا قال رجل: رأيت زيدًا وعمرًا أو زيدًا وأخاهُ أو زيدًا أخا عمرو فالرفع يرده إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد كما ترد: ما زيد إلا منطلق إلى الأصل, فأما ناس فإنهم قالوا: منْ أخو زيدٍ وعمرٍو؟ ومَنْ عمرًا وأخا زيدٍ؟ يتبع الكلام بعضُه بعضًا وإذا قالوا: "منْ عمرًا؟ ومنْ أخو زيدٍ؟ " رفعوا "أخا زيدٍ"5 قال6: وسألت يونس عن: رأيت زيد بن عمرٍو فقال: أقول: مَنْ زيد بن عمرو لأنه كالواحد, فَمنْ نونَ زيدًا رفع في قول يونس7، فإن أدخلت الواو والفاء في "مَنْ" فقلت: فَمن أو منون لم يكن فيما بعده إلا الرفع, ويقول القائل: رأيت زيدًا فتقول: المَنيَّ فإن قال: رأيت زيدًا وعمرًا قلت: المَنين وإن ذكر ثلاثة قلت: المنيين, تحمل الكلام على ما حمل عليه المتكلم كأنك قلت: القرشيَّ أم الثقفيَّ, نصب, وإن شاء رفع على "هو" كما قال صالح في جواب: كيف أنتَ؟ وما أي فهي مخالفة "لِمَنْ" لأنها معرفة فإذا استفهمت بها عن نكرة قلت إذا قال: رأيتُ رجلًا, أيا؟ فإن قال: رجلين قلت: أيين؟ وللجميع: أيينَ فإن ألحقت "يا فتى" فهي على

_ 1 يعني الحكاية لقوله: ما عنده تمرتان. 2 انظر الكتاب 1/ 403. 3 لأنه ليس باسم غالب. 4 انظر الكتاب 1/ 403. 5 انظر الكتاب 1/ 403-404، تبدأ الزيادة من "ب" من هذه الصفحة إلى 422 من الأصل. 6 أي: سيبويه، انظر الكتاب 1/ 404. 7 لأنه يجعل الابن صفة منفصلة.

حالها1، وإذا قلت: رأيتُ امرأةً, قلت: أية يا فتى؟ وللاثنتين: أَيتين يا فتى؟ والجماعة: أيَّات يا فتى؟ وإن تكلم بجميع ما ذكرنا مجرورًا جررت وإن رفع رفعت, فإن قال: رأيت عبد الله فإن الكلام من عبد الله وأي عبد الله ليس مع "أيٍّ" في المعرفة إلا الرفع, فأيٌّ ومَنْ يتفقان في أشياء ويختلفان؛ فأما اتفاقهما فإنهما يستفهم بهما ويكونان بمعنى "الذي" تقول: اضرب أيهم هو أفضل وأعط أيهم كان أفضل واضربْ أيهم أبوهُ زيد, كما تقول: اضربْ منْ أبوهُ زيد, ومن هو أفضل, فإن قلت: "اضربْ أيهم عاقلٌ" رفعت هذا مذهب سيبويه2، وهو عندي مبني "لأنَّ" الذي عاقل قبيح, فإن دخلت "هو" نصبت, وزعم الخليل أنه سمع أعرابيا يقول: ما أنا بالذي قال لك شيئًا3، فعلى هذا تقول: اضربْ أيهم قائل لك خيرًا, إذا طال الكلام حَسُنَ حذف "هو" ومن لا يقدر فيها الرفع إذا قلت: اضربْ منْ أفضلُ, ورفع اضربْ أيُّهم أفضلُ وهو بمعنى "الذي" عندي ناقص لأصول العربية, إلا أنْ تراد الحكاية أو ضَرب من الضروب يمنع الفعل من الاتصال "بأي" وما يفارق "أي" فيه "من" أن أي تضاف و"من" لا تضاف, ومن تصلح للواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث, فمن ذلك: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} 4، ومَنْ كانت أُمُّكَ، وتقول أيضًا: أَيهم كانت أمُّكَ؟ وزعمَ الخليل5 أن بعضهم قرأ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} 6، وقال الفرزدق:

_ 1 قال سيبويه: فإن ألحقت "يا فتى" في هذا الموضع فهي على حالها قبل أن تلحق "يا فتى". وانظر الكتاب 1/ 401. 2 انظر الكتاب 1/ 399. 3 انظر الكتاب 1/ 399. 4 يونس: 43. 5 انظر الكتاب 1/ 404. 6 الأحزاب: 31.

نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ1 فأي: إنما هي بعض لما أضيفت إليه، ومن قد حكي فيها أنها تكون نكرة وتوصف نحو قولك: مررت بمن صالح, وقالوا: من تكون استفهامًا وتعجبًا وجزاءً, قال بعض الكوفيين: إذا وقعت على نكرة كانت تعجبًا ولم تكن استفهامًا, ولم يجاز بها إذا وقعت على نكرة أزادتها كلها, وإذا وقعت على معرفة أزادت بعضها في الجزاء والاستفهام, فإذا قلت: أيُّ الرجلين أخواكَ؟ وأي رجالٍ إخوتُكَ؟ فهو على العدد, وإذا قلت: أي الزيدينِ أخوكَ؟ وأي الثلاثةِ صاحبُكَ وصاحباكَ؟ فلا يجوز أصحابكَ لأنها تزيد بعد المعرفة. واعلم: أنها في جميع ذلك لا تخرج عن معنى البعض؛ لأنك إذا قلت: أي الرجلينِ أخواكَ؟ إنما تريد: أي الرجالِ, إذا صُنفوا رجلينِ رجلينِ أخواك, وقد حكي أن "ذا" قد جاءت بمعنى "الذي".

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 404 على تثنية "يصطحبان" حملًا على معنى "من" لأنها كناية عن اثنين وأخبر عنه وعن الذئب فجعله ونفسه بمنزلتهما في الاصطحاب، وهو عجز بيت صدره: تعال فإن عاهدتني لا تخونني. ويروى يصطلحان, ورواه المبرد: تعش فإن عاهدتني لا تخونني. وصف ذئبًا طرقه عندما أوقد نارًا فدعاه إلى العشاء والصحبة. وانظر المقتضب 2/ 295، 3/ 253، وشرح السيرافي 1/ 76، وارتشاف الضرب/ 140، وأمالي ابن الشجري 2/ 311، والمحتسب 1/ 219، والخصائص 2/ 422، والعيني 1/ 461، والديوان/ 870.

باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام

باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام: يقول الرجل: ضربتُ زيدًا, فتقول إذا أنكرت: أزيدَنِيه, وإن كان مرفوعًا أو مجرورًا فهذا حكمه. إذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرتَهُ لالتقاء الساكنين مثل التنوين, وإن كان مضمومًا جعلته واوًا, وإن كان مكسورًا جعلته ياءً, وإن كان مفتوحًا جعلته ألفًا, فإن قال: "لقيتُ زيدًا وعمرًا" قلت: أزيدًا وعَمرنيه وإذا قال: ضربتُ عمر, قلت: أعُمراهُ, فإن قال: ضربتُ زيدًا الطويلَ قلت: الطويلاه وإن قلت: أزيدًا يا فتى, تركت الزيادة إذا وصلت, ومن العرب من يجعل بين هذه وبين الاسم أن فيقول: أَعُمرانيه, قال سيبويه: سمعنا رجلًا من أهل البادية قيل له: أتخرجُ إنْ أخصبتِ الباديةُ؟ فقال: أَنَا إِنِيه منكرًا1. ومما زادوا الهاء فيه بيانًا قولهم: اضْرِبْهُ يريد: اضرِبْ وتقول: إني قد ذهبتُ فيقول: أذهبتوه ويقول: أنا خارج فتقول: أنا إنِيه, تلحق الزيادة ما لفظتهُ وتحكيه.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 406.

ذكر الهمز وتخفيفه

ذكر الهمز وتخفيفه مدخل ... ذكر الهمز وتخفيفه: الهمزة لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة، فالساكنة لها ثلاث جهات, إما أن يكون قبلها فتحة أو كسرة أو ضمة, فإن كان قبلها فتحة أبدلت ألفًا وذلك في رأس, راس, وفي يأس ياس, وفي قرأتُ قراتُ, وإن كان قبلها كسرة أُبدلت ياء وذلك قولهم في الذئب: الذيبُ, وفي المئرةِ1: الميرةُ، وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوًا, وذلك قولك في البؤسِ: البوسُ, والمؤمنِ: المومنُ وإنما يبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذي منه حركة ما قبلها؛ لأنه ليس شيءٌ أقرب منه, فالفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من الياء, والهمزة المتحركة لا تخلو من أن يكون ما قبلها ساكنًا أو متحركًا فالهمزة المتحركة التي قبلها ساكن تكون على ضربين: همزة قبلها حرف مد وهو واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة أو ألف زيد للمد. والضرب الآخر: همزة قبلها حرف غير مد فالضرب الأول: الهمزة المتحركة التي قبلها مدَّةٌ فهي تبدل إذا كان قبلها واو أو ياء, وذلك في قولك مقروءة مقروة ومقروٌّ فاعلم, وأبدلت الهمزة واوًا, وإنما فعلت ذاك لأن الواو زائدة وقبلها ضمة وهي على وزن مَفْعُولةٍ ومَفْعُولٍ, وإذا كان قبل الهمزة ياء ساكنة قبلها كسرة وهي زائدة أبدلت الهمزة ياء, تقول في خطيئةٍ: خَطيّة, في النسيء: النسيُّ يا هذا, وفي أفَيئسٍ تصغير أفْؤسٍ أُفَيّس, وفي سُويئلٍ وهو تصغير سائل: سُويَلٍ, فياء التصغير بمنزلة ياء خطيةٍ. وإن كان ما قبل ياء التصغير مفتوحًا قلبوها لأنهم أجروها مجرى المدةِ كانت لا تحرك أبدًا, وهي نظير الألف التي تجيء في جمع التكسير نحو ألف دراهم, ألا ترى أنك تقول: دُرَيهم فتقع ياء التصغير ثالثة كما تقع الألفُ ويكسر ما بعدها كما يكسر ما بعد الألف, ولا تحرك كما لا تحرك الألف, وإن كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفًا جعلت بينَ بينَ ومعنى قول النحويين: "بَينَ بينَ" أن تجعل الهمزة في اللفظ بين الحرف الذي منه حركتها وبين الهمزة بأنْ تلينَها, فإن كانت مفتوحة جعلت بين الألف والهمزة, وإن كانت مضمومة جعلت بين الواو والهمزة, وإن كانت مكسورة جعلت بين الياء والهمزة. وقال سيبويه2:

_ 1 المئرة بالهمزة: النحل والعداوة، وجمعها: مئر. 2 انظر الكتاب 2/ 124.

ولا يجوز أن تجعل الهمزة بينَ بينَ في التخفيف, إلا في موضع يجوز أن يقع موضعها حرف ساكن, ولولا أن الألف يقع بعدها الحرف الساكن ما جاز ذلك؛ لأنه لا يجمع بين ساكنين وذلك في المسائِل المسايل, يجعلها بين الياء والهمزة, وفي هباءةٍ هَبَاأَةٌ, فيجعلونها بين الهمزة والألف, يلينُ الصوتُ بها وتقول في جزاءُ أُمه, جَزاؤامهِ. الضرب الثاني: الهمزة المتحركة التي قبلها حرف ساكن ليس بحرف مَدٍّ, فَمنْ يخفف الهمزة يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها، وذلك قولك في المرأة، المَرة، وفي الكمأة الكَمَة, وقال الذين يخففون: "أَلا يسْجدوا لِلَّهِ الَّذي يُخْرجُ الْخبَ فِي السَّمواتِ وَالْأرْضِ"1، ومن ذلك: مَن بُوكَ ومَن مُّكَ وكَم بلكَ إذا خففت ومثل ذلك: الحمر تريد الأحمر, وقد قالوا: الكماةُ والمراة ومثله قليل, ومما حذف في التخفيف لأن ما قبله ساكن قولهم: أَرَى وتَرَى ونَرى ويَرى. وقد أجمعت العرب على تخفيف المضارع من رأيت لكثرة استعمالهم إياه فإذا خففت همزة أرأَوهُ قلت: رَوْهُ حذفت الهمزة وألقيت حركتها وهي الفتحة على الراء وسقطت ألف الوصل وتقديره: أرَأوهُ مثل: أرَعوهُ دخلت ألف الوصل من أجل سكون الراء فلما حركت سقطت ألف الوصل, فإن أمرت واحدًا قلت: ذاك نطقت بالراء وحدها وكان الأصل أرْأى فحذفت الألف التي هي لام الفعل للأمر كما حذفتها في: اخشَ يا هذا وكان الأصل: اخشى وحذفت الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على الراء, فسقطت ألف الوصل فبقيت الراء وحدها, قال سيبويه: وحدثني أبو الخطاب2 أنه سُمعَ من يقول: قد أَراهُم فجاء به على الأصل3.

_ 1 النمل: 25. وهذه القراءة من الشواذ، انظر شواذ ابن خالويه 109، وتنسب إلى أبي بكر وعيسى بن عمر الثقفي, وقراءة الجمهور الخبء بالهمز. 2 أي: الأخفش الكبير. 3 انظر: الكتاب 2/ 165.

باب ذكر الهمزة المتحركة

باب ذكر الهمزة المتحركة: لا تخلو الهمزة المتحركة من أحد ثلاث جهات من الضم أو الكسر أو الفتح وكل همزة متحركة وقبلها حرف متحرك فتخفيفها أن تجعلها "بينَ بينَ" إلا أن تكون مفتوحة قبلها ضمة أو كسرة, فإنك تبدلها وإنما صار ذلك كذلك؛ لأن الهمزة لو خففتها وقبلها ضمة أو كسرة لنحوت بها نحو الألف, والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا وذلك محال, فأما ما تجعل من ذلك "بينَ بينَ" فنحو: سأل وسَيئمَ وقد قَرأَهُ, وكل همزة متحركة قبلها حرف متحرك فهذا حكمها أن تجعلها "بينَ بينَ" إلا ما استثنيتَهُ من الهمزة المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة, فإن كانت وقبلها فتحة جعلت بينَ بينَ, بين الألف والهمزة, وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوًا وإن كان قبلها كسرة أبدلتها ياءً فتقول في التخفيف في التؤدةِ التودة, فيجعلونها واوًا خالصة, ونريدُ أن نقريَكَ في نقرئك, وفي المئرِ1 المير ياء خالصة، وتقول في المتصل منْ غلامُ يبِيكَ وهذا غلامُ وبِيكَ, وإن كانت الهمزةُ مكسورةً وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والياء وذلك في يَئسَ ييسَ, وفي سَئِمَ سَيِمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} 2. وإن كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو وذلك قولك: ضربتُ أُختَكَ وإن كانت مضمومة وقبلها ضمة جعلت بينَ

_ 1 المئرة: جمع مئرة وهي العداوة. 2 البقرة: 126، 260.

بينَ, وذلك: هذا دِرهمُ أُختِكَ، وإن كانت مضمومة وقبلها كسرة جعلت بينَ بينَ, وذلك من عند أُختكَ؟ وقال سيبويه: وهو قول العرب والخليل1.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 164.

باب الهمزتين إذا التقتا

باب الهمزتين إذا التقتا: وذلك على ضربين: فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة, وضرب في كلمتين منفصلتين, اعلم: أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بُدٌّ من إبدال الآخرةِ ولا تخفف, فمن ذلك قولك في فاعل من "جئت": جائي, أبدلت مكانها الياء لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها ألفًا نحو آدمَ لانفتاح ما قبلها، قال1: وسألت الخليل2 عن فَعْلَلٍ من جئتُ [فقال] 3: جَيأَي, مِثال جَيعا, وإذا جمعت آدم قلت: أَوادم كما أنك إذا حقرت قلت: أُويدم, صيروا ألفهُ بمنزلة ألف خالدٍ؛ لأن البدل من نفس الحرف فشبهت ألف آدم بألف "خالدٍ" لانفتاح ما قبلها لأنها ليست من نفس الكلمة ولا بأصل فيها, وأما خَطايا فأصلها خَطَائي فحقها أن تبدل ياء، فتصير: خطائي فقلبوا الياء ألفًا ورفَعوا ما قبلها, كما قالوا "مُداري" أبدلوا الهمزة الأولى ياء كما أبدلوا "مَطايا" وفرقوا بينها وبين الهمزة التي من نفس الحرف, وناس يحققون فإذا وقعت الهمزة بين ألفين خففوا, وذلك قولهم: كساءان ورأيت كساءين كما يخففون إذا التقت الهمزتان؛ لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون ياء لأن الألف الآخرة تسقط, ويجري الاسم في الكلام.

_ 1 أي سيبويه، انظر الكتاب 2/ 169. 2 انظر الكتاب 2/ 169. 3 أضفت كلمة "فقال" للمعنى.

الضرب الثاني: من التقاء الهمزتين وهو ما كان منه في كلمتين منفصلتين: اعلم: أن الهمزتين إذا التقتا وكل واحدة منهما في كلمة, فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما, كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة, وليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان محققتان إلا إذا كانتا عينًا مضاعفة في الأصل نحو سماءين ومن كلامهم تحقق الآخرة وهو قول أبي عمرو1 وذلك قول الله عز وجل: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} 2، {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا} 3، ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الآخرة, وكان الخليل4 يستحب هذا ويقول: لأني رأيتهم يبدلون الثانية في كلمة واحدة كآدم, وأخذ به أبو عمرو5 في قوله: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} 6 فحقق الأولى وقال سيبويه: وكل عربي والزنة واحدة محققة ومخففة، ويدلك على ذلك قول الأعشى7:

_ 1 أي: أبو عمرو بن العلاء، وانظر الكتاب 2/ 167، والمقتضب 1/ 158. 2 محمد عليه الصلاة السلام: 18. 3 مريم: 7 والآية: {زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} . 4 انظر الكتاب 2/ 196. 5 انظر الكتاب 2/ 197. 6 هود: 72 وفيها قراءات كثيرة سبعية، انظر إتحاف فضلاء البشر/ 259، وغيث النفع/ 130. 7 من شواهد الكتاب 2/ 167 على أن الهمزة المخففة بزنة المحققة، ولولا ذلك لانكسر البيت؛ لأن بعد الهمزة نونًا ساكنة، فلو كانت بين بين في حكم الساكنة، لالتقى ساكنان في الحشو، ولا يكون ذلك في الشعر إلا في القوافي. وعجز البيت: ريب المنون ودهر مفسد خبل. ورأيت بمعنى: أبصرت، والأعشى: هو الذي لا يبصر بالليل. وانظر المقتضب 1/ 155، والحجة 1/ 231، وشرح السيرافي 5/ 11، والإنصاف/ 389، والديوان/ 55.

أَانْ رَأَتْ رَجُلًا أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ ... فلو لم يكن بزنتها محققة لانكسر البيت, وأما أهل الحجاز1 فيخففون الهمزتين لأنه لو لم يكن إلا واحدة لخففت, فتقول: اقرأ آية في قول من خفف الأولى؛ لأن الهمزة الساكنة إذا خففت أبدلت بحركة ما قبلها, ومن حقق الأولى قال: اقْر آية ويقولون: اقْرِي مثل: اقر آية؛ لأنه خفف همزة متحركة قبلها حرف ساكن, وأما أهل الحجاز2 فيقولون: اقرأ آيةً ويقولون: أَقرِي باكَ السلام, يبدلون الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها, ويحذفون الثانية لسكون ما قبلها, ومن العرب ناس3 يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفًا إذا التقتا؛ وذلك لأنهم كرهوا التقاء الهمزتين ففصلوا كما قالوا: اخشينانِ4، فهؤلاء أهل التحقيق، وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول: آإنكَ وآأنتَ وهي التي يختار [أبو عمرو] 5 ويدخلون بين الهمزتين ألفًا ويجعلون الثانية بينَ بين كما يخفف بنو تميم في التقاء الهمزتين, وكرهوا الهمزة التي هي بينَ بين مع الأول كما كرهوا معها المخففة, وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعًا ويدخلون6 بينها ألفًا, وإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بد وخففوا الثانية, واعلم: أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتُجعل في لغة أهل التخفيف بينَ بين, قد تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحًا والياء إذا كان ما قبلها مكسورًا, ياء مكسورة, وليس هذا بقياس مطرد، وإنما يحفظ عن العرب7 حفظًا، فمن ذلك قولهم

_ 1 انظر الكتاب 2/ 167-168. 2 انظر الكتاب 2/ 168. 3 انظر الكتاب 2/ 168. 4 فصلوا هنا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة. 5 أبو عمرو، زيادة من الكتاب 2/ 168 يقتضيها المعنى. 6 في سيبويه 2/ 168: "ولا يدخلون"، وأظنها أصح من عبارة: "ويدخلون". 7 انظر الكتاب 2/ 169.

في "منسأةٍ" مِنْسأة, ومن العرب من يقول في أوْ أَنْتَ, أوَّنْتَ وأبو يوب في "أبو أيوب" وكذلك المنفصلة إذا كانت الهمزة مفتوحة وقال بعض هؤلاء: سَوَّةٌ وضَو شبهوهما بأوَّنْتَ, فإن خففت في قولهم: أحْلِبني إبلَكَ وأبو أُمِّكَ لم تثقل الواو كراهية لاجتماع الواوات والضمات والياءات والكسرات وحذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها, وبعضهم يقول: يريد أن يَجيكَ ويَسُوكَ وهو يجيكَ ويَسُوكَ يحذف الهمزة ويكره الضمة مع الياء والواو, وعلى هذا تقول: هُوَ يَرم خوانَهُ يريد: يَرمِ إخْوانه حذف الهمزة وأذهب الياء لالتقاء الساكنين. قال أبو بكر: ذكرنا ما يلحق الكلم بعد تمامها وبقي ما يلحق الكلم في ذاتها وهو تخفيف الهمز وقد ذكرناه, والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود, والتثنية والجمع الذي على حدها, والعدد, وجمع التكسير, والتصغير, والنسب, والمصادر وما اشتق منها, والإمالة, والأبنية, والتصريف, والإِدغام، وضرورة الشاعر.

باب المذكر والمؤنث

باب المذكر والمؤنث مدخل ... باب المذكر والمؤنث التأنيث يكون على ضربين: بعلامة وغير علامة؛ فعلامة التأنيث في الأسماء تكون على لفظين: فأحد اللفظين التاء, تبدل منها في الوقف هاء في الواحدة, والآخر الألف, أما الهاء فتأتي على سبعة أضرب. الأول: دخولها على نعت يجري على فعله وذلك قولك: في قائمٍ ومفطرٍ وكريم ومنطلقٍ إذا أردت تأنيث قائمة وقاعدة ومفطرة وما لم يُسم فهذا بابه, وجميع هذا نعت لا محالة, وهو مأخوذ من الفعل. الثاني: دخولها فرقًا بين الاسم المذكر والمؤنث الحقيقي الذي لأُنثاهُ ذكر, وذلك قولهم: امرؤٌ وامرأةٌ ومرءٌ ومرأةٌ, ويقولون: رجَلٌ وللأُنثى رَجُلةٌ, قال الشاعر: وَلَمْ يُبالوا حُرْمةَ الرَّجُلَة1 والثالث: دخولها فرقًا بين الجنس والواحد منه, نحو قولك: تَمْرٌ وتَمرةٌ،

_ 1 هذا عجز بيت وصدره: خرقوا جيب فتاتهم ... ولم يبالوا حرمة الرجلة ويروى: فرقوا مكان "خرقوا" وأراد بجيبها هنها. والشاهد فيه "التاء" للفرق بين جنس المذكر والمؤنث, ولم يعرف قائل هذا الشاهد. وانظر: الكامل 159, وشروح سقط الزند 3/ 1211, وأمالي ابن يعيش 5/ 98.

وبُسرٌ وبُسرةٌ، وشعير وشعيرةٌ وبقَر وبقَرةٌ, فحق هذا إذا أخرجوا منه الهاء أن يجوز فيه التأنيث والتذكير, فتقول: هو التَّمرُ وهو البُسرُ وهو العنب وكذلك ما كان في منهاجه, ولك أن تقول: هي التمرُ وهي الشعيرُ, وكذلك ما كان مثلها قال الله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} 1 فالتذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة, ومن هذا الباب جَرادٌ وجرادةٌ، وإنما هو واحد من الجنس, ليس جرادٌ بذكرِ جَرادةٍ. واعلم: أن هذا الباب مؤنثه لا يكون له مذكر من لفظه؛ لأنه لو كان كذلك لالتبس الواحد المذكر بالجمع, وجملتها أنها مخلوقات على هيئة واحدة, فأما حَيّةٌ فإنما منعهم أن يقولوا في الجنس: "حَيٌّ" لأنه في الأصل نعت حَي يقع لكل مذكر من الحيوان ثم تنفصل أجناسها لضروب. الرابع: ما دخلته الهاء وهو مفرد لا هو من جنس ولا له ذَكرٌ, وذلك: بلدة ومدينة وقرية وغُرفة. الخامس: ما تدخله الهاء من النعوت لغير فرق بين المذكر والمؤنث فيه, وهو نعت للمذكر للمبالغة وذلك: عَلاّمةٌ ونَسابةٌ وراويةٌ, فجميع ما كانت فيه الهاء من أي باب كان, فغير ممتنع جمعه من الألف والتاء لحيوان أو غيره, لمذكر أو مؤنث, قَلتْ أو كثرتْ. السادس: الهاء التي تلحق الجمع الذي على حد مفَاعِلَ, وبابه ينقسم إلى ثلاث أنحاء, فمن ذلك ما يراد به النَّسبُ نحو الأَشاعثةِ والمهالبةِ والمناذرةِ والثاني: أن يكون من الأعجمية المعربة نحو الجَواربةِ والمَوازجةِ والسيابجةِ والبرابرةِ. وهذا خاصة يجتمع فيه النسب والعجمة فأنث في حذف الهاء من هذا والذي قبله بالخيار. الثالث: أن تقع الهاء في الجمع عوضًا من "ياء" محذوفة فلا بد منها أو

_ 1 الحاقة: 7.

من الياء وذلك في جمع جحجاجٍ، جَحاجيج, وفي جمع زنديق, زَناديق وفي فرزان, فرازين, فإن حذفت الياء قلت: فَرازنةٌ وزَنادقةٌ وجحاجحَةٌ, وليس هذا كعَساقلةٍ وصيَاقلةٍ لأنك حذفت من هذا شيئًا لا يجتمع هو والهاء, ولو اجتمعا لم يكن مُعاقبًا ولا عوضًا. وإنما قلت: إن باب الهاء في الجمع للنسب والعجمة لمناسبة العجمة أن تناسب الهاء, ألا ترى أن الاسم تمنعه الهاء من الانصراف كما تمنعه العجمة فيما جاوز الثلاثة, وإن الهاء كياء النسب تقول: بطةٌ وبَط وتَمرةٌ وتَمرٌ, فلا يكون بين الواحد والجمع إلا الهاء, وكذلك تقول: "زنجي وزنجٌ, وسندي وسندٌ, وروميٌّ ورومٌ, ويهوديٌّ ويهودٌ" فلا يكون بين الجمع والواحد إلا الياء المشددة, وكذلك التصغير إنما يصغر ما قبل الياء المشددة التي للنسبة, تأتي بها في أي وزن كان, وكذلك تفعل بالهاء تقول في تصغير تَميمي: تُميميٌّ, وفي تصغير جمزي: جُمَيزيٌّ, وتقول في عنترةَ: عُنيتريٌّ, فالاسم على ما كان عليه. السابع: ما دخلت عليه الهاء وهو واحد من جنس إلا أنه للمذكر والأنثى, وذلك نحو حمامةٍ, ودجاجةٍ، وبطةٍ، وبقرةٍ، واقع على الذكر والأنثى، ألا ترى قول جرير: لمَّا تَذَكَّرتُ بِالدَّيْرَيْنِ أَرَّقَنِي ... صَوْتُ الدَّجَاجِ وقَرْعٌ بالنَّواقِيسِ1 إنما يريد: زُقاء الديوكِ.

_ 1 الشاهد فيه: صوت الدجاج، وإنما يريد: زقاء الديوك. وقيل: إنه أراد ديرًا واحدًا هو دير الوليد بالشام، وقد صرح ياقوت أنه أراد ديرين: دير فطرس ودير بطرس بظاهر دمشق. وانظر: الكامل 61, والحيوان للجاحظ 2/ 342, والعقد الفريد 5/ 388، والمسلسل في غريب لغة العرب 240, والديوان 148.

باب التأنيث بالألف

باب التأنيث بالألف: هذه الألف تجيء على ضربين: ألف مقصورة وألف ممدودة, والألف المقصورة تجيء على ضربين: فضرب لا يشك في ألفهِ أنها ألف تأنيث، وضرب يلبس فيحتاج إلى دليل. الأول: ما جاء على فُعْلَى فهو أبدًا للتأنيث, لا يكون هذا البناء لغيره, وذلك نحو: حُبْلى وأُنثى وخُنْثى ودُنْيا؛ لأنه ليس في الكلام اسم على مثال "جَعْفَر" فهذا ممتنع من الإلحاق. الثاني منه: ما جاء على وزن الأصول، وبابه أن ينظر: هل يجوز إدخال الهاء عليه, فإن دخلت فإنه ليس بألف تأنيث؛ لأن التأنيث لا يدخل على التأنيث, وإن امتنعت فهي للتأنيث, فأما الذي لا تدخل عليه الهاء فَسكرى وغضْبى ونحوهما مما بني الذكر منه على فَعْلانَ نحو سَكْرانَ وغَضبانَ وكذلك جمعه نحو: سَكارى في أن الألف للتأنيث, ومن ذلك: مَرْضَى وهَلْكَى ومُوتى, فأما ما تدخله الهاء فنحو عَلْقَاةٍ وأرطأَةٍ, وقد ذكرته فيما ينصرف وما لا ينصرف. الضرب الثاني من ألف التأنيث: هو الألف الممدودة: وهي تجيء على ضربين: منه ما يكون صفة للمؤنث ولمذكره لفظ منه على غير بنائه, ومنه ما يجيء اسمًا وليس له مذكر اشتق له من لفظه, فالضرب

الأول يجيء على فَعْلاء، نحو حَمْراءَ، وخَضْراءَ, وسوداءَ, وبيضاءَ, وعوراءَ, والمذكر من جميع ذا على "أَفعلَ" نحو أَحمرَ وأخضرَ وأَعورَ, وجميع ما جاء على هذا اللفظ مفتوح الأول فألفه للتأنيث. وأما ما جاء اسمًا لواحد ولجميع، فالواحد نحو صَحْراءَ وطَرْفاءَ وقَعْساءَ وحلفاء وخنفساء وقرفصاء, وأما ما جاء لجمع فنحو: الحكماء، والأصدقاء، والأخمساء، وأما بطحاء وأبطحُ فأصله صفة وإن كان قد غلب عليه حتى صار اسمًا, مثل أَبرق وبَرقاءَ وإنما هو اختلاط بياض البقعة بسوادها يقال: جبَلٌ أَبرق، وأما قوباء1 وخُششَاء فهو ملحق بفسطاط وقرطاطَ، وكذلك: علباء2, وحرباءُ3، وقِيقاء4، وزيزاءُ5 مذكرات ملحقات بسرداح6، ومداتُهن منقلبات، وما كان على هذا الوزن مضموم الأول أو مفتوحًا فليست ألفه للتأنيث. الضرب الثاني: من القسمة الأولى من المؤنث: وهو ما أُنث بغير علامة من هذه العلامات, وهذا النوع يجيء على ثلاثة أضرب: منه ما صيغ للمؤنث ووضع له وجعل لمذكره اسم يخصه أيضًا فغير عن حرف التأنيث, واسم يلزم التأنيث وإن لم تكن له علامة ولا صيغة تخصه ولكن بفعله وبالحديث عنه تأنيثه, واسم يذكر ويؤنث. الأول: قولك: أَتانٌ، وحمارٌ، وعَناقٌ7، ورخلٌ8، وجملٌ, وناقةٌ، صار

_ 1 قوباء: بثر يظهر على الجلد. 2 علباء: عرق في العنق. 3 حرباء: فكر أم حبين. 4 قيقاء: المكان المرتفع المنقاد المحدودب. 5 زيراء: وهو الغليظ من الأرض. 6 سرداح: الضخم من كل شيء. 7 عناق: الأنثى من أولاد المعز. وانظر حياة الحيوان 2/ 129، والعناق: دويبة طويلة الظهر. 8 رخل: ذكر المعز.

هذا المؤنث بمخالفته المذكر معرفًا معروفًا "بذي" عن العلامة، ومن قال رجل وامرأة وهو المستعمل الكثير فهو من ذلك, وكذلك حَجَرٌ. الثاني: ما كان تأنيثه بغير علامة ولا صيغة وكان لازمًا, أما الثلاثي فنعرفه بتصغيره, وذلك أنه ليس شيءٌ من ذوات الثلاثة كان مؤنثًا إلا وتصغيره يرد الهاء فيه؛ لأنه أصل للمؤنث, وذلك قولك في بَغْل: بُغَيلَةٌ وفي ساقٍ: سُويقةٌ وفي عَين: عيينةٌ وأما قولهم في: حَرْبٍ حُرَيْبٌ وفي فَرَسٍ فُرَيسٌ فإن حربًا إنما هو في الأصل مصدر سمي به, وأما فرس فإنه يقع للمذكر والأنثى فإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فُرَيسة, فإن كان الاسم رباعيا لم تدخله الهاء في التصغير وذلك نحو مَقْربٍ وأرنب, وكل اسم يقع على الجمع لا واحد له من لفظه إذا كان من غير الآدميين فهو مؤنث, وذلك نحو إبلٍ وغنمٍ تقول في تصغير [غنمٍ] : غُنَيمةٌ وفي إبلٍ: أُبَيلَةٌ ولا واحد من لفظه, وكذلك خَيلٌ هو بمنزلة هندٍ ودعدٍ وشمسٍ فتصغر ذلك فتقول: غُنَيمةٌ وخُيَيلَةٌ, فإن كان شَيءٌ من ذلك من الناس فهو مذكر ولك أن تحمله على التأنيث. الثالث: وهو ما يذكر ويؤنث: فمن ذلك الجموع, لك أن تذكر إذا أردت الجمع وتؤنث إذا أردت الجماعة, فأما قومٌ فيقولون في تصغيره: قوَيمٌ، وفي بَقَرٍ: بُقَيرٌ, وفي رَهْطٍ: رُهَيطٌ؛ لأنك تقول في ذلك "هم" ولا يكون ذلك لغير الناس، فإن قلت فقد أقول: جاءتِ الرجالُ و {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} 1 وما أشبه ذلك, فإنما تريد: جاءتْ جماعةُ الرجالِ، وكذبت جماعة قوم نوح, كقول الله تعالى: {وَاسْأَلِ

_ 1 الحج: 42 وسورة ص: 12 والقمر: 9، وانظر شرح الشافية 2/ 159-160 والشعراء: 105.

الْقَرْيَة} 1، إنما هو أهل القرية، وأهل العيرِ, فما كان من هذا فأنت في تأنيثه مخير ألا ترى إلى قول الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} 2 فهذا على لفظ الجنس. وقال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} 3 على معنى الجماعة, وتقول: هذه حصًى كبيرةٌ وحصًى كثيرةٌ, وكذلك كل ما كان ليس بين جمعه وواحده إلا الهاء, قال الأعشى: فإنْ تُبْصِرِيني وَلِي لِمَّةٌ ... فإنَّ الحَوَادِثَ أَودَى بِهَا4 لأن الحوادث جمع حَدثٍ, والحدثُ مصدر والمصدر واحدهُ وجمعه يؤولان إلى معنى واحد, وكذلك قول عامر بن حريم الطائي: فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إبقَالها5 لأن أرضًا ومكانًا سواءٌ, ولو قال على هذا: "إنَّ زينبَ قامَ" لم يجز لأن

_ 1 يوسف: 82, وانظر الكتاب 1/ 108 و2/ 25. 2 القمر: 20. 3 الحاقة: 7، وانظر أمالي الشجري 831، والبحر المحيط 1/ 83, وشرح الكافية للرضي 2/ 152. 4 من شواهد سيبويه 1/ 239 على حذف التاء من "أودت" ضرورة، ودعاه إلى حذفها أن القافية مردفة بالألف، وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي، وهي في معنى الحدثان. ومعنى فأودى بها: ذهب ببهجتها وحسنها, واللمة: الشعرة تلم بالمنكب، وتبدلها: تغيرها من السواد إلى البياض. ورواية الديوان: فإن تعهديني ولي لمة ... فإن الحوادث ... وانظر: معاني القرآن 1/ 128, وأمالي ابن الشجري 1/ 227, والإنصاف 410, والغيث المنسجم 2/ 446, وابن يعيش 5/ 95 و9/ 6 والمسلسل في غريب لغة العرب 250, والديوان 171. 5 من شواهد الكتاب 1/ 240 على حذف التاء من "أبقلت" لأن الأرض بمعنى المكان، فكأنه قال: ولا مكان أبقل إبقالها. وصف أرضًا مخصبة لكثرة ما نزل بها من الغيث, والودق: المطر، والمزنة: السحابة، ويروى: أبقلت إبقالها, بتخفيف الهمزة ولا ضرورة فيه على هذا. وانظر: الخصائص 2/ 411, والكامل 405, ومعاني القرآن 1/ 127, والخزانة 1/ 21.

تأنيث هذا تأنيث حقيقي, فمهما اعتوره من الاسم فخبرت عنه بذلك, فإنّ الخبر عنه لا عن الاسم. واعلم: أن من التأنيث والتذكير ما لا يعلم ما قصد به, كما أنه يأتيك من الأسماء ما لا يعرف لأي شيء هو, تقول: فِهْرٌ فهي مؤنثةٌ وتصغيرها فُهَيرَةٌ وتقول: قَتبٌ لحشوةِ البَطنِ وهو المعى وتصغيره قُتَيبَةٌ, وبذلك سمي الرجل قُتَيبَة وكذلك: طريقٌ وطرقٌ وطريقين جُرن وجُرنات وأوطبُ وأواطبُ والشيء قد يكون على لفظ واحد مذكر ومؤنث فمن ذلك: اللسان يقال: هو وهي والطريقُ مثله والسبيلُ مثلهُ, وأما قولهم: أرضٌ فكان حقه أن يكون الواحدُ أرضة والجمع أرضا, لو كان ينفصل بعضها من بعض كتمرةٍ من تَمرٍ, ولكن لما كانت نَمطًَا واحدًا وقع على جميعها اسم واحد كما قال الله عز وجل: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 1، وقال: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} 2، فإذا اختلفت أجناسها بالخلقة أو انفصل بعضها من بعض بما يعرض من حزنٍ وبَحرٍ وجَبلٍ قيلَ: أرضون كما تقول في التَمرِ: تمرانِ تريد ضربين, فكان حق أرض أن تكون فيها الهاء لولا ما ذكرنا وإنما قالوا: أرضونَ والمؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصًا كمشيةٍ وثُبةٍ وقُلةٍ, وكليةٌ لا بد أنها كانت هاءً في الأصل؛ فلذلك جاءت الواو والنون عوضًا. وطاغوت فيها اختلاف؛ فقوم يقولون: هو أحد مؤنث, وقال قوم: بلْ هو اسم للجماعة, قال الله تعالى: {الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} 3 فهذا قول, قال محمد بن يزيد: والأصوب عندي والله أعلم أنه جماعة, وهو كل ما عُبد من دون الله من إنسٍ وجِن وغيره, ومن حَجرٍ وخَشبٍ وما سوى ذلك, قال الله عز وجل:

_ 1 يوسف: 101. 2 الطلاق: 12. 3 الزمر: 17.

{أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَات} 1 فهذا مبين لا شك فيه ولا مدافعة له, وقولهم: إنه يكون واحدة لم يدفعوا به أن يكونوا الجماعة, وادعاؤهم أنه واحدة مؤنثة تحتاج إلى نعت, والعنكبوت مؤنثة, قال الله جل اسمه: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} 2، والسّماء تكون واحدة مؤنثة بالبنية, على وزن عناقٍ3 وأتانٍ, وكل ما أُنث وتأنيثه غير حقيقي، والحقيقي: المؤنثُ الذي له ذكر, فإذا ألبس عليك فرده إلى التذكير فهو الأصل, قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى} 4 لأن الوعظ والموعظة واحد, وأما حائض وطامثٌ ومُفْصلٌ فهو مذكر وصف به مؤنث.

_ 1 البقرة: 257. 2 العنكبوت: 41. 3 عناق: الأنثى من ولد الضأن. 4 البقرة: 275, وهي قراءة الجمهور. وقد قرأ أبي بن كعب والحسن البصري على الأصل: "ممن جاءته موعظة" انظر البحر المحيط.

ذكر المقصور والممدود

ذكر المقصور والممدود: وهما بناتُ الياء والواو اللتين هما لامات, فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح فأشياء يعلم أنها منقوصة؛ لأن نظائرها من غير المعتل إنما يقع أواخرهنَّ بعد حرف مفتوح, وذلك بنظائرها من غير المعتل وذلك نحو "مُعْطي" وأشباهه لأنه معتل مثل مُخْرَجٍ1، ومثل ذلك المفعول وذلك أن المفعول من سَلقيتَهُ2 فهو مُسَلْقًى, والدليل على ذلك أنه لو كان بدل هذه الياء التي في "سلقيتُ" حرفًا غير الياء لم يقع إلا بعد مفتوح, فكذلك هذا وأشباهه, وكل شيءٍ كان مصدرًا لفَعلَ يفعلُ, وكان الاسم أَفعل, فهو منقوص لأنه على مثال: حول يحول فهو حول واسمه أحول, فمن ذلك قولهم للأعشى به عَشي, وللأعمى به عَمًى،

_ 1 أي: الباء بمنزلة الجيم. 2 سلقيته: سلقاه: إذا ألقاه على قفاه.

وللأقنى1 به قُنى, ومما يعلم أنه منقوص أن ترى الفعلَ فعَلَ يَفْعَلُ, والاسم منهُ فَعلٌ وذلك فَرقَ يَفْرَقُ فَرقًَا, فمصدر هذا من بنات الياء والواو على "فَعَلٍ" هَويَ يَهْوى, ورديت تَردى وهو رَد وهو الردى, وصديت صَدًى وهو صَدٍّ ولويتَ لوًى, وكذلك كَري يكْرى كرًى, وإذا كان "فَعِلَ" يَفعَلُ فَعلاء والاسمُ منه فَعْلانُ فهو أيضًا منقوص, نظيره من الصحيح: عَطشَ يعطَشُ عَطَشًا وهو عطشانُ, وله فَعْلَى نحو: عَطْشى, والمعتل نحو: طَوِيَ يَطوى طَوًى, وصَديَ يَصْدى صَدًى وهو صديانُ, وقالوا: رَضيَ يَرضى رضًا وهو رَاضٍ, وهو الرضا ونظيره: سَخِطَ يسخطُ سخطًا وهو ساخطٌ, وكسروا الراء من رضًا كما قالوا: الشيعُ فلم يجيئوا به على نظائره وذا لا يُجسر عليه إلا سماعًا, ومن المنقوص ما لا يعلم أنه منقوص إلا بالسماع نحو: قَفًَا ورحى, وقد يستبدل بالجمع إذا سمعتَ أرحاء وأقفاء علمت أنه جمع لمنقوص, وهذا بين في الجمع وكل جماعة واحدها فِعْلة أو فُعْلَة فهي مقصورة نحو عُروة وعُرًى وفرية وفِرًى, أما الممدود فكل شيء ياؤه أو واوه بعد ألف, فمنها ما يعلم أنه ممدود في كل شيء نحو: الاستسقاء؛ لأن استسقيتُ مثل استخرجتُ فكذلك الاشتراء لأن اشتريتُ مثل احتقرت, ومن ذلك الاحبنطاء2، والاسلنقاء3، فإنه يجيء على مثال الاستفعال في وروده ووزن متحركاته وسواكنه, ومما يعلم أنه ممدود أن تجد المصدر مضموم الأول ويكون للصوت وذلك نحو: العُواء، والزقاء4، والرُّغاء، ونظيره من غير المعتل الصُّراخُ والنُّباحُ، ومن ذلك البُكاءُ، قال الخليل5: والذينَ

_ 1 الأقني: يقال: أنف أقنى، فيه ارتفاع من أعلاه بين القصبة والمارن من غير قبح. 2 الاحبنطاء: يقال: حبط بطنه: إذا انتفخ. 3 الاسلنقاء: يقال: سلقاه: إذا ألقاه على قفاه. 4 الزقاء: صوت الديكة. 5 انظر الكتاب 2/ 163.

قصروهُ جعلوهُ كالحزنِ ويكون العلاج كذلك نحو النُّزاء1، ونظيره من غير المعتل القُماصُ2، وقلما يكون ما ضُم أوله من المصدر منقوصًا؛ لأن فُعلًا لا تكاد تراه مصدرًا من غير بنات الياء والواو, ومنه ما لا يعلم إلا سماعًا نحو: السماءِ والرشاءِ3 والألاء4 والمقلاء5، ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون على مثال أَفْعِلَةٍ فواحدها ممدود نحو أَفْنِيةٍ واحدُها فِنَاء, وأرشِيَةٍ واحدها رشاء.

_ 1 النزاء: يقال: نزا ينزو نزوًا ونزاء ونزوانًا: إذا علا وارتفع. 2 القماص: داء في الدابة يأخذها حتى تموت. 3 الرشاء: رسن الدلو. 4 الألاء: الفرح التام. 5 المقلاء: المقلة: شحمة العين التي تجمع السواد والبياض.

ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية

ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية مدخل ... ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية: الأسماء المثناة والمجموعة على ضربين: صحاحٌ ومعتلة؛ فأما الصحاحُ فقد تقدمت معرفتها, وهذا الجمع إنما يكون لمن يعقل خاصة, والمعتل على ثلاثة أضرب: مقصورٍ وممدودٍ وما آخرهُ ياءٌ. الأول المقصور: ما كان على ثلاثة أحرف فصاعدًا, فالألف بدل غير زائدة, فإن كان من بنات الواو أظهرت الواو وإن كان ياء أظهرت الياء, فبنات الواو مثل: قَفًا وعَصًا ورَحًا, والدليل عليه قولهم: رضا فلا يميلون وليس شيءٌ من بنات الياء لا يجوز فيه الإِمالةُ, فتقول على هذا فيه: قَفوانِ وعصوانِ ورحوانِ ومن ذلك رِضا والدليل على أن الألف منقلبة من واو قولهم: مرضُوّ ورُضوان, وأما مرضي فبمنزلة مَسنيةٍ1، وهي من سنوتُ, استثقلوا الواوين فأبدلوا, وبنات الياء مثل: رَحى وعَمى وهُدى،

_ 1 مسنية: يقال: أرض مسنية: مسقية بالسانية، والسانية: الناقة, أو البعير يسقى عليه الماء من البئر.

وفَتى لأنهم يقولون: فتيانِ ورَحيانِ, فأما الواو في الفتوةِ فمن أجل الضمة التي قبلها, وحكم الجمع بالتاء في هذا حكم التثنية, قالوا: قنواتٌ وأدواتٌ وتقول في ربًا: ربوانِ لقولهم: ربوتُ, فإذا جاء من المنقوص شيءٌ ليس له فعل ولا اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الانتصاب فهو من بنات الواو نحو: لَديَّ وإليَّ, وإنما يثنيان إذا صارا اسمين, وإن جاء من المنقوص شيء ليس فِعلٌ تثبت فيه الياء والاسم, وجازت إمالته فالياء أولى به, وذلك نحو: مَتى وبَلى وحكم الجمع بالتاء حكم التثنية, فإن كان الاسم المقصور على أربعة أحرف فما زاد أو كانت ألفهُ بدلًا من نفس الحرف أو زائدة فتثنية ما كان من الواو من هذا كتثنية ما كان من الياء والجمع بالتاء كالتثنية, وذلك نحو قولك في مصطفى: مصطفيانِ ومصطفيات وأعمى: أعميانِ, فإن جمعتَ المنقوص جمع السلامة فإنك تحذف الألف وتدع الفتحة التي قبلها على حالها, تقول في مصطفى: مصطفَون وفي رجل سميتهُ قَفًا: قَفَونَ. الثاني من الممدود: اعلم أن الممدود بمنزلة غير المعتل, تقول في كساءٍ: كساءانِ وهو الأجودُ, فإن كان لا ينصرف وآخره زيادة جاءت للتأنيث فإنك تبدل الألف واوًا, وكذلك إذا جمعته بالتاء, وذلك قولك: حمراوان وحمراواتٌ وناس كثيرون يقولون: علباوانِ وحرباوانِ, شبهوه بحمراء إذ كان زائدًا مثله, وإنما تثنيته علباءانِ1 وحرباءانِ؛ لأَن علباء ملحق بسرداح2، والملحق كالأصل، وهذا يبين في التصريف، وقال ناس: كساوانِ، وغطاوانِ، ورداوانِ، وإن جعلوه بمنزلة علْبَاءَ، وعلباوان أكثر من كساوان, قال سيبويه: وسألته -يعني الخليل- عن عقلتُهُ بثنايينِ، لِمَ لَمْ يهمز؟ فقال: لأنه لم يفرد لهُ واحدٌ3.

_ 1 علباءان مثنى: علباء، وهي عرق في العنق، ويقال: عصبة. 2 سرداح: الضخم من كل شيء. 3 انظر الكتاب 2/ 95.

الثالث: الاسم المعتل: الذي لامهُ ياء قبلها كسرة نحو قاضٍ وغَازٍ, تثنيه: قاضيان وغازيانِ, وتجمعهُ: قاضونَ, وتثبت الياء في التثنية وتسقط في الجمع, كما كانت في مصطفى إذا ثنيت قلت: مصطفيان, وإذا جمعت قلت: مصطفَونَ والتثنية ترد فيها الأشياء إلى أصولها.

باب جمع الاسم

باب جمع الاسم: الذي آخره هاء التأنيث، إذا سميتَ رجلًا: طلحة أو امرأة, فجمعهُ بالتاء لا تغيره عما كان عليه, فأما حُبلَى وحمراءُ وخُنفساءُ إن سميتَ بها رجلًا قلت: حبلون وحمراوونَ, تجمع جميع هذا بالواو والنون؛ لأنها ليست تَزولُ إذا قلت: حَمراوان, فمن حيثُ قلت: حمراوانِ قلت: حمراوونَ, ولما لم يجزْ: تمرتانِ لم يجز: تَمرتونَ, وتجمعُ عيسى وموسى: عيسونَ وموسونَ.

باب جمع الرجال والنساء

باب جمع الرجال والنساء: قال سيبويه: إذا جمعت اسمَ رجلٍ فأنت فيه بالخيار؛ إن شئت جمعته بالواو والنون وإن شئت كسرته, وإذا جمعت اسم امرأةٍ فأنت بالخيار جمعت بالتاء, وإن شئت كسرته على حد ما تكسر عليه الأسماء للجمع1، فإذا سميت بأحمر قلت: الأحامر جعلته مثل أرنبٍ وأرانب, وأخرجته من جمع الصفة, وإن سميت بورقاء جعلتها كَصلْفاء تقول: صلاف وصحراء: صَحارٍ, وإن جمعت خالدًا وحاتمًا قلت: خَوالد وحواتمُ, ولو سميت رجلًا أو امرأةً بسنَةٍ لكنت بالخيار, إن شئت قلت: سنونَ وإن شئت قلت: سنواتٌ, وكذلك ثُبةٌ تقول: ثُباتٌ وثُبونَ, لا تجاوز جمعهم الذي كانوا عليه, وشِيةٌ وظُبَةٌ: شِياتٌ وظُباتٌ لأنهم لم يجاوزوا هذا, وكان اسمًا قبل أن يسمى به. وابنٌ بنون، وأبناء، وأُم أُمهاتٌ وأُمات, واسمٌ اسمون وأسماء, وامرؤ امرءونَ مستعمل بألف الوصل, وإنما سقطت في بنون لكثرة استعمالهم إياه, وشاةٌ إذا سميت بها [لمْ تقلْ إلا] 2 شِيَاه؛ لأنهم قد جمعوه [ولم يجمعوه بالتاء] 3. ولو سميت رجلًا بربةَ فيمن خفف قلت: رُباتٌ وربونَ, وعِدةٌ:

_ 1 انظر الكتاب 2/ 96. 2 أضفت "لم تقل إلا" لأن الكلام مضطرب. 3 أضفت "ولم يجمعوه بالتاء" لأن الجملة مضطربة، والأصل هكذا: وشاة إذا سميت بها شياه؛ لأنهم قد أجمعوه.

عِدات وعدونَ كَلدونَ, وشَفَةٌ في التكسير: شفاهٌ ولا يجوز في أُمة: آمات ولا شفاتٌ, كذا قال سيبويه1 والقياسُ يجيزهُ وقالوا: آمٌ وإماءٌ في أمةٍ, وقال بعضهم: أَمَّةٌ وإموانٌ2، ولو سميت رجلا بِبُرة لقلت: بُرًى مبرةٌ كما فعلوا به قبل3. وإذا جاء شيء مثل "برة" لم تجمعه العرب ثم قست ألحقت التاء والواو والنون؛ لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين الجمع بالتاء والواو والنون ولم تكسر على الأصل, وإن سميت رجلا وامرأة بشيء كان وصفًا ثم أردت أن تكسره كسرته على تكسيرك إياه لو كان اسمًا على القياس, فإن كان اسمًا قد كسرته العرب لم تجاوز4 ذلك، وأما والدٌ وصاحبٌ فجعلوهما كضاربٍ وإن تكلم بهما كما يتكلم بالأسماء فإن أصلهما الصفة, وإذا كسرت الصفة على شيءٍ قد كسر عليه نظيرها من الأسماء كسرتها إذا صارت اسمًا على ذلك, كما قالوا في أحمرَ: أحامر والذين قالوا في حارثٍ: حَوارث إنما جعلوه اسمًا, ولو كان صفة لكان: حارثونَ, ولو سميت رجلًا بِفَعيلةٍ قلت: فَعَائِل وإن سميته بشيء قد جمعوهُ فُعُلًا جمعته كما جمعوه مثل: صَحيفة وصُحُف وسفينة وسُفُن, وإن سميته بفَعيلة صفة لم يجز إلا فَعَائلُ؛ لأنه الأكثر ولو سميته بعجوز قلت: العُجُزُ5، نحو عَمودٍ وعُمُد، وقالوا في أَبٍ: أبونَ، وفي أخٍ: أخونَ, لا يغير إلا أن تحذف العرب شيئًا، كما قال: وفَديننَا بالأَبينا6

_ 1 انظر الكتاب 2/ 99. 2 انظر الكتاب 2/ 99. 3 الجملة في الكتاب 2/ 100: "ولو سميت رجلا ببرة ثم كسرت لقلت: برى مثل ظلم, كما فعلوا به ذلك قبل التسمية لأنه قياس". 4 لم يمثل ابن السراج لهذا النوع بمثال، وانظر الكتاب 2/ 100 فإنه مفصل فيه. 5 في الأصل: العجوز، وهو خطأ. 6 من شواهد سيبويه 2/ 101 على جمع "أب" جمعًا سالمًا على "أبين" وهو جمع غريب؛ لأن حق التسليم أن يكون في الأسماء الأعلام والصفات على الفعل كمسلمين ومسلمات ونحوهما. وتمام البيت: فلما تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبينا وهو لزياد بن واصل, شاعر جاهلي, ومعناه: أنه يفخر بآباء قومه وبأماتهم من بني عامر وأنهم قد أبلوا في حروبهم. فلما عادوا إلى نسائهم وعرفن أصواتهم فدينهم لأجل بلائهم في الحروب. وانظر المقتضب 2/ 174, والمخصص لابن سيده 13/ 171, وأمالي ابن الشجري 2/ 37, والمفصل للزمخشري 110, والمحتسب 1/ 112, والخصائص 1/ 346, وابن يعيش 3/ 37.

وعثمان: لا يجوز أن تكسره لأنك توجب في تحقيره: عُثَيمينَ, وإنما تحقيره عُثَيمان وهذا يبين في التصغير, وما يجمع الاسم فيه بالتاء من هذه المنقوصة لمذكر كان أو لمؤنث فرجلٌ تسميه ببنتٍ وأُختٍ وهنتٍ وذَيتٍ تقول في جمعه: بنات وذَيَّات وهَنات وفي أختٍ: أخواتٌ, وإن سميته بمساجد ومفاتيح جمعته للمذكر بالواو والنون, والمؤنث بالالف والتاء؛ لأنه جمع لا يكسر, وكذلك قالوا: سَراويلاتٌ حين جاء على هذا المثال, وإن سميت بجمع يجوز تكسيره كسرته, وإن سمعت اسمًا مضافًا فهو مثل جمعه مفرد, تقول في عبد الله كما تقول: عبدونَ وأسقطت النون للإِضافة وإن جمعت أبا زيدٍ قلت1: آباءُ زيدٍ؛ لأنك عرفتهم بالثاني وإن جمعت بالواو والنون قلت: أبو زيدٍ تريد: أبونَ, قال سيبويه: وسألت الخليل عن قولهم: الأشعرونَ فقال: كما قالوا: الأشاعرةُ والمسامعةُ حين أراد بني مِسْمَعٍ, وكذلك الأعجمون كما قال بعضهم: النميرونَ, وليس كل هذا النحو تلحقه الواو والنون ولكن تقول فيما قالوه2، يعني بقوله: هذا النحو الجمع الذي جاء على معنى النسبة. قال سيبويه: وسألت الخليل عن "مقتوًى ومقتوينَ" فقال: هو بمنزلة النسب للأشعرين3، وقال سيبويه: لم يقولوا:

_ 1 في الأصل "قال". 2 انظر الكتاب 2/ 103. 3 نص الكتاب 2/ 103 فقال: هذا بمنزلة الأشعري والأشعرين.

"مَقتَونَ" جاءوا به على الأصل, وليس كل العرب تعرف هذه الكلمة1، وقوله: جاءوا به على الأصل؛ لأن الواو حقها إذا تحرك ما قبلها فانفتح أن تقلب ألفًا, فإن صارت ألفًا طرحت لالتقاء الساكنين كما قال: مصطفونَ وقال في تثنية المبهمة: ذانِ وتانِ واللذانِ ويجمع: اللذونَ, وإنما حذفت الياء "في" الذي, والألف في ذا في هذا الباب ليفرق بينهما وبين الأسماء المتمكنة غير المبهمة, وهذه الأسماء لا تضاف2.

_ 1 الكتاب 2/ 103. 2 أي: لا تقول: هذا زيدك؛ لأنها لا تكون نكرة فصارت لا تضاف، كما لا يضاف ما فيه الألف واللام.

ذكر العدد

ذكر العدد مدخل ... ذكر العدد: الأسماء التي توقع على عدة المؤنث والمذكر لتبين ما العدد إذا جاوز الاثنين والثنتين إلى أن يبلغ [تسعَ] 1 عشرة وتسعةَ عشَر, فإذا جاوز الاثنين فيما واحدة مذكر فإن أسماء العدد مؤنثة فيها الهاء, وذلك ثلاثة بنين, وأربعةُ أجمالٍ, فإن كان واحده مؤنثًا أخرجت الهاء وذلك قولك: ثلاث بناتٍ وأربعُ نسوةٍ, فإذا جاوز المذكر العشرة فزاد عليها واحدًا قلت: أحدَ عشَر وإن جاوز المؤنث العشرةَ فزاد عليها واحدًا قلت: إحدى عشِرَةَ2 في لغة بني تميم وبلغة أهل الحجاز: إحدى عَشْرَةَ3، وإن زاد المذكر واحدًا على أحدَ عَشَر قلت: اثنا عشرَ وإن له اثني عَشر, حذفت النون؛ لأن عشرَ بمنزلة النون والحرف الذي قبل النون حرف إعراب, وإذا زاد المؤنث واحدًا على إحدى عَشرة, قلت: ثِنتا عَشِرَةَ وإن له ثنتي عشِرة واثنتي عشِرة, وبلغة أهل

_ 1 أضفت كلمة "تسع" لأن المعنى يحتاجها. 2 في لغة بني تميم تكسر الشين من "عشرة". قال سيبويه 2/ 171: كأنما قلت: إحدى نبقة. 3 في لغة أهل الحجاز بسكون الشين من عشرة، كأنما قلت: إحدى تمرة.

الحجاز: عَشْرة1، فإذا جاوزت ذلك قلت: ثلاثة عشَر وإذا زاد على ثنتي عشَرة واحدًا قلت: ثلاثَ عشَرة, وحكم أربعةَ عشَر وما يليها من العدد إلى العشرين من حكم ثلاثةَ عشَر.

_ 1 أي: بسكون الشين من "عشرة" وبكسرها في لغة تميم.

باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه

باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه: وذلك قولهم: خامسُ خَمْسَةٍ، وثاني اثنينِ1، وثالثُ ثلاثةٍ إلى قولك: عاشرُ عَشرةٍ, فقولك: ثاني وثالث مشتق من اثنين وثلاثة, وبالثالث كمل العدد فصار ثلاثة, وقد أضفته إلى العدد وهو "ثلاثة" فمعناه: أحد ثلاثةٍ وأحدُ أربعة, وتقول للمؤنث: خامسة فتدخلها الهاء كما تدخل في "ضاربةٍ" لأنك قد بنيته بناء اسم الفاعل, فإذا أضفت قلت: ثالثة ثلاث ورابعة أربع وتقول: هذا خامس أربعةٍ, تريد: هذا الذي خمس الأربعة, وتقول في المؤنث: هذه خامسة أربعٍ وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة, فإذا أردت أن تقول في أحدَ عَشر كما قلت: في "خامس" قلت: حادي عَشر وثاني عشر وثالث عشر إلى أن تبلغ إلى تسعة عشر, ويجري مجرى خمسة عشر في فتح الأول والآخر. وفي المؤنث: حادية عشرة كذلك إلى أن تبلغ تسعةَ عشَر. ومن قال: خامسُ خمسةٍ قال: خامسُ خمسةَ عَشَر وحادي أحد عَشر "فحادي وخامس" ههنا يجران ويرفعان ولا يبنيان, وبعضهم2 يقول: ثالثَ عشر, ثلاثةَ عشَر, ونحوهما وهو القياس3، وليس قولهم:

_ 1 قال الله تعالى في سورة التوبة: 40 {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} . قراءة سكون الياء سمعها من العرب. 2 انظر الكتاب 2/ 172. 3 انظر الكتاب 2/ 172-173.

ثالثُ ثلاثةَ عشَر في الكثرة كثالث ثلاثةٍ؛ لأنهم قد يكتفون بثالث عشر وتقول: هذا حادي أحد عشَر, إذا كُنَّ عشر نسوة فيهن رجل1، ومثل ذلك: خامسُ خمسة, إذا كن أربع نسوة فيهن رجلٌ كأنك قلت: هو تمامُ خمسةٍ والعرب تغلب التذكير إذا اختلط بالمؤنث وتقول: هو خامسُ أربعةٍ, إذا أردت به أن صير أربع نسوةٍ خمسةً [ولا] 2 تكاد العرب تتكلم به، وعلى هذا تقول: رابعُ ثلاثةَ عشَر, كما قلت: خامسُ أربعةٍ, فأما بضعةَ عشر فبمنزلة تسعةَ عشَر في كل شيء, وبضعَ عشرة كتسعَ عشرة في كل شيءٍ.

_ 1 لأن المذكر يغلب المؤنث. 2 في الأصل "تكاد".

باب العدد المؤنث الواقع على معدود مؤنث

باب العدد المؤنث الواقع على معدود مؤنث: تقول: ثلاث شياهٍ ذكورٌ, ولهُ ثلاثٌ من الشَّاءِ والإِبل والغنم, فأجريت ذلك على الأصل؛ لأن أصله التأنيث, وقال الخليل: قولك: هذا شَاةٌ بمنزلة قولك: هذا رحمةٌ1 أي: هذا شيء رحمةٌ, وتقول: له ثلاث من البط لأنك تصيره إلى بطةٍ, وتقول: له ثلاثة ذكور من الغنم لأنك لم تجئ بشيء من التأنيث إلا بعد أن أضفت إلى المذكر ثم جئت بالتفسير, فقلت: من الإِبل ومن الغنم لا تذهب الهاء كما أن قولك: ذكورٌ بعد قولك: من الإِبل لا تثبت الهاء, وتقول: ثلاثةُ أشخصٍ وإن عنيتَ نساءً؛ لأن الشخص اسم مذكر, وكذلك: ثلاثُ أعينٍ وإن كانوا رجالًا؛ لأن العين مؤنثةُ تريد: الرجل الذي هو عين القوم, وثلاثة أنفسٍ لأن النفس عندهم إنسان, وثلاثة نساباتٍ وهو قبيح لأن النسابةَ صفةٌ فأقمت الصفة مقام الموصوف, فكأنه لفظ بمذكر ثم وصفه فلم يجعل الصفة تقوى قوة الاسم. وتقول: ثلاثةُ دواب إذا أردت المذكر؛ لأن أصل الدابة عندهم صفة فأجروها على الأصل وإن كان [لا] 2 يتكلم بها كأسماء. وتقول: ثلاثُ أَفراسٍ إذا أردت المذكر لأنه قد ألزم التأنيث, وتقول: سار خمس عشرة من بين يوم وليلةٍ؛ لأنك ألقيتَ الاسم على الليالي فكأنك قلت: خمسَ عشَرة

_ 1 يشير إلى قوله تعالى: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98] . 2 أضفت كلمة "لا" لأن المعنى يحتاجها.

ليلةٍ، وقولك: من بين يومٍ وليلةٍ تؤكد بعد ما وقع على الليالي؛ لأنه قد علم أن الأيام داخلة مع الليالي, وتقول: أعطاهُ خمسَةَ عشَرَ من بين عبدٍ وجاريةٍ, لا غيرَ؛ لاختلاطها, قال سيبويه: وقد يجوز في القياس: خمسةَ عشَر من بين يومٍ وليلةٍ وليس بحدٍّ في كلام العرب1, وتقول: ثلاثُ ذَودٍ؛ لأن الذود أنثى وليس باسم كسر عليه, فأما ثلاثة أشياء فقالوها؛ لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كسروا عليه "فَعْل" ومثل ذلك: ثلاثَةُ رَجْلةٍ لأنه صار بدلًا من أرجالٍ, وزعم الخليل: أن أشياء مقلوبةٌ كقسي2، وزعم يونس عن رؤبة3: أنه قال: ثلاث أنفسٍ على تأنيث النفس، كما قلت: ثلاثُ أعينٍ4. واعلم: أن الصفة في هذا الباب لا تجري مجرى الاسم ولا يحسن أن تضيف إليها الأسماء التي تعد, تقول: هؤلاء ثلاثةٌ قرشيونَ, وثلاثة مسلمونَ؛ كراهية أن يجعل الاسم كالصفة إلا أن يضطر شاعر.

_ 1 نظر الكتاب 2/ 174. 2 انظر الكتاب 2/ 174. 3 رؤبة: واسمه عبد الله الطويل ويكنى أبا الحجاف, من فحول رجاز الإسلام, أدرك الأمويين والعباسيين ومدحهم, وكان وجوه أهل اللغة يأخذون عنه ويحتجون بشعره, مات في أيام المنصور 136-158هـ. 4 انظر الكتاب 2/ 174.

ذكر جمع التكسير

ذكر جمع التكسير مدخل ... ذكر جمع التكسير: هذا الجمع يسمى مكسرًا؛ لأن بناء الواحد فيه قد غُير عما كان عليه فكأنه قد كسر؛ لأن كسر كل شيءٍ تغييره عما كان عليه, والتكسير يلحق الثلاثي من الأسماء والرباعي ولا يكادون يكسرون اسمًا خماسيا لا زائد فيه, فمتى كسروه حذفوا منه وردوه إلى الأربعة, ويكسرون ما يبلغ بالزيادة أربعة أحرف فأكثر من ذلك؛ لأنه يسوغ لهم حذف الزائد منه،

والذي يحذف على ضربين: ضرب يحذف ويعوض من الحذف الياء تعويضًا لازمًا وضرب التعويض فيه وتركه جائزان, وسنذكر كل واحد من ذلك في موضعه إن شاء الله, وأبنية هذه الجموع تجيء أيضًا على ثلاثة أضربٍ: ضرب يكون اسمًا للجمع, ومنها ما بني للأقل من العدد وهي العشرة فما دونها, ومنها ما هي للأكثر, والكثير ما جاوز العشرة ويتسعون فيها, فمنها ما يستعمل في غير بابه, ومنها ما يقتصر به على بناء القليل عن الكثير, والكثير منها ما يستغنى فيه بالقليل عن الكثير, فالذي يستغنى فيه بناء الأقل عن الأكثر فتجده كثيرًا, والاستغناء بالكثير عن القليل نحو ثلاثة شسوعٍ1، وثلاثة قُروءٍ, وإذا أردت أن تعرف ما يكون اسمًا للجمع فهو الذي ليس له باب يكسر فيه, وتطرد الأسماء المجموعة المكسرة على ضربين: أحدهما عدته ثلاثةُ أحرفٍ والآخر عدتهُ أربعةُ أحرف والثلاثة على ضربين: أحدهما مذكر لا هاء فيه أو على لفظ المذكر, والآخر فيه هاء التأنيث وكذلك ما كان على أربعة أحرفٍ, ونبدأ بالاسم الثلاثي الذي لا زائد فيه, وهو يجيء على عشرة أبنيةٍ: فُعْلٌ, فِعْلٌ, فَعْلٌ, فَعَلٌ, فَعِلٌ, فَعُلٌ, فِعُلٌ, فِعِلٌ, فُعَلٌ, فُعُلٌ. وأبنية الجموع على ثلاثة عشَر بناءً: فَعْلٌ, فُعُلٌ, فُعْلَةٌ, فِعُلَةٌ, أَفعُلٌ, فَعيلٌ, فَعَالٌ, فُعُولٌ, فِعَالةٌ, فُعُولةٌ, فُعْلان, فِعْلانٌ, أَفعالٌ, فأَفعلُ وإفعالُ بناءانِ للقليل, وفِعَالُ وفُعولٌ أخوان وهما للكثير, وفِعالةٌ وفعُولة ومؤنثاهما يجريان مجراهما, والثلاثي يجيء أكثره على بناء هذه الأربعة, وفُعولٌ وفِعالٌ أخوان, وليس أَفعل وإفعال أخوينِ؛ لأن ما يجيء على فِعال يجيء فيه بعينه كثيرًا فَعولٌ, وفُعلانٌ وفِعلانٌ أيضًا للكثير وما لم يخص القليل ولا الكثير فيهما فهو اسم للجمع, وأسماء الجمع منها: فُعلٌ وفَعْلٌ إلا أن يكون مقصورًا من فُعُولٍ وفِعْلةٍ وفِعَلَةٍ إن لم تكن مقصورة من فَعلةٍ وفَعيلٍ.

_ 1 قال سيبويه 2/ 179: فأما القردة فاستغنوا بها عن أقراد، كما قالوا: ثلاثة شسوع, فاستغنوا بها عن أشساع. وانظر ابن يعيش 2/ 25 وانظر البحر المحيط 2/ 187.

الأول: من أبنية الجموع فُعْلٌ: فُعْلٌ كسروا "فَعَل" على "فُعْل" وهو قليل قالوا: أسدٌ وأُسْدٌ, وقد جاء في "فَعَل" "فُعْل" وهو قولهم: الفَلْكُ للواحدِ وللجمع الفُلْكُ وهو اسم للجميع لا يقاس عليه, وقالوا: أركن وركْنٌ, وبعض العرب يقول: نَصَفٌ ونُصْفٌ وقد جاء في "فَعْلٍ": رَهْنٌ وَرَهَنٌ, فَفُعْل: اسم للجميع ولمتأولٍ أن يتأولَ أنَّ "فُعْل" مخفف "فُعَلٍ" وأن "فَعَل" مقصور من "فُعولٍ" وكيف كان الأمر فهو بمنزلة اسم للجمع لا يقاس عليه, وقالوا فيما أعلت عينهُ: دارٌ ودورٌ, وساقٌ وسوقٌ, ونابٌ ونيبٌ فهذا في الكثير. الثاني: فَعَلٌ: قالو: أَسَدٌ وأُسْدٌ, فهذا مما يدل على أن "فُعُل" في ذلك الباب مخفف من "فُعْلٍ" وكسروا "فَعِل" عليه, قالوا: نمرٌ ونُمُرٌ, قال الراجز: فيها عَياييلُ أُسودٌ ونُمُرْ1 وهو عندي مقصور عن فُعولٍ حذفت الواو وبقيت الضمة، والذين قالوا: أُسْدٌ وفُلْكٌ ينبغي أن يكون خففوا "فُعُل" والقياس يوجب أن يكون لفظ الجمع أثقل من لفظ الواحد. الثالث: فَعْلَةٌ: جَمعوا "فَعُل" عليه قالوا: رَجُلٌ وثلاثةُ رَجْلَةٍ استغنوا بها عن أَرجال.

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 179 على جمع "نمر على نمر" كما جمع: أسد على أسد، والرجز لحكيم بن معية, راجز إسلامي معاصر للعجاج, وصف قناة نبتت في موضع محفوف بالجبال والشجر. وانظر: المقتضب 2/ 203, والصاحبي 382, وشرح السيرافي 6/ 187, وابن يعيش 5/ 18 و10/ 92.

الرابع: فِعْلَةٌ: كسروا عليه ثلاثة أبنية: فَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ, وذلك قولهم: فَقعٌ1 وفِقْعَةٌ، وجَبٌّ2 وجِبْأَةٌ وهو اسم جمع, وقالوا في المعتل: عُودٌ وعِودَةٌ, وزَوجٌ وزِوجَةٌ, وثَورٌ وثِورَةٌ, وبعض يقول: ثِيرَةٌ فأما فِعْلٌ فنحو: حِسْل3 وحِسْلَةٌ, وقِرْد وقِرْدَة للقليل والكثير, وقالوا فيما اعتلت عينه: دِيكٌ ودِيكَةٌ وكِيسٌ وكِيسَةٌ وفيل وفِيلَةٌ. وأما فُعْلٌ فنحو حُجْرٍ4 وحِجْرَة وخُرجٍ5 وخِرْجَة وكُرْز6 وكِرْزَة, وهو كثير ومضاعفهُ حُب وحِبْبَة. الخامس: فَعيلٌ: جاء فَعْلٌ على فَعيلٍ، قالوا: كَلْبٌ وكَليبٌ، وهو اسم للجمع لا يقاس عليه، وعَبْد وعَبيدٌ، وجاء فيه فِعْلٌ قالوا: ضِرْسُ وضَريسٌ. السادس: أَفعُل: وهو يجيء جمعًا لخمسة أبنية: فَعْلٌ، فَعَلٌ، فَعِلٌ, فِعْلٌ, فُعْلٌ, فأما فَعْلٌ فنحو كَلْبٍ وأَكلُب وفَلْس وأَفلُس, وأَفْعلٌ في الثلاثي إنما يكون لأقل العدد وأقل العدد العشرة فما دونها والمضاعف يجري هذا المجرى, وذلك ضَبٌّ وأَضب وبنات الياء والواو بهذه المنزلة تقول: ظَبْيٌ وأَظْب, ودَلْوٌ وأَدْلٍ, كان الأصل: أَظبو وأدلو, ولكن الواو لا تكون لامًا في الأسماء

_ 1 فقع: وفقع بالكسر والفتح، الأبيض الرخو من الكمأة وهو أردؤها. 2 الجب: الكمأة الحمراء. 3 حسل: ولد الضب حين يخرج من بيضته. انظر الحيوان 1/ 212. 4 حجر: الفرس الأنثى، ولم يدخلوا فيه الهاء لأنه اسم لا يشركه المذكر فيه. 5 خرج: نوع من الأوعية "جوالق". 6 كرز: ضرب من الجوالق أو الجوالق الصغيرة.

وقبلها متحرك فقلبوها ياء وكسروا ما قبلها. وجاء في المعتل العين: ثَوْبٌ وأَثوُبٌ، وقَوْس وأَقْوُسٌ وذلك قليل. وقالوا: أَيْرٌ وآيَرٌ, وقد جاء أَفعُلٌ في الكثير أيضًا جمع فَعْلٍ, قالوا: أكفّ. الثاني: فَعَلٌ نحو زَمَنٍ وأَزْمُن، وقالوا في المعتل: عَصا وأَعص بدلا من أَعصاء. الثالث: فِعَلٌ نحو ضِلَع وأَضْلُع. الرابع: فِعْلٌ. نحو ذِئْبٍ وأَذْؤُب, وقِطْعٍ وأقْطُع, وجِرْوٍ وأَجْرّ, ورِجْل وأَرْجُل, إلا أنهم لا يجاوزون "أَفْعُل" في القليل والكثير. الخامس: فُعْلٌ: ركْنٌ وأَركُنٌ, وجاء في "فُعْل" مما اعتلتْ عينه: دَارٌ وأَدْوُرٌ, وسَاقٌ وأَسوُقٌ, ونار وأَنوُرٌ, وقال يونس: وما جاء مؤنثًا من "فُعْل" من هذا الباب فإنه يكسر على أَفْعُل1, وقال سيبويه: لو كان هذا صُحَّ للتأنيث لما قالوا: رَحا وأَرحاء, وقَفًَا وأَقفاء, في قول من أنثَ القَفَا وقال في جمع قَدَم: أَقدام2، وأَفْعُلٌ إنما هو مستعار في فُعْلٍ, وإنما حقه "أَفعال" في القليل ولكنهم قد يدخلون بعض هذه الجموع على بعض؛ لأن جمعها إنما هو جمع اسمٍ ثلاثي. السابع من أبنية الجموع: فِعَالٌ: وهو جمعُ خمسة أبنية: فَعْلٌ, فَعَلٌ, فَعِلٌ, فَعُلٌ, فُعْلٌ. فأما فَعْلٌ فهو كلْبٌ وكِلابٌ, وربما كان في الحرف الواحد لغتان قالوا: فَرخٌ وفُروخٌ وفِراخٌ؛ لأن فُعولًا أختُ فِعَالٍ, والمضاعف يجري هذا المجرى, قالوا: ضَبٌّ وضِبَابٌ, وصَكٌّ وصِكَاكٌ, والمعتل مثله وقالوا: ظَبْيٌ وظِبَاءٌ, ودَلْوٌ ودِلاءٌ, وقالوا فيما اعتلت عينهُ: سَوْطٌ وسِيَاطٌ, ولم يستعملوا فُعولًا حينما

_ 1 انظر الكتاب 2/ 187. 2 انظر الكتاب 2/ 187.

اعتلت عينه من ذوات الواو, وقد يجيء خَمسةُ كِلابٍ يراد به خمسة من الكلاب أي: من هذا الجنس, وكان القياس خَمسة أَكْلُبٍ؛ لأن "أَفْعُل" للقليل وفِعَالًا للكثير, وأما فَعَلٌ فيجمع في الكثير على فِعالٍ أيضًا نحو جَمَلٍ وجِمَالٍ وهو أكثر من فُعُولٍ, وأما فَعُلٌ فنحو رَجُلٍ ورِجَالٍ, وسَبُعٍ وسِبَاعٍ, وأما فِعْلٌ فنحو بِئْرٍ وبِئَارٍ وذِئْبٍ وذِئَابٍ, ومضاعفهُ زِقٌّ وزِقاقٌ والمعتل نحو رِيحٍ ورِياحٍ, وأما فُعْلٌ فنحو جُمْد وجِمَادٍ وقُرْطٍ وقِراطٍ ومضاعفه خُصٌّ وخِصَاصٌ وعُشٌّ وعِشَاشٌ والمضاعف فيه كثير. الثامن من الجموع: فُعُولٌ: وقد جاء جمعًا لستة أبنية: فَعُلٌ وفَعَلٌ وفَعِلٌ وفِعَلٌ وفِعْلٌ فُعْلٌ, فأما فَعْلٌ فإذا جاوز العشرة فإنه قد يجيء على "فُعُول" قال: نَسْرٌ ونُسُورٌ وبَطْنٌ وبُطُونٌ والمضاعف مثله: صَكٌّ وصُكُوكٌ، وبَتٌّ1 وبُتُوتٌ، وبنات الياء والواو مثله قالوا: ثَدْيٌ وثُدُي, ودَلْوٌ ودُلُي, فهو فُعُولٌ وذلك يبين في التصريف, وفَوْجٌ وفُئُوجٌ وبَحْرٌ وبُحُورٌ وبَيْتٌ وبُيُوتٌ, ابتزتْ فُعُول الياء كما ابتزت فِعَالٌ الواو, فأما "فَعَلٌ" فيجمع في الكثير على فُعُولٍ نحو أَسَدٍ وأُسُودٍ وذكَرٍ وذُكُورٍ وهو أقل من فِعَالٍ والمضاعف فيه قياسه فُعُولٌ, فالذي جاء على أفعالٍ نحو لبَب2 وأَلبابٍ، والمعتل: نحو قَفًَا وقُفُيٌّ وقِفيٌّ, وعَصا وعُصُيٌّ وعِصِيٌّ, وإنما كسرت الفاء من أجل الياء والكسرة, والمعتل العين نحو نَابٍ ونُيُوبٍ, وقال بعضُهم في سَاقٍ: سُئُوقٌ3 فهمزوا، وأما فَعِلٌ فنحو نَمرٍ ونُمُورٍ ووَعِلٍ ووُعُولٍ وأما فِعَلٌ فنحو ضِلَعٍ وضُلُوعٍ وإرَمٍ وأُرُوُمٍ, وأما فِعْلٌ فنحو حِمْلٍ وحُمُولٍ وعِرْقٍ وعُرُوقٍ،

_ 1 بت: ضرب من الطيالسة غليظ أخضر، والبت: القطع المستأصل. 2 لبب: ما يشد على صدر الدابة أو الناقة. 3 في الكتاب 2/ 187، وقال بعضهم: سئوق، فيهمز كراهية الواوين والضمة في الواو.

وشِسْعٍ وشُسُوعٍ، استغنوا فيها عن بناء أدنى العدد, والمضاعف: لِصّ ولُصُوصٌ والمعتل: فِيلٌ وفُيُولٌ ودِيكٌ ودُيُوكٌ, وأما فُعْلٌ فنحو بُرْجٍ وبُرُوجٍ وخُرْجٍ وخُرُوجٍ. التاسع من أبنية الجموع: فِعَالةٌ: جاء في فَعْلٍ فُعُولةٌ وفِعَالةٌ، وزعم الخليل: إنما أرادوا أن يحققوا التأنيث نحو الفِحَالةِ1, يعني تأنيث الجمع، وجاء في فَعَلٍ: جَمَلٌ وجِمَالةٌ وحَجَرٌ وحِجَارةٌ وقالوا: أَحجارٌ. العاشر من أبنية الجموع: فَعُولةٌ: جاء في فَعْلٍ فُعُولةٌ, نحو بَعْلٍ وبُعُولةٍ، وعَمٍّ وعُمُومةٍ، وجاء فيما اعتلت عينه: عَيْرٌ وعُيُورٌ وخَيْطٌ وخُيُوطٌ. الحادي عشَر: فِعْلان: وهو لأربعة أبنية: فَعَلٌ وفَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ؛ فأما فَعْلٌ فنحو خرْب2 وخرْبان، وبَرْقٌ وبَرقَان في الكثير, وفي المعتل: جَارٌ وجِيران وقاعٌ وقِيعانٌ وقل فيه فِعَالٌ, وألزموهُ "فِعْلان" وقد يستغنى فيه بأَفعالٍ نحو مَال وأَموال. وأما فَعَلٌ فنحو جَحَلٍ وجِحْلانٍ، ورَألٍ3 ورِئْلانٍ وفيما اعتلت عينهُ نحو ثَورٍ وثِيرانٍ وقَوزٍ وقِيزانٍ وهو قطعة من الرمل. وأما فِعْلٌ فنحو رِئْدٍ4 ورِئْدانٍ وهو فَرْخُ الشجرة وصِنْوٍ وصنوان وقِنْوٍ وقنوانٍ, وأما فُعْلٌ فنحو خُشٍّ وخُشان وقالوا: خُشّانٌ لأن

_ 1 انظر الكتاب 2/ 176. 2 الخرب: ذكر الحبارى. وانظر حياة الحيوان 1/ 263. 3 رأل: ولد النعام. 4 رئد: ترب أو فرخ الشجرة.

"فِعْلان" و"فُعْلان" أُختان وجاء في المعتل من بنات الواو التي هي عين فِعْلان انفردت به فِعْلان نحو عُودٍ وعِيدانٍ وغُولٍ وغِيلانٍ وكُوزٍ وكِيزانٍ وحُوتٍ وحِيتَانٍ ونُونٍ ونينَانٍ. الثاني عشر: فُعْلان: وهو لأربعة أبنية: فَعَلٌ وفَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ جاء في الكثير جمعًا لِفَعَلٍ نحو جَمَلٍ وجُمْلانٍ وسَلَقٍ وسُلْقانٍ, وجاء فَعْلٌ على فُعْلانٍ نحو ثَغْبٍ وثُغْبانٍ وبَطْنٍ وبطنانٍ وظَهْرٍ وظُهرانٍ, وجاء في فِعْلٍ نحو ذِئْبٍ وذئبانٍ وفي مضاعفه: زقٌّ وزُقانٌ وجاء في "فُعْلٍ" في المضاعف نحو خُشٍّ وخشَّانٍ جميعًا. الثالث عشر: أَفعالٌ جاءت جمعًا لعشرة أبنية: فَعَلٌ, فَعِلٌ, فُعُلٌ, فُعَلٌ, فِعَلٌ, فِعِلٌ, فَعْلٌ, فُعْلٌ, فُعِلٌ. فأما فَعَلٌ فنحو جَمَلٍ وأَجمالٍ وجَبَلٍ وأَجبالٍ وأَسَدٍ وآسادٍ وهذا لأدنى العدد, وفي المعتل: قاعٌ وأَقواعٌ وجارٌ وأَجوارٌ ويستغنى به عن الكثير في: مَالٍ وأَموالٍ وبَاعٍ وأبواع, وأما فَعْلٌ فقد جاء جمعه "أفعال" وليس ببابه فقالوا: زَنْدٌ وأزنادٌ, وقال الأعشى: وزَنْدُكَ أَثْقَبُ أَزنَادِها1

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 176 على جمع "زند" على أزناد وهو جمع شاذ، لأن باب "فَعْل" حكمه أن يكسر في القليل على "أفعل" وهو عجز بيت صدره: وجدت إذا اصطلحوا خيرهم ... وزندك أثقب....... وهو من قصيدة يقولها لقيس بن معد يكرب الكندي، أي: إذا اصطلحت القبائل كنت خيرها وأدعاها إلى الصلح واجتماع الكلمة, وضرب ثقوب زنده مثلًا لكثرة خيره وسعة معروفه. وانظر: المقتضب 2/ 196, والديوان 73, والموجز 104.

وقالوا في المضاعف: جدٌّ وأجدادٌ وفيما اعتلت عينه لأدنى العدد: سَوْطٌ وأسواطٌ وقد يقتصرون عليها للقليل والكثير نحو لَوْحٍ وألواحٍ ونَوْعٍ وأنواعٍ وبَيْتٍ وأبياتٍ للقليل. ومما جاء أَفعالٌ لأكثر العدد وذلك نحو قَتَبٍ وأقتابٍ ورسنٍ وأرسانٍ وقد جاء في فَعِلٍ للكثير قالوا: أرآدٌ1، ومضاعف "فَعَلٍ" أفعالٌ لم يجاوزوه في القليل والكثير نحو لَبَبٍ وألبابٍ ومَدَدٍ وأمدادٍ وفَنَن وأفنانٍ كما لم يجاوزوا الأَقدامَ والأرسانَ2، والمعتل اللام من فَعَلٍ نحو صَفًا3 وأصفاء وصُفِيٍّ وقَفًَا وأقفاء, وقالوا: أَرْحاء في القليل والكثير. قال أبو بكر: ومن ذكري قَتَبٍ إلى هذا الموضع فهو في الصنف الأول في باب فَعَلٍ, وأما فَعِلٌ فنحو كَبِدٍ وأكباد وفَخذٍ وأفخاذٍ ونَمرٍ وأنمارٍ, وقلما يجاوزُ بِفَعِلٍ هذا الجمع. فأما فِعَل فنحو ضِلَعٍ وأضلاعٍ وإرَمٍ4 وأَرماءٍ، وأما فَعُلٌ فنحو عَضُدٍ وأَعضادٍ وعَجُزٍ وأعجازٍ, اقتصروا على أفعالٍ في "عَضُدٍ" وأما فُعُلٌ فنحو عُنُقٍ5 وأعناقٍ، وطُنُبٍ6 وأَطنابٍ, مقتصرا عليه في جمع "طُنُبٍ" وأما فُعَلٌ فنحو رُبَعٍ وأرباعٍ ورُطَبٍ وأرطابٍ وأما فِعِلٌ فنحو إبِلٍ وآبالٍ وأما فِعْلٌ فنحو حِمْلٍ وأحمالٍ وجِذْعٍ وأجذاعٍ, ومما استعمل فيه للقليل والكثير: خِمْسٌ وأخماسٌ وشِبْرٌ وأشبارٌ وطِمْرٌ وأطمارٌ, والمعتل نحو نِحيٍ وأنحاءٍ وفيما اعتلت عينه: فِيلٌ وأفيالٌ وجِيدٌ وأجيادٌ ومِيلٌ وأميالٌ في القليل, وقد يقتصر فيه على أَفعال. قال سيبويه: وقد يجوز أن يكون أصل "فِيلٍ" وما أشبهه فُعْلًا, كسر

_ 1 أرآد: جمع رئد، وهو الترب. 2 أي: لم يجاوزوا الأفعال كما لم يجاوزوا الأقدام والأرسان. 3 صفا: يقال صفا: خلص من كل شيء فهو "صفي". 4 إرم: حجارة تنصب علمًا في المغارة. 5 عنق: وعنق، وصلة ما بين الرأس والجسد. 6 طنب: وطنب, حبل الخباء والسرادق ونحوهما.

من أجل الياء كما قالوا: أبيضُ1 وبِيضٌ, قال أبو الحسن الأخفش: هذا لا يكون في الواحد إنما للجميع. وإنما اقتصارهم على أفعالٍ كقولهم: أَميالٌ وأَنيابٌ وقالوا: ريحٌ وأرواحٌ2، فأما فُعْلٌ فَجُنْدٌ وأَجنادٌ، وبُرْدٌ وأَبرادٌ في القليل, وربما استغنوا به في الكثير نحو رُكْنٍ وأركانٍ وجُزْءٍ وأَجزاءٍ وشُفْرٍ وأشفارٍ ومضاعفه: حُبٌّ وأَحبابٌ, والمعتل: مُدْيٌ وأمدادٌ لا يجاوز به3، وفيما اعتلت عينه: عُودٌ وأعواد وغُول وأغوالٌ وحُوتٌ وأحواتٌ وكُوزٌ وأكوازٌ في القليل.

_ 1 زيادة من سيبويه 2/ 187 لإيضاح المعنى. 2 هذا في بنات الواو من "فعل". 3 أي: لقلته في هذا الباب لا يجاز به.

باب جمع الثلاثي الذي فيه هاء التأنيث في الجمع

باب جمع الثلاثي الذي فيه هاء التأنيث في الجمع: فَعْلٌ, فَعَلٌ, فَعِلٌ, فُعُولٌ, فَعُولٌ, فِعَالٌ, فَعْلانٌ, فِعَلانٌ, فِعْلانٌ, فَعُلاتٌ, فَعُلاتٌ, فَعْلاء, أَفْعَل, وإنما يقع فَعْلٌ في الباب الثاني وهو ما الفرق بين جمعه وواحده الهاء فقط. هذه أبنية الجمع فيه: فأما أبنية الأسماء المجموعة فستة: فَعْلَةٌ, وفَعَلةٌ, وفُعَلَةٌ, وفُعْلَةٌ, وفِعْلَةٌ, وفَعِلَةٌ. الأول: فَعْلَةٌ: جمعها بالتاء في أدنى العدد, وتفتح العين فتقول: فَعَلاتٌ نحو جَفْنَةٍ وجَفَناتٍ فإذا جاوزت أدنى العدد صار على فعَالٍ مثل قِصَاعٍ وقد جاء على فُعُولٍ وهو قليل مثل: مأنةٌ ومُئونٌ والمأنةُ أسفل البطن وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير, وبنات الياء والواو بهذه المنزلة, وكذلك المضاعف فالمعتل نحو ركوةٍ ورِكاءٍ وقَشوةٍ وقِشَاءٍ وركواتٍ وقَشَواتٍ وظَبيةٍ وظَبياتٍ, والمضاعف نحو سَلَّةٍ وسَلاتٍ, فأما ما اعتلت عينه فإذا أردت أدنى العدد ألحقت التاء ولم تحرك العين وذلك نحو عَيبةٍ وعَيباتٍ وعِيابٍ, وضَيْعَةٍ وضَيْعَاتٍ وضِياعٍ, ورَوْضَةٍ ورَوْضات ورياضٍ, وقد قالوا: نَوْبةٌ ونُوبٌ ودَولةٌ ودُولٌ وجَوبة1 وجُوبٌ، ومثلها: قَرْيةٌ وقُرًى، ونَزوَةٌ ونُزًى, وفَعْلَةٌ من بنات الياء على "فِعَلٍ" نحو خَيْمَةٍ وخِيَمٍ.

_ 1 جوبة: حفرة مستديرة، والفرجة في السحاب وفي الجبال.

الثاني: فَعَلةٌ، وهو بمنزلة فَعْلَةٍ، وإن جاء شيء من بنات الواو والياء والمضاعف أجري مجرى الضرب وهو عزيز, وذلك قولك: رَحَبةٌ ورَحبَاتٌ ورَقَبَةٌ ورَقباتٌ ورِقابٌ, ولم يذكر سيبويه مثالًا لما اعتلت لامه1، فأما ما اعتلت عينه فيكسر على "فِعَالٍ" قالوا: نَاقةٌ ونِياقٌ وقد كسر على "فِعَلٍ" قالوا: قَامةٌ وقِيَم, وتَارَةٌ وتِيَرٌ. قال الراجز: يَقومُ تاراتٍ ويمشي تِيرا2 فكأنَّ "فِعَل" في هذا الباب مقصورة من فِعَالٍ. الثالث: فُعْلَةٌ، تجمع [على] 3 فُعُلاتٍ، نحو رُكْبةٍ ورُكُباتٍ، وغُرفَةٍ وغُرُفاتٍ, فإذا أردت الكثير كسرته على "فُعَلٍ" قلت: رُكَبٌ وغُرَفٌ, وقد جاء: نُقرةٌ ونِقارٌ وبُرْمَةٌ وبِرامٌ، ومن العرب4 من يفتح العين فيقول: رُكباتٌ، وغُرفاتٌ، وبنات الواو بهذه المنزلة نحو خُطْوة وخُطُواتٍ وخُطًى ومن العرب5 من يسكن فيقول: خُطْواتٌ, وبناء الياء نحو كُليةٍ وكُلًى ومُديةٍ ومُدًى, اجتزءوا ببناء الأكثر، ومَن خفف قال: كُلْياتٌ ومُدْياتٌ، والمضاعف يكسر على "فُعَلٍ" مثل ركبة ورُكَب, وقالوا: سُرّات وسُرَرٌ ولا يحركون العين لأنها كانت مدغمةً، والفِعالُ في المضاعف كثير نحو جِلالٍ وقِبابٍ والمعتل العين نحو دَولةٍ ودُولاتٍ ودُولٍ. الرابع: فِعْلَةٌ، نحو ما في القليل بالألف والتاء وتكسر العين، نحو

_ 1 انظر الكتاب/ 188. 2 من شواهد سيبويه 2/ 188 على جمع "تارة" على "تير" والقياس "تيار" بالألف؛ لأن تارة "فعلة" في الأصل كرحبة، وجمع رحبة رحاب، إلا أن المعتل من "فعال" قد تحذف ألفه، كما قالوا: ضيعة وضيع؛ طلبًا للخفة لثقله بالاعتلال، ومعنى يقوم: يثبت قائمًا غير ماشٍ, ولم ينسب هذا إلى قائل معين. وانظر: كتاب إيضاح شواهد الإيضاح 171, والصحاح 1/ 292, والموجز 108. 3 أضفت "على" لإيضاح المعنى. 4 انظر الكتاب 2/ 182. 5 انظر الكتاب 2/ 182.

سِدرةٍ وسِدراتٍ وكِسْرةٍ وكِسراتٍ. ومن العرب من يفتح العين [فيقول] 1: سدراتٌ وكَسراتٌ2، فإن أردت الكثير قلت: سِدرٌ. ومن قال: غُرْفاتٌ فخفف قال: سِدْراتٌ, وقد يريدون الأقل3 فيقولون: كِسَرٌ وفِقَرٌ في القليل لقلة استعمالهم التاء في هذا الباب. والمعتل اللام فيه نحو لِحيةٍ ولِحًى وفِريةٍ وفِرًى ورِشوةٍ ورِشا, اجتزءوا بهذا عن التاء, ومن قال: كِسْراتٌ قال: لِحْيَاتٌ والمضاعف: قِدّةٌ4 وقِدّاتٌ وقِدةٌ ورِبَّةٌ ورِبَّاتٌ ورِببٌ, وقد جاء "فِعْلَةٌ" على "أَفْعُل" قالوا: نِعْمَةٌ وأنْعُمٌ, وشِدّةٌ وأشَد, ولم تجمع رِشوةٌ بالتاء ولكن من أسكن قال: رِشْواتٌ؛ لأنَّ الواو لا تعتل في الإِسكان هنا, والمعتل العين: قِيمةٌ وقِيماتٌ ورِيبةٌ, وقِيَمٌ ورَيبٌ. الخامس: فَعِلَةٌ، نحو نَعمة ونَعمٍ ومَعِدةٍ ومَعِد, وذلك أن تجمع بالتاء ولا تغير. السادس: فُعَلةٌ، نحو تُخَمةٍ وتُخَمٍ وتُهَمةٍ وتُهَمٍ, وليس هذا كرُطَبةٍ ورُطَبٍ, ألا ترى أن الرطب مذكرٌ كالبُرّ وهذا مؤنث كالظُّلَمِ والغُرَفِ.

_ 1 "فيقول" أضيفت لإيضاح المعنى. 2 انظر الكتاب 2/ 182. 3 في الأصل "الأول" ولا معنى لها. 4 قدة: القدة: القطعة من الشيء، والفرقة، والطريقة من الناس.

باب ما يكون من بنات الثلاثة واحدا يقع على الجميع

باب ما يكون من بنات الثلاثة واحدًا يقع على الجميع: ويكون واحدا على بنائه من لفظه إلا أنه [مؤنث] 1 تلحقه الهاء للفصل, وهذا الباب حقه أن يكون لأجناس المخلوقات وهي تجيء على تسعة أبنية. الأول: فَعْلَةٌ: نحو طَلْحَة وطَلْحٍ، وتَمْرةٍ وتَمرٍ، ونَخْلَةٍ ونَخلٍ، وصَخْرَةٍ وصخرٍ، وإذا أردت القليل جمعت بالتاء، وربما جاءت الفَعْلَةُ على فِعَالٍ نحو سَخْلَةٍ وسِخَالٍ، وبهمةٍ وبِهَام وهم شبهوها بالقِصَاعِ2. وقال بعضهم: صَخْرةٌ وصُخورٌ، وبنات الياء والواو نحو مَرْوةٍ3 ومَروٍ، وسَروةٍ4 وسَرْو. وقالوا: صَعْوةٌ5 وصِعَاءٌ، وشَريةٌ6 وشَرْي, والمضاعف نحو حَبَّةٍ وحَبٍّ, والمعتل العين نحو جَوْزةٍ وجُوزٍ، وبَيْضَةٍ وبَيْضٍ وبَيضاتٍ، وقد قالوا: روضَةٌ ورِياضٌ. الثاني: فَعَلةٌ: وهي مثل فَعْلَةٍ، قالوا: بَقَرةٌ وبَقَرٌ وبَقراتٌ، وقالوا:

_ 1 زيادة من سيبويه 2/ 183 لإيضاح المعنى. 2 القصاع: جمع قصعة، وهي الضخمة تشبع العشرة. 3 المروة: حجارة بيضاء براقة، تكون فيها النار وتقدح منها النار. 4 السروة: تقع في النبات فتأكله. 5 صعوة: صغار العصافير، ويقال: صعوة واحدة وصعو كثير، والأنثى: صعوة. 6 الشرية: الحنظل، وقيل: شجر الحنظل، وقيل: ورقه, وجمعها: شري.

أكمَةٌ وإكَامٌ وبنات الياء والواو نحو حَصًى وحَصاةٍ، وقَطاةٍ وقَطًا وقَطواتٍ، وقال: أَضاةٌ1 وأَضًى, وإضاءٌ مثل إكَامٍ وأَكمٍ، وقالوا: حَلَقٌ وفَلَكٌ ثم قالوا: حَلْقَةٌ وفَلْكَةٌ, فخففوا في الواحد حيث ألحقوه الزيادة وغيروا المعنى، هذا لفظ سيبويه، قال: وزعم يونس عن أبي عمرو أنهم يقولون: حَلقَة2, والمعتل3 العين: هام وهَامَةٌ وهَاماتٌ، وراحٌ وراحَةٌ وراحاتٌ، وسَاعةٌ وساع وسَاعاتٌ. الثالث: فَعِلَةٌ: نحو نَبِقَةٍ ونَبِقَاتٍ ونَبِق، فلم يجاوزوا هذا. الرابع: فِعَلَةٌ: نحو عِنَبَةٍ وعِنَبٍ، وإبَرةٍ وإبَراتٍ، وهو فسيلُ المُقل. الخامس: فَعُلَةٌ: نحو سَمُرَةٍ وسَمُرٍ وسَمُراتٍ. السادس: فُعُلَةٌ: نحو بُسُرةٍ وبُسُرٍ. السابع: فُعَلَةٌ: نحو عُشَرٍ وعُشَرةٍ, ورُطَبٍ ورُطَبَة ورُطَباتٍ، ويقول ناس4 للرطب: أرطابُ مثل عِنَبٍ وأعنابٍ، وهذا عندي إنما يجوز إذا اختلفت أنواعه، ونظيره من الياء: مُهاة ومُهي وهو ماء الفحل في رحم الناقة. الثامن: فِعْلَةٌ: نحو سِلْقَةٍ وسِلْقٍ وسِلْقاتٍ. وقد قالوا: سِدْرةٌ وسِدْرٌ، وقالوا: لِقْحَةٌ ولِقَاحٌ، وفي المضاعف: حِقَّة وحِقَاق، وقالوا: حِقَقٌ، قال المسيب بن علس: قَد نالني منهم على عَدَمٍ ... مثْلُ الفسيلِ صغارُها الحِقَقُ5

_ 1 الأضاة بفتح الهمزة: المستنقع من سيل وغيره. 2 انظر الكتاب 2/ 183. 3 أضفت كلمة "والمعتل" لإيضاح المعنى. 4 انظر الكتاب 2/ 184. 5 من شواهد سيبويه 2/ 184، على جمع حقة على حقق والمستعمل تكسيرها على "حقاق" والحقة التي استحقت أن تركب, ويضربها الفحل من النوق. مدح قومًا وهبوا له أذوادًا من الإبل، شبه صغارها بفسيل النخل، والفسيل صغار النخل، واحدها: فسيلة. وانظر اللسان 11/ 339, وشرح السيرافي 5/ 45, والمخصص 7/ 21.

والمعتل العين نحو تِينةٍ وتينٍ وتِيناتٍ، وطِين وطِينَةٍ وطِينَاتٍ، قال سيبويه: وقد يجوز أن يكون هذا "فُعْلًا"1. التاسع: فُعْلَةٌ: نحو دُخْنَةٍ ودُخْنٍ ودُخْنَانٍ، ومن المضاعف: دُرَّةٌ ودُرٌّ ودُرّاتٌ، وقالوا: دُرَرٌ كما قالوا: ظُلَمٌ، ومن المعتل العين: تُومةٌ2 وتُومٌ وتُوماتٌ، وصُوفَةٌ وصُوفَاتٌ وصُوفٌ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 189. 2 تومة: اللؤلؤة, والتومة: القرط فيه حبة.

باب ما جاء لفظ واحده وجمعه سواء

باب ما جاء لفظ واحده وجمعه سواء: وقالوا: حَلْفاءُ للجميع، وحَلْفاءُ واحده، وطَرْفاءُ مثله، وهذا عندي إنما يستعملُ فيهما ليحقر الواحدُ منهُ، قال أبو العباس: حدثني أبو عثمان المازني عن الأصمعي1، قال: واحدُ الطرْفاء طرفَة، وواحدُ القُصْباءِ قَصِبةٌ، وواحدُ الحَلْفاءِ حَلِفَة تكسر اللام مخالفة لأختيها.

_ 1 في اللسان 1/ 402 قال الأصمعي: حلقة، بكسر اللام.

باب ما كان على حرفين وليس فيه علامة التأنيث

باب ما كان على حرفين وليس فيه علامة التأنيث: اعلم: أن ما كان أصلهُ "فَعْلًا" كسر على "أَفْعِلٍ" نحو يدٍ وأَيدٍ، وفي الكثير على "فِعَالٍ" و"فُعولٍ" وذلك: دِمَاءٌ مدمي، فإن كان "فَعَلٌ" كسر في القليل على "أفعالٍ" وذلك أبٌ وآباء. وزعم يونس أنه يقول: أخ وآخاءٌ, وقال: إخوانٌ1, وبنات الحرفين تكسر على قياس نظائرها التي لم تحذف. وأما ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتأنيث، فإنهم يجمعونها بالتاء وبالواو والنون, كأنه عوضٌ، فإذا جمعت بالتاء لم [تغير] 2 وذلك: هَنَةٌ وهَناتٌ، وشِيَةٌ وشِياتٌ، وفِئَةٌ وفِئاتٌ، وثُبَةٌ وثُبَاتٌ، وقُلةٌ وقُلاّتٌ، وربما ردوها إلى الأصل إذا جمعوها بالتاء فقالوا: سَنَواتٌ وعضَواتٌ, فإذا جمعوا بالواو والنون كسروا الحرف الأول وذلك نحو: سِنُونَ، وقِلُونَ، وثِبُونَ، ومِئُونَ، فرقوا بين هذا وبين ما الواو له في الأصل نحو قوله: هَنُونَ، ومَنُونَ، وبَنُونَ، وبعضهم يقول: قُلونَ3 فلا يغير، وأما هَنَةٌ ومَنَةٌ، فلا يجمعان إلا بالتاء؛ لأنهما قد ذكرا. وقد يجمعون الشيء بالتاء فقط استغناءً وذلك نحو قولهم: ظُبَةٌ وظُباتٌ, وشِيةٌ وشِياتٌ, والتاء تدخل على ما دخلت فيه الواو والنون لأن الأصل لها، فقد يكسرون هذا النحو على بناء يرد ما ذهب من الحرف،

_ 1 انظر الكتاب 2/ 190. 2 في الأصل: "لم يعرف" ولا معنى لها, والمقصود أنه لم يغير البناء. 3 انظر الكتاب 2/ 191.

وذلك قولهم: شَفَةٌ وشِفَاهٌ، وشَاةٌ وشِيَاهٌ، واستغنوا عن التاء حيث عنوا بها أدنى العدد، وتركوا الواو حيث ردوا ما يحذف منه، وقالوا: أمَةٌ وآم وإماءٌ وهي "فَعَلةٌ" لأنهم كسروا "فَعَلة" على "أَفعُلٍ" ولم نرهم كسروا "فَعْلَةً" على "أَفعُلٍ" وقالوا: بُرَةٌ وبراتٌ وبُرونَ وبُرى, ولُغَةٌ ولُغًى, وقد يستغنون بالشيء عن الشيء وقد يستعملون فيه جمع ما يكون في بابه، وقالت العرب: أَرْضٌ وأرضاتٌ وأرضونَ, فجمعوا بالواو والنون عوضًا من حذفهم الألف والتاء, وتركوا الفتحة على حالها. وزعم يونس أنهم يقولون: حَرَّةٌ وحَرُّون1، وقالوا: إوَزّةٌ وإوَزون وزعم يونس أيضا أنهم يقولون: حَرّةٌ وإحرون يعنونَ الحِرارَ كأنه جمع إحَرَّة ولكن لا يتكلم بها2. وقد يجمعون المؤنث الذي ليست فيه هاءُ التأنيث بالتاء وذلك قولهم: عُرُساتٌ3، وأَرضاتٌ، وقالوا: سَمواتٌ استغنوا بالتاء عن التكسير، وقالوا: أهلاتٌ فشبهوها بصَعْباتٍ، وقالوا: أهَلاتٌ4، وقالوا: إمْوان جماعةُ أمةٍ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 191. 2 انظر الكتاب 2/ 191. 3 في الأصل "عرسيات" وهو خطأ. 4 الذين قالوا: أهلات ثقلوا كما قالوا: أرضات.

باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع

باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع: الأسماءُ المكسرةُ في هذا الباب ستةٌ: فِعَالٌ، فَعَالٌ، فُعَالٌ، فَعِيلٌ، فُعُولٌ، فَاعلٌ. فالأول: فِعَالٌ: جاء في القليل على "أَفْعَلةٍ" نحو حِمَارٍ وأَحْمَرةٍ، والكثير "فُعُلٌ" نحو حُمُرٍ ولك أن تخفف في لغة بني تميمٍ1، فتقول: حُمْرٌ، ورُبما عنوا ببناء أكثر العدد أدناه وذلك قولهم: ثلاثةُ جُدُرٍ، وثلاثةُ كُتُبٍ, والمضاعف لا يجاوز به أدنى العدد, وإن عنوا الكثير, وذلك: جِلالٌ وأَجلةٌ، وعِنَانٌ وأَعنّةٌ، وكِنَانٌ وأَكنةٌ، وكذلك المعتل نحو رِشَاءٍ وأَرشيةٍ وسِقَاء وأَسقيةٍ. وما اعتلت عينهُ فيكسر على "أَفعِلَةٍ" نحو خِوانٍ2 وأَخونةٍ، ورِواقٍ وأروقَةٍ، فإن أردت الكثير جاء على "فُعْلٍ" وذلك نحو خُونٍ وروقٍ وبونٍ, وذوات الياء، عِيَانٌ وعُيُنٌ, والعِيَانُ: حديدةٌ تكون في مَتاعِ الفَدان, فثقلوا لأن الياء أخفُّ من الواو كما قالوا: بَيُوضٌ وبُيُضٌ, وزعم يونس: أن من العرب من يقول: صَيُودٌ، وصِيدٌ3. والثاني: فَعَالٌ: يجيء على "أَفْعِلَةٍ" في القليل نحو زَمانٍ وأزْمنَةٍ, وقَذالٍ

_ 1 انظر الكتاب 2/ 192. 2 خوان: يجوز فيه ضم الخاء وكسرها, وكذلك "رواق". 3 انظر الكتاب 2/ 192.

وأقذَلةٍ، والكثير "فُعُلٌ" نحو قُذُلٍ، وقد يقتصرون على أدنى العدد فيه1. وبنات الواو والياء على "أَفعِلَةٍ" نحو سَمَاءٍ وأَسمِيةٍ, وكرهوا بناء الأكثر2. الثالث: فُعَالٌ: يجيء على "أَفْعِلَةٍ" في القليل: غُرابٌ وأَغْرِبةٌ، والكثير "فِعْلانٌ" نحو غِرْبانٍ وغِلْمَانٍ، ولم يقولوا: أَغْلِمَةٌ، استغنوا بغِلْمَةٍ والمضاعف: ذُبابٌ وأذبةٌ في القليل وذِبَّانٌ في الكثير, وقالوا في المعتل في أدنى العدد: أحْوِرةٌ والذين يقولون: حِوارٌ يقولون: حِيران. وأما سُوارٌ وسُورٌ فوافق الذين يقولون: سُوارٌ للذين يقولون: سِوارٌ كما اتفقوا في الحُوار3 وقال قوم: حُوران وربما اقتصروا على بناء أدنى العدد فيه كما فعلوا ذلك في غيره وقالوا: فُؤَادٌ وأَفْئدةٌ, وقالوا: قُراد وقُرُدٌ, وذُبَابٌ وذُب. الرابع: فَعيلٌ: يجمع في القليل على "أَفْعِلَةٍ" والكثيرُ فُعُلٌ وفُعْلان، مثل رَغيفٍ وأرْغفَةٍ ورُغُفٍ ورُغْفَانٍ، وربما كسروه على "أفْعِلاء" نحو أَنْصباء. وقد قال بعضهم4 فيه: "فِعْلان" قال: فصِيلٌ وفِصلانٌ، والمعتل نحو قَريٍّ وأقريةٍ وقُريَانٍ، ولم يقولوا في صَبِيٍّ وأَصْبِيةٍ, استغنوا بِصبيةٍ، وقالوا في المضاعف: حزيز5 وأحزةٌ وحُزَّانٌ، وقال بعضهم: حِزَّانٌ وقالوا: سريرٌ وأسِرةٌ وسُرُرٌ وقالوا: فَصِيلٌ وفصالٌ حيث قالوا: فَصِيلةٌ وتوهموه الصفة فشبهوه بظَريفةٍ وظِرافٍ حيث أنثوا, وكان هو المنفصل من أبٍ, وقد قالوا: أَفِيلٌ وأَفَائل وهو حاشية الإِبل. وقالوا: إفَالٌ شبهوها بِفصَالٍ حيث قالوا في الواحد: أفْيلة فأشبه الصفة. الخامس: فَعولٌ: ويذكر في باب المؤنث.

_ 1 كما فعلوا ذلك في بنات الثلاثة وهو أزمنة وأمكنة. 2 الاعتلاء بالياء؛ لأنها أقل الياءات احتمالًا وأضعفها, وانظر الكتاب 2/ 193. 3 أي: يجوز في الحوار ضم وكسر الحاء. 4 انظر الكتاب 2/ 193. 5 حزيز: رجل شديد السوق والعمل، والمكان الغليظ المنقاد.

السادس: فَاعِلٌ وفَاعَلٌ: يكسران على فَواعلَ, ويكسرونَ الفَاعِلَ أيضًا على "فُعلانٍ" نحو حَاجرٍ1 وحُجْرانٍ وعلى فِعْلانٍ في المعتل نحو حائِطٍ وحِيطاَنٍ وكان أصله صفةً, فأجري مجرى الأسماء فيجيء على "فُعْلانٍ" نحو راكبٍ ورُكْبَانٍ وفارسٍ وفُرْسانٍ. وقد جاء على فِعَالٍ نحو صِحَابٍ, ولا يكون فيه فواعلُ؛ لأن أصله صفةٌ وله مؤنث, فيفصلونَ بينهما إلا في فَوارس. تم الجزء الثاني. ويليه الجزء الثالث.

_ حاجر: الحاجر من مسائل المياه ومنابت العشب ما استدار به سند أو نهر مرتفع.

فهرست الموضوعات

فهرست الموضوعات الموضوع الصفحة المجرور بالإضافة 5 باب إضافة الأسماء إلى الأفعال والجمل 11 مسائل من هذا الباب 13 هذه توابع الأسماء في إعربها 19 شرح الأول: وهو التوكيد 19 الثاني من التوابع: وهو النعت 23 ذكر وصف المعرفة 31 مسائل من هذا الباب 33 الثالث من التوابع: وهو عطف البيان 45 الرابع من التوابع: وهو عطف البدل 46 مسائل من هذا الباب 49 الخامس من التوابع: وهو العطف بحرف 55 باب العطف على الموضع 61 باب العطف على عاملين 69 باب مسائل العطف 76 ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف 79 الأسباب التي تمنع الصرف تسعة 80

الأول: وزن الفعل 80 الثاني: الصفة التي تتصرف 82 الثالث: التأنيث 83 الرابع: الألف والنون اللتان تضارعان ألفي التأنيث 85 الخامس: التعريف 87 السادس: العدل 88 السابع: الجمع الذي لا ينصرف 90 الثامن: العجمة 92 التاسع: الاسمان اللذان يجعلان اسمًا واحدًا 92 مسائل من هذا الباب 93 باب ما يحكى من الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى 104 باب ما لا يجوز أن يحكى 108 باب التسمية بالحروف 110 ذكر الأسماء المبنية التي تضارع المعرب 111 باب الكنايات: وهي علامات المضمرين 115 الباب الثالث من المبنيات: وهو الاسم الذي يشار به إلى المسمى 127 باب الأسماء المبنية المفردة التي سمي بها الفعل 130 باب الاسم الذي قام مقام الحرف 135 باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات 137 الباب السادس من المبنيات المفردة: وهو الصوت المحكي 139 باب إعراب الأفعال وبنائها 145 الأفعال المرفوعة 146 الأفعال المنصوبة 147 الأفعال المجزومة 156 باب إعراب الفعل المعتل اللام 164 مسائل من سائر أبواب إعراب الفعل 165

فصل يذكر فيه قل وأقل 168 فصل من مسائل الدعاء والأمر والنهي 170 فصل من مسائل الجواب بالفاء 179 فصل من مسائل المجازاة 187 باب الأفعال المبنية 199 ذكر النون الثقيلة 199 ذكر النون الخفيفة 202 مسائل من باب النون 203 باب الحروف التي جاءت للمعاني 206 باب أم وأو والفصل بينهما 213 باب ما جاء من ذلك على ثلاثة أحرف 216 باب ما جاء منها على أربعة أحرف 218 باب ما جاء منها على حرف واحد 219 باب الحرف المبني مع حرف 220 باب التقديم والتأخير 222 شرح الأول: وهو الصلة 223 شرح الثاني: توابع الأسماء 225 شرح الثالث: وهو المضاف إليه 226 شرح الرابع: الفاعل 228 الخامس: الأفعال التي لا تتصرف 228 السادس: ما أعمل من الصفات تشبيهًا بأسماء الفاعلين وعمل عمل الفعل 229 السابع: التمييز 229 الثامن: العوامل في الأسماء والحروف التي تدخل على الأفعال 230 التاسع: الحروف التي تكون صدور الكلام 234 العاشر: أن يفرق بين العامل والمعمول فيه بما ليس

للعامل فيه سبب وهو غريب منه 237 الحادي عشر: تقديم المضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى 238 الثاني عشر: التقديم إذا ألبس على السامع أنه مقدم 245 الثالث عشر: إذا كان العامل معنى الفعل ولم يكن فعلًا 246 الاتساع 255 باب الزيادة والإلغاء 257 ذكر الذي والألف واللام 261 ذكر ما يوصل به الذي 266 ذكر الإخبار عن الذي 269 باب ما جاز أن يكون خبرًا 276 الأول: باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول 277 الثاني: الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد 280 الثالث: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين 282 الرابع: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما 284 الخامس: الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين 284 السادس: الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به 287 السابع: الفاعل الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد 288 الثامن: الظروف من الزمان والمكان 291 التاسع: الإخبار عن المصدر 297 العاشر: الابتداء والخبر 299 الحادي عشر: المضاف إليه 303 الثاني عشر: البدل 304 الثالث عشر: العطف 305 الرابع عشر: الإخبار عن المضمر 312

باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز بالألف واللام 314 ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون 315 باب ما ألف النحويون من الذي والتي وإدخال الذي على الذي 318 باب أخوات الذي 323 باب الاستفهام إذا أردت الإخبار عنه 327 باب من الألف واللام يكون فيه المجاز 330 مسائل من الألف واللام 331 ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم 361 باب ذكر الابتداء 367 ألف الوصل 367 ذكر الوقف على الاسم والفعل والحرف 371 القسم الثاني: وهو الظاهر المعتل 374 الضرب الثاني: وهو ما كان آخره همزة 376 الضرب الثالث منه: وهو ما كان آخره ألف مقصورة 378 القسم الثالث: وهي الأسماء المكنية 378 الرابع: المبهم المبني 381 الوقف على الفعل 382 الثاني: الفعل المعتل 382 الوقف على الحرف 383 باب الساكن الذي تحركه في الوقف 384 باب من وأي إذا كنت مستفهمًا عن نكرة 394 باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام 398 ذكر الهمز وتخفيفه 398 باب ذكر الهمزة المتحركة 401 باب الهمزتين إذا التقتا 403 باب المذكر والمؤنث 407

باب التأنيث بالألف 410 ذكر المقصور والممدود 415 ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية 417 باب جمع الاسم 420 باب جمع الرجال والنساء 421 ذكر العدد 424 باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه 426 باب العدد المؤنث الواقع على معدود مؤنث 428 ذكر جمع التكسير 429 باب جمع الثلاثي الذي فيه هاء التأنيث في الجمع 439 باب ما يكون من بنات الثلاثة واحدًا يقع على الجميع 442 باب ما جاء لفظ واحده وجمعه سواء 445 باب ما كان على حرفين وليس فيه علامة التأنيث 446 باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع 448 فهرست الموضوعات 451

المجلد الثالث

المجلد الثالث تابع ذكر جمع التكسير باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع ... باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع: الأسماءُ المكسرةُ في هذا الباب ستةٌ: فِعَالٌ فَعَالٌ فُعَالٌ وفَعِيلٌ فُعُولٌ فَاعلٌ. فالأول: فِعَالٌ: جاء في القليل على "أَفْعَلةٍ" نحو: حِمَارٍ وأَحْمَرةٍ والكثير "فُعُلٌ"، نحو: حُمُرٍ، ولك أن تخفف في لغة بني تميمٍ1، فتقول: حُمْرٌ، ورُبما عنوا ببناء أكثر العدد أدناه وذلك قولهم: ثلاثةُ جُدُرٍ، وثلاثةُ كُتُبٍ. والمضاعف لا يجاوز به أدنى العدد -وإن عنوا الكثير- وذلك: جِلالٌ وأَجلَةٌ، وعِنَانٌ وأَعنّةٌ، وكِنَانٌ وأَكنَةٌ، وكذلك المعتلُ نحو: رِشَاءٍ وأَرشيةٍ، وسِقَاء وأَسقيةٍ، وما اعتلت عينهُ فيكسر على "أَفعِلَةٍ" نحو: خِوانٍ2 وأَخونةٍ، ورِواقٍ وأروقَةٍ، فإن أردت الكثير جاء على "فُعْلٍ" وذلك نحو: خُونٍ، وروقٍ، بونٍ. وذوات الياء، عِيَانٌ وعُيُنٌ، والعِيَانُ: حديدةٌ تكون في مَتاعِ الفَدَان، فثقلوا لأن الياء أخفُّ من الواو كما قالوا: بَيُوضٌ وبُيُضٌ، وزعم يونس: أن من العرب من يقول: صَيُودٌ وصِيدٌ3. والثاني: فَعَالٌ: يجيء على "أَفْعِلَةٍ" في القليل نحو: زَمانٍ وأزْمنَةٍ، وقَذالٍ وأقذَلةٍ، والكثير "فُعُلٌ" نحو: قُذُلٍ، وقد يقتصرون على أدنى العدد

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 192. 2 خوان: يجوز فيه ضم الخاء وكسرها. وكذلك "رواق". 3 انظر: الكتاب 2/ 192.

فيه1 وبنات الواو والياء على "أَفعِلَةٍ" نحو: سَمَاءٍ وأَسمِيةٍ. وكرهوا بناء الأكثر2. الثالث: فُعَالٌ: يجيء على "أَفْعِلَةٍ" في القليل: غُرابٌ وأَغْرِبةٌ، والكثير "فِعْلانٌ" نحو: غِرْبانٍ، وغِلْمَانٍ، ولم يقولوا: أَغْلِمَةٌ، استغنوا بغِلْمَةٍ، والمضاعف ذُبابٌ وأذْبةٌ في القليل وذِبَّانٌ في الكثير، وقالوا في المعتل في أدنى العدد أحْوِرةٌ، والذين يقولون: حِوارٌ يقولون: حِيرانٌ. وأما سُوارٌ وسُورٌ فوافق الذين يقولون: سُوارٌ للذين يقولون: سِوارٌ كما اتفقوا في الحُِوار3، وقال قوم: حُورانٌ، وربما اقتصروا على بناء أدنى العدد فيه كما فعلوا ذلك في غيره وقالوا: فُؤَادٌ وأَفْئدةٌ، وقالوا: قُرادُ وقُرُدٌ، وذُبَابٌ وذُبٌ. الرابع: فَعيلٌ: يجمع في القليل على "أَفْعِلَةٍ" والكثيرُ: فُعُلٌ وفُعْلانٌ مثل: رَغيفٍ وأرْغفَةٍ ورُغُفٍ ورُغْفَانٍ، وربما كسروه على "أفْعِلاءِ" نحو: أَنْصَباءٍ. وقد قال بعضهم4 فيه "فِعْلانٌ" قال: فَصِيلٌ وفِصلانٌ، والمعتل نحو: قَرْيٍّ وأقرْيةٍ، وقُريَانٍ، ولم يقولوا في: صَبِيٍّ أَصْبِيةٍ، استغنوا بِصبيَةٍ، وقالوا: في المضاعف: حزيز5 وأحزَةٌ وحُزَّانٌ، وقال بعضهم: حِزَّانٌ، وقالوا: سريرٌ وأسِرَةٌ وسُرُرٌ، وقالوا: فَصِيلٌ وفصالٌ، حيث قالوا: فَصِيلةٌ وتوهموه الصفة فشبهوه بظَريفةٍ وظِرافٍ حيث أنثوا وكان هو

_ 1 كما فعلوا ذلك في بنات الثلاثة هو: أزمنة وأمكنة. 2 الاعتلال بالياء -لأنها أقل الياءات احتمالا وأضعها. وانظر: الكتاب 2/ 193. 3 أي: يجوز في الحوار- ضم وكسر الحاء. 4 انظر: الكتاب 2/ 193. 5 حزيز: رجل شديد السوق والعمل، المكان الغليظ المنقاد

المنفصلُ من أبٍ1 وقد قالوا: أَفِيلٌ وأَفَائلٌ وهو حاشية الإِبل وقالوا: إفَالٌ شبهوها بِفصَالٍ حيث قالوا: في الواحد أفْيَلةُ فأشبه الصفة. الخامس: فَعولٌ: ويذكر في باب المؤنث. السادس: فَاعِلُ وفَاعَلٌ: يكسران على فَواعلَ ويكسرونَ الفَاعِلَ أيضًا على "فُعلانٍ" نحو: حَاجرٍ2 وحُجْرانٍ وعلى فِعْلانٍ في المعتل نحو: حائِطٍ وحِيطاَنٍ، وكان أصله: صفةً فأجري مجرى الأسماء فيجيء على "فُعْلانٍ" نحو: راكبٍ ورُكْبَانٍ وفارسٍ وفُرْسانٍ. وقد جاء على فِعَالٍ، نحو: صِحَابٍ ولا يكون فيه فواعلُ لأن أصله صفةٌ وله مؤنث فيفصلونَ بينهما إلا في فَوارس3.

_ 1 في الكتاب 2/ 194: كان هو المنفصل من أمه. 2 حاجز: الحاجز من مسائل المياه ومنابت العشب ما استدار به سد أو نهر مرتفع. 3 قالوا: فوراس، كما قالوا: حواجز، لأن هذا اللفظ لا يقع في كلام العرب إلا للرجال وليس في أصل كلامهم أن يكون إلا لهم، فلما لم يخافوا الالتباس قالوا: فاعل.

باب المؤنث

بَابُ المؤنثِ: والأبنيةُ المجموعةُ فيهِ أَحدَ عشَرَ بناءً: فَعَالٌ، وفِعَالٌ، وفُعَالٌ، وفَعيلٌ، وفَعُولٌ، وفُعَلٌ، وفِعْلٌ، وفَعيلةٌ، وفِعَالةٌ، وفَعَالةٌ، وفُعَالةٌ. اعلَم: أَنَّ ما كانَ مِنْ هذهِ الأسماءِ التي تجيءُ بالزيادةِ على أَربعةِ أَحرفٍ وهي مؤنثةٌ فجمعها في القليلِ علَى "أَفْعُلٍ". فأَمَّا فَعالٌ: فمثلُ: عَناقٍ وأَعنُقٍ، وفي الكثيرِ على "فُعُولٍ" مثلُ عُنُوقٍ. وأَمَّا فِعَالٌ: فنحو: ذِراعٍ وأَذرعٍ، ولا يجاوزونها هَذا، ومَنْ أَنثَ اللسانَ قالَ: أَلْسنٌ ومَنْ ذَكرَ قالَ: أَلسنةٌ. وقَد جاءَ في شَمالٍ: شَمائلٌ كسرتْ علَى الزيادةِ وقالوا: أَشْمُلٌ. وأما فُعَالٌ: فنحو: عُقَابٍ وأَعْقُبٍ. وقالوا: عِقْبانٌ وأَما فَعِيلٌ: فَيَمِينٌ وأَيمُنٌ، لأَنَّها مؤنثةٌ وقالوا: أَيمانٌ1. وأَما فَعُولٌ: فنحو: قَدُوم وقُدُمٌ، وهو بمنزلةِ فَعِيلٍ في القليلِ في المذكرِ، فإِنْ أَردتَ الكثيرَ كسرتَهُ على فِعْلانٍ نحو: خِرْفَانٍ وقالوا: عَمُودٌ

_ 1 كسروها على "أفعال" كما كسروها على"أفعل" إذ كانا لما عدده ثلاثة أحرف.

وعُمُدٌ وَزبُورٌ1 وزُبُرٌ، وقد كسروا أَشياءَ منها مِنْ بَنَاتِ الواوِ على "أَفعالٍ" قالوا: فَلُوٌّ وأَفْلاء، وَعدُوٌّ، وَعدُوٌّ وصفٌ ولكنّهُ ضَارَعَ الأَسماءَ. وأَما فُعْلَى فإِنْ كانت: فُعْلَى أَفعل "فتكسيرُها" على "فُعَلٍ" نحو: الصُّغرى والصُّغَرِ ومثلهُ مِنْ ذَواتِ الياءِ والواوِ: الدُّنيا والدُّنَى، والقُصوَى والقُصَى، وإِنْ شئتَ جمعتَهنَّ بالتاءِ فقلتَ: الصُّغْرَياتُ والكُبْرَياتُ، كما يجمعُ المذكرُ بالواوِ والنونِ نحو: الأَصغرونَ: فُعْلَى وفِعْلَى إذا كسرتَهُ حذفَت الزيادَة التي هي للتأنيثِ ثَمَ تبنى على "فَعَالى" وتبدلُ الياءُ مِنَ الأَلفِ نحو: حَبَالى وذَفارى، ولم ينونوا ذِفرى2. و"فُعْلَى وفِعْلَى" في هَذا البابِ سواءٌ وقالوا في ذِفْرَى: ذَفارٌ، قَال3: فقولُهم: ذَفارٌ، يدلُّك أَنَّهُم جمعُوا هَذا البابَ على "فَعَالٍ" ثُمَّ قَلَبوا الياءَ أَلفًا وجاءَ على الأصلِ، والفرقُ بينَ حُبْلَى والصُّغرى أَنَّ الصُّغْرَى فُعْلَى أَفعل مثلُ الأَصفرِ ولا تفارقها الألفُ واللامُ وحُبْلَى ليستْ كذلكَ فأشبهتْ ذِفْرَى، وأَما فِعْلَى فهو مثلُ حُبْلَى، إذا كسرتَهُ حذفَت الزيادةَ التي هي للتأنيثِ ثُمَّ بنيتَهُ على "فَعَالى" وأَبدلتَ مِنَ الياءِ الألفِ [وفُعْلَى وفِعْلَى في هَذا البابِ سواءٌ. وقالوا في ذِفْرى: ذَفاَرٌ ولم ينونوا ذِفرى] 4 وما كانتِ الألفُ في آخرهِ للتأنيثِ فحكمهُ حكمُ ذِفْرَى تحذفُ الألفُ التي قبلَ الطرفِ نحو: صَحراءَ وصَحارَى وقالوا: صحارٍ5، فإنْ أردتَ أَدنى العددِ جمعتَ بالتاءِ

_ 1 زبور: الكتاب بمعنى الزبور، وكتاب داود عليه السلام. 2 ذفرى: الموضع الذي يعرق من الإبل خلف الأذن. 3 أي: ابن السراج. 4 ما بين القوسين جملة مكررة حرفيا لما قبلها بأسطر قليلة. وهي دخيلة على الكتاب. 5 انظر: الكتاب 2/ 195.

فقلتَ: صَحْراواتٌ وذِفْرَياتٌ وحُبْلَياتٌ وقالوا: أُنثى وإناثٌ ورُبَى1 ورُبابٌ وأَما فَعِيلَةٌ2: فما عدةُ حروفهِ أَربعةٌ وفيهِ هاءُ التأنيثِ حَذَفوا وكسروهُ على "فَعائلَ" ورُبَّما كسروهُ عَلَى "فُعُلٍ" ليسَ يمتنعُ شيءٌ مِنْ هَذا أَنْ يجمعَ بالتاءِ إِذَا أَردتَ ما يكونُ لأَقلِّ العددِ نحو: صَحيفةٍ وصَحائفَ وصُحُفٍ وقد يقولونَ: ثلاثُ صَحائفَ فأَما فِعَالةٌ: فمثلُ فَعِيلةٍ نحو: عِمَامةٌ وعَمَائمُ. وأَمَّا فَعَالةٌ فنحو: حَمَامةٍ وحَمَائمَودَجَاجةٍ ودَجَائجَ وفي التاءِ مثلُ "فَعِيلةٍ" وأَمَّا فُعَالَةٌ: فمثلُ ما قبلَها نحو: ذُوابة وذَوَائبَ وليسَ ممتنعٌ شيءٌ من ذَا مِنَ الألفِ والتاءِ إِذَا أَردتَ أَدنى العددِ. واعلَم: أَنَ فَعِيلًا وفَعَالًا وفِعَالًا وفُعَالًا إذا كانَ شيءٌ منها يقعُ على الجميعِ "فواحده" يَكونُ على بنائِه وتلحقهُ هاءُ التأنيثِ مثلُ: دَجَاجةٍ ودَجَاجٍ وسَفِينةٌ وسَفَينٌ ومُرَارةٌ "ومُرَارٌ" ودَجَاجاتٌ وسَفِينَاتٌ ومُرَاراتٌ فأَمرها كأمرِ ما كانَ عليهِ ثلاثةُ أَحرفٍ من الجمعِ بالتاءِ وغيرِه وكذلكَ بناتُ الياءِ والواوِ فيهِ. وقالوا: دَجَائجُ وسَحَائبُز وكُلُّ ما كانَ واحدًا مذكرًا على الجميعِ فإِنهُ بمنزلةِ ما كانَ على ثَلاثةِ أَحرفٍ مِنَ الجميعِ وغيرِه مما ذكَرنا كثرتْ حروفهُ أَو قلَّتْ: نحو: سَفَرجلةٍ وسَفَرجلٍ كما يقولونَ تَمْرةٌ وتَمْرٌ.

_ 1 ربى: جمادى الأولى والآخرة. 2 لم يمثل ابن السراج "لفعل" ولم يذكره أثناء الشرح.

باب ما كان من الأسماء على أربعة أحرف من غير زيادة

باب ما كان من الأَسماء على أربعة أحرف من غير زيادة: اعلِم: أَنَّ ما كانَ من بناتِ الأربعةِ لا زيادةَ فيهِ فإِنهُ يكسرُ علَى مِثالِ "مَفَاعلٍ" نحو: ضَفَادعٍ وإِن عنيتَ الأَقلَّ أيضًا لا تجاوزهُ لأَنكَ لا تصلُ إلى التاءِ لأَنهُ مذكرٌ فإِنْ كانَ فيه حرفٌ رابعٌ زَائدٌ وهوَ حرفُ لينٍ كسرتُه علَى مثالِ "مَفَاعيلٍ" نحو: قِنديلٍ وقَنَاديل وكُلُّ شيءٍ من بناتِ الثلاثةِ أُلحقَ بزيادةٍ ببناتِ الأربعةِ وأُلحق ببنائِها فتكسرهُ أيضًا على مَثَالِ مَفَاعِل والملحقُ بمنزلةِ الأَصلي وذلكَ نحو: جَدْولٍ وجَدَاول وأَجدلٍ وأَجادل ومما لم يُلحقْ بالأربعةِ وفيه زِيادةٌ وليستِ الزيادةُ بمدةٍ فتكسيرهُ على مِثالِ "مَفَاعل" أيضًا نحو: تَنْضُبٍ1 وتَنَاضِب وكُلُّ شيءٍ مِنْ بناتِ الثلاثةِ قد أُلحقَ ببنات الأربعةِ فصارَ رابعهُ حرفَ مَدٍّ فهوَ بمنزلةِ ما كانَ من بناتِ الأربعةِ لَهُ رابعٌ حرفُ مَدٍّ كقُرطاطٍ وقَراطيطٍ وكذلكَ ما كانت فيهِ زائدةٌ ليستْ بمدةٍ ولا رابعه حرفُ مدٍّ ولم يبنَ بناءَ بناتِ الأَربعةِ التي رابعُها حَرْفُ مَدٍّ نحو: "كَلوبٍ2 وكَلاليبَ" ويَربوعٍ ويَرابيعَ وكُلُّ شيءٍ مما ذكرْنا كانت فيهِ هاءُ التأنيثِ فتكسيرهُ على ما ذكرْنا مِنَ الأربعةِ إلا أَنَّكَ تجمعُ بالتاءِ إِذَا أردتَ أَدنى العددِ.

_ 1 تنضب: جمع تناضب، وهو شجر حجازي له شوك كالعوسج. وقرية قرب مكة. 2 كلوب: المهماز.

واعلَم: أَنَّ الخماسي مِنَ الأسماءِ التي هيَ أُصولٌ لا يجوزُ تكسيرهُ فمتى استكرهوا حذَفوا منها وردوهُ إِلى الأربعةِ تقولُ في سَفَرجلٍ: سَفَارجُ فتحذفُ اللامَ وقالوا في فَرَزدقٍ: فَرَازِقُ حذفوا الدالَ لأَنَّها مِنْ مخرجِ التاءِ والتاءُ مِنْ حروفِ الزوائدِ والقياسُ أَنْ يقولوا: فرازدٌ وما جاءَ مِنَ الأسماءِ ملحقًا فاحذفْ بالخمسةِ مِنهَا الزوائدَ وردَّهُ إِلى الأربعةِ فإِنْ كَان فيه زائد ثانٍ أو أَكثرُ فأَنتَ بالخيارِ في حذفِ الزوائدِ حتى تردَّهُ إِلى مِثَالِ: "مَفَاعِل" ومَفَاعيل فإِنْ كانَ إِحدى الزوائدِ دخلتْ لمعنىً أثبتَّ ما دخلَ لمعنىً وحذفتَ ما سواهُ وذلكَ نحو: مُقْعَنسس1 وهوَ ملحقٌ بمحرنجمٍ2، فالميمُ زائدةٌ والنونُ زائدةٌ والسينُ الأخيرةُ زائدةٌ فتقول: مَقَاعسُ وإنْ شئتَ: مَقَاعيسُ فتحذف النونَ والسينَ ولا تَحذفُ الميمَ لأنَّها أُدخلت لمعنَى اسمِ الفاعلِ وأنتَ بالتعويضِ بالخيارِ والتعويضُ أَنْ تلحقَ ياءً ساكنةَ بينَ الحرفينِ اللذينِ بعدَ الألفِ فإنْ كانتِ الزيادةُ رابعةَ فالتعويضُ لازمٌ كما ذَكرنا في قنديلٍ وقَنَاديل لا يجوز إلا التعويضُ. ورُبّما اضطر فزادَ الياءَ من غير تعويضٍ مِنْ شيءٍ كما قالوا: "نَفْيَ الدَّراهِمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريفُ ... "3.

_ 1 مقعنسس: يقال اقعنسس الرجل إذا اجتمع. وهو أن يقدم بطنه ويؤخر صدره. 2 يقال: احرنجم القوم، إذا اجتمعوا. 3 من شواهد سيبويه 1/ 10 على زيادة الياء في "الصيارف" ضرورة تشبيها لها بما جمع في الكلام على غير واحد، نحو: ذكر، ومذاكير، وسمح، ومساميح. وهو عجز بيت صدره: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهم ... والبيت للفرزدق، قال المبرد في الكامل: الياء في "صيارف" حرف إشباع من الكسرة. تنفي: كل ما ردده فقد نفيته. والهاجرة: وقت اشتداد الحر. وتنقاد: من نقد الدراهم، هو التمييز بين جيدها ورديئها. وصف ناقة بسرعة السير في الهواجر فيقول: إن يديها لشدة وقعها في الحصى تنفيانه فيقرع بعضه بعضا، ويسمع له صوت كصوت الدراهم إذا انتقدها الصيرفي. وانظر: المقتضب 2/ 258، والكامل 143، والجمهرة 2/ 356، والخصائص 2/ 315، وشرح الحماسة 3/ 1477، وابن الشجري 1/ 142، والإنصاف/ 27، وابن يعيش 6/ 106، والديوان/ 570.

ذكر تكسير الصفة باب الثلاثي منها

ذكر تكسير الصفةِ. بابُ الثلاثي منها: الأول: فَعْلٌ جاءَ فيهِ تسعةُ أَبنيةٍ: فِعَالٌ فَعُولٌ فَعْلٌ أَفْعَلٌ فَعِيلٌ أَفْعَالٌ فَعْلانُ فِعَلَةٌ فُعْلانٌ. فِعَالٌ: نحو صَعْبٍ وصِعَابْ ولا يكسرُ للقليلِ. وفُعُولٌ نحو: كَهْلٍ وكُهُولٍ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا إِذَا كانَ للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وإِذَا أَلحقتَهُ الهاءَ للتأنيثِ كسرَ على "فِعَالٍ" نحو: عَبلةٍ1 وعِبَالٍ وليسَ شيءٌ مِنْ هذا يمتنعُ مِنَ التاءِ إِلا أَنك لا تحركُ الأوسطَ لأنهُ صفةٌ. وقالوا: شِياهٌ لَجَبات2، فحركوا، ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ: شَاةٌ لَجَبةٌ وقالوا: رِجالٌ رَبَعاتٌ لأَنَّ أَصلَ "رَبَعةٍ" اسمٌ مؤنثٌ وقعَ على المذكرِ والمؤنثِ، وَقَد كسروا "فَعْلًا" على "فُعْلٍ" مثلُ كَثٍّ وكُثٍّ، وكسروا ما استعملوا منهُ استعمالَ الأَسماءِ على "أَفْعُلٍ" نحو: عَبْدٍ وأَعْبُدٍ وقَالوا: عَبيدٌ كما قالوا: كَليبٌ وقالوا: شَيخٌ وأَشياخٌ وشِيخانٌ وشِيخَةٌ وقالوا: وَغْدٌ وَوِغدانٌ وَوُغَدانٌ ورُبَّما كسروا الصفةَ تكسيرَ الأسماءِ. الثاني: فَعَلٌ على ثلاثةِ أَبينةٍ: فِعَالٌ وفِعْلانٌ وأَفعَالٌ وذلكَ: حَسَنٌ

_ 1 عبلة: العبل: الضخم من كل شيء 2 لجبات: جمع لجبة، يقال، شياه لجبات إذا قل لبنهن، وهذا الجمع بالتحريك شاذ لأن حقه التسكين إلا أنه كان الأصل عندهم أنه اسم وصف به، كما قالوا: امراة كَلْبة فجمع على الأصل.

وحِسَانٌ عندَ البابِ وقالوا: خَلَقٌ وخِلْقانٌ وبَطَلٌ وأَبطَالٌ استغنوا بهِ عن "فَعَالٍ" فألحقتَهُ الهاءَ للتأنيثِ كسرَ أيضًا على "فِعَالٍ" وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وما كانَ على "أَفعالٍ" نحو: أَبْطَالٍ فإِنَّ مؤنَّثهُ إِذا لحقتهُ الهاءُ جُمِعَ بالتاءِ نحو: بَطَلةٍ وبَطَلاتٍ مِنْ قِبلٍ أَن مذكرَهُ لَمْ يجمَع "على فِعَالٍ" فيكسرُ هُوَ عليهِ. "فَعَلَةٌ" كَما لا يجمعُ مؤنثُ "فَعْلٍ" علَى "أَفْعُلٍ" كما قالوا: رَجُلٌ صَنَعٌ وقَومٌ صَنَعُونَ ورَجُلٌ رَجَلٌ وقَومٌ رَجَلونَ والرَّجَلُ: هُوَ الرَّجِلٌ الشَّعَرٌ ولم يكسروهما الثالثُ: فُعُلٌ: جاءَ على "أَفعالٍ" وهو في الصفاتِ قليلٌ وذلكَ قولُكَ: جَنُبٌ1 فَمَنْ جمعَ مِنَ العربِ قالَ: أَجْنَابٌ وإِنْ شئتَ قلتَ: جُنبُونَ وقالوا: رَجُلٌ شُلُلٌ2، ولا يجاوزونَ "شُلُلوُنَ" وَهوَ الخفيفُ في الحاجةِ. الرابعُ: فِعْلٌ: علَى "أَفعالٍ" و"أَفْعُلٍ" وذلكَ جِلْفٌ وأَجْلاَفٌ وقالَ بعضَ العَربِ: أَجْلُفٌ وقالوا: رَجُلٌ صِنْعٌ وقَومٌ صِنْعونَ وليسَ شيءٌ مما ذكرنا يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ ومؤنثهُ إِذَا لحقتهُ الهاءُ بمنزلةِ مؤنث ما كسر على "أَفعالٍ" مِنْ بابِ "فَعْلٍ" يجمعُ بالألفِ والتاءِ وقالوا: عِلْجةٌ وعِلْجٌ3. الخامس: فُعْلٌ: وأَفعالٌ يقولونَ: رَجُلٌ مُرٌّ وأَمرارٌ وَهوَ مثلُ "فِعْلٍ"/ في القلةِ ويقالُ: رَجُلٌ حُلْوٌ وقَومٌ حُلْونَ وهوَ العظيمُ البطنِ السادسُ: فَعُلٌ على أَفعالٍ: وذلكَ: يَقظٌ وأيقَاظٌ ونَجُدٌ4 وأَنجادٌ وبابهُ أَن يجمعَ بالواوِ والنونِ.

_ 1 جنب: الجار الجنب، جارك من غير قومك. 2 شلل: الشلل: الخفيف السريع. 3 العلج: الرجل من كفار العجم. وزاد الجوهري في جمعه: علجة. 4 نجد: جمع نجد، وهو من الأرض قفافها وصلابتها وما غلظ منها وأشرف وارتفع واستوى والجمع: أنجد، وأنجاد، ونجاد ونجود، ونجد، والأخير ذكره ابن السراج. قال صاحب اللسان: وهذا الجمع الأخير عن ابن الأعرابي.

السابعُ: فَعِل: جاءَ علَى "أَفعالٍ" وقالوا: نَكِدٌ وأَنكادٌ فجميعُ الأَبنيةِ التي جاءَت مِنَ الثلاثي في الصفاتِ سبعةُ أَبنيةٍ. الأول: فَعْلٌ. وجاءَ فيهِ تسعةُ أبنيةٍ: فَعالٌ وفُعُولٌ وفُعْلٌ وأَفْعُلٌ وفَعِيلٌ وأَفعَالٌ وفِعْلانٌ وفِعَلةٌ وفُعْلانٌ. الثاني: فَعْلٌ وجاء فيه ثلاثة أبنية: فِعَالٌ وفُعَالٌ وأَفْعَالٌ. الثالث: فَعَلٌ: جاء على أفعال. الرابع: فَعْلٌ: جاء على أفعال وأَفْعُلٍ. الخامس: فَعُلٌ: جاء على أفعال. السادس: فَعَلٌ: جاء على أفعال. السابع: فِعْلٌ: جاء على أفعال. واعلَمْ: أَنَّ جميعَ هذهِ النعوتِ لا تمتنعُ [من] 1 الواوِ والنونِ والألفِ والتاءِ لأَنَّها على الفعلِ تجري والأَسماءُ أَشدُّ تمكنًا في التكسيرِ فمتى احتجتَ إلى تكسيرِ صفةٍ ولم تعلمْ أَنَّ العربَ كسرتَها فكسرها تكسيرَ الاسمِ الذي هُوَ علَى بنائِه لأَنَّها أَسماءٌ وإنْ كانت صفاتٍ. والضرورةُ تقعُ في الشعرِ فأَمَّا إِذَا احتجتَ إلى ذلكَ في الكلامِ فاجمعْ بالواوِ والنونِ والألفِ والتاءِ إلا أَنْ تعلَم أَنَّ العربَ قد كسروا مِنْ ذلكَ شيئًا فتكسرْ عليهِ.

_ 1 أضفت "من" لإيضاح المعنى.

باب تكسير ما كان في الصفات عدد حروفه أربعة أحرف بالزيادة

باَبُ تكسيرِ ما كانَ في الصفاتِ عددُ حروفهِ أربعةُ أحرفٍ بالزيادةِ تجيء الصفةُ في هَذا البابِ على تسعةِ أبنيةٍ: الأولُ: فَاعِلٌ: جاءَ علَى سبعةِ أَبنيةٍ: فُعَّلٌ وفُعَّالٌ وفُعَلَةٌ وفَعَلةٌ فيما اعتلت لامهُ. وفُعُلٌ وفُعَلاءُ وفَواعلُ فأَما "فُعَّلٌ" فنحوه شَاهدٍ وشُهَّدٍ ومثلُهُ من بناتِ الياءِ والواوِ التي هنَّ عيناتُ: صَائِمٌ وصُوَّمٌ وغَائِبٌ وغُيَّبٌ وفي اللاماتِ: غَازٍ وغُزَّى وأما "فُعَّالٌ" فنحو: جَاهِلٍ وجُهَّالٍ وشَاهِدٍ وشُهَّادٍ وهو كثيرٌ وأَما فَعَلَةٌ فنحو: فَاسقٍ وفَسَقَةٍ وبَارٍّ وبَرَرَةٍ وهو كثيرٌ ومثلُه فيما اعتلتْ عينُهُ: [كخائن] 1 وخَوَنةٍ وبائعٍ وَبَاعةٍ ويجيءُ نَظيرُهُ مِنْ بَناتِ الياءِ والواوِ والتي هيَ لامٌ على "فُعَلَةٍ" نحو: قاضٍ وقُضَاةٍ ورامِ ورُماَةٍ وأَمَّا فُعُّلٌ: فَبازِلٌ وبُزُّلٌ وعَائطٌ وعُيُّطٌ وحَائلٌ وحُوّلٌ وأَما "فُعْلاءُ": فَعالمٌ وعُلَماءُ وصَالِحٌ وصُلَحاءُ وفُعُّلٌ وَفَعلاءُ في هَذا البابِ ليسَ بالقياسِ المتمكنِ وليسَ شيءٌ للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وإِذَا أُلْحِقَتِ الهاءَ للتأنيثِ كسر على فَوَاعلَ: كضَاربةٍ وضَوَاربَ وكذلكَ إِنْ كانَ صفةً للمؤنثِ ولمْ يكنْ فيهِ هاءُ التأنيثِ: كحَائضٍ وَحَوَائض ويكسرونَهُ على "فُعّلٍ" نحو: حُيّضٍ وزَائرٍ وزُوّرٍ لا يمتنعُ

_ 1 أضفت كلمة "كخائن" لإيضاح الجملة.

شيءُ فيهِ الهاءُ مِنْ هذهِ الصفاتِ مِنَ التاءِ وإنْ كانَ فَاعلٌ لغيرِ الآدميينَ كسرَ عَلَى "فَوَاعلَ" وإِنْ كانَ لمذكرٍ أيضًا مثلَ: جِمَالٍ بَوَازلَ وقَد اضطرَّ الفرزدقُ فَقَال: "وإِذَا الرجالُ رأَوا يزيدَ رأَيتَهم ... خُضُعَ الرقابِ نَوَاكسَ الأبصارِ"1 فجعلَ الآدميينَ كغيرِهم. الثاني: فَعِيلٌ: يجيءُ تكسيرهُ على عَشَرةِ أَبنيةٍ: فُعَلاءُ. وفِعَالٌ وأَفْعِلَةٌ في المضاعفِ وأَفْعِلاءُ في المُعتلِ. وفُعُلٌ وفُعْلانٌ وفِعْلانٌ وأَفعَالٌ وفَعَائِلُ في المؤنثِ وفَعولُ وذلكَ نحو: فقيهٍ وفقهاء وقَالوا: لَئيمٌ ولِئَامٌ وما كانَ منهُ مضاعفًا كسرَ على "فَعَالٍ": كشديدٍ وشِدَادٍ ونظيرُ فَعَلاءَ فيهِ أَفْعِلاء: كشديدٍ وأَشُدَّاءَ وقد يُكسّرونَ المضاعفَ على "أَفْعِلةٍ" نحو: شحيحٍ وأَشحَّةٍ ومتى كانَ من بناتِ الياء والواوِ فإنَّ نظيرَ فُعَلاءَ فيه: أَفْعِلاء: كغني وأَغْنياءَ وغَويٍّ وأِّغْوياءَ استغنوا بهذَا عن "فِعَالٍ" وبالواوِ.

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 207 "على جمعه ناكسا" وهو صفة على "نواكس" ضرورة، وباب ما كان على "فاعل" من صفات المذكر أن يكسر على "فعل وفعال" فرقا بينه وبين مؤنثه إلا أنهم قالوا: فارس وفوارس، لأنه غلب للمذكر واستبد به دون المؤنث فجمع على الأصل. والبيت للفرزدق يمدح آل المهلب. وخضع-بضمتين- جمع خضوع مبالغة "خاضع" ويحتمل أن يكون "خضع" بضمة فسكون جمع أخضع، وهو الذي عنقه تطامن من خفة، وهذا أبلغ من الأول. ونواكس: جمع ناكس، صفة العاقل، وه والمطأطئ رأسه. وانظر: المقتضب 1/ 121 و2/ 219، والكامل 262، وشرح السيرافي 5/ 95، وشرح سقط الزند 3/ 1047، والجمهرة2/ 228، والاقتضاب للبطليوسي107، وشرح الرضي على الكافية 2/ 153، وشواهد الشافية/ 143، والخزانة 1/ 99، وشرح أدب الكاتب للجواليقي/ 25، وابن يعيش 5/ 56، والديوان 76.

والنونِ1. وما كانَ مِن بناتِ الياءِ والواوِ وهي عيناتٌ كُسَر علَى "فِعَالٍ" نحو: طَويلٍ وطِوَالٍ وهو قليلٌ في الكلامِ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ2 وأَما فُعُلٌ فمثلُ نَذيرٍ ونُذُرٍ ومثلُه مِنْ بناتِ الياءِ: ثَنِيٌّ3 وثُنٍ وكانَ الأصلُ: ثنوًّا فوقعتِ الواوُ طرفًا قبلَها ضمةٌ فقلبتْ ياءً وكُسر ما قبلَها وهذَا يبينُ في موضِعه إِنْ شَاء اللُه. وقَد جاءَ "فُعْلانٌ" قالَ: ثَنِيٌّ وثُنْيَانٌ وجَاء فِعلانٌ قالوا: خَصِيٌّ وخِصْيَانُ و"أَفْعَالٌ" مثلُ: "يتيمٍ وأَيتامٍ" وقالوا: صَديقٌ وأصدقاءُ حيثُ استعملَ كما تستعملُ الأسماءُ نحو: نَصيبٍ وأَنصباءَ وإِذَا ألحقتَ الهاءَ "فَعيلًا" للتأنيثِ فالمؤنثُ يرافقُ المذكرَ مثلَ: صَبيحةٍ وصِبَاحٍ ويكسرُ علَى "فَعَائِلَ" وقد يستغنونَ على "فَعَائِلَ" بغيرِها نحو: صغيرٍ4 وصِغَارٍ وقالوا: خَليفةٌ وخَلائِفُ جاءوا بهِ على الأَصلِ وقالوا: خُلَفاءُ مِنْ أَجلِ أَنه لا يقعُ إلا على مذكرٍ فصارَ مثلَ: ظريفٍ وظُرَفاءَ، وأَما فُعُولٌ فَجاءَ في جمعِ ظَريفٍ: ظُرُوفٌ. وقالَ أَبو بكر: هو جمعهُ عندي علَى حَذفِ الزوائدِ كأَنهُ جمعُ ظُرَفاءَ. وقال الخليلُ: هو بمنزلةِ: مَذَاكيرَ إِذَا لم يكسر علَى ذَكَرٍ5. فقد

_ 1 العبارة في كتاب سيبويه 2/ 207 ولا نعلمهم كسروا شيئا من هذا على "فعال" استغنوا بهذا وبالجمع وبالواو والنون، وإنما فعلوا ذلك أيضا لأنه من بنات الياء والواو أقل منه. 2 كظريف وظريفين، وطريفون، وحكيم وحكيمون. 3 ثني: أثناء الشيء ومثانيه، قواه، وطاقاته، واحدها ثَنِيٌّ -بالكسر- ومن الوادي منعطفه. 4 في الأصل: "صغيرة". 5 انظر: الكتاب 2/ 208.

أُجريَ شيءٌ مِنْ فَعيلٍ مستويًا في المذكرِ والمؤنثِ شُبِّه بفُعُولٍ نحو: جَديدٍ وسَديسٍ وفَعيلٌ إِذَا كانَ بمعنى فَعُولٍ فهوَ في المذكرِ والمؤنثِ سواءٌ لا يجمعُ بالواوِ والنونِ ويكسرُ علَى فَعْلَى نحو: قَتيلٍ وقَتْلَى. وقالَ سيبويه: سمعنَا مَنْ يقولُ: قَتلاءٌ1. الهاءُ تدخلُ في بابِ فَعيلٍ على ما كانَ مقدرًا فيهِ قبلَ أَن يُفعلَ بهِ ذاكَ فإِذاَ فُعِلَ كانَ بغيرِ هاءٍ تقولُ: هذِه ذَبيحةُ فِلانٍ قَبلَ أَن تذبحَ فإِذَا ذَبحتْ قيلَ: شاةٌ ذبيحُ. الثالثُ: فُعُولٌ: ويجيءُ على: فُعُلٍ وفَعَائِلَ للمؤنثِ وفَعْلاءَ قالوا: صَبُورٌ وصُبُرٌ وفي المؤنثِ: عَجُوزٌ وعَجَائِزُ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا يجمعُ بالواوِ والنونِ كَما أَنَّ مؤنثَهُ لا يجمعُ بالتاءِ. وقالُوا للمذكرِ: جَزُورٌ وجَزَائرُ لمَّا لَم يكنْ مِنَ الآدميينَ شبهوهُ بالمؤنثِ وقالوا: رَجُلٌ وَدُودٌ وودودة شبهوهُ: بصديقٍ وصَديقةٍ وقالوا: امرأةٌ فَرُوقةٌ ومَلُولةٌ. الرابعُ: فَعالٌ: يجيءُ علَى ثَلاثةِ أَبنيةٍ: عَلَى فُعُلٍ وفُعْلٍ فيما اعتلتْ عينهُ وفَعْلاءَ وذلكَ نحو: صَناعٍ وصُنُعٍ وقالوا فيما اعتلت عينهُ: نَوارٌ ونُوُرٌ وجَوادٌ وَجُودٌ والهاءُ لا تدخلُ في مؤنثهِ وجاءَ: جَبَانٌ وجُبنَاءُ. الخامسُ: فِعَالٌ: جاءَ علَى ثلاثةِ أَبنيةٍ: فُعُلٌ فَعَائِلُ وفِعَالٌ. اعلَمْ: أَنَّ فِعَالًا بمنزلةِ: فَعَالٍ لا تدخلُ الهاءُ في مؤنثهِ وجمعَ علَى: فُعُلٍ نحو: نَاقةٍ دلاث2 وَدُلُثٍ وزعمَ الخليل: أَنَّ هِجَانَ للجماعةِ بمنزلةِ: ظِرافٍ3 وزعَم أبو الخطابِ: أَنَّ الشِّمالَ تجعلُ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 213. 2 دلاث: السريع من الأبل، وكذلك المؤنث: ناقة دلاث، أي: سريعة. 3 انظر: الكتاب 2/ 209.

جمعًا1، وقالوا: دِرْعٌ دِلاصٌ2 وأَدرعٌ دِلاصٌ، لفظُ الجميعِ لفظُ الواحدِ وإنّما وقَع هَذا لأن "فِعالَ وفَعولَ وفَعيلَ" أَخواتٌ فالزيادةٌ مِنْ جميعهنَّ في موضعٍ واحدٍ. السادسُ: فَيْعِلٌ: وهذَا البناءُ لا يكونُ إلا في المعتلِّ فيجيءُ جمعهُ علَى: "أَفعالٍ" وأَفْعلاءَ وذلكَ نحو: مَيّتٍ وأَمواتٍ وحقهُ الواوُ والنونُ نحو: قيّمٍ وقَيمونَ ومثلُ أَمواتٍ: قَيْلٌ وأَقيالٌ والأصلُ: قيّلٌ فَخُفِّفَ وَلوْ لَم يكنْ "فَيْعِلًا" لِمَا جمعوا بالواوِ والنونِ فقالوا: قَيلونَ لأَنَّ "فَعِيلَ" التكسيرُ فيهِ أَكثرُ وفَيعِلَ الواوُ والنونُ فيهِ أَكثْرُ ويقولونَ للمؤنث3 أيضًا: أَمواتٌ وقالوا: هَيّنٌ وأهْونَاءُ. السابعُ: مَفْعَلٌ: يكسرْ عَلَى مَفَاعِلَ مَدْعَسٌ ومَدَاعِسُ. الثامنُ: مُفْعَلٌ ومُفْعَلٌ: يجمعُ بالواوِ والنونِ والمؤنثُ بالتاءِ إلا أَنَّهم قَد قالوا: مُنكَرٌ ومَناكيرُ ومُوسَرٌ ومَياسيرُ. وأَما مَفْعِلٌ الذي يكونُ للمؤنثِ ولا تدخلهُ الهاءُ فإنهُ يكسرُ نحو: مُطْفِلٍ ومَطَافِلَ وقَد قالوا علَى غيرِ القياسِ: مَطافِيلُ. التاسعُ: فُعَّلٌ: يجمعُ بالواوِ والنونِ وذلكَ نحو: زُمَّلٍ4 وجُبًّا يقالُ: رَجُلٌ جُبًّا إذَا كانَ ضعيفًا.

_ 1 أبو الخطاب: هو الأخفش الكبير من أساتذة سيبويه، انظر: الكتاب 2/ 209. 2 دلاص: براقة. 3 في الأصل "وللمؤنث" بزيادة واو. 4 زمل: الجبان الضعيف.

باب ما ألحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة من الصفات

بَابُ ما ألحقَ مِنْ بناتِ الثلاثةِ ببنَاتِ الأربعةِ مِنَ الصفاتِ: وهو يجيءُ علَى ثلاثةِ أَبنيةٍ علَى: فَعْوَلٍ وفَيْعَلٍ وأَفْعَلَ. والأولُ: فَعْوَلٌ: نحو: قَسْوَرٍ وقَسَاورَ وتَوْأَمٍ وتَوَائمَ أَجروهُ مجَرى: قَشْعَمٍ1 وقَشَاعِمَ. الثاني: فَيْعَلٌ: نحوَ: غيْلَمٍ2 وغَيَالمَ شبهوها: بِسَمْلَقٍ3 وسَمَالقَ ولا يمتنعانِ من الواوِ والنونِ أَعني: فعلول وفيعل إذا عنيتَ الآدميين والتاءِ إذا عنيتَ غيرَ الآدميينَ. الثالثُ: أَفعلٌ: إذَا كانَ صفةً كسرَ على: "فُعْلٍ" وفُعْلانٍ وذلكَ نحو: أَحمرَ وحُمْرٍ ولا يحركونَ العينَ إلا أَنْ يضطَر شاعرٌ وهو مما يكسرُ على "فُعلانٍ" نحو: حُمْرانٍ وسُودانٍ ويمْضانٍ فالمؤنثُ من هذا يجمعُ [على] 4 "فُعْلٍ" نحو: حَمْراءَ وحُمْرٍ وفي "أَفعلَ" إذا كانَ صفةً هَلْ

_ 1 قشعم: المسن من الرجال والنسور، والضخم، والأسد. 2 غيلم: السلحفاة الذكر، والجارية: المغتلمة. 3 سملق: القاع الصفصف. 4 أضفت كلمة "على" لإيضاح المعنى.

هو ملحقٌ أَم غيرُ ملحقٍ نظرٌ وسؤالٌ قال1: والحقيقةُ أَنهُ غيرُ ملحقٍ ولو كانَ ملحقًا لِما أُدغَم في مثلِ الأَصمِّ. وأَما الأَصغرُ والأَكبرُ فإنّهُ لا يوصفُ بهِ كَما يوصفُ بأحمَر ولا تفارقُه الألفُ واللامُ لا تقولُ: رَجُلٌ أَصغرُ قالَ سيبويه: سمعَنا العربَ تقول: الأَصَاغرةُ كما تقول: القَشَاعمة2، وإنْ شئت قلتَ: الأَصغرونَ وقالوا الآخرونَ ولم يقولوا غيرهُ.

_ 1 الذي قال: هو ابن السراج. 2 انظر: الكتاب 2/ 211.

باب تكسير ما جاء من الصفة على أكثر من أربعة أحرف

بَابُ تكسيرِ مَا جاءَ مِنَ الصفةِ عَلَى أَكثرَ مِنْ أَربعةِ أَحْرفٍ: وهيَ تجيء علَى عشَرةِ أَبنيةٍ: الأول: مِفْعَالٌ: ويجيءُ علَى: مَفَاعيلَ ولا تدخلُه الهاءُ ولا يجمعُ بالواوِ والنونِ نحو: مِهْذَارٍ ومَهَاذير ومِفْعَلٌ بمنزلتِه للمذكر والمؤنثِ كأَنه مقصور منه. الثاني: مِفْعيلٌ: تقولُ في مِحْضيرٍ: مَحَاضيرُ وقالوا: مِسْكينةٌ شبهتْ بفَقيرةٍ فأَدخلوا الهاءَ فيجوزُ على ذَا: مسكينونَ وقالوا أيضًا: امرأة مِسكينٌ فَمَنْ قالَ هَذا لم يجزْ أن يجمَع بالواوِ والنونِ ومؤنثهُ بالألفِ والتاءِ لأَنَّ الهاءَ تدخلهُ. الرابعُ: فُعّالٌ1: مثلُ "فُعَّالٍ" نحو: الحُسَّانِ وقالوا: عُوَّارٌ وعَوَاويرُ. الخامسُ: مَفْعُولٌ: مثلُه بالواوِ والنونِ2، وقالوا: مكسورٌ ومَكاسيرُ وَمَلْعُونٌ ومَلاَعينُ شبهوها بالأسماءِ.

_ 1 لم يذكر البناء الثالث: ولعله ذكره مع المثال الأول وهو: "مفعل" فاكتفي أن يعيده ثانية. 2 نحو: مضروب، ومضروبون.

السادس: فُعَّيلٌ: نحو: زُمَّيلٍ وجمعهُ كَجمعِ: فُعَّلٍ بالواوِ والنونِ. السابعُ: فَعْلانُ: إذا كانَ صفةً وكانَ لَهُ فَعْلَى كسرَ علَى "فُعالٍ" نحو: عَطْشَانَ وعُطاشٍ وقد يكسرُ علَى: فَعَالى وفِعَال نحو: سَكارى وكذلكَ المؤنثُ أيضًا وجاءَ بعضهُ على "فُعَالى" نحو: سُكَارى "ولا يُجمعُ فَعْلانُ بالواوِ والنونِ ولا مؤنثهُ بالتاءِ إلا أَن يضطرَ شاعرٌ وقَد قَالوا فيما يلحقُ مؤنثَهُ الهاءُ كَما قالوا في هَذا لأنَّ آخَرَهُ ألف ونون زائدتان وذلكَ: نَدْمانةٌ ونَدمانٌ ونَدَامى وقالوا: خَمْصانةٌ وخَمصانٌ وخُمَاصٌ ومنهم مَنْ يقولُ: خَمَصانُ1. وقد يكسرون "فَعِلًا" علَى: "فَعالى" لأنه يدخل "فَعْلاَن" فيعني به ما يعني "بفَعْلانَ" وذلكَ: رَجُلٌ عَجلٌ وسَكِرٌ وحَذِرٌ قالوا: حَذارَى وقالوا: رَجُلٌ رَجِلٌ2 ورَجالى وقالَ بعضهُم3: رَجْلانُ ورَجْلَى وقالوا: رجالٌ كما قالوا: عِجَالٌ ويقالُ: شَاةٌ حَرْمى وشياهُ حِرامٌ وحَرَامى4 لأَنَّ "فَعْلَى" صفةٌ بمنزلةِ التي لَها فَعْلانُ. الثامن: فُعْلانٌ: نحو: خُمْصانٍ وعُرْيانٍ يجمعُ بالواوِ والنونِ ولَمْ يقولوا في عُريْانٍ: عِرَاء ولا: عَرَايا استغنوا بُعَراةٍ وعُراةٌ إنّما هُوَ جمعُ عَارٍ إلاَ أن المعنى واحدٌ في عُرْيان وعَارٍ.

_ 1 في سيبويه 2/ 212 ومن العرب من يقول: خمصان. 2 رجل: رجل الرجلُ رجلا، فهو: راجل، ورجل، ورجل إذا لم يكن له ظهر في سفر يركبه. 3 انظر: الكتاب 2/ 212. 4 حرمي: حرم كفرح: ذات الظلف، والذئبة والكلبة حراما-بالكسر- أرادت الفحل فهي: حرمى-كسكرى-والجمع سكارى.

التاسعُ: فُعَلاءُ: فهي بمنزلةِ فُعَلةٍ مِنَ الصفاتِ لأَنَّ الألفينِ للتأنيثِ نظيرُ الهاءِ وذلكَ: نُفَساءُ ونُفساواتٌ ونُفَاسٌ وليسَ شيءٌ مِنَ الصفاتِ آخرهُ علامة التأنيثِ يمتنعُ مِنَ الجمعِ بالتاءِ غيرُ: فَعْلاءَ أَفْعَل وفَعْلَى فَعْلاَن. العاشر: فَعْلاءُ: قَد ذكرنَا في بابِ "أَفعلَ" أَنَّها تجيءُ علَى "فُعْلٍ" نحو: حَمْراءَ وحُمْرٍ فالمذكرُ والمؤنثُ فيهِ سواءٌ كما كانَ في جمعِ فَعْلَى فَعْلانَ وقَالَ: بَطْحاواتٌ في جمعِ بَطْحَاءَ حيثُ استعملتْ كالأسماءِ وقالوا: بطحاءُ وبِطَاحٌ وبَرْقَاءُ وبِرَاقٌ.

باب ما كان من الأسماء عدة حروفه خمسة وخامسه ألف التأنيث أو ألفا التأنيث

بَابُ ما كانَ مِنَ الأسماءِ عدةُ حروفهِ خمسةٌ وخامسهُ أَلفُ التأنيثِ أَو أَلفا التأنيثِ: فمَا كانَ على "فُعَالى" يجمعُ بالتاّءِ نحو: حُبَارَى وحُبَارياتٍ وما كانَ آخره ألفانِ على فَاعِلاءَ نحو: القَاصِعَاءِ فهو على: "فَوَاعلَ" تقولُ فيهِ: قَواصعُ شبهوا "فَاعِلاَءَ" بِفَاعلة وجعلوا أَلفي التأنيثِ بمنزلةِ الهاءِ وقالوا: خُنْفَساءُ وخَنَافسُ.

باب ما جمع على المعنى لا على اللفظ

بَابُ ما جُمعَ علَى المعنى لا علَى اللفظِ: قالَ الخليلُ: إنّما قالوا: مَرْضى وهَلْكى ومَوْتَى وجَرْبى لأَنَّ المعنى معنى: مفعولٍ1 وقَد قالوا: هُلاّكٌ وهالكون فجاءوا بهِ علَى الأصلِ وقالوا: مِراضٌ وسِقَامُ ولم يقولوا: سَقْمَى وقالوا: وجعٌ وقَوْم وَجْعَى ووجَاعتى وقالوا: قومٌ وجاعٌ كما قالوا: بعيرٌ جَرِبٌ [وإبلٌ] 2 جِرَابٌ وقالوا: مَائِقٌ3 ومَوْقَى وأحْمقُ وحَمْقَى وأَنْوَكُ ونَوْكَى لأنهُ شيءٌ أصيبوا بهِ وقالوا: أَهْوجُ وهُوجٌ على القياسِ4 وأَنوكُ ونُوكٌ وقالوا: سَكْرَى كَمَرضَى وَرَوبَى: للذين اسثقلوا نَوماَ والواحدُ: رَائبٌ وقالوا: زَمِنٌ وزَمْنَى وضَمِنٌ وضَمْنى ورَهِيصٌ5 ورَهْصى. وحَسيرٌ وحَسْرَى، وإنْ شئتَ قلتَ: زَمِنونَ وهَرِمونَ. وقالوا: أُسَارى مثل: كُسَالى وقالوا: وَجٍ6

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 213. 2 أضفت كلمة "إبل" لإيضاح المعنى. 3 مائق: أحمق في غباوة. 4 لأن جمع "أفعل": فعل. 5 رهيص: الرهيص، الفرس الذي أصابته الرهصة وهي وقرة تصيب باطن حافره وخف رهيص: أصابه الحجر. 6 وج: يقال وجي وجي: إذا اشتد خفاؤه.

ووجْيَا بلا همزٍ وقالوا: سَاقطٌ وسَقْطَى مثلُه: وفَاسِدٌ وفَسْدَى وليسَ يجيءُ في كُلِّ هذَا على المعنى لم يقولوا: بَخْلَى ولا سَقْمَى. قالَ أبو العباس: لو قالوهُ جازَ. وقالوا: يَتَامى. قالَ سيبويه: وقالوا: عقيمٌ وعُقٌمٌ. وقال: لو قيلَ إنَها لم تجىءْ علَى "فُعلَ" لكانَ مذهبًا1 يعني: أَنَّ بابَها أَن يقالَ عَقْمَى مثلُ: قَتيلٍ وقَتْلَى فصرفتْ عن بَابِها لأَنُّها بَلَيةٌ فأَكثر ما تجيءُ عَلَى فَعْلَى.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 213.

باب ما جاء بناء جمعه على غير ما يكون في مثله

باَبُ ما جاءَ بناءُ جمعهِ علَى غيرِ ما يكونُ في مثلهِ: فَمِنْ ذلكَ: رَهْطٌ وأَرَاهطُ وبَاطلٌ وأَباطيلُ كأَنَّهم كسروا: أَرْهُطٌ وأَبْطالٌ ومِنْ ذلكَ: كُراعٌ وأَكارعُ وحديثٌ وأَحاديثُ وعَروضٌ وأَعاريضُ وقَطيعٌ وأَقاطيعُ لأَنَّ هذَا لو كسرتَهُ وعدةُ حروفِه أَربعةٌ بالزيادةِ1. التي فيها لكانت "فَعَائلَ" ولَم يكنْ في الأَول زيادة. ومِثل أَراهطَ أهلٌ وأَهَالٍ. ولَيلة ولَيالٍ كأَنهُ جمَع: أَهلًا وليلًا. وقالَ أبو العباس: ليلةٌ أصلها "ليلًا" فحذفت وزعمَ أَبو الخطاب: أَنَّهمْ يقولونَ: أَرضٌ وآراضٌ كما قالوا: أَهْلٌ وآهالٌ2، فهذَا على قياسهِ وقالَ بعضُهم: أَمْكُنٌ كأَنهُ جَمْعُ مُكْنٍ. وقالَ سيبويه: ومثلُ ذلكَ: تَوأَمٌ وتوائمُ كأنهم كسروهُ على "تِئمٍ" كما قالوا: ظِئْرٌ وظُؤارٌ وقالَ أبو العباس: توأَمٌ اسمٌ مِنْ أَسماءِ الجمعِ وفِعَالٌ لا يكونُ مِنْ أَبوابِ الجمعِ وكذلَك: رَجْلٌ ورِجَالٌ وقالَوا: كرَوانٌ.

_ 1 قال سيبويه 2/ 199: لأن هذا لو كسرته إذا كانت عدة حروف أربعة أحرف بالزيادة التي فيها لكانت "فعائل" ولم تكن لتدخل زيادة في أول الكلمة. 2 انظر: الكتاب 2/ 199. 3 انظر: الكتاب 2/ 199.

وللجمعِ: كِرْوَانٌ. وقالَ أبو العباس: كَرَوانٌ جمعْ1: كِرْوَانٍ تحذفُ الزوائدَ وكذلكَ قالَ في أَمْكنٍ جَمعُ: مَكَانٍ. وقال سيبويه: إنما جُمِعَ "كَرَوانُ" على "كَرىً"2 وقالوا في مِثْلِ: "أَطرِقْ3 كَرا إنَّ النعامَ في القرُى4 ومِثْلُ هذَا: حمارٌ وحَميرٌ وصَاحبٌ وأَصحابٌ وطَائِرٌ وأَطيارٌ.

_ 1 انظر: المقتضب 1/ 188. 2 انظر: الكتاب 2/ 199. 3 قال المبرد: "أطرق كرا" يريدون: ترخيم الكروان فيمن قال: يا حار. انظر: المقتضب 4/ 261 "وكرا" رقية يعيذون بها الكرا "يقولون: أطرق كرا إن النعام في القرى". 4 هذا مثل: معناه أن النعام الذي هو أكبر منك قد اصطيد وحمل إلى القرى. وأنه يضرب للذي ليس عنده غناء ويتكلم فيقال له: اسكت وتوق انتشار ما تلفظ به كراهة ما يعقبه. ويقال: إن الكروان يقال له: أطرق كرى إنك لن ترى فإذا سمعها لبد بالأرض فيلقى عليه ثوب فيصطاد. وانظر: الأمثال للميداني 1/ 445 والخزانة 1/ 394 وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 1/ 194.

باب ما هو اسم يقع على الجميع ولم يكسر عليه واحده وهو من لفظه

بَابُ ما هُوَ اسمٌ يقعُ علَى الجميعِ ولم يكسر عليهِ واحدهُ وهوَ مِنْ لفظهِ: وذلكَ نحو: رَكْبٍ وسَفْرٍ وطَائرٍ وطَيْرٍ وصَاحبٍ وصَحْبٍ أَلا تَرى أَنكَ تقولُ في التصغير: رُكَيبٌ وسُفَيرٌ ولو كانَ تكسيرًا لردَّ إلى الواحدِ ومثلُ ذلكَ: أَديمٌ وأَدَمٌ وعَمُودٌ وعَمَدٌ وحَلْقَةٌ وحَلَقٌ وفَلْكَةٌ وفَلَكٌ ومِنْ ذلكَ: الجامَلُ والباقِرُ وأَخٌ وإخوةٌ وسَرِيٌّ وسَرَاةٌ مِنْ ذلكَ لو قالَ قائلٌ: شُبِّهَ "فَعِيلٌ بفَاعِلٍ" نحو: فَاسقٍ وفَسَقةٍ قيلَ لَهُ: مثالُ هذا في المعتلِّ إنَّما يجيءُ على "فَعَلةٍ" نحو: قَاضٍ وقَضَاةٍ و"فَعَلةٌ" ليسَ من جُموعِ المعتلِّ فلذلكَ لم يجعلْ جمعًا وصارَ في رَكْبٍ وسَفْرٍ وقالوا: فَارهُ وفُرْهَةٌ مثْل: صَاحبٍ وصُحْبَةٍ وغَائِبٍ وغَيَبٍ وخَادمٍ وَخَدَمٍ وإهَابٍ وأَهَبٍ ومَاعِزٍ وَمَعَزٍ وضَائنٍ وضَأَنٍ وعَازبٍ وعِزيبٍ وغاَزٍ وغَزِيٍّ

باب جمع الجمع

بَابُ جَمْعِ الجَمْعِ: أَما أبنيةُ أَدنى العددِ فيجمعُ على "أَفَاعِل" وأَفاعيلَ نحو: أَيدٍ وأَيادٍ وأَوطبٍ1 وأَواطبَ وأَفعالٌ بمنزلةِ إفعالٍ نحو: أَنعامٍ وأَناعيمٍ وقد جمعوا "أَفْعلةً بالتاءِ". قالوا: أَغطيةٌ وأَغطياتٌ وأَسقيةٌ وأَسقياتٌ وقالوا: أَسورةٌ وأَسَاورَةٌ وقالوا: جِمَالٌ وجَمَائلُ وقالوا: جَمَالاتٌ وبُيوتاتٌ عملوا بفُعُولٍ ما عملوا بَفَعالٍ وكذلكَ "فُعُلٌ" قالوا: الحُمُراتُ بضم الميم. قالَ سيبويه: وليسَ كُلُّ جَمْعٍ يجمعُ. لم يقولوا: في جَمْعِ بَرٍّ أَبرارٌ وقالوا: في تَمْرٍ تُمْرَانٌ2. وأَبو العباس يُجيزُ: أَبرار في جمع بَرٍّ ويركنُ إلى القياسِ وقالوا في مُصْرانٍ: مَصَارينُ3. وأَبياتٌ وأَباييت وبيوتٌ وبيُوتاتٌ وقالوا: عُوذٌ وعُوذاتٌ ودُورٌ ودُوراتٌ وحُشَّانٌ وحَشَاشينَ وكُلُّ بناءٍ مِنْ أَبنيةِ الجموعِ ليسَ علَى مثالِ "مَفَاعِلَ" ومَفَاعيلُ "إذا اختلفتْ ضروبهُ فجمعُه

_ 1 أواطب: سقاء البن. 2 انظر: الكتاب 2/ 200. 3 انظر: المقتضب 2/ 279 وفي اللسان: المصير: المعي وهو فعيل. والجمع: أمصرة ومصران: مثل: رغيف ورغفان، ومصارين جمع الجمع عند سيبيويه. قال الأزهري: جمع المصران، جمعته العرب على توهم النون أنها أصلية.

عندي جَائزٌ وقياسُه أَن ينظرَ إلى ما كانَ على بنائِه مِنَ الواحدِ أو على عدتِه فتكسرهُ علَى مِثَالِ تكسيرهِ. وقالَ سيبويه: مَنْ قالَ: أَقاويلُ وأَباييتُ في أَبياتٍ لا يقولُ: أَقوالانِ1 لا يُثني "أَقوالًا" وكذلكَ: البُسْرُ والتَّمْرُ إلا أَن تريدَ ضربينِ مُختلفينِ فهذَا يدلُّكَ علَى أَنَّ جمعَ الجَمْعِ يجيءُ علَى نوعينِ: فنوعٌ يرادُ بهِ التكثيرُ فَقَط ولا يرادُ بهِ ضروبٌ مختلفةٌ ونوعٌ يرادُ بهِ الضروبُ المختلفةٌ وهو الذي لا يمتنع منهُ جَمْعٌ قالوا: إبلانِ2 لأنَّهُ اسمٌ لم يكسر. وقالَ: لِقَاحانِ سَوداوانِ لأَنَّهم لم يقولوا: لِقَاحٌ واحدةٌ وهو في3 إبْلٍ أَقوى لأَنهُ لم يكسرْ. قالَ سيبويه: سأَلتُ الخليلَ عن: ثلاثةِ4 كلابٍ فَقالَ: يجوزُ في الشعر5 علَى "من" وإنْ نونتَ قلتَ: ثلاثةٌ كلابٌ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 202. 2 إبلان: قطعين من الإبل. 3 هنا خلاف لما في كتاب سيبيويه 2/ 202، فإن سيبويه قد قال:.. وذلك لأنهم يقولون: لقاح واحدة كقولك: قطعة واحدة وهو في إبل أقوى. 4 في الأصل: "ثلاث" وهو خطأ. 5 انظر: الكتاب 2/ 202.

باب ما لفظ به مثنى كما لفظ بالجمع

بَابُ ما لُفِظَ بهِ مثنىً كما لُفِظَ بالجمعِ: وهو أَن يكونَ كُلُّ واحدٍ بعضَ شيءٍ مفردٍ مِنْ صاحبهِ كقولِكَ: ما أَحسنَ رؤوسهمَا وزعمَ يونس أَنَّهم يقولونَ: غِلمانهما وإنّما هُما اثنانِ. وزَعم أيضًا أَنَّهم يقولونَ: ضربتُ رأْسيهما وأَنهُ سَمع ذلكَ مِن رؤبةَ1 والبابُ ما جاءَ في القرآنِ، قالَ الله عزَّ وجلَّ: {إنْ تُتوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قَلُوبُكُمَا} 2. {والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْديَهُمَا} 3.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 201. 2 التحريم: 4. 3 المائدة: 38.

باب ما كان من الأعجمية على أربعة أحرف وقد أعرب

بابُ مَا كاَن من الأعجميةِ على أَربعةِ أحرفٍ وقد أعربَ: جمعُ هَذا الضربِ على مثالِ مَفَاعل وزعَم الخليلُ: أنهم يلحقون جمعَهُ الهاءَ إلا قليلًا: كَمَوْزَجٍ1 ومَوازِجَةٍ وطَيْلسانٍ وَطَيالسةٍ وقَد قالوا: جَوارِبُ وكَيالجُ2 وقَد أَدخلوا الهاءَ أيضًا3. وكذلكَ إذا كسرتَ الاسمَ وأَنت تريدُ: آلَ فلانٍ أَو جماعةَ الحي كالمَسامعةِ والمناذرة والمَهالبةِ وقَد قالوا: دَياسِمُ، وهُنَّ ولدُ الذئبِ مِنَ الضبع. وقالوا: ولَدُ الكلبِ مِنَ الذئبةِ وقالوا البَرابرةُ. والسَيابجةُ فاجتمعَ فيهما الأَعجمية والإِضافةُ.

_ 1 موزج: الخف وهو فارسي معرب. 2 كيالج: جمع كيلجة وهو المكيال. 3 قالوا: جواربة، وكيالجة. وانظر: الكتاب 2/ 201.

باب التحقير

باب التحقيرِ مدخل ... بَابُ التحقيرِ: التصغيرُ شيءٌ اجتزئَ بهِ عن وصفِ الاسمِ بالصغرِ وبُني أَولهُ علَى الضمِّ وجُعلَ ثالثهُ ياءً ساكنةً قبلَها فتحةٌ ولا يجوزُ أن يصغرَ اسمٌ يكون على أقل من ثلاثة أَحرفٍ فإذا كانَ الاسمُ ثلاثيًّا فالإِعرابُ يقعُ على الحرفِ الذي بعدَ الياءِ نحو قولِكَ في حَجرٍ: حُجَيْرٌ فإنْ كان آخرهُ هاء التأنيثِ فلا بُدَّ مِنْ أَن ينفتحَ لها ما قبلها فإنْ جاوزَ الاسم الثلاثةَ بزائدٍ أَو غير زائدٍ فهوَ نظيرُ الجمعِ الذي يجيءُ على "مَفَاعلَ" ومَفَاعيلَ فالأَلفُ في الجمعِ نظيرهُ الياءُ في التصغيرِ وما بعدَها مكسورٌ كَما أَنَّ ما بعدَ الألفِ مكسورٌ إلا أَنَّ أَولَ الجمعِ مفتوحٌ وأَولَ هَذا مضمومٌ وجميعُ التصغير يجيءُ على ثلاثةِ أَمثلةٍ عَلى مثالِ تصَغيرِ: فِلْسٍ ودِرهمٍ ودِينارٍ وتصغيرُها: فُليسُ ودُرَيهمٌ ودُنَيْنيرٌ وهذا الياءُ التي تجيءُ في مِثَالِ: دُنينيرْ وَمَا أَشبه تكونُ عوضًا لازماَ متى كانَ في الاسم زائدةٌ تابعةٌ كما وقعت في دينار وتكون غير ملازمة متى كان في الاسم زيادةٌ تابعةٌ كما وقعتْ في دينار وتكونُ غيرُ ملازمةٍ مَتى كان في الاسمِ زيادةٌ غيرُ تابعةٍ فحينئذٍ لَكَ فيهِ الخيارُ فياءُ التصغير زائدةٌ وياءُ التعويضِ زائدةٌ فالتصغيرُ إنّما يكونُ في الثلاثي وفيما كان عددهُ أَربعةَ أَحرفٍ بزيادةٍ أَو غيرِ زيادةٍ فإنْ تجاوزَ العددُ ذلكَ حُذفَ حتَى يُردَّ إلى هذا العددِ. والأسماء تنقسمُ ثلاثةَ أقسامٍ: اسم لا زيادةَ فيهِ ولا نَقْصَ واسم فيهِ

زيادةٌ واسم مَنْقوص. الأول: الاسم الذي لا زيادةَ فيهِ ولا نَقص وهذا الضَّربُ ينقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ: اسمٌ ثلاثي واسمٌ رُباعي واسمٌ خُماسي أَما الثلاثي: فينقسمُ أيضًا ثلاثةَ أَقسامٍ: اسمٌ صحيحٌ واسمٌ مضاعفٌ واسمٌ معتلٌّ. الأولُ مِنَ الثلاثي: أَمّا الصّحيحُ فعلَى ضربين: مذكرٌ ومؤنثٌ فالمذكر نَحو قولِكَ: رجلٌ ورُجَيلٌ وحَجَرٌ وحُجَيرٌ وجَمَلٌ وَجُمَيْلٌ وكَلْبٌ وكُلَيبٌ والمؤنثُ نحو: قَدمٍ وقِدْرٍ تقولُ: قُدَيْمَةٌ لأنّكَ تقولُ: قَدمٌ صغيرةٌ وقُدَيْرَةٌ لأَنَكَ تقولٌ: قَدْرٌ صغيرةٌ وفي عينٍ عُيَينَةٌ وأُذنٍ: أُذَيْنَةٌ. الثاني مِنَ الثلاثي: وهو المضاعفُ تقولُ في دَنٍّ: دُنينٌ وفي مَدٍّ: مُدُيدٌ يزولُ الإِدغامُ لتوسطِّ ياءِ التصغيرِ. الثالث مِنَ الثلاثي: وَهوَ المعتلُّ يجيءُ على ضربينِ فالضربُ الأولُ: ما كانتِ الألفُ بدلًا من عينهِ والضربُ الثاني: ما لامهُ ياءٌ أوْ واوٌ.

ذكر تحقير ما كانت الألف بدلا من عينه

ذكر تحقيرِ ما كانتِ الألفُ بَدلًا مِن عينهِ: حَقُّ هذَا الاسم إذَا صُغِّر أَن يردَّ إلى أصلهِ فإنْ كانتِ الأَلفُ منقلبةً مِنْ واو ردتِ الواوُ وإنْ كانت منقلبةً من ياءٍ ردت الياءُ تقولُ في نَابٍ نُييبٌ والنابُ مِنَ الإِبلِ كذلكَ لأنكَ تقولُ: أَنيابٌ وتقولُ في بَيتِ: بُيَيتٌ وفي شَيخٍ: شُيَيْخٌ هَذَا الأَحسنُ. ومنهم مَنْ يكْسرُ الأولَ فيقولُ: شِييخٌ1 وبِييتٌ وتقولُ في تصغيرِ سَيّدٍ: سُيَيْدٌ وَهوَ الأَحسنُ وإنْ حقرتَ رجلًا: اسمهُ: سارَ وغَابَ لقلتَ غُييبٌ وسُيَيرٌ لأنهما من الياء ولو حقّرت السّار وأنت تريد السائر: لقلت: سُوَيرٌ لأنها أَلفُ "فَاعلٍ".

_ 1 قال سيبويه 2/ 136: "ومن العرب من يقول: شييخ وبييت- بكسر الشين والياء –".

قَالَ سيبويه: وسألتُ الخليلَ عن: خَافٍ ومَالٍ يعني إذا قلتَ: رَجلٌ خَافٍ ورَجُلٌ مَالٌ فقالَ: خَاف يصلح أَن يكونَ "فاعِلًا" ذهبتْ عينهُ ويصلحُ أَنْ يكَون "فَعِلًا" لأَنهُ مِنْ فَعِلْتُ1. يعني أَنَّ اسمَ الفاعل إذا كانَ ماضيهِ علَى "فَعِلَ" أَنهُ قَد يجيءُ هو أيضًا على فَعِلٍ: نحو: حَذِرٍ فهو رَجلٌ حَذِرٌ وفَرِقٌ فَهوَ رجلٌ فَرِقٌ قالَ: وأَما مَالٌ فإنَّهم لم يقولوا "مَائِلٌ"1 قالَ وحدثني مَنْ أَثقُ بهِ: أَنهُ يقالُ: رَجُلٌ مَالٌ إذَا كَثُرَ مَالهُ وكَبشٌ صَافٌ إذا كثر صوفه ونعجةٌ صافةٌ2، قالَ: وإذا جاءَ اسمٌ نحو: النَّابِ لا تدري أَمِنَ الياءِ هو أَم مِنَ الواوِ فاحملْهُ على الواوِ حتى يتبينَ لكَ لأَنَّها مبدلةٌ مِنَ الواوِ أكثرُ3 قال أبو العباس4: إنما قلبتِ الألفُ يعني الأَلفَ التي لا يُدرى أصلُها إلى الواوِ للضمة التي قبلَها يعني في باب التصغير. قالَ سيبويه: ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ في ناب: نُوَيبٌ فيجيءُ بالواوِ لأَنَّ هذه الألف يكثرُ إبدالُها مِنَ الواواتِ وهو غَلَطٌ منه5 وأَما المؤنثُ فتقولُ: في نُورةٍ: نُوَيرةٌ وفي جَوْزَة جُويزَةٌ. الضرب الثاني: ما لامهُ معتلةٌ مِنَ الثلاثي: تقولُ في قَفًا: قُفَيٌّ وفي فَتَى فُتَيٌّ وفي جروٍ: جُرَيٌ وفي ظَبْي: ظَبَيٌّ فيصير جميعُ ذلكَ إلى الياءِ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 127 2 انظر: الكتاب 2/ 127 3 انظر: الكتاب 2/ 127 4 أي: المبرد أستاذ المصنف. 5 انظر: الكتاب 2/ 127. والغلط من بعض العرب لا من سيبويه.

القسمُ الثاني: مما لا زيادة فيهِ وهو الرُّباعي: وذلكَ نحو: جَعْفرٍ وسَلْهبٍ1 تقولُ: جُعَيفرٌ وَسُلَيْهَبٌ والتصغيرُ كالتكسيرِ. القسمُ الثالثُ: مِما لا زيادةَ فيهِ وهو الخماسي: وذلكَ نحو: سَفَرجلٍ وفَرَزدقٍ تقولُ: سُفَيرجٌ وفُرَيزدٌ وقالَ بعضهم: فُرَيزقٌ لأنَّ الدالَ تشبهُ التاءَ والتاءُ من حروفِ الزيادةِ وكذلكَ خَدَرْنَقٌ2: خُدَيْرِق فيمَن قَالَ: فُرَيزقٌ ومَنْ قالَ: فُرَيزدٌ قَال: خُدَيرنٌ ولا يجوزُ في "جَحْمَرشٍ"3 حذفُ الميم وإن كانت تزادُ لأنها رابعةٌ بعدَ ياءِ التحقير. وقالَ الخليلُ: لو كنتُ محقرًا مثلَ هذهِ الأسماءِ لا أَحذفُ منها شيئًا لقلت: سُفيرجلٌ حَتى يصيرَ مثلَ: دُنَينيرٍ4 الثاني مِنَ القسمةِ الأولى: وهو ما كانَ مِنَ الأسماءِ فيه زيادةٌ: وهو علَى عشَرة أضربٍ: الأول: المضاعفُ المدغمُ الثاني: اسمٌ ثلاثي لحقتهُ الزيادةُ للتأنيثِ فصارَ بالزيادةِ أربعة أحرفٍ الثالث: اسمٌ ثلاثي أُدخلَ عليهِ أيضًا التأنيثُ وما ضَارعَهما الرابع: اسمٌ يحذفُ منهُ في التحقيرِ مِن بناتِ الثلاثةِ

_ 1 السلهب: الطويل. ويقال: صلهب بالصاد. 2 خدرنق: الذكر. والعنكبوت. أو العظيم منها. والخذرنق بالذال كذلك. 3 جحمرش: عجوز كبيرة. 4 انظر: الكتاب 2/ 107 ونص الكتاب "لو كنت محقرا مثل هذه الأسماء لا أحذف منها شيئا" كما قال بعض النحويين لقلت: سفيرجل.

الزيادةُ التي كسرتهُ للجميع لحذفتها الخامس: اسمٌ يحذفُ منهُ الزوادُ من بناتِ الثلاثةِ مما أَولهُ أَلفُ الوصلِ السادس: اسمٌ فيه زائدتانِ تكونُ فيه بالخيار أيُّهما شئتَ حذفتَ السابع: اسمٌ مِنْ بناتِ الثلاثةِ تثبتُ زيادتهُ في التحقيرِ الثامنُ: ما يحذفُ في التحقيرِ من زوائد بناتِ الأربعةِ التاسع: ما أَولهُ أَلفُ الوصلِ وفيهِ زيادةُ من بناتِ الأربعةِ العاشر: تحقيرُ الجَمْعِ. الأول: المضاعفُ المُدغم: تقولُ في مُدُقٍّ: مُدَيّقٌ وفي أصمٍّ: أُصَيّمٌ تجمعُ بينَ ساكنين كما فعلتَ في الجَمْعِ لأَنَّ هذهِ الياءَ نظيرةُ تلكَ الألفِ1. الثاني: تصغيرُ ما كانَ على ثلاثةِ أحرفٍ ولحقْتهُ الزيادةُ للتأنيثِ فصارَ بالزيادةِ أربعةَ أحرفٍ تقولُ في حٌبْلَى: حُبَيلَى وفي بُشْرَى: بُشَيرى وفي أُخرى: أُخَيرَى فلا تكسرُ ما قبلَ الألفِ كما لا تكسرُ ما قبلَ الهاءِ في طُلَيحةٍ وسُلِيمةٍ فإن جاءتِ الألفُ للإِلحاقِ قِلبتْ ياءً تقولُ في مِعْزَى: مُعَيزٌ وفي أَرْطَى: أُرَيطٌ وفيمن قالَ: عَلْقَى فَنونَ عُلَيقٌ وإذا كانتِ الألفُ خامسةٌ للتأنيثِ أو لغيرهِ حذفتْ تقولُ في: قَرْقَرى2: قُرَيْقِرٌ وفي حَبَركىٍ3: حُبَيرَكٌ. الثالث: اسم ثلاثي أُدخلَ عليهِ ألفا التأنيثِ وما ضَارعَهما تقولُ في حَمْراءَ: حُمَيراءُ فَلا تغير وكذلكَ "فَعْلانُ الذي لَهُ" "فَعْلَى" تقولُ في "عَطْشَان" وسَكْرانَ: عَطَيشانٌ وسُكَيْرانٌ لأنَّ مؤنَثهُ: عطشى وسَكرَى فأما ما كانَ آخرهُ كآخرِ "فَعْلاَن" الذي لَهُ فَعْلَى وعلى عدةِ حروفِه وإِنْ اختلفت

_ 1 يشير إلى الألف التي في "مداق" عند الجمع. 2 قرقري: الظهر، وموضع. 3 حبركى: الحبركى: القوم الهلكى، القراد بالطويل.

حركاتهُ ولم تكسرهُ للجمعِ حتى يصيرَ على مثالِ "مَفَاعيلَ" فتحقيرهُ كتحقيرِ "عطشانَ وسَكْرَانَ" فإنْ كانَ يكسرُ على مِثَالَ "مَفاعيلَ" كسرحان وسراحينَ فإنَّ تصغيرهُ: سُرَيحينٌ فأما ما كانَ على ثلاثةِ أحرف فلحقتهُ زائدتانِ فكانَ ممدودًا منصرفًا فإنهُ مثلُ ما هو بدلٌ مِنْ ياءٍ مِنْ نفسِ الحرف نحو: عِلْبَاء1 وحِرْبَاء تقول: عُلَيْبي وحُرَيبى يحقرُ كما يحقرُ ما تظهرُ فيهِ الياءُ مِنْ نَفسِ الحرفِ وذلكَ نحو: دِرْحَاية2 ودُرَيحيةٌ ومَنْ صرفَ غَوغَاءَ قالَ: غُوَيغَى ومَنْ لم يصرفْ جعلَها كَعَوراءَ فقالَ: غُويغاءُ يا هَذا ومَنْ صرفَ قُوباءَ قالَ: قُوَيبَى ومَنْ لم يصرفْ قُوباءَ3 قالَ: قُوَيباءُ لأَنَّ تحقيرَ ما لحقتهُ ألفا التأنيثِ وكانَ علَى ثلاثةِ أحرفٍ حكمهُ حكمٌ واحدٌ كيفَ اختلفتْ حركاتهُ وكُلُّ اسم آخرهُ أَلفٌ ونونٌ يجيءُ على مثالِ "مَفَاعِيلَ" فتحقيرهُ كتحقيرِ: سَرحانَ تقولُ في سَرْحانَ: سُرَيحينُ وفي ضِبْعانَ: ضُبَيعينُ لأنكَ تقولُ: ضَبَاعينُ حُومانٌ4: حُوَيمينٌ لأَنكَ تقولُ: حَوَامينُ وسُلطانٌ: سُلَيطينٌ لأَنكَ تقولُ: سَلاطينُ وفي فِرزانٍ5: فُرَيزينٌ كقولهم: فَرَازينُ ومَنْ قالَ: فَرَازنةٌ قالَ أيضًا: فُرَيزينٌ لأنهُ جَاءَ مثلُ جَحَاجحة وزَنَادقةٍ وتقولُ في وَرَشانٍ6 وُرَيشينٌ لأَنكَ تقولُ: وَراشَين وأَما ظِربان7 فتقولُ: ظَرَيبانُ لأَنكَ تقولُ: ظَرَابيٌّ ولا تقولُ: ظَرابينُ فلا تأتي بالنونِ في جمعِ التكسيرِ كما لا تأتي بها في جمعِ سَكْرانَ إذا

_ 1 علباء: عرق في العنق. 2 درحاية: كثير اللحم قصير سمين. ضخم البطن. لئيم الخلقة. 3 قوباء: وهو بثر يظهر في الجسد. 4 حومان: نبات بالبادية. 5 فرزان: وفرازين. والفرازين جمع فرزن: وهو الشطرنج. 6 ورشان: طائر يشبه الحمام. 7 ظربان: دويبة كالهرة منتنة.

قلتَ: سُكَارى وإذا جاءَ شَيءٌ على مِثالِ: سرْحان ولم تعلمِ العربُ كسرَتهُ في الجمع فتحقيرهُ كتحقيرِ سكرانَ تثبتُ الألفَ والنونَ في آخره كألفي التأنيثِ ولو سَمّيتَ رجلًا: سرحانَ ثم حقرتهُ لقلتَ: سُرَيحينٌ لأنَّه يجمعُ جَمعَ الملحقِ في نكرتهِ وإذا جمعتِ العربُ شيئًا فَقَد كفَتكَ إِيَّاهُ فأَمَّا عُثْمانُ فتصغيرهُ عُثَيمانٌ لأَنهُ لَم يكسرْ علَى عَثَامينَ ولاَ لَه أصلٌ في النكرةِ يُكسرُ عليهِ؟

الرابع ما يحذف في التحقير من بنات الثلاثة من الزيادات

الرابع: ما يحذفُ في التحقير من بناتِ الثلاثةِ مِنَ الزيادات: لأَنكَ لو كسرتَهُ للجمعِ حذفَتها تقولُ في مغتلم1: مُغَيلمٌ: كقولِكَ: مَغالمُ وإنْ شِئْتَ عوضْت فقلتَ: مُغَيليمٌ العوضُ هُنَا غيرُ لازمٍ لأَنَّ الزيادةَ لم تَقَعْ رابعةً وفي جوالقَ: جُوَيليقٌ إذا أردتَ التعويضَ وفي مُقدّمٍ ومؤخّرٍ: مقيدمٌ ومؤيخرٌ تحذفُ الدالُ ولا تحذفُ الميمُ لأَنَّ الميمَ دخلتْ أولًا لمعنىً وإن شئتَ عوضَت فقلتَ: مُقَيديمٌ ومُؤَيخيرٌ. واعْلم: أنهُ لا يجوزُ أَنْ تقولَ: مُقَيدمٌ فتدعُ الدالُ على تَشديدِها لأَنهُ لا يكونُ الكلامُ مَقَادمُ2 مِنْ أَجلِ أَنهُ لا يجتمعُ ثلاثةُ أَحرفٍ مِنَ الأصولِ بعدَ أَلفِ الجمع وأَمَّا منطلقٌ فتقولُ فيهِ: مُطَيلقٌ ومُطَيليقٌ تحذفُ النونَ ولا تحذفُ الميمَ لأنَّها أَولٌ وتقولُ في: مُذَكّرٍ مُذَيكرٌ وكانَ الأصلُ مُذتكرًا فقلبتِ التاءُ ذالًا من أَجلِ الدالِ ثم أُدغمتِ الذالُ في الدالِ وهذا يبينُ في موضعهِ إن شَاءَ الله. فإذَا حقرتَ حذفتَ الدالَ لأنَّها التاءُ في مفتعلٍ وظهرتِ الذالُ إذ لم

_ 1 مغتلم: يقال: جارية مغتلمة، والسلحفاة الذكر يقال غيلم. 2 في سيبويه 2/ 110، والمقادم والمآخر عربية.

يكن ما تدغمُ فيهِ وإنْ شئتَ عوضْت فقلتَ: مُذَيكيرٌ وكَذا مستمعُ تقولُ: مُسَيمعٌ ومُسَيميعٌ وتقولُ في مُزْدان1 مزيّنٌ ومُزَيينٌ لأَنَّ أصلَ مُزدانٍ مُزْتانٌ وهو مُفْتعلٌ مِنَ الزَّينِ فأبدلتِ التاء دالًا فلما صغرت حذفَتها لأَنها زائدةٌ في حَشْوِ الاسم وتقولُ: مُحْمَرٌّ مُحَيمرٌ ومُحَيميرٌ وفي: مَحمَارٍ مُحَيميرٌ لا بُدَّ مِنَ التعويضِ وإِنَّما ألزمتَها العوضَ لأَنَّ فيها إذا حذفتَ الرّاء ألفًا رابعةَ في محمَارّ. وتقولُ في حَمَارّةٍ: حُمَيرّةٌ جمعَ بينَ ساكنينٍ لأَنكَ لو كسرتَ قلتَ: حَمَارٌّ وفي جُبُنَّةٍ جُبَينَّةٌ لأَنَّكَ لو كسرت قلت: جَبَانٌ وقد قالوا: جُبْنَةٌ فخَففوا. وتقولُ في مُغدودنٍ2: مُغَيدينٌ فتحذفُ الدال الثانية لأَنهُ مُفْعُوعلٌ فالعينُ الثانيةُ هي المكررةُ الزائدةُ هَذا القياسُ عندَ سيبويه3. وإنْ حذفتَ الدالَ الأُولى فهوَ بمنزلةِ جُوَالق وتقولُ في خَفيددٍ4: خُفَيدِدٌ وخُفَيديدٌ وغَدَودنٌ مثلُ ذلكَ وقَطَوطَى: قَطَيطٌ وقَطَيطيٌّ ومُقْعَنسسٌ تحذفُ النونُ وإحدى السينين فتقولُ: مُقَيعسُ ومُقَيعيسٌ وأَما مُعْلَوّطٌ فليسَ إلا: مُعَيليطٌ5، وعَفَنْجَجٌ6: عُفَيججٌ وعفُيجَيجٌ لأَنَّ النون بمنزلةِ واو غَدَودنٍ وياء خَفَيددٍ والجيمَ بمنزلةِ الدال وَعَطَوّدٌ7: عُطَيَّدٌ وعَطَيّيدٌ

_ 1 مزدان: من الزينة. 2 مغدودن: يقال: اغدودن النبت إذا طال واسترخى. 3 انظر: الكتاب 2/ 111. 4 خفيدد: السريع ومثله الخفيدد. والظليم الخفيف. والجمع: خفادد وخفيددات. 5 معلوط: يقال اعلوط الحصان: إذا تعلق بعنقه وعلاه. لأنك إذا حقرت فحذفت إحدى الواوين بقيت واو رابعة وصارت الحروف خمسة أحرف والواو إذا كانت في هذه الصفة لم تحذف في التصغير كما لا تحذف في الكسر للجمع. وانظر الكتاب 2/ 112. 6 عفنجج: الضخم الأحمق. والناقة السريعة. 7 عطود: السير السريع. ومن الطرق: البين الواضح.

وإنّما ثقلتِ الواوُ الملحقةُ كما ثقلت باء عَدَبّسٍ1 ونُونُ عَجَنَّسٍ2 عِثْوَلٌ3: وعُثَيّلٌ لأَنَّهم يقولون: عَثَاولُ وعَثَاويلُ والواو ملحقةُ بمنزلةِ شينِ قِرْشِبٍّ4، واللامُ الزائدةُ بمنزلةِ الباءِ في قِرْشبٍّ فحذفتها كما حذفت الباءَ في: قَرَاشب وأثبتوا ما هو بمنزلةِ الشين وأَلَنْددٌ5 وَيَلندَدٌ واحدٌ تقولُ: أُلَيْدٌّ ولو سميتَ رجلًا بأَلْبَبَ لقلتَ: أُلَيْبٌّ. ترده إلى القياس لأَنَّ "أُلببًا" شَاذٌ كحَيوةٍ6 إذا حقرتَ حَيْوَة صَار مثل: حِذوةٍ7 وجميعُ هَذا قولُ سيبويه8 وإستبرقٌ: أُبيرقٌ وأُبَيريقٌ. وأَرَندجٌ9، وأُرَيدجٌ مثلُ أَلنددٍ. ولا تلحقُ الألفُ إلا بناتِ الثلاثةِ فتدعُ الزائدَ الأولَ وتحذفُ النونَ وذُرَحْرَحٌ10 ذُرَيرحُ لأَنَّ الراءَ والحاءَ ضُوعفا كما ضَوعفت دَالُ مَهْددٍ11: والدليلُ عَلى ذلكَ: ذُرّاحٌ وذُرَّوحٌ ومَنْ لغتهُ ذُرَحْرَحٌ يقولُ: ذَرَارِحٌ وقالوا: جُلَعلعُ12 وجَلاَلِعُ.

_ 1 عدبس: الشديد الموثق الخلق من الإبل وغيرها. 2 عجنس: الجمل الضخم، الصعب والصلب. والعجانس: الجعلان. 3 عثول: القدم المسترخي. الأحمق. 4 قرشب: الرجل المسن. والسيئ الحال. والضخم الطويل. 5 ألندد: بمعنى الدلو. ويقال: خصم ألندد، أي: خصيم. إذا حذفت النون من ألندد. 6 أي: أن الواو بدل من ألف "حياة" وليست بلام الفعل. 7 حذوة: من اللحم كالحذية وهو ما قطع طولا. وقيل: هي القطعة الصغيرة. 8 انظر: الكتاب 2/ 112-113. 9 أرندج: بكسر أوله وفتحه- جلد أسود معرب "رندة". 10 ذرحرح: دويبة حمراء منقطة بسواد وهي من السموم. 11 مهدد: اسم امرأة. 12 جلعلع: من الإبل الحديد النفس. والقنفذ. والخنفساء. والضبع.

وزعمَ يونس: أَنَّهم يقولونَ: في صَمَحمحٌ1 صَمَامحُ2 فتقولُ عَلَى هَذا جُلَيلعٌ وإن شئتَ عوضَت فقلتُ: ذُرَيريحٌ وزَعَم [الخليل] 3: أَنَّ "مَرمَريسَ" من المراسةِ فضاعفوا الميمَ والدالَ في أوّلِهِ وتحقيرهُ: مُرَيريسٌ لأنَّ الياءَ تصيرُ رابعةً فصارتِ الميمُ أَولى بالحذفِ مِنَ الراءِ لأَنَّ الميمَ إذا حذفت تبينَ في التحقير أَن أَصلُهُ من الثلاثةِ كأنَّكَ حقرتَ "مرّاس" ومُسَرولٌ4 مُسَيريلٌ ليسَ إلا5، ومساجدُ اسمُ رجل مُسَيجدٌ تحقيرُ مَسْجدٍ6.

_ 1 صمحمح: الغليظ الشديد. 2 انظر: الكتاب 2/ 113. 3 زيادة من سيبويه 2/ 113. 4 مسرول: يقال للثور الوحش مسرول للسواد الذي في قوائمه، وحمامة مسرولة في رجليها ريش. 5 لأن الواو رابعة ولو كسرته للجمع لم تحذف. فكذلك لا تحذف في التصغير. 6 لأنه اسم لواحد ولم ترد أن تحقر جماعة المساجد.

الخامس ما تحذف منه الزوائد من بنات الثلاثة

الخامس: ما تحذفُ منهُ الزوائدُ مِن بناتِ الثلاثةِ: مما أَوائله أَلفاتُ الوصلِ تقولُ في استضرابٍ تُضَيريبٌ حذفَت أَلفَ الوصلِ والسينَ لا بُدَّ من تحريكِ ما يليها ولم تحذف التاءَ لأَنهُ ليسَ في كلامِهم سِفْعَالْ وفيهِ التّجفافُ والتّبيانُ وتقولُ في افتقارٍ: فُتَيقيرٌ تحذفُ أَلفَ الوصلِ لتحركَ ما يَليها ولا تحذفُ التاءَ الزائدةَ إذا كانت ثانيةَ في بناتِ الثلاثةِ وكانَ الاسم عدةُ حروفِه خَمسةٌ رابعهنَّ حَرفُ لينٍ لم يحذفْ منهُ شَيءٌ في تكسيرِ الجمعِ ولا في تَصغيرٍ وإنمَا تحذفُ الزائدَ إذا زادَ على هذه العدةِ وخرجَ عن الوزنِ وانطلاقٌ قالَ سيبويه نُطَيليقٌ1، لأَنَّ الزيادةَ إذا كانت أَولًا في بناتِ الثلاثةِ وكانت على خمسةِ أحرفٍ فكانَ رابعهنَ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 114.

حرفُ لينٍ لم يحذفُ منهُ شيءٌ في التصغير ولا في الجمع كتِجفافٍ تجافيفَ. وقالَ أبو عثمان المازني: أقولُ في انطلاقٍ طُلَيقٌ طلُيَيقٌ لأَنَّه ليسَ في كلامِهم نِفْعَالٌ. قالَ أبو بكر: والذي أَذهبُ إليهِ قولُ سيبويهِ لأَنهُ إِنّما يحذفُ الزائدُ ضرورةً فإذا قدرَ على إثباتِه كان أَولى لئلا يلبسَ بغيرهِ مما لا زائدَ فيهِ فأَمَّا استفعالٌ فَلم يجزْ أَن تثبتَ السينَ والتاءَ فيهِ لأَنهُ ستةُ أحرفٍ كانَ حذفُ السينِ أَولى لأَنَّها ساكنةٌ ولأَنَّها إِذا حذفتْ بقي مِنَ الاسم مِثالٌ تكونُ عليهِ الأسماءُ فكانَتْ أَولى بالحذفِ وليسَ يلزمنا متى حذَفنا زائدًا أن نبقَي الباقي عَلى مِثالٍ مَعروفٍ من الأسماءِ ولَو وجبَ هَذا لمَا جازَ أن تقولَ: في افتقار فَتيقيرٌ لأَنَّهُ ليسَ في الكلام "فَتعالٌ" ولا شيءَ مِنْ هَذا الضربِ وتقولُ في اشهِيبابٍ: شُهَيبيبٌ واغديدانٍ: غُدَيدينٌ تحذفُ الألفَ والياءَ. واقعنساسٌ تحذفُ الألف والنونَ وحذفُ النونِ أولى مِنْ السينِ واعلوّاطٌ وعُلَييّطٌ تحذفُ الألفَ والوَاو الأُولى لأَنَّها بمنزلةِ الياءِ في اغديدانٍ والواوُ المتحركةُ بمنزلة ما هُوَ من نفسِ الحرفِ لأَنَّهُ أَلحقَ الثلاثةَ بالأربعةِ.

السادس اسم من الثلاثي

السادس: اسمٌ مِنَ الثلاثي: فيهِ زائدتانِ تكونُ فيهِ بالخيارِ أيُّهما شئتَ حذفتَ تقولُ في قَلَنْسُوةٍ1: قُلَيسيَة وحَبَنْطَى2: حُبَيطٌ وحُبَينط لأَنها جميعًا دخلت للإِلحاق،

_ 1 وتقول: قلينسة أيضًا. 2 حبنطى: القصير الغليظ، العظيم البطن.

وكَوَأْللٌ: وهو القصيرُ زيادةً كُؤَيللٌ وكُؤَيليلُ وكُوئيلٌ وكُوَيئيلُ وفي حُبَارى1 حبيرى وحُبَيِّرٌ. قالَ أَبو بكر: والذي أَختارهُ إذا كانت إحدى الزائدتينِ علامةَ لشيءٍ لم تحذفِ العلامةُ إلا أن يكونَ الزائدُ الآخرُ ملحقًا فإِن الملحقَ بمنزلةِ الأَصلي فأَرى أَن تُصغرُ حُبَيرى وتحذفَ الألفَ الأولى التي في حَشوِ الاسم وتترك أَلفُ التأنيث وكانَ أبو عمرو يقولُ: حُبَيرةٌ2، جعلُ الهاءَ بدلًا مِنْ أَلفْ التأنيثِ وألمَا علانيةٌ وثُمانيةٌ فأَحسنهُ عُلَينيةٌ وثُمَينيةٌ لأَنَّ الياءَ في آخرِ الاسم أبدًا بمنزلةِ ما هوَ مِن نفسِ الحرفِ لأَنها تلحِقُ بناءً ببناءٍ فياءُ "عُفارية3 وقُرَاسية"4/ بمنزلةِ راءِ عُذافرةٍ5، وقَد قَالَ بعضَهم: عُفَيرِةٌ وثُمينةٌ شبهَها بألفِ حُبَارى6، وكذلكَ صَحَارى وأشباهُ ذلكَ فإن سميتَ رجلًا بمَهارى وصَحارى قلتَ: مُهَيرٌ وصُحَيرٌ قالَ سيبويه: وهوَ أَحسنُ لأنَّ هذه الألفَ لم تجيء للتأنيثِ إنّما أرادوا: مُهاريٌّ وصَحاريٌّ فحذَفوا وأَبدلوا7 وعَفَرناةٌ8 وعَفَرني غُفَيرنٌ وعُفيريةٌ لأَنَّهما زيدتا للإِلحاق العِرَضني -ضَربٌ مِنَ السير-ِ عُرَيضنٌ لأَنَّ النونَ ملحقةٌ والألفُ للتأنيثِ فثباتُ الملحقِ أَولى وقَبائلُ اسمُ رَجُلٍ: قُبَيئلٌ وقَبَيئيلٌ إذا عوضت وطَرحُ الألفِ أولى مِنَ الهمزةِ لأَنَّها بمنزلةِ جيمِ مَسَاجدَ

_ 1 حبارى: طائر معروف على شكل الأوزة. 2 انظر: الكتاب 2/ 115. 3 عفارية: الخبيث المنكر- وبضم العين- الشديد. 4 قراسية: الضخم الشديد من الإبل. 5 عذافرة: الناقة الشديدة الأمنية الوثيقة الظهر، وهي الأمون. 6 انظر: الكتاب 2/ 116. 7 انظر: الكتاب 2/ 116. 8 وفيها لغة أخرى" عفير" و"عفيرنة" وانظر: الكتاب 2/ 116.

وهَمزةُ بُرَائلٍ1 وهذا قولُ الخليلِ2 وأَمَّا يونسُ فيقولُ: "قُبَيّلٌ" بحذفُ الهمزة3. قالَ أبو بكر: فقولُ الخليلِ أحسنُ لأَنَّ حذفَ الساكنِ أَولى مِنْ حذفِ المتحركِ وبقاءُ الهمزةِ أدلُّ على المصغرِ وتقولُ في لُغَّيزَى: لُغَيغِيز تحذفُ الألفَ لأَنَّك لو حذفتَ الياءَ الرابعةَ لاحتجتَ إلى أَنْ تحذفَ الألفَ فتقولُ: لُغيغزٌ لأَنهُ يستوفي عدد الخمسة وكذلك اقْعِنساسُ: قُعَيسيسٌ تحذفُ النونَ وتتركُ الألفَ لأنك لو حذفتَ الألفَ لاحتجتَ إلى حذف النونِ فحذفُ ما يستغنى بحذفهِ وحدَه أولى مِنْ أن تخلّ بالاسم وياء لُغَّيزَى ليست بياءِ تَصغيرٍ لأَنَّ ياءَ التصغيرِ لا تكونُ رابعةً فهي بمنزلةِ الألفِ في خُضَّارى4 وتَصغيرُ خَضَّارى كتصغيرِ لُغَّيزَى. وَبُركاءُ5 وجَلُولاءُ بُرَيكاءُ وجُلَيلاءُ ففرقوا بينَ هذهِ الألفِ التي للتأنيثِ وقبلَها أَلفٌ وبينَ الهاءِ التي للتأنيث لأَنَّ هذه لازمةٌ والهاءُ غير لازمة وتقولُ في: عِبْدّى عُبَيْدٌ تحذفُ الألفَ ولا تحذفُ الدال6، وفي مَعْلوجاء7 ومَعْيُوراء8: مُعَيليجاء ومُعَييراءُ تلزمُ العوضَ لأنَّ الواوَ رابعةٌ قالَ سيبويه: لَو جاءَ في الكلام فَعُولاءَ ممدوداَ لم تحذفِ الوَاو في

_ 1 برائل: ما استدار من ريش الطائر حول عنقه. وبراثل الأرض: عشبها. 2 انظر: الكتاب 2/ 117. 3 انظر: الكتاب 2/ 117. 4 خضارى: نبت. 5 بركاء: الثابت في الحرب، وابتكروا، جثوا للركب فاقتتلوا، وهي البروكاء. 6 لأن الدال ليست من حروف الزيادة، وإنما ألحقت الثلاثة ببنات الأربعة. 7 معلوجاء: جمع علج وهو الرجل من كفار العجم. أو حمار الوحش. 8 معيوراد: جمع عير وهو الحمار الوحشي.

قولِ مَنْ قالَ في أَسودٍ: أُسَيودٌ فأمّا من قال في سيد: أسيدٌ وفي جَدولٍ جُدَيّلٌ فإنهُ يلزمهُ أن يحذفَ فيقولُ: فُعَيلاءُ1، لأَنَّهُ غيرُ الحرفِ الملحقِ فصارَ بمنزلةِ الزائدِ في "بَرُكاءَ" ويحقرُ: ظَرِفينَ وظَرِيفاتٍ ظَرِيفونَ وظَرِيفاتٌ. وقالَ سيبويه: سألتُ يونس عن تحقيرِ ثلاثينَ فقالَ: ثُليثونَ ولم يثقلْ شَبهوها بواوِ جَلْولاءَ لأَنَّ ثلاثًا لا تستعملُ مفردةً وهي بمنزلةِ عشرينَ لا تفردُ عِشرًا2. ولو سميتَ رَجلًا جِدَارين ثُمَ حقرتَ لقلتَ: جَدَيرينُ3 ولم تثقلْ لأنك لستَ تريدَ معنى التثنية فإِنْ أَردتْ معنى التثنيةِ ثقلتَ وكذلكَ لو سميتَهُ بدَجاجاتٍ وظَرِيفينَ ثقلتَ في التحقيرِ لأنَّ تحقيرَ ما كانَ من شيئين كتحقيرِ المضاف فدجاجةُ كدَرابَ جِردَ4 ودجاجتينِ كدَرابَ جِرْدينِ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 118. وفيه ومن قال في أسود أسيد. 2 انظر: الكتاب 2/ 118. ونص الكتاب: لأن ثلاثين لا تستعمل مفردة على حد ما يفرد ظريف. وإنما ثلاثون بمنزلة عشرين لا يفرد ثلاث من ثلاثين كما لا يفرد العشر من عشرين. 3 في كتاب سيبويه 2/ 118، جديران "بالرفع". 4 درأب جرد: كدرة بفارس عمرها دراب بن فارس: معناه: دراب كرد. دراب اسم رجل، وكرد: معناه: عمل معرب بنقل الكاف إلى الجيم. انظر: معجم البلدان 2/ 446.

السابع كل اسم من بنات الثلاثة تثبت فيه زيادته في التحقير

السابع: كُلُّ اسمٍ من بناتِ الثلاثةِ تثبتُ فيه زيادتهُ في التحقيرِ: وذلكَ قولُكَ في تِجفافٍ1: تُجيفيفٌ وإصليتٌ: أُصَيليت2،

_ 1 تجفاف: آلة للحرب كالدرع. 2 أصليت: سيف أصليت: أي صقيل. ومن الرجال: الماضي العزيمة.

ويربوعٌ: يربيع لأَنَّها تثبتُ في الجمع وعَفريتٌ: عُفَيريتٌ ومَلكوتٌ: مُلَيكيتٌ لقولهم: مَلاكيتُ وكذلك: رَعْشُنٌ1 لقولَك: رَعَاشنٌ وَسَنْبَتَةٌ2 لقولِهم: سُنَابتٌ والدليلُ علَى زيادة التاءِ قولُهم: سَنْبةٌ وقَرْنوةٌ3 تصغرُ: قُرَينيةٌ لأَنَّك لو جمعتَ قلتَ: قَرانٌ وبَرْدَرايا4 وحوْلايا5، بُرَيدرٌ وحُويليٌ، لأنَّ الياء ليستْ للتأنيثِ وهي كياءِ دِرْحايةٍ6.

_ 1 رعشن: جبان. والسريع من الجمال والظلمات. 2 سنبتة: البرهة من الدهر. والتاء فيه للإلحاق. 3 قرنوة: نبت عريض الورق ينبت في الرمال. 4 بردرايا: موضع بالقرب من بغداد. 5 جولايا: اسم قرية من عمل النهروان. 6 درحاية: كثيرة اللحم.

الثامن ما يحذف من زوائد بنات الأربعة كما تحذفها في الجمع

الثامنُ: ما يحذفُ مِنْ زوائد بناتِ الأربعةِ كَما تحذفُها في الجمع: تقولُ في قَمَحدوةٍ1 قُمَيحدةٌ لقولِهم: قَمَاحدُ وسُلحفاةٌ سُلَيحفةٌ لسلاَحفَ وفي مَنجنيقٍ مُجَينيقٌ لِمَجانيقَ وعنكبوتُ: عُنَيكبٌ وعُنَيكيبٌ لعَناكبَ وعَنَاكيبَ وتَخربوتُ2 تُخَيربٌ وتُخَيريبٌ تعوضُ وإن شئتَ فعلتَ ذلكَ بقَمحدوةٍ وسُلَحفاةٍ ونحوهما عَيْطَمُوس3: عُطَيْميسٌ لقولِهم: عَطَاميسُ وعَيْضَموز4: عَضَيميزٌ لأَنَّك لو كسرتَ

_ 1 قمحدوة: العظم الناتئ فوق القفا وأعلى القذال خلف الأذنين ومؤخر القذال. 2 تخربوت: الخيار الفارهة من النوق. 3 عيطموس التامة الخلق من الإبل، والنساء: المرأة الجميلة. 4 عضيموز: العجوزة الكبيرة.

قلتَ: عَضاميزُ وحَجَنفلٌ1 حُجَيفلٌ وحُجَيفيلٌ النونُ زائدةٌ وكذلك عَجَنَّسُ وعَدَبَّسُ ضاعفوا كَما ضاعفوا ميمَ مُحمّدِ وكذلكَ قِرشَبٌّ2، ضاعفوا الباءَ كما ضاعفوا دَالَ معَدٍّ وكَنهور3 لا تحذفُ واوهُ لأَنَّها رابعةُ فيما عدتهُ خمسةُ أحرفٍ وعَنْتَريسٌ عُتَيريسٌ والنونُ زَائدةٌ لأَنَّ العَتْرَسةَ الشدةُ والعَنتريسَ الشديدُ وخَنْشَليلٌ4 خُنَيشيلٌ تحذفُ إحدى اللامين زائدةٌ لأَنَّها زائدةٌ يدلُّكَ على ذلك5 التضعيف والنونُ من نفس الحرفِ حتَى يتبينَ لك سوى ذلك ومنجنونٌ6 مُنَيجِينٌ وطُمَأنينةٌ طُمَيئينةٌ تحذفُ إحدى النونين لأَنَّها زائدةٌ وفي قشعريرةٍ قُشَيعرةٌ وقِنْدَأَوٌ7 إنْ شئتَ حذفتَ الواو كما حذفَت ألفَ حَبَركى وإن شئتَ النونَ وإبراهيم بُرَيهيم وقَد غَلط في هذا سيبويه8 لأنَّه حذَفَ الهمزة فجلعَها زائدةً ومِنْ أصولهِ أنَّ الزوائدَ لا تلحقُ ذواتِ الأربعةِ مِنْ أوائِلها إلا الأسماءَ الجاريةَ على أَفعالِها ويلزمهُ أن يصغر إبراهيم: أُبيريةٌ ويصغِّر اسماعيلَ: سُمَيعيلٌ وقالَ: تحذفُ الألفُ حتَى تجيءَ عَلى مِثَالِ: فُعَيعيلٍ ومُجرفسٌ جُرَيفسٌ وجُرَيفيسٌ ولَو لم يحذِف الميم لم يجئ التحقيرُ على مِثَالِ: فُعَيعلٍ وفعيعيلٍ ومُقْشَعِرٌ ومُطْمَئنٌ تحذفُ الميمَ وأَحَد الحرفين المضاعفين

_ 1 جحنفل: الغليط الشفة، نونه ملحقة ببناء سفرجل. 2 قرشب: جمع قراشب، وهو المسن، والأكل. والأسد، والضخم الطويل. 3 كنهور: السحاب العظيم المتراكم. 4 خنشليل: البعير السريع، والضخم الشديد. 5 أي: حتى يجيء شاهد من لفظه فيه معنى يدلك على زيادتها، فلو كانت النون زائدة لكان من بنات الثلاثة. 6 منجنون: الدولاب الذي يسقى به. 7 قنداو: حال الرجل، حسنه أو قبيحه. 8 انظر: الكتاب 2/ 120.

فتقولُ: قُشَيعيرٌ وطُمَيْئين وخَورنقٌ مثل: فَدَوكسٍ1 وبَرْدَرايا بُرَيدرٌ تحذفُ الزوائدَ حتَى تصيرَ على مثالِ "فُعَيعلٍ" وإنْ عوضتَ قلتَ: بُرَيديرٌ وحُويَليٌّ لأَنَّ الياءَ فيهما ليستْ للتأنيثِ ولكنها بمنزلةِ ياء دِرْحايةٍ

_ 1 فدوكس: الرجل الشديد، الأسد.

التاسع تحقير ما أوله ألف الوصل وفيه زيادة من بنات الأربعة

التاسع: تحقيرُ ما أَولهُ أَلفُ الوصِل وفيهِ زيادةٌ مِنْ بناتِ الأربعةِ: وذلكَ احرنجامٌ تقولُ: حُرَيجيمٌ تحذفُ الألفَ والنون حتى يصيرَ ما بقيَ علَى مثالِ: فُعَيعيلٍ ومثلهُ الاطمئنانُ والاسلنقاء.

العاشر ما كسر عليه الواحد للجمع

العاشرُ: ما كُسِّر عليهِ الواحدُ للجمعِ: كُلُّ بناءٍ لأَدنى العددِ فتحقيرهُ جائزٌ وهو علَى أربعةِ أَبنيةٍ: أَفْعُلٌ وأَفعالٌ وأَفْعلةٌ وفِعْلَةٌ وذلكَ قولُه في أَكلبٍ: أَكيلبٌ وفي أَجمالٍ: أُجَيْمالٌ وفي أَجربةٍ أُجَيربَةٌ وفي غِلْمَةٍ: غُليمةٌ وفي وُلَيدةٌ: وَلَيدةٌ فإنْ حقرتَ ما بنيَ للكثيرِ وددته إلى بناءِ أَقلِّ العددِ تقولُ في تصغيرِ: دُورٍ أُدَيرٌ تردُّءْ إلى أَدنى العددِ فإنْ لم تفعلْ تحقرها على الواحِدِ وأَلحقْ تاءَ الجمعِ فإنْ حقرتَ مَرَابدَ وقَنَاديلَ قلتَ: قُنَيديلاتٌ ومُرَيبداتٌ ودَراهمُ دُرَيهمات وفِتيانٌ وفُتَيَّة تردهُ إلى فِتيةٍ وإنْ شئتَ قلتُ: فُتَيَّونَ والواوُ والنونُ بمنزلة الألفِ والتاءِ وفُقراءُ فُقَيرونُ فإنْ كانَ الاسم قد كسِّر علَى واحدِه المستعملِ في الكلامِ فتحقيرهُ على واحدِه المستعملِ تقولُ في ظروفٍ جَمعُ ظريفٍ: ظُرَيفون وفي السُّمَحاءِ: سَمَيحونَ وفي شُعراءَ شُوَيعرونَ تردهُ إلى سَمَحٍ وظَريفٍ وشَاعرٍ فإِذَا جاءَ جمعٌ لم يستعملْ واحدهُ حقِّرَ على القياسِ نحو: عَبَاديد تقولُ: عُبَيديدونَ لأنَّهُ جمعُ

فُعْلولٍ أَو فِعْلالٍ أو فِعْليلٍ فكيفَ كانَ فهذَا تحقيرهُ. وزعمَ يونس: أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ: سُرَييلاتٌ في تصغيرِ سَراويلٍ يجمعهُ جمعاَ بمنزلةِ: دَخَاريضَ ودَخْرُضةٍ1 وتقولُ في جُلوسٍ وقُعودٍ: جُوَيلسونَ وقُويعدونَ فأَما ما كانَ اسمًا للجمعِ وليسَ من لفظٍ واحدٍ مكسرًا فإنّهُ يحقرُ على لفظهِ لأَنهُ اسم للجمعِ كالاسم الواحدِ وذلكَ نحو: قومٍ يحقرُ قُوَيمٌ ورَجُلٌ رُجَيلٌ لأَنهُ غير مُكسرٍ وكذلكَ النفرُ والرَّهط والنسوةُ والصحبةُ فإنْ كسرتَ شيئًا مِنْ هذا لأَدنى العددِ حقرتَهُ بعدَ التكسيرِ نحو: أَقوام أُقيامٌ وأَنفارٍ تقولُ: أُنَيفارٌ والأَراهطُ رُهَيطونَ. قالَ أبو عثمان المازني: قالَ الأَصمعي: بنَاتُ رَهطٍ وأَرْاهطٍ وأَراهط فَعَلى هذا تقولُ: أُرَيهطٌ وأَما قولهُ: "قَدْ شَرِبتُ الأَدُهَيْدَ هِينا2 ... " فكأَنهُ حقَّر دَهادِه فردهُ إلى الواحدِ وأَدخلَ الياءَ والنونَ للضرورةِ كمَا يدخلُ في أرضينَ والدّهداه: حاشيةُ الإِبلِ وإذَا حقرتَ السنينَ قلتَ: سُنَيَّاتٌ لأَنكَ قد رددتَ ما ذهبَ وأَرضونَ أُرَيضاتٌ لأَنكَ قد غيرتَ البناءَ وإن كانَ اسمُ امرأةٍ قلتَ: أُرَيضونَ وكذلكَ سِنونَ لا تردُّ إلى الواحدِ لأَنكَ لا تريدُ جمعاَ تحقرهُ وإذا حقرتَ سَنينَ اسمَ امرأةٍ في قولِ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 142. 2 من شواهد سيبويه 2/ 142 على تحقير الدهادة على "دهيد هينا" فرده إلى واحده وهو "دهداه" فقال: دهيده، ثم جمعة جمع السلامة لئلا يتغير بتاء التصغير وجمعه بالواو والنون تشبيها بأرضين وسنين، وهو صدر بيت عجزه: قليصات وأبيكرينا.

مَنْ قالَ: سنينَ قلتَ: سُنَيّنٌ على قولِهِ في يَضَع: يُضَيّعٌ لا تحتاجُ إلى أَنْ تردَّ لأَنهُ على مِثالِ المصغراتِ مِنْ فَعَيلٍ وفَعَيعِلٍ فَمن قال: سِنُونَ، قالَ: سُنَيُّونَ فلم يكن بُدٌّ مِنَ الردِّ لأَنَّ الواوَ والنونَ ليستا من الاسم المصغرِ. وقالَ سيبويه: تقولُ في أَفعَالٍ اسم رجلٍ أُفَيْعالٌ فرقوا بينها وبينَ إفْعالٍ1"

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 143.

تحقير الاسم المنقوص

تحقير الاسم المنقوص ... الثالثُ: مِنَ القسمةِ الأُولى وهو الاسم المنقوصُ: وهَو على سبعةِ أَضربٍ: الأولُ: ما ذهبتْ فاؤهُ مِنْ بناتِ الحرفينِ. الثاني: ما ذهبتْ عينهُ الثالثُ: ما ذهبتْ لامهُ. الرابع: ما ذهبتْ لامهُ وكانَ أَولهُ أَلفَ الوصلِ. الخامسُ: ما كانَ فيهِ تاءُ التأنيثِ. السادسُ: ما حُذفَ منهُ ولا يردُّ في التحقيرِ السابعُ: الأَسماءُ المبهمةُ. الأولُ: ما ذهبتْ فاؤهُ من بناتِ الحرفينِ: مِنْ حقِّ هَذا البابِ أَن تردَّ الاسم فيه إلى أَصلهِ حتَى يصيرَ على مثالِ فُعَيلٍ نحو: عِدةٍ وَزِنة، تقولُ: وُعَيدةٌ وَوُزَينةٌ ووُشَيةٌ1. ويجوز أُعَيدةٌ وأُشَيةٌ وَكُلٌ إذا سميتَ بهِ قلتَ: أُكَيلٌ وخُذْ أُخَيْذٌ.

_ 1 في شية.

الثاني: ما ذهبتْ عينهُ: وذلكَ مُذْ، يدلُّكَ علَى ذهابِ العينِ مُنذُ وتحقيرُه مُنَيذٌ، وسَلْ هُو مِن سَأَلتُ وتحقيرهُ سُؤَيلٌ، ومَنْ قالَ: سَالَ يسالُ فَلَم يهمزْ قالَ: سُوَيلٌ، ويحقرُ سَهُ، سُتَيهةٌ1. الثالثُ: ما ذهب لامهُ: نَحو: دَم تقولُ: دُمَيٌّ يدلُّكَ عليهِ دِمَاءٌ ويَدٍ يُدَيةٌ يدلُّكَ عَليهِ أَيدٍ، وشَفَةٍ شُفَيهةٌ يدلُّكَ شِفاةٌ2، شَافهتُ وحِرٍ حُرَيحٌ يدلُّكَ أَحراحٌ ومَنْ قالَ في سَنَةٍ سَانيتٌ قالَ: سُنَيةٌ ومَنْ قالَ: سَانهتُ قالَ: سُنْيهةٌ ومنهم مَنْ يقولُ في عِضَةٍ عُضيهةٌ مِنَ العِضاه ومنهم مَنْ يقولُ عُضَيّةٌ مِنْ عَضَّيتُ3 وعلَى ذلكَ قالوا: عِضَواتٌ وتقول في فُلٍ: فُلَينٌ دليلهُ فلانٌ وَرُبُ مخففةٌ تحقيرُها رُبَيبٌ تدلُ رُبَّ الثقيلةُ عليهَما وكذلكَ بخٍ يدلُكَ عليهَا "بَخٍّ" الثقيلةُ. وكُلَّ هَذا يبنى إذا سمَى بهِ. قالَ سيبويه: وأَظن قَطْ كذلكَ لأَنَّ معناهاَ انقطاعُ الأمرِ4 وفَمٌ فُوَيهٌ يدلُّ عليَهِ: أَفواهُ وَذِه ذُيَيّةٌ لو كانت امرأةً لأَنَّ الهاءَ في ذِه بدلٌ مِنْ ياءٍ فتذهبُ هذِه الهاءُ كما ذَهبتْ ميمُ "فمٍ" وإذَا خففتَ "إنَّ" ثم حقرتها رددتَ5، وأَما "إن" الجزاءِ "وأَنْ" التي تنصبُ الفعلَ و"إنِ" التي في معنى مَا و"إنْ" التي تُلغى في قولِكَ ما إنْ تفعلُ وعَنْ تقول: عُنَيُّ وأُنَيُّ وليسَ

_ 1 سه: الاست. محذوف منها موضع العين. ومن قال: است حذف موضع اللام. 2 أن لامه هاء وهي دليل أيضا على أن ما ذهب من شفة اللام. 3 انظر: الكتاب 2/ 122. 4 انظر: الكتاب 2/ 123. 5 أي: رددت التضعيف بقولك أنين.

على نقصانِها دليلٌ مَا هو فحملَ على الأكثرِ وهو الياءُ أَلا تَرى أَنَّ ابنًا واسمًا ويدًا وما أَشبه إنَّما نقصانهُ الياءُ وجميعُ هَذا قولُ سيبويه1. الرابع: ما ذهبت لامهُ وكانتْ أَولهُ أَلفًا موصولةَ: تقولُ في اسمٍ سُمَيٌّ ويدلُّ أَسماءُ2، وابنٍ بُنَيٌّ يدلُّ أَبناءٌ وأستٍ: سُتَيهةٌ ويدلُ أَستاهٌ. الخامس: تحقيرُ ما كانَ مِنْ ذلكَ فيهِ تاءُ التأنيثِ: اعلم: أَنهم يردونهُ إلى الأصلِ ويأتونَ بالهاءِ فيقولونَ في أُختٍ: أَخَيةٌ وفي بِنتٍ: بُنَيةٌ وذَيْتٍ: ذُيَيُّةٌ وهَنْتٍ: هُنَيةٌ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ في "هَنْتٍ": هُنَيهةٌ يجعلُ الهاءَ بدلًا مِنَ التاءِ في "هنْتٍ" ولو سميتَ امرأةً: "بِضَرَبَتْ" ثُمَ حقرتَ لقلتَ: ضُرَيبةٌ تجعلُ الهاءَ بدلًا من التاءِ. السادسُ: ما حذفَ منهُ ولا يردُّ في التحقيرِ ما حذفَ منهُ: وذلكَ من قبلِ أَنَّ ما بقيَ منهُ لا يخرجُ عن أَمثلةِ التحقيرِ مِنْ ذلكَ مَيتٌ: مُيَيتٌ والأصلُ مَيّتٌ وهَارٍ: هُوَيرٌ والأَصلُ هَائرٌ. وزعمَ يونس: أَنَّ ناسًا يقولونَ: هُوَيئرٌ فهؤلاءِ لم يحقروا هارًا وإنّما حقَروا هَائرًا كما قالوا: أُبَيَنونَ كأَنّهم حقروا أَبْنَى3 ومُرٍّ4 وَيُرِى إذَا سُميَ بهما مُرَيٌّ ويُرَىٌّ ولا يقاسُ علَى "هُويئَرٍ". قالَ سيبويه: فأمَا يونس فحدثني أَنَّ أَبا عمرو كانَ يقول في: "يُرى".

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 123-124. 2 أي: أن أسماء تدل على أن ما ذهب من اسم اللام وأنها الواو أو الياء. 3 انظر: الكتاب 2/ 125.. كأنهم حقروا أبنى مثل أعمى. 4 في الأصل "يرى" وهو خطأ.

يريئيٌ يهمزُ ويجرُّ1 وهذَا ردهُ إلى الأصلِ وتصغيرُ يَضَعُ: يَضَيْعُ علَى مذهبِ سيبويه2، وكانَ أَبو عثمان يَرى الردَّ فيقولُ: يُوضَعٌ ومُرَئينٌ وهو أَجودُ عندُه لأَنها عينٌ ويقولُ في خَيرٍ مِنَكَ: خُييرٌ منكَ وشُترَيرٌ منكَ لا تردُّ الزيادةُ. السابعُ: الأَسماءُ المبهمةُ: اعلَم: أَنَّ التحقيرَ يضمُ أَوائلَ الأسماءَ غيرَ هذِه فإنَّ أَوائلَها تتركُ علَى حالِها تقول في هَذا: هذَيَّا وذاكَ ذَيّاكَ وأُلا أُلَيَّا وأَلحقوا هذه الألفَ الزائدةَ أواخرَها لتخالفَ أواخرَ غيرِها كما خالفتْ أَوائلَها قال3: هَذا قولُ الخليلِ. قالَ سيبويه: قلتُ فَما بالُ ياءِ التصغيرِ فيهِ ثانيةً [قالَ] 4 هي في الأصلِ ثالثةٌ ولكنّهم حذفوا الياءَ حينَ اجتمعتِ الياءاتُ وإنّما حذفُوها من ذَييَّا فَأَما تَيّا فتحقيرُ تَا لأَنهم قد استعملوا "تَا" مفردةً ومَنْ مَدَّ أُلاءِ يقولُ أُليَّاء والذي تقولُ: "اللَّذَيَّا" والتي: اللتَيَّا وإذَا ثنيتَ أَو جمعتَ حذفتَ هذِه الألفاتِ تقولُ: اللَّذيّونَ واللتَياتُ والتثنيةُ اللَّذَيَّانِ واللَّتَيّانِ وذَيانِ ولا تحقرُ "مَنْ" ولاَ "أَي" إذا صارا بمنزلةِ الذي استغنى عنَهما بتحقيرِ "الذي" ولا تحقرُ اللاتي استغنوا عنَها باللَّتياتِ قالَ سيبويه: كما استغنوا بقولهِم: أَتَانا مُسَيّاناَ وعُشَيّانَا مِن تحقيرِ القَصْرِ في قولِهم: أَتى قَصْرًا وَهْوَ العَشِيّ5.

_ 1 يجر لأنها بمنزلة ياء قاض. وانظر: الكتاب 2/ 125. 2 انظر: الكتاب: 2/ 125 3 أي: سيبويه: انظر: الكتاب 2/ 139. 4 زيادة من سيبويه 2/ 139 لإيضاح المعنى. 5 انظر: الكتاب 2/ 139.

الأبواب المنفردة تسعة

الأبوابُ المنفردةُ تسعةٌ: الأولُ: تحقيرُ كُلِّ حرفٍ فيهِ بدلٌ. الثاني: تحقيرُ الأسماءِ التي يثبتُ الإِبدالٌ فيها. الثالث: تحقيرُ ما كانَ فيهِ قَلبٌ. الرابعُ: تحقيرُ كُلِّ اسمِ كانَ من شيئينِ ضُمَّ أَحدهما إلى الآخرِ. الخامسُ: ترخيمُ التصغيرِ السادسُ: ما جرى في الكلامِ مصغرًا. السابعُ: ما يحقرُ لدنوهِ من الشيءِ وليسَ مثَلهُ. الثامنُ: ما لا يحقرُ. التاسعُ: ما حُقرَ علَى غيرِ مكبره المستعمل. الأولُ: تحقيرُ كُلِّ حَرفٍ كانَ فيهِ بَدلٌ: تحذفُ البدلَ وتردهُ إلى الأصلِ تقولُ في ميزانٍ: مُوَيزينٌ ومِيقاتٍ: مُوَيقيتٌ وقِيلٍ: قُوَيلٌ وأَما عِيدٌ فتحقيرهُ عُيَيدٌ أَلزموهُ البدلَ لقولِهم أَعيادٌ وأَعيادٌ شاذٌّ وطَيٌّ طُوَيٌّ وطَيّانُ وَرَيَّانُ: رُوَيّانُ وطُوَيّانُ والأَصلُ: طَويتُ ورَويتُ وتقولُ في قِيٌّ قُويٌّ لأنهُ من القَواء يستدلُّ عليهِ بالمعنى ومُوقنٌ مُيَيقنٌ ومُوسرٌ مُيَيسرٌ وعَطاءٌ وقَضاءٌ عَطَيٌّ وقَضَيٌّ الصِّلاءُ صُلَيٌّ وكذلكَ صَلاءةٌ وأَما أَلاءةٌ1. وأَشاءةٌ فأُلَيّئةٌ وأُشَيّئةٌ لأَنَّ هذهِ الهمزةَ ليست مبدلةً ولو كانتْ مبدلةً لجاءَ فيها أَلايةٌ كمَا كانَ في عباءة عَبايةٌ وفي صَلاءةٍ: صَلايةٌ وإذَا لم يكنْ شاهدٌ فهو عندَهم مهموزٌ فأَمّا النَّبيُّ فَقَد اختلفتِ العربُ فيهِ فَمن قالَ: النُبَآءُ قالَ: نُبَييءُ تقديرُها: نُبَيّعٌ ومَنْ قالَ: أَنبِياءُ قالَ: نُبَيٌّ وأَما النُّبوَةُ فَعلى القياسِ نُبَيئِةٌ وليسَ مِنَ العربِ أَحدٌ إلا وهوَ يقولُ: تَنَبّأَ مُسيلمةُ وهوَ من "أَنبأتُ" وأَما الشاءُ فالعربُ تقولُ فيهِ: شُوَيٌّ وفي شَاةٍ شُوَيهةٌ وقِيراطٌ: قُرَيريطٌ وديِنارٌ: دُنَينيرٌ وَدِيباجُ2:

_ 1 أضفت "واوًا" لإيضاح المعنى. 2 ديباج: وهو ثياب. وأصله فارسي.

دَبَابيجُ وَدُبَيْبِيجٌ ودِيْماسٌ1 فيمَن قالَ: دَمَاميسْ وأَمَّا مَنْ قَالَ: دَيَاميسُ ودَيَابيجُ فهيَ عندَهُ ملحقةٌ كواوِ جِلْواخٍ2 وياءِ جِريالٍ3. ولو سميتَ رجلًا: ذَوَائبَ لقلتَ ذُؤَيئبُ تقديرُها: فُعَيعلٌ لأَنَ الواوَ بدلٌ مِنَ الهمزةِ التي في ذُؤابةٍ. الثاني: تحقيرُ الأسماءِ التي يثبتُ الإِبدالُ فيها: وذلكَ إذا كانت أَبدالًا مِنَ الياءاتِ والواواتِ التي هي عيناتٌ نحو: قَائمٍ قويئِمٌ وبائعٍ بُوَيئِعٌ لثباتِها في قائمٍ وَبائعٍ وكذلكَ أَدؤرٌ تثبتُ الهمزةُ في التصغيرِ والجمعِ وأَوائلُ اسمِ رجلٍ تثبتُ الهمزةُ لأَنَّ الدليلَ لو كانَ أَفاعِلَ لثبتتِ الهمزةُ في الجمعِ والنَّؤُور4 والسُّؤورُ لأنَّ هذهِ كلهَا ليستْ منتهى الاسم لأنهم لا يبدلونَ من اللاماتِ إذا كانت منتهى الاسم أَلا تراهم قالوا: فعلوةٌ وكذلكَ فَعَائلُ لأَنهُ مثلُ قائِلٍ: ولو كانتْ فُعَائل ثم كسرتَهُ للجمعِ لثبتَتْ وتاءُ تُخمةٍ وتَاء تُراثٍ وتاء تُدَعةٍ يثبتنَ5 لأَنهن بمنزلةٍِ الهمزةِ التي تُبدلُ مِنْ واوٍ نحو أَلفٍ أُرْقَة وأَلفِ أُدَدٍ وإنَّما أَددٌ مِنَ الودِّ والعربُ تصرفُ أُدَدًا جعَلُوهُ بمنزلةِ ثُقَبٍ ولَم يجعلْوهُ مِثْلَ عُمَرَ ويقولونَ: تميمُ بن أُدٍّ وَودٍّ جميعًا. ومُتَّلجٌ ومُتَّهم ومُتَّخمٌ التاءُ هَهُنَا بمنزلتِها في أولِ الحرفِ لأَنكَ تقولُ: اتلجتُ واتّلجَ واتَّخَم وكذلكَ في تَقوى وتَقيّة وتُقاةٍ وقالوا في التُّكأَةِ اتكأَتهُ وهُما يُتكئانِ فهذِه التاءُ قَويةٌ يصرفونَها ومُتّعدٌ ومُتّزنٌ لا تحذفُ التاءُ منهما وإنّما جاؤوا بها كراهيةَ الواوِ والضمةِ

_ 1 ديماس: الحمام. والكن. السرب. 2 جلواخ: الوادي العظيم، الممتلئ الواسع. 3 جريال: صبغ أحمر، وحمرة الذهب، وسلافة العصفر، والخمر ولونها. 4 النؤور: من معانيه: دخان الشحم. 5 تدْعة، وتدَعة: الراحة.

التي قبلَها وإنْ شئتَ قلتَ: مُوتعدٌ ومُوتَزنٌ كما تقولُ: أَدْؤر لو ثنيتَ فلا تهمزُ. الثالثُ: تحقيرُ ما كانَ فيهِ قلبٌ يَردٌّ ما قلبَ منهُ إلى الأصلِ: فتقول في لاثٍ: لُوَيثٌ لأَنَّ أَصلَ لاثٍ: لائِثٌ وشِاكٍ شُوَيك لأَنَّ الأصلَ شَائكٌ وكذلكَ مُطَمئنٌ إنما هو من "طَأمنتُ" فتقولُ مُطَيئمنُ وقسيٌّ الأصلُ: قُوُوسٌ وأَينُقٌ إنَّما هو أَنوٌق ومنهُ قولُهم: أَكرهُ مَسائيتَكَ وإنَما جمعتَ المسَاءةَ وسَاءَةٌ مَفْعَلَةٌ مِنْ يسوءُ فكانَ أَصلهُ مُساوئةً الواوُ قبلَ الهمزةِ فلما قلبَ صارتِ الهمزةُ قبلَ الواوِ. وقُلبتْ ياءً فصارتْ مسَائيةً ومِنْ ذلكَ: قَدْ راءهُ مثلُ رَاعَهُ وإنَّما الأصلُ رآهُ مثلُ رَعاهُ. الرابعُ: تحقيرُ كُلُّ اسمٍ كانَ من شيئينِ ضُمَّ أَحدهُما إلى الآخرِ فَجُعلا بمنزلةِ اسم واحد: زعمَ الخليلُ: أَنَّ التصغيرَ إنّما يكونُ في الصدرِ الأول تقولُ في حضَرموتَ: حُضَيرموتٌ وبَعلبك: بُعَيلبك1، وخمسَةَ عَشَر: خُمَيسة2 عَشَر وأما اثَنا عَشَرَ فتقول: ثُنَيّا عَشَر فَعَشر بمنزلةِ نونِ اثنينِ. الخامسُ: الترخيمُ في التصغير: كُلُّ زائدٍ من بناتِ الثلاثة يجوزُ حذفُه في التصغيرِ حتى يصيرَ على مثال فُعيلٍ فتقولُ في حارثٍ: حُرَيثُ وخَالد: خُلَيدٌ وأَسودَ: سُوَيدٌ وغلابٍ اسمُ امرأةٍ: غُلَيبةٌ.

_ 1 بعلبك: بلدة بلبنان في منطقة البقاع الحالية مشهورة بآثارها العتيقة. 2 انظر: الكتاب 2/ 134.

وزعمَ الخليل: أَنهُ يجوزُ في صَنَفْندَدٍ1: صُنفَيدٌ وفي خَفيددٍ: خُفَيدٌ وفي مَقْعَنسسٍ: قُعَيسٌ2 وبناتُ الأربعةِ في الترخيمِ بمنزلةِ بناتِ الثلاثةِ تحذفُ الزوائدَ حتَى يصيرَ على مِثَالِ "فُعَيعلٍ" ولا فَرقَ في بناتِ الأَربعةِ بينَ تصغيرِ الترخيمِ وغيرِه إلا أَنَّ ياءَ التعويضِ لا تقعُ فيهِ وحكى سيبويه أَحسبهُ عَنِ الخليلِ: أَنهُ سمعَ في إبراهيمَ وإسماعيلَ: سُمِيعٌ وبُرَيةٌ3. قال أبو العباس4: القياسُ أَبيرةٌ وأُسَيمعٌ لأَنَّ الألفَ لا تدخلُ على بَناتِ الأربعةِ. السادسُ: ما جَرى في الكلامِ مصغرًا فقط: وذلكَ جُمَيلٌ وَهو طائرُ في صورةِ العُصفورِ وكُعَيثٌ وهَو البلبلُ قالَ سيبويه: سألتُ الخليلَ عن كُمَيتٍ فقالَ: إنّما صُغرَ لأَنهُ بينَ السوادِ والحمرةِ5 وأَما سَكيتٌ فهو ترخيمٌ: سُكَّيْتٍ وهوَ الذي يجيءَ آخرَ الخيل. السابعُ: ما يحقرُ لدنوهِ مَنَ الشيءِ وليسَ مثلهُ: وذلكَ أُصَيغرُ منهُ وهُو دُوَينُ ذاكَ وفُوَيقُ ذاكَ ومِنْ ذلكَ: أُسَيدٌ أَي قَدْ قاربَ السوادَ وأَما قولَ العرب: وهو مُثَيلُ هَذا وأُمَيثالٌ فإنّما

_ 1 صنفندد: امرأة صنفندد: رخوة إذا كان مع الحمق في الرجل كثرة لحم. 2 انظر: الكتاب 2/ 134. 3 انظر: الكتاب 2/ 134 ولم يذكر سيبويه أنه أخذه عن الخليل. 4 أي: المبرد. 5 انظر: الكتاب 2/ 134 وإنما حقروه لأنها بين السواد والحمرة ولم يخلص أن يقال له أسود ولا أحمر وهو منهما قريب. وإنما هو قولك: هو دوين ذلك.

يريدونَ: أَن يخبروا: أَن المشبهَ حقيرٌ كما أَنّ المشبهَ بهِ1 حقيرٌ وقولُهم: ما أُمَيلحهُ يعنونَ بهِ الموصوفَ بالملاحةِ ولم يحقرَ مَنَ الأفعالِ شيءٌ مِنْ غير هَذا الموضع2. الثامنُ: ما لا يحقرُ: كُلُّ اسمْ معرفةٍ عَلَم لا ثانيَ لَهُ فلاَ يجوزُ تحقيرهُ لأَنهُ إنّما يكونُ3 فعلاماتُ الإِضمارِ لا تحقرُ لذلكَ ولا يحقرُ أَينَ ولا مَتَى ولا حيثُ ونحوهن لبعدِها من التمكنِ وأَنّها لا تُثنى وكذلكَ: مَنْ وَمَا وأَيهّم ولا تحقرُ "غَيرُ" لأَنَّها غَيرُ مَحدودةٍ وسِواكَ كذلكَ فأَمّا: اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والساعةُ فيحقرنَ وأَمسِ وغدٌ لا تحقرانِ استغنوا عن تحقيرِهما بما هُو أَشد تمكنًا وهو اليومُ والليلةُ والساعةُ وكذلكَ أَولُ مِنْ أمسِ والثلاثاءُ والأربعاءُ والبارحةُ لَمَا ذكرنا ولا يحقرُ الاسم إذَا كانَ بمعنى الفعلِ نحو هو ضويرب زيدًا وإنْ كان ضَاربَ زيدٍ لِمَا مضَى فتحقيرهُ جيدٌ ولا تحقرُ "عندَ" وكذلكَ عَنْ ومَعَ. التاسعُ: ما يُحقرُ علَى غيرِ بناءِ مكبرهِ: والمستعملُ من ذلكَ: مَغربُ الشمسِ مُغَيربانُ والعَشِيّ عُشَيانٌ قال4: وسمعنَا مَنْ يقولُ في عَشيةٍ: عُشَيشيةٌ كأَنهم حقَّروا مَغْرِبانَ وعَشيانٌ وعَشَاةٌ قال: وسألتُ الخليلَ عن قولِهم: آتيكَ أُصيلالًا؟ فقالَ: إنَما هُو أُصَيلانٌ أَبدلوا اللامَ منها وتصديقهُ قولُهم: آتيكَ أُصَيلانا5.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 135. 2 انظر الكتاب 2/ 135. 3 في الأصل مطموس. مقداره خمس كلمات. 4 أي؛ سيبويه، انظر: الكتاب 2/ 137. 5 انظر: الكتاب 2/ 137.

قالَ سيبويه: وسألتهُ عِنْ قَولِ بعضِهم: آتيكَ عُشَيّاناتٍ. ومُغَيرباناتٍ؟ فقالَ: جعلوا ذلكَ الحينَ أَجزاء1 ومثلُ ذلكَ قولُهم: المفَارِقُ في مَفْرقٍ جَعَلَ كُلَّ موضعٍ مَفْرِقًا ومِنْ ذلكَ قِيلَ للبعيرِ ذو عَثَانينَ وأما غُدوةٌ فتحقيرُها: غُدَيةٌ وسَحَرٌ: سُحَيرٌ وضُحىً: ضُحَياّ. واعلمْ: أَنَّ جميعَ هذهِ الأشياء ليست تحقيرُ الحينِ وإنّما يريدُ أَنْ يقربَ وقتًا من وقتٍ وكذلكَ المكانُ تقولُ: قُبَيلَ وبُعَيدَ وجميعُ هَذَا إذا سميتَ بهِ حقرتَهُ علَى القياسِ ومَمَا جاءَ على غيرِ مكبرهِ إنسانٌ: أُنَيسيانٌ وبنون: أُبَينُونَ: ورَجُلٌ: رُوَيجلٌ وصِبْيةٌ: وأُصَيبيةٌ وغِلْمةٌ: واُغَيلِمةٌ ومنهم مَنْ يجيءُ بهِ علَى القياسِ فيقولُ: صُبَيَّةٌ وغُلَيمةٌ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 137.

ذكر النسب

ذكر النسب مدخل ... ذِكرُ النَّسَبِ: وهوَ أَن يضيفَ الاسم إلى رجلٍ أَو بلدٍ أَو حَيٍّ أَو قبيلةٍ ويكونُ جميعُ ما ينسبُ إليه على لفظِ الواحدِ المذكرِ فإنْ نسبتَ شيئًا مِنَ الأسماءِ إلى واحدٍ مِنْ هذهِ زدتَ في آخرِه ياءيْنِ الأولَى منهما ساكنةٌ مدغمةٌ في الأُخرى وكسرتَ لَها ما قبلَها هَذا أَصلُ النسبِ إلا أَنْ تخرجَ الكلمةُ إلى ما يستثقلونَ من اجتماعِ الكسراتِ والياءاتِ وحروفِ العللِ وقَد عدلتِ العربُ أسماءً عن أَلفاظِها في النسبِ وغيرتْها وأَخذت سَماعًا منهم فتلكَ تقالُ كما قَالوها. ولا يقاسُ علَيها وهذهِ الأسماءُ تنقسمُ في النسبِ على خسمةِ أَقسامٍ: اسمٌ نُسبَ إليهِ فَسلمَ بناؤهُ ولَم تغيرْ فيهِ حركةٌ ولا حرفُ ولا حذفَ منهُ شيءٌ واسمُ غُيِّر من بنائهِ حركة فجعلَ المكسورُ منهُ.

مفتوحًا واسمٌ قُلبَ فيهِ الحرفُ الذي قبلَ ياءي النَّسبِ وأُبدلَ. واسمٌ حُذفَ منهُ واسمٌ محذوفٌ قبلَ النسبِ. فمنها ما يردٌّ إلى أصلهِ ومنها ما يُتركُ على حذفِه.

الأول اسم نسب إليه فسلم بناؤه ولم يغير فيه حركة ولا حرف ولا حذف منه شيء

الأول: اسمٌ نُسبَ إليهِ فسلمَ بناؤهُ ولم يغيرْ فيهِ حركةٌ ولا حرفٌ ولا حذفَ منهَ شيءٌ: وذلكَ نحو قولَكَ: هَاشِمّيٌ وبكَرِيٌّ وزَيدِيٌّ وسَعْدِيٌّ وتَميمِيٌّ وقَيسِيٌّ ومَصرِيٌّ فجميعُ هذهِ قد سَلمَ منها بناءُ الاسم وزدتَ عليهِ ياءي الإِضافةِ وكسرتَ للياءِ ما قبلَها وعَلَى هذا يجري القياسُ طَالَ الاسم أَو قَصُرَ.

الثاني اسم غير من بنائه حركة فجعل المكسور فيه مفتوحا

الثاني: اسمٌ غُيِّرَ مِن بنائِه حركةٌ فجُعلَ المكسورُ فيهِ مفتوحًا: وذلكَ إذا نُسبَ إلى اسمٍ علَى وزنِ فَعِلٍ مسكورِ العينِ فإِنَّكَ تفتحَها استثقالًا لإجتماعِ الكسرتينِ والياءين في اسمٍ ليسَ فيهِ حرفُ غيرُ مكسورٍ إلا حرفًا واحدًا وهوَ النَّسبُ إلى النَّمرِ:1 نَمَريٌّ. وفي شَقِرةٍ:2 شَقَرِيٌّ وفي سَلِمةٍ: سَلَميٌّ فأَما تَغْلبُ3 فحقُّ النَّسَبِ أَن تأتَى بهِ علَى القياسِ وتدعهُ علَى لفظِه فتقولُ: تَغْلِبيٌّ لأَنَّ فيهِ حرفينِ غيرَ مكسورينِ الياءُ مفتوحةٌ والعينُ ساكنةٌ ومنهم مَنْ يفتحُ فَيقولُ: تَغْلَبَيٌّ وبعضُهم يقولُ في الصَّعِقِ: صِعِقيٌّ يدعهُ علَى حالِه ويكسرُ الصادَ لأَنهُ يقولُ: صِعِقٌ فهذَا

_ 1 النمر: من قاسط قبيلة كبيرة من ربيعة. 2 شقرة: قبيلة من الحارث بن تميم بن مر. 3 تغلب: بن وائل قبيلة كبيرة من ربيعة.

كُسرَ مِنْ أَجلِ حرف الحَلقِ ويقولُ في عَلبَطٍ1 وَجَنَدلٍ2: عَلَبطِيٌّ وجَنَدلِيٌّ فلا يغيرُ.

_ 1 علبط: قطيع من الغنم. 2 جندل: المكان الغليظ فيه حجارة.

الثالث من القسمة الأولى ما يقلب فيه الحرف الذي قبل يائي النسب من حروف العلة

الثالثُ: مِنَ القسمةِ الأُولى: ما يقلبُ فيهِ الحرفُ الذي قبلَ يائي النَّسَبِ مِن حروفِ العلةِ: وذلكَ على ضربين: الضربُ الأَولُ: الإِضافة إِلى كُلِّ شيءٍ من بناتِ الياءِ والواوِ التي هيَ فيهنَّ لاماتٌ مِنَ الثلاثي تقولُ في هُدَىً: هُدَوِيٌّ وفي حَصَىً: حَصَوِيٌّ ورَحَا: رَحَويٌّ هَذا فيما كانَ قبلَ اللام فتحةٌ وقد قلبتْ لامهُ أَلفًا فأَماَّ الياءُ التي قبلَها مكسورٌ فنحو: عَمّ وشَجٍّ تقولُ: عَمَويٌّ وشَجَويٌّ. فعلوا بهِ ما فَعلوا بنَمِرٍ ففتحوهُ فانقلبتِ الياءُ أَلفًا. ثم قلبوَها واوًا مِنْ أجلِ ياءي النَّسَبِ. وقيلَ في حَيَّةٍ: حَيَوِيٌّ. وفي لِيّةٍ1 لووِيٌّ ومَنْ قالَ: أُمييٌّ قالَ: حَييٌّ2 فإِنْ كَان ما قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ ساكنٌ قلبتْ في ظَبْيٍ: ظَبيُ وغَزوٌ ودَلوٌ دَلَويٌّ وغَزَوِيٌّ لا تغيرُ فإِنْ كَان فيه هاءُ التأنيثِ فمنهم مَنْ يجعلُهُ بمنزلةِ مما لا هاءَ فيهِ وهو القياسُ وكانَ يونس يقولُ في ظَبيةٍ: ظَبَوِيٌّ وفي دُميةٍ: دَمَوِيٌّ وفِتيةِ: فَتوِيٌّ3، وقالوا في بني زنيةٍ4: زَنويٌّ وفي البِطيةِ: بَطَوِيٌّ وقالَ: لا أَقولَ في:

_ 1 هذا قول الخليل. انظر: الكتاب 2/ 3. 2 في الأصل "حييي" وصاحب هذا الرأي هو أبو عمرو بن العلاء، انظر: الكتاب 2/ 73. 3 انظر الكتاب 2/ 74. 4 بنو زنية: حي من العرب. وانظر الكتاب 2/ 75.

غَزوةٍ إلاَ غَزْويٌّ لأَنَّ ذَا لاَ يشبه آخِرُه آخرَ فَعِلةٍ إذا أسكنتْ عينُها1، وكذلك غُدوةٌ وعُرْوةٌ وكانَ يونس يقولُ في عُرْوَةٍ: عُرَوِيٌّ2 وقالَ في رَايةٍ وطَاية3، وثايةٍ وآيةٍ رَائيٌّ وآئيٌّ يهمز لإجتماع الياءاتِ مع الألفِ4، ومَنْ قالَ: أُمُيَيٌّ قالَ: آيِيٌّ فلم يهمزْ وَهْوَ أَولى وأَقوى ولو أَبدلتَ من الياءِ واوًا جازَ تقولُ: ثَاوِيٌّ وآَوِيٌّ وطَاوِيٌّ كما قالوا: شَاوِيٌّ فأَبدلوا مِنَ الهمزةِ5. الضربُ الثاني: ما زادَ على الثلاثةِ: مِنَ العربِ مَنْ يقولُ في حَانٍ حَانويٌّ والكثيرُ: حَانيٌّ يحذفُ فَمَن قالَ: حَانوِيٌّ قالَ في مرْمَى: مَرْمَوِيٌّ ومِنْ ذلكَ الإِضافةُ إلى ما لامهُ ياءٌ أَو واوٌ قبلَها أَلفُ ساكنةٌ وهي غيرُ مهموزةٍ تَقولُ في سِقَايةٍ: سَقَائِيُّ ولُقَايةٍ: لَقَائِيٌّ أبدلت همزةً وتقولُ في شَقَاوةٍ وعَلاوةٍ: شَقَاوِيٌّ وعَلاوِيٌّ شبهوهُ بآخر حَمراء6 ولم يبدلوا مِنَ الوَاوِ همزةً وقالوا في: غَداءٍ: غَداوِيٌّ وفي رِدَاءٍ: رَدَاوِيٌّ وياءُ دِرْحايةٍ بمنزلةِ ياء سِقَايةٍ ولو كانَ مكانَها واوٌ كانتْ بمنزلةِ الواوِ التي في: شَقاوةٍ وحَوْلاياَ وبَرْدَرَايا تسقطُ الألفُ لأَنَّها كالهاءِ وحكمُ الياءِ حكمُها في سِقَايةِ فإِذَا أضفتَ7 إِلى

_ 1 هذا القول للخليل. انظر: الكتاب 2/ 75. 2 انظر: الكتاب 2/ 75. 3 الطاية: السطح. 4 انظر: الكتاب 2/ 76. 5 أبدلوا الواو مكان الهمزة. 6 فقالوا: حمراوي، وحمراوان، يبدلون مكان الهمزة واوًا. 7 يعني بالإضافة النسبة، وهذا الاصطلاح استعمله سيبويه مرارا في كتابه. وقد قال في باب النسب 2/ 69، هذا باب الإضافة وهو باب النسبة.

ممدودٍ ومنصرفٍ فالقياسُ أَن تدَعهُ على حالِه وقد أَبدلَ ناسُ مِنَ العربِ1 مكانَها واوًا وهمزةً كثير وإنْ كانتِ الهمزةَ مِنْ نفسِ الحرفِ فالإِبدالُ فيها تقولُ في قُراءٍ2 قراوِيٌّ وكُلُّ اسمٍ ممدودٍ لا يدخلُه التنوينُ كَثرَ أَو قَلَّ فالإِضافةُ إليهِ لا تحذفُ منهُ شيئًا وتبدلُ الواوُ مكانَ الهمزةِ وذلكَ قولُكَ في زَكرِيَّا زَكَراوِيٌّ وفي بَرُوكاءَ3 بَروكاوِيٌّ ومِنْ ذلكَ ما رابعهُ أَلفٌ غيرُ زائدةٍ ولا ملحقةٍ مَلهَى ومَرْمَى وأَعْشَى وأَعْيَا فَذَا يجري مَجرى حَصَىً ورَحَى. قالَ سيبويه: سمعناهم يقولونَ في أَعْيَا: أَعْيَويٌّ حَي مِنَ العَربِ مِن جَرْمٍ4، ويقولونَ في: أَحوى5: أَحوِويٌّ وكذلكَ حكمُ مِعْزَى وذِفْرَى فيمَنْ نونَ فإِنْ أضفتَ إلى اسمٍ آخرهُ أَلفٌ زائدةٌ لا ينونُ وهوَ علَى أَربعةِ أَحرفٍ حذفتها وسنذكرهُ في بابِ الحذفِ إِنْ شاءَ الله.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 67. 2 قراء: وهو الناسك المتعبد. 3 البروكاء: الجثو لركب في القتال. 4 انظر: الكتاب 2/ 77. 5 أحوى: الحوة -بضم الحاء- سواد يميل إلى الخضرة أو حمرة إلى السواد. والأحوى الأسود. والنبات الضارب إلى السواد لشدة خضرته.

الرابع من القسمة الأولى الأسماء التي حذف منها

الرابعُ: مِنَ القسمةِ الأُولى: الأسماءُ التي حذف منها: وهي علَى ضربين: اسمٌ ضُمَّ إليهِ شيءٌ ليسَ فيهِ فيحذفُ ما ضُمَّ إليه وينسبُ إلى الصدرِ واسمٌ حُذفَ مِنْ بنائهِ في الإِضافةَ. الأولُ: منها علَى سبعةِ أَضربٍ: هاءُ التأنيثِ والألفُ والنونُ التي

للتثنيةِ والواوُ والنونُ اللتانِ للجمعِ والألفُ والتاءُ اللتانِ للجمعِ والمضافُ إليهِ إلا أَنْ يكونَ أَعرفَ مِنَ الصدرِ والاسم الذي بنيَ مع اسمٍ قَبلَهُ والأسماءُ المحكيةُ فجميعُ هذَا إِنّما يضافُ وينسبُ إلى الصدرِ والجمعُ المكسرُ يرجعُ إِلى الواحدِ. الأولُ: مِنْ ذلكَ هاءُ التأنيثِ: تحذفُ مِنَ الاسم ويُنسب إلى الاسم ولا هاءَ فيهِ وذلكَ نحو قولِكَ في حَمْدَةَ: حَمِديٌّ وفي سَلْمَةَ: سَلمِيٌّ وفي سَفرجَلةٍ: سَفَرجلِيٌّ وكُلٌّ اسمٍ فيهِ هاءُ التأنيثِ فَعلَى هذا يجري. الثاني: النسبُ إلى المثنى والمجموعِ علَى حدِّ التثنيةِ: مَنْ قالَ: قِنَّسرونَ ورأَيتُ قِنَّسرينَ وهذهِ يَبْروُنَ ورأَيتُ يَبرينَ يا هَذا قالَ: قِنَّسرِيٌّ1 ويَبريُّ ومَنْ قالَ: هذهِ قِنَّسرين ويَبرين قالَ: يُبرِينيٌّ وإِنْ أَضفتَ إِلى "زَيدان" قلتَ: زَيدِيٌّ فتضيفُ إِلى الاسم بلا زيادةٍ. الثالثُ: الألفُ والتاءُ: تقولُ في مسلماتٍ مُسلِميٌّ.

_ 1 قنسرين بلدة بالشام قرب حمص والعرب مختلفون في معاملتهم لقنسرين ونصيبين وما أشبهها، فمنهم من يعربها بالواو رفعا والياء نصبا وجرا كالجمع. , والنسبة إليها حينئذ قنسري. ومنهم من يعاملها معاملة الممنوع من الصرف فيحتفظ بالياء ويجعل الضمة والفتحة على النون، والنسبة إليها حينئذ قنسريني.

الرابعُ: أَن تضيفَ إِلى مضافٍ: تقولُ إِذا أَضفتَ إِلى عبد القيسِ:1 عَبديٌّ وإِلى امرىءِ القَيسِ: امرئيٌّ فإِن خافوا اللبسَ نسَبوا إلى ما ليسَ فيهِ فقالوا في: عبدِ مُنافٍ2 مُنافِيٌّ فَأما ابن كُراع وابن الزُّبيرِ3 فلا يجوزُ إلا: زُبيرِيٌّ وكُراعِيُّ وتقولُ في أَبي بكرِ بن كلابٍ4: بَكْريٌّ5: وقَد يُركبونَ مِنَ الاسمينِ المضاف أَحدهما إِلى الآخرِ اسمًا إِذا خافوا اللبسَ فيقولونَ: عَبْشَميٌّ في عَبد شَمسٍ وعَبْدَرِيٌّ في عَبدِ الدارِ وليسَ بقياسٍ. الخامسُ: الاسم الذي بُنيَ مَع اسمٍ: تقولُ: في خَمسةَ عشرَ ومَعد يكرب7: خَمْسِيٌّ ومَعديٌّ تضيفُ إلى الصدر وتقولُ في رَجلٍ سُميَ اثنا عَشَر ثَنوِيٌّ في قولِ مَن قالَ في ابن: بَنَوِيٌّ واثنيٌّ في قَولِ مَنْ قالَ: ابنيُّ وأَمَّا اثنا عشرَ التي للعددِ فلا يضافُ إليها ولا تضافُ.

_ 1 عبد القيس: قبيلة كبيرة من ربيعة. 2 عبد مناف بن قصي من قريش. ولم يقولوا: عبدي لأنها نسبة عبد القيس. 3 هو عبد الله بن الزبير بن العوام وأمه أسماء بنت أبي بكر. خرج على بني أمية في الحجاز والعراق. بويع له بالخلافة زمن عبد الملك بن مروان سنة 65هـ. حاصره الحجاج الثقفي بمكة حيث قتل سنة 73هـ. 4 رأس بطن من بطون كلاب بن ربيعة من عامر بن صعصعة. 5 نسب إلى العجز لأن الاسم صار به معروفا متميزا. 6 هو عبد شمس بن عبد مناف بن قصي من قريش. 7 اسم كثر استعماله عند عرب اليمن. ونذكر على سبيل المثال الشاعر الفارس عمرو بن معد يكرب الزبيدي المذحجي.

السادسُ: مِنَ الأَسماءِ المحكيةِ: وذلكَ نحو: تأبطَ شَرًّا تضيفهُ إلى الصدرِ فتقولُ: تَأبطِيٌّ وكذلك حَيثُما وإنَّما ولَولا وأَشباهُ ذلكَ. قالَ سيبويه: سمعنا مَنْ يقولُ: في كَنْت: كَونٌّي1، وقالَ أَبو عمر: قومٌ يقولونَ: كنتيٌّ وقالَ أَبو العباس: هُوَ خطأ3. السابعُ: الإِضافةُ إلى الجمعِ: توقعُ الإِضافة على الواحدِ لتفرقَ بينَهُ وبينَ التسميةِ تقولُ في أَبناءِ فَارس: بَنَوِيٌّ وفي الرِّبابِ4: رُبّيُّ واحدُه رُبَّةٌ5 وفي مساجدَ: مَسْجِديٌّ وإلى جُمَعٍ جُمَعيٌّ وإلى عُرفاءَ: عَريفيٌّ وإلى قبائلَ: قَبَليٌّ. وزعَم الخليلُ: أنَّ نحو ذلكَ مَسْمَعِيٌّ في المسَامعةِ ومُهَلّبيٌّ في المَهالبةِ6 وقالَ أبو عبيدة7: وقالوا في الإِضافة إَلى العَبَلاتِ8 وهُم حَيٌّ مِنْ قُريشٍ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 88. 2 أي: أبو عمر الجرمي. 3 في الشافية: 128: قال الجرمي: يقال: رجل كنتي، يكون الضمير المرفوع كجزء الفعل، فكأنها كلمة واحدة. 4 الرباب: خمس قبائل تحالفوا فصاروا يدا واحدة وهم: ضبة وثور، وعكل، وتيم وعدي. 5 ربة: الفرقة من الناس. 6 المهالبة: هم آل المهلب بن أبي صفرة الأزدي الذي أبلى بلاء حسنا مع بنيه في الحروب ضد الخوارج في ظل بني أمية. وانظر: الكتاب 2/ 89. 7 أبو عبيدة: معمر بن المثنى التيمي من تيم قريش، مولى لهم. كان عالما بأيام العرب وأخبارهم وكان أكمل القوم، ومع ذلك فإنه كان ربما ينشد البيت فلم يقم وزنه حتى يكسره ويخطئ إذا قرأ القرآن. وكان يميل إلى مذهب الإباضية من الخوارج، كان يبغض العرب، وقد ألف في مثالبها كتبا. مات سنة 210 أو 211هـ. وقد قارب المائة. ترجمته في مراتب النحويين/ 44-49 وأخبار النحويين 52-55. وقد ذكر السيرافي أنه مات سنة 208 أو 209هـ. 8 العبلات: بطن من بني أمية الصغرى من قريش نسبوا إلى أمهم عبلة أحد نساء بني تميم: اللسان 13/ 448.

عَبلِيٌّ فإِنْ كانتِ الإِضافةُ إِلى جمعٍ لا واحدَ له تركتهُ علَى لفظهِ لأنَّهُ ليسَ لَهُ ما تردهُ إليهِ وذلكَ نحو الإِضافةِ إلى نَفَرٍ نَفَرِيٌّ لأَنَهُ لا واحدَ لَهُ. وأُناسٌ أُنَاسِيٌّ وقالوا: إِنسانِيٌّ. قالَ: سيبويه: وأُنَاسِيٌّ أَجودَ وقالَ أَبو زيد: النَّسبُ إِلى مَحَاسنَ مَحَاسنٌّي لأنهُ لا واحدَ لَهُ وإن أَضفتَهُ إِلى عَبَاديدَ قلتَ: عَبَاديدِيٌّ لأَنَّه لا واحدَ لَهُ وواحدهُ علَى فَعْليلٍ أَو فِعْلالٍ وفي أعرابٍ أعرابيٌّ لأَنَّه لا واحدَ لَهُ فإِنْ جمعتَ شيئًا مِنْ هذه الجموعِ التي لا واحِد لَها فلتَ في نَفَرٍ: أنفارٌ وفي نُسْوَةٍ: نِسَاءُ وفي نَبَطٍ: أنباطٌ فأردتَ الإَضافةَ إِليه رددتَهُ إِلى ما كاَن عليهِ قبلَ الجمعِ فقلتَ في أنفارٍ نَفَرِيٌّ. وفي نِساَءٍ: نِسَوِيٌّ وفي أَنباط: نَبَطِيٌّ وإِنْ سميت بجمعٍ تَركتَهُ على لفظِه أَيّ جمعٍ كان قالوا: في أنمارٍ1: أَنماريٌّ وفي كلابٍ: كِلابيٌّ2 فرقوا بينَ الجمعِ إذا سُميَ بهِ وبينَهُ إذا لمَ يسمَّ بهِ ولو سميتَ بضَرَباتٍ لقلتَ: ضَربيٌّ لا تغيرُ المتحركَ لأَنَّكَ لم تردِ الإِضافةَ إلى واحدٍ وإِنّما حذفَت الأَلفَ والتاءَ كما تحذفُ الهاءَ مِنَ الواحِد ومَدَائِنيٌّ جَعلوهُ بمنزلةِ اسمٍ للبلدِ وعلَى ذَا قالوا في الأبناءِ: أَبناوِيٌّ وقالوا في الضِّباب إذَا كان اسمَ رجلٍ: ضِبابيٌّ وفي مِعافِر: مَعَافِريٌّ وهوَ فيما يزعمونَ: معافرَ بن مُرٍ أخو تَميم وقالوا: في

_ 1 أنمار: هو، أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان. 2 كلاب: وكلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

الأَنصارِ: أَنصارِيٌّ لأنَّ هَذا قَد صارَ اسمًا لَهم وإنْ كانَ أصلُه صفةً قَدْ غلبتْ فهوَ مثلُ أَنمارٍ. الضربُ الثاني: مِنَ الرابع من القسمةِ الأُولى: وهوَ ما يحذفُ منهُ مِنْ أصلِ بنائِه عندَ الإِضافةِ إليهِ وهو يجيءُ على ضربينِ: أَحدهما المحذوفُ حرفٌ قبلَ آخرهِ والثاني: يحذفُ أحرفٌ منهُ. والضربُ الأولُ ينقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ: الأول: ما كان قبل لامهُ ياءٌ زائدة أو واوٌ فما جاءَ فَعِيلةٍ أو فُعيلَةٍ فبابهُ وقياسهُ حذف الياءِ وفتحُ ما قبلَه ذلكَ تقولُ في حنيفة1: حَنفيٌّ وجَهينةَ: جَهَنيٌّ وقُتَيبةَ: قُتَبِيٌّ وشَنوءةَ2: شَنَئيٌّ. وقد تركوا التغييرَ في مثلِ حَنيفةَ وهُوَ شاذٌّ قالوا في مِثل سَليمةَ: سَليميٌّ وفي عَميرةَ: عَميريٌّ. وقالوا: سَليقيٌّ للرجلِ مِنْ أَهلِ السليقةِ فأمَّا شديدةٌ وطويلةٌ فلا تحذفُ الياءُ لأَنكَ إنْ حذفَتها خرجتَ إلى الإِدغام والإِعلالِ فتقولُ: طويليٌّ وقالوا في بني حُوَيزة: حُويزيٌّ. الثاني: الإِضافةُ إلى فُعيلٍ وفَعِيل ولاماتُهنَّ واواتٌ وما كانَ في اللفظِ بمنزلتهما: تَقولُ في عَدِيٍّ3 عَدَوِيٌّ وفي غنيٍّ غَنَويٌّ وفي قُصَيٍّ4:

_ 1 حنيفة: حنيفة بن لجيم بن صعب من بكر وائل. 2 شنوءة: ينسب إليه قسم كبير من الأزد. 3 عدي: اسم لعدة قبائل، من أشهرها عدي بن كعب بن لؤي من قريش. 4 قصي بن كلاب بن مرة من قريش.

قُصَويٌّ وفي أُميّةَ: أُمَوِيٌّ وحذَفوا الياءَ الزائدةَ وأبدلوا اللامَ واوًا وبعضهُم يقولُ: أُمّييٌ1 وقالوا في مَرْمَيٍّ: مَرْميٌّ جعلوهُ بمنزلة بُختيٌّ2 استثقالًا للياءات ومَرْمِيةٌ: مَرْمِيٌّ ومَنْ قالَ: حَانَويٌّ قالَ: مرمويٌّ فَإِذا أَضفتَ إِلى عَدُوةٍّ قلتَ: عَدَويٌّ مِنْ أَجلِ الهاءِ كما قلتَ في شَنُوءةٍ: شنئيٌّ وقَالوا في تَحيةٍ: تَحوِيٌّ وكذلكَ كُلُّ شيءٍ كانَ آخرهُ هكَذا وتقولُ في قِيسيٍّ وثدِيٍّ: ثُدَويٌّ وقُسَويٌّ لأَنَّها فُعولٌ فتردَّها إِلى الأصلِ وإِنّما كانتْ أَلفًا مكسورةً قبلَ الإِضافة بكسرةٍ ما بعْدَها. الثالثُ: الإِضافةُ إلى كُل اسمٍ آخرُهُ ياءانِ مدغمةُ إحداهما في الأُخرى: نحو: أُسيّدٍ وحُمَيّرٍ تقولُ أُسيْدِيٌّ وحُمَيرِيٌّ تحذفُ الياءَ المتحركةَ وقالوا في زَبينةٍ3: زَبانيٌّ أَبدلوا أَلفًا مِنْ ياءِ وتقولُ في مُهَيّيمٍ تصغيرُ مُهوّمٍ4: مُهَيّيِميٌّ فَلا تحذفُ منهُ شيئًا لِئلا يصيرَ5 كأُسيّدٍ. الضرب الثاني: ما يحذفُ آخره عندَ الإِضافةِ مِنَ الالفاتِ والياءاتِ وهوَ علَى ثلاثة أقسام: الأولُ: الإِضافةُ إِلى اسمٍ على أَربعةِ أَحرفٍ فصاعدًا إِذَا كانَ آخرهُ ياءً ما قبلَها مكسورٌ.

_ 1 في الكتاب 2/ 73. وزعم يونس: أن ناسا من العرب يقولون: أميي فلا يغيرون. 2 بختى: جمعه بخاتي وهي الإبل الخراسانية تنتج من عربية. 3 الزبينة: متمرد الجن والإنس والشديد. 4 مهوم: التهويم: النوم قليلا. 5 قال سيبيويه: 2/ 86، لأنك إذا حذفت الياء التي تلي الميم صرت إلى مثل أسيدي: فتقول: مهيمي، فلم يكونوا ليجمعوا على الحرف هذا الحذف.

الثاني: الإِضافة إلى كُلِّ اسمٍ آخرهُ أَلفٌ زائدةٌ لا ينونُ وهو علَى أَربعةِ أَحرفٍ. الثالث: الإِضافةُ إلى كُلِّ اسمٍ كاَنَ آخرهُ أَلفًا وكانَ علَى خمسةِ أَحرفٍ. الأول من ذلكَ: وهو ما كانَ على أَربعةِ أحرفٍ فصاعدًا إِذَا كانَ آخرهُ ياء قبلَها مكسور: تقول في رجلٍ مِنْ بني ناجيةً: ناجِيٌّ وفي أَدلٍ: أَدِليٌّ وفي صحارٍ: صَحارِيٌّ وفي ثمانٍ: ثَمانيٌّ وفي رَجلٍ اسمهُ يمانٌ: يَمانيٌّ لأَنكَ لو أضفتَ إلى رجلٍ اسمهُ يَمني لأحدثت ياءينِ سواهما وحذفتهما وإلى يَرمي يَرمِيٌّ وإلى عَرقوةٍ1: عَرقيٌ وقالَ الخليلُ: مَن قالَ في يثربَ: يَثربِيٌّ وفي تَغلبَ: تَغلَبِيٌّ: ففتحَ فإِنَّهُ يقول في يَرمي: يَرمويٌّ2. الثاني: الإضافة إلى كلِّ اسمٍ آخرهُ ألفٌ زائدةٌ لا ينونُ وهوَ علَى أَربعةِ أَحرفٍ: تقولُ في حُبْلَى: حُبلِيٌّ ودِفلى: دِفِليٌّ وسِلَّى: سلِيٌّ ومنهم3 مَنْ يقولُ: دِفلاوِيٌّ يفرقُ بينَها وبينَ التي هي من نفسِ الحرف فجعلتْ بمنزلةِ: حَمراويٌّ وقالوا في دَهنادَ: دَهناوِيٌّ وقالوا في دُنيا: دُنياوِيٌّ وإِنْ شئتَ قلتَ: دُنيِيٌّ ومنهم مَنْ يقولُ: حُبْلوِيٌّ فيجعلُها بمنزلةِ ما هوَ من نفسِ الحرفِ.

_ 1 عرقوة: كل أكمة منقادة في الأرض كأنها جثوة قبر. 2 يرموي: أنظر: الكتاب 2/ 71. 3 انظر: الكتاب 2/ 77.

قالَ سيبويه: فإِنْ قلتَ في مَلْهىً: مَلْهِيٌّ لم أر بهِ بأساً1 ولا يجوزُ الحذفُ في "قَفَا" لأنهُ ثلاثي وأَما جَمَزَى2، فلا يجوز فيه: جَمزويٌّ ولكن: جَمزيٌّ لأَنَّها ثقلت لتتابعِ الحركاتِ. والحذفُ في مِعْزَى أَجودُ. قالَ: لأَنَّهُ ليسَ كالأصلِ وإِنْ كانَ ملحقًا. الثالثُ: الإِضافة إلى كُلِّ اسمٍ كانَ آخرهُ ألفًا وكانَ علَى خمسةِ أحرفٍ: تقولُ في حُبَارى: حُبَاريٌّ. وفي جُمادَى: جُمَادِيٌّ وفي قَرقَرى:4 قرقريٌّ وكذلك كُلّ اسمٍ كانَ آخرهُ أَلفًا وكانَ علَى خمسةِ أحرفٍ. قالَ وسألتُ يونسَ عَنْ مُرامىً فقالَ: مُرامِيٌّ يجعلُها كالزيادة5، وتقولُ في مُقْلَولىً مُقْوَلَويٌّ وفي يَهيرّى6: يَهيرِّيٌّ ولا يفرقُ هُنَا بينَ الزائدِ والأصلِ فأمَّا الممدودُ مصروفًا كانَ أَو غيرَ مصروفٍ كثرَ عددهُ أَو قَلَّ فإِنَّه لا يحذفُ وذلكَ قولُكَ في خُنفساءَ: خُنْفَساوِيٌّ وحَرْملاءَ7: حَرْملاوِيٌّ ومَعْيوراء: مَعْيوراوِيٌّ لم تحذفْ هذهِ الألفُ لأَنَّها متحركةٌ وحذفت تلكَ لأَنَّها ساكنةٌ ميتةٌ فكذلكَ لو أَضفتَ إَلى عِثيرٍ9 وحِثيلٍ10، لقلتَ: عِثيريٌّ وحِثيليٌّ كما قلتَ: حميريٌّ ولم يجزْ إسقاطُ الياءِ لأنها متحركةٌ فقد فَرقوا بينَ المتحركِ والساكنِ مُثنىًّ بمنزلةِ مُرامىً لأَنَّها خَمسةٌ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 77. 2 جمزي: في الأصل نوع من العدو. 3 الذي قال سيبيويه. وانظر. الكتاب 2/ 77. 4 قرقري: موضع الظهر. 5 انظر: الكتاب 2/ 78. 6 يهيري: المال الكثير. الباطل. ونبات أو شجر. 7 حرملاء: موضع. 8 معيوراء: جمع عير وهو حمار الوحش. 9 عثير: العجاج أو التراب. الغبار. 10 حثيل: نوع من الشجر الجبلي. القصير. الكسلان.

الخامس من القسمة الأولى وهو ما أضيف إلى الأسماء المحذوفة قبل الإضافة وهو على ثلاثة أقسام

الخامسُ: مِنَ القسمةِ الأُولى: وهوَ ما أُضيفَ إلى الأسماءِ المحذوفة قبلَ الإِضافةَ وهو على ثلاثةِ أقسامٍ: الأولُ: الإِضافةُ إلى بناتِ الحرفينِ. الثاني: الإِضافةُ إلى ما فيهِ الزوائدُ من بناتِ الحرفينِ. الثالث: الإِضافة إلى ما ذهبت فاؤهُ. الأول: مِنْ ذلكَ الإِضافةُ إلى بناتِ الحرفينِ وهي تجيءُ علَى ضربينَ: أَحدهما أَنْتَ فيهِ مخيرٌ في ردِّ ما حذفت وتركهِ والآخرُ: لا بُدَّ فيهِ من الردِّ. اعلَم: أنهُ ما كانَ منقوصًا فأَنتَ فيهِ بالخيار إِنْ شئتَ قلتَ في دَم وَيدٍ: دَمِيٌّ وإِن شئتَ قلتَ: دَموِيٌّ تَردٌّ ما حُذِفَ وكذلكَ غَدٌ وغَدوِيٌّ وإِنَّما فتحتَ عينَ غدٍ ويَدٍ وهُما فَعْلٌ لأَنَّك نسبتَهُ إلى الاسم وكانتِ العينُ متحركة فرددتُ وتركتَ الحرفَ. وتقولُ في ثُبةٍ ثُبيٌّ: وثَبوِيٌُّ وفي شَفَةٍ: شفيٌّ وشَفَهيٌّ. وفي حِرٍ: حرِيٌّ وحرِحيٌّ وإنت أَضفتَ إلى "رُبَ" فيمن خَفَف قُلتَ: رُبيٌّ وإِنْ شئتَ رددتَ كما قالوا في قُرةٍ: قُرِيٌّ وإِنَّما اسكنتَ كراهيةَ التضعيفِ فلم يقولوا: رَبّيٌّ وأَمَّا ما لا يجوزُ فيه إلا الردُّ مِنْ بناتِ الحرفينِ فنحو: أَبٍ وأَخٍ تقولُ في أَبٍ: أَبوِيٌّ وفي أخٍ: أَخوِيٌّ1 وفي حَمٍ: حَمَوِيٌّ لأَنَّ هذه تظهرُ في الإِضافةِ والتثنيةِ

_ 1 هذا هو قول الخليل، أما يونس فكان يقول: أختي، انظر: الكتاب 2/ 81.

والجمعِ تقولُ: أَبو زيدٍ وأَخو عمروٍ وحَمو بكرٍ وتُثنيِ فتقولُ: أَبوانِ ومَنْ يقولُ: هَنوكَ مثلُ "أَبوكَ" يقولَ: هَنويٌّ ومَنْ قالَ: وضَعَةٌ وهو نبتٌ ضَعَواتٌ قالَ: ضَعَويٌّ ومَنْ جعلَ سنةً مِنْ سانهتُ يقولُ: سَنَهيٌّ ومنهم من يقولُ: في عِضَةٍ ويقولُ: عَضَوِيٌّ1 وإِن أَضفتَ إِلى أُخت قلتَ: أَخوِيٌّ لأنكَ تقولُ: أخوات. قال سيبويه: وسمعنا من يقول في جمع هَنْتٍ: هَنَواتٌ2 وكان يونس يقول: أُختيٌّ وليسَ بقياسٍ3. الثاني: الإِضافةُ إلى ما فيهِ الزوائدُ مِنْ بناتِ الحرفينِ: إنْ شئتَ قلتَ في ابنٍ واسمٍ وابنةٍ واستٍ واثنان: ابنِيٌّ واثنِيٌّ فتركتَهُ على حالِه وإن شئتَ رددتَهُ إلى أصلهِ سَمَويٌّ وبَنَويٌّ وسَتَهِيٌّ وزَعَم يونسُ: أَنَّ أبا عمروٍ زَعم: أَنَّهم يقولونَ: ابناويٌّ في الإِضافةِ إلى أَبناءٍ4، وقالَ سيبويه: في الإِضافة ابنمَّ إنْ شئتَ: بَنَويٌّ وإنْ شِئتَ: ابنمِيٌّ. واعلَم: أَنكَ إذَا حذفتَ أَلفَ الوصلِ فلا بُدَّ مِنَ الرَّدَّ وتقولُ في بنتِ: بَنَويٌّ ولو جازَ بَنيٌّ لأَنهُ يقولُ بناتُ لَجازَ: بَنِيٌّ في ابنٍ لأَنهُ يقولُ بَنونَ فالزيادةُ كأَنَّها عوضٌ عَما حُذِفَ فإذَا حذفَتها فلا بُدَّ مِنَ الردِّ لأَنهُ قَد زَالَ ما استعيضَ بهِ وكذلكَ: كلتا وثنتانِ تقولُ: كَلوِيٌّ وثَنَوِيٌّ

_ 1 انظر الكتاب 2/ 80-81. 2 انظر الكتاب 2/ 81. 3 انظر الكتاب 2/ 81. 4 هذا قول يونس عن أبي عمرو من أنهم يقولون: ابني فيتركه على حاله كما ترك دم. وانظر الكتاب 2/ 81.

قالَ أبو العباس: التاءُ في "كِلتا" عندَ سيبويه بَدلٌ مِنْ أَلفِ "كِلا" مثلُ التاءِ التي هيَ بَدلٌ مِن واوٍ فَحُذِفَ أَلفُ التأنيثِ وردَّ ما التاءُ بدلٌ منهٌ وكانَ يونس يقولُ: ثنيتيٌّ كقولِه: في أُختٍ وذَيْتٍ بمنزلة بنتٍ وأصلها ذَيَّةٌ1 فإذَا حذفتِ التاءُ لزمها التثقيلُ لأَنَّ التاءَ عوضٌ فإنْ نسبتَ إليها قُلتَ: ذَيَوِيٌّ وإنَّما ثقلتَ كما ثَقلت "كَيٌّ" اسمًا وأَصلُ بنتٍ وابنةٍ "فَعَلٌ" وكذلكَ أُختٌ واسْتٌ والدليلُ: استاهُ وسَهُ وآخاءٌ2 وَبنونَ وقالوا: في اثنينِ: أَثناء ولم يجئ: ثِينيٌّ وقالوا في: اثنتينِ اثنتيٌّ هكذا ليسَ عينهُ في الأصلِ متحرَكة إلا ذَيْتٌ وأَما "كِلتا" فالدليلُ عَلى تحركِ عينِها قولُهم كِلًا كمعًا واحد الأمعاء3. ومَنْ قالَ: رأيتُ كِلتَا أُختيكَ فإنهُ جعلَ الألفَ أَلفَ تأنيثٍ. فإنْ سمّى بهَا شيئًا لم يصرفْه في معرفةٍ ولا نكرةٍ وصارتِ التاءُ بمنزلةِ الواوِ في "شَرْوَى" ولو جَاءَ4 مِنْ هذَا اسمٌ منقوصٌ وبانَ لكَ أَنهُ فِعْلُ لحركتَ العينَ إذَا أَضفتهُ وفَمٌ إذَا شئتَ قلتَ: فَميٌّ لأَنَّهم قَالوا: فَموانِ ولَو لَم يقولوهُ لم يجزْ لأَنهُ لا ينبغي أَنْ يجمعَ بينَ العوضِ والمعوضِ5 وبينَ الحرفِ الذي عُوِّض فالميمُ إنّما جُعِلَتْ عوضًا مِنَ الواوِ إذا قلتَ: فُو زيدٍ. قَال أَبو بكر: والذي زينَ لهم عندي أَنْ قالوا: "فَمَوانِ" أَنَّ هذا يعدُ محذوفًا وهيَ الهاءُ يدلُّكَ عليهِ قولُكَ: تفوهتُ وأَفواهُ فإنْ أَضفتَ إلى

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 82. 2 قال سيبويه 2/ 82: وقول بعض العرب فيما زعم يونس آخاء فهذا جمع "فعل". 3 في الأصل "أمعاء". 4 في الأصل "حال" ولا معنى لها. 5 ذكر ابن جني في الخصائص 3/ 147. هذا عن ابن السراج وناقشه وبين رأيه فيه.

رجلٍ اسمهُ ذوا مالٍ قلتَ: ذُوويٌّ وكذلكَ ذَات مالٍ لأَنكَ إذا أَضفتَ حذفتَ الهاءَ فكأَنكَ تضيفُ إلى "ذو" وإن أضفت إلى رجلٍ اسمهُ فو زيدٍ قالَ سيبويه: فكأَنكَ إنما تضيفُ إلى فم1 والإِضافةُ إلى شَاءٍ شَاوِيٌّ كذا تكلموا بهِ وإنْ سميتَ بهِ رجلًا قلت: شَائيٌّ وإنْ شئتَ قلتَ: شَاوِيٌّ كذَا قالَ سيبويه2. وبينَ شائِيٍّ وعَطائِيٍّ فرقٌ لأَنَّ الهمزةَ في عطاءٍ بعدَ أَلفٍ زائدةٍ ولَيست في شاءٍ كذلكَ كما قلتَ: عطاويٌّ وفي شاةٍ شَاهِيٌّ والإِضافةُ إلى لاتٍ مِنَ اللاتِ والعُزى حكمُها حَكمُ "لاَ" لا تقولُ: "لائِيٌّ" ولا تُحَركُ العينانِ مِنْ هذِه الحروفِ "كلوٍ". واعلَم: أَنَّ "لواً" إذَا ثقلتَها وسميتَ بهَا ليستْ كالأسماءِ المنقوصةِ لأَنَّ الأسماءَ المنقوصةَ التي قد حذفتْ لاماتُها حقُّها وحكمُها أَنْ تْعربَ العيناتُ وتحرك إذا أفردتْ والواوُ مِنْ "لَوٍّ" لم تحلقْها حرَكةٌ في حالٍ والإِضافةُ إلى امرئٍّ امرئِيٌّ مثلُ امرعِيٍّ لأَنهُ ليسَ من بناتِ الحرفينِ وكذلكَ امرأةٌ وقد قالوا: مَرْئيٌّ مثلُ مَرْعِيٍّ في امريءِ القيسِ والإِضافةُ إلى ماءٍ مائِيٌّ ومنَ قَالَ: عَطاوِيٌّ قال: ماوِيٌّ وقولُهم: شَاوِيٌّ3 يقوي ذَا. قالَ أبو بكر: شَاءٌ مثلُ ماءٍ وإنَّ الهمزةَ تصلحُ أَنْ تكونَ فيهما جميعًا مبدلةً مِنْ هاءٍ لقولِهم مُوَيةٌ وشُوَيهةٌ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 84. 2 انظر: الكتاب 2/ 84. 3 نسبة إلى شاء وكذلك "ماوي" نسبة إلى ماء.

الثالثُ: الإِضافةُ إلى ما ذهبتْ فاؤهُ مِنْ بناتِ الحرفينِ: اعلَمْ: أَنَّ هذَا البابَ ينقسمُ قسمينِ: أَحدهما: أَنْ تكونَ الفاءُ وحدَها مِنْ حروفِ اللينِ في الاسم. والآخرُ: أنَ يجتمعَ فيه حرفا لينٍ فتكونُ فَاؤهُ ولامهُ معتلتينِ فالأولُ: إذَا نسبَ إليه لم ترد الفاءُ لبعدِها من حروفِ الإِضافةِ وذلكَ قولُهم في: عِدَةٍ: عِديٌّ وفي زنَةٍ: زِنيٌّ وأَمّا الذي فاؤهُ وعينهُ معتلتانِ فإذَا نسبتَ إليهِ رردتَ الفاءَ. قالَ سيبويه: وتتركُ العينَ على حركتِها فتقولُ: شِيَةٍ وِشَويٌّ1 فَلا تسكنُ مثلَ: شَجويٍّ. وقالَ الأَخفش: القياسُ: اسكانُ العينِ. فتقولُ: وِشيٌّ2. وأَما الردُّ فلا بُدُّ منهُ لأَنَّهْ لا يبقى الاسم علَى حرفينِ أَحدهما حرفُ لينٍ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 85. 2 في الموجز لابن السراج/ 129.. وقال الأخفش: وشوي

باب ما غير في النسب وجاء على غير القياس الذي تقدم

بَابُ ما غُيرَ في النَّسَبِ وجاءَ على غيرِ القياسِ الذي تقدمَ: وهو ينقسمُ أَربعةَ أَقسامٍ: الأول: ما جاءَ على غيرِ قياسٍ. الثاني: ما يكونُ علمًا خلافهُ إذَا لم يردَّ بهِ ذلكَ. الثالث: ما يحذفُ فيهِ ياءُ الإِضافةِ إذا جعلتَهُ صاحبَ معالجةٍ. الرابع: ما يكونُ مذكرًا يوصفُ بهِ مؤنُّثٌ علَى تأولِ النَّسَبِ.

الأولُ: ما جاءَ معدولًا على غيرِ قياسٍ وهو يجيءُ علَى ضربينِ: أَحدهما: أَن تبدلَ الاسم عن لفظٍ إلى لفظٍ آخرَ والضربُ الثاني: تغيرُ ياءي النَّسبْ مِنْ ذلكَ قولُهُم: هُذيلٌ هُذَلِيٌّ وفَقَيمٌ كِنَانةَ: فُقَمِيٌّ ومُلَيحُ خُزَاعةَ مُلَحِيٌّ وثُقيفٌ ثقَفيٌّ وكان القياسُ في جميعِ هذهِ أَنْ تثبتَ وقالوا في زبينةٍ: زَبانِيٌّ وفي طيءٍ: طَائِيٌّ1 والعَالية: عُلْويٌّ وبَاديةٍ: بَدَوِيٌّ والبصرة: بِصْرِيٌّ والسَّهلُ: سُهْليٌّ والدهر: دُهْرِيٌّ وفي حَيّ من بني عَدِيٍّ يقالُ لَهم: بنو عَبيدة: عُبَديٌّ. قالَ/ 213 سيبويه حدثني مَنْ أَثقُ بهِ أَنَّ بعضَهم يقولُ: في بني جَذِيمةَ: جُذَمِيٌّ2، وقالوا في بني الحُبْلَى من الأنصارِ: حُبْلِيٌّ وفي صَنْعاءَ: صَنْعَانِيٌّ وفي شتاءٍ: شَتَويٌّ وقالَ أبو العباس: هُوَ جمعُ شِتْوَةٍ. وفي بَهراءَ قَبيلة مِنْ قُضاعةٍ: بَهْرانيٌّ وفي دَسْتِواءَ: دَسْتوانيٌّ مثلُ بَحرانيٍّ وزَعمَ الخليلُ: أَنهَّم بنوا البحرَ على بناءِ فَعْلانَ3، وفي الأُفُقِ: أَفَقيٌّ و [من العرب] 4 مَنْ يقولُ: أُفُقيٌّ علَى القياسِ. وفي حروراءَ وهوَ اسمُ موضع: حَرُورِيٌّ وكانَ القياسُ: حَرَواويٌّ وجَلُولاء: جَلُوليٌّ وخُرَاسان: خُرْسيٌّ وخُراسانيٌّ أَكثر وخُراسيٌّ وقالَ بعضُهم: إبلٌ حَمَضِّيةٌ إذا أَكلتِ الحَمْضَ وَحَمْضيِّةٌ أَجودَ وإبلُ طُلاحِيّةٌ إذا أكلتِ الطَّلْحَ.

_ 1 هذا النسب على غير قياس ومثله: هذلي، وبصري، ودهري.. وانظر أمثلة عديدة في الكتاب 2/ 69. 2 انظر: الكتاب 2/ 69. 3 انظر: الكتاب 2/ 69. 4 زيادة من سيبويه 2/ 69 لإيضاح المعنى.

قالَ سيبويه: وسمعنا مَنْ يقولُ: أَمَوِيٌّ وقالَ في: الرَّوْحَاءِ: رَوحانيٌّ1 ورَوحاويٌّ أَكثرُ. وقالوا في: طُهَيَّةَ: طُهْويٌّ وقالَ بعضُهم: طُهَوِيٌّ علَى القياسِ. الضربُ الثاني: ما جاءَ معدولًا محذوفًا منهُ إحدى الياءين: وذلكَ قولُهم في شَأْم: شَآمٌ وفي تِهامةَ: تَهامٌ يفتحونَ التاءَ ومَنْ كسرَها شدَّدَ. فقالَ: تِهاميٌُّ ويمانٌ في اليمنِ وزعمَ الخَليلُ: أَنَّهم أَلحقوا هذهِ الألفاتِ عوضًا مِنْ ذَهابِ إحدى الياءين2. وقالَ سيبويه: منهم مَنْ يقولُ: تَهامِيٌّ ويَمانيٌّ وشَآمِيٌّ وإنْ شئتَ قلتَ: يَمَنِيٌّ علَى القياسِ قال: وزَعم أبو الخطابِ: أَنهُ سمعَ مِنَ العرَبِ مَنْ يقولُ في الإِضافةِ إلى الملائِكة والجنِّ: رُوحانيٌّ3، أَضافَ إلى الروحِ وللجميعُ: رأَيتُ روحانيينَ. وزعَم أَبو عبيدة: أَنَّ العربَ تقولهُ لكُلِّ شيءٍ فيهِ الروحُ وجميعُ هذَا إذَا صارَ اسمًا في غيرِ هذَا الموضعِ فأَضفتَ إليهِ جَرى علَى القياسِ. الثاني: ما يكونُ عَلمًا خلافه إذا لَم يردْ بهِ ذلكَ: قالوا في الطويلِ الجُمّة: جُمَانيٌّ وفي4 الطويلِ اللحيةِ: لِحيانِيٌّ وفي الغليظ الرقبةِ: رَقَبانيٌّ فإذَا سميتَ بها قلتَ: رَقَبِيٌّ وجُمّيٌّ علَى الأَصلِ وقالوا في القديمِ السنِّ: دُهْرِيٌّ ولو سميتَ بالدهرِ لقلتَ: دَهْرِيٌّ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 69. 2 انظر الكتاب 2/. 3 انظر الكتاب 2/. 4 انظر الكتاب 2/ 89.

الثالثُ: ما تحذفُ منهُ ياءُ الإِضافةِ 1: إذا جعلتَهُ صاحبَ معالجةٍ جاءَ على "فَعَّالٍ" قالوا: لِصَاحبِ الثيابِ: ثَوَّابٌ ولِصَاحبِ العَاجِ: "عَوَّاجُ" وذا أَكثرُ من أَنْ يُحصى وقَدْ قالوا: البتِّيّ2، أَضافوهُ إلى البتُوتِ وقَد قالوا: البَتَّاتُ فأَمَّا ما كانَ ذَا شيءٍ وليسَ بصنعةٍ فيجيءُ عَلَى فَاعِل تقولُ لذي الدرعِ: دارِعٌ ولذي النبلِ: نَابِلٌ ومثله نَاشِبٌ3، وتَامرٌ ذو تمرٍ وآهِلٌ أَي: ذوا أَهلٍ ولِصِاحبِ الفَرسِ: فَارِسٌ وعِيشةٌ راضيةٌ4 ذَاتِ رِضًَا ومثلهُ طَاعمٌ كاسٍ ذُو طَعامٍ5 وكسوة. وناعل ذُو نَعْلٍ وقالوا: بَغَّالٌ لِصاحبِ البغلِ شبهوهُ بالأَولِ وقالوا لذي السيفِ: سَيّافٌ ولا تقولُ لصاحِب الشعيرِ: شَعّار6 ولا لِصاحبِ البرِّ: بَرَّارٌ ولا لِصاحبِ الفاكهةِ: فَكَّاهٌ ولم يجىءُ هذا في كُلِّ شيءٍ والقياسُ في جميعِ ذا أَنْ تنسبَ إليه بالياءِ المشددةِ7 على شرائِط النَّسَبِ التي مَضَتْ.

_ 1 قال سيبويه 2/ 90 "هذا باب من الإضافة تحذف فيه ياءي الإضافة وذلك إذا جعلته صاحب شيء يزاوله أو ذا شيء". 2 البتي والبتات: صانع البت، بائع البت. 3 يقال لصاحب النشاب: ناشب. 4 الحاقة 21، الآية: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} وكذلك سورة القارعة7. 5 قال الحطيئة: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فهو يريد بالكاسي: المكسو، وفي اللسان: كسا، بمعنى اكتسى، فعلى هذا لا مجاز في شعر الحطيئة. والكاسي اسم فاعل من كسا اللازم. 6 انظر: الكتاب 2/ 90. 7 في الأصل "المشدد".

الرابعُ: ما يكونُ مذكرًا يوصف بهِ مؤنثٌ: اعلَمْ: بأَنَّ هذَا البابَ جاءَ على ذي شيءٍ مثل دارعٍ ونَابلٍ وهَذا قولُ الخليلِ1 فمن ذلكَ قولهم: حَائضٌ وطامثٌ2، وناقةٌ ضَامرٌ قالَ الخليل: لم يجئ هذَا على الفعلِ وكذلكَ مرضعٌ فإنْ أَجراهُ على الفعلِ قالَ: مرضعةٌ وهي حائضةٌ غَدًا ولا يجوزُ غيرهُ. وقالَ سيبويه3: إنَّ "حائضَ" جاءَ على صفةِ شيءٍ والشيءُ مذكرٌ. وقالَ4: إنَّ "فَعُولًا ومِفْعَالًا ومِفْعلًا" يكونُ في تكثيرِ الشيءِ وتشديدهِ ووقعَ في5 كلامِهم على أَنهُ مذكر. وقالَ الخليل6: إنَّهم: يريدونَ الإِضافةَ ويستدلُّ على ذلكَ بقولِهم: رَجُلٌ عَمِلٌ وليسَ معناهُ المبالغةُ إلا أَنَّ الهاءَ تدخلهُ يعني: "فَعِلٌ" وقالَ: نَهِرٌ يريدونَ: نَهَاريٌّ يعني: النهارَ وقالوا: رَجَلٌ حَرِحٌ: ورَجلٌ سَتِهٌ كأَنّهُ قالَ: حِرِيٌّ واسْتِيٌّ وقالَ في قولِهِم: مَوْتٌ "مَائتٌ" وشُغْلٌ شَاغِلٌ وشِعْرٌ شِاعِرٌ أَرادوا بهِ المبالغةَ. قالَ أبو العباسُ: أي شِعرٌ يقومُ بنفسِه وشُغْلٌ يقومُ مقامَ فاعلِه7. وقالَ الخليلُ: هو بمنزلةِ قولِهم: هَمٌّ ناصِبٌ8 وقَد جاءتْ9 هاءُ التأنيثِ في

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 91. 2 وصف للمراة، وانظر: المقتضب 3/ 163. 3 انظر: الكتاب 2/ 91. 4 يعني الخليل، انظر: الكتاب 2/ 91. 5 في الأصل "على". 6 انظر: الكتاب 2/ 91. 7 انظر: المقتضب 3/ 163. 8 انظر: الكتاب 2/ 92. 9 في ب "دخلت" بدلا من جاءت.

شيءٍ مِنْ "فَعُولٍ"1 ومِفْعَالٍ وأَمّا2: مِفْعيلٌ فقلّما جاءتْ فيهِ الهاءُ ومِفْعَلٌ قَد جاءتِ الهاءُ فيهِ. يُقالُ: مِصَكٌّ ومِصَكةٌّ.

_ 1 قال سيبويه 2/ 92: "وعلى قول الخليل يمتنع من الهاء في التأنيث في "فعول" وقد جاءت في شيء منه. وقال: مفعال ومفعيل قلما جاءت الهاء فيه. ومفعل قد جاءت الهاء فيه كثير نحو: مطعن ومدعس. ويقال: مصك، ومصكة". 2 في "ب" فأما.

باب المصادر وأسماء الفاعلين

باب المصادر وأسماء الفاعلين مدخل ... هَذا بابُ المَصادِر وأَسماءُ الفَاعلينَ: المصادرُ الأصول والأَفعالُ مشتقةٌ مِنْها وكذلكَ أَسماءُ الفاعلينَ وقد تكونُ أسماءً في معاني المصَادرِ لم يشتقَّ فيها فَعْلٌ ولكنْ لا يجوزُ أَن يكونَ فِعْلٌ لَم يتقدمهُ مصدرٌ فإذَا نطقَ بالفعلِ فقد وجبَ المصدرُ الذي أُخِذَ منهُ ووجبَ اسمُ الفَاعِل ولو كانتِ المصادرُ مأخوذةَ مِنَ الفعلِ كاسمِ الفِاعِلِ لما اختلفتْ1 كما لا يختلفُ اسمُ الفاَعِل ونحو نذكرُ أَربعةَ أَشياءٍ: المصدرَ والصفةَ والفِعْلَ وما اشتقَّ منهُ. فالفِعْلُ2 ينقسمُ قسمينِ: ثلاثي ورُباعي والثلاثي ينقسمُ قسمين: فِعْلٌ بغيرِ زيادةٍ وفِعْلٌ فيهِ زيادةٌ وانقسامُ المصادرِ في الزيادةِ وغيرِها كانقسامِ الأَفعالِ.

_ 1 هذا رأي البصريين والزجاج من أن أصل اشتقاق الأفعال من المصادر وأن المصادر هي الأصل والأفعال فروع منها، فلو كانت المصادر مأخوذة من الأفعال جارية عليها لوجب أن لا تختلف كما لا تختلف أسماء الفاعلين والمفعولين الجارية على الأفعال وانظر: الإيضاح في علل النحو/ 59. 2 في "ب" والفعل.

القسم الأولُ: الفِعْلُ الثلاثي الذي لا زيادةُ فيهِ. وهو ينقسمُ1 على ضربينِ: فِعْلٍ متعدٍ إلى مَفْعولٍ وفِعلٌ غيرُ متعدٍّ. ذِكرُ أَبنيةِ المتعدي مِنَ الثلاثي2: وهوَ على ثلاثةِ أَضربٍ على: فَعَلَ يَفْعِلُ مثلُ: ضَرَبَ يَضْرِبُ. وفَعَلَ يَفْعُلُ مثلُ: قَتَلَ يَقْتُلُ وفَعِلَ يَفْعَلُ نحو: لَحِسَ يَلْحَس وليسَ في الكلامِ فَعَلَ يَفْعَلُ إلا أن يكونَ فيهِ حرفٌ مِن حروفِ الحلقِ وسنذكرَها بَعْدُ إنْ شَاءَ الله. والصفةُ: على فَاعِلٍ في جميعِ هَذا وذلكَ نحو: ضاربٍ وقَاتلٍ ولاحِسٍ وقَدْ جاءَ اسمُ الفاعِل علَى "فَعيلٍ" قالوا: ضَريبُ قَدَاحٍ للضاربِ وصَريمٌ بمعنى: صَارمٍ3 وأَصلُ المصدرِ في جميعِها أَن يجيءَ على "فَعْلٍ" لأَنَّ المرةَ الواحدةَ علَى فَعْلَةٍ ولكنَّها اختلفتْ أَبنيتُها كما تختلفُ أَبنيةُ سائرِ الأَسماءِ ونحن نذكرُ ما جاءَ في بابٍ بابٍ مِنْها. الضربُ الأولُ: فَعَلَ يَفْعِلُ: يجيءُ علَى اثني عَشَر بناءً. فَعْلٌ نحو: ضَرَبَ ضَرْبًا وَهوَ الأَصلُ وفِعْلٌ: قالَهُ قِيْلًا. وفَعَلٌ: سَرَقَ سَرَقاً5 فَعَلَةٌ: غَلَبَةٌ: فِعْلَةٌ: سَرِقَةٌ فَعِلٌ:

_ 1 "ينقسم" ساقط في "ب". 2 انظر: الكتاب 2/ 214. 3 انظر: الكتاب 2/ 215. 4 في "ب" اختلفت. 5 سرقا، ساقط في "ب".

كَذِبٌ فِعْلَةٌ. حِمْيَةٌ فِعَالٌ: ضِرَابُ الفَحلِ كالنِّكاح فِعَالةٌ: حِمَايةُ فِعْلانٌ: حِرْمَانٌ فُعْلانٌ: غُفْرانٌ فَعْلانٌ: لَيَّانٌ مِنْ لَويتُهُ قالَ أَبو العباسِ: فَعْلانٌ لا يكونُ مصدرًا ولكنْ استثقلوا الكسرةَ مَع الياءِ. الضَّرْبُ الثاني: فَعَلَ يَفْعُلُ فَعْلٌ: هُوَ الأَصلُ نحو: القَتْل وجاء "فَعَلٌ"1 حلبَها يحلبُها حَلَبًا فَعِلٌ: الخَنِقُ فُعْلٌ كُفْرٌ فِعْلٌ قِيلٌ2: وحِجُّ فِعْلَةٌ: شِدَّةٌ فِعَالٌ: كِتَابٌ فُعْلانٌ: شُكْرَانٌ فُعُولٌ: شُكُورٌ وقدَ جاءَ: فِعِلَ يَفْعِلُ: حَسِبَ يَحْسِبُ وَيَئسَ يَيئِسُ ونَعِمَ يَنْعمُ. قالَ: سيبويه: والفتحُ في هذَا أَقيسُ3 وكانَ هذَا عندَ اًصحابِنا إنّما يجيءُ عَلى لغتينِ4 ومِنْ ذَا قولُهم: فَضِلَ يَفضُلُ ومتَّ تَمُوتُ وكُدْتَ تكادُ. الضربُ الثالثُ: فَعِلَ يَفْعَلُ: فَعْلٌ الأصلُ مثلُ: حَمِدُ حَمدًا فَعَلٌ: عَمَلٌ فُعْلٌ: شُرْبٌ فَعْلَةٌ: رَحْمَةٌ فِعْلَةٌ: خِلتهُ خِيْلَةً فَعَلَةٌ قالوا: رَحَمْتُهُ رَحَمَةً5 فِعَالٌ: سِفَادٌ6،

_ 1 فعل: ساقط من "ب". 2 قيل: ساقط من "ب". 3 انظر: الكتاب 2/ 227. 4 قال سيبويه 2/ 227: وقد جاء في الكلام: فعِل يفعُل، في حرفين بنوه على ذلك كما بنو "فعِل على "يفعِل" لأنهم قد قالوا "يفعِل" في فعِل. 5 في سيبويه 2/ 216 قال: رحمته رحمة كالغلبة. 6 يقال: سفد الذكر أنثاه وسفد عليها وسافدها سفادا ومسافدة: جامعها.

فَعَالٌ: سَمَاعٌ فِعْلانٌ: غَشِيَةُ غِشْيَانًا فَعَلَ يَفعُلُ مِنْ حروفِ الحَلقِ فَعَالَةٌ: نَصَاحةٌ فِعَالةٌ: نِكاءةٌ1 فُعَالٌ: سُوَالٌ. القسمُ الثاني مِنَ الثلاثي وهوَ الذي لا يتَعدى: وهو ينقسمُ قسمينِ: عَمَلٌ وغيرُ عَمَلٍ ونحنُ نبدأُ بذكرِ ما هوَ عَمَلٌ. اعلَمْ: أَنَّ هذَا الفعلَ على أَبنيةِ المتعدي واسمُ الفَاعِل في الثلاثةِ التي على وزنِ المتعدي على "فاعِل" والمصدرُ الذي يكثرُ فيهِ "فُعُولٌ" وعليهِ يقاسُ فَعَلَ يَفْعِلُ فُعُولٌ الكثيرُ مثلُ: جُلُوسٍ فَعِلٌ: حَلِفٌ فَعْلٌ: عَجْزٌ. فَعَلَ يَفْعَلُ وجدتُ فَعَلَ يَفْعَلُ فيمَا هو غيرُ متعدٍّ أَكَثرُ من "فَعَلَ يَفْعِلُ" وهُما أُختانِ فَعُولٌ هوَ الأَكثرُ الذي يقاسُ عليهِ نحو: قُعُودٍ فَعَالٌ: ثَبَاتٌ فَعْلٌ قالوا: سَكَتَ: سَكْتًا فُعْلٌ: مُكْثٌ والشغْلُ2 فِعْلٌ: فِسْقٌ فِعَالَةٌ: عِمَارةٌ. فَعِلَ يَفْعَلُ فَعَلٌ: عَمَلٌ فَعْلٌ حَرِدَ يَحْردُ حَرْدًا وهو حَاردٌ قولهم: فَاعِلٌ يدلٌّ علَى أَنهَّمُ جعلوهُ مِنْ هذَا البابِ فَعْلٌ: حَميتِ الشمسُ حَمْيًا وهيَ حَاميةٌ فَعِلٌ: الضَّحِكُ وأَما ما كانَ غيرُ عَمَلٍ فقد تجيءُ هذهِ الأبنيةُ فيهِ إلا أَنهُ يخصهُ فَعُلٌ: يَفْعُلُ وهذَا البناءُ لا يكونُ في المتعدي ألبتةَ. بَابُ3 [فَعَلَ: يَفْعَلُ] 4 مِنْ حروفِ الحلقِ: فَعْلٌ: هَدَأَ هَدْءًا فَعَالٌ: ذَهَابٌ. فِعَالٌ: مِزَاحٌ4.

_ 1 في ب "بكاءة" وهو خطأ. 2 والشغل: ساقط في "ب". 3 باب: ساقط من "ب". 4 زيادة من "ب".

ذكر ما جاء من المصادر والصفات والأفعال على بناء واحد لتقارب المعاني

ذِكرُ مَا جاءَ من المصادرِ والصفاتِ والأَفعالِ علَى بناءٍ واحدٍ لتقاربِ المَعاني: هَذا الضربُ إنّما حقهُ أَنْ يجيءَ فيما كانَ خِلقةَ أَو خُلُقًا أَو صِناعةً تكونُ في الشيءِ فما جاءَ مِنَ الأعمالِ فمشبهُ بهذَا. اعلَمِْ: أنَّ العربَ ربُما أَجرِتْ هذهِ المصادرَ على المعاني كما خبرتُكَ ورُبَّما رجعوا إلى بناءِ الفعلِ وكذلكَ الصفةُ وأَبنيةُ الأََفعالِ قد تجيءُ علَى بناءٍ واحدٍ لتقارب المعاني وجميعُ هذه التي ذكرتُ لا تخلو منْ أَن تتفقَ في المصادرِ أو في الصفاتِ أو في الفعلِ فهي مِنْ أَجلِ هذَا تُقسمُ ثلاثةَ أَقسامِ. الأول: منها المتفقةُ في المصدرِ والثاني: المتفقةُ في الصفةِ والثالثُ: المتفقةُ في الفعلِ. الضربُ الأولُ: المتفقةُ في المصدرِ: وهوَ ينقسمُ على سبعةِ أَقسامٍ: فُعَالٌ فُعَالةٌ فِعَالٌ فِعَالةٌ فَعَالةٌ فَعَلٌ فَعَلانٌ. الأولُ: فُعَالٌ لِمَا كانَ داءًا نحو: السُّكَاتِ والعُطَاسِ والثاني: لِمَا فُتِّتَ نحو: الحُطَامِ والفُتَاتِ والفضَاضِ1. الثالثُ: لِمَا كانَ صوتًا كالصُّرَاخِ والبُكَاءِ وقَد جاءَ الهديرُ والضجيجُ والصَّهيلُ وقالوا: الهَدْرُ والصَوْتُ أيضًا تَحركٌ فَبَابُ فُعَالٍ وفَعَلانٍ وَاحدٌ وقَدْ جاءَ الصوتُ على فَعَلَةٍ نحو: الرَّزَمةِ2، والجَلَبَةِ.

_ 1 الفضاض: -بضم الفاء- ما تفرق من الشيء عند الكسر. 2 الرزمة: الصوت الشديد.

الثاني: فُعَالَةٌ: ما كانَ جَزاءً لَمَا عملتَ: نحو العُمَالةِ والخُبَاسةِ1 والظُلامةِ2. الثاني: مِنْ فُعَالةٍ ما كانَ معناهُ الفُضَالةُ نحو القُلامةِ3، والقُوارةِ4 والقُراضةِ5. الثالث من الأول: فِعَالٌ للهياجِ نحو: الصِّرافِ6 في الشاةِ والهِبَابِ7 والقِرَاع8 لأَنهُ تَهييجٌ فيُذكّر الثاني مِنْ فِعَالٍ وهو لما كانَ انتهاءُ الزمانِ نحو: الصِّرام9 والجِزَازِ10 والحِصَادِ ورُبَّما دخلتِ اللغةُ في بعضِ ذَا فكانَ فيهِ "فِعَالٌ وفَعَالٌ" فإِذَا أرادوا الفعلَ على "فَعَلْتُ" قالوا: حَصدتهُ حَصْدًَا إِنّما يريدُ العملَ لا انتهاءَ الغايةِ11. الثالث من فعالٍ للتباعدِ نحو: الشِّرَادِ12 والشِّماسِ13 والنِّفَارِ14 والخِلاَءِ15.

_ 1 الخباسة: المغنم. 2 الظلامة والمظلمة والجمع مظالم، ما احتملته من ظلم وما أخذ منك ظلما. 3 القلامة: ما سقط من الشيء المقلوم. قلامة الظفر، ما سقط من طرفه ويضرب بها المثل في الخسيس الحقير. 4 القوارة: ما قور وقطع من الثوب وغيره، أو ما قطع من جوانب الشيء. 5 القراضة: ما سقط بالقرض، كقراضة الذهب والثوب. وقراضة المال: رديئه. 6 الصراف: اشتهاء الفحل، يقال: صرفت النعجة صروفا، وصرافا، اشتهت الفحل. 7 الهباب: يقال هب هبوبا وهبابا، نشط وأسرع. 8 القارع: والمقارعة المضاربة بالسيف، وقيل: مضارب القوم في الحرب. 9 الصرام: بفتح الصاد وكسرها- جذاذ النخل. وصرم النخل والشجر والزرع يصرمه صرما: جزه. 10 الجزار: جزر جزرا وجزَرا وجزارا واجتزر الشاة: ذبحها. 11 في الأصل لانتهاء الغاية، ولا معنى لها. 12 الشراد: يقال: شرد شرودا، وشرادا: نفر فهو نافر. 13 الشماس: الامتناع. 14 النفار: الشراد. 15 الخلاء: يقال خلأت الناقة خلأ: بركت أو حرنت فلم تبرح.

وقالوا: النُّفُور والشُّمَوس والشَّبيبُ مِنَ شَبَّ الفرسُ وقالوا: الشَّبُّ وقالوا: خَلأَتِ الناقةُ خِلاَءً وخَلًا مثلُ خَلْعٍ وقالوا: العِضَاضُ1 شبهوهُ بالحِرَانِ2 ولم يريدوا بهِ: فعلتُه فِعْلًا. الرابعُ من "فِعَالٍ" ما كانَ وسمًا نحو: الخِبَاطِ3 والعِلاطِ4 والعِرَاضِ5. الأَثرُ يكونَ علَى فِعَالٍ والعملُ يكونُ فَعْلًا كقولِكَ: وسمتهُ وَسْمًَا وأَما المُشْطُ والدَّلوُ والخُطَّافُ6، فإنما أرادوا بهِ صورةَ هذهِ الأشياءِ7. وقَد جاءَ على "فَعْلَةٍ" 8 نحو: القَرمةِ9، والجَرْفةِ10، اكتفوا بالعملِ وأَوقعوهُ على الأَثرِ. فَعَالةٌ للقيامِ بالشيءِ وعليهِ نحو: الوِلايةِ والإِمارةِ والخِلاَفَةِ والعِرَافةِ والنِّكابةِ11 والعِيَاسةِ والسياسةِ وقالوا في العِيَاسةِ: العوس والعياسةِ

_ 1 العضاض: الدواب عض بعضها بعضا. 2 الحران: يقال: حرن وحرُن البغل حُرونا وحِرانا وحَرانا: إذا وقف ولم ينقد. 3 الخباط: يقال: خبط خبطا البعير: وسمه بالخباط. والخباط جمع خبط، سمة في الوجه طويلة عريضة. 4 العلاط: يقال: علطت الناقة علطا، وسمها بالعلاط، والعلاط: حبل يجعل في عنق البعير. 5 العلاط: جمع عرض وهو الشق. 6 الخطاف: اللص، وطائر يشبه السنونو من فصيلة السنونيات. 7 قال سيبويه 2/ 218: إنما أرادوا صورة هذه الأشياء، أي: أنها وسمت به كأنه قال: عليها صورة الدلو. 8 أي: على غير "فعال" اكتفوا بالعمل، يعني المصدر، والفعلة، فأوقعوهما على الأثر، الخباط على الوجه والعلاط والعراض على العنق. 9 القرمة: الجليدة المقطوعة من أنف البعير. 10 الجرفة سمة من سمات الإبل. 11 النكابة: نكب نكابة ونكوبا فلان على قومه: كان منكبا لهم، أي: عونا يعتمدون عليه.

والسياسةِ والقِصَابةِ وإِنّما أَرادوا أَن يخبروا بالصنعة1 التي تَليها فصارَ بمنزلةِ الوَكَالةِ وكذلكَ السِّعَايةِ تريدُ: الساعيَ الذي يأخذُ الصدقةَ. فَعَالةٌ للتركِ والانتهاءِ نحو: السَّامةِ والزَّهادةِ2 والاسم فَاعلٌ وقالوا: الزُّهْدُ3. فَعَلٌ للانتهاء والتركِ أيضًا هَذا يجيءُ فعلُه علَى "فَعِلَ يَفْعَلُ"4 نحو: أَجِمَ يأجَمُ5 أَجَمًَا وَسَنِقَ6 يَسْنَقُ سَنَقًا 7. قالَ أبو بكر: وعندي أَنَّ حَذَرَ وفَرِقَ وفَزَعَ مِنْ هَذا البابِ للتركِ وجاؤوا بضده8 على مثالهِ نحو: هَوِيَ هَوَىً وَهوَ هَوٍ وقَنِعَ: يَقْنعُ فهوَ قُنعٌ وقالوا: قَنَاعةٌ كزَهادةٍ وقالوا: قَانعٌ كزاهدٍ وقالوا: بَطِنَ يَبْطنُ بَطَنًا وهو بَطِنٌ وتَبِنَ وثَمِلَ مثلهُ. فَعَلاَنٌ: ما كانَ زَعْزعةً للبدنِ في ارتفاعٍ كالعَسَلانِ9 والرَّتَكانِ10 والغَثَيانِ واللَّمَعانِ وجاءَ على "فُعَالٍ" لأنهما يتقاربانِ في المعنى وذلكَ

_ 1 في الأصل" الصيغة" ولا معنى لها. 2 قال سيبويه 2/ 218-219: ومما جاءت مصادره على مثال لتقارب العاني قولك: بئست بأسا، وبأسة. وسئمت سأما وسآمة. وزهدت زهدا، وزهادة. 3 قال سيبويه 2/ 219: وقالوا: الزهد كما قالوا: المكث. 4 قال سيبويه 2/ 219 وجاء أيضا ما كان من الترك والانتهاء على: فعل يفعل فعلا، وجاء الاسم على "فعل" وذلك: أجم يأجم أجما وهو أجم. 5 في الأصل "أجم". 6 في الأصل "شق" ولا معنى لها. 7 سنق: سنقا: بشم واتخم، وقيل: السنق للحيوان كالتخم للإنسان. 8 انظر: الكتاب 2/ 219. 9 العسلان: يقال: عسل عسلانا: حركته الريح فاضطرب وأسرع. 10 الرتكان: رتك رتكا ورتكا ورتكانا البعير عدا في مقاربة خطو.

"النُّزَاء"1 والقُمَاصُ2. وقالوا: وجَبَ وَجيباً3، ووَجفَ وَجِيفاً4 كَما قالوا في الصوتِ: الهَديرُ ورسمَ البَعيرُ رَسِيماً5، وقالوا: النَّزْوُ واللَّمْعُ ولا يجيءُ فعلهُ متعديًا إلا شَاذًّا نحو: شَنِئتُهُ شَنآنًا. وقالَ أَبو العباس6: المعنى شَنئتُ منهُ. الضربُ الثاني: المتفقةُ في الصفةِ: فَعْلاَنُ: الجوعُ والعطشُ ويكونُ المصدرُ "فَعَلٌ" فالفعلُ: فَعِلَ يَفْعَلُ وذلكَ طَوِيَ: يَطْوي [طَواً] 7 وَهْوَ طَيَّانُ وعَطِشَ يَعْطشُ [عَطَشاً] 8 وَهْوَ: عَطْشَانُ وقالوا: الظَّماءةُ9 والطَوّى10 مثلُ الشِّبَعِ وضدهُ مثله11: شَبعَ يَشْبَع ُ شَبَعًَا وَهوَ من12: شَبعانَ وملئتُ13 مِنَ

_ 1 النزاء: الوثب، ونزا به قلبه: طمح، ونزت الحمر: وثبت. 2 القماص: قمص قماصا، رفع يديه وطرحها. 3 وجيبا: وجب القلب وجبا ووجيبا: رجف وخفق. 4 وجيفا: وجب وجيفا: اضطرب والوجيف: ضرب من سير الخيل والإبل. 5 رسميا: رسم الغيث الديار: عفاها وأبقى أثرها لاصقا بالأرض. ورسمت الناقة رسيما، أثرت في الأرض عند سيرها. 6 أي: المبرد. 7 زيادة من "ب". 8 زيادة من "ب". 9 قال سيبويه 2/ 220: قالوا: الظماءة مثل السقامة، لأن المعنيين قريب، كلاهما ضرر على النفس وأذى لها. 10 في الأصل "الطوا". 11 انظر: الكتاب 2/ 221. 12 "من" ساقط في "ب". 13 قال سيبويه 2/ 221: وزعم أبو الخطاب: أنهم يقولون: ملئت من الطعام، كما يقولون: شبعت وسكرت.

الطعامَ وقَدحٌ نَصْفانَ وجَمجمةٌ نَصْفَى وقَدَحٌ قَرْبَانُ1 وجَمجمةٌ قَربى بمنزلةِ ملآنٍ ولم يقولوا: قَرِبٌ2. ورَجلٌ شَهْوَانُ وشَهْوَى لأَنهُ بمنزلةِ الغَرْثَى والغَضَبُ كالعَطشِ لأَنهُ في جوفِه ومثلهُ: ثَكِلَ يَثْكلُ ثَكْلًا [وهو] 3 ثَكْلانُ وثَكْلَى وعَبَرْتَ تَعبرُ عَبْرًا وعَبْرى. وأمَّا ما اعتلتْ عينهُ فَعِمْتَ تَعامُ4 عَيْمَةً وهوَ عَيْمَانُ وهيَ عَيْمَى كأَنَّ الهاءَ عوضٌ مِنْ فتحةِ العينِ في "عَيْمةٍ" وَحِرتَ تَحارُ حَيْرَةً وَهوَ حَيرانُ5، وهيَ حَيْرَى وهوَ كسكرانَ6، وأَما جَربانُ وجَرْبَى فلأَنهُ بلاءٌ7 وقالوا: الرِّيُّ وسَغَبَ يَسْغُبُ سُغْباً8 وهوَ سَاغبٌ وجَاعَ يَجُوْعُ وهوَ جَائعٌ وجَوعَانُ وَسكَرٌ وسُكْرٌ. الثاني: مِنَ الصفةِ: أَفعلُ: للألوانِ ويكونُ الفعلُ على "فَعِلَ" "يَفْعَلُ" والمصدرُ فُعْلَةٌ نحو: كَهِبَ يَكْهُبُ كَهْبَةً وشَهِبَ يَشْهُبُ شَهْبَةً وصَدِيَ يَصْدَاُ صُدْأَةً وقالوا أيضًا: صَدَأَ ورُبَّما جاءَ الفعلُ على فَعِلَ: يَفْعُلُ نحو: أَدِمَ يَأدُمُ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ: أَدُمَ يَأدُمُ أُدْمَةً وشَهُبَ وقَهُبَ وكَهُبَ ويبنونَ الفِعْلَ منهُ عَلَى

_ 1 قربان: تقول: أنا قربان –بفتح القاف- قارب الامتلاء. 2 انظر: الكتاب 2/ 222. 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" أعام. 5 "حيران" ساقط من "ب". 6 قال سيبويه 2/ 222: قالوا: حرت تحار حيرة وهو حيران وهي حيرى وهي في المعنى كالسكران. 7 في الكتاب 2/ 222: وأما جربان وجربى فإنه لما كان بلاء أصيبوا به وبنوه على هذا، كما بنوه على "أفعل" وفعلاء نحو: أجرب وجرباء. 8 سغب: جاع، والسغب: الجوع من التعب.

إفعالَّ/ مثلُ اشهابَّ ويستغني "بإفْعالَّ" عَنْ "فَعِلَ1" وهوَ الذي لا يكادُ ينكسرُ في الأَلوانِ يقولونَ: أسْوَدَّ وابيضَّ فيقصرونهُ وقالوا: "الصُّهوبةُ والبَياضُ والسَّوادُ كالصباحِ والمساءِ"2 ومن الألوانِ جَوْنٌ3، وَوَرْدٌ4 علَى وَزنِ "فَعْلٍ". وقَالُوا: الأغبسُ5 والغُبْسَةُ كالحمرة. وجَاءَ المصدر الوُرْدَةُ والجُونَةُ. وجَاءَ فَعِيلٌ: خَصِيفٌ أَي: أسودُ. وتأتي "أَفْعَلُ" صفةً في معنى الداءِ والعيبِ. الفِعلُ فَعِلَ يَفْعَلُ والمصدرُ "فَعَلٌ" فيما كانَ داءٍّ أو عيبًا عَوِرَ يَعْوَرُ عَوَرًا وأَعوَرُ وأَصْلَعُ وأَجذَمُ وأَجبنُ وأَقطعُ وأَجذَمُ لم يتكلمْ بِالفعلِ منهُ ويقالُ لموضعِ القَطعِ: القُطْعَةُ والقَطَعَةُ والصُّلْعَةُ والصَلَعَةُ وقالوا: سَتهاءُ وأستَهُ6 جاءَ على بناءِ ضدهِ7 رَسْحَاءُ8 وأَرْسَحُ وأَهضمُ9 وهَضماءُ. وقَالوا: أَغلبُ وأَزبرُ والأَغلبُ العظيمُ الرَّقبةِ والأَزبرُ العظيمُ الزُّبْرَةِ وهو موضعُ الكَاهلِ وآذنُ وأَذْناءُ10 وأَسَكٌّ وسَكاءُ11 وأَخلَقُ وأَمْلَسُ وأَجْردُ كمَا قالوا: أَخشنُ في ضدهِ وقالوا: الخُشْنَةُ وخُشونةٌ كالصهوبةِ ومؤنثُ كُلِّ أَفعلَ فَعْلاءُ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 222. 2 في الأصل "للصهوية" والتصحيح من "ب" وانظر: الكتاب 2/ 222. 3 الجون: الأدهم الشديد السواد من الخيل والإبل. 4 ورد: على وزن "فعل" ما كان أحمر اللون إلى صفرة، والواحدة: وردة. 5 الأغبس: البعير الذي يضرب لونه إلى البياض. 6 أسته: وستهاء العظيمة الأست، وأسته عظيم الاست. 7 انظر: الكتاب 2/ 223. 8 رسحاء: رسح رسحا، قل لحم عجزه وفخذيه فهو أرسح، وهي رسحاء. 9 أهضم: هضم: هضما خمص بطنه ولطف كشحه ودق. 10 أذناء: عظيم الأذن. 11 سكاء: صغيرة الأذن، يقولون: كل سكاء بيوض وكل شرخاء ولود، فالسكاء: التي لا أذن لها إلا الصماخ، والشرخاء: التي لها أذن وإن كانت مشقوقة.

قالَ أبو العباس: أَفعلُ فَعْلانُ وفَعيلٌ شيءٌ واحدٌ لأنها تقعُ لِمَا لا يتعدى1 وقالوا في الأَصيدِ: صَيِدَ يَصْيَدُ صَيَدًَا وقالوا: شَابَ يَشِيبُ ومثلُ: شَاخَ يَشِيخُ وأَشيبُ كأَشمطَ وأَشْعَر كأَجردَ2 وأَزبُّ3. وقالوا: هَيجَ يَهْوجِ هَوَجاً4 وثَوِلَ يَثْولُ ثُولًا5 وأثولُ6 وقالوا: مَالَ يَمِيلُ وَهْوَ مائلٌ وأَميلُ7. فَعيلٌ بمعنى: العَديلَ لأَنَّ فِعْلَة فاعلتُهُ وذلكَ نحو: الجَليسِ والعديلِ والخليطِ والكَميعِ8 وخَصِيم ونَزيع9 وقَد جَاءَ خَصْمٌ10. ثاني فَعِيل: ما أَتى مِنَ الفَعْلِ نحو: حَلُمَ يَحْلُمُ حِلْمًا فهوَ حَليمٌ وظَرُفَ يَظْرُفُ ظَرْفًا وهوَ ظَريفٌ وقالوا: في ضدهِ جَهِلَ جَهْلًا وَهُوَ جاهلٌ وقالوا: عَالِمٌ وعَلِمَ يَعْلمُ وجَهِلَ كحَرِدَ حَرْداً11 وهوَ حَارِدٌ فهذاَ ارتفاعٌ في الفعلِ واتضاعٌ وقالوا: عَليمٌ وفَقيهُ وهوَ فَقيهٌ والمصدرُ فَقْهٌ. وقالوا: اللُّبُّ واللُّبابةُ ولَبيبُ كما قالوا: اللؤْمُ واللآمةُ ولَئِيمٌ وقالوا: فَهِمَ يَفْهَمُ فَهْمًا وهوَ فَهِمٌ ونَقِهَ يَنْقَهُ نقَهًا وهوَ نَقِهٌ وقالوا: الفَهَامةُ ونَاقَةٌ ولَبِقٌ. وَحذَقَ يحذِقُ حِذْقًا وَرَفُقَ يَرْفُقٌ رِفْقًا وَهْوَ رَفيقٌ وقالوا:

_ 1 انظر: المقتضب 1/ 106. 2 الأجرد: الذي لا شعر له. 3 أزب: كثر شعر وجهه. 4 هيج: هوجا، كان طويلا في حمق وطيش وتسرع، فهو أهوج، وهي هوجاء: 5 ثول: ثولا: الشاة خاصة، أصابها عرض كالجنون. 6 في الأصل: "أثوال". والأثول: المجنون. 7 انظر: الكتاب 2/ 223. 8 الكميع: الضجيع، والمكامع، القريب إليك الذي لا يخفى عليه شيء من أمرك. 9 النزيع: من معانيها البعيد، ويقال: مكان نزيع، أي بعيد. 10 على وزن "فعل". 11 حردا: حرد حردا: غضب.

رَفِقٌ وَعَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وعَاقِلٌ ورَزُنَ رَزَانةً وهوَ رَزينٌ ورزينةٌ وقالوا للمرأةِ: حَصُنتْ حُصْنًا وهيَ حَصَانٌ مثلُ1 جَبَانٍ. وقالوا: حَصْنًا ويقالُ لها ثَقالٌ2 ورَزَانٌ وصَلِفَ يَصْلَفُ صَلَفًا وصَلِفٌ ورَقُعَ رَقَاعةً [كحَمُقَ حَمَاقةً وحَمِقٌ وأَحمقُ كأَشنع] 3 وخَرُقَ خُرْقاً4 وأَخرقُ5 وقالوا: النَّواكةُ وأَنوكُ واستنوكَ6 ولم نسمعهم قالوا: نَوِكَ7. ثَالثُ فَعِيلٍ: ما كانَ ولايةً نحو: أَميرٍ ووَكيلٍ ووصيٍّ وجَرِيٌّ بمعنى وَكيلٍ. الضربُ الثالثُ: المتفقةُ في الفِعْلِ: هَذا البابُ يكون في الخصالِ المحمودةِ والمَذمومةِ يجيءُ هَذا علَى "فَعُلَ" يَفْعُلُ إلا في المضاعفِ وهوَ علَى ثلاثةِ أَضربٍ. الأولُ: ما كانَ حُسْنًا أَو قُبْحًا. الثاني: ما كانَ في الصغرِ والكبرِ. الثالثُ: الضَّعفُ والجبنُ والشجاعةُ ومنهُ ما يختلطُ منهُ فَعُلَ بِفَعِلَ كثيرًا وهوَ الرِّفعةُ والضَّعةُ لأَنَّ فَعُلَ أُختُ "فَعِلَ". الأولُ مِنْ فَعُلَ يَفْعُلُ ما كانَ حُسنًا أَو قُبحًا: الفعلُ فَعُلَ يَفْعُلُ فَعَالًا وفَعَالةً وفُعْلًا والأسمُ فعيلٌ قَبُحَ.

_ 1 في "ب" و"هي" بدلا من "مثل". 2 ثقال: ثقل، ثقلا، وثقالة. ضد خف، فهو ثقيل وثقال: جمع ثقلاء وثقالة. 3 ما بين القوسين ساقط في "ب". 4 خرقا: ساقط من "ب". 5 أخرق: خرق، وخرق خراقة فهو أخرق: لم يحسن عمله. 6 استنوك: حمق، ولم يقولوا "نوك". 7 كما لم يقولوا فقر.

يَقْبُحُ قَبَاحةً1 وَوَسَمَ يُوْسُمُ وسامةً ووَسَاماً1 وَجمُلَ جَمَالًا وقالوا: الحُسنُ والقُبحُ وفَعَالة أَكثرُ وقالوا: نَضيرٌ على البابِ وقالوا: نَضرَ وجههُ وناضِرٌ ونَضْرٌ ونَضَارةٌ وقالوا: ضَخْمٌ وسَبْطٌ وقَطَطٌ مثلُ: حَسَنٍ وسَبِط سَبَاطةً وسُبُوطةً ومَلُحَ مَلاَحةً ومَليحٌ وسَمُحَ سَمَاحةً وسَميحٌ وشَنُعَ شَنَاعةً وشَنيعُ ونَظُفَ نَظَافةً كصَبُحَ صَبَاحةً وقالوا: رَجُلٌ سَبْطٌ3 وجَعْدٌ. قالَ أبو العباس: هُذيل تقولُ: سَميحٌ وَنذيلٌ4. قالَ سيبويه: وقالوا: طَهُرَ طُهْرًا وطَهَارةً وطَاهِرٌ وقالوا: طَهُرتِ المرأةُ وطَمَثَتْ5. الثاني: الصغرُ والكبرُ: وذلكَ عَظُمَ عَظَامةً وهوَ عَظيمٌ ويجيءُ المصدرُ علَى "فِعَلٍ" نحو: الصِّغَرِ والكِبَرِ والقِدَمِ وكَثُرَ كَثارةً وهو كَثيرٌ وقالوا: الكَثْرةُ6 وسَمِنَ سِمنًا وهوَ سمينٌ ككبرَ كِبرًَا وهوَ كبيرٌ وقالوا: كَبُرَ على الأَمرِ كَعَظُمَ وجاءَ: فَخْمٌ وضَخْمٌ7 والمصدرُ فُعُولةٌ الجُهُومةُ وقالوا: بَطِنَ يَبْطُنُ بِطنةً وَهْوَ بَطينٌ.

_ 1 في الكتاب: 2/ 223 وبعضهم يقول: قبوحة فبناه على "فعولة"، كما بناه على "فعالة". 2 لم يؤنث وساما كما قالوا: السقام والسقامة. 3 سبط: سبط الشعر، مسترسل. 4 قال سيبويه 2/ 224: إن "هذيلا" تقول: سميح ونذيل، أي: نذل وسمح. 5 انظر: الكتاب 2/ 224. 6 بنوه على "الفعلة". 7 في الكتاب 2/ 224: وقالوا: سهل كما قالوا: ضخم.

الثالثُ: الضعفُ والجبنُ وضدُّهما: شَجُعَ شَجَاعَةً وشَجيعٌ وشُجاعٌ وفَعيلٌ أَخو فُعَالٍ1 وضَعُفَ ضعفًا وهوَ ضعيفٌ وجَرُؤَ يَجْرؤُ جُرأَةً وهوَ جَرِيءٌ وغَلُظَ يَغْلُظُ غِلَظًا وغَليظٌ للصلابةِ مِنَ الأرضِ وغيرِها. وسَهُلَ سَهُولَةً وسَهْلٌ وسَرُعَ سِرَعًا وهوَ سريعٌ وبَطُؤَ بِطًَا وهوَ بَطيءٌ. قالَ سيبويه: إنما جعلناهما في هَذا البابِ لأَنَّ أَحدهما أَقوى على أمرهِ3 وكَمُشَ كَماشَةً وكَميشٌ وحَزُنَ حُزُونةَ للمكانِ [وهوَ] حَزْنٌ وصَعُبَ صُعُوبةَ وهوَ صَعْبُ.

_ 1 يشير إلى صيغتي: شجاع وشجيع. 2 في الأصل "غليظ؟ وفي الكتاب 2/ 224: ... إلا أن الغلظ للصلابة والشدة من الأرض وغيرها. 3 انظر: الكتاب 2/ 224. 4 زيادة من "ب".

باب ما يختلط فيه فعل يفعل كثيرا وهو ما كان من الرفعة والضعة

هَذا بابُ ما يختلطُ فيهِ: فَعُلَ يَفْعُلُ كثيرًا وهوَ ما كانَ مِنَ الرفعةِ والضَّعةِ. قالوا: غَنِيَ غِنَىً وهو غَبِيٌّ وفقيرٌ كصَغيرٍ1 والفَقْرُ كالضَّعْفِ ولم يقولوا: فَقُرَ كما لم يقولوا في الشديدِ شَدُدْتَ استغنوا بافْتقَر واشتدَّ وشَرُفَ شَرَفًا وهوَ شَريفٌ وكَرُمَ ولَؤُمَ مثلُه ودَنُوَ ومَلُؤَ ملاءةً وهوَ مَلِيءٌ ووَضعَ ضَعَةً وَهوَ وضيعٌ وضِعَةً2 ورفيعٌ ولم يقولوا: رَفُعَ3 وقالوا: نَبُهَ يَنْبُهُ وهو4 نَابهٌ ونَبيهٌ وسَعِدَ يَسْعَدُ سعادةً وسعيدٌ وشَقي يشقى شَقَاوةً وشَقِيُّ وَبَخِلَ يَبْخَلُ بُخْلًا وبَخيلٌ أَمُرَ علَينا فهو أَميرٌ وأَمَرَ أيضًا وقالوا: الشَّقاءُ حذفوا الهاءَ5. ورَشِدَ يَرشَدُ رَشَدًا ورَاشدٌ والرُّشْدُ ورَشيدٌ والرَّشادُ والبخْلُ والبَخَلُ6 كالكَرَمِ. أَمَّا المُضَاعفُ فلا يكونُ فيهِ "فَعَلْتُ" وذلكَ نحو: ذَلَّ يَذِلُّ ذُلًا وذِلَّةً وذَليلٌ وشحيحٌ وشَحَّ يَشحُّ وقالوا: شَحِحْتُ،

_ 1 في "ب" وصغير. 2 في الكتاب 2/ 225: والضعة -بكسر الضاد- مثل الرفعة وضعة: ساقط من "ب". 3 استغنوا عنه بارتفع كما استغنوا باحمار عن حمر في الألوان. 4 وهو "ساقط" من "ب". 5 في الكتاب 2/ 225: وقالوا: الشقاء. كما قالوا: الجمال، واللذاذ، حذفوا الهاء استخفافا. 6 في "ب" وبخل ككرم.

وضَنَنْتُ ضَنًّا وضَنَانةً وَلَبَّ يَلَبُّ واللُّبُّ واللَّبابةُ واللبيبُ وقَلَّ يَقِلُّ قِلَّةً وقَليلٌ1 وعَفَّ يَعِفُّ عِفَةً وعَفيفٌ ويقولونَ: لَبُبْتَ تَلُبُّ2.

_ 1 قليل: ساقط من "ب". 2 قال سيبويه 2/ 226: وزعم يونس أن من العرب من يقول: لبيت تلب، كما قالوا: ظرفت تظرف.

باب فعل يفعل من حروف الحلق

بَابُ: فَعَلَ يَفْعَلُ مِنْ حروفِ الحَلقِ. اعلَمْ: أَنَّ يَفْعَلُ إِذَا قلتَ فيهنَ: فَعَلَ يَفْعَلُ مفتوحُ العينِ وذلَكَ كانتِ الهمزةُ أَو الهاءُ أَو العينُ أَو الغينُ أَو الحاءُ أَو الخاءُ لامًا أَو عينًا نحو: قَرَأَ يَقْرَأُ وَوَجَبَهُ1 يَجبهُ وقَلَعَ يَقْلَعُ وذَبَحَ يَذْبَحُ ونَسَخَ يَنْسَخُ. وهَذا ما كانتْ فيهِ لاماتٌ2. وأَما ما كانت فيهِ عيناتٌ فَهْوَ كقولِكَ: سَأَلَ يَسْأَلُ وذَهَب يَذْهَبُ وبَعَثَ يَبْعَثُ ونَحَلَ يَنْحَلُ ونَحَرَ يَنْحَرُ وَمغَثَ3 يَمْغَثُ وذَخَرَ يَذْخَرُ4 وقَدْ جاؤوا بأَشياءَ منهُ علَى الأصلِ قالوا: بَرَأَ يَبْرُؤُ كمَا قالوا: قَتَلَ يَقْتُلُ وهَنَأَ يَهنِىءُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وهوَ في الهمزِ5 أَقلُّ وكذلكَ في الهاءِِِ6ِ لأَنَّها مستقلةُ في الحَلقَ وكلَّما سَفلَ الحرفُ كانَ الفتحُ

_ 1 وجبه: قال في القاموس المحيط وجبه كمنعه ضرب جبهته ورده. 2 أي: حروف الحلق، هي: الهمزة والهاء والحاء والعين والخاء والغين والقاف والكاف والشين والجيم والضاد. 3 مغث: مغث الدواء مرثه. 4 في الكتاب 2/ 252 وإنما فتحوا هذه الحروف لأنها سفلت في الحلق، فكرهوا أن يتناولوا حركة ما قبلها بحركة ما ارتفع من الحروف فجعلوا حركتها من الحرف الذي في حيزها وهو الألف وإنما الحركات من الألف والياء والواو. 5 لأن الهمزة أقصى الحروف وأشده سفولا، انظر: الكتاب 2/ 405 والمقتضب 1/ 192. 6 زيادة من "ب".

لَهُ أَلزم والفتحُ مِنَ الألفِ والألفُ أَقربُ إلى حروفِ الحَلقِ من أُختيها وقالوا: نَزَعَ يَنْزِعُ وَرَجَعَ يَرْجَعُ ونَضَحَ يَنْضَحُ ونَطَحَ يَنْطح وَرشَحَ يَرْشِحُ وجَنحَ يَجْنحُ والأصلُ في العينِ أَقلُّ لأَنَّها أَقربُ إلى الهمزةِ مِنَ الحاءِ وقالوا: صَلَحَ يَصْلُحُ وَفَرَغَ يَفْرُغُ وصَبَغَ يَصْبُغُ ومَضَغَ يَمْضُغُ ونَفَخَ يَنْفُخُ وطَبخَ يَطْبُخُ ومَرخَ1 يَمْرُخُ والخاَءُ والغينُ الأصلُ فيهما أَحسنُ لأَنَّهما أَشدُّ ارتفاعًا إلى الفَم ومما جاءَ على الأَصل من هذهِ الحروفِ فيهِ عيناتٌ قولُهم: زَأَرَ يَزْئِرُ ونأم2 يَنْئِمُ ونَعَرَ يَنْعِرُ3 وَرَعَدَتْ4 تَرْعُدُ وقَعَدَ يَقْعُدُ وشحجَ5 يَشْحِجُ ونَحتَ يَنْحِتُ6 وشَحَبَ يَشْحُبُ ونَغرتِ7 القدرُ تَنْغِرُ ولَغَبَ8 يَلْغُبُ وشَعَرَ يَشْعُرُ ومَخَضَ يَمْخُضُ ونَخَلَ يَنْخُلُ ونَخَرَ يَنْخُرُ وهَذا الضربُ إذَا كانتْ فيهِ الزوائدُ لم يفتحْ ألبتةَ كانَ حرف الحَلقِ لامًا أَو عينًا لأَنَّ الكسرَ لَهُ لازمٌ ولَيسَ هُوَ مثلُ "فَعَلَ" الذي يجيءُ مضارعهُ على "يَفْعِلُ" وَيَفْعَلُ وذلكَ مثلُ: استبرأَ يستبرِىءُ وانتزعَ يَنْتِزِعُ وكذلكَ: فَعُلَ يَفْعَلُ لا يغيرُ لأَنَّهُ لازمٌ لَهُ الضَمُّ وذلكَ قولُهم: صَبُحَ يَصْبُحُ وقَبُحَ يَقْبُحُ وضَخُمَ يَضْخُمُ ومَلُؤَ يَمْلُؤُ وقمؤَ9 يَقْمُؤُ وضَعُفَ يَضْعُفُ وقالوا: رَعَفَ يَرْعُفُ وسَعُلَ يَسْعُلُ.

_ 1 مرخ: يقال مرخ جسده بالدهن: دهنه. 2 نأم: أن وصاح. 3 نعر: صاح وصوت بخيشومه. 4 أى: السماء. 5 شحج: الغراب أو البغل: صوت أو غلظ صوته. 6 مثل ضرب يضرب. 7 نفرت القدر: غلت. 8 لغب: لغبا القوم، حدثتهم حديثا كاذبا، واللغب: الغلام الفاسد. 9 قموء: قماءة، وقماءة: ذل وصغر.

فَضَموا ما جاءَ منهُ علَى فَعَلَ فهم في "فَعُلَ" أَجدرُ وكانَ حَقُّ "سَعُلَ" وَرعُفَ أَن يجَيءَ علَى مثالِ ما جاءتْ عليهِ الأدواءُ. فإنْ كانتْ هذهِ الحروفُ فاءاتٍ نحو: أَمرَ وأَكَل وأَفلَ يَأْفُلُ لم تفتحِ العينُ لسكونِ حَرفِ الحَلقِ وقالوا: أَبى يَأْبَى شبهوهُ بيَقْرَاُ وفيهِ وجهُ آخرُ أَن يكونَ مثلَ: حَسِبَ يَحْسِبُ فُتِحَا كما كُسِرَا وقالوا: جَبىَ يَجْبَى وقَلَى يَقْلَى "جَبَى جَمَعَ1 الماءَ في الحوضِ" وحكى سيبويه: عَضَضْتَ تَعَضُّ2. وقالَ أَبو العباس: عَضَضْتَ غيرُ معروفٍ ومَا كانت لامهُ ياءً أَو واوًا فحكمهُ في هَذا البابِ حكمُ غيرِ المعتلِّ نحو: شَأَى3 يَشْأَى وَسَعَى يَسْعَى وَمَحَا يَمْحىَ وصَفَى يَصْفَى ونَحَا يَنْحَى وقد قَالُوا: يَنْحُو يَصْفُوا ويزهوهم الآلُ4 ويَنْجُو ويَرغُو وأَما ما كانت لامهُ مِنْ حروفِ الحَلقِ وعينهُ معتلةٌ فلا تفتحُ لأَنَّها تكونُ ساكنةً نحو: بَاعَ يَبِيعُ وتَاهَ يتِيهُ وجَاءَ يَجِيءُ وكذلكَ المضاعفُ: نحو: دَعَّ يَدُعُّ وشَحَّ يَشُحُّ وزعمَ يونس: أَنَّهم يقولونَ: كَعِّ يَكَعُّ5. قالَ سيبويه: يَكِعُّ أَجودُ6 وهوَ كما قالَ. واعلم: أَنَّ هذه الحروفَ الستةَ إذا كَنَّ عيناتٍ في "فَعِلَ" ففيهِ أَربعُ لغاتٍ7: فَعِلَ وفِعِلَ وفِعْلَ اسمًا كانَ أَو صفةً نحو: رِحِمَ،

_ 1 زيادة من "ب". 2 انظر: الكتاب 2/ 254. 3 شأى: يشؤو شأوا القوم: سبقهم. 4 يزهوهم الآل: أي رفعهم. 5 انظر: الكتاب 2/ 255. 6 انظر: الكتاب 2/ 255. 7 انظر: الكتاب 2/ 255.

وبِعِلَ والاسم رَجُلٌ لَعِبٌ1 وضَحِكٌ وما أَشبهَ ذلكَ في جميعِ حروفِ الحلقِ وفي "فَعيلٍ" لُغتانِ: فَعِيلٌ وفِعِيلٌ وتكسرُ الفاءُ في هذَا البابِ في لغةِ تَميمٍ نحو: سِعِيدٍ ورغيفٍ وَبخِيلٍ وَبِيِئسٍ وأَمَّا أَهلُ الحجازِ فيجرونَ جميعَ هَذا على القياس فإِنْ كانتِ العينُ مضمومةً لم تضم لها ما قبلهَا نحو: رَؤوفٍ ورؤوفٍ لا يضمُّ. قَالَ2: وسمعتُ مِنْ بعضِ العَربِ مَنْ يقولُ: بِيْسَ ولا يُحققُ الهمزةَ ويدعُ الحرفَ على الأصلِ3. وأَمَّا الذينَ قالوا: مِغِيرَةٌ وَمِعينٌ4 فَلَيسَ علَى هَذا ولكنهم أَتبعوا الكسرةَ الكسرةَ كما قالوا: مِنْتِنٌ وَأُنْبُؤُك وأُجُؤكَ "أَرادَ: أُنبِئُكَ وأَجِيئكَ"5 وقَالوا: في حرفٍ شَاذٍّ: إحِبَّ يحِبُّ شبهوهُ "بِمِنْتِنٍ" فجاؤوا بهِ على "فَعَلَ" كما قَالوا: يِئْبَى لِما جَاءَ شاذًا عن بابهِ خولفَ بهِ6 وقالوا: لَيْسَ ولم يقولوا: لاسَ ولا يجوزُ في "أَجِيئُكَ" ما جازَ في "يَحِبُّ" لأَنَّ يَحِبُّ غُيرتْ عن أَصلِها وكانَ حقُّها يُحِبُّ فلمَّا غيرتْ استحسنوا التغييرَ هُنَا والاتباعَ وأَجيئُكَ على حِقّها فلا يجوزُ أَن يتبعَ الهمزةَ الجيم لأَنَّ الجيمَ في الأصلِ ساكنةٌ أيضًا.

_ 1 رجل لعب: ساقط من "ب". 2 أي سيبويه، وانظر: الكتاب 2/ 255. 3 انظر: الكتاب 2/ 255. 4 في الأصل "مغير". 5 أنبئك وأجيئك ساقط في "ب". 6 انظر: الكتاب 2/ 256.

باب نظائر الثلاثي الصحيح من المعتل

بَابُ نظائرِ الثلاثي الصحيحِ مِنَ المعتل: وهوَ ينقسمُ ثلاثَة أَقسامٍ معتل اللام والعينِ والفاءِ: الأولُ: وهوَ ما اعتلت لامهُ وذلكَ نحو: رميتهُ رَمْيًَا ومراهُ1 يمريهِ مَرْيًا وَهوَ مَارٍ وغَزَاهُ يغزوهُ غَزْوًا وَهوَ غازٍ هذهِ الأصولُ وقالوا: لقيتُه لِقَاءً واللُّقىَ وقليتهُ فأَنا أَقليهِ قِلَىً2 وهديتهُ هُدَىً وفِعَلٌ أُختُ فَعَلٌ لأَنهُ لَيسَ بينهما إلا الضمُّ والكسرُ وكُلُّ واحدةٍ تدخلُ على صاحبتِها وَعَتا عُتُوَّاً3 وثَوَى يثَوَى ثُوِيًّا ومَضَى مُضِيًَّا وعَاتٍ وثاوٍ وماضٍ ونَمَى يَنْمَى نَمَاءً وبَدَا يَبْدُو وقَضَى يَقْضِي قَضَاءً ونَثَا يَنْثُو نَثَاءً وقالوا: بَدَا بَدًَا ونَثَا4 نَثًَا وزَنَى زِنًَا وسَرَى يَسْرِي سُرَىً والتُّقى5. هَذا ما كانَ ماضيهُ علَى "فَعَلَ" وأَما "فَعُلَ" فقالوا: بَهُو يَبْهُو بَهَاءً وهو بَهِيٌّ وسَرُو يَسْرُو سَرْوًا وسَرِيٌّ وبَذُوَ يَبْذَو بَذَاءً و [هُوَ] 6 بَذِيٌّ وبَذى7 مثلُ: سَقُمَ في تصرفهِ8 وَدَهُوْتُ

_ 1 مراه: مرى. 2 في الأصل "قلا". 3 في الأصل "عتى". 4 نثا: فرق وأشاع. 5 انظر: الكتاب 2/ 230. 6 زيادة من "ب". 7 بذى "ساقط من "ب". 8 في الكتاب 2/ 231 وقالوا: بذو يبذو بذاء، وهو بذي، كما قالوا: سقم سقاما وهو سقيم، وخبث، وهو خبيث. وقالوا: البذاء، كما قالوا: الشقاء.

وَهْوَ دَهِيٌّ وبعضُ العرب يقولُ: بَزِيْتُ كَشَقِيْتُ وأَمَّا "فَعِلَ" فنحو: خَشِيَ يَخْشَى خَشْيَةً وخَشَيًَا وهوَ خَشْيَانُ وخَاشٍ وشَقِي يَشْقَى شَقَاوةً وشَقَاءً وقَوِيَ قَوَةً وخَزِيَ يَخْزَى خَزَايةً فهوَ خَزْيَانُ إذَا استحيى1. قالَ الأصمعي: خَشِيَ الرجلُ يَخْشَى خَشْيًا وَهْوَ خَشْيَانُ وخَشٍّ إذَا أَخذهُ الرّبو والنّفَسُ وهذا معَ ما قبلهُ يدخلُ في بابِ الأدواءِ وهذا لم يذكره سيبويه وكان هذا موضعه في فَعَلَ فيما مضى وعَرِيَ الرجلُ إذَا خَرجَ مِنْ ثيابِه يَعْرَى عُرْيًا فهو عُريَانٌ وامرأةٌ عُرْيانَةٌ ونَشِيَ الرجلُ الخَبَر إذَا تخبره ونَظَر مِنْ أَينَ جَاءَ. يَنْشَا نِشْوَةً فهوَ نَشْيان. نظيرُ ذلكَ مما اعتلتْ عينهُ كِلتهُ كَيلًا والاسم كَائِلٌ وقِلْتهُ قَوْلًا والاسم قَائِلٌ وزِرتهُ زِيَارةً وخِفتُه خوفًا وهِبتهُ أَهَابهُ هيبَة ونلتُه أنالهُ نَيْلًا وذِمتُه أَذيمهُ ذَامًا وقِتُّه قُوتًا. وقالَ بعضهم: "رجُلٌ خَافٍ" فجاؤوا به على "فَعِل" مثلُ فَرِقٍ وقزعٍ3 وعِفْتُه أَعَافهُ عِيَافةً وغُرتُ4، أَغورُ غُوورًا وغِيَارًا وغِبتُ غُيُوبًا وقامَ قِيامًا ونحتُ نِيَاحةً وغابتِ الشمسُ غِياباُ ودَامَ يَدومُ دَوَامًا وَلِعْتَ5، تَلاَعُ لاعًا وَرَجلٌ لاَعٌ ولائِعٌ إلا أَنَّ قولَهم: لاعٌ، أَكثرُ.

_ 1 في الأصل: "استحيا". 2 تخبره: انظر من أين جاء وعلمه. 3 قزع: قزوعا: أبطأ، والظبي: خف في عدوه هاربا. 4 غرت: قالوا: غرت في الشيء غرورا وغيارا إذا دخلت فيه. 5 لاع: لوعة: احترق قلبه وتألم من حب أو هم أو مرض، ولاعه الحب: أمرضه.

نظيرُ ذلكَ مما اعتلت فاؤهُ. وَعَدتهُ أَعِدهُ وَعدًا ولا يجيءُ في هَذا البابِ "يَفْعُلُ" يحذفُ الواوَ في "يَعُدُ" لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ وتجري باقي حروفِ المضارعةِ عليَها. وقالَ بعضُهم: وجَدَ يَجُدُ كأَنَّهم حذفوها مِنْ يُوْجُدُ وقالوا: وَرَدَ وُرودًا وَوَجِلَ يَوْجَلُ وَهُوَ وَجِلٌ وَوَضُؤَ يُوْضُؤُ فأتموا ما كان على فَعُلَ1 وقالوا: وَرِمَ يَرِمُ وَرَمًا وَهْوَ شَاذٌ عِنِ القياسِ وَوَرِعَ يَوْرَعُ لغة وَوَجدَ يَجِدُ وَجْدًا وَوَغِرَ يَغِرُ ويُوْغَرُ وَوَحِرَ2 يَحِرُ ويُوحَرُ ويُوحَرُ أَكثرُ ولا يجوزُ يَوْرَمُ وَوَلى يَلي وأَصلُه فَعِلَ يَفْعَلُ فَنُقل إلى "يَفْعَلُ"3 ليحذفوها طلبًا للخفةِ وأَمَّا ما كانَ مِنَ الياءِ فإنهُ لا يحذفُ منهُ وذلكَ قولُهم: يَئِسَ ييئِسُ ويَمَنَ وَيَيْمنُ وبعضهُم يقولُ: "يَئِسَ" يحذفُ الياءَ مِنْ "يَفْعِلُ" فأَمّا وطِيئَ يَطَأُ فإنَّما فتحوا العينَ للهمزةِ وهذَا جاءَ على "فَعِلَ يَفْعِلُ مثلُ: حسِبَ يَحْسِبُ.

_ 1 انظر الكتاب 2/ 233. وقالوا: وضؤ يوضؤ ووضع يوضع فأتموا ما كان على فعل. 2 وحر: أكل ما دبت عليه الوحرة، "الحشرة" دويبه مثل أبي بريص. 3 انظر: الكتاب 2/ 233. 4 انظر: الكتاب 2/ 233.

باب ذكر المصادر التي تضارع الأسماء

بَابُ ذِكرِ المصَادرِ التي تُضارعُ الأسماءَ: التي ليستْ بمصادرَ وحقُّها الوصفُ مِنْ هذهِ الأفعالِ التي تقدمَ ذكرُها وجاءت علَى ضربينِ: أَحدهُما ما فيهِ علامةٌ للتأنيثِ والضربُ الثاني لا علامةَ فيهِ للتأنيثِ ويَجْمَعُ هذهِ المصادرَ كلَّها أَنَّها جاءت غيرَ جاريةٍ على فِعْلٍ وأَنَّ ما وقعَ منها صفةً خالصةً فعلَى غيرِ لفظِ الصفةِ والمؤنثُ ينقسمُ قسمينِ: أَحدهُما حرفُ التأنيثِ فيهِ أَلفٌ والآخرُ هاءٌ. القسمُ الأولُ: ما جاءَ مِنَ المصادرِ فيهِ أَلفُ التأنيثِ: وذلكَ قولُهم: رجَعْتهُ رُجْعَى1 وبشرتهُ بُشْرَى وذكّرتهُ ذِكْرَى واشتكيتُ شكْوى وأَفتيتهُ فُتْيَا وأَعداهُ عَدْوَى والبُقيا2، أَمَّا الحُذْيَا فالعطيةُ والسُّقيا ما سقيتَ والدَّعوى ما ادعيتَ وقال بعضُهم: اللهمّ: أَشرِكنَا في دَعْوى المسلمينَ وقالوا: الكِبْرِيَاءُ. الفِعْلُ رِميَّا3 وحجِّيزَى4.

_ 1 في الأصل "رجعا". 2 البقيا: جمع بقايا. 3 رميا: وزنها: فعيلى. قال سيبويه 2/ 228 وأما الفعيلى فتجيء على وجه آخر تقول: كان بينهم رميا، فليس يريد قوله: "رميا، ولكنه يريد: ما كان بينهم من الترامي وكثرة الرمي، ولا يكون الرميا واحدا ... ". 4 في الأصل "حجيزا" والحجيزي، كثرة الحجز.

وحِثِّيثَى1 وقالوا: الهجِّيرى2 وَهْوَ كثرةُ القولِ بالشيءِ والكلامُ بهِ. وقالَ الأخفشُ: الأهجيرَى3 وَهْوَ كثرةُ كلامهِ بالشيءِ يرددهُ. القسمُ الثاني علَى ضربينِ: أَحدهما "فِعْلَةٌ" يُرادُ بها ضَربٌ مِنَ الفعلِ "فِعْلَةٌ" يرادُ بها المرةَ وذَلكَ الطِعْمَةُ وقِتْلَةُ سوءٍ وبئْسَتِ المِيتَةِ إنّما تريدُ: الضربَ الذي أَصابهُ مِنَ القتلِ وكذلكَ: الرِّكَبةُ والجِلْسَة وقَدْ تجيءُ الفِعْلَةُ لا يرادُ بها هَذا4 نحو الشِّدَةِ والشِّعْرةِ والدِّريةِ وَقَدْ قالوا: الدَّريةُ5، وقالوا: ليتَ شِعْري6، فحذفوا كما قالوا: ذَهَبت بعذرتِها وهوَ أَبو عُذرِها وهوَ بزنتهِ أَي بقَدْرهِ والعِدَةُ والضِّعَةُ والقِحَةُ لا تريدُ شيئًا من هَذا وأَمَّا المرةُ الواحدةُ من الفعل فهي فعلة نحو ضربة وقومة وقالوا أتيته إتيانه7، ولقيته لِقاءةً وهوَ قليلٌ وقالوا: غَزَاةٌ فأرادوا عَمْلَةً واحدةً وحجةَ عَمَلِ سَنَةٍ وقالوا: قَتَمةٌ8 وسَهَكَةٌ9 وخَمُطةٌ اسمٌ لبعضِ الريحِ كالبَنّةِ10 والشَّهْدَةِ والعَسَلةِ ولم يُرِدْ فَعَلَ فَعْلَةً.

_ 1 الحثيثى: كثرة الحث. 2 في الأصل "هجيرا". 3 في الأصل "الأهجيرا". 4 أي: هذا المعنى. 5 في الأصل "الدرة" 6 هو من شعرت شعرة. قال سيبويه 2/ 223 "أصله" فعلة مثل الدرية والفطنة فحذفت الهاء، والشاعر مأخوذ منه. وليت شعري: كلام يساق للتعجب والغرابة وانظر: أدب الكاتب: 62. 7 في "ب" ايتانا. 8 قتمة: الغبار الأسود. 9 سهكة: صدأ الحديد. 10 البنة: الرائحة طيبة كانت أم كريهة.

الضربُ الثاني الذي لا علامةَ فيهِ للتأنيثِ: وهوَ ينقسمُ قِسمين: أَحدهما ما أصلهُ أَن يكونَ مبنيًا للصفةِ فوقعَ للمصدرِ والقسمُ الآخرُ ما هُوَ من أَبنيةِ المصادرِ فوصفَ بهِ أَو جعلَ هُوَ الموصوف بعينِه: الأولُ: ما لفظه لفظ الصفةِ فوقعَ للمصدرِ وذلكَ ما جاءَ على "فَعُولٍ" نحو: تَوضأتُ وضُوءًا وتَطهرتُ طَهُورًا وأَولعتُ بهِ وَلُوعًا ومنهم مَنْ يقولُ وقدتُ النارَ وَقُودًا عاليًا وقَبلتُه قَبُولًا والوُقُودُ أَكثرُ والوَقَودُ الحَطبُ وعلَى فلانٍ قَبُولٌ وهذا البناءُ1 أَكثرُ ما يجيءُ في الصفاتِ نحو: ضَرُوبٍ وقَتُولٍ وهَبُوبٍ وتَؤُوم وطروَبٍ. الثاني: ما لفظهُ لَفظُ المصدرِ فجاءَ على معنى: مَفْعُولٍ وفَاعلٍ وذلك قولُكَ: لَبَنٌ حَلَبٌ إنّما تريدُ: مَحلوبٌ وكقولِهم: الخَلْقُ إنَّما يريدُ بهِ: المَخلوقَ والدرهمُ ضَرْبُ الأَمير: أَي: مَضروبٌ. ويقعُ علَى الفَاعلِ نحو: رَجلٍ غمْرٍ2، وَرَجل نَومٍ إنَّما تريدُ: الغَامرَ والنائمَ ومَاءٌ صَرَى أي صرٍ3 ومَعْشٌر كَرمٌ أي كُرماءُ وقالوا صَرِيِ يَصْرَى صَرْىً وَهُوَ صَرٍّ إذا تغيرَ اللبنُ في الضرعِ وَهْوَ رضىً أَي: مَرْضِيٌّ وأَمّا ما جُعلَ هوَ الموصوفُ بعينهِ: إلا أَنهم جاؤوا بهِ مخالفًا لبناءِ المصدرِ وغيرَ مخالفٍ. فقولُهم: أصابَ شِبعَه وهَذا شِبْعُه إنَّما يريدنَ مُشْبِعَهُ4، ومِنْ ذلكَ: هُوَ مِلءُ هذَا أَي: ما يملأُ هَذَا وقولُهم: لَيْسَ لَهُ طَعمٌ إنَّما معناهُ: ليسَ لَهُ طِيبٌ أَي: ليسَ بمؤثرٍ في ذوقي ومَا أَلتذُّ بهِ فهذَا مما خولفَ بهِ. وقد يجيءُ غيرَ مخالفٍ نحو: رويتُ ريًّا وأَصَابَ رِيَّهُ وَطعمتُ طُعْمًا وأَصابَ طُعْمَه ونَهِلَ يَنْهِلُ نَهَلًا وأَصَابَ نَهَلَهْ وقالوا: قُتَّهُ قَوْتًَا والقوتُ: الرزقُ فَلَم يدعوهُ علَى بناءٍ واحدٍ وقالوا: مَرَيْتُها مَرْيًا إذَا أَرادَ العَمَلَ وحلبتُها مِرْية لا يريدُ

_ 1 أي: المفتوح الفاء. 2 في "ب" غم وغام. 3 صر: خفيف إذا تغير اللبن في الضرع. وهو صرى، فتقول: هذا اللبن صرى وصر، وانظر: الكتاب 2/ 229 4 في الكتاب 2/ 228 "قولهم: أصاب شبعه، وهذا شبعه، إنما يريد: قدر ما يشبعه.

"فِعْلَةً" ولكنَّهُ يريدُ نحوًا مِنَ الدرةِ والحَلبِ وقالوا: لُعْنَةٌ للذي يُلْعنُ واللعْنَةُ1 المصدرُ والخَلْقُ المصدرُ2 والمخلوقُ جَمعًا وقالوا: كَرَعَ كُرُوعًا والكَرَعُ: الماءُ الذي يكرعُ [فيه] 3 وَدَرَأْتُهُ دَرْءًا وَهْوَ ذُو تُدْرَإِ أي: ذُو عُدَّةٍ ومَنَعةٍ وكاللُّعْنَةِ السُّبَّةُ إذا أَردتَ المشهورَ بالسَّبِّ واللعنِ جعلوهُ مثلَ: الشُهرَةِ. قالَ أبو بكر: قَد ذكرتُ أَحوالَ الأَفعالِ الثلاثيةِ المتعديةِ وغيرَ المتعديةِ التي لا زائدَ فيها وعَرَّفْتُ: أَنَّ الفعلَ الذي لا يتعدى يُفَضَّلُ علَى المتَعدي بِفَعُلَ يَفْعُلُ وعرفتُكَ الأَسماءَ الجاريةَ عليها والمصادرَ وما لا يجري مِنَ المصادِرِ على الفعلِ. واعلَم: أنَّ كُلَّ فِعْلٍ متعدٍّ فقد يبنى منهُ على مفعولٍ نحو قولِكَ في ضُرِبَ: مَضروبٌ وفي قُتِلَ: مَقتولٌ وما لا يتعدى فلا يجوزُ أن يبنى منهُ "مفعولٌ" إلا أن تريدَ المصدرَ أو تتسعَ في الظروفِ فتقيمَها مقامَ المفعول الصحيح وقدْ جاءَ في اللغةِ "فُعِلَ" ولَم يستعملْ منهُ فَعَلتُ وذلكَ نحو: جُنَّ وسُلَّ1. وَوُرِدَ مِنَ الحُمّى وهو مجنونٌ ومَسلولٌ ومحمومٌ ومورودٌ ولم يستعمل5 فيهِ فَعَلتُ: ومثلُه: قَطِعَ: كأَنَّهم قالوا: جُعِلَ فيهِ جنونٌ فجاءَ مجنونٌ عَلَى "فُعِلَ" كما جاءَ محبوبٌ مِنْ "أَحْبَبتُ" وكانَ حَقٌ مجنونٍ: مُجَنٌّ علَى: أَجَنَّ وقالَ بعضُهم6: "حَبَبْتُ" فجاءَ بهِ على القياسِ ونحنُ نتبعُ هذَا: بذكِر الأَفعالِ التي فيها زوائدُ من بنات الثلاثةِ ومصادرِها.

_ 1 في "ب" اللعن. 2 المصدر: ساقط من "ب". 3 زيادة من "ب". 4 ورد: يقال: ورد الرجل: إذا أخذته الحمى. 5 منه: ساقط في "ب". 6 انظر الكتاب 2/ 238.

باب ذكر الأفعال التي فيها زوائد من بنات الثلاثة ومصادرها

بَابُ ذكرِ الأَفعالِ التي فيها زوائدُ مِنْ بَناتِ الثلاثةِ ومصادرها: هذهِ الأفعالُ تجيء علَى ضربين: أَحدهما على وزنِ الفِعلِ الرباعي والآخرُ على غيرِ وزنِ ذواتِ الأربعةِ فأَمَّا الذي على وزنِ ذواتِ الأربعةِ فهو أيضًا على ضربينِ: أَحدهما ملحقٌ ببناتِ الأربعةِ والآخرُ على وزنِ ذواتِ الأربعة في متحركاتهِ وسواكنهِ وليسَ بملحقٍ فالمحلقُ: حَوقَلَ1 حَوْقَلةً وَبَيْطرَ2 بَيْطَرةً وَجَهْوَرَ كلامَهُ3 وكذلكَ شَمْللتُ4 شَمْلَلَةً وسَلْقيتهُ5 سَلْقَاةً وجَعْبيتُهُ6 جَعْبَاةً فهذا ملحقٌ بِدَحْرَجَ ومضارعهُ كمضارعِ يُدَحرجُ نحو: يُجَعْبي7 ويُحوقلٌ ويُشمللُ8 ومصدرُ الرباعي بغيرِ زيادةِ يجيءُ على "فَعْلَلَةٍ وفِعْلاَلٍ".

_ 1 حوقل: كبر، ونام، وأدبر، واعتمد الشيخ على خصره. 2 بيطر: بيطر البيطار الدابة: إذا شق جلدها ليداويه. 3 جهور: في كلامه جهورة: علا صوته. 4 شملل: أسرع وشمر. 5 سلقيته: سلقي الرجل، طعنه، وسلقيته سلقاء: ألقيته على ظهره. 6 جعبى: جعبأه، صرعه، قلبه. 7 يجعبى: يصرع. 8 يشملل: يسرع ويشمر.

نحو: السِّرهاف1 والزَّلْزَلةِ والزِّلْزَالِ وكذلك: الملحقُ الحِيقَالُ السِّلقَاء على مثالٍ الزِّلْزَالِ كما قالَ2: وبعضُ حِيقَالِ الرجَالِ الموتُ الضربُ الآخرُ: الذي علَى وزنِ ذواتِ الأربعة وليسَ بملحقٍ وهو يجيءُ على ثلاثةِ أضربٍ: فَعَلَ وأَفْعَلَ وفَاعَلَ الوزنُ على وَزنِ: دَحْرَجَ والمضارُع كمضارعِ بناتِ الأربعةِ لأَنَّ الوزَن واحدٌ ولا يكونُ المصدرُ3 كمصادِرها لأَنَّهُ غيرُ ملحقٍ بِهَا4 تقولُ: قَطَّعَ يدَهُ يُقَطعُها وكَسَّرَ يُكسرُ علَى مثالِ: يُدحرِجُ5 وقَاتَلَ يُقاتلُ وأَما أَفْعلتُ فنحو: أَكرَم يُكرمُ وأَحْسَنُ يُحْسِنُ وكانَ الأَصلُ: يُؤَكرمُ ويُؤحْسنُ حتَى يكونَ على مثالِ: يُدحرجُ لأَنَّ همزةَ أَكرمَ مزيدةٌ بحذاءِ دَال دَحْرَجَ وَحَقُّ المضارعِ أَن ينتظمَ ما في الماضي منَ الحروف ولكن حُذِفَتِ

_ 1 السرهاف: الغذاء أحسنه، وسرهف الصبي أحسن غذاءه ونعمه. 2 نسب هذا الرجز لرؤبة العجاج، وقبله: يا قوم قد حوقلت أو دونت ... وبعض حيقال الرجال الموت ويجوز اشتقاق "حوقل" من الحلقة وهي ما بقي من نفايات التمر، لأن قولهم: حوقل الرجل، معناه: كبر وضعف، فصار كأنه لم يبق منه إلا نفايته. ويروى في المخصص: وبعد حيقال الرجال الموت. ويروى كذلك: وبعد حوقال. وأراد المصدر، فلما استوحش في تصير الواو ياء فتحه. وانظر: المقتضب 2/ 96 والمنصف 1/ 38 والمخصص1/ 14 واللسان "حوقل" والمحتسب 2/ 358 والعيني 3/ 573 وابن يعيش 7/ 155. وزيادات ديوان رؤبة/ 170. 3 في "ب" المصادر. 4 في الأصل "به". 5 هذا وزن "فعلت".

[الهمزة] 1 وقَدْ ذكرنَا هذَا فيما تقدمَ ومع هذَا فإنَّهم حذَفُوا الهمزَة الأصليّة لإلتقاءِ الهمزتينِ في: أَاْكلُ وأاخذْ وأَامرْ فقالوا: خُذْ وكُلْ ومُرْ ورُبمَّا جاءَ على الأصلِ فقالوا: أومرْ فإنْ اضطَّر شَاعرٌ فقالوا: يؤكرمُ ويُؤحسنُ جازَ ذلكَ كما قالَ2: "وصَالياتٍ ككُمَا يُؤثفَينْ ... " وكما قالَ3: "فإنهُ أَهْلٌ لأن يُؤَكرمَا ... " والمصادرُ في الفَعَلِ علَى مثالِ: الزِّلزالِ4، وليسَ فيهِ مثالُ: الزَّلْزلَةِ لأَنهُ نَقَصَ في المضارع فَجُعِلَ هَذا عوضًا وذلكَ نحو: أكرمتُه إكرامًا وأَعطيتُه إعطاءً وأَمَّا "فاعلتُ" فمصدره5 اللازمُ لَهُ "مُفَاعلةٌ6"

_ 1 زيادة من "ب". 2 من شواهد سيبويه 1/ 13 في باب ما يحتمل الشعر. وفي 1/ 203 على أن الكاف اسم بمعنى مثل وفي 2/ 331 على بقاء الهمزة في المضارع للضرورة. والصاليات: الأثافي، لأنها صليت بالنار، أي حرقت حتى اسودت، والأثافي: جمع أثفية وهي الحجارة التي ينصب عليها القدر. والشاهد لخطام المجاشعي. وانظر: المقتضب 2/ 97 والخصائص 2/ 368. ومجالس ثعلب/ 48. والمحتسب 1/ 186. وشرح السيرافي 6/ 18. وشرح الرماني 2/ 38. وارتشاف الضرب/ 24. وابن يعيش 8/ 42. وشواهد الإيضاح لابن بري/ 96 والسيوطي/ 172. والمقاييس لابن فارس 1/ 58. 3 الشاهد فيه كسابقه ولم يعرف قائله ولا تتممة له. وانظر: المقتضب 2/ 98. والخصائص 1/ 144. وشروح سقط الزند 3/ 1184، والإنصاف/ 148. وارتشاف الضرب/ 24. والموجز لابن السراج/ 133. واللسان 15/ 415 وشرح السيرافي 1/ 260. 4 في "أفعلت". 5 فمصدره "ساقط في "ب". 6 انظر: الكتاب 2/ 243. والمقتضب 2/ 99.

وذلكَ نحو: قَاتلتُهُ مُقَاتلَةً وشَاتمتُهُ مُشَاتمةً فهذَا على مثالِ: دَحْرجتُهُ مُدَحرجَةً ولَم يكنْ فيهِ شيءٌ على مثالِ: الدَّحْرجَةِ لأَنهُ ليسَ بملحقٍ "بِفَعْلَلتُ" ويجيءُ فيهِ "الفِعَالُ" نحو: قَاتلتُه قِتالًا وراميتُه رِمَاءً وكانَ الأصلُ "فِيعَالًا" لأَنَّ "فَاعلتُ" علَى وزنِ "أَفْعَلتُ" وفَعْلَلتُ فالمصدرُ كالزِّلْزَالِ والإِكرامِ ولكنَّ الياءَ محذوفةٌ مِنْ "فِيعَالٍ" استخفافًا وإنْ جَاءَ بها جَاءٍ فمصيبٌ وأَمَّا فَعَّلْتُ: فمصدرهُ التفعيلُ1 لأَنَّهُ يسَ بملحقٍ فالتاءُ الزائدةُ عوضٌ مِنْ تثقيل العينِ والياءُ بدلٌ مِنَ الألفِ التي تلحقُ قبلَ أواخرِ المصادرِ وذلكَ قولُكَ: قَطَّعتُه تَقْطيعًا وكَسَّرتهُ تكسيرًا وشمَّرتُ تَشميرًا وكان أَصلُ هَذا المصدرِ أنَ يكونَ فِعَّالًا كما قلتَ أَفْعلتُ إفْعَالًا ولكنهُ غُيرَ لبينَ أَنهُ ليسَ ملحقًا ولو جاءَ بهِ جاءٍ علَى الأَصلِ لكانَ مصيبًا كما قالَ الله جلَّ ذكره2 {وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابًا} 3 وقالَ قومٌ4: حَمَّلتهُ حِمَّالًا وكَلّمتُه كِلاّمًا فهذهِ تصاريف هذهِ الأَفعالِ ومصادرها ونحنُ نذكرُ معانيها ومواقعها في الكلامِ إنْ شاء الله. الأولُ: فَعَّلَ: حقهُ أنْ يكونَ للتكثيرِ والمُبالغةِ فإذَا أدخلتَ عليهِ التاء قلتَ: تَفَعَّلتُ تَفَعُّلًا ضموا العينَ لأَنهُ لَيسَ في الكلام اسمٌ على "تَفَعّلَ" وفيهِ "تَفَعُّلٌ" مثلُ التَنوطِ5 اسمٌ6 ويجيءُ: فَعَّلتهُ وأَفْعَلتُه بمعنىً واحدٍ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 243 والمقتضب 2/ 74. 2 في "ب" عز وجل. 3 النبأ: 28 وانظر: الكتاب 2/ 243. 4 في "ب" ناس. 5 التنوط: نوط: علق، والتنوط-بضم التاء وكسر الواو- طائر يدلي خيوطا من شجرة وينسج عشه كقارورة الدهن منوطا بتلك الخيوط. 6 اسم: ساقط في "ب".

نحو1: خَبَّرتهُ وأَخبرتُهُ وَوَعَّزْتُ وأَوعزتُ وسَمّيتُ وأَسميتُ أَي: جَعَلتُه فَاعِلًا ويجيئان مفترقينِ2 نحو: عَلّمتهُ وأَعلمتُه فَعَلّتُ أَدبتُ وأَعلمتُ: آذنتُ وكذلكَ آذنتُ وأَذّنتُ مفترقانِ فآذنتُ: أَعلمتُ وأَذّنتُ مَنَ النداءِ والتصويتِ بإعلامٍ وبعضُ العربِ يجري: أَذّنتُ وآذنتُ مجرى سَمّيتُ وأَسميتُ وأَمرضتُه جَعلتُه مَريضًا ومَرَّضتهُ قمتُ علَيهِ ومثلُه أَقذيتُ عينَهُ وَقَذّيتُها فأَقذيتُها: جعلتَها قَذِيَّةً وقَذَّيتُها: نَظفتُها مِنَ القَذَاءِ كَثَّرْتُ وأكثرتُ وقَلَّلتُ وأَقللتُ3 فكَثَّرتُ أَنْ تجعلَ قليلًا كثيرًا وقَلّلتُ تَجعلُ كثيرًا قليلًا وصَبَّحْنا ومَسَّينَا وسَحَّرْنا فمعناهُ: أَتيناهُ صباحًا في هذهِ الأوقاتِ ومثلهُ بَيّتناهُ4 أَتيناهُ بَيَاتًا وما بنيَ على "يُفْعّلُ" فهوَ يُشجّعُ ويُجَبّنُ ويُقَوّي أَي يُرمى بذلكَ وقد شُيّع الرجلُ أي رُميَ بذلكَ وقيلَ فيهِ. الثاني: أَفعَلُ: وحَقُّ هذهِ الألفِ إذا دخلتْ على: فَعِلَ لا زيادةَ فيهِ أَنْ يجعلَ الفاعلَ مفعولًا نحو: قَام وأَقمتُه وقَد ذكَر هذا فيما مضى ويكونُ في معنى "فَعَلَ" في لغتينِ مختلفتينِ نحو: قِلْتُه وأَقلتُه وأَشباهُ هذَا كثيرٌ وقد أَفردَ لَهُ النحويونَ وأَهلُ اللغةِ كتبًا يذكرونَ فيها: فَعَلْتُ وأَفْعَلتُ والمعنى واحدٌ وكما أَنهُ قَدْ جاءَ أَفْعَلتُ في معنى: فَعَلْتُ5 فكذلكَ

_ 1 في "ب" مثل. 2 في الأصل "متفقين" وهو خطأ. 3 زيادة من "ب". 4 بيت الشيء: دبره ليلا. 5 فعلت: ساقط من "ب".

يجيءُ: فَعَلتُ في معنى: أَفْعَلتُ يَنْقلُ الفَاعلَ فيجعلُهُ مفعولًا نحو: نَعِمَ الله بِكَ عينًا وأَنْعَم بمعنىً واحدٍ ويقالُ: أبانَ وأَبنتهُ واستبانَ واستبنته بمعنىً واحدٍ فأَبانَ وأَبنتُه في ذَا الموضع كحَزنَ وأَحزنتهُ1، وكذَلكَ: بَيّنَ وبَيّنتهُ ويجيءُ: أَفعلتُه علَى أَن تُعَرِضَهُ لأَمرِ كأَقتلتهُ2، وأَقبرتهُ جعلتَ لَهُ قبرًا وسقيتُه فَشَرِبَ وأَسقيتهُ3 جعلت لَهُ سُقْيَا ويجيءُ: أَفْعلُ علَى معنى أَنهُ صارَ4 صَاحبَ كذَا نحو: أجربَ صَارَ صَاحبَ جَربٍ وأَحالَ: صَارَ صاحب حِيَالٍ5 ومثلُه: مُقْوٍ ومُقطفٌ أَي: صَاحبُ قُوةٍ وقِطَافٍ في مالِه مِنْ قَوِيَ الدابةُ وقَطفَ ومثله أَلامَ فلانُ "أيَ: صَارَ صاحبَ لائمةٍ" ولاَمهُ بغيرَ هَذا المعنى وإنّما هُوَ إِذَا أَخبرهُ بأَمرِه والمعْسرُ والمُرسرُ مثلُ: المُجرِبِ فأَمَّا عَسَّرتُهُ فضيقتُ عليهِ ويَسَّرتُه وسعتُ عليهِ ومثلُ ذلكَ: اسمنتُ وأَكرمتُ فأربِط6. وكذلكَ أَلأَمتُ وأَرابَ صارَ صاحبَ رِيبةٍ ورَابني جَعلَ فيَّ رِيبةً ويجيءُ علَى معنى أَنهُ استحقَّ ذلكَ نحو: أَحصدَ الزرعُ وأَقطعَ النخلُ إذَا استحقَّ ذلكَ فإنْ أَخبرتَ أَنكَ فعلتَ قلتَ: قَطَعْتُ وأَحمدتُه: وجَدتُهُ مستحقًا للحمدِ مني وحَمدتُه جزيته وقضيته حقَّهُ ويجيءُ للمصيرِ إلى الحينِ وذلكَ نحو:

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 234. زعم الخليل: أنك حيث قلت: فتنته وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا، وجعلته فاتنا.. ولكن أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة فقلت: فتنته. 2 في الأصل "كأقلته" والصحيح، كأقتلته، أي: عرضته للقتل، واقتلته ساقط في "ب". 3 في الكتاب 2/ 235 قال الخليل: سقيته وأسقيته، أي: جعلت له ماء. 4 صار: ساقط من "ب". 5 حيال: الحيال: خيط يشد من بطان البعير إلى حقبه لئلا يقع الحقب على تباله. 6 انظر: الكتاب 2/ 236. والمعنى أنك وجدت مكانا للسمت والأكرام للدابة فاربطها حيث يكون ذلك.

أَسْحَرْنَا وأَصْبَحْنا وأَهْجَرْنا وأَمْسَيْنا أَي: صِرنَا في هذِه الأوقاتِ ويجيءُ: أفعلتُ في معنى: فَعَّلتُ كما جاءت "فَعَّلتُ" في معناها: أَقْلَلتُ وأَكثرتُ في معنى قَلَّلتُ وكَثَّرتُ وقالوا: أَغلقتُ الأبوابَ وغَلَّقتُ. قالَ الفرزدقُ: "ما زلتُ أَغلقُ أَبوابًا وأَفتحها ... حَتَى أَتيتُ أَبا عمرِو بن عَمارِ"1 ومثلُ: أَغْلَقتُ وغَلّقتُ أَجدتُ وجَوَّدتُ وإذَا جَاءَ شيءٌ نحو: أَقْلَلتُ وأَكثرتُ: أي ِ جئتُ بقليلٍ وكثيرٍ فهذا على غيرِ معنى: قَلّلتُ وكَثَّرتُ. الثالثُ: فَاعلَ: وأَصلهُ أَن يكون لتساوي فاعلينِ2 في "فعل" وذلكَ نحو ضاربتُهُ وكَارمتُهُ فإذَا كنتَ أنتَ فعلتَ مِنْ ذلكَ ما تغلبُ بهِ وتستحقُّ أن تَنسبَ الفعلَ إليكَ دونَهُ قلتَ: كارَمني فكرمتهُ أُكرمهُ وخَاصمني فخصمتُه أُخصمُه فهذَا البابُ كلهُ علَى مثالِ: خَرجَ يَخرُجُ إلا ما كانَ مثل: رَميتُ وبِعتُ وَوَعدَ فإنَّ جميعَ ذلكَ: أَفعلُهُ وليسَ في كُلِّ شيءٍ يكونُ هذا لا تقولُ: نَازعني فنزعتُهُ استغني عنهُ بِغَلَبْتُهُ وقَد يجيءُ "فَاعلتُ".

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 237، على جواز دخول أفعلت على فعلت فيما يراد به التكثير، يقال: فتحت الأبواب وأغلقتها والأكثر فتحتها وغلقتها. لأن الأبواب جماعة، فيكثر الفعل الواقع لها. وأبو عمرو بن عمار: هو أبو عمرو بن العلاء وقد مدحه الفرزدق وافتخر بصحبته. وغلق الباب وانغلق واستغلق. إذا عسر فتحه. وانظر: شرح الرماني 4/ 111، وأدب الكاتب لابن قتيبة/ 451 واللسان "علق" والأشباه والنظائر 1/ 49. 2 في سيبويه 2/ 238: اعلم أنك إذا قلت: فاعلته، فقد كان من غيرك إليك مثل ما كان منك إليه حين قلت: فاعلته، ومثل ذلك: ضاربته وفارقته، وكارمته.

لا تريدُ [به] 1 عَمَل اثنينِ نحو نَاولتهُ وعاقبتُه وعافاه الله وسافرتُ2 وظاهرتُ [عليهِ] 3 وأَما "تَفَاعلتُ" فلا يكونُ إلا وأَنتَ تريدُ فِعْلَ اثنينِ فصاعدًا ولا يعملُ في "مَفْعولٍ" نحو: تَرامينَا وقَد يشركهُ "افْتعَلنا" فتريدُ بها معنىً واحدًا نحو: تَضاربوا واضطَربوا وتَجاوروا واجتوروا وقالوا: [تَماريتُ] 4 في5 ذلكَ وتراءيتُ لَهُ وتَقَاضيتُه وقد يجيءُ "تفَاعلتُ"] 6 ليريكَ أَنهُ في حالٍ ليسَ فيها نحو: تَغَافلتُ وتَعامَيتُ وتَعاشيتُ وتعارجتُ7. قالَ الشاعر8: "إذَا تَخازرتُ ومَا بي مِنْ خَزَرْ ... "

_ 1 أضفت كلمة "به" لأن المعنى لا يستقيم بدونها. 2 في الأصل "ساررت". 3 أضفت كلمة "عليه" لإيضاح المعنى. 4 انظر: الكتاب 2/ 239. 5 في الأصل"من". 6 ما بين القوسين ساقط من "ب". 7 تعارجت: تعارج تكلف العرج وليس به. 8 من شواهد سيبويه 2/ 239 "على أن تفاعل تكون بمعنى أن يظهر الفاعل أن أصله حاصل له وهو منتف عنه، فقوله: وما بي من خزر يدل على ما ذكرنا، وتخازر: نظر بمؤخر عينه تداهيا ومكرا، فإن كان ذلك خلقة فهو الخزر، ولم يتكلم الأعلم عن هذا الرجز، وينسب إلى أرطأة بن شيبة، ونسب كذلك للأغلب وينسب لغيرهما. وانظر: المقتضب 1/ 79، وأدب الكاتب لابن قتيبة/ 457. وأمالي القالي 1/ 96. والجواليقي/ 321. والمخصص 14/ 180. وسمط اللآلي 1/ 299، والاقتضاب/ 409. وشرح السيرافي 5/ 255. والمفصل للزمخشري/ 280. ومعجم ابن فارس 2/ 180. والمحتسب 1/ 127.

باب دخول فعلت على فعلت لا يشركه في ذلك أفعلت

بابُ دخولِ "فعَّلتُ" علَى "فَعَلْتُ" لا يشركهُ في ذلك: "أَفْعَلْت": تقولُ: كَسَرتُها فَإِذا أَردَت كثرةَ العَملِ قلتَ: كَسَّرتُها وقالَوا: مَؤَّتْتُ وقَوَّمْتُ إِذا أردتَ جماعةَ الإِبلِ وغيرَها وقالوا: يُجَوِّلُ أَي: يكثرُ الجَولانَ ويُطّوفُ أي: يكثرُ ذاكَ1 والتخفيفُ في هذا كلِه جَائزٌ لأَنَّ كُلَّ فالقليلُ فيهِ واجبٌ يجوزُ أَنْ تقولَ: ضَرَبْتُ تريدُ: ضَربًا كثيرًا وقليلًا فإِذاَ قلتَ: ضَرَّبتُ انفردَ بالكثيرِ أَلا تَرى أَنكَ إذَا قلتَ: ضَرَبْتُ ضَربًا جازَ أَن يكونَ مرةً ومرارًا فإِذَا قلتَ: ضربةً انفرد بمرةٍ واحدةٍ.

_ 1 أي: التطويف.

باب دخول التاء على فعل

بَابُ دخولِ التاءِ علَى فَعَّلَ: فإِذا أدخلتَ التاءَ على "فَعَّلَ" صارَ للمطاوعةِ نحو: كَسّرتهُ فَتَكَسَّرَ وأَما تَقَيَّسَ وتَنَزّرَ فكأَنهُ جرى على "نُزرَ فَتَنَزَّرَ وَقُيِّسَ فَتَقَيَّس مثلُ. كُسِّرَ1 فتكَسَّرَ وإِذَا أَرادَ الرجلُ أَن يدخلَ نفسَهُ في أَمرٍ حتَى يُضافُ إليه يقولُ: تَفَعّلَ نحن: تَشَجّع وتَمَرّأَ أَي: صَارَ ذَا مُروةٍ وقَد يجيءُ تَقَيَّسَ وتَنَزَّرَ مثلُه إذَا أَدخلَ نفسَهُ في ذَلِكَ وقَد يشاركُ "تَفَعَّلَ" اسْتَفعَلَ نحو: تَعَظَّمَ واسْتعظَمَ وتَكَبَّر واسْتكبَر وتجيءُ: تَفَعّلْتُ بمعنى: الاستثباتِ ويُشاركُها استَفْعَلتُ: نحو: تَيَقّنتُ واستيقنتُ وتَبَيّنتُ واستبينتُ وتَثَبّتَ واستثبتَ وقولُهم: تَقَعَّدتْهُ إِنّما هُوَ: رَيَّثْتهُ2 عَنْ حاجتهِ وعُقْتُهُ ومثلهُ: تهيبني البلادُ وأمَّا: تنقّصتهُ3 فكأنهُ الآخِذُ مِنَ الشيء الأوّلَ فالأوّلِ ومثلُهُ: يَتَجرَّعهُ ويَتَحسَّاهُ وأَما "تَعَقَّلهُ" فنحو: تَقَعَّدهُ لأَنهُ يريدُ: أَن يَختِلهُ4 عن أَمرٍ يعوقهُ عنهُ ويَتَملَّقه5 نحو ذلكَ لأَنهُ إِنَّما

_ 1 في "ب" كيس فتكيس، وهو تصحيف. 2 ريثته: ريثه منعه وحبسه. 3 في سيبويه 2/ 240 وأما قوله: تنقصته، وتنقصني، فكأنه الآخذ من الشيء الأول فالأول. 4 يختله: يخدعه عن أمر. 5 يتملقه: ساقط من "ب".

يُريدُ أَنْ يُديرَهُ عَنْ شيءٍ وقالوا: تَظلمني أَي: ظَلَمني مَالي كما قالوا: جِزْتُ وجَاوزتُهُ1 ونَهيتُهُ واستنهيتهُ مثلُ: عَلَوته واستعلَيتهُ والمعنى واحدٌ وأَمَّا تَخَوَّفهُ فهوَ أَن تُوقعَ أَمرًا يقعُ بكَ فَلا تأمنهُ في حالِكَ التي تكلمتَ فِيهَا و"خافهُ"2 ليَس كذلكَ وأَما يتَسَمَّعُ ويَتَبصّرُ ويَتحَفَّظُ ويَتَجرّعُ ويتدَخّلُ ويَتعَمّقُ فجميعهُ عَملٌ بَعْدَ عَملٍ في مهلةٍ وتَنَجَّزَ حَوائجَهُ [واستَنْجَزَ] 3 في معنىً واحدٍ.

_ 1 بناه على "تفعل" كما قال: أجزته وجاوزته. 2 أي: قد يكون وهو لا يتوقع منه في تلك الحال شيئا. 3 زيادة من "ب".

باب افتراق فعلت وافعلت

بابُ افتراقِ: فَعَلْتُ واَفْعَلتُ: تقول: دخلَ وأَدخلهُ غيرُهُ وخافَ وأَخفتُه وجَالَ وأَجلتُه ومَكُثَ وأمكثتهُ وفَرِحَ1، وأَفرحتهُ وفرَّحْتُهُ يشتركانِ. ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ: أَملحتهُ2 والكثيرُ مَلّحتهُ وَظَرُفَ وَظَرَّفتُهُ ولا يستنكرُ "أَفعلتُ" [فيها] 3 فأمَّا: طَرَدتهُ: فَنَحيتهُ وأَطردتهُ: جعلتَهُ طريدًا وأطَلَعتُ4: بَدوتُ وأَطلعتُ: هَجمتُ وشَرقتِ الشمسُ بدَتْ وأَشرقتْ: أَضاءَتْ: وأسرعَ5: عَجِلَ كَثَقُلَ كأَنهُ غَريزةٌ كَخَفّفَ وقالوا: فَتَن الرجلُ وفَتَنتهُ وحَزِنَ وَحَزنْتُهُ لم يردْ أَن يقولَ: جَعَلتُه حزيناً6 ولكنْ جعلتُ فيهِ حزنًا مثلُ كَحَلْتُهُ جَعلتُ فيهِ كُحلًا وإذا أردتَ ذلكَ قلتَ: أَحزنتهُ: وأَفتنتهُ ومثلهُ: شَتِرَ7 الرجلُ وشَتَرْتُ عينهُ فإِذَا أَردتَ تغيرَ،

_ 1 وفرح: ساقط من "ب". 2 في الكتاب 2/ 233 "وسمعنا من العرب من يقول: أملحته كما تقول: أفزعته". 3 أضفت كلمة "فيه" لإيضاح المعنى. 4 يقال: أطلعت عليهم، أي: هجمت عليهم. 5 قال سيبويه 2/ 134 وأما سرع وبطؤ، فكأنها غريزة، كقولك: خف وثقل، ولا تعديهما إلى شيء كما تقول: طولت الأمر وعجلته. 6 انظر: الكتاب 2/ 234. 7 شتر: جرح.

شَتر الرجل قُلتَ: أَشترتهُ وعورتْ عينهُ وعُرتهُا وبعضهم يقولُ: سَوِدتُ وسَدتُها مِنَ السوادِ وقد اختلفوا في هذَا البيتِ لنصيبٍ1 فقالَ بعضُهم: "سَوِدتُ فَلَمْ أَملكْ سَوَادِي وتَحْتَهُ ... قَمِيصٌ مِنَ القُوهيّ بِيضُ بَنائقُه2. وقالَ بعضُهم: سُدْتُ: يريدُ فَعُلتُ وجملةُ هذَا أَنكَ إذا أردتَ تغييرَ "فَعَلَ" قلتَ: أَفعلُ فَقَط وقالوا: عَوَّرتُ عينَهُ مثلِّ فرَّحته وسوَّدته ومثلُ: فَتَنْتهُ جَبَرَتْ يَدهُ وجَبَرتُها وَرَكَضَت الدابةُ وَركضتُها ونَزَحتِ الرَّكْيَّةُ3، وَنَزَحْتُها وسَارتِ الدابةُ وسَرتُها ورَجُسَ4 الرجلُ وَرَجَستُه ونَقَصَ الدرهمُ ونَقَصتُهُ وغَاضَ الماءُ وَغِضْتُهُ وقَد جاءَ فَعَّلتهُ إذَا أَردتَ أَن تجعلَهُ "مُفْعِلًا"5 نحو: فَطَّرنهُ فأَفطرَ وَبَشَّرْتُهُ فأَبشرَ وهَوَ قليلٌ وأَما خَطَّأتهُ فإنّما أَردتَ: سميتُهُ مُخْطِئًا مثلُ فَسَّقتهُ6، وَزَنَّيتُهُ7، وحَيَّيتهُ،

_ 1 نسب في الأغاني 20/ 2 إلى سحيم وليس في ديوانه. 2 من شواهد سيبويه 2/ 234 على "سودت" وهو يريد "اسوددت" من السواد فبناه على "فعلت" كما قالوا: كهب يكهب، وقهب يقهب من الكهبة والقهبة وهما لونان إلى الغبرة. ويروى: سدت وهو من "فعلت" لحقه الاعتلال فحذفت واوه. يقول. إن كنت أسود فلم أملك سوادي وأجلبه، لأنه خلقة فخلتي أبيض وعقلي، وضرب القوهي مثلا لذلك والقوهي: ضرب من الثياب البيض ينتسب إلى قوهستان. وهو إقليم في فارس وقوهستان معناه في الأصل: موضع الجبال. والنبائق: جمع نبقة. ونبائق القميص: العرى التي تدخل فيها الأزرار، ويريد بالقميص الذي تحت سواد قلبه وخلقه. وانظر: شرح الرماني 4/ 233 وشرح السيرافي 5/ 237 والأغاني 1/ 354، والأمالي لأبي علي 2/ 88 وذيل الأمالي 127 والخصائص 1/ 216 وابن يعيش 7/ 167. 3 الركية: البئر ذات الماء، وجمعه ركي، وركايا. 4 رجس: ورجس، رجاسة: عمل عملا قبيحا، والرجس، العمل القبيح. 5 أضفت كلمة "نحو" لإيضاح المعنى. 6 فسقته: سميته بالفسق. 7 زنيته: سميته بالزنا.

وسَقَّيتهُ قلتَ لَهُ: حَياكَ اللهُ وسَقاك1 ويَا فَاسقُ ويَا زَاني وأَفَّغتُ بهِ قلتَ لَهُ أُفٍّ [لك] 2 وقالوا: أَسقيتهُ في [معنى] 3 سَقَّيتُهُ ودَخلَ "أَفعلُ" علَى "فَعَّلَ" كدخولِ فَعَّلَ عليهِ. القسمُ الثاني: ما فيهِ زائدٌ مِنْ بنَاتِ الثلاثةِ: وليسَ علَى وزنِ ذَواتِ الأربعةِ وهو ما أُسكنَ أَوله ودخلَ عليهِ أَلفُ الوصلِ وهيَ تجيءُ على ثمانيةِ أَبنيةٍ: انْفَعلَ افْتعَلَ استفعلَ افَعالَلتُ افْعَلَلتُ افْعَوْعَلَ افْعَوَّلَ افْعَنللْتُ. الأولُ: انْفَعلَ هذَا البناءُ يجيءُ للمطاوعةِ نحو: قَطعتُهُ فانقطعَ وكسرتهُ فانكسرَ وقالوا: طردتُه فذَهبَ استغنى بهِ عَنْ انطردَ4، وقَد يجيءُ: افْتعَلَ "في معنى" "انْفَعَلَ" نحو: غمتُه فاغْتَمَّ يجوزُ فيهِ انفعل وافْتعلَ. الثاني: افْتَعلَ: حكمُ افْتعَلَ وبابهُ أَن يكونَ متعديًا وقَدْ يجيءُ في معنى "انْفَعلَ" في المطاوعةِ فمتى جاءَ على معنى المطاوعةِ فهوَ غيرُ متعدٍ5 فإذا قلتَ: شَويتهُ فاشْتَوى فهوَ علَى معنى: انشَوى وإِذَا قلتَ: اشتويتُ اللحمَ أَي: اتخذتُ شِواءً وشويتُ مثلُ: أَنضجتُ وكذلكَ اختبز وخَبزَ واطَّبخَ وطَبَخَ واذَّبحَ وذَبَح فذبحَ بمنزلةِ قولهِ: قَتَلهُ واذَّبحَ بمنزلةِ قولهِ: اتخَذَ ذبيحةً والأَجودُ في "افتعلَ" أَن يقع متعديًا على

_ 1 سقاك: ساقط من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 أضفت كلمة "معنى" لإيضاح المعنى. 4 انظر الكتاب 2/ 238. 5 في "ب" وإذا.

غيرِ معنى الانفعالِ وحَبستهُ بمنزلةِ: ضبطْتهُ واحتبستهُ اتخذتُهُ حبيسًا واصطَبَّ الماءَ بمنزلةِ استقِهِ1 تقولُ اتخذْهُ لنفسِكَ وكذلكَ: أكْتَلْ واتَّزِنْ2، وقَد يجيءُ على وَزنته وكِلْتهُ فاكتالَ واتَّزنَ وقد يجيءُ فيما لا يرادُ بهِ شيءٌ مِنْ هذَا نحو: افْتقَر فأمَّا كسبَ فإنهُ أَصابَ واكتسبَ: هُوَ التصرفُ والطَّلبُ والاجتهادُ بمنزلةِ الاضطرابِ. وقد جاءَ: افْتَعلتُ على "تَفَعَّلْتُ" قَالوا: ادَّخَلوا واتَّلجوا يريدونَ معنى: تَدخلوا وتولجوا. وقالوا: قرأتُ واقترأَتُ وخَطفَ واخْتَطفَ بمعنىً واحدٍ وأَما انتزعَ فهي خَطْفةٌ كقولِكَ استَلبَ وأما3 "نَزَع" فإنهُ تحميلُكَ إِياهُ وإن كانَ على نحوِ الاستلابِ وكذلكَ: قَلعَ واقْتَلعَ وجَذَبَ واجْتَذَبَ4. الثالثُ: استفعلَ: وهُوَ طَلبُ الفعلِ نحو: استنطقتهُ فنطَقَ لأَنَّ: استنطقَ مأخوذُ مِنْ "نَطقَ" واستكتمتهُ فكتمَ واستخرجتهُ فَخَرجَ واستعطيتهُ طلبتُ العطيّةَ ومثلهُ استعتبت5 واستفهمتُ وَهوَ متعدٍّ وفِعْلُ المطاوعِ يجيءُ على "فَعَلَ" إِنْ كانَ الماضي علَى "فَعَلَ" بلا زيادةٍ وإن كانَ الماضي علَى "أَفعلَ" كانَ فِعْلُ المطاوعِ عَلى "أَفعلُ" نحو6: استنطقتهُ فَنطَق لأنه استنطقته مأخوذ من "نطق" فإن قلت: استَفْتَيْتُهُ قلت: فأفتى لأَنَّ الماضي: أفتى ومنهُ أُخذَ اسْتَفْتَى وكذلكَ: استخبرتهُ فأَخبرَ لأَنكَ تريدُ: سألتهُ أَن يخبرَ وكذلكَ: استعملتهُ فأعلمني فَعَلَى هذَا يجري هَذا فافهمهُ وقالوا:

_ 1 قال سيبويه 2/ 241، وأما اصطب الماء فبمنزلة اشتوه، كأنه قالك اتخذ لنفسك. 2 واتزن: ساقط من "ب". 3 في "ب" فأما. 4 جذب واجتذب بمعنى واحد. 5 استعتبته: طلبت إليه العتبى. 6 في "ب" مثل. بدلا من "نحو".

اسَتَحَقَّهُ طَلَب حَقَّهُ واستخفَّهُ: طَلَب خفتَهُ واستعجلَ: مَرَّ طالبًا ذاكَ مِنْ نفسهِ ويجيءُ: اسْتَفْعَلتُ أيضًا على معنى: أَصابهُ الفعلُ أي: أَصبتُ كذَا نحو: استَجَدتهُ: أَصبتهُ جيدًا واستكرمتهُ أَصبتهُ كريمًا واستعظمتهُ أَصبتهُ عظيمًا وقد جاءَ في التحولِ مِنْ حالٍ إلى حالٍ نحو1: استنوقَ الجملُ واستتيستِ الشاةُ. وقَد جاءَ: استفعلَ "في معنى" تَفعَّلَ قالوا: تَعَظَّمَ واستعظمَ وتَكبَّرَ واستكبرَ وتَيقَّنتُ واستيقنتُ وتثبَّتُّ واسْتَثْبتُّ وقَد جاءَ علَى معنى: "أَفَعَلَ وفَعَّلَ" وذلكَ نحو: استخلفَ لأَهلهِ2، كما تقولُ: أَخلفَ لأَهلهِ واستعليتُهُ بمعنى عَلَوْتُهُ. الرابعُ: افْعَاللتَ: يجيءُ هذَا الضربُ في الألوانِ نحو: احماررتُ احمِرارًا واشْهَابَّ3 اشهيبابًا وكذلكَ جميعُ هذَا الضربِ وقد مضَى ذكرهُ وتجيءُ. أَشياءُ مستعملةً بالزيادةِ فَقَط نحو: أقطَارَّ النبتُ وأقطر وارعويتُ واشْمَأززتُ. قَد ذكرهُ سيبويه في الرباعي وإن كانَ مهموزًا فليسَ هذَا موضعَهُ وهو ثلاثي.

_ 1 نحو: ساقط في "ب". 2 في الكتاب 2/ 239 وقد يجيء "استفعلت" على هذا المعنى كما جاء تذائبت وعاقبت تقول: استلأم. واستخلف لأهله، كما تقول: أخلف لأهله والمعنى واحد. وانظر: أدب الكاتب 460. 3 الشهبة: لون بياض يصرعه سواد في خلاله. 4 أشياء: ساقط في "ب". 5 اقطر: النبات أخذ يجف، إذا ولى وأخذ يجف. 6 انظر: الكتاب 2/ 242. 7 في "ب" وإذا بدلا من "إن".

الخامسُ: افْعَلَلتُ: وَهُوَ مقصورٌ من افْعَالَلتُ نحو: احمررتُ وما أَشْبهَهُ ويجيءُ الشيءُ مستعملًا بالزيادةِ [فقط] 1. السادس: افْعَوعَلَ: قالَ الخليل: كأَنَّهم يريدونَ بهِ المبالغةِ2 والتوكيد وذلكَ: خَشُنَ واخْشَوشنَ واعشوشبتِ الأرضُ واحْلولَى ورُبّما بُنيَ عليه الفعلُ فلم يفارقُهُ نحو: اعروريتُ الفَلْو إذا ركبتهُ بغيرِ سَرجٍ. السابعُ: افْعَوَّلَ: نحو: اجْلَوّذَ3 واعلوَّط4 كذَا قالَ سيبويه5: وقالوا: الاعِلواط6: ركوبُ العُنُقِ والتَقَحمُ علَى الشيء. الثامِنُ: افْعَنللَ: نحو: اسْحَنْكَك7، ومعناهُ اسودَّ فهو بمنزلةِ: اذلولى8 [إذا] 9 أريدَ بهِ الإِلحاقُ باحْرَنجَمَ واقَعنْسَسَ مِثْلهُ.

_ 1 زيادة من "ب". 2 انظر: الكتاب 2/ 241. 3 اجلوذ: الاجلواذ: المضاء والسرعة في السير وذهاب المطر. 4 اعلوط: تعلق بعنقه وعلاه، قال سيبويه 2/ 241 "واعلوط إذا جد به السير. وعلوطته إذا ركبته بغير سرج". وانظر: تعريف المازني 1/ 82. 5 انظر الكتاب 2/ 242. 6 انظر الكتاب 2/ 243، والمقتضب 1/ 76-77. 7 اسحنكك: الليل: اسود وأظلم. 8 اذلولى: أسرع. ذل وانقاد. 9 زيادة من "ب".

باب مصادر ما لحقته هذه الزوائد

[بَابُ] 1 مَصادر ما لحقتهُ هذهِ الزوائدُ: أَفْعَلتُ مصدرهُ إفْعالٌ أَلفهُ مقطوعةٌ افْتَعَلْتُ: افْتِعالٌ أَلفهُ موصولةٌ مثلهُ2 في فعلهِ انْفَعَلتُ: انْفعالٌ نحو: انطلقتُ انطلاقًا واحمررتُ: احمرارًا واحماررتُ: احميرارًا واشْهاببتُ اشهيبابًا واقْعَنسَسْتُ3، اقْعِنْسَاسًا واجْلَوَّذْتُ اجْلوَّاذًا استفعلتُ استفْعَالًا وكذلكَ كلّ4 مَا كانَ على وزنهِ ومثالهِ يخرجُ علَى هذَا الوزنِ وهَذا المثال فَعَّلتُ: "تَفْعيلٌ" التاءُ بدلٌ مِنَ العينِ الزائدةِ في "فَعَّلتُ" والياءُ بمنزلةِ الألفِ في الأَفعَال. وقالَ ناَسٌ: كَلَّمتهُ كِلاَّمًا وحَمَلّتُهُ حِمَّالًا شبهوهُ بالإِفعال5 في متحركاتهِ وسَواكنهِ. تَفَعَّلتُ "تَفَعُّلٌ" ضَموا العينَ لأَنهُ ليسَ في الكلامِ اسمُ على: "تَفَعّلٍ" وفيهِ: تَفَعُّلٌ. مثلُ التَّنُوطِ وهو طائرٌ ومَنْ قالَ: كِذَّاباً

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" مثلها. 3 اقعنسس: تأخر ورجع إلى خلف. 4 كل: ساقط في "ب". 5 في سيبويه 2/ 243، وقال ناس: كلمته كلاما وحملته حمالا أرادوا أن يجيئوا به على الأفعال فكسروا أوله. 6 التنوط: -بضم التاء وكسر الواو- طائر يدلي خيوطا من شجرة.

قالَ: تَحَملتُ تِحمَّالًا فَاعلتُ: مُفَاعلةً الميمُ عوضٌ مِنَ الألفِ التي بعدَ الفاءِ والهاءُ عوضٌ مِنَ الألفِ التي في المصدرِ قبلَ آخرهِ. ومَنْ قالَ تِحمّالًا فهوَ يقولُ: قِيتَّالًا وقالوا: مَاريتهُ مِراءً وقَاتلتهُ قِتَالًا وجاءَ فِعَالٌ علَى "فَاعلتُ" كثيرًا لأَنَّهُم حذَفوا الياءَ التي جاءَ بها أُولئكَ في قِتيالٍ "ومُفَاعلةٌ" لا تنكسرُ1. تَفَاعلتُ: "تَفَاعلٌ": ضموا العينَ ولَم يكسروها2 لئلا يشبه الجمعَ ولم يفتحوا لأَنهُ ليسَ في الكلامِ "تَفَاعِلٌ" في الأسماءِ ولو فتحوا لكانَ لفظُ المصدرِ كلفظِ الفِعْلِ.

_ 1 في "ب" كثير وفي سيبويه 2/ 244 "أما المفاعلة فهي التي تلزم ولا تنكسر كلزوم الاستفعال، استفعلت، والذي أثبت هو الصحيح. 2 ولم يكسروها: ساقط في "ب".

باب ما لحقته الهاء عوضا

بَابُ ما لحقتهُ الهاءُ عوضاً: وذلكَ أَقمتُ إِقامةً كانَ الأصلُ إِقوامًا فحذفتِ الألفُ وكذلكَ: استَعنتهُ استعانةً كانَ الأصلُ: استفعالًا وأَريتهُ: إِراءةً وإِنْ شئتَ لم تُعوضْ قالَ تَعالى1: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} 2 وقَالوا: اخترتُ اختيارًا فلم يلحقوا الهاءَ حينَ أَتموا. وقالوا: أَريتهُ: إِرَاءً مثلُ: إِقاماً3 وأَمَّا: عَزَّيتُ4: تَعْزيةً فلا يجوزُ حذفُ الهاءِ منها ولا مما لامهُ ياءٌ أو وَاوٌ وكانَ أَصلُ تَعزيةٍ تَعزّيٌ فَحَذْفت زَايًا مَنَ الزاي المشددةِ والمشددةُ حرفانِ5 وقَد يجيءُ في الأولِ نحو الاحواذِ والاستحواذ ونحوه على الأصل ولا يجوز الحذفُ فيما لامهُ همزةٌ نحو: تَجزئةٍ وتَهنئةٍ لأَنَّهم

_ 1 زيادة من "ب". 2 الأنبياء: 73. 3 أي: مثل أقمته إقاما. 4 في سيبويه 2/ 245 وأما عزيت تعزية ونحوها فلا يجوز الحذف فيه ولا فيما أشبهه لأنهم لا يجيئون بالياء في شيء من بنات الياء والواو، مما هو فيه في موضع اللام صحيحتين. 5 حرفان: ساقط من "ب".

أَلحقوهما1 بأخيتهما2 الياءِ والواو قالَ أبو العباس3: الإِتمامُ أَجودُ وأَكثرُ عَنْ أبي زيدٍ4 وجميعِ النحويينِ فيقولونَ: هَنَّأتهُ وخطَّأتُه تخْطئًا وتَهْنِئًا وتَخْطِئةً وتَهْنِئةً.

_ 1 في الأصل "ألحقوها". 2 في الأصل "بأختيها". 3 أي: المبرد. 4 أبو زيد الأنصاري من أساتذة سيبويه.

باب ما جاء المصدر فيه من غير الفعل لأن المعنى واحد

بَابُ ما جاءَ المصدرُ فيهِ مِنْ غيرِ الفعلِ لأَنَّ المعنى واحدٌ: وذلكَ: اجتوروا تجَاورًا وتجاوروا اجتِوارًا وانكسَر كَسْرًا وكُسِرَ انكسارًا {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} 1 كأَنَّه قالَ: فَنبتم نَباتًا {وَتَبتَّلْ إليه تَبْتِيلًا} 2 كأَنهُ قالَ: بَتّلَ. وفي قراءةِ ابن مسعودِ: "وأُنْزِلَ الملائكةُ تَنِزْيِلًا" لأَنَّ أُنْزِلَ ونُزِّلَ واحدٌ قالَ القطامي: وَليسَ بأَنْ تَتَبعَهُ اتِّباعَا ...

_ 1 نوح: 17. 2 المزمل: 8. قال المبرد: 1/ 74. لأن تبتل وبتل بمعنى واحد وانظر الكتاب 2/ 244. 3 الفرقان: 25، والقراءة: {وَنُزِّلَ الملائكةُ تَنِزْيِلًا} قال سيبويه 2/ 244: لأن أُنْزِلَ ونُزِّلَ واحد. 4 من شواهد سيبويه 2/ 244 "على تأكيد قوله: تتبعه، بقوله اتباعا وهو مصدر اتبعت، لأن معنى: اتبعت وتتبعت واحد، فكأنه قال: بأن تتبعه تتبعا. يقول: خير الأمر ما أتي عفوا عن غير تكلف وهو مقبل عليك غير مدبر عنك، والأمر هنا بمعنى الأمور، لأنه اسم جنس يؤدى عن الجميع، وهو عجز بيت صدره: وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعه اتباعا وانظر: المقتضب 3/ 205 والخصائص 2/ 309 وشرح المفضليات للأنباري/ 352، والفائق للزمخشري 3/ 189. وشرح السيرافي 5/ 267 وأمالي ابن الشجري 2/ 141. وأدب الكاتب/ 647. والخزانة 1/ 391 والديوان/ 32.

فجاء به على "اتبع" وقال رؤبة: "وقَدْ تَطَوَّيْتُ انطواءَ الحِضْبِ1" فجاءَ بهِ على "انفْعلَ" ومثلُ هذهِ الأشياءِ "تدَعهُ2 تركاً" لأَنَّ المعنى واحدٌ.

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 244 "على تأكيد "تطويت" بالانطواء، لأن معنى "تطويت" وانطويت سواء. وبعده: بعد قتاد ردهة وشقب. والحضب- بكسر الحاء – الحية من غير قيد، وقيل: الحية الدقيقة، والتقادة: شجر معروف والردهة: نقرة في الجبل أو في الصخرة، والشقب: مهواة ما بين جبلين، يعني أنه ينساب في مشيته كالحية. وانظر: شرح السيرافي 5/ 267. وأمالي ابن الشجري 2/ 141. والصحاح 1/ 112 والهمع 1/ 187. 2 أي: أن تدعه وتركا بمعنى واحد.

باب ما يكثر فيه المصدر من فعلت

هذا بابُ ما يكثرُ فيهِ المصدرُ مِنْ "فَعَلْتُ": وتلحقُ الزوائدَ وتَبنيهِ بناءً آخرَ علَى غيرِ ما يجبُ للفعلِ1 تقولُ: في الهَدْر التَّهدار وفي اللَّعِبِ التَّلْعَابُ والصَّفْقِ التَّصْفَاقُ والتَّرْدَادُ2 والتَّجْوَالُ والتَّقْتَالُ والتَّسْيَارُ فأَما: التِّبْيَانُ فلم تزدِ التاءُ للتكثيرِ ولو كَانَتْ لذلكَ لفتحت ولكنَّها زيدتْ لغيرِ علة وكذَلكَ التِّلْقاَءُ إنَّما يُريدُ: اللُّقيَانَ. ذِكرُ الفِعْل الرّباعي وهوَ القسمُ الثاني مِنْ أَولِ قِسْمةٍ: الرباعي عَلَى ضربينِ: أَحدهما: لا زيادةَ فيهِ والآخرُ ذو زيادةٍ: الأولُ: الذي لا زيادةَ فيهِ نحو: دحرجتُه: دَحْرَجةً وزَلزلتُه: زَلْزَلةً بهِ نحو: حَوْقلتهُ: حَوقَلةً وزَحولتُهُ: زَحْوَلةً مأخوذُ مِنَ "الزِّحْلةِ3" وإنَّما أَلحقوا الهاءَ عوضًا مِنَ الألفِ التي تكونُ قبلَ آخرِ حَرْفٍ وذلكَ أَلفُ زِلزالٍ وقالوَا: زَلِزالٌ والكسرُ الأَصلُ نحو: القِلْقَالِ وسَرْهفتهُ4

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 245. 2 الترداد: كثرة الرد. 3 الزحلة: التي تزحل الأمر قبيحا كان أو حسنا. 4 سرهفته: سرهف وسرعف، إذا نعمه وأحسن غذاءه.

سِرْهَافًا كَأنَّهم أَرادوا مِثالَ الإِعطاءِ لأَنَّ أَعطى على وَزْنِ: دَحْرجَ وسَرْهفَ فإذَا قلتَ: سِرْهَافًا فصارَ1 علَى وزِن: إكْرَاَمٍ في سَواكنهِ ومتحركاتِه لا في زوائدِه. وزلزالٌ على مِثَالِ: تَفْعيلٍ2. الثاني مِنَ الرباعي: وهوَ ما لحقتهُ الزيادةُ ففيهِ ما جَاءَ بالزيادةِ علَى مثالِ: اسْتَفعلتُ "فمصدرُه يجيءُ على مثالِ مصدرِ اسْتَفْعَلَ" وذلكَ [نحو] 3 احْرَنجمتُ4، احْرنجَامًا واطمأنَنتُ واطْمئنَانًا والطمأنينةُ والقُشعَريرةُ ليسَ واحدٌ مِنْهما بمَصدر علَى "اطْمأنَنتُ" واقشعررتُ كَما أَنَّ النَّباتَ ليسَ بمصدرٍ علَى "أَنْبتَ" وتدخلُ التاءُ على ذواتِ الأربعةِ كما دخلتْ على ذواتِ الثلاثةِ نحو: تَدَحْرجَ وتَدحرجنَا تَدحرجًا والكلامُ يقلُّ في ذواتِ الأربعةِ.

_ 1 في "ب" صارت. 2 أي: فتحوا أول الزلزال، كما فتحوا أول التفعيل، فكأنهم حذفوا الهاء وزادوا الألف في"الفعللة" والفعللة هاهنا بمنزلة المفاعلة في "فاعلت" والفعلال بمنزلة الفيعال. انظر: الكتاب 2/ 245. 3 زيادة من "ب". 4 احرنجم: أراد الأمر ثم رجع فيه، واحرنجم القوم أو الإبل: اجتمع بعضها على بعض وازدحموا.

باب ما لا يجوز أن تعديه من الثلاثي والرباعي

بَابُ ما لا يجوزُ أَنْ تعديَهُ مِنَ الثلاثي والرباعي: وذلكَ انْفَعَلْتُ نحو: انْطَلقتُ انطلاقًا وانْكمَشتُ لا تقولُ فيهِ فَعَلْتُهُ مثلُ: كسرتهُ فانكسرَ لا يجوزُ: احرنجمتُه لأَنّهُ نظيرُ انفعلتُ "في بنَاتِ الثلاثةِ زادُوا فيهِ نونًا وأَلفَ وصلٍ وليسَ في الكلامِ" أفَعَنللْتهُ ولاَ "افْعَنْلَيتهُ ولا افْعلَلَتُهُ ولا افْعَاللتُه" وهو نحو: احمررتُ واشهاببتُ ونظيرُ ذلكَ من بناتِ الأربعةِ اطمأننتُ واشْمأزَزْتُ وأَما "افعَوعلَ" فقد يتعدى. قالَ حَميدُ الهلالي: "فلمَّا أتى عَامانِ بعدَ انفصالِه ... عِنِ الضرعِ واحْلَولى دِمَاثًا يُرُودُها"1

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 242 "على تعدي: احلولى، إلى الدماث فدل هذا على أن افعوعل قد يتعدى، ومعنى احلولى هنا استمرأ وطاب. ويقال: احلولى الشيء إذا اشتدت حلاوته، وهو على هذا غير متعد لأنه بمنزلة: حلا، في أنه الفاعل في نفسه إلا أنه يبنى على هذا للمبالغة. والبيت في وصف حوار ناقة. والدماث: جمع دمث، وهو السهل من الأرض اللين، أي: استعذب نبات الدماث واستمرأها وقوله: يرودها، يجيء بها ويذهب أو يأتيها للرعي، ومعنى أتى هاهنا: مضى وقيل: لا يأتي افعوعل متعديا إلا هذا الحرف وحرف آخر هو: اعروريت الفرس ويروى البيت: واحلولى دثارا يرودها. وكذلك يروى الشطر الأول: فلما مضى عامان.. وانظر: أدب الكاتب 461. واللسان "حلا" والمحتسب 1/ 319 والمزهر للسيوطي 1/ 103.

وافَعَوَّلَ أيضًا يتعدى نحو "اعلوَّطتهُ"1 وكذلكَ "فَعْلَلْتُهُ" صَعْرَرتهُ2 لأَنهُ علَى بناءِ دَحْرجتهُ3، وهوَ ملحقٌ بهِ وكذلكَ فوعلتهُ مُفَوْعلةً نحو: كَوكبتهُ مَكَوكبةً وقالوا: اعروريتُ4 الفَلْو5، فَعْرّوهُ. واعْلَم: أَنّ ما لا يتعدى في جميعِ الأفعالِ أَقلُّ مما يتعدى. قالَ سيبويه: إنّما كثَر المتعدي لأَنَّهم يدخلونَ المَفعولَ في الفعل ويشغلونه [بهِ] 6 كما يفعلونَ ذلكَ بالفاعِل7.

_ 1 اعلوط: تعلق بعنقه وعلاه. 2 في الأصل "صفرته" وليس لها معنى، وإنما هو: صعررته، والمصعرر: هو المدور قال الراجز: يبعرن مثل الفلفل المصعرر. إذا شبه بعر الظبية بالفلفل. 3 دحرجته: في الأصل "درجته". 4 اعرورى: سار في الأرض وحده، والفرس ركبه عريانا، ويقال: اعروريت مني أمرا قبيحا، أي: ركبته. 5 الفلو: الجحش مضى عليه عام. 6 زيادة من "ب". 7 انظر: الكتاب 2/ 243.

باب نظير ضربت ضربة من هذه الأبواب كل المصادر

باب نظير ضربت ضربة من هذه الأبواب كل المصادرِ ... هذَا بابٌ نظيرُ "ضَرَبتُه" ضَرْبةً. مِنْ هذهِ الأَبوابِ كُلُّ المصادرِ: المصادرُ تجيءُ علَى أَفعالِها على القياسِ لا تتغيرُ نحو: اسْتَفْعَلتُ اسْتفعَالًا وأعطيتُ إعطاءَةً وانطلقتُ: انطلاقةً واستخرجتُ: استخراجةً وتقولُ: قَاتلتُه مُقَاتلةً ولا تقولُ: قِتَالةً لأَنَّ الأكثرَ في "فَاعلتُ" مُفَاعلةً ولو أَردتَ الواحدَ من "اجتورتُ فقلتَ: تَجَاورةً جازَ لأَنّ المعنى واحدٌ ومثلُ ذلكَ تَرَكَهُ تَرْكَةً واحدةً. واحرنجمتُ احْرنجامةً واحدةً واقشعررتُ1، اقشعرارةً ونظيرُ ذلكَ مِنْ بناتِ الأربعةِ: دحرجتُه دَحْرجَةً واحدةً وزَلزلةً واحدةً.

_ 1 بعد كلمة: "اقشعرارة" جملة مكررة، وهي: "نظير ذلك من بنات الأربعة: دحرجته دحرجة واحدة وزلزلة واحدة، وغير موجودة في "ب".

ذكر المشتق من ذوات الثلاثة على مثال المضارع مما أوله ميم

ذكر المشتق من ذوات الثلاثة على مثال المضارعِ مما أوله ميم مدخل ... ذِكْرُ المشتقِّ مِنْ ذواتِ الثلاثةِ علَى مثالِ المضارعِ مما أَولُه ميمٌ: اعلَم: أَنهم يشتقون للمكانِ والمصدرِ والزمانِ مِنَ الثلاثي ولا يكادُ يكونُ في الرباعي إلا قليلًا أَو قياسًا. الأولُ: الثلاثي: يجيءُ علَى مثالِ الفِعْلِ المضارعِ على "يَفْعِلُ" ويَفْعَلُ فتقعُ الميمُ موقعَ حرفِ المضارعة للفصلِ بينَ الاسم والفعلِ.

الضربُ الأولُ: وهوَ ما كانَ "علَى" فَعَلَ يَفْعَلُ فإنَّ موضِع الفعلِ مَفْعِلٌ مثلُ يَفْعِلُ: وذلِكَ مَجْلِسٌ ومَحْبِسٌ والمصدرُ مَفْعَلٌ وذلكَ قولُهم: إنَّ في ألفِ درهمٍ لمِضْربًا أَي: لَمَضْرَبًا وقالَ عزّ وجلَ: {أَينَ المَفَرُّ} 1 والمكانُ "المِفَرُّ" والمَبِيتُ: المكَانُ والمَعَاشُ2 المصدرُ. وقَد جاءَ مَفْعِلُ يرادُ بهِ "الحينُ" جَعلوا الزَّمانَ كالمكانِ وذلكَ قولُهم: أَتتِ الناقةُ علَى مَضْرِبها3 وأَتَتْ علَى مَنْتجها4 تريدُ الحينَ ورُبّما بنوا المصدرَ على المَفْعِلِ قالَ جَلَّ وعَزَّ: {إليَّ مرْجِعُكُمْ} 5 وقالوا: المَحِيضُ6 يريدونَ: الحَيْضَ. والمَعْجِزُ يريدونَ: العَجْزَ وقالوا: المَعْجِزُ القياسِ ورُبّما أَلحقوا هاءَ التأنيثِ فقَالوا: المَعْجَزةُ7 كما قالوا: المَعْيِشةُ ويدخلونُ الهاءَ في المَوْضِعِ أيضًا: نحو المَزلَّةِ أَي: مَوضعُ الزّللِ وقالوا: المَعْذرةُ8 والمَعْتبةُ وقالوا: المَعْصِيةُ والمَعْرِفَةُ9. الضربُ الثاني: ما كانَ على "يَفْعَلُ" مفتوحًا اسمُ المكانِ علَى مثالِه على القياسِ

_ 1 القيامة: 10 إذا قرأ بالفتح، فيريد أين الفرار. وانظر: الكتاب 2/ 246. 2 المعاش: قال تعالى في سورة النبأ: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} ، أي: جعلناه عيشا. 3 المضرب: مكان أو زمان الضرب. 4 منتجها: وقتها الذي تنتج فيه البهائم. 5 العنكبوت: 8، يريد: رجوعكم. 6 قال تعالى في سورة البقرة: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} . 7 المعجزة: والمعجزة: بالكسر والفتح. 8 ألحقوها الهاء وفتحوا على القياس. 9 كقولهم: المعجزة وربما استغنوا بمفعلة عن غيرها وذلك قولهم: المشيئة، وانظرك الكتاب 2/ 247.

مفتوحٌ كما أَنَّ "يَفْعِلُ" كانَ فيهِ مكسوراً1 وذلكَ قولُكَ: شَرب يَشْرَبُ والمكانُ: مَشْرَبٌ ويَلْبَسُ والمكانُ: مَلْبَسٌ والمصدرُ مفتوحٌ أيضًا2 لأَنَّه كانَ يُفتَحُ معَ المكسورِ فهوَ في المفتوحِ أَجدرُ وقَد جاءَ الكسرُ للفرقِ3. وقالوا: علاهُ المكبرُ وقالَوا: مَحْمِدَةٌ فأنثوا وكسروا4، وحكم "يفْعُلُ" حكمُ "يَفْعَلُ" وتنكبوا أَنْ يقولوا: "مَفْعُلٌ" لأَنهُ ليسَ في الكلام اسمٌ مثلُ "مَفْعُلٍ5" تقولُ في "يَقْتُلُ" "ويقومُ": المَقْتَلُ والمَقامُ في المكانِ وقالوا: المَلامةُ6 في المصدرِ وقالوا: المَرَدُّ والمَكَرُّ يريدونَ: الكُرُورَ والرَّدَّ وقالوا: المَدْعَاةُ والمأْدبةُ يريدونَ: الدَّعاءَ إلى الطعامِ وقالوا: مطْلِعٌ يريدونَ الطُّلوعَ كما قالوا: في بَابِ "يَفْعِلُ" المَرْجِعُ وبَابُ: يَفْعُلُ حقهُ أَنْ يشتركَ فيهِ "يَفْعَلُ" ويَفْعَلُ بَلْ كانَ "يُفْعِلُ" أَحقُّ بهِ لأَنُّ "يَفْعِلُ"7 أُختُ "يَفْعُلُ" أَلاْ تَراهما يجيئانِ في مضارعِ "فَعَلَ" ولكنْ جاءَ في الأكثرِ على "يَفْعل" لخفةِ الفَتحةِ وأَنهُ لمّا كانَ لا بُدَّ من تغييرِ يَفْعَلُ غيروا إلى الأَخفِّ فإذَا جاءكَ شيءٌ على قياسِ "يَفْعَلُ" فاعلم: أَنَّ الخفةَ قصدوا وإنْ جاءَ على قياسِ "يَفْعِلُ" فاعلم: أَنَّهُ أَحقُّ بهِ لأَنَّهما أُختانِ أَعني: يَفْعِلُ ويَفْعُلُ وقالوا: مَطْلِعٌ يريدونَ: الطُلوعَ وهيَ لغةُ بني تميمِ. وأَهلُ الحجازِ يفتحونَ8، وقَد كسروا الأَماكنَ أيضًا في هذَا

_ 1 مكسورا: ساقط في "ب". 2 أيضا: ساقط في "ب". 3 وقالوا: ساقط في "ب". 4 أي: كما كسروا المكبر. 5 انظر: الكتاب 2/ 247. 6 أنثوا الملامة لأنهم قالوا: اكره مقال الناس وملامهم. 7 في "ب" على "مفعل، يفعل" وليس صحيحا. 8 انظر: الكتاب 2/ 248.

وذلكَ المَنْبِتُ والمَطْلِعُ لمكانِ الطُّلوعِ1 وقالوا: مَسْقِطُ رأْسي للموضعِ والسقوطِ المَسْقَطُ. قالَ أبو العباسِ: يختلفُ الناَسُ في "المَطْلِعِ" فبعضُ يزعمُ: أَنَّ المَطلعَ: هو المكانُ الذي يطلعُ فيهِ ويجعلُ المصدرَ "المَطْلعَ2" وبعضُهم يقولُ كما قالَ سيبويه3 وأَمَّا المَسْجِدُ فاسمُ البيتِ ولستَ تريدُ بهَ موضِعَ جبهتِكَ ولو أَردتَ ذلكَ لقلتَ: مَسْجَدٌ ونظيرُ ذلكَ: المُكْحُلة والمِحْلَبُ والمِيسمُ اسمٌ لوعاءِ الكُحْلِ4 وإنَّما دخلتْ هذهِ الميمُ في "مِيْسَم" ومِحْلَبٍ لمعنى الارتفاقِ وكذلكَ: المُدُقُ صارَ اسمًا كالجُلمودِ وكذلكَ المَقْبُرةُ والمَشْرقُةَ ومَوضعُ الفعلِ مَقْبَرٌ وكذلك المَشْرُقَةُ وهي الغُرْفَةُ وكذلكَ: المُدْهنُ والمَظلِمةُ بهذهِ المنزلةِ إنّما هوَ اسمُ ما أَخذَ منكَ5. وقالوا: مَضْرَبةُ السيفِ جَعَلُوهُ اسمًا للحديدة6 وبعضُهم يقولُ: مَضْرُبةٌ7 والمِنْخِرُ بمنزلةِ المُدْهنِ والمَسْرُبَةُ8 والمَكرُمةُ والمأثُرةُ بمنزلةِ: المَشْرُقةِ9 وقَد قالَ قومٌ: مَعْذَرُةٌ كالمأْدُبةِ ومثلهُ: {فَنَظِرَةٌ إِلَى

_ 1 لمكان الطلوع: ساقط في "ب". 2 المطلع: وقت الطلوع. 3 قال سيبويه 2/ 248؛ وقد كسروا في "يفعل" قالوا: أتيتك عند مطلع الشمس أي: عند طلوع الشمس، وهذه لغة تميم، وأما أهل الحجاز فيفتحون. 4 لأنك لم ترد موضع الفعل. 5 أي: لم يرد مصدرا ولا موضع فعل. 6 في الأصل "الحديد". 7 في سيبويه 2/ 248 "وبعض العرب يقول: مضربة، كما يقول: مقبرة ومشربة، فالكسر في مضربة كالضم في مقبرة. 8 المسربة: الشعر في الصدر وفي السرة. 9 المشرقة: مثلثة الراء- موضع القعود في الشمس بالشتاء.

مَيْسَرَةٍ 1} . ويجيءُ المِفْعَلُ اسمًا وذلكَ "المِطْبخُ" والمِرْبَدُ وكُلُّ هذهِ الأبنيةِ تقعُ اسمًا للذي ذكرنَا من هذهِ الفصولِ لا لمصدرٍ ولا لموضعِ فِعْلٍ.

_ 1 البقرة: 28

باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو التي فيه لامات

بَابُ ما كانَ مِنْ هذَا النحو مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ التي فيهِ لاماتٌ: الموضعُ والمصدرُ فيهِ سواءٌ يجيءُ على "مَفْعَلٍ" وكانَ الأَلفُ والفتحُ أَخفٌّ علَيهم مِنَ الياءِ والكسرةِ1 وذلكَ نحو: مَغْزَىً ومَرْمَىً وقَد قالوا: مَعْصِيةٌ ومَحْمِيةٌ2 ولم يجىء مكسورًا بغيرِ الهاءِ3 وأَما بناتُ الواوِ مثلُ: يَغزُو فيلزمُها الفتحُ لأَنَّها "يَفْعُلُ" وإنْ [كانَ] 4 فيها ما في بَناتِ الياءِ مِنَ العَلَّةِ5.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 248. 2 على غير قياس. 3 لأن الإعراب يقع على الياء ويلحقها الاعتلال. فصار هذا بمنزلة الشقاء والشقا، وتثبت الواو مع الهاء وتبدل مع ذهابها. 4 زيادة من "ب". 5 العلة: ساقط من "ب".

باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو فيه فاء

بَابُ ما كانَ من هَذا النحوِ من بناتِ الياءِ والواوِ فيهِ فاءٌ: المكانُ منِ ذواتِ الواوِ يُبنى1 علَى "مَفْعِلٍ" وذلكَ قولُكَ للمكانِ المَوْعِدُ والموَضِعُ والمَورِدُ وفي2 المصدرِ المَوجِدةُ والموْعِدةُ ومَوْحِلٌ لأنَّ هَذا البابَ يَفعَلُ منه [لا يصرفُ 3 إلى] يَفْعُلُ. وقال أكثر العرب في وَحِلَ وَوَجِلَ مَوْجِلٌ ومَوْجلٌ لأَنَّ هذهِ الواوَ قَد تَعَلُّ فشبهوهُ بواوِ وَعَد. وقالَ سيبويه: حدثَنا يونس وغيرُه: أَنَّ ناسًا مِنَ [العربِ] 4 يقولونَ في "وَجِلَ" يَوْجَلُ ونحوِه: مَوْجَلٌ5، قالَ: وكأَنَّهم الذينَ يقولونَ: يوْجَلُ "فلم يعلوا الواوَ"6، وقالوا: مَوَدةٌ لأَنَّ الواو تَسلمُ في "يَوَدُّ" وليستْ مثلَ

_ 1 في "ب" يجيء بدلا من يبنى". 2 "في" ساقط من "ب". 3 أضفت "لا يصرف إلى" لاضطراب المعنى. 4 زيادة من "ب". 5 انظر: الكتاب 2/ 249. 6 قال سيبويه 2/ 249: وحدثنا يونس وغيره أن ناسا من العرب يقولون في وجل: يوجل، ونحوه: موجل، وموكل، وكأنهم الذين قالوا: يوجل فسلموه، فلما سلم وكان "يفعل" "كيركب"ونحوه شبه به.

"واوِ يَوْجَلُ" التي قَد يعلُّها بعضُهم فتح ومَوْحَدٌ فتحَ لأَنَّهُ اسمٌ معدولٌ عن واحد1 فشبهوهُ بالأسماءِ نحو: مَوْهبٍ ومَوألةٍ2 وأَما بناتُ3 الياءِ فإنَّها بمنزلةِ غيرِ المعتلَّ لأنَّها تتمُّ فَلا تَعَلُّ4، أَلاَ تراهم قالوا: مَيْسَرةٌ5، وقالَ بعضُهم: مَيْسُرَة6؟

_ 1 كما أن عمر، معدول عن عامر. 2 موألة: اسم رجل. 3 أي التي الياء فيهن فاء. 4 في "ب" ولا تعل. 5 قالوا: ميسرة، كما قالوا: المعجزة في المعجز. 6 انظر: الكتاب 2/ 249.

باب ما يكون مفعلة بالفتح والهاء لازمة له

بَابُ ما يكونُ "مَفْعَلَةٌ" بالفتحِ والهاءُ لازمةٌ لَهُ: وذلكَ إِذَا أَردتَ أَن تُكثِر الشيءَ بالمكانِ نحو: مَسْبَعَةٍ ومَأْسَدَةٍ وَمَذأَبةٍ1، وليسَ في كُلِّ شيءٍ قيلَ إلا أَنْ تَقيس شيئًا وتعلَم أَنَّ العربَ لم تتكلم بهِ ولم يجيئوا بمَثَل لهذَا في الرباعي ولو قلتَ من بنَاتِ الأربعةِ مثلَ قولِكَ: مَأْسَدةٌ لقلتَ: مُثَعْلَبةٌ لأَنَّ ما جاوزَ الثلاثةَ يكونُ نظيرَ المُفْعَلِ "منهُ بمنزلةِ المَفْعُولِ" وقالوا: أَرضٌ مُثَعلبةٌ ومُعَقْربةٌ ومَنْ قالَ: ثَعالةٌ قالَ: مُثْعَلةٌ ومُحْيَأَةٌ مِنَ الحَياتِ وَمَفْعَاةٌ فيها أَفاعٍ2 ومَقْثَأَةٌ: فيها القِثَّاءُ3.

_ 1 مذابة: كثيرة الذئاب. 2 في الأصل "أفاعي". 3 القثاء: نوع من الشجر.

باب نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة زيادة بزيادة أو غير

باب نظائِر ما ذكرنا مِما جاوزَ بناتَ الثلاثةِ زيادةٍ بزيادةٍ أَو غيرِ: فالمكانُ والمصدرُ1 يُبنى من جميعِ هَذا بناءَ المفعول وكانَ بناءُ المفعولِ أَولى بهِ لأَنَّ المصدَر مفعولٌ والمكانَ مفعولٌ فيهِ فيضمونَ أَوَّلَهُ كما يضمونَ المفعولَ كما أَنَّ أَولَ بَناتِ الثلاثةِ كأَولِ المفعولِ منها2 في فتحهِ إلا أَنَّهُ على غيرِ بنائهِ وهوَ مِنَ الرباعي عَلى بنائِه3 يقولونَ للمكانِ: هَذا مُخْرجُنَا ومُمْسَانَا وكذلكَ إذا أردتَ المصدَر وتقولُ أيضًا للمكانِ: هَذا مُتَحاملنا وتقولُ: ما فيهِ مُتُحامَلٌ أَي: تَحَاملٌ [ويقولونَ: مُقَاتَلُنَا وكذلك4 تقولُ إذا] أردتَ المُقَاتلةَ: أي: القِتَالَ. ومذهبُ سيبويه: أنَّ المصدَر لا يأتي علَى وزنِ "مَفعول" ألبتةَ ويتأولُ في قولهم: دَعْهُ إِلى مَيْسُورَةٍ وإِلى مَعسورةٍ أنَّهُ إِنَّما جاءَ علَى الصفةِ كأَنهُ قالَ: دَعْهُ إِلى أَمرٍ يُؤسرُ فيهِ وإِلى أَمرٍ يَعْسُر فيهِ5،

_ 1 في "ب" المصدر والمكان. 2 في "ب" فيها بدلا من "منها". 3 ما بين القوسين ساقط من "ب". 4 ما بين القوسين زيادة من الكتاب 2/ 250. لأن المعنى لا يستقيم إلا بها. 5 انظر: الكتاب 2/ 250.

وغيرهُ1 يكونُ عندَهُ على "مَفْعولٍ" ويحتجُّ بقولِهم مَعْقولٌ يرادُ بهِ العَقْلُ ولا أَحسبُ الصحيحَ إلا مذهبَ سيبويه. وقَد تأولَ سيبويه للمعقولِ فقالَ: كأَنهُ عُقِلَ لَهُ شَيءٌ أي: حُبِسَ لَهُ لُبّهُ وشُدِّدَ قَال: ويستغنى بهذَا عن "المَفْعَلِ" الذي يكونُ مصدراً2.

_ 1 غيره، هو الأخفش، انظر: الأصول 2/ 510، وكان الأخفش يجيز أن تأتي بمفعولة مصدرا ويحتج: بخذ ميسورة ودع معسورة. 2 انظر: الكتاب 2/ 250.

باب ما عالجت به

بَابُ ما عالجتَ به: المِقَصُّ الذي تقصُّ بهِ والمَقَصُّ: المكانُ والمَصدرُ وكُلُّ شيءٍ يُعالجُ [بهِ] 1 مكسور الأولِ كانت فيهِ هاءُ التأنيثِ أو2 لم تكنْ وذلكَ: مِخلَبٌ ومِنْجَلٌ ومِكْسَحَةٌ،3 ومِسَلَّةٌ والمِصفَى والمِخْرز والمِخْيطُ ويجيءُ علَى مَفْعال نحو: مِقْراضٍ ومِفْتاحٍ ومِصْباحٍ وقالوا: المِفْتَحُ والمِسْرَجة4.

_ 1 زيادة من "ب". 2 في الأصل "أم" والتصحيح من "ب". 3 المكسحة: المكنسة. 4 المسرجة: جمع مسارج، السراج.

باب ما لا يجوز فيه ما أفعله

بابُ ما لا يجوزُ فيهِ "ما أَفْعَلَهُ": لا يقالُ: ما أَحْمرَهُ ولاَ ما أَعرجهُ1 إِنّما تقولُ: ما أشدَّ حمرَتَهُ وما أَشَدَّ عَرَجَهُ وكَذا جميعُ الألوان والخِلَقِ وما لم يكنْ فيهِ "ما أَفعلهُ لم يكنْ فيهِ" أَفْعِلْ بهِ. وكذلكَ: أَفعلُ منهَ2، وكذلَك أيضًا فَعُولٌ ومِفْعَالٌ نحو: رَجلٍ ضَرُوب ورَجلٌ مِحْسَانٌ لأَنَّ هذا في معنى: ما أَحسنَهُ لأَنَّكَ إِنما تريدُ المبالغةَ وأَمَّا قولُهم: ما أَحمقهُ3 وأَرْعَنهُ وأَنوكهُ،4 وفي الأَلدِّ: ما أَلدَّهُ فإِنَّ هذا عندهم5 مِنْ قلةِ6 العِلْمِ ونقصانِ الفطنةِ وليسَ بلونٍ [ولا خِلْقَة في جسدٍ] 7 إِنّما هُوَ كقولِكَ: ما أنظرَهُ تريدُ نَظَر التفكيرِ8 وكذلك ما أَلسنَهُ تريدُ البَيانَ والفصاحةَ.

_ 1 أي لا يقولون في الأعرج: ما أعرجه. 2 انظر: الكتاب 2/ 251. 3، 5 الأحمق. 4 ما أنوكه: ما أحمقه. انظر: الكتاب 2/ 251. وأما قولهم في الأحمق: ما أحمقه، وفي الأرعن: ما أرعنه. فإنما هذا عندهم من العمل ونقصان العقل والفطنة. وانظر: المقتضب 4/ 182. 6 زيادة من "ب". 7 ولا خلقة في جسد: ساقط من "ب". 8 في "ب" الفكرة.

باب ما يستغنى فيه عن ما أفعلة بما أفعل فعله وعن أفعل منه بقولهم أفعل منه فعلا

بَابُ ما يستغنى فيهِ عن ما أَفعَلةُ بمَا أَفْعَلَ فِعْلَهُ وعن أَفْعَلَ منه بقولهم "أَفْعَلُ منه فِعْلًا": لا تقول في الجواب: ما أجوبَهُ إِنَّما تقولُ: ما أجودَ جوابَهُ ولا تقولُ: هَذا أجوبُ مِن هذا ولكنْ أجود منهُ جوابًا وكذلك: أَجوب بهِ إِنّما تقولُ: أَجودْ بجوابهِ ولا يقولونَ: في "قَالَ يَقيلُ مِنَ النَّومِ ما أقيلَهُ إِنّما يقولونَ: ما أَكثرَ قائلَتهُ وما أَنوَمهُ في سَاعةِ كَذا وكذَا كما قالوا تَركتُ ولَم يقولوا: وَدَعْتُ هَذا مذهب سيبويه"1. وقال أبو العباس: الخِلَق على خلافهِ. والقياسُ يوجبُ ما قالَ أبو العباسِ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 251.

باب ما أفعله على معنيين أحدهما على معنى الفاعل والآخر على معنى الصفة

بَابُ ما أَفعلَهُ علَى معنيينِ أَحدهما على معنى الفاعل والآخر على معنى الصفةِ: تقولُ: ما أَبغضني لَهُ وما أَمقتني لَهُ وما أَشهاني كذلكَ تريدُ: أَنكَ ماقتٌ وأنكَ مبغضٌ وكذلكَ ما أَمقتُه لي أي: هُوَ ماقتٌ لي فهي في المعنى "فَاعِلٌ" وأَمَّا ما كانَ في المعنى "المفعولُ" فقولُكَ: ما أَمقتَهُ وما أَبغضَهُ إليَّ إِنَّما تريدُ: أَنه مبغضٌ إليكَ وممقوتٌ كما تقولُ: ما أَقبحهُ إِنما تريدُ أنهُ قبيحٌ في عينكَ فكانَ هذا على "فَعُلَ" و"فَعِلَ" وإِنْ لم يستعملْ.

باب ما تقول العرب ما أفعله وليس فيه فعل وإنما يحفظ حفظا ولا يقاس عليه

بَابُ ما تقولُ العربُ ما أَفعلَهُ وليسَ فيهِ فِعْلٌ وإنما يحفظ حفظًا ولا يقاس عليه: قالوا: أحنكُ الشاتينِ يعني أَقواهما1 وأَحنكُ البعيرينِ علَى معنى: حَنِكَ وقالوا: آبلُ الناسِ كُلِّهم كأَنُّهم قَالوا: أَبِلَ2، وقالوا: رَجلٌ آبَلُ وقد قَالوا: فلانٌ آبَلُ منهِ3.

_ 1 يعني أقواهما، ساقط من "ب". 2 أبل: أحسن سياسة الإبل. 3 انظر: الكتاب 2/ 252.

باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة

بَابُ ما يكسرُ فيهِ أَوائلُ الأفعالِ المضارعةِ: وذلكَ إِذَا كانَ الفعلُ الماضي على "فَعِلَ" مِنَ الصحيح والمعتلُّ مما اعتلتْ عينهُ أَو لامهُ. قالَ سيبويه: وذلِكَ في لغةِ العربِ إلا أَهلَ الحجازِ1 وذلك نحو: عَلِمَ وأَنا أَعلمُ وأَنْتَ تَعلمُ وشَقيتَ تَشْقَى وخِلْتَ تَخَالُ وَعَضَّتْ تَعِضُّ وأنتِ تَعِضينَ تكسرُ حرفَ المضارعةِ لكسرِ العينِ في "فعِلَ" وجميعُ هَذا إِذَا أَدخلتَ فيه الياءَ فقلت: يَفْعَلُ "فتحتَ كرهوا الكسرة في الياء وفَتحوا تَضْرِبُ" وما كانَ على وزنِه لفتح العين في "ضَرَبَ" وقالوا: أَبى فأَنتَ تِئبى2 كأنها مِنَ الحروفِ التي يستعمل "يَفْعَلُ" منها مفتوحًا فأشبه ما ماضيه "فَعِلَ" وقد قالوا: يِئبىَ3 فكسروا الياء وخالفوا بهِ بابَهُ4 حينَ فتحوهُ شبهوهُ "بيِيِجَلُ5". وأَمَا يَسَعُ ويَطَأُ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 256. 2 في الأصل "ييبا". 3 في الأصل "ييبا". 4 أي: باب "فعل". 5 حين أدخلت في باب "فعل" وكان إلى جانب الياء حرف الاعتلال وهم مما يغيرون الأكثر في كلامهم ويجرون عليه إذا صار عندهم مخالفا. انظر: الكتاب 2/ 256.

فإِنَّما فتحوا لأَنهُ "فَعِلَ يَفْعِلُ"1 ففتَحوا للهمزةِ2 والعينِ كما قالوا: نَفْزَعُ ويَقرأُ فلمّا جاءت علَى مثالِ ما "فَعَلَ" منهُ مفتوحٌ لَم يكسروا3. واعلَم: أَنَهُ لا يضمُّ حرفُ المضارعةِ لضم عينِ "فَعُلَ" فأَمَّا وَجِلَ يَوْجَلُ ونحوه فأَهلُ الحجازِ يقولونَ تَوْجَلُ وغيرُهم تِيْجَلُ وأَنا إِيْجَلُ ونِيْجَلُ4 وإذَا قلتَ "يَفْعَلُ" فبعضُ العَربِ يقولُ: يَبْجَلُ وبعضُ العَربِ: يَاجَل5 وبعضُ: يِيجَلُ وكُلُّ شَيءٍ كانتْ أَلفُه موصولةً في الفعلِ الماضي فإِنَّك تكسرُ أَوائلَ الأَفعالِ المضارعةِ نحو: استعفرَ فأَنْتَ تِسْتَغْفِرُ واحرنَجَمَ فأَنتَ تِحْرَنجِمُ واغْدَودَنَ فأَنْتَ تِغْدَودِنُ واقْعَنسَسَ فأنا اقْعَنسِسُ وكذلكَ كُلُّ شيءٍ مِنْ "تَفَعَّلْتُ" أَو"تَفَاعلت"6 يجري هذا المَجرى لأَنَّه كانَ في الأصلِ عندهم مما7 ينبغي أَن يكون أَولهُ أَلفًا موصولة لأَنَّ معناهُ معنى "الانفعالِ" ومن ذلكَ قولُهم: تَقَى الله رَجُلٌ ثُمَّ قالوا: يَتَقِي الله أجروهُ علَى الأصلِ وإنْ كانوا لم يستعملوا الألفَ فحذفوا الحرفَ الذي بعدها من "اتَّقَى".

_ 1 مثل: حسب، يحسب. 2 في الأصل "الهمزة". 3 أي: كسروا "تأبى" حيث جاء على مثال ما فعل منه مكسور. 4 انظر: الكتاب 2/ 257. 5 قالوا: ياجل فأبدلوا منها ألفًا كراهية الواو مع الياء. 6 أو تفعللت. 7 في الأصل وعاء والتصحيح من "ب" لأن الواو زائدة.

باب ما يسكن استخفافا في الاسم والفعل

بَابُ ما يُسكنُ استخفافًا في الاسم والفِعْلِ: وذلكَ قولُهم في فَخِذٍ: فَخْذٌ وفي كَبِدٍ: كَبْدٌ وعَضِدٍ: عَضْدٌ وكَرُمَ كَرْمَ وعَلِمَ عَلْمَ إِنَّما يفعلونَ هَذا بما كانَ مكسورًا أو مضمومًا وهي لغةُ بكر بن وائلِ وأُناس من تميم1 وقالوا: في مَثَل: لم يُحرمْ مَنْ فُصْدَ لَهُ أَي: فُصدَ لَهُ بِعيرٌ يعني: فَصَدَ البَعير للضيفِ وقالوا في عُصِرَ عَصْرٌ وإِذَا تتابعتِ الضمتانِ أيضًا خَففُوا يقولونَ في الرُّسُلِ: رُسْلٌ وعُنُقٍ عُنْق وكذلكَ الكسرتان وقالوا في إبِلٍ: إبْلٌ ولا يسكنون ما توالت فيهِ الفتحتانِ نحو: جَمَلٍ وما أَشبَهُ الأولَ وليسَ علَى ثلاثةِ أَحرفٍ قولُهم: أَراكَ مُنْتَفْخًا يريدُ: مُنْتَفِخًَا وانْطَلْقَ يا هَذا بفتحِ القَافِ لئلا يلتقي ساكنانِ وأَنشد: "أَلاَ رُبَّ مولودٍ ولَيسَ لَهُ أَبٌ ... وَذي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبوانِ" 2 [أَرادَ لَم يُلِدْهُ] 3 فأسكنَ اللامَ فلمَّا أسكنَها التقى الساكنانِ ففتحَ الدالَ لالتقاء

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 257-258. 2 يشير إلى قول الشاعر: ألا رب مولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوان، وقد مر شرحه في الجزء الأول/ 421. 3 زيادة من "ب".

الساكنين وزعموا أنَّهم يقولونَ: وَرِدٌ1 وورْدٌ وكَتِفٌ وكَتْفٌ وهَذه لغةٌ ومِما أُسكنَ مِنْ هَذا البابِ قولُهم: شِهْدَ وَلِعْبَ في: شَهِدَ: ولَعِبَ ومثلُ ذلكَ: نِعْمَ وبِئْسَ إِنَّما هُما "فَعِلَ" ومثلُ ذلك فيها وَنِعْمَتْ2 وبعضُ العربِ يقولُ: نِعْمَ الرجلُ ومثلُ ذلكَ: غَزْيَ الرجلُ لا يحوّلُ الياءَ واوًا لأَنَّها إِنَّما خُففتْ والأصلُ عندَهم التحريكُ.

_ 1 في "ب" ورك. 2 إنما أصلها: فبها ونعمت، وانظر: الكتاب 2/ 259. 3 انظر الكتاب 2/ 259.

باب الإمالة

باب الإِمالة مدخل ... هَذا بابُ 1 الإِمالةُ: معنى الإِمالةِ أَنْ تُميلَ الألفَ نحو الياءِ والفتحةَ نحو الكسرةِ والأسبابُ التي يُمالُ لها ستةٌ: أَن يكونَ قبلَ الحرفِ أو بعدَهُ ياءٌ أو كسرةٌ أَو يكونَ منقلبًا أَو مشبهًا للمنقلبِ2 أو يكونَ الحرفُ الذي قبلَ الألفِ قد يكسرُ في حَالٍ أَو إمالةٍ لإِمالةٍ وهذِه الإِمالةُ تجوزُ ما لَمْ يمنعْ مِنْ ذلكَ الحروفُ المستعليةُ أَو الراءُ إِذا لم تكنْ مكسورةً. الأولُ: ما أُميلَ مِنْ أَجلِ الياءِ وذلكَ شَيبانُ وقَيس عَيْلانَ وَغَيْلانُ وكَيَّالُ وَبيَّاعٌ وأَهلَ الحجازِ لا يُميلونَ هَذا ويقولونَ: شَوْكُ السَّيالِ3، والضَّياح4، أُميلَ حرفُ متحركُ متحركٌ قِزْحاً3 قِزْحاً3 وعُذافر تنوين. الثاني: ما أُميلَ مِن أَجلِ كسرةِ قبلَهُ أَو بعدَهُ فأَما ما أُميلُ للكسرةِ

_ 1 زيادة من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 السيال: الواحدة سيالة، نبات له شوك أبيض طويل إذا نزع خرج منه مثل اللبن. 4 الضياح: اللبن الممزوج بالماء. المرق. 5 قال سيبويه 2/ 261: وزقالوا: رأيت زيدا. فأمالوا، كما فعلوا ذلك بغيلان، والإمالة في زيد "أضعف" لأنه يدخله الرفع.

قَبْلُ. فإِذَا كانَ بينَ أولِ الحرفِ1 من الكلمةِ وبينَ الألفِ حرفٌ متحركٌ والأولُ2 مكسورٌ أَملتَ الأَلفَ وكذلكَ إِنْ كانَ بينهُ وبينَ الألفِ حرفانِ الأولُ ساكنٌ وذلكَ: سِرْبالٌ وشِمْلالٌ ودرهمَانِ ورأيتُ قِزْحاً3، وعِمَادًا وكِلاَبًا وجميعُ هَذا لا يميلهُ أَهلُ الحجازِ ويقولونَ: لزيدٍ مَال يشبهونَ المنفصلَ بالمتصل فأَمَّا ما أُميلَ للكسرةِ بعدُ فنحو: عِابدٍ وعالم ومَسَاجدَ ومفاتيحَ وعُذافر4 فإذا كانَ ما بعدَ الألفِ مضمومًا أو مفتوحًا لم تكنْ إِمالةً5 نحو: آجُرٍ وتَابَل وكذلك إِذَا كانَ الحرفُ الذي قبلَ الألِف مفتوحًا أو مضمومًا نحو: رَبَابٍ وجمادٍ والبَلْبالِ6 والخُطَّاف7. الثالث: ما انقلبَ مِنْ ياءٍ يُمالُ لأَنَّهُ مِنْ ياءٍ نحو: نَابٍ ورَجل مَالٍ وبَاعٍ وإِذَا جاوزتِ الأسماء أربعةَ أَحرفٍ أَو جاوزتْ من بناتِ الواوِ فالإِمالةُ مُستَتبةٌ لأَنَّها مواضعُ تصيرُ فيهِ ياءاتٍ وجميعُ هَذا لا يميلُه نَاسٌ كثيرٌ من بني تميم وكلُّ ألفٍ زائدةٍ للتأنيثِ أَو لغيرهِ فحكمُها حكمُ الألفِ إِذا كانت رابعةً فصاعدًا لأَنَّها تُقْلَبُ ياءً في التثنيةِ وذلكَ نحو: حُبْلَى ومِعْزَى ونَاسٌ كثيرونَ لا يميلونَ8.

_ 1 في الأصل "حرف" والتصحيح من "ب". 2 في الأصل "فإن الأول" والتصحيح من "ب". 3 قزحا: قزح القدر جعل فيها القزح: التابل. 4 عذافر: بضم العين وكسر الفاء- الأسد، والعظيم الشديد من الإبل كالعذوفر. 5 لأن الفتح من الألف فهي ألزم لهما من الكسرة، ولا تتبع الواو، لأنها تشببها، ألا ترى أنك لو أردت التقريب من الواو انقلبت فلم تكن ألفًا. وانظر: الكتاب 2/ 259. 6 البلبال: شدة الهم. 7 الخطاف: طائر يشبه السنونو. 8 انظر: الكتاب 2/ 260-261.

الرابعُ: ما شُبهَ بالمنقلبِ مِنَ الياءِ كُلُّ شيءٍ من بناتِ الواوِ والياءِ كانت عينُه مفتوحة تُمال ألفهُ أَما ما كانَ من بَناتِ الياءِ فتمال أَلفهُ لأَنَّها في موضع "ياءٍ" وبدلٌ مِنْها وأَما بناتُ الواوِ فشبهوها بالياءِ لغلبةِ الياءِ علَى هذه اللامِ إِذا جاوزت ثلاثةَ أَحرفٍ. وقد يتركونَ الإِمالة فيما كانَ على ثلاثةِ أَحرف من بنَاتِ الواوِ نحو: قَفَا وعَصَا والقَنَا1، والقَطَا والإِمالةُ في الفعل لا تنكسرُ نحو: غَزَا2. الخامس: ما يُمالُ لأَنَّ الحرفَ الذي قبلَ الألفِ تكسرُ في حَالٍ أعني في "فَعَلْتُ" وذلكَ نحو: خِاف وطِابَ وهِاب وهيَ لغةٌ لبعضِ أَهلِ الحجازِ فأَمالوا: لأَنَّهم يقولونَ: خِفْتُ وطِبْتُ وهِبْتُ وأَما العامةُ فلا يميلونَ. قالَ سيبويه: وبلغَنا عن ابن أبي إسحاق3 أَنهُ سَمع كُثّير4 عزةَ يقول: صار بمكان5 كَذا وكذَا وقرأَ بعضُهم خِافَ6 ولا يميلونَ غيرَ

_ 1 في الأصل "الفتا" بالفاء. 2 انظر: الكتاب 2/ 260. 3 ابن أبي إسحاق، هو عبد الله. كان أعلم أهل البصرة وأعقلهم. فرع النحو وقاسه وتكلم في الهمز حتى عمل فيه كتابا مما أملاه. مات سنة 117هـ وقيل: سنة 127هـ ترجمته في مراتب النحويين/ 12. وأخبار النحويين/ 20 وطبقات الزبيدي 27 وإنباه الرواة 2/ 107. 4 كثير عزة: هو أبو خصر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود من فحول شعراء الإسلام، صاحب عزة التي عرف بها وعرفت عزة به. وأصبح كل منهما يعرف بصاحبه أكثر مما يعرف بأبيه أو قبيلته. مات سنة 105هـ ترجمته في الأغاني 21/ 110 طبقات ابن المعتز/ 164. وفيات الأعيان 3/ 265 الشعر والشعراء/ 316 لسان العرب "كثر" خزانة الأدب 2/ 381. 5 في الأصل "مكان" وانظر: الكتاب 2/ 261. 6 خاف، البقرة: 182، وهود: 103 وإبراهيم: 14.

فِعْلٍ نحو: بَابٍ ودَارٍ لا يمالانِ وقَد قالوا: مِاتَ وهُم الذينَ يقولونَ: مِتُّ ومنهم مَنْ يقولُ: هَذا مِاشٍ في الوقفِ فيميلُ ومنهم مَنْ ينصبُ في الوقفِ. السادسُ: الإِمالةُ لإِمالة: يقولونَ: رأيتُ عِمادا فيملونَ الألفَ في النصبِ لإِمالةِ الألفِ الأولى وقالوا في مَهاري تميلُ الألِفَ وما قَبْلَها. واعلَمْ: أَنَّ ناسًا مِنَ العربِ يلغونَ الهاءَ إِذا اعترضتْ بينَ الذي يميلُ الألفَ وبينَ الألفِ لخفائِها ولا يعتدونَ بِهَا وذلكَ قولُهم: يريدُ أَن يَضرِبَها ويَنْزِعَها كأَنَهُ قالَ: أُريدُ أَن يَضْرِبا ويَنْزِعَا: بَيني وبَينِهَا وليسَ شيءٌ من ذَا تُمالُ أَلفهُ في الرفعِ إذَا قالَ: هَوَ يِكيلُها1 وذلكَ أَنهُ وقعَ بينَ الألفِ وبينَ الكسرةِ الضَّمةُ فصارتْ حاجزاً2 وقالوا: فِينَا وَعلينا3 ورأيتُ يَدها والذينَ يقولونَ: رأَيتُ عِدًّا الألفُ أَلفُ نَصْبٍ ويريدُ أَن يَضْرِبَها يقولونَ: هَوَ مِنَّا وإِنا إِلى اللِه راجعونَ وَهم بنو تميمٍ ويقولُه5 أيضًا قومٌ مِنْ قيسٍ وأَسدٍ قالَ هؤلاءِ: رأيتُ عِنَبَا فلم يميلوا لأنه وقع بين الكسرة والألف حاجزان قويان.

_ 1 في الأصل يقتلها. 2 ولهذا منعت الإمالة. 3 قالوا: فينا وعلينا. للياء حيث قربت من الألف، ولهذا قالوا: بيني وبينها. 4 الذين قالوا: رأيت يدها. قالوا: رأيت يدا، فأمالوا: كما قالوا: يضربا، ويضربها. 5 في الأصل "ويقولون" وهو خطأ.

ذكر ما يمنع الألف من الإمالة

ذِكرُ 1 ما يمنعُ الألف مِنَ الإِمالةِ: الحروفُ المستعليةُ التي تَمنعُ الإِمالةَ سبعةُ أَحرفٍ: الصادُ والضادُ

_ 1 في "ب" باب ما يمنع.

والطاءُ والظاءُ والغينُ والقافُ والخاءُ إذا كانَ حرفٌ منها قبلَ الألفِ والألفُ تليهِ وذلكَ قولُكَ: قَاعدٌ وغَائبٌ وخَامدٌ وصَاعدٌ وطَائفٌ وضَامنٌ وظَالمٌ. قَالَ سيبويه: ولا نَعلمُ أَحدًا يميلُ هذِه الأَلفُ إِلا مَنْ لا يؤخذُ بلغتهِ وكذلكَ إِذَا كانَ الحرفُ مِنْ هذِه الحروفِ بعدَ أَلفٍ تَليها وذلكَ قولُكَ: نَاقِدٌ وعَاطِشٌ وعاصِمٌ وعاضِدٌ وعاظلٌ/ 1، باخلٌ وَوَاقِدٌ وكذلِكَ إِنْ كانتْ بعدَ الألفِ بحرفٍ وذلكَ قولُكَ: نَافخٌ ونَابغٌ ونَافقٌ وشَاحطٌ وعَالِطٌ وناهِضٌ ونَاشِطٌ2 وكذلكَ إِنْ كانَ شيءٌ منها بعدَ الألفِ بحرفينِ وذلكَ قولُكَ: مَنَاشيطُ ومَعَاليقُ ومَنَافيخُ ومَقَاريضُ ومَوَاعيظُ ومَبَاليغُ. وقالَ قومٌ: المَناشيطُ فَأَمالوا حينَ تَراختْ وهي قليلةٌ فإِذَا كانَ حرفٌ مِنْ هذِه الحروفِ قبلَ الألفِ بحرفٍ -وكانَ مكسوراً- فإنَّهُ لا يمنعُ الإِمالةَ لأَنَّ الانحدارَ أَخفُّ عليهم وذلكَ قولُكَ: الضِّعَافُ والصِّعَابُ والطِّنَابُ والقِبَابُ والعِقافُ والخِبَاثُ والغِلاَبُ وكذلكَ "الظّاءُ" كالظِّرَابِ3، وإِذَا كانَ الحرفُ المستعلى مفتوحًا لَم يجز الإِمالةُ وإِذَا كانَ أَولُ الحرفِ مكسورًا وبينًَ الكسرةِ والألفِ حرفانِ أَحدهما ساكنٌ. والساكنُ أَحدُ هذهَ الحروفِ فإِنَّ الإِمالةَ تدخلُ الألفَ وذلكَ قولُكَ: نَاقةٌ مِقْلاتٌ4 والمِصْبَاحُ والمِطْعَانُ وكذلكَ سائرُ هذِه الحروفِ وبعضُ مَنْ يقولُ: قَفافٌ ويميلُ ينصبُ الألفَ في "مِصْباحٍ" ونحوهِ لأَنَّ المستعلى جاءَ ساكنًا غيرَ مكسورٍ وبعدَهُ الفتحُ فجعلَهُ بمنزلتِه متحركًا مفتوحًا وتقولُ:

_ 1 العاظل: من الجراد المتعاظلة. وانظر: الكتاب 2/ 264. 2 ناشط: ذو نشاط، الثور الوحشي الذي يخرج من مكا ن إلى مكان. 3 الظراب: جمع ظرب. مانتأ من حجر وحد طرفه. 4 المقلات: ناقة تضع واحدا ثم لا تحمل، وامرأة لا يعيش لها واحد.

رأَيتُ قِزْحا1 وأَتيتُ ضِمْنا2 فتميلُ وهما بمنزلتِهما في "صِفَافٍ"3، وقِفَافٍ وتقولُ: رأَينُ عِرقا4، ورأَيتُ مِلْغَا5، فَلا تُميلُ لأنهما6 بمنزلتهِما7 في "غَانم"8 والقافُ بمنزلتِها في "قَائمٍ" وقالوا في المُنفصلِ كما قالوا في المُتصلِ أَرادَ: أَن يَضْرِبَها قَبْلُ فلم يملْ وكذلكَ أَخواتُها وقومٌ يفرقونَ بينَ المتصِل والمنفصلِ فأَمَّا ما كانَ مِنَ الألفِ منقلبًا من ياءٍ فإِنَّ مَنْ يُميلَ يميلُ على كُلِّ حالٍ وإِنْ وليَها المستعلي نحو: سِقَاءٍ ومعْطاءٍ وكذلكَ "خَافَ" لأَنهُ يرومُ الكسرةَ التي في "خِفْتُ" وكذلكَ أَلفُ "حُبْلَى" لأَنَّها حكمُها حكمُ بَناتِ الياءِ وكذلكَ بابُ غَزَا لأَنَّ الأَلفَ هُنَا كأَنَّها مُبدلةٌ مِنْ "ياءٍ" يقولونَ: ضَغَا9 وصَغَا10 ومما لا تُمالُ أَلفهُ "فَاعِل" مِنَ المضاعفِ وَمُفَاعِلٌ وأَشبهاههما11، لأَنَّ الحرفَ قبلَ الألفِ مفتوحٌ والحرفُ الذي بعدَ الألفِ ساكنٌ لا كسرةَ فيهِ وذلكَ: جَادٌّ وَمادٌّ وجَوَادٌّ12، لا يميلُ لأَنهُ فُرَّ مما يحققُ فيهِ الكسرة وقد

_ 1 قزحا: التابل. 2 ضمنا: داخل الشيء. 3 صفاف: صفة السرج أو الرحل: ما غشي بما بين القربوسين. وهما مقدمة ومؤخرة. 4 في الأصل "علقا" والصواب ما أثبتناه، والعرق: جمع عروق: أصل كل شيء. 5 ملغا: الأحمق الداعر. 6 الأصل "لأنها". 7 الأصل "بمنزلتها". 8 في الأصل "غالم". 9 ضغا: ضغوا المقامر خان، وضغوا إليه: تذلل. 10 صغا: مال إليه بسمعه. 11 في الأصل: "وأشباهها". 12 جواد: جمع جادة.

أَمالَ قومٌ في الجرِّ وأَمالَ قومٌ آخرونَ على كُلِّ حَالٍ وقالوا: لم يَضْرِبْهما الذي تعلم فلم يميلوا لأَنَّ الألفَ قد ذهبتْ وقالوا: رأيتُ عِلْمًا كثيرًا فلم يميلوا لأَنَّها نونٌ1. واعلمْ: أَنَّ بعضَ العرب مَنْ يقولُ: عَابدٌ فيميلُ يقولُ: مررتُ بمالِكَ فينصبُ لأَنَّ الكسرةَ غيرُ لازمةٍ ومما لا يمالُ أَلفهُ الحروفُ التي جاءتْ لمعنىً "حَتَّى وأَمّا وإلا" فرّقُوا بينَها وبينَ الأسماءِ2 وأَمَالوا: أَنّى3 لأَنّها مثلُ "أَينَ" وهيَ اسمٌ وقالوا: "أَلا" فلم يميلوا فرقوا بينَها وبينَ "ذَا" ولم يُميل و"مَا" لإِنَّها لم تمكنْ تمكَّن "ذَا" ولا تَتمُّ اسمًا إلا بصلةٍ فأشبهتِ الحروفَ وقالوا: يَا وتَا في حروفِ المعجمِ لأَنَّها أَسماءُ مَا يلفظُ بهِ. وقالوا: يَا زَيدُ "فأَمالوا لمكانِ الياءِ" ومَنْ قَالَ: هَذا مَالٌ ورأَيتُ بَابا فلا يقولُ علَى حالٍ: سِاقٌ ولا قِارٌ ولا غِابٌ وغَاب الأَجمةُ4 لأَنَّ المعتلَّ وسطًا أَقوى فلَم يبلغْ مِن أَمرِها هَهُنَا أَنْ تُمالَ معَ مستعلٍ كما أَنَّهم لم يقولوا: بِالَ مِنْ "بُلْتُ" حيثُ لم تكنْ الإِمالةُ قويةً في المَالِ ولاَ مستحسنةً عند العامة.

_ 1 في الكتاب 2/ 267 قالوا: رأيت علما كثيرا، فلم يميلوا، لأنها نون وليست كالألف في معنى ومعزى. 2 أي: أن الفات الأسماء نحو: حبلى وعطشى وقال الخليل: لو سميت رجلا بها وامرأة جازت فيها الإمالة. وانظر: الكتاب 2/ 267. 3 في الأصل "أنا" في الكتاب 2/ 267: ولكنهم يميلون "أنى" لأن "أنى" مثل أين، وأين كخلفك: وإنما هو اسم صار ظرفا فقرب من عطش. وانظر: المقتضب 3/ 52. 4 الأجمة: جمع أجم، وهي مأوى الأسد.

باب الراء

بَابُ الراءِ: الراءُ فيها تكريرٌ في مخرجِها فإِذا قلتَ: رَاشدٌ وفِرَاشٌ لم تملْ لأَنَّهم كأَنهم تكلموا براءين مفتوحتينِ فَصارتْ بمنزلةِ القافِ وتقولُ: هَذا حِمَارٌ ورأَيتُ حِمَارًا فلا تُميلُ ولو كانَ غيرُ الراءِ لأَملتَ وأَما في الجرِّ فتميلُ الأَلفَ كان أَولُ الحرفِ مكسورًا أو مفتوحًا أَو مضمومًا لأَنَّها كأَنَّها حرفانِ مكسورانِ فإِنّما تُشبه القافَ مفتوحةً وذلكَ قولُكَ: من حِمَارِكَ ومِنْ عَوَارِكَ ومِنَ المُعَارِ ومِنَ الدُّوَارِ1، وجميعُ المستعليةِ إِذَا كانتِ الراءُ مكسورةً بعدَ الألفِ غلبتِ الراءُ وذلك قولُكَ: قَارِبٌ وغَارِمٌ وهذَا طَارِدٌ قَوِيتَ علَى هذِه الألفِ إِذ كنتَ إِنّما تضعُ لِسانَكَ في موضعِ استعلاءٍ ثُمَّ تنحدرُ فإِنْ كانَ المستعلي بعدَ الراءِ لم تملْ تقولُ هذهِ نَاقةٌ فَارقٌ2، وأَينُقٌ مَفَاريقُ فتنصبُ كما فعلتَ ذلكَ حينَ قلتَ: نَاعِقٌ ومُنَافِقٌ ومَنَاشِيطٌ وقالوا: مِنْ قَرارِكَ فَغَلبتِ الراءُ المكسورةُ الراءَ المفتوحةَ كما غلبتِ الحرفَ المستعلي وقومٌ مِنَ العربِ يقولونَ: الكَافرونَ والكاَفِرُ والمَنابرُ لبعدِ الراءِ ولم تَقْو قوةَ المستعليةِ لأَنَّها من موضعِ اللامِ وهيَ

_ 1 كأنك قلت: فعالل، وفعالل، وفعالل. 2 الفارق: الناقة التي أخذها المخاض فانفرقت وانفردت.

قريبةٌ مِنَ الياءِ أَلا تَرى أَنَّ الأَلثغُ يجعلُها ياءً وقوم آخرونَ نصبوا الألفَ في النَّصبِ والرفعِ وأَمالوا في الجرِّ1 ومَنْ قالَ: مررتُ بالحِمَارِ فلمْ يملْ قالَ: مررتُ بالكَافِر فنصبَ الألَفَ قالَ2: وقد قال قومٌ ترضى عربيتُهم: مررتُ بِقَادرٍ قَبلُ سمعنَا مَنْ نثقُ بهِ مِنَ العربِ يقول وَهْوَ هُدبةُ ابن خِشرم3: "عَسَى الله يُغني عَنْ بلادِ ابنَ قَادرٍ ... بمنهمرٍ جَوْنِ الرَّبَابِ سَكُوبِ"4 والأجودُ تركُ الإِمالةِ5، ومَنْ يقولُ: مررتُ بكافِرٍ أَكثرُ ممن يقولُ: بقَادر ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ: مررتُ بِحِمار قَاسِمٍ فينصبونَ للقافِ،

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 268. 2 أي: سيبويه، انظر: الكتاب 2/ 269. 3 انظر: الكتاب 2/ 269، والذي يثق به سيبويه هو أبو زيد الأنصاري. 4 من شواهد الكتاب 2/ 269، على إمالة الألف من "قادر" وإن كان قبلها الحرف المستعلي وهو القاف المانع من الإمالة لقوة الراء المكسورة على الإمالة وكذلك استشهد به 1/ 478 على تجريد خبر "عسى" من "أن". والمنهمر: السائل، والجون: الأسود، والرباب: السحاب الأبيض، أو ما تدلى من السحاب دون سحاب فوقه، السكوب: المنصب. وانظر: المتقتضب 3/ 48، والشعر والشعراء 2/ 667، وحماسة البحتري/ 7، والكامل للمبرد/ 112، وشرح الحماسة 2/ 678، وشرح السيرافي 5/ 362، وارتشاف الضر ب/ 1235، وابن يعيش 7/ 117، والحجة لأبي علي 1/ 306. 5 في المقتضب للمبرد 3/ 48 فإن وقع قبل الألف حرف من المستعلية وبعد الألف الراء المكسورة حسنت الإمالة التي كانت تمتنع في "قاسم" وونحوه من أجل الراء وذلك قولك: هذا قارب، وكذلك إن كان بين الراء وبين الألف حرف مكسور إذا كانت مكسورة تقول: مررت بقادر يا فتي. 6 لأنها من حروف الاستعلاء.

ومَنْ قالَ: بالحِمَارِ قبلُ قالَ: مررتُ بِفَارٍّ قَبْلُ وقالَ: {كَانَتْ قَوَارِيرَا 1 قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} ومَنْ قالَ: جَادٌّ2 لم يقلْ: هَذا فَارٌّ لقوةِ الراءِ هُنَا وتقولُ: هذه دَنَانيرُ كما قلتَ كَافِرٌ ودَنَانيرُ أَجدرُ لأَنَّ الراءَ أَبعدُ والذين يقولونَ: هَذا دَاع في الوَقفِ فلا يميلونَ لأَنَّهم لَم يلفظوا بالكسرةِ3، يقولونَ مررتُ بحِمَار لأَنَّ الراءَ كأَنها عندهم مضعفةٌ راءٌ4 مكسورةٌ قبلَ راءٍ ومَنْ قالَ: أَرادَ أَن يضَرِبَها قَاسِمٌ قالَ: أَرادَ أَن يَضْرِبَها رَاشدٌ والراءُ أَضعفُ5، ورأَيتُ عِفْرًا مِثلُ عِلْقًَا وعِيَرا مثلُ: ضِيقَا وهَذا عمرانُ مثلُ حِمْقان وقومٌ يقولونَ: رأيتُ عِفْرَا يشبهونَها6 بألفِ "حُبْلى" وقالوا: رأيتُ: عَيْرا وقالوا: النِغْرانُ7 وَعِمرانُ ولم يقولوا: بِرْقان8، وقالوا: هَذا جَرابٌ وذَا فَراشٌ لما كانتِ الكسرةُ أَولًا والألفُ زائدةً شبهتْ بِنغْرَانٍ. واعلم: أَنَّهم يشبهونَ الهاءَ بالألفِ فيميلونَ يقولونَ: ضربتُ ضَرْبَهْ وأَخذتُ إِخْذِهْ.

_ 1 في الأصل "قواريرًا" وجاء في سورة الإنسان {قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} . 2 في الأصل "جار" وانظر: الكتاب 2/ 270. 3 يعني كسرة العين. 4 في "ب" ياء وهو خطأ. 5 أي: أن الراء أضعف من العين. 6 في "ب" شبهوها. 7 النفران: نفر، غلا جوفه وغضب، والنفر: الغضبان. 8 برقان: جمع برق، لم يقولوا هذا لأنه من الحروف المستعلية.

ذكر الفتحة الممالة نحو الكسرة

ذِكرُ الفتحةِ الممالةِ نحو الكسرةِ: يقولونَ مِنَ الضَّررِ ومِنَ البعرِ ومِنَ الكِبَرِ ومِنَ الصغر قياسُ هَذا البابِ أَن تجعلَ1 مما يلي الفتحةَ بمنزلةِ ما يلي الألفَ وتقولُ: مِنْ عَمْرٍو فتميلُ فتحةَ العينِ لأَنَّ الميم ساكنةٌ وتقولُ: مِنَ المُحَاذِر فتميلُ فتحةَ الذالِ وتقولُ: رأَيتُ خَبَطَ الريفِ كما قالوا: مِنَ المَطرِ ورأيتُ خَبَط فِرِندٍ2 وحُكِيَ الإِشمامُ في الضمةِ هَذا خَبَطُ رياحٍ ومِنَ المُنْقُرِ3، وقالَ: مَرَرتُ بعيرٍ4 فَلَم يُشمَّ لأَنَّها تخفى مَع الياءِ ومررتُ بِبَعيرٍ لأَنَّ العينَ مكسورةٌ ويقولونَ: هَذا ابنُ ثَورٍ وَمنْ لَم يُملْ بِمَالِ قَاسمٍ لَمْ يُمل: خَبَطَ رياح5. ومَنْ قالَ: مِنْ6 عَمْروٍ والنُّغرِ فأَمالَ لم يُملْ [مِن] 7 الشَّرقِ لأَنَّ بعدَ الراءِ حرفًا مستعليًا وَيَحْسِبُ لا يكونُ فيهِ إلا الفتحُ في الياءِ والنونِ والهمزةِ. واعلم: أَنَّهم رُبَّما أَمالوا على غيرِ قياسٍ وإِنَّما هُوَ شَاذٌّ وذلكَ: الحجَّاجُ إِذَا كانَ اسمًا وأكثرُ العربِ ينصبهُ والناسُ تُميلُه مَنْ لا يقولُ: هَذا مَالٌ وَهم أَكثرُ العَربِ وإِنَّ جميعَ ما يُمالُ تَرْكُ إِمالتِه جَائزٌ وليسَ كُلٌّ مِنْ أَمالَ شيئًا وافقَ الآخرَ فيهِ مِنَ العربِ8 فإِذَا رأيتَ عربيًّا قد أَمالَ شيئًا وامتنَع منهُ آخرُ فلا تُرينَّ أَنهُ غَلطٌ.

_ 1 في "ب" ما يلي: 2 فرند: السيف وجوهره. 3 المنقر: جمع مناقير على غير قياس: الخشبة التي تنقر للشراب، البئر الصغيرة الضيقة الرأس أو الكثيرة الماء البعيدة القعر، الحوض. 4 عير: حمار الوحش. 5 انظر: الكتاب 2/ 271. 6 في الأصل "منه" والتصحيح من "ب". 7 زيادة من "ب". 8 من العرب: ساقط في "ب".

ذِكرُ عدةِ ما يكونُ عليهِ الكلمُ: مَا جاءَ علَى حرفٍ قبلَ الشيءِ الذي جاءَ به. الواوُ للعطفِ وليسَ فيهِ دليلٌ أَنَّ أَحدهما قبلَ الآخِر والفاءُ كالواوِ غيْرَ أنها تجعلُ ذلكَ بعضَهُ في أثرِ بعضٍ وكافُ الجرِّ للتشبيهِ1 ولامُ الإِضافةِ ومعناه الملكُ واستحقاقُ الشيءِ باءُ الجر للإِلزاقِ والاختلاطِ وواو القسمِ كالباءِ والتاءُ في القسمِ بمنزلتِها والسينُ في "سيفعلُ" قال2 الخليلُ: إنَّها جوابُ "لَنْ"3 والألفُ للإستفهامِ ولامُ اليمينِ في "لأَفعلنَّ" واللامُ في الأَمرِ: ليقمْ زيدٌ ما جاءَ بعدُ عَلامةٌ للإِضمارِ وهيَ الكافُ والتاءُ والهاءُ4، وقد تكونُ الكافُ غيرَ اسمٍ للمخاطبةِ فقط نحو: ذاكَ والتاءُ تكونُ بمنزلتها للخطابِ فَقَط وهي التي في "أَنْتَ". ما جاءَ على حرفينِ: مِنَ الأَسماءِ: يَدٌ ودَمٌ ودَدٌ5، وسَهٌ6، ومِنَ الأفعالِ: خُذْ وكُلْ ومُرْ وبعضُهم يقولُ: أُوكُلْ كما أَنَّ بعضَهم يقولُ في "غَدٍ": غَدْوٌ وما لحقتهُ الهاءُ مِنَ الأسماءِ نحو: ثَبةٍ7 ولِثَةٍ وشِيَةٍ8 ورِئَةٍ وَعِدَةٍ،

_ 1 في سيبويه 2/ 304: وكاف الجر التي تجيء للتشبيه وذلك قولك: أنت كزيد. 2 في "ب" زعم. 3 انظر: الكتاب 2/ 304. 4 نحو الكاف في رأيتك وغلامك، والتاء التي في فعلت وذهبت والهاء التي في عليه. 5 دد: اللهو، وعند بعضهم الحسن، ومن معانيه: الحين من الدهر. ولعل "الحسن" محرف من "الحين". 6 سه: هو الأست محذوف العين، وهذا من الشاذ، ولم يأت من الأسماء ما حذفت عينه إلا هذا الحرف، وانظر: المنصف 1/ 61. 7 ثبة: جمع ثبات، الجماعة. وسط الحوض، لأن الماء يجمع في وسطه. العصبة من الفرسان. 8 شية: يقال: وشى يشي وشيًا وشية الثوب، حسنه بالألوان ونمنمه ونقشه والكلام: كذب فيه.

ولا يكونُ شَيءٌ على حرفينِ صفةً مِن1 حيثُ قل2 في الاسمِ. ومِنَ الحروفِ: أَمْ وأَوْ وهَلْ للاستفهامِ ولم نَفْيُ فَعَلَ ولَنْ: نفي سيفَعلُ وإِنْ للجزاءِ وتكونُ لغوًا في "ما إِنْ تَفعلُ" وتكونُ كافةً "لِمَا" في لغةِ3 أَهلِ الحجازِ كما تكفُ "إِنَّ" الثقيلةُ وتجعلها مِنْ حروفِ الابتداء ومَا: نفيُ هو يَفْعلُ إِذا كانَ في الحالِ وتكونُ "كليسَ" وتوكيدًا لغوًا وقَد يغيرُ الحرفَ عن عملهِ نحو: إِنّما وكأَنَّما ولعلَّما جعلتهنّ بمنزلةِ حروفِ الابتداء ومِنْ ذلكَ حيثما صارتْ بمجيئِها بمنزلةِ "إِنْ" فهيَ مغيرةٌ في الموضعينِ إلا أَنَّها تكفُّ العاملَ عن عملهِ ويعملُ ما كانَ لا يعملُ قبلَ مجِيئها وتكونُ "إِنْ" كما في معنى لَيسَ "ولاَ" تكونُ4 كَما في التوكيدِ واللغو {لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتابِ} 5 [أَي] 6: لأَنْ يعلَم ونفي لقولهِ: يَفعلُ ولم يقعِ الفعلُ. وقَد تُغيرُ الشيءَ عَنْ حالهِ كمَا تَفعلُ "مَا" وذلكَ قولُكَ: "لَولا" صارت [لَو] 7 في معنىً آخرَ، وهَلاّ صيّرتَها في معنىً آخرَ وتكون8 ضِدًّا لِنَعَمْ وبَلَى و"أَن" تكونُ بمنزلةِ لامِ القسمِ في قولِكَ: واللِه أَنْ لو فَعَلْتَ وتوكيدًا في "لَمَّا" أَنْ فَعَلَ وقد تلغى "إِنْ" مَعَ "مَا" إِذا كانتْ اسمًا وكانَت حينًا قالَ الشاعرُ:

_ 1 من: ساقط من "ب". 2 قل: ساقط من "ب". 3 في "ب" قول. 4 في "ب" وتكون "لا". 5 الحديد: 29. 6 أضفت كلمة "أي" لإيضاح المعنى. 7 أضفت كلمة "لو" لإيضاح المعنى. 8 الضمير في تكون يعود على "لا".

"ورَجِّ الفَتى للخيرِ ما إِنْ رأَيتَهُ ... ... عَنِ السِّنِ خَيرًا لا يزالُ يَزيدُ"1 "كي" جوابٌ لقولهِ: لِمَهْ "بَل" لتركِ شيءٍ مِنَ الكلامِ وأَخْذٍ في غيرهِ. "قَدْ" جوابٌ لقولهِ: لمَّا يَفْعل. وزعمَ2 الخليلُ: أَنَّ هَذا لقومٍ ينتظرونَ3 الخَبرَ ومَا في "لَمَّا" مغيرةٌ عن حالِ "لَم" كما غيرت [لَو إِذَا قلتَ] 4 [لَوما] أَلا تَرَى أَنَّكَ تقولُ: "لمَّا" ولا تتبعُها شيئًا ولا تقولُ ذلكَ في "لَمْ" وتكونُ "قَدْ" بمنزلةِ "رُبما"5 "لَوْ" لِمَا كانَ سيقعُ لوقوعِ غيرِه. ياءٌ تنبيه6. مِنْ: لابتداءِ الغايةِ في الأماكنِ وكتبتُ مِنْ فلانٍ إلى فلانٍ فهذَا في الأسماءِ أيضًا غيرِ الأماكنِ ويكونُ في التبعيضِ وتدخلُ للتوكيدِ بمنزلةِ "مَا" إلا أنها تجرُّ وذلكَ ما أَتاني مِنْ رجلٍ وكذلكَ: ويحه مِنْ رجلٍ "أَكدتهما" بِمن لأَنَّهُ موضعُ تَبعيضٍ فأَرادَ أَنهُ لم يأتِه بعضُ الرجالِ والناس. وأَرادَ في "وَيْحَهُ" التعجبَ مِنْ بعضِ الرجالِ. هَذا لفظُ سيبويه. قالَ: وكذلكَ: لي ملؤهُ مِنْ عَسلٍ. وَهو أفضلُ مِنْ زيدٍ وإِنَّما أَرادَ أَن يفضلَهُ علَى بعضٍ وجعلَ "زيداً" الموضعَ الذي ارتفعَ منهُ أَو سفلَ وكذلكَ: أخزى اللُه الكاذبَ مني ومنكَ إلا أَنَّ هَذا وأَفضلُ منكَ لا يستغني عن "مِنْ"

_ 1 مر تفسيره في هذا الجزء/ 174. 2 في "ب" وقد زعم. 3 انظر: الكتاب 2/ 307. 4 أضفت كلمة "لو" إذا قلت لإيضاح المعنى. 5 كقول الهذلي: قد أترك القرن مصفرا أنامله ... كأن أثوابه مجت بفرصاد قال سيبويه: كأنه قال: ربما.. لأن فيها توقعا. وانظر: الكتاب 2/ 307. 6 انظر: الكتاب 2/ 307.

فيهما1، لأنها توصلُ الأمرَ إلى ما بعدَها وقد تكون باءُ الإِضافةِ بمنزلتِها في التوكيدِ وذلكَ: ما زيدٌ بمنطلقٍ2، وكذلكَ: كفى بالشيبِ [واعظاً] 3 ورأيتُه مِنْ ذلكَ الموضعِ جعلتَهُ غايةَ رؤيتِكَ كما جعلتَهُ غايةً حيثُ أَردتَ الابتداء والمُنتهَى وأَلْ: تعرفُ الاسمَ4: مُذْ: ابتداءُ غايةِ الأيامِ والأحيانِ ولا تدخلُ "مُذْ" على ما تدخلُ عليهِ مِنْ وكذلكَ مِنْ في مُذ5. في: للوعاءِ عَنْ لما عَدا الشيءَ6.

_ 1 في الأصل "فيها". 2 انظر: الكتاب 2/ 307. 3 زيادة من "ب". 4 كقولك: القوم، والرجل. 5 انظر: الكتاب 2/ 308. 6 قال سيبويه: وأما "عن" فلما عدا الشيء وذلك قولك: أطعمه عن جوع، جعل الجوع منصرفا تاركا له قد جاوزه.

ما جاء على حرفين

ما جَاء علَى حرفينِ: مِنَ الأسماء غيرِ المتمكنةِ وهي تجيءُ أَكثرُ من المتمكنةِ ذَا وَذِهْ معناهُما أَنكَ بحضرتِهما أَنا علامةُ المضمرِ وَهُوَ وهيَ: كَمْ: وهيَ للمسألةِ عن العددِ: مَنْ: للمسألةِ عَنِ الأناسي ويكونُ بها الجزاءُ للأناسي، ويكونُ بمنزلةِ "الذي" للأُناسي: مَا مثلُ "مَنْ" إلا أَنَّ "مَا" مبهمةٌ تقعُ علَى كُلّ شيءٍ وأَنْ بمنزلةِ "الذي" مَع صِلَتها فتصيرُ: تريدُ أَنْ تفعلَ بمنزلةِ الفِعْلِ قَطْ: معناها: الاكتفاءُ مَعَ: للصحبةِ مُذْ فيمن رفَع بها بمنزلةِ إِذَا وحيثُ "عَنْ": اسمٌ إِذا قلتَ: مِنْ1 عَنْ يمينِكَ عَلَى: معناها:

_ 1 لأن "من" لا تعمل إلا في الأسماء.

الإِتيانُ مِنْ فوق1 إِذْ: لما مَضى مِنَ الدهرِ وهيَ ظرفٌ بمنزلةِ "مَعَ" وأَما مَا هو في موضعِ الفعلِ فقولُهم: مَهْ صَهْ حَلْ للناقةِ سَأْ للحِمَارِ.

_ 1 يريد أن معنى "على" معنى "فوق وأن الجر دخله لأنه قدره نكرة غير مضاف إلى شيء في النية وبقاؤه على الضم أكثر لتضمنه معنى الإضافة كقبل وبعد.

باب ما جاء على ثلاثة أحرف

بَابُ ما جاءَ علَى ثلاثةَ أَحرفٍ: عَلَى: الاستعلاء للشيءِ1 ويكونُ أَن يطوَى مستعليًا كقولِكَ: أَمررتُ يدي عليهِ ومررتُ على فُلانٍ كالمثلِ2، علينَا أَميرٌ وعليهِ دَينٌ لأَنهُ شيءٌ اعتلاهُ ويكونُ مررتُ عليهِ مررتُ على مكانِه ويجيءُ كالمثلِ وهو اسمٌ ولا يكونُ إلا ظرفًا ويَدلُّ علَى أَنَّهُ اسمٌ قولُ بعضِهم3: "غَدَتْ مِنْ عَلَيهِ ... "

_ 1 كقولك: هذا على ظهر الجبل، وهو على رأسه. 2 قال سيبويه 2/ 310: وأما مررت على فلان فجرى هذا كالمثل، وعلينا أمير كذلك. 3 جزء من صدر بيت وتكملته: غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض ببيداء مجهل. ويروي: بزيزاء مجهل، وهو من شواهد سيبويه 2/ 310، على دخول "من" على "على" لأنه اسم في تأويل "فوق" كأنه قال: غدت من فوقه. وغدا: بمعنى صار، أي: انصرفت القطاة من فوقه فهو غير مخصوص بوقت دون وقت بخلاف ما إذا استعمل في غير معنى صار فإنه يختص بوقت الغداة. والظمء بالكسر ما بين الشربين، والوردين، وتصل أي: يسمع لأحشائها صليل من يبس العطش والقيض: قشر البيضة الأعلى الذي يلبس البيضة فيكون بينها وبين قشرها الأعلى ويقال له: الفرقئ أيضا. والمجهل: الصحراء التي يجهل فيها إذ لا علامة فيها وصف قطاة أقامت مع فرخها حتى احتاجت إلى ورد الماء، عطشت فطارت تطلب الماء عند تمام ظمئها، وأراد بذكر الفرخ سرعة طيرانها لتعود إليه مسرعة لأنها كانت تحتضنه. والشاهد لمزاحم العقيلي. وانظر: المقتضب 3/ 53، وأدب الكاتب/ 500، والكامل للمبرد/ 488، وشرح السيرافي 2/ 53، والموجز لابن السراج 108، والمخصص 16/ 65، وشرح أدب الكاتب للجواليقي/ 349، وابن يعيش8/ 39، والاقتضاب/ 428، ومعجم المقاييس 4/ 116.

هذا قول سيبويه1. وقد ذكرتُ ما قالَ أَبو العباسِ فيما مضَى من الكتابِ2. وأَما إلى فمنتهىً لابتداء الغايةِ وكذلكَ "حَتَّى" وقد بُينَ أَمرهما في بابهما ولَها [في الفعلِ] 3 نَحْوٌ ليسَ "لإِلى" ويقولُ الرجلُ للرجلِ: إنَّما أَنا إليك أَي: أَنْتَ غايتي ولا تكونُ "حَتَّى" هَهُنَا4، وهيَ أَعمّ في الكلام مِنْ "حَتّى" تقولُ: قمتُ إليهِ "فجعلتَهُ منتهاك مِنْ مكانِكَ" ولا تقولُ: حتاهُ. حَسْبُ: معناهُ معنى قَطْ. فأَمَّا: غيرُ وسِوَى: فبَدَلٌ وكُلُّ عَمٌّ وبَعضٌ اختصاصٌ. ومِثْلُ: تسويةٌ وَبَلْهَ زيدٍ دَعْ زيدًا وبَلْهَ هُنَا بمنزلةِ المصدرِ كما تقولُ: ضَرْبُ زيدٍ. وعندَ: لحضورِ الشيءِ ودنوهِ منهُ وَقِبَلَ: لِمَا وليَ الشيءَ وذهبتُ قِبَلَ السوقِ أي: نحوَ السوقِ ولي قَبِلكَ مَالٌ أي: فيَما يليكَ ولكنهُ اتسعَ حتى أُجري مَجرى "عَلَى" إذا قلتَ: لي عليكَ نَوْلٌ: "ينبغي لَكَ فِعْلُ كَذا وكَذا" وأَصلهُ: مِنَ التنَاولِ كأَنَهُ يقولُ: تَناوُلك كذَا وكذا وإذا قاَلَ: لا نَوْلُكَ فكأَنهُ قالَ: أَقْصِرْ ولكنّهُ صارَ فيهِ معنى ينبغي لَكَ. إذَا: لِمَا يستقبلُ مِنَ الدهرِ وفيها مجازاةٌ وهيَ ظرفٌ وتكونُ للشيءِ تُوافقهُ في حَالٍ أَنتَ فيها وذلكَ قولُك: مررتُ فإذا زيدٌ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 310 2 انظر: 1/ 512 من الأصول والمقتضب1/ 46. 3 أضفت "في الفعل" لإيضاح المعنى. وانظر: الكتاب 2/ 310. 4 في سيبويه 2/ 310 ويقول الر جل للرجل: إنما أنا إليك، أي: إنما أنت غايتي ولا تكون "حتى" هاهنا، فهذا أمر "إلى".

قائمٌ: وتكونُ "إذْ" مثلَها ولا يليها إلا الفعلُ الواجبُ وذلكَ قولُكَ: بَينما أَنَا كذاكَ إذْ جاءَ زيدٌ وقصدتَ قصدَهُ إذْ1 انتفخَ عَليَّ فلانٌ فهذَا لِمَا توافقهُ وتهجمُ عليهِ مَع حالٍ أَنتَ فيها: لكنْ: خفيفةٌ وثقيلةٌ: توجبَ بهَا بعدَ نفيٍ سوفَ: تنفيسٌ فيما لَم يكنْ بَعدُ أَلا تَراهُ يقولُ: سوَّفْتهُ. قَبلُ: للأولِ. بَعْدُ: للآخرِ وهُما اسمانِ يكونانِ ظرفينِ. كَيفَ: علَى أَي حَالٍ أَيْنَ: أَيّ مكانٍ مَتَى: أيّ حين حَيْثُ: مكانٌ بمنزلةِ قولِكَ: هو في المكانِ الذي فيهِ زيدٌ. خَلْفُ: مؤخرُ الشيءِ أَمامُ: مقدمهُ قُدَّامُ: أَمام فَوقَ: أَعلى الشيءِ. ليسَ: نفيٌ أَي: مسألةٌ لِيبينَ لَكَ بَعْضٌ وهيَ تجري مجَرى "مَا" في كلِّ شيءٍ: مَنْ: مثلُ أَي إلا أَنهُ لِلنَّاسِ إنَّ: توكيدٌ لقولِه: "زيدٌ منطلقٌ" وإذَا خففتْ فهيَ كذلكَ غير أَنَّ لامَ التوكيدِ تلزمُها لِمَا ذهبَ منها لَيْتَ: تمنٍّ لعلَّ وعسى: طَمْعٌ وإشفاقٌ. لَدُنْ: الموضعُ الذي هُوَ أولُ الغايةِ وهو اسمٌ يكونُ ظرفًا وقَدْ يحذفُ بعضُ العربِ2 النَّونَ وَلَدَى: بمنزلةِ عندَ ودون: تقصيرٌ عَنِ الغايةِ ويكونُ ظرفًا. قُبَالة: مواجهةٌ وهو اسم يكونُ ظرفًا بَلَى: توجبُ ما يقول. وهوَ تركٌ للنفيِ نَعَم: عِدَةٌ وتصديقٌ وليسَ "بَلَى ونَعم" اسمينِ وإذَا استفهمتَ3 أَجبتَ "بنَعَمْ" فإذَا قلتَ: أَلستَ تَفعلُ4؟ قالَ: بَلَى. يجريانِ مجراهما قبلَ أَنْ يجيءَ الألفُ5 بَجَلْ: بمنزلةِ "حَسْبُ" إذَنْ: جوابٌ وجزاءٌ،

_ 1 انتفخ: مطاوع نفخ، والرجل تعظم وتكبر، والشيء ارتفع والنهار علا. 2 إذا حذفت النون تصبح على حرفين كقول الراجز: يستوعب البوعين من جريره ... من لد لحييه إلى منحوره أراد أن "لد" محذوفة من "لدن" منوبة النون فلذلك بقيت على حركتها. ولو كانت مما بني على حرفين لزمها السكون كقد ونحوها. 3 أي: إذا قلت: أتفعل؟ وانظر: الكتاب 2/ 312. 4 تفعل قال: ساقط من "ب".

لمَّا: هيَ للأمرِ الذي قَد وقعَ لوقوعِ غيرهِ وإنّما تجيءُ بمنزلةِ "لَو" ويكونُ ظرفًا يعني إذَا قلتَ: لمَّا جئتَ [جئتُ] 1 جعلتَ لمّا ظرفًا وأَمَّا: فيها معنى الجزاءِ كأَنهُ يقولُ: عبدُ الله مَهما يكنْ مِنْ أَمرهِ فمنطلقٌ أَلا تَرى أَنَّ الفاءَ لازمةٌ له أَبدًا. أَلا: تِنبيهُ تَقولُ: أَلا إنهُ ذَاهبٌ أَلا: بَلَى كَلاَّ: رَدعٌ وَزجرٌ أَنّى: كيفَ وأَين أَيانَ3: مَتَى4.

_ 1 زيادة من "ب". 2 إلى تكون بمعنى كيف. 3 أيان في معنى متى قال سيبويه 2/ 312: لو أن إنسانا قال ما معنى أيان فقلت: متى كنت قد أوضحت. 4 متى: في أي زمان أو في أي حين.

الأبينة بأقسامها

الأبينة بأقسامها مدخل ... الأبينةُ بأَقسامها: الأسماء في أبنيتِها تنقسمُ قسمين: اسم لا زيادةَ فيهِ واسم فيهِ زيادةٌ والأسماءُ التي لا زيادةَ فيها تنقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ: ثلاثي ورباعي وخماسي. فالثلاثي: ينقسم على عشَرةِ أبنية [وقد ذكرنَاهما في الجمعِ] 1. والرباعي: على خَمسة أبنيةٍ2. والخماسي: أيضًا خَمسةُ أبنيةٍ3. القسمُ الثاني: وهيَ الأسماءُ ذواتُ الزيادةِ وهي علَى ضَربينِ: أَحدهما الزيادةُ فيهِ

_ 1 زيادة من "ب". 2 على خمسة أبنية سقط من "ب". 3 أيضا خمسة أبنية، ساق من "ب".

تكريرُ حرفٍ مِنَ الأصلِ وَهوَ الأقلُّ فتؤخره. والآخرُ: زيادتُه ليستْ منهُ وهيَ مِنَ الحروفِ الزوائدِ وَهوَ الكثيرُ فنقدمهُ. والحروفُ الزوائدُ التي يبنى عليها الاسم سبعة1 أَحرفٍ: الهمزةُ والألفُ والياءُ والنونُ والتاءُ والميمُ والواوُ فالأسماءُ الثلاثيةُ ذواتُ الزوائدِ تنقسمُ بعددِ هذهِ الحروفِ سبعةَ أَقسامٍ: الأولُ: ما زِيدتْ فيهِ الهمزةُ, الثاني: ما زِيدتْ فيهِ الألفُ الثالث: ما زِيدتْ فيهِ الياءُ والرابع: ما زِيدتْ فيه النونُ. الخامسُ: ما زِيدتْ فيهِ التاءُ والسَّادسُ: ما زِيدتْ فيهِ الميمُ. والسابعُ: ما زِيدتٍ فيهِ الواوُ. أَبنيةُ الثلاثي: أعلَمْ: أَنَّ أُقلَّ ما تكونُ عليهِ الأُصولُ مِنَ الأسماءِ والأفعالِ ثلاثة أَحرفٍ تقدرُ بفاءٍ وعينٍ ولامٍ فالفاءُ لا بُدّ مِنْ أَن تكونَ متحركةً لأَنهُ لا يبتدأُ بساكنٍ واللام: حرفُ إعرابٍ والعينُ لا بُدَّ مِنْ أَن تكونَ: إمّا ساكنة وإمَّا متحركةَ فإذا سكنتَ كانَ الثلاثي علَى ثلاثةِ أَبنيةِ بعددِ الحركات: فَعْلٌ وفِعْلٌ فُعْلٌ لأَنّ الحركاتِ ثلاثٌ فكلُّ واحدٍ مِنْ هذهِ الأبنيةِ الثلاثةِ تجيءُ منها ثلاثةُ أَبنيةٍ والعينُ متحركةٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فَتْحٌ وكَسرٌ وضَمٌّ وكذلكَ يكونُ مِنْ فِعْلٍ "فِعِلٌ فِعُلٌ" إلا أَنَّ فِعُلٌ مُطَّرَحٌ لِثِقْلِ الضمةِ بعدَ الكسرةِ وكذلكَ "فُعُلٌ يكونُ منهُ" فُعَلٌ فُعُلٌ وفُعِلٌ ولا يكونُ "فُعِلٌ" إلا في الأفعالِ دونَ الأسماءِ لثقلِ الكسرةِ بعدَ الضمةِ فعددُ أَبنيةِ السواكنِ الوسطِ ثلاثةٌ وأَبنيةُ المتحركِ العينِ تسعةٌ فذلكَ اثنا عَشَر يسقطُ

_ 1 جعل ابن السرج الحروف الزوائد سبعة وهي في سيبويه 2/ 312 عشرة: الهمزة والألف والهاء والياء النون والتاء والسين والميم والواو واللام، فلم يذكر المصنف: التاء واللام والسين. واستفعل وعبدل.

منها "فِعُلٌ" في الأسماءِ والأَفعالِ ويسقطُ "فُعِلٌ" في الأسماءِ دونَ الأفعالِ فتكونُ جميعُ أَبنيةِ الأسماءِ الثلاثيةِ عَشَرة أَبنيةٍ: فَعْلٌ فِعْلٌ فُعْلٌ فَعَلٌ فِعِلٌ فَعُلٌ فُعَلٌ فُعُلٌ فِعَلٌ فِعِلٌ. واعلم: أَنَّ مِنَ الأبنيةِ في الثلاثيةِ وغيرِها منَها ما يكونُ في الأسماءِ والصفاتِ ومِنْها ما يكونُ في الأسماءِ دونَ الصفاتِ ومنها ما يكونُ في الصفاتِ دونَ الأسماءِ فَفَعْلٌ: صَقْرٌ والصفةُ: صَعْبٌ فِعْلٌ: جِذْعٌ والصفةُ نِقْضٌ1، فَعْلٌ: بُرْدٌ2، والصفةُ: حُلْوٌ فَعَلٌ: جَمَلٌ والصفةُ حَدَثٌ فَعِلٌ: كَتِفٌ والصفةُ: حَذِرٌ فَعُلٌ: رَجُلٌ. والصفةُ حَدُثٌ فُعَلٌ: صُرَدٌ3، والصفةُ حُطمٌ4، فُعُلٌ: طُنُبٌ5، والصفةُ جُنُبٌ6 فِعَلٌ: ضِلَعٌ وجَاءَ في المعتلِّ: عِدّىً نعتٌ. فِعِلٌ: إبِلٌ وهوَ قليلٌ وقالَوا في الصفةِ: امرأةٌ بِلِزٌ وهيَ العظيمةُ.

_ 1 نقض: مهزول، كأن السفر نقض بنيته، أي: هدمها. 2 برد: جمع برود وأبراد: ثوب مخطط. 3 صرد: طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير. أو هو أول طائر صام لله. 4 حطم: الحطم- بضم الحاء وفتح الطاء- الراعي الظلوم للماشية يهشم بعضها ببعض. والحطم-محركة – داء في قوائم الدابة. 5 طنب: الحبل الطويل الذي يشد به سرادق البيت والوتد. 6 جنب: البعير الذي لا ينقاد. الغريب. الجار الجنب: الجار من غير قومك أو البعيد.

أبنية الأسماء الرباعية خمسة أبنية

أَبنيةُ الأسماءِ الرباعيةِ خمسةُ أَبنيةٍ 1: فَعْلَلٌ فِعْلِلٌ فِعْلَلٌ فُعْلُلٌ فِعَلُّ.

_ 1 يوجد في الأصل اختلاف أظنه من عمل الناسخ في ترتيب الأبنية يبدأ من البناء السابع حتى العاشر.

الأول: فَعْلَلٌ: جَعْفَرٌ والصفةُ: سَلْهَبٌ1 وأُلْحِقَ بَها: حَوْقَلٌ2، وزَيْنَبُ وجَدْوَلٌ ومَهْدَدٌ3 وَعلْقى4 وَرَعْشَنٌ5 وَسَنْبَتَةٌ6 وعَنْسَلٌ7. الثاني: فِعْلِلٌ: البنيةُ اسمًا: زِبْرِجٌ8، والصفةُ: عِنْفِصُ القليلةُ اللحمِ ويقالُ أيضًا: هي الداعرةُ. قالَ الأعشى: "لَيْسَتْ بسوداءَ ولاَ عِنْفِصٍ ... تَسارِقُ الطرفَ إلى داعِرِ9 وَحِرْمِلٌ وهي الحمقَاءُ

_ 1 السهلب: من الرجال الطويل. ومن الخيل ما عظم وصال عظامه. 2 حوقل: يقال: حوقل الرجل إذا مشى فأعيا وضعف. وحوقل الشيخ: اعتمد بيديه على خصره. 3 مهدد: اسم امرأة. 4 علقى: شجر تدوم خضرته. 5 رعشن: الجبان، السريع من الجمال والظلمان. 6 سنبتة: برهة من الدهر والتاء فيه للإلحاق. 7 عنسل: ناقة سريعة. 8 زبرج: الزينة من شيء أو جوهر. والذهب. والسحاب الرقيق فيه حمرة. 9 استشهد فيه على أن "داعر" على وزن فعلل. والداعر الخبيث والفاسق. العنفص: البذيئة القليلة الحياء. ورواية الديوان تسارق الطرف إلى الداعر. ورواه ابن دريد في الجمهرة: داعرة تدنو إلى داعر. وانظر: الجمهرة 2/ 249 واللسان والصحاح "عفص" والديوان/ 139.

الثالثُ: فِعْلَلٌ: دِرْهَمٌ والصفةُ: هِجْرَعٌ1 طويلٌ عَنِ الأَصمعي2 [وقالَ] 3 غيرُهُ: الجَبَانُ وأُلحقَ بهِ: عِثْيَرٌ4 وَهوَ الغُبارُ. الرابعُ: فُعْلُلٌ: تُرْتَمٌ بَقْيةُ الثريدِ5 والصفةُ: جُرْشُعٌ6 وأُلحقَ بهِ: دُخْلُلٌ: خَاصةُ الرجلِ الذينَ يُداخِلونَهُ. الخَامسُ: فِعَلٌّ: فَطحْلٌ7 والصفةُ8 هِزَبْرٌ قالَ الجرمي: سأَلتُ أَبا عبيدةَ عن: الفِطَحْلِ فقالَ: الأعرابُ9 يقولونَ: زَمنُ كانتِ الحجارةُ رطبةً وأُلحقَ بهِ خِدَبّ10.

_ 1 الهجرع: الأحمق والطويل الممشوق. والمجنون. والطويل. والكلب السلوقي الخفيف. 2 الأصمعي: أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي. من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء أخذ عن خلف الأحمر وروى عنه شعر جرير، توفي سنة 216هـ وقيل سنة 215هـ أو 217هـ. ترجمته في تاريخ بغداد 10/ 410 ومراتب النحويين/ 46 وأخبار النحويين/ 45 وطبقات الزبيدي رقم/ 94 ونزهة الألباء: 150. 3 زيادة من "ب". 4 عثير: وهو من بنات الثلاثة. والعثير: الغبار والتراب. 5 في "ب" بقية الطعام من المائدة. 6 الجرشع: العظيم الصدر. 7 فطحل: الضخم. والسيل. 8 هزبر: الأسد، والغليظ الضخم والشديد الصلب. 9 في "ب" العرب. 10 خدب: الشيخ. والعظيم الضخم من النعام وغيره. والحبل الشديد الصلب وهو من بنات الثلاثة لأنه ليس في الكلام من بنات الأربعة على مثال: فَعلل، ولا فُعلل، وانظر: الكتاب 2/ 335.

وأَمّا عُلَبطٌ فمحذوفٌ مِنْ: عُلاَبطٍ1 وعرتنٌ2 حذَفوا منهُ نونَ: عَرَنْتَنٌ3 وجَنَدلٌ4 حذفوا أَلفَ: جنادِلَ وليسَ في أُصولِ كلامِهم جَمعٌ بينَ أربعِ متحركاتِ في كلمةِ ورُبَّما حَملهم استثقال ذلكَ علَى5 "أن" لا يجمعوا بينَ أَربعِ متحركاتٍ من كلمتينِ وقالوا: عَرَقُصانُ6 فحَذفَوا الساكنَ مِنْ "عَرَنْقُصَان" وحكي7: أَنها تقالُ بالياءِ والنونِ وهي: دَابةٌ.

_ 1 علابط: قطيع من الغنم وأقلها الخمسون. والضخم. واللبن الخاثر. وكل غليظ. 2 عرتن: نبت يدبغ به. 3 عرنتن: شجر يدبغ به. 4 جندل: الجندل: مقروفة بقعة. 5 زيادة من "ب". 6 العرقصان: نبات كثير النفع في جميع أنواع الوباء، ولوجع السن المتآكل والأذن، والطحال، والصداع المزمن والنزلات. 7 في "ب" ويحكى.

أبنية الأسماء الخماسية أربعة

أَبنيةُ الأسماءِ الخماسيةِ أَربعةٌ: التي ذكرَ سيبويه وهي خَمسةٌ معَ بناءٍ لم يذكرْهُ سيبويه1: فَعَلَّلٌ فَعْلَلِلٌ فُعَلْلِلٌ فِعْلَلٌّ فُعْلُلِلٌ. الأول: فَعَلَّلٌ: فَرَزْدَقٌ2 اسمٌ شَمَرْدَلٌ3 صفةٌ وما لحقَ هذَا لم يذكره4 سيبويه

_ 1 ما بين القوسين ساقط من "ب". 2 فرزدق: الفرزدق: الرغيف. فتات الخبز واحدته فرزدقة. ولقب الشاعر همام بن غالب. 3 شمردل: سريع. 4 لم يذكره سيبويه: ساقط في "ب".

من بناتِ الثلاثةِ: عَثَوْثَلٌ1 وجَبَرْبَرٌ2 وَعَقَنْقَلٌ3 وأَلَنْدَدٌ4 ومِنْ بناتِ الأَربعةِ جَحَنْفَلٌ5. الثاني: فَعْلَلِلٌ: صفةٌ: جَحْمَرِشٌ6 ولحقهُ مَنِ الأَربعةِ: هَمّرِشٌ7. الثالثُ: فُعَلِّلٌ: قالَ سيبويه: يكونُ في الاسم والصفةِ نحو: قُذَعْمِلٍ8، وَخُبَعْثِنٍ9 قالَ: والاسم نحو: قُذَعْمِلَةٍ10. قالَ: الخُبَعثنُ11 كُلُّ شيءٍ قَارِّ البدنِ12 رَيانِ المفَاصلِ. قالَ أَبو العباس: حدثني التوزي13 قالَ:

_ 1 العثوثل: الكثير اللحم. الكثير شعر الرأس والجسد. 2 جبربر: ولد الحبارى. وهو طير. 3 عقنقل: الكثيب من الرمل. والوادي العظيم المتسع وقانصة الضب. 4 ألندد: الألندد. واليلندد: الطويل، الأخدع من الإبل، والخصم الشحيح الذي لا يزيغ إلى الحق. 5 جحنفل: الغليظ الشقة. 6 جحمرش: العجوز الكبيرة. والمرأة المسنة. والأرنب المرضع. ومن الأفاعي الخشناء. 7 همرش: العجوز المسنة. وهو عند المصنف ملحق بجحمرش. وعند الأخفش على "فعللل" والأصل "هنمرش" وليس فيه حرف زائد. قال: النون الساكنة إنما وجب إدغامها في الميم إذا كانت في كلمتين نحو: من مالك، وأما في كلمة واحدة نحو: أنملة فلا تدغم. وانظر: الشافية للرضي/ 229. 8 قذعمل: المرأة القصيرة الخسيسة. والضخم من الإبل. 9 خبعثن: رجل ضخم شديد. 10 القذعملة: القصير الضخم من الإبل. وانظر: الكتاب 2/ 341. 11 الخبعثن: من الرجال القوي. 12 البدن: ساقط من "ب". 13 التوزي: منسوب إلى توز ويقال فيها: توج من بلاد فارس، وهو أبو محمد بن التوجي من علماء البصرة. أخذ العلم عن أبي عبيدة والأصمعي والأخفش مات سنة 230هـ ترجمته في أخبار النحويين/ 65 ومراتب النحويين 75 وإنباه الرواة 2/ 126.

يقالُ ما في بطنهِ قُذَعمِلَةٌ أَي: شَيءٌ فهوَ هَهُنَا اسمٌ: خُزَعْبِلَةٌ إِنَّما هي "البَاطلُ" وقالَ غيرهُ: القُذَعْمِلُ والقُذَعْمِلَةُ: الضَّخمُ مِنَ الإِبلِ. الرابعُ: فِعْلَلٌّ: الاسم1 قَرْطَعب دابةٌ والصفةُ: جِرْدَحْلٌ2 وحِنْزَقْرٌ: قصيرٌ وما أُلحقِ بهِ مِنَ الثلاثةِ: إزمولٌ3 وإرْزَبٌّ4 وألحقَ بهِ من بناتِ الأربعةِ فِردَوسٌ وقِرشَبٌّ5 وأَما هُنْدَلعٌ6 فلَم يذكرهُ سيبويه: وقالوا: هيَ بقلةٌ القسمُ الأولُ: ما زيدتْ فيهِ الهمزةُ: وهوَ ينقسمُ قسمينِ: أَحدهما: زيدتِ الهمزةُ فيهِ وحدَها. [والقسمُ] 7 الآخرُ: زيدتْ مع غيرها مِنَ الزوائدِ.

_ 1 الاسم: ساقط في "ب". 2 الجردحل: بكسر الجيم- الضخم من الإبل، للذكر والأنثى. والوادي. 3 إزمول: بالضم والكسر- المصوت من الوعول وغيرها. 4 إرزب: زائد الباء كنون الندد، والإرزب- بكسر الهمزة وفتحها-القصير، والكبير، والغليظ الشديد. والضخم. 5 قرشب: المسن. أو السيئ الحال. والأكول. والضخم الطول. والأسد. 6 هندلع: وزنه "فعللل" وهو الذي أضافه ابن السراج. انظر: المنصف 1/ 31. 7 زياة من "ب".

أَمَّا ما زيدتْ فيهِ وحدها1 فهو أيضًا على ضربينِ: منهُ ما زيدتْ فيهِ أَولًا وهو الكثيرُ. والثاني 2: وهو ما زيدتْ فيهِ غيرَ أَولٍ وهوَ القليلُ الأوّلُ من ذلكَ: وهو ما زِيدَتِ الهمزةُ أولًا وحدها وهي ستة أبنية: أفْعَلُ أَفْكَلُ3، أَبيضُ صفةً4 إِفْعِلٌ: إثْمِدٌ5 إِفْعَلٌ: إِصْبَعٌ أُفْعُلٌ: أُبْلمٌ6، أَفْعُلٌ في الجَمعِ7. الثاني منهُ: ما زيدتِ الهمزةُ فيهِ وحدَها غير أَولٍ ثلاثةُ أَبنيةٍ: فَعْلاء مقصورٌ [وقد يُمدُّ] ضَهْيَاءُ المرأةُ التي لا تحيضُ9 فَاعَلٌ: شَامَلٌ فَعْأَلٌ: شَمْألٌ10. القسمُ الآخرُ الذي زيدتْ فيهِ الهمزةُ مع غيرِها وهي على ضربين: أَحدهما: وقعت فيهِ أَولًا. والآخرُ غَيْرَ أَولٍ. الأول 11: إفْعَالٌ: إسْلامٌ إعْصارٌ إسكَافٌ12 إسحَارٌ13،

_ 1 وحدها: ساقط في "ب". 2 زيادة من "ب" 3 الأفكل: الجماعة من الناس، الرعدة. الشقراق. 4 صفة: ساقط من "ب". 5 إثمد: الإثمد، بكسر الهمزة – حجر للكحل. 6 أبلم: غليظ الشفتين. وبقلة لها قرون كالباقلاء. 7 في الكتاب 2/ 316 "ولا يكون في الأسماء والصفات "أفعل" إلا أن يكسر عليه الاسم للجميع نحو: أكلب، وأعبد. 8 زيادة من "ب". 9 المرأة التي تحيض: ساقط من "ب". وتكون ضهيا صفة. 10 لم يذكر ابن السراج بناء "فعائل" نحو: حطائط، وجرائض. 11 الأول: ساقط من "ب". 12 إسكاف، واحد الأساكفة وهو الصانع أيا كان وخص به بعضهم النجار. 13 إسحار: بكسر الهمزة وفتحها- بقلة تسمن الماشية.

إخريطٌ1 إصليتٌ2 أُسلوبٌ أُملودٌ3، أُجَارِد4، أُباتِر5، إدرون6 مِنَ الدرَنِ إسحوفٌ7 يقالُ: إنّها لإِسحوفُ الأَحاليلِ وهو: صَوتُ الدرةِ وأَفعالٌ وأَفاعلُ وأَفاعيلُ أَبنيةُ الجموعِ8 فَقَطْ. أَفَنْعَلٌ: أَلَنْجَجٌ9 عُودٌ10 أَلندَدٌ: أَلَدَّ إفعِيلى: إهْجِيري11 أَفْعَلَى: أَجْفَلى12، أُفْعُلَّةٌ: أُتْرُجَّةٌ13 أُسْكُفَّةٌ14 إفْعَلٌّ: إرزبٌّ غليط كز15 إزْفَنَّةٌ خفيفٌ يقالُ: أَخَذَتهُ إزْفَنَّةٌ16 وقرأتُ في كتابِ سيبويه "إزْفَلّةٌ"17 وهو اسمٌ وإرزبٌّ وهوَ صفةٌ.

_ 1 إخريط: ضرب من الحمض وهو أطيبها، يخرط الإبل، أي: يرقق سلحها. 2 إصليت: صفة، يقال: سيف إصليت، أي: صقيل ووزنه إفعيل. 3 أملود: ناعم وزنه أفعول ولم يذكره المصنف. 4 أجارد: اسم، يقال: مواضع أجارد، أي: منجردة من النبات وزنه أفاعل. 5 أباتر: صفة. رجل أباتر، وهو القاطع لرحمه، وزنه أفاعل. 6 إدرون: وزنه إفعلول. 7 إسحوف: صفة وهو الوساع مخرج الإحليل أو مخرج البول، ومخرج اللبن من الضرع. 8 في "ب" الجميع. 9 ألنجج: عود يتبخر به. 10 عود: ساقط في "ب". 11 أهجيري، وهجيري: إذا هجر في نومه ومرضه يهجر هجرًا، هذي. والهجيري كثرة الكلام والقول السيئ. 12 أجفلى: الأجفيل: الجبان الذي يفزع من كل شيء. 13 أترجة والأترج واحدته ترجة وهو ثمر. 14 أسكفة: اسم. عتبة الباب. 15 غليظ كز: ساقط في "ب". 16 إزفنة: اسم رجل إزفنة، متحرك، وفيه إزفنة أي: حركة. 17 انظر: الكتاب 2/ 317. ويكون على "أفعل" قالوا: إرزب، وإزفلة وهو اسم. وأرزب صفة.

أَفْعَلى: أَجْفَلى وجَفَلَى قال الشاعر: "نحنُ في المَشتاةِ ندعو الجَفَلَى ... لا ترى الآدِبَ فِينَا يَنتقِرْ1 يعني الجماعةَ2. ويكون على إفْعلى مثل: إيجلى3: اسمٌ أُفعلانٌ: أغرُدانٌ نَبتٌ أُسْحُلانٌ4 [حَسَنٌ] 5 إفْعِلانٌ: الإِسْحِمانُ جَبَلٌ بعينِه والصفةُ "ليلةٌ إضْحِيانةٌ"6. أَفْعَلانٌ: أَنْبَجانٌ7: عجينٌ. أَنْبَجَانٌ: صفةٌ [رخو] 8 غَيرُ مُلتئمٍ. أَفْعِلاء: الأَرْبِعاءُ وبنوهُ أيضًا على: أَفْعَلاَءَ بفتحِ الباَء: أَرْبَعَاءُ وأَمَّا أَفْعِلاءُ مكسرًا عليهِ الواحدُ للجمعِ فكثيرٌ نحو: أَنْصَباء9.

_ 1 زيادة من "ب". والشاهد لطرفة بن العبد من قصيدة طويلة عدتها أربعة وسبعون بيتا. ورواية الديوان: الجفلى بدل الأجفلي. ورواه بعضهم: الأحفلى بالحاء، وهو من المجلس الحافل، والضرع الحافل أي: المجتمع وقوله: نحن في المشتاه: يريد زمن الشتاء والبرد وذلك أشد الزمان. والجفلى أن يعم بدعوته إلى الطعام ولا يخص واحدا دون آخر. الذي يدعو إلى المأدبة. هي طعام يدعى إليه والانتقار: أن يدعو النقرى. وهو أن يخصهم ولا يعمهم، يقول: لا يخصون الأغنياء ومن يطمعون في مكافآتهم، ولكنهم يعمون طلبا للحمد ولاكتساب المجد. وانظر: المنصف 3/ 110 والنوادر/ 84 والديوان/ 84. 2 يعني الجماعة: زيادة من "ب". 3 إيجلي: موضع. 4 أسحلان: بضم الهمزة والحاء أو كسرها –الطويل. سبط الشعر. الأقرع. 5 زيادة من "ب". 6 إضحياته: مضيئة. قال سيبيويه 2/ 317، وهو قليل لا نعلم إلا هذا. 7 أنبجان: يقال: عجين أنبجان، أي: منتفخ. 8 زيادة من "ب". 9 أنصباء وأنصبة: جمع نصيب وهو الحظ.

الضربُ الثاني: ما زيدتِ الهمزةُ فيهِ غير أَولٍ مع غيرِها مِنَ الزوائدِ1 وذلكَ ضَهْيَاءُ ممدود اسمُ شجرٍ وحَطَائط2 صَغيرُ وجُرائِضٌ عظيم. الثاني: ما زيدتْ فيه الألفُ من الأسماء الثلاثية: وهذَا أيضًا ينقسمُ على ضربين: فضربٌ زيدتْ فيه الألفُ وحدَها وضربٌ زيدتْ فيهِ معَ غيرِها مِنَ الزائدِ الأولُ مِنْ ذلكَ ما زيدتْ فيهِ الألفُ وحدها وهي تزادُ ثانيةً وثالثةً ورابعةً أما ثانيةً فعلى بناءين3 كَاهِلٌ وضاربٌ وطَابقٌ وثَالثةً: عَلَى ثلاثةِ أبنيةٍ4: قَذَالٌ وجَبَانٌ وَحِمَارٌ وكِنازٌ5 غُرَابٌ شُجَاعٌ ورابعةً: فَعْلى فِعْلَى فُعْلَى فَعَلَى عَلْقى6 ولا يكونُ صفةً إلا بهاءٍ: ناقةٌ حَلْباةٌ7 وتجيءُ رابعةً للتأنيثِ نحو: سَلْمَى والصفةُ: عَبْرَى فِعْلَى: ذِفرى8 وقالوا: امرأةٌ سِعلاة9،

_ 1 في الكتاب 2/ 317 "وتلحق الهمزة غير أول وذلك قليل فيكون الحرف على فعلاء نحو: ضهيا صفة، وضهياء اسم". 2 وزنه "فعائل"، وكذلك جرائص. 3 فاعل، الاسم والصفة نحو: كاهل، وضارب، وفاعل نحو: طابق وخاتم اسم ولم يجئ صفة. وليس في الكلام وزن فاعل. 4 فعال: في الاسم والصفة نحو: قذال، وغزال، وعلي وزن فعال: نحو: حمار، وركاب، والصفة: كناز، ووزن فعال في الاسم نحو: غراب وغلام. والصفة نحو: شجاع وطوال. 5 كناز: ياقل لجارية الكثيرة اللحم كناز، وكذلك الناقة. 6 علقى: شجر دائم الخضرة. 7 حلباة: شجر دائم الخضرة. 8 ذفريك الموضع الذي يعرق من الإبل خلف الأذن. 9 على وزن فعلاة بالهاء صفة.

ورَجلٌ عِزْهَاةٌ1 وتجيءُ الأَلفُ للتأنيثِ2 نحو: ذِكْرَى وذِفْرى منهم مَنْ يجعلُها أَلفَ تأنيثٍ ومنهم مَنْ يجعلُها ملحقةً فينونُ. فُعْلَى ولا تكونُ أَلفُ "فُعْلَى" لغيرِ التأنيثِ وذلكَ نحو: البُهْمَى والصفةُ. حُبْلَى وأُنْثَى. وقالَ سيبويه: قالَ بعضُهم: بُهْماةٌ. قالَ أَبو العباس: ليسَ هذَا بمعروفٍ3. فَعَلَى: قَلَهَى4 موضعٌ والصفة: جمزي 5. ألفُ تأنيثٍ. وبعضُ العَربِ يقولُ6: قَلَهَى فيجعلُها ياءً. فُعَلاءُ: شُعَباء7. الثاني: ما زيدتْ فيهِ الألفُ مع غيرِها وهوَ على ضربينِ:8 الأول: ما كانتْ فيهِ ثانيةً ثَلاثةُ أَبنيةٍ: فَاعُولٌ فَاعَالٌ فَاعِلاءُ: عاقُولٌ حَاطومٌ9 سَابَاطٌ10، قَاصِعَاءُ11 عَاشُوراءُ12. الثاني: ما كانتْ فيهِ

_ 1 عزاهاة: يقال رجل عزاهاة: لئيم، أو عازف عن اللهو والنساء. والمرأة أسنت ونفسها تنازعها إلى الصبا. 2 إذا كانت الألف للتأنيث يكون على وزن "فعلى" نحو: ذكرى. 3 قال سيبويه 2/ 320: ولا يكون "فعل" والألف لغير التأنيث إلا أن بعضهم قال: بهماة واحدة، وليس هذا بالمعروف، فالمبرد نقله عن سيبويه. 4 قلهى: الحضيرة. 5 جمزى: نوع من العدو. 6 في "ب" يجعلها. 7 شعباء: تيس أشعب إذا انكسر قرنه. 8 وهو على ضربين: ساقط في "ب". 9 حاطوم: صفة، الصلبة الشديدة. والحاطوم: الممرئ، يقال: ماء حاطوم أي: ممرء. 10 ساباط: اسم، بجمع سوابيط، وساباطات: سقيفة بين دارين تحتها طريق. 11 قاصعاء: جمع قواصع. جحر يحفره اليربوع، فإذا فزع ودخل فيه سدفه لئلا تدخل عليه حية. 12 عاشوراء: على وزن: فاعولاء.

ثالثةً: أكثرُ ذلكَ في أَبنيةِ1 الجَمعِ وهيَ: مَفَاعِلُ ومَفَاعِيلُ وفَواعلُ وفَوَاعِيلُ فَعَاعِلُ فَعَالَى فَعَالِيلُ فَعَالِلُ فَعَالِين فَعَالِن فَعَاوِلُ فَعَايَلُ فَعائِلُ فَيَاعِلُ فَيَاعِيْلُ تَفَاعَلُ تَفَاعِيلُ يَفَاعِيلُ تَفَاعيلُ مَفَاعِيلُ فَعَاويلُ فَعَايِيلُ فَعَالِيتُ فَعَاعل. مَفَاعِلُ مَسَاجِدُ الصفةُ: مَداعِسُ2، مَفَاعِيلُ: مَفَاتِيحُ مَكَاسيبُ صِفَةً فَوَاعِلُ حَوَائِطُ اسمٌ وَحَواسِرُ صفةٌ. فَوَاعيلُ: خَوَاتيمُ. قال سيبويه: ولا نعلمهُ. جاء3 في الصفة كما لا يجيءُ واحدةُ4 في الصفةِ5. قالَ أبو العباس6: فَوَاعيلُ: لا يكونُ صفةً وهو جمع "فَاعَالٍ" ويكونُ صفةً وهوَ جمعُ "فَاعُولٍ" نحو: جَاسُوس وحَاطُومٍ تقولُ: حَوَاطيمُ وجَوَاسيسُ فَعَاعِيلُ: سَلالِيمُ جَبَابِيرُ7، فَعَاعِلُ: سَلاَلِمُ ولا يستنكرُ أَنْ يكونَ [هذا] 8 في الصفةِ لأَنَّ في الصفةِ مثل: زُرّقٍ9،

_ 1 في الأصل "يجيء لتأنيث الجمع" والتصحيح من "ب". 2 مداعس: المداعس: الصم من الرماح، والدعس: الطعن، والمداعسة: المطاعنة. 3 جاء: ساقط من "ب". 4 انظر: الكتاب 2/ 318. 5 انظر: الكتاب 2/ 318. فواعيل نحو: خواتيم، وقوارير، ولا نعلمه جاء في الصفة، كما لا يجيء واحده في الصفة. 6 أي: المبرد أستاذ ابن السراج. 7 جبابير: صفة. 8 أضفت كلمة" هذا" لإيضاح المعنى. 9 في سيبويه 2/ 318، فكما قالوا: عواوير، فجعلوه كالكلاب حين قالوا: كالكلاب وذلك يجعل هذا، أي حُول، وزُرق.

وحُوّلٍ1. فَعَالى: مبدلةُ الياءِ نحو صَحَارى والصفةُ. كَسَالى. فَعَالٌ2: صَحَار عَذَار3، فَعَاليٌ: بَخَاتيٌ4 والصفةُ: دراريٌ5 فَعَالِيلٌ ظَنَابِيبُ6، والصفةُ: شَمَالِيلُ فَعَالِلُ: قرادِدُ7 والصفةُ: الرَّعَابِبُ8 فَعَالينُ سَرَاحِينُ قالَ سيبويه: ولا أَعرفهُ وصفاً9 فَعَالِنٌ: فَرَاسن10 والصفةُ: رَعَاشِن11. فَعَاوِلٌ: جَدَاولُ والصفةُ: قَسِاوِرُ12 بِغَيرِ عَثَايرُ13 قَالَ14: ولا نَعرفهُ جاءَ وصفًا. فَعَائِلُ [بهمزٍ] 15: رسائلُ والصفةُ: ظَرَائِفُ فَيَاعِلُ: غَيَاطِلُ16 والصفةُ: صَيَاقِلُ17. فَيَاعِيلُ: دَيَامِيسُ18، صَيَارِيفُ19،

_ 1 غير مبدلة من الياء. 2 صفة. 3 بخاتي: جمع بختي وهي الإبل الخراسانية تنتج من عربية. 4 داري: اللازم لداره، لا يبرح ولا يطلب معاشا. 5 ظنابيب: مفردها ظنبوب، حرف الساق. 6 قرادد: جمع قردد، المكان الغليظ المرتفع، جبل، وظهر التضعيف لأنه ملحق "بفعال" والملحق لا يدغم. 7 الرعابب: جمع رعبوب، وهو الضعيف الجبان أو رعبوبة وهي أصل الطلعة. 8 انظر: الكتاب 2/ 319. 9 فراسن: جمع فرسن، وهو خف البعير. 10 رعاشن: جمع رعشن، وهو الجبان. 11 قساور: جمع قسور، العزيز، الأسد، الرامي من الصيادين. 12 زيادة من "ب". 13 عثاير: جمع عثير، وهو القجاج أو التراب والغبار، ما قلبت من الطين بأطراف رجليك والأثر الخفي. 14 الذي قال هو سيبويه. انظر الكتاب 2/ 319. 15 زيادة من "ب". 16 غياطل: جمع غيطل، السنور، أو الظلمة المتراكمة، واختلاط الأصوات ومن الضحى حيث تكون الشمس من مشرقها. 17 صياقل: جمع صيقل: شحاذ السيوف وجلاؤها. قال المعري: ونصل يمان أغفلته الصياقل

تَفَاعِيلُ: تَمَاثِيلُ ولم يجىءُ وصفًا تَفَاعِلُ: تَتَافِلُ1 ولم يجىء وصفًا يَفَاعيلُ: يَرَابيعُ والصفةُ: يَحَاميمُ2 يَفَاعِلُ: يَرَامعُ3 ولم يجىء وصفًا فَعَاوِيلُ وَصْفٌ4، جَلاَويحُ وهيَ العظام مِنَ الأَودويةِ فَعَاييلُ: كَرَاييسُ [غيرُ مهموزٍ] 5 ولم يُعلم وصفًا. فَعَالِيتُ6: وصفٌ عَفَاريتُ فَنَاعِلُ: جَنَادِبُ7 والصفةُ: عَنَابِسُ8. وقد ذكرتُ ما جَاءَ من أَمثلةِ الجمعِ والهمزةُ في أَولهِ في بابِ الهمزِ وهوَ البابُ الذي قَبْلَ هَذَا.

_ 18 دياميس: جمع الديماس- بكسر الدال وفتحها- الكن. والسرب. والحمام. 19 صياريف: صفة. والاسم دياميس، والصياريف جمع: صيرف وهو المختال في الأمور. وصراف الدراهم. 1 تتافل: جمع تتفل، الثعلب أو جروه. 2 يحاميم: جمع يحموم، وهو الشديد السواد. 3 يرامع: جمع يرمع: حجارة رخوة. 4 ولم يجئ منه اسم. انظر: الكتاب 2/ 319. 5 زيادة من "ب". 6 قال سيبويه 2/ 319 ويكون على "فعاليت" في الكلام وهو قيل نحو: عفاريت وهو وصف. 7 جنادب: جم جندب ضرب من الجراد. 8 عنابس: جمع عنبس، وهو الأسد.

لحاق الألف ثالثة في غير الجمع مع غيرها من الزوائد

لِحاقُ الألفِ ثالثةً في غيرِ الجمعِ معَ غيرِها مِنَ الزوائِد: مُفَاعلٌ فَعَالَى فُعَاعِيلُ فَعَالاءُ فَعَلانُ فَوَاعلُ فَعَالَّةٌ فُعَالِيَةُ فَعَالِيَةٌ. مُفَاعلٌ صفةٌ: مُجَاهِدٌ فَعَالَى: حُبَارَى ولا يكونُ وصفًا إِلا أَن يُكسَر للجمعِ نَحو: سُكارَى مُفَاعِيْلُ وَصفٌ: مَاءٌ سُخَاخين.

قالَ:1 ولا نعلمُ في الكلام غَيْرَهُ فَعَالاَء: ثَلاَثاءُ والوصفَ: رَجُلٌ عَيَاياءُ2 طَبَاقاءُ3. فَعَالاَنُ: سَلاَمَانُ4 ولم يجئ صفةً فَوَاعِلُ: عَوَارِضُ5 دَوَاسِرُ6: صفةٌ7 أي: شَديدةٌ. فَعَالَّة: زَعارَّة8. ولم يجئ صفة. فُعَالِيَةٌ: صُرَاحِيةٌ9، قُرَاسِيةٌ فَعَالِيةٌ: كَرَاهيةٌ عَبَاقِيةٌ11.

_ 1 الذي قال هو سيبويه: انظر: الكتاب 2/ 320. 2 عياياء: الفحل الذي لا يهتدي للضراب، أو الذي لم يضرب قط، وكذا الرجل. 3 طباقاء: رجل طباقاء: أحمق، الذي لا ينكح، وكذلك البعير، جمل طباقاء، للذي لا يضرب. 4 سلامان: شجر وماء لبني شيبان. 5 عوارض: بضم العين- جبل فيه قبر حاتم الطائي ببلاد طيئ. 6 دواسر: بضم الدال وكسر السين- الشديد الضخم كالدواسر والدوسري والدوسراني. 7 ما بين القوسين ساقط في "ب". 8 زعارة: الزعارة، الشراسة وسوء الخلق. 9 الصراحية: الخالص من كل شيء، والهاء لازمة "الفعالية". 10 القراسية: الضخم الشديد من الإبل، وهو صفة. 11 العباقية: عبق عباقية، لزق به، وبالمكان أقام، والعباقية: الرجل المكار الداهية، وأثر جرح في الوجه. والعباقية: صفة، والهاء لازمة لها.

لحاق الألف رابعة مع غيرها من الزوائد

لحاق الألف رابعة مع غيرِها من الزوائد ... لحاقُها رابعة مَعَ غيرِها مِنَ الزوائدِ: فِعْلالٌ فُعْلالٌ مِفْعَالٌ تِفْعَالٌ فَعْلاَلٌ تَفْعَالٌ فَعَّالٌ فُعَّالٌ فِعَّالٌ فَعْلاَءُ فُعْلاَءُ فُعَّالاءُ فُعَلاءُ فِعْلاءُ فَعَلاءُ فُوعَالٌ فَوْعَال فَعْلاَنُ فَعَلانُ فَعُلاَنٌ فِعُلاَنٌ فِعْلاَنُ فَعِلانُ فَعُلانٌ فِعْوَالُ فِعْيَالٌ فَيْعَالٌ فُعْوَالٌ فِيْعَالٌ فِنْعَالٌ فُعّالى فِعْلالٌ جِلْبابٌ1 شِمْلالٌ2 فُعْلاَلٌ، قُرطاطٌ 3 ولاَ نعلمُ وصفًا.

_ 1 جلباب: ثوب أوسع من الخمار دون الرداء تغطي به المرأة رأسها وصدرها، وقيل: هو ثوب واسع دون الملحفة. 2 شملال: صفة وهو السريع. 3 قرطاط: بضم القاف- الداهية.

مِفْعَالٌ: مِنْقَارٌ مِصْلاحٌ1 تِفْعَالٌ: تِمْثَالٌ ولا نعلمُ وصفًا فَعْلالٌ2، مصدرٌ لا غَير تَفْعَالٌ: مصدرٌ لا غَير نحو: التَّردَادُ فَعَّالٌ3: الجَبَّانُ والكَلاّءُ4، والصفةُ نحو: شَرَّابٌ: فُعَّالٌ: خُطَّافٌ والصفةُ: حُسَّانٌ. وكُرَّامٌ فِعَّالٌ: الكِذَّابُ ولا نَعْلَم وصفًا فِعْلاءُ: عِلبَاءُ5، ولا نعلمُ وصفاً6. فُعَلاءُ: نحو: خُشَشَاءُ7 فُعْلاءُ: قُوباءُ8 اسمٌ. فَعْلاَءُ: طَرفَاءُ. وخَضْراءُ9 فَعَّالَى: خَضَارَى اسمٌ ولا نعلمُ وصفًا فُعَلاءُ: قُوبَاء10 والرُّحضاءُ11 والصفةُ: النُّفَساءُ12 وهوَ كثيرٌ إِذا كُسرَ عليهِ الواحدُ في الجمعِ نحو: الخُلَفاءِ فِعْلاَءٌ: عِلْبَاءُ اسمٌ ولا نَعلمُ وصفًا فَعَلاءُ قَالَ: سُليكُ بن السلكة:

_ 1 مصلاح: صفة. 2 في سيبويه 2/ 321 وليس في الكلام، مفعال ولا فعلال، ولا تفعال إلا مصدرا كما أن أفعالا لا يكون إلا جمعًا وذلك نحو: الترداد والتفعال. 3 الجبان بفتح الجيم وتشديد الباء، الجبانة كذلك: المقبرة والصحراء، والمنبت الكريم أو الأرض المستوية في ارتفاع. 4 الكلاء: مرفأ السفن. وموضع بالبصرة في العراق. وساحل كل نهر. 5 علباء: عصب العنق. 6 في سيبويه 2/ 321 ويكون على فعلاء نحو: علباء. وجرباء، ولا نعلمه جاء وصفا لمذكر ولا مؤنث، ولا يكون على "فعلاء" في الكلام إلا وآخره علامة التأنيث. 7 خششاء: الخششاء العظم الناشز خلف الأذن، وهمزته منقلبة عن ألف التأنيث. 8 قوباء: داء يظهر على الجلد. 9 خضارى: نبت. 10 قوباء: مؤنثة لا تنصرف وجمعها قوب. 11 الرحضاء: العرق من أثر الحمى. 12 النفساء: المرأة التي ولدت، فهي نفساء.

"عَلَى قَرْماءَ عاليةٍ شَرَاهُ ... كأَنَّ بياضَ غُرتهِ خِمَارُ] 1 قُرَماءُ2: اسمُ موضعٍ ولا نعرفُ3 وصفاً4 فِعَلاءُ: السِيَراءُ5 اسمٌ لا يعرفُ وصفًا. فُوعَالٌ: طُومَارٌ6 وسُولافٌ:7 اسمُ بلد ولا يعرفُ وصفًا. فَعْلاَنٌ: سَعْدانٌ8 والصفةُ: عَطْشَانُ فَعَلانٌ كَرَوانٌ اسمٌ زَفَيانٌ9 صَفةٌ يقالُ: زَفَتهُ الريحُ زَفَياناَ أي: طَردتهُ ويقالُ للظليمِ: زَفَيانٌ: فُعْلانٌ اسمٌ: عُثمانُ عُرْيانٌ: صفةٌ وهَوَ كثيرٌ في الجمع نحو: جُرْبَانٍ. فِعْلانٌ ضِبْعَانٌ وفي الجمعِ كثيرٌ نحو: غِلْمانٍ فَعِلانٌ: ظَرِبَانٌ10، ولا يعرفُ وصفًا فَعُلانٌ: سَبُعَانٌ11 ولا يعلمُ وصفًا. قال ابن مقبلٍ:

_ 1 زيادة من "ب" والشاهد قوله: "قرماء" ووزنه: فعلاء، وهو مثال غريب في الاسم وفي الصفة قليل، وصف فرسا مرتفع القوائم عاليها، وشبه غرته في البياض والاستطالة بما أسبل من الخمار- وهو العمامة- ويروى: عاليه شواه. ويفسر على أنه مات وانتفخ فارتفعت قوائمه فصارت عالية. والشوى القوائم. انظر: الكتاب 2/ 332. واللسان 15/ 374. 2 قرماء: بفتح الراء- اسم موضع وبتسكين الراء الناقة المعلمة. 3 في "ب" نعلم. 4 انظر: الكتاب 2/ 323. 5 السيراء: ضرب من النبت. 6 طومار: وطامور الصحيفة. 7 سولاف: مدينة بخوزستان، وقال سيبويه 2/ 323: اسم أرض. 8 سعدان: نبت من أفضل مراعي الإبل، ومنه: مرعى ولا كالسعدان، وله شوك تشبه حلمة الثدي، فيقال له: سعدانة. 9 زفيان: ناقة زفيان: سريعة. 10 ظريان: دويبة تشبه الكلب. طويلة الخرطوم أسود السراة أبيض البطن كثير الفسو منتن الرائحة. 11 سبعان: موضع ببلاد قيس.

"أَلاَ يا دِيَارَ الحيِّ بالسبُّعانِ ... "1 فُعُلاَنٌ سُلُطَانٌ اسمٌ فِعْوَالٌ: قِرْواشٌ: اسمٌ رجلٍ دِرْوَاسٌ2 صفَةٌ عظيمُ الرأسِ فِعْيَالٌ جِرْيالٌ3: اسمٌ. فَيْعَالٌ: خَيْتَامٌ4 ودَيْماسٌ5 وشَيْطَانٌ والصفةُ: بيْطَارٌ6. فَعْوَالٌ: عُصْوَادٌ7، اسمٌ. فِيْعَالٌ: دِيْمَاسٌ ودِيْوَانٌ ولا يعرفُ وصفًا: فَوْعَالٌ: تَوْرابٌ8 اسمٌ: فِنْعَالٌ: قِنْعَاسٌ9 صِفةٌ فَقَط فِعْنَالٌ: فِرْناسٌ صفةٌ مِنْ صفةِ الأسدِ يقالُ: هوَ غليظُ الرقبةِ.

_ 1 من شواهد الكتاب 2/ 323. على أن السبعان اسم موضع ووزنه "فعلان" فدل هذا على أنه مثال يقع للاسم. وتمام البيت: أمل عليها بالبلى الملوان. والملوان: الليل والنهار. ومعنى أمل: تمادى وتكرر وأملا له من إملال الكتاب، ويذهب الأخفش إلى أن السبعان: تثنية سبع وجعل النون حرف إعراب. وانظر: شرح السيرافي 5/ 606 والخصائص 3/ 202 والمزهر 1/ 55 وأدب الكاتب: 611 وابن يعيش 5/ 144. والخزانة 3/ 275. وإصلاح المنطق/ 394. 2 ودرواس: عظم يصل بين الرأس والعنق، وطرف العظم الناتئ فوق القفا. 3 وجريال: ساقط في "ب" وهو صبغ أحمر. وحمرة الذهب. سلافة العصفر. لم يأت وصف من وزن فعيال. انظر الكتاب 2/ 323-324. 4 خيتام: الخيتام -بفتح الراء أو كسرها- ما يوضع على الطينة. وحلي للإصبع كالخاتم. 5 ديماس: بفتح الدال وكسرها- ألكن أو سرب الحمام. وقيل: هو سجن كان للحجاج، وقد يقال: للغبر ديماس كأنه من دمسه أي: دفنه. فالياء والألف زائدتان لذلك وقعت الميم التي هي عين فاصلة بينهما، وقد قالوا: في جمعه: دياميس ودماميس. 6 بيطار: من صنعته البيطرة. 7 عصواد: العصواد، الجلبة والاختلاط، والأمر العظيم وورد عصواد: متعب. 8 توراب: معروف وهو التراب. ولم يسمع له جمع. 9 قنعاس، قنعاس -بكسر القاف- من الإبل العظيم. والرجل الشديد المنيع. ولم يأت من وزن فنعال اسم. وانظر: الكتاب 2/ 324.

لحاق الألف خامسة مع غيرها من الزوائد

لحاق الألف خامسة مع غيرِها من الزوائد ... لحاقُها خامسةً مع غيرِها مِنَ الزوائدِ 1: لحاقُها خامسة على ضربين: لغيرِ تأنيثٍ ولتأنيثٍ: فَعَنْلَى قَرْنْبَى1 والوصفُ: الحَبَنْطى2 فَعَلْنَى: عَفَرْنى3 فَعَلْنَى: عُلنْدَى4 وهَذا قليلٌ وقالوا: عُلاَدى5 مثل: حُبَارَى وهوَ قليلٌ6.

_ 1 قرنبي: دويبه كالخنفساء. 2 الحبنطى: المملتئ غيظا أو بطنة أو العظيم البطن. 3 عفرني: الأسد القوي. 4 علندى: شجر من العضاة له شوك، واحده بهاء وبفتح العين: الغليظ من كل شيء. 5 علادى: بضم العين- الشديد من الإبل. 6 جعله على وزن "فعالى".

لحاق الألف خامسة وبعدها حرف ليس من حروف الزوائد

لحاق الألف خامسة وبعدها حرف ليس من حروف الزوائد ... لحاقُها خامسةً وبعدَها حرفٌ ليسَ من حروفِ الزوائدِ: فِعِلْعَالٌ الحِلِبْلاَبُ: نَبْتٌ والصفةُ: سِرِطراطٌ1 فِعِنْلاَلٌ: فِرِنْدَادٌ2 اسمٌ فَوْعَلاءُ: حَوْصَلاءُ اسمٌ.

_ 1 سرطراط: الفالوذ وهي ذكر الحديد كالفولاذ. 2 الفرنداد: جبل بالدهناء وبحذائه آخر، ويقال لهما: فرندادان.

لحاق الألف خامسة للتأنيث

لحاق الألف خامسة للتأنيث ... لَحاقُها خامسةً للتأنيث: فِعِلَّى:1 زِمِكَّى والصفةُ: كِمِرّى2، وهو العظيمُ الكمرةِ. فِعَلْنَى: العِرَضْنَى3 اسمٌ وهيَ مشيةٌ فُعُلْنَى العُرُضْنَى اسمٌ وهيَ مشيةٌ وليسَ

_ 1 زمكي: أصل الندب من الطائر أو ذنبه كله أو أصله. 2 كمرى: القصير، وموضع، والعظيم الكمرة. 3 العرضنى: نوع من سير الخيل.

في كتاب محمد بن يزيد في كتاب سيبويه ووجدتُه بخطِّ أحمد بن يحيى1 فُعُلَّى: عُرُضّى2 اسمٌ فِعَلّى: دِفَقّى 3 [اسمٌ] 4 فُعُلَّى: الحُذَرّى5، والبذرّى6، الباطلُ وقيلَ: حُذَرَّى وَبُذُرَّى مِن هوَ يحذُر ويبذُر. فُعَنْلَى: جُلَنْدَى7 اسمُ ملكِ مِنَ العربِ. فَوْعَلى: حَوْزَلى8 فَيْعَلى: الخَيْزَلى9 مشيةٌ. فُعَلَّى: السُّمَهّى10 اسمٌ يقالُ: ذَهبَ في السُّمةِ أَي: ذهبَ في الباطلِ. فَعَنْلَى: بَلَنْصَى: اسمٌ طائرٍ.

_ 1 يحيى: ساقط من "ب". 2 عرضى: العرضى: النشاط. 3 دفقى: سريع. الناقة السريعة. 4 زيادة من "ب". 5 الحذرى: صيغة مبنية من الحذر، وهي اسم حكاها سيبويه 2/ 323. 6 البذرى: الباطل، المفرق المبثوث. 7 جلندى: اسم ملك من ملوك العرب، ومعنى الفاجر. 8 خوزلى: التبختر في السير في تثاقل. 9 الخيزلى: الانخزال، مشية في تثاقل أيضا، وهي الخيزلى والخوزلى. 10 السمهى: السهواء كالسمهاء: مخاط الشيطان، والكذاب. والأباطيل.

لحاق الألف خامسة وبعدها همزة للتأنيث

لحاق الألف خامسة وبعدها همزة للتأنيث ... لحاقُها خامسةً. وبعدَها همزة للتأنيثِ: فِعلياء: كِبْريَاء والصفةُ: جِربياء1. مفعَلاء: مَنْدَبَاءُ صفة: رَجلٌ ندَبٌ في الحاجةِ فَعُولاَءُ: دَبُوقَاءُ2 اسمٌ فَعُولَى: عَشُورَى3 اسمٌ فَعُولاءُ: عَشَورَاءُ اسمٌ. فِعِيلاء4: عَجِسياءُ اسمٌ مشيةٍ بطيئةٍ فُنْعَلاءُ: عُنْصلاء5 اسمٌ. فُنعلاء: خُنْفَساءُ فَوْعَلاءُ: حَوْصَلاءُ اسمٌ.

_ 1 جربياء: الشمال أو بردها. أو الريح بين الجنوب والصبا، والرجل الضعيف. 2 دبوقاء: غراء يصاد به الطير، العذرة، وكل ما تمطط. ولم يأت وصف من فعولاء. 3 عشوراء: عشار المحرم أو تاسعه. 4 فعيلاء: تكون بالألف المقصورة كذلك. 5 عنصلاء: البصل البري ويعرف بالأسقال، نافع لداء الثعلب.

لحاق الألف سادسة للتأنيث مع غيرها

لحاق الألف سادسة للتأنيث مع غيرِها ... لحاقُها سادسةً للتأنيثِ مع غيرِها: مِفْعَلّى: مِرْعَزّى فِعَّيلَى1 في المصادر نحو: هِجِّيرَى2 أَوقِتَّيتى وهي النميمةُ فُعَّيلى: لُفَّيزى3 اسمٌ [يَفْعِيلّى] 4 يُهْيّرى وهوَ الباطلُ اسمٌ. فَعَلَيّا: المَرَحَيّا5 اسمٌ فَعَلُوتَى:6 رَغَبُوتَى7 ورَهَبُوتَى مَفْعَلَّى: مَكْوَرّى8 صفةٌ: عظيمُ الروثة مَفْعِلَّى: مَرْعِزّى اسمٌ.

_ 1 مرعزى: صفة المرعز، والمرعزى، والمرعزاء: الرزغب الذي تحث شعر العنز. 2 هجيرى: الدأب والعادة. والشأن. 3 لغيزى: ما يعمى به الشيء. 4 زيادة من "ب". 5 المرحيا: الموضع. والفرح. 6 فعلوتي: قال سيبيويه: 2/ 324 وهو قليل، قالوا: رغبوني ورهبوتي وهما اسمان. 7 الرغبوتي: من مصادر رغب الشيء، إذا أراد طلبه. 8 مكورى: اللئيم. والقصير العريض. والروثة العظيمة.

لحاق الألف خامسة وبعدها نون

لحاق الألف خامسة وبعدها نون ... لحاقُها خامسةً وبعدَها نونٌ: فَيْعُلاَنٌ: ضَيْمُرانٌ1 والصفةُ: كَيْذُبانٌ. فَيْعَلانٌ: قَيْقَبانٌ: خَشَبُ السرجِ والصفةُ: هَيْبَان2 ولا يعلمُ في الكلامِ: فِيْعَلانٌ في غير المعتلِ فَعْلَيانٌ: الصِّلْيَانُ نَبتٌ العِنْظيانُ3 جاءَ في أولِّ4 الشِّبابِ وأَولِ كُلِّ شيءٍ فُعْلُوانٌ: العُنْظُوانُ5 اسمٌ. فُعَّلانٌ: الحُوَّمانُ آكام صغار والصفةُ: عُمَّدانٌ: طويلٌ.

_ 1 ضميران: والضومران: ضرب من الشجر من ريحان البر أو الريحان الفارسي. 2 هيبان: الذي يخاف الناس ويهابهم. 3 العنظيان: الشرير المسمع، والساخر المغري. 4 في "ب" عنفوان. 5 العنظوان: كعنفوان: نبت من الحمض إذا أكثر منه البعير وجع بطنه.

قالَ أبو بكر:1 هكذا هذَا الحرفُ في كتابي وأَحسبهُ: حُوِّمان عَلَى فُعِّلاَنٍ ووجدتُ في كتابِ ثعلبٍ على2 ما أحكيه: فُعُّلانٌ في الاسم والصفةِ فالاسم: الحُوُّمانُ [وكنتُ] 3 أَراهُ نبتًا والحُلُّبانُ بقلةٌ والصفةُ نحو: العُمُّدانِ والُجلُّبانِ: صَاحبُ جَلبةٍ. فُعَّلاَنٌ: وجدتُ في4 النسخةِ المنسوخةِ مِنْ نسخة القاضي5 المقروءةِ على أَبي العباس: ويكونُ: فُعَّلانُ6 في الاسم والصفةِ نحو: التُّوَّمانِ،7 والجُلَّبانِ والصفةُ نحو: الغُمَّدانِ8 فِعِّلاَنٌ فِرِّكانٌ9، اسمٌ10. مَفْعَلانٌ: مَكْرَمانٌ ومَلأَمانٌ ومَلْكَعانٌ11 معارفٌ ولا يعلمُ وصفًا. فَوْعَلانٌ12: حَوْتَنانٌ: بلدةٌ. تَفْعِلانٌ13. تَئِفّانٌ 13 اسمٌ.

_ 1 قال أبو بكر: ساقط من "ب". 2 على ساقط من "ب" 3 زيادة من "ب". 4 في ساقط من "ب". 5 القاضي: هو إسماعيل بن إسحاق القاضي. ذكره السيرافي باسمه كاملا في شرح الكتاب 5/ 113، دار الكتب، نسخة البغدادي. مات سنة 282هـ. 6 فعلان: هذا البناء لم يذكره سيبويه. وإنما ذكر فعلان مثل الحومان اسما وعمدان صفة. 7 التومان: لم يذكره صاحب اللسان. 8 الغمدان: وانظر: شرح السيرافي 5/ 23 وشرح الرماني 5/ 56. ومعنى هذا أن نسخا مختلفة من الكتاب كانت لدى ابن السراج. 9 فركان: المبغض. 10 لأن "فعلان" لم يجئ منه وصف. 11 ملكعان: اللئيم الدنيء. 12 فوعلان لم يأت من هذا الوزن وصف. انظر: الكتاب 2/ 342. 13 في سيبويه 2/ 324 "فعلان" قالوا: تثفان وهو اسم، ولم يجئ صفة. 14 تثفان: بفتح التاء- النشاط. وفي الكتاب 2/ 324 ويكون على فعلان، قالوا: تثفان وهو اسم.

لحاق الألف سادسة وبعدها همزة للتأنيث

لحاق الألف سادسة وبعدها همزة للتأنيث ... لحاقُها سادسةً وبعدَها همزةٌ للتأنيثِ: مَفْعُولاء: مَعْيُوراءُ1. والصفةُ مَشْيُوخاءُ2 فَاعُولاءُ: عَاشُوراءُ وأَقصى ما تلحقُ لغيرِ التأنيثِ سادسةً في: مَعْيُوراءُ وأشْهيبابٍ3، والأشهيبابُ مذكورٌ في موضعهِ.

_ 1 معيوراء: جمع عير وهو الحمار الوحشي. 2 مشيوخاء: جمع شيخ وهو الكبير السن. 3 اشيهباب: يقال: اشهاب الفرس: إذا هاج وغلب بياضه سواده، وفي "ب" معرف بالألف واللام.

ما زيدت فيه الياء من الأسماء الثلاثية

الثالثُ ما زيدت فيه الياءُ مِنَ الأسماء الثلاثيّة: لحاقُها أولًا: يَفْعَلُ: يَرْمَع1، اسمٌ ولا يعلمُ وصفاً2، يَفْعُولٌ: يَرْبُوعٌ والصفةُ: اليَحمُومُ: الأسودُ فَأمَّا قولُهم في: اليَسْرُوعِ يُسْرُوعٌ فإِنَّما ضموا الياءَ لضمةِ الراءِ كما قيلَ: استُضعُفَ3. يَفْعِيْلٌ يُقْطِينٌ ولا يعرفُ وصفًا. يَفْعُلُ: يَعْفُرُ4 وقالوا: يُعْفَرٌ كما قالوا: يُسْرُوعٌ5 يَفَنْعَلٌ: يَلَنْججٌ6 اسمٌ وَيَلَنْدَدٌ7 صَفةٌ لحاقُها ثانيةً: فَيْعَلٌ: زَيْنَبُ الصفةُ: ضَيْغَمٌ8. فَيْعُولٌ: قَيْصُومٌ9،

_ 1 يرمع: حجارة رخوة. 2 لم يجئ في الأسماء والصفة على "يفعل". 3 قالوا: استضعف لضمة التاء. 4 يعفر: اسم، حكى السيرافي الأسود بن يعفر، ويعفر-بكسر الفاء وضمها. 5 يسروع: دودة تكون في البقل تنسلخ فتكون فراشة. 6 يلنجج: بخور، عود البخور النافع للمعدة المسترخية. 7 يلندد: اليلندد: الشديد الخصومة. والخصم الشحيح الذي لا يزيغ إلى الحق. 8 ضيغم: الأسد الذي يعض، قال سيبويه 2/ 325: ولم يجئ "فيعُل" ولا فيعِل في غير المعتل. 9 قيصوم: نبت، هو صنفان: أنثى وذكر، النافع منه أطرافه وزهره مر جدا يدلك به البدن للنافض فلا يشعر إلا يسيرا ودخانه يطرد الهوام.

والصفةُ: عَيثومٌ1: ضَخْمٌ. فِيعلٌ: حِيفسٌ2 صفةٌ ولا يعرفُ اسمًا وهوَ الغليظُ القصيرُ. لحاقها ثالثةً: فَعِيلٌ: بَعِيرٌ والصفةُ: سَعِيدٌ فِعْيَلٌ: عِثْيَرٌ3 والصفةٌ: رَجلٌ طِرْيَمٌ أي: طويلٌ. فَعَيْللٌ خفينن: اسمُ أرضٍ والصفةُ: خَفَيْدَدٌ4: فَعَيَّلٌ: هَبيَّخٌ وادٍ ضخمٍ صفةٌ5 ولا يعرفُ اسمًا. فَعَيْعَلٌ: خَفَيْفَدٌ خفيفُ وهوَ صفةٌ. فِعْيَولٌ: ذِهْيَوْطٌ بَلَدٌ والصفةُ: عِذيَوطٌ6 فَعَيَلٌ: عُلْيَبٌ اسم وادٍ. لحاقُها رابعةً: فِعْلِيةٌ: حِذْرِيةٌ أرض غليظةٌ والصفةُ: عِفْرِيةٌ: داهيةٌ والهاءُ لازمةٌ لِفعْلِيةٍ. فِعِّيلٌ7: بطِّيخٌ والصفة: شِرّيبٌ. فُعَيِّلٌ: مُرِّيقٌ وهوَ العصفرُ والصفةُ: كوكبٌ دُرِّي8. فُعَّيلٌ: العُلَّيقُ: نَبْتٌ يتلعقُ بالشجرِ والصفةُ: زُمَّيلٌ: الضعيفُ اللئيمُ. مِفعِيلٌ: مِنْديلٌ والصفةُ: مِنْطِيقٌ. فِعْلِيلٌ: حِلْتِيتٌ الذي يطيبُ بهِ الملحُ والصفةُ: شِمْلِيلٌ9. فِعْلِيتٌ:

_ 1 عيثوم: الضبع. الفيل. أو العظيم الخلق من الجمال. 2 حيفس: الغليظ الضخم الذي لا خير فيه. 3 عثير: العجاج. الغبار والتراب. 4 خفيدد: الظليم. ذكر النعام، سريع السير. 5 زيادة من "ب". 6 عذيوط: العذيوط، التيتاء، وهو ما يحدث عند الجماع أو ينزل قبل الولوج. 7 فعيل: ساقط من "ب". 8 دري: قال سيبويه 2/ 326: حدثنا أبو الخطاب عن العرب، وقالوا: كوكب دري وهو صفة. 9 شمليل: يقال ناقة شمليل، أي: خفيفة سريعة مشمرة.

عِزْويتٌ اسمٌ وهوَ القِصَرُ والصفةُ: عِفْرِيتُ. فِعْلِينٌ: غِسلِينٌ1. اسمٌ تَفْعِيلٌ: اسمٌ: التَمْتينُ2: تَفْعِيلةٌ: تَرْعِيبَةٌ: وهيَ القطعةُ مِنَ السَّنامِ. وقد كسر بعضُهم التاءَ اتباعًا وفي كِتابَي محمد3 وأحمد4 تِرْعيَّةٌ والجرمي قالَ: ترغيبةٌ وفَسرهُ بأَنهُ قطعةٌ مِنَ السِّنَامِ فَعَليلٌ: حَمَصيصٌ وهو نبتٌ والصفةُ: صَمَكيكٌ شَديدٌ. لحاقُها خامسةً: فُعَلنيةٌ: بُلَهْنيةٌ اسمٌ السعةُ والعزةُ. فُعَنْلِيةٌ: قُلَنْسِيةٌ5 اسمٌ والهاءُ لا تُفارقهُ فَعْفَعِيلٌ: مَرْمَريسٌ6. فلعليل: صفةٌ: خَنْشَلِيلٌ7.

_ 1 غسلين: الغسلين. ما يغسل من الثوب ونحوه كالغسالة، وما يسيل من جلود أهل النار، والشديد. وشجر في النار. 2 التمتين: خيوط الخيام، والتمتان كذلك والجمع: تماتين. 3 محمد: هو محمد بن يزيد أبو العباس المبرد. 4 أحمد: هو أحمد بن يحيى أبو العباس ثعلب. 5 قلنسية: هي ما توضع فوق الرأس. 6 مرمريس: الأرض التي لا تنبت، والداهية، وداهية مرمريس: شديدة، ورجل مرمريس: داه، والأملس، والطويل من الأعناق، والصلب. 7 خنشليل: البعير السريع. والخضم الشديد.

ما زيدت فيه النون

الرابع: ما زيدت فيه النونُ: لحاقُها ثانيةً: فُنْعَلٌ: قُنْبَرٌ ولا يعرفُ صفةً. فُنْعُلٌ: سُنْبُلٌ اسمٌ. فِنْعَلٌ: جِنْدَبٌ1، اسمٌ جُنْدُبٌ وجِنْدَبٌ سواءٌ في المعنى. فَنْعَلٌ: عَنْبَسٌ2، صفةٌ. فِنْعَلو: كِنْدَأْوٌ: هُوَ الجملُ الغليظُ. لحاقُها ثالثةً: فَعَنْعَلٌ: عَقَنْقَلٌ اسمٌ رملٌ كثيرٌ متعقدٌ ولا يعرفُ

_ 1 جندب- بفتح الجيم وضمه- ضرب من الجراد. 2 عنبس: أسد.

وصفًا. فَعَنْللٌ: ضَفَنْدَدٌ: عَظيمُ البطنِ. فُعُنلٌ1: صفةٌ: عُرُندٌ شديدٌ وقَد حكي: تُرُنْجَةٌ اسمٌ. فَعَنْلَةٌ: جَرَنْبَةٌ اسمُ جَماعةٌ مِنَ الناسِ والحميرِ وقالوا: جَرَبَّةٌ أيضًا. لحاقُها رابعةً: فَعْلَنٌ: صفةٌ: رَعْشَنٌ2، مِنَ الرَّعْشَةِ. فِعَلْنَةٌ: عِرَضْنَةٌ: مشيةٌ وَبِلَغْنٌ3 اسمٌ والصفةُ رجلٌ خِلَفْنَةٌ4 فِعْلِنٌ: فِرْسِنٌ5 اسمٌ.

_ 1 ذكر سيبويه 2/ 327: الصفة فقط في "فعنل". 2 رعشن: الجبان. والسريع من الجمال والظلمان. 3 بلغن: البلغن: البلاغة، والنمام، والبلغن: الذي يبلغ للناس بعضهم حديث بعض. 4 خلفنة: وخلفناة: للمذكر والمؤنث والجمع: كثير الخلاف. 5 فرسن: خف البعير.

ما زيدت فيه التاء من الأسماء الثلاثية

الخامس: ما زيدتْ فيهِ التاءُ مِنَ الأسماءِ الثلاثيّةِ: لحاقُها أَولًا: تفعُلُ تَنْضُبُ1 والتّضُرةُ2 اسمٌ تُفْعَلٌ: تُرْتَبٌ3 وتُتْفَلٌ4 [و] 5 تُحْلَبةٌ صفةٌ وقالَ بعضُهم: أَثرٌ تُرْتَبٌ فجعلَهُ وصفًا. تُفْعُلٌ: تُتْفُلٌ والتُّقْدُمةُ6 اسمٌ7 والتُّحْلُبَةُ صفةٌ. تَفْعَلَةٌ: تَتْفَلَةٌ: اسمٌ. تَفْعَلُوتٌ: تَرْنَمُوتٌ اسمٌ تَرنمُ القوسِ. تِفْعِلٌ: تِحْلِىءٌ اسم القشرة التي يقشرها

_ 1 تنضب: جمع تناضب، وهو شجر حجازي له شوك كالعوسج، وقرية قرب مكة. 2 التضرة: ضر ضد نفع، وتضرة -بفتح الضاد وضمها- القحط والشدة وسوء الحال والتضرة: ساقطة في "ب". 3 ترتب: كجندب، الشيء المقيم الثابت. 4 تتفل: بضم التاء الأولى- الثعلب أو جروه. 5 أضفت "واوا" لاطراد نسق الكلام. 6 التقدمة: أول مقدم الخيل. 7 زيادة من "ب".

الدباغ مما يلي اللحمَ. تَفْعِلَةٌ. تَدْوِرةٌ1 وقَالوا: تَدْوِرةٌ فجوةٌ بينَ الرملِ ولا يعرفُ بغيرِ الهاءِ. تَفْعُولٌ: تَعْضَوضٌ2 ولا يعرفُ وصفًا تُفْعُولٌ: تُؤثُورٌ اسمٌ حديدةٌ يوسمُ بِهَا في أَخفافِ الإِبلِ تِفْعِلَةٌ: صِفةٌ تِحْلِبَةٌ. وهيَ الغزيرةُ التي تحلبُ ولَم تَلدْ. تِفْعَلَةٌ: تِحْلَبَةٌ3، لغةٌ أُخرى. تِفِعِّلٌ: التِهِبّطُ اسمُ بلدةٍ. تُفُعّلٌ: تُبُشّرٌ [ووجدت بخطِ ثعلب] 4 تُبَشّرٌ وهوَ اسمُ طَائرٍ. تُفُعَّلٌ: التَنُوُّطُ اسمُ طَائرٍ قالَ: والصحيح: [الضمُّ لأَنَّ الكسرةَ تخصُّ الأَفعالَ وجدتهُ مضروبًا عليهِ في كتابِ أبي علي الفاَرسي أَعزَّهُ الله] 5. لحاقُها رابعةً: فَعْلَتَةٌ سَنْبَتَةٌ6 اسمٌ. لحاقُها خامسةً: فَعَلُوتٌ: رَغَبُوتٌ7 اسمٌ والصفةُ: رَجلُ خَلَبوتٌ8 ونَاقةٌ تَرَبوتٌ وهيَ الخيارُ الفَارهةُ كذَا في كتابِ سيبويه9، وقيلَ: إنَّها اللينةُ الذلولُ وهوَ عندي الصوابُ لأَنّهُ مشتق مِنَ الترابِ. السادسُ: الميمُ: لحاقُها أَولًا: مَفْعُولٌ: مضروبٌ ولا يعرفُ اسمًا. مَفْعَلٌ: المَحْلَبُ والمَعْتَلُ والصفةُ: المَشْتَى والمَوْلَى. مِفْعَلٌ: مِنْبَرٌ ومِرْفَقٌ والصفةُ:

_ 1 تدورة: الأرض السهلة أو الغليظة. 2 تعضوض: تمر أسود حلو، واحدته بهاء. 3 تحلبة: بكسر التاء وفتح التاء- الغزيرة اللبن التي تحلب ولم تلد، وهي صفة. 4 ما بين القوسين ساقط من "ب". 5 زيادة من "ب". 6 سنبتة: برهة من الدهر. 7 غبوت: الابتهال والضراعة. والمسألة. 8 خلبوت: بفتح الخاء واللام- الخداع الذي يخدش بظفره. 9 انظر: الكتاب 2/ 327.

مِدْعَسٌ1. مَفْعِلٌ: مَجْلِسٌ والصفةُ: المَنْكِبُ وهوَ العريفُ من ولاةِ العَشيرةِ. مُفْعَلٌ: مُصْحَفٌ. والصفةُ نحو: مُكْرَمٍ وهوَ كثيرٌ. مُفْعُلُ: مُنْجُلٌ ولا يعرفُ وصفًا. مَفْعَلٌ بالهاءِ: مَزْرُعةٌ ومَشْرُقَةٌ ولا يعرفُ وصفًا وليسَ في الكلامِ: مَفْعَلٌ بغيرِ هاءٍ. مَفْعِلٌ: مِنْخِرٌ اسمٌ فأَمَّا: مِنْتِنٌ وَمغِيرةٌ2 فأَصلهُ: مُنْتِنٌ ومُغْيِرٌ لأَنَّهُ مِنْ: أَنْتنَ وأَغارَ ولكنْ كسروا إتباعًا كما قالوا: أَجُؤُكَ ولإِمِكَ مُفْعُولٌ: مُعلُوقٌ3 للمعلاقِ وهوَ غريبٌ4، مِفْعِلٌ: مِرْعِزٌ5. لحاقُها رابعةً: فُعْلُمٌ: زُرْقُمٌ6 وسُتْهُمٌ7: للأُزرقِ والأستهِ وهوَ صفةٌ. فِعْلِمٌ: دِلْقِمٌ8 ودِقعِمٌ9، للدَلقاءِ والدقعاءَ ودِرْدِمٌ10 للدرداءِ وهيَ صفاتٌ وأَمّا دِلاَمصٌ11 ففيهِ خِلافٌ يقولُ الخليل: إنهُ: فُعَاملٌ،

_ 1 مدعس: الرمح الذي لا ينثني، الرمح يطعن به، الطريق لتنبيه المارة. 2 مغيرة: علم على أشخاص، منهم: المغيرة بن عمرو بن الأخفش، وابن الحارث، وابن سلمان، وابن شعبة وغيرهم كثير. 3 معلوق: بضم الميم، كل ما علق به الشيء. واللسان. 4 غريب، لأنه شاذ، كأنهم جعلوا الميم بمنزلة الهمزة إذا كانت. فقالوا: مفعول، كما قالوا: أفعول، فكأنهم جمعوا بينهما في هذا كما جاء: مفعال على مثال: إفعال، ومفعل على مثال إفعيل. وانظر: الكتاب 2/ 328 وغريب ساقط من ب. 5 مرعز: المرعز، والمرعزى، والمرعزاء. الزغب التي تحت شعر العنز. 6 زرقم: شديد الزرقة. 7 ستهم: بمعنى الاست، وهو الكبير الاست. 8 دلقم: بكسر الدال والقاف -دويبة. 9 دقعم: التراب، ودقعم، لصق بالتراب، والدقعمة من الإبل والغنم التي أودى حنكها هرما. 10 دردم: ناقة -بسكر الدالين- مسنة أو لحقت أسنانها بدردرها. 11 دلامص: البراق، وذهب دلامص: لماع.

ويحتج بأَنهُ مِنْ دَليصٍ1 وغيرهُ يقولُ: هُوَ بمنزلةِ اللاآلِ مِنَ اللُّؤلؤ شاركهُ في بعضِ الحروفِ وخالفَهُ في بعضٍ والمعنى متفقٌ. السابعُ: الوَاوُ: لحاقُها ثانيةً: فَوْعَلٌ: كَوْكَبٌ والصفةُ: حَوْقَل إِذَا أَدبرَ عن النساءِ وهوَ زبٌّ البعيرِ المسنِ: فَوَعْلَلٌ: كَوَأْلَلٌ للصفةِ وهوَ القصيرُ الغليظُ. لحاقُها ثالثةً: فَعُولٌ: خَرُوفٌ اسمٌ والصفةُ: صَدُوقٌ2. فَعْوَلٌ: جَدْوَلٌ والصفةُ جَهْوَرٌ فِعْوَلٌ3: خِرْوَعٌ ولا يعرفُ وصفًا. فِعْوَلٌ: العِسْوَدٌّ4 العَظايةُ والصفة: عِثْوَلٌّ وهو الشيخُ الثقيلُ. وفَعَوَّلٌ: صفةٌ: عَطَوَّدٌ طويلٌ. فُعُولٌ: سُدُوسٌ وهوَ الطَيلسانُ وهوَ قليلُ في الكلامِ إلا أَنْ يكونَ مصدرًا أَو يكسرَ عليهِ الواحدُ للجمعِ. فَعَوعَلٌ: صفةٌ: عَثَوثلٌ5، وقَطَوطَى مقاربةُ الخطوِ فَعَوْلَلٌ: حَبَوْنَنُ اسمُ وادٍ قريبٍ مِنَ اليمامةِ. فِعَوْلَلٌ جَعلَها بعضُهم: حِبَوْنَنٌ. لحاقُها رابعةً: فَعْلُوةٌ: عَرْقُوةٌ6 ولا يعرفُ وصفًا. فُعْلَوةٌ عُنْفَوةٌ7.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 328. 2 صدوق: ساقط من "ب". 3 فعول: جدول ساقط من "ب". 4 العسود: الشديد القوي من الحيات، الحية الكبيرة، والعسود: دويبة بيضاء يشبه بها بنان العذارى. 5 عثوثل: العثوثل: الكثير اللحم، والكثير شعر الرأس. 6 عرقوة: خشبة معروضة على الدلو، جمعها عرق. وأصله: عرقو، فأبدل الواو ياء، إذ ليس في كلامهم اسم آخره واو قبلها ضمة فنقل إلى عرقي، ثم كرهوا الكسرة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان فحذفت الياء. عنفوة: العنفوة، القطعة من يبيس النصى، وهو قطعة من الحلي ووزنه فعلوة، بالضم، وما لم يكن ثانيه نونا، فإن العرب لا تضم صدره مثل تندوة، وإن كان الثاني منها نونا فيلحقها "بعرقوة".

قطعةٌ مِنْ يبيسِ الحِلّي وهوَ اسمُ رجلٍ عَنْ ثَعلبٍ وحُنذوةٌ مثلُه. فِعْلِوةٌ: حِنْذِوةٌ1 اسم: كذَا في كتابي كتابِ سيبويه وبخطِّ ثَعلب. فِعْلُوةٌ: حِنْذُوةٌ وفسَرهُ أَنهُ شبعةٌ مِنَ الجبلِ والهاءُ لا تفارقهُ. قالَ أَبو بكر: وأَظنه خَطَأ مِنْ أَجلِ أَنهُ ليسَ في كلامِهم مضمومٌ بعدَ مكسورٍ والنونُ هَهُنَا ساكنةٌ فكأنَهُ قد التقى الضّمٌّ والكسرُ. فِعَّولٌ: سِنَوّرٌ2، والصفةُ: الخِنوَّصُ وهوَ الصغيرُ مِنَ الخنازيرِ. فَعُّولٌ: سَفّودٌ3، والصفة: سَبُّوحٌ وقُدُّوسٌ فُعُّولٌ: قالوا: سُبُّوحٌ وقُدُّوسٌ وهما صفةٌ. فُعْلُولٌ: طُخْرُورٌ اسمٌ يقالُ: ما عليهِ. طُخرور4، أَي: شيءٌ والصفةُ بُهْلُولٌ5. فَعَلولٌ: بَلَصُوصٌ طَائرٌ والصفةُ: الحَلَكُوكُ: الأَسودُ. وتلحق الواوُ خامسةً فيكونُ الحرفُ على: فَعَنْلُوةٍ وقَد مضَى ذكرهُ في بابِ النونِ] 6.

_ 1 حنذوة: شعبة من الجبل. 2 سنور: بكسر السين- أصل الذنب، والسنور، فقارة عنق البعير، والسنور السيد. 3 سفود: كتنور، حديدة يشوى بها، وتفسيد اللحم، نظمه فيها. 4 طخرور: السحاب الأسود، والغريب، والرجل لا يكون جلدا. 5 بهلول: الضحاك، والسيد الجامع لكل خير. 6 قالوا: قلنسوة، وهو اسم، والهاء لازمة لهذه الواو. وانظر: الأصول/ 517.

باب الزيادة بتكرير حرف من الأصل في الثلاثي

بابُ 1 الزيادةِ بتكريرِ حَرفٍ مِنَ الأصلِ في الثلاثي: إمَّا أَن تُضاعفَ العينُ وإمَّا أَن تُضاعفَ اللام وإمَّا أَن تُضاعفا جميعاً. الأولُ: ما ضُوعفْت فيهِ العينُ: فُعَّلٌ: سُلَّمٌ والصفةُ: زُمَّلٌ وهوَ الضعيفُ. فِعَّلٌ: قِنَّبٌ وهوَ الطينُ الذي يجيءُ في أسفلِ القيعانِ والصفةُ: الدِّنَّبُ وهوَ القصيرُ ويقالُ: دِنَّبةٌ فِعِّلٌ: حِمِّصٌ وحِلّزٌ: شَجَر قِصَارٌ ولا يعرفُ وصفًا. فُعُّلٌ: تُبُّعٌ وهوَ قليلٌ يرادُ بهِ تُبُّعٌ وهوَ الظِّل. الثاني: ما ضوعفتْ لامهُ: فَعْلَلٌ مَهْدَدٌ اسمُ امرأةٍ ولا يعرفُ وصفًا. فُعْلُلٌ: سُرْدُدٌ اسمُ مَكانٍ وقُعْدُدٌ. قالَ الجرمي: وهو شيئانِ يقالُ: أَقعدُهم2 إليَّ جَدَّهُ3 والآخرُ يَكونُ الضعيفَ قَالَ الشاعرُ4:

_ 1 زيادة من "ب". 2 أقعدهم: أبعدهم. 3 في "ب" الجد، بالألف واللام. 4 استشهد ابن السراج بقعدد في هذا البيت ويستشهد النحاة به كذلك على دخول الباء في مفعول وجد الثاني لنفي الناسخ. والقعدد -بالضم- الجبان اللئيم، القاعد عن المكارم والحرب، أو الخامل ويقال: رجل قعدد، إذا كان لئيما من الحسب، والبيت لدريد بن الصمة، والمدعو أخوه عبد الله، وكان قد خرج بقومه ومعه أخوه دريد فوقعت بينهم مع عدوهم معركة قتل فيها عبد الله فعطف عليه دريد. وانظر: شعراء النصرانية/ 757، وروايته: لم يجدني بمقعد. وجمهرة أشعار العرب/ 117، والعيني 2/ 121، والتصريح 1/ 202، والأشباه والنظائر 2/ 59.

دَعَانِي أَخِي وَالخَيْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ... فَلَمَّا دَعَانِي لَمْ يَجِدْني بِقُعْدُدِ فُعْلَلٌ: عُنْبَبٌ اسمُ وادٍ والصفةُ: قُعْدَدٌ. فِعْلِلٌ: صفةٌ: رَمادٌ رِمْدِدٌ أَي: هَالِكٌ. فَعَلٌّ: شَرَبَّةٌ بَلذَّةٌ ومَعَدٌّ: وهو موضعُ مِركض رجلِ الفاَرِس مِنَ الدابةِ والصفةُ: الهَبَيُّ والهَبَيَّةُ الجاريةُ الصغيرةُ. فِعَلُّ: جِدَبٌّ اسمُ الجدبِ والصفةُ: خِدَبٌّ وهوَ الضخمُ الشديدُ. فُعُلٌّ: جُبُنٌّ وقُطُنُ1 والصفةُ: القُمُدُّ شديدٌ. فِعِلٌّ: الفِلِزُّ: رصاصٌ وقيلَ: خَبَثُّ الفَضةِ والصفةُ: الطِمِرُّ وَهوَ السريعُ2. فَعِلٌّ: تَئِفّةُ3. قَالَ الجرمي: زَعم سيبويه: أَنَّهم يقولونَ: تَئِفّةٌ4، ولمَ أَرَ ذلكَ معروفًا وقالَ: إنْ صحتْ فهيَ فَعلةٌ. قالَ أَبو بكر: وهذَا الحرفُ في بعضِ النسخِ قد ذكر في بابِ التاءِ وجُعلَ على مثال: تَفْعِلةٍ5، يقالُ: جَاءَ على: تَئِفَّةِ ذاكَ مثل: تُئِفَّةِ ذَاكَ كذَا أَخذتُه عن محمد بن يزيد رحمُهُ الله.

_ 1 قطن: -بضم القاف مع تشديد النون– شجر معروف، وبضمتين- جمع قطن: الإماء والحشم والخدم والأتباع وأهل الدار. 2 في "ب" الشائع، وهو تصحيف، لأن الطمر يطلق على الفرس الجواد وهو دليل السرعة. 3 تثفة: -بكسر التاء وتشديد الفاء- الحين والأوان. 4 انظر: الكتاب 2/ 330. 5 في اللسان: أتيته على تثفة ذلك، وتثفة فعلة، عند سيبويه وتفعلة عند أبي عمر، أي: على حين ذلك، لأن العرب تقوم: انفت عليه عنبرة الشتاء، أي: أتيته في ذلك الحين.

فُعَلَّةُ: دُرَجَّةٌ1 وهوَ اسمٌ: فَعُلَّةٌ: تَلُنّةٌ2 وبخطِّ ثعلب: تُلُنّةٌ فُعُلَّةٌ: قالوا: لي قبلَهُ تُلُنَّةٌ أَي: حَاجةٌ. قالَ أَبو بكر: فيجوزُ أَن تكونَ الضمةُ إتباعًا والأَصلُ الفَتحُ يعني في تُلُنَّةٍ3. الثالثُ: ما ضوعفتْ عينُه ولامُه: فَعَلْعَلٌ: حَبَرْبرٌ اسمٌ يقالُ: ما أَصاب منهُ حَبَرْبَراً4، ولا تَبَرْبراً5، ولا حَوَرْوَراً6 أَي: ما أَصابَ منهُ شيئًا والصفةُ: صَمَحْمَحٌ. قالَ الجرمي: وهوَ الغليظُ القصيرُ وقال ثعلبٌ: رأَسٌ صَمَحْمَحٌ أَصلعُ غَليظٌ شديدٌ. فُعَلْعَلٌ: ذُرَحْرَحٌ دَابَّةٌ حَمْرَاءُ ولا يعرفُ وصفًا وضاعفوا الفاءَ والعينَ في حرفٍ واحدٍ قالوا: دَاهيةٌ مَرمَريسٌ أَي: شديدةٌ وهيَ مِنَ المراسةِ. قالَ أبو بكر: قد ذُكرَ ذواتُ الزوائدِ مِنَ الثلاثي ونحنُ نتبعهُ بذواتِ الزوائدِ مِنَ الرباعي.

_ 1 درجة: بضم الدال وتشديد الجيم- والأدرجة: المرقاة. 2 تلنة: اللبث، الحاجة. 3 زيادة من "ب". 4 حبربر: ولد الحبارى، وهو طير. 5 تبربر: يقال: ما أصبت منه تبربرا، أي: شيئا. 6 حورور: يقال: ما أصبت حورورا، أي: شيئا، والحورورة: البيضاء.

ما لحقته الزوائد من بنات الأربعة

ما لحقتهُ الزوائدُ مِنْ بناتِ الأربعةِ 1: اعلم: أَنَّ ذواتِ الأربعةِ لا يلحقُهَا شيءٌ مِنَ الزوائدِ أَولًا2، إلا الأسماءَ مِنْ أَفعالهنَّ وكلُّ شيءٍ مِن بناتِ الأربعةِ لحقتهُ زيادةٌ فكانَ على مثالِ الخمسةِ فهوَ ملحقٌ بالخمسةِ كما تلحقُ ببناتِ الأربعةِ بناتُ الثلاثةِ إلا ما جاءَ إنْ جعلتَهُ فعلًا خالفَ مصدرَهُ مصدرَ بناتِ الأربعةِ3 نحو: فَاعَلٍ وفُعُّلٍ. فَفَاعَلٌ: نحو: طَابَقٍ. وفُعَّلٌ نحو: سُلّمٍ لو جعلتَ هذَا فعلًا ما كانَ إلا ثلاثيًا وما كانتْ مصادرُها إلا ثلاثيةً وكلُ شيءٍ جاءَ من بنَاتِ الأربعةِ على مثالِ: سَفَرْجلٍ فَهوَ ملحقٌ ببناتِ الخمسةِ لأَنكَ لو أكرهتَها حتى تكونَ فِعْلًا لاتفقَ الاسمُ والفعلُ لو قلتَ: فَعَلْتُ مِنْ: فَرَزْدَقٍ وسَفَرْجلٍ مستكرهًا ذلكَ لكانَ القياسُ أَنْ يكونَ فَرَزْدَقْتُ وسَفَرْجَلْتُ فيكونُ على وزنِ: تَكَلَّمتُ وتَفَاعلتُ في متحركاتِه وسواكنهِ وعَلَى وزنِ: تَدَحْرجتُ. وجاءتِ الزوائدُ في بَناتِ الأربعةِ أَقلَّ من بَناتِ الثلاثةِ بحرفٍ وهيَ الهمزةُ فأَمَّا "التاءُ" فجاءتْ سادسةً مع غيرِها مِنَ الزوائدِ في عَنْكبوتٍ فصار انقسامُ الرباعي ذي الزوائدِ علَى أَربعةِ أَقسامٍ: الواوُ والياءُ والألفُ والنونُ. الأولُ مِنْ ذلكَ: لَحاقُ الواوِ ثالثةً زائدةً. في ذواتِ الأربعةِ: فَعَوْلَلٌ: حَبَوْكَرٌ وهيَ الداهيةُ والصفةُ عَشَوْزَنٌ،

_ 1 في "ب" الرباعي. 2 أولا: ساقط من "ب". 3 انظر: الكتاب 2/ 335-336.

وهوَ الصَّلبُ الغليظُ ونظيرُها مِنْ بناتِ الثلاثةِ: حَبَوْننٌ1، فَعَوْلُلانٌ عَبَوْثُرَانٌ وهوَ نباتُ في طريقِ مكةَ فَعَوْلَلَى: حَبَوْكَرى2. اسمٌ. لحاقُها رابعةَ: فَعْلَوْلٌ: بَلَهْوَرٌ3 اسمُ ملكٍ مِنَ الأَعاجم والصفةُ: بَلَهْوَقٌ: وَهوَ الوضيءُ الحسنُ وكَنَهْورٌ: وهوَ العظيمُ مِنَ السحابِ. فَعْلَويلٌ: قُنْدَويلٌ صفةٌ: وهوَ العظيمُ الرأسِ. فُعْلُولٌ: عُصْفُورٌ والصفةُ: شُنْحُوطٌ طَويلٌ ونظيرهُ مِنْ بَناتِ الثلاثةِ: بُهْلولٌ4، فَعْلُولٌ: قَرَبُوسٌ وَزَرجُونٌ اسمُ الكَرْمِ. قالَ الجَرمي: وهوَ صبغٌ أَحمرُ قالَ: وزعمَ الأصمعي أَنَّ هذهِ فارسيةٌ أُعربت وأنَّ المعنى: زَرْبُونٌ أي لونُ الذَّهبِ فقلبتهُ العَربُ والصفةُ: قَرَقُوس الأَملسُ وحَلَكُوكٌ5 مِنْ بناتِ الثلاثةِ أَلحق ببناتِ الأربعةِ. فِعْلَولٌ: فِرْدَوسٌ اسمٌ روضةٌ دونَ اليمامةِ وهيِ إحدى الجنانِ التي ذكرهاَ الله عَز وجلَ. وبِرْذَونٌ6، والصفةُ: ناقةٌ عِلْطَوس: وهيَ الناقةُ الخيار الفارهةُ. وأُلحق بهِ من بَناتِ الثلاثةِ. عِذْيَوطٌ7. لحاقُها خامسةً: فَعَلُّوةٌ: قَمَحْدُوة8، والهاءُ لازمةٌ لَهُ ونظيرهُ مِنْ بَناتِ

_ 1 حبونن: واد، علم. 2 جبوكرى: الداهية. 3 بلهور: في سيبويه 2/ 336 "فعلول" وهو قليل في الكلام، قالوا: كنهور، وهو صفة. وبلهور. وهو صفة، فجعل كنهور وبلهور صفتين. وهما اسمان. 4 بهلول: الضحاك. 5 حلكوك: أسود. 6 برذون: بكسر الباء وسكون الراء وفتح الذال- الدابة، وتستعمل بهاء، جمعها براذين. 7 عذيوط: التيتاء. وهو ما يحدث عند الجماع. 8 قمدوحة: العظم الناتئ فوق القفا.

الثلاثة قَلَنْسُوةٌ1 فَيْعَلولٌ: خَيتَعُورٌ: اسمٌ للداهيةِ والصفةُ: عَيْسَجُورٌ وهيَ الشديدةُ مِنَ الإِبلِ. فَعْلَلُوتٌ: عَنْكَبوتٌ وتَخْرَبُوتٌ2. قالَ الجرمي: سأَلتُ علماءنا فَلم يعرفوا: تَخْرَبوتًا وفي كتابِ ثعلب بخطِّه: تَخْرَبوتٌ ناقةٌ فَارهةٌ. فَعْلَلولٌ: مَنْجَنُونٌ اسمٌ والصفةُ: حَنْدَقُوقٌ وهوَ الطويلُ المضطربُ شبه المَنْجَنُونِ3. الثاني: زيادةُ الياءِ في الرباعي. تلحق ثالثةً: فَعَيْلَلٌ: صفةٌ عَمَيْثَلٌ: وهوَ الجلدُ النشيطُ وأُلحقَ بهِ من بَناتِ الثلاثةِ: خَفَيْددٌ وأَصلُهُ للظليمِ ثَمَّ هوَ بعدُ لكُلِّ سَريعٍ. فَعَيْلَلانٌ: عَرَيْقُصانٌ وهيَ دابةٌ ولا يعرفُ وصفًا. لحاقُها رابعةً: فعْلِيلٌ: قَنْدِيلٌ وبِرْطِيلٌ4، والصفةُ: شَنْظِيرٌ: السيءُ الخلقِ [عن أبي زيدٍ] 5، وحِرْبيشُ6 الخَشِنَةُ7. وأُلحقَ بهِ مِنْ بناتِ الثلاثة: زِحْليلٌ8، مِنْ: تَزَحَّلَ فُعْلَيلٌ: غُرْنَيقٌ صِفةٌ وهوَ السيدُ الرفيعُ.

_ 1 قلنسوة: هي ما يوضع فوق الرأس. 2 تخربوت: الخيار الفارهة من النوق. 3 منجنون: الدولاب الذي يسقى به. 4 برطيل: حجر أو حديد طويل، صلب، حلقة ينقر به الرحى. والمعول. والرشوة. والجمع: براطيل. 5 زيادة من "ب". 6 حربيش: وحرشاء، وحريش الأفعى الخشنة الجلدة. 7 في الأصل "الخشبة" ولا معنى لها. 8 زحليل: المكان الضيق. والزحليل: المكان المتباعد.

وليسَ يلحقُ الرباعي شيءٌ مِنَ الزوائِد في أولهِ1 سِوى الميمِ التي في الأسماءِ مِن أَفعالهنَّ وما لحقتُه الياءُ مَع الواوِ فقد تقدمَ ذكرهُ. [لحاقُها خامسةً: فُعَلَّيةٌ: سُلَحْفيةٌ وهيَ دابةٌ ولا يعرفُ وصفًا وأُلحقَ بهِ مِنَ الثلاثي البُلْهْنيةُ وهيَ العيشُ الواسعُ لازمةٌ فَنْعَليلٌ. مَنْجيقٌ والصفةُ: عَنْتَريسٌ والدليلُ علَى زيادةِ النونِ الأولى قولُهم في جمعِه: مَجَانيقٌ وفي تصغيره مُجينِيقٌ والدليلُ على زيادةِ النون في عَنْتَريس2، أَنهُ مُشتقٌ مِنَ العترسَةِ وهيَ الأخذُ بالشدةِ ويوصفُ الأسدُ بذلكَ لشدتِه فُعَاليلُ: كُنَابيلُ: اسمُ أَرضٍ فَعْلَليل: عَفْشَليلٌ: أَعجمي والصفةُ قَمْطَريرٌ وذكَر سيبويه3 أَنه لا يعرفهُ إلا صفة4. الثالثُ: لَحاقُ الألفِ في ذواتِ الأربعة: تَلحقُ ثالثةً: فُعَالِلُ جُخَادبُ دابةٌ: والصفةُ عُذَافِرُ وهوَ العظيمُ الشديدُ وما لحقهُ مِن ذواتِ الثلاثةِ دُوَاسِرُ وهوَ الغليظُ الجانبِ مِنْ دَسَرَ يَدْسُرُ فُعَالِلى خُجَادِبَى امٌ وقد مدَّهُ5 بعضُهم. فَعَالِلُ. قَرَاشِبُ6. فَعَالِيلُ: قَنَادِيلُ.

_ 1 زيادة من "ب". 2 عنتريس: الناقة الصلبة الشديدة. الداهية من الرجال. 3 انظر: الكتاب 2/ 337. 4 ما بين القوسين زيادة من "ب". 5 الذي يمد يقول: خجادباء. 6 القراشب: جمع قرشب، وهو المسن السيئ الحال والأكول والضخم والطويل والأسد.

لحاقُها رابعةً لغيرِ التأنيثِ: فِعْلاَلٌ: حِمْلاقٌ1 والصفةُ: سِرْدَاحٌ2 وهيَ الأَرضُ الواسعةُ. وأُلحقَ بهِ جِلْبَابٌ. فَعْلاَلٌ لا يعلمُ في الكلام إلا المضعفُ مِنْ بناتِ الأربعةِ الذي يكونُ الحرفانِ الآخرانِ منهُ بمنزلةِ الأولينِ وليسَ في حروفهِ زوائدُ كما أَنهُ لَيْسَ في مضاعفِ بنَاتِ الثلاثةِ نحو رَدَدْتُ زيادةٌ وذلكَ نحو: الزَلْزَالِ والجَرْجَارِ وهو نبتٌ والصفةُ: قَرُبَ القَسْعَاسُ وهوَ البعيدُ وفِعْلالُ في المصدرِ نحو الزِّلزالِ لا يعلمُ المضاعفُ جاءَ مكسورَ الأولِ إلا في المصدر فَعْلاَءُ: بَرْسَاءُ. وَهْوَ الناسُ فُعْلاَلُ: قُرطاسُ هَو القرطاسُ بعينِه وقُرْنَاسٌ3، وهوَ الشيءُ يشخصُ مِنَ الجبلِ ولا يعرفُ وصفاً. لحاقُها خامسةً لغيرِ التأنيثِ: فَعَلَّى: حَبَركَى وهو القرادُ. وقالوا: رجلٌ حَبَرْكَاءُ يا فتى وهوَ القصيرُ الظهرِ الطويلُ الرجلِ وأُلحق بهِ مِنْ بناتِ الثلاثة: الحَبَنْطَى4 وغيرهُ. قالَ الجرمي وقَدْ جَعلَ بعضُهم الألفَ في حَبَركاءَ للتأنيثِ فَلَمْ يصرفْ. فِعِنْلالٌ: جِعِنْبارٌ صفةٌ: وهوَ الضَّخمُ مثلُ جِعِبْرَى ولحقُه مِنْ بناتِ الثلاثةِ: فِرِنْدادٌ وهيَ أَرضٌ فِعِلاَّلٌ: سِنِمَّارٌ: اسمُ رجلٍ وجِنِبَّارٌ: فَرخُ الحُبَارى والصفةُ: الطِّرْمّاحُ وهوَ الطويلُ وأُلحقَ بهِ مِنْ بناتِ الثلاثةِ

_ 1 حملاق: حمق العين: باطن أجفانها. 2 سرداح: الناقة الطويلة. 3 القرناس. والقرناس. شبيه الأنف يتقدم في الجبل: انظر: اللسان 8/ 56. 4 حبنطى: الممتلئ غيظا أو بطنه.

جِلِبّابُ. فَعْلَلاءُ: بَرْنَساءُ وعَقْرَبَاءُ ممدودٌ وغيرُ مصروفٍ ولا يعرفُ وصفًا فُعْلُلاءُ: القُرْفُصاءُ يمدُّ قومٌ ويقصرُ قومٌ. فِعْلِلاءُ: طِرْمِسَاءُ وهيَ الظلمةُ ممدودٌ صفةٌ وأُلحق بهِ مِنَ الثلاثةِ: جِرْبياءُ وهوَ الريحُ الشمالُ. فِعْلَلاءُ قالوا: هِنْدَبَاءُ للبقلِ يقصرُ بعضٌ ويمدُّ بعضٌ. فُعْلُلانٌ: عُقْرُبانٌ وهيَ دابةٌ والصفةُ: دُحْمُسانٌ1 وهوَ الأدمُ السمينُ. فِعْلِلانُ: الحِنْذِمَانُ حيٌّ يُقالُ لَهُ الحِنْذِمَانُ والصفة: حِذرجانٌ وهو القصيرُ. فَعْلَلانٌ: زَعْفَرانٌ والصفةُ: شَعْشَعانٌ الطويلُ الخلقِ مِنَ الفتيانِ. لحاقُها خامسةً للتأنيثِ: فَعْلَلَى: فَرْتَنَى اسم امرأةٍ وقيلَ: قصرٌ بمرو الروذ ولا يعرفُ صفةً وأُلحقَ مِنَ الثلاثةِ الخَيْزَلى2. فِعْلِلى: الهِندِبَى اسمٌ قال الجرمي: هِنْدِبَاءُ: وهوَ الخفيفُ في الحاجةِ فِعَلى: سِبطرى3 اسمٌ. فِعْلَلى الهِرْبَذى. وهوَ اسمُ مشيةِ. الرابعُ: لَحاقُ النونِ في الرباعي ثانيةً: فُنْعَلَلٌ خُنْثَعَبةٌ4، اسمٌ وهوَ الغريزُ والصفةُ: كُنْتَألٌ وهوَ القصيرُ فَنَعْلُلٌ: كَنَهْبُلٌ شَجَر عِظَامٌ. فِنْعَلُّ: قِنْفَخْرٌ5 أُلحقَ بجِرْدَحْلٍ6.

_ 1 دحمسان: الأحمق الشجاع. من معانيه الأخرى. 2 الخيزلى: مشية في تثاقل. 3 سبطرى: مشية فيها تبختر. 4 خنثعبة: -مثله الخاء والثاء والمثلثة مفتوحة: والخنثعبة -بضم الخاء والثاء: الناقة الغزيرة اللبن. 5 قنفخر: الضخم الجثة. 6 جردحل: -بكسر الجيم- الضخم من الإبل للذكر والأنثى.

الثاني: لحوقُ النونِ ثالثةً: فَعَنْلَلٌ حَزَنْبَلٌ القصيرُ وأُلحقَ بهِ عَفَنْجَحٌ1، الضخمُ.

_ 1 أي: ألحق به من بنات الثلاثة. انظر: الكتاب 2/ 339.

باب ما الزيادة فيه تكرير في الرباعي لحاقها من موضع الثاني

بَابُ ما الزيادةُ فيهِ تكريرٌ في الرباعي لحَاقها مِنْ موضع الثاني: فِعَّلٌ صفةٌ عِلَّكْدٌ: وهوَ الغليظُ الشديدُ. فُعَّلِلٌ: الهُمَّقعُ وهوَ ثمرُ التنضبِ والصفةُ: الزُّمَّلِقُ وهوَ الذي ينزلُ قبل أَن تجامعَ المرأةَ: فُعَّلُّ: شُمَّخرٌ المتعظمُ. فَعَّلِلٌ: هَمَرِّشُ1، هذَا الحرفُ ليسَ في كتابي المنسوخ من نسخةِ أَبي العباسِ. وَهْوَ فيما قريءَ في كتابِ القاضي عليهِ ولَم أَجدْهُ في نسخةِ ثعلب فأَحسبُ أَن أَصلَ هذَا الحرفِ: فَنَعْللٌ فأدغمَ.

_ 1 همرش: العجوز الكبيرة.

لحاقها من موضع الثالث

لحَاقُها مِن موضعِ الثالثِ: فَعَلَّلٌ: هَمَرّجةٌ1، والصفةُ: سَفَنَّجٌ: خَفيفٌ مِنْ صفةِ الظليمِ. فَعُلُّلٌ زُمُرُّدٌ كذَا قالَ2، بالدالِ هذِه الحجارةُ مِنَ الجوهرِ. فُعُلِّلٌ: الصُّعُرِّرُ3 في كتابِ بعضِ أَصحابِنا وليسَ في أَصلِ أَبي العباسِ ولا أعرفهُ. وقرأتُ في كتابِ ثَعلب الصُّفُرّقُ نَبْتٌ.

_ 1 همرجة: الخفة والسرعة. والاختلاط. ولغط الناس. 2 الذي قال: هو سيبويه، وانظر: الكتاب 2/ 339. 3 الصعرر: يقال: صعرر الشيء فتصعرر، دحرجته فتدحرج واستدار.

إلحاقها من موضع الرابع

إلحاقُها مِنْ موضعِ الرَّابعِ: فَعَلَّلٌ وصفٌ سَبَهْلَلٌ الرجلُ الفَارعُ. فِعْلَلُّ: عِرْبَدُّ: اسمُ حيةٍ والصفةُ: قِرْشَبٌّ وهوَ المسنُّ مِنَ الرجالِ وأُلحقَ بهِ عِسْوَدٌّ: اسمُ دَابةٍ. فِعْلُلُّ: صِفَةٌ قُسْحُبٌّ ضَخَمٌ وطُرْطُبٌّ: ثَديٌ طويلٌ فِعْلَلٌ: قَهْقَرٌ: حَجَر يملأُ الكفَّ والذي يُقرقرُ في جوفِه قِهْقَرٌ-بكسرِ القافِ الأوُلى. ما لحقتهُ الزيادةُ من بناتِ الخمسةِ وجاءتِ الزوائدُ في بناتِ الخمسةِ أَقلُّ بحرفٍ فزوائدُه ثلاثةٌ: الأولُ: لحَاقُ الياءِ خامسةً: فعْلَليلٌ خَنْدَريسٌ1، وعَنَدليبٌ طَائرٌ وسَلْسَبيلٌ والصفةُ دَرْدَبيسٌ وهيَ العجوزُ والداهيةُ أيضًا. فُعَلّيلٌ: خُزَعبِيلٌ وهي الأباطيل عن الجرمي. الثاني: لحَاقُ الواوِ خامسةً: فَعْلَلُولٌ: عَضْرَفُوطٌ وهيَ العظاءةُ الذكرُ. فِعْلَلُولٌ: صفةٌ قِرْطَبُوسٌ. وفي كتابِي موقع عن أبي العباس قَرْطَبُوسٌ2: هَوَ المعروفُ. الثالثُ: لَحَاقُ الأَلفِ سادسةً لغيرِ التأنيثِ: فَعَلَّلَى: قَبَعْثَرَى وهوَ العظيمُ الشديدُ.

_ 1 خندريس: الخمر، مشتقة من الخدرسة. 2 قرطبوس: الداهية، أو الناقة العظيمة بكسر القاف.

باب أبنية ما أعرب من الأعجمية

بَابُ أَبنيةِ ما أُعربَ مِنَ الأعجميةِ: الكلامُ الأعجمي يخالفُ العربي في اللفظِ كثيرًا ومخالفتهُ على ضربينِ: أَحدهُما: مخالفةُ البناءِ والآخرُ: مخالفةُ الحروفِ فَأَمَّا ما خالفَ حروفهُ حروفَ العربِ فإنَّ العربَ تبدلهُ بحروفها ولا تنطقُ بسِواها وأَمَّا البناءُ فإنهُ يجيءُ علَى ضربينِ أَحدهما: قد بنتهُ العربُ بناءَ كلامِها وغيَّرتهُ كما غَيرتِ الحروفَ التي ليست من حروفها. ومنه ما تكلمت به بأبنية غير أبنيتها وربما غيروا الحرفَ العربي بحرفٍ غيرهِ لأَنَّ الأصلَ أَعجمي. الأولُ: ما بنتهُ مِنْ كلامِها: وذلكَ قولهُم: درهمٌ ودينارٌ وإسحقُ ويعقوبُ وقالوا: آجُورٌ وشُبَارِق فألحقوهُ بعَذَافرَ ورُستاقٌ أَلحقُوه بقُرطاسَ. الثاني: ما بنتهُ على غيرِ أَبنيةِ كلامِها: وذلكَ نحو: آجُرٍّ وإبريسَم وسَراويلَ وفَيروزَ. ورُبَّما تركوا الاسم على حاله إذَا كانتْ حروفهُ مِنْ حروفِهم كانَ على بنائِهم أو لم يكنْ نحو: خُراسانَ وخُرّم والكُركُم ورُبَّما غيروا الحرفَ الذي ليسَ من حروفِهم ولم يغيروهُ على بنائِه في الفارسيةِ نحو: فِرِند وَبَقَّمٍ. واعلم: أَنَّهم إذَا أَبدلوا حرفًا مِنْ حروفِ الفارسيةِ أَبدلوا منهُ ما يقربُ

مِنَ المخرجِ فيبدلونَ من الحرفِ الذي بين الكافِ والجيم الجيمَ وذلكَ نحو: الجُرْبُزِ والآجُرِّ والجَورَبِ ورُبَّما أبدلوا القافَ لأَنَّها قريبةٌ أيضًا. قالَ بعضُهم: قُرْبُزٌ وقالوا: قُربَقٌ في قربكَ وإذَا كانتْ حروفٌ لا تثبتُ في كلامِ العجمِ وإنْ كانتْ مِنْ حروفِ العربِ أَبدلوا منهُ نحو: كُوسَهْ ومُوزهْ لأَنَّ هذهِ الحروفَ تحذفُ وتبدلُ في كلامِ الفرسِ همزةً مرةً وياءً أُخرى فأُبدلتْ مِنْ ذلكَ الجيمُ فقالوا: مُوزَجٌ وجعلوا الجيمَ الأُولى لأَنَّها قد تبدلُ مِنَ الحرفِ الأعجمي الذي بينَ الكافِ والجيمِ ورُبّما أُدخلتِ القافُ عليها. قال بعضُهم: كَوْسَقٌ وَكُرْبَقٌ وقالوا: قُرْبَقٌ وكِيلَقةٌ ويبدلونَ مِنَ الحرفِ الذي بينَ الياءِ والفاءِ نحو: الفِرِنْدِ والفُندُقِ ورُبَّما أبدلوا الباءَ لقربِها قالَ بعضُهم: البِرِنْدُ والعربُ تخلطُ فيما ليسَ من كلامِها إذا احتاجتْ إلى النطقِ بهِ فإذَا حُكِي لكَ في الأعجمي خلافُ ما العامةُ عليه فلا تَرينهُ تخليطًا مِمَّنْ يَرويهِ.

ما ذكر أنه فات سيبويه من الأبينة

ما ذِكُر أَنَّهُ فاتَ سيبويه مِنَ الأَبينةِ: تِلقامَّةٌ 1، وتِلْعَابّةٌ2، وفِرْناس3، وفُرَانسُ4، تَنُوفى5، تَرْجمُان،

_ 1 تلقامة: يقال: رجل تلقامة، أي: عظيم اللقم في الأكل. وقد ذكره سيبويه 2/ 243 في المصادر نحو: تفعلت: تفعالا نحو تحملت تحمالا، انظر الخصائص 3/ 187. 2 تلعابة: هو كثير اللعب. وهذا الوزن مذكور في المصادر ولم يذكر في الصفات انظر: الكتاب 2/ 243. 3 فرناس: من أسماء الأسد، كذلك قد ذكره سيبويه في الأبنية في آخر ما لحقته الألف رابعة مع غيرها من الزوائد. انظر: الكتاب 2/ 323. 4 فرانس: هو من أوصاف الأسد، يقال: أسد فرانس، أي يفرس ويدق العنق. 5 تنوفى: هي اسم موضع.

شَحْمٌ أَمْهَجُ رَقيقٌ: أَنشد أبو زيد1: يطعمُها اللحم وشحمًا أَمْهَجِا مُهْوأَنٌ2 عُيَاهمُ3 تُرامِز4 تُمَاضرٌ يَنَابعاتٌ5، دِحِندح6 فِعِلّينٌ لَيْثٌ عِفِرينٌ زَعَمَ أَنهُ العنكبوتُ الذي يصيدُ الذبابَ تِرْعايةٌ7، الصَّنبرُ زَيتونٌ كَذْبَذبٌ هَزَنْبَرانٌ8 عَفَزَّرَانٌ اسمُ رجلٍ هَيْدَكرٌ ضَربٌ مِنَ المشي زيادةٌ في حفظِ أَبي علي: هَيْدَكرٌ وفي نسخةٍ في حفظِ أَبي علي: هَدَيْكرٌ9. قالَ أبو علي: سألتُ ابنَ دريدٍ عنهُ فقَالَ: لا أَعرفهُ ولكنْ أَعرفُ الهَيْدَكورَ هُنْدِلعٌ: بقلةٌ دُرْدَاقِسٌ10 حُزْرانِقٌ11.

_ 1 في الأصل: أبو علي، وفي الخصائص 3/ 194 وأنشد أبو زيد. قال ابن جني: ولم نسمعه في النثر أمهجا. وانظر: الاقتضاب/ 277. 2 مهوان: هو ما اطمأن من الأرض واتسع. 3 عياهم: يقال رجل عياهم، أي: ماض سريع. 4 ترامز: الجمل القوي الشديد. 5 ينابعات: اسم موضع. 6 قال ابن جني في الخصائص 3/ 198 وأما دحندح: فإنه صوتان: الأول منهما منون دح، والآخر: منهما غير منون دح، وكأن الأول نون للوصل ويؤكد ذلك قولهم في معناه: دح دح فهذا كصه صه في النكرة. وصه صه في المعرفة. فظننته الرواة كلمة واحدة. 7 ترعاية، يقال: رجل ترعية وترعاية، قال ابن جني: وكان أبو علي صنع ترعاية فقال: أصلها ترعية ثم أبدلت الياء الأولى للتخفيف ألفًا كقولهم في الحيرة: حارى، وإذا كان ذاك أمرا محتملا لم يقطع بيقين على أنه مثال فائت في الصفات. انظر: الخصائص 3/ 200. 8 هزنبران: الكيس الحاد الرأس، أو السيئ الخلق. 9 في الأصل: هديكور، وصحح من الخصائص 3/ 202. وأبو علي هو الفارسي تلميذ ابن السراج. 10 درواقس: طرف العظم الناتئ فوق القفا. وقيل أعجمي أو رومي. 11 فارسي، يعني به: ضرب من ثياب الديباج.

ذكر ما بنت العرب من الأفعال

ذكر ما بنتِ العربُ مِنَ الأفعالِ: جميعُ ما بنتِ العربُ مِنَ الأفعالِ اثنان وثلاثونَ بناءً مِنْ بناتِ الثَّلاثةِ ومِنْ بَناتِ الأربعةِ وما أُلحقَ مِنْ بناتِ الثلاثةِ ببناتِ الأربعةِ وما زيدَ على الثلاثةِ والأربعةِ مما ليسَ بمحلقٍ ولا يبنى من بناتِ الخمسةِ فِعْلٌ ألبتَّةَ. الأولُ: ما لا زيادةَ فيهِ الثلاثي: فَعَلَ: مضارعُهُ يَفْعِلُ أَو يَفْعُلُ ورُبَّما انفردَا والأصلُ اجتماعُهما. قالَ الجرمي: سمعتُ أبا عبيدة يروي عن أبي عمرو بن العلاء قالَ: سمعتُ الضمَّ والكسرَ في عامةِ هذَا البابِ: فَعُلَ: مضارعه يَفْعُلُ وشذَّ حرفٌ واحدٌ قَالوا: فَضُلَ يَفْضَلُ وأَمَّا المعتلُّ فَقَد شذتْ منهُ أَحرفٌ قالَوا: ورَمَ يرِمُ ووَمقَ يَمِقُ وقالوا في حرفينِ من بناتِ الواوِ فَعُلَ يَفْعُلُ قالوا: مِتَّ تَموتُ ودِمْتَ تَدوم والأَجودُ: مُتَّ تَموتَ ودَمْتَ تَدُومُ. فَعَلَ يَفْعَلُ ففيهِ ثلاثةُ أَبنيةٍ. الثاني: ما فيهِ زائدٌ وهوَ ينقسمُ ثلاثةُ أَقسامِ: الأولُ: لا أَلفَ وصلٍ فيهِ. والثاني: فيه أَلفُ وصلٍ. والثالثُ: ملحقٌ بالرباعي أَفعلَ يَفْعَلُ. واسمُ الفاَعلِ: مُفْعِلٌ والمفعولُ: مُفْعَلٌ. وكانَ القياسُ أَنْ يقولوا: يُؤفعلُ فتثبتِ الهمزةُ في المضارعِ ولكنَّهم حذَفوها استثقالًا وقد حَذَفوها وهي فَاء الفعلِ في: كُلْ وخُذْ وكانَ القياسُ أُوكلْ أُوخذْ وقالَ أكثرهُم: أُومرْ. فَاعلَ يُفاعلُ

فِعَالًا ومُفَاعلةً وهي التي لا تنكسرُ. فأَمَّا الفِعَالُ فربَّما انكسرَ. وفوُعلٌ إِذَا أَردتَ "فَعَلَ" فتقلبُ الألِفُ واوًا لانضمام ما قبلَها وكذلكَ كُلُّ أَلفٍ ينضمُّ ما قبلَها. واسمُ الفَاعِل على: مُفُاعِلٍ والمفعول عَلى مُفاعَلٍ فَعّلَ يُفَعِّلُ تَفْعيلًا وَهْوَ مُفْعِّلٌ والمفعولُ مُفَعَّلٌ تَفَاعَلَ يتفَاعل تَفَاعلًا واسم الفاعل على: متفاعِل والمفعول متفاعَل تَفَعَّلَ يَتَفَعَّلُ تفعُّلًا واسم الفاعل على متَفَعِّلٍ والمفعول مُتَفَعَّلٍ. وليس تلحقُ الياء شيئًا من بناتِ الثلاثةِ ليسَ فيه زيادةٌ ولا تضمُ التاءُ في المضارع إذا قُلتَ: يَنفعلُ ولكنْ تفتحُها لأَنَّها شبهتْ بأَلف الوصلِ أَلا ترى أَنَّ العَرَبَ الذينَ يكسرونَ التاءَ والنونَ والهمزةَ في المُضَارعِ إذَا كانت فيما فيهِ أَلفُ وصلٍ يكسرونَها هَهُنَا فيقولونَ: أَنْتَ تِتَعَهدُ وَتِتَفاعَلُ فيجرونَها مَجْرى تَنْطلقُ وأَنا أنطلُقُ وأَنْتَ تَنْطلقُ فيضمونَ ذلكَ في جميع ما كانتْ فيهِ أَلفُ الوصلِ وفي جميعِ ما كانتْ فيهِ التاءُ زائدةً في أولِه فلذلك خَمْسَةٌ أَبنيةٍ. ما فيه أَلفُ الوصلِ من بناتِ الثلاثةِ: انْفعلَ يَنْفعلُ انْفِعالًا وفَعَلَ فيهِ انْفعَلَ يَنْفَعلُ والفاعلُ مُنْفَعِلٌ والمفعولُ مُنْفَعَلٌ ولا تلحقُ النونُ شيئًا مِنَ الفعلِ إلا انفعلَ وحدَهُ افتعَلَ يَفْتعلُ افْتعالًا وفَعَلَ منهُ افتعل يفتعلُ استفعلَ يَسْتَفْعِلُ استفعالًا وفَعُلَ منهُ اسْتُفْعِلَ استفعالًا واسمُ الفاعِل مُسْتَفعِلٌ والمفعولُ مُسْتفعَلٌ افعَاللتُ يَفعالُّ افعيلالًا وتجري مجرى استفعلتُ في جميعَ ما تصرفتْ فيهِ لأَنها في وزنِها وإِنّما أدغمتِ اللامُ في اللامِ فقيل: ادهامَّ لأنَّها ليستْ بملحقةٍ ولو كانتْ ملحقةً لما أَدغمتَها كما قالوا: جَلْبَب يجلببُ جَلَببةً وَفَعْلَلَ: افْعَوَّلَ ادهوّم أدهميامًا واشهيبابًا افعلَلْتُ: احمررتُ احَمرارًا وفَعَلَ منه: احمرَّ في هذا المكانِ وافرَّ فيهِ يصفرُّ اصفرارًا،

وافْعَوعلَ يَفعوعلُ افعيلالًا نحو: اغدودنَ النبتُ يغدودنُ اغديدَانًا إِذا نَعمَ افْعَوّلَ يَفْعَوِّلُ افعوّالًا نحو: اخروَّطَ السَّفَرُ يَخْرَوِّطُ اخْروَّاطًا إِذا طالَ السَّفَرُ وامتدَّ قالَ الأعشى: لاَ تأمنُ البَازِلَ الكرماءُ ضَربَتهُ ... بالمشرِفي إذا ما اخْروَّطَ السَّفرُ1 وَفَعَّلَ: اخروَّطَ واعلوَّطَ اعلواطًا. قال الجرمي: سألتُ: أَبا عبيدةَ عن اعلَّوطتُ المُهرَ قالَ: ركبتهُ عريًا قال: وسألتُ الأصمعي عن ذلكَ فقالَ: اعتنقته2 فذلكَ سبعة أَبنيةٍ فأمَّا هرقتُ الماءَ فأكثرُ العربِ يقولُ: أَرقتُ أُريقَ أراقَةً. وهوَ القياسُ. ويقولُ قومٌ مِنَ العربِ: هَرَاقَ الماءَ يُهريقُ هَرَاقةً فيجيءُ بهِ على الأصلِ ويبدل الهاءَِ من الهَمزةِ ودَمْعٌ مُهراقٌ قالَ زهيرُ: وَلَمْ يهريقوا بينَهم مِلءَ محجمِ3 وقال امرؤ القيس:

_ 1 الشاهد لأعشى باهلة كما في لسان العرب وهو عامر بن الحارث، من قصيدة مشهورة في رثاء أخيه من أمه اسمه المنتشر. والبازل: البعير إذا استكمل السنة الثامنة. والكوماء: الناقة الضخمة السنام. وانظر: اللسان 9/ 156 والمؤتلف والمختلف/ 11. 2 في المنصف 3/ 13 "اعلوط: يقال اعلوط المهر: إذا ركبه عريا، هذا قول أبي عبيدة، وقال الأصمعي: اعتنقه. 3 عجز بيت وصدره: ينجمها قوم لقوم غرامة يشير إلى الساعيين اللذين حملا دماء من قتل وأعطي فيها قوم لم يقتلوا، وملء الشيء: مقدار ما يملأه. والملء: المصدر. انظر: شرح ديوان زهير لثعلب/ 17 وشرح القصائد العشر للتبريزي/ 59.

وإن شفائي عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ ... ... فَهَلْ عند رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مَعَوّلِ1 وأَما الذينَ قالوا: اهراقَ يهريقُ اهراقةً فَقَد زادوها لِسكون موضِع العينِ مِنَ الفِعلِ فأجروهُ مجرى الذينَ قالوا: اسطاعَ2، يسطيعُ اسطاعةً2، فزادوا السينَ لسكونِ موضعِ العينِ من الفِعْلِ. ما أُلحق بالرباعي: فَعللتُ أُفَعْلِلُ فَعْللَةً. جَلْبَبتُ الرجلَ أُجلببهُ جَلْبَبةً إِذا أَلبستهُ الجِلْبابَ وهيَ المُلحفةُ والفاعلُ مُجَلْبِبٌ فأَجروهُ مجرى: دَحْرَجْتُ. فَوَعلَ يفوعلُ فَوْعَلةً: حَوْقَلَ يُحَوْقِلُ حَوْقَلَةً وذلك إذا أَدْبَرَ عَنِ النِّسَاءٍ يستعملُ في كُلِّ مُدبرٍ. فَيْعَلَ يُفيعِلُ فَيْعَلةً: بَيْطَر يُبيطرُ بَيْطَرةً وفَعَّلَ: بَوْطَرَ فَعْوَلَ يُفَعْولُ فَعْوَلةً: هَرْوَلَ يُهرولُ هَرْولةً. فَعْليتُ أَفَعْلي فَعْلاَة: سَلْقَيتهُ أَسَلَقيهِ سَلْقُاةً كانَ الأصلُ سَلْقَيَةً مثلُ دَحْرَجَةٍ فقلبتِ الياءُ لانفتاح ما قبلَها ومعنى سَلقاهُ: رَمى بهِ عَلى قَفاهُ افْعَنَلى فإذا أرادوا فَعَل الرجلُ بنفسهِ قَالوا: اسْلَنْقَى يَسْلَنقي اسْلنقاءً فَعْنَلتُه يقولُ بعضُهم: قلْسَنتهُ ويقولُ

_ 1 رواية الديوان: وإن شفائي عبرة إن سفحتها. ولا شاهد فيه. والعبرة: الدموع، ومهراقة: مسفوحة. معول: معتمد، أو معول: موضع عويل أي بكاء كأنه قال: هل عند رسم دارس من مبكى. انظر شرح القصائد العشر للتبريزي/ 5، والارتشاف/ 179. وشرح الديوان للسندوبي/ 47. 2 ذكر الجوهري أن مصدر اهراق واسطاع: اهرياقا واسطياعا، وهذا غير معروف، والقياس ما قاله ابن السراج. انظر: اللسان مادة "هرق" والمصباح المنير 2/ 963 وقد فصل السيرافي في هذه المسألة في شرح الكتاب. انظر: شرح السيرافي 1/ 194.

بعضُهم: قَلْنَستهُ أُقلنسةُ قَلْنَسةً تَفَعلى وقالوا: قَلْسَتهُ فَتَقَلَسَ يَتَقَلَسُ تَقَلْسيًا دَحْرَجتهُ فَتَدَحْرجَ تَدَحْرجًا وكانَ الأصلُ تَقَلْسوًا ولكنَّ الواوَ إِذا كانتْ طرفًا في الاسم وقبلَها ضمةٌ قلبتْ ياءً فَيْعلْتهُ: شَيْطَنتهُ فَتَشَيطنَ تَشَيطنًا تَفَعْولَ: سَهْوَكتهُ فَتَسهوكَ تَسْهُوكًا والمتسهوكُ: المدبرُ الهالكُ افْعَنْللَ قالوا: تَفَنْجَجَ يَتَفَنْجَجُ اتفِنْجَاجًَا ملحقٌ باحرنْجَم وهيَ تجري مجرى استفعلَ في جميعِ ما تصرفتْ فيهِ فهذَا جميعُ ما بنتِ العربُ مِنَ الأفعالِ مِنْ بناتِ الثلاثةِ تَمْفَعلَ وقد جاءَ حرفانِ شَاذانِ لا يقاسُ علَيهما قالوا: تَمَدْرَعَ1 من المدرعةِ يَتَمَدْرعُ تَمَدْرعًا وأكثرُهم: تَدَرعَ يتدرعُ تَدرُّعًا وهو القياسُ وهوَ أَكثرهما وأَجودهما وقالوا: تَمَسْكنَ2 يتمسكنُ تَمَسْكنًا للمسكينِ وأكثرهُم يقولُ: تَسَكَّنَ يتسكنُ تِسكنًا وهو أَجودهما وهوَ القياسُ وقالَ: تَمَنْدلَ بالمنديلِ يتمندلُ تَمَنْدلًا إِذا مسحَ يدَهُ بالمنديلِ وأكثرهم يقولُ: تَنَدَّلَ يَتَندلُ تَنَدُّلًا وهوَ أَجودهما فذلكَ اثنا عشرَ بناءً.

_ 1 تمدرع: لبس المدرعة. وقال بعضهم: لا تكون إلا من صوف. وتدرع بمعنا وهو أفصح من تمدرع. 2 تمسكن: من المسكنة، والذل. أي صار مسكينا، وتسكن بمعناه، وهو أفصح من تمسكن.

بناء الأفعال من بنات الأربعة بلا زيادة

بِناءُ الأفعالِ من بناتِ الأربعةِ بلا زيادةٍ: فَعْلَلَ: دَحْرَجَ يُدحرجُ دَحْرَجةً وسَرْهَفَ يُسرهفُ سَرْهَفةً وقالوا: سِرْهَافًا قالَ العجاجُ: سَرْهَفْتُهُ ما شِئْتَ مِنْ سرهافِ1

_ 1 يريد: أنه جهد في تربيته. وروى في المخصص: سرعفته ما شئت من سرعاف. وانظر: المقتضف 2/ 95، والخصائص 1/ 222. والمنصف 1/ 41، وأمالي ابن الشجري 2/ 294. والخزانة 1/ 245 والمخصص 1/ 27. والسمط 788.

والمُسرهفُ الحسنُ الغداءِ فعللَ مكررٌ فإِذَا كانَ من المكررِ قالوا: زَلْزَلتهُ زلِزلةً وزِلزالًا وبعضُ العربِ يفتحُ هذَا المكررَ فيقولُ زلزلتهُ زِلْزَالًا فإِذَا أَردتَ اسمَ الفَاعلِ قلتَ: هذَا مزلزِلٌ ومُدَحرِجٌ.

ما فيه زيادة من الرباعي وألف الوصل

ما فيهِ زيادةٌ مِنَ الرباعي وأَلفُ الوصلِ: افْعنْللَ يَفْعَنللُ افْعِنلالًا: احْرَنجمَ يَحْرنجمُ احْرنْجامًا والمُحْرَنْجمُ المجتمعُ بعضهُ إلى بعضٍ افْعَلَلَّ: اقْشَعَرَّ يقشعرُّ اقشعرارًا واطمأَنَّ يطمئنُّ اطمئنَانًا فيجري مجرى: استعدَّ يستعدُّ استعدادًا وأما قولُهم: الطمأنينةُ والقشعريرةُ فهذا اسمٌ فليسَ بمصدرٍ على الفعلِ وليسَ في الأربعةِ ملحقٌ إِذْ لَم يكنْ للخمسةِ بناءٌ تلحقُ بهِ فذلكَ أَربعةُ أَبنيةٍ.

ذكر التصريف

ذكر التصريف مدخل ... ذِكرُ التصريفِ: هذَا الحدُّ إِنَّما سُميَ تصريفًا لتصريفِ الكلمةِ الواحدةِ بأبنيةٍ مختلفةٍ وخصوا بهِ ما عرضَ في أُصولِ الكلامِ وذواتِها من التغييرِ وهوَ ينقسمُ خمسةَ أَقسامٍ: زيادةٌ وإِبدالٌ وحَذْفٌ وتغييرٌ بالحركةِ والسكونِ وإدغامٌ ولَهُ حدٌّ يعرفُ بهِ. الأول: الزيادة. والزيادةُ تكونُ علَى ثلاثةِ أَضربٍ: زيادةٌ لمعنىً وزيادةٌ لإلحاقِ بناءٍ ببناءٍ وزيادةٌ فَقَطْ لا يرادُ بها شيءٌ مما تقدمَ فأَمَّا ما زيدَ لمعنىً فأَلفُ "فَاعِلٍ" إِذَا قلتَ: ضَارِبٌ وعَالِمٌ ونحوَ حروفِ المضارعةِ في الفِعْلِ نحو الأَلفِ في أَذهبُ والياءِ في يَذهبُ والتاءِ في تَذهبُ والنونِ في نَذهبُ وأَمَّا زيادةُ الإِلحاقِ فنحو: الواو في كَوثرٍ أَلحقتهُ ببناءِ جَعْفَرٍ وأَمَّا زيادةُ البناءِ فنحو: أَلفِ حِمَارٍ وواو عجوزٍ ويَاء صحيفةٍ.

والحروفُ التي تُزادُ عَشرةٌ: الهمزةُ والألفُ والياءُ والواوُ والهاءُ والميمُ والنونُ والتاءُ والسينُ واللامُ يجمعُها في اللفظِ قولُكَ: اليوم تَنْسَاهُ. الأولُ: الهمزةُ: أَمَّا الهمزةُ فتزادُ إِذا كانتْ أَولَ حرفٍ في الاسم فِي ذواتِ الثلاثةِ فصاعدًا بالزوائدِ في الاسم والفعلِ نحو: أفكلٍ وأَذهب وفي الوصلِ في ابنٍ واضربْ والهمزةُ إِذا لحقتْ رابعةً مِنْ أَولِ الحرفِ فصاعدًا فهي زائدةٌ وإِنْ لم يشتقَّ منهُ ما تذهبُ فيهِ الزيادةُ ولا تجعلْهُ مِنْ نفسِ الحرفِ إلا بثبتٍ فإِنْ سميتَهُ فأفكَل وأَيدع لَمْ تصرفْهُ وأَنْتَ لا تشتقُّ منهُ ما تذهبُ فيهِ الألفُ وكذلكَ إِنْ جاءتِ الهمزةُ معَ غيرِها مِنَ الزوائدِ في الكلمةِ فاحكمْ عليها بالزيادةِ نحو: اصليتٍ وأَرْونان1. ومَحالٌ أَنْ تلحقَ رباعيًّا أَو خماسيًّا لأنَّ الزيادةَ لا تلحقُ ذواتِ الأربعةِ مِنْ أَوائلِها وهيَ مِنَ الخمسةِ أَبعدُ فأما: أَولقُ فالألفُ مِنْ نفسِ الحرفِ يدلُّكَ على ذَلكَ قولُهم: أَلقَ وإِنَّما أَولقَ فَوْعَلَ ولولا هذا الثبتُ لحملَ علَى الأكثرِ وكذلكَ: الأَرْطى2، لأَنّكَ تقولُ: أَديمٌ مأروطٌ ولو كانتِ الألفُ زائدةً قلتَ: مَرطى. وكذلكَ: إِمِّرَةٌ3 أمعةٌ إِنَّما هُوَ فِعْلةٌ لأَنَّهُ لا يكونُ أَفعلُ وصفًا والهمزةُ المضمومةُ والمكسورةُ كالمفتوحةِ أَلا تَرى أَنَك تسوّي بينَ

_ 1 أرونان: صوت، والصعب من الأيام، ويوم أرونان: مضافا أو منعوتا. 2 أرطى: شجر ينبت في الرمل نوره كنور الخلاف، وثمره كالعناب، مرة تأكلها الإبل غضة، وعروقه حمر. 3 إمرة: الإمر: بكسر الهمزة وتشديد الميم وفتحها- والأمرة: وبفتح الهمزة فيهما- ضعيف الرأي يوافق كل أحد على ما يريد من أمره كله. أو الصغير من أولاد الضأن.

أُبلم1 وإِثمد2 وإِصليتٍ3 وأَرْونَان وإِمخاض وإِنَّما هيَ مِنَ الصلتِ والرونِ والمخضِ وكذلكَ4: أَلندد إِنَّما هُوَ مِن أَلددِ وأُسكوبٌ إِنَّما هُوَ مِن السَّكْبِ ولا تزادُ الهمزةُ غيرَ أَولٍ إلا بثبتٍ فَمِنْ ذلكَ: ضَهياء5 هيَ زائدةٌ لأَنكَ تقولُ: جُرواضٌ6 وحُطَائطٌ لأَنَّ القصيرَ محطوطٌ ومِنْ ذلكَ شِمْلاَلٌ شَأملٌ لأَنك [تقولُ] 7: شَمْلَلتِ الريحُ. الثاني: الأَلفُ: الألفُ لا تزادُ أَولًا وذلكَ مَحالٌ لأَنَّها لا تكونُ إِلا ساكنةً ولا يجوزُ الابتداء بساكنٍ وتزادُ ثانيةً في "فَاعلِ" ونحوهِ وثالثةً في جمادٍ ونحوهِ ورابعةٍ في عَطْشَى ومِعْزَى وحُبْلَى ونحوهنَّ وخامسةً في حِلبلابٍ وجَحْجَبَى8 وحَبَنْطى9 ونحو ذلكَ ولا تلحقُ الألفُ رابعةً فصاعدًا إلا مزيدةً وهيَ بمنزلةِ الهمزةِ أولًا وثانيةً وثالثةً ورابعةً إلا أَنْ يجيءَ ثَبْتٌ وهيَ أَجدرُ بالزيادةِ مِنَ الهمزةِ لأَنَّها لا تكثر ككثرتِها فإِنَّهُ ليسَ في الكلامِ حَرْفٌ إلا وبعضُها فيهِ أَو بعضُ الياءِ والواوِ فإن جَاءتِ الألفُ رابعةً وأَول

_ 1 أبلم: غليظ الشفتين وبقلة لها قرون كالباقلاء. ويقال: المال بيننا شق الأبلمة، أي: نصفين. 2 إثمد: -بكسر الهمزة- حجر للكحل، وكأحمد- موضع، ويضم الميم. 3 إصليت: صفة للسيف، يقال: سيف إصليت، أي صقيل. 4 الندد: الطويل الأخدع من الإبل، والخصم الشحيح الذي لا يزيغ إلى الحق. 5 ضهياء: المرأة التي لا تحيض ولا تحمل، أو تحيض ولا تحمل. 6 جرواض: الأكول. شديد القطع بأنيابه للشجر. 7 أضفت كلمة: تقول المعنى. 8 جحجبى: حي من الأبصار. 9 حبنطى: الممتلئ غيظا وبطن.

234 الحرفِ ونحو ذَلكَ ولا تلحقُ الهمزةُ أَو الميمُ ... فهيَ أَصلٌ نحو: أَفْعَىً ومُوسَىً لأنَّ أَفْعَىً "أَفعلُ" ومُوسَىً "مُفْعلٌ" فإذَا لم يكنْ ثَبْتٌ فهيَ زائدةٌ أبدًا وأمَّا "قَطَوْطَى"1 فهيَ فَعَوْعلٌ لأَّنه ليسَ في الكلامِ فَعَوْلَى وفيهِ "فَعَوعلٌ" مثلُ: عَثَوثلٍ وحَبَركى2 ولم يُجعلْ فَعَلْعَل لأنَّ فَعَوْعلًا أَولى بهِ من بَابِ صَمَحمحٍ3 ودَمكمكٍ4 زَعَمَ أَنَّ الواوَ لا يكونُ أصلًا في بناتِ الثلاثةِ فصاعدًا فلذلكَ قالَ: قَطَوطَى فَعَوْعَلٌ فالألفُ إِذا لحقت رابعةً فهيَ زائدةٌ وإِنْ لم يشتقَّ مِنَ الحرفِ ما يذهبُ فيهِ كما وجَبَ في الهمزةِ إِذَا كانتْ أولًا رابعةً. الثالثُ: الياءُ: وهيَ تكونُ زائدةً إِذَا كانتْ أولَ الحرفِ رابعةً فصاعدًا كالهمزةِ في الاسم والفعلِ. نحو: يَرمعٍ5 ويَربوعٍ ويَضربَ وتكونَ زائدةً ثانيةً وثالثةً في مواضعِ الألفِ ورابعةً في نحو: حذريةٍ وهي قطعةٌ منَ الأَرضِ وقنديلٍ وخامسة نحو: سُلَحفيةٍ. وتلحقُ إِذا ثنيتَ قبلَ النونِ الياءُ أُختُ الألفِ فإِذاَ جاءتْ في كلمةٍ تذهبُ فيما اشتقتْ منهُ فهيَ زائدةٌ نحو: حذيمٍ إِنَّما هوَ من حذمتُ وعثيرٍ إِنَّما هوَ منْ عثرتُ وسلقيتهُ إِنَّما هوَ من سلقتهُ وقلسيتهُ وتَقلَّس لأنَّهم يقولونَ: تَقلنَس وتَقَلس ومِنْ ذلكَ قولُهم في عيضموزٍ6 عضاميزَ7 وفي عَيطموسٍ8: عَطَاميسَ ومثلُ

_ 1 قطوطى: مقاربة الخطو. 2 حبركى: القوم الهلكى. 3 صمحمح: الغليظ الشديد، والقصير الأصلع. 4 دمكمك: الشديد القوي. 5 يرمع: حجارة رخوة. 6 عيضموز: العجوز، والناقة الضخمة منعها الشحم من أن تحمل. 7 في الأصل: "عضاموز". 8 عيطموس: المرأة الجميلة أو الحسنة الطويلة.

ذلكَ ياء عِفْرِيةٍ1 وزِبْنِيَةٍ2 لأنكَ تقولُ: عِفْرٌ وعَفَرهُ وَزَبَنَهُ فمتىَ جاءتْ ملحقةً فحكمُها حكمُ الزيادةِ وإنْ جاءتِ الياءُ في حرف لا يجيءُ على مثالِ الأَربعةِ والخمسةِ فهي بمنزلةِ ما يشتق منهُ ما ليسَ فيهِ زيادةٌ لأَنكَ إِذَا قلتَ: حَمَاطةٌ ويَربُوعٌ كانَ بمنزلتهِ لو قلتَ: رَبعْتُ وحَمَطْتُ لأَنهُ ليسَ في الكلامِ مثلُ: سَبَطرٍ3 ولا مثلُ: دَمْلُوجٍ ويَهْيَرٌّ يَفْعَلٌّ لأَنهُ ليسَ في الكلامِ فَعْيَلٌّ ولو كانتْ يَهْيرُ مخففة الراءِ لكانتِ الياءُ هيَ الزائدةُ لأَنَّ الياءَ إِذا كانت أولًا بمنزلةِ الهمزةِ أَلاَ تَرَى أَن يَرْمَعًَا بمنزلةِ أَفَكَلٍ4. قال5: ولا في الكلامِ أيضًا "يَفْعَلُّ" اسمًا ولكنّهم قد يقولونَ: يَهْيَرُ خفيفٌ وفي الكلامِ مثلهُ فلمَّا قالوهُ علمنا أَنَّهُ مشتقٌّ منهُ وأَما يأججُ6 فالياءُ فيهِ مِنْ نفسِ الحرفِ لولا ذلكَ لأَدغموا كماَ يدغمونَ في مُفْعَلٍ ويَفْعلُ وإِنّما الياءُ هَهُنَا كميم مَهْددٍ. ويَستعورٌ7، الياءُ [فيهِ] 8 أَصليةٌ بمنزلةِ عَينِ عَضْرَفُوطٍ9 لأَنَّ الحروفَ الزوائدَ لا تلحقُ ببناتِ الأربعةِ أَولًا إلا الميمُ التي في الاسم الذي يكونُ علَى فِعْلِه.

_ 1 عفرية: الخبيث المنكر. 2 زبينة: متمرد الجن والإنس: والشديد. 3 في الأصل: سبطرت. 4 أفكل: جماعة من الناس. 5 أي: سيبويه، انظر: الكتاب 2/ 346. 6 يأجج: موضع بمكة. 7 يستعور: الباطل: وموضع، والكساء يجعل على عجز البعير. 8 أضفت كلمة "فيه" لتوضيح المعنى. 9 عضرفوط: دويبة بيضاء ناعمة، وقيل هو ذكر العضاة.

الرابعُ: الواوُ: وهيَ تزادُ ثانيةً في: حَوْقَلٍ وصَوْمَعةٍ ونحوهما وثالثةً في: قُعودٍ وعَجُوزٍ وَقَسْوَرٍ1 ونحوها ورابعةً في بُهْلُولٍ2 وقرنُوةٍ3، وخامسةً في قَلَنْسوةٍ وقَمَحْدُوةٍ ونحوهما وفي: عَضْرَفُوطٍ كَما لحقتِ الياءُ خَنْدَريس4 وهيَ كالياءِ إِذَا أَلحقت بناتِ الثلاثةِ ببناتِ الأَربعةِ والأربعة ببناتِ الخمسةِ فهيَ زائدةٌ في الأسماءِ والأَفعالِ التي يشتقونَ منها فالذاهبُ فيهِ بمنزلةِ الهمزةِ أَولًا أَن يجيء ثَبْت وهوَ أَولى أَنْ تكونَ زائدةً مِنَ الهمزةِ قالوا: جَهْوَرْتُ وإِنَّما هيَ مِنَ الجَهارةِ وَقَسْوَرٌ مِنَ الاقتسارِ وعُنْفُوانٌ إِنَّما هُوَ مِنَ الاعتنافِ وقِرواحٌ5 إِنَّما هُوَ مِنَ القَراحِ وأَمّا: وَرَنْتَلٌ فالواوُ مِنْ نفسِ الحرفِ لأَنَّ الواوَ لا تزادُ أَولًا أبدًا وقَرْنُوَةٌ6: فَعْلَوةٌ لأَنَّهُ لَيسَ مثل قُحْطُبةٍ فهوَ بمنزلةِ ما أَذهبهُ الاشتقاقُ7. الخَامسُ: الهاءُ: وهي تُزادُ لِتَتَعّين بِهَا الحركةُ وقَد بينا ذلكَ وبعدَ أَلفِ المَدِّ الندبة والنداء: واغلاماهُ ويا غُلاماهُ.

_ 1 قسور: العزيز: الأسد، الرامي من الصيادين. 2 بهلول: الضحاك. السيد الجامع لكل خير. 3 قرنوة: نبت تدبغ به الجلود. 4 خندريس: الخمر، مشتقة من الخدرسة. 5 قرواح: الناقة الطويلة القوائم، والأرض التي لا ماء يها. 6 قرنوة: نبت. 7 قال سيبويه 2/ 347: وأما قرنوة فهي منزلة ما اشتقت مما ذهبت فيه الواو نحو: خروع فعول، لأنه من التخرع، والضعف، لأنه ليس في الكلام على مثال قحطبة.

السادسُ: الميمُ: وهيَ تُزادُ أولًا في: مَفعُولٍ ومَفعلٍ ومُفْعلٍ ومِفْعَالٍ والميمُ بمنزلةِ الألفِ يعني الهمزة فموضعُ زيادتِها كموضع زِياتِها وكثرتُها ككثرتِها إذا كانتْ أَولًا في الاسم والصفةِ فَمَنْبجٌ: مَفْعِلٌ لذلكَ فأَمَّا المِعزْى فالميمُ مِنْ نفسِ الحرفِ لقولِكَ: مَعْزٌ ومَعَدٌّ مثلهُ لقولِهم: تَمَعدَد لقلةِ "تَمَفْعَلَ" في الكلامِ وأَمَّا مسكينٌ فمن تَسكَّنُ وقالوا: تَمسكنَ مثلُ تَمدرعَ1 في المدرعةِ. وتَمَفعلَ شاذٌّ وأَمَّا منجنيقٌ فالميمُ فيهِ من نفسِ الحَرفِ صارَ الاسم رباعيًّا لأَنَّكَ جعلتَ النونَ مِنْ نفسِ الحرفِ والزياداتُ لا تلحقُ بناتِ الأربعةِ أَولًا إلا الأسماء الجاريةَ على أَفعالِها نحو: مَدَحرجٍ وإنْ جَعَلْتَ النونَ زائدةً لم يجزْ أَن تكونَ الميمُ زائدةً فيجتمعُ حرفانِ زائدانِ في أولِ الاسم وهذَا لا يكونُ في الأَسماءِ ولا الصفاتِ التي ليستْ علَى الأفعالِ المزيدةِ. والهمزةُ التي هيَ نظيرةُ الميمِ ولم يقعْ بعدَها أيضًا زائدٌ في الكلامِ فَمَنْجَنيقٌ بمنزلةِ2 عَنتْريسٍ فهيَ فَنْعَليلٌ والنونُ زائدةٌ ويقوي ذلكَ قولُهم: مَجانيقُ فَحذَفوا النونَ ومَنْجَنونٌ فَعْلَلُولٌ بمنزلةِ عَرْطليلٌ3 إلا أَنَّ موضَع الياءِ واوٌ ويجمع مَنَاجينُ. فالميمُ أَصليةٌ لِما أَخبرتُكَ وكذلكَ ميمُ مَأْججٍ ومَهْدَدٍ ولو كانتا زائدتينِ لأدغمتا كَمَردٍّ وَمَفرٍّ وإنّما مَهْدَدٌ ملحقٌ بجَعْفَرٍ ومِرْعِزاءُ4 "مِفْعِلاءُ" ولكنْ كسرتِ الميمُ إتباعًا للكسرةِ التي في العينِ كما قَالوا: مِنْخِرٌ يَدلُّ على ذَلك قولُهم: مرْعزَّى ومِكورَّى مثلهُ وهوَ العظيمُ الروثةِ مأخوذٌ مِنْ كَوَّرَهُ إذَا

_ 1 في الأصل: "تمدع" وهو خطأ. 2 عنتريس: الناقة الصلبة. الداهية من الرجال. 3 عرطيل: الضخم والفاحش الطول. 4 المرعزاء: الزغب الذ يتحت شعر العنز.

جمعَهُ وقالوا: يَهيَرّي فليسَ شيءٌ مِنَ الأربعةِ على هذَا المثالِ لحقتهُ أَلفُ التأنيثِ لأَنَّ "فَعْلَلّى" لم يجئ. وقالوا: يَهْيرٌ فحذفوا كما قالَوا: مِرعِزٌ وقالَ بعضُهم: مِكْوَرٌّ1. وقالَ سيبويه: مَراجِلُ2 ميمُها مِنْ نفسِ الحرفِ3 قالَ العَجاجُ: بشيةٍ كشيةِ المُمَرجَلِ4. والمُمَرجَلُ: ضربٌ مِن ثيابِ الوشي والميمُ إذا جاءتْ في أَولِ الكلامِ فإنَّهُ يحكمُ بزيادتِها فإنْ جاءتْ غيرَ أَولٍ فإنَّها لا تزادُ إلا بَثبتٍ لقلِتها وهيَ غير أَولٍ زائدةٌ وقالوا: ستُهمٌ وزٌرقمٌ يريدونَ: الأسْتَةَ والأَزرقَ. السابعُ: النونُ: وهيَ تزادُ في فَعْلاَنَ خامسةً: عَطْشانُ ونحوه. وسادسةً في زَعْفَرانٍ ونحوهِ ورابعةً في: رَعْشنٍ5 والعِرْضْنة ونحوهِما وفيما يصرفُ مِنَ الأسماءِ وفي الفعلِ الذي تدخلهُ النونُ الخفيفةُ والثقيلةُ. وفي تفعلينَ7، وفي فعلِ النساءِ إذْا جمعتَ نحو: فَعَلنَ ويَفْعلنَ وفي تثنيةِ الأسماءِ وجمعِها وفي "نَفْعلُ" تكونُ أَولًا وثانيةً في عَنْسَلٍ وثالثةً في قَلَنْسوةٍ،

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 344. 2 في الأصل: مراجم. 3 انظر: الكتاب 2/ 345. 4 من شواهد الكتاب 2/ 345. والممرجل: ضرب من ثياب الوشي، تصنع بدارات، كالمرجل وهو القدر، والشية: اختلاف اللون، شبه اختلاف لون الثور الوحشي لما فيه من البياض والسواد بوشي المراجل واختلافه. وانظر: 13/ 291. 5 رعشن: جبان، أو السريع من الجمال والطلحان. 6 العرضنة: مشية بها نشاط، ونظرة العرضنة: نظرة بمؤخر العين. 7 في الأصل: "يفعلن". 8 عنسل: الناقة السريعة.

وتكثرُ في فِعْلانٍ وفُعلانٍ للجمعِ. وتكثر في فِعْلانٍ مصدرًا وأَمَّا فَعْلاَنُ فَعْلَى فَقَال سيبويه: النونُ فيهِ بَدلٌ مِنْ همزةِ "حمراءَ"1 ولا يجعلُها زائدة فَيما خَلا [ذا] 2 إلا بثَبْتٍ. ولَوْ سميتَ رجلًا: نَهْشَلًا أَو نَهْسرًا لصرفتُهُ ولم تجعلْهُ زائدًا كالياءِ والألفِ3، وكذلكَ نونُ عَنْترٍ لا تجعلها زائدةً فأَمَّا عَنْسَلٌ فالنونٌ زائدةٌ لأَنهم يريدونَ: العَسُولَ وكذلكَ العَنْبَسُ لأَنهُ مِشتقٌّ مِن العَبُوسِ ونونُ عَفَرْنَى4 زائدةٌ مِنَ العِفْرِ ونونُ بُلَهْنِيةٍ5 من قولِكَ: عيشٌ أَبْلَهُ ونونُ فرِسِنٍ لأَنَّها من فَرَسْتُ ونونُ خَنْفَقيقٍ لأَنَّ الخَنْفَقيقَ الخفيفةُ مِنَ النساءِ الجريئةُ. قالَ سيبويه: وإنّما جعلَها مِنْ خَفَقَ يَخفقُ كما تَخفقُ الريحُ يقالُ: دَاهيةٌ خَنْفَقِيقٌ6. ومِنْ ذلكَ: البَلَنصَى7 تقولُ للواحدٍ: البَلَصُوصُ ومثلُ ذلكَ عَقَنْقلٌ8 وعَصَنْصَرٌ9 لأَنكَ تقولُ: عَقَاقيلُ وتقولُ: عَصَاصِيرُ وعُصَيصِيرٌ ولَو لم يوحدْ هَذانِ لكانتِ النونُ زائدةً لأَنَّ النونَ إذَا كانتْ ثالثةً ساكنةً في هذا المثال فهي زائدة [ولا تُجعلُ النونُ فيها زائدةً إلا باشتقاق مِنَ الحروفِ ما ليسَ فيهِ نونٌ] 10 لأَنَّها تكثرُ في هذَا وتلحقُ البناءَ بالبناءِ

_ 1 الكتاب 2/ 349 وفيه النون بدل كهمزة حمراء. 2 أضفت كلمة "ذا" لإيضاح المعنى. 3 الألف في "أفكل" والياء في "يرمع" وانظر: الكتاب 2/ 350. 4 عفرنى: الأسد القوي. 5 بلهنية: السعة والرفاهية. 6 انظر: الكتاب 2/ 350. 7 بلنصى: طائر. 8 عقنقل: الكثيب من الرمل. 9 عصنصر: جبل. 10 التصحيح من سيبويه 2/ 351 لأن الجملة مضطربة في الأصل.

فيما كانَ علَى خمسةِ أَحرفٍ نحو: حَبَنْطَىً وجَحَنْفَلٍ ودَلَنْظَىً وقَلَنْسُوةٍ وهذِه النونُ في موضعِ الزوائدِ1 نحو أَلف عُذَافرٍ وواو فَدَوكَسٍ2، وياء سَمَيدعٍ3. والنونُ والألفُ يتعاورانِ الاسمَ في معنىً واحدٍ نحو: شَرَنبثٍ4 وشُرابث وجَرَنْفسٍ5 وجُرَافس وقالوا: عَرَنْتُنٌ6، وعَرَتُنٌ فحذفوا كُعَلبْطٍ7 ومَا جاءَ من هذَا بغيرِ نونٍ نحو: عُوطَطٍ وجُنْدبٍ وعُنْصَلٍ وَخُنْفَسٍ وعُنْظَبٍ النونُ زائدةٌ لأَنَّهُ لا يجيءُ علَى مثالِ: فُعْلَلٍ شيءٌ إلا وحرفُ الزيادة لازمٌ لَهُ وأُكثرُ ذلكُ النونُ ثانية فإنَّما جعلتْ نوناتِهنَّ زَوائدَ لأَنَّ هذَا المثالَ تلزمهُ حروفُ الزوائدِ كما جعلتِ النونات فيما كانَ علَى مِثالِ احْرَنْجَمَ زائدةً لأَنهُ لا يكونُ إلا بحرفِ الزيادةِ وما اشتقَّ مِنْ هذَا النحوِ مما ذهبتْ فيهِ النونُ قُنَبْرٌ لأنهم قالُوا قُبّرٌ لَو لم يشتق منهُ ولا من تُرْتَبٍ لكانَ علمُكَ بلزومِ حرفِ الزيادةِ هذَا المثالُ بمنزلةِ الاشتقاقِ وكذلكَ: سِنَدأوٌ8 وَحِنْطَأْوٌ9 للزومِ النونِ والواوِ هذَا المثالَ وأَمَّا [نونا] 10 دِهقانٍ وشَيْطانٍ فلا تجعلْهما زائدتينِ لقولِهم: تَدهقنَ وتَشيطنَ. وإذا جَاء شيءٌ على فَعلانَ فلا تحتاج فيه إلى الاشتقاقِ لأَنَّهُ لم يجىء شيءٌ آخرهُ من نفسِ الحرفِ على

_ 1 عذافر: بضم العين وكسر الفاء-الأسد. والعظيم الشديد. 2 فدوكس: الأسد. 3 سميدع: الكريم السخي الشريف. والشجاع. والذئب. والرجل الخفيف في حوائجه. 4 شرنبث: بضم الشين القبيح الشديد. وقيل: الغليظ الكفين. 5 جرنفس: شدة الوثاق. 6 عرنتن: شجر يدبغ به. 7 علبط: القطيع من الغنم. 8 سندأو: الخفيف والجريء المقدام. والقصير الدقيق الجسم مع عرض رأس. 9 حنطاو: وافر اللحية والعظيم البطن. 10 أضفت كلمة "نونا" لإيضاح المعنى.

هذا المثالِ فإذا رأيتَ الشيءَ فيهِ من حروفِ الزوائدِ شيءٌ ولم يكنْ علَى مثالِ ما آخرهُ من نفسِ الحرفِ فاجْعَلْهُ بمنزلةِ المشتقِّ الذي تسقطُ معهُ حروفُ الزيادةِ وأَمَّا جُنْدبٌ فالنونُ فيهِ زائدةٌ لأَنَّكَ تقولُ جَدُبَ لولا ذلكَ لكانتْ أَصلًا ونونُ عُرنُدٍ1 زائدةٌ لقولِهم: عُرُدٌّ ولأَنَّهُ لَيْسَ في الأربعةِ علَى هذَا المثالِ وإذَا كانتْ ثانيةً ساكنةً فلا تزادُ إلا بثبتٍ وذلكَ نحو: حِنْزَقْرٍ2 وعَنْدَليبٍ وإذَا كانتْ ثانيةً متحركةً أَو ثالثةً فلا تزادُ إلا بثبتٍ وذلكَ جَنَعْدَلٌ3 وخَدَرْنَقٌ4 وأَما كَنَهْبُلٌ5 فالنونُ فيهِ زائدةٌ لأَنَهُ ليسَ في الكلامِ علَى مثالِ سَفَرْجلٍ وقَرَنْفُل مثلهُ وأَمَّا القَنْفَخْرُ6، فالنونُ زائدةٌ لأَنكَ تقولُ: قُفَاخِريٌّ في هذَا المعنى. وكِنْتَأْلٌ7 النونُ زائدةٌ لأَنَّهُ لَيْسَ مُثلُ جُرْدَحْلٍ8 يقالُ: خُنْثَعَبةٌ وخِنْثَعبةٌ بكسرِ الخاءِ وضمُها إذَا كانت غزيرةٌ. الثامنُ: التاءُ: وهيَ تؤنثُ بهَا الجماعةُ نحو: منطلقاتٍ. ويؤنثُ بها الواحدُ نحو: هذِه طلحةُ وحمزةُ ورحمة وبنتٌ وأُختٌ وتلحقُ رابعةً نحو: سَنْبتةٍ9، وخامسةً نحو: عَفْريتٍ وسادسةً نحو: عَنْكبوتٍ ورابعةً أَولًا فصاعدًا في

_ 1 عرند: الصلب. 2 حنزقر: القصير الدميم من الناس. 3 جنعدل: البعير القوي الضخم: والغليظ من الرجال. 4 خدرنق: ذكر العنكبوت. أو العظيم منها. 5 كنهبل: شج عظام. 6 القنفخر: الضخم الجثة. 7 كنتأل: القصير. 8 الجردجل: الضخم من الإبل للذكر والأنثى. 9 سنبتة: الدهر، والتاء فيه للإلحاق على قول ابن السراج.

تَفعلُ أَنتَ وتَفْعَلُ وفي الاسم كتِجْفافٍ وتَنْضُبٍ وتُرْتَبٍ فالذي بينَ لكَ أَنَّ التاءَ زائدةٌ في تَنْضُبٍ أَنهُ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ جَعْفرٍ وكذلكَ التتفلُ1، لأَنَّهم قد قَالوا: التَّتفُلُ فهذاَ بمنزلةِ ما اشتقَّ منه ما لا تَاءَ فيهِ وكذلكَ تُرْتَبٌ وتُدْرَأُ لأَنَّهما مِنْ رَتبَ ودَرَأَ وكذلكَ جَبَروتٌ ومَلكوتٌ لأَنَّهما مِنَ المُلْكِ والجَبَريةِ وكذلكَ عَفريتٌ لأَنَّهُ مِنَ العِفْرِ وكذلكَ عِزْويتٌ لأَنهُ ليس في الكلامِ فِعْويلٌ ولا يجوزُ أَنْ يكونَ: عِزويتٌ "فِعْلِيلٌ" لأَنَّ الواوَ لا تكونُ أَصلًا في بَناتِ الأربعةِ وكذلكَ: الرَّغَبُوتُ والرَّهبُوتُ لأَنَّهُ مِنَ الرغبةِ والرَّهبةِ وكذلكَ: التِّحلىءُُُ2 والتِّحلئةُ لأَنَّها مِنْ حلأتُ وحِلئتُ وكذلكَ السنبتةُ مِنَ الدهرِ لأَنهُ يقالُ: سنبةٌ مِنَ الدهرِ وكذلكَ التَّقدُّمِيَّةُ لأَنَّها ممن قَدِمَتْ وكذلكَ: التَّربُوتُ لأَنهُ مِنَ الذَّلولِ يُقالُ للذلولِ مُدَرَّبٌ والتاءُ الأُولى مكانُ الدَّالِ كَما قالوا: الدَّوْلَجُ في التَّوْلَجِ وكما قالوا: سِتَّةٌ فأبدلوا التاءَ مَكانَ الدالِ ومكانَ السينِ وكمَا قالوا: سَبَنْتَى وسَبَنداءُ3 واتَّغَر وادَّغَر والعنكبوتُ والتَّخربوتُ4 لأَنَّهم قالوا: عَنَاكبُ وقالوا: العَنكباءُ فاشْتَقوا منهُ ما ذهبتْ فيه التاءُ وكذلكَ: تاءُ أُختٍ وبِنْتٍ وثنتينِ5 وكِلتا6 لحقن للتأنيثِ وبنينَ بناءَ ما لا زيادةَ فيهِ مِنَ الثلاثةِ وكذلكَ تاءٌ هَنْتٍ ومَنْتٍ يريدُ: هَنَهْ ومَنَهْ وكذلكَ: التِّجفافُ والتِّمثالُ لأَنَّهما مِنْ جَفَّ ومثُل وكذلكَ: التنبيتُ والتَمتينُ لأَنَّهما من

_ 1 تتفل: الثعلب أو جروه. 2 التحليء: تحلأه تحلئة: طرده ومنعه، وتحلأه درهما: أعطاه إياه. 3 في سيبويه: 2/ 248: وكما قالوا: سبنتى وسبندى، بالألف المقصورة. والسبندى: الطويل والجريء من كل شيء. 4 التخربوت: الناقة الخيار الفارهة. 5 في الأصل: ثنتان بالرفع. 6 في الأصل كلتى.

المَتنِ والنَّباتِ ولَوْ لَمْ يجئ ما تذهبُ فيهِ التاءُ لعلمتَ أَنَّها زائدةٌ لأَنَّهُ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ: قَنْديلٍ ومثلُ ذلكَ: التَّنوطُ لأَنَهُ ليسَ في الكلامِ مِثالُ "فَعَلّلٍ" وهوَ من نَاطَ يَنُوطُ ومثلهُ التّهبطُ وتَرْنَمُوتٌ مِنْ التَّرنمِ. واعلَم: أَنَّ التاءَ لم تجعلْ زائدةً فيما جاءتْ فيهِ إلا بثبتٍ لأَنَّها لم تكثرْ في الأسماءِ والصفاتِ ككثرةِ الأحرفِ الثلاثيةِ نعني: الألفَ والياءَ والواوَ والهمزةَ والميمَ وإِنَّما كثرتُها في الأسماءِ للتأنيثِ إِذَا جَمَعْتَ أَو الواحدة التي الهاءُ فيها بَدلٌ مِنَ التاءِ إذا وقَعَتْ ولا تكونُ في الفعلِ ملحقةً ببناتِ الأربعةِ فكثرتُها في هذَا في الأفعالِ في افتعلَ واسْتَفْعَلَ وتَفَاعلَ وتَفَوعلَ وتَفَعْوَلَ وَتَفَعَّلَ1 وكثرت في "تَفَعَّلَ" مصدرًا وفي تَفْعَالٍ وفي التَفْعيلِ ولا تكونُ إلا مصدرًا وحقُّها أَنْ لا تجعلَ زائدةً إلا بَثبتٍ. التاسعُ: السينُ: تزادُ في استفعلَ. العَاشرُ: اللامُ: وهيَ تزادُ في ذلكَ وفي عَبْدَل. فأَمَّا الزيادةُ من غيرِ حروفِ الزيادةِ فأَن يتكرَّر الحرفُ إذا جاوزتِ الثلاثةَ نحو: قَرْدَدٍ ومَهْدَدٍ وقُعْدَدٍ ورِمْدِدٍ وجُبُنٍّ وخِدَبٍّ وسُلَّمٍ وَدِنَّبٍ وكذلكَ جميعُ ما كانَ من هذَا النحوِ وكذلكَ: شِمْلالٌ وبُهْلُولٌ وعَدَبَّسٌ وصَمَحمحٌ وبَرَهْرَهةٌ هذَا ضوعفتْ فيهِ العينُ واللامُ والذي أَذهبُ إليهِ في جميعِ هذَا أَنَّ الزوائدَ: الثاني الذي قَد تكررَ.

_ 1 لم يذكر المصنف بناء "تَفَعْيَلَ". وانظر: الكتاب 2/ 349.

واعلَم: أَنَّ النحويينَ قد جعلوا الفاءَ والعينَ واللامَ أَمثلةً للحروفِ الصحاحِ فيقولونَ: جَمَلٌ وزنهُ: فَعَلٌ وجِمَالٌ: فِعَالٌ وجَميلٌ: فَعِيلٌ وعَجُوزٌ: فَعُولٌ وضَارِبٌ: فَاعِلٌ فيوازنون الأصول بالأصولِ مِنَ الفاءِ والعينِ واللامِ وينطقونَ بالزّوائدِ بأَلفاظِها فإذا قالوا: فاءٌ هذِا الحرفُ وواوٌ أَو ياءٌ فإنَّما يعنونَ أن أول حرفَ منه أصلي واوٌ أَو ياءٌ وكذلكَ إذا قالوا: عينهُ كذَا أَو لامهُ كذَا فإنّما يعنونَ الثاني الأَصلي الذي هُوَ عينٌ والثالثُ الأَصلي الذي هُوَ لامٌ فإذَا تكررَ الحرفُ الأَصلي بعدَ تمامِ الثلاثةِ كرروا اللامَ. الثاني: مِنَ القسمِ الأولِ: وهوَ الإِبدالُ لغيرِ إدغامٍ وهوَ أَحدَ عَشَر حَرفًا ثمانيةٌ مِنها مِنْ حروفِ الزوائدِ وثلاثةٌ مِنْ غيرهنٌ: الهمزةُ والألفُ والياءُ والواوُ والتاءُ والدالُ والطاءُ والميمُ والجيمُ والهاءُ والنونُ. الأولُ: الهمزةُ: وهيَ تبدلُ من ثلاثةِ أَشياءٍ: تبدلُ مِنَ الياءِ إِذَا كانتْ لامًا في نحو: قَضَاءٍ وسِقَاءٍ كانَ الأصلُ: قَضَاي وسِقَاي لأَنَّهُ من: قَضيتُ وسَقيتُ والملحقُ بمنزلةِ الأَصلِ وذلكَ: القَيْقَاءُ والزَّيزاء بمنزلةِ العَلْياءِ ملحقٌ بِسردَاحٍ1، ويدُلُّكَ على أَنَّها ملحقةٌ زائدةٌ أَنهُ لا يكونُ في الكلامِ علَى مثالهِ إلا مصدرٌ. ويدلُّكَ علَى أَنَّ الهمزةَ في: قَيْقَاءٍ وزِيزاءٍ مبدلةٌ مِنْ ياءٍ قولُهم: قَواقٍ فجعلوا الياءَ الأُولى مبدلةً مِنْ واوٍ مثلُ "قِيلَ" فِعِلْباءُ وقَيقَاءُ

_ 1 سرداح: الناقة الطويلة.

مثلُ دِرحايةٍ وإنَّما هيَ فِعْلايةٌ. وتبدلُ مِنَ الواوِ إذَا كانتْ لامًا نحو: كِسَاءٍ. وعَزَاءٍ تبدلُ مِنَ الواوِ إذَا كانتِ الواوُ عينًا مضمومةً في أَدورٍ وأَنورٍ ولكَ أَنْ لا تهمزَ وكُلُّ واوٍ مضمومةٍ لكَ أَن تهمزَها إنْ شئتَ إلا واحدةً فإنَّهم اختلفوا فيها وهوَ قولهُ عَز وجَلَ: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 1 وما أَشبهها مِنْ واوِ الجمعِ فأَجازَ بعضُ الناسِ الهمزةَ وهم قليلٌ والاختيارُ غير ما قَالوا وإذَا اجتمعتْ واوانِ في أَولِ الكلمةِ ولم تكنِ الثانيةُ مَدة فالهمزةُ لازمةٌ تقولُ في تصغيرِ واصلٍ: أُويصل. قالَ سيبوبه: سألتُ الخليلَ عن فُعْلٍ مِنْ وَأَيْتُ فقالَ: وُؤْيٌ فقلتُ فيمَن خفَّفَ فَقال أُويٌ فأبدلَ مِنَ الواوِ همزةً وقال: لا تلتقي واوانِ في أولِ الحَرفِ2. قالَ المازني: الذي قالَ خَطَأٌ. لأَنَّ الواوَ الثانيةَ منقلبةٌ مِنْ همزةٍ. فإنْ كانتِ الواوُ أَولًا وكانتْ مضمومةً فأَنْتَ في همزِها بالخيارِ أَعد في وَعدَ وأُجوةٌ من وجوهٍ وإنْ كانتْ غيرَ مضمومةٍ فَقَد جاءَ الهمزُ في بعضِ ذلكَ نحو: إسادةٍ في وِسَادةٍ وإشاحٍ في وشاحٍ3. وتبدلُ مِنَ الألفِ المنقلبةِ ومِنَ الألفِ الزائدةِ إذَا وقعتْ بعدَ أَلفٍ وذلكَ "فَاعلٌ" إذا اعتلَّ فَعَلَ منهُ نحو: قَامَ فهوَ قَائمٌ وبَاعَ فهوَ بائعٌ ومِنْ شأَنِهم إذا اعتلَّ الفعلُ أَنْ يُعل اسمُ الفاعلِ الجاري عليهِ وكانَ أَصلُ قَامَ: قَوُمَ وأَصلُ باعَ: بَيعَ فأبدلتِ الياءُ والواوُ أَلفينِ فلمَّا صرفَ منهُ فَاعل وقَعَتِ الألفُ بعدَ أَلفٍ فَلَم يمكنِ النطقُ بهما لأَنَّهما ساكنتانِ والألفُ لا تتحركُ فقلبتْ همزةً وقيلَ: إنَّها

_ 1 البقرة: 237. 2 انظر: الكتاب 2/ 356. 3 انظر: المنصف 1/ 230.

هُمزتْ لأَنَّ أَصلَ الياءِ السكونُ في: يَقولُ ويِبيعُ فوقعتْ بعدَ ساكنٍ فَهمزتْ وكذلكَ الألفُ الزائدةُ إذَا وقَعَتْ بعدَ أَلفٍ نحو أَلفِ رِسَالةٍ إذَا جمعتَها قلتَ: رَسَائلُ لأَنَّ الألفَ وقعتْ بعدَ أَلفٍ فهُمزت وشبهت ياءَ صحيفةٍ وواوَ عَجُوزٍ بأَلفِ رسالةٍ فقالوا: صحائفُ ورَسائلُ وعَجائزُ1 فهمزوا وأَمَا قولُهم: الشَّقَاوةُ والنَّهَايةُ فإنَّ هذَا بُنيَ مِنَ الهاءِ في أولِ أحوالهِ. فلم تكنِ الياءُ والواوُ حرفَ إعرابٍ فيها ولَو بُنيَ علَى التذكير كانَ مهموزًا كقولِهم: عباءةٌ وصَلاءةٌ وعَظَاءة وهذَا أصلٌ قَبْلَ دخولِ الهاءِ وأَمَّا قولُهم: غَوْغَاء ففيها قولانِ: أَمَّا مَنْ قالَ: غَوغاءُ فَلَم يصرفْ فهيَ عندَهُ مثلُ: عَوْراءَ وأَمَّا مَنْ صَرَف وذكرَ فهيَ عندَهُ بمنزلةِ: القمقامِ2 والهمزةُ مبدلةٌ مِنْ واوٍ وأَبدلوا الهمزةَ مِنَ الهاءِ في موضعِ اللامِ من ماءٍ يَدلُّ علَى ذلكَ تصغيرُها مُوَيةٌ وفي الجمعِ مياهٌ وأَمواهٌ. وزعَم أَبو زيد: أَنَّ العربَ تقولُ: ماهتِ الركيةُ3 تموهُ موهًا إذَا ظهرَ ماؤها وأَماههَا صاحبُها يميهها إماهةً. الثاني: الأَلفُ: الألفُ تبدلُ مِنَ الياءِ والواوِ والهمزةِ والنونِ الخفيفةِ. الضربُ الأولُ: إبدالُ الألفِ من الياءِ: وهيَ تبدلُ مِنها في ثلاثةِ مَواضع:

_ 1 بعد عجائز كلمة "صحائف" وهو سهو من الناسخ. 2 أي: ضاعفت الغين في غوغاء كما ضاعفت القاف في قمقام. 3 الركية: البئر.

الأولُ: تبدلُ وهيَ لامٌ وعينٌ وفاءٌ أَما اللامُ فنحو: بعتُ وقضيتُ إذَا وقعتِ الياءُ والواوُ موقعًا تتحركانِ فيهِ مثلُ ضَرَبَ قُلتَ: رَمَى وَغَزَا فقلبتِ الياءُ والواوُ أَلفًا لأَنَّهما في موضعِ حرفٍ متحركٍ وقبلَها فتحةٌ وكذَا حقُّ الياءِ والواوِ إذَا وقعتا بهذهِ الصيغةِ وكذلكَ: يَرمي ويَرى وإذَا كانَ الماضي مِنْ هَذا على "فَعلَ" فمضارعهُ على يَفْعِلُ يلزمُ العينَ الكسرة لتثبتِ الياءُ ولا يقعُ فيهِ "يَفْعُلُ" كيلا تنقلبَ الياءُ واوًا وكذلكَ فَعُلَ فيهِ مِنَ الواوِ نحو: غَزَا يلزمهُ يَفْعُلُ فتقولُ: يَغْزُو وتدخلُ فعلتُ عليهما فتقولُ: خَشيتُ واللامُ ياءٌ لأَنهُ مِنْ خَشِيَهُ وتقولُ: غَبيتُ فالأصلُ واوٌ لأَنَهُ مِنَ الغباوةِ وأَمَّا فَعُلَ فلا يكونُ فيما لامه ياءٌ. ويكونُ لامهُ واوٌ نحو: سَرُوَ يَسروُ ولم يقعْ هذَا في الياءِ استثقالًا لَهُ لأَنَّهم قد يفرونَ من الواوِ إلى الياءِ. والياءُ إذا كانت ملحقة فحكمُها حكمُ الأَصلِ تُعلُّ كما تعلُّ نحو: سَلْقَيتُ وَجَعْبَيْتُ تقول: سَلْقَى وجَعْبَى. واعلَم: أَنَّ آخرَ المضاعفِ من بنات الياءِ يجري مَجْرى ما لَيسَ فيهِ تضعيفٌ فحكمُ: حييتُ حكمُ خَشيتُ فالموضعُ الذي تعلُّ فيهِ لامُ خَشِيتُ تعلُّ لامُ حَييتُ فتقولُ: حَيِيَ يَحيا كما تقولُ: خَشِيَ يَخْشَى فتنقلبُ الياءُ ألفًا ولا يجمعُ على الحرفِ أَنْ تعلَّ لامه وعينُهُ فيختلُّ وتقولُ: مَحْيًا كما تقولُ: مخْشَىً ويَحيا مثلُ يَخْشَى وكذلكَ يعيى وقالوا مَحيًا كما قالوا مَخْشَىً فإذَا وقعَ شيءٌ مِنَ التضعيفِ بالياءِ في موضعٍ تلزمُ ياء يَخْشَى فيهِ الحركةُ وياء يرمي وكانت حركةً غيرَ مفارقةٍ فإنَّ الإِدغام جائزٌ فيهِ وذلكَ قولُكَ: قَدْ حَيَّ في هَذا المكانِ وقَد عَيَّ بأَمْرهِ وإنْ شئتَ قلتَ: قد حَيِيَ والإِدغامُ أَكثرُ لأَنَّ لامَ رَمَى وخَشِيَ في هَذا الموضع بمنزلةِ الصحيح إذَا كانَا قَدْ لزمها الحركةُ ولم يُعلاّ ومثلُ ذلكَ: قد أُحي البلدُ كما تقولُ: أُرمَى يَا هَذا فَتَصحُّ فلمَّا ضَاعفتَ صارتْ

بمنزلةِ مُدَّ وأُمِدَّ وقالَ عَز وجَلَّ: {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} 1 وكذلكَ قولُهم: حَياءٌ وأَحِيَّةٌ لأَنَّكَ لو قلتَ: أرميّه للزمَ الياءَ الحركةُ ورَجلٌ عَيِيٌّ وقومٌ أَعِياءُ لأَنَّ الحركَة لازمةٌ فإذَا قلتَ: فَعلُوا وأُفْعِلُوا قلتَ: حَيُوا كما تقولُ خَشُوا فتذهبُ الياءُ لأَنَّ حركتَها قَدْ زالتْ كما زَالتْ في: "ضَربوا" فتحذفَ لإلتقاءِ الساكنينِ ولا تحركُ بالضمِّ لثقلِ الضمةِ في الياءِ وأُحيُوا مثلُ أَخْشُوا. قالَ الشاَّعرُ: وكنّا حَسِبنَاهم فوارسَ كَهْمَسٍ ... حَيُوا بَعْدَما ماتوا مِنَ الدهرِ اَعصُرا2 وقَدْ قالَ بعضهُم: حَيُّوا وعَيَّوا لما رأَوها في الواحدِ والاثنينِ في المؤنثِ إذَا قالوا: حَيَّتِ المرأةُ بمنزلةِ المضاعفِ غيرِ المُعتلِّ قالَ الشَّاعر: عَيُّوا بأمرهِمِ كمَا ... عَيَّتْ ببيضتِها الحَمامهْ3

_ 1 الأنفال: 42، وقرئت بلا إدغام: "مَنْ حَيَيَ عَنْ بَيِّنَةٍ". والقراءتان سبعيتان انظر: النشر. 2 من شواهد الكتاب 2/ 387، على فك الإدغام في حيوا. كهمس: رجل من تميم مشور بالفروسية، وقيل هو من الخوارج، والبيت لابي خرابة الوليد بن حنيفة. وانظر: المقتضب 1/ 182. والاشتقاق لابن دريد "كهمس" والأغاني 19/ 156. والتصريف 2/ 190. وكتاب إيضاح شواهد الإيضاح/ 197. 3 من شواهد سيبويه 2/ 387، على إدغام وإجراؤها مجرى المضاعف الصحيح وسلامته من الاعتلال والحذف لما لحقه من الإدغام. وصف قوما يخرقون في أمورهم ويعجزون عن القيام بها، وضرب لهم مثلا في ذلك بخرق الحمامة وتفريطها في التمهيد لبيضتها لأنها لا تتخذ عشا إلا من كسار الأعواد، فربما طارت عنها فتفرق عشها وسقطت البيضة فانكسرت، ولذلك قالوا في المثل: أخرق من حمامة. والبيت لعبيد بن الأبرص. انظر: المقتضب 1/182. وشواهد الشافية 356. وعيون الأخبار لابن قتيبة 2/72. والمنصف لابن جني 2/191. ونظام الغريب لعيسى بن إبراهيم الربعي/ 172. وشروح سقط الزند 3/ 1002 وديوان عبيد/ 29 مع خلاف الرواية.

فهؤلاء عندي إنّما أدخلوا الياءَ بعدَ أَن قالوا في الواحدِ حَيٌّ فأَجروهُ عليهِ. قَدْ قالَ ناسٌ مِنَ العربِ: حَيِيَ الرجلُ وحييتِ المرأةُ فَبَينَ وجرَى على القياسِ. قالَ سيبويه: وأَخبرنا بهذه اللغةِ يونس قالَ: وسمعْنا مِنَ العربِ من يقولُ: أعيِيَاءُ وأَحيِيةٌ فَيبينُ وأَحسنُ ذلك أَنْ يُخفيهَا وتكونُ بزنتِها1 متحركةً2 وإذَا لم تكنِ الحركةُ لازمةً لم [تدغمْ] 3 كَما قالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 4. وتقولُ: رَجلٌ معيبةٌ فتَبينُ لأَنَّ الهاءَ غيرُ لازمةٍ وكذلكَ محيِيانٌ ومُعْيِبانٍ وحَيَيانٌ إذَا ثنيتَ الحَيا الذي تريدُ بهِ الغيثَ وأَمَّا تَحيةٌ فهيَ تَفْعِلَةٌ والهاءُ لازمةٌ. قالَ سيبوبه في بابِ حيَّيتُ: ومِما جاءَ في الكلامِ علَى أَنَّ فِعلهِ5 مثلُ: بِعْتُ: آيٌ وغايةٌ وآيةٌ وهذَا ليسَ بمطردٍ وهوَ شَاذٌ وهو قولُ الخليلِ. وقَالَ غيره: إنّما هي أَيَّةٌ وأَيٌ فَعْلٌ ولكنَّهم قلبوا الياءَ وأَبدلوا مكانَها الألفَ لإجتماعهما كما تكرهُ الواوانِ وكما قالوا: ذَوائبُ فأَبدلوا الواو كراهيةَ الهمزةِ وأَمَّا الخليلُ فكانَ يقولُ: جاءَ علَى أَن فِعلَهُ معتلٌّ وإنْ كانَ لم يتكلمْ بهِ كمَا قالوا: قَوَدٌ فجَاءَ كأَنَّ فِعْلهِ علَى الأَصلِ6،

_ 1 في الكتاب 2/ 288: بمنزلتها. 2 انظر: الكتاب 2/ 288. 3 أضفت كلمة "تدغم" لإيضاح السياق. 4 القيامة: 40. 5 قبل هذه الكلمة: "فعل"، وقد حذفتها لعدم الحاجة إليها، ولأنها غير موجودة في نص الكتاب. وانظر: سيبويه 2/ 288. 6 انظر: الكتاب 2/ 388-389.

وجاء استحيتُ على حَايَ مثلُ بَاعَ. وقياسُ فاعلهِ أَن يكونَ حَاءً في مثلِ بائعٍ مهموزٌ وإنْ لم يستعملْ وكانَ أَصلُ استَحْيتُ استحيَيتُ مثلُ استَبْيعتُ فأَعلوا الياءَ الأولى وأَلقوا حركتَها على الحاءِ فقالوا: استَحَيْتُ كما قالوا: استبعتُ قالَ سيبويه: حذفتْ لإلتقاءِ الساكنين قالَ: وإنّما فعلوا ذلكَ حيث كَثُرَ في كلامِهم1. قالَ المازني: لم تحذف لإلتقاءِ الساكنينِ ولو كانت حذفتْ لإلتقاءِ الساكنينِ لردَّها إذَا قالَ: "هُوَ يفعلُ" فَيقولُ: هُوَ يستحي. فاعلم2. والذي عندي في ذلكَ: أَنَّها حذفتْ استثقالا لمَّا دخلتْ عليها الزوائدُ السينُ والتاءُ وقولُ المازني في هَذا عندي أَقربُ وقولُهم للإثنينِ استَحيا دليلٌ علَى أَنَّهُ لم تحذفْ لإلتقاءِ الساكنينِ ولو ردوا في يَسْتَحي فجعلوهُ مثلُ يستبيعُ علَى ما قاَل سيبويه لوجب أَن يقالُ: يَسْتَحيُّ والأفعالُ المضارعةُ إذَا كانَ آخرُها معتلا لم يدخلُوا الرفعَ في شيءٍ مِن الكلامِ وهَذا أَصلٌ مطردٌ فيها ولهذَا قيلَ: يُحيُ ولم تحذفِ الياءُ الأخيرةُ ولو وقعَ مثلُ هَذا في الأسماءِ لحذفتِ كما حذَفوا في تصغيرَ عَطَاءٍ وأَحْوَى فقالوا: عُطيٌّ وأُحيٌّ لأَنَّ الأَسماءَ قد تعربُ إذا أَعللتَ أَواخرَها فأَمَّا قولهم: يُحيى فإنَّما جازَ ذلكَ فيهِ مُحييٌّ وهوَ اسمٌ لأَنَّهُ اسمُ فَاعلٍ جَاءَ على فعلِه فحكمُهُ حكمُهُ لأَنَّ الأَسماءَ الجاريَة على أَفعالِها تعتلُّ باعتلالِها فَمُحيٌّ نظيرُ يُحيي فهذَا فَرْقٌ بينَهما وفيهِ لطْفٌ. واعلم: أَنَّ افعَاللْتُ مِنْ رميتُ بمنزلةِ أَحييتُ في الإِدغامِ والبيانِ والخَفاءِ وهيَ متحركةٌ تقولُ: ارماييتُ فيلزمُها ما يلزمُ ياءَ أحييتُ وكذلكَ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 389. 2 انظر: التصريف 2/ 204.

افعللَتُ وتقولُ: ارْمَويَّ في هَذا المكانِ كما قلتَ: حُيَّ وَأُحِيَّ فيهِ لأَنَّ الفتحة لازمةٌ ولا تقلبُ الواوُ ياءً لأَنَّها كواو سُوَيرً وهيَ زائدةٌ لا تلزمُ وتكونُ أَلفًا في سَائرٍ. ومَنْ قالَ: أُحِييَ فيها قَال: أَرمينيِ أَرْمُوبَي فيها. وافْعَلَلتُ مِنْ حَييتُ بمنزلتِها مِنْ رَمَيْتُ فافْعَلَلتُ بمنزلةِ ارمَيَيْتُ إلا أَنهُ يدركُها مِنَ الإِدغامِ مثلُ ما يدركُ اقتَتَلتُ وتبينُ كما تَبينُ لأَنهما ياءانِ في وسطِ الكلمةِ كالتاءين في وَسطِها ولكَ أَن تخفيَ1 كَما تخفي في التاءين لا فَرْقَ بينهما في ذلك وإنّما منعهم أَنْ يجعلوا اقتتلوا مثلَ رددتُ فيلزمهُ الإِدغامُ أَنَّهُ في وسطِ الحرفِ وسنبينُ ذلكَ في الإِدغامِ إِنْ شاءَ الله. قالَ سيبويه: سألتُه يعني الخليلَ عن قولِهم: مَعَايَا فَقالَ: الوجهُ مَعاي وهوَ المطردُ وكذلكَ قَالَ يونس وإنَّما قالوا: مَعَايا كَما قالوا: مَدارَىً وكانتِ الكسرةُ معَ الياءِ أثقلُ2. الثاني: العَيْنُ: الألفُ تبدلُ مِنَ الياءِ والواوِ إذا كانَتا عينينِ وكانَتا متحركتينِ وقبلَهما فتحةٌ كاللامِ لا فَرقَ بينَهما وذلكَ نحو: قالَ وبَاعَ وخَافَ والأَسماءُ نحو: بَابٍ ودَارٍ ونَابٍ فالواوُ والياءُ تقلبُ في جميع ذلكَ لأَنَّهما متحركتانِ قبلهما فتحةٌ فهذاَ يعودُ مستقصىً في بابِ إبدالِ الألفِ مِنَ الواوِ وهيَ عينٌ وقالوا: العابُ يريدونَ: العيبَ فهؤلاءِ بنوهَا على فَعْلٍ وقالوا: أَحالَ البئرُ وحَوْلَها قالَ الجرمي: فأبدلوا الألفَ من الواوِ. وليسَ

_ 1 الإخفاء: النطق بالحرف الساكن الخالي من التشديد بين الإظهار والإدغام مع الغنة كالنطق بالنون الساكنة والتنوين من الخيشوم نحو: أنجيناكم، وإن جاءكم. 2 انظر: الكتاب 2/ 391-392.

الأَمرُ عندي كمَا قالَ ولكنَّهما لغتانِ لأَنَّ الواوَ في هَذا الموضعِ لا يجبُ أَن تقلبَ. وقالوا: مَاتَ فأَبدلوا الأَلفَ مِنَ الواوِ. الثالثُ: إبدالُها مِنَ الفاءِ: منهم مَنْ يقولُ في يَئِسَ ويَبِسَ. ياتئِسُ وياتَبِسُ فأَبدلوا مِنَ الياءِ الفاءَ1. الضربُ الثاني: إبدالُ الألفِ مِنَ الواوِ: تبدلُ الواوُ لامًا وعينًا وفاءً. الأول: تبدلُ الواوُ لامًا نحو: غَزوتُ إذَا أَوقعتَها موقعًا تتحركُ فيهِ نحو: ضَرَبَ قلتَ: غَزَا فقلبتَ الواوَ ألفًا لأَنَّها في موضعِ حرفٍ متحركٍ وقبلها متحركٌ يَفعلُ فيهِ يلزمهُ يَفعُلُ لِتصحَّ الواوُ فتقولُ: يَغزُو وفعلتُ يدخلُ عليها نحو: شَقيتُ وهو من الشقوةِ وأَمَّا فَعُلَ فيكونُ في الواوِ نحو: سَرُوَ ويَسرُو والدَّوداةُ2 والشوشاةُ3 والأصلُ: دودةٌ فقلبتْ وهَذَا مضاعفٌ كالقَمقامِ والمَوْمَاة مثلهُ بمنزلةِ المَرْمَرِ ولا تجعل الميمَ زائدةً. قالِ سيبويه: لا تجعلْها بمنزلةِ تَمَسكنَ لأَنَّ ما جاءَ هكذَا والأولُ مِن نفسِ الحرفِ هوَ الكلامُ الكثيرُ ولا تكادُ تجد في هَذا الضَّرب الميمَ زائدةً وأَمّا قولُهم: الفَيفَاةُ فالأَلفُ زائدةٌ لأَنَّهم يقولونَ الفَيفُ في هَذا

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 359 وفيه قالوا: يبس يابس كما قالوا: يئس يئس. 2 الداودة: جمعها الداودي، وهي الأرجيح أو آثار الأراجيح في ملاعب الصبيان. 3 الشوشاة: المرأة الكثيرة الحديث.

المعنى وأَمَّا القِيقاءُ1 والزِّيزاءُ فه و"فِعْلاَء" ملحقٌ بِسرداحٍ لأَنهُ لا يكونُ في الكلامِ مثلُ القِلقالِ إلا مصدرًا.

_ 1 القيقاء: المكان المرتفع.

إبدال الألف من الواو وهي عين

إبدالُ الألفِ مِن الواوِ وهيَ عَيْنٌ: الأولُ: ما الواو فيه والياءُ ثانية وَهما في موضعِ العينِ في الفِعْلِ: فَعُلَ وفَعِلَ وفُعُلَ تبدلُ في جميع هذا الألِفُ مِنَ الياءِ والواوِ وذلكَ قولُهم: قالَ وهوَ فَعَلَ مِنَ القَولِ وخَافَ فَعِلَ مِنَ الخوفِ. وطَالَ فَعُلَ مِنَ الطولِ يدلُّكَ على ذلكَ طُلْتُ وطَويلٌ والياءُ في هَذا كالواوِ.

ما الواو فيه ثانية وهي في موضع العين في الاسم

الثاني: ما الواوُ فيهِ ثانيةٌ وهيَ في موضعِ العينِ في الاسم: اعلَم: أَنَّهُ ما جاءَ مِنَ الأسماءِ وساقٍ وزنِ الفعلِ المعتلِّ أُعلَّ وما خالفَ منها بناءَ الفعلِ صَحَّ فالمعتلُّ نحو: بَابٍ ودَارٍ وساق لأَنَّ ذلكَ علَى مثالِ الأَفعالِ ورُبّما جَاءَ على الأَصلِ في الاسم نحو: القَوَدِ والحَوكَةِ1 والخَوَنةِ2 والجَوَرةِ وكذلك: "فَعِلٌ" وذلكَ خِفْتُ ورَجلٌ خَافٌ ومُلْتُ ورَجلٌ مالٌ3، ويومٌ راحٌ4 وقَد جاءَ على الأَصلِ قالوا: رَجُلٌ رَوِعٌ5، وحَوِلٌ6 وأَمَّا فَعُلٌ فَلَم يجيئوا بهِ علَى الأَصلِ كَراهيةً

_ 1 الحوكة: جمع حائك. 2 الخونة: جمع خائن، يقال: خان، يخون خونا وخيانة. 3 رجل مال: هو كثير المال. 4 يوم راح: هو الطيب الريح. 5 رجل روع: هو المرتاع الفزع. 6 حول: بمعنى أحوال.

للضمةِ في الواوِ ولِما يصيرونَ إليهِ مِنَ الإِسكانِ والهمزِ وفُعَلٌ في كلامِهم نَحو طَالَ ويدلَّكَ على أَنَّهُ فُعَلٌ قولُهم: طُلْتُ وطويلٌ وفُعَلٌ على الأَصلِ لأَنَّهُ لا يكونُ فعلًا معتلًا فيجري عَلى فِعْلهِ وما لَم يكنْ لَهُ مثالٌ في الفعلِ قَد أَعلَّ لم يعلَّ وذلكَ قولُهم: رَجُلٌ نُوَمٌ1 وسُوَلَةٌ وَلُوَمَةٌ وعُيَبةٌ وكذلكَ إنْ أَردتَ نحو: إبِلٍ قلتَ: قِوِلٌ2، ومِنَ البيعِ بِيعٌ فَأَمَّا "فُعُلٌ" فإنَّ الواوَ تسكنُ لإجتماعِ الضمتينِ والواوِ وذلكَ قولُهم: عَوَانٌ وعُونٌ ونَوَارٌ ونُورٌ وقَووُلٌ: قُولٌ وأَلزموا هَذَا الإِسكانَ إذْ كانوا يسكنونَ "رُسْلٌ"3 ولم يكن لأَدْؤُرٍ وقَؤُولٍ4 مثالٌ مِنْ غيرِ المعتلِّ يُسكنُ فيُشبه هَذَا بِهِ ويجوزُ تثقيلُ فَعُلٌ في الشعرِ وفُعُلٌ في بنَاتِ الياءِ بمنزلةِ غيرِ المعتلِ نحو: غَيُورٍ وغُيُرٍ ودَجَاجٍ بُيُضٍ ومَنْ قالَ: رُسْلٌ قالَ: بِيْضٌ. قالَ الأَخفشُ: أَقولُ في فُعلةٍ مِنَ البيعِ: بُوعةٌ ولا أُغيرُ إلا في الجمعِ وهوَ مذهبُ أَبي العباسِ.

_ 1 في الأصل نوبة: ولامعنى لها. والنومة: الكثير النيام. 2 في الأصل "قوال". 3 أي: أنهم يسكنون غير المعتل نحو: رسل وعضد. 4 في الأصل "قول" بواو واحدة.

إبدال الهاء من الواو وهي فاء

إبدالُ الهاءِ مِنَ الواوِ وهيَ فَاءٌ: ذكرَ سيبويه في: وَجِلَ يَوْجَلُ أَربَع لغاتٍ فأَجودهنَّ وأكثرهنَّ يَوْجَلُ1 وهيَ الأَصلُ قالَ الله عزَ وجَلَ: {لا تَوْجَلُ إنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} 2. ويقولُ قَومٌ: أَنْتَ تَيجِلُ فيكسرونَ التاءَ ويقلبونَ الواوَ ياءً

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 257 والتصريف 1/ 202. 2 الحجر: 53.

لإنكسارِ ما قبلَها وهيَ لغةُ تميمٍ وعامةٍ قيسٍ ومِنَ العربِ مَنْ يكرهُ الياءَ معَ الواوِ فيقلبُ الواوَ فيقولُ: يَاجَلٌ وهيَ لغةٌ معروفةٌ وقومٌ مِنَ العرب يكسرونَ الياءَ فيقولونَ: هو يِيجَلُ فيكسرونَ الياءَ فتنقلبُ الواوُ ياءً وليسَ ذلكَ بالمعروفِ1.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 257، والتصريف 1/ 202.

إبدال الألف من النون

الضربُ الثَّالثُ: إبدالُ الألفِ مِنَ النونِ: الأَلفُ: تبدلُ مِنَ النونِ الخفيفةِ في ثلاثةِ مواضع:1 أَحدها: التنوينُ في الصرفِ في الاسم المنصوبِ تقولُ: رأيتُ زيدا إذا وقفتَ فإذَا وصلتَ جعلتَها نونًا وإذا وقفتَ جعلتَها أَلفًا. والثاني: النونُ الخفيفةُ في الفعلِ إذَا انفتَح ما قبلَها في قولِكَ: اضربَنْ زيدًا بالنونِ الخفيفةِ فإذَا وقفتَ قلتَ اضربا. والثالث: قولُكَ: إذن آتيكَ فإذَا وقفتَ قلتَ: إذا. قالَ اللَّهُ عَزَ وَجلَّ: "وإذَنْ لا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إلا قليلًا"2، إذَا وقفتَ [عليها] 3 قلتَ:

_ 1 هنا تنتهي الزيادة من "ب". 2 الإسراء: 76، وقراءة خلفك سبعية، الإتحاف/ 285. وقراءة يلبثوا بالنصب شاذة. شواذ ابن خالويه/ 77 والبحر المحيط 3/ 273. 3 زيادة من "ب".

إبدال الياء من الواو

إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ: إبدالُها مِنَ اللاماتِ في "شقيتُ" وهيَ متحركةٌ مفتوحةٌ وقبلَها كسرةٌ والواوُ إذا كانَ قبلهَا حرفٌ مضمومٌ في الاسم وكانتْ حرف الإِعرابِ قلبت ياءً وكُسِرَ المضمومُ وذلكَ قولُهم: دَلْوٌ وأَدْلٍ وحَقْوٌ وأَحْقٍ كانَ الأَصلُ: أَدْلُوٌ وأَحْقُوٌ قلبتِ الواوُ ياءً1 [فإنْ كانَ قبلَ الواوِ ضمةُ] 2 ولَم يكنْ حرف الإِعرابِ ثبتت وذلَكَ نحو: عُنْفوانٍ3 وقَمَحْدوةٍ وقالوا: قَلَنْسوةٍ فأَثبتوا ثُمَ قالوا: قَلَنْسٍ فأَبدلوا لما صارتْ طرفًا وقبلهَا ضمةٌ وإِذا4 كانَ قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ ساكنُ جرتا مجَرى غيرِ المعتلِ وذلكَ نحو: ظَبْيٍ ودَلْوٍ ومِنْ ثُمَ قَالوا: مَغْزوٌ وعُثوُّ5 لأَنَّ قبلَ الواوِ ساكنًا وقالوا: عُتِيٌّ ومَغْزِيٌّ شبهوَها حينَ كانَ قبلهَا حرفٌ مضمومٌ ولم يكنْ بيَنهما إلا حَرفٌ ساكنُ بأدلٍ والوجهُ في هَذا النحو الواوُ والأُخرى عربيّةٌ كثيرةٌ فإنْ جَاءَ مثلُ هَذا الواوِ في جمعٍ فالوجهُ الياءُ وذلكَ قولُهم: في جمع ثَديٍ6: ثُديٌّ وعُصِيٌّ وحِقيٌّ7. وقالَ بعضُهم: إنَّكم لتنظرونَ في نحوٍ كثيرةٍ8 فشبهوهَا: بعُتوٍّ وهذَا قليلٌ وأَلزم الجمع الياءَ لأَنَّهم يقولُون في: صُوّمٍ: صُيَّمٌ وهوَ أَبعدُ مِنَ الطرفِ. فكانَ هَذا أَوجبُ. وقَد يكسرونَ أَولَ الحرفِ لِمَا بعدَهُ مِنَ الكسرِ والياءِ وهيَ لغةٌ جيدةٌ وذلكَ قولُهم: عِصِيٌّ وثِدِيٌّ وعِتِيٌّ وجِثِيٌّ وقَدْ أبدلتِ الياءَ مِنَ الواوِ استثقالًا من غيرِ شيءٍ مما تقدمَ فقَالَ الشاعرُ:9

_ 1 زيادة من "ب". 2 ما بين القوسين ساقط من "ب". 3 عنفوان: أول الشيء وأول بهجته. 4 في "ب" فإذا. 5 عتو: عتا عتوا وعتيا، واستكبر، جاوز الحد. 6 في "ب" عصا. 7 حقي: مفردها حقو، وهو الخصر. 8 انظر: الكتاب 2/ 381. 9 من شواهد سيبويه 2/ 382 على قلب "معدو" إلى معدي، استثقالا للضمة والواو تشبيها له بما يلزم قبله من الجمع لاجتماع ثقله وثقل الضمة والواو، من نحو: عاث، وعثو. والشاهد لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، وقد أسر يوم الكلاب الثاني. وانظر: شرح السيرافي 5/ 568. وأدب الكاتب/ 581. والنصف1/ 188، وابن يعيش 5/ 36 واللسان. "شوش" والعيني 4/ 589. والخزانة 4/ 45.

وَقَدْ عَلَمْت عِرْس مُلَيكةُ أَنَّني ... أَنَا الليثُ معديًا عليهِ وعَاديا وقالوا: يسنُوها المطرُ وهيَ أَرضٌ مسنيةٌ1، وقالوا: مَرضِيٌّ وأَصلُه الواوُ وقالوا: مَرْضُوٌّ فجاءوا بهِ علَى الأصلِ والقياس وهذهِ الواوُ إذَا كانتْ لامًا وقبلَها كسرةٌ قلبتْ ياءً وذلكَ نحو: غَازٍ وغُزِيَ. قالَ سيبويه: وسأَلتهُ يعني الخليلَ عن غُزِيَ وشِقَيَ إذَا خففَ في قولِ مَنْ قالَ: عُلْمَ ذاكَ وعُصْرَ في عُصِرَ فقالَ: إِذَا فعلتُ ذلكَ تركتَها ياءً على حالِها لأَني إنَّما خففتُ ما قدَ لزمتهُ الياءُ وإنَّما أَصلُها2 التحريكُ وقلبُ الواوِ أَلاَ تراهم قَالوا: لَقَضُوَ الرجلُ ولقضْوَ3. قالَ: وسأَلتُهُ عَنْ قولِ/ بعضِ العربِ: رَضيُوا فقالَ: هيَ بمنزلةِ: غُزْيٍ لأَنَّهُ أسكنَ العينَ ولو كسرَها لحذفَ لأَنهُ لا يلتقي ساكنان حيثُ كانت لا تدخلُها الضمةُ وقبلَها الكسرةُ والواو كذلكَ تقولُ: سرْوُوا علَى الإِسكان وسَرُوا على [إثبات4] الحركةِ5 وفُعْلَى مِنْ بناتِ الواوِ6، إذَا كانتْ اسمًا فالياءُ مبدلةٌ مِنَ الواوِ وذلكَ قولُكَ: الدُّنيا والعُلْيا والقُصْيَا،

_ 1 مسنية: ومسنوة، أسم مفعول من سنا الغيث الأرض يسنوها، إذا سقاها، قلبوا الواو ياء كما قلبوها في قنية. 2 "1" في "ب" أصله. 3 انظر: الكتاب 2/ 382. 4 اضفت كلمة "إثبات" لإيضاح المعنى. 5 انظر: الكتاب 2/ 382. 6 في "ب" مكان.

وقَدْ قالوا: القُصْوَى فأَجروها على الأَصلِ لأَنَّها قد تكونُ صفةً بالألفِ واللامِ وهيَ مِنْ: دنوتُ وعلوتُ يقولونَ: قَضَا يَقْضُو وهوَ قَاضٍ ويجري "فُعْلَى" من بناتِ الياءِ على الأَصلِ اسمًا وصفةً وأَمَّا فِعْلَى منهما فَعَلى الأَصلِ صفةً واسمًا يجريهما على القياسِ لأَنَّه أوثقُ ما لم تتبينُ تغيرًا منهم. إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ: تقلبُ الواوُ ياءً في شَقيتُ وغَبيتُ لإنكسارِ ما قبلهما فإذا قالوا: يَشْقَى ويَغْبَى قلبوها ألفًا لانفتاح ما قبلَها وإذَا قالوا: يَشْقَيانِ ويَغْبَيانِ قلبوا الواوَ ياءً ليكونَ المضارعُ كالماضي وإذَا كانَ: فَعَلْتُ1 مع التاءِ علَى خمسةِ أحرفٍ فَصَاعدًا وكانَ الفعلُ مِمّا لامهُ واوٌ قلبتْ ياءً وذلكَ قولُكَ: أَغزيتُ وغَازيتُ واسْتَرْشِيتُ وإنَّما فُعِلَ ذلكَ لأَنَّكَ إذَا قلتَ منهُ يَفْعَلُ انكسر ما قبلَ الواوِ فقلبتِ الواوُ ياءً لذلكَ2 ثمَّ اتبعَ الماضي المستقبلَ فإنْ قالَ قائلٌ: فَما بَالُ قولِهم: تَغازينَا ومستقبلُهُ يَتَغازى وما قبلَ اللامِ مفتوحٌ في الماضي والمستقبلِ؟ قيلَ لَهُ: إنَّ الأَصلَ كانَ قبلَ دخولِ التاءِ في "تَغازينَا" غَازيناَ نَغازي "فَاعِل" غَازي مِنْ أَجلِ اعتلالِ "يغُازي" ثُم دخلتِ التاءُ3 بعدَ أَنْ وجبَ البدلُ ومِنْ ذلكَ قولُهم4: ضَوضَيتُ وقَوْقَيتُ الياءُ مبدلةٌ مِنْ واوِ لأَنَّهُ بمنزلةِ: صَعْصَعتُ تكررتْ فيهِ الفاءُ والعينُ ولكنَّهم أَبدلوا الواوَ إِذْ كانتْ رابعةً ياءً والمضاعفُ من بنَاتِ الواوِ

_ 1 في "ب" من. 2 في "ب" كذلك. 3 التاء: ساقط في "ب". 4 قولهم: ساقط في "ب".

مِمّا عينهُ ولامهُ واوانِ لا يثبتانِ في "فِعْلٍ"1 ويلزمانِ2 في الماضي اَنْ يُبنَيا على "فَعِلٍ" حتَى تنقلبَ الواوُ التي هي لامٌ ياءً وذلكَ قولُهم: مِنَ القوةِ: قويتُ ومِنَ الحوةِ: حويتُ وقَويَ وحَوِيَ ولم يقولوا: قَدْ قَوَّ كما قَالوا "حَيَّ" لأَنَّ [العينَ في3] الأصلِ قالبةٌ الواوَ الآخرةَ4 إلى الياءِ وليسَ5 قَوِيَ مثلُ: حَيِيّ لأَنَّ العينَ واللام في "قَوِيَ" قد اختلفا وإنّما الإِدغامُ بإتفاقِهما ولم يقولوا: قووتَ تَقْوُو كما قالوا: غَزَوْتَ [تَغَزوُ] 6 استثقالًا للواوينِ وقالوا: قُوَّةٌ لأَنَّ اللسانَ يرتفعُ رفعةً واحدةً فجازَ هَذا كما قالوا: سَأَلٌ: لمَّا كانَ اللسانُ يرتفعُ رفعةً واحدةً والهمزةُ أَثقلُ مِنَ الواوِ. وافْعَلَلتُ وافْعَالَلتُ مِنْ غَزوتُ اغزويتُ واغَزاويتُ لا يقعُ فيهما الإِدغامُ ولا الإِخفاءُ حتَى لا يلتقي حرفانِ من موضعٍ واحدٍ وإنَّما وقعَ الإِدغامُ والإِخفاءُ في بابِ: حَيِيتُ لأَنَّهما ياءانِ فاغزويتُ مثلُ: ارْعَويتُ وثبتتِ الواوُ الأولى ولَم تحولْ أَلفًا وإنْ كانتْ متحركة وقبلَها فتحةٌ من أَجلِ سكونِ ما بعدَها وأَنَّهُ إذا كانتِ العينُ واللامُ مِنْ حروفِ العلةِ أُعلتِ اللامُ وصحتِ العينُ وإنَّما الواوُ هُنا بمنزلة نَزَوانٍ وافْعَالَلتُ مِنَ الواوينِ بمنزلةِ غَزَوتُ وذَلكَ قَولُ العَربِ7: قَدْ احواوتِ الشاةُ واحواويتُ والمصدرُ احويَّاء. وتقول: احْوويتُ فتثبتُ الواوانِ وسطاً

_ 1 في "ب" في الفعل. 2 في "ب" يلزم. وهو أفضل. 3 زيادة من "ب". 4 في "ب" الأخيرة. 5 في "ب" فليس. 6 أضفت كلمة "تغزو" لإيضاح المعنى. 7 في سيبويه 2/ 391، وأما افعاللت من الواوين فبمنزلة: غزوت، وذلك قول العرب: قد احوويت، تثبتان حيث صارتا وسطا، كما أن التضعيف وسطا، أقوى، نحو: اقتتلنا، فيكون على الأصل.

كالياءينِ ويجري1 احوويتُ علَى: اقتتلتُ في البيانِ والإِدغامِ والإِخفاءِ وَتقولُ في "فُعْلٍ" مِنْ شَويتُ: شِيءٌّ قلبتِ الواوُ ياءً حينَ كانتْ ساكنةً بعدَها ياءٌ وكسرتِ الشينُ كراهيةَ الضمةِ معَ الياءِ كما تكرهُ الواوُ الساكنةُ وبعدَها ياءٌ وكذلكَ فعْلٌ "مِنْ" "حَيِيتُ" حِيٌّ. وقَدْ ضَمَّ بعضُ العربِ2 الأولَ ولم يجعلْهَا كَبِيضٍ لأَنَّهُ حينَ أدغَم ذَهبَ المَدُّ أَلا تَرى أَنَّ ما لا يعربُ مِنَ الياءِ والواوِ إِذا كانتا لامينِ متَى وقَع فيهما إدغامٌ وجبَ الإِعرابُ لأَنَّ الحرفَ إِذَا شُدِّدَ قَوِيَ وَصار بمنزلةِ الصحيحِ وكانَ بمنزلةِ الياءِ والواوِ اللتينِ قَبْلَهما ساكنُ ولَو كانت: "حُيٌّ" في قافيةِ معَ "عُمْيٍ" لجازَ وقَالوا3: قَرْنٌ أَلْوى وقُرونٌ لُيٌّ. قالَ سيبويه: ومثلُ ذلكَ قولُهم: رِيَّا وَرِيَّةٌ حيثُ قلبوا الواوَ المبدلةَ مِنَ الهمزةِ فجعلوها كوا و"شَويتُ4" يريدُ5: رُويَا وَرُوية، وقَد قالَ بعضُهم: رُيَّا وَرِيَّةٌ كما قالوا: لُيٌّ ومَنْ قالَ: رُيَّةٌ قالَ في "فُعْلٍ" مِنْ "وَأَيْتُ" فِيمَنْ تركَ الهمزةَ: وُيٌّ: يَدعُ الواوَ الأُولى علَى حالِها لأَنهُ لم يلتقِ واوانِ إلا في قولِ مَنْ قَالَ: أُعِدَّ [في وَعَدَ] 6 هذَا قولُ سيبويه7. وقالَ أبو العباس: هذَا غَلطٌ لأَنَّ الذي يقولُ: وُيٌّ ينوي الهمزةَ فكيفَ يَفرٌّ مِنَ الهمزِ الذي هُوَ الأَصلُ ويأتي بغيرِ الأصلِ ومَنْ قالَ: رِيّاً

_ 1 في الأصل فاجر، 2 انظر: الكتاب 2/ 391. 3 في "ب" وقال. 4 انظر: الكتاب 2/ 391. 5 في "ب" يريدون. 6 زيادة من "ب". 7 انظر: الكتاب 2/ 391.

فكسَر الرَاءَ قالَ: وِيُّ فكسرَ الواَوَ وأَبدلوا الياءَ مِنَ الواوِ في قولِكَ: هَذا أَبوكَ وأَخوكَ ثُم قالوا: مررتُ بأَخيكَ وأَبيكَ وكذلكَ: مسلمونَ إذَا قلتَ: مررتُ بمسلمينَ.

إبدال الياء من الألف

إبدالُ الياءِ مِنَ الألفِ: حاحيتُ1 وعَاعيتُ2 وهاهيتُ قالَ سيبويه3: أَبدلوا الألفَ لشبههِا بالياءِ ويدلُّكَ على أَنَّها لَيْسَت فَاعَلْتُ قولُهم: الحِيحاءُ والعِيعاءُ كَما قالوا: السِّرهَافُ والحَاحَاةُ والهَاهَاةُ فأُجرِي مَجرى: دَعْدعتُ إذْ كُنَّ للتصويتِ كمَا أَنْ دَهدَيْتُ4 هيَ فيما زَعم الخليلُ: دهْدَهتُ وتبدلُ الياءُ مِنَ الألفِ في قولِكَ: هذانِ رجلانِ ثُم تقولُ: رأيتُ رجلينِ ومررتُ برجلينِ وتبدلُ مِنَ الأَلفِ في "قِرْطَاسٍ" إذْا صغرتَ أَو جمعتَ [قلتَ] 5 قَراطيسُ وقُرَيطيسٌ وتبدلُ في لغةِ بَعْضِ العربِ طِيىء وغيرِهم يَقولونَ: أَفْعَىً وحُبْلىً6.

_ 1 حاحيت: قلت: حاحا. 2 عاعيت: قلت: عاعا، تدعو الدابة أو تزجرها. 3 انظر: الكتاب 3/ 386. 4 انظر: الكتاب 3/ 386. 5 زيادة من "ب". 6 انظر: الكتاب 1/ 386.

إبدال الياء من الواوش وهي فاء

إبدالُ الياءِ مِنَ الواوش وهيَ فاءٌ: وذلكَ مِيزانٌ ومِيقاتُ وَهْوَ مِنَ الوقتِ والوزنِ ولكنَّهم قَلبوا الواوَ ياءً لإنكسارِ ما قبلَها.

إبدال الياء من الواو وهي عين

إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ وهيَ عينٌ: تُبدلُ في "فُعِلَ" مِنَ القولِ والخَوفِ فيقولونَ: قَدْ خِيفَ وقَدْ قِيلَ. وقَدْ ذكرَ في موضعهِ وتبدلُ مدغمةً في: سَيِّدٍ ومَيِّتٍ والأَصِلُ: فَيْعِلٌ وَهْوَ مِنَ الموتِ والسُوددِ1، ولكن كلمَّا التقتْ واوٌ وياءٌ وسكنَ الأولُ مِنْهما قَلَبوا الواوَ ياءً وأدْغَموا الياءَ في الياءِ وأَكثرُ الكلامِ عَلَى هذَا إلا أَحرفًا شاذةً. وقَالوا: لَوَيْتُ لَيَّةً وَليًّا وطويتُ طَيًَّا والأَصلُ: لَوَيْتُ لَوْيَةً ولَوْياً2، وطَويتُ طَوْيًا ولكنْ لما سكنتِ الواوُ وبعدَها الياءُ قلبوها3 ياءً وأَدغموها في الياءِ وليسَ في الصحيحِ: "فَيْعِلٌ" ولكنْ قَد يخصونَ المعتلَّ ببناءٍ ليسَ في الصحيحِ كما قالوا: كَينونةٌ وقَيدُودةٌ وإنَّما هو مِنْ: قَادَ يَقودُ فأَصلُها: فَيْعَلولٌ وليسَ في غيرِ المعتلِّ: فَيْعلولٌ مَصدرٌ فَيْعَلُولةٌ4. وقُضاةٌ لَيْسَ في جمعِ الصحيحِ مثلُه ولَو أَرادوا: "فَيْعَلًا" لقَالوا: سَيّدٌ كما قَالوا: تَيّحانٌ5، وهيَّبانٌ6 ومِما قَلبوا فيهِ الواوَ ياءً: دَيَّارٌ وقيَّامٌ وإنَّما كانَ الحدُّ: قَيْوَامٌ وقَالوا: قَيُّومٌ ودَيُّورٌ والأَصلُ: دَيْوُورٌ7: وأَمَّا: زَيَّلتُ فَفَعَّلتُ مِنْ: زَايلتُ وزِلْتُ ولَو كانَتْ [زَيَّلتُ] 8 فَيْعَلتُ: لقلتَ في المصدرِ: زَيَّلةٌ ولَمْ تقلْ: تَزييلًا وأَمَّا تحيزتُ فَتَفيْعَلْتُ مِنْ: حُزْتُ: والتحيُّزُ: التَّفَيعُلُ.

_ 1 في "ب" السود، بدال واحدة. 2 ليا: ساقط في "ب". 3 في "ب" قلبوا الواو. 4 فيعلولة: ساقط في "ب". 5 تيحان: وهو المقدام، ووزنه: فيعلان. 6 هيبان: الذي يخاف الناس ويهابهم. 7 الأصل في "ديوور" لأنه بني على فيعال وفيعول. 8 زيادة من "ب".

إبدالهما من الواو الزائدة

إبدالهُما مِنَ الواوِ الزائدةِ: وتبدلُ الياءُ مِنَ الواوِ في: بَهْلُولٍ وكُردوسٍ إذَا صغرتَهما أَو جمعتَهما تقولُ في التصغيرِ: بُهَيلِيلٌ وكُرِيدِيسٌ وفي الجمعِ: بَهاليلُ وكَرَاديسُ ومِنْ ذلكَ: مَقْصِيٌّ ومَرْمِيٌّ إنَّما هُوَ مَفْعولٌ وكانَ القياسُ أَنْ تقولَ: مَقْصَويٌّ ومَرْمويٌّ ولكنْ لما سكنتِ الواوُ بعدَها الياءُ قلبوها ياءً وأدغموها فِيها وكذلكَ إذَا قلتَ: هذهِ عشروكَ وعِشِريّ إنَّما قلبتَ الواوَ ياءً للياءِ التي بعدَها قَالَ: وسألتُ الخليلَ عِنْ: سُوَيرٍ وبُويَعِ ما مَنَعهم مِنْ أَن يقلبوا الواوَ ياءً؟ فقالَ: لأَنَّها لَيْستْ بأَصلٍ1 وكذلكَ: تُفُوِعلَ نحو: تُبُويِعَ لأَنَّ الأَصلَ الألفُ ومثلُه: رُويةٌ وَرُويا [غَيرُ مهموزٍ] 2، لَم يَقلبُوا لأَنَّ الأَصلَ الهمزُ وقالَ بعضُهم رُيَّا ورُويَا قَالَ3: ولا يكونُ هذَا في: سُويرٍ وتُبُوِيعَ لأنَّ الواوَ بَدلٌ مِنَ الألفِ فأَرادوا أَن يمدوا4، نحو وَاوِ سُويرٍ واوَ ديوانٍ لأَنَّ الياء بدلٌ مِنَ الواوِ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 373، لأن هذه الواو ليست بلازمة ولا أصل. 2 زيادة من "ب". 3 أي: سيبويه، انظر: الكتاب 2/ 373. 4 أي: يمدوا كما مدوا الألف.

إبدال الياء من المدغم عينا

إبدالُ الياءِ مِنَ المدغمِ عينًا: وذلكَ قولُهم: ديِنَارٌ وقِيراطٌ والأَصلُ: دِنَّارٌ وقِرَّاطٌ يَدلُّ علَى ذلكَ جمعُهم إياهُ1 دَنانيرُ وقَرَاريطُ والتصغيرُ2 دُنَينيرٌ وقُريرِيطٌ فأَبدلوا الأُولى ياءً. وكلهم يقولُ في "دِيوانٍ" دَوَاوينُ في الجمع ودُيَوينٌ في التصغيرِ فقلبتِ الواوُ ياءً للكسرةِ.

_ 1 إياه: ساقط من "ب". 2 في "ب" وتصغيره.

إبدال الياء من الواو تشبيها بما يوجب القلب

إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ تشبيهًا بمَا يوجبُ القلبَ: مِنْ ذلكَ قولهُم: حَالتْ حِيَالًا وقُمْتُ قِيامًَا. قالَ سيبويه1: قلبوهَا لإعتلالِها في الفعلِ وإنَّ قبلَها كسرة وبعدَها حرفٌ يشبهُ الياءَ- يعني الألفَ- قالَ ومثلُ ذلكَ: سَوْطٌ وسِيَاطٌ لمّا كانتِ الواوُ ساكنةً فأَمَّا ما كانَ قَد قُلبَ في الواحدِ فإنَّه لا يثبتُ في الجمعِ إذَا كانَ قبلهُ الكسرُ وذلكَ قولهُ: دِيمةٌ ودِيَمٌ وحِيلَةٌ وحِيَلٌ وقَامةٌ2، وقِيَمٌ وَدَارٌ ودِيَارٌ وهذَا أَجدرُ إذَا كانتْ بعدَها الألفُ استثقلوا الواوَ بعدَ الكسرةِ. فجميعُ هذَا لم يعلَّ للكسرةِ التي قبلَهُ فَقَطْ لأَنَّ الكسرةَ إنَّما تقلبُ الواوَ ياءً إذَا كانتِ الواوُ ساكنةً ولكنَّ هذهِ الواوَ ضَارعتِ الواوَ الساكنةَ باعتلالها في الواحدِ فأَعلوها في الجميع [فإنْ لم تعتلَّ في الواحِد لم تعلَّ في الجميعِ] 3 وذلكَ قولُهم: كُوزٌ وكِوَزةٌ وَعُودٌ وعِوَدةٌ وَثَورٌ وثِوَرةٌ وقَدْ قالوا: ثِيَرةٌ. [قلبوها حيثُ كانَتْ بعدَ كسرةٍ وهَذا شاذٌّ] 4 والفرقُ بينَهُ وبينَ: سَوطٍ وسِيَاطٍ أَنَّ بعدَ الياءِ في "سِيَاطٍ" أَلفًا وهوَ حرفٌ يقربُ مِنَ الياءِ. وقالَ أبو العباس: هؤلاءِ إِنما5 قالوا: ثِيَرةٌ ليفرقوُا بينَ: ثَورِ الأقطِ،

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 369. 2 في الأصل "قائمة" والتصحيح من "ب". 3 ما بين القوسين ساقط من "ب". 4 ما بين القوسين ساقط من "ب". 5 إنما: ساقط من "ب".

وثَورٍ مِنَ البقرِ1، وقالَ: بَنَوْهُ علَى فَعْلَةٍ ثُمَ حركوهُ فصارَ ثِيَرةً ومِمّا أُجري مَجرى "حِيَالًا": اجتزتُ اجْتيازًا وانقدتُ انقيادًا فأَمَّا قولُهم: جِوَارٌ فلصحتِه في الفعلِ قالوا: جَاورتُ وقَدْ قلبوا الواوَ ياءً في "فُعَّلٍ" وذلكَ: صُيَّمٌ في "صُوَّمٍ" وفي قُوَّلٍ: قُيَّلٌ: وفي قُيّمٌ قٌوّمٌ2، شبهوها بِعُتُوٍّ وعُتِيٍّ كما قالوا: جُثُوٌّ3. وفُعُولٌ إذَا كانتْ جمعًا فحقُّها القلبُ نحو: عَاتٍ وعُتِيٍّ وإذَا كانَ مصدرًا فحقهُ التصحيحُ لأَنَّ الجمعَ أَثقلُ عندَهم مِنَ الواحدِ أَلا تَراهم قالوا: في جمعِ أَبيضَ: بِيضٌ وكانَ القياسُ: بُوضٌ لأَنَّهُ فُعْلٌ: يَدلُّكَ علَى ذلكَ قولُهم: أَحمرُ حُمْرٌ ولكنَّهم أَبدلوا الضمَة كَسرةً لتصحَّ الياءُ التي كانتْ في الأَصلِ ولئلا يخرجوا مِنَ الآخفِّ إلى الأَثقلِ في الجمعِ وهَوَ أَثْقَلُ مِنَ الواحدِ عندَهم فَيجتمعَ ثقلانِ وقالُوا أيضًا: صِيَّمٌ ونِيَّمٌ كما قالوا: عِتيٌّ فكسَروا ليؤكدوا البدلَ. ولم يقلبوا في: زُوّارٍ وصُوَّامٍ لبعدِها مِنَ الطرفِ فأَمَّا طَويلٌ وطِوَالٌ فصحَّ في الجمعِ كما صحَّ في الواحِد. أَما فَعَلانٌ وفَعَلَى فنحو: جَوَلانٍ وحَيدانٍ وحَيَدى4، فأَخرجوهُ بهذهِ الزيادِة مِنْ مِثالِ الفِعْلِ الذي يعتلُّ فأشبهَ عنَدهم ما صححَ لأَنَّهُ جَاءَ على غيرِ مثالِ الفعِل5 المعتل نحو: الحِوَلِ والغِيَرِ وكذلكَ فِعَلاءُ نحو: السيَراءِ وَفُعَلاَءُ: نحو: القُوَباءِ والخُيَلاءِ وقَد وكذلكَ فِعَلاءُ نحو: السيَراءِ وَفُعَلاَءُ: نحو: القُوَباءِ6 والخُيَلاءِ وقَد أَعلَّ بعضُهم: فَعَلان وَفَعَلَى كمَا أْعلَّ ما لا زيادةَ فيهِ جَعلُوا الزيادةَ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 185 والمقتضب للمبرد/ 1/ 130 وتصريف المازني 1/ 345-346 والخصائص 1/ 112. 2 وقوم: ساقط من "ب". 3 وذلك لأن العين تلي اللام. وانظر: المنصف 1/ 1. 4 حيدى: حمار حيدى، يحيد عن ظله لنشاطه. 5 الفعل: ساقط من "ب". 6 القوباء: داء يظهر على الجلد.

بمنزلة الهاءِ وذلكَ قولُهم: دَارانٌ1 وهَامَانٌ وليسَ ذا بالمطردِ وأَمَّا فُعَلَى وفِعَلَى فلا تدخلُه العلةُ كما لا تدخُل: فُعَلاَءُ وفِعَلاءَ2.

_ 1 داران: من دار يدور. أو اسم رجل. 2 في سيبويه 2/ 371 وأما فُعَلى، وفِعلي، وهذا النحو فلا تدخله العلة، كما لا تدخل "فعل" وفعل.

إبدال الواو من الياء

إبدالُ الواوِ مِنَ الياءِ: الواوُ تبدلُ مِنَ الياءِ إذَا سكنتْ وانضم ما قبلَها نحو: مُوقِنٍ ومُوسِرٍ كانَ الأَصلُ: مُيقنٌ ومُيسرٌ فأبدلتْ واوًا مِنْ أَجلِ الضمةِ وَيَا زيدٌ وَإسْ وقالَ بعضُهم: يَا زيدٌ بْئَسْ1، شَبههُ بقُيلَ وقرأَ أَبو عمروٍ: "يَا صَالِحُ يتِنا"2 جعل الهمزةَ ياءً ثُمَّ لم يقلبْها [واوًا] 3 ولم يقولوا: هذَا في الحرفِ الذي ليسَ منفصلًا وهيَ لغةٌ ضعيفةٌ4، وتبدلُ مِنَ الياءِ في النسبِ إذا نسبتَ5 إلى ندَا ورَحَا: نَدَوِيٌّ ورَوحوِيُّ وإلى غَنيٍّ: غَنَويٌّ وهذهِ الياءُ إنما تقلبُ أَلفًا ثُمَ تقلبُ واوًا فالأَصلُ ياءٌ والتقديرُ قلبُها مِنَ الألفِ وقد ذكرتُ ذَا في النسبِ وتبدلُ الواوُ مِنَ الياءِ في "فَعْلَى" إذَا كانتْ اسمًا والياءُ موضعُ اللامِ يقولونَ: لكَ شَرْوَى هذَا الثَّوبِ وإنَّما هيَ مِنْ: شَريتُ وتَقْوَى وإنِّما هيَ مِن التَّقيَّةِ وإنْ كانتْ صفةً تركوهُا علَى أَصلِها قالوا: امرأةٌ خَزْيَا وَرَيَّا ولَو كانتْ: رَيَّا اسمًا لكانتْ: روَّا لأَنكَ كنتَ تبدلُ واوًا موضعَ اللامِ وتثبت الواوَ التي هيَ عينُ فَعْلَى مِنَ الواوِ علَى الأصلِ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 358. 2 الأعراف: 77 وانظر: الكتاب 2/ 358. 3 أضفت كلمة "واو" لإيضاح المعنى. 4 لأن قياس هذا أن تقول: يا غلا موجل، وانظر: الكتاب 2/ 358. 5 زيادة من "ب".

وذلكَ: شَهْوَى صفةٌ ودَعْوَى اسمٌ وأَبدلوها وهيَ عينٌ في فُعْلَى وذلكَ قولُهم: هذهِ1 الكُوسَى والطُّوبَى وَهْوَ مِنَ الكَيسِ والطِيبِ وإنَّما أَبدلوها للضمةِ قبلَها فإنْ كانتْ صفةً ليستْ فيها أَلفٌ ولامٌ ردوها إلى أَصلِها قالَ: {تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} 2. وذكرَ سيبويه: أَنَّها فُعْلَى وأَنَهُ لَيسَ في الكلامِ: فِعْلَى "صفة"3، وفي الكلامِ فُعْلَى صفةٌ مثلُ: حُبْلَى و"فُعْلَى" إذَا كانتْ فيها أَلفٌ ولامٌ4 استعملَ5 استعمالَ الأَسماء وإنْ كانتْ مشتقةً أَلاَ تَرَى أَنَّكَ تَقولُ الصَّغْرَى والكُبْرَى فَلا تحتاجُ أَنْ تقولَ: المرأةُ الصُّغْرَى وأَمّا: "فَعْلَى" فَعَلَى الأَصلِ في الواوِ والياءِ وذلكَ قولُهم: فَوْضَى وَعَيْثَى6 وفُعْلَى منْ قُلتُ علَى الأَصلِ كما كانت فَعْلَى من غَزَوْتُ على الأصل. وكأَنَّهم عَوضوا الواوَ في هذَا البابِ مِنْ كثرةِ دخولِ الياءِ عليها في غيرهِ وذَا قولُ سيبويه7.

_ 1 هذه: ساقطة في "ب". 2 النجم: 22، والضيزي والضوزي-بفتح وكسر الضاد- لغة في ضيزى: الناقصة. 3 انظر: الكتاب 2/ 371. 4 في "ب" الألف واللام. 5 في "ب" استعملت. 6 عيثى: يقال: عاث في ماله: بذره وأسرع في إنفاقه، فهو عيثان، وهي عيثى. 7 انظر: الكتاب 2/ 371.

إبدال الواو مكان الهمزة

إبدالُ الواوِ مكانَ الهمزةِ: قَد ذكرنَا في بَابِ الهمزةِ1 ابدالَ الواوِ مِنَ الألفِ بَعضُ العَربِ يقولُ: هذهِ2 افْعُو وَحُبْلُو في الوقفِ وتبدلُ الواوُ مِنَ الألفِ إذَا كانتْ

_ 1 في "ب" الهمز. 2 في "ب" هذا.

ثانيةً زَائدةً في الجمعِ والتصغيرِ فتقولُ في: ضَاربةٍ ضُوَيربَةٌ وفي جمعِها: ضَوَاربُ وتبدلُ الواوُ مِنَ همزةِ التأنيثِ في النَّسَبِ والتثنيةِ والجمعِ فتقولُ: نَاقتانِ عُشَراوانِ وامرأتَانِ نُفَساوانِ وأَينقٌ عُشَراواتٌ ونِسَاءٌ نُفَساواتٌ وإذَا نسبوَا إلى: وَرقاءَ قالوا: وَرقَاوِيٌّ وأَبدلوها في موضعينِ بدلًا شاذًا وقالوا: في فِتيانٍ: هؤلاءِ فُتُوَّ كما تَرَى وأَنشدوا1: في فُتُوٍّ أَنَا رَابئُهُمْ ... مِنْ كَلالِ غَزْوَةٍ مَاتُوا قَالوا في المصدرِ: فُتُوَّةٌ فَهذا مِنَ الشاذِّ وقالوا في النَّسبِ: كِسَاوِيٌّ والهمز2 أَجودُ وقالوا: هذانِ عِلْبَاوانِ في تثنيةِ عِلْبَاءَ وهذهِ كثيرةٌ لأَنَّ الياءَ زائدةٌ في "عِلْباءَ" وإذَا قلتَ: "فُعِلَ" مِنْ فَاعَلَ قلتَ: فُوعِلَ: فأبدلتَ مِنَ الأَلفِ واوًا وذلكَ نحو: سُوَيرٍ هُوَ مِنْ سَائرٍ وكذلكَ بَايعَ وَبُوَيعَ.

_ 1 الشاهد فيه أن الفتو من الياء وهو جمع، وهذا الضرب من الجمع تقلب فيه الواو ياء كعصى، ولكنه حمل على مصدره. والشاهد لجذيمة الأبدش الأزدي من قصيدة يرثي فيها جماعة من قومه كان قد خرج بهم لغزو طسم وجديس فأوقع بهم حسان بن تبع. وانظر: الخزانة 4/ 567 والصحاح 6/ 2452 واللسان "فتا".

إبدال الفاء أبدلوها من الواو والياء

إبدالُ الفاءِ: أَبدلوها مِنَ الواوِ والياءِ: [تبدلُ في موضعينِ مِنَ الواوِ والياءِ ومِنْ أَشياءٍ تَشذُّ إبدَالًا مطردًا وتُبدلُ مِنَ السين1] إبدالها مِنَ الواوِ تقلبُ التاءُ مِنَ الواوِ إذا كانتِ الواوُ في موضعِ الفاءِ قلبًا مطردًا إذا قلتَ: افتَعلَ يقولونَ: اتَّعدَ واتَّزَنَ

_ 1 زيادة من "ب".

يَتّزِنُ ويَتَّعِدُ وَهُم مُتَّزِنونَ ومُتَّعِدُونَ وكذلكَ الياءُ تقولُ افتَعلَ مِنْ يَأَسَ اتَّأَسَ فتقلبُ1. وناسٌ يقولونَ: ايتعَدَ وقالوا: ياتَعدُ ومُوتعدٌ2. وتقلب قلبًا غيرَ مطردٍ في قولِهم: أَتهَمَ وأَتلجَ وأَولجَ أَكثرُهم يقولهُ. وأَمَّا أَتهَمَ فهوَ مِنَ الوَهمِ والظَنِّ يُقالُ: قَد أتهَمَ الرجلُ إذَا صارَ تظنُّ بهِ الرِّيبةُ ومثلُه: التُّخْمة وإنّما هوَ مِنَ "الوخَامةِ" ومثلُها: تُجَاهٌ وهيَ مِنْ: وَاجهتُ3 وكذلكَ تُرَاثٌ هيَ مِنْ: وَرِثتُ ورُبَّما أَبدلوا التاءَ إذا التقتِ الواوانِ وليسَ بمطردٍ قالوا: تَوْلَج. وزعمَ الخليلُ: أَنَّها فَوْعَل ولَم يجعلْهما تَفْعَلا لأَنكَ لا تكادُ تجدُ في الأسماءِ تَفْعَلا وفَوْعَلٌ كثيرٌ4، ومنهم مَنْ يقولُ: دَوْلَجٌ في تَوْلَج.

_ 1 فتقلب ساقط من "ب". 2 انظر الكتاب 2/ 357 وأما ناس من العرب جعلوها بمنزلة واو قال فجعلوها تابعة حيث كانت ساكنة كسكونها وكانت معتلة فقالوا: "ايتعد، كما قالوا: قيل، وقالوا: ياتعد، كما قالوا: قال، وقالوا: موتعد، كما قالوا: قول..". 3 في "ب" أوجهت. 4 انظر: الكتاب 2/ 356.

إبدال التاء من الياء

إبدالُ التاءِ مِنَ الياءِ: قال سيبويه: إذا قلتَ افْتَعلَ مِنَ اليبسِ قلتَ اتَّبَسَ يَتَّبِسُ اتبَاسًا وهوَ مُتَّبِسٌ1. قالَ الجرمي: والعربُ تقولُ في أيسارِ الجَزُورِ الذي يقتسمونها قد أتَّسَروُها يَتَّسرونَها2، اتِّسارًا وهَذا أَكثرُ على أَلسنتِهم وبعضُهم يقول: ائتَسروُها يأتسِرونَها3 ائتِسارًا وَهُم مُؤْتسرونَ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 358. 2 يتسرونها: ساقط في "ب". 3 في "ب" يتسروها.

الشذوذ

الشذوذُ: يُبدلونَ التاءَ مِنَ السينِ والدالِ في قولِهم1: سِتٌّ وكانَ الأَصلُ: "سُدسٌ" والدليلُ علَى ذلكَ إذَا جمعتَ قلتَ أَسداسٌ2، وإذَا صغرتَ قلتَ: سُدَيسةٌ ويقولونَ: غلامٌ3 سُدَاسيٌّ فإذَا زالتْ عن الموضعِ الذي قلَبوها فيهِ ردَوها إلى أَصلِها وأَبدلوا التاءَ مِنَ الواوِ في قولِهم: أَسنتُوا إذَا أَصابَتْهم السَنَةُ والجدوبةُ وإنَّما كانَ أَصلُها: أَسنَوا ولكنَّهم إذَا أَرادوا أَن يقولوا: لَبِثْنا هَهُنَا سَنةً قالوا: قد أَسنوا يسنُونَ اسْنَاءً فأرادوا4 الفَصْلَ بينَهما فقلبوا الواوَ في هَذا المعنى تاءً وهذَا كلهُ شَاذٌّ لا يقاسُ عليهِ وإذَا كانتِ الذالُ لامًا في "فَعَلْتُ" فمنهم مَنْ يجريها5 علَى الأصلِ فيقولُ: أَخَذْتُ فيظهرُ الذالَ والتاءَ وهي قليلةٌ وأَكثرهم يقلبُ الذالَ تاءً فيقولُ أَخَتُّ وهيَ أَكثرُ القراءةِ وقرأوا: "وأَخْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي"6.

_ 1 في "ب" قولك. 2 انظر الكتاب 2/ 428. 3 في "ب" غلامي. 4 في "ب" وأرادوا. 5 في "ب" يجيء بها. 6 آل عمران: 81.

إبدال الدال في افتعل وفعلت

إبدالُ الدالِ في افتَعَل وفَعَلتُ: تبدلُ مِنَ التاءِ في افْتَعلَ "قلبًا مطردًا إذا كانَ قبلَ التاءِ حرفٌ مجهورٌ زايٌ أو دَالٌ تقولُ في "افْتَعلَ" مِنَ الزينةِ: ازدَانَ ازدياَنًا ومِنَ الزرعِ: ازدَرعَ ازدرَاعًا وذاكَ أَنَّ التاءَ كانت مهموسةً والزايُ مجهورةٌ فأَبدلوا مِنَ التاءِ حرفًا مِن موضعِها مجهورًا وهوَ الدالُ وكذلكَ: افْتَعلَ مِنَ

الذِّكرٍ وهوَ قولُكَ: ادَّكرَ يَدّكرُ ادّكارًا وهوَ مُدَّكرٌ وهذهِ أَكثرُ في كلام العربِ ويقولُ قومٌ: اذَّكرَ يَذَّكرُ وهوَ مذّكرٌ وكانَ الأَصلُ: مذدَكرٌ ثُمَّ أُدغِمت الذالُ في الدَّالِ لأَنَّ حقَّ الإِدغامِ أَنْ يُدغمَ الأَولُ في الثاني وهوَ أَكثرُ كلامِ العربِ ومِنَ العربِ مَنْ يكرهُ أَنْ يدغمَ الأَصلي فيما هُوَ بَدلٌ مِنَ الزائدِ فيقولُ: مُذَّكرٌ وهيَ قليلةٌ فهذا لا تعدُّ فيهِ الذالُ بدلًا لأَنهُ قَلْبٌ وبَدَلٌ لإِدغامٍ وكذلكَ قولُهم: اثَّردَ يريدونَ: اثْتَردَ ومنهم مَنْ يقولُ: اتّردَ فيدغُم الثَّاءَ في التاءِ وهوَ الكثيرُ والذينَ قالوا: اثُّرَدَ كرهوا أَنْ يُدغموا الأَصليَّ في الزائدِ. وبعضُ بني تميمٍ1 إذَا كانتِ الزايُ لامًا قلَبوا التاءَ في "فَعَلتُ" دالًا وقالوا فُزْدُ يُريدونَ فُزتُ ومنهم مَنْ يقولُ: وَوْلَجٌ في: تَوْلَجٍ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 423.

إبدال الطاء

إبدالُ الطاءِ: الطاءُ تبدلُ مِنَ التاءِ في "افْتَعلَ" إذَا كانَ قبلَها طَاءٌ أَو ضَادٌ وذلكَ قولُهم: اظطلَم يظطلمُ اظطلامًا واضطجعَ يضطجعُ اضطجاعًا وهوَ مضطجعٌ وفي "افتَعلَ" من "ظَلَم" ثلاثُ لغاتٍ مِنَ العربِ مَنْ يقلبُ التاءُ طاءً ثُمَّ يُظهر الطاءَ والظاءَ جميعًا كما ذكرتُ لكَ ومنهم مَنْ يريدُ الإِدغامَ فيدغمُ الظاءَ في الطاءِ وهي أَكثرُ اللغاتِ فيقول: اظَّلمَ يَظَّلمُ اظّلامًا وهوَ مُظَّلمٌ ومنهُم مَنْ يكرهُ أَن يدغَم الأَصليَ في الزائِد فيقولُ: اظَّلمَ يَظَّلمُ اظّلامًا ومُظَّلَمٌ وأما مضطجعٌ ففيهِ لغتانِ: مضطجعٌ ومضّجعٌ ولا يدغمونَ الضادَ في الطاءِ وإذَا كانَ الأَولُ صادًا قالوا: اصطبَر يصطبرُ اصطبارًا وَهوَ مصطبرٌ فإنْ أَرادوا الإِدْغامَ قالوا [هُو1] َ مُصَبّرٌ وقد

_ 1 زيادة من "ب".

اصبّر لأَنَّ الصادَ لا تدغمُ في الطاءِ فقلبوا الطاءَ ضادًا وأَدغموا الضادَ فيها فإنْ كانَ أَولُ "افْتَعلَ" طَاءً فكلهُم يقولُ: اطَّلَبَ يَطَّلبُ وهوَ مُطَّلبٌ وإذا1 كانَ أَولُه سينًا فمنهم مَنْ يظهرُ التاءَ ومنهم مَنْ يُدغمُ فيقولُ: اسَّمعَ وقد أَبدلوا التاءَ في "فَعَلْتُ" طاء إذا كانَ قبلَها الصادُ وسكنتِ الصادُ وتحركتِ التاءُ وهيَ لغةُ لناسٍ مِنْ بني تميمٍ يقولونَ: فَحصطُ2 برجلِي فيجعلونَ التاءَ طاءً كما فَعلوا ذلكَ في: اصطَبَر فقلبوا التاءَ طاءً وكذلكَ إذا كانتِ التاءُ قبلَها طاءٌ موضعَ اللامِ يقولونَ: خَبَطٌ بِيَدي وقالَ عَلقمةُ [بن عبدة] 3: وفي كُلِّ قَومِ قَد خَبَطَّ بنعمةٍ ... فَحُقَّ لِشَأسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ4

_ 1 في "ب" وأن. 2 يريدون: فحصت. 3 زيادة من "ب". 4 من شواهد سيبويه على إبداع التاء من "خبطت" طاء لمجاورتها الطاء ومناسبتها لها في الجهر والإطباق. والخبط: أصله ضرب الشجر بالعصا ليتحات ورقها فتعلفه الإبل فجعل ذلك مثلا في العطاء، وجعل كل طالب معروفا مختبطا وكل معط خابطا، فعلى هذا يكون معنى: خبطت، أسديت وأنعمت، والذَّنُوب: الدلو ملأى ماء. قال علقمة: هذا للحارث الغساني، وكان قد أوقع ببني تميم وأسر منهم تسعين رجلا فيهم شأس بن عبدة أخو الشاعر، وكان قد وفد عليه مادحا له وراغبا في أخيه فلما أنشده القصيدة التي منها هذا الشاهد خيره الحارث بين العطاء الجزل وإطلاق أسرى تميم فاختار الثاني فأطلقهم، وقد انفرد ابن السراج بروايته: وفي كل قوم. وانظر: المنصف 2/ 332 وشرح السيرافي 6/ 564 وكل الروايات: وفي كل حي وأمالي ابن الشجري 2/ 181 وشرح الحماسة 2/ 906 والمفضليات 2/ 196، وابن يعيش 4/ 48 والشعر والشعراء/ 221 والمفصل للزمخشري/ 403 والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 123.

إبدال الميم

إبدالُ الميمِ: إذَا كانتِ النونُ ساكنةً وبعدَها الباءُ فالعربُ تقلبُ النونَ ميمًا فيقولونَ: العنبر: الكتابةُ بالنون واللفظُ بالميمِ وشَنباءُ أيضًا الكتابةُ بالنونِ واللفظُ بالميمِ فيقلبونَ النونَ ميمًا إذَا كانتِ النونُ1 ساكنةً يقولونَ: أَخذته عَنْ بَكْرٍ الكتابةُ بالنونِ واللفظ بالميمِ فيقلبونَ النونَ إذا سُكنت فإذَا تحركتْ أَعادوها إلى أصلِها فجعلوهَا نونًا يقولونَ: الشّنَبُ وَرجلٌ أَشنبُ لمّا تحركتْ رجعتْ إلى أَصلِها وإذا صَغَّرتَ "العَنبَر" قلتَ: عُنَيبِرٌ تردُّ النونَ إلى أَصلِها لمّا تحركتْ. قالَ الجَرْمي: وسمعتُ الأَصمعي يقولُ: الشَّنَبُ: بَردُ الفَمِ والأَسنانِ فقلتُ لَهُ: إنَّ أَصحابَنا يقولونَ: إنَّهُ حدتُها حينَ تطلعُ فيرادُ بذلكَ حداثَتَها وطَراءتَها لأَنَّها إذَا أَتت عليها السنونَ احتكتْ فقالَ: ما هُوَ إلا بردُها وقَد قلبوا قلبًا شَاذًا لا يقاسُ عليهِ قالوا: في فيكَ وفوكَ إذَا أفردوه فَمٌ وأَصلهُ: فوهٌ والدليلُ على ذلكَ تصغيرهُ: فُوَيهٌ وجمعهُ: أَفواهُ فإذَا أَضافوهُ ففيهِ لغتانِ: يقولُ بعضهُم: هذَا فُوكَ ورأيتُ فاكَ وفي فيكَ فيجيئونَ بموضعِ العينِ ويحذفونَ اللامَ وهيَ لغةُ كثيرةٌ إذَا أَضافوا ومنهم مَنْ يقولُ: هَذا فمُكَ ورأيتُ فَمَكَ وفي فمِكَ2 ويجيءُ في الشعرِ لغةُ ضعيفةٌ علَى غيرِ هذَا3 قالوا: هذَانِ فموانِ ورأيتُ فموينِ وكذلكَ إذا أَضافوا قالوا: هذانِ فمواكما ورأيتُ فمويكما.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 414. وذلك قولهم: ممبك يريدون: من بك وشمباء وعمبر يريدون: شنباء، وعنبرا، والشنباء: ذات الأسنان البيض: وانظر: المقتضب 1/ 316. 2 في "ب" مررت بفمك. 3 قال الشاعر: هما نفثا في من فمويهما. فقد جمع الشاعر بين العوض والمعوض-جمع بين البدل وهو الميم والمبدل منه وهو الواو-فنقص اللام إذ أصله "فوه" بدليل جمعه على أفواه، وزيدت فيه الميم وهي ليست من أصل تركيبه. وانظر: الكتاب 2/ 83 والخصائص 3/ 147.

إبدالُ الجيمِ: أُبدلت الجيم مكان الياء المشددة وليس ذلك بالمعروف وأَنشدوا1: "خالي عويف وأبو عَلجِّ ... المَطْعِمانِ الشَّحْمَ بالعَشِجِّ" "وبالغداةِ فَلَقِ البَرْنِيجِّ ... " وقَد أَبدلوهَا من المخففةِ وذلكَ ضعيفٌ قليلُ وأَنشدَ أَبو زيدٍ2: "يا ربِّ إنْ كنتَ قَبِلْتَ حَجَّتَجْ ... فَلا يَزَالَنْ شَاحِجٌ يأتيكَ بِجْ" 3

_ 1 هذا الرجز من شواهد سيبيويه 2/ 288 على إبدال الجيم من الياء في عليّ والعشي. والبرني، لأن الياء خفيفة، وتزداد خفاء بالسكون للوقف أبدلوا مكانها الجيم لأنها من مخرجها، وهي أبين منها. والبرني: ضرب من التمرة، وفلقه، ما قطع منه بعد تكتله في جلله، وهي قفاف تعبئة، والعشي: ما بين الزوال إلى الغروب والغداة: الضحوة ولم ينسب هذا إلى قائل معين: قال صاحب اللسان: قال خلف الأحمر: أنشدني هذا رجل من أهل البادية. والشاعر يفتخر بخاليه أو بعميه ويُروى الشطر الأخير: وبالغداة كتل البرنج. وانظر: المنصف 2/ 187. والمحتسب 1/ 75 والموجز لابن السراج/ 159، وشرح السيرافي 5/ 441. والصاحبي لابن فارس/ 25 والجمهرة لابن دريد 1/ 5. 2 في "ب" وأنشد. 3 أبو زيد: هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري من أئمة اللغة. صاحب كتاب النوادر. ويروي: لا هم إنكنت قبيلت حجتج، وكذلك: إلهي إن كنت.... ويروى الشطر الثاني: شامخ يأتيك بج. وهذا الرجز ينسب لبعض أهل اليمن. والشاجح: من شجح البغل. أي: الصوت. وانظر: النوادر/ 164. والموجز لابن السراج/ 159. والمحتسب 1/ 75 وسر صناعة الإعراب 1/ 193 وشرح السيرافي 5/ 441. ومعجم مقاييس اللغة 4/ 29. ومجالس ثعلب/ 143. وأمالى القالي 2/ 78.

يريدون "حجتي" ويأتيكَ "بي" وأَنشدوا: "حتَى إذَا ما أَمْسَجَتْ وأَمسِجا1" يريدُ: أَمسيتُ وأَمسيا فهذَا كلهُ قَبيحٌ وليسَ بالمعروفِ. قالَ أَبو عمر2: ولو رده إنسانٌ كانَ مذهبًا.

_ 1 يعزى هذا الرجز للعجاج ولم يوجد في ديوانه: يريد أمست الأتن وأمسى العير، وقيل: وصف حمارا وأتنا وأراد: أمسيت وأمسى، فأبدل من الياء الجيم في الوقف. وقيل: أراد أمست النعامة وأمسى الظليم. وانظر: المحتسب 1/ 74. وشرح شواهد الإيضاح لابن بري/ 30. والمفصل للزمخشري 373. والتمام في تفسير أشعار هذيل 133/ وشرح السيرافي 5/ 562. واللسان 3/ 27. 2 يريد أبا عمر الجرمي، وانظر: اللسان 3/ 27 قال: وهذا كله قبيح، قال: أبو عمر الجرمي: ولو رده إنسان لكان مذهبا.

إبدال اللام

إبدالُ اللامِ: أبدلوا1 اللامَ في: "أُصَيْلاَلٍ" من النونِ وذلكَ أَنَّهم إذَا صغروا: الأَصيلَ قالوا: أُصيلٌ وهُوَ القياسُ وقالَ بعضهُم: أُصيلانٌ فزادَ الأَلفَ والنونَ وهيَ لغةٌ معروفةٌ وهَذا مِنَ الشَاذِّ فأَبدلَ بعضهُم هذهِ النونَ لامًا فقالَ: أُصيلالٌ والأَصيلُ بعدَ العصرِ إلى المغربِ قالَ النابغةُ: وقَفتُ فيها أَصيلاَلًا أُسائلُها.. ... أَعيَتْ جَوابًا ومَا بِالرَّبعِ مِنْ أَحَدِ الهاءُ: الهاءُ تبدلُ مِنَ التاءِ تاءِ التأنيثِ في الاسم في الوقفِ نحو: تَمْرَه وطَلَحه وقَائمِه ومِنَ الهمزةِ في: أَرحتُ: هَرَحْتُ

_ 1 زيادة من "ب".

النونُ: والنونُ تكونُ بدلًا مِنَ الهمزةِ في: "فَعْلاَن" فَعْلَى كمَا أَنَّ الهمزةَ بدلٌ مِنْ الألفِ في: حَمْراءَ هذَا مذهبُ الخليلِ وسيبويه1. الحذفُ: إذا كاتِ الواوُ أَولًا وكانتْ فَاءً نحو: وَعَدَ يَعِدُ حُذِفَت الواوُ لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ لأَنَّ مضارعَ فَعَلَ يَفْعِلُ فَوعَد فَعَلَ فإنْ كانَ الماضي مثلُ: وَجِلَ جاءَ المضارعُ علَى: يَفْعَلُ وتثبتِ الواوُ لأَنَّها لم تقع بينَ ياءٍ وكسرةٍ. وتَفْعِلةٌ مِنْ: وعدتُ وتَفْعِلُ: إذا كانا اسمينِ تَوعِدةٌ وَتَوْعِدٌ والدليلُ علَى أَنَّها تثبتُ قولُهم: تَوْسِعةٌ وتَودِيةٌ2 والمصدرُ مِنْ: وعدتُ: عِدَة فِعْلَةٌ والهاءُ لا بُدَّ منها وإذا لم تكنْ فلا حَذْفَ أَعلوا المصدرَ كفعلهِ. قالَ سيبويه: وقَد أَتموا فقالوا: وجِهَةٌ في جِهةٍ3 قالَ أبو بكر: وهذا عندي أَعني وجهةٌ لم يجئ على الفعلِ والواوُ تُثبتُ في الأسماءِ قالوا: ولِدَةٌ وقالوا أَيضًا لِدَةٌ كعِدَةٍ فالاسم: وعِدَةٌ والمصدرُ: عِدَةٌ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 314 والنون تكون بدلا من الهمزة في "فعلا فعلى"، وقال سيبويه في باب ما لا ينصرف: وذلك أنهم جعلوا النون حيث جاءت بعد ألف عطشان، وسكران، كألف حمراء لأنها على مثالها في عدة الحروف والتحرك والسكون. انظر: الكتاب 2/ 10 أما المبرد فيرى عكس مذهب سيبويه، إذ يري أن أصل همزة فعلاء النون، ويستدل برجوعهما إلى الأصل في صنعاني، نسبة إلى صنعاء. انظر: المقتضب 1/ 219 و3/ 167 والموجز لابن السراج/ 160. 2 التودية: حشبة تشد خلف الناقة. 3 انظر: الكتاب2/ 358.

وإن كانتِ الياءُ أولًا فاءً لم تحذفْ في الموضعِ الذي تحذفُ فيهِ الواوُ وذلكَ قولُهم1: يَعرَ2 يَيْعَرُ وحكي عن بعضِهم في المضارعِ: يَئِسَ ويَيْئَسُ3 كما قَالوا: يَعِدُ ومِنْ ذلكَ قولهُم: هَيْنٌ ومَيْتٌ يريدونَ هَيِّنٌ ومَيِّتٌ فحذفوا العينَ وهيَ متحركةٌ ومِنْ ذلكَ: كينونةٌ وقَيدودٌ وإنَّما هُوَ مِنْ: قادَ يقودُ وأَصلها: فَيْعَلُولٌ قالَ سيبويه: سألتُ الخليلَ عن "لَمْ أُبَلْ" فَقالَ: هيَ مِنْ "بَاليتُ" ولكنَّهم لما أسكنوا اللامَ حذفوا الأَلفَ لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ4، وزعَم الخليلُ: أَنَّ ناسًا يقولونَ: لم أُبَلِهِ لا يزيدونَ على حذفِ الأَلفِ ولَم يحذفوا لا أُبالي كما أَنَّهُم إذَا قالوا لم يكنِ الرجلُ فكانَتْ في موضعِ تَحركٍ لم تحذفْ وأُبالي إنَّما يحذفُ في موضعِ الجزمِ فَقَطْ5 [وإذَا كانتِ اللامُ ياءً بعدَ ياءين مُدْغَمَيْنِ فاجتمعَ ثلاثُ ياَءاتٍ في اسمٍ غيرِ مبني علَى "فَعَلٍ" حُذِفَ اللامُ وذلكَ قولُكَ في تصغيرِ عَطاءٍ عُطَيٌّ وفي أَحوى: حُيَيٌّ فإنْ كانَ اسمٌ علَى فَعْلٍ تثبتُ نَحو قولِك: حَيُّا فهوَ مُحَييٌّ6] .

_ 1 في "ب" قولك. 2 يعر: يعرت الشاة أو المعزى: صاحت: 3 في سيبويه 2/ 358: "وقد قال بعضهم: يا زيد يئس شبهها بقيل". 4 انظر: الكتاب 2/ 392. 5 انظر: الكتاب 2/ 392. 6 زيادة من "ب".

التحويل والنقل

التحويلُ والنقلُ: هَذا على ضربينِ: فِعْلٌ واسمٌ جَارٍ على: "فِعْلٍ". واعلَمْ: أَنَّ كُلَّ كلمةٍ فحقُّها أَن تتركَ على بنائِها الذي بنيتْ عليهِ ولا تُزالُ عنهُ حركاتُها التي بنيتْ عليها ولا يحولُ إلا "فَعَلْتُ" مِما عينهُ واوٌ أَو ياءٌ فَإِنهُ في الأَصلِ "فَعَلَ" نحو: قَامَ وباعَ فإذَا قلتَ: فَعَلْتُ نَقَلْتَ ما كانَ مِن بَناتِ الواوِ إِلى "فَعُلْتُ" وما كانَ مِنْ بَناتِ الياءِ إِلى "فَعِلْتُ" ثَمَّ حولتَ الضمةَ في "فَعُلْتُ" مِنْ: قُلْتُ إلى الفاءِ ومن: بعتُ إِلى الفاءِ وأَزلْتَ الحركةَ التي كانتْ لَها في الأَصلِ فقلتَ: قُمْتُ وبُعْتُ وكانَ التقديرُ: قُوَمتُ وبَيعتْ فلمَّا نقلتَ عن العينينِ حركتيهما1 إلى الفاءِ سكنتا وأُسكنتِ اللامُ مِنْ أَجلِ التاءِ في: "فَعَلْتُ" فحُذِفتِ العينُ لإلتقاءِ الساكنينِ فصار2: قُمْتُ وبِعْتُ فألزموا: فَعُلتُ بَناتِ الواوِ وألزموا "فَعِلْتُ" بَناتِ الياءِ شبهوا ما اعتلتْ عينهُ بمَا اعتلتْ لامهُ كما أَلزموا: يَغزُو وبابُه "يَفْعُلُ" وأَلزموا "يَرْمي" وبابهُ "يَفْعِلُ" وكلُّ ما كانَ ماضيهِ علَى "فَعِلَ" فَعَلَى هَذا يجري وقَدْ3 جعلوا ما قبلَ كُلِّ واحدةٍ منهما حركتَها منها فتقديرُ: قُلْتُ قُوْلَ وتقديرُ: بِعْتُ بِيْعَ ويدلُّكَ علَى أَنَّ أَصلَ: قُمتُ وما أَشبهه: "فَعَلْتُ" أَنَهُ ليسَ في الكلامِ "فَعُلتهُ" فأَمَّا "طُلْتُ" فإِنَّها "فَعُلْتُ" في الأصلِ لأَنَّكَ تقولُ: طويلٌ وطُوَالٌ ولا يجوزُ: طُلْتهُ وليسَ في بَناتِ الياءِ "فَعُلتُ". وَدَخَلْتُ "فَعِلْتُ" علَى بَناتِ الواوِ نحو: شَقِيتُ وغَبِيتُ ولمَ تدخلْ "فَعُلْتُ" على ذواتِ4 الياءِ لأَنَّها نُقلتْ مِنَ الأَثقلِ إِلى الأَخفِّ وإِذَا قلتَ: يَفْعَلُ مِنَ قُلتُ ونحوهِ أَلزمتَهُ "يَفْعَلُ" فقلتَ: يَقُولُ وكانَ الأَصلُ: يَقْوُلُ فَحَوَّلتَ الحركةَ كما فَعلتَ في "فَعَلْتُ" حينَ قلتَ: قُمتُ وقلتَ في بِعْتُ: أَبِيعُ وكان الأصل أَبْيعُ فنقلتَ الحركةَ كما قلتَ في "فَعِلْتُ" مِنْ "بِعْتُ" وأَمَّا "خِفْتُ" فالأصلُ: خَوِفْتُ مبنيٌّ على "فَعِلْتُ" والعينُ مكسورةٌ فهذَا لم يحولْ مِنْ بناءٍ إلى بناءٍ وَهوَ على أصلهِ ولكنَّكَ

_ 1 حركتيهما: ساقط في "ب". 2 في "ب" فقلت. 3 وقد: ساقط من "ب". 4 في "ب" بنات.

نقلتَ حركةَ العينِ فأَلقيتَها1 على الفاءِ ويدلُّكَ علَى أَنَّ خَافَ "فَعِلَ" قولُهمِ: يَخَافُ ويَخافُ "يَفْعَلُ" كانَ الأَصلُ: يَخْوَفُ فنَقلتَ الحركةَ كما فعلتَ في المَاضي ومستقبلُ: "فَعِلَ"2 علَى: "يَفْعَلُ" نحو: حَذِرَ يَحْذَرُ وفَرِقَ يَفْرَقُ فَنقلُ الحركةِ مِنْ عينِ "فَعُلْتُ" وفَعِلْتُ كانتا مُحوَّلتينِ أَو أَصْليتينِ إِلى الفاءِ واجبٌ في "فَعُلْتُ" وأَمَّا التحويلُ مِنْ بناءٍ إلى بِنَاءٍ فليسَ إلا في "قُمتُ" ونحوهِ وبِعْتُ ونحوهِ فافهَمْهُ وخُصَّ "بِعْتُ" وقُمْتُ بالتحويلِ دونَ غيرِهما لشبههما بَيغزَو ويَرْمِي ويَخَافُ لا يشبهُ "يَغْزو" لأَنَّ: يَخافُ "يَفْعَلُ" مفتوحُ العينِ وإِذَا كانَ الماضي فَعَل جَاءَ المضارعُ علَى يَفْعُلُ ويَفْعِلُ وليسَ ذلكَ في "فَعِلَ" فنقلنا مِنَ الفعلِ الماضي ما لَهُ "يَفْعُلُ" و"يَفْعَلُ" تشبيهًا بهِ وما ليسَ لَهُ ذاكَ لم ينقلْ فَتأَملْ هَذا فإِنَّهُ غيرُ مشروح في كتبِهم. وطُلْتُ أَصلهُ: طَوُلتُ "فَعُلْتُ" فنُقلتِ الحركةُ إِلى الفاءِ ولم يُحوِّلْهُ مِنْ شيءٍ إلى شيءٍ فمستقبلهُ3 مثلُ "يَطُولُ" وإِذَا كانَ "فَعَلَ" من بناتِ الواوِ ونُقلَ إِلى "فَعُلَ" كانَ "فَعُلَ" الذي أَصلهُ مِن بناتِ الواوِ حقيقًا بأن لا يُزالَ عن جهتهِ و"فَعُلَ" ليسَ في ذواتِ الياءِ وإذا قُلتَ "فُعِلَ" في هذهِ الأَشياءِ كسرتَ الفاءَ وحولتَ عليها حركةَ العينِ كَما فعلتَ ذلكَ في "فَعْلْتُ" لتُغَيرَ حركَة الأصلِ وذلكَ قولُكَ: خِيفَ وبِيعَ وهِيبَ وقِيلَ وبعضُ العربِ يشمُ الضمَ إرادةَ أَنْ يبينَ أَنَّها "فُعِلَ" وبعضُ مَنْ يضم يقولُ: بُوعَ

_ 1 في "ب" وألقيتها. 2 "على" ساقط من "ب". 3 في "ب" مستقبله. 4 في "ب" ينقل. 5 يعني أن بعض العرب ينطق بحركة هي بين الكسرة والضمة إرادة أن يبينوا أن الفعل على وزن "فُعِلَ" وقد ذكر سيبويه هذه اللغات كتابه 2/ 360، وما يليه في الفعل الأجوف المبني للمجهول، اعتبر أن قيل وبيع هي الأصل. وليس هنا مجال مناقشة ذلك ولم يعز سيبويه هذه اللغات لأصحابها. وبناء على قول أبي حيان في البحر 1/ 60-61: أنها لغة قريش ومجاوريهم من كنانة، وقول: لغة هذيل وبني دبير من أسد. وقيل: الإشمام لغة كثير من قيس وعقيل ومن جاورهم وعامة بني أسد، وقد قرأ الجمهور هذه الأفعال الجوفاء المبنية للمجهول على لغة قريش. وقرأ الكسائي وهشام بالإشمام ولم أعثر على قراءة بلغة هذيل، لكن بدر الدين أورد شاهدا لذلك في شرحه على الألفية/ 88. ليت وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت

وقُولَ وخَوفَ يُتبعُ الياءَ ما قبلَها كما قَالَ: مُوقِنٌ وهذهِ اللغاتُ دَواخلُ علَى قِيلَ وخِيفَ وبِيعَ وهِيبَ والأَصلُ الكسرةُ. وإِذَا قلتَ "فَعَلَ" صارتِ العينُ تابعةً لِما قبلَها ولَو لم تجعلْها1 تابعةً لِمَا قبلها2 لألتبسَ "فَعَلَ" مِنْ "باعَ وخَافَ" "بِفُعِلَ". قَالَ سيبويه: وحدثنا أَبو الخطابِ: أَنَّ ناسًا مِنَ العربِ يقولونَ: كِيدَ زيدٌ يَفْعلُ وما زِيلَ [زيدٌ] 3 يَفْعلُ يريدونَ زالَ وكادَ4 فهؤلاءِ نَقلوا في "فَعَلَ" وحولوا كما فَعَلوا في "فَعِلْتُ" فإِذَا قلتَ: فُعِلْتَ أَوْ فُعِلنَ أَوْ فُعِلْنا مِنْ هذهِ الأشياءِ ففيها لغاتٌ5 أَمَّا مَنْ قالَ: بيِعَ وهِيبَ وخِيفَ فإِنّهُ يقولُ: خِفْنَا وبِعْنَا وخِفْنَ [وبِعن] 6 وخِفْتُ [وبِعْتُ] 7 وهِبْتُ تدَعُ الكسرةَ على حالِها وتحذفُ الياء لإلتقاءِ الساكنينِ وأَمَّا مَنْ ضَمَّ بإشمامٍ إِذَا

_ 1 في "ب" تجعل. 2 لما قبلها: ساقط في "ب". 3 زيادة من "ب". 4 انظر: الكتاب 2/ 360. قال سيبويه: وحدثنا أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون: كيد زيد يفعل. حيث أسكنوا العين، وحولوا الحركة على ما قبلها ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل. 5 انظر: الكتاب 2/ 360-361. مذكورة هذه اللغات بالتفصيل. 6 زيادة من "ب". 7 زيادة من "ب".

قالَ: فُعلَ1، فإنّهُ يقولُ: قَد بِعْنَا وقَد بِعْنَ يُميلُ الفاءَ ليعلمَ أَنَّ الياءَ قد حُذِفتْ والذينَ يقولونَ: بُوعَ وقُولَ وخُوفَ يقولونَ: بُعْنَا وخُفْنَا وَهُبْنَا وأَمّا مِتَّ تَموتُ فإِنَّما اعتلتْ مِنْ "فَعِلَ يَفْعُلُ" ونظيرُها مِنَ الصحيح: فَضِلَ يَفْضُلُ وهذهِ الأشياءُ تشذُّ كأَنَّها لغاتٌ تداخلتْ فاستعملَ مَنْ يقولُ: فَضِلَ في المضارع لغةَ الذي يقولُ: فَضَلَ وكذلكَ "كُدْتُ" تكادُ جاءت تكادُ علَى كِدتُ وكُدتُ علَى: تكودُ. قالَ سيبويه: وأَمَّا ليسَ فكأَنَّها مسكنةٌ مِنْ نحو قولهِ: صَيِدَ2 كما قالوا: عُلْمَ ذاكَ في "عَلِمَ ذاكَ" وإِنَّما فَعلوا ذلكَ بها حيثُ لم يكنْ لَها "يَفْعَلُ"3 شبهوها "بَلَيْتَ" أمَّا "عَوِرَ يَعْوَرُ" و"حَوِلَ يَحْوَلُ" و"صَيِدَ [يَصْيَدُ] 4" فَجاءوا بِهَا على الأَصلِ لأَنهُ في معنى "اعوررتُ" و"احوللتُ" وأَمَّا طَاحَ يَطِيحُ وتَاهَ يَتيهُ فزعمَ الخليلُ: أَنَّها "فَعِلَ يَفْعِلُ" بمنزلةِ: حَسِبَ يَحْسِبُ وهيَ مِنَ الواوِ يدلُّكَ على ذلكَ: طَوَّحتُ وتَوَّهتُ وهوَ أَطوحُ منهُ وأَتوهُ منهُ5 ومَنْ قالَ: طَيَّحتُ وتَيَّهتُ فَقَدْ جاءَ بها على "بَاع يَبِيعُ". واعلَمْ: أَنَّ جميعَ هذِه إِذَا دخلتْ علَيها الزوائدُ فهِيَ على علتِها لا فرقَ بينَها وبينها إلا أَنَّكَ لا تنقلُ فيها مِنْ بناءٍ إلى بناءٍ أَلا تَرى أَنَّكَ تقولُ: قَامَ ثُمَّ تقولُ: أَقامَ فهوَ مثلُ "قامَ" كَما كَان فإِذَا قلتَ: "فَعَلْتُ"

_ 1 زيادة من "ب". 2 صيد: صار به صيد، أي: ميل في العنق. 3 انظر: الكتاب 2/ 361. 4 زيادة من "ب". 5 انظر: الكتاب 2/ 361. وأما طاح يطيح وتاه يتيه، فزعم الخليل: أنها فعل يفعِل بمنزلة حسب يحسب، وهي من الواو يدلك على ذلك: طوحت وتوهت.

اختلفا فقلتَ: "قٌمْتُ" فإِنْ قلتَ: أَفْعَلتُ قلتَ: أَقمتُ فتركتَ القافَ مفتوحةً نقلتَ إِليها الفتحةَ مِنْ "أَقومتُ" ولم تحولْ مِنْ بناءٍ إِلى بناءٍ لأَنَّهُ قَد زَالَ هُنَا أَنْ يشبهَ المضارعَ مضارعَ "يَغْزُو ويَرمِي" لأَنَّ مضارعَ أَجادَ: يُجيدُ وأَقامَ: يُقيمُ فَقَد زالتْ تلكَ العلَّةُ التي كانتْ "بقُمتُ وبِعتُ" قبلَ دخولِ الزيادة ولو فعلوا هَذا بهِ أَيضًا لكانوا قد حوَّلوهُ إلى ما ليسَ مِنْ كلامِهم وه و"أَفْعُلَ" فلمَّا كانَ من كلامِهم "فَعُلَ" حوَّلوا إِليهِ ولمَّا امتنعَ منهُ "أَفعل" أَلقوهُ وقَد جاءتْ حروفٌ علَى الأَصلِ ولا يقاسُ علَيها وذلكَ نحو قولِهم: أَجودتُ وأطولتُ واستحوذَ1 واستروحَ وأَطيبَ وأَخْيَلَتْ وأَغُيَلَتْ وأَغيمتْ وجميعُ هَذا فيهِ اللغةُ المطردةُ. قالَ سيبويه: إلا أَنّا لم نسمعهم قَالوا إلا "استروحَ إِليهِ وأغْيَلَتْ واسْتَحْوَذَ"2 ومِنْ هَذا البابِ: اختارَ واعتادَ وانقاسَ فتارَ مِن "اختارَ" وتادَ مِن اعتادَ وقَاسَ من انْقَاسَ نظيرُ "قَام" لا فرقَ بينَهما في سواكنهِ ومتحركاتهِ وإِذَا قلتَ [فَعَلْتُ] 3 قلتَ أخْتَرْتُ وانْقَدْتُ. وإِذَا قلتَ "افْتُعِلَ" "وانْفُعِلَ" قلت: اخْتِيرَ وانْقِيدَ لمَّا كانَ "تَارُ" من "اختارَ" بمنزلةِ4: قالَ صارَ تِيرَ مِنْ "اخْتِيرَ" بمنزلةِ قِيلَ والأَسماءُ الجاريةُ على أَفعالِها تعتلُّ كاعتلالِ الأفعالِ فأَمَّا "فَاعِلُ" مِنْ قامَ وبَاعَ فتقولُ: قَائِمٌ وبائِعٌ. قالَ سيبويه: إِنَّ هذهِ الياءَ والواوَ جعلتا هُنا همزتينِ كَما فُعِلَ بهما

_ 1 ورد هذا الحرف في القرآن: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} . المجادلة 58. 2 انظر: الكتاب 2/ 362، قال سيبويه: إلا أنا لم نسمعهم قالوا إلا استروح إليه وأغليت واستحوذ. 3 زيادة من "ب". 4 بمنزلة: ساقط في "ب".

في: سِقَاء وقَضاءٍ1، ويعتلُّ مَفْعولٌ مِنها كما اعتلَ "فَعِلَ" فَتقولُ في: بِيعَ مَبيعٌ وفي هِيبَ: مَهِيبٌ وكانَ الأَصلُ: مبيوعٌ فنقلتِ الحركةُ مِنَ التاءِ إِلى الياءِ فسكنتِ الياءُ والتقى ساكنانِ الياءُ والواوُ. وقالَ الخليلُ: فحذفتْ "واوُ مفعولٍ" وكانتْ أَولى بالحذفِ لأنَّها زائدةٌ2، وكذلكَ: مقولٌ. وكانَ أَبو الحسن الأَخفش يَزعمُ: أَنَّ المحذوفةَ عينُ الفعلِ والباقيةَ واوُ مفعولٍ3. قالَ المازني: فسألتهُ عَنْ "مبيعٍ" فقلتُ: أَلاَ تَرَى أَنَّ الياءَ في "مَبيعٍ" ياءٌ ولو كانتْ واوُ مفعولٍ كانتْ مَبوعٌ فقالَ: إِنهم لما أسكنوا "ياءَ" مبيوعٍ وأَلقوا حركتَها علَى الباءِ انضمتِ الباءُ وصارتْ بعدَها ياءٌ ساكنةٌ فأبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ للياءِ التي بعدَها ثُمَّ حذفتِ الياءُ بعدَ أَن لزمتِ الباءُ الكسرةَ للياءِ التي حذفتَها فوافقتْ واوُ مفعولٍ الباءَ مكسورةً فانقلبتْ ياءً للكسرةِ التي قبلَها كما انقلبتْ وا و"ميزانٍ" ياءً للكسرةِ. قالَ المازني: وكِلا القولينِ حَسَنٌ جَميلٌ قالَ وقولُ: أَبي الحسن أَقيسُ4. وتقولُ في "مَفْعُولٍ" مِنَ القولِ "مَقولٌ" وكانَ الأَصلُ: مَقوولٌ فنقلتِ الحركةُ فاجتمعَ ساكنانِ فحُذِفَ أَحدهُما وبعضُ العربِ5 يخرجهُ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 363 2 انظر: الكتاب 2/ 363، والتصريف 1/ 287. 3 في التصريف 1/ 287. ومقول: الواو الباقية عين الفعل والواو المحذوفة واو مفعول. وكان أبو الحسن يزعم أن المحذوفة عين الفعل والباقية واو "مفعول". 4 انظر: التصريف 1/ 288. 5 قال سيبويه 1/ 363: وبعض العرب يخرجه على الأصل فيقول: مخيوط ومبيوع، فشبهوها بصيود وغيور، حيث كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الألف فتهمز.

إِلى الأَصلِ فيقولُ: مَخيُوطٌ ومَبيوعٌ ولا يحذفُ [ولا نعلمُ أَنَّهم] 1 أَتموا في الواواتِ لم يَقولوا في "مَقُولٍ" مَقوولٌ لثقلِ الواوِ ويجري "مَفْعَلٌ" مجرى "يَفْعَلُ" فيهما فيعتلُّ قالوا: مَخَافةٌ مثلُ: يَخافُ ومَقَامٌ ومقَالُ ومَثَابةٌ ومَنَارةٌ فَمَفعلٌ علَى2 وَزنِ "يَفْعَلُ" ليسَ بينهما إلا أَنَّ الميم موضعُ الياءِ فمذهبُ سيبويه3: أَنَّ كُلَّ ما كانَ من الأسماءِ التي في أَوائلها زوائدُ تفصلُ بينَها وبينَ الأَفعالِ وهيَ علَى وزنِ الأفعالِ فإِنّهُ يعلُّها كَما يعلُّ الفعلَ. ومَفْعِلٌ مثلُ: "يَفْعِلُ" وذلكَ قولُكَ المَبِيضُ والمَسِيرُ ومَفْعُلةٌ4 مثلُ يَفْعُلُ وذلكَ قولُكَ: المَشُورةُ والمَعُونةُ والمَثُوبةُ ويدلّكَ علَى أَنَّها ليستْ بمفعُولةٍ وأَنَّها مَفْعُلَةٌ أَنَّ المصدرَ لا يكونُ على "مَفْعُولة" وكانَ الأخفشُ يجيزُ أن يأتيَ بمَفْعُولةٍ مصدرًا ويحتج بِخُذْ ميسُورةً ودَعْ مَعسُورةً5 و"مُفْعُلةٌ" مِنْ بَناتِ الياءِ تجيءُ علَى مثالِ "مَفْعِلةٍ" لأَنكَ إِذَا سكنتَ الياءَ وهيَ العينُ جعلتَ الفاءَ تابعةً كما فعلتَ ذلكَ في "مَفعولٍ" فتقولُ "مَعِيشةٌ" إِذَا أَردتَ "مَفعُلةً" مِنَ العيشِ ولو أَردتَ أَيضًا "مَفْعِلةً" لكانَ على هَذا اللفظِ فَمِعيشةٌ علَى وزنِ: يَعِيشُ وَيَعِيشُ لو جازَ أَن تريدَ بهِ "يَفْعُلُ" ما كانَ بُدٌّ مِنْ إبدالِ الضمةِ كسرةً لِتَصحَّ الياءُ لقربِها

_ 1 أضفت "ولا نعلم" لإيضاح السياق. وانظر: الكتاب 2/ 363 ولا نعلمهم أتموا في الواوات، لأن الواوات أثقل عليهم من الياءات. ومنها يفرون إلى الياء. فكرهوا اجتماعهما مع الضمة. 2 في الأصل "في" والتصحيح من "ب". 3 انظر: الكتاب 2/ 364. 4 في "ب" مفعل. 5 مذهب سيبويه في هذا أن المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتة. ويتأول قولهم: دعه إلى ميسورة وإلى معسورة. أنه إنما جاء على الصفة، كأنه قال: دعه إلى أمر يوسر فيه وإلى أمر يعسر فيه. وانظر: الكتاب 2/ 250.

من الطرفِ وإِنَّما تبدلُ الضمةَ كسرةً إِذَا كانتْ بعدَها الياءُ ساكنةً وذلكَ نحو: أَبْيضَ وبِيضُ وكانًَ القياسُ بُوْضٌ لأَنَّها1 فُعْلٌ. [ويدلُّكَ علَى ذلكَ قولُهم: أَحمرُ وحُمرٌ ولكنَّهم أبدلوا الضمةَ كسرةً لتصِحَّ الياءُ التي كانتْ في الأصلِ لئلا يخرجوا مِنَ الأَخف إِلى الأثقلِ في الجمعِ وهوَ أَثقلُ من الواحدِ عندَهم فيجتمعُ ثقلانِ ولذلكَ قالوا: عِتِيٌّ فكسروا ليؤكدوا البدلَ قالوا: صِيَّمٌ وقِيَّمٌ لقربِهما مِنَ الطرفِ ولأَنَها جَمعٌ ولَمْ يقولوا في دُوَّار وصُوَّام لبعدِها مِنَ الطرفِ] 2 قالَ سيبويه: ولا تجعلْها بمنزلةِ "فَعُلْتُ" في الفعلِ3 -يعني- إِذَا قلتَ: قَضُوَ فأتبعتَ الياءَ الضمةَ لأَنَّ ذلكَ لا يفعلُ في "فَعُلَ" لو كانَ اسمًا تقولُ في مثالِ مُسْعُطٍ مِنَ البيعِ: مُبِيعٌ كانَ الأَصلُ: مُبُيعٌ فنقلتَ الحركَة إِلى الباءِ ثم أَبدلتَها كسرةً لتصِحَّ الياءُ. وقالَ الأَخفش: فيما أَحسبهُ أَقولُ: مُبُوعٌ وهوَ خَلافُ قولِ سيبويهِ وإِنَّما أَعلَّ مثالَ مُسْعُطٍ لأَنَّهُ وزنُ "أَقْتُلُ" ومُفْعَل مِنَ الياءِ والواوِ على مثالِ: يُفْعَلُ وَقَدْ جاءتْ "مَفْعَلةٌ" على الأَصلِ قالوا: إِنَّ الفكاهةَ مَقْوَدَةٌ إِلى الأَذى قالَ سيبويه: مَكْوَزةٌ ومُزَيدٌ4 جاءَ علَى الأصلِ وإِنْ كانَ اسمًا وليسَ بمطردٍ. قالَ أَبو العباس: مُزْيَدُ إِنْ كانَ اسمًا لرجلٍ ولم تردْ بهِ الإجراءَ على الفعلِ كما يكونُ المصدرُ وما يشتقُّ منه اسمًا للمكانِ أَو الزمانِ فحقهُ أَنْ لا

_ 1 في "ب" لأنه. 2 زيادة من "ب". 3 انظر: الكتاب 2/ 364. 4 انظر: الكتاب 2/ 364.

يُعل وأَنْ يصححَ لأَنَّهُ إِنَّما تعلهُ ما دَامَ يناسبُ الفعلَ بأَنَّهُ مصدرٌ للفعلِ أَو مكانٌ للفعلِ أَو زمانٌ لَهُ فإِذَا بَعُدَ مِنْ هذهِ الأمورِ لم يجزْ أَن يُعلَّ إلا كما تعلُّ سائرُ الأسماءِ1. قالَ سيبويه: وقالوا: مَحْبَبٌ حيثُ كانَ اسمًا. أَلزموهُ الأَصلَ كَمورَقٍ2 ومتَى جاءَ اسمٌ علَى وزنِ الفعلِ وليسَ فيهِ ما يفرقُ بينَهُ وبينَ الفعلِ صُحِّح وذلكَ قولُهم: هَوَ أَقولَ الناسِ وأَبيعُ الناسِ وأَقولُ مِنْكَ وأَبيعُ مِنْكَ وإنّما أَتموا ليفصلوا بينَهُ وبينَ الفعلِ نحو: أَقالَ وأَقامَ ويتمُّ في قولِكَ: ما أَقولهُ وأَبيعهُ لأَنَّ معناهُ معنى "أَفعلُ منكَ" وأَنَّهُ لا يتصرفُ تصرفَ الأفعالِ فأَشبهَ الأَسماءَ وكذلكَ: أَفعلْ بهِ لأَنَّ معناهُ معنى: ما ما أفعله ويتمُّ في كُلِّ ما جاءَ على لفظِ الفعلِ بغيرِ فَرقٍ بينَهما ونحنُ نُتبعُ هَذا ما يتمُّ مِنَ الأسماءِ [ولا يُعَلُّ3 إِنْ شَاء الله] .

_ 1 انظر: المقتضب 1/ 108. فإن صغت اسما لا تريد به مكانا من الفعل ملازما للفعل ولا مصدرا قلت في "مفعل" من القول "مقول" ومن البيع مبيع، كما قالوا في الأسماء: مزيد، وقالوا: إن الفكاهة مقودة إلى الأذى. 2 انظر: الكتاب 2/ 364. 3 انظر: الكتاب 2/ 364.

ذكر ما يتم ويصحح ولا يعل

ذكر ما يتم ويصحح ولا يعل مدخل ... ذِكْرُ ما يتم ويُصححُ ولا يُعَلُّ: مِنْ ذلكَ ما صُححَ لسكونِ ما قبلِهِ وما بعده وذلكَ نحو: حُوَّلٍ وعُوَّارٍ وَقَوَّالٍ ومِشوارٍ والتَّقوال1 والتقَوالِ وقَوول وبُيوعٍ وشُيُوخٍ وحُوُولٍ وَنَوارً

_ 1 والتقوال: ساقط في "ب".

وهُيامٍ1 وطويلٍ2 وطُوالٍ3 وخِوَانٍ وخِيَارٍ وَعِيانٍ ومَقَاول ومَعَايش وبَناتُ الياءِ كبناتِ الواو في جميعِ هذَا في تركِ الهمزِ في: طَاوُوسٍ وسَايُور4، نحو ما ذكرنا ومِنْ ذلكَ: أَهوناءُ5، وأَبيناءُ6 وأَعيياءُ وقالوا: أَعيّاءُ وقالَ بعضُهم: أَبِينَاءُ كَسرِه الكسرةَ في الياءِ كما كرهوا الضمةَ في "فُعُلٍ" مِنَ الواوِ فأَسكنوا نحو: نُوْرٍ وقٌوْلٍ ولَيْسَ بالمطردِ7، فأَمَّا الإِقامةُ والاستقامةُ فاعتلتْ علَى أَفعالِهما وطَويلٌ لم يجئ على "يَطُولُ"8 ولاَ علَى الفِعْلِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ لو أَردتَ الاسمَ لقلتَ: طَائلٌ وإِنَّما هُ و"كفعيلٍ" يعني به "مَفعولَ" مِفْعَلٌ يتمُّ ولم يَجرِ مَجرى "أَفعلُ" لأَنَّ مَفعلًا إِنَّما هُ و"مِفْعَالٍ" أَلاَ تَرى أَنَّهما في الصفةِ سَواءٌ تقولُ: مِطْعَنٌ ومِفْسَادٌ فتريدُ في "المِفْسَادِ" مِنَ المعنى ما تريدُ في "المِطْعَنِ" وتقولُ: المِخْصَفُ والمِفْتَاحُ فتريدُ في المِخْصُفِ مِنَ المعنى ما أَردتَ في "المِفْتَاحِ" وقَد يعتورانِ الشيءَ الواحدَ نحو: مِفْتاحٍ ومِفْتَحٍ ومِنْسَجٍ ومِنْسَاجٍ فمن ثُمَّ قالوا: مِقْولٌ ومِكْيلٌ فأَمَّا قولُهم: مَصائبُ وهَمزها فَغَلطٌ9، هيَ "مُفْعِلَةٌ"

_ 1 هيام: بضم الهاء أشد العطش. مصدر. وقيل اسم منه. أما هيام -بفتح الهاء- فهو تراب يخالطه رمل ينشف الماء نشفا. 2 طويل: وزنه "فعيل". 3 طوال على وزن "فُعال". 4 سايور: فاعول، من سرت. 5 أهوناء: جمع هين، وهو السهل. 6 أبيناء: جمع بين، الواضح. 7 في سيبويه 2/ 366: قال بعض العرب: أبيناء فأسكن الياء وحرك الباء، كره الكسرة في الياء، كما كرهوا الضمة في الواو. 8 انظر: الكتاب 2/ 366. 9 قال سيبويه 2/ 376: وأما مصائب: فإنه غلط منهم وذلك أنهم توهموا أن مصيبة، فعيلة، وإنما هي "مفعلة" وقد قالوا: مصاوب. وانظر: المصنف 1/ 307-308، والمقتضب 1/ 123.

وتوهموها "فَعِيلَةً" وقَد قالوا: مَصاوب ويهمزونَ نحو: صَحَائف وَرَسائل وعَجَائز. "فَاعِلٌ" مِنْ "عَورتُ" إذَا قالوا: "فَاعِلٌ" غَدًَا قالوا: عَاورٌ غَدًا وكذلكَ: صَائدٌ غَدًَا مِنْ صَيِدَ لمّا صحتْ في الفعلِ ولو كانَ "تَقُولُ" اسمًا لكسرتَهُ تُقَاول وتَبيعُ تُبَايع ولا يهمزُ ويتمُّ "فَاعلٌ" نحو: قَاولَ وبايعَ. وفَوَاعلُ مِنْ "عَوِرْتُ" وصَيِدتُ يُهمزُ لأَنَّك تقولُ في "شَويتُ شَوَايا" كما تُهمزُ نظيرُ مَطَايا مِنْ غَيرِ بناتِ الياءِ والواوِ نحو: صحائف لأَنَّ "عورتُ" نظيرُ "شَويتُ" وصَيِدتُ نظيرُ "حَيِيتُ" فهمزت لإلتقاءِ الواوينِ. وليسَ بينَهما حَاجزٌ حَصينٌ فَصار بمنزلةِ الواوينِ يلتقيانِ.

باب ما يكسر عليه الواحد مما ذكرنا

[هذا بَابُ ما يكسرُ عليهِ الواحدُ مِما ذَكرنَا] : وطَويلٌ وطُوَالٌ صَحَّ في الجمعِ كما صَحَّ في الواحدِ وأَمَّا فَعَلانٌ وفَعْلَى نحو: جَوَلاَنٍ وحَيَدانٍ وحَيَدى1 فأَخرجوهُ بهذهِ الزيادةِ مِنْ مثالِ الفعلِ الذي يعتلُّ فأَشبهَ عندهم ما صُححَ لأَنَّهُ جَاءَ على غيرِ مثالِ [الفَعْلِ] 2، المعتلِّ نَحو: الحَوِلِ والغَيِرِ وكذلكَ "فَعَلاءُ" نح و"السِّيَراء3" وفُعَلاَءُ نحو: القُوَياءِ والخُيَلاءِ أَخرجتهُ الزيادةُ مِنْ مثالِ الفِعْلِ الذي يعتلُّ فأَشبهَ عندَهم مَا صَحَّ لأَنَّهُ جاءَ علَى غيرِ مثالِ الفِعْلِ4 وقَد أَعلَّ بعضُهم5: فَعَلانَ وفَعَلَى كما أَعلَّ ما لا زيادةَ فيهِ جَعلوا الزيادةَ بمنزلةِ الهاءِ وذلكَ قولُهم: دَارَانٌ6 وهَامَانُ وليسَ بالمطردِ وأَمَّا فُعَلَى وفِعلَى فَلا تدخلُهُ العلةُ كَما لا تدخلُ "فُعَلٌ وفِعَلٌ".

_ 1 حيدى: حمار حيدى، يحيد عن ظله لنشاطه. 2 زيادة من "ب". 3 السيراء: بسكون الياء وفتحها، ضرب من البرود، وقيل: هو ثوب مسير فيه خطوط تعمل من القز. 4 زيادة من "ب". 5 انظر: الكتاب 2/ 371. 6 داران: من دار يدور.

هَذَا بابُ ما يكسرُ عليهِ الواحدُ [مما ذكرنا] 1: إِذَا جمعتَ "فَوْعَلَ" همزتَ كما همزتَ "فَواَعلَ" مِنْ عَورتُ وصَيدتُ وسَيّدٌ يهمزُ وفَيْعَلٌ نحوَ عَيَّنٌ2 يهمزُ جميعُ هَذا لأنَّهُ اعتلَّ بعدَ ياءٍ زائدة في موضعِ أَلفِ "فَاعلٍ" ولو لم يعتلَّ لَمْ يهمز كما قالوا: ضَيونٌ3 وضَيَاونٌ "فُعَّلٌ" مِنْ قلتُ "قَوَائلُ" تهمزُ وكذلكَ "فَعْوَلٌ" لإلتقاءِ الواوينِ وأَنَّهُ لَيْسَ بينَهما حاجزٌ حصينٌ وقربُها مِنْ آخر الحرفِ وإِذَا التقتِ الواوانِ على هَذا المثالِ فلا تلتفتن إِلى الزائدِ وغيرِ الزائدِ أَلا تَرَاهم قالوا: أَوَائلُ في أَولَ وأَمَّا قَولُ الشاعرِ: عَوَاورُ4 فإِنَّما اضطر

_ 1 زيادة من "ب". 2 عين: يقال: سقاء عين، وتعين إذا رق فلم يمسك الماء. وبالجلد عين، وهو عيب فيه. 3 ضيون: السنور الذكر، وقيل: هو دويبة تشبهه، والجمع ضياون. 4 يشير إلى قول الشاعر: وكحل العينين العواور. وهو من شواهد سيبويه 2/ 374. على تصحيح واو العواور الثانية، لأنه ينوي الياء المحذوفة من العواوير، إذا وقعت في مثل هذا الموضع لم تهمز لبعدها من الطرف. والعواوير: جمع عوار وهو وجع العين. وهو أيضا ما يسقط في العين فيؤلمها وجعل ذلك كحلا للعين على الاستعارة، يقال: بعينه عوار، أي: القذى في العين والشاهد لجندل بن المثنى الطهوي من بني تميم، وقبله: غرك أن تقاربت أباعري ... وأن رأيت الدهر ذا الدوائر وكحل العينين بالعواور وانظر: المنصف 2/ 49. والخصائص 1/ 195. والإنصاف/ 417، والمفصل للزمخشري/ 382. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 254 واللسان "عور" وشواهد الشافية/ 174. والمحتسب 1/ 107.

إِليه1 فحذَف الياء من "عَواوير" ولم يكنْ تَركُ الياءِ2 في الكلامِ لازمًا فيهمزُ: فَوَاعل مِنْ قُلتُ. يُهمزُ لأنَّها أَمثلُ مِنْ [َوَاعلٍ مِنْ] 3 عَورتُ" وأوائلُ. وبناتُ الياءِ كبناتِ الواوِ يهمزن كما همزت "فَوَاعلُ" مِنْ "صَيِدتُ" لأَنَّ الياءَ قَدْ تستثقلُ معَ الواوِ كاستثقالِ الواوينِ ويهمزُ "فَعِيلٌ" مِنْ قُلتُ وبِعْتُ قَوَائِلُ وبَيَائعُ.

_ 1 إليه: ساقط في "ب". 2 في سيبويه 2/ 374 فإن اضطر الشاعر فحذف الياء من عواوير ولم يكن ترك الواو لازما له في الكلام فيهمز، فسيبويه يقول: لم يكن ترك الواو لازما وابن السراج ترك الياء، وأظن سيبويه على صواب، لأنه لو لم تكن فيه ياء منوية للزم همزها كما قالوا: في جمع أول: أوائل. 3 زيادة من "ب".

باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا إذا كسر للجمع على الأصل

بَابُ ما يجري فيه بعضُ مَا ذكرناَ إِذا كُسرَ للجمعِ علَى الأصلِ: فمِنْ ذلكَ "فَيْعَالٌ" نحو: دَيَّارٍ وقَيَّامٍ وَدَيُّورٍ وَقَيُّومً تقولُ: دَياويرُ وقَيَاويمُ وعُوَّارٌ وعَواويرُ وكلَّما فصلتَ بينَهُ وبينَ آخر الحروفِ بحرفٍ جَرى علَى الأصلِ كما جَاء: طَاووسٌ ونَاووسٌ1.

_ 1 ناووس: جمعه نواويس، وهو مقابر النصارى. قال ابن منظور: إن كان عربيا فهو فاعول.

باب فعل من فوعلت من قلت وفيعلت من بعت

بَابُ "فُعِلَ" مِنْ "فَوعَلتُ" مِنْ "قَلْتُ" وفَيعَلتُ مِنْ "بِعْتُ": وذلكَ قولُكَ قُوولَ وبُويعَ تمدُّ كما مددتُ في "فَاعلتُ" ألا ترى أنَّك تقولُ: بَيطرتُ فتقولُ: بُوطِرَ فتمدَّ وصَوْمعتُ فتقولُ: صُومِعَ فتجري مَجرى: باطرتُ وصَامعتُ وكذلكَ "تفَيعلتُ" إِذا قلتَ: قَدْ تَفَوعَل تقولُ: تُفُوهقَ مِنْ تَفَيهقْتُ وكذلكَ إِذا كانَ الحرفُ "فَعْوَلتُ" وفَعْيَلتُ: تقولُ: قَد بُووعَ وافْعَوْعَلتُ مِنْ سرتُ اسييرّتُ تقلبُ الواو ياءً لأَنَّها ساكنةٌ بعدَها ياءٌ فإِذَا قلتَ: فُعِلْت قلتَ: أُسْيُوِيرْتُ. قالَ سيبويه: وسألتهُ يعني الخليلَ عَنِ اليوم فقالَ: كأَنَّهُ مِنْ "يُمْتُ" وإِن لم يستعمل كراهيةَ أن يجمعوا بينَ هَذا المعتل ويَاءٍ1 تدخلها2 الضمةُ في "يَفْعُلُ" كراهيةَ أنْ يجتمعَ ياءانِ [في] 3 إِحداهما ضمةٌ مع المعتل4 ومما جاءَ على "فِعْلٍ" لا يتكلمُ بهِ كراهيةٍ نحو ما ذكرها أولُ وَآأَةٌ وَوَيْسٌ وَوَيْجٌ كَأنَّهُ مِنْ وِلتُ وَوِحْتُ وَأُؤْتُ.

_ 1 أضفت "ياء لإيضاح المعنى. 2 في الأصل "تدخله". 3 زيادة من "ب". 4 انظر: الكتاب 2/ 376.

أَفعلتُ في القياسِ مِنَ اليومِ عَلى مَنْ1 قَالَ: أَطوَلتُ وأَجودَتُ. قالَ الخليلُ: أَيَّمتُ تقلبُ. هنا كما قلبتْ في "أيامٍ"2 أُفعِلٌ ومُفْعَلٌ ويُفْعَلُ أُووِمْ [بغيرِ هَمْزٍ] 3 ويُوْوَمٌ لأَنَّ الياءَ لا يلزمُها أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ كفَعَّلتُ [وفَوعلتُ مِنْ بِعْتُ] 4 وقَدْ تقعُ وحدَها فكَما أُجريتْ "فَيْعَلتُ وفَوعَلتُ" مجرى "بَيْطرتُ" وصَوْمعتُ أَجريتْ هذهِ مجرَى "أيقنتُ". وأَبو العباس يقولُ: أَيّمٌ عَلَى "أَفعِلٍ" لأَنَّ الواوَ هُنَا فَاء5 فهيَ تَلزمُ العينَ وهيَ مدغمةٌ وإِذَا كانَ الحرفُ مدغمًا لم يقلبْهُ ما قبلَهُ6. أفعلُ: مِنَ اليَومِ أيَّمٌ والجمعُ أيائمُ تهمزُ لأَنَّها اعتلتْ كما اعتلتْ في7 "سيدٍ" فكما أَجريتَ سَيدًا مَجرى "فَوْعلَ" مِنْ "قَلْتُ" كذلكَ تجري هَذا مجرى أَوَّلَ. افْعَوعَلتُ مِنْ "قُلْتُ": "اقْوَوَّلْتُ وافْعَالَلتُ" مِنَ الياءِ والواوِ: اسوادَدْتُ وابَياضَضْتُ أَتموا لأَنَّهم لو أسكنوا لكانَ8 فيهِ حذفُ الألفِ

_ 1 في "ب" ما وهو خطأ. 2 انظر: الكتاب 2/ 376. 3 زيادة من "ب". 4 زيادة من "ب". 5 فاء فهي: ساقط في "ب". 6 في المقتضب 1/ 178: وكان الخليل يقول: لو بنيت "أفعلت" من اليوم في قول من قال: أجودت، وأطيبت، لقلت: أيمت، وكان الأصل: أيومت، ولكن انقلبت الواو للياء التي قبلها. كما فعلت في "سيد". وانظر: الكتاب 2/ 376 والمنصف 2/ 35 والخصائص 3/ 16. 7 في "ب" "من". 8 في "ب" "كان".

والواوِ لئلا1 يلتقي ساكنانِ. افْعَلَلَتُ "ازْوَرَرْتُ" وابْيَضَضْتُ فإِنْ أردتَ "فُعِلَ" قلتُ أُبْيُوضٌ [في هَذا المكانِ] 2 واقْوُول جمعتَ بينَ ثلاثِ واواتٍ لأَنَّ الثانية كالمدةِ كما فعلتُ ذلكَ في "قَوْوِلَ". قال أبو الحسن: أَقُولُ:3 واقْوُيِلْتُ لئلا أَجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ فُعْلَلٌ من كِلتُ: كُوْلَلٌ وفُعْلِلٌ إِذا أَردتَ الفِعلَ: كُوَلِلٌ ولم يجمعْ4 بمنزلةِ بِيضٍ. وبِيْعٍ لبعدِها5 مِنَ الطرفِ وصارتْ علَى أَربعةِ أَحرفٍ وكانَ الفعلُ ليسَ أَصله يائهِ6 التحريكُ. سمعنا مِنَ العربِ مَنْ يقولُ: تَعَيّطتِ7 الناقةُ ثُمَ قالوا: عُوطَطٌ8 فُعْلَلٌ9.

_ 1 في الأصل لأن لا. 2 زيادة من "ب". 3 انظر: المقتضب 1/ 187. كان أبو الحسن يقول في: أقوول، أقويل يقلب آخرهن ياء ويدغم فيها التي قبلها، وعلته في ذلك اجتماع الواوات، ويقول: إنما تجري الأبنية على الأصول وليس في الأصول ما هو هكذا. 4 ولم يجمع: ساقط من "ب". 5 في "ب" بعدها. 6 في الأصل "بابه". 7 تعيطت: وتعوطت الناقة إذا لم تحمل أول سنة يطرقها الفحل، فهي عائط وحائل. 8 العوطط: مصدر، الناقة إذا لم تحمل السنة المقبلة، فهي عائط وعوطط. 9 في سيبويه 2/ 377: سمعنا من العرب من يقول: تعيطت الناقة. وقالوا: العوطط، فعلل.

باب ما الهمز فيه في موضع اللام من بنات الياء والواو

بَابُ مَا الهمزُ فيهِ في موضعِ اللامِ مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ: نحو: سَاءَ يَسُوءُ وجَاءَ يَجيءُ وَشاءَ يَشَاءُ. اعلَم: أَنَّ الواوَ والياءَ لا تُعَلاَّنِ واللام ياءٌ أَو واوٌ لأَنَّهم إِذَا [فعلوا ذلك] 1 يصيرونَ إلى ما يستثقلونَ وإِلى الإِلباس والإِجحافِ فهذهِ الحروفُ تجري مَجرى: قَالَ وبَاعَ إلا أَنكَ تحولُ اللامَ يَاءً إِذا همزتَ العينَ وذلكَ نحو قولكَ2: جَاءٍ همزتَ العينَ التي [هُمِزَتْ] 3 في "بَائعٍ" [واللام مهموزة] 4 فالتقت همزتانِ ولم تكنْ لتجعلَ [اللامَ] 5 بينَ بينَ لأَنَّهما في كلمةٍ واحدةٍ وجميعُ ما ذكرتُ في "فَاعلٍ" بمنزلةِ جَاءٍ. واعلَم: أَنَّ ياءَ "فَعَائل" أَبدًا مهموزةً لا تكونُ إلا كذلكَ ولم تَردْ إلا كذلكَ وشبهت "بفَعَاعِل فَوَاعل" مِنْ جِئتُ جَوَاءٍ وشَوَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في جَمعٍ وأَمَّا "فَعَائل" مِنْ "جِئتُ" وَسُؤتَ فكخَطَايا تقولُ:

_ 1 أضفت إلى الجملة "إذا فعلوا ذلك" لإيضاح المعنى. 2 قولك: ساقط في "ب". 3 أضفت كلمة "همزت" لإيضاح المعنى. 4 أضفت "واللام مهموزة" للمعنى. 5 أضفت كلمة "اللام" للمعنى.

جَيَايا وسَوَايا وكانَ الخليلُ: يزعمُ: أَنَّ جاءٍ وشَاءٍ. اللامُ فيهما1 مقلوبةٌ واطردَ في هذَا القلب إِذ كانوا يقلبونَ كراهيةَ الهمزةِ الواحدةِ نحو"لاثٍ وشَاكٍ2" فُعَائلُ من جئتُ جُيَاءٌ ومِنْ سَؤتُ سُوَاءٍ لأَنَّها لم تُعرضْ في جَمَعٍ: "فَعْلَلٌ" مِنْ جئتُ وقَرَأتُ: جَيْأى وقَرْأًى فُعْلُلٌ: وقُرْئىٍ وَجُوْئىٍ فِعْلِلٌ قِرْئِي وجِيْئِيٌ لإلتقاء الهمزتين ولزومهما3، وليسَ يكونُ هَهُنَا قَلْبُ كما في: جَاءٍ لأَنَّهُ لَيس هُنَا شيءٌ أَصلُه الواوُ ولاَ الياءُ فَإِذَا جعلَتهُ طرفًا جعلتَهُ كياءِ "قَاضٍ" وإِنَّما الأصلُ هُنَا الهمزُ فِإِذا جمعتَ قلتَ: قَرَاءٍ وجَيَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في الجمعِ4. فَعَاعلُ: مِنْ جِئتُ وسؤتُ سَوَايا وجَيَايَا لأَنَّ "فَعَاعِلَ" مِنْ قلتُ: وبِعْتُ مهموزتانِ فصارتْ همزةً عرضتْ في جَمعٍ ومَنْ جعلَها مقلوبةً فينبغي أن يقولَ: جياء وسَوَاءٍ لأَنَّهما همزتا الأصلِ التي تكونُ في الواحدِ. افْعَلَلتُ مِنْ: صَدِئتُ اصْدَأَيتُ تقلبُها ياءً كما تقلبُها في "مُفْعَللٍ" [وذلك قولكَ] 5 مُصْدِىءٍ وَيَفْعَلِلُ يَصْدِئي فَيَاعلُ مِنْ جِئْتُ وَسُوْتُ بمنزلةِ فَعَاعل جَيَايا وسَيَايا لأَنَّها عرَضتْ في جَمعٍ.

_ 1 في الأصل "فيه". 2 انظر: الكتاب 2/ 378. 3 في الأصل "ولزومها". 4 أي: أن الهمزة ثابتة في الواحد. 5 أضفت "وذلك قولك" لأن المعنى يقتضيها. 6 في الأصل: سوايا، لأن سيايا فعائل، وهمزة فعائل عارضة في الجمع، كما عرضت همزة قبائل في الجمع ولم تكن في الواحد.

قالَ سيبويه: وسألتُ الخَليلَ عْن "سُؤْتهُ سَوَائيةً؟ فقالَ: هيَ: فَعَاليةٌ بمنزلةِ عَلاَنيةٍ والذينَ قالوا: سَوَايةٌ حذفُوا الهمزةَ وأَصلهُ الهمزةُ1 كما اجتمعَ أَكثرهُم علَى تركِ الهمزِ في "مَلَكٍ2" قالَ: وسألتهُ: عَنْ مَسَائيةٍ فقالَ: [هيَ] 3 مقلوبةٌ وكذلكَ: أَشياءُ وأَشاوي ونظيرهُ قِسِيٌّ5، وأَصلُ مسائيةٍ: مَسَاوِئةٌ فكرهوا الواوَ معَ الهمزةِ وأَصلُ أَشياءٍ: شَيئَاءٌ وأشاوي6 كأَنَّكَ "جمعتَ" إشاوةً وأَصلُ "إِشَاوةٍ: شَيئَاءُ" ولكنَّهم قَلبوا وأَبدلوا مكانَ الياءِ الواو كما قالوا: أَتَيْتَهُ أَتْوَةً وأَمَّا "جَذَبْتُ" وجَبَذْتُ ونحوهُ فليسَ بمقلوبٍ كُلُّ واحدٍ على حدتهِ لأَنَّ الفِعلَ يتصرفُ فيهما7 وأَمَّا كُلُّ وكِلا فَمِنْ لفظتينِ لأَنَّهُ ليسَ هَهُنَا [قُلبٌ ولا] حرفٌ من حروفِ الزوائدِ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 379. 2 ملك: أصله ملأك، حذفت همزته لكثرة استعماله. فلما جمعوه ردوه إلى أصله فقالوا: ملائكة، وملائك. 3 أضفت كلمة "هي" لإيضاح المعنى. 4 انظر: الكتاب 2/ 379. 5 أصل قسى: قووس، لأن ثاني "قوس" واو فقدم السين في الجمع، والعرب تغير الأكثر في كلامها، وانظر: الكتاب 2/ 379 والمنصف 2/ 101-102. 6 أصل: أشاوي: أشيا قالوا: أشياء فعلا مقلوبة، وكان أصلها شيئاء مثل حمراء فقلب فجعل الهمزة التي هي لام أولا. فقال: أشياء لأنها لفعاء، ثم جمع قال أشاوي مثل صحاري فأبدلوا الياء واوا كما قالوا: جبيت جباوة، وهذا شاذ. قال المازني: وإنما احتلنا لأشاوي حيث جاءت هكذا ليعلم أنها مقلوبة عن وجهها وانظر: المنصف 2/ 194 والكتاب 2/ 280. 7 انظر: الكتاب 2/ 380. 8 زيادة من الكتاب 2/ 380.

باب ما يخرج على الأصل إذا لم يكن حرف إعراب

بَابُ ما يخرجُ على الأصلِ إِذَا لَمْ يكنْ حَرفَ إعرابٍ: وذلكَ: الشَّقَاوةُ والإِداةُ والنِّهاوَةُ ومِنْ ذلكَ: الأُبوةُ والأُخوةُ والأُخوةُ لا يغيرانِ ولا تحولهما1 فيمن قالَ: مَسْنِيٌّ وعُتِيٌّ للزوم الإِعرابِ غيرَهما وصلاءةٌ2 وعَظاءةٌ3 جاؤوا بهِ علَى قولِهم: صَلاَءٌ كَما قالوا: مَسْنيَّةٌ4 ومَرْضِيَّةٌ حيثُ جاءتا علَى مَرْضيٍّ ومَسْنيٍّ فلحقتِ الهاءُ حرفًا يُعَرَّى5 مِنْها ومَنْ قالَ: صَلاَيةٌ وَعَبَايةٌ فلم يجىء بالواحدِ على الصَّلاَءِ والعَباءِ كما أنّه إذا قال: خُصْيانِ لم يُثنهِ على الواحدِ ولو أرادَ ذلكَ لقال خُصْيتانِ قال وسألته عن الثَنايَينِ6، فقالَ: هُوَ بمنزلةِ: النِّهايةِ7، ومن ثُم قالوا: مِذْرَوانِ لأَنَّ ما بعدَهما مِنَ الزيادةِ لا يفارقانِهما وإِذَا كانَ

_ 1 في الأصل "نحوهما" ولا معنى لها. 2 صلاءة: مدق الطيب، كل حجر عريض يدق عليه عطر أو هبيد. 3 عظاءة: لغة في عظاية، وجمعها عظايا. والعظاية: تطلق على خلقة سام أبرص. دويبية أكب من الوزغة. وانظر: حياة الحيوان 2/ 102. 4 مسنية: ومسنوة. من سنا الغيث يسنوها، إذا سقاها. 5 في الأصل يعرا. 6 الثنايين: تقول العرب عقلت البعير بثنايين، وذلك أن تعقل يديه جميعا بحبل، أو بطرفي حبل. 7 انظر: الكتاب 2/ 383.

قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ مفتوحٌ كانتِ الهاءُ لازمةً ولم تكن إلا بمنزلتِها لو لم تكنْ هاءً نحو: العَلاَةِ1 وهَنَاةٍ وَمَناةٍ فَتقلبها ألفًا. وقَمَحدوةٌ2 مثلُ: "سَرُوَ" وإنْ كانَ ما قبلَ الياءِ والواوِ فتحةً في الفعلِ قلبتْ ألفًا وإنَّما قالوا: الغَثَيانُ لأَنَّ ما بعدَهُ ساكنٌ كَما قالوا رَمَيا وإِذا كانتِ الكسرةُ قبلَ الواوِ3 ثم كانَ بعدَها ما يقعُ عليهِ الإِعرابُ لازمًا أو غيرَ لازمٍ فهيَ مبدلةٌ مكانَها الياءُ "مَحْنِيةٌ" وهيَ مِنْ "حَنَوْتُ" وهيَ الشيءُ المَحْنِيُّ مِنَ الأرضِ وَغَازِيةٌ وقالوا: قِنْيَةٌ4 للكسرةِ وبينهما حرفٌ والأصلُ "قِنْوَةٌ".

_ 1 الصلاة: حجر يجعل عليه الأقط. والسنديان، ويقال: للناقة علاة تشبه به في صلابتها. 2 قمحددة: مؤخر الرأس. والمشرف على أعلى العنق من خلف. 3 ثم: ساقط في "ب". 4 قنية: -بكسر القاف وضمها- ما اكتسب من قنى. قنا المال قنيا: اكتسبه.

باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء قلبت الهمزة ياء والياء ألفا

بَابُ ما إِذَا التقتْ فيهِ الهمزةُ [والياءُ] 1 قلبتِ الهمزةُ ياءً والياءُ ألفًا: وذلكَ: مَطَيّةٌ ومَطَايا ورَكيةٌ ورَكَايا وهَديَّةٌ وهَدَايا وإِنَّما هذهِ "فَعَائِل" كصحيفةٍ وصَحَائِفَ لأَنَّها همزةٌ بينَ أَلفينِ يدلُكَ على ذلكَ أنَّ الذينَ يقولونَ: سَلاءٌ2، كما تَرى فيحققونَ3 يقولونَ: رأيتُ سًلًا فَلا يحققونَ فأَبدلوا مِنْ مَطَايا مكانَ الهمزةِ ياءً لأَنَّها هيَ كانَتْ ثَابتةً في الواحدِ. وقالَ: قال: بعضهم4: هَدَاوَى فأَبدلوا الواوَ لأَنَّ الواوَ قد تبدل مِنَ الهمزةِ وما كانت الواوُ فيه ثابتةً نحو"هَراوةٍ" وإِدَاوَةٍ5 فيقولونَ: هَرَاوى وأَداوى وأَلزموا الواوَ هُنا كَما أَلزموا الياءَ في "مَطَايا" وكما قالوا: حَبَالى ليكونَ آخرهُ كآخرِ واحدهِ وليستْ بأَلفِ التأنيثِ كَما أَنَّ الواوَ في "أَدَاوَى" غيرُ الواوِ في "إِدَاوةٍ" ولم يفعلوا هذا في "جَاءٍ" لئلا يلتبسَ بفَاعل وَفُعِلَ ذلكَ بما كانَ على مثالِ مَفَاعِلَ لأَنَّهُ ليسَ يلتبسُ لعلمِهم أَنَّهُ ليسَ في الكلامِ علَى مثالِ "مَفَاعِل". و"فَوَاعِل" من "شَوَيْتُ"

_ 1 زيادة من "ب". 2 سلاء: ضرب من النصال. والسلاء-بكسر السين- السمن. 3 في الأصل فيخففون، وهو تصحيف. وانظر: الكتاب 2/ 384. 4 انظر: الكتاب 2/ 385. 5 أداوة: المطهرة، قال ابن سيدة: الأداوة للماء. وجمعها إداوي.

شَوَايا لأَنَّها همزةٌ تعرضُ في الجمع وبعدَها الياءُ همزتَها كما همزت "فَوَاعِل" من "عَوِرْتُ" وكذلك "فَوَاعلُ" مِنْ "حَيِيْتُ" وفَوَاعلُ منهما بمنزلةِ "فَوَاعل" في أَنَّكَ تهمزُ ولا تبدلُ مِنَ الهمزةِ ياءً تقولُ: شَوَاءٌ فُعَائِلُ مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ مُطَاءٍ ورُمَاءٍ لأَنَّها همزةٌ لم تعرضْ في الجمعِ فهمزتُها بمنزلةِ همزةِ فَعَالٍ "مِنْ" حَيِيْتُ والجمعُ مَطَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في الجمعِ فَيْاعِلُ مِنْ "شَويتُ" وَحَيِيْتُ حَيَايا وشَيَايا لأَنَّها همزةٌ تَعرضُ في الجمعِ بعدَها الياءُ ولا يخافونَ التباسًا وقالوا: فَلُوَّةٌ وفَلاوى1، لأَنَّ الواحدَ فيهِ واوٌ فأَبدلوا في الجمعِ واوًا وأَمَّا فُعَائلُ وفُعَاعِلُ تقولُ: شَوَاءٍ وَحُيَاءٍ وولا تقولُ: حَيَايا وشَوَايا لئلا يلتبسَ "بحُبَارى".

_ 1 في الأصل "فلاوا" والفلاوى: جمع فلوة، والفلو والفلوة: المهر إذا بلغ السنة المهر الصغير. وقيل: هو العظيم من أولاد ذات الحافر، ويجمع على أفلاء أيضا.

ما بني على أفعلاء وأصله فعلاء

ما بنيَ على: أَفعلاء وأَصلهُ "فُعَلاءُ": وذلكَ "أَسرَياءُ وأَغنِياءُ وأَشقِياءُ صرفُوها عِنْ سُرَواءَ وغُنياءَ لأَنَّهم يكرهون تحريكَ الواوِ والياءِ وقبلهما الفتحةُ إلا أَنْ يخافوا التباسًا في رَمَيا1 وَغَزَوَا.

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 385.

جمل الأصول التي لا بد من حفظها لإستخراج المسائل بجميع أقسامها

جملُ الأُصولِ التي لا بُدَّ مِنْ حفظِها لإستخراج المسائلِ بجميعِ أَقسامِها: الياءُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَو حرفٍ مكسورٍ أَو حرفٍ مضمومٍ فإنْ كانتِ الياءُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ وهيَ ساكنةٌ لم تعل إلا في لغةِ مَنْ قالَ: في يَيْأَسُ يَيْئِسُ وفي "يَوْجَلُ يَاجَلُ" وإنْ كانتْ بعدَ حرفٍ مكسورٍ فهيَ علَى حالِها وإنْ كانتِ الياءُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مضمومٍ قلبتْ واوًا وإنْ بعدت مِنَ الطرفِ وإنْ قربتْ أُبدلتِ الضمةُ كَسْرَةً وأُقرتِ الياءُ على حالِها نحو بِيضٍ وما أَشبههُ إلا في الاسمِ الذي علَى "فُعْلَى" نحو: طُوبى"1 وَكُوسَى2، وهذهِ الياءُ لا تغيرُ لِمَا بعدَها إلا أنْ يليهَا تاءُ "افْتَعلَ". وتقولُ: اتَّأسَ مِنَ التَأسِي.

_ 1 طوبى: الواو مبدلة من الياء لأنه فعلى. من الطيب قلبوا الياء واوا للضمة قبلها مع سكونها. 2 كوسى: مؤنث الأ كيس. وهو من الكيس، الفعل والظرف، وسرعة الفهم.

باب الياء المتحركة

بَابُ الياءِ المتحركةِ: الياءُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولًا أَو بعدَ حرفٍ وإذَا كانتْ أَولًا فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فإنْ كانَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فهيَ علَى حالِها لا تقلبُ ولا تغيرُ حركتها إلا في قولِ مَنْ قالُ في "يَوجَلُ يِيجلُ" فيكسُر الياءَ ليثبتَ قلبَ الواوِ بعدَها وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فلا تخلو مِنْ أَن تكون طرفًا أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفًا فلا تخلو من أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَو متحركٌ فإنْ كانَ قبلها ساكنٌ وهيَ طرفٌ فهيَ علَى حالِها إلا أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ألفًا فإنَّها تبدلُ همزةً وذلكَ نحو: قَضَاءٍ وسِقَاءٍ أَو يكونَ لامًا في "فَعْلَى" نحو" تَقْوَى" فإنْ كانَ قبلَ الياءِ المتحركةِ التي هيَ طرفٌ حرفْ متحركٌ أبدلتِ الياءُ لحركةِ ما قبلَها إنْ كانتْ في "فِعْلٍ" وإنْ كانَ المتحركُ قبلَها مفتوحًا أبدلتْ ألفًا نحو: قَضَى وَرَمى وإنْ كانَ مضمومًا قلبتْ واوًا نحو قَضُوَ الرجلُ ورَمُوَ وإنْ كانَ قبلَها مكسورٌ بقيتْ علَى حالِها فإِنْ كانتْ بهذهِ الصفةِ في اسمٍ وكانَ قبلَها مفتوحٌ قلبتْ ألفًا نحو: رَحَى1، الألفُ منقلبةٌ مِنْ "ياءٍ" يدلُّكَ علَى هذَا قولُهم: رَحَيانِ وإنْ كانَ ما قبلَها

_ 1 في الأصل "رحا" وإذا كان أصل الألف من الياء فتكتب بالياء.

مكسورًا تُرِكَتْ على حالِها وإنْ كانَ ما قبلها مضمومًا أُبدلتْ مِنَ الضمةِ كسرةً واتبعتِ الحركة ما بعدَها خلافُ ما عملتْ في الفعلِ وذلكَ نحو قولهم في جمعِ "ظَبيٍ" عَلَى "أَفعُلٍ" أَظَّبٍ كانَ الأَصلُ الضم في الباءِ فأبدلتْ منها كسرةٌ فإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ غير طرفٍ فليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنين فهيَ على حالِها إلا في قولِ مَنْ قالَ في "ظَبيْ ظَبَويٌّ" وقد ذكرتهُ في النَّسَبِ وإنْ كانتِ الياءُ المتحرَكةُ بينَ متحركينِ فهيَ على حالِها إلا أَنْ يكونَ قبلَها حرفٌ مفتوحٌ فإنَّها تقلبُ ألفًا نحو: باعَ ونَاب وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ أَو مكسورٌ وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها وذلكَ نحو: عُيبةٍ1، وصِيَرٍ2 وليسَ يجوزُ أَنْ يقعَ في الكلامِ مضمومٌ بعدَ مكسورٍ في حَشوِ كلمةٍ وبنائِها ليَسَ في الكلامِ مِثلُ "فِعُلٍ" ولا "فُعِلٍ" إلا في الفِعْلِ فإنْ أَردتَ "فُعِلَ" مِنَ البيعِ قلتَ: بِيَعَ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ "بُوعَ" فيبدلُ فهذَا مذكورٌ في موضعِه مبينُ وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانَ ما قبلَها متحركًا وما بعدَها ساكنًا لم يجزْ أَن تعلها لسكونِ ما بعدَها لئلا يجتمع ساكنانِ نح و"دَيَامِيسَ"3 وإنْ كانَ ما قبلَها ساكنًا وما بعدَها متحركًا فهيَ على حالِها نحو: عِثْيَرٍ4. الواو: والواوُ لا تخلو مِنَ أَن تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَوْ مضمومٍ أَوْ مكسورٍ فإنْ كانتِ الواوُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ فهيَ علَى حالِها إلا في لغةِ مَنْ قَالَ في

_ 1 عيبة: من العيب. 2 صير: جمع صيرة، وهي الحظيرة. 3 دياميس: جمع الديماس-بكسر الدال وفتحها- الكن. أو السرب من الحمام. 4 عثير: الغبار.

يَوْجَلُ: "يَاجَلُ"1 وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ فهيَ على حالِها إلا أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ في نحو: "صُوَّمٍ" فإنَّ مِنهم مَنْ قالَ: "صُيَّمٌ" لقربها مِنَ الطرفِ شبهوها بُعتيٍ وقالوا أَيضًا: "صِيَّمٌ" إنَّما جَاءَ هذَا فيما قَرُبَ مِنَ الطرفِ وهو جَمعٌ فإنْ قالوا: صُوَّامٌ وزُوَّارٌ لم يقلبوا وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مكسورٌ قلبتْ ياءً نح و"مِيزانٍ" وأَصلُه: "مِوزَانٌ" لأَنَّهُ مِنَ الوزن إلا أَنْ تكونَ الواوُ علامةً لجمعٍ نحو: "قاضونَ ويَقضُونَ فإنَّكَ تبدلُ من الكسرةِ ضمةً كي لا تزولَ العلامةُ وإنْ كانتِ الواوُ ساكنةً [و] 2 لم يغيرها ما قبلَها فَلَن يغيرَها ما بعدَها إلا أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ" فإنَّها تبدلُ ياءً وتدغمُ فيما بعدَها تقولُ في "فَوْعَلٍ" مِنْ "بِعْتُ" بَيَّعٌ فإنْ كانتِ الواوُ مدةً قبلَها ضمةٌ وهيَ منقلبةٌ مِنْ أَلفٍ زائدةٍ لم يجزْ إدغامُها نحو واوِ: "سُوَيرٍ" والواوُ منقلبةٌ مِنْ أَلفِ "سَاير" وكذلكَ "تبُويعَ" ومثلهُ رُويةٌ وَرُويَا وَنُويٌّ لم يقلبوا لأَنَّ الأَصلَ الهمزُ وقَالَ بعضُهم3: رَيَّا وَرُيَّةٌ ولا يكونُ مثلُ هذَا في "سُوَيرَ وتُبَويعَ"4 لأَنَّ الواوَ بَدَلٌ مِنْ أَلفٍ فأَرادوا أَن يمدوا وأَنْ لا يكونَ بمنزلةِ "فُعِّلَ" و"تُفُعِّلَ" أَلا تَرَاهم قالوا: "تُقُووِلَ" وَقُووِلَ فهذهِ قصةُ الواوِ الساكنةِ إلا أَنْ يقعَ في "يَفعَلُ" وهَيَ في موضعِ الفاءِ بينَ ياءٍ وكسرةٍ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 232. 2 أضفت "واوا" لإيضاح المعنى. 3 انظر: الكتاب 2/ 373. 4 لا تدغم الواو في تبويع "لأنها مادة، فهي بدل من الألف، فأرادوا أن يمدوا كما يمدون الألف وليس باللازم لأننا نقول: تقاولوا، فتكون الألف في مكان الواو، ولا تكون الواو لازمة كلزوم واو مفعول في قولنا: مرمي، ومقضي، وأصله: مرموي، ومقضوي، فقلبت الواو ياء لسكونها ووقوع الياء بعدها وأدغمت في الياء التي هي لام وإنما قلبوها وأدغموها ولم يقولوا: مقضوي مثل تبويع، لأن الواو في تبويع، عارضة غير لازمة".

نحو: وعَدَ يَعِدُ وكَانَ الأصل "يَوْعِدُ" فوقعت الواو بين ياء وكسرة فحذفت وأجريت التاء والألف والنون مجرى أُختهن [الياء] 1 لئلا يختلفَ الفعلُ. وقالَوا: عِدةٌ فأجروا المصدَر علَى الفعل في الحذفِ وإنْ كانَ بعدَ هذهِ الواوِ تَاءُ "افْتَعلَ" أبدلتْ تاءً نحو قولِهم: اتَّعدَ. الواوُ المتحركةُ: والواوُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولًا أَوْ بعدَ حرفٍ فإنْ كانتْ أولًا فلا تخلُو مِنْ أَن تكونَ مضمومةً أَو مكسورةً أو مفتوحةً فإنْ كانتْ مضمومةً فمِنَ العربِ مَنْ يبدلُها همزةً ومنهم مَنْ يدعُها على حالِها قالوا: في "وجوهٍ" أُجُوةٌ وإنْ كانتْ مكسورةً فكذلكَ إلا أَنَّ الهمزَ أَكثرُ ما يجيءُ في المضمومةِ وهوَ مطردٌ فيها وقالوا في "وسادةٍ إسَادةٌ" وفي "وِشاحٍ أِشَاحٌ" وهذَا أيضًا كثيرٌ فأمَّا المفتوحةُ فليسَ فيها إبدالٌ وقَد شَذَّ منهُ شَيءٌ قالوا: امرأة أَنَاةٌ2، وهيَ ونَاةٌ مِنَ الوَنَى وقالوا: أَحدٌ في "وَحَدٍ" وهَذا شَاذٌ وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ أَولًا وبعدَها حرفٌ ساكنٌ أَو متحركٌ فهي عَلَى حالِها إلا أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ فإنّه يلزمُها البدلُ وأَنْ تُجعلَ همزةً كقولِهم في "فَوعل" مِنَ الوعدِ: أَوعدَ فإنْ كانتِ الواوُ الثانيةُ مدةً كنتَ في همزةِ الأُولى بالخيارِ نحو: "فَوعل" مِنْ "وعَدَ" تقولُ: وَوعدَ {وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} 3 الواوُ الثانيةُ مدةٌ وليسَ الهمزُ لاجتماعِ الواوينِ ولكنْ لضمة الأُولى وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فَلِنْ تخلو مِنْ أَن تكونَ طرفًا أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفًا فلا بُدَّ مِنْ أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَوْ متحركٌ فإنْ كانَ ما قبلَها ساكنًا وهيَ طرفٌ

_ 1 زيادة من "ب". 2 امرأة وناة: الونى هو الفتور. 3 الأعراف: 20. والآية: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ} ولو كان في غير القرآن لكان همز الواحد جائزا.

فهيَ على حالِها في الاسم إلا أَنْ يكونَ قبلَها واو "فُعُولٍ" في الجَمعِ نحو: "عُتيٍّ" وعُصِيٍّ كانَ الأَصلُ "عُتُوٌّ" وعُصُوٌّ فقلبتْ في الجمعِ وتثبتُ في الوَاحدِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ تقولُ في المصدرِ قَدْ بلغَ عُتُوًّا. وقَد حُكيَ عن بعضِ العَربِ: إنكم لتنظرونَ في نَحُوٍّ كثيرةٍ1 فصححَ الواو في الجمعِ وأَتى بهِ علَى الأَصلِ أَو يكونُ قبلَها أَلفٌ فإنَّها تقلبُ همزةً نحو: "كِسَاءٍ" وإنْ كانتْ قبلَها ياءٌ ساكنةٌ فَقَد قالوا: حَيْوَةٌ فكانَ حَقُّ هذَا "حَيَّةٌ" أَو تكون لامًا في الفعلِ نحو"الدُّنيا" كانَ الأصلُ "الدُنْوَى" أَو تكونُ مضمومةً فيجوزُ هَمزهُ نحو: أُدْؤرٍ "وإنْ كانَ قبلَ الواوِ المتحركةِ وهيَ طَرفٌ حرفٌ متحركٌ فلا يخلو ما قبلَها أَنْ يكونَ مفتوحًا أَوْ مضمومًا أَو مكسورًا فإنْ كانَ مفتوحًا قلبتْ ألفًا نحو: غَزَا وقَضَى2، إنْ كانَ مكسورًا قلبتْ ياءً نح و"غُزِي" وإنّ كانَ مضمومًا في "فِعْلٍ" تُرِكَ على حالِه نحو: يَغزُو فإنْ كانَ في اسمٍ أبدلتْ ياءً وكسرَ ما قبلَها كما قالوا في جَمعِ دَلْوٍ: أَدْلٍ وكانَ الأصلُ أَدْلُوًا فإنْ كانتْ بهذِه الصفةِ وبعدهَا هاءُ التأنيثِ صحتْ وذلكَ نحو: "قَمَحدوةٍ" فإنْ كانتَِ الواوُ غيرَ طرفٍ فَليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنينِ فهيَ على حالِها إلا أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ياءً فإنَّها تقلبُ ياءً ويدغمُ فيها ما قبلَها وذلكَ3 نحو: "فَيْعُولٍ" مِنْ يَقُومُ قَيومٍ وإنْ كانتْ متحركةً بينَ متحركينِ وكانَ الذي قبلَها مفتوحًا قلبتْ ألفًا وذلكَ نحو: "قَالَ" وبَابٍ ودَارٍ وخَافَ ولا تُبالِ [إلى] 4 أَيّ حركةٍ كانتْ

_ 1 قال سيبويه: 2/ 381 وقال بعضهم: إنك لتنظرون في نحوٍ كثيرة، فشبوهها بعتو، وهذا قليل، إنما أراد جمع النحو. 2 في الأصل "قضا". 3 نحو: ساقط في "ب". 4 زيادة من "ب".

مفتوحةً أَو مكسورةً أَو مضمومةً فإنَّها تقلبُ ألفًا إلا مَا جَاء على "فَعَلانٍ وفَعَلَى" نح و"جَوَلاَنٍ وحَيَدى" جَعلوهُ بمنزلةِ ما لا زائدَ فيهِ فأَخرجوهُ بذلكَ مِنْ شبهِ الفِعْل فصارَ بمنزلةِ الحوِلِ والغِيَرِ الذي ليسَ على مثالِ الفِعلِ وقَد أَعلَ بعضُهم "فَعَلاَنَ وفَعَلى" جَعلوا الزيادةَ كالهاءِ وذلكَ قولُهم: دَارَانٌ وهَامَانٌ. قالَ سيبويه: وهذَا ليسَ بالمطردِ1 وإنْ كانَ ما قبلَها مضمومًا وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها نحو: رَجلٍ نُوَمٍ ولا تعتلُّ هذِه لأَنَّ هذَا الوزنَ لا يكونُ فِعْلًا وإنْ كانت مكسورةً وقبلها مضمومٌ فَهذا لا يكونُ إلا في "فُعِلَ" مثلُ قِيلَ كانَ الأصلُ2: قُوِلَ: وهذَا مُبينٌ في موضعهِ ومنهم مَنْ يقولُ: قُوَلَ وإنْ كانَ ما قبلَها مسكورًا وهيَ مفتوحةٌ صحتْ3، لأَنَّها ليستْ علَى مثالِ الفعلِ نحو: حَوِلَ إلا أَنْ يكونَ جمعًا لواحدٍ قَدْ قُلبَ فإنهُ4 لا يثبتُ في الجمعِ إذا كانَ قبلهُ5 كسرةٌ وذلكَ نحو: ديمةٍ ودِيَمٌ وحِيلَةٍ وحِيَلٌ وقَامَةٍ وقِيَمٌ وإنْ كانتْ مضمومةً وقبلَها مضموم فإنْ كانَ الاسم علَى "فُعُلٍ" أسكنوا6 الواوَ لاجتماع الضمتينِ وذلكَ قولُهم: عَوَانٌ وعُونٌ ونَوَارٌ ونُورٌ ويجوزُ تثقيلُ فَعِلَ في الشعر ولا يجوزُ أَن تقعَ مضمومةً وقبلَها كسرةٌ لأَنها ليسَ في الكلامِ مثلُ "فُعِلٍ" وفِعِلٌ أَيضًا لَيسَ في الكلامِ إلا في "إبِلٍ وإطِلٍ" فإنْ وقعتْ بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فحكمُها حكمُ التي تقعُ بينَ ساكنين لأَنَّها لا يغيرُها ما بعدَها فهيَ علَى

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 371. 2 في "ب" أصله. 3 في "ب" فتحت. الصحيح ما أثبت. 4 في "ب" فإنها. 5 في "ب" قبلها. 6 في "ب" سكنوا.

حالَها إلا أَنْ يكونَ الساكنُ الذيَ قبلَها ياء فإنَّها تقلبُ ياءً وتدغمُ فيها نحو: "سَيّدٍ ومَيَّتٍ كانَ الأصلُ: سَيودٌ1 ومَيوِتٌ" وإنْ وقعتْ بينَ متحركِ وسَاكنٍ فهيَ علَى حالِها إلا أَنْ تكونَ في مصدرٍ قَد اعتلَّ2 فعلُه وقبلَها كسرةٌ وبعدَها أَلفٌ نحو: قُمْتُ قِيامًا وحَالتْ حِيَالًا أَو تكونُ كذلكَ في جمعٍ قد أُعلَّ واحدهُ نحو: دَارٍ ودِيَار وإذَا كانَ بعدَها الألفُ فهي أَجدرُ أَنْ تقلبَ أَو تكونَ كذلكَ أَيضًا في جمعِ3 الواوِ ساكنةً في واحدِه نحو: ثَوبٍ وثِيَابٍ وسَوطٍ وسِيَاطٍ لأَنَّ الكسرةَ قَدْ دخلتْ علَى ما أَصلهُ السكونُ فإنْ جئتَ بِفِعَالٍ غيرِ مُجرٍ لَهُ عَلى "فِعْلٍ" ولا جَمع لشيءٍ مِما ذكرَنا صححت فقلتَ: هَذا قِوامُ الأَمرِ فإنْ جاءَ الجمعُ في هذَا بغيرِ أَلفٍ نحو: عُودٍ وَعِوَدَةٍ وزَوجٍ وَزِوَجَةٍ لَم يُعَلَّ وقَد قالوا: ثَورٌ وَثِوَرَةٌ وَثِيَرَةٌ. قالَ سيبويه: قلبوها حيثُ كانتْ بعدَ كسرة قالَ: وليسَ هُوَ بمطردٍ4 قالَ أَبو العباس: بنوهُ على "فِعْلَةٍ" ثُمَ حركوهُ فَصَار ثِيَرةً5. قالَ أبو بكر: والأقيس عندي في ذَا أَنْ يكونوا أَرادوا "فِعَالة"6.

_ 1 في الكتاب 2/ 371، وقولك: في فيعل: سيد وصيب، وإنما أصلها: سيود وصيوب، وكان الخليل يقول: سيد، فيعل، وإن لم يكن: فيعل في غير المعتل، لأنهم قد يخصون المعتل بالبناء ولا يخصون به غيره من غير المعتل. 2 في "ب" أعل. 3 في "ب" وق. 4 انظر الكتاب 2/ 369 والذي ليس بالمطرد ثيرة. 5 يريد أن أصله "ثيرة" فانقلبت الواو لسكونها وانكسار ما قبلها، ثم حركت الياء فأقرت بحالها، لأن أصلها هنا السكون. انظر: المنصف 1/ 347 والمقتضب 1/ 130 والخصائص 1/ 112. 6 هذا نقله ابن جني في المنصف 1/ 347 عن ابن السراج.

وقَصروا لأَنَّ "فِعَالةً" مِنْ أَبينةِ الجمعِ "وَفِعَلَةً" لَيْسَ من أَبنيةِ الجمعِ التي تكثرُ فيهِ ولا يُقاسُ عَليهِ فإنْ لم يَقَعْ في هذَا البابِ قبلَ الواوِ كسرةٌ صحتِ الواوُ أَلاَ تَراهم جَمعوا: "قَيْلٌ": إقْوال وأَجرى مجرى حِيَالٍ اخترتُ اختيارًا: "تِيارٌ1 مِنْ اختيار مثلُ "حِيَالٍ" وانقدتُ انْقيادًا "قِيَاداً" "مثلُ" حِيَالٍ فأَمَّا جِوَارٌ فصح لصحتهِ في الفعلِ وذلكَ قولُهم: جاورتُ وإنْ وقعَ بعدَ الواوِ المتحركةِ واوٌ ساكنةٌ نحو: "فُعُولٍ" تركتْ علَى الأَصلِ ويهمزونَ إنْ شاءوا وكذلكَ "فَعُولٌ" نحو: قَوُول إنْ شاَءَ على الأَصلِ وإنْ شَاءَ همزَ المضمومةَ وأَمَّا طَويلٌ وَطِوالٌ فصحتْ في الجمعِ لصحتِها في الواحدِ وقَد تقدمَ مِنْ قولِنا: إنَّ حروفَ العلةِ أَربعةٌ: الواوُ والياءُ والهمزةُ والأَلفُ2 وقد ذكرتُ أُصولَ الياءِ والواوِ وهُما الحرفانِ المعتلانِ كثيرًا. والهمزةُ قد مضى ذكرُها في بابِ الهمزِ والألفِ فلا تكونُ أَبدًا إلا زائدةً أو منقلبةً مِنْ شيءٍ إلا أَنْ تبنى من صوتٍ أَو حرف معنى فِعْلٍ علَى مذهبِ الحكايةِ أو لمعنىً سِوى ذلكَ نحو: عَاعيتُ4 وحَاحيتُ5 إنَّما هُوَ صوتٌ بنيَ منهُ "فِعْلٌ" وكذلكَ لو اكثرتَ مِنْ قولِكَ "لا" لجازَ أَن تقولُ: لا ليتُ تُريدُ: قُلتُ لاَ.

_ 1 انظر: المنصف 1/ 294. 2 الشائع أن حروف العلة ثلاثة: الألف والواو والياء، أما الهمزة فلم يعدها أحد من النحويين حرفا من حروف العلة. 3 معنى: ساقط من "ب". 4 عاعيت: صوت، وهو العيعاء، والعاعاة. إذا قلت: عاي. 5 حاحيت: يقال: حاحيت حيحاء وحاحاة، وهو التصويت بالغنم. إذا قلت: حاي.

ذكر تكرر هذه الحروف المعتلة واجتماع بعضها مع بعض

ذِكرُ تكررِ هذهِ الحروفِ المعتلةِ واجتماعِ بعضِها معَ بعضٍ: الياءُ مكررة: إذَا اجتمعتِ الياءانِ فلا تخلوانِ مِنْ أَن تكونا متحركتينِ أَو إحداهما متحركةٌ والأُخرى ساكنةٌ فإن كانتا متحركتينِ وهُما عينٌ ولامٌ أُعلتِ اللامُ دونَ العينِ ولَم يجزْ أَن تُعلا جميعًا وهذَا مذكورٌ في بابِ "حَيِيْتُ" وما أَشبههُ يَلزمُ اللام ما يلزمُ ياءَ "رَمَيْتُ" وخَشِيْتُ ولا يجوزُ إعلالُ العينِ وتصحيحُ اللامِ إلا فيما جاءَ شَاذًا مِمَا لم يُستعملْ منهُ "فِعلٌ" وإنْ كانتا متحركتينِ كيفَ وقعَتا فليسَ يجوزُ أَنْ تعلا جميعًا فحكمُ الواحدةِ المعتلةِ منهما حكمُ المنفردةِ فإنْ اجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ في الفعلِ أُعلتِ الآخرةُ نحو: حَيَا يَحْيَى وَهْوَ مُحَييٌّ ولا تكونُ هذِه الياءاتُ الثلاثُ إلا في اسمٍ مبنيٍّ علَى "فِعْلٍ" فإنْ جَاءَ في غيرِ ذلكَ حذفتِ الآخرةُ وذلكَ قولُهم في تصغيرِ عَطَاءٍ: عَطَيٌّ وتصغير أَحْوى: أُحِييٌّ وكان الأصلُ: أَحَيْييٌ1 [و] عُطَييٌ فإنْ كانتِ المتحركةُ قبلَ الياءِ المشددةِ في مثلِ النسبِ إلى "عَمٍّ" قلتَ: عَمَويٌّ نقلتْهُ مِنْ "فَعِلَ" إلى "فَعَلَ" كما قلتَ في "النَّمِرِ: نَمريٌّ" فلما انفتحَ ما قبلَ الياءِ قلبتْ ألفًا فلمَّا جئتَ بياءِ النَّسَبِ بعدَها صارَ حكمُها حكمُ "رَحَى" فقلتَ: عَمَويٌ كما قلتَ: "رَحَويٌّ" ولا توجدُ هذهِ الياءاتُ مجتمعةً في أُصولِ كلامِهم إلا في هذَا النوعِ فإنْ اجتمعتْ أَربعُ ياءاتٍ فإنّما تجدُ ذلكَ في مثلِ النَّسَبِ إلى: أُمَيَّةَ في قَولِ مَنْ قالَ: أُمَيِّيٌّ هؤلاءِ جَعلوا المشددَ كالصحيحِ لأَنَّهُ قَدْ قَوِيَ ومنهم مَنْ يقولُ: أُمَوِيٌّ وَهم الأَكثرُ والأَفصحُ فتحذفُ الياءُ الساكنةُ ويصيرُ مثلَ عَمَويٌّ2. الواوُ المكررةُ: فإنّ اجتمعتْ واوٌ مع واوٍ أولًا هُمِزَتِ الأولى إلا أَنْ

_ 1 زيادة من "ب" 2 عموي: فنحوه فانقلبت الياء ألفًا، ثم قلبوها واوا من أجل ياء النسب. وكذلك في رحوي.

تكونَ الثانيةُ مدةً وإن كانتا آخرَ كلمةٍ والأولى ساكنةٌ مدغمةٌ في الثانيةِ صحتا إلا ما قد استثنياهُ فِيمَا تقدمَ وإِنْ كانتا في فِعْل بنيَ على "فَعِلٍ" حتى تنقلبَ اللامُ الآخرةُ1 ياءً نحو: قَوِيتُ مِنَ القوةِ وإِنْ كانتا متحركتينِ أُعلتْ إِحداهُما الإِعلالَ الذي قَدْ تَقَدَّمَ ذكرهُ وسيأتي بعدُ أَيضًا ولا تجتمعُ واوانِ في إحداهما ضمةٌ. قالَ سيبويه: تقولُ في "فَعُلاَنٍ" من "قَويتُ": فَوَّانٌ2 وغَلطَ3 في ذلكَ: وقالوا: ينبغي لَهُ إنْ لم يُدغم أَنْ يقولَ: قَوِيَانٌ: فيدغمُ4 الأُولى ويقلبُ الثانيةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في إِحداهما ضمةٌ والأُخرى متحركةٌ وهذاَ قولُ أَبي عُمَر5. وأَمَّا اجتماعُ ثلاثِ واواتٍ فقالوا في مِثَالِ: اغْدَوْدَنَ مِنْ قلت: إِقْوِوَّلَ تكررُ عينَ الفعلِ وبينهما واوٌ زائدةٌ فتدغم الواوَ الزائدةَ في الواوِ التي بعدَها فإِذا بنيتَهُ بناءَ ما لم يسمَّ فاعلهُ قلتَ: افْوووِلَ ولا تدغمُ لأَنَّها قد صارتْ مدةً كما تقولُ: اغدودَنَ "فتوافقُ هذهِ الواوُ الواوَ التي تكونُ بدلًا مِنَ الألفِ في "سُوَيرٍ" وهذَا قولُ الخليلِ6 وكانَ أَبو الحسنِ الأَخفشِ يقولُ في "اغْدَوْدَنَ" [مِنَ قلتُ7 اقْوَيَّلَ] 8 فيقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً ثُمَ يقلبُ التي يليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ: أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ ولا يجوزُ أَن تجتمعَ هذهِ الواواتُ وفي إِحداها ضمةٌ لأَنَّهُ إِذا لم يكنْ في الواوينِ فهوَ مِنَ الثلاثةِ9 أَبعدُ. وإِذا بنيتَ

_ 1 في "ب" الأخيرة. 2 انظر: الكتاب 2/ 394، والتصريف 2/ 281. 3 انظر: المنصف 2/ 282. 4 في "ب" فيكسر، والصحيح ما هو مثبت. 5 أي: أبو عمر الجرمي. انظر: المنصف 2/ 282. 6 انظر: التصريف 2/ 33. 7 ما بين القوسين ساقط في "ب". 8 انظر: التصريف 2/ 244. 9 في الأصل: ثلاثة: والتصحيح من "ب".

مثالَ "فَعْلُوةٍ" مِنْ "غَزَوْتُ" قلتَ: غَزْوُيَةٌ وكانَ الأصلُ: "غَزْوُوَةً" فأَبدلتَ الثانيةَ لأَنَّها لامٌ وهيَ أَولى بالعلةِ وإِنَّما جَاءَ: اقْوُووِلَ لأنَّ الواوَ الساكنةَ مدةٌ فهيَ نَظيرةُ الياءِ والألفِ وكان أَبو الحسن الأخفش1 يقولُ في "افْعَوعَلَ" اقْوَيَّلَ فيبدلُ الواوَ الآخرة2 ياءً ثم يقلبُ لَها التي تَليها لأنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ: أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ وإِذَا قالَ: "فُعِلَ" قالَ: اقْوُووِلَ فلا يقلبُ وصارتِ الوُسطى مدةً بمنزلةِ الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ فَهذا يدلُّكَ علَى أَن ثلاثَ واواتٍ لَيْست مِنْ أُصولِ كلامِهمِ ولَو سُمِعَ منهم شيءٌ لاتبعوهُ أَو ذكروهُ. وأَمَّا الألِفُ فلا تكونُ أَصلًا إلا زائدةً أو منقلبةً في حرفٍ جَاءَ لمعنىً ليسَ باسمٍ ولاَ فعلٍ أَو صوتٍ كالحرفِ فحكم هذا مَتَى احتيجَ إِلى تكريرهِ أن تُبدلَ همزةً لتشبهَ ما انقلبَ من ياءٍ أو واوٍ وأَمَّا الهمزةُ فقدَ ذكرنا حكمها إِذَا تكررتْ في كتابِ الهَمزِ وأَنَّهما لا يجتمعانِ محققتينِ في كلمةٍ إلا أَن يكونَا عينًا مشددةً نحو: رأسٍ فإِذا اجتمعتا متحركتينِ أَولَ كلمةٍ وكانتِ الأُولى والثانيةُ مفتوحتينِ أبدلتِ الثانيةُ ألفًا فإن احتجتَ إِلى تحريكِ الأَلفِ والألفُ لا تحركُ أَبدلتَها واوًا وذلكَ قولُكَ في آدَمَ: أَوَادِمَ وفي آخرَ: أَواخرُ وكذلكَ في التصغير تقولُ: أُويدِمٌ فأَشبهتْ أَلفَ "فاعِلٍ" وفَاعَلٍ لأَنها وإنْ كانتْ مبدلةً مِنْ همزةٍ فَليست بأَصلٍ في الكلمةِ كأَلفِ فَاعِلٍ ليست بأَصلٍ وإنْ كانتِ الهمزتانِ متأخرتين لامينِ قلتُ في مثلِ "قِمْطْرٍ" مِنْ "قَرأتُ": قِرَأَيٌ ومثلُ مَعَدٍّ "قَرَايُ" فتغيرُ الهمزةَ. قالَ المازني: وسألتُ الأخفش3: -وهو الذي بدأ بهذهِ المقالةِ فقلتُ

_ 1 انظر: التصريف 2/ 244-245، والمنصف 2/ 244-245. 2 في "ب" الأخيرة. 3 انظر: المنصف 2/ 252.

مَا [بالُ] 1 الهمزةِ الأُولى إذا كانَ أصلهُ السكونُ لا تكونُ مثلَ همزةِ "سَأْلٍ ورَأسً" فقالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّ العينَ لا تجيء أبدًا إلا وبعدَها مثلُها واللامُ قد تجيءُ بعدَها لامٌ لَيْسَتْ من لفظِها أَلا تَرى أَنَّ قِمَطرًا وَهِدَمْلَةً2، قد جاءتِ اللامانِ مختلفتينِ. قَالَ المازني: والقولُ عندي كَما قالَ3. قالَ: وسألته4 عن: هَذا أَفعلُ مِن هَذا "مِن" أَمَمْتُ: أَي: قصدتُ فَقالَ: أقولُ هذَا أَوَّمُ منهُ فجعلَها واوًا حينَ تحركتْ بالفتحةِ كَما فعلوا ذلكَ في "أَويدم" فقلتُ لهُ: كيفَ تصنعُ بقولِهم: "أَيِمَّةٌ" ألا تَراها أَفْعَلَةً والفاءُ فيها هَمزةٌ فقال: لمّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياءً. وقالَ الأخفشُ: لو بنيت مثلَ: أُبْلُمٍ مَنْ "أَممْتُ" لقلتَ: أُوَّمٌ أَجعلُها واوًا. قالَ المازني: فسألتنهُ: كيفَ تصغرُ "أَيِمَّةً" فقال: أُوَيِمّةً لأنَّها قد تحركتْ بالفتحةِ والمازني يرد هَذا ويقولُ: أُيَيْمَّةٌ والقياسُ عندَهُ أن يقولَ في هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا مِنْ "أَمَمْتُ" وأَخواتِها هَذا أَيَمٌّ مِنْ هذَا ولا يُبدلُ الياءَ واوًا لأنَّها قد ثبتت ياءً بدلًا منَ الهَمزةِ إلا هذهِ الهمزةَ إذا لم يلزمْها تحريكٌ فبنيتَ مثلَ "الأُبْلُمِ" مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ: أُوْدُمٌ ومثلُ: إصْبَعٍ إيْدَمٌ ومثلُ "أَفكلٍ5" أَأْدَمٌ6، وهذَا أصلُ تخفيفِ الهمزِ فإذَا احتجت إلى تحريكها في تكسيرٍ أو تصغيرٍ جعلتَ كُلَّ واحدةٍ منهن على لفظها الذي

_ 1 زيادة من "ب" وانظر: المنصف 2/ 252. 2 هدملة: الرملة المستوية. 3 انظر: المنصف 2/ 253. 4 الذي سأله المازني هو الأخفش. 5 أفكل: جماعة من الناس. وقد جاءوا بأفكلهم، أي: جميعهم. 6 انظر: التصريف 2/ 315-316.

بنيتْ عليهِ والأَخفش يَرى أَنَّها تحركتْ بفتحةٍ أَبدلها واوًا كما ذكرت1 لكَ. هذا 2 آخرُ التصريفِ.

_ 1 انظر: التصريف 2/ 318. 2 هذا: ساقط من "ب".

مسائل التصريف

مسَائلُ التصريفِ: هذهِ المسائلُ التي تُسألُ عنها مِنْ هذَا الحدِّ على ضَربينِ: أَحدهما: ما تكلمتْ بهِ العربُ وكانَ مشكلًا فأحوجَ إِلى أَن يبحثَ عن أُصولهِ وتَقديراتِه. والضربُ الثاني: ما قِيسَ علَى كلامِهم. ذِكرُ النوعِ الأَولِ مِنْ ذلكَ: قالتِ العربُ: حَاحيتُ3 وهَاهيتُ4 وعَاعيتُ5. وأَجمعَ أَصحابُنا علَى أَنَّ الأَلفَ بَدلٌ مِنْ ياءٍ وللسائلِ أَن يسألَ فيقول: ما الدليلُ على أَنَّها بَدلٌ مِنْ ياءٍ دونَ أَن يكونَ بدلًا مِنْ واوٍ؟ وإِذا6 ثبتَ أَنَها بَدَلٌ مِنْ ياءٍ فَلهُ أنْ يسألَ فيقول: لِمَ قُلبتْ وهيَ ساكنةٌ ألفًا؟ فالجوابُ في ذلكَ يقالُ لَهُ: وجدنَا كُلَّ ما جاءَ مِنَ الواوِ في هَذا البابِ قد ظهرتْ فيهِ الواوُ نحو: "قوقيتُ7، وضوضيتُ8، وزَوزيتُ" ولَمْ نَر منهُ شيئًا جَاءَ بالياءِ ظاهرةً واجتمعَ معَ

_ 1 انظر: التصريف 2/ 318. 2 هذا: ساقط من "ب". 3 حاحيت: إذا قلت: حاي، وهو التصويت بالغنم. 4 هاهيت: صوت، وهو الهيهاء. 5 عاعيت: صوت إذا قلت: عاي. 6 في "ب" إذا. 7 قوقيت: القوقاة، صوت الدجاجة عند البيض. وقوقيت: صحت. 8 ضرضيت: صحت، يقال: ضوضى القوم إذا ضجوا وصاحوا.

هذَا أنا وجدنَا الألِفَ قد أُبدلتْ في بَعض المواضعِ مِنُ الياءِ الساكنةِ ولم نجدها مبدلةً مِنَ الواوِ الساكنةِ وذلكَ قولُهم في "طَيىءٍ طائي وإِنَّما هُوَ: طيِّئي" فقلبوا الياءَ ألفًا. وقالَ الأخفش: إِنَّهم يقولونَ في "الحِيرةِ" حَارِي1 قالَ أَبو بكر: فلو قالوا: حَيْحَيتُ لاجتمعتِ الياءات2، ولا يكونُ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ تقول: "قَوْقوتُ" لأنَّ الواوَ إِذا صارتْ رابعةً انقلبتْ ياءً وإِذَا كانتِ الياءُ رابعةً لم تُقلبْ إِلى غيرِها في مثلِ هذا فقولُكَ: "قَوْقَيْتُ" لمْ يجتمعْ في الحرفِ واوانِ ولو قلتَ: حيحيت "لاجتمعت3" ياءانِ. [قال أبو بكرُ] 4: وكانَ القياسُ عندي أَنْ تظهرَ الياءُ ولكنَّهم تنكبوا ذلكَ استثقالًا للياءينِ أن يتكررا معَ الحاءِ في "حَاْحَيْتُ" والعينُ في "عَاعَيْتُ" وخَفَّ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لإختلافِ اللفظِ بما أَوجبتهُ العلةُ وَمَعَ ذلكَ فإِنَّ هذَا الفعلَ بنيَ مِنْ صوتٍ الألفُ فيهِ أَصلٌ ليستْ منقلبةً مِنْ شيءٍ أَلا تَرَى أَنَّ الحروفَ والأصواتَ كلها مبنيةٌ على أَصولها ووجدناهم قد قلبوا الألفات في بعضِ الحروفِ إِلى الياءِ نحو: عَليهِ وإِليهِ فلمَّا قلبتِ الألفُ إِلى الياءِ وجبَ أَنْ تقلبَ الياءُ إِلى الألفِ والدليلُ أيضًا على أَنَّ الأَلفات في

_ 1 النسب إلى الحيرة: حاري، لأنهم استثقلوا اجتماع الكسرتين مع الياءات فأبدلوا من كسر الحاء فتحة، ومن الياء ألفًا. وانظر: الحجة في القراءات 1/ 62 وابن يعيش 10/ 18. 2 لأنه من مضاعف الياء ونظيره قوقيت من مضاعف الواو، وإنما قلبوا الواو ألفًا لشبهها بها، ولأن العرب كرهوا تكرر الياءين وليس بينهما إلا حرف واحد فقلبوا الياء ألفًا، ولم يقولوا في "قوقيت" قاقيت، لأن الواو التي هي لام قد انقلبت ياء. وانظر: المنصف 2/ 170. 3 في "ب" لاجتمع. 4 زيادة من "ب".

الحروفِ غيرُ منقلباتِ أنَّهُ لا تجوزُ أَمالُتها ولو كانتْ منقلبةً لوجبَ إِمالةُ "حَتى" لأنَّ الأَلفَ إِذَا كانتْ رابعةً في اسمٍ أَو فعلٍ فهيَ منقلبةٌ فلَيس لَكَ أَنْ تقولَ في أَلِف "لاَ" إِنَّها منقلبةٌ مِنْ شيءٍ ولاَ ألفِ "ما" ولاَ "يا" لأنَّ الحروفَ حكمُها حكمُ الأَصواتِ المحكيةِ ولذلكَ بُنَيْتْ. وقالَ الأخفش: لم يجئ مِنْ هذَا البابِ مما علَمنا إلا هذهِ الثلاثةُ يعني: حَاحيتُ وهَاهيتُ وعَاعيتُ. وقالَ محمد بن يزيد1: مِما يُسألُ عنهُ فيما جاءَ على أَصلهِ من بناتِ الواوِ التي علَى "فَعَلَ" نحو: الخَوَنةِ والحَوكَةِ والقَوَدِ هَلْ في الياءِ مثلُ هذا وقد استويا في: عَوِرَ وصَيِدَ البعيرُ؟ قال: والجوابُ في ذلكَ: أَنَّ عَوِرَ وصَيِدَ فِعْلانِ جَاءا في معنى ما لا يعتل مِنَ الأفعالِ فَصحا ليدلا عليه نحو: اعْوَرَّ واصْيدَّ كما صحَّ: اجْتَوَرُوا واعتَونُوا إِذا أردتَ معنى: تَجاوروا وتُعاونوا فأمَّا: الخَوَنةُ والحَوَكَةُ ونحوهُما فإِنَّما كانَ ذلكَ في الواوِ لأنَّها تباعدتْ مِنَ الألفِ فَثبتَ كما ثَبُتَ ما رُدَّ إلى الأَصلِ ولَمْ تجيء الياءُ في: نَابٍ وغَارٍ وَبَاعَهُ ولا في شيء منه على الأَصل لشبهِ الياءِ بالألفِ لأنَّها إليها أَقربُ وبها أَحقُّ أَلا تَرى أنَّ "بَابَ": قَوْقَيْتُ2 وَضَوْضَيْتُ3 يظهرُ فيهِ الواوُ لا يأتي ما كانَ من بنَاتِ الياءِ في هذَا البابِ إلا مقلوبًا نحو: حَاحَيْتُ وَعَاْعَيْتُ وإنَّما هُ و"فَعْلَلْتُ". قالَ أَبو بكر: ولمعترضٍ أَن يعترضَ بقولِهم: غَيَبٌ وصَيَدٌ فجوابهُ،

_ 1 انظر: المقتضب 1/ 200 و1/ 114 و1/ 171 و2/ 220 والكتاب 2/ 399. 2 قوقيت: من قوقى الديك إذا صاح. 3 ضوضيت: من الضوضاء. وهو الصياح. وقيل: إن أصل ضوضيت وقوقيت: ضوضوت وقوقوت، قلبت الواو فيهما ياء لوقوعها رابعة.

أَنْ يقالَ لهُ: "صَيَدٌ" صَحَّ كَما صَحَّ فعلهُ وصَحَّ "عَوَرَ" أَيضًا مثلهُ ويجوزُ أَنْ يكونَ: "غَيَبٌ" شُبهَ بِصَيَدَ وإِنْ كانَ جمعُ "غائب" لأَنهُ يجوزُ أَنْ يكونَ1 ينوي بهِ المصدرَ. قالَ: قولُ سيبويه في بَابِ: علَى وإِلى ولدى لِمَ انقلبتِ الألفُ فيهنَّ مَعَ المضمرِ2 في قولِكَ: عليكَ وإِليكَ ولديكَ وكذلكَ: جَاءني كلام الرجلينِ ورأيتُ كِلا الرجلينِ ومررتُ بكلام الغلامينِ فإِذَا اتصلَ بذلكَ مضمرٌ في موضع جَرِّ أَو نَصْبٍ قلبتِ الألفُ ياء فقلت: رأيتُ كليهما ومررتُ بكليهما وفي الرفعِ تبقى على حالِها فتقولُ: جاءني أخواكَ كلاهما فزعمَ سيبويه: أنَّ ذلكَ لأَنَّ "على وإلى وَلَدى" ظروفٌ لا يَكُنَّ إلا نَصبًا أو جرًا كقولِكَ: غَدَتْ مِنْ عليهِ3 فشبهت "كِلا" معَ المضمرِ بهنَّ في الموضعِ الذي يقعنَ فيه منقلباتٍ ولَمْ تكنْ مما ترتفعُ فبقيتْ "كِلاَ" في الرفعِ على حالِها وشبهَ "كِلا" بهن لأَنَّها لا تفردُ كما لا يُفْردنَ. قالَ أَبو العباس4: قِيلَ لسيبويه: أَنتَ تزعمُ أَنَّ الألفاتَ في "على" ونحوِها منقلباتُ مِنْ واوٍ ويستدلُ علَى ذلكَ بأنَّ الأَلفاتَ لا تكونُ فيها إمَالةٌ ولو سُميَ رجلٌ بشيءٍ منهنّ قالَ في تثنيتِه: عَلَوانِ وأَلَوانِ فَلمَ قلبتَها مع

_ 1 يكون ساقط في "ب". 2 ما بين القوسين ساقط من "ب". 3 يشير إلى قول مزاحم العقيلي في وصف القطاة. وقد مر شرحه ص/ 492 من هذا الجزء. 4 أبو العباس: محمد بن يزيد المشهور بالمبرد أستاذ ابن السراج. وانظر: المقتضب 3/ 53. 5 انظر: شرح الرماني 4/ 41. وقد منع الرماني الاشتقاق من الحروف، ولكن جوزه مع ذلك على أنه خارج عن الأصل لشبهه الاسم لأنه على ثلاثة أحرف.

المضمرِ ياءً. هلاَّ تركتَها على حالِها فقلتَ: عَلاكَ وإلاكَ كما يقولُ بعضُ1؟ العربِ. قال: فقالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّ هاتينِ يعني: علَى وَلَدى- اسمانِ غيرُ متمكنينِ و "إلى" حرفٌ جاءَ لمعنىً. ففصلَ بينَ ذلكَ وبينَ الأَسماءِ المتمكنةِ فقيلَ لهُ: فهلا فصلتَ بينَها معَ الظاهرِ أيضاً؟ فقالَ: لأَنَّ المضمرَ يتصلُ بهَا. قِيلَ: فَبَينَ وعِنْدَ ونحو ذلكَ غيرُ متمكنةٍ فِلَم لا2 فصلتَ أَيضًا بينَها وبينَ المتمكنةِ؟ قَالَ: لأَنَّ الواوَ والياءَ والألفَ مِنَ الحَظِّ في إبدالِ بعضهن مِنْ بعضٍ ما ليسَ لِسَائرِ الحروفِ قِيلَ لَهُ: فَما بالُ قولِكَ: فيكم وفينا وفيَّ3 بمنزلةِ: مسلميكَ ونحوها وما علمتُ بينَ هذينِ فصلًا مقنعًا قال: والقولُ عندي في هذا أَنَّ هذهِ الحروفِ لمَّا كانتْ لا تخلو مِنَ الإِضافةِ كما لا يخلو مِنَ الفاعلِ بَنَوْها علَى المُضمرِ علَى إسكانِ موضعِ اللامِ مِنْها كَما فُعِلَ ذلكَ الفِعْلُ بالفعلِ مَعَ الفاعلِ والحجةُ واحدةٌ وأَمَّا "كِلا" فإنَّما أُشبهتهنَّ في الجرِّ والنصبِ علَى ما قالَ سيبويه4. قالَ: وهذَا القولُ مذهبُ الفراءِ وأَصحابهِ. قالَ أبو العباس5: في هذَا البابِ نظرٌ أكثرُ مِن هذَا وقَد صَدَقَ. وقالَ: زعمَ أَصحابُ الفراءِ عنهُ أنهُ كانَ يقولُ في بناتِ الحرفين من الأَسماءِ نحو: أُختٍ وبنتٍ وقُلةٍ وثَبَةٍ وجميعُ هذَا المحذوفِ أَنَّ كُلُّ شيءٍ حذفتْ منهُ الياءُ فأولهُ مكسورٌ ليدلَّ عليها وكُلُّ ما حذفتْ منهُ الواوُ فأولهُ مضمومٌ يدلُّ عليها فأُختٌ مِنْ قولِكَ: أَخواتٌ وبنتٌ كُسِرَ أَولُها لأَنَّ المحذوفَ "ياءٌ" وقُلِةٌ المحذوفُ "واو" فيقالُ لَهُ أَمَّا "قُلَةٌ" فَمَا تنكرُ أن تكونَ مِنْ "قَلَوْتُ" إذا

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 104 والحجة لأبي علي 1/ 32. 2 في "ب" فهلا. 3 وفي: ساقط من "ب". 4 انظر: الكتاب 2/ 83. 5 أبو العباس: ساقط من "ب".

طَردت وقولُكَ في "بنتٍ" دَعوى ويُبطلُ ما تقولهُ "عِضَة1"، لأَنَّ أَولَها مكسورٌ وهيَ مِنَ الواوِ يقالُ في جمعِها "عِضَوَاتٌ". قالَ الشاعرُ2: "هَذَا طَرِيقٌ يآزِمُ المآزِمَا ... وَعِضَوَاتٌ تَقْطَعُ اللَّهازِمَا وكانَ يلزمهُ أَنْ يضمَّ أَولَ "سَنَةٍ" فيمَنْ قَالَ "سَنَواتٌ" لأَنَّها مِنَ الواوِ وكذلكَ: هَنَةٌ [هَنَواتٌ] ينشدون فيها4: أَرَى ابنَ نِزارٍ قَدْ جَفَاني وَمَلنَّى ... عَلَى هَنَواتٍ شَأنُها مُتَتَابِعُ قالَ أَبو العباس5: الذاهبُ مِنْ "ابن" واوٌ كمَا ذهبَ مِنْ "أَبٍ وأَخٍ"

_ 1 انظر الكامل/ 470. 2 هذان بيتان من مشطور الرجز وهما من شواهد سيبويه 2/ 81 على جمع عضة على عضوات فدل هذا على أنها محذوفة اللام وأنها من ذوات الاعتلال. والعضوات: جمع عضة والعضة: من شجر الطلح، وهي ذات شوك، ويأزم: يعض، واللهازم: جمع لهزمة، وهي مضغة في أصل الحنك. والمآزم: جمع: المأزم. وهو المضيق بين جبلين، يريد أن المضايق بالنسبة إلى ضيقه لا تذكر، ويروى: تمشق بدلا من "تقطع" وتمشق: تضرب. وروى الأصمعي هذين البيتين عن أبي مهدية، وانظر: التصريف 1/ 59، والكامل للمبرد/ 470 واللسان "أزم، وعضة" والبغداديات لأبي علي/ 8. 3 أضفت كلمة "هنوات" لإيضاح المعنى. 4 من شواهد الكتاب 2/ 81، على أن من العرب من يقول في جمع هنت: هنوات أن مجيئه في الجمع بالواو يدل على أنها من ذوات الاعتلال، ولهذا فإن النسبة إليها عند من يرد المحذوف أن يقول: "هنوي" ومن جعل المحذوف هاء ردها في النصب. والهنوات: الأفعال القبيحة، أي أنه قد جفاني وقطعني بعد تتابع إساءتي. ويروى: متتايع، بالياء. ولم ينسب البيت لقائل معين. وانظر: المنصف 3/ 139. والمقتضب 2/ 270. وسر صناعة الإعراب 1/ 167. وأمالي ابن الشجري 2/ 38 والتذييل والتكميل 1/ 201. وشرح السيرافي 4/ 91. 5 انظر: المقتضب 2/ 92 و2/ 270. و"أبو العباس" ساقط من "ب".

فإنْ قيلَ: فَما الدليلُ عليهِ وليسَ براجعٍ في تثنيةٍ ولاَ جمعٍ ما يدلُّ علَى أَحدهما دونَ الآخِر؟ قُلنا: نَستدلُّ بالنظائرِ أَمَّا "ابن" فإنَّكَ تقولُ في مؤنثهِ: "ابنةٌ" وتقولُ: "بنتٍ" مِنْ حيثُ قلتَ: "أُختٌ" ومِنْ حيثُ قلتَ: "هَنْتٌ" ولمَ نَر هذهِ التاءَ تلحقُ مؤنثًا إلا ومذكرهُ محذوفُ الواوِ يدلك علَى ذلكَ "أَخوانِ" ومَنْ رَدَّ في هَنٍ قَالَ: هَنَوانِ. قالَ: وأَمَّا "اسمٌ" فَقَد اختُلفَ فيهِ. فَقال بعضُهم هَ و"فِعْلٌ" وقالُ بعضُهم: "فُعْلٌ" وأَسماءٌ تكونُ جمعًا لهذَا الوزنِ1، وهذَا الوزنُ2 تقولُ في جِذْعٍ: أَجْذَاعٌ كمَا تقولُ في "قُفْلٍ": أَقفَالٌ وهَذا لا تُدركَ صيغتُه إلا بالسمعِ وأكثرهم أنشد: "في كُلِّ سُورَةٍ3 سُمُه فَضمهُ وجاءَ به عَلَى "فُعُلٍ" وأَنشدَ بعضُهم: "سِمُهْ" فكسرَ السينَ وَهُو أقل4 وأَنشدَ أَبو زيد فذكرَ الوجهينِ:

_ 1 انظر: المنصف 1/ 60. والمقتضب 1/ 229. 2 يريد وزن "فعل" بسكر الفاء ووزن "فعل" بضم الفاء. 3 يشير إلى قول الشاعر: باسم الذي في كل سورة سمه والشاهد من مشطور الرجز. رواه أبو زيد في النودار: وقبله: أرسل فيها بازلا يقرمه ... وهو بها ينحو طريقا يعلمه باسم الذي في كل ... يريد: أرسل الراعي في الإبل للضراب بعيرا في التاسعة من عمره محجوزا عن العمل ليقوى على الضراب. أرسله باسم الله الذي يذكر اسمه في كل سورة. والضمير في "أرسل" للراعي. ويقدمه: يتركه عن الاستعمال ليتقوى للفحلة. والرجز لرجل من كلب. ونسب إلى رؤبة. ولكنه غير موجود في ديوانه. وانظر: المقتضب 1/ 229. والمنصف 1/ 60. والإنصاف/ 10 والنوادر/ 166 وشواهد الشافية/ 176. 4 وهو أقل: ساقط من "ب".

"فَدَعْ عنكَ ذِكْرَ اللهوِ واعمدْ لِمدحَةٍ ... لغيرِ مَعَدٍّ كُلُّها حيثُما انتُمى لأَعْظَمِهَا قَدْرًَا وأكرمِهَا أَباً ... وأَحْسَنِهَا وَجْهًَا وَأَعْلَنِهَا سُمَا 1 فأَمَّا "ابنٌ" فتقديرهُ "فَعَلٌ"2 متحركٌ وذلكَ أَنَّكَ تقولُ في جمعهِ "أَبَناءُ" كَمَا تقولُ: جَمَلٌ وأَجْمَالٌ وجَبَلٌ وأَجبَالٌ فإنْ قالَ قائلٌ: فلعلهُ "فِعْلٌ" أَو"فُعْلٌ" فإنَّ جمعَها علَى "أَفَعالٍ" قيلَ لَهُ: الدليلُ عَلى ذلكَ أَنَّكَ تقولُ: بَنُونَ في الجمعِ فتحركُ بالفتحِ فإنْ قَالَ: ما أَنكرتَ مِنْ أَنْ يكونَ علَى "فَعْلٍ" ساكن العين قِيلَ لأَن البابَ في جَمعِ "فَعْلٍ" علَى "أَفْعُلٍ" نحو: كَلْبٍ وأَكْلُبٍ وكَعْبٍ وأَكْعُبٍ فأَما دَمٌ فهوَ فَعْلٌ لأَنَّكَ تقولُ: دَمِيَ يَدمى فهوَ دَمٍ فَهذَا مثلُ: فَرِقَ يُفْرَقُ فَرَقًا فهو فَرِقٌ "فَدَمٌ" مَصدرٌ مثلُ بَطَرَ وحَذِرَ هَذا قولُ أَبي العباس3. قالَ أَبو بكر: وليسَ عندي في قولهم: دَمِيَ يَدْمَة دَمًا حجةٌ لِمَنْ ادَّعى أَنَّ "دَمَاً" فَعَلٌ لأَنَّ قولُهم: دَميَ يَدْمى دَمًَا إنَّما هُ و"فِعْلٌ" ومَصدرٌ اشتقا مِنَ الدمِ كمَا: اشتقَّ تَرِبَ مِنَ "التُّرابِ" وشَعرُ الجبينِ مِنَ الشَعَرِ فقولُهم "دَمَاً" اسمٌ للحدثِ والدمُ اسمٌ للشيءِ الذي هُوَ جسمٌ وقد بينتُ هذَا الضربَ في كتابِ الاشتقاقِ ولكنَّ قولَهم: دَميانِ دَلَّ علَى أَنَّهُ "فَعَلٌ" قالَ الشاعرُ لمَّا اضطر:

_ 1 هذان البيتان أنشدهما أبو زيد في نوادره. والشاهد فيه أن الاسم يجيء على وزن "فعل" وكذلك "فعل بضم الفاء". وإنشاد البيتين على الوجهين -كسر الفاء وضمها- وانظر: المقتضب 1/ 230. والمنصف 1/ 60. والنوادر/ 166، والمخصص 13/ 192. وأمالي ابن الشجري 2/ 66. 2 في المقتضب 1/ 130: فأما ابن فتقديره "فعل" وذلك أنك تقول في جمعه أبناء كما تقول: جمل وأجمال، وجبل وأجبال. وانظر: الكتاب 2/ 82 والمنصف 1/ 58. 3 انظر: المقتضب 1/ 231، وأمالي ابن الشجري 2/ 34، والخزانة 3/ 349.

فَلَو أَنَّا عَلى حَجَرٍ ذُبِحْنَا ... جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبرِ اليَقِينِ 1 وأَمَّا يَدٌ فتقديرُها "فَعلٌ"2 ساكنةُ العينِ لأَنكَ تقولُ: أَيدٍ في الجَمْعِ فَهَذَا جَمْعُ "فَعْلٍ" ولو جَاءَ شَيءٌ لا يعلمُ ما أَصلُه مِنْ هذهِ المتقوصاتِ لكانَ الحكمُ فيهِ أنْ يكونَ فِعْلًا ساكنَ العينِ لأَنَّ الحركةَ زيادةٌ والزيادةُ لا تثبتُ إلا بدليلٍ وأَمَّا أستٌ "فَفَعَلٌ3" متحركةُ العينِ يدلُّك على ذلكَ "أَسْتَاهٌ" فإنْ قيلَ فلعلها4 فَفَعَلٌ أَو فُعْلٌ فإنَّ الدليلَ على ما قُلنا قولكَ5: سَهٌ فتردَّ الهاءَ التي هيَ لامٌ وتحذفُ العينَ وتفتحُ السينَ فأَمَّا حِرُ6 المرأةِ7 فتقديرهُ "فِعْلٌ8" لقولِهم: أَفعالٌ في جمعهِ بمنزلةِ: جِذْعٍ وأَجَذاعٌ ودليلهُ بَينٌ لأَنَّ أَولَهُ مكسورٌ. قالَ محمد بن يزيد: ما كانَ على حرفينِ ولا يُدرى

_ 1 الشاهد فيه "دم" ووزنه "فعل". أراد بالخبر اليقين ما اشتهر عند العرب من أنه لا يخرج دم المتباغضين. وقد اضطرب في نسبة هذا الشاهد، فمنهم من نسبه إلى الفرزدق وإلى الأخطل وإلى مرداس بن عمر أو إلى علي بن بدال، وإلى المثقب العبدي. وانظر: المقتضب 1/ 231. والبيان والتبيين للجاحظ 3/ 60. وأمالي ابن الشجري 2/ 34. والمنصف 2/ 148. والمخصص 6/ 92. والوحشيات لأبي تمام/ 84، والخزانة 3/ 349. والجمهرة لابن دريد 2/ 303، وشرح السيرافي 5/ 6. 2 انظر: المقتضب 1/ 232 والكتاب 2/ 190 وأمالي ابن الشجري 2/ 34. 3 انظر: الكتاب 2/ 82 والمنصف 1/ 61-62 والمقتضب 1/ 232. ومجالس ثعلب/ 471. 4 في "ب" لعل فعلها. 5 في "ب" قولهم. 6 حر المرأة: ما بدا من وجنتها. 7 المرأة: ساقط من "ب". 8 انظر: المقتضب 1/ 233، والكتاب 2/ 112.

ما أَصلهُ الذي حُذِفَ مِنهُ فإِنَّ حكمَهُ في التصغيرِ والجمعِ أَنْ تثبتَ فيهِ الياءُ لأَنَّ أَكثرَ ما يحذفُ مِنْ هَذا1: الواوُ والياءُ فالياءُ أَغلبُ علَى الواوِ مِنْ الواوِ علَيها فإنَّما القياسُ علَى الأكثرِ2، فلو سَمينا رجلًا بإنْ التي للجزاءِ ثُمَ صغرنَا فقلنا3. أُنَيٌّ وكذلكَ: أن4 التي تنصبُ الأفعالَ فإنْ سميناَ "بِإِنْ" الخفيفةِ مِنَ الثقيلةِ قُلنا: أُنيَنٌ. فاعلم5. لأَنا قد علَمنا أَنَّ أَصلَها "نونٌ" أُخرى حذفتْ منها وكذلكَ لو سميناهُ "بِرُبَ" الخفيفةِ "مِنَ" رُبَّ [الثقيلةِ] لقلنَا: رُبَيبٌ لأَنا قد علمنا ما حذفَ منهُ وكذلكَ "بَخٍ" المخففةِ تردُّ فيهما الخَاءُ المحذوفَةُ لأَنَّ الأَصلَ التثقيلُ كما قالَ: في حَسَبٍ بَخٍّ وعَزٍّ أقْعَسَا9

_ 1 في الأصل "هذه". 2 انظر: المقتضب 1/ 233. 3 فقلنا: ساقط من "ب". 4 أضفت "أن" لإيضاح المعنى. 5 فاعلم: ساقط في "ب". 6 زيادة من "ب". 7 انظر: المقتضب 1/ 233-234. 8 في سيبويه 2/ 123 ولو حقرت "رُب" مخففة لقلت: رُبَيْب، لأنها من التضعيف يدلك على ذلك "رُبّ" الثقيلة. وكذلك بخ الخفيفة. وانظر: المقتضب 1/ 234. 9 من شواهد الكتاب 2/ 123 على تشديد "بخ" والاستدلال به على أن "بخ" المخففة محذوفة من المضاعفة المشددة. ومعنى: بخ: التعجب والتفخيم. والعز الأقعس: الثابت المنتصب الذي لا يتضعضع، ولا يذل، وأصل القعس: دخول الظهر وخروج الصدر، ومن كان كذا كان منتصب الرأس غير مطأطئه فجعل ذلك في العز حتى قيل: عزة قعساء. وعز أقعس. والرجز للعجاج، وبين الروايتين بعض الخلاف. وانظر: المقتضب 1/ 234، والديوان 31. وأمالي ابن الشجري 1/ 390.

ولو سميت رَجُلًا: ذُوَ لقَلنا: ذَوَاً1 قَد جاءَ2، لأَنَّهُ لا يكونُ اسمٌ علَى حرفينِ أَحدهما: حرفُ لينٍ لأَنَّ التنوينَ يذهبُ بهِ3 فيبقى علَى حرفٍ، فإِنَّما رددتُ ما ذَهَبَ وأَصلُه فَعَلٌ يدلُّكَ علَى ذلكَ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} 4 و {ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} 5 وإنَّما قلتَ: هذَا ذُو مالٍ فجئتَ بهِ على حرفينِ لأَنَّ الإِضافةَ لازمةٌ لَهُ ومانعةٌ مِنَ التنوينِ كمَا تقولُ: هذَا فو زيدٍ، ورأيتُ فا زيدٍ، فإذَا أَفردتَ قلتَ: هذا فَمٌ فاعلم، لأن الاسم قد يكونُ علَى حرفين إذَا لم يكنْ أَحدُهما حرفَ لينٍ كما تقدمَ مِنْ نحو: يَدٍ ودمٍ وما أَشبههُ. قال7: فإذَا سميتَ رَجُلًا "بِهُوَ" فإنَّ الصوابَ أن تقولَ: هذَا هُوٌّ، كَما تَرَى فتثقلُ8، وإن سميتَهُ "بِفي" مِنْ قولِكَ: في الدارِ زيدٌ، زدتَ علَى الياءِ ياءً فقلت: هذا فيٌّ فاعلم9. وإن سميته "بلا" زدتَ علَى الأَلفِ ألفًا ثُمَ همزتَ10 لأَنكَ تحركُ الثانيةَ والأَلفُ إذا حُرِّكتْ كانتْ همزةً فتقول: هذا لاَءٌ فاعلم. وإنَّما كَانَ القياسُ أَنْ تزيدَ علَى كُلِّ حرفٍ مِنْ حروفِ اللينِ ما هَوَ مثلهُ لأَنَّ هذهِ حروف11 لا دليلَ علَى توالِيها12 لأَنَّها لم

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 33 ولو سميت رجلا "ذو" لقلت: هذا ذَوًا، لأن أصله "فعل". 2 في "ب" أقبل. 3 في "ب" يذهبه. 4 الرحمان: 48. 5 سبأ: 16 والآية غير مذكورة في "ب". 6 كما تقدم: ساقط في "ب". 7 أبو العباس المبرد، انظر: المقتضب 1/ 234. 8 انظر: الكتاب 2/ 33. 9 فاعلم: ساقط في "ب". 10 انظر: الكتاب 2/ 33. 11 في "ب" الحروف. 12 في الأصل "ثوانيها".

تكنْ أَسماءً فيعلمُ ما سقطَ مِنْها وَهوَ وهيَ اسمانِ مضمرانِ مجراهما مجرى الحروفِ في جميعِ محالِهما1 وكذلكَ قالتِ العربُ: في "لَوِّ" حَيثُ جعلْتُه اسمًا. قالَ الشاعرُ: ليتَ شِعْري وَأَينَ مِني لَيْتٌ ... إنَّ لَيتًا وإنَّ لَوًا عَنَاءُ2 فزادَ علَى الواوِ واوًا ليلحقَ الأسماءَ وإنْ سميتَ رجلًا "كَيْ" قلت: هَذا كَيٌّ فاعلَم3. وكذلكَ كُلٌّ ما كانَ علَى حرفينِ ثانيه ياءٌ أَوْ وَاوٌ أَو أَلفٌ4. وقالَ أَبو الحسن الأخفش: ما كانَ علَى حرفينِ فَلم تدرِ مِنَ الواوِ هَوَ أَمْ مِنَ الياءِ فالذي تحملهُ عليهِ الواو لأَنَّ الواوَ أكثرُ فيما عرفنا أَصلَهُ مِنَ الحرفينِ فيما يُعلم أَنَّهُ مِنَ الوا و"أَبٌ" لأَنكَ تقولُ: أَبوانِ وأَخٌ لأَنَكَ تقولُ: أَخوانِ وهَنٌ لأَنكَ تقولُ: هنوانِ5، وَغدٌ6 لأَنَّهم قَد قالَوا: وغَدْوًا بَلاقعُ7. قالَ: وأما "ذو" ففي القياس أن يكون الذاهب اللام وأنْ يكونَ

_ 1 انظر: المقتضب 2/ 235 والكتاب 2/ 32. 2 من شواهد سيبويه 2/ 32، على تضعيف "لو" لما جعلها اسما على لفظها، وأخبر عنها والبيت لأبي زبيد الطائي. وانظر: المقتضب 1/ 235 والمنصف 2/ 153 والشعر والشعراء 1/ 304. واللسان "أوا" والخزانة 3/ 282 وشرح السيرافي 4/ 111 والجمهرة لابن دريد 2/ 29. والأغاني 4/ 181. والمقاييس لابن فارس 5/ 199. 3 وكذلك: ساقط من "ب". 4 انظر: المقتضب 1/ 236. 5 في "ب" هذا هنوك. 6 انظر: المنصف 1/ 64 وأبو الحسن يذهب إلى حذف ما وجب الحذف عند رد المحذوف فيقول في النسب إلى غد: غدوي. 7 يشير إلى قول الشاعر: وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوا بلاقع وغدوا: معنى غد. يقول بينا هم أحياء إذا ماتوا، وكذلك الديار بنيا هي عامرة إذا أقفرت من أهلها فصارت بلاقع، أي: قفارا. والبيت للبيد بن ربيعة العامري. وانظر: المنصف 1/ 64. والشعر والشعراء 1/ 178. والأغاني 4/ 95. وأمالي المرتضى 2/ 107. واللسان 19/ 352. ومقاييس اللغة 4/ 415. والموشح للمرزباني/ 97. والديوان/ 21. طبعة أوربا.

ياءً لأَنَّ ما عينهُ واوٌ ولامُه ياءٌ أَكثرُ مما عينهُ ولامهُ واوانِ. وأَمَّا "دَمٌ" فَقَد استبانَ أَنهُ مِنَ الياءِ لقولِ بعضِ العربِ1 إذا ثنّاهُ: دَمَيانِ وقال بعضُهم: دَموانِ فَما علمتَ أَنَهُ مِنَ الواوِ أَكثرُ لأَنَّهم قد قالوا: هَنَوانِ وأَخوانِ وأَبوانِ فقد عرفتَ أَنَّ أَصلَ دمِ: فَعَلٌ وَغَدٌ قَدْ استبانَ لكَ أَنَّهُ "فَعْلٌ" بقولِهم: وَغَدْوًَا بلاقع2. وإنما يحملُ البابُ علَى الأَكثرِ. وذكَر الأخفش "سنينَ وَمِئينَ" فَقَالَ: فِيهَا قولين: أَختارُ أَحدَهما وهو الصحيحُ عندنا3، فَقالَ: وأَمَّا سنينُ وَمِئينُ في قولِ مَنْ رفعَ النونَ فهوَ فَعيلٌ ولكنْ كسرَ الفاءَ لكسرةِ ما بعدها وأَجمعوا كلُّهم على كسرِها وصارتِ4 النون في آخرِ "سنين" بدلًا مِنَ الواوِ لأَنَّ أَصلَها مِنَ الواوِ وفي "مِئينَ" النونُ بدلٌ مِنَ الياءِ لأَنَّ أَصلَها من الياءِ كأَنَّها كانتْ "مئي" [مثلُ مَعي] 5 وقَدْ قالوها في بعضِ الشعرِ ساكنةً ولا أَراهم أَرادوا إلا التثقيلَ ثُمَّ اضطروا فخففوا لأَنَّهم لو أَرادوا غيرَ التخفيفَ لصارَ الاسم علَى "فَعِلٍ" وهذَا بِنَاءٌ قليل. قالَ الشاعرُ:

_ 1 انظر: الخزانة 3/ 349. 2 يشير إلى قول الشاعر الذي مر قبل قليل. 3 انظر: الخزانة 3/ 304. 4 في "ب" فصارت. 5 زيادة من "ب".

حَيْدَةُ خالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئيِ1 مثلُ "المِعِي" وأَمَّا قولُهم: ثلاثُ مِئي فاعلم2. فإنَهُ أَرادَ "بِمئي" جَماعةَ المائةِ كَتَمْرٍ وتَمْرَةٍ وتقولُ فيهِ: رأيتُ مِئيًا مثلُ: مِعيًَا وقولهم: رَأيتُ مِئًِا مثلُ: مِعَىً خطأٌ لأَنَّ المِئي إنَّما جاءتْ في الشعرِ فتقولُ: ليسَ لكَ أَنْ تدعي أَنَّ هذهِ الياءَ للإِطلاقِ وأنتَ لا تجدُ ما هُوَ علَى حرفينِ يكونُ جماعةً ويكونُ واحدهُ بالهاءِ نحو: تَمْرَةٍ وتَمْرٍ. قالَ أبو الحسن: وَهوَ مذهبُ وَهوَ قولُ يونس يعني "الياءَ" قاَلَ والقياسُ الجيدُ عندنا أَنْ يكونَ سنينَ فِعلينَ مثلُ غِسْلينَ محذوفةٌ ويكونُ قولُ الشاعرِ: سني والمئي مرخمًا. فإن قلتَ: فإنَّ "فِعْلينَ" لم يجئ في الجمعِ وقدَ جاءَ "فَعيلٌ" نحو: كَليبٍ وعَبيدٍ وقَدْ جَاءَ فيهِ ما لزمهُ "فَعيلٌ" مكسور الفَاءِ نحو: "مِئينٍ" فإنَّ مِنَ الجمعِ أَشياءً لم يجىءُ مثلُها إلا بغير اطرادٍ نح و"سَفْرٍ" وقد جَاءَ منهُ ما ليسَ لَهُ نظيرٌ نحو: "عِدى" وأَنتَ إذا جعلتَ "سنينَ" فَعِيلًا جَعلتَ النونَ بدلًا والبدلُ لا يقاس ولا يطردُ،

_ 1 هذا رجز رواه أبو زيد في النوادر في موضعين: الأول قال فيه: هما لامرأة من بني عامر، والموضع الثاني: قال فيه: هما لامرأة من بني عقيل تفخر بأخوالها من اليمن. وقد خفت ياءات النسب للقافية. فأما المئي والسني، فإنما جمع على "فعول" ثم قلبت الواوات ياءات فصارت: مئي وسني، ثم خفف بأن حذف إحدى الياءين كما فعل في "على" فبقي المئي والسني، وبعد الشاهد: يأكل أزمان الهزال والسنى والهزال: بضم الهاء -الضعف من الجوع. والسنى: مرخم سنين جمع سنة بمعنى الجدب والقحط وانظر: المنصف 2/ 68. وأمالي ابن الشجري 1/ 383. واللسان "حيد". والوادر/ 167. والخزانة 3/ 304 والموشح للمرزباني/ 95. وشرح السيرافي 2/ 36. والخصائص 1/ 311. 2 فاعلم: ساقط في "ب".

ومخالفةُ الجمعِ للواحدِ قد كثَر فإنْ تحملهُ علَى ما لا بدلَ فيهِ أَولى وليسَ يجوزُ أَنْ تقولَ: إِنَّ الياءَ في سنينَ: أَصليةٌ وقَد وجدتها زائدةً في هَذا البناءِ بعينهِ لمّا قلتَ: "فِعْلينَ" وفِعلونَ: يعني أَنكَ تقولُ: سِنينَ يَا هَذا وسنونَ وقالَ: اعلم: أَنَّ قولَ العرب: "آوَّه" لا يجوزُ أن تكونَ فاعلةً والدليلُ عَلَى أنَّ الهاءَ للتأنيث قولُ العرب: "أَوتاهُ" وإنَّما هَذا شاذٌّ لأَنَّهُ حرفٌ بنيَ هكذَا لم يسمعْ فيهِ "فِعْلٌ" قَط العينُ واللامُ مِنَ الواوِ فلمَّا بنوهُ كأَنَّهُ لم يكن لَهُ "فَعْلٌ" بنوهُ علَى الأصلِ كمَا قالوا: مِذْرَوَانِ فبنوهُ علَى الأصلِ إذ لم يكنْ لَهُ واحدٌ يقلبُ1 فيهِ الواوُ إلى الياءِ وكَما قالوا: ثِنايانِ فلم يهمزوا إذَا لم يكنْ لهذَا واحدٌ تكونُ الياءُ آخرَهُ قَالَ: وأما قولُ الشاعرِ2: فَأَوِّ لِذكْرَاها إذَا مَا ذَكَرْتُها ... ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ دونَها وسَمَاءٌ فإنهُ مِنْ قولِهم: أَوتاهُ ولكنْ جعلَهُ مثلَ: سَبحَ وهَلَّلَ وقولُه: أَو يريدُ: افعَلْ ورأيتُ بخط بعضِ أَصحابنا مِما قُرِيءَ علَى بعضِ مَشَايخِنا مِنْ كلامِ الأَخفش. اعلَمْ: أَنَّ قولَ العربِ "أَوَّه" لا يجوزُ أَنْ يكونَ إلا "فَاعلةً" ورأَيتُ إلا ملحقةً في الكتابِ3.

_ 1 في "ب" نقلت. 2 الشاهد فيه "أوه" التي بمعنى أتألم. وروي: فأوه لذكراها، ومن رواه فأو على أنه أمر كقولك: الأمر من قويت: قو ونحوه، ومن قال: فأوه: فاللام عنده هاء، ولم يعرف قائل هذا البيت. والمعنى: أنه يتوجع من تذكر محبوبته. وما بينهما من قطعة أرض وقطعة سماء تقابل تلك القطيعة. وانظر: المنصف 3/ 126. والخصائص 2/ 89. والمحتسب 1/ 39. ومعاني القرآن 2/ 23. 3 ما بين القوسين ساقط في "ب".

قالَ أبو بكر: جميعُ الأصواتِ التي تُحكى محالفةٌ للأسماءِ والأَفعالِ في تقديرِها فليسَ لَنَا أَن نقولَ في "قَد" أن أَصلَها "فَعْلُ" كما تقولُ في "يَدٍ" ولا ندَعي أَنهُ حذفَ مِنْ "قَدْ" شيءٌ كَما حذفَ في "يَدٍ" ولاَ لنَا أنْ نقولَ: إنَّ الأَلفَ في "مَا ولاَ" منقلبةٌ مِنْ شيءٍ وكذلك صَهْ ومَهْ وأَلفُ "غَاقٍ" لا تَقولُ: إنَّها منقلبةٌ وإنَّما تقدرُ الأسماءَ والأفعالَ بالفاءِ والعينِ واللامِ لتبينَ الزوائدُ مِنْ غيرِها والحروفُ والأصواتُ أُصولٌ لا تكادُ تجدُ فيها زَائدًا ولا تحتاجُ إلى تقديرِها بالفاءِ والعينِ واللامِ لأَنَّها لا تتصرفُ تصرفَ الأَسماءِ ولا تصرفَ الأَفعالِ لأَنَّها لا تصغرُ ولا تُثَنى ولا تجمعُ ولا يُبنى منها فِعل ماضٍ ولاَ مستقبلٍ وأنَّما جعلتِ الفاءُ والعينُ واللامُ في التمثيل ليعتبرَ بهنَّ الزائدُ مِنَ الأصلِ والأَبينةُ المختلفةُ. فَما لا تدخلهُ الزيادةُ ولا تختلفُ أَبنيتهُ فلا حاجَةَ إلى تمثيلهِ وتقديرهِ فأَمَّا قولهُم "تَأَوّهَ" فإنَّما هو مشتقٌّ مِنْ [قولهم] 1: آوَّهَ يرادُ بهِ أَنهُ قَالَ: أَواهُ كمَا قالوا: سَبَّح إذَا قالَ سبحانَ اللهِ وهلّلَ إذَا قَالَ: لا إلهَ إلا الله فهَللَ فَعَّلَ أخذتِ الهاءُ واللامُ مِنْ بعضِ الكلامِ الذي تكلم بهِ وجازَ تقديمُ الهاءِ لأَنَّهُ غيرُ مشتقٍ مِنْ مصدرٍ وإنَّما يصيرُ للكلمةِ تقديرٌ إذَا كانتْ اسمًا أَو فعلًا فمَا عَدا ذلكَ فَلا تقديرَ لَهُ وقولُ الشاعِر: مِنْ أَعقابِ السُّمِي2

_ 1 زيادة من "ب". 2 يشير إلى قول الراجز: كنهور من أعقاب السمى. وهو من شواهد الكتاب 2/ 194 على جمع سماء على "سمى" ووزنه فعول، قلبت واوه إلى الياء التي بعدها وكسر ما قبلها لتثبت الياء وبعدها كسرة، ونظيره من السالم: عناق، وعنوق. وأراد بالسماء هنا السحاب. والكنهور: القطع العظام من السحاب المتراكم والأعقاب: جمع عقب، وهو آخر الشيء. يريد أنه سحاب ثقيل بالماء. فأتى آخر السحاب لثقله. وقد نسب هذا الرجز إلى أبي نخيلة السعدي. وانظر: المنصف 2/ 68.

فالسُّمِي مخففٌ مِنْ السّمِيٌّ ويدلكَ علَى ذلكَ أَنَّ "فُعِلَ" ليسَ مِنْ بناءِ الأسماءِ: وإنَّما أَرادَ: السُّمِيَ فخففَ وهيَ "فُعُولٌ" مُثل عُصِيَ فلمَّا خَفَف صارَ: سُميٌ. قال الأخفشُ: ولو سُمَى بهِ لأنصرفَ لأَنهُ "فُعُولٌ" محذوسف وهوَ ينصرفُ إذا كانَ اسمَ رجلٍ أَلا تَرى أَنَّ "عُنُوقَ جَماعةُ العَنَاقِ" لو كانْت اسمَ رَجلٍ فرخمتهُ فيمنْ قالَ1: يَاحَارِ لقلتَ: بَاعُني تحذفُ القافَ وتقلبُ الواظو. قَالَ: ولَو سميتَ بهِ لصرفتَهُ لأَنَّهُ ليسَ "بَفُعِلُ" ونظيرُ التخفيفِ في سُمِى قولُ الشَاعرِ: حَيدةُ خَالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئِي2 فخففَ3 الياءَ مِنْ "عَليّ" وقالَ في بيتٍ آخرَ: "يأكلُ أَزمانَ الهُزَّالِ والسِني4 فهذَا إمَّا أَنْ يكونَ رخمَ "سنينَ" ومِئينَ وإما أن يكون بَنى: سنةً ومائةً على: سِني ومِئي وكانَ أَصلهما5: سُنْوٌ ومِئْوٌ فلمَّا حذفَ النونَ ورخم بقيَ الاسم آخرهُ واوٌ قبلها ضمةٌ فلما أَراد أَن يجعلَهُ اسمًا كالأَسماءِ التي لم يحذفْ منها شيءٌ6 قلبَ الواوَ ياءً وكسرَ ما قبلها لأَنَّهُ

_ 1 قال: ساقط في "ب". 2 يشير إلى قول الارجز الذي مر ص329 من هذه النسخة. 3 في "ب" الجملة مضطربة ليس لها معنى. 4 هذا الرجز من نفس القصيدة التي منها البيتان السابقان وهما: حيدة خالي ولقيط وعلي ... وحاتم الطائي وهاب المئي وانظر: المنصف 2/ 68. والخزانة 3/ 304. وأمالي الشجري 1/ 383، والخصائص 1/ 311. والموشح/ 95. 5 في الأصل" أصلها". 6 أضفت كلمة شيء لإيضاح المعنى.

ليسَ في الأَسماءِ اسمٌ آخرهُ واوُ قبلَها ضمةٌ فمَتى وقعَ شيءٌ مِنْ هذا قلبتِ الواوُ فيهِ ياءً وقَدْ بُيّنَ هذا فيما تقدمَ. قاَلَ [أبو بكر] 1: ويجوزُ عندي أَنْ يكونَ تقديرُ قولِ الشاعر: "سُمِي2" أَنَّهُ "فُعُلٌ" قصرهُ مِنْ "فَعُولٍ" فلمَّا وقعتِ الواوُ بعدَ ضمةٍ وهيَ طرفٌ قَلبها3 يَاءً وهذا التأويلُ عِندي أَحسنُ مِنْ حذفِ اللامِ لأَنَّ حذفَ الزائدِ في الضرورةِ أَوجبُ مِنْ حَذفِ الأَصلِ وسَماءٌ مثلُ "عَناقٍ" في البناءِ والتأنيثِ وكذلكَ جمعهما سَواءٌ تَقُولُ "سُمِيٌّ" وعُنُوقٌ فَسُمِيٌّ5 "فُعُولٌ" وعُنُوقٌ6 "فُعُولٌ7" وقَد حكوا: ثَلاثَ أَسميةٍ بنوها علَى "أَفْعِلَةٍ" وهيَ مؤنثةٌ وإنَّما هذَا البناءُ للمذكرِ وإنَّما فعلوا ذلكَ لأَنَّهُ تأنيثٌ غيرُ حقيقيٍّ وليسَ كعَناقٍ لأَنَّ "عناقاً" تأنيثُها حقيقيٌّ. واعلم: أَنّ قولَهم "يُهَرِيقُ" الهاءُ مفتوحةٌ في مكانِ الهمزةِ8، وكانَ الأَصلُ: يُؤَرِيقُ لأَنَّ أَصلَهُ "أَفْعَلَ" مثلُ "أَكْرَمَ" فأَكرَم مثلُ "دحرجَ" ملحقٌ بهِ وكانَ القياسُ أَن يقولَ في مضارعِ أَكرمَ يُؤكرمُ مثلُ "يُدحرجُ" فاستثقلوا ذلكَ لأَنَّهُ كانَ يلزَمُ منهُ أَنْ يقولَ: أَنا أُكْرِمُ مثلُ أُدَحْرِجُ أُأَكرِمْ فحذفوا الهمزةَ استثقالًا لاجتماع الهمزتينِ ثُمَّ أتبعوا باقي حروفِ.

_ 1 زيادة من "ب". 2 يشير إلى قول الشاعر الذي مر/ 615. 3 في الأصل قبلها "والتصحيح من "ب". 4 في "ب" الأصلي. 5 فسمى: ساقط في "ب". 6 عنوق: ساقط في "ب". 7 انظر الكتاب 2/ 194. وقالوا في الجمع عنوق، وكسروها على فعول، كما كسروها على أفعل. 8 انظر شرح السيرافي 1/ 194 وابن يعيش 10/ 5.

المضارعةِ الهمزةَ وكذلك يفعلونَ أَلاَ تَراهم حَذفوا الواوَ من "يَعدُ" استثقالًا لوقوعها بين يَاءٍ وكسرةٍ ثُمَّ أَسقطوها مَع التاءِ والألفِ والنونِ فقالوا: أَعِد ونَعِد وتَعِد فتبعتِ الياءُ أَخواتِها التي تَأتي للمضارعةِ فالذي أبدلَ الهاءَ مِنَ الهمزةِ فَعَلَ ذلكَ استثقالًا لئلا يلزمَهُ أَن يجمعَ بينَ همزتينِ في أَنا أَفعلُ وأَبدلَ فَلَم يحذف شيئًا فإنْ قَالَ قَائلٌ: فمَا تقديرهُ مِنَ الفعلِ قلتَ: يُهَفْعِلُ لأَنَّ الهاءَ زائدةٌ وحَقُّ كُلِّ زائدٍ أَنْ ننطقَ بهِ بعينهِ وكذلكَ لَو قالَ الشاعرُ: "يؤكرم"1، كمَا قالوا: يُؤَثْفِيَنْ2، لكانَ تقديرهُ ووزنهُ مِنَ الفعلِ "يُؤفعلُ" وتقولُ في قَولِ مَنْ قالَ "يُهْرِيقُ" فأسكنَ الهاءَ وجعلَها عوضًا مِنْ ذَهابِ الحركةِ إنْ قيلَ: ما تقديرهُ مِنَ الفعلِ لم يجزْ أَنْ تنطقَ بهِ عَلى الأَصلِ لأَنَّكَ إذَا قيلَ لكَ: ما وَزنُ: يُريقُ قلتَ: يُفْعِلُ وكذا عادةُ النحويينَ والفاءُ ساكنةٌ والهاءُ ساكنةٌ فلا يجوزُ أَن تنطقَ بهما إذَا كانَ تقديرُ "يُريقُ" يُفْعِلُ. وأَنا أَبينُ لكَ ذلكَ بيانًا أكشفهُ بهِ3، فإنَّ الحاجةَ إلى ذلكَ في هذهِ الصناعةِ شديدةً فأَقولُ إني قَد بينتُ ما دَعا النحويينَ إلى أَن يزنوا بالفاءِ والعينِ واللامِ. وأنهم قَصدوا أَنْ يفصلوا بينَ الزائدِ والأصلِ فالقياسُ في كُلِّ لفظٍ مقدرٍ إذا كانَ فيهِ زائدٌ أَن تحكيَ الزائدَ بعينهِ فتقولُ في "أَكرَم" إنَهُ "أَفعلُ" وفي "كَرامةٍ" أَنها "فَعَالَةٌ" وفي كَريمٍ أَنَّهُ "فَعيلٌ". ومُكرَمٌ مُفْعَلٌ لأن ذلكَ كُلَّهُ مِنَ الكَرمِ فالأَصلُ الذي هُوَ الكافُ والراءُ والميمُ موجودٌ في جميعِها فالكافُ فاءٌ والراءُ عَيْنٌ والجيمُ لامٌ فَعَلى هَذا يجري جميعُ الكلامِ في كُلِّ أَصلي وزَائدٍ فإذا جئنا إلى الأصول التي تعتلُّ وتحذفُ فإنَّ النحويينَ يقولونَ إذا سئلوا: ما وزنُ "قَامَ" قَالوا: "فَعَلَ"

_ 1 يشير إلى قول الشاعر: فإنه أهل لأن يؤكرما. وقد مر: 454 من هذا الجزء. 2 يشير إلى قول الشاعر: وصاليات ككما يؤثفين. وقد مر: 454 من هذا الجزء. 3 به: ساقط من "ب".

فيذكرونَ الأَصلَ لأنه عندَهم مثلُ "ضَرَبَ" وإنَّما كانَ الأَصلُ "قَوِمَ" ثُمَّ قلبتِ الواوُ ألفًا ساكنةً وإذَا قيلَ لَهم: ما وزنُ يَقولُ: قالوا: "يَفْعُلُ" لأَنَّ الأَصلَ "كانَ يَقْوُلُ" فحولتِ الحركةُ التي كانت في الواوِ إلى القافِ وإذَا قيلَ لَهم: ما وزنُ مَقولٍ؟ قالوا: مفولٍ لإِنَّ الأَصلَ: مقوولٌ فحولتِ الضمةُ إلى القافِ فاجتمعَ ساكنانِ فَحذفَ أَحدهُما فهذَا الذي قالوهُ صحيحٌ وإنِّما يريدونَ بذلكَ المحافظةَ على الأُصولِ لتُعلمَ وأَنَّ ما يغيرُ مِنَ اللفظِ فَلعلةٍ إلا أَنهُ يجبُ أَنْ تمثلَ الكلمةُ المعتلةُ بما هيَ عليهِ مِنَ اللفظِ كمَا يمثلُ الأصل فيقولُ: مِثَالها المسموعُ كَذا: والأَصلُ كَذا كمَا قالوا في "رُسْلٍ" فيمَن خففَ1، إنَّ الأَصلَ "فُعُلٌ" وإنَّ الذينَ خَففوا قَالوا: "فُعْلٌ" فيجبُ علَى مَنْ أَرادَ أَن يمثلَ الكلمةَ مِنَ الفعلِ بمَا هيَ عليِه ولم يقصد الأَصلَ إِذا قيلَ لَهُ: ما وزنُ "قَالَ" بَعدَ العلةِ قالَ "فَعْلَ" وإنْ قيلَ لَهُ: ما وزنُ قُلْتُ قالَ: فلتُ: فإنْ قيلَ: ما الأَصلُ قَالَ: فَعُلْتُ قيلَ لَهُ: ما وَزنُ قِيلَ قالَ: فِعْلَ فإنْ أَريدَ الأَصلَ قالَ: فُعِلَ فإنْ قيلَ لَهُ: ما وَزنُ مَقولٍ فإنْ كانَ ممن يقدرُ حذفَ واوِ مفعولٍ2، وذاكَ مذهبهُ قَالَ "مَفُعْلٌ". وإنْ كانَ ممن يذهبُ إلى أَنَّ العينَ الذاهبةَ قالَ: مَفولٌ فإنْ سُئلَ عَنِ الأصلِ قالَ: مَفعولٌ وكذلكَ إذا سُئلَ عَنْ "يَدٍ" قَالَ "فَعٍ" فإنْ سُئِلَ عَنِ الأصلِ قالَ "فَعْلٌ" كمَا بينا فيمَا تقدم وإنْ سُئلَ عَنْ "مُذْ" قالَ: "فَلْ" فإنْ سُئِلَ عَنِ الأصلِ قالَ: فُعْلٌ لأَنَّ أصلَ "مُذْ": مُنْذُ فالعينُ هيَ الساقطةُ وكذلكَ: "سَهْ" إنْ قالَ: ما وزنُها في النطقِ "قلت" "فَلْ" فإنْ

_ 1 التخفيف هنا معناه إسكان العين. 2 يرى الخليل وسيبويه أنك إذا قلت: مقول، الذاهب واو مفعول لالتقاء الساكنين والواو الباقية عين الفعل. وكان الأخفش يزعم: أن المحذوفة هي عين الفعل والباقي واو مفعول. قال المازني: وكلا الوجهين حسن جميل. وقول الأخفش أقيس. وانظر: المنصف 1/ 287-288.

قالَ: ما الأَصلُ؟ قلتَ "فَعْلُ" كمَا ذكرنَا ويلزمُ عندي مِنْ مثلِ قَالَ: يَفْعَلُ ومقولٌ: بِمَفْعُولٌ أَن يمثلَ يُكْرِمَ بيؤفعلُ1 فيذكرُ الأَصلَ فأمَّا "أُمهاتٌ" فوزنُها "فُعْلَهاتٌ" يدلُّكَ عَلَى ذلكَ أَنَّهم يقولونَ: أُمٌّ وأُمهاتُ2، فيجيئون3 في الجمعِ بمَا لم يكنْ في الواحدِ. وقد حكى الأخفشُ علَى جهةِ الشذوذِ أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ: "أُمَّهَةٌ" فإنْ كانَ هذَا صحيحًا فإنَّهُ جعلَها فُعَّلَةً وأَلحقَها بِجُخْدَبٍ4 ومَنْ لم يعترف بِجُخْدَبٍ ولَم يثبتْ عندَهُ أَنَّ في كلامِ العربِ "فُعْلَلاً" وَجَبَ [عليهِ] 5 أَنْ يقولَ "أُمَّهَةٌ" فُعْلَهَةٌ كمَا قالَ: إنَّ جُنْدَبًا فُنْعَلٌ ولَم يَقلْ: فُعْلُلٌ وإذَا قيلَ لكَ ما وَزنُ "يَغْفُر" فإن قالَ السائلُ6 ما أَصلهُ فقلْ7: يَفْعَلُ ولكنْ أتبعُوا الضمَّ8 الضمَّ وإنْ كانَ سُئِلَ عَنِ اللفظِ فَقُلْ "يُفْعُلُ" وكذَلكَ "مِنْتِنٌ" إنْ قَالَ ما وزنهُ قَلتَ: الأَصلُ "مُفْعِلٌ" ولكنْ أتبعوا الكسرَ الكسرَ واللفظُ "مِفُعِلٌ" وتقولُ في "عِصِي" إنَّها "فُعولٌ" في الأَصلِ وفَعيلٌ في اللفظِ والتمثيلُ باللفظِ غيرُ مَأْلوفٍ فَلا تلتفتْ إلى مَنْ يستوحشُ منهُ ممن يطلبُ العربيةَ فإنَّ مَنْ عرفَ أَلفَ ومَنْ جَهلَ استوحشَ وهذَا مذهبُ أَبي الحسن الأخفش وتقولُ في "قِسِيٍّ" أَصلهُ: فُعُولٌ وكانَ حقهُ "قُووُسٌ" ولكنْ قدَموا اللامَ علَى العينِ وصيروهُ "فُلُوعٌ" وكانَ حقهُ أَنْ يكونَ "قِسُوٌ" فصنَعوا بهِ ما صنَعوا بعِصِيٍّ قلبوا الواوَ ياءً وكسروا القافَ كما كسروا عينَ "عِصيٍّ" فالمسموعُ مِنْ "قِسيٍّ" "فِليعٌ"

_ 1 في "ب" بيأفعل. 2 انظر ابن يعيش 10/ 4-5 والارتشاف/ 21. 3 في الأصل "يجيئوا" والتصحيح من "ب". 4 جخدب: الجراد الطويل الأخضر. ضرب من الجنادب. 5 زيادة من "ب". 6 في "ب" فإن كان السائل يريد ما أصله. 7 في "ب" قلت. 8 في "ب" الضمة.

وأَصلُ "فِليعٌ" فُلُوعٌ وفُلُوعٌ مقلوبٌ مِنْ فُعُولٍ. وقَالوا في "أَيْنُقٍ" إنَّ أَصلَها "أَنْوَقٌ" فاستثقلوا الضمةَ في الواوِ فحذفتِ الواوُ وعوضتِ الياء فيقولونَ إذا سئلوا عَنْ وزنِها أَنَّها "أَفْعُلٌ" واللفظ على هذا التأويلِ هو"أَيْفُلٌ" ولقائلٍ أَنْ يقولَ: إنَّهم قلَبوا فَصارَ "أَونقاً" ثُمَّ أَبدلوا مِنَ الواوِ ياءً والياءُ قَدْ تبدلُ مِنَ الواوِ لغيرِ علةٍ استخفافًا فَعَلى هَذا القول يكونُ وزنُ "أَينُقٍ" "أَعفُل" كما قالَ الخليلُ في أَشياءٍ: إنَّها "لَفْعَاء" لأَنَّ الواحدَ شَيءٌ فاللامُ همزةٌ فلمَّا وجدَها مقدمةً قالَ هيَ: لَفْعاء1 وقَد قالَ غيرهُ: إنَّها "فَعْلاَءُ" كانَ الأصلُ عندَهُ شَيئَاءُ فحذفتِ الهمزةُ. قَالَ المازني2: قالَ الخليلُ: أَشياءُ "فَعْلاَءُ" مقلوبةٌ وكانَ أصلُها شَيئاءَ مثل: حمراءَ فقلبَ فجعلتِ الهمزةُ التي هي لامٌ أَولًا فَقَالَ: أَشياءُ كأَنَّها لَفْعَاءُ ثُمَّ جَمعَ فَقالَ: أَشاوى مثلَ: صَحَارى وأَبدلَ الياءَ واوًا كمَا قالَ: جَبَيْتُ الخراجَ جِبَاوَةً وهَذا شَاذٌّ وإنَّما احتلنا لأَشاوى حيثُ جاءتْ هكذَا لتعلمَ أَنَّها مقلوبةٌ عن وجهِها. قالَ: وأخبرني الأصمعي: قَالَ: سمعتُ رَجلًا مِنْ أَفصحِ العربِ يقولُ لخلفٍ الأحمر3: إنَّ عندكَ لأَشَاوِي قالَ: ولو جاءتِ الهمزةُ في "أَشياءَ" في موضِعها مؤخرَةً بعدَ الياءِ كنتَ تقولُ: شَيئاءُ

_ 1 انظر الكتاب 2/ 379 والتصريف 2/ 94. 2 انظر التصريف 2/ 94، والكتاب 2/ 379. 3 خلف الأحمر: هو خلف بن حسان ويكنى أبا محمد وأبا محرز، كان مولى لبني بردة بن موسى الأشعري، أعتقه وأبويه، وكانا فرغانين. كان أعلم الناس بالشعر وكان شاعرا وضع على شعراء عبد القيس شعرا كثيرا. أخذ عنه عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء وكان يضرب به المثل في عسل الشعر. مات سنة 180هـ، ترجمته في مراتب النحويين 26-47. وأخبار النحويين/ 40 والأمالي لأبي علي 1/ 156 والشعر والشعراء/ 763 وطبقات الزبيدي/ 113 ومعجم الأدباء 11/ 66.

قالَ: وكانَ أَبو الحسن الأَخفش1 يقولُ: أَشْيئَاءُ أَفْعِلاَءُ وجُمعَ شيَءٌ عليهِ كما جَمعوا شَاعرًا على شعراءَ ولكنَّهم حذفوا الهمزةَ التي هيَ لام استخفافًا وكانَ الأصلُ: أُشْيئاءُ [أُشْيِعَاعٌ2] فثقل ذلك فحذفوا فسألتهُ3 عَن تصغيرِها فقالَ: العربُ تقول أَشَيَّاءٌ فاعلَم فيدعونَها على لفظِها فقلتُ: لِمَ لاَ رُدتْ إلى واحدِها4، كما رُدتْ "شعراءُ" إلى واحِدها؟ فَلَم يأتِ بمقنعٍ. وقالَ5: قَالَ الخليلُ: أَشَياءُ مقلوبةٌ كما قلبَوا "قِسيٌّ6" وكانَ أَصلُها "قُوُوسٌ" لأَنَّ ثانيَ "قَوْسٍ" واوٌ فَقُدّمَ السينُ في الجمعِ وهم مما يغيرونَ الأَكثرَ في كلامِهم قَالَ الشَاعرُ: "مَروانُ مَروانُ أَخوُ اليومِ اليَمِي7،

_ 1 انظر: التصريف 2/ 94. 2 زيادة من "ب". 3 الذي سأل هو المازني والذي سئل هو الأخفش. انظر: التصريف 2/ 100. 4 يريد: أنهم يقولون شُيَيْئات، لأن كل جمع على غير واحده هو من "أبنية الجمع فإنه يرد بالتصغير إلى واحده". 5 أي أبو عثمان المازني. انظر: التصريف 2/ 101. 6 انظر: التصريف 2/ 101-102 والكتاب 2/ 379 7 من شواهد سيبويه 2/ 379 "على قلب "اليوم" إلى "اليمي" فأخر الواو ووقعت الميم قبلها مكسورة فانقلبت ياء للكسرة. ومعنى "اليمي" الشديد. كما يقال لليل: أليل، للشديد الظلام. ونسب هذا الشاهد إلى أبي الأخزر الحماني، والحماني: منسوبة إلى حمان- بكسر الحاء وتشديد الميم- محلة بالبصرة سميت بالقبيلة. وتكملة البيت: مروان مروان أخو اليوم اليمي ... ليوم ردع أو فعال مكرم. وانظر: الخصائص 1/ 64 و3/ 76. والتصريف 2/ 102 وأدب الكاتب 602. واللسان "يوم" والمحتسب 1/ 144. ومعجم مقاييس اللغة 6/ 60 وروايته: نعم أخو الهيجاء في اليوم اليمي وارتشاف الضرب/ 388. والمخصص 15/ 72.

يريدُ "اليومَ" فأخَّر الواوَ وقدمَ الميمَ ثمَ قَلَب الواوَ حيثُ صارتْ طرفًا كما قالَ: "أَدلٍ" في جَمعِ "دَلْوٍ" ومما أُلزمَ حذفُ الهمزةِ لكثرةِ استعمالِهم "مَلكٌ" إنَّما هُو"مَلأَكٌ" فلمَّا جَمعوهُ وردوهُ إلى أَصلهِ قالوا: ملائكةٌ وملائكُ وقَد قالَ الشاعرُ فَ ظَردَّ1 الواحدَ إلى أصله حين2 احتاج: فلَسْتُ لإِنْسِيٍّ ولكنْ لَمَلأَكِ ... تَنَزَّلُ مِنَ جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ3 قالَ: ومِنَ القلبِ: طأَمنَ واطمأنَ4، قال: وأَمَّا: جَذَبَ وجَبَذَ فلَيسَ واحدٌ منهما مقلوبًا عَنْ صاحبهِ5، لأَنُّهما يتصرفانِ وأما "طَأَمَن" فليسَ أَحدٌ يقولُ فيهِ "طمأَنَ" ومما يُسأْلُ عنهُ "أَوَّلُ" إنْ قالَ قائلٌ: هذهِ همزةٌ أُبدلَ منها واوٌ واحتجَّ بأَنَّهُ لم يرَ الفاءَ والعينَ مِنَ جنسٍ واحدٍ قيلَ لَهُ: قَد قالوا:

_ 1 في "ب" فردوا. 2 حين: ساقط في "ب". 3 من شواهد سيبويه 2/ 379. على همز ملاك. وهو واحد الملائكة، والاستدلال به على أن ملكا، مخفف الهمزة محذوفها من "ملاك" والملك مشتق من الألوكة وهي الرسالة، لأن الملائكة رسل الله إلى أنبيائه. والمعنى: أنه مدح رجلا فقال: باينت الإنس في أخلاقك وأشبهت الملائكة في طهارتك وفضلك، فكأنك لملك ولدت. ومعنى: يصوب ينزل. والبيت لعلقمة بن عبدة. وانظر: المنصف 2/ 102 وشرح السيرافي 5/ 108. وارتشاف الضرب/ 382. وأمالي ابن الشجري 2/ 20 وتهذيب إصلاح المنطق/ 126. وإصلاح المنطق/ 71. 4 انظر: الكتاب 2/ 379 والتصريف 2/ 104. 5 انظر: الكتاب 2/ 380 والمنصف 2/ 105.

الدَّدَنُ1، وكَوْكَبٌ ويقالُ لِمَن اعترضَ بهذَا- أَي: الواوين- مِنْ أَوَّلِ تجعلَها بدلًا مِنَ الهمزةِ؟ فإن قالَ: الأوَلى، قيلَ لَهُ: لو كانتْ همزة لوجبَ أَنْ تبدلَ الفاءَ كمَا قالوا: آمِنٌ، وإنْ قالَ: الثانيةُ قيلَ لَهُ: لو كانتِ الثانيةُ همزةً لوجبَ حذفُها في التخفيفِ وكنتَ تقولُ: أَوَّلُ فَعَّلُ2 كمَا تقولُ في تخفيفِ "مَؤَلةٍ" مَوَلَةٌّ فإنْ قالَ: وَلَم قالوا: أَوائلُ ولم يقولوا: أَواولُ؟ قيلَ: هذَا كانَ الأصلُ ولكنَّهم تجنبوا اجتماع الواوينِ وبينَهما ألف الجمعِ ومِما يغيّرُ في الجمعِ الهمزتانِ إذَا اكتنفتا الأَلفَ نحو: ذُؤابة إذا جمعتها قلتَ: ذَوَائِبٌ وكان الأصل: "ذأآئبٌ" لأن الألف التي في "ذُؤَابةٍ" كالألفِ التي في "رِسَالةٍ" حقُّها أَنْ تبدلَ منها همزةً في الجمعِ ولكنَّهم استثقلوا أَنْ تقعَ ألَفُ الجمعِ بينَ همزتينِ كَما استثقلوا أَنْ تقعَ بينَ واوينِ فأَبدلوا الأُولى التي هيَ أَصلٌ وتنكبوا إِبدالَ الثانيةَ التي هيَ بَدلٌ مِنْ حرفٍ زائِدٍ الزوائدُ أصلُها السكونُ وإنَّما أبدلتْ لمّا أرادوا حركتها واضطرهم إلى ذلك الفرارُ مِنَ الجمع بين ساكنينِ وكان ملازمةُ الهمزةِ تدلُّ علَى أنَّ المبدلَ زائدٌ فأمَّا خَطَايا وأَدَاوَى فإنَّهم جعلوا موضعَ الهمزةِ3 ياءً وواوًا وأزالوا البناءَ عَنْ وزنِ "فَعَائلٍ" إلى "فَعَالٍ" ثم نقلوها إلى "فَعَائِلَ" وعَاولَ فجاءوا ببناءٍ أخرَ وَلمْ ينطقوا بالهمزةِ معَ هذا البناءِ وإنَّما هو شيءٌ يقدرهُ النحويون أَلا تَرَى أَنَّ الشاعرَ إذَا اضطَرَّ فقالَ4:

_ 1 الددن: اللعب واللهو. وفي "ب" "ددن" بدون أل. 2 زيادة من "ب". 3 ياء: ساقط في "ب". 4 من شواهد الكتاب 2/ 59، عل يإجراء "سمائيا" على الأصل ضرورة، وتكملة الشاهد: له ما رأت عين البصير وفوقه ... سماء الإله فوق سبع سمائيا والبيت لأمية بن أبي الصلت من هوازن. وانظر: المقتضب 1/ 144. والخصائص 1/ 212 و2/ 348. والمنصف 2/ 66. والحجة لأبي علي 1/ 207. وشرح السيرافي 1/ 212. وشرح الحماسة/ 784. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 215. والديوان 70.

سَماءُ الإِلهِ فوقَ سَبعِ سَمَائِيَا لمَّا رَدَّ البناءَ إلى "فَعَائلَ" وكسرَ رَدَّ الهمزةَ فحروفُ المَدِّ إذَا أبدلتْ للضرورةِ قَبُحَ أَنْ تبدلَ بدلًا بعدَ بدَلٍ فتشبهُ الأُصولَ أَلاَ ترى أَنَّ أَلفَ "سَائرٍ" لما أُبدلتْ في "سُوَيرٍ" واوًا لم تُدغم فتقديرُ خَطيئةٍ: فَعَيلةٌ وتقديرُ إدَاوةٍ: فِعَالةٌ وخَطيئةٌ مثلُ: صَحيفةٍ كانَ القِياسُ عَلَى ذلك أَنْ يقالَ1 فيها: خَطائيٌ [خَطَاعيٌ] 2 مثل صَحَائف فكانَ يجتمعُ همزتانِ فتنكبوا "فَعَائِلَ" إلى "فَعَائَلَ" كما قَالوا في مَدَارِي: مَدَارَى وكانَ مَدَارِي: مَفَاعِلُ فجعلوه "مَفَاعَلَ". والنحويونَ يقولونَ: إنَّهُ لما نقلَ وقعتِ الهمزةُ بينَ أَلفينِ فأُبدلتْ يَاءً: قالوا: وإنَّما "فُعِلَ" ذلكَ بها3 لأَنَّكَ جمعتَ بينَ ثلاثةِ أَلفاتٍ وهذَا المعنى إنَّما يقعُ إذَا كانتِ الهمزةُ عارضةً في الجمعِ وهَذا تقديرٌ قدروهُ لا أَنَّ هَذا الأَصلَ سُمعَ مِنَ العربِ كما قد تأتي بعضُ الأشياءِ على الأصولِ مثل: حَوكةٍ واستحوذَ فَخَطايا وبابُها لم يُسمع فيه إلا الياءُ وأَما "إداوةٌ" فهي "فِعَالةٌ" مثلُ "رِسَالةٍ" وكانَ القياسُ فيها "أَدَائيء"4 مثلُ "رَسَائل" تثبتُ الهمزةُ التي هيَ

_ 1 أن يقال: ساقط في "ب". 2 زيادة من "ب". 3 زيادة من "ب". 4 لم يمكنهم أن يظهروا الواو التي في الواحد ظاهرة، أي: أن أصلها أن تقع بعد الهمزة المكسورة على هذه الصورة: "أدائو" بمنزلة: أداعو، فا نقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، فصارت: أدائي "بمنزلة: أداعي: فجرى عليها ما جرى على "خطأ" من تغيير الحركة والقلب.

بَدلٌ مِنْ أَلفِ "إداوةٍ" كما تثبتُ الهمزةُ التي هيَ بَدلٌ مِنْ أَلفِ "رِسَالةٍ" فتنكبوا "أَدَاي" كما تنكبوا "خَطاي" فجعلوا فَعَائِلَ: فَعَائَلَ وأَبدلوا منها1 الواوَ ليدلوا علَى أَنَّهُ قد كانتْ في الواحدِ واوٌ ظاهرةٌ فقَالوا: أَدَاويٌ فهذهِ الواوُ بَدلٌ مِنَ الألفِ الزائدةِ في "إدَاوةٍ" والأَلفُ التي هي لامٌ بَدلٌ مِنَ الواوِ التي هيَ لامٌ في "إدَاوةٍ". ومِمَا يُسأَلُ عَنهُ "سُرِيَّةٌ" ما تقديرُها مِنَ الفعلِ وهَلْ هيَ "فُعَليَّةٌ" أَو"فُعِيلَةٌ" وممَّ هيَ مشتقةٌ والذي عندي فيها أَنَّها فُعْليَّةٌ مشتقةٌ مِنَ "السرِّ" لأَنَّ الإِنسان كثيراَ ما يُسِرُّها ويسترُ أَمْرَها عن حُرَّتِهِ. وكانَ الأخفشُ يقولُ: إنَّها "فُعِيلَةٌ" [مشتقةُ مِنَ "السرورِ" لأَنَّها يُسَرُّ بها وإنَّما2 حكمنا3] بأَنَّها "فَعْلِيَّةٌ" ولم نَقلْ: إنَّها "فُعِيلةٌ" لضربينِ: لأَنَّ مثالَ "فَعْليَّةٌ" كثيّر نحو: قُمْريةٍ وفُعِيلةٌ قليلٌ نحو: مُرِيقَةٍ. والضربُ الآخرُ: الاشتقاقُ ومَا يدلُّ عليهِ المعنى لأَنَّ الذي يقولُ إنَّها "فُعِيلةٌ" يُقالُ لَهُ: مِمَّ اشتققتَ ذلكَ فإِنْ قالَ: أَردتُ: ركبتُ سراتَها وسراةُ كُلِّ شيءٍ أَعلاهُ فقدَ ردَّ هذَا أبو الحسن الأخفش فقالَ: ذَا لا يشبهُ لأَنَّ الموضعَ الذي تؤتى المرأةُ منهُ ليسَ هُوَ سراتُها وإنَّما سَرَاةُ الشيء ظهرهُ أَوْ مقدمهُ لأَنَّ أَولَ النهارِ سَرَاتُه وظهرُ الدابةِ: سَرَاتها فهذَا عندي بعيدٌ كمَا قالَ أبو الحسن فإنْ قيلَ: إنَّهُ من "سَرَيْتُ" فهوَ أَقربُ مِنْ أَن يكونَ من "السَّرَاةِ" والصوابُ عندي ما بدأتُ بهِ وأَمَّا "عُلِيّةٌ" فهيَ "فُعِيّلةٌ" ولو كانتْ "فُعْليّةً" لقلتَ "عُلْويّةٌ" وهيَ من "عَلَوتُ" لأنَّ هذِه الواوَ إذا سكنَ ما قبلَها صحتْ كما تنسبُ إلى "دَلوٍ" دَلَوِيٌّ ولكنَّها قلبتْ في "عُلِيّةٍ" لمَّا كانتْ

_ 1 في "ب" هنا. 2 انظر: شرح المفصل 10/ 24-25. وشرح الشافية 2/ 147. 3 ما بين القوسين ساقط في "ب"

"فُعِيَّلَةٌ" مثلُ "مُرِيَّقةٍ" وكانَ الأصلُ "عُلْيُوَة" فأبدلتِ الواوُ ياءً وأُدغمتِ الياءُ فِيَها وكذلكَ كُلٌّ ياءٍ ساكنةٍ بعدَها واوٌ تقلبُ لَها ياءٌ وتدغمُ فيها وقَد مضَى ذِكرُ هذَا في الكتابِ. ومِنَ ذلكَ قولهُم1: لا أَدرِ ولَم يكُ ولَم أبلِ وجميعُ هذهِ إنّما حذفتْ لكثرةِ استعمالِهم إيّاها في كلامِهم وإنّما كثر استعمالُهم لهذهِ الأَحرفِ للحاجةِ إلى معانِيها كثيراً2، لأَنَّ: لا أَدري أَصلٌ في الجهالاتِ ويكونُ عبارةٌ عن الزمانِ ولَم أَبلِ مستعملةٌ فيما لا يكترثُ بهِ وهذهِ أَحوالٌ تكثُر فيجبُ أن تكثَر الألفاظ التي يعبرُ بهنَّ عنْها وليسَ كُلُّ ما كثر3 استعمالهُ حُذِفُ فأَصلُ لا أَدرِ: لا أَدري وكانَ حَقُّ هذهِ الياءِ أَنْ لا تُحذفَ إلا لجزمٍ4، فحذفتْ لكثرةِ الاستعمالِ وحَقُّ لم يكُ: لم يكنْ وكانَ أَصلُ الكلمةِ قبلَ الجزمِ "يكونُ" فلمَّا دخلتْ عليها "لَم" فجزمتَها سكنتِ النونُ فالتقى ساكنانِ لأَنَّ الواوَ ساكنةٌ فحذفتِ الواوِ لإلتقاءِ الساكنينِ فوجبَ أَنْ تقولُ: لم يكنْ فلمَّا كثرَ استعمالُها وكانتِ النونُ قد تكونُ زائدةً وإعرابًا في بعض المواضع شبهت هذه بها وحذفت هنا كما تحذف في غير هذا الموضع وأَمَّا: لَم أَبل فحقهُ أَنْ تقولَ: لم أُبالِ كَما تقولُ لَم أِرامِ يَا هذَا فحُذفتِ الأَلفُ لغيرِ شيءٍ أَوجبَ ذلكَ إلا ما يؤثرونَهُ مِنَ الحذفِ في بعضِ ما يكثُر استعمالُه وليسَ هذَا مما يُقاسُ عليهِ. وزَعَم الخليلُ: أَنَّ نَاسًا مِنَ العربَ يقولونَ: لَم أُبَلِهِ لا يزيدونَ على حذفِ الألفِ كما حذفوا: عُلَّبِطٍ وكذلكَ يفعلونَ5 في المصدرِ فيقولونَ:

_ 1 قولهم: ساقط في "ب". 2 انظر: الكتاب 2/ 392، والمنصف2/ 232. 3 انظر: التصريف 2/ 232، والكتاب 2/ 392. 4 في "ب" بجزم. 5 انظر: الكتاب 2/ 392.

بَالَةٌ: "بَالِيةٌ" كمَا قيلَ في عَافَى: عِافيةٌ. ولم يقولوا: لا أُبَلْ لأَنَّ هَذا موضعُ رفعِ كمَا لم يحذفوا حينَ قالوا: لم يكنِ الرجلُ لأَنَّ هذَا موضعٌ تُحَركُ فيهِ النونُ ومما يشكلُ قولُهم: مِتَّ تَموتُ وكانَ القياسُ أَن يقولَ مَنْ قَالَ: مِتَّ: تَماتُ مثلُ: خَفْتُ تَخافُ ومَنْ قالَ: تَمُوتُ وجبَ1 أَنْ يقولَ: مُتَّ كَما قلتَ: قُمتَ تَقُومُ فهذَا إنّما جاءَ شاذًّا كَمَا قالوا في الصحيح: فَضِلَ يَفْضُل. قالَ المازني2: وأَخبرني الأَصمعي قالَ سمعتُ عيسى بن عمر يُنشدُ لأبي الأسود3: ذكرتُ ابنَ عباسٍ ببابِ ابن عَامرٍ ... وما مَرَّ مِنْ عيشي ذكرتُ وَما فَضِلْ4 قالَ: ومثلُ "مِتَّ تَموتَ": دِمْتَ تَدومُ وهَذا مِنَ الشاذِّ ومثلُه في الشذوذِ5: كُدتُ أَكادُ.

_ 1 زيادة من "ب". 2 انظر: التصريف 1/ 256. 3 أبو الأسود: اسمه ظالم بن عمرو الدؤلي الكناني البصري، من سادات التابعين ومن أكمل الناس عقلا، وضع شيئًا من النحو بإرشاد الإمام عليٍّ حين فشا اللحن. وفي القرآن الكريم نقط المصحف الشريف، مات سنة 69هـ، ترجمته في أخبار النحويين/ 10، ومراتب النحويين/ 6. 4 قاله أبو الأسود في عبد الله بن عامر، وعامر أمير البصرة في قصة ذكرها صاحب الأغاني. وانظر: شرح السيرافي 5/ 168، والأغاني 11/ 116، والتصريف 1/ 256، والمفصل للزمخشري/ 52. 5 في "ب" من الشاذ.

وزَعِم الأصمعي: أَنَّهُ سمعَ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ: لا أَفعلُ ذاكَ ولاَ كَوْداً1، فجعلَها مِنَ الواوِ2. وقالَ أصحابنا3: إنَّ "لَيْسَ" أَصلُها لَيِسَ نحو: صَيِدَ4 البعيرُ ولَم يقلبوا الياءَ ألفًا لأَنَّهم لم يريدوا أَنْ يصرفوها فيستعملوا مِنْها "يَفْعَلُ" ولا فَاعِلُ ولا شيئًا مِنْ أَمثلةِ الفِعْل فأسكنوا الياءَ وتركوها على حالِها بمنزلةِ "لَيْتَ" ومِنْ ذلكَ "هَمّرِشٌ"5. قالَ الأخفش: الميمُ الأُولى عندَنا نونٌ لتكونَ من بناتِ الخمسةِ حتَّى تصيرَ في مثالِ "جَحْمَرِشٍ" 6 لأَنَّهُ لم يجىء شيءٌ من بناتِ الأربعةِ علَى هذا النباءِ وأَمَّا "هُمَّقِعٌ"7 فَهما ميمانِ لأنَّا لم نجدْ هذَا البناءَ في بناتِ الخمسةِ وكذلكَ "شُمّخرٌ"8 ندعهُ على حالِه ونجعلهُ من بناتِ الأَربعةِ لأَنَّ الأربعةَ قد جاءتْ علَى هذَا البناءِ نحو"دُبَّخْسٍ9" وكذلك "غُطَمّشٌ"10 مثلُ: عَدَبّسٍ11 وهوَ مِنْ بناتِ الأَربعةِ.

_ 1 انظر التصريف 1/ 357. 2 انظر التصريف 1/ 357.. لا أفعل ذاك ولا كودا، ولا همًا، أي لا أهم ولا أكاد. تقولها لمن يطلب إليك شيئا ولا تريد أن تعطيه. 3 انظر: التصريف 2/ 258. 4 صيد: صيد البعير صيدا إذا كان لا يستطيع الالتفات. 5 همرش: العجوز الكبيرة. 6 جحمرش: العجوز، والمرأة السمجة، والأرنب المرضع، ومن الأفاعي الخشناء. 7 همقع: بضم الهاء وتشديد الميم -الأحمق، الهمقعة: تمر التنضب. 8 شمخر: الرجل الجسيم، المتكبر، وزنه "فعل". 9 دبخس: الضخم. مثل به سيبويه وفسره السيرافي. 10 غُطَمّشٌ: هو الرجل كليل البصر، وأيضا الظالم الجائر وهناك شاعر اسمه الغطمش. 11 عدبس: الشديد الموثق الخلق من الإبل وغيرها.

قالَ: ولو كانتْ منْ بناتِ الخمسةِ وكانتِ الأُولى نونًا لأظهرتَ النونَ لئلا تلتبسَ بمثلَ "عَدَبَّسٍ". وقال: إنْ صَغَّرْتَ "هَمَّرِشٌ" فالقياسُ أنْ تقولَ: هُنَيمِرٌ لأنّ الأولى كانت نونًا وإن شئت قلتَ: هُمَّيرِشٌ وقلتَ مثلَ هذَا يجوزُ أَنْ يكونَ جمعهُ "هَمَارشَ" لأَنَّ النونَ والميمَ مِنَ الحروفِ الزوائدِ وإنْ لم تكنْ في هذا المكانِ زائدةً فإنّها تشبهُ ما هُوَ زائدٌ فَتُلقَى هَهُنَا. قَالَ: فإنْ قلتَ: ما لكَ لم تبينْ النونَ في "هَمَّرِشٍ" فلأَنَّهُ لَيسَ لَها مثالٌ تلتبسُ بهِ فتَفصلُ بينَهما. وقالَ الأخفشُ: كلَمونُ1، مثلُ: زَرَجُونَ2، وَهوَ العنبُ تقولُ: هذهِ كلمونُكَ لأَنَّ هذهِ النونَ مِنَ الأصلِ وهذَا مِنْ بناتِ الأربعةِ مثلُ: "قَرَبُوسٍ"3 ولَمْ تزدْ فيهِ هذهِ الواوَ والنونُ كزيادةِ نونِ الجميعِ. وحكي [عن] 4 الفَراءِ في قولِهم: ضَرَبَ علَيهم سَايةً أَنَّ معناهُ طريقٌ قالَ: وهيَ فَعْلَةٌ مِنْ "سَوُّيتُ" قلبوا الياءَ ألفًا استثقالًا لسِيَّةٍ فقلبوا الياءَ لأَنَّ قبلَها فتحةً كمَا قالوا: دَويَّةٌ ودَاويةٌ وهذاَ الذي قالهُ الفراءُ يجوزُ أَنْ يكونَ كما قالَ والقياسُ أَنْ يكونَ وزنُ "سايةٍ" فَعْلَةً لأَنَّ الأَلفَ [لا] 5 تُبدلُ إبدالًا مطردًا إلا مِنْ حرفٍ متحركٍ وقدَ مضَى ذِكرُ هذَا في الكتابِ.

_ 1 كلمون: العنب. 2 زرجون: الواحدة زرجونة، وهي محركة: صبغ أحمر، الخمر أو قضبانها. 3 قربوس: السرج. 4 زيادة من "ب". 5 زيادة من "ب".

وقالَ محمد بن يزيد1: قولُ سيبويه في "ضَيْوَنٍ"2، إذَا جمعهُ قالَ: ضَياونُ فيصححهُ في الجمعِ كما جاءَ في الواحدِ علَى أصلِه. وزعمَ أَنَّهُ لو جَمع "أَلبَبَ" في قولِه3: قَدْ عَلِمتْ ذاكَ بناتُ أَلَببه لقالَ "الأَلبَّب"4 فَاعِلّةٌ قالَ: فيقالُ لَهُ: هَلا صححتُه في الجمعِ كما صَحَّ في الواحدِ أَو أعللتَ "ضَيْوَنَ" في الجمع كما أعللتهُ وقلت: صححتهُ في الواحدِ شذوذًا فأَردهُ في الجمع إلى القياسِ كما فَعَلْتَ "بألببٍ" 5 ولِمَ فرقتَ بينَهما وقد استويَا في مجيءِ الواحدِ علَى الأَصلِ. وزعمَ أَنَّهُ إِذَا صغَرَّ أَلْبِب وحَيْوَةً6 وضَيْوَنَ أَعلَّهُنَ وسَوًى بينهَن في التصغيرِ فقالَ "أُلَيّبٌ وضُييَنٌ وحُييَّةٌ". فيقالُ لَهُ: لِمَ استوينَ في التصغيرِ وخالفتَ بينَ "أَلبَب" وبينَهما في الجمعِ، ولِمَ خالفَ بينَ جمعِ "حَيوةٍ" وبينَ تصغيرِها فصححتَ "ضَيْوَنَ" في الجمعِ وأَعللتَها في التصغيرِ وزعَم أَنَّ الواوَ لا تصحُّ بعدَ ياءٍ ساكنةٍ وقد صحَتا في الواحِد في "حَيوُةٍ وضَيْوَن" على الأَصلِ شَاذتينِ فهَلاّ أتبعتهما التصغيرَ أَو رددتَ إلى القياسِ في الجمعِ كما فعلتَ في التصغيرِ كما سويتَ بينَ جمعَ "أَلبَبٍ" وتصغيرهِ في الردِ إلى القياسِ؟

_ 1 انظر: المقتضب 1/ 171. 2 الضيون: السنور الذكر، وهو شاذ من وجهين. صحة الواو، ومجيئه على "فيعل" بفتح العين- وهو بناء يختص به الصحيح. وانظر: الكتاب 2/ 403. 3 من شواهد الكتاب 2/ 403 على فك الإدغام ألببة للضرورة، ولم يشرحه الأعلم، واستشهد به في 2/ 61 فقال: إذا سميت رجلا بألبب من قولك: قد علمت ذاك بنات ألبب. تركته على حاله. وانظر: المقتضب 1/ 171، والمنصف2/ 161. واللسان "ألبب" والخزانة 3/ 392. 4 في الأصل "الأب". 5 في "ب" بالأب. 6 حيوة: اسم رجل.

قالَ: والجوابُ عندي في ذلكَ أَنَّ البابَ مختلفٌ فأَمَّا "ضَيْوَنٌ" فَقَد جُعلَ في الواحدِ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ فالوجهُ أَن يجريَ علَى ذلكَ في الجمعِ فيصيرُ: "ضَيَاونُ" بمنزلةِ جَدَاولٍ وأَسَاودٍ وتقولُ في التصغيرِ: ضُيَيِّنٌ علَى ما قالَهُ سيبويه1، لأَنَّ ياءَ التصغيرِ قبلَ الواوِ فيصيرُ بمنزلةِ "أُسَيّدٍ" ولا يكونُ أَمثل منهُ حالًا مَع ما فيهِ قبلَ التصغيرِ ويكونُ جمعهُ بمنزلةِ "أَسَاوِدٍ" ومَنْ قالَ في التحقيرِ: "أُسَيودٌ" فلاَ أَرى بأسًا بأَنْ يقولَ: "ضُيَيْونٌ" لأَنَها عينٌ مثلُها ولا يكونُ إلا ذلكَ لصحتِها. وأَمَّا "أَلبَبُ" فيجبُ أَنْ يكونَ في الجمعِ والتحقيرِ مُبيّنًا جاريًا على الأَصلِ فتقولُ: "أَلاَبِبُ وأُلَيَبَبٌ" فتُجري جمعَهُ علَى واحدِه كما فعلتَ "بضَيْوَنٍ" لا فرقَ بينَهما وكذلكَ تصغيرهُ لأَنَّ ياءَ التصغيرِ ليسَ لها فيه عَملٌ كَما كانَ لَها في تصغيرِ "ضَيْوَنٍ" فكذلكَ خالفهُ وكانَ تصغيرهُ كجمعِه وأَمَّا "حَيْوَةٌ" فَمِنْ بنات الثلاثةِ والواوُ في موضعِ اللامِ فلا سبيلَ إلى تصحيحِها لأَنَّ أَقصى حالاتِها أَنْ تجعلَ "كَغَزْوةٍ" في التصغيرِ فتقولُ: "حُيَيّةٌ" وجمعُها كجمعِ "فَرْوَةٍ" حَياءٌ تقولُ: "فِرَاءٌ" وأَمَّا "مَعِيشَةٌ" فكانَ الخليلُ يقولُ: يصلحُ أَنْ تكونَ "مَفْعَلةً" ويصلحُ أَن يكونَ "مَفْعِلةً". وكانَ أبو الحسن الأَخفش يخالفهُ ويقولُ في "مَفْعُلَةٍ" مِنَ العيشِ "مَعُوشةٌ" وفي "فُعْلٍ" مِنَ البيعِ والعيشِ "بُوعٌ وعُوشٌ" ويقولُ في "أَبيضَ وبِيضٍ": هو"فِعْلٌ" ولكنَّهُ جَمعٌ والواحدُ ليسَ علَى مذهبِ الجمعِ2.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 403. 2 انظر: التصريف 1/ 296.

قالَ أبو عثمان المازني: قولُ الأخفش في "مَعيشةٍ" "مَعُوشةٌ" تَركٌ لقولِه في "مَبيعٍ ومَكيلٍ" وقياسهُ علَى "مَكيلٍ ومَبيعٍ" "مَعِيشةٌ" لأَنَّهُ زعمَ أَنَّهُ حينَ أَلقى حركةَ عِينِ "مَفْعولٍ" علَى الفاءِ انضمتِ الفاءُ ثُمَّ أُبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ لأَنَّ بعدَها ياءً ساكنةً وكذلكَ يلزمهُ في "مَعْيشةٍ" وإلا رجعَ إِلى قولِ الخليلِ في "مَبيعٍ1" وذكرَ لي عَن الفراءِ أَنَّهُ كانَ يقولُ: "مَؤونةٌ مِنَ الأَينِ" وَهوَ التعبُ والشدة فكانَ المعنى: أَنَّهُ عظيمُ التعبِ في الإِنفاقِ علَى مَنْ يَعُولُ2. قَال أَبو بكر: وهَذا على مذهبِ الخليلِ لا يجوزُ أَن يكونَ: "مَوْؤنةً مِنَ الأينِ" لأَنَّها "مَفْعُلَةٌ" ولو بنى "مَفْعُلَة" مِنِ الأينِ لقالَ: "مَئِينُةٌ" كَما قالَ: "مَعِيشةٌ" وعلَى مذهبِ الأخفشِ يجوزُ أَنْ تكونَ "مؤونةٌ" مِنَ الأينِ إلا أَنَّ أبا عثمان قَد أَلزمهُ المناقضةَ في هَذا المذهبِ3، وَمَوْؤُنَةٌ عندي وَهْوَ القياسُ "مَفْعُلَةٌ" مأْخوذٌ مِنَ "الأَونِ" يقالُ "للأتانِ" إِذا أقربتْ4، وعظمَ بَطنُها: قد "أَوَّنَتْ" وإِذَا أَكلَ الإِنسانُ وشَربَ وامتلأَ بطنهُ وانتفختْ خاصرتاهُ يقالُ: قَد "أَوَّنَ" تأْوينًا. قالَ رؤبةُ: سِرًْا وَقدْ أَوَّنْ تَأْوينَ العُقُقْ5

_ 1 على قياس الأخفش في "ميعشة" أن يبدل الضمة المنقولة من الياء إلى العين كسرة "معيشة" كما قال الخليل قياسا على "مبيع" وكذلك قياسه على مبيع في "فعل" من البيع أن يقول: "بِيع" كقول الخليل فيبدل من الضمة كسرة كما أن في "مبيع" لأن مبيعا ومعيشة وبيعا كل واحد منها ليس بجمع، فإن كان يقول "معوشة وبوع" يلزمه أن يقول في "مبيع" مبوع فيخالف العرب أجمعين. انظر: المنصف 1/ 298. 2 انظر: المنصف 1/ 301، وشرح الشافية/ 148. 3 انظر: المنصف 2/ 297-298. 4 أقربت: قرب وقت ولادتها. 5 هذا البيت من أرجوزة لرؤبة في وصف المفازة ومطلع هذه الأرجوزة: وقاتم الأعماق خاوي المخترقن وبيت الشاهد هو الرابع والخمسون بعد المئة. وأون: أكل وشرب حتى صارت خاصرتاه كالأونين. أي: العدلين. والعقق: جمع عقوق، وهي الحامل، كرسل مع رسول. وصف أتنا وردت الماء فشربت حتى امتلأت خواصرها، فصار بطن كل منها كالأونين. وانظر: المنصف 2/ 3، والموشح للمرزباني/ 27، والتهذيب 1/ 60، واللسان "أون"، والمحتسب 1/ 214، والديوان/ 108.

وقالَ أَيضًا: "الأَوْنَانِ"1 جَانبا الخرجِ فينبغي أَنْ يكونَ "مَوؤُنَةٌ" مأخوذةً مِنَ "الأونِ" لأَنّها ثقلٌ علَى الإِنسانِ فتكونُ "مَوؤُنةً" مَفْعُلَةً فإنْ قَالَ قائلٌ: إنَّ مَوؤُنةً مَفْعُولةٌ قيلَ لَهُ: فَقُلْ في مَعِيَشةٍ إنَّها مَفْعُولةُ مثلُ: "مَبِيَعةٍ" ومَفعولٌ ومَفعولةٌ لا يكادُ يجيءُ إلا علَى ما كانَ مبنيًا علَى "فَعْلٍ" تقولُ: "بِيعَ" فهوَ مَبِيعٌ وبِعتُ فهِيَ مَبِيعَةٌ وقِيلَتْ فهيَ مَقُولةٌ وليسَ حَقُّ المصادر أَنْ تجيء على "مَفْعُولةٍ" وقَد اختلفَ أَصحابُنا2 في "مَعقولٍ" فقالَ بعضُهم: هَوَ مصدرٌ3، وقالَ بعضُهم: صفةٌ ولَو كانَ "معقولٌ" مصدرًا لا خلافَ فيهِ ما وجَبَ أَن يردَّ إليهِ شيءٌ ولا يقاسُ عليهِ إِذَا وجدَ عنهُ مذهبٌ لقلتِه. ومِنْ هَذا البابِ "أُسطُوانةٌ". قالَ الأخفش: تَقولُ في "أُسطُوانةٍ" إِنَّهُ فُعْلُوانةٌ لأَنكَ تقولُ: أَسَاطينُ فأَساطينُ فَعَالين كانتْ "أُفْعُلاَنةً" لم يجزْ: أَسَاطينُ لأَنَّهُ لا يكونُ في الكلامِ "أَفاعينُ". وقَد قالَ بعضُ العربِ في ترخيمِ "أُسطُوانةٍ": سُطَينةٌ فَهَذا قولُ مَنْ لغتهُ حَذْفُ بعضِ الهمزِ كَما قالوا: ويلمهِ يريدونَ: وَيْلٌ لأمُهِ.

_ 1 الأونان: العدلان. 2 أي: البصريون. 3 الذي يرى "مفعول" مصدرا هو الأخفش ويحتج بقولهم: خذ ميسورة ودع معسورة، بينما يراه سيبويه صفة. وانظر: الكتاب 2/ 250، والأصول/ 496.

وقَد قالَ قومٌ علَى قولِ مَنْ قاَلَ: سُطَينةٌ أَنها "أُفْعُلاَنةٌ" وَغُيِّرَ الجَمعُ فَجُعِلَ النونُ كأَنَّها مِنَ الأصلِ كما قالوا: مَسيلٌ وَمُسْلان وهَذا مذهبٌ وَهوَ قليلٌ والقياسُ في نحو هذا أَنْ تكونَ الهمزةُ هيَ الزيادةَ. وقَد قَالَ بعضُ العربِ "مُتَسَطٍّ" فهذَا يدل على أَنَّ "أُسطُوانَة" أُفْعُوالةٌ وأَشباهها نحو: "أُرجُواَنةٍ وأُقحُوانةٍ" الهمزةُ فيها زائدةٌ لأَنَّ الألفَ والنونَ كأَنَّهما زيدا علَى "أَفْعَلٍ" ولا يجيء في الكلامِ "فُعْلُوٌ" ومَع ذَا إِنَّ الواوَ لو جعلَها زائدةً لكانتْ إِلى جنبِ زائدتينِ وهَذا لا يكادُ يكونُ. قالَ: وأَمّا مُوسَى فالميمُ هيَ الزائدةُ لأَنَّ "مُفْعَل" أَكثر مِنْ "فُعْلَى" مُفْعَلٌ يُبنى مِنْ كُلٍّ "أَفْعَلتُ" ويدلُّكَ علَى أَنَّهُ "مُفْعَلٌ" أَنَّهُ يصرفُ في النكرةِ. و"فُعْلَى" لا تنصرفُ علَى حالٍ.

ما قيس على كلام العرب وليس من كلامهم

الضربُ الثاني ما قِيسَ على كلامِ العربِ وليسَ من كلامِهم: هَذا النوعُ ينقسم قسمينِ: أَحدهما: ما بُنيَ مِنْ حروفِ الصحةِ وأُلحقَ بما هُوَ غيرُ مضاعفٍ والقسمُ الآخرُ: ما بُنيَ من المعتلَ بناءَ الصحيحِ ولَم يجىء في كلامِهم مثالُهُ إلا مِنَ الصحيحِ. النوعُ الأولُ: وهوَ الملحقُ إِذَا سُئلتَ كيفَ تبني مثلَ "جَعْفرٍ" مِنْ ضَرَبَ قلتَ: ضَرْبَبٌ ومِنْ "عَلِمَ" قلتُ: عَلْمَمٌ. ومِنْ ظَرُفَ قلتُ: "ظَرْفَفٌ" وإِنْ كانَ فعلًا فكذلكَ تُجريهِ مَجرى: دَحْرَج في جميعِ أَحوالهِ. وقالَ أبو عثمان [المازني] 1: المطردُ الذي لا ينكسرُ أَنْ يكونَ موضعُ

_ 1 زيادة من "ب" وانظر: المنصف 3/ 14.

اللام مِنَ الثلاثةِ مكررًا للإِلحاقِ مثلُ: "مَهْددٍ1 وقَرْدَدٍ"2 قالَ: وأَمَّا مثالُ: حَوْقَلَ الرجلُ حَوْقَلةً وَبَيْطَرَ الدابةَ بيطرةً وَسَلْقَيْتُهُ3 وَجَعْبَيتُهُ4 فليسَ بمطردٍ إلا أَنْ يُسْمَعَ. قالَ: ولكنَّكَ إِنْ سئلتَ عن مثالِه جعلتَ في جوابِكَ زائدًا بإزاءِ الزائدِ وجعلتَ البناءَ كالبناءِ الذي سُئلتَ عنهُ فإِذَا قيلَ لكَ: ابنِ مِنْ ضَرَبَ مثلُ "جَدْوَلٍ" قلتَ: ضَرْوَبٌ ومثلُ "كَوْثَرٍ" قلتَ: ضَوْرَبُ ومثلُ جَيْأَلٍ5 قلتَ: ضَيْرَبٌ وإِنْ كانَ فعلًا فكذلكَ6. وقَد يبلغُ ببناتِ الأربعةِ الخمسةَ مِنَ الأَسماءِ كما بلغَ بالثلاثةِ الأَربعةَ فما أُلحقَ مِنَ الأَربعةِ بالخمسةِ قَفَعْدَدٌ7، ملحقٌ "بسَفَرْجَلٍ" وهَمَرْجَلٍ8، وقَد يلحق الثلاثةَ بالخمسةِ نحو"عَفَنْجَجٍ9" هُوَ مِنَ الثلاثةِ فالنونُ وإِحدى الجيمينِ زائدتانِ ومثلُ ذلكَ: حَبَنْطَى10

_ 1 الميم في مهدد أصلية، لأنها لو كانت زائدة لم تكن الكلمة مفكوكة، وكانت مدغمة كمسد ومرد. 2 قردد: المكان الغليظ المرتفع، الأرض الصلبة. وظهر التضعيف، لأنه ملحق بجعفر ولذلك لم يدغم فيهما. 3 سلقيته: إذا ألقيته على ظهره. 4 جعبيته: يقال: جعباه إذا صرعه. 5 جيئل: غير مصروف، الضبع، لأنه اسم لها علم، بمنزلة جعار. 6 انظر: التصريف 1/ 45-46. 7 قفعدد: القصير. 8 همرجل: واسع الخطو. 9 عفنجج: الجافي الأخرق، الضخم الأحمق. 10 حبنطى: قال أبو زيد: الحبنطى غير مهموز، العظيم البطن. وقال غير سيبويه: حبنطأ مقصور مهموز. وزعم الكسائي: أن احبنطيت واحبنطأت لغتان، والحبنطأ مهموز، العظيم البطن، انظر: التصريف 3/ 10، والكتاب 2/ 339.

ودَلَنْطَى1 وسَرندَى2، النونُ والألفُ زائدتانِ لأنكَ تقولُ: حَبِطَ ودَلَظَهُ بيدهِ وسَرَدهُ فهذا مِنَ الثلاثةِ وقالَ جميعُ أَصحابنا إِذَا بنيتَ مِنْ "ضَرَبَ" نَحو: دَحْرَجَ قلت: ضَرْبَبَ حتى يَصِيرَ الحرف أربعة ولا يدغم الباءَ في الباءِ لأنكَ إنما أردت أن تلحقه بوزن دَحْرَجَ ولو أدغمتَ لحركتَ ما كان ساكنًا وسكنت ما كان متحركًا وزَال دليلُ الإِلحاقِ وإِنْ بنيت مِنْ "دَحْرَجَ" مثلُ: سَفَرجلٍ اسمًا زدتَ حرفًا حتى يكونَ خمسةً تقولُ: دَحَرْجَجٌ ولا تكونُ الألفُ ملحقةً أَبدًا إلا أَنْ تكونَ آخرًا نحو: "عَلقَى3"، وتعرفُ أَنَّها ملحقةٌ إِذا رأَيتها منونةً [في كلامِ العَربِ لأَنَّها إِنّما تكونُ للتأنيثِ في نحو: عَطْشَى وَبُشرى فإِذَا لم تكنْ للتأنيثِ كانتْ ملحقةً وكانتْ منونةً نح و"عَلْقًى وَمِعْزَىً" لأَنَّها منونةٌ4] ومِنَ العربِ مَنْ ينونُ دِفْلَى وذِفْرى5، فيجعلهما ملحقتينِ. واعلَمْ: أَنَّ الواوَ إِذَا انضمَّ ما قبلَها والياءُ إِذا انكسَر ما قبلَها لا يكونانِ ملحقينِ نحو: عَجُوزٍ وعَمُودٍ وسَعيدٍ وقَضِيبٍ وإِذَا كانَ ما قبلَها مفتوحًا نحو: حَوْقَلَ وبَيْطَرَ فهما ملحقتانِ وكذلكَ إِذا سُكِّنَ ما قبلَهما فحكمُها حكمُ الصحيحِ نحو"جَهْوَرٍ" وحِذْيَمٍ6، وأَمَّا المِيمُ والهمزةُ فلا تكادانِ تكونانِ ملحقتينِ إلا قليلًا في7 نحو: زُرْقُمٍ8 وسُتْهُمٍ9 وشَأملٍ10

_ 1 دلنظى: الشديد الدفع، يقال: دلظه بمنكبه إذا دفعه. 2 سرندى: الجريء، يقال: اسرنداه إذا ركبه، وهي سرنداة. 3 علقى: شجر تدوم خضرته. 4 ما بين القوسين ساقط في "ب". 5 ذفرى: الموضع الذي يعرق من الإبل خلف الأذن. 6 جذيم: قاطع. 7 في: ساقطة في "ب". 8 زرقم: بمعنى الأزرق. 9 ستهم: بمعنى الأستة، وهو الكبير العجز أو الاست. 10 شأمل: الريح التي تهب من قبل الحجر، أو ما استقبلك عن يمينك، وأنت مستقبل أو ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات نعش.

وشَمْأَلٍ1 وَدُلاَمِص2، وأَمَّا التاءُ فتكونُ ملحقةً في نحو: "سَنْبَتَةٍ"3 وعَنْكبوتٍ وجَبَروتٍ4 وبِنْتٍ وأًختٍ إلا أَنَّها في "بنتٍ" وأُختٍ قامتْ مَقامَ حَرفٍ مِنَ الأَصلِ ولا تكونُ السينُ ملحقةً وكذلكَ الهاءُ ولا تكونُ اللامُ ملحقةً إلا في "عَبْدلٍ5" وحدَهُ والنونُ تكونُ ملحقةً في "رَعْشَنٍ"6 و"سِرحانٍ" وأَمَّا حروفُ الأَصلِ فتكونُ كلها ملحقةً نحو: مَهْددٍ وقَعْدَدٍ وَجِلبابٍ وكَوَأْلَلٍ7 واسْحَنْكَك8، فإِذَا وجدتَ شيئًا ملحقًا قد ضعفَ واجتمعَ فيه حرفانِ مثلانِ فلا تدغمهُ فإنَّهُ إِنّما ضعفَ ليبلغَ زِنَةَ ما أُلحقَ بهِ فمثلُ: اسْحَنْكَكَ واقْعَنْسَسَ لا يدغمُ لأَنَّهُ أُلحقَ باحْرنجَمَ وأَمَّا "احمرَّ واصفرَّ" فهوَ مدغمُ لَيْسَ لَهُ شيءٌ مثلُه لَيْسَ فيهِ حَرفانِ مثلانِ فيلحقُ بهِ [وكذلكَ اطمأنَّ مدغمٌ لأَنَّهُ لَيسَ لَهُ شيءٌ مثلهُ لَيْسَ فيهِ حَرفانِ مثلانِ فيلحقُ بهِ] 9 وأَمَّا: مَعَدُّ10 وصُمَلٌّ11 وطِمِرٌّ12، فإِنَّ هذهِ إِنّما أُدغمتْ لأَنَّ

_ 1 شمأل: الريح التي تهب من قبل الحجر كشأمل. 2 دلامص: هو البراق. 3 سنبتة: الدهر والتاء فيه للإلحاق. 4 جبروت: هو التجبر، يقال: فيه تجبر وجبروت. 5 عبدل: في معنى عبد الله، واللام زائدة كزيادتها في هنالك. 6 رعشن: جبان. 7 كوألل: القصير. 8 اسحنكك: الليل: أظلم. والكلام عليه: تعذر. 9 ما بين القوسين ساقط في "ب". 10 معد: موضع رجل الراكب. ويقال: هو اللحم الذي تحت الكتف أو أسفل منه. وقيل: المعدان من الفرس: ما بين رءوس كتفه إلى مؤخرة متنه. ومعد بن عدنان أبو العرب. 11 صمل: شديد. 12 طمر: الثوب الخلق، الفرس الجواد.

الأولَ منها ساكنٌ وبعدَهُ حرفٌ [مثلهُ] 1 فإِذَا التقى حرفانِ مثلانِ والأَولُ منهما ساكنٌ لم يكنْ فيهما إلا الإِدغامَ. واعلَمْ: أَنَّ النونَ الساكنةَ إِذَا كانتْ في كلمةٍ واحدةٍ معَ الميمِ والواوِ والياءِ والراءِ واللامِ فإنَّهم يبنونَها في نحوِ2: أُنْمُلةٍ ومُنْيَةٍ وأَنْوَكَ3 لأَنَّهم لو أَدغموها لالتبستْ فَتُوهم السامعَ أَنَّها مِنَ المضَاعفِ وإِنّما قالوا: امّحَى فأَدغموا النونَ لأَنَّ هَذا بناءٌ لا يكونُ إلا "انْفَعَلَ" ولا يكونُ في الكلامِ "افَّعلَ" فيخافُ4 أَن يلتبسَ بهذَا وكذلكَ "انفعل" مِنْ وَجِلْتُ اوَّجَلَ ومِنْ رأيتُ ارَّأَى ومِنْ لَحَنَ الحَّنَ لا تبينُ النون لأَنَّ هَذا موضعٌ لا يخافُ أَنْ يلتبسَ بغيرهِ وتقولُ في مثل: قُنْفَخْرٍ5 مِنْ: عَمِلَ عُنْمَلٌّ6، ومثلُ: عَنْسَلٍ7 مِنْ: بِعْتُ وقُلْتُ: بَنْيَعٌ وقَنْوَلٌ ومثالُ: قِنْفَخْرٍ بِنْيَّعٌ وَقِنوَّلٌ فتبينُ النونَ لئلا يلبسَ ما كانَ مِنْ قِنْفَخْرٍ بِعِلِكِدٍ8 وتقولُ في مِثْلِ: جَحْنْفَلٍ9 مِنْ عَلِمتُ عَلَنْمَمٌ فتبينُ النونَ لئلا يلبسَ بِغَطمّشٍ10.

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" مثل. 3 أنوك: أحمق، والجمع نوكى أجري مجرى هلكى لأنه شيء أصيبوا به في عقولهم. 4 في "ب" فيخافون. 5 قنفخر: الفائق في نوعه. 6 عنمل: النون زائدة في هذا البناء. 7 عنسل: الناقة السريعة. 8 علكد: العجوز القصيرة، الغليظ العنق، العجوز الداهية. الحقيرة القليلة الخير. 9 جحنفل: الغليظ الشفة. 10 غطمش: الظالم الجائر، اسم شاعر من ضبة.

قالَ الأخفش: ولا تقولهُ مِنْ كَسَرتُ ولا جَعَلْتُ لأَنَّ النونَ تقعُ قبلَ لامٍ أَوْ رَاءٍ فإِنْ بنيتَها ثَقُلَ الكلامُ لقربِ اللامِ والراءِ منها وإِنْ أدغمتَ خشيتَ الالتباسَ ولا تقولُ أَيضًا مثلُ "عَنْسَلٍ" مِنْ شَرَيتُ ولاَ مِنْ عَلِمتُ لأَنَّ النونَ مِنْ مخرجِ الراءِ واللامِ فإِنْ أدغمتَ التبسَ وإِنْ بنيتَ ثَقُلَ وتقولُ في مِثْلِ "عَنْسَلٍ" مِنْ قلتُ وعَمِلتُ: عَنْمَلٌ وقَنْوَلٌ ومِنْ "بِعْتُ" بَنْيَعٌ ولَم يجزِ الإِدغامُ فيلتبسُ قَالَ: وتقولُ في مِثْلِ "كُنْتَأْلٍ مِنْ قَويِتُ" قُنْوَيٌّ تبين النونَ لأَنَّكَ لو أدغمتَها التبستْ "بِفُعّلٍ" مِنْ قَوِيْتُ إِذَا ثقلتَ العينَ واللامَ وكذلكَ مثلُ "كُنْتَألٍ1" مِنْ نَمَيْتُ نُنْمَيٌّ ومَنْ قالَ: نَمَوْتُ قالَ: نَنْمَوُّ ومِنْ حَيِيتُ حُيْيَيٌّ وتقولُ فيماَ كانَ مِنَ المضاعفِ على مثالِ "فَعَلٍ" بغير الإِدغامِ وذلكَ نحو قَصَصٍ مِنْ قَصَّ يَقُصُّ ومثلُه: مَشَشٌ2 وعَسَسٌ3 وتقولُ عَلَى مثالِ4 ذلكَ مِنْ "رَدَدْتُ رَدَد" فإِنْ كانَ المضاعفُ علَى مثالِ: فَعُلٍ وفَعِلٍ لَمْ يقعْ إلا مدغمًا وذلكَ رجلُ صَنفُّ5 الحالِ هُو"فَعِلٌ" والدليلُ على ذلكَ قولُهم: الضَّفَفُ في المصدرِ فهذَا نظيرهُ من غيرِ المضاعفِ الحَذَرُ والرجلُ حَذِرٌ وقَدْ جَاءَ حرفٌ منهُ علَى أَصلهِ قالوا: قَومٌ ضَفِفُو الحالِ فَشذّ هذَا كَما شَذَّ "الحَوكةَ6" وإِنْ كانَ المضاعفُ "فُعَلٌ" أَو"فِعَلٌ" أَو"فُعُلٌ" مِما لا

_ 1 كنتأل: قصير. 2 مشش: داء يعرض للخيل، يقال: مشش الفرس مششًا. 3 عسس: هم الذين يطوفون في الليل من قبل السلطان. وأصل العس: طلب الشيء. يقال منه: عس يعس عسا. 4 مثال: ساقط من "ب". 5 ضف: يقال: قوم ضففو الحال، والضف: شدة المعيشة. 6 الحوكة: جمع حائك. ويقال: مشية حيكى، أن يحرك الماشي أليتيه.

يكونُ مثالُه فعلًا فهوَ علَى الأَصلِ نحو: خُزَرٍ1، وَمِرَرٍ2، وحُضَضٍ3، وحُضُضٍ4، وأَمَّا قولهُم قَصَصٌ وقَصٌّ وهم يعنون المصدرَ فهما اسمانِ: أَحدهما محركُ [العينِ] 5. والآخرُ ساكنُ [العينِ] 6 في لغتينِ7. وأَمَّا قولُ الشِاعرِ: هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كُمُنْهَاض الفَكَك8..... فإِنَّهُ احتاجَ فحركَ فجعلَ الفَكَّ الفكَكَ قاَل9 المازني: فإِذَا أَلحقتَ هذهِ الأشياءُ الأَلفَ والنونَ في آخرِها،

_ 1 خزز: وهو الذكر من الأرانب. 2 مرر: يقال، مر. ومرار ومرر في جمع مرة. 3 حضض يقال: حضض وحضض، لداء معروف. 4 حضض: حضظ-الضاد وبالظاء- مثل حضض. قال المازني: ولا أدري ما صحته. وانظر: التصريف 3/ 91. 5 أضفت كلمة "العين" لإيضاح المعنى. 6 أضفت كلمة "العين" لإيضاح المعنى. 7 أي: بمنزلة غيرهما من غير المضاعف نحو قولهم: نشز ونشز. فكما لا يقال أن نشزا مسكن من "نشز" فكذلك لا ينبغي أن يقال: أن قصا مسكن من قصص، ولكن كل واحد منهما أصل. 8 الشاهد فيه فك الإدغام في "الفكك" وأروى: اسم امرأة. وأروى ماء بقرب العقيق عند الحاجر، وهو لفزارة. وأروى أيضا: قرية من قرى مرو على فرسخين منها. ومنهاض: وصف من انهاض، مطاوع هاض العظم يهيضه هيضا، كسره، والفكك: مصدر من فك يده فكا، إذا أزال المفصل، يقال: أصابه فكك. والرجز لرؤبة من قصيدة يمدح بها الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان. وانظر: المنصف 2/ 307، والديوان/ 43. 9 انظر: التصريف 2/ 307.

تركتَ الصدرَ على ما كانَ عليهِ قبلَ أَن تُلحقَ وذلكَ نحو: رَدَدَانَ وإِنْ أَردتَ "فَعُلاَنَ" أَو "فَعِلانَ" أدغمتَ فقلتَ: رَدَّانَ1، فيهما وهوَ أَوثقُ مِنْ أَن تُظهرَ. قالَ: وكانَ أَبو الحسن الأخفش يُظهر فيقولُ: رَدُدَانُ وَرَدِدَانُ ويقولُ: هُوَ ملحقٌ بالألفِ والنونِ ولذلكَ يظهرُ ليسلَم البناء2. قَالَ المازني: والقولُ عندي علَى خلافِ ذلكَ لأَنَّ الألفَ والنونَ يجيئانِ كالشيءِ المنفصلِ أَلاَ تَرَى أَنَّ التصغيرَ لا يُحتسبُ بهما فيهِ كَما لا يحتسبُ بياءي الإِضافةِ ولاَ بأَلفي التأنيثِ فيحقرونَ "زَعْفَرَانَ": زُعَيفِرَانٌ وَخُنْفَساءَ: خُيَنفَساءُ فَلَو احتسبوا بهما لحذفوهما3، كما يحذفونَ ما جاوزَ الأربعةَ. قَالَ: وهذَا قولُ الخليلِ وسيبويه وَهوُ الصوابُ4. الضربُ الثاني: مِما قيسَ مِنَ المعتلِّ علَى الصحيحِ: هذَا الضربُ يَنْقسمُ بعددِ الحروفِ المعتلةِ ثلاثةِ أَقسامِ وهيَ: الياءُ والواوُ والهمزةُ ثُمَّ يمتزجُ بعضُها معَ بعض فتحدثُ أَربعةُ أَقسامٍ: ياءٌ وواوٌ ويَاءٌ معَ همزةٍ وَواوٌ معَ همزةٍ واجتماعُ ياءٍ وَواوٍ وهمزةٍ فذلكَ سبعةُ أَقسامٍ.

_ 1 يجعل المازني هنا الألف والنون مزيدتين بعد التغيير في الطرف كزيادة تاء التأنيث بعد التغيير في الطرف. أما التغيير هنا فهو الإدغام، لأن الأصل الفك أما رردان -بالفتح– فقد أبقوه على الأصل مع مقتضى الإدغام لخفة الفتحة. 2 انظر: التصريف 2/ 311. 3 في الأصل "حذفوها". 4 انظر: التصريف 2/ 311.

المسائل المبنية من الياء

القِسمُ الأولُ: المسائلُ المبنيةُ مِنَ الياءِ: تقولُ: في مثالِ حَمَصِيصَةٍ1، مِنْ رَمَيْتُ رَمَوِيَّةٌ وكانتْ قبلَ أَن تغيرَها رَمَييَّةٌ فاجتمعَ فيها مِنَ الياءاتِ ما كانَ يجتمعُ في رَحَيِيَّةٍ إذا نسبتَ إلى رَحَى فغيرتَ كما غَيرتَ "رَحَى" في النسبِ فقَلبتَ اللامَ الأولى ألفًا ثم أَبدلتَها واوًا لأَنَّ بعدَها ياءً ثقيلةً كياءِ النسبِ فإنْ قلتَ: إنَّ ياءَ النسبِ منفصلةٌ فَلِمَ شَبَّهْتَ هَذَا بهَا فإِنَّهم إذا كرهوا اجتماعَ الياءاتِ2 في المنفصلِ فهم لغيرِ المنفصلِ أَكرهُ أَلا تَرى أَنَّ الهمزتينِ إذا التقتَا منفصلتينِ خلافهما إذا اجتمعتا في كلمةٍ واحدةٍ لأَنَّ الجميعَ مِنْ أَهلِ التحقيقِ والتخفيفِ يجمعونَ على إبْدَالِها إذَا كانتْ في كلمةٍ واحدةٍ ومَنْ قاَلَ في "حَيَّةٍ" في النسَبِ "حُيَّيٌّ" وفي أُمَيّةٍ: أُمَيِّيٌّ3، فجمعَ بينَ أَربعِ ياءاتٍ لم يَقلْ ذلكَ في "مثلِ" "حَمَصِيصَةٍ" مِنْ "رَمَيتُ" ولَمْ يكنْ فيها إلا التغيرُ وهَذا أَقيسُ. وكانَ الخليلُ وسيبويه وأَبو الحسن الأخفش يَرَوْنَهُ وَهوَ قولُ المازني4، وتقولُ في "فَيْعِلٍ" مِنْ حَيِيْتُ حَيٌّ5، وكانَ الأَصلُ: حَيِيٌّ فاجتمعتْ ثَلاثُ ياءاتٍ الأُولى الياءُ الزائدةُ في "فَيْعِلٍ" والثانيةُ عينٌ والثالثةُ لامٌ فحذفتِ الأخيرةُ كمَا فعلَوا في تصغيرِ أَحوى حينَ

_ 1 خمصيصة: بتحريك الميم وسكونها– بقلة رملية حامضة تجعل في الأقط. 2 في الأصل "الياءان" والتصحيح من "ب". 3 قال سيبويه 3/ 393: ومن قال في النسب إلى أمية: أميي، وإلى حية: حيي، تركها على حالها. 4 انظر التصريف 2/ 273-274 والكتاب 2/ 393. 5 أصل هذا "حيؤ" فقلبت الواو الأولى ياء لوقوع الياء قبله ساكنة. وقلبت الآخرة لانكسار ما قبلها فصار في التقدير "حييا" فكرهوا اجتماع ثلاث ياءات والوسطى مكسورة، فحذفوا الآخرة لضعفها، فصار حيا. وانظر: الكتاب 2/ 393، والتصريف 2/ 280.

قالوا: أُحَيٌّ فحذفوا استثقالًا للجمعِ بينَ هذهِ الياءاتِ الثلاثِ التي آخرُها لامٌ قبلَها كسرةٌ وتقولُ في فَعُلانٍ من حَيِيتُ: حَيُوانٌ فتقلبُ1 الياءَ التي هيَ لامٌ واوًا لانضمامِ ما قبلَها ومَنْ أسكنَ قالَ: حَيْوَان "كما يقولُ إذَا أسكنَ" "لَقَضْو2 الرجلُ" لا يغيرُ لأَنَّ الإِسكانَ لَيْسَ بأَصلٍ فإنْ قيلَ لِمَ لَمْ تُقلبِ الياءُ مِنْ حَيوانٍ ألفًا وهيَ عينٌ متحركةٌ قبلَها فتحةٌ قيلَ: إذا أُعْلتِ اللامُ لَمْ تُعل العينُ والواجب إعلالُ اللامِ دونَ العينِ لأَنَّ اللامات متى لم تدخلْ عليها الزوائدُ كانتْ أَطرافًا يقعُ علَيها الإِعرابُ ويلحقُها التغيرُ أَيضًا إذا دخلتْ علَيها الزوائدُ. وقالَ الخليلُ: أَقولُ في مثلَ "فَعَلانَ" مِنْ حَيِيتُ: حَيَّانُ3، وتسكنُ وتدغمُ إنْ شئتَ ويقولُ في مِثَالِ "مَفْعُلةٍ" مِنْ "رَمَيتُ": مَرْمُوةٌ إذا بنيتَها علَى التأنيثِ ومَرْمِيةٌ إذَا بنيتَها علَى التذكيرِ4، ومعنى قولي: بنيتَها علَى التأنيثِ أَي: لا يقدرُ فيها التذكيرُ قبلَ الهاءِ ثُمَ تدخلُ الهاءُ إنّما تجعلها في أَولِ أَحوالِها وَقَعتْ وصَيغِتْ مَع الهاءِ فإنْ قَدرتَ [أنَّ] 5 التذكيرَ سبقَ ثُمَ أدخلتَ الهاءَ للتأنيثِ فلا بُدُّ مِنَ الإِعلالِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ يكونَ اسمٌ آخرهُ واوٌ قبلَها ضمةٌ والدليلُ عَلى أَنَّ الذي يُبنى علَى التأنيثِ لا

_ 1 في الأصل "فثقلت" والتصحيح من "ب". 2 لقضو الرجل: إن لفظ حيوان "أخفي من لفظ" لقضو" لأن هذا فيه سكون الياء قبل الواو. وليس في "لقضو الرجل" شيء من شأنه إذا سكن ما قبل الواو أن تقلب الواو له، وإنما هو الضاد. والضاد لا يمتنع سكونها قبل الواو. وانظر: الكتاب 2/ 382. 3 انظر: التصريف 2/ 287، وفي سيبويه وقتول في: "فعلان"- بضم العين – من حييت، حيان، تدغم "فعلان" من "رددت" الكتاب 2/ 394. 4 في الأصل "التنكير" والتصحيح من "ب". 5 زيادة من "ب".

يقلبُ فيها الواوُ قراءةُ الناسِ: خُطُواتِ1 لأَنَّهُ إنما عَرَض التثقيلُ في الجمعِ ولم تكنِ الواحدةُ مثقلةً ومَنْ ثقلَ "خُطُواتٍ" لزمهُ أَنْ يقولَ: في كُلْيةٍ كُلُواتٌ2، لأَنَّ الياءَ انضمَّ ما قبلَها وَهوَ موضعٌ تثبتُ فيهِ الواوُ لأَنَّها غيرُ طَرفٍ ولكنَّ العربَ لا تقولهُ لأَنَّ لَهُ نظيرًا مِن غيرِ المعتلِّ لا يحولُ في أَكثرِ كلامِ العربِ نح و"ظُلْماتٍ" والرُّسْلِ فألزمَ هذَا الإِسكانَ إذْ كانَ غيرُ المعتلِّ يسكنُ ولكنْ مَنْ قالَ "مِدْيةٌ" في "مُديةٍ" فَلا بأَسَ بأَنْ يقولَ: مِدِيَاتٌ3، لأَنَّهُ لا يلزمهُ قَلْبُ شيءٍ إلى شَيءٍ والإِسكانُ أَكثرُ في الياءِ والواوِ لإستثقالِهمِ الحركةَ فِيهما ومَنْ قَالَ: رِشْوَةٌ ثُمَ جَمعَ بالتاءِ فحركَ فقياسهُ رِشِيَاتٌ كما يلزمهُ أَنْ يقلبَ الياءَ في كُلْيةٍ واوًا إذَا انضمَّ ما قبلَها كذا يلزمهُ أَنْ يقلبَ الواوَ ياءً إذا انكسرَ ما قبلَها للجمعِ في "رِشْوَةٍ" كمَا كانَ قَائلًا في "كُليةٍ" كُلُواتٌ ولكنَّ هذَا متنكبٌ4 كمَا كانُ تثقيلُ كُليةٍ متنكبًا. وقالَ الأخفشُ: تقولُ في "مَفْعُلةٍ" مِنْ "رَميتُ" [مَرموةٌ إذَا بنيتَها علَى التأنيثِ ومَرْمِيةٌ إذا بنيتَها علَى التذكيرِ] 5 كمَا تقدمَ مِنْ قولِنا مثلُ "عَرْقُوةٍ" وفُعْلُلَةٌ مِنْ "رَميتُ" رُمْيُوَةٌ وَفُعْلَةٌ مِنْ "قَضَيْتُ وَرَمَيْتُ" إذَا لم تبنهِ علَى تذكير "قُضُوَةٌ وَرُمُوَةٌ إنْ بنيتَهُ على تذكيرٍ قَلتَ: رُمْيَةٌ. وفَعَلانٌ مِنْ "رَمَيْتُ" رَمَيَانُ كمَا قلتَ: رَمَياَ. وتقولُ في فِعْلاَلةٍ مِنْ رَميتُ: رِمْيَايةٌ ومِنْ "حَيِيْتُ" حِيايَّةٌ وإذَا كانتْ علَى تذكيرٍ همزتَ وتقولُ في "فِعْلِلَةٍ" مِنْ

_ 1 يشير إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} البقرة: 168 وفي آية أخرى: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} الأنعام: 142. 2 انظر: الكتا ب 2/ 394. 3 أي: كما قلت في "خطوة" خطوات، لأن الياء مع الكسرة كالواو مع الضمة. 4 تنكبوا هذا فرارًا من أن يصيروا إلى ما يستثقلون فألزموها التخفيف. 5 ما بين القوسين زيادة من التصريف 2/ 287، لأن المعنى يقتضيها.

"رَميتُ" رِميِيةٌ قالَ1: وتقولُ في "فَعَلانٍ" مِنْ حَيِيتُ حَيَيانٌ لا تدغمُ وإنَّما قالتِ العربُ: الحَيَوانُ فصيروا الآخرةَ واوًا لأَنَّهم استثقلوا الياءين وكانَ هذَا البابُ مِما لا يدغمُ فَحولوا الآخرةَ واوًا لئلا يختلفَ الحرفانِ. قالَ: وتقولُ في "فَعُلانٍ" مِنْ حَيِيتْ: حَيُوانٌ فتبدلُ الآخرةَ واوًا لمَا انضمَّ ما قبلَها. قالَ: وتقولُ في "فُعُلانِ وَفُعَلانَ": حُيُيَانٌ وحُيَيَانٌ ولا تقلبُ الأُولى واوًا وإنْ كانَ ما قبلَها مضمومًا لأَنَّها في موضعِ العينِ. قالَ أبو بكر: إنْ كانَ ما حُكيَ عن الأخفشِ مِنْ قولِه2 في "فُعُلانٍ" مِنْ "حَيِيتُ": حُيُيانٌ صحيحًا عَنْهُ فهو غَلَطٌ لأَنُّهُ قَد تركَ قولَهُ في "فَعُلانٍ" حَيُوَانٌ فإنْ احتجَّ عنهُ محتج أَنَهُ كانَ يلزمُ أَنْ يقولَ "حُوُوَانٌ" فتقلبُ الياءين للضمتينِ ثم تقلبُ الواو الأَخيرةَ ياءً وتكسرُ ما قبلَها فلمَّا فَعَلَ ذلكَ وأَعلَّ اللاَّم لَمْ يجزْ أَنْ يعلَّ العينَ رَدَّ الياءَ قيلَ لَهُ: إذَا وجبَ إعلالُ اللامِ دونَ العينِ لَمْ يتسعْ لنَا هذَا التقديرُ لأَنَّ العينَ كالحرفِ الصحيحِ إذَا كانتِ اللامُ معتلةً وكانَ بعضُ أَصحابِنا مِنَ الحذاقِ بالتصريفِ لا يجيزُ في شيءٍ مِنَ الأبنيةِ أَنْ يجتمعَ واوانِ بينَهما ضمةٌ. وقالَ: أجري هذهِ الأَشياءَ على ما تلفظُ بهِ العربُ فأَنقلُ "فَعُلَ" إلى "فَعَلَ" في "حَيُوانٍ وقَوُوَانٍ" فأَقولُ: قَوِيَانٌ وحَيِيَانٌ فأَمَّا "فُعُلانُ" فأستقبح أَن أبنيَ مثلَهُ لأَنَهُ يخرجُ إلى ما ليسَ في الأسماءِ نحو: فُعِلَ وفُعِلاَنَ فإنْ قالَ قائلٌ: فَلِمَ لا تُدغم قيلَ: لا يجوزُ الإِدغامُ في "فُعُلٍ" و"فُعُلانٍ" لخروجهِ

_ 1 قال: ساقط في "ب". 2 من قوله: ساقط في "ب".

عَنْ مثالِ الفعلِ فالوجهُ أَنْ لا أَبني مثلَ هَذَا كما أَنهُ لو قيلَ لي: كيفَ تبني علَى مثالِ "كَابُلٍ"1 مِنْ "ضَرَبْتُ" لم يجزْ أَن أَبني. وقالَ الأخفشُ: "أَفْعُلَّةٌ" مِنْ رَمَيْتُ "أَرْمُوَّةٌ" وتقولُ في مثالَ "دُرَجَةٍ"2 مِنْ "رَمَيْتُ": رُمَيةٌ وجميعُ ما ذكرتُ لكَ من هذَا المثقلِ بُنيَ مثقلًا علَى أَنَّ الحرفَ الأولَ منهُ سَاكنٌ وتقولُ في مثلِ "عُرَضْنَةٍ3 مِنْ" رَمَيْتُ: رُمَيْنَةٌ وتقولُ في مثلِ "صَمَحْمَحٍ4" مِنْ "رَمَيْتُ": رَمَيْمًَا وتقولُ في مثلِ "حِلِبْلاَب5" من "رَميتُ": رِمِيْمَاءٌ ولو قالَ قَائلٌ: ابن لي مثلَ بكرٍ مِنْ يَدٍ قلتَ لَهُ: إنَّ العربَ لما أَرادتْ هذَا البناءَ جاءتْ بهِ منقوصًا وإذَا أَتمَمتَهُ فلَيس مِنْ كلامِهم فإنْ أَحبَّ أَنْ تتكلفَ لَهُ ذلكَ لتريهِ كيفَ يكونُ لو تكلموا بهِ قلتَ: يَدْيٌ أثبت الياءَ وأَعربتَ لأَنَّهُ مثلُ "ظَبيٍ" فإنْ قالَ لكَ قَائلٌ: ابنِ لي مِنْ ياءٍ مثلُ "بكرٍ" قلتَ: ليسَ في أَسماءِ العربِ اسمٌ فاؤهُ وعنيهُ ولامهُ من موضعٍ واحدٍ فإن تكلفتَ ذلكَ علَى قياسِ كلامِهم قلتَ: يَيْيٌ يَا هَذا جمعتَ بينَ ثلاثِ ياءاتٍ كمَا فعلتَ ذلكَ في تصغيرِ "حَيَّةٍ" حينَ قلتَ: حُيَيَّةٌ وهيَ في هذَا أَقوى منها في "حُيَييّةٍ" لأَنَّ الياءَ الأُولى في موضعِ الفاءِ وهيَ في تصغير "حَيَّةٍ" في موضعِ العينِ وموضعُ العينِ أَضعفُ مِنْ موضعِ الفاءِ فإنْ قَالَ [قائل] 6: ابنِ من ياءٍ مثال "جَعْفرٍ" قلتَ: "يَيْئَاً" ولَو بنيتَ مثالَ: قُعْدُدٍ لقلتِ: يُيْئُيٌ تحذفُ

_ 1 كابل: موضع، وهو أعجمي. 2 درجة: المرقاة. 3 عرضنة: مشية بها نشاط، ونظرة العرضنة: نظرة بمؤخرة العين. 4 صمحمح: غليظ شديد، والقصير الأصلع. 5 زيادة من "ب". 6 قُعدد: وقَعدد: اللئيم من الحسب.

الرابعةَ وتدعُ ثلاثَ ياءاتٍ ولَو أَردتُ مثلَ "سَفَرجلٍ" أَو مثلَ "صَمَحْمَحٍ" لقلتَ فيهما جَميعًا "يَوَيَّاً" تبدلُ الواوَ. قالَ الأخفش: لأَنكَ إذَا أبدلتَ الرابعة أبدلت معها الثالثة وينضم إلى مَا قالَ مِمَّا احتجَّ بهِ أَنّهُ لا أَصلَ يرجعُ إليهِ في اجتماعِ الياءاتِ إلا ما جاءَ في النَّسبِ ونحو هذَا إذا وقَعَ في النَّسَبِ قلبوا الياءَ ألفًا ثُمَ قلبوها واوًا فإنْ بنيتَ نح و"جحمرِشٍ"1 مِنَ الياءِ. قالَ الأخفش: تقولُ: يَيَّوِيٌ ثلاثُ ياءاتٍ ثُمَّ واوٌ ثُمَّ ياءٌ بعدَها واجتمعتِ الياءاتُ الأُول لأَنَّهنَّ لسنَ بأَثقلَ مِنْ بابِ تصغيرِ "حَيَّةٍ" إذا قلتَ "حُيَيَّةٌ". قالَ: ومثالُ "جَحمرِشٍ" مِنْ حَيِيتُ: "حَيَوَيٌ" تقلبُ إحدى الياءاتِ واوًا لئلا تجتمعَ أَربعُ ياءاتٍ ولم تقلبِ الأُولى والثانيةَ من "حَيِيتُ" لأَنكَ لو قلبتَها كنتَ قد قلبتَ حرفينِ فكانَ قلبُ الحرفِ الرابعِ أَولى لأَنَّكَ إنَّما تَقلبُ حرفًا واحدًا. قالَ: وتقولُ في مثالِ "قُذَعْمِيلةٍ2 من "قَضيتُ" قُضَوِيَّةٌ لأَنَّها تصيرُ في مثلِ النَّسَبِ إلى "أُمَيّةٍ" فيجتمعُ فيها أَربعُ ياءاتٍ فتحذفُ منهنَّ واحدةً ثُمَ تبدل الأُولى واوًا كمَا قلتَ في أُميَّةٍ: أُمَويٌّ وتقولُ في مثلِ "قُذَعْمِلَةٍ" [وهيَ القصيرةُ] 3 مِنْ "قَضيتُ قُضَيَّةٌ فتحذفُ ياءً وكانَ الأَصلُ "قُضَيِّيةٌ" فتكونُ ثلاثُ ياءاتٍ أَولُها ساكنٌ فحذفوا الآخرةَ كما أَنَّ أَصلَ "مُعَيَّةٍ" إذا صغرتَ: مُعَوِية مُعَيِّيةٌ فحذفوا الآخرةَ وإذَا بنيتَ "فَعُلاً" مِنْ

_ 1 جحمرش: العجوز الكبيرة. 2 قذعملية: قذعمل: القصير الضخم من الإبل. 3 زيادة من "ب".

قَضَيْتُ اسمًا قلتَ: قَضٍ وإنْ بنيْتُه "فَعْلاً" قلتَ: قَضْوًَا وإنَّما قلبتِ الواوَ ياءً في الاسم لأَنَّ الاسم لا يكونُ آخرهُ كذا1، وكذلكَ إنْ بنيتَ اسمًا علَى "فَعِلٍ" مِنْ "قَضَيْتَ" يستوي لفظُ "فَعِلٍ وفَعُلٍ" فإنْ قالَ قَائلٌ: فكيفَ لا تخافُ في هذَا اللبسَ وكيفَ لا تتركُ بناءَ هذَا أصلًا إذا كانَ يلتبسُ كما تركتُ بناءَ "فَنْعَلٍ" مِنْ "ضَرَبْتُ" إذ كانَ يلتبسُ بِفَعَّلَ قيلَ: إنَّ بينَ هذينِ فرقًا لأَنَّ "فَنْعَلَ" مِنْ "ضَرَبْتُ" لا يظهرُ بناؤهُ واضحًا أَبدًا وأَمَّا "فَعُلَ" مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ فَقَدْ يصحُّ إذَا قلتَ "فَعُلَةٌ" ولم تبنهِ على تذكيرهِ2 نحو: رَمُوَةٍ وغَزُوَةٍ وتقولُ هو أَيضًا في الفعلِ فيصحُّ تقولُ: لرَمُوَ الرجلُ ولغَزُوَ الرجلُ وأَنتَ لا تصححُ فَنْعَلَ مِنْ ضَرَبْتُ3 في وجهٍ مِنَ الوجوه. واعلَم: أَنَّ أَربعَ ياءاتٍ لا يجتمعنَ إلا في لغةٍ رَديئةٍ هذَا عَدِيييُّ وأُمَيَّيٌّ في النَسَبِ إلى "عِدَيِّ" وأُمَيَّةَ وهذَا لا يقاسُ علَيةِ ولا يقولُه إلا قليلٌ مِنَ العربِ. واجتماعٌ ثلاثِ ياءاتٍ مرفوضٌ أَيضًا إذا سكنتِ الأُولى. فأَمَّا إذا سكنَ ما قبلَ الياءِ الأُولى وهنَّ4 ثلاثُ ياءاتٍ فإنَّ ذلكَ في الكلامِ كثيرٌ. نحو: "ظَبِييُّ" ومكان مَحْييٌّ5 فيهِ وإذَا كانتْ ثلاثُ ياءاتٍ فكانتِ الأُولى منهنَّ مكسورة وما قبلَ الأُولى متحركٌ. فإنَّ ذلكَ أَيضًا مرفوضٌ تقلبُ الأُولى منهنَ واوًا نحو: "شَجَوىٍّ ورَحَويٍّ" فإنْ كانتِ الوسطى متحركةٍ والأُولى متحركةٍ وما قبلَها سَاكنٌ فإنَّ ذلكَ متروكٌ في

_ 1 في "ب" هكذا. 2 في "ب" تذكير، بسقوط الهاء. 3 من ضربت: ساقط في "ب". 4 في "ب" وهي. 5 محيي فيه: هو مفعول من "حييت" وكان الأصل "محيوي" لأن العين واو بعدها واو مفعول، وبعد مفعول الياء التي هي لام الفعل.

كلامِهم فإنْ بنيتَ مثلَ "جَحمرِشٍ" مِن "رَمَيْتُ" فالأَصلُ فيهِ أَن تقولَ: رَمْيَيٌّ فتجتمعُ ثَلاثُ ياءاتٍ والميمُ قبلَ الياءِ الأولى ساكنةٌ وهذَا لا مِثْلَ لَهُ. قَالَ الأخفش: مَنْ جمعَ هذِه الياءات [فإنْ] 1 أَرادَ أَنْ يدغمَ في قولِ مَنْ قالَ: قَتَّلوا فإنَّهُ يقولُ: رَمَيٌّ ياءانِ ويحذفُ الآخرةَ لأَنَّ الأُولى قد سكنتْ قالَ: وما أَرى إذا كانتِ الياء الأُولى والثانيةُ متحركتينِ إلا أَنْ تُلقَى ياء إذا كُنَّ فيهِ2 ثلاثُ ياءات متحركاتٍ لأَنَّ ياءً متحركةً أثقلُ مِنْ ياءٍ ساكنةٍ.

_ 1 زيادة من "ب". 2 فيه، ساقط في "ب".

الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ ويشبهُ ذلكَ "بفُوعِلٍ" مِنْ وَعَدَ إذَا قالَ فيها "وَوُعِدَ" فلاَ يلزمهُ الهمزُ كمَا يلزمهُ الهمزُ إذَا اجتمعت واوانِ في أولِ كلمةٍ لأَنَّ الثانيةَ مدةٌ ومثلُه قولُ الله جَلَّ ثناؤهُ1: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} 2 وجميعُ ذا عن المازني3 وتقولُ في مثل "هِدْمْلَةٍ"4 مِنْ قُلْتُ: قِوَلَّةٌ وتقولُ في مثلِ عَنْكَبُوتٍ مِنْ "بِعْتُ" وقُلْتُ: قَوْلَلُوتٌ وَبَيْعَعُوتٌ فإذا جمعتَ قلتَ: بياعِعٌ وقَوَاللٌ وإن عوضتَ قلتَ: بَيَاعيعُ وقَوَاليلُ ولَمْ تدغم قبلَ العوضِ لأَنَهُ ملحق ببناتِ الأربعةِ [ولَم يعرضْ فيهِ ما يهمز مِنْ أَجلهِ] 5 فذهبَ الإِدغامُ لذلكَ وتقولُ في مثالِ: اطمَأَنَنْتُ مِنْ "غَزَوْتُ": اعزَوّا6 ومِنْ "رَمَيْتُ" ارْمِيَّا فتبدلُ الطَّرف7 ويقولُ النحويونَ فيها مِنَ القولِ والبيعِ: اقْوَلَّلٌ وابْيَعَّعٌ وإنّما فعلتَ هَذَا بالواوِ والياءِ لأَنَّ هذَا موضعٌ لا تعتلانِ فيهِ ويجريانِ مَجرى غيرهِما8، ويقولونَ فيها مِنَ الضربِ "اضْرَبَّبٌ" يحولونَ الحركةَ علَى اللاّم الأُولى كمَا فَعلوا في "اطمأَنَّ" والذي يذهبُ إليهِ أبو عثمان وهوَ الصوابُ عندي أَن يقولُ: اضْرَبَّبَ فيدعُ الكلامَ علَى أَصلِه إذْ كنتَ تَخرجُ مِنْ إدغامٍ إلى

_ 1 في "ب" جل وعز. 2 الأعراف: 20، ووري: من وارى، وأصله وري. 3 انظر: التصريف 2/ 245. 4 الهدملة: الرملة المشرقة. 5 أضفت هذه العبارة "ولم يعرض فيه ما يهمز من أجله" انظر: التصريف 2/ 259. 6 في التصريف 2/ 263 وتقول في "غزوت": غزويت واغزوا. 7 أن تبدل الطرف ياء. 8 انظر: تصريف المازني 2/ 263. 9 انظر: التصريف 2/ 266: أما الأخفش فكان يقول فيها من: ضرب وأخواته اضربب، بتشديد الباء الآخرة، أي: الجمع بين لامين في الطرف، وابن السراج صوب رأي المازني في هذه المسألة. أما ابن جني في المنصف2/ 267 فقد استحسن رأي الأخفش وقال: وأرى أن أبا عثمان في هذا قد غصب أبا الحسن حقه، لأن اللامان يلتقيان غير مدغمين أولاوهما في الأخرى وذلك نحو قردد وجلبب.

إدغامٍ وإنّما تفعلُ هذَا إذا اختلفتِ اللاماتُ أَلاَ تَرى أَنَّ "اطمأنَّ" لامهُ الأُولى همزةٌ والأُخريانِ مِنْ جنسٍ واحدٍ فلَم يوصلْ إلى الإِدغامِ حتَى أَلقى حركةَ الأُولى علَى الهمزةِ وليسَ ذلكَ في بابِ "ضَرَبَ" لأَنَّ اللامات من جنسٍ واحدٍ فإذَا أَنْتَ غيرتَ لم يخرجك ذلكَ مِنْ أَن يكونَ الاستثقالُ على حالِه كما قالَ سيبويه1 في "فَعَّلَ" مِنْ "رَدَدْتُ" لا أَغيرهُ لأَني لو فعلتُ ذلكَ لصرتُ مِنْ كثرة الدالاتِ إلى مثلِ ما فررتُ منهُ فأقررتُ البناءَ على أصلهِ فكذلكَ هذَا إذا بنيتَهُ علَى مثالِ "اطمأنَّ" تركتَهُ علَى أَصلهِ وحَقُّ هذَا في التقديرِ أَن لا تجعلَ اللامَ الأُولى أَصلًا فتكون قَد جمعتَ بينَ لامينِ زائدتينِ فتجمعُ ما لا يجمعُ مثلهُ وكذلكَ أَيضًا إنْ جعلتَ الآخرةَ أصلًا ولكنْ تجعلُ الأُولى زائدةً ملحقةً والثانيَة أًصلًا والآخرةَ زائدةً وإذَا قلتَ "يَفْعَلُ" مِنْ ارْمياَّ واغْزوَّا قلتَ: يَرْمييُّ2، ولَمْ يَرْمييُّ فاعلَمْ ولَنْ يَرْمِييَّ يا فتى وكذلكَ: يَغْزَوِّي ولَن يَغْزَوِّيَ فاعلَمْ ولَمْ يَغْزَوِّ يا هَذَا فَأَمَّا مثالُ: "اغْدَوْدَنَ" مِن "رَدَدتُ" فإنَّكَ تقولُ: ارْدَوَدَّ تدغمُ لأَنَّ اغدودنَ قد تكررتْ فيهِ الدالُ وهوَ ثلاثي وليسَ بملحقٍ بالأربعةِ لأَنهُ ليسَ في الأربعةِ مثلُ: احْرَوْجَمَ3، فيكونُ: اغْدَوْدَنَ ملحقًا بهِ وتقولُ فيهِ مِنْ وَدِدْتُ ايْدَوَدَّ تقلبُ الواوَ ياءً لانكسارِ ما قبلَها وهيَ ساكنةٌ وتقولُ في "فُعْلُولٍ" مِنْ "غَزوتُ" غُزْوِيٌّ4 تبدلُ الواوَ الآخرةَ ياءً فيصيرُ غُزْوِوْيٌ فتبدلُ الواوَ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 398. 2 انظر: التصريف 2/ 267. 3 احروجم: لا يوجد هذا البناء وإنما الموجود: احرنجم، ومعناه اجتمع. 4 أصل غزوي، غزوو، فقلبت الآخرة ياء لاجتماع ثلاث واوات فصارت غزوويا، ثم أبدلت لهما الواو التي قبلها وأبدلت من الضمة قبلها كسرة فصارت غزويا، كالواو في "غزوى" هي الواو الأولى التي كانت في "غزوو".

الساكنةَ ياءً مِنْ أَجلِ الياءِ التي تليها ثُمَ تدغُمها فيها فتصيرُ بمنزلةِ ياءِ النَّسَبِ إلى عَدْوٍ وغَزْوٍ وتقولُ في مَفعُولٍ مِنَ القُوَّةٍ مَقْوِيٌّ وكانَ الأَصلُ: مَقْووٌّ فغيرتَ لاجتماع الواواتِ. قالَ سيبويه1: تقولُ في "فُعْلُولٍ" مِنْ غَزَوتُ: غُزْوِيٌّ2، وأَصلُها: "غُزْوُوٌّ" فلمَّا كانوا يستثقلون الواوينِ في "عُيِيٍّ" ومَعْدِيٍّ أُلزمَ هذَا بدل الياءِ حيثُ اجتمعت ثلاثُ واواتٍ مَع الضمتينِ في "فُعْلُولٍ" فأُلْزِمَ هذَا التغييرُ كَما أُلزم "مَحْنِيةِ"3 البدَلُ إِذْ غيرتْ في ثِيَرةٍ وسِيَاطٍ ونحوهما وتقولُ في "فُعْلُولٍ" من "قَوِيْتُ": قُوِيٌّ تغيرُ منهما ما غيرتَ مِنْ "فُعْلُولٍ" مِنْ "غَزَوْتُ" وتقولُ في "أُفْعُولةٍ" مِنْ "غَزَوْتُ": أُغْزُوَّةٌ وقَد جاءَ في الكلامِ "أُدْعُوَّةٌ" وقَد تكونُ أُدْعِيَّةٌ علَى أَرضٍ مَسِنيةٍ5، هَذا قولُ سيبويه6. وتقولُ في "أُفعُولٍ" في "قَوِيْتُ" أُقْوِيٌّ لأَنَّ فيها ما في مَفعُولٍ مِنَ الواواتِ. وقالَ سيبويه تقولُ في فَعلاَنٍ مِنْ "قَوِيْتُ": قَوَوانٌ وكذلكَ "حَيِيْتُ" فالواوُ الأولى كوا و"عَوِرَ" وقَوَيتِ الواوُ الأخيرةُ كقوتِها في "نَزَوَانٍ"7

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 292. 2 صار بمنزلة النسب إلى غزو وعدو وما أشبه ذلك. 3 محنية: هي منعطف الوادي حيث ينعرج. 4 انظر: الكتاب 2/ 392-393. 5 مسنية: ومسنوة، اسم مفعول من سنا الغيث الأرض يسنوها إذا سقاها. ومسنى هي الأرض المسقية بالساقية، والسانية الناقة أو البعير، يسقى عليه الماء من البئر. 6 انظر: الكتاب 2/ 393. 7 نزوان: الارتفاع. يقال: نزا ينزو نزوا ونزاء ونزوانا، إذا علا وارتفع.

وصارتْ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ ولم يستثقلوهما مفتوحتين كما قالوا لَوَوِيٌّ وَأَحْوَوِيٌّ ولا تدغمُ لأَنَّ هَذا الضربَ لا يدغمُ في "رَدَدْتُ"1. وقالَ المازني: تصحُّ اللامُ في "فَعَلانٍ" فتقولُ: "قَوَوانٌ" كَما صحتْ في "نَزَوانٍ" وتصحُّ العينُ كما صحتْ في "جَوَلانٍ"2. وقال سيبويه: تقولُ في "فَعَلانٍ" مِنْ "قَوِيْتُ" قَوَّانٌ وكذلكَ "فَعُلانٌ" مِنْ حَيِيْتُ حَيَّانٌ تدغمُ لأَنَّكَ تُدغمُ "فَعُلاَنَ" مِنْ "رَدَدتُ" وقَد قويتِ الواوُ الأخيرةُ كقوتِها في "نَزَوانٍ" فصارت بمنزلةِ غَيرِ المعتلِّ. قالَ: ومَنْ قَالَ: "حَييَّ عَن بَينّةٍ"3، قالَ: "قَوُوانٌ"4. قال أبو العباس: قَوُوانٌ غَلط يَنبغي إِن لم تُدغمْ أَن تقولَ: "قَوِيَانٌ" فتكسرُ الأولى وتقلبُ الثانيةُ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في أَحدِهما ضمةٌ والأُخرى متحركة. قالَ: وهَذا قولُ أَبي عُمَرَ وجميعِ أهلِ العلمِ5 قالَ سيبويه: تقولُ في "فَيْعِلاَنٍ" مِنْ حَيِيْتُ وقَوِيْتُ وَشَوَيْتُ: قَيَّانٌ وحَيَّانٌ وشَيَّانٌ لأَنَّك تحذفُ ياءً هَهُنَا كَما حذفتها في "فَيْعِلٍ"6، يَعني أَنَّكَ لو قلتَ: "فَيْعِلٌ" مِنَ القوةِ لقلت "قَيٌّ" كي لا يجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ قبلَ الأخيرةِ التي هيَ لامٌ ياءٌ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 393-394. 2 انظر التصريف 2/ 282 والجولان، مصدر جال يجول جولا وجولانا. 3 الأنفال: 42. 4 انظر: الكتاب 2/ 394. 5 انظر: المنصف 2/ 282. 6 انظر: الكتاب 2/ 394.

مشددةٌ مكسورةٌ قالَ: فهم يكرهونَ هَهُنَا مَا يكرهونَ في تصغيرِ "شَاويةٍ" في قولهم: رأَيتُ شُوَيّةً1. قالَ أبو بكر: فجعلَ الألفَ والنونَ نظيرتي الهاءِ لأَنَّهما زائدتانِ كزيادتِها وأَنَّ ما قبلَ الألفِ مفتوحٌ كَما أنَّ ما قبلَ الهاءِ مفتوحٌ وتقولُ في "فُعُلَةٍ" مِنْ: غَزَوْتُ ورَمَيْتُ: غُزُوَةٌ ورُمُوَةٌ فإنْ بنيتَها على "فُعُلٍ" علَى التذكيرِ قلتَ: غُزَيةٌ وَرُمِيَةٌ لأَنَّ مذكرهما: رُمٍ2 وغُزٍ3. قاَل أَبو بكر: وهوَ عندي قبيحٌ لأَنَّهُ يخرجُ إلى مثالٍ لا يكونُ إلا للفعلِ فأَمَّا "خُطُواتٌ" فلَم يقلبوا الواوَ لأَنَّهم لم يجمعوا "فُعُلَ" ولاَ فُعُلةً جاءت علَى "فُعُلٍ" وإِنّما عَرَضَتْ هذه الحركةُ في الجمع أَلاَ تَرى أَنَّ الواحدة4 خُطْوَةٌ فَخُطوةٌ5 نظيرُ فُعْلَةٍ التي لا مذكَّر لَها ومَنْ قَالَ: خُطُواتٌ بالتثقيلِ فإِنَّ قياسَ ذلكَ أَن تقولَ في "كُلْيةٍ": كُلُواتٍ ولكنَّهم لم يتكلموا إلا بكُلَياتٍ مخففةً فرارًا مِنْ أَنْ يصيروا إلى ما يستثقلونَ ولكنَّهُ لا بأسَ بأَنْ تقولَ في مِدْيَةٍ: مدِياتٌ كَما قلتَ في خُطْوةٍ: خُطُواتٌ لأَنَّ الياءَ مَع الكسرةِ والواوَ مع الضمةِ ومَنْ ثقلَ في "مِدِيَاتٍ" فإِنَّ قياسَهُ أَنْ يقولَ: جِرْوَةٌ6، جِرِيَاتٌ لأَنَّ قبلَها كسرةً وهيَ لامٌ ولكنَهم لا يتكلمونَ بذلكَ إلا مخففًا فِرارًا مِنَ الاستثقال7 والتغييرِ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 394. 2 في الأصل "رمى". 3 في الأصل "غزى". 4 في الأصل "الواحد". 5 في الأصل "خطوات". 6 في الأصل "جرو" والتصحيح من "ب". 7 في "ب" الاستقبال، وهو خطأ.

فإِذَا كانتِ الياءُ مَع الكسرةِ والواوُ مَع الضمةِ فكأَنَّكَ رفعتَ لسانَكَ بحرفين مِنْ موضعٍ واحدٍ رفعتَهُ لأَنَّ العملَ مِنْ موضعٍ واحدٍ1، فإِنْ خالفتَ الحركةَ فكأَنَّهما حرفانِ مِنْ موضعينِ متقاربين الأولُ ساكنٌ نحو: "وَتْدٍ" هَذا قولُ سيبويه:2 يريدُ أَنَّ الضمة في "خُطْوةٍ" مَع الواوِ مِنْ مخرجٍ واحدٍ وكذلكَ الكسرةُ مِنْ "مِدْيَةٍ" مَع الياء مِنْ موضعٍ واحدٍ مِنَ الفمِ ولَيْسَت كذلكَ في "جِرْوَةٍ" ومِدْيَةٍ فشبَّه الضمةَ معَ الواوِ والكسرةَ معَ الياءِ بِدَالٍ سَاكنةٍ لقيتْ دَالًا متحركةً فأُدغِمتْ فيها ضرورةً لا بُدَ مِنْ ذلكَ وشبَّه الكسرةَ معَ الواوِ والضمةَ معَ الياءِ بحرفينِ متقاربينِ من مخرجٍ واحدٍ التقيا والأولُ ساكنُ فالنطقُ بهِ ممكنٌ لا ضرورة أحوجتْ إلى إدغامهِ لأَنَّ الإِدغامَ إِنّما هَوَ حرفٌ ساكنٌ لقيَهُ حرفٌ3 مثلُهُ فمتى لَمْ يقفِ المتكلمُ وقَعَ الإِدغام ضرورة. وقالَ سيبويه: تقولُ في "فَوْعَلَّةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غَوْزَوَّةٌ وأُفْعُلَّةٍ: أُغْزَوَّةٌ وفي "فُعُلٍّ": غُزُوٌّ وفَوْعُلٍّ: غَوَزَوٌّ. وأُفْعُلَّةٌ مِنْ رَميتٌ: أُرميَّةٌ تكسرُ العينَ كما تكسرُها في "فُعُولٍ" إِذَا قلتَ: ثُدِيٌّ ومَنْ قَالَ في [عُتُوٍّ] 4 عُتيٌِّ قَالَ في "أُفْعُلَّةٍ" مِنْ غَزَوْتُ. أُغُزِيَّةٌ5. وتقولُ في "فِعْلاَلةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْواوَةٌ إِذا لَم تكنْ علَى "فِعْلاَلٍ" وتقولُ في مِثْلِ: كوَأْلَلٍ مِنْ غَزَوْتُ: غَوَزْوًَا ومِنْ قَوِيْتُ: قَوَوًَّا ومِنْ حَيِيتُ: حَوَيًّا وتقولُ في "فِعْوَلٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْووٌّ لا تجعلَها ياءً والتي قبلَها مفتوحةٌ أَلا تَرى أَنَّهم لم يقولوا

_ 1 في الأصل "إذا" والتصحيح من "ب". 2 انظر: الكتاب 2/ 395. 3 حرف: ساقط من "ب". 4 أضفت كلمة "عتو" لإيضاح المعنى. 5 انظر: الكتاب 2/ 395.

في "فَعَلٍّ": غَزَيٌّ للفتحةِ كما قَالوا: عُتِيٌّ. وتقولُ في مِثال "عِثْوَلٍّ"1 مِنَ القوةِ: قِيَّوٌّ وكانَ الأصلُ: قِيْوَوٌّ ولكنَّكَ قلبتَ الواوَ ياءً كما قلبتَها في "سَيّدٍ". وتقول. في مثلِ: حِلِبْلابٍ مِنْ "غَزَوْتُ" ورَمَيْتُ: غِزِيزاءُ وَرِميَماءُ كسرتَ الزايَ والواوَ ساكنةٌ وقلبتَها ياءً. وتقولُ2 في "فَوْعَلَّةٍ" من أَعْطَيْتُ: عَوْطَوَّةٌ علَى الأصلِ لأَنَّها مِنْ "عَطَوْتُ" وتقولُ في "فَعِلٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غَزٍ تلزمُها البدلَ إِذَا كانْتُ تُبدلُ وقبلَها الضمَّة فَهي هَهُنَا بمنزلةِ مَحِنيَةٍ. وتقولُ في "فَعْلُوَةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غَزْوِيَةٌ وكانَ الأصلُ: "غَزْوُوَةٌ3" فقَلبتَ الأخيرةَ وكسرتَ ما قبلَها لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ الأُولى مَضمومةٌ ولكن إِذَا كانتْ واوٌ واحدةٌ قبلَها ضمةٌ قَد ثبتتْ إِذَا لم تَكنْ طَرفَ اسمٍ نحو: عَرْقُوةٍ جعلت الواو في "سَرُوَ وَلَغْزُوُ4، لا تَرى أَنَّ "فَعَلْتُ" في المضاعفِ مِنَ الواوِ لم يستعملْ لَم يقولوا: قَوَوْتُ مِنَ القوةِ وأَلزموهُ "فَعِلْتُ" لتنقلبَ الواوُ ياءً وأَمَّا "غِزَوٌّ" فلمَّا انفتحتِ الزايُ صارتِ الواوُ الأولى بمنزلةِ غَيرِ المعتلِّ وصارت بمنزلةِ وا و"قَوٍّ" هَذا لَفظُ سيبويه5. وتقولُ في "فَيْعَلى" من غَزَوْتُ غَيْزَوَى لأَنَّكَ لَمْ تلحقِ الألفَ "فَيْعَلاً" ولكنَّكَ بنيتَ الاسمَ عَلَى هَذا أَلا تَراهم قَالوا: مِذْروانِ6 إِذْ كانوا لا يفردونَ الواحد7 فهوَ في "فَيْعَلَى": أَجدرُ لأَنَّ هذهِ الألفَ لا تلحقُ اسمًا بُنيَ على التذكيرِ.

_ 1 عثول: وعثوثل: الشيخ الثقيل. والقدم المسترخي، وقيل: قثول، مثل: عثول. 2 وتقول: ساقط في "ب". 3 انظر: الكتاب 2/ 396. 4 في الأصل "يغزو". 5 انظر: الكتاب 2/ 396. 6 مذروان: قيل: أطراف الإليتين ليس لهما واحد. 7 في "ب" واحدا.

وقالَ الأخفش: إِذا اشتققتَ مِنْ "وعَدتُ" اسمًا علَى "أَفْعَلَ" مثلَ "يزيدٍ" في العلةِ قلتَ: هَذا عِدٌ وإِن أَردتَ اسمًا علَى حَدِّ "أَبْيَنَ" قلتَ: أَيْعَدٌ وكذلكَ "يَفْعِلُ": يَوْعِدُ. قالَ أبو بكر: قولهُ: اشتققتَ اسمًا على "أَفْعَلَ" إِنْ لم يردْ بهِ أَنَّه سَمى1 بالفعلِ بعدَ أَنْ أَعلَّ كما سَمى "بيزيدَ" وإلا فالكلامُ خَطأٌ لأَنَّ هَذا البناءَ لا يكونُ إلا للفعلِ أَعني: عِدْ ولَو سميتَ "بقُمْ" لقلتَ: هَذا قُوْمٌ لأَنَّ الواوَ إِنَّما كانت تسقطُ لإلتقاءِ الساكنينِ فلمَّا وجبَ الإِعرابُ وتحركتِ الميمُ ردتِ الواوُ فإِنْ سميتَ بالمصدرِ مِنْ وَعَدْتُ قلتَ: عِدَةٌ ومن "وَزَنْتُ" زِنّةٌ فإِنْ أَردتَ أَنْ تبنيَ "فِعْلَةً" ولا تَنوي مصدرًا قلتَ: وِعدَةٌ وَوزنَةٌ وأَما "وجْهَةٌ" فإِنَّهُ جاءَ علَى الأصلِ ولم يَبنِ علَى "فِعْلٍ". قالَ الأخفشُ: وأَمَّا قولُهم: الدَّعَةُ والضَّعَةُ وفي الوَقَاحِ: هَذا بَيِّنُ القَحةِ فكل شَاذ فالذينَ قَالوا: الضِّعَةُ2 والقِحَةُ3 أخرجوهُ علَى فِعْلَةٍ ونقصوهُ لعلةِ الواوِ وإِنَما يقولونُ في الوضيعِ: قَدْ وَضَعَ يَوضُعُ ولكنَّ المصدرَ لا يجيءُ على القياسِ وتقولُ في "فَوْعَلٍ" مِنْ وَدَدْتُ: أَوْدَدَ وكانَ الأصلُ: وَوْدَدَ فأُبدلتِ الأُولى همزةً لاجتماع الواوينِ4 في أول

_ 1 في الأصل "سما" والتصحيح من "ب". 2 الضعة: خلاف الرفعة في القدر والأصل، وضعة، حذفوا الفاء على القياس، كما حذفت من عدة وزنة، ثم أنهم عدلوا بها عن "فعلة" فأقروا الحذف على حاله، وإن زالت الكسرة التي كانت موجبة له فقالوا: الضعة فتدرجوا بالضَّعة إلى الضِّعة وهي وضعة كجفنة وقصعة. انظر: اللسان.. "وقح". 3 القحة: التوقيح، أن يوقح الحاضر بشحمة تذاب حتى إذا تشيطت الشحمة وذابت كوي بها مواضع الحفاء والأشاعر. 4 زيادة من "ب".

الكلمةِ وتقولُ في المَفعُولِ: مُوَودَدٌ ولا تدغمُ لأَنَّهُ ملحقٌ ولا تهمزُ كَما تهمزُ "فَوْعَلَ" لأَنَّ الواوَ ليستْ أَولَ الكلمةِ1، أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ يقولُ: أَعِدُ يَقولُ: مَوْعودٌ ولا يبنيهِ2 عَلَى "أُعِد" لأن تلكَ العلةَ قد زَالتْ وهيَ أَنَّ الواوَ مضمومةٌ. قالَ: الأخفشُ: وليسَ كُلُّ مَا غُيِّرَ "فُعِلٌ" منهُ غُيّرَ المفعُولُ منهُ ألا تَرَى أنَّهم يقولونَ: غُزِيٌ ودُعِيٌ ثُم يَقولونَ: مَغْزوٌّ ومَدعُوٌّ وتقولُ في "فَيْعُولٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غَيْزُوٌّ مِثْلُ: مَفْعُولٍ منهُ إِذا قلتَ: مَغْزُوّ3 وفَيْعُولٌ مِنْ قَوْيتُ: قَيُّوٌّ تقلبُ الواوَ التي في موضعِ العينِ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتقولُ في "مَفْعُلَةٍ" مِنْ قَوِيْتُ: مَقْوِيَةٌ تقلبُ الأخيرةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ وَاوانِ إِحداهما مضمومةٌ وتقولُ في [مِثَالِ: عَرْقُوةٍ مِنْ غَزَوْتُ: غَزْوِيَةٌ لئلا يجتمعَ واوانِ إِحداهما مضمومةٌ وتقولُ4 في] "فُعْلَةٍ" مِن غَزَوْتُ: غُزْيَةٌ إِنْ بنيتَها على تذكير فإِنْ لم تبنِها على تذكيرٍ قلتَ: غُزُوَةٌ لأَنَّهُ غيرُ منكرٍ أَنْ يكونَ في حَشوِ الكلمةِ واوٌ قبلَها ضَمةٌ وإِنَّما يتنكبُ ذلكَ إِذَا كانتْ طَرفَ اسمٍ وتقولُ في مثلِ: مَلَكوتٍ مِنْ غَزَوْتُ وَقَضَيْتُ: غَزَوتٌ وقَضَوْتٌ وكانَ الأصلُ: غَزَوُوتٌ فقلبتَ الواوَ التي هيَ لامٌ ألفًا لأَنَّها "فَعَلُوتٌ" فالتقى ساكنانِ فحذفتِ الألفُ لإلتقاءِ الساكنينِ وكذلكَ عَمِلْتُ في "قَضَوُتٍ" وتقولُ في "فَعْلاَلةٍ" مِن غَزَوْتُ وقَوِيْتُ: غِزْوَاوَةٌ وَقِوَّاوَةٌ إِذَا لَم يكنْ علَى تذكيرٍ فإِنْ كانتْ على تذكيرٍ همزَتها فقلتَ: قَوَّاءةٌ

_ 1 في "ب" كلمة. 2 في "ب" فلا. 3 إنما صار بمنزلة مغزو، لأن قبل لامه واو "فيعول" فهي نظية واو مفعول. 4 ما بين القوسين ساقط في "ب".

وغِزَوّاءةٌ1 وتقولُ في مثالِ: كَوَأَلَلٍ مِنْ غَزَوْتُ: غَوَزْوًَا ومن "قَوِيْتُ" علَى مذهبِ الأخفشِ: قويًَّا وعلَى مذهبِ2 غيرِه: قَوَوّاً3 تجمعُ بينَ ثلاثَ واواتٍ كما فعلَ ذلكَ في "افْعَوعَلَ" مِنْ: قُلْتُ فقالَ اقْوَوَّلَ والأخفشُ يقولُ: اقْوَيَّلَ4. قَال أبو بكر5: والذي أَذهبُ إِليهِ: القلبُ والإِبدالُ كَما فَعلَ الأخفشُ لأَنّي وجدتُهم يقلبونَ إِذا اجتمعتْ واوانِ وضَمةٌ فإِذَا اجتمعت ثَلاثُ واواتٍ فهيَ أثقلُ لأَنَّ الضمةَ بعضُ واوٍ6، والكلُّ أُثقلُ مِنَ البعضِ وتقولُ في "فِعْليَّةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْوِيّةٌ ومِنْ قَوِيْتُ: قَوِيَّةٌ. وقالَ الأخفش: تقولُ في "فِعْلٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْيٌ لا تكونُ فيه إلا الياءُ لانكسارِ ما قبلَها. وقال بعضُ أصحابِنا:7 لا أَقولَ إلا غِزْوٌ فأَمَّا مذهبُ الأخفشِ فإِنَّهُ أَبدلَ الواوَ الأُولى الساكنةَ لكسرهِ ما قبلَها ثُمَ أَدغَمها في الأُخرى فقلبَها ياءً أَو يكونُ أَبدلَها لأَنَّها طَرفٌ قبلَها كسرةٌ وحجةُ مَنْ لم يبدلْ أَنْ يقولَ: المدغمُ كالصحيح ولا يكونُ8 قَلبُ9 الأُولى ياءً لأَنَّها غيرُ منفصلةٍ مِمّا بعدَها وإِنَما وقعتاَ معًا مشددةً وإِذَا كانتْ مشددةً فهيَ كالحرفِ الصحيحِ

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 395. 2 في "ب" قول بدلا من "مذهب". 3 انظر: الكتاب 2/ 396. 4 انظر: التصريف 2/ 244، والمقتضب 1/ 187. وابن السراج يذهب إلى صحة مذهب الأخفش، وكذلك ابن جني. 5 قال أبو بكر: ساقط في "ب". 6 في "ب" الواو. 7 أي: البصريون. قال سيبويه 2/ 396: وتقول في "فعل" من غزوت: غزا لزمتها البدل، إذ كانت تبدل وقبلها الضمة فهي هَهُنَا بمنزلة محنية. 8 في "ب" يجوز. 9 قلب: ساقط في "ب".

المسائل المبنية من الواو

القسمُ الثاني: المسائلُ المبنيةُ مِنَ الواوِ: تقولُ في مثلِ: اغْدَوْدَنَ1 مِنْ قلتُ: أقْوَوَّلَ تكررُ العينَ وهيَ واوٌ وتجعلُ واوَ افعَوعلَ الزائدةَ بينهما وهيَ ساكنةٌ [فتدغمُها في الواوِ التي بعدَها وكانَ أَبو الحسن الأخفش] 2 يقولُ: أقوَيَّلَ فيقلبُ الواوَ3 الآخرةَ [ياءً] 4 ثُمَ يَقلبُ لهَا [الواوَ] 5 التي تَليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ: أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ [واوات] 6، وإذَا قلتَ "فُعِلَ" منْ هذَا قلتَ: "أُبْيُويعٌ وأُقْووُلَ" فلم تدغم لأن الواو مدة فهي بمنزلة الألف ويقول أبو الحسن: اقْوُوِولَ فلا يقلبُ ويقول: صارتِ الوسطى مدةً بمنزلةِ

_ 1 اغْدَوْدَنَ: يقال: اغْدَوْدَنَ النبت إذا طال واسترخى. 2 ما بين القوسين ساقط في "ب". 3 الواو: ساقط في "ب". 4 زيادة من "ب". 5 أضفت "الواو" لتوضيح المعنى. 6 انظر: تصريف المازني 2/ 244.

المسائل المبنية من الهمزة

القسمُ الثالث: المسائلُ المبنيةُ مِنَ الهمزةِ: تقولُ فيما فاؤُهُ همزةٌ إِذا ألحقتها همزةً قبلَها نحو: أَخَذَ وأَكَلَ وأَبقَ1 لَو قلتَ: هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا قَلتَ: هَذا آكلُ مِن ذَا تبدلُ الهمزةَ التي هيَ فَاءٌ ألفًا ساكنةً كأَلفِ "خَالدٍ" فإِذَا أَردتَ تكسيرَهُ أَو تصغيرَهُ جعلتَها واوًا فتقولُ في تصغيرِ آدمٍ: أُويدِمٍ وفي تصغيرِ آخرَ: أُوَيخرٍ. وزعَم الخليلُ2: أَنَّهم حينَ جَعلوا الهمزةَ ألفًا جعلوها كالألفِ الزائدةِ التي في "خالدٍ وحَاتِمٍ" فحينَ احتاجوا إلى تحريكِها فعلَوا بها ما فَعلوا بأَلفِ "خَالدٍ وحَاتِمٍ" حينَ قالوا: خَوَالدُ وحَوَاتمُ قالَ الشاعِرُ: أَخالد قَدْ هَويتُكَ بعدَ هِنْدٍ ... فَشيبني الخَوَالدُ والهنودُ3 فكذلكَ فعلَوا بألفِ "آدمٍ" حينَ قالوا: أَوادمُ. قَال المازني: سألتُ أَبا الحسن4 الأخفش عن: هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا،

_ 1 أبق: وتأبق: استخفى، والإباق: هروب العبد من سيده. 2 انظر تصريف المازني 2/ 313. 3 من شواهد سيبويه 2/ 98، على تكسير خالدة على خوالد، وهند على هنود، وخالد مرخم خالدة. والبيت لجرير من قصيدة طويلة يهجو فيها اليتم. وانظر: التصريف 2/ 314. والمقتضب 2/ 323. والمخصص لابن سيده 17/ 82 وشرح السيرافي 4/ 178. واللسان "هود" وكتاب إيضاح شواهد الإيضاح/ 83. 4 أبا الحسن: ساقط في "ب".

مِنْ "أَمِّمْتُ" أَي: قصدتُ فقالَ: أَقولُ: هَذا أَوَّمُ مِنْ هَذا فجعلَها واوًا حينَ تحركتْ بالفتحةِ كما فعلَوا ذلكَ في أُويدمٍ. قالَ: فقلتُ لَهُ: فكيفَ تصنعُ بقولِهم: أيَّمَةٌ أَلاَ تَراها: أَفْعِلَةٌ والفاءُ منها همزةٌ فقالَ: لمَّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياء وقالَ: لو بنيتَ مثلَ "أُبْلُمٍ1" مِنْ "أَممتُ" لقلتَ: أُوَّمٌ أَجعلُها واوًا فسألتهُ: كيفَ تصغرُ أَيِّمةً فقالَ: أُوَيِّمَةٌ لأَنَّها قَدْ تحركتْ بالفتحةِ2. قالَ المازني: وليسَ القولُ عندي علَى ما قَالَ: لأَنَّها حينَ أُبدلتْ في آدمٍ وأَخواتِه ألفًا ثبتتْ في اللفظِ ألفًا كالألفِ التي لا أصلَ لَها في الفاءِ3، ولاَ في الواوِ فحينَ احتاجوا إلى حركتِها فعلوا بهَا ما فعلوا بالألفِ وأَمَّا ما كانً مضاعفًا فإِنَّهُ تُلْقَى حركتُهُ علَى الفاءِ ولا تُبدلُ همزتُهُ ألفًا ولو أُبدلتْ ألفًا لمّا حركوا الأَلفِ لأَنَّ الألف قد يقعُ بعدَها المدغمُ ولا تغيرُ فتغييرهم أيِّمةً يدلُ على أَنَّها لا تجري مَجرى أَيَّمُ ما تُبدلُ منهُ الألفُ4. قَالَ:5 والقياسُ عندي أَنْ أَقولَ في: هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا مِنْ "أَمَمْتُ وأَخواتِها": هَذا أَيَّمُ مِنْ ذَا وأُصَغِر أَيمةً: أُيَيِمةٌ ولا أُبدلُ6 الياءَ واوًا لأَنَّها قد ثبتتْ ياءً بدلًا مِنَ الهمزةِ إلا أَنَّ هذهِ الهمزةَ إِذا لم يلزمها تحريكٌ7 فبنيتَ مثلَ "الأُبلُمِ8" مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ: أُوْدُمٌ ومثل "إِصْبَعٍ":

_ 1 في الأصل "ابل" والتصحيح من "ب". 2 انظر: التصريف 2/ 315. 3 في الأصل "ياء" والتصحيح من "ب". 4 انظر: التصريف 2/ 316. 5 أي: أبو عثمان المازني. 6 في المنصف 2/ 318، ولا أبدل الهمزة. 7 أي: أن هذه الهمزة، إذا لم يلزمها تحريك تبعت ما قبلها.

إيدَمٌ ومثلُ أَفْكَلٍ1، فاجعلُها ألفًا إذا انفتحَ ما قبلَها وياءً ساكنةً إِذا انكسرَ ما قبلَها وواوًا ساكنةً إِذا انضمَّ ما قبلَها فإِذَا احتَجْتَ إِلى تحريكها في تصغيرٍ أَو تكسيرٍ جَعَلْتَ كُلَّ واحدةٍ منهنَ على لفظها الذي قَدْ بُنيتْ عليهِ فاترك الياءَ ياءً والواوَ واوًا واقلب الألفَ واوًا كما فعلتْ ذلكَ العربُ في تصغيرِ آدمٍ وتكسيرِهِ2. قالَ أبو بكر: هَذا مذهبُ المازني والقياسُ عندَهُ3، وأَبو الحسن الأخفش يَرى: أَنَّها إِذا تحركتْ بالفتحةِ أَبدلَها واوًا4. قالَ أبو بكر:5 والذي أَذهبُ إِليهِ قولُ الأخفش فأَمَّا الذي قالَهُ المازني في: "هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا" "مِنْ" أَقَمْتُ انَّهُ يقولُ: أَيّمٌ مِنْ ذَا وأَنَّهُ يصغرُ أَيَّمةً: أُيَيِمةٌ ففيهِ نظرٌ وقولُ الأخفش عندي أقيسُ لأَنَّها أُبدلتْ ياءً في "أَيّمةٍ" مِنْ أَجل الكسرةِ فإذَا زالتِ العلةُ بَطلَ6 المعمولُ وقولُه: إني أُصغرُ فأَقولُ: أُييِّمةٌ لأَنَّها قَدْ ثبتت في "أَيمةٍ" غير واجبٍ ولَو وجَبَ هذَا لوجب أَن يقولَ في مِيزانٍ: مَيَازين في الجَمعِ ويصغرُ فيقولُ: مُيَيزِينٌ لأَنَّ الياءَ قد ثبتتْ في الواحدِ وليسَ الأمرُ كَذا أَلا تَرى أَنَّهم يقولونَ:

_ 8 الأبلم: جمع أبلمة، وهي خوصة المقل، يقال: المال بيننا شق الأبلمة، ويقال: أبلمة، وإبلمة وأبلمة. 1 أفكل: الرعدة، وجماعة من الناس. 2 انظر: التصريف 2/ 318. 3 انظر: التصريف 2/ 318. 4 انظر: التصريف 2/ 318. 5 قال أبو بكر: ساقط في "ب". 6 في "ب" فبطل.

مِيزَانٌ ومَوَازينُ ومُوَيزينٌ1، لأَنَّهم إِنَّما أَبدلوا الواوَ ياءً في الواحدِ مِنْ أَجلِ الكسرةِ فَقالوا: مِيزَانٌ والأَصلُ مُوَازنٌ لأَنَّهُ مِنْ الوزنِ فلمَّا انفتحتِ الميمُ رجعتِ الواوُ فقالوا: مَوَازينُ لأَنَّ ذلكَ السببَ قَد زالَ والهمزتانِ إِذَا اجتَمعا في كلمةٍ فحقُّ الثانية أَنْ تُبدَل فتقولُ في: أَنا أَفعلُ مِنْ "أَمَمْتُ": أَنا أؤمُّ الناسَ وتقولُ فيها مِنْ أطَ2: أَيِطٌّ وكانَ الأصلُ: أُأْمُمٌ وآطِطٌ فأُدغمتْ وأُلقيتِ الحركةُ علَى الهمزةِ وأُبدلت منها الحرفُ الذي فيهِ حركتُها وكذلكَ "أَيَّمةٌ" كانَ أَصلهُ: أَأَمِمَةٌ. فإِنْ قَالَ قائلٌ: فَلِمَ لَمْ تبدلْ مِنَ الهمزةِ ألفًا كما فعلتَ في "آدم" وهيَ ساكنةٌ مثلُها قبلَها فَتحةٌ كمَا أَنَّ قبلَها فتحةٌ فهلا قَلتَ: أَنا أُأُمٌّ إِذا أَردتَ: أَوَمُّ وآمُّهُ في أيِمّةٍ وهذَا موضعٌ يقعُ فيهِ المدغمُ كَما قالوا: آمَّةُ وهم يريدونَ "فَاعِلةً" قِيلَ لَهُ: الفرقُ بينَ: آمَةٍ وأَيمةٍ أَنَّ الأَلفَ في "فَاعِلةٍ" لا يجوزُ أَنْ تتحركَ لأَنَّها زائدةٌ غير منقلبةٍ مِنْ شيءٍ وإِذا قدرتَ في "أَيِمَّةٍ" القلبَ فصارتْ آمِمَةً فأردتَ الإِدغامَ ساغَ لكَ أَن تُلقِي الحركةَ على ما قبلَ [الميمِ] 4 لأَنَّ الأَلفِ بدَلٌ مِنْ همزةٍ والهمزةُ يجوزُ أَنْ تتحركْ وأَنْ تثبتَ إِذَا لم يكنْ قبلَها همزةٌ وليستْ أَلفُ "فاعِلةٍ" كذلكَ ولاَ أَعلمُ للمازني في ذلكَ حجةً إلا أن يقولَ: إِنَّهُ أبدلتِ الهمزةُ لغير الكسرةِ ويحتجّ بأَنَّها قد تبدلُ ياءً في بعضَ المواضعِ لغير كسرٍ يقولُ في مثلِ "اطْمَأْنَتَتُ" مِنْ قَرَأْتُ: اقْرَأْيَأَتُ،

_ 1 قال ابن جني في المنصف 2/ 322 وأصل الاحتجاج على أبي عثمان بميزان ومويزين لأبي بكر. وإنما زدت أنا بعده هذه الزيادات لأن الكلام اقتضاها، وأكثر منها، فاقتصرت عليها. 2 أطط: صوت. 3 في الأصل: فهل لا. 4 أضفت "الميم" لإيضاح المعنى. 5 في "ب" كسرة.

فيبدلُ مِنَ الهمزةِ الوسطى ياءً لئلا تجتمعَ همزتانِ ويدعُ باقي الهمزِ علَى حالهِ فإِذَا قلتَ: هُوَ1 يَفعلُ قلتَ: هُوَ يَقْرَئْيِ يا فتى2، مثلُ3: يَقْرَعِيْنَ4 فَلم يغيرْهُ ولَمْ يُلقِ حركة الياءِ علَى الهمزةِ لأَنَّ هذَا ليس موضعَ تغييرٍ وقَد فَارقَ حُكم "اطمأنَ" لأَنَّ الحروفَ قد اختلفتْ ووجبَ ذلكَ فيها والهمزة5 أختُ الحروفِ المعتلاتِ فإِذَا كانتْ لامًا مكررةً أُبدلتِ الثانيةُ ياءً وجَرى عليهَا ما يجري علَى ياء "رَميْتُ" ولَو بنيتَ مثلَ "دحْرَجتُ" مِنْ "قَرأتُ" قلتَ: قَرْأَيْتُ ومثلُه مِنْ كلامِ العرَبِ جِاءٍ6، وتقولُ في مِثَالِ "قِمَطْرٍ"7 مِنْ "قَرأتُ": قِرَأْيٌ ومثلُ "مَعَدٍّ":8 قَرَأْيُ فتغيرُ9 الهمزةَ. قالَ المازني: سأَلتُ أبا الحسن الأخفش وهوَ الذي بدأَ بهذهِ المَقالةِ فقلتُ: ما بالُ الهمزةِ الأُولى إِذَا كان أصلُها السكونَ لا تكونُ كهمزةِ: سأآلٍ وَرَأآسٍ؟ 10 فقالَ: مِنْ قبلِ أَن العينَ لا تجيءُ أبدًا إلا وبعدَها مثلُها واللامُ قد يجيءُ بعدَها لامٌ لَيْستْ مِنْ لفظِها أَلا تَرَى أَنَّ قِمَطرًا و"هِدَمْلَةً" و"سِبْطْرْاً"11 قَد جاءتِ اللامانِ مختلفتين وكذلكَ

_ 1 هو: ساقط في "ب". 2 يا فتى: ساقط في "ب". 3 في "ب" وزن. 4 في "ب" يقرعيع. 5 يري ابن السراج أن حروف العلة أربعة، أحدها الهمزة. وانظر: المنصف 2/ 251. 6 انظر: التصريف 2/ 251. 7 قمطر: وهو الشديد. ومنه قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} الإنسان 10. 8 معد: موضع رجل الراكب. 9 أضفت "فاء" لأن المعنى يقتضيها. 10 رأاس: هو الذي يبيع الرءوس. 11 سبطر: طويل، ممتد، وهو معنى السبط. وقريب من لفظه، الماضي الشهم والأسد يمت عند الوثبة.

جميعُ الأربعةِ والخمسةِ والعينانِ لا تنونانِ كذلك فلذلكَ فرقتُ بينهما1. قال المازني: والقولُ عندي كَما قَال: قالَ الأخفش: وقَد ذكروا في "جائي وشائي" أنَّهما يهمزانِ جميعًا فيرفعونه ويجرونه وينصبونَ ويهمزونَ همزتينِ. قالَ: وقَد سمعناَ مِنَ العرب مِنَ يجمعُ بينَ همزتين فيقولُ: غَفر الله لَهُ خَطَائئه2 وخَطَائيٌ. قالَ: وهوَ قليلٌ لا يكادُ يعرفُ قال: وإِنَّما أبدلوا في "جَاءٍ وشَاءٍ"3 ولم يفتحوا كما فتحوا في "خَطَائي" لأَنَّ خَطَائي قَد وجدوا لَها نظيرًا من الجمعِ يقولونَ في مَدارٍ: مَدَارَى4 وفي إبلٍ مَعَاي مَعَايا ولم يجدوا في "فَاعلٍ" بناءً قد ذهبَ بهِ إليهِ غيرُ فاعل فيذهبوا بهِ إليه. وقالَ بعضُهم: إِنَّ همزةَ جِائي هيَ اللامُ وقلبَ العينَ وجعلَها5 بعدَ اللام كمَا قالوا: لاثٍ6 وشَاكٍ7 يريدونَ: شَائِكًَا ولائِثًَا وأَمَّا الذينَ قالوا: شَاكُ السلاحِ فإنَّهم حذفوا الهمزة ولم يقلبُوها.

_ 1 انظر: التصريف 2/ 252-253. 2 انظر: التصريف 2/ 70 و2/ 57 بوزن خطاععه. 3 أصل: جاء وشاء: جائي، وشائي بوزن: جاعع وشاعع. 4 مدارا: ساقط في "ب". 5 في "ب" فجعلها. 6 لاث: هو الذي قد لاث الشيء، أي: أداره ولاث الشيء: أحاط. 7 شاك: هو ذو شوكة. وأصله: شائك. وهو السلاح.

باب اجتماع الحروف المعتلة في كلمة

باب اجتماعِ الحروف المعتلة في كلمة مدخل ... باَبُ اجتماعِ الحروفِ المعتلةِ في كلمةٍ: هَذا البابُ ينقسمُ أَربعةَ أَقسامٍ: اجتماعُ ياءٍ وواوء وَيَاءٍ معَ همزةٍ وواوٍ مَع همزةٍ واجتماعُ الثلاثةِ. الأولُ: اجتماعُ الياءِ والواوِ في كلمةٍ. تقولُ في مثلِ "كَوَأللٍ" مِنْ رَمَيْتُ: رَوَمْيًَا ومِنْ حِيِيتُ: حَوَيًَّا ومِنْ شَوَيْتُ: شَوَيًَّا وحدَها شَوَوْيًا ولكنَّكَ قلبتَ الواوَ إِذ كانت ساكنةً. وتقولُ في مثالِ "عَثْوَلٍ"1 مِنْ شَوَيْتُ: شِيَيٌّ والأَصلُ "شِيْوَيٌّ" ولكن قَلَبتَ الواوَ ياءً وأَدغمتَ. وتقولُ في مُثلِ "اغْدَوْدَنَ" مِنْ رَمَيْتُ: ارْمَومَا فكررتَ العينَ ثُمَّ قلبتَ الياءَ ألفًا لأَنَّها لامُ الفعلِ قبلَها فتحةٌ. وقالَ المازني: تقولُ في مِثَالِ "قَوْصَرَّةٍ"2 مِنْ "بِعتُ: بَيَّعَّةٌ" وكانَ أَصلُها "بَوْيَعَّةً" فالواوُ ساكنةُ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ فلذلكَ قلبتَ كما قلتَ: لويتُ يدُه ليَّةً3، ولو جمعتَها كما تجمعُ "قَوَاصرَ" لقلتَ "بَوَائعَ" فهمزتَ،

_ 1 عثول: الشيخ الثقيل. 2 قوصرة -مخفف ومثقل- وعاء من قصب يرفع فيها التمر من البوادي. 3 انظر: التصريف 2/ 255.

كما تهمزُ "أَوَائلَ" لاجتماع الواوِ والياءِ. ليسَ بينَهما إلا الألفُ كما همزتَ "فَوَاعلَ" مِنْ "سِرْتُ"1 وتقولُ في مِثَالِ "عَنْكَبوتٍ" مِنْ رَمَيْتُ: رَمْيَوُتٌ فتكررُ اللامَ فتنقلبُ الثانيةُ ألفًا لانفتاح ما قبلَها ولأَنَّ أَصلَها الحركةُ. وتقولُ مِنْ "بِعْتُ": بَيْعَعُوتٌ فإِذَا جمعتَ قلتَ: بَيَاععُ وإِنْ عوضتَ قلتَ: بَيَاعيعُ ولَمْ تدغمْ قبلَ العوضِ لأَنَّهُ ملحقٌ ببناتِ الأربعةِ فذهبَ الإِدغامُ لذلكَ. وتقولُ في مثالِ "حَمَصِيْصَةٍ"2 مِن غزوتُ: غَزَوِيَّةٌ وكانَ الأَصلُ "غَزَوِيْوَةً" فأَدغمتَ الياءَ في الواوِ3 فصارتْ ياءً مشددةَ وقُلبت الواوُ الأُولى ألفًا لأَنَّها لامٌ متحركةٌ قبلَها فتحةٌ ثُمَّ أَبدلتَها واوًا كما فعلتَ في النَّسَبِ إِلى "رَحَى" حينَ قلتَ: رَحَويٌّ وتقولُ في "فُعْلُول" مِنْ "رَمَيْتُ" رُمِييٌّ4، لا تغيرُ لأَنَّ الحرفَ الذي قبلَ الياءِ الأُولى ساكنٌ فصارَ بمنزلةِ النَّسبِ إلى "ظَبْيٍ". وتقولُ في "فُعْلُولٍ" مِنْ "شَوَيْتُ" و"طَوَيْتُ" شُوَوِيٌّ وَطُوَوِيٌّ وكانَ الأَصلُ: شُوَيْوُيٌ وطَوَيوُيٌ فقلبتِ الواوُ الأُولى ياءً لأَنَّ بعدَها ياءً متحركةً وقلبتِ الواوُ الأُخرى ياءً للياءِ التي بعدَها أَيضًا فاجتمعتْ6 أَربعُ ياءاتٍ وصارتْ بمنزلةِ "أُمَيِّيٍّ" فكأَنَّها "طُيَيْيٌّ" "وَشُيَيْيٌّ" ففعلتَ بها ما فعلتَ بأُمَيَّةَ حينَ نَسبتَ إِليها فقلتَ: أُمَوِيٌّ وتقولُ في "فَيْعُولٍ" من غَزَوْتُ: غَيْزُوٌّ فتصيرُ بمنزلةِ "مَغْزُوٍّ" وتقولُ فيها مِنْ قَوَيْتُ: قَيُّوٌّ فتقلبُ العينَ التي هيَ واوٌ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتدغمُ الياءَ الأُولى فيها وتدعُ واوي الطرفِ

_ 1 انظر: التصريف 2/ 256. 2 حمصيصة: بقلة حامضة تجعل في الأقط. 3 الياء في الواو: ساقط في "ب". 4 أصل هذا "رميوي" فقلبت الواو ياء لوقوع الياء بعدها، وأبدلت من ضمة الياء قبلها كسرة لتصح الياء المنقلبة، وصحت الياء ولم تقلب كما قلبت في رحوي لسكون الميم قبلها فصارت "رمييا". 5 في الأصل "اجتمعت" والتصحيح من "ب". 6 انظر: التصريف 2/ 278.

علَى حالِهما لأَنَّ هَذا ليسَ موضعَ تغيرٍ وتقولُ في "فَيْعَلٍ"1 مِنْ "حَوَيتُ" و"قَوِيْتُ": حَيًَّا وقَيًَّا فتقلبُ العينَ ياءً لأَنَّ قبلَها ياء ساكنة وتقلبُ اللامَ ألفًا لأَنَّ أَصلها التحريكُ وقبلَها فتحةٌ وتقولُ في "فَيْعَلٍ" مِنْ "حَوَيْتُ" و"قَوِيْتُ": حَيٌّ وقَيٌّ وكانَ الأَصلُ "حَيْوِوٌ وَقَيْوِوٌ" لأَنَّهُ مِن الحُوَّةِ2 والقُوَّةِ فقلبت الواو الأُولى ياءً مِنْ أَجلِ الياءِ التي قبلَها وسكونِها وأَدغمتَها فيها ثُمَّ قلبت الواوُ التي هيَ لام ياءٍ لانكسار ما قبلَها لأَنَّها لامٌ فصارَ "حَيِيٌّ" فاجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ فحذفتْ كما تحذفُ مِنْ تصغيرِ "أَحْوَى" حينَ قلتَ: أُحَيٌّ3، كما تَرى. قالَ أبو عثمان: تقولُ في "فَيْعَلانٍ" مِنْ قَوِيْتُ وحَوَيْتُ وشَوَيْتُ: قَيَّانٌ وحَيَّانٌ وشَيَّانٌ تحذفُ الياءَ التي هيَ آخرُ الياءاتِ ولَمْ تعدْ هذهِ الألفُ أَنْ تكونَ كهاءِ التأنيثِ وأَلفِ النصبِ فهكَذا أجرِ هَذا. قالَ: وأَمَّا قولُهم: حَيَوانٌ فجاءَ علَى ما [لا] 4 يستعملُ ليسَ في الكلامِ فِعْلٌ يستعملُ موضعَ عينهِ يَاءٌ ولامهُ واوٌ فلذلكَ لم يشتقوا منهُ فِعْلًا وعلَى ذلكَ جاءَ "حَيْوةٌ"5 فافهمهُ6. وكانَ الخليلُ يقولُ: "حَيَوانٌ" قلبوا فيهِ الياءَ واوًا لئلا تجتمعَ ياءانِ استثقالًا للحرفينِ مِنْ جنسٍ واحدٍ يلتِقيانِ.

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 393. والتصريف 2/ 279. 2 الحوة: الدهمة، والكمتة. وكثر هذا حتى سموا كل أسود: أحوى. 3 انظر: المنصف 2/ 281، ومنهم من لا يحذف في تحقير أحوى، فيقول: أحي وهو أبو عمرو، فقياس قوله: أن تقول هنا "حي". 4 أضفت "لا" لإيضاح المعنى. 5 حيوة: اسم رجل. 6 انظر: المنصف 2/ 284-285.

قالَ أَبو عثمان: ولا أَرى هَذا شيئًا ولكنَّ هَذا كقولِهم: فاظَ الميتُ1 يَفيظُ فَيظًا وفَوْظًا ولا يشتقونَ مِنْ فَوِظَ "فَعلاً2" وكذلكَ: وَيلٌ وَوَيسٌ ووَيحٌ3 هذهِ مصادر وليسَ لهن فِعلٌ كراهةَ أَنْ يكثرَ في كلامِهم ما يستثقلونَ ولإستغنائِهم بالشيءِ عَنِ الشيءِ حتَى يكونَ المُستغنى عَنهُ مسقطاً4 وتقولُ في مثلِ "قَمَحْدُوَةٍ" مِنْ رَمَيْتُ: رَمَيْوَّةٌ وتقولُ في مثالِ "تَرْقُوَةٍ"5 مِنْ رَمَيْتُ: [رَمْيُوةٌ] 6 وعَلَى التذكيرِ: رَمِيْيةٌ لأَنَّكَ تقلبُ الطرفَ ياءً كما فعلتَ "بأدَلٍ وَعَرقٍ7" لأَنَّكَ جئتَ بالهاءِ بعدَ ما لزم الواو القلبُ والدليلُ على أَنَّ الذي يُبنى علَى التأنيثِ لا تقلبُ فيهِ الواوُ قراءةُ الناسِ "خُطُواتٍ8" لأَنَّهُ إِنّما عَرضَ التثقيلُ في الجمعِ. وتقولُ في مثلِ "أُحْدُوثةٍ" مِنْ قَضَيْتُ: أُقْضِيَّةٌ وفي مثلِ "فَعْلَولٍ" مِنْ "طَوَيْتُ وشَوَيْتُ": طَوَوِيٌّ وَشَوَوِيٌّ كمَا قالوا في حَيَّةٍ: حَيَوِيٌّ. وتقولُ في "فَيْعُولٍ" مِنْ غَزوتُ: غَيْزُوٌّ مثلُ "مَفْعولٍ"9 مِنْ "غزوتُ". وتقولُ في "فَيْعُولٍ" مِنْ قَويتُ: قَيُّوٌّ تقلِبُ الواوَ التي في موضعِ العينِ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتقولُ في "فَيْعُولٍ" من "حَيِيتُ وعَيِيتُ": حَيَوِيٌّ وعَيَوِيٌّ لأَنَّهُ اجتمعَ أربعُ

_ 1 فاظ: يقال: فاظ الميت، ذا خرجت نفسه، ولا يقال: فاظت ولا فاضت. 2 انظر: التصريف 2/ 285، والكتاب 2/ 394. 3 ويل: قبوح، وويح: ترحم، وويس: تصغير، وقيل: كلها بمعنى واحد. 4 انظر: التصريف 2/ 286. 5 ترقوة: أحد العظمين المشرفين على ثغرة النحر من عن يمين وشمال. 6 أضفت كلمة "رميوة" لإيضاح المعنى. 7 عرق جمع عرقوة، وهي الخشبة المعترضة على رأس الدلو. 8 يشير إلى قوله تعالى: {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} من الآية: 168، والآية: 208 من سورة البقرة ومن غيرها. والمراد بالتثقيل: ضم طاء خطوات. 9 أي: بمنزلة مغزو، لأن قبل لامه واو "فيعول" فهي نظيرة واو مفعول.

ياءاتِ. وتقولُ في "فَيْعَلٍ" مِنْ "قَويتُ وطَويتُ": طَيًَّا وقَيًَّا هَذا قولُ الأخفش. قالَ: وإن شِئْتَ بنيتَها علَى "فَيْعِلٍ" فهوَ وجهُ الكلامِ لأَنَّ "فَيْعِلاً" فيما عينهُ واوٌ أَكثرُ فإِنْ بنيْتُه علَى "فَيْعِلٍ" قلتَ: طَيٌّ وقَيٌّ لأَنك1 أَنقصتَ ياءً لأَنَّهُ لا تجتمعُ ثلاثُ ياءاتٍ. قالَ: وتقولُ في "فَيْعِلانٍ" مِنْ "شَوَيْتُ وطَوَيْتُ": طَيَّانٌ وشَيَّانٌ تحذفُ إِحدى الياءاتِ لأَنَّهنَ اجتمعنَ وكذلكَ إِنْ أَردتَ "فَيْعَلانَ" قلتَ: طَيَّانٌ وشَيَّانٌ لأَنَّهُ قد اجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ لا يجتمعُ مثلهُن. قالَ: وهَذا في قولِ مَنْ قالَ في شَاوي: شُوَيٌّ وفي مَعاويةَ: مُعَيَّة ومَنْ قاَلَ في شَاوٍ: شُوَييٌ وفي أَحوى: أُحَيٌّ قالَ فيهِ: شَيَّيَانٌ وطَيَّيَانٌ وتقولُ في "فَعْلَيةٍ" مِنْ غَزَوْتُ: غِزْوِيَةٌ ومِنْ قَوِيْتُ: قَويَّةٌ ومِنَ شَوَيْتُ: شِيْيَّةٌ وتقولُ في "فَوْعَلَةٍ" مِنْ رَوَيْتُ: رَويَّةٌ وتقولُ في "فَوْعَلَةٍ" مِنْ حَيِيتُ في لغةِ مَنْ قالَ: "أُمَييٌّ": حُيَيَّةٌ ومَنْ قَالَ: أُمَويٌّ [قال] 2: حَيَوِيةٌ. الثاني: اجتماعُ الياءِ والهَمزةِ: تقولُ في مِثالِ "اغْدَوْدَنَ" مِنْ رأَيتُ: ارْأَوأَيتُ وَأَرْأَوَأَ زَيدٌ تكررُ الهمزةَ لأَنَّها عينُ الفعلِ كما كررتَ الدالَ في "اغْدَوْدَنَ" فإِنْ خفَّفتَ الهمزةَ الثانيةَ قلتَ: أرْأَويتُ وارْأَوَى زيدٌ حذفتَ الهمزةَ وأَلقيتَ حركتَها على الواوِ فإنْ خفَّفتَ الأُولى قلتَ: رَوْأَا وارْوآيتُ [مثلُ رَوْعيتُ] 3.

_ 1 في الأصل "لا". 2 أضفت كلمة "قال" لإيضاح المعنى. 3 ما بين القوسين ساقط في "ب".

حذفتَ الهمزةَ وأَلقيتَ حركتَها علَى الراءِ فلمْا تحركتِ الفاءُ سقطتْ أَلفُ الوصلِ فإِنْ خفَّفتَ الهمزتينِ جميعًا صارَ: "رَوَيتُ" حذفتَ الهمزةَ الأُولى وأَلقيتَ حركتَها1 علَى الواوِ وسقطتْ أَلفُ الوصلِ ثُمَّ حذَفتَ الثانيةَ وأَلقيتَ حركتَها على الواوِ وتقولُ في مثالِ "عِرَضْنَةٍ"2 مِنْ رأَيتُ: رَأَينةٌ وتقولُ في مثلِ "صَمَحمحٍ" مِنْ رأَيتُ: رَأَيْاأٌ وتقولُ في مثلِ "جَعْفرٍ" مِنْ جئتُ: جَيَّأٌ3 فإِنَّ خفَّفتَ قلتَ: جَيًا. الثالثُ: اجتماعُ الواوِ والهمزةِ: تقولُ في مثالِ "قَوصَرّةٍ"4 مِنْ آبَ يَؤوبُ: أَوَّبةً أَدغَمتَ5 واوَ فَوْعَلَّةٍ الزائدةَ في العينِ فإِنْ جمعتَهُ قلتَ: أَوَائبٌ فأَبدَلتَ مِنَ الواوِ همزةً لاجتماع الواوينِ مَعَ الألفِ كما فعلتَ في "أَوائلَ" وحذفتَ إِحدى الياءينِ كما حذفتَ إِحدى الراءينِ مِنْ قَوَاصرَ ومَسَائلَ: هَذا البابُ والبابُ الذي قبلهُ يدلُّ عليها ما يأتي في البابِ الذي تجتمعُ فيها الهمزةُ والواوُ والياءُ ويُغني عنهما لأَنَّهُ يعمُّهما ويزيدُ علَيهما الرابعُ: اجتماعُ الثلاثةِ: تقولُ في مثالِ "اطمأنَّ" مِن وأَيتُ: ايايا وكانَ الأَصلُ: أَوْايا لأَنَّ "اطْمَأَنَّ" أَصلُه "اطمأنَنَ" فاللامُ الأُولى ساكنةٌ والثانيةُ مفتوحةٌ والآخرةُ

_ 1 وألقيت حركتها، ساقط من "ب". 2 عرضنة: مشية بها نشاط. 3 جيا: ساقط من "ب". 4 قوصرة: وعاء من القصب يحفظ فيه التمر. 5 في "ب" فأدغمت.

حرفُ الإِعرابِ ولكنَّهُ [لما] 1 أَدغمَ النونَ في النونِ أَلقى الحركةَ علَى الهمزةِ فلذلكَ قلتَ [في هذهِ "أَيُّ"] 2 أُيايا فأَبدَلتَ الواوَ التي هيَ أَلفٌ يَاءً لانكسار ما قبلَها فصارتْ3 الياءُ الأُولى نظيرةَ [الطاءِ والهمزةُ نظيرةَ الميمِ والياءُ الأولى نظيرةَ الهمزة] 4 مِنْ "اطمَأنَّ" إلا أَنَّ هذهِ الياءَ ساكنةٌ على أَصلِها لم تُلقَ علَيها حركةُ ما بَعْدَها لأَنَّ ما بعدَها مثلُها ولامُ الإِعرابِ قَد انقلبتْ ألفًا. وتقولُ في مثالِ "إِصْبَعٍ" مِنْ وَأَيتُ: إِيأَيٌ. [كانَ الأصلُ "أِوْأَيٌ" فقلبتِ الواوُ ياءً لسكونِها وإنكسارِ ما قبلَها وقُلِبتِ الياءُ التي هيَ اللامُ ألفًا] 5، وتقولُها من أَويتُ: أيًَّا وكانَ الأصلُ: إِوْأَيٌ فقلبتِ الياءُ6 التي هيَ اللامُ ألفًا لانفتاح ما قبلَها ولكنَّكَ7 لو قلتَ في مثلِ "إِصْبَعٍ" من وَدَدْتُ لكانَ: إِوَدٌّ وكانَ الأًصلُ: إِوْدَدٌ فلزمكَ أَن تُبدلَ الواوَ ياءً لكسرهِ ما قبلَها ووَجبَ أَنْ تدغمَ الدالَ في الدالِ فلمَّا أَدغَمتَ احتجتَ إِلى أَن تُلقِيَ حركةَ الدالِ علَى ما قبلَها فلمّا تحركتْ رددتَها إِلى الأَصلِ وهوَ الواوُ فقلتَ: إِوَدٌّ والَذي كانَ أَوجبَ قَلبَ الواوِ ياءً أَنَّها ساكنةٌ وقبلَها كسرةٌ فلمَّا تحركتْ زالتِ العلةُ. قَالَ المازني: ومِثْلُ ذلكَ: إِوَزَّةٌ8

_ 1 زيادة من "ب". 2 ما بين القوسين ساقط من "ب". 3 في "ب" وصارت. 4 ما بين القوسين ساقط من "ب". 5 ما بين القوسين ساقط من "ب". 6 في "ب" الهمزة بدلا من الياء. 7 ولكنك: ساقط من "ب". 8 إوزة: ضرب من البط.

وتقولُ في مِثْلِ "أُبْلَمٍ" مِنْ وَأَيتُ: أَوْءٍ وكانَ ينبغي أَنْ يكون: أَوْأُيٌ ولكنْ لا يجوزُ أَنْ تكونَ الواوُ لامًا وقبلَها ضمةٌ ومتَى وقعتْ كذاكَ قُلِبْتْ ياءً كما قالوا: أَدْلٍ وعَرْقٍ وأَصلهُ: أَدْلُوٌ وعَرْقُوٌ وتقولُ فيها من أَويتُ: أَوٍّ وكانَ الأَصلُ: أَوْوُيٌّ1 فأُبدِلَتِ الهمزةُ الثانيةُ واوًا لأَّنَّها ساكنةٌ وقبلَها همزةٌ مضمومةٌ ثُمَ تدغمُها في الواوِ التي بعدَها وهيَ عينُ "أَويتُ" وتبدلُ مِنَ الضمةِ كسرةً لتَثبُتَ الياءُ [وهوَ موضعٌ لا تكونُ فيهِ واوٌ قبلَها ضمةٌ إلا قُلبَتْ كَما قد بُيِّنَ في مواضعَ2] . وتقولُ في مثالِ "أَجردٍ" مِنْ وَأَيْتُ: إِياءٍ وكانَ الأصلُ: إِوْإيٌ فقلبتِ الواوُ ياءً لانكسار ما قبلَها وتقولُ فيها مِنْ أَويتُ: إيٌّ وكانَ الأصلُ إئويٌ فأَدغمتُ الواوَ في الياءِ فصارتْ "إِيَّيٌ" فاجتمعَ ثَلاثُ ياءاتٍ كمَا اجتمعَ في تصغيرِ "أَحْوَى" فحُذِفَتْ منها الياءُ التي [هيَ] 3 طَرفٌ فإِن خفَّفتَ مثالَ "أَجردٍ" مِنْ وأَيْتُ قلتَ: إِوٍ4، فُتُرَدُّ الواوَ إِلى الأصلِ وتُلقي عليهَا حركةَ الهمزةِ وتَحذِفُ الهمزةَ كما تفعلُ ذلكَ إِذا خفَّفت الهمزةَ وقبلَها ساكنٌ مِمَّا تُلقى عليهِ الحركةُ. وتقول في مثلِ "أِوَزَّةٍ" مِنْ وَأَيْتُ: إيأأةٌ ومثلها مِنْ أَوَيْتُ: إيَّاةٌ لأَنَّ

_ 1 أصلها من أويت أووي، فأبدلت من الهمزة واوا وأدغمتها في الواو فصارت: أوي، ثم أبدلت من الضمة قبل الياء كسرة لتصح الياء، فقلت: أوي، ثم أجريت على الياء ما أجريت على ياء قاض، فصار أوٍّ. 2 ما بين القوسين ساقط من "ب". 3 زيادة من "ب". 4 في الأصل "إوي" والتصحيح من "ب".

"إِوَزَّةً": إِفَعْلَةٌ والدليلُ علَى ذلكَ قولُهم: وَزّةٌ1: ولو بنيتَ مِثالَ "هِرَمْلَةٍ". مِنْ وأَيتُ قلتَ: وَأيَّةٌ ومِنْ أَويتُ: إوَيَّةٌ. وتقولُ في مثالِ "قَوْصَرَّةٍ" مِنْ أويتُ: أَوَيَّةٌ لأَنَّ العينَ واوٌ فلو جمعتَها كما تجمعُ "قَواصرَ" لقلتَ: أَوَايا وكانَ الأَصلُ: أَوَاوٍ فصارتْ كأَوَائلٍ ثُمَّ غُيِرَّتْ لأَنَّها2 عرضتْ في جَمعٍ ولأنها معتلةٌ [وقَد مضَى تفسيرُ هذا] 3، ولو عوضتَ قلتَ "أَوَاويٌّ" فَلَم تهمز4 ولم تُغيرْ كمَا لم تهمز طَوَاويسَ ومَا أَشبهَها ولو بنيتَها مِنْ وأَيتُ لقلتَ: أَوْأَيَّةٌ لأنَّهُ اجتمعَ في أولِه واوانِ وكانَ الأصلُ "وَوْأَيَّةٌ" فهمزتَ الأُولى فإنْ جمعتهُ قلتَ: أوَاوٍ لأَنَّ الهمزةَ لم تعرضْ في جمعٍ5 ولوَ عوضتَ قلتَ أَوَائي. وتقولُ في مِثَالِ "عنكَبوتٍ" من أَوَيْتُ: أَيَّوْتٌ وكانَ الأصلُ أَوْيَيُوتٌ فأَبدلتَ الواوَ الأُولى للياءِ التي بعدَها وحذفتَ الياءَ التي أبدلتَها ألفًا لإلتقاءِ الساكنينِ يعني: الياءَ6 الأَخيرةَ لأَنَّها متحركةٌ قبلَها فتحةٌ فقُلِبتْ ألفًا والواوُ التي بعدَها ساكنةٌ فسقطتْ لإلتقاء الساكنينِ وتقولُ فيها مِنْ وَأَيتُ: وَأَيُوْتٌ والعلةُ في الحذفِ واحدةٌ. [ولو جَمعتَهُ من وأَيتُ لقلتَ: وَأَايٌ ولا تهمزُ لأَنَّهُ ملحقٌ ولم يَعرضْ لَهُ ما يهمزُ مِنْ أَجلِهِ] 7. ولو جمعَتُه من أَويتُ لقلتَ: أَوَايا وكانَ الأَصلُ "أَواوِيٌ" فوجبَ الهمزُ من حيثُ وجبَ في "أَوَائلَ"

_ 1 في الأصل "وز" والتصحيح من "ب". 2 في الأصل "لامها". 3 ما بين القوسين ساقط من "ب". 4 في "ب" تهمزه. 5 في "ب" وإن. 6 الياء: ساقطة في "ب". 7 زيادة من "ب".

فصارتْ "أَوايٌّ" فعرضتِ الهمزةُ في جَمعٍ فقلتَ: أَوَاياَ ولو عوضتَ لقلتَ أَوَاييُّ كَما قلتَ: طَوَاويسُ وَعَواويرُ فلم تَهمزْ. وتقولُ في مثالِ "اغْدَوْدَنَ" مِنْ وَأَيتُ: أيْأَوْأَي كمَا تقولُ فيها من وَعَيْتُ: [ايُعوعي] 1 فتكررُ الهمزةَ لأَنَّها عينُ الفعلِ كما كررتَ الدالَ في "اغدودنَ" فإِنْ خفَّفتَ الهمزةَ الثانيةَ قلتَ: إيأَوَيٌ [أَلقيتَ حركتَها على الواوِ فحركتَ الواوَ وحذفتَ الهمزة] 2 وإِنْ خفَّفت الأُولى وتركتَ الثانيةَ قلتَ: أَوأَيٌ وكانَ الأَصلُ "وَوْأَيٌ" لأَنَّكَ أَلقيتَ حركةَ الهمزةِ التي هيَ عينُ الفعلِ الأُولى علَى الفاءِ وكانتْ واوًا في الأَصلِ فانقلبتْ ياءً لكسرةِ أَلفِ الوصلِ فحَذفتَ أَلفَ الوصلِ لتحريكِ ما بعدَها فرجعت واوًا وبعدَها الواوُ الزائدةٌ فهمزتَ موضعَ الفَاءِ لئِلا تجتمعَ واوانِ في أَولِ كلمةٍ فإِنْ خففتَهما جميعًا قلتَ: أَوَيٌ والعلةُ واحدةٌ وتقولُ فيها مِنْ أَويتُ: إِيْوَوّي3، لأَنَّ "أَويتُ" عينَها واوٌ [فتكررُ الواوَ] 4، وتكونُ الواوُ الزائدةُ بينَ الواوينِ اللتينِ هُما عينانِ فتُدغِمُ الزائدةَ في الواوِ التي بعدَها فتصيرُ فيها ثَلاثُ واواتٍ كَما كانَ ذَلكَ في "اقْوَوَّلَ" وَمنْ رأَى التغيرَ في "اقْوَّولِ" رآهُ هَهُنَا. وتقولُ في مِثَالِ "صَمَحْمَح" مِنْ وأَيتُ: وَأَيْأَ ومِنْ أَويتُ: أُويَّا.

_ 1 أضفت كلمة "أيعوعي" لإيضاح المعنى. 2 ما بين القوسين ساقط في "ب". 3 في الأصل "إيودا". 4 زيادة من "ب".

باب ما ذكره الأخفش من المسائل على مثال مرمريس

بَابُ ما ذكَرهُ الأخفشُ مِنَ المسائلِ علَى مِثالِ مَرمَريسَ: قالَ أَبو بكر1: وإنَّما أَفردتُ هذَا البابَ لأَنَّهُ مخالف لِمَا مضَى مِنَ المسائلِ لا شكلَ لهُ وجميعُ ما مضَى مِمَّا فيهِ تكريرٌ فإنَّما هوَ تكريرُ عين نحو: "افْعَوعَلَ" أَو تكريرُ لامٍ نحو: "فَعْلَلَ" أو تكريرُ عينٍ ولامٍ نحو: "فَعَلْعَلَ". ومَرْمَرِيسُ2 وَزنُها "فَعْفَعِيْلٌ" فقد كرَّرتَ الفاءَ والعينَ وإنما استدلوا على ذلكَ بأنَّها مشتقةٌ مِنَ المَراسةِ. قالَ: إذا بنيتَ مثالَ مَرْمَرِيْسٍ مِنْ واوٍ قلتَ: أَوَّيِيٌّ واوانِ وثلاثُ ياءاتٍ وكانَ الأَصلُ أَنْ يكونَ الأَولُ ثلاثَ واواتٍ فهمزتَ الأُولى لأَنَّهُ إِذَا اجتمعَ في أولِ الكلمةِ واوانِ هُمزَتِ الأُولى. وقالَ: تقولُ في مثالَ "مَرْمَرِيسٍ" مِنَ "الويلِ والوَيحِ". وَيْيَّيْلٌ وَوَيْيَّيْحٌ أَربعُ ياءاتٍ بينَ الواوِ واللامِ وبينَ الواوِ والحاءِ فَمَنْ كانَ مِنْ قولِه جمعٌ بينَ ثلاثِ يَاءاتِ في هذهِ الصفةِ جمعَ بينَ3 هذهِ الأربع ياءاتٍ لأَنَّ الياءَ الرابعةَ لا يحتسبُ بها لأنَّها مثلُ ياء "مُهَيْيمٍّ" وإذَا كانتْ

_ 1 أبو بكر: ساقط في "ب". 2 مرمريس: الداهية، وهو من المراسلة لأنها تمارس الرجال ففي معنى الاشتقاق. 3 بين: ساقط من "ب".

مدةً هكذا لم يحتسبْ بها1، أَلا تَرى أَنَّكَ لو قلتَ في قَوَّامٍ "قُوييمٌ" لَمْ يكنْ تثقيلٌ كما تثقلُ في "أُحيٍّ" ومَنْ حذف حذف واحدةً لئلا يجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ يكنَّ مثلَ ياءاتِ "شُوَييٍّ" تصغيرُ "الشَّاوي" فإذَا قلتَ: مَرْمريسٌ مِنْ يَومٍ قلتَ: يَيَوّيمٌ وكانَ الأَصلُ: يَوْيَوِيمٌ [فقلبتُ الواوُ للياءِ التي بعدَها واجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ لأنَّهنَ مثلُ النَّسبِ إلى "طَيءٍ" إذا قلتَ: طَيِيٌّ] 2، ولَو أَردتَ مِثلَ3 "مَرْمَريسٍ" مِنْ أَتيتُ قلتَ: أَتْأَتيٌّ فإنْ خفَّفتَ الهمزةَ قلتَ: أَتَتِيٌّ ومِنْ أُبتُ: أَوْاوِيبٌ فإنْ خفَّفتَ قلتَ: أَوَويِبٌ وتقولُ مثالُ مَرْمَرِيسٍ "منْ" إنْ أَوْأَويِيٌ ومِنْ أَاْأَةٍ" أَوْأَوِيٌ. وحُكيَ عَنِ الخليلِ أَنّهُ كانَ يصغر "أَأْأةً". أُوئَةٌ4 قالَ: وتأسيسُ بنائِها مِنْ تألفِ واوٍ بينَ همزتينِ فلو قلتَ: أَلا أوٍ كما تقولُ مِنَ النومِ مَنَاْمَةٌ علَى تقديرِ "مَفْعَلَةٍ" لقلتَ: أَرضُ مَأآةٌ ولو اشتق منهُ "مَفْعُولٌ" لقلتَ: مَوُوءٌ مثلُ "مَعُوعٍ". وتقولُ في مِثَالِ: "مَرْمَريسٍ" مِنْ أَولٍ: أَوَييلٌ فتقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً أقربهنَّ إلى العلةِ وتهمزُ الأُولى لاجتماع واوينِ في أَولِ كلمةٍ وكانَ أَصلُها "وَوَّوِيلٌ" أَربعُ واواتٍ الثانيةُ منهنَّ5 مدغمةٌ في الثالثةِ وَمَن أَجازَ جمعَ ثلاثِ واواتٍ [فقالَ في "افْعَوعَلٍ"، مِنْ قلتُ] 6: اقْوَوَّلَ قالَ في هذَا: أَوَّويِلٌ قالَ الأخفشُ: وهذَا عندي ضَعيف7.

_ 1 في الأصل "لها" والتصحيح من "ب". 2 ما بين القوسين ساقط في "ب". 3 في "ب" مثال. 4 أوثة: وأصلها بعد قلب الهمزة الثانية واو لاجتماع الهمزتين، وانضمام الأولى منها. 5 منهن: ساقط في "ب". 6 ما بين القوسين ساقط في "ب". 7 الواو زيادة من "ب".

وقالَ: وتقول في مثلِ "قَصْعَةٍ" مِنَ الواوِ وَيَّةٌ لأَنَّهُ لا تجتمعُ ثلاثُ واواتٍ وكانَ أَصلُها "وَوَّةٌ" وإنْ شئتَ قلتَ: أَوَّةٌ فجعلتَ الأُولى همزةً وكُلٌّ مذهبٌ. قالَ: إلا أَنَّ الأُولى أقواهما لأنَّ موضعَ العينِ إنْ كانَ ياءً فَلاَ بُدَّ مِنْ "وَيَّةٍ" إلا أَنَّ1 النحويين لا يجعلونَ الأَلفَ التي في "واوٍ" إلا واوًا. قالَ: وما أَعلمهُ إلا أَبعدَ2 الوجهينِ وهُم يصغرونَ "واوًا" أَويَّةً. قالَ: وإِنَّما جازَ أَنْ أَبنيَ مِنْ واوٍ اسمًا لأنَّ الواوَ اسمٌ ولا يجوزُ أن أبني مِنها3 فِعْلًا وذكرَ بعدَ هذَا كيفَ يُبنى [مِنَ التامِّ] 4 مثلُ المنقوصِ المحذوفِ5. قالَ أَبو بكر: وهذَا لا يجوزُ عندي ولا دُربةَ فيهِ6 لأَنَّ الحذفَ ليسَ بعملٍ ولكني أَذكرُ ما قالَ: قالَ: ويُبنى من رَأَيتُ مثلُ "شَاةٍ" رَاةٌ قالَ: ومثلُها مِنَ القولِ: قَاةٌ ومِنَ البيعَ: بَاةٌ وضعَّفهُ مع ذلكَ.

_ 1 في الأصل "لأن" والتصحيح من "ب". 2 في "ب" يعد. 3 ما بين القوسين ساقط من "ب". 4 زيادة من "ب". 5 المحذوف: ساقط من "ب". 6 في "ب" عنه.

باب من مسائل الجمع

بَابٌ: مِنْ مسائلِ الجَمعِ: تقولُ في "فَيْعُول" مِنْ بِعتُ: بَيُّوعٌ فإذا جمعتهُ1 قلتَ: بَيَاييعُ فلا تهمزُ لأَنَّها لمَّا بعدتْ مِنَ الطرفِ قويتْ فَلَم تهمزْ وإذَا جمعت "فَوْعَلاً" مِنْ "قُلْتُ" هَمزَتَ فقلتَ: قَوَائِلٌ وتهمزُ فَوَاعلَ مِنْ "عَوْرتُ وَصَيْدتُ" وكذلكَ إذا جمعت "سَيْدًَا وَعيَّلاً" وذلكَ قولَكَ: سَيَائدُ وعَيَائلُ وميائتُ جِمعُ "مَيِّتٍ" علَى التكسيرِ شبهوهُ "بأوائِلَ". قالَ المازني: وسألتُ الأَصمعي عن عَيّلٍ: كيفَ تكسرهُ العربُ فَقَالَ: عَيَائلُ يهمزونَ كما يهمزونَ في الواوينِ2، يَعني في أَوَّلٍ3. وأَمَّا "ضَيْوَنٌ

_ 1 في "ب" جمعت. 2 أصل هذا التغيير إنما هو لما اجتمعت فيه واوان نحو: أوائل، وأصلها أواول فلما اجتمعت الواوان وليس بينهما إلا الألف وهو حرف كالنفس ليس بحاجز حصين ووليت الآخرة من الواوين آخر الكلمة همزوها كما يهمزون الأولى من الواوين إذا وقعتا في أول الكلمة نحو: جمع واصل أواصل ثم شبهوا الياءين والياء والواو بالواوين. لأن فيها ما فيهما من الاستثقال فهمزوا لذلك. أما الأخفش فكان لا يرى الهمز إلا أن يكتنف الألف واوان نحو: أوائل، وأصلها أواول. وانظر: المنصف 2/ 44-45. 3 انظر: التصريف 2/ 43-44.

وضَيَاون"1 فلم يهمزوا لأنَّها صحتْ في الواحدِ فجاءتْ على الأَصلِ وقولُ الشَّاعرِ: وكَحَلِ العَيْنَينِ بَالعَوَاوِرِ2 إِنَّما تركَ الهمزَ لأنَّهُ أَرادَ: العَوَايرَ ولكنَّهُ احتاجَ فحذفَ الياءَ وتركَ الواوَ على حالِها. قالَ الأخفشُ: فإذَا جمعت "فَعَلٌّ" نحو: هَبَيٍّ وَرَمَيٍّ وأَنْتَ تريدُ مثلَ: مَعَدٍّ قلتَ: هَبَايٌّ وَرَمايٌّ تجريهِ مجرى ما ليسَ من بناتِ الياءِ نحو: طِمِرٍ3 ومَعَدٍّ تقولُ: طِمارٌّ ومَعَاد تدعهُ على إدغامِه ولا تظهرُ التضعيفَ وقَد كانَ الأصلُ التضعيفُ لأنَّهُ ملحقٌ ولكنَّ العربَ لما وجدتِ الواحدَ مدغمًا أَجرتِ الجمعَ على ذلكَ. قالَ: وليسَ هُوَ بالقياسِ وكذلكَ "فَعَلُّ" نحو: غَزَوٍّ تقولُ: غَزَاوٌ إذا جمعتَها. قالَ: وإذا جمعت "فَعْلَلُ" من غَزَوْتُ وَرَمْيتُ وهو غَزْوًَا وَرَمْيًَا قلت: غَزَاوٍ وَرَمَايٍ ولم تَهمزْ لأَنَّها مِنَ الأصلِ4. قالَ: فإن أردت فعاليلَ قلتَ: رَمَائِيُّ5، فهمزتَ لمَّا اجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ قبلَهُنَّ أَلفٌ والألفُ شبهُ الياءاتِ فشبّهوا ذلكَ بالنَسبِ إلى "رايةٍ"

_ 1 ضيون: هو السنور، ويقال له القط، والهر، والخيطل. 2 في نسخة "ب" مكحل بدلا من وكحل. 3 طمر: الثوب الخلق. وخلص به ابن الأعرابي الكساء البالي من غير الصوف والجمع إطمار. 4 انظر: الكتاب 2/ 397. 5 الأصل في "رمائي"، رمايي، ولكنه همز كما همزوا في راية وآية حين قالوا: رائي، وآئي، فأُجرِي مجرى هذا حين كثرت الياءات بعد الألف. وانظر: الكتاب 2/ 397. 6 في "ب" تشبه.

تقولُ: رَائِيٌّ وقالَ بعضُهم1: رَاويٌّ فأبدلَها واوًا فلهذَا يقولُ في "فَعَاليلَ" مِنْ رمَيتُ: رَمَاوِيُّ ومَنْ قَالَ: أُمَييٌّ قالَ: رَمَاييٌّ فلم يُغيرْ وتركهنَ ياءاتٍ وكذلكَ "فَعَاليلُ" مِنْ "حَيِيتُ" ومَفَاعيلُ تحذفُ2 أَو تبدلُ واوًا لأَنَّهم قَدْ كرهوا جمعَ ياءينِ في نحو"أَثافٍ"3 حتى خففوهَا وخفَفَ بعضُهم: أَغاني وأَضاحِي ومِعْطَاء وَمَعَاطِي. قالَ: ولو قالَ قائلٌ: أَحذفُ هذَا في الجمعِ إذا رأَيتُهم قَد4 حذفوَا إِحدى الياءين في "مَعَاطٍ" و"أَثافٍ" ذهَب مذهباُ وما غُيِّرَ مِنَ الجَمعِ كثيرٌ نحو: مَعَايا وَمَكُّوكٍ وَمَكَاكيُ5. قالَ: "وفَعَاليلُ" مِنْ غزوتُ: غَزَاوِي لا تغيِّرهُ لأنَّهُ لم يجتمعْ فيهنَ6 ثلاثُ ياءاتٍ.

_ 1 في سيبويه 2/ 397. من قال: راوي فجعلها واوا قال: رماوي. 2 أي: تحذف إحدى الياءين لأنهما لا تليان الألف فكرهوا اجتماعهما. 3 في الأصل: أثافي. 4 قد: ساقطة في "ب". 5 مكاكي: مفرد المكاء، وهو طائر، يألف الريف، وهو فعال، من مكا إذا صفر. 6 في "ب" فيه.

باب الإدغام

باب الإدغام مدخل ... بسم الله الرحمن الرحيم بَابُ الإِدغامِ 1: قالَ أَبو بكر: أَصلُ حروفِ العربيةِ تسعةٌ وعشرونَ حرفاً2 الهمزةُ الألفُ، الهاءُ، العينُ، الحاءُ، الغينُ، الخاءُ، القافُ، الكافُ، الضادُ، الجيمُ، الشينُ، الياءُ، اللامُ، الراءُ، النونُ، الطاءُ، الدالُ، التاءُ، الصادُ، الزايُ، السينُ، الظاءُ، الذالُ، الثاءُ، الفاءُ، الباءُ، الميمُ، الواوُ. وتكونُ خمسةً وثلاثينَ. حرفاً3 مستحسنةً النونُ الخفيفةُ، وهمزةٌ بينَ بينَ، والأَلفُ الممالةُ، والشينُ كالجيمِ، والصادُ كالزاي، وأَلفُ التفخيمِ، ويكونُ اثنين وأربعينَ حرفًا بحروفٍ غير مستحسنةٍ.

_ "*" هذا ساقط من نسخة "ب". 1 في الأصل "يتلوه" قبل باب الإدغام والتصحيح من "ب". 2 في المقتضب 1/ 192. اعلم: أن الحروف العربية خمسة وثلاثون حرفا، منها ثمانية وعشرون لها صور. والحروف السبعة جارية على الألسن مستدل عليها في الخط بالعلامات. فأما في المشافهة فموجودة، أما سيبويه فأصل حروف العربية عنده تسعة وعشرون حرفا. انظر: الكتاب 2/ 404. والجدير بالذكر أن سيبويه قدم الكاف على القاف، وترتيب ابن السراج أقرب إلى الصواب. 3 في الأصل" مروعا" والتصحيح من "ب".

مخارج الحروف ستة عشر

مخارجُ الحروفِ ستةَ عَشَرَ 1: فللحقِ ثلاثةٌ فأَقصاها مخرجًا: الهمزةُ والهاءُ والألفُ. والأوسطُ: العينُ والحاءُ. والأَدنى مِنَ الفم: الغينُ والخاءُ. الرابع: أَقصى اللسانِ وما فوقَهُ مِنَ الحَنَكِ: القافُ. الخامس: أسفل مِنْ موضعِ القافِ مِنَ اللسانِ قليلًا ومما يليهِ من الحَنَكِ: الكافُ. السادس: وسطُ اللسانِ بينَهُ وبينَ وسطِ الحَنَكِ: الجيمُ والشينُ والياءُ. السابع: مِنْ بين أَولِ حافةِ اللسان وما يليها مِنَ الأضراسِ: الضادُ. الثامن: مِنْ [بينِ أَولِ] 2 حافةِ اللسانِ مِنْ أَدناها3 إلى منتهى طرفِ اللسانِ ما بينهما وبينَ ما يليها من الحنكِ الأعلى مما فُويق الضاحكِ4 والنابِ والرباعيةِ5 والثنيةِ6: مخرجُ اللامِ. التاسعُ: النونُ وهيَ من طرفِ اللسانِ بينهُ وبينَ ما فُويقِ الثنايا. العاشر: وَمِنْ مخرج النونِ غير أنَّهُ أَدخلَ في ظهر اللسانِ قليلًا لانحرافه إلى اللامِ: مخرجُ الراءِ. الحادي عشَرَ: ومما7 بينَ طرفِ اللسانِ وأصول الثنايا: مخرجُ الطاءِ والدالِ والتاءِ. الثاني عَشَر: مِمَّا بينَ اللسانِ وفُويق الثنايا السُّفلى8: مخرج الزاي

_ 1 في عدد المخارج خلاف: فمذهب الخليل وبعض علماء القراءات أنها سبعة عشر مخرجا، يزيدون مخرجا للحروف الجوفية. وعلى مذهب سيبويه وجمهور النحاة والقراء ستة عشر. وعلى مذهب الجرمي. والفراء أربعة عشر. وانظر: النشر لابن الجزري. 2 زيادة من "ب". 3 من أدناها: ساقط في "ب". 4 الضاحك: والضاحكة: في أول الأضراس خلف الناب مباشرة. 5 الرباعية: أحد أسنان مقدم الفم من القواطع بين الناب والثنية. 6 الثنية: أحد سني مقدم الفم مما يلي الرباعية. 7 في الأصل: ومن ما. 8 حدد ابن السراج الثنايا بأنها السفلى وهو مراد سيبويه، إذ قال 2/ 405. ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاي والسين والصاد.

والسينِ والصادِ. الثالث عشَرَ: مِمَّا بينَ طرفِ اللسانِ وأَطرافِ الثنايا: مخرجُ الظاءِ والثاءِ والذالِ. الرابع عشَرَ: ومِنْ باطنِ الشَّفةِ السفلى وأَطرافِ الثنايا العليا: مخرجُ الفاءِ. الخامس عَشَر: ومما بينَ الشفتينِ: الباءُ والميمُ والواوُ. السادس عشَر: ومِنَ الخَياشيم مخرجُ النونِ الخفيفةِ.

أصناف هذه الحروف أحد عشر صنفا

أَصنافُ هذهِ الحروفِ أَحدَ عَشَر صنفًا: المجهورةُ والمهموسةُ والشديدةُ والرخوةُ والمنحرفُ والشديدُ الذي يخرجُ معهُ الصوتُ والمكررةُ واللينةُ والهاوي والمطبقةُ والمنفتحةُ. الأول: المجهورةُ1: وهيَ تسعةَ عَشَرَ حرفًا: الهمزةُ والألفُ والعينُ والغينُ والقافُ والجيمُ والياءُ والضادُ واللامُ والزايُ والراءُ والطاءُ والدالُ والنونُ والظاءُ والذالُ والباءُ والميمُ والواوُ. فالمجهورةُ كُلُّ حرفٍ أُشبِعَ الاعتمادُ في موضعهِ ومُنِعَ النفسُ أَنْ يجريَ معهُ حتّى ينقضي الاعتمادُ يجري الصوتُ إلا أَنَّ النونَ والميمَ قد يعتمدُ لهما في الفمِ والخَياشيمِ فتصيرُ فيهما غُنَّةٌ والدليلُ على ذلكَ أَنَّكَ لو أمسكتَ بأَنفِكَ ثُمَّ تكلمتَ بهما رَأَيْتَ ذلكَ قد أَخلَّ بهما.

_ 1 المجهور: حرف أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه. وانظر: الكتاب 2/ 45

الثاني: المهموسةُ1: وهيَ عشَرةُ أحرفٍ: الهاءُ والحاءُ2، والخاءُ والكافُ والسينُ والشينُ والتاءُ والصادُ والثاءُ والفاءُ، وهوَ حرفٌ أُضعِفَ الاعتمادُ في موضعهِ حتَى جَرى معهُ النفسُ [وأَنتَ تعرفُ ذلكَ إِذا اعتبرتَ فرردتَ الحرفَ مع جَري النفسِ] 3 وَلَو أَردتَ ذلكَ في المجهورةِ لم تقدرْ عليهِ. الثالثُ: الشديدُ مِنَ الحروفِ: هُوَ الذي يمنعُ الصوتَ أَنْ يجريَ فيهِ وهيَ ثمانيةُ أَحرفٍ: الهمزةُ والقافُ والكافُ والجيمُ والطاءُ والتاءُ والباءُ والدالُ فلو أَردتَ مَدَّ صوتِكَ بالحرفِ الشديدِ لَمْ يَجْرِ لكَ وذلكَ أَنَّكَ لو قلتَ: أُلحَجَ لَمْ يَجْرِ لكَ مَد الصوتِ بالجيمِ. الرابعُ: الحروفُ الرَّخوةُ: الهاءُ والحاءُ والغينُ والخاءُ والشينُ والصادُ والضادُ والزايُ والسينُ والظاءُ والثاءُ والذالُ والفاءُ وذلكَ أَنَّكَ إذا قلتَ: الطَّسْ وانْقَض وأَشباهُ ذلكَ أَجريتَ فيهِ الصوتَ إِنْ شئتَ أَما "العينُ" فبينَ الرَّخْوةِ والشديدةِ تصلُ إِلى الترديدِ فيها لشبهِها بالحاءِ.

_ 1 بدأ المبرد في المقتضب 1/ 195 بالحروف المهموسة خلافا لسيبويه وابن السراج اللذين ذكرا أولا الحروف المجهورة. انظر: الكتاب 2/ 405. والحروف المهموسة أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه. 2 الحاء: ساقطة في "ب" 3 ما بين القوسين ساقط في "ب".

الخامسُ: الحرفُ المنحرفُ: وَهوَ حرفٌ شديدٌ جرى فيهِ الصوتُ لانحرافِ اللسانِ مع الصوتِ ولَمْ يعترضْ على الصوتِ كاعتراض الشديدةِ وهوَ اللامُ وإنْ شئتَ مددتَ فيهِ الصوتَ وليسَ كالرَّخوةِ لأنَّ طرفَ اللسانِ لا يتجافى عَنْ موضعهِ وليسَ يخرجُ الصوتُ مِن موضعِ اللامِ ولكنْ مِنَ ناحيتي مُستدقِّ اللِّسانِ فُويقَ ذلكَ. السادسُ: الشديدُ الذي يخرجُ معهُ الصوتُ: لأنَّ ذلكَ الصوتَ غنَّةٌ مِنَ الأَنفِ1 فإنَّما تخرجهُ مِنْ أَنفِكَ واللسانُ لازمٌ لموضعِ الحرفِ لأنَّكَ لو أمسكتَ بأَنفِكَ لم يجرِ معهُ صوتٌ وهوَ النونُ والميمُ. السابعُ: المكررُ: وهوَ حرفٌ شديدٌ جرى فيهِ الصوتُ لتكريرهِ وانحرافهِ إِلى اللامِ فَتَجافى للصوتِ كالرِّخوةِ ولَوْ لَمْ يكررْ لَمْ يجرِ الصوتُ فيهِ وهو الراءُ. الثامنُ: اللينةُ: الواوُ والياءُ لأَنَّ مخرجَهما يتسعُ لهواءِ الصوتِ أَشدُّ مِنَ اتساعِ غيرهِما.

_ 1 في "ب" من الألف، وهو خطأ.

التاسعُ: الهاوي: حرفٌ اتسعَ لهواءِ الصوتِ مخرجُهُ أشدُّ مِن اتساعِ مخرجِ الياءِ والواوِ لأَنّكَ قَدْ تضمُّ شفَتيكَ في الواوِ وترفعُ لِسَانَكَ في الياءِ قِبَلَ الحَنَكِ وهيَ الألفُ وهذِه الثلاثةُ أَخفى الحروفِ لاتساعِ مخرجِها وأَخفاهُنَّ وأَوسعهنَّ مخرجًا الألفُ ثُمَّ الياءُ ثُمَّ الواوُ1. العاشرُ: المطبقةُ: هيَ أَربعةٌ: الصادُ والضادُ والطاءُ والظاءُ. الحادي عَشَر: المُنفتحةُ: وهَوَ كُلُّ ما سِوى المطبقةِ مِنَ الحروفِ لأَنَّكَ لا تُطبقُ لشيءْ منهنَّ لسانَكَ ترفعهُ إلى الحَنَكِ وهذهِ2 الأَربعةُ الأحرفُ إذَا وضعتَ لِسَانَكَ في مواضعهن انطبق لسانُكَ من مواضعهِنَّ إلى ما حَاذى الحَنَكَ الأَعلى مِنَ اللسانِ ترفعهُ إلى الحَنَكِ فإذَا وضعتَ لِسَانَكَ فالصوتُ محصورٌ فيما بينَ اللسانِ والحَنَكِ إلى موضعِ الحروفِ. وأَمَّا الدالُ والزايُ ونحوهما فإنَّما ينحصرُ الصوتُ إذا وضعتَ لِسَانَكَ في مواضعهِن ولولا الإِطباقُ لصارتِ الطاءُ دالًا والصادُ سينًا والظاءُ ذالًا ولخرجتِ الضادُ مِنَ الكلامِ لأَنهُ ليس شيءٌ من موضعِها وغيرُها.

_ 1 ما بين القوسين ساقط من "ب". 2 في "ب" وهي.

ذكر الإدغام

ذِكرُ الإِدغامِ: وَهَو وصلُكَ حرفًا ساكنًا بحرفٍ مثلهِ مِنْ موضعهِ مِنْ غيرِ حركةٍ تفصلُ بينَهما ولا وقف فيصيرانِ بتداخلِهما كحرفٍ واحدٍ ترفعُ اللسانَ عَنهما رفعةً واحدةً ويشتدُّ الحرفُ أَلاَ ترى أَنَّ كُلَّ حرفٍ شديدٍ يقومُ في العَروضِ والوزنِ مُقامَ حرفينِ الأَولُ مِنْهُما ساكنٌ. والإِدغامُ في الكلامِ يجيءُ علَى نوعينِ: أَحدهما: إدغامُ حرفٍ في حرفٍ يتكررُ والآخرُ: إدغامُ حرفٍ في حرفٍ يقاربُه.

إدغام الحرفين اللذين تضع لسانك لهما موضعا واحدا

النوع الأولُ: إدغامُ الحرفينِ اللذينِ تضعُ لسانَكَ لهَما موضعًا واحداً لا يزولُ عنهُ وذلكَ يجيءُ على ضربينِ: أَحدهما: أَنْ يجتمعَ الحرفانِ في كلمةٍ واحدةٍ والآخرُ: أَنْ يكونا من كلمتينِ. فأَمَّا ما كانَ من ذلكَ في الفعلِ الثلاثي الذي لا زيادةَ فيهِ فجميعهُ مدغمٌ متَى التقى حرفانِ مِنْ موضعٍ واحدٍ متحركينِ حذفتِ الحركةُ وأُدغمَ أحدُهما في الآخرِ وذلكَ نحو: فَرَّ وسُرَّ والأَصلُ: فَررَ وَسُرِرَ. فَفَرٌّ. نظيرُ "قَامَ" أُعلَّتِ العينُ في ذَا كما أُعلَّتْ في ذا1، وَسُرَّ: نظيرُ "قِيلَ" في أَصلِها أَلاَ ترى أَنَّ بعضَهم يقولُ2: قُوْلَ

_ 1 الألف: ساقطة في "ب". 2 ذكر سيبويه 2/ 360 هذه اللغات في الفعل الأجوف المبني للمجهول، اعتبر أن قيل وبيع هي الأصل، ولم يعز هذه الل غات لأصحابها. قال وبعض العرب يقولك خيف وبيع، فيشم إرادة أن يبين أنها فُعِلَ، وبعض من يضم يقول: بوع وقول وخوف. يتبع الياء ما قبلها. قال أبو حيان في البحر المحيط 1/ 60-61: قيل: لغة قريش ومجاوريهم من كنانة. وقول: لغة هذيل وبني دبير من أسد، وقيل بالإشمام -الحركة بين الكسرة والضمة- لغة كثير من قيس وعقيل ومن جاورهم وعامة بني أسد.

وبُوعَ كمَا أنَّ منهم مَنْ يقولُ: رِدَّ مثلُ "قِيلَ" وأَمَّا مُدُّ وفِرَّ في الأمرِ فَقَد ذكرناهُ في حَدِّ الوقف والابتداء وكذلكَ ما جاءَ من الأسماءِ علَى وزنِ الأَفعال المدغمةِ أُعِلَّ وأُدغِمَ لأَنَّ الإِدغامَ اعلالٌ إلا "فَعَلٌ" مثلُ "طَلَلٍ وشَرَرٍ" فإنْ كانَ المضاعفُ علَى مِثَالِ "فَعُلٍ" و"فَعِلٍ" لَمْ يقعْ إلا مدغمًا وذلكَ رَجلُ ضَفُّ1 الحَالِ هُو"فَعِلٌ" والدليلُ علَى ذلكَ قولُهم الضفَفُ في المصدرِ فهذا نظيرُهُ من غيرِ المُضَاعفِ. الحَذَرُ، وَرَجلُ حَذِرٌ وقَد جاءَ حرفٌ منهُ علَى أَصلهِ كما قَالوا "الخَوَنةُ والحَوَكَةُ" علَى أُصولِهما قالوا: قَوْمٌ ضَفَفُو الحاَلِ فَشَذَّ هَذا كما شَذَّ غيرهُ. "وفَعُلٌ" لَمْ يسمعْ منهُ شيءٌ جاءَ على أَصلِه وإنْ كانَ المضاعفُ "فُعْلاً" أو"فِعَلاً" أو فُعُلًا مِمّا لا يكونُ مثالُه فِعْلًا فهوَ على الأَصلِ نحو: "خُزَوٌ ومَرِرٌ"3، وحُضُضٍ وضُضً فَأَمَّا قولهُم: قَصَصٌ وقَصٌّ وَهُم يعنونَ المصدَرَ4 فإنّما هُما اسمانِ: أَحدهما مُحَرَّكُ العينِ والآخرُ ساكنُ العينِ. فجاءا علَى أُصولِهما ومثلُه مِنْ غيرِ المضاعفِ: مَعَزٌ ومَعْزٌ وشَمَعٌ وشَمْعٌ وشَعَرٌ وشَعْرٌ وهَذا كثيرٌ ولَيْسَ أَنَّ "قَصّاً" مسكّنٌ مِنْ "قَصَصٍ" ولكن كُل واحدْ منهما أَصلٌ وأَما قَولُ الشاعرِ: "هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كمنَهاضِ الفَلَكْ5......

_ 1 ضففُ الحال: الضفف: شدة المعيشة وكثرة العيال. ورجل ضف الحال: رقيقه. 2 الخونة والحوكة لم يُعلُّوهما مع موجب الإعلال، وهو تحرك الواو وانفتاح ما قبلها لخفة الفتح، أما قولهم: قوم ضففوا الحال فشاذ. 3 خزر: ذكر الأرانب، ويجمع على خزار، ومرر: جمع مَرة أو مِرة. 4 في الأصل: الصدر. 5 مر تفسير هذا الرجز ص/ 449

فإنّما احتاجَ إلى تحريكهِ فبناهُ على "فَعَلٍ" كَما قالَ1: "ولَمْ يُضِعْها بينَ فِرْكٍ وعَشَق ... " وإنَّما هُوَ عِشْقُ فاحتاجَ فبناهُ على "فَعَلٍ". قالَ المازني: وزعمَ الأصمعي قَالَ: سألتُ أَعرابيًا ونحن بالموضعِ الذي ذكرَهُ وزهيرُ حيثُ يقولُ: ثم استَمرّوا وقَالوا: إنَّ مشرَبكم ... مَاءٌ بشرقيّ سَلْمَى فَيْدُ أَوْ رَكَكُ2 هل تعرفُ "رَكَكاً" فقالَ: قَدْ كانَ هَهُنَا ماءٌ يُسَمَّى ركًّا. فهذَا مثلُ فَكَكٍ3 فإذا أَلحقتَ هذه الأشياءَ التي ذكرتَ الأَلِفَ والنونَ في آخرها فإنّ الخَليلَ وسيبويهِ والمازنيَّ يدعونَ الصدرَ علَى ما كانَ عليهِ قبلَ أَنْ يلحقَ وذلكَ نحو: ردَدَانِ وإنْ أَردتَ "فَعُلانٌ" أَو "فَعِلانٌ" أَدغمتَ فقلتَ: "رَدَّانٌ" فيهما4 وكانَ أَبو الحسن الأخفش يظهرُ فيقولُ: رَدُدَانٌ وَرَدِدَانٌ ويقولُ: هُوَ ملحقٌ بالألفِ والنونِ فلذلكَ يظهرُ لِيَسْلَمًَ البناء5.

_ 1 هذا الرجز لرؤبة بن العجاج من أرجوزة في وصف المفازة. والشاهد سكون الشين والفرك: بالكسر: البغضة عامة، وقيل: الفرك: بغضة الرجل امرأته وبغضة امرأته له، وهو أظهر. وقد فركته تفكره فركا وفركا: أبغضته. والعشق: العشق وهو عجب المحب بالمحبوب، ويكون عفاف الحب ودعارته. وانظر: المنصف 2/ 307 والتهذيب 1/ 170. واللسان "سرر، وعشق، وفرك" والديوان/ 104. وإصلاح المنطق/ 8/ 98. ومعجم مقاييس اللغة 4/ 321. 2 هذا البيت لزهير بن أبي سلمي والشاهد فيه فك الإدغام في "رك" ورك: محلة من محال سلمى أحد جبلي طيء، وقيل هو ماء. وانظر: المقتضب 1/ 200. والمنصف 2/ 309. والخصائص2/ 334، والمحتسب 1/ 87. والكامل/ 324 والموشح/ 48، 250. والنوادر لأبي زيد/ 30 وشرح السيرافي 1/ 207. والأغاني 1/ 311، والديوان/ 167. 3 انظر: التصريف 2/ 309 ونوادر أبي زيد/ 30. والمسلسل/ 139. 4 انظر: الكتاب 2/ 402، والتصريف 2/ 309-310. 5 انظر: التصريف 2/ 310، والهمع 2/ 181.

قال المازني: والقول عندي على خلاف ذلك لأَن الألفَ والنونَ يجبُ أَنْ يكونا كالشيءِ الواحدِ المنفصلِ أَلاَ تَرى أَنَّ التصغيرَ لا يحتسبُ بهما فيهِ كمَا لا يحتسبُ بياءي الإِضافةِ ولا بألِفَي التأنيثِ ويحقرونَ "زَعْفَراناً" فيقولونَ: زُعَيفَرانٌ وخُنْفُساءُ1. خُنَيفِسَاءُ فَلَو احتسبوا بهما لحذفوهما كمَا يحذفونَ ما جاوزَ الأربعةَ فيقولونَ في "سَفَرْجَلٍ". سُفَيرِجٌ2 فأَمَّا ما جاءَ مِنَ التضعيفِ فيما جاوزَ عدتهُ ثلاثةَ أَحرفٍ فإنّهُ يكونُ علَى ضربينِ. ملحقٍ وغيرِ ملحقٍ3، فالمُلحقُ يظهرُ فيهِ التضعيفُ نحو: مَهْدَدٍ وجَلْبَبَةٍ. فَمَهْدَدٌ ملحقٌ بجَعْفَرٍ وجَلْبَبَةٌ ملحقٌ بدَحْرَجَةٍ. وإنْ كانَ غيرَ ملحقٍ أُدغمَ وذلكَ نحو: احمّارَ واحمر ولو كانَ لَهُ في الرباعي مِثالٌ لَمَا جازَ تضعيفهُ كَما لم يجزْ إدغامُ "اقْعَنْسَسَ" لمَّا كانَ ملحقًا "باحْرَنْجَمَ4" وقَد مَضَى ذِكرُ ذَا وأَشباهه وأَمَّا "اقْتَتَلوُا" فَليسَ بمحلقٍ والعربُ5 تختلفُ في الإِدغامِ وتركهِ فمنهم مَنْ يجريهِ مَجرى المنفصلينِ فلاَ يدغمُ كَما لا يُدغمُ اسمُ "مُوسَى" وإنَّما فُعِلَ بهِ ذلكَ لأَنَّ التاءَ الأُولى دخلتْ لمعنى فَمَنْ أَبَى الإِدغامَ كرِهَ أَنْ يُزيلَ البناءَ الذي دخلتْ لَهُ التاءُ فيزولُ المعنى وذَهب إلى أَنَّ التاءَ غيرُ لازمةٍ وأَنَّها لَيْست

_ 1 خنفساء: يقال: الخنفساء والخنفسة والخنفس. 2 انظر: التصريف 2/ 311. 3 غير ملحق: ساقط في "ب". 4 احرنجم: اجتمع. 5 اختلف العرب في الفعل الذي على وزن "افتعل" الذي يشتمل على حرفين متماثلين. مثل، اقتتل أو متقاربين مثل: اختطف، فمنهم من يظهر ومنهم من يدغم ولهم في الإدغام وجوه: فمنهم من يقول: قِتّلوا يَقتلون، ومنهم من يقول: قَتّلوا يَقَتلون، أو يَقِتلون. وقد وردت قراءات منسوبة إلى أصحابها شاهدة بهذه الوجوه جميعا. انظر: البحر المحيط. وسيبويه 2/ 410 والمنصف2/ 336.

مثلَ راءِ "احْمَرَرْتُ" اللازمةِ لأَنَّهُ يجوزُ أَنْ يقعَ بعدَ تاءِ "افتَعلُوا" كُلُّ حرفٍ مِنْ حروفِ المعجمِ. ومنهم مَنْ أَدغمَ لمَّا كانَ الحرفانِ في كلمةٍ ومضَى علَى القياسِ فقالَ: يَقتِّلُونَ وَقَدْ قِتِّلوا كسروا القافَ لإلتقاءِ الساكنينِ وشبهتْ1 بقولهم: "رُدٌّ"2. وقالَ آخرونَ: قَتَّلوا أَلقوا حركةَ المتحركِ علَى الساكنِ وتصديقُ ذلكَ قراءةُ3 الحَسَنِ4. "إلَّا مَنْ خَطَّفَ الخَطْفَةَ"5 ومَنْ قَالَ: يَقَتِّلُ قَالَ: مُقَتِّلٌ ومَنْ قالَ: يَقتِّلُ قَالَ: مُقَتِّلٌ. قالَ سيبويه: حدثني الخليلُ وهارون6: أَنَّ ناسًا يقولونَ: {مُرُدِّفِينَ} 7، يريدونَ: مُرْتَدِفِينَ أَتْبعوا الضمةَ الضمة ومَنْ قالَ هَذا قالَ: مُقُتِّلِينَ وهَذا أَقلُّ اللغاتِ8. وكُلُّ مَا يجوزُ أَن تدغمَهُ ولا تدغمهُ فلكَ فيهِ الإِخفاءُ إلا أَنْ يكونَ قبلَهُ ساكنٌ وبعدَهُ ساَكنٌ كنح و"أُرْدُدْ"

_ 1 في "ب" ويشبهه. 2 في "ب" رد ساقطة. 3 في الأصل "قول" والتصحيح من "ب". 4 الحسن: هو أبو سعيد بن يسار البصري. كان أبوه من موالي الأنصار. وأمه مولاة لأم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان من الشخصيات البارزة في القراءات والتفسير، والكلام والفقه. وكتب للربيع بن زياد الحارثي بخراسان. ولد سنة 31هـ. وتوفي سنة 110هـ. وانظر: الأعلام 1/ 243 ومعارف/ 400. 5 الصافات: 10. 6 هارون: أبو عبد الله الأعور البصري الأزدي، صاحب القرآن والعربية. وأخذ عن عاصم وابن كثير وأبي عمرو وغيرهم. وهو أول من تتبع وجوه القرآن وألفها وتتبع الشاذ منها. وبحث عن إسناده توفي في حدود 170هـ. وانظر: طبقات القراء 2/ 348 وبغية الوعاة/ 406. 7 الأنفال: 9، والآية: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} . 8 انظر: الكتاب 2/ 410 والبحر المحيط.

أن يكون الحرفان من كلمتين منفصلتين

الضربُ الثاني: أَنْ يكونَ الحرفانِ من كلمتينِ منفصلتينِ. وهوَ ينقسمُ قسمينِ: أَحدهما: ما يجوزُ إدغامُهُ. والآخرُ: لا يجوزُ إدغامُهُ. وأَحسنُ ما يكونُ الإِدغامُ في الحرفينِ المتحركينِ اللذينِ هُمَا سواءٌ إذَا كانا منفصلينِ أَن تتوالى خمسةُ أَحرفٍ متحركةٍ بهما فَصَاعدًا لأَنَهُ ليسَ في أَصلِ بناءِ كلامهم بناءٌ لكلمةٍ علَى خمسةِ أَحرفٍ متحركةٍ. وقَد تتوالى الأربعةُ متحركةً في مثلِ "عُلَبِطٍ"1 وهو محذوفٌ [مِنْ] 2 عَلاَبط ولا يكونُ ذلكَ في غيرِ المحذوفِ وليسَ في الشعرِ خَمسةُ أَحرفٍ متحركةً متواليةً وذلكَ نحو: جَعَلَ لَكَ وفَعَلَ لَبِيدُ لَكَ. أَن تُدغَم ولكَ أَنْ تُبينَ والبيانُ عربي3 حجازي4 لأَنَّ المنفصلَ ليسَ بمنزلةِ ما هُوَ في كلمةٍ واحدةٍ لا ينفصلُ نحو: مَدَّ واحْمَرَّ ولكَ الإِدغامُ في كُلِّ حرفينِ منفصلينِ إلا أَنْ يكونَ قبلَ الأولِ حرفٌ ساكنٌ فحينئذٍ لا يجوزُ الإِدغامُ لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ إلا أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَ الأَوّلِ حرفُ مَدٍّ فإنَّ الإِدغام يجوزُ في ذلكَ [كما] 5 كانَ في غيرِ الانفصالِ كما قالوا: رَادَّ وتُمُودَّ الثوبُ6. فأَمَّا المنفصلَ فنحو قولِكَ: المالُ لَكَ وهم يُظْلِمُونيِّ والبيانُ هَهُنَا

_ 1 علبط: قطيع من الغنم. 2 زيادة من "ب". 3 عربي: ساقط من "ب". 4 انظر: الكتاب 2/ 407. 5 زيادة من "ب". 6 تمود الثوب: أي: تمادا، كلاهما.

يزدادُ حسنًا لسكونِ ما قبلَهُ فإنْ كانَ قبلَهُ ساكنٌ لَيْسَ بحرفِ مَدٍّ لَم يجزِ الإِدغامُ وذلكَ قولُكَ: ابنُ نُوحٍ واسمُ مُوسى لا تُدغِم ولكنَّكَ إنْ شئتَ أَخفيتَ وتكونُ بزنةِ المتحركِ ولا يجوزُ إذَا كانَ قبلَ الحرفِ الأَولِ حرفٌ ساكنٌ أَنْ يُدغمَ. ويُحركُ ما قبلَهُ لإلتقاءِ الساكنينِ فأَمَّا قولُ بعضِهم: "نِعِمَّا"1 مُحَرَّكَ العينِ فَلَيْسَ علَى لُغةِ مَنْ قالَ "نِعْمَ" فأَسكنَ ولكنْ علَى لُغةِ مَنْ قالَ: "نِعِمَ" فحرّكَ العينَ هَذَا قولُ سيبويه2. قال: وحدّثَنا أَبو الخطابِ3: أَنَّها لغةُ هُذيَلٍ4 وكسروا كمَا كسروا "لِعِبٌ" وأَمَّا قولهُ: {فَلا تَتَنَاجَوْا} 5 فإنْ شَئْتَ أَسكنتَ وأَدغمتَ لأَنَّ قبلَهُ حرفُ مَدٍّ وهوَ الألفُ وأَمَّا "ثَوبُ بَكْرٍ" فالبيانُ هَهُنَا أَحسنُ منهُ في الأَلفِ لأَنَّ الواوَ في "ثَوْبٍ" لا تشبهُ الأَلفَ لأَنَّ حركةَ ما قبلَها لَيْسَ مِنها وكذلكَ "جَيْبُ بَكْرٍ" والإِدغامُ في هَذا جَائزٌ وإنْ لِم يكونا بمنزلةِ الأَلِفِ وإنَّما يكونانِ بمنزلةِ الأَلفِ إذَا كانَ قبلَ الواوِ ضَمَّةٌ قبلَ الياءِ كسَرةٌ فالإِدغامُ في "ثَوْبِ بَكْرٍ" في المنفصلِ مثلُ "أُصَيْمٌ" في المتصل وإنَّما فُعِلَ ذَلكَ بياءِ التصغيرِ لأَنَّها لا تحركُ وأَنَّها نظيرُ الألفِ في "مَفَاعِلَ ومَفَاعيلَ"6.

_ 1 يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} النساء: 58. وانظر: الكتاب 2/ 408. 2 انظر: الكتاب 2/ 408. 3 أبو الخطاب: هو الأخفش الكبير من أساتذة سيبويه. 4 انظر: الكتاب 2/ 408. 5 المجادلة: 9 والآية: {فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} . 6 لأن التحقير يجري على "مفاعل ومفاعيل". إذا جاوز الثلاثة. وانظر: الكتاب 2/ 409.

الذي لا يجوز إدغامه

القسمُ الثاني: الذي لا يجوزُ إدغامُهُ: وإذا قلتَ: مررتُ بوليِّ يزيدَ وعَدوِّ وليدٍ فإن شِئْتَ أخفيتَ وإنْ شِئتَ بنيتَ ولا يجوزُ الإِدغامُ لأَنكَ حيثُ أَدغمتَ الواوَ في "عَدوٍّ" والياءَ في "وَليٍّ" فرفعتَ لِسَانَكَ رفعةً واحدةً ذهبَ المدُّ وصارتا1 بمنزلةِ ما يدغمُ مِنْ غيرِ المعتل فالواوُ الأُولى في "عَدوٍّ" بمنزلةِ اللامِ في "دَلْوٍ" والياءُ الأُولى في "وَليٍّ" بمنزلةِ الباءِ في "ظَبيٍ" والدليلُ علَى ذلكَ أَنَهُ يجوزُ في القوافي "ليَّا" معَ قولِكَ: ظَبْيًا و"دوّا"2 معَ قولِكَ: غَزْوًا وإذَا كانتِ الواوُ قبلَها ضَمّةٌ والياءُ قبلهَا كسرةٌ فإنَّ واحدةً منهما لا تدغمُ إذَا كانَ مثلُها بعدَها وذلكَ قولُكَ: ظَلَمُوا واقِدًا واظْلِمِي يَاسرًا ويغزوُ واقِدٌ وهَذَا قاضي يَاسرٍ لا تدغمُ وإنّما تركوا المَدَّ علَى حالهِ في الانفصالِ كمَا قالوا: قَد قُوْوِلَ حيثُ لم تَلزمِ الواوُ وأرادوا أَنْ تكونَ علَى زنةِ "قَاوَلَ" فكذلك هذهِ3 إذا لم تكُنْ الواوُ لازمةً4 فأَمَّا الواوُ إذَا كانتْ لازمةً بعدَها واوٌ في كلمةٍ واحدةٍ فهيَ مدغمةٌ وذلكَ نحو: مَعْزِوٍّ وَزَنهُ مَفْعُولٌ فالواوُ لازمةٌ لهذَا البناءِ ولَيْسَتْ بمنزلةِ قُوْوِلَ الذي إذا بنيتَه للفاعلِ صَارَ: قَاولَ وإذَا قلتَ وأَنتَ تأمرُ: اخْشَي يَّاسِرًا واخْشَوا وَاقِدًا أدغمتَ لأَنَّهما لَيسا بحرفَي مَدٍّ كالألفِ لأَنَّهُ انفتحَ ما قبلَ الهاءِ والواوِ

_ 1 في الأصل: "صارت". 2 في الأصل "عدوا". 3 في "ب" إذ. 4 أي: لازمة لها، أرادوا أن تكون ظلموا على زنة ظلما واقدا، وقضي ياسرا. وانظر: الكتاب 2/ 409.

والهمزتانِ لَيْسَ فيهما إدغامٌ1 في مثلِ قولِكَ: قَرَأَ أَبُوكَ وأَقْرِىءْ أَبَاكَ وقَدْ ذُكرَ في بابِ الهمزِ ما يجوزُ في ذَاْ و [ما] 2 لا يجوزُ.

_ 1 قال سيبويه 2/ 410: وزعموا أن ابن إسحاق كان يحقق الهمزتين، وأناس معه. وقد تكلم ببعضه العرب وهو رديء، فيجوز الإدغام في قول هؤلاء وهو رديء. 2 أضفت "ما" لإيضاح المعنى.

ما أدغم للتقارب

النوعُ الثاني مِنَ الإِدغامِ وهُوَ مَا أُدغَم للتقاربِ: اعلَمْ: أَنَّ المتقاربةَ تنقسمُ قسمينِ: أَحدهما: أَنْ يُدغمَ الحرف في الحرفِ المقاربِ لَهُ والقسمُ الآخرُ لا يدغمُ الحرفُ في مقاربِه. فأَمَّا الذي يُدغمُ في مقاربهِ فهوَ علَى ضربينِ: أَحدهما: يدغم كُلُّ واحدٍ مِنَ الحرفينِ في صاحبه والآخرُ: لَيْسَ كذلكَ بَلْ لا يدغمُ أَحد الحرفينِ فِي الآخرِ ولا يدغمُ1 الآخرُ فيهِ.

_ 1 لا، ساقطة في "ب".

ذكر ما يدغم في مقاربه

ذِكرُ ما يدغمُ في مقاربهِ: اعلَمْ: أَنَّ أَحسنَ1 الإِدغامِ أَنْ يكونَ في حروفِ الفَمِ وأَبعدُ ما يكونُ في حروفِ الحَلقِ فكلَّما قَرُبَ مِنَ الفمِ فالإِدغامُ فيهِ أَحسنُ مِنَ الإِدغامٍ فِيمَا لا يقربُ والبيانُ في حروفِ الحلقِ. وما قَرُبَ مِنها أَحسنُ وما قَرُبَ مِنَ الفمِ لا يُدغمُ في الذي قبلَهُ. واعلَمْ: أَنَّ هذهِ المُدغمةَ تنقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ مِنْها ما يبدلُ الأولُ بلفظِ الثاني ثُمَّ يُدغمُ فيهِ وهذَا أَحقُّ الإِدغامِ ومِنْها ما يبدلُ الثاني بلفظِ

_ 1 في "ب" الحسن، وهو خطأ.

الأولِ ثُمَ يدغمُ الأَولُ في الثَاني ومِنْها ما يبدلُ الحرفانِ جميعًا بما يقاربهما ثُمَّ يُدغمُ أَحدُهما في الآخرِ وقَد كتبنَا جميعَ ذلكَ في مواضعهِ وقَد قلنا: إنَّ المخارجَ ستةَ عَشَرَ مَخرجًا ونحنُ نذكرُ جميعَ ذلكَ وما يجوزُ ومَا لا يجوزُ وما يحسنُ وما لاَ يحسنُ.

ما يدغم من حروف الحلق

الأولُ: ما يدغمُ مِن حروفِ الحَلقِ: ولهَا ثلاثةُ مَخَارج كمَا ذكرنا الهاءُ معَ الحاءِ تَدغمُ كقولِكَ: اجْبَهْ حَمَلاً1 البيانُ أَحسنُ2، ولا يدغمُ الحاءُ في الهاءِ3 العينُ معَ الهاءِ: أَقْطَعْ هِلاَلًا البيانُ أَحسنُ فإن أَدغمتَ لقربِ المخرجينِ حَوّلتَ الهاءَ حَاءً والعينَ حاءً ثُمَّ أَدغمت الحاءَ في الحاءِ لأَنَّ الأَقربَ إلى الفمِ لا يدغمُ في الذي قبلَهُ وكانَ التقاءُ الحاءينِ أَخفَّ في الكلامِ مِنَ التقاءِ العينينِ وبنو تميمٍ يقولونَ: مَحّمْ يريدونَ: مَعَهم وَمحّاؤُلاءِ يريدونَ: مَعَ هَؤلاءِ4. العينُ مَعَ الهاءِ: اقْطَع حّمَلاً5، الإِدغامُ حَسَنٌ والبيانُ حَسَنٌ لأَنَّهما مِنْ مَخْرَجٍ واحدٍ ولا تُدغمُ الحاءُ في العينِ لأَنَّ الحاءَ يفرُونَ إليها إذا وقعتِ الهاءُ مَعَ العينِ.

_ 1 حمل: اسم رجل. 2 لاختلاف المخرجين، ولأن حروف الحلق ليست بأصل للإدغام لقلتها. 3 كما لا تدغم الفاء في الباء، لأن ما كان أقرب إلى حروف الفم كان أقوى على الإدغام. ومثل ذلك: امدح هلالا. فلا تدغم. انظر: الكتاب 2/ 412. 4 انظر: الكتاب 2/ 413. 5 الإدغام: اقطحملا.

الحاءُ معَ العينِ: قالَ سيبويه: ولكنَّكَ لو قلبتَ العينَ حاءً فقلتَ في "امْدَحْ عَرَفَةَ": امْدَحَّرَفَةَ جازَ1. الغينُ معَ الخاءِ: البيانُ أَحسنُ والإِدغامُ حَسَنٌ وذلكَ قولُكَ: أَدْمَغْ خَلَفاً2. الخاءُ معَ الغيَنِ: البيانُ أَحسنُ ويحوزُ الإِدغام لأَنَّهُ المخرجُ الثالثُ وَهوَ أَدنى مخَارج الحلقِ إلى اللسانِ أَلا تَرَى أَنَّ بَعْضَ العربِ يقولُ: مُنْخُلٌ3، ومُنْغُلٌ فيُخفي النونَ كما يخفيها معَ حروفِ اللسانِ وذلكَ قولُكَ [في] 4 اسْلَخْ غَنَمَكَ: اسْلَغَّنَمكَ ويدلُّكَ علَى حُسنِ البيانِ عِزتُها في بَاب "رَددتُ" لأَنَّهم لا يكادونَ يُضعِفُونَ ما يستثقلونَ. القَافُ مع الكَافِ: الْحَقْ كَلَدَةَ الإِدغام حَسَنٌ والبَيانُ حَسَنٌ5

_ 1 انظر: الكتاب 2/ 413. 2 إذا أدغمت قلت: ادمخّلفا. 3 في اللسان "نخل" المنخل، والمنخل، ما ينخل به، ولا نظير له إلا في قولهم: منصل وهذا أحد ما جاء من الأدوات على "مفعل" -بالضم- وأما قولهم فيه: "فعل" فعلى البدل للمضارعة. 4 زيادة من "ب". 5 إنما أُدغمت لقرب المخرجين، وإنهما من حروف اللسان- وهما متفقان في الشدة.

الكافُ معَ القاَفِ: انْهَكْ قَطَنًَا البيانُ أَحسنُ والإِدغام حَسَنٌ وإنّما كانَ البيانُ أَحسنُ لأَنَّ القافَ أَقربُ إلى حروفِ الحلقِ مِنَ الكافِ فإدغامُ الكافِ فيها أَحسنُ مِنْ إدغامِها هيَ في الكافِ. السادسُ الجيمُ معَ الشينِ: ابْعَجْ شَبَثًَا الإِدغامُ والبيانُ حَسنانِ1. السابعُ اللامُ معَ الراءِ: اشْغَل رَّجَبَةَ يُدغم2 وَهو أَحسنُ3. النونُ معَ الراءِ واللامِ والميمِ: مِنْ رَّاشدٍ يُدغمُ بِغُنَّةٍ وبِلاَ غُنَّةٍ وتُدغمُ في اللامِ "مَن لَّكَ" إنْ شِئْتَ كانَ إدْغامًا بِلا غُنَّةٍ وإنْ شِئْتَ بغُنّةٍ وتُدْغَمُ النونُ معَ الميمِ. النونُ معَ الباءِ: تُقلبُ النونُ معَ الباءِ ميمًا ولَمْ يجعلوا النونَ باءً لبعدِها في المخرجِ

_ 1 في الأصل: "حسن" وإنما كان الإدغام والبيان حسنين لأنهما من مخرج واحد وهما من حروف وسط اللسان. 2 يدغم: ساقط في "ب". 3 وذلك قرب المخرجين، ولأن فيهما انحرافا نحو اللام قليلا، وقاربتها في طرف اللسان، وهما من الشدة وجري الصوت سواء وليس بين مخرجيهما مخرج. وانظر: الكتاب 2/ 414.

وأَنّها ليستْ فيها غُنَّةٌ وذلكَ قولُهم: [مَمْبِكَ يريدون] 1: مَنْ بِكَ وشَمبَاءُ وعَمبرٌ يُريدونَ: شَنبَاءَ وعَنَبرًا. النونُ معَ الواوِ: وتُدغمُ النونُ معَ الواوِ بُغنّةٍ وبِلا غُنَّةٍ لأَنَّها من مخرجِ ما أُدغمتْ فيهِ النونُ وإنَّما منعَها أَنْ تُقلبَ معَ الواوِ ميمًا أَنَّ الواوَ حرفُ لِينٍ تَتَجافى عنهُ الشَّفتانِ والميمُ كالباءِ في الشدةِ وإلزامِ الشَّفَتينِ. النونُ معَ الياءِ: تُدغمُ بغُنَّةٍ وبِلا غُنَّةٍ لأَنَّ الياءَ أُختُ الواوِ وقد تُدغمُ فيها الواوُ فكأَنَّهما من مخرجٍ واحدٍ لأَنَّهُ ليسَ مَخرجٌ مِنْ طرفِ اللسانِ أَقربُ إلى مخرجِ الراءِ منهُ الياءُ أَلاَ تَرى أَنَّ الألثغَ بالراءِ يجعلُها يَاءً وكذلكَ الأَلثغُ باللامِ وتكونُ النونُ مَعَ سَائرٍ حروفِ الفَمِ حَرفًا [خفياً] 2 مخرجهُ مِنَ الخَياشيمِ وذلكَ أَنَّها مِنْ حروفِ الفمِ وأَصلُ الإِدغامِ لحروفِ الفمِ لأَنَّها أكثرُ الحروفِ فلمَّا وصلوا إلى أَنْ يكونَ لها مخرجٌ مِنْ غيرِ الفمِ كانَ أَخفَّ عليهم أَنْ لا يستعملوا أَلسنتَهم إلا مرةً واحدةً وذلكَ قولُكَ: مَنْ كانَ ومَنْ قالَ ومَنْ جَاءَ وهيَ مَعَ الراءِ واللامِ والياءِ والواوِ إذا أُدغمتَ بغُنَّةٍ ليسَ مخرجُها مِنَ الخياشيمِ3 ولكنَّ صوتَ الفمِ أُشربَ غُنَّةً ولَو

_ 1 أضفت عبارة "ممبك يريدون" وهذه الزيادة من الموجز لابن السراج/ 172، وانظر: الكتاب 2/ 414. 2 أضفت كلمة "خفيا" لإيضاح المعنى. 3 قال سيبويه 2/ 415: فليس مخرجها من الخياشيم ولكن صوت الفم أُشرِبَ غنة.

كانَ مخرجُها مِنَ الخِياشمِ لَما جازَ أَنْ تدغمها في الواوِ والياءِ والراءِ واللامِ حتَى تصيرَ مثلهن في كُلِّ شيءٍ وهيَ معَ حروفِ الحلقِ1 بنيةٌ موضعُها2 مِنَ الفم. قالَ سيبويه: وذلكَ أَنَّ هذهِ الستّةَ3 تباعدتْ عَنْ مخرجِ النونِ فَلَمْ تُخْفَ هَهُنَا كمَا لا4 تُدغمُ في هذَا الموضعِ وكمَا أَنَّ حروفَ اللسانِ لا تُدغمُ في حروفِ الحلقِ وإنَّما أخفيتَ النونَ في حروفِ الفمِ كما أدغمتَ في اللام وأخواتِها تقولُ: مِنْ أَجلِ ذَنْبٍ وَمِنْ خَلْفِ [زيدٍ] 5 ومِنْ حَاتِم ومَنْ عَلَيكَ ومَنْ غَلبَكَ6 ومُنْخُلٌ فَتبينُ وَهوَ الأجودُ والأَكثرُ وبعضُ العربِ7 يُجري الغينَ والخاءَ مَجرى القافِ وإذَا كانتِ النونُ متحركةً لم تكنْ إلا مِنَ الفمِ ولَمْ يجز إلا إبانتَها وتكونُ النونُ ساكنةً مَعَ الميمِ إذا كانتْ مِنْ نَفسِ الحرفِ بَينَةٌ وكذَلكَ هيَ معَ الواوِ والياءِ بمنزلتِها معَ حروفِ الحلقِ وذلكَ قولُه: شَاةٌ8 زَنَماءُ9، وغَنَمٌ

_ 1 حروف الحلق: هي الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء. 2 في "ب" بينة الموضع. 3 أي: حروف الحلق. 4 في "ب" كما لم. 5 زيادة من "ب". 6 من غلبك: ساقط في "ب". 7 لم تحدد المراجع قبائل هؤلاء العرب، ولكن صاحب النشر 2/ 22. إخفاء النون الساكنة عن الغين والخاء مذهب أبي جعفر، وقرأ الباقون بالإظهار، والقرد بن مهران عن أبي بوبان عن أبي نشيط عن قالون بالإخفاء أيضا عند الغين والخاء فنحن-إذن- بصدد قراءة مدنية حجازية. وانظر: الكتاب 2/ 415. 8 قوله: ساقط في "ب". 9 زنماء: جمع زُنْم، والزنم: ما قطع من أذن البعير أو الشاة، فترك معلقا، وذلك إنما يفعل بكرام الإبل، واللحمة المتدلية في الحلق.

زُنْمٌ وَقنْواءُ1 وقِنِيةٌ2 وكُنْيةٌ. وإنَّما حَمَلهم علَى البيانِ كراهيةُ الإِلباسِ3 فيصيرُ كأَنَّهُ مِنَ المضاعفِ لأنَّ هذَا المثالَ قد يكونُ في كلامِهم مضعَّفًا أَلاَ تَراهم قَالوا: امّحَى حيثُ لم يخافوا الإِلباسَ لأَنَّ هذَا المثالَ لا تضاعفُ فيهِ الميمُ. قَالَ سيبويه: وسمعتُ الخليلَ يقولُ في انْفَعَلَ مِنْ "وَجِلْتُ": اوَّجَلَ كمَا قالوا: امَّحَى لأَنَّها نونٌ زِيدتْ في مثالٍ لا تضاعفُ فيهِ الواوُ فصارَ هَذا بمنزلةِ المنفصلِ في قولِكَ: مَنْ مِثْلكَ4، وكذلكَ إنْ بنيتَ "انْفَعَلَ" مِن "يَئِسَ" [قلتَ] 5: ايَّاسَ وإذا كانتْ مَع الباءِ لم تَتَبينْ وذلكَ قولُكَ: شَمْباءُ6 لأَنَّكَ لا تُدغِمُ النونَ وإنما تُحوِّلُها ميمًا والميمُ لا تقعُ ساكنةً قبلَ الباءِ في كلمةٍ فَلَيْسَ في هذَا لَبْسٌ ولا تعلمُ النونُ وقعتْ في الكلامِ ساكنةً قبلَ راءٍ ولاَ لامٍ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ: قِنْرٍ وَ [لا] 7. عِنْلٍ وإنَّما احتملَ ذلكَ في الواوِ والياءِ لبعدِ المخارجِ ولَيْسَ حرفٌ مِنَ الحروفِ التي تكونُ النونُ معَها مِنَ الخَياشيمِ تُدغمُ في النونِ لم8 تُدغمْ فيهنَّ فأَمَّا اللامُ فَقَدْ تُدغمُ في النونِ9 وذلكَ قولُكَ: هَنَّرَى10

_ 1 قنواء: مؤنث أقنى، والقنى في الأنف نتوء وسط قصبته وضيق منخريه. 2 غنم قنية: وقنية، بكسر القاف، وضمها – يتخذها الإنسان لنفسه لا للتجارة والربح. 3 في "ب" الالتباس. 4 انظر: الكتاب 2/ 415. 5 زيادة من "ب". 6 شمباء: بدلا من شنباء، أي: ذات الأسنان البيض. 7 زيادة من "ب". 8 زيادة من "ب". 9 في الأصل "فيها" والتصحيح من "ب". 10 في الأصل "هل نرى".

فتدغمُ1 في النونِ والبيانُ أَحسنُ لأَنَّهُ قَد امتنع أَنْ يُدغمَ في النونِ ما أَدْغَمْتَ فيهِ سِوَى اللامِ فكأَنَّهم يستوحشونَ مِنَ الإِدغامِ فيها ولَم يُدغموا الميمَ في النونِ لأَنَّها لا تُدغمُ في الياءِ التي هيَ مِنْ مخرجِها فلمَّا لم تُدغَمْ فيما هُوَ مِنْ مخرجِها كانتْ مِنْ غيرِه أَبعدُ ولامُ المعرفةِ تُدغمُ في ثلاثةَ عَشَرَ حَرفاً2 ولا يجوزُ فيها معهن إلا الإِدغامُ لكثرةِ لامِ المعرفةِ في الكلامِ وكثرةِ موافقتِها لهذهِ الحروفِ واللامُ مِنْ طرفِ اللسانِ وهذهِ الحروفُ أَحدَ عَشَر حرفًا منها مِنْ طرفِ اللسانِ وحرفانِ بخالطانِ طرفَ اللسان فلمَّا اجتمَع فيها3 هذَا وكثرتُها في الكلامِ4 لم يجز إلا الإِدغامُ والأَحدَ عَشَر حَرفًا: النونُ والواوُ والدالُ والتاءُ والصادُ والطاءُ والزايُ والسينُ والظاءُ والثاءُ والذالُ. وَقَدْ خالطتها الضادُ والشينُ لأَنَّ الضادَ استطالتْ لرخاوتِها حتَى اتصلتْ بمخرجِ الطاءِ وذلكَ قولُكَ: النعمانُ والرجلُ فكذلكَ سائرُ هذِه الحروفِ فإذَا كانتْ غيرَ لامِ المعرفةِ نحو لامِ "هَلْ وبَلْ" فإنَّ الإدغامَ في بعضِها أَحسنُ وذلكَ قولُكَ: هَرَّأيتَ5 لأَنَّ الراءَ أَقربُ الحروفِ إلى اللامِ وإنْ لَمْ تدغمْ6 فهيَ لغةٌ لأهلِ الحجاز وهيَ عربيةٌ جائزةٌ7، وهيَ معَ الطاءِ والدالِ والتاءِ والصادِ والزاي والسينِ جائزةٌ وليسَ ككثرتِها معَ الراءِ وإنَّما جازَ

_ 1 في: ساقطة في "ب". 2 هي الحروف المعروفة بالشمسية. 3 فيها: ساقطة في "ب". 4 في الكلام: ساقط في "ب". 5 في الأصل: هل رأيت. 6 أي: إذا قلت: هل رأيت. 7 انظر: الكتاب 2/ 416، ويتجلى ذلك في القراءات في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ، المطففين: 83. حيث قرأ الجمهور بالإدغام "بَرَّانَ" وقرأ حفص وحمزة ونافع بالإظهار، {بَلْ رَانَ} . البحر المحيط.

الإِدغامُ لأنَّ آخرَ مخرجِ اللامِ قريبٌ مِنْ مخرجِها وهيَ حروف طرفِ اللسانِ وهيَ معَ الظاءِ والثاءِ والذالِ جائزةٌ وليسَ كحُسنِهِ معَ هؤلاءِ وإنَّما جازَ الإِدغامُ لأَنَّهنَّ مع الثنايا وهُنَّ مِنْ حروف طرف اللسان كما أنهن منه واللام مع الضاد والشين أضعف لأنَّ الضاد مخرجُها من أَولِ حافةِ اللسانِ والشين مِنْ وسطهِ. قال طريف بن تَميم العنبري: تَقولُ إذَا اسْتَهْلَكْتُ مَالًا للذَّةٍ ... فُكَيهَةُ هَشَّيءٌ بِكَفيكَ لاَئْقِ1 يُريدُ: "هَلْ شَيءٌ" فأَدغمَ اللامَ في الشين. وقرأَ أَبو عمرو: "هَثُّوِبَ الكُفَّارُ"2 فأَدغمَ اللامَ في الثاءِ وقُرِىءَ3: "بَتُّؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا"4، فأَدغمَ اللامَ في التاءِ. قَالَ سيبويه: وإدغامُ اللامِ في النونِ أَقبحُ مِنْ جميعِ هذهِ

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 417 على الإدغام في لام "هل" في الشين لاتساع مخرج الشين وتفشيها وإجرائها -وإن كانت من وسط اللسان إلى طرفه واختلاطها بطرفه. واللام من حروف طرف اللسان فأدغمت فيها لذلك، وإظهارها جاز لأنهما من كلمتين مع انفصالهما في المخرج. واستهلكت: أتلفت وأهلكت، واللائق: المستقر المحتبس، يقال: لقت بمكان كذا أي: انحبست فيه، وألاقني غيري: أي: حبسني، ومنه قولهم: لا يليق هذا الأمر بكذا، أي: لا يصلح له. ولا يلتبس به، وهشّيء: أصله: هل شيء. وانظر: شرح السيرافي 6/ 545 وابن يعيش 10/ 141 وروايته: هلكت بدلا من استهلكت. 2 المطففون: 36، وقراءة الإدغام سبعية، الإتحاف/ 435. وانظر: الكتاب 2/ 417 وشرح السيرافي 6/ 545، ويريد: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} . 3 وقرئ: ساقط في "ب". 4 الأعلى: 16، وقراءة الإدغام سبعية، الإتحاف/ 437 وانظر: الكتاب 2/ 417، يريد: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} .

الحروفِ1، لأَنَّها تُدغمُ في اللاّمِ كما تدغمُ في الياءِ والواوِ والراَّءِ والميمِ فَلَم يجسروا أَنْ يخرجوها مِنْ هذِه الحروفِ التي شَاركتَها في إدغامِ النّونِ وصارتْ كأَحدِها في ذلك.

_ 1 هذا رأي سيبويه 2/ 416-417، وتابعه ابن السراج وجمهور النحاة، أما موقف القراء، فقال الداني في التيسير/ 43: واختلفوا في لام "هل وبل" عند ثمانية أحرف: التاء، والثاء، والسين، والزاي، والطاء، والظاء، والضاد، والنون. نحو قوله عز وجل: {هَلْ تَعْلَمُ} ، {هَلْ ثُوِّبَ} ، {بَلْ سَوَّلَتْ} ، {بَلْ زُيِّنَ} ، {بَلْ طَبَعَ} ، {بَلْ ظَنَنْتُمْ} ، {بَلْ ضَلُّوا} ، {هَلْ نَدُلُّكُمْ} ، {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ} ، {هَلْ نَحْنُ} ، وشبهه، فأدغم الكسائي اللام في الثانية، وأدغم حمزة في التاء والثاء والسين فقط، واختلف عن خلاد عند الطاء في قوله: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ} النساء: 155، فقراءته بالوجهين. وبالإدغام آخذ له. وأظهر هشام عند النون والضاد وعند التاء في قوله: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي} . الرعد 16، لا غير. وأدغم أبو عمرو: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} الملك 67. {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} الحاقة 69، لا غير. وأظهر الباقون اللام عند الثانية. وانظر: شرح المفصل 10/ 142-143.

الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا

الإِدغامُ في حروف طرف اللسانِ والثنايا: الدالُ معَ الطاءِ 1: اضْبِطُّلامَه يريدُ: اضْبِطْ دُلامَه تُدغِمُ وتدعُ الإِطباقَ علَى حالِه فلا تُذهبْهُ لأَنَّ الدَّالَ ليسَ فيها إطباقٌ وبعضُ العرب يُذهبُ الإِطباقَ حتَى يجعلَها كالدَّالِ سواءً والدالُ في الظاءِ وذلكَ [قولكَ] 2: أفْقُدْ ظَالِمًا. الطاءُ مع التاءِ: تُدغِمُ وتدعُ الإِطباقَ بحالِه وذهابُ الإِطباقُ معَ الدالِ أَمثلُ لأَنَّ الدالَ

_ 1 كذا في الأصل، والوجه أن يقال: الطاء مع الدال ليتفق مع المثال المستشهد به. 2 زيادة من "ب".

مجهورةٌ والتاء مهموسةٌ وكُلٌّ عربيٌّ وذلكَ: أُنْقُتَّوْأَماً1 تُدغمُ وكذلكَ التاءُ في الطاءِ وذلكَ قولُكَ: انْعَطَّالِبًَا وهذَا لا يُجحفُ فيهِ بالإِطباقِ. التاءُ معَ الدَّالِ: كُلُّ واحِدةٍ منهما تُدغمُ في صاحبتِها إلا أَنَّ إدغامَ التاءِ في الدالِ أَحسنُ لأَنَّ الدّالَ مجهورةٌ والأَحسنُ إدغامُ الناقِص في الزائِد وذلكَ قولُكَ: انْعَدُّلامًا وانقُتِّلْكَ2 فتُدغِمُ ولو بينتَ فقلتَ: اضْبِطْ دُلاَمًا واضْبِطْ تِلْكَ وانْعَتْ دُلاَمًا لجازَ وهوَ يثقلُ الكلامُ بهِ.

_ 1 في الأصل" انقط لاما" والتصحيح من "ب". 2 الأصل "انعت دلاما" و"أنقد تلك" والتصحيح من "ب".

باب الصاد والزاي والسين

بَابُ الصادِ والزاي والسينِ: الصادُ مَعَ السينِ: "افْحَسَّالِماً"1 تدغمُ فتصيرُ سينًا وتدعُ الإِطباقَ لأَنَّها مهموسَةٌ مثلُها وإنْ شِئتَ أَذهبتَهُ وإذهابُ الإِطباقِ معَ السينِ أَمثلُ مِنْ إذهابِ الإِطباقِ إذَا أدغمتَ الطاءَ وتُدغمُ السينَ في الصادِ وذلكَ احْبِصَّابِراً2. الزاي معَ الصادِ: وتدغمُ الزاي في الصادِ وذلكَ: أَوْجِصَّابرًا. الزاي والسينُ: احْبِزَّرَدَةَ تدغمُ وكذلكَ الزاي في السينِ وَرُسَّلَمةَ تدغمُ.

_ 1 بلا إدغام "افحص سالما". 2 في الأصل: أحبس صابرا، وكتب الناسخ كل ما هو مدغم بدون إدغام.

باب الظاء والذال والثاء

بَابُ الظاءِ والذالِ والثاءِ: الظاءُ مَع الذالِ: احْفَذّلِكَ تُدغمُ وتدعُ الإِطباقَ، وإن شِئْتَ أَذهبته لأَنَّها مجهورةٌ مثلُها وتُدْغمُ الذّالَ في الظاءِ نحو: خُظَّالِمًا. الثاءُ معَ الظاءِ: ابْعَظَّالمًا تُدْغِمُ. الذّالُ معَ الثاءِ: تُدْغَمُ كُلُّ واحدةٍ منهما في صاحبتِها وذلكَ: خُثَّابِتًا وابْعَذّلِكَ والبيانُ فيهنَّ أَمثلُ منهُ في الصادِ والسينِ والزاي.

إدغام مخرج في مخرج يقاربه

إدغامُ مخرجٍ في مخرجٍ يقاربهُ: الطاءُ والدالُ والتاءُ يُدغمنَ كلهنَّ في الصادِ والزاي والسِّينٍ لقربِ المخرجينِ وذلكَ1: ذَهَبسَّلْمَى وَقَسَّمِعَتْ فتُدغِمُ واضْبِزَّرَدَةَ فَتُدغم

_ 1 وذلك: ساقط في "ب".

وَانْعَصَّابِرًا وقرأَ بعضهمُ: {لاَ يَسَّمَّعُونَ 1} . يريدُ: [لا2] يَتَسمَّعونَ والبيانُ عربيٌّ حَسنٌ. وكذلكَ: الظاءُ والذالُ والثاءُ تُدغمُ في الصادِ وأختيها وذَلكَ قولُكَ: ابْعَسَّلَمةَ واحفسَّلَمَةَ وخُصَّابِرًا واحفَزَّرَدَةَ سمعناهم يقولونَ: مُزَّمان فيدغمونَ الذّال في الزاي ومُسَّاعة فيُدغمونها في السينِ والبيانُ فيها أَمثلُ منهُ في الظاءِ وأُختيها. والظاءُ والثاءُ والذالُ أخواتُ. الطاءُ والتاءُ والدالُ لا يمتنعُ بعضهُنَّ مِن بعضٍ في الإِدغام وذلكَ أهْبِظَّالِمًا وابْعِذَّلِكَ وانْعَثَّابِتًا واحْفَطَّالِبًا وَخُدَّاوُدَ وابْعَتَّلِكَ وحجتهُ قولهم: ثلاثُ دراهم تُدغمُ الثاءُ في التاءِ التي هيِ بَدَلٌ مِنَ الهاءِ [التي في الدارهمِ3] وقالوا: حَدَّتّهُم4 فجعلوهَا تاءً والبيانُ فيهِ جيدٌ فأَمَّا الصادُ والسينُ والزايُ فلا تدغمهنَ في هذه الحروفِ لأنَّهنَ حروفُ الصفير وهُنَّ أَندى في السمعِ فامتنعتْ كما امتنعتِ الراءُ أَنْ تدغَم في اللامِ وتدغمُ الطاءُ والدالُ والتاءُ في الضادِ وذلكَ اضْبِضَّرَمَةَ وانقضَّرَمَةَ وانْعِضَّرَمَةَ. قالَ سيبويه: وسَمعنا مَنْ يوثقُ بعربيتهِ قالَ: ثَارَ فَضَجَّضَّجَّةً رَكائِبهْ5، فأَدغَم التاءَ في الضادِ. والظاءُ والثاءُ والذالُ يدغمنَ في الضادِ وذلكَ: احْفَضّرَمَةَ

_ 1 الصافات: 8، والآية: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} . 2 أضفت "لا" لإيضاح المعنى. 3 زيادة من "ب". 4 في الاصل أخذتهم، والذي يريده حدثتهم فأدغم الثاء وجعلها تاء. 5 من شواهد سيبويه 2/ 420 على إدغام تاء "ضجت" في ضاد "ضجة" لمخالطة الضا د للتاء باستطالتها وإن كانت من حافة طرف وسط اللسان. وصف رجلا ثار بسيفه في ركائبه ليعرقبها ثم ينحرها للأضياف فج علت تضج. وانظر: شرح السيرافي 6/ 553. ولم يعرف قائل هذا الشاهد.

وخُضَّرَمَةَ وابْعَضَّرَمَةَ ولا تُدغمُ الضادُ في الصادِ والسينِ والزايِ لإستطالةِ الضّادِ كما امتنعتِ الشينُ وهيَ قريبةٌ مِنها ولا تُدغمُ الصادُ وأُختاها في الضادِ فالضادُ/ لا تُدغمُ فيما تدغمُ فيها والبيانُ عربيٌّ جَيّدٌ وتدغُم الطاءُ والتاءُ والدالُ في الشينِ لإستطالتِها حينَ اتصلتْ بمخرجِها وذلكَ: اضْبشَّبَثًا وَانْقُشَّبَتًا والإِدغامُ في الضادِ أَقوى وتُدغمُ الظاءُ والذالُ والثاءُ في الشينِ لأَنَّهم أنزلوها منزلَة الضادِ وذلكَ قولُكَ: احْفَشَّنباءً وابْعَشَّنْباءَ وخُشَّنباءَ والبيانُ عربيٌّ جيّدٌ وهو أَجودُ منهُ في الضادِ. واعلَم: أَنَّ جَميعَ ما أَدغمتَهُ وهُوَ ساكنٌ يجوزُ لكَ فيهِ الإِدغامُ إذَا كانَ متحركًا كما تفعلُ ذلكَ في المثلينِ وحالهُ فيمَا يحسنُ فيهِ ويقبحُ الإِدغامُ ومَا يكونُ فيهِ حَسَنٌ وما كانَ خَفيًا وهو بزنتهِ متحركًا قَبلَ أَنْ يخفى كحالِ المثلينِ وإذَا كانتْ هذهِ الحروفُ المتقاربةُ في حرفٍ واحدٍ ولَم يكنِ الحرفانِ منفصلين ازدَاد ثُقلًا واعتلالًا كمَا كانَ المثلان إذَا لم يكونا منفصلين أَثقل لأَنَّ الحرفَ لا يفارقهُ ما يستثقلونَ فَمِنْ ذلكَ قولُهم في "مُثْتَرِدٍ": مُثَّرِدٍ1، وقَدْ ذُكِرَ بابُ "افْتَعَلَّ" في التصريفِ وما يُدغمُ منهُ وما يُبدلُ ولا يُدغمُ.

_ 1 في سيبويه 2/ 421 فمن ذلك قولهم "مثترد مثرد" لأنهما متقاربان مهموسان والبيان حسن، وبعضهم يقول: مثترد، وهي عربية جيدة، والقياس مترد، لأن أصل الإدغام أن يدغم الاول في الأخر.

ذكر ما امتنع من الحروف المتقاربة

ذِكرُ ما امتنَع مِنَ الحروفِ المتقاربةِ: وهيَ تجيءُ علَى ضربينِ: منها ما يُدغمُ في مقاربهِ ولا يُدغمُ مقاربهُ فيهِ ومنها ما لا يدغمُ في مقاربهِ ويدغمُ مقاربهُ فيهِ1.

_ 1 فيه: ساقطة في "ب".

فالحروفُ التي تُدغمُ فيما قاربَها ولا يُدغمُ فيها مقاربُها: الهمزةُ والألفُ والواوُ لا تدغمُ وإنْ كانَ قبلَها فتحةٌ في شيءٍ من المقاربةِ وكذلكَ الواوُ لو كانتْ معَ هذهِ1 الياءِ التي ما قبلهَا مفتوحٌ مَا هُوَ مثلُها سواءٌ لأدغمتَها ولم تستطعْ إلا ذلكَ وإذَا كانتِ الواوُ قبلَها ضمةٌ والياءُ قبلَها كسرةٌ فهوَ أَبعدُ للإِدغامِ. الحروفُ التي لا تُدغمُ في المقاربة فيها: الميمُ والراءُ والفاءُ والشينُ. فالميمُ لا تُدغمُ في الباءِ لأَنَّهم يقلبونَ النونَ ميمًا في قولهِم: العنبَرُ ومَنْ بِكَ2، وأَمَّا إدغامُ الباءِ في الميمِ فنحو: اصحَمَّطَرًا تريدُ: اصْحَبْ مَطرًا. والفاءُ لا تُدغمُ في الباءِ والباءُ تدغمُ فيها وذلكَ: اذْهَفَّي ذَلكَ. والرّاءُ لا تُدغمُ في اللامِ3 ولا في النونِ لأَنَّها مكررةٌ وتُدغمُ اللامُ والنونُ في الراءِ. والشِّينُ لا تُدغمُ في الجيمِ وتُدغمُ الجيمُ فيها. وجملةُ هَذا أنَّ حَقَّ الناقصِ أَنْ يُدغمَ في الزَّائدِ وحَقُّ الزائدِ أَنْ لا يُدغم َ في الناقصِ وأَصلُ الإِدغامِ في حروفِ الفمِ واللسانِ وحروفِ الحلقِ وحروفُ الشَّفةِ أَبعدُ مِنَ الإِدغامِ فَما أُدغمَ من الجميعِ فلمقاربةِ حروفِ الفَمِ واللسانِ.

_ 1 ما بين القوسين ساقط في "ب". 2 في الأصل: من "يدالك" والذي يعنيه بالعمبر في العنبر. وممبك في من بك. 3 قال سيبويه 2/ 412: والراء لا تدغم في اللام وفي النون لأنها مكررة وهي تفشي ذا كان معها غيرها فكرهوا أن يجحفوا بها فدغم مع ما ليس يتفشي في الفم مثلها ولا يكرر، أما الكسائي والفراء- كما في شرح الشافية 3/ 274 - فقد أجازا إدغام الراء في اللام قياسا. أما موقف الفراء من ذلك: فبناء على صاحب التيسير/ 44، وأدغم أبو عمرو الراء الساكنة في اللام نحو قوله-عز وجل: {نَغْفِرْ لَكُمْ} {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} وشبه بخلاف بين أهل العراق في ذلك، وأظهر الباقون.

باب الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه

باب الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه مدخل ... هَذا بابُ: الحرفِ الذي يُضارعُ بهِ حرفٌ من موضعهِ: والحرف الذي يُضارعُ بهِ ذلكَ الحرفُ وليس مِنْ موضعهِ فأَمَّا الذي يُضارعُ بهِ الحرفُ الذي مِنْ مخرجهِ فالصادُ الساكنةُ إذا كانَ بعدَها الدالُ نحو: مَصْدَرٍ وأَصدَر والتقديرُ فما لم يمكن أَنْ يُعَلَّ ضارعوا1 بها أَشبهَ الحروفِ بالدالِ مِنْ مَوضعهِ وهيَ الزايُ. قالَ سيبويه2: وسمعْنا الفصحاءَ يجعلونَها زايًا خالصةً وذلكَ قولُكَ في التَّصدير: التَّزديرُ وفي الفَصدِ: الفَزْدُ وفي أَصدرتُ: أَزدرتُ ولم يجسروا علَى إبدالِ الدالِ3 لأَنَّها ليستْ بزائدةٍ كالتاءِ في "افتعلَ" فإنْ تحركتِ الصادُ لم تُبْدل لأَنَّهُ قَدْ وقعَ بينَهما شيءٌ ولكنَّهم قَدْ يضارعونَ بهَا نحو صَادِ4 "صدَقتُ" والبَيانُ أَحْسَنُ فرُبّما ضارعوا بها5 وهيَ بعيدةٌ [نحو: مَصادر6] والصِّرَاط لأَنَّ الطَاء كالدال والمضارعةُ هُنَا وإنْ بعدتْ كما قالوا: صَوِيقٌ ومَصَاليق فأَبدلوا السينَ صَاداً8. والبيانُ هُنا أَحسنُ.

_ 1 يقصد أنهم ضارعوا بالصاد أشبه الحروف بالدال من موضعه وهي الزاي لأنها م جهورة غير مطبقة، ولم يبدلوها زايا خ الصة كراهية الإجحاف بها للإطباق: انظر: الكتاب 2/ 426. 2 لم يحدد سيبويه هؤلاء الفصحاء في كتابه 2/ 426، وزعم شارح الشافية 3/ 232 أن حاتما الطائي قال في قصة هكذا: فزدي، أنه بدلا من "فصدي"وقال السيوطي في المزهر 1/ 467 نقلا عن ابن السشكيت أن خلفا سمع أعرابيا يقول: لم يحرم من فزد له يريد: من فصد له. 3 أي: إبدال الدال صادا. 4 في "ب" دال. 5 أضافت كلمة "بها" لإيضاح المعنى. 6 أضفت نحو مصادر وهذه الزيا دة من سيبويه 2/ 426. 7 أي: الدال. 8 انظر: الكتاب 2/ 426-427.

فإنْ كَانَ موضعُ الصادِ سينًا ساكنةً أُبدلَت فقلتَ في التَّسدير: التَّزديرُ وفي يُسدلُ ثَوبَهُ: يُزدلُ ثَوْبَهُ لأَنَّهُ ليسَ فِيها إطباقٌ يذهبُ والبيانُ فيها أَحسنُ وأَمّا الحرفُ1 الذي ليسَ من موضعهِ فالشينُ وذلكَ أَشْدَقُ فتضارعُ بهَا الزايَ والبيانُ أكثرُ وهذا عربيٌّ كثيرٌ والجيمُ أَيضاً2، يقولونَ في "الأَجدر"3 أَشدرُ ولا يجوزُ أَن يجعلَها زايًا خالصةً ولا الشينُ لأَنَّهما ليستا من مخرجِهما وقد قَالوا: اجدمعوا في اجتمعوا واجدَرَؤوا يريدونَ: اجتَرؤوا4.

_ 1 في الأصل الحروف، والتصحيح من "ب". 2 أي: قريب منها فجعلت بمنزلة الشين. 3 في الأصل "أجدر" والتصحيح بمنزلة الشين. 4 انظر: الكتاب 2/ 428.

باب ما يقلب فيه السين صادا في بعض اللغات

هذاَ بَابُ ما يقلبُ فيهِ السينُ صادًا في بعضِ اللغَاتِ: تقلبُها القافُ إذا كانتْ بعدهَا في كلمةٍ واحدةٍ نحو صُقْتُ1 وَصَبَقْتُ والصَّمْلَقُ2، ولم يبالوا ما بينَ السينِ والقافِ مِنَ الحواجزِ وكذلكَ الغينُ والخاءُ يقولونَ "صَالغُ" في "سَالغٍ3"، وصَلَخ في "سَلَخ" فإنْ قلتَ: زَقَا وَزَلَقَ لم تغيرها لأَنَّها حرفُ مجهورٌ وإنَّما يقول: هذَا مِنَ العربِ بنو العنبرِ4، وقَالوا: صَاطعٌ في "سَاطعٍ" ولا يجوزُ في ذُقْتُها أن تجعلَ الذالَ ظاءً5 وأَمَّا الثاءُ والتاءُ فليسَ يكونُ في موضعهما [هذا6] .

_ 1 الذين يقولون: سقت، وسملق، هم بنو العنبر من تميم. وانظر: الكتاب 2/ 428 أو بنو عمرو بن تميم في قول يونس، طبقات الزبيدي/ 26. وقد جوز هذا القلب كثير من النحاة بشروط خاصة. وانظر: المزهر 1/ 469. 2 السملق: الأرض المستوي. 3 سالغ: السالغ: البقرة أو الشاة إذا خرج نابها. 4 انظر: الكتاب 42-82. 5 لأن الذال والظاء حرفان مجهوران. 6 أضفت كلمة: "هذا" لإيضاح المعنى، وانظر: الكتاب 2/ 428-429.

باب ما كان شاذا مما خففوا على ألسنتهم وليس بمطرد

هَذا بَابُ ما كانَ شَاذًا: مِمّا خَفَّفُوا على أَلسنِتِهم ولَيس بمطردٍ: فَمِنْ ذلكَ "ستٌّ" وأَصلُها "سِدْسٌ" أُبدلَ مِنَ السينِ تَاءً ثُمَّ أُدغمَ ومِنْ ذلكَ قولُهم: وَدٌّ إنما1 أَصلُهُ: وَتِدٌ وهيَ الحجازيةُ الجيدةُ ولكنَّ بني تميمٍ أسكَنُوا التاءَ2، فأَدغموا ولم يكنْ مطردًا لِمَا ذكرتُ مِنَ الالتباسِ حتَّى تَجشموا: وَطْدًا وَوَتْدًا وكانَ الأَجودُ عندَهم: تِدَةٌ وطِدَةٌ وممّا بينُوا فيهِ "عِتْدَانٌ3" وقَد قالوا: "عِدّانٌ" شبهوهُ "بَوَدٍّ" وقلما4 تقعُ التاءُ في كلامِهم ساكنةً في كلمةٍ قبلَ الدالِ. ومِنَ الشاذِّ: أَحَسْتُ وَمَسْتُ وَظَلْتُ فحذفُوا كمَا حذفوا التاءَ مِنْ قولِهم: يستطيعُ استثقلوا التاءَ مع الطاءِ وكرهوا أَنْ يدغموا التاءَ في الطاءِ فتُحركُ السينُ وهيَ لا تحركُ أَبدًا ومَنْ قالَ: يسطيعُ فإنَّما زَادَ5 السينَ عَلَى "أَطاعَ يُطِيعُ". ومِنَ الشاذِّ: قولُهم: تَقَيْتُ يَتَقى ويَتسَعُ حذفُوا الفاءَ،

_ 1 إنما: ساقط في "ب". 2 كقولهم في فخذ، فخذ. 3 عتدان: في سيبويه 2/ 429 وقال بعضهم عتدان فرارا من هذا وقد قالوا: عدان. 4 في الأصل "قل ما". 5 في الأصل "أراد" والتصحيح من "ب".

لأَنَّ التاءَ تبقى1 متحركةً [ومَنْ قالَ تَتقى يقدرُ أنَّهُ مخففٌ من اتّقَى ومَنْ قَالَ: تقى مثلُ تَرى يبدلُ التاءَ مِنَ الواوِ] 2 وقَالَ بعضُ العربِ3: اسْتَخَذَ فلانُ أرضًا يريدُ: اتَّخذَ أَبدلوا السينَ مكانَ التاءِ كما أُبدلتِ التاءُ مكانَها في "سِتٍّ" ومثلُ [ذلك4] قولُ بعض العربِ: اطَّجَعَ في اضْطَجَعَ5 كراهيةَ التقاءِ المُطبقينِ فأَبدلَ مكانَها أقربَ الحروفِ مِنها وفي "اسْتَتْخَذَ" قولٌ آخرُ أَنْ يكونَ "استفعلَ" فحذفَ التاءَ للتضعيفِ مِن "اسْتَتْخَذَ" كما حَذَفُوا "لاَم" ظَلْتُ. " [وقَالَ بعضهم: "يَستيعُ" [في يستطيعُ6] فإنْ شِئْتَ قلتَ: حَذَفَ الطاءَ7] كمَا حذفَ لامَ "ظَلْتُ" وتركوا الزيادةَ كما تركوا في "تُقَيتُ" وإنْ شِئْتَ قلتَ: أبدلوا التاءَ مكانَ الطاءِ ليكونَ ما بعدَ السين مهموسًا مِثْلَها كمَا قالوا: ازْدانَ ليكونَ ما بعدَهُ مجهورًا فأَبدلوا مِنْ موضِعها أشبهَ الحروفِ بالسينِ فأبدلوها مكانَها كما تبدلُ هيَ مكانَها في الإِطباق. ومِنَ الشاذِّ قولُهم في بني العنبر وبني الحارث: بلحرثُ وبِلعنبرُ فحذفتِ النونُ وكذلكَ يفعلونَ بكُلِّ قبيلةٍ تظهرُ فيها لاَم المعرفةِ فإذَا لم تظهرِ اللامُ فَلا يكونُ ذلكَ لأَنَّها لمّا كانتْ مِمّا كَثُرَ في كلامِهم وكانتِ اللامُ والنونُ قريبتي المَخارجِ حذفوها وشبهوها "بِمَسْتُ" لأنَّهما حرفانِ متقاربانِ ولم يَصِلُوا إلى الإِدغامِ كَما لم يصلوا في "مَسِسْتُ" لسكونِ اللامِ وهذَا أَبعدُ لأَنَّهُ اجتمعَ فيهِ أَنَّهُ منفصلٌ

_ 1 تبقي: ساقط من "ب". 2 زيادة من "ب". 3 انظر: الكتاب 2/ 429، والتصريف 2/ 329. 4 أضفت كلمة ذلك لإيضاح المعنى. 5 قال ابن جني في المنصف 2/ 328 فأما ما حكى عنهم من قولهم: الطجع في اضطجع فشاذ، وانظر الكتاب 2/ 429. 6 اضفت عبارة في يستطيع لإيضاح المعنى. وانظر الكتاب 2/ 429. 7 ما بين القوسين ساقط في "ب".

[وأَنَّهُ1] ساكنٌ لا يتصرفُ [تَصرفَ2] الفعلِ حينَ تدركهُ الحركةُ ومثلُ هَذا3 قولُ بعضِهم: عَلْمَاءِ بنو فلانٍ فحذفوا اللامَ وَهُوَ يريدُ: عَلَى الماءِ بنو فلانٍ وهيَ عربيةٌ4.

_ 1 اضفت "وأنه" لإيضاح المعنى. 2 أضفت "تصرف" لإيضاح المعنى. 3 في "ب" ذلك. 4 في الأصل عبارة "نجز الإدغام" فحذ فتها لأنها من عمل الناسخ.

باب ضرورة الشاعر

بَابُ 1 ضرورةِ الشَّاعرِ: ضرورةُ الشاعرِ أَن يُضطرَّ الوزنُ إلى حذفٍ أَو زيادةٍ أَو تقديمٍ أَوْ تَأْخيرٍ في غير موضعهِ وأبدالِ حرفٍ أَو تغييرِ إعرابٍ عَنْ وجههِ علَى التأويلِ أَو تأنيثِ مُذكرٍ علَى التأويلِ وليسَ للشاعِر أَنْ يحذفَ ما اتفقَ لَهُ ولا أَنْ يزيدَ ما شَاءَ بَلْ لذلكَ أُصولٌ يعملُ عليها فمنها ما يحسنُ أَنْ يستعملَ ويُقاس عَليهِ ومنها ما جاءَ كالشاذِّ ولكنَّ الشاعرَ إذَا فَعَلَ ذلكَ فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ قَدْ ضارعَ شيئًا بِشيءٍ ولكنَّ التشبيهَ يخلتفُ فمنهُ قَريبٌ ومنهُ بَعيدٌ.

_ 1 باب: ساقط في "ب".

ذكر الذي يحسن من ذلك ويقاس عليه

ذِكرُ الذي يحسنُ مِنْ ذلكَ ويقاسُ عَليهِ: اعلَمْ: أَنَّ أَحسنَ ذلكَ ما رُدَّ فيهِ الكلامُ إلى أَصلِه وهوَ في جميعِ ذلك لا يخلُو مِنْ زيادةٍ أَو حذفٍ فالزيادةُ صَرفُ ما لا ينصرفُ وإظهارُ التضعيفِ وتصحيحُ المعتلِّ ويتبعهُ في الحُسنِ تحريكُ الساكنِ في القافيةِ بحركةِ ما قَبلهُ فإنْ كانَ في حشوِ البيتِ فهو عندي أَبعدُ وقطعُ أَلفِ الوصلِ في أنصافِ البُيوتِ. وأَمَّا الحذفُ: فَقَصْرُ الممدودِ وتخفيفِ المشدد

في القوافي فَأَمَّا ما لا يجوزُ للشاعرِ في ضرورتِهِ فَلا يجوزُ لَهُ أَنْ يلحنَ لتسويةِ قافيةٍ ولاَ لإِقامةِ وزنٍ بأَنْ يُحركَ مجزومًا أَوْ يسكنَ معربًا وليسَ لَهُ أَنْ يُخرجَ شيئًا عَنْ لفظِه إلا أَنْ يكونَ1 يخرجهُ إلى أَصلٍ قَد كانَ لَهُ فيردهُ إليهِ لأَنَّهُ كانَ حقيقُتُه وإنَّما أَخرجَهُ عن قياسٍ لزمَهُ أَو اطرادٍ استمرَّ بهِ أَو استخفافٍ لِعلّةٍ واقعةٍ. الأَولُ مِنَ الضربِ الأول: وهوَ صرفُ ما لا ينصرفُ [للشاعرِ أَنْ يصرفَ في الشِّعرِ جميعَ ما لا ينصرفُ2] وذلكَ أَنَّ أَصلَ الأسماءِ كلِّها الصرفُ وذلكَ قولُهم في الشعرِ: مَررتُ بأَحمرٍ ورأيتُ أَحمرًا ومررتُ بمساجدٍ يا فَتى كما قَالَ [النابغة: 3] فَلْتَاْتِيَنْكَ قَصائدٌ وَلْيَرْكَبنْ ... جَيْشٌ إليكَ قوادمَ الأَكوَارِ4

_ 1 يكون ساقط في "ب". 2 ما بين القوسين ساقط في "ب". 3 زيادة من "ب". 4 من شواهد سيبويه2/ 150، علي التوكيد بالنون في قوله: فلتأينك وليدفعن والكور: الرجل، وقادمته: العوادن اللذان يجلس بينهما الراكب. يقول: والله: لأغيرن عليك بقصائد الهجو ورجال الحرب. وجعل الجيش يدفع القوادم لأنهم كانوا يركبون الإبل في الغزو حتى يحلوا بساحة العدو، فجعل الجيش هو المز عج للإبل المرتحلة الدافع لها. ويروى الشاهد بنصب "الجيش" ورفع "القوادم"، لأنها المتقدمة، والخيل مقودة خلفها فكأنها الدافعة الجيش إليهم، والسابقة له نحوهمن وهذا على رواية: وليدفعن، أما رواية ابن السراج، وليركبن، فليس فيها إلا رفع الجيش. وانظر: المقتضب 1/ 143. والمنصف 2/ 79. وا لخصائص 2/ 347. والمقرب لابن عصفور/ 170. والديوان/ 32.

فقالَ قومٌ: كُلُّ شَيءٍ مما لا ينصرفُ مصروفٌ في الشعرِ إلا أَفعلَ "الذي معهُ مِنْ كذَا نحو: هَذا أَفعلُ مِنكَ1 ورأيتُ أَكرمَ مِنْكَ وذهبوا إلى أَنَّ "مِنْكَ" يقومُ مقامَ المضافِ إليهِ وهذَا مِنْهم خَطأٌ وإنَّما مُنعَ الصرفُ لأَنَّهُ "أَفعلُ" وتَمَّ "بِمنْكَ" نعتًا فَصارَ كأَحمَر أَلاَ ترىَ أَنَّكَ تقولُ: مررتُ بخير منكَ وشرٍّ مِنْكَ فمنكَ على حالِها وصرفتَ خيرًا وشراً" لأَنَّه قد نَقصَ عَنْ وزنِ "أَفعلَ" وقال قومٌ: يجوزُ في الشعرِ تركُ صرفِ ما ينصرفُ. قالَ محمد بن يزيد: وهذَا خَطأٌ عظيمٌ لأَنَّهُ ليسَ بأَصلٍ للأسماءِ أن لا تنصرفَ فتردٌّ ذلكَ إلى أَصلهِ قالَ: ومِمّا يحتجونَ بهِ قولُ العباسِ بن مرداس: أَتجْعَلُ نهبي ونَهبَ العُبي ... دِ بَيْنَ عُيَينَةَ والأَقرعِ ... وما كانَ حِصْنٌ ولاَ حَابسٌ ... يًفُوقانِ مِرْدَاسَ في مَجْمَعِ 2

_ 1 ذكر ابن عصفور في المقرب/ 170. أن الكوفيين استثنوا من ذلك "أفضل من" وزعموا أن "من" منعت صرفه وهي تفاقها. وزعم البصريون أن المانع من صرفه إنما هو وزن الفعل والصفة لا "من" بدليل قول العرب: خير منك، وشر منك، ومنونتين، لما زال وزن الفعل، ولو كانت "من" المانعة للصرف وجب امتناع "خير وشر" الصرف فتبين إذن أن المانع لا يعمل "من" الصرف إنما هو الوزن والصفة كما أن أحمر كذلك، فكما أن "أحمر" يصرف في الضرورة، فكذلك "افعل" وزعم أبو الحسن أن من العرب من يصرف ما لا ينصرف في الكلام، وزعم أن ذلك لغة للشعراء. 2 الشاهد فيهما: ترك صرف "مرداس" وهو اسم منصرف، وهذا قبيح لا يجوز، ولا يقاس عليه لأن لحن، لذا فإن ابن السراج قال: والرواية الصحيحة. يفوقان شيخي في مجمع. وللبيتين قصة بعد موقعتة حنين مذكورة في المراجع الإسلامية والتاريخية. ورواية الديوان: فأصبح نهبي ونهب العبيدين ... ويروي كذلك: أيذهب نهبي ... والنهب: الغنيمة والعبيد بالتصغير: اسم فرس العباس، وكان يدعي فارس العبيد. يفوقان: الشيء الفائق: هو الجيد الخالص في نوعه، ورواية: يفوقان شيخي، يريد الشاعر أباه وجده. وانظر: الأغاني 4/ 308 والشعر والشعراء/ 101. والكامل لابن الأثير 2/ 184. والموشح للمرزباني/ 144 وشروح سقط الزند 2/ 873. والسيوطي 925 والسمط/ 32. والخزانة 1/ 71. والضرائر/ 134. واللسان "نهب، وعبد" والديوان.

وإنَّما الروايةُ الصحيحةُ "يفوقانِ شيخيَ في مَجْمَعِ" ومِنْ ذلكَ روايتهُم في هذَا البيت لذي الأصبعِ العدواني: ومَمِنْ وَلَدوا عَامرُ ... ذو الطُّولِ وذو العَرْضِ1 وإنَّمَا عامرُ اسمُ قبيلةٍ فيحتجونَ بقولِهِ "وذو الطولِ" ولم يقلْ2 "ذَاتِ" فإنَّما ردَّهُ للضرورةِ إلى "الحَيِّ" كَما قَالَ: قَامتْ تُبَكيّهِ عَلَى قَبْرِهِ ... مَنْ لِي مِنْ بَعدِكَ يَا عَامرُ تَرَكْتَنِي في الدَّارِ ذَا غُربَةٍ ... قَدْ ذَلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ ناصرُ

_ 1 الشاهد فيه عدم صرف "عامر" لأنه اسم للقبيلة، وقال الشاعر: "ذو" ولم يقل "ذات" لانه حمله على اللفظ. ولدت المراة، تلد ولادة وولادا، والعائد محذوف، أي: ولدوه، وذو الطول وذو العرض صفته -أي: عامر- وهو كناية عن عظم الجسد وقوته. وانظر: لمع الأدلة/ 50. وابن يعيش 1/ 68. واللسان "عمر"/ 379. وشرح السيرافي 1/ 204. والإنصاف/ 165. والعيني 4/ 364 وشعراء النصرانية/ 626. 2 يقل: ساقط في "ب". 3 الشاهد فيه "ذا غربة" والقياس أن يقول: ذات غربة، لكنه رد الكلام إلى معنى الإنسان، لأنها إنسان، فكأنها قالت: تركتني نسانا ذا غربة، وإنما انشد البيت الأول ليعلم أن قائله امرأة. وعمرو معدول عنه في حالة التسمية، لانه لو عدل عنه في الصفة لقيل: العمر يريد العامر، وعامر أبو قبيلة، وهو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وانظر: شرح السيرافي 1/ 133 وأمالي 2/ 160. وأمالي السيد المرتضي 1/ 51. ولمع الأدلة/ 50. وابن يعيش 5/ 101. والإنصاف/ 266.

فإنَّما1 أرادَ للضرورة إنسانًا ذا غربةٍ فهذَا نظيرُ ذلكَ وهذَا الذي ذكرَ أبو العباس كمَا قالَ: إنَّهُ القياسُ أَنْ يُردَّ للضرورةِ الشيءُ إلى أَصلِه ولكنْ لو صحتِ الرواية في تَركِ صرفِ ما ينصرفُ في الشعر لما كانَ حذفُ2 التنوينِ بأَبعدَ من حذفِ الواوِ في قوله: فَبنَياهُ يَشْرِي رَحلَهُ3.. لأَنَّ التنوينَ زَائدٌ ولأَنَّه قد يحذفُ في الوقفِ والواوُ في "هُوَ" غيرُ زائدةٍ فلا يجوزُ حذفُها في الوقفِ كلاهُما رَديءٌ حذفُهما في القياسِ. قالَ أَبو العباس: فأَمَّا قَولُ ابن الرقياتِ: "ومَصْعَبُ حينَ جَدَّ ... الأمرُ أَكثرُها وأَطَيبُها4 فزعَم الأصمعي: أَنَّ ابنَ الرقياتِ ليس بحجةٍ وأنَّ الحضريةَ أَفسدتْ عَلَيْه لغتَهُ قالَ: ومَنْ روى هذَا الشعرَ مِمَّنْ يفهمُ الإِعرابَ ويتبعُ الصوابَ ينشدُ:

_ 1 في "ب" أرادت. 2 في "ب" ترك. 3 يشير إلى قول الشاعر: فبيناه يشري رحله قال قائل ... لمن جمل رخو الملاط نجيب. على أن الشاعر استعمل "بنياه" بمعنى: بينا هو شار رحله، ويشري هنا بمعنى ببيع، واختلف في نسبة هذا البيت، فالمشهور أنه للمخلب- بضم الميم وفتح الخاء وشديد اللام. وقيل للعجير السلولي، وروي كذلك: لمن جمل رخو الملاط ذلول والملاط: مقدم السنام. وقيل: جانبه، وهما ملاطان، وقيل: هما العضدان وقيل الإبطان، وقوله: رخو" إشارة إلى عظمة واتساعه. وانظر: الخصائص 1/ 69. والضرائر/ 77. والإيضاح لأبي على/ 75. والموشح 146. والإنصاف/ 267. وإيضاح الشواهد الإيضاح/ 79. 4 قيل إن الرواية الصحيحة في هذا هي: وأنتم حين جد الأم.. وانظر: شرح السيرافي 1/ 204، والإنصاف/ 264، وابن يعيش 1/ 68 والخزانة 1/ 72.

"وأَنتمُ حينَ جَدَّ الأمرُ أكثرُها وأطيبُها1 قالَ: ومِنَ الشعراءِ الموثوقِ بهم في لغاتِهم كثيرٌ2 مِمَّنْ قد أَخطأَ لأَنَّهُ وإنْ كانَ فصيحًا فَقَدْ يجوزْ عليهِ الوهلُ والزللُ مِنْ ذلكَ قولُ ذي الرّمةِ: وقَفْنَا فقلنا إيهِ عَنْ أُم سَالمٍ ... ومَا بالُ تكليمِ الدّيارِ البلاقعِ3 وهذَا لا يعرفُ إلا منونًا في شيءٍ من اللُغاتِ وقَولُه: حَتَى إذَا دَوَمتْ في الأرضِ رَاجَعهُ ... كِبْرٌ وَلَو شَاءَ نَجّى نَفْسَهُ الهَرَبُ4 إنَّما يقالُ: دَوّى في الأرضِ ودَوّمَ في السَّماءِ كمَا قالَ: والشَّمْسُ حَيْرَى لَها في الجَوِّ تدويمُ5

_ 1 انظر: الإنصاف/ 264، والخزانة/ 72. 2 كثير: ساقطة في "ب". 3 مر تفسير هذا الشاهد في هذا الجزء. 4 الشاهد فيه استعماله "دوم" في الأرض، والتدوم لا يكون إلا في السماء دون الارض، وقيل: أن دومت هنا، ومعناها: أبعدت واصله من دام يدوم. وصف ثور الوحش مع كلاب الصيد، وقد هرب الثور أو هم بالهرب من الكلاب ولكنه أنف من الهرب فرجع إلى الكلاب. والبيت لذي الرمة بن غيلان. وانظر: الخصائص 3/ 281. والاقتضاب لبطليوسي/ 159. واللسان 15/ 105 "دوم" والجمهرة لابن دريد 2/ 302. والأضداد لابن الانباري/ 83. ومعجم مقاييس اللغة 2/ 315. الديوان/ 24. 5 هذا شطر بين لذي الرمة في وصف جنديا وتكملته: معرويرا رمض الرضاض يركضة ... والشمس حيرى لها في الجو تدويم. أي: كأنها لا تمضي، فهو قد ركب حر الرضاض، والرمض: شدة الحر، ويركضه، يضربه برجله، وكذا يفعل الجندب. والشمس حيري: تقف الشمس بالهاجرة عن المسير مقدار ستين فرسخا تدور على مكانها، ويقال: تحير الماء في الروضة، إذا لم يكن له جهة يمضي فيها. والتدويم: الدوران. وانظر: مقاييسس اللغة 2/ 315، والاقتضاب للبطليوسي/ 159 واللسان "دوم" والديوان/ 78.

فأمَّا ما يضطرُ إليه الشاعرُ ممنْ ينونُ الاسم المفردَ في النداءِ فَقد ذكرناهُ في النداءِ. الثاني مِنَ الضربِ الأَولِ: وَهوَ إظهارُ التضعيفِ وَهوَ زيادةُ حركةٍ إلا أَنَّها حركةٌ مقدرةٌ في الأصلِ يجوزُ في الشعرِ ولا يجوزُ في غيرِه تضعيفُ المدغمِ فيقولُ في "رَدَّ": رَدَدَ لأَنَّهُ الأَصلُ ويقولُ في "رَادٍّ"1: هذَا رَادِدٌ وفي "أَصمّ" أَصمم فاعلم. قالَ مَعْنَبُ بن أُم صَاحبٍ: مَهْلًا أَعَاذِلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِن خُلُقي ... أَني أَجُودُ لأَقْوَامٍ وإنْ ضَنِنُوا يريدُ: ضنّوا2 وقال: آخرُ:

_ 1 هذا: ساقط في "ب". 2 من شواهد سيبويه 1/ 11 و2/ 161، على إظهار التضعيف في "ضننوا" وصف الشاعر نفسه بالجود حتى ولو كان من يجود عليه بخيلا حريصا. وانظر: المقتضب 3/ 354، والحجة لأبي على 1/ 207 ونوادر أبي زيد/ 44. والمخصص لابن سيدة 15/ 58 ومختار ابن الشجري/ 8 طبعه مصر. والمقرب لابن عصفور/ 172. وابن يعيش 3/ 12. والخصائص 1/ 257. والموشح/ 94 وشرح السيرافي 1/ 208.

"الحَمْدُ للهِ العَليِّ الأَجْلَلِ1 يريدُ: الأَجَلِّ. وقالَ أبو العباس في قولِهم: "قَدْ عَلمتْ ذاكَ بناتُ أَلْبُبِهْ2 يريدُ: بناتِ أَعقلِ هذَا الحي. وقال: ولا أُجيزُ هَذَا إلا في الشعر كقولِكَ: "ضَنِنُوا". فأَمَّا في الكلامِ فلاَ يجوزُ إلا بَناتُ أَلبَّهْ3. الثالثُ مِنَ الضربِ الأول: وهوَ تصحيحُ المعتلِّ يجوزُ في الشعرِ وَلا يصلحُ في الكلامِ تحريكُ الياءاتِ المعتلةِ في الرفعِ والجرِّ للضرورة نحو قولِكَ في الشِّعر: هَذا قاضيٌ ومررتُ بقَاضيٍ لأَنَّهُ الأصلُ مِنْ ذلكَ قولُ ابن الرقياتِ: لاَ بَاركَ اللَّهُ في الغَوَانيِ هَلْ ... يُصْبِحْنَ إلا لَهُنَّ مُطَّلَبُ4

_ 1 هذا مطلع أرجوزة "لامية لأبي النجم العجلي". والشاهد في فك إدام المثلين للضرورة. والقياس: الأجل. وانظر: المقتضب 1/ 142. والمنصف 1/ 339 والخصائص 3/ 87. والنوادر: 44. والموشح للمزرباني: 148. والمقرب لابن عصفور/ 172. وشرح السيرافي 1/ 208. 2 مر تفسير هذا الشاهد ص/ 628 من هذا الجزء. 3 انظر: المقتضب 1/ 171 و2/ 99 والكتاب 2/ 403. 4 من شواهد سيبويه 2/ 59 على تحريك الياء من الغواني، وإجرائها على الاصل ضرورة وجائز في الشعر أن يرد الشيء إلى أصله. والغواني: جمع غانية، وهي الجارية الحسناء ذات زوج كانت أو غير ذات زوج. سميت غانية لأنها غنيت بحسنها عن الزينة. ورواية الديوان: الغواني" بسكون إلى الياء ولا شاهد فيه حينئذ. وانظر الديوان: "الغواني" بسكون الياء ولا شاهد فيه حينئذ. وانظر: المنصف 2/ 67 والخصائص 1/ 262 والمحتسب 1/ 111 والمقرب لابن عصفور/ 173 وابن يعيش 10/ 101 واللسان "غنا" وشرح السيرافي 1/ 209 وا لموشح للمزرباني/ 95 وأمالي ابن الشجري 2/ 226 والديوان/ 68.

وقال جرير: فَيِومًا يُجَازينَ الهَوى غَيْرَ مَاضِيٍ ... ويَومًا ترَى مِنْهنَّ غُوْلًا تَغَوَّلُ1 فهذِه الياءُ حكمُها على هَذا الشَرطِ أَن تفتحَ في موضعِ الجَرِّ إِذَا وقعتْ في اسم لا يَنصرفُ كما ترفعُ في موضِع الرفعِ فإِنْ اضطرَّ شَاعِرٌ إلى صَرفِ ما لا ينصرفُ حرّكها في موضعِ الجَر بالكسرِ ونَوَّنَها كما يَفعلُ في غيرِ المعتلِّ فأَجراها في جميعِ الأشياءِ مَجرى غير المعتلِّ وكذلكَ حكمُها في الأَفعالِ أَنْ ترفعَ في الياءِ والواوِ فتقولُ: زيدٌ يرميُكَ ويغزُوكَ كَما قالَ: أَلَمْ يَأْتِيْكَ والأَنباءُ تَنمِي ... بَمَا لاقَتْ لَبُونُ بني زِيَادِ2

_ 1 من شواهد الكتاب 2/ 59 على تحريك الياء من "ماضي" ويروي: غي ما صبا أي: يوافيني الهوى منهن ولا أصبوا ولا آتي ما لا يحل. وكذلك: يروي يوافيني الهوي.. بدلا من "يجازين". والغول: يقال: غالته غول، ذا نابته نائبة تذهب به وتهلكه. وانظر: الخصائص 3/ 159، والمقتضب 1/ 144 والمنصف 2/ 80، وأمالي ابن الشجري 1/ 86 والمقرب لابن عصفور/ 173 والحجة لأبي على 1/ 244. والنوادر لأبي زيد/ 203 وابن يعيش 10/ 101 وشرح السيرافي 1/ 209 واللسان "مضى" وارتشاف الضرب/ 383 والديوان/ 457. 2 من شواهد سيبويه 2/ 59 على إسكان الياء في يأتيك في حال الجزم حملا لها على الصحيح، وهي لغة بعض العرب، يجرون المعتل مجري السالم في جميع أحواله فاستعملها ضرورة. وتنمي: تبلغ، واللبون، جماعة الإبل ذلت اللبن، والشاهد من أبيات لقيس بن زهير العبسي في إبل للربيع بن زياد استقاها وباعها بمكة، وذلك أن الربيع كان قد أخذ منه درعا ولم يردها عليه. وانظر: المحتسب 1/ 67 والمنصف 2/ 81، وسر صناعة الإعراب 1/ 88. والأغاني 16/ 28 وشرح السيرافي 1/ 209. وأمالي ابن الشجري 1/ 84. والحجة لأبي على 1/ 244. والخصائص 1/ 333. والجمل للزجاجي/ 257، ومعاني القرآن 2/ 188.

هَذا جَزَمهُ مِنْ قولِه: "هُوَ يَأَتيُكَ" وأَمَّا الأَسماءُ فقولُه: قَدْ عَجِبَتْ مِني ومِنْ يُعَيْلِيَا ... لمَّا رأَتنْي خَلَقًَا مُقْلَوْلِياَ1 ففتحَ "يُعيلى" لأَنَّهُ لا ينصرفُ ولم يلحقهُ التنوينَ لأَنَّهُ جعلَهُ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ ومثلُ ذلكَ قولُه: "أَبِيتُ عَلَى مَعَارِيَ فَاخِرَاتٍ ... بِهنَّ ملُوَّبٌ كَدَمِ العِبَاطِ2 فَهذَا لو أسكنَ فَقالَ: مَعَارٍ فَاخراتٍ لَمْ ينكسرِ الشعرُ ولكنْ فَرَّ مِنَ الزحافِ ومثلُ ذلكَ:

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 59 على إجراء "يعيل" على الأصل ضرورة، وهو تصغير "يعلي" اسم رجل، ويمنع "يعلي" من الصرف كبرا ومصغرا للعلمية ووزن الفعل، كان القياس أن يقول "يعيل" بالتنوين كما في جوار وغواش. والمقلولي: الذي يتململ على الفراش حزنا. وهذا الرجز غير منسوب في الكتاب ولم ينسبه احد لقائل معين، ونسبة الأستاذ النجار إلى الفرزدق في حاشية الخصائص، ولم يوجد في ديوان الفرزدق المطبوع. وانظر: المقتضب 1/ 142. والخصائص 1/ 6 والتصريف 2/ 78 وشرح السيرافي 4/ 136. 2 من شواهد الكتاب 2/ 58 على إجراء "معاري" في حال الجر مجري السالم، وكان الوجه "معار" كجوار، ونحوها من الجمع المنقوص، فاضطر إلى الإتمام والإجراء على الأصل كراهة للزحاف. والمعاري: جمع معري، وهو هَهُنَا الفراش، كأنه من عروته أعروة، إذا اتيته وترددت عليه، والملوب: الذي أجري عليه الملاب وهو ضرب من الطيب شبهه في حمرته بدم العباط، وهي التي نحرت لغير علة واحدها عبيط. والبيت للمنخل، مالك بن عويمر من شعراء هذيل. وانظر: التصريف2/ 67 والخصائص 1/ 334 وشرح السيرافي 4/ 135، 1/ 211 وديوان الهزليين/ 2/ 20، والحماسة 2/ 993 واللسان "عبط" وجمهرة أشعار العرب/ 119.

فَلَو كانَ عبدُ اللهِ مَوْلىً هَجَوتُهُ ... ولكنَّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَوَاليا1 وأمَّا قولُ القائلِ2: "سَمَاءُ الإِلهِ فَوقَ سَبعٍ سَمَائِيَاَ3...... ففيهِ ثلاثةُ أشياءٍ. مِنْها أَنَّهُ جمَع "سَماءً" علَى "فَعَائل" كَما تجمعُ سحابةٌ علَى سَحائب وكانَ حَقُّ ذلكَ أَنْ يقولَ: سَمَايا فَبَلَغَ بِهِ الأَصل فقالَ: سَمَاءٌ ثم فَتَحَ فَجَعَلَهُ بمنزلةِ الصحيحِ فقالَ سَمَايَ يا فَتى في موضعِ الجرِّ كما تقولُ سمعتُ برسَائلَ يا فَتى فردَّ "سَمَايَا" إلى الأصلِ مِنْ جهات رَدِّ الألفِ التي هيِ طرفٌ "سَمَايَا" إلى الياءِ فصارتْ "سَمَايَ" [ثُمَّ رَدَّ الياءَ الأولى التي تلي الألفَ إلى الهمزةِ فصارتْ "سَمَايَ"] 4 ثُمَّ أَعربَ الياءَ إعرابَ الصحيحِ فلَمْ يصرفْ والياءُ في مثلِ هَذا الجمع يلحقُها التنوينُ فيقولُ: هؤلاءِ جَوارٍ فاعلَمْ ومررتُ بجوارٍ فاعلَم. ورأيتُ جَواريَ يا هَذا5. الرابعُ: مِنَ الضربِ الأَولِ: مِنَ الزيادةِ وهوَ قطعُ أَلفِ الوصلِ في أنصافِ البيوتِ يجوزُ ابتداءُ

_ 1 من شواهد سيبويه 5/ 28 "على إجرائه" موالي على الأصل ضرورة، والقياس "موال" لأنه منقوص. والبيت للفرزدق قال لعبد الله بن أبي إسحاق النحوي وكان يلحنه فهجاه. وانظر المقتضب 1/ 143 وشرح السيرافي 1/ 221 والضرائر/ 218، والشعر والشعراء 1/ 89 وطبقات الشعراء/ 8 والموشح للمرزباني/ 150، واللسان 2/ 290 "عراء". 2 في "ب" الآخر. 3 هذا لأمية بن أبي الصلت. وق مر تفسيره صفحة: 341 من هذا الجزء. 4 ما بين القوسين ساقط في "ب". 5 في الأصل الجملة مكررة والتصحيح من "ب".

الأَنصافِ بأَلفِ الوصلِ لأّنَّ التقديرَ الوقفُ علَى الأنصافِ التي هيَ الصدور ثُمَّ تستأنفُ ما بعدَها فَمِنْ ذلكَ قولُ لَبيدٍ: ولاَ يبادرُ في الشِّتَاءِ ولِيدُنا ... أَلقْدَرَ يُنزلُها بِغَيْرِ جِعَالِ 1 وقالَ: أَو مُذْهَبٌ جُدَدٌ علَى أَلْوَاحِهِ ... أَلنَّاطِقُ المَزْبُورُ والمَخْتُومُ2 وقالَ: لا نَسَبَ اليومَ وَلاَ خُلَّةً ... إتَّسَعَ الخَرْقُ علَى الراقِعِ3 ويقبحُ أَنْ يُقَطعَ أَلفُ الوصلِ في حشوِ البيتِ ورُبّما جَاء في الشعرِ وهوَ رَديءٌ.

_ 1 من شواهد سيبويه 2/ 274 على قطع الوصل من قوله "القدر" ضرورة، وسوغ ذلك أن الشطر الأول من البيت يوقف عليه، ثم يبتا ما بعه فقطع على هذه النية، وهذا من أقرب الضرورات. والجعال: خرقة تنزل بها القدر، وأجعل القدر: أنزلها بالجعال. وانظر: الكامل للمبرد/ 475 وروي البيت: وليدها بدلا من وليدنا وشرح السيرافي 5/ 383، 1/ 212 والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 44، وشرح المفصل 9/ 138 واللسان "جعل" والدرر اللوامع 2/ 237 والرواية: ولا يبادر بالعشاء وليدنا. 2 من شواهد سيبويه 2/ 274، على قطع ألف الوصل في "الناطق" وجدد: جمع جدة وهي الطريقة، والخط كأنه يريد أسطار الكتابة. ويريد بالناطق الخط الواضح. ووصفه بالمزبور، أي: المظهر المنشور. والمختوم: غير الواضح والغامض شبه المعروف من الديار- وهو ما بقي من آثارها ودل عليها- بالوشم وباللوح الذي فيه كتابة بعضها واضح، وبعضها خفي. والشاهد للبيد بين ابي ربيعة. وانظر: شرح السيرافي 5/ 387 والخصائص 1/ 193 ومعاني الفراء 2/ 87 والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 56 ومقاييس هذيل/ 56 ومقاييس اللغة 1/ 218 واللسان "برز" والديوان/ 91. 3 من شواهد الكتاب 1/ 349 على إثبات الهمزة في "اتسع" في حال الوصل ضرورة وهو أسهل، لأنه في اول النصف الثاني، فالعرب تسكت على انصاف البيوت وتبتدأ با لنصف الثاني فكأن الهمزة وقعت أولا. والشاهد لأنس بن العباس السلمي. وانظر: المنصف 1/ 470 وأمالي القالي 3/ 73 وشرح السيرافي 1/ 213، وروايته: اتسع الخرق على الراتق. والمقرب لابن عصفور/ 176 والمؤتلف وا لمختلف/ 127 ومجمع الأمثال 1/ 160. وابن يعيش 9/ 138 والكامل 475.

مما يستحسن للشاعر إذا اضطر أن يحذفه

الضربُ الثاني: مِمّا يستحسنُ للشاعرِ إِذَا اضطر أَنْ يحذفَهُ: الحذفُ نوعان1: الأولُ: قَصْرُ الممدودِ2 لأَنَّ المدَّ زيادةٌ فإذا اضطر الشاعرُ فقصرَ فَقَدْ رُدَّ الكلامَ إلى أصله وليسَ له أَن يمدَّ المقصورَ كما لم يكنْ لَهُ أَن لا يصرفَ ما ينصرفُ لأَنَّهُ لو فعلَ ذلكَ لأَخرجَ الأَصلَ إلى الفرعِ والأُصولُ ينبغي أَن تكونَ أَغلبَ مِنَ الفروعِ وهوَ في الشعرِ كثيرٌ ولكنْ لا يجوزُ أَن يمُدَّ المقصور.

_ 1 زيادة من "ب". 2 لم يمثل ابن السراج لقصر الممدود واكتفي بالقول: فإذا اضطر شاعر فقصر، فقد رد الكلام إلى أصله، قال ابن عصفور في المقرب/ 170 "وقصر الممدود جائز باتفاق، لأن فيه رد الاسم إلى أصله، بحذف الحرف الزائد الذي قبل آخره نحو قوله: لابد من صنعا وإن طال السفر. فقصر صنعاء للضرورة، إلا أن الفراء اشترط في جواز قصر الممدود أن يكون المقصور مما يجوز أن يجيء في بابه مقصورا نحو: صنعاء ... والبصريون لا يتشرطون ذلك في قصر المدة". قال ابن عصفور: وعلي مذهب أهل البصرة ورد السماع.

تخفيف المشدد في القوافي

الثاني: تخفيفُ المشددِ في القوافي: يجوزُ تخفيفُ كُل مشددٍ في قافيةٍ لأَنَّ الذي بقيَ يدلُّ علَى أَنَّهُ قد حُذِفَ منهُ1 مثلُه لأَنَّ المشدد حرفانِ وإِنّما اقتطعتْهُ القافيةُ لأَنَّ الوزنَ قد تَمَّ فَمنْ ذلكَ قولُه: "أَصَحَوْتُ اليومَ أَمْ شاقَتْكَ هِرْ2 ومثله: حتَّى إذَا ما لم أَجدْ غَيرَ الشَّرِي ... كُنْتُ امرًا مِنْ مَالِك بِن جَعْفَرِ3 لا بُدَّ مِنْ تخفيفِ ياءِ الشرى ومثلُ هَذا: قَتَلْتُ عِلباءً وهندَ الجَمَلي ... وابنًا لصُوحانَ علَى دِيْنِ عَلَي4

_ 1 في الأصل "عنده" والتصحيح من "ب". 2 صدر بيت لطرفة بن العبد. وعجزه: ومن الحب جنون مستعر وصحوت: تركبت الصبا والباطل. شاقتك: هاجت شقوك، وهو اسم امرأة، والمستعر: المتلهب. وانظر: شرح السيرافي 1/ 215 والتمام في تفسير أشعار هذيل 218 والكامل للمبرد 701 والخصائص 2/ 228 والأشباه والنظائر 1/ 159 والديوان/ 45، 68. 3 الشاهد فيه "الشري" فقد خفف ياء "الشري" وحذف الراء الثانية منه، ولم ينسب هذا لقائل معين. وانظر: المحتسب 2/ 77 والموشح/ 96 وتوجيه إعراب أبيات ملغزة الإعراب لفارقي/ 155. 4 الشاهد فيه تخفيف ياء "الجملي" وبنو جمل بطن. منهم هند الجملي الذي قتل مع الإمام علي يوم الجمل. وإياه عنى الشاعر عمرو بن يثربي الضبي، فأسره عمار بن ياسر فجاءوا به إلى علي فأمر بقتله ولم يُقتل أسيرٌ غيره فقيل له في ذلك فقال: إنه زعم أنه قتله على دين عليٍّ ودينُ عليٍّ دينُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وبنو صوحان: من بني عبد القيس. وانظر: الاشتقاق 2/ 413 واللسان 13/ 131 "جمل".

وقَدْ ذكَرنا في القوافي ما يجوزُ تحريكُ الساكنِ [فيه] 1 للقافيةِ فَما يجوزُ في الشعرِ ولا يكونُ2 في غيرهِ [فمنه] 3 أَنْ يكونَ الاسم على ثلاثةِ أَحرفٍ مسكنِ الأَوسطِ فتحركهُ بالحركةِ التي للحرفِ الأَولِ وذلكَ أَنْ يكونَ علَى "فِعْلٍ" أَو"فَعْلٍ" أو"فُعْلٍ" فتحركُ للضرورة قالَ زهير: ثُمَّ اسْتَمرُّوا وقالوا: إنَّ مشرَبكم ... مَاءٌ بشَرقيّ سَلْمَى فَيْدُ أو رَكَكُ 4 وإنّما اسمُ الموضعِ "رَكَّ" ومثلُ ذلك قول رؤبة: هاجَكَ مِنْ أرْوَى كمنهاضِ الفَكَكْ5 وإنّما هو"الفَكُّ" يقالُ: فَكَّهُ يفكهُ فكًّا وقالَ آخَرُ: "يَلْعَجُ الجِلَدَا6.. يريد الجِلْدَ فحركَ اللامَ لإِتباعِ ما قبلَها وقَد فَعَل رؤبةُ ما هو أَشدٌّ مِنْ هَذا قالَ:

_ 1 زيادة من "ب". 2 في "ب" ولا يجوز. 3 زيادة من "ب". 4 مر تفسر هذا/ 407 من هذا الجزء. 5 مر تفسر هذا/ 406 من هذا الجزء. 6 الشا هد فيه تحريك اللام لاتباع ما قبله، وا لبيت بتمامه: ذا تأوب نوح قامتا معه ... ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا وهو لعبد مناف بن ربع الهذلي. وروى: إذا تجرد.. وكذلك يروي: إذا تجاوب. نوح: أي: نساء ينحن قياما، والنوح: النساء القيام، وقوله: يلعج: يخرق الجلد ويقال: وجدت لاعج الحزن، أي: حرقته، ووجدت في جلدي لعجا، أي: حرقة، والسبت: الجلد المدبوغ يتخذ منه النعال. وانظر: المنصف 2/ 308 والنوادر/ 30 والجمهرة 2/ 103 وشرح السيرافي 508 والتهذيب 1/ 276 والخزانة 3/ 174 والكامل/ 742 والاقتضاب للبطليوسي/ 273 والخصائص 4/ 333.

وَلَمْ يضِعْهَا بينَ فِرْكٍ وعَشَقْ1 يريدُ: عِشْقٌ فكانَ حكمُ هَذا في الضرورةِ أَنْ يقولَ: عِشْقٌ ولكنَّهُ كَره الجمعَ بينَ كسرتينِ لأَنَّ هذَا عَزيزٌ في الأَسماءِ. فلو قالَ: "الجلَدُ" كما قالَ رؤبة لكانَ حسنًا كما يفعلونَ بالجمعِ بالتاءِ في غيرِ الضرورةِ فيقولون في المضموم والمكسورِ: ظُلْمةٌ وظُلُماتٌ كِسْرَةٌ وكِسِراتٌ وإنْ شَاءوا فَتحوا لتوالي الكَسراتِ والضَّماتِ.

_ 1 مر تفسير هذا الشاهد/ 407 من هذا الجزء.

ذكر ما جاء كالشاذ الذي لا يقاس عليه

ذِكرُ ما جاءَ كالشاذِّ الذي لا يقاسُ عليهِ: وهوَ سبعةُ أنواعٍ: زيادةٍ وحذفٍ ووضعِ الكلامِ غيرِ موضعهِ وإبدالِ حرفٍ مكان حرفٍ وتغييرِ وجهِ الإعراب للقافية تشبيهًا بمَا يجوزُ وتأنيثِ المذكرِ على التأويلِ وهوَ زيادةٌ إلا أنّا أفردناها لِمَعناها1. الأولُ: الزيادةُ: فَمِنْ ذلكَ أَنْ ينقصَ الوزنُ فيحتاجُ الشاعرُ إِلى تَمامهِ فيشبعُ الحركةَ حتى يصيرَ حرفًا وذلكَ نحو قولِه: نَفْيَ الدَراهيمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريْفُ2

_ 1 في "ب" إضافا بدلا من "لمعناها". 2 من شواهد سيبويه 1/ 10، على زيادة الياء في "الصيارف" ضرورة تشبيها لها بما جمع في الكلام على غير واحد، نحو: ذكر ومذاكير، وسمح ومساميح، وجعل المبرد في الكامل "الياء" في الصياريف، حرف إشبع من الكسرة. ومعنى تنفي: كل ما رددته فقد نيته. والهاجرة: وقت اشتداد الحر. تنقاد: من نقد الدراهم، وهو التميز بين جيدها ورديئها. وصف ناقة بسرعة السير في الهواجر. فقال: إن يديها لشدة وقعها في الحصى ينفيانه فيقرع بعضه بعضا، ويسمع له صوت كصوت الدراهم إذا انتقدها الصيرفي. والبيت للفرزدق في وصف ناقة وتمامه: تنفي يد اها الحصى في كل هاجرة وانظر: المقتضب 2/ 258 والكامل/ 143 والخصائص 2/ 315 وشرح الحماسة 4/ 377 والجمهرة 2/ 356. وأمالي ابن الشجري 1/ 142، والإنصاف/ 27 وابن يعيش 6/ 106.

وقالَ محمد بن يزيد: إِنّما نظر إلى هذه الياءاتِ التي تقعُ في هَذا المكانِ في الجمعِ فإِذَا هيَ تقعُ لعللٍ. إمّا أَنْ تكونَ كانتْ في الواحدِ فرجعتْ في الجمع نحو: مِصْباحٍ ومَصَابيحٍ وقِنديلٍ وقَنَاديلٍ وجُرموقٍ وجَرَاميق1، وإِمَّا وقعتْ لشيءٍ حذفتهُ مِنُ الاسم فجعلتَها عوضًا وذلكَ قولُكَ في "مُنطلقٍ": مَطَالقُ حُذفتِ النونُ لزيادتِها شئتَ قلتَ "مَطَاليقُ" فجئتَ بالياءِ عوضًا وذلكَ أنَّ الكسرةَ تلزمُ هذَا الموضعَ فوضعتَ العوضَ مِنْ جنسِ الحركةِ اللازمةِ فلمَّا اضطرَّ أَدخلَ هذِه الياءَ تابعةً للحركةِ وإِنْ لم تكنْ للواحدِ وجعلَ الصورةَ بمنزلةِ ما عُوضَ للكسرةِ منهُ وقَد كانَ يستعملُ هَذا في الكلامِ تشبيعًا للكسرةِ في غيرِ موضعِ العوضِ ولا الضرورةِ وذلكَ قولُكَ: دَانقٌ ثُمَّ تقولُ: دَوانيقُ وتقولُ في جمعِ "خَاتمٍ": خَواتيمُ.

_ 1 في الكامل للمبرد/ 143، يقال في خاتم، خواتيم، وفي دانق: دوانيق، وفي طابق: طوابيق، ثم أنشد بيت الفرزدق: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة..

إجراؤهم الوصل كالوقف

الثاني: إجراؤهم الوصلَ كالوقفِ: مِنْ ذلكَ قولُهم في الشعرِ للضرورةِ في نَصبِ "سَبْسَبٍ وكَلْكَلٍ": رأَيتُ سبسبًّا وكَلْكلًا ولا يجوزُ مثلُ هَذا في الكلامِ إلا أن يقولَ: رأيتُ سَبْسَبًَّا وكَلْكَلًا وإِنَّما جازَ هَذا في الضرورةِ لأَنَّك كنتَ تقولُ في الوقفِ في الرفعِ والجرِّ: هَذا سَبْسَبٌّ ومررتُ بسَبْسَبٍّ فتثقلُ لتدلَّ علَى أَنَّهُ متحركُ الآخرِ في الوصلِ لأَنَّكَ إِذا ثقّلتَ لم يحزْ أَنْ يكونَ الحرفُ الآخرُ

إلا متحركًا لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ قلَّما اضطرَ إِليه في الوصلِ1 أَجراهُ على حالهِ في الوقفِ وكذلكَ فُعلَ بهِ في القوافي المجرورةِ والمرفوعةِ في الوصلِ فَمِنْ ذلكَ قولُه: إنْ تَنْجَلِي يَا جُمْلُ أَو تَعْتَلِّي ... أَو تُصْبِحي في الظّاعِنِ المُولَى ثُمَّ قالَ: ببَازلٍ وِجْنَاءَ أَو عَيْهَلّ فثَّقل وقَالَ: كأنَّ مَهواهَا على الكَلْكَلِّ ... مَوضعُ كَفَّيِّ رَاهبٍ يُصَلّي2 وقالَ في النصبِ:

_ 1 في الاصل "النصب" والتصحيح من "ب". 2 من شواهد الكتاب 2/ 282، على تشديد لام "عيهل" في الوصل ضرورة وإنما يشدد في الوقف ليعلم أنه قد ترك في الوقف. وهذه الأبيات الخمسة من سبعة أبيات رواها أبو زيد في نوادره، ونسبت إلى منظور بن مرثد الأسدي، وأمه حبة ولذا ينسب إليها أيضا. وبعد هذه الأبيات: نسل وجد الهائم المغتل ... إن صح عن داعي الهوى المصل وفي رواية الخامس منها خلاف، فقد روي: موقع كفي ... بد لا من "موضع"، والبازل: من الإبل الذي أتم السنة الثامنة وطعن في التاسعة وطلع نابه، سواء أكان ذكرا أم أنثى، والوجناء: النا قة التامة الخلق، غليظة لحم الونة لصلبة شديدة، والعيهل: الطويلة: السريعة، وقوله: كأن مهواها على الكلكل، المراد به: بروكها على صدرها، والمغتل: من به غلة وهي حرارة العطش، والمراد هنا: حرارة الشوق. وانظر: الخصائص 2/ 359 والنوادر/ 53 وأراجيز العرب/ 158 والمنصف 1/ 11 والمحتسب 1/ 102 وسر صناعة الإعراب 1/ 187 وشرح شواهد الإيضاح لابن بري/ 37 والحجة لأبي على 1/ 112، 14/ 117، وشرح السيرافي 5/ 420 وأمالي ابن الشجري 2/ 26.

ضَخْمٌ يُحبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا1 فهذَا أَجراهُ في الوصلِ علَى حدهِ في الوقفِ. الثالث منها: ومِنْ ذلكَ إدخالُ النونِ الخفيفةِ والثقيلةِ في الواجبِ نحو قولهِ2: رُبَّمَا أَوفيتُ في عَلَمِ ... تَرْفَعَنْ ثَوبي شَمَالاَتُ

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 11، على تشديد الميم في "الأضخم" ضرورة تشبيها بما يشدد في الوقف إذا قيل: هذا اكبر وأعظم. ولو قال: الأضخم فوقف على الميم لم تكن فيه ضرورة، ولكنه لما وصل القافية بالألف خرجت الميم عن حكم الوقف لأن الوقف على الألف لا عليا، ولذلك مثل سيبويه بسبسبا وكلكلا. ورى: الأضخما- بكسر الهمزة- والضخما- بكسر الضاد-، فالضرورة على روايته لأن "أفعلا وفعلا" موجودان في الكلام كثيرا نحو: رأيت أرزب وخدب، وإنما الضرورة في فتح الهمزة، لأن "أفعلا" ليس بموجود. وصف رجلا بشرف الهمة وعظم الخليقة، ونسبه إلى الضخم إشارة إلى ذلك ولم يرد ضخم الجثة. قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} والعظم والخضم سواء. والبيت لرؤبة بن العجاج. وانظر المنصف 1/ 10 وشحر السيرافي 5/ 155، ,اللسان 15/ 247، وا لمحتسب 1/ 101 وتوجيه إعراب أبيات مل غزة الإعراب للفارفي/ 155. وديوان رؤبة بن العجاج/ 83. 2 من شواهد الكتاب 2/ 153، على إدخال النون ضرورة في ترفعن. قال سيبويه: وزعم يونس أنهم يقولون: ربما تقولن ذاك، وكثر ما تقولن ذاك. والعلم: الجبل. والشمال- بالفتح- ويجوز الكسر بقلة- وهي الريح التي تهب من ناحية القطب. ويوري: ترفعن أثوابي شمالات وأوفي: اشرف. والبيت لجذيمة الأبرض من أبيات يرثي بها جماعة من قومه. وانظر: النوادر/ 210 وأمإلى ابن الشجري 2/ 243 وشرح شواهد الإيضاح لابن بري/ 29 وابن يعيش 9/ 40 والإيضاح لأبي على/ 46 والمفصل للزمخشري/ 331 والمغني 1/ 119.

وهذا قديمٌ يقولهُ جذيمةُ الأبرش. الرابعُ منها: ومِنْ ذلكَ إثباتُ الأَلفِ في "أَنا" في الوصلِ وإنَّما يثبتُ في الوقفِ روَى الأعشى: فكيفَ أَنا وانْتِحَالي القَوافي ... بَعْدَ المشيبِ كَفَى ذَاكَ عَارا 1 فأثبتَ الألفَ ووصلَ واحتجَّ النحويونَ بأَنَّ الألفَ منقلبةٌ مِنْ ياءٍ أَوْ وَاوٍ فَردوا ما ذهبَ مِنَ الاسم. قالَ أبو العباس: هذَا لا يصلحُ لأَنَّهُ لَو كانَ كما يقولونَ لم تقلبِ الياءُ والواوُ ألفًا لأَنَّهما لا يكونانِ إلا ساكنينِ لأَنَّ هذَا اسمٌ مضمرٌ مبنيُّ فلاَ سبيلَ إلى القلبِ فمنْ هَهُنَا فَسدَ ولِهَذا كانتِ الألفُ في جميعِ الحروفِ التي جاءتْ لمعنىً أَصلًا لأَنَّها غيرُ منقلبةٍ لأَنَّ الحروفَ لا حَقَّ لهَا في الحركةِ وإنَّما هيَ مسكَنةٌ فلا تكونُ أَلِفاتُها منقلبةً وذلكَ: حَتى وأَمّا وإلا ومَا أَشبهها هذهِ أَلفاتُها مِنَ الأصلِ غيرُ منقلبةٍ والاسم والفعلُ الألفُ فيهما لا تكونُ أصلاً

_ 1 الشاهد في إثبت ألف الوصل في "أنا" ضرورة، فشبه الوصل بالوقف، كان المبرد ينكر قراءة من قرأ: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} . ويروي البيت: فكيف يكون انتحالي القوافي والانتحال: الادعاء، والقوافي: هنا يراد بها الشعر، فأوقع البعض موقع الكل. وفي الديوان: أثبت القوافي بفاء منفردة في الشطر الثاني، وهو الموافق للوزن حتى تبدأ الشطرة الثانية بالتفعيلة "فعولن" المحركة الثاني على أن كسرة الفاء من القوافي تدل على سقوط الياء فحذفها. وانظر: ارتشاف الضرب/ 382 وشواهد الإيضاح لابن بري/ 138 والكامل/ 250. والتهذيب 5/ 65 وابن يعيش 5/ 45 والديوان/ 53 وشرح السيرافي 1/ 215. وشرح الحماسة 2/ 709. وكتاب إيضاح شواهد الإيضاح/ 77.

قالَ أبو العباس: وروايةُ البيتِ: فكيفَ يكون انتحالي القوافي ... بعد المشيب1...... الثاني: الحذفُ: الأول: منهُ حذفُ التنوينِ لإلتقاءِ الساكنينِ نحو قولِه2: فأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ... ولاَ ذَاكر الله إلا قَلِيلًا ... وأَقبحُ منهُ حذفُ النونِ. قالَ الشاعرُ: فَسْتُ بآتيهِ ولا أَسْتَطيعُهُ ... وَلاَكِ اسقِني إنْ كانَ مَاؤُكَ ذَا فَضْلِ3

_ 1 انظر: الكامل/ 250. 2 من شواهد الكتاب 1/ 85، على حذف التنوين لالتقاء الساكنين. وألفي: بمعنى وجد، يتعدي إلى مفعولين واستعتب: طلب العتاب، والمعنى ذكرته ما كان بيننا من العهود وعاتبته على تركها فوجدته غير طالب رضائي. والبيت لأبي الأسود الدؤلي، وللشعر قصة في الخزانة. وانظر: المقتضب 2/ 313 ومعاني القرآن/ 2/ 202، وشرح السيرافي 1/ 223. وأمالي ابن الشجري 1/ 383. وابن يعيش 2/ 5 والموشح/ 96 والمغني/ 612. والسيوطي/ 316. واللسان 2/ 67. 3 من شواهد سيبويه 1/ 9 "على حذف النون من "على حذف النون من" لكن "لالتقاء الساكنين ضرورة لإقامة الوزن"، وكان الوه أن يكسر لالتقاء الساكنين، شبهها في الحذف بحروف المد واللين إذا سكننت وسكن ما بعدها نحو: يغز العدو، ويقض الحق. ويخش الله. والبيت: لقيس بن عمرو بن مالك النجاشي من بني الحارث بن كعب في وصف ذئب وصف أنه اصطحب ذئبا في فلاة مضلة لا ماء بها، وزعم أن الذئب رد عليه فقال: قد دعوتني إلى شيء لم يفعله السباع قبل من مؤاكلة بين الإنسان وهذا لا يمكنني فعله ولا استطيعه، لأنني متوحش وانت إنسي، ولكن إن كان في ماءك الذي معك فضل عما تحتاج إليه فاسقني منه، وأشار بهذا إلى تعسفه للفلوات التي لا ماء فيها فيهتدي الذئب فيها لاعتياه لها. وانظر: الخصائص 1/ 310 والموشح/ 147. والمنصف 2/ 229. وأمالي السيد المرتضى 2/ 120. وابن يعيش 9/ 142. وشرح السيرافي 1/ 258 والمغني 323 والسيوطي/ 239. ,الصحاح 6/ 1296.

الثاني منه: أَنْ تحذفَ للإِضافةِ والألفِ واللامِ ما كنتَ تحذفهُ للتنوينِ لأَنَّ هذه الأَشياءَ تتعاقبُ. قالَ الشاعر2: كَنَواحِ رِيْشِ حَمَامَةٍ نَجْدِيَّةٍ ... وَمَسَحْتِ باللَّثَتَينِ عَصْفَ الإِثمِدِ فحذفَ الياءَ من "نواحِي" لمَّا أَضافها إلى "ريشٍ" كمَا كانَ يحذفُها معَ التنوينِ وأَما حذفُها مَع الأَلفِ فنحو قولِهِ:

_ 1 في "ب" هذه أشياء. 2 من شواهد الكتاب1/ 9 على حذف الياء من "نواحي" ضرورة تشبيها لها بها في حال الإفراد والتنوين وحال الوقف، أراد كنواحي ريش. والشاهد: لخفاف بن ندبة السلمة. وصف شفتي امرأة فشبههما بنوا حي ريش الحمامة في رقتهما ولطافتهما وحوتهما، وأراد أن لثاتها تضرب إلى السمسرة، فكأنها مسحت بالإثمد، وعصف الإثمد: ما سحق منه هو من عصفت الريح: إذا هبت بشدة س حقت ما مرت عليه وكسرته. والرواية الصحيحة: ومسحت-بكسر التاء- وعليه التفسير. وروى: مسحت – بضم التاء- ومعناه قبلها فمسح عصف الإثمد في لثتيها وكانت العرب تفعل ذلك: تغرز المرأة لثتها بالإبراة ثم تمر عليها الإثمد والنؤور وهو دخان الشخم المحرق حيث يثبت باللثاث فيشتد ويسمر ويتبين بياض الثغر. وانظر: الحجة لأبي على 1/ 102. والموشح/ 146. والعمدة 2/ 255، وابن يعيش10/ 140 والصحاح 6/ 2539 والإنصاف/ 546 والمغني/ 324. والسيوطي/ 324 تحقيق مازن المبارك. والتمام في تفسير أشعار هذيل 176. واللسان 7/ 108. "جزر" وشرح السيرافي 1/ 224. وشروح سقط الزند 3/ 982.

وأَخُو الغَوَانِ مَتَى يَشأ يَصْرِمْنَهُ ... ويَصِرنَ أَعداءً بُعَيدَ وِدِادِ1 الثالثُ منه: ما رُخّمَ في غَيرِ نداءٍ: قالَ زهير: خُذوا حظَّكُم يَا آلَ عِكْرِمَ واذْكُرُوا ... أَوَاصرَكمْ والرَّحْمُ بالغَيْبِ2 تُذْكَرُ

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 10 على حذف اللياء من "الغواني" تشبيها بلام المعرفة بالتنوين من حيث كانت هذه الاشياء من خواص الأسماء فحذف الياء لأجل اللام كما تحذفها لأجل التنوين، ويروي: ويكن، ويعدن. وصف النساء بالغدر وقلة الوفاء والصبر، فيقول: من كان مشوفا بهن مواصلا لهن إذا تعرض لصرمهن سارعن الي ذلك لتغير أخلاقهن وقلة وفائهن وأراد: متى يشأ صرمهن يصرفمنه، فحذف. وواحدة الغواني: غانية: وهي التي غنيت بشبابها وحسنها عن الزينة. والبيت للأعشى من قصيدة طويلة له. وانظر: المنصف 2/ 73 واللسان "غنا"/ 42 والإنصاف/ 212 وشروح سقط الزند 3/ 982 والديوان/ 98. 2 من شواهد سيبويه 1/ 343 علي ترخيم "عكرمة" وتركه علي لفظه، ويحتمل ان يجعل فتحته إعرابا علي ان تجعله اسما لمؤنث فلا تصرفه، لأن "عكرمة" وإن كان اسم رجل فإنه يقع علي القبيلة، وهو عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر. علي أن الكوفيين أجازوا ترخيم المضاف. ويقع الحذف في آخر الاسم الثاني كما في البيت وفي أبيات كثيرة، والأصل: يا آل عكرمة. وقالوا: المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد فجاز ترخيمه كالمفرد، ومنع البصريون هذا الترخيم. وقالوا: لا حجة في هذا الشاهد ومثاله لانه محمول على الضرورة. والحظ: النصيب. والأواصر: العواطف والأرحام. والمعنى خذوا حظكم من مودتنا ومسالمتنا، وكانوا قد عزموا علي غزو قومه. وانظر: شرح السيرافي 3/ 65 وأمالي ابن الشجري 1/ 126 و2/ 88، والإنصاف/ 437. والخزانة 1/ 373 واللسان "عكرم" والديوان/ 214 والعيني 4/ 290. وابن يعيش 1/ 20. والرواية: خذوا حذركم، والارتشاف/ 353.

يريدُ: عِكْرمةَ وقَالَ: إنَّ ابنَ حَارثَ إنْ أشتَقْ لرُؤيتهِ ... أَو أَمتَدِحْهُ فإنَّ الناسَ قَد عَلِمُوا1 يريدُ: ابنَ حَارثةَ وهذَا كثيرٌ. وقالَ في قولِه: "قَواطِنًَا مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي2......

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 343 "على ترخيم حارثة" على لغة من نوي رد المحذوف فقد رخم الشاعر "حارثة"وتركه على لفظه مفتوحا كما كان قبل الترخيم، وهذا يقوي مذهب سيبويه وابن السراج في حمله على هي الترخيم في غير النداء ضرورة، كما كان في النداء جاريا عليها، لأن الحارثة هنا اسم رجل، فإذا رخم وأعرب لم يكن له مانع من الصرف لأنه ليس بقبيلة ولا اسم لمؤنث. وهو حارثة بن بد الشيباني الغداني سيد غدانة بن يربوع بن حنظلة من تميم. وامتدحه: مدحا إذا اثني عليه ثناء حسنا. والاسم: المدحة والمدح، والمعنى أن ابن حارثة ن اشتق إليه أو أمدحه فلا غرابة فإ الناس قد علموا ما لي من محبته وإني محب له هائم. ويجوز أن يكون: علموا: عرفوا. والبيت لابن حبناء التميمي. وانظر: شرح السيرافي 3/ 65 والمقرب لابن عصفور/ 177. وشوا هد الألفية للعاملي/ 362. والإنصاف/ 191. والعيني 4/ 283، وارتشاف الضرب/ 386 والأمالي لابن الشجري 1/ 126. 2 من شواهد سيوبه 1/ 8 "على حذف الميم من الحمام" وقلب الألف ياء وهذا الحذف شاذ، لا يجوز أن يقال: المحي، تريد: الحمار، فإما الحمام هنا فإنما حذف منها الألف فبقيت الحمم، فاجتمع حرفان من جنس واحد فلزمه التضعيف فأبدل من الميم ياء كما تقول في: تظننت: تظنيت، وذلك لثقل التضعيف، والميم تزيد في الثقل على حروف كثيرة. 3 وهذا الرجز للعجاج وقبله: ورب هذا البلد المحرم ... والقاطنات البيت غير الريم قواطنا مكة من ورق الحمي وصف حمام مكة القاطنة بها لأنها فيها، واحدة القواطن، قاطنة، وهي الساكنة المقيمة، وصرفها ضرورة، ولورق جمع: ورقاء، وهي التي على لون الرماد تضرب إلى الخضرة، ويروي الرجز: أو ألفا مكة من ورق الحمى. وانظر: المقاييس لابن فارس 1/ 131. وشرح السيرافي 1/ 441. والعيني 4/ 285. والمحتسب 1/ 78. والإنصاف/ 270 واللسان 15/ 48 والهمع 1/ 181. والدرر اللوامع 1/ 157 والديوان/ 59.

إنهُ حذفَ الميمَ التي هيَ لامُ الفعلِ وقلبَ ألفَ الحمامِ ياءً وأَحَسنُ مَا قِيلَ فيهَ إنَّ الشاعرَ لمَّا اضطرَّ حذفَ الأَلفَ مِنَ الحمامِ لأَنَّها مَدةٌ كمَا تحذفُها مِنْ سَائرِ المدودِ فصارَ الحَمِمُ فلزمهُ التضعيفُ فأَبدلَ مِنْ إحدى الميمينِ ياءً كمَا فَعلوُا في "تَظَنيْتُ". الرابعُ منهُ أَن تحذفَ مِنَ المكني 1 في الوَصلِ: كَمَا كنتَ تحذفُه [في الوقفِ] 2 إلا أَنهُ تبقى الحركةُ دَالةً على المحذوفِ فَمِنْ ذلكَ قولُه: فإِنْ يَكُ غَثًَّا أَوْ سَمينًا فإنني ... سأَجْعَلُ عِينيهِ لِنَفْسِهِ مَقْنَعَا3 وقالَ:

_ 1 يعين بالمكني الضمير. 2 زيادة من "ب". 3 من شواهد سيبويه 1/ 10 و1/ 297 على حذف الياء من "نفسهي" ضرورة في الوصل تشبيها بها في الوقف، إذ قال لنفسه. يقول: أنه يقدم لضيفه ما عنده من القرى، ويحكمه فيه ليختار منه أفضل ما تقع عليه عيناه فيقتنع بذلك. والشاهد: لمالك بن خزيم الهمداني، وقيل: هو مالك بن حريم با لحاء المهملة. وانظر: المقتضب1/ 38 والكامل/ 250 وشرح السيرافي 1/ 226 والأصمعيات/ 56 والسمط/ 749 والاقتضاب للبطليوسي/ 435 والوحشيات/ 259 والإنصاف/ 517. والخزانة 1/ 288.

"ومَا لَهُ مِنْ مَجدٍ تَليدٍ وَلاَ لَهُ ... مِنَ الريحِ فَضْلٌ لاَ الجُنوبِ ولا الصّبَا1 فالواوُ والياءُ في هذا زوائدُ في الوصلِ فحذفها لمّا احتاجَ وأَبعدُ من هذَا قولهُ2: فبيناهُ يَشْري رَحلَهُ قالَ قَائلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رَخو الملاطِ نَجيبُ فإنَّ هذَا حذفَ الواوَ مِنْ هُوَ والمنفصلُ كالظاهرِ تقفُ علَى الواوِ ولا يجوزُ حذفُها فيبقى الاسم علَى حرفٍ وَهوَ اسمٌ يجوزُ الابتداء بهِ ولا كلامَ قَبلَهُ ومثلهُ3:

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 12 على حذف الواو من الضمير في "وماله من مجد" للضرورة ورفع الجنوب والصبا على البدل من" فضل" ويجوز حرهما على البدل من الريح، وهو ما فعله ابن السراج هنا. والشاهد للأعشى في هجاء رجل لئيم الحسب والأصل لم يرث مجدا ولم يكسب خيرا. وضرب له المثل بقلة خيره بنفي حظه من الريحين. الجنوب والصبا. وانظر: المقتضب 1/ 38. وشرح السيرافي 1/ 295 والخصائص 1/ 371. والإنصاف/ 269. والديوان/ 114. 2 أي: العجير السلولي. وقد مر تفسير هذا 3 من شو اهد سيبويه 1/ 9 على حذف الياء ضرورة من "هي" إذ أن أصله إذا هي من هواكا. ولهذا الوجه أورده ابن السراج، وصف الشاعر دارا خلت من سعدي هذه المرأة وبعد عهدها بها، فتغيرت بعدها، وذكر أنه كانت لها دارا ومستقرا إذا كانت مقيمة بها، فكان يهوا ها بإقامتها بهان وهذا البيت من أبيات سيوبيه الخمسين التي لا يعرف قائلها، ولا يعرف لها ضميمة. وقال البغدادي: رأيت في حا شية اللباب أن ما قبله: هل تعرف الدار على تبراكا وتبراكا- بكسر التاء، موضع في ديار بني فقعس. وانظر: الخصائص 1/ 89 والضرائر 78. والإيضاح لابي على/ 75 والموشح للمرزباني/ 147 والحجة 1/ 100. وأمالي ابن الشجري 2/ 208 والإنصاف/ 680 والخزانة 2/ 227. وشاهد الشافية/ 290 واللسان "ها" وارتشاف الضرب/ 123.

"دَارٌ لِسُعْدَى اذهِ مِنْ هَوَاكا ... وقَد جَاءَ في الشعرِ حذفُ الياءِ والواوِ الزائدةِ في الوصلِ معَ الحركةِ كمَا هيَ في الوقفِ سَواءٌ قالَ رجَلٌ مِنْ أَزد السراةِ1: فَظِلتُ لدى البيتِ العَتيقِ أُخليهُ ... ومَطْوايَ مَشتاقانِ لَهُ أَرِقَانِ

_ 1 جعل ابن السراج تسكين الهاء في هذا النحو لغة أزد السراة. وقال البغدادي في الخزانة 2/ 401 هم بنو عقيل وبنو كلاب الذي يجوزون تسكين الهاء من نحو: "له" اما المبرد في المقتضب 1/ 39، فجعل تسكين الهاء من قوله: "له" للضرورة الشعرية وا لبيت منسوب إلى يعلي الأحوال الأزدي، ويروي: البيت الحرام بدلا من البيت العتيق. وكذلك يروي: أشيمه، ويروى كذلك: أربعة. وأخيله، يقال: أخلت السحابة إذا رآها، أخالت، أي كانت مرجوزة للمطر والهاء في أخيلة، وله، عائة على البرق. أما على رواية: أشيمة، انظر إليه أين يقصد وأين يمطر، وأما أريغه: أي أطلبه. ومطواي، صاحباي. وانظر: الخصائص 1/ 128 والمقتضب 1/ 39. والمنصف 3/ 84 والحجة لابي على 1/ 100 والأغاني 19/ 111. وشرح السيرافي 1/ 226 والمحتسب 1/ 224، والمقرب لابن ع صفور/ 189.

منه حذف الفاء من جواب الجزاء

الخامسُ: منهُ حذفُ الفاءِ مِنْ جَوابِ الجزاءِ. وذلكَ قولُ ذي الرمة: وإنيّ مَتَى أُشْرِفْ عَلَى الجَانبِ الذي ... بهِ أَنْتِ مِنْ بَينْ الجَوانبِ ناظِرُ1

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 437 والتقدير عنده: وإني ناظر متى اشرف على التقديم والتأخر والمبرد وابن السراج يريان أنه على إضماء الفاء، وقد جو ز سيبويه كذلك إضمار الفاء. والبيت لذي الرمة، وانظر: المقتضب2/ 71 وشرح السيرافي 3/ 336 وأمالي السيد المرتضى 1/ 155 والخزانة 3/ 645. والديوان/ 241.

هُوَ عندَ سيبويه على تقديم الخبرِ نَاظرٌ متى أَشرفُ1. وأَجاز أَيضًا أَنْ يكونَ على إضمارِ الفاءِ والذي عندَ أَبي العباس2 وعندي فيه وفي مثالِه أَنَّهُ على إضمارِ الفاءِ3 لا غير لأَنَّ الجوابَ في مَوْضِعِهِ فَلا يجوزُ أَنْ تنوي بهِ غيرَ موضعِه إذَ وُجدَ لَهُ تأَويلٌ ومثلُه: يا أَقْرَعُ بن حَابسٍ يا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخوكَ تُصْرَعُ"4 فهذاَ على ما ذكرتُ لكَ وكذلكَ قولهُ: فَقلتُ تَحَمَّلْ فوقَ طَوقِكَ إنَّها ... مُطَبَّعةٌ مَنْ يأتِها لا يَضيرُها5 أَرادَ: لا يضيرها مَنْ يأتِها وإنَّك تصرعُ إنْ يصرعْ أَخوكَ عندَ سيبويه وَهْوَ عندنا على إضمارِ الفاءِ. فأَمَّا قولهُ: مَنْ يَفعلِ الحَسَناتِ اللُه يشكُرُها ... والشرُّ بالشَّرِّ عند اللِه مِثْلانِ7 [فإنّهُ] 8 عَلَى إضمارِ الفاءِ في كُلِّ قَولٍ

_ 1 انظر: الكتاب 1/ 437. 2 انظر: الكتاب 1/ 438. 3 انظر: المقتضب 2/ 71-72. 4 من تفسير هذا الشاهد في هذا الجزء. 5 مر تفسير هذا البيت في هذا الجزء. 6 انظر: الكتا ب 1/ 437-438. 7 مر تفسيره في هذا الجزء. 8 زيادة من "ب". 9 زيادة من "ب".

منه ما حذف منه المنعوت وذكر النعت

السادسُ: منهُ ما حُذفَ [مِنهُ] 9 المنعوتُ وذُكرَ النعتُ: اعلَم: أَنَّ إقامةَ النعتِ مقامَ المنعوتِ في الكلامِ قبيحُ إلا أَنْ يكونَ نعتًا خاصًا يخصُّ نوعًا مِنَ الأَنواعِ كالعاقِل الذي لا يكونُ إلا في الناسِ والكاتبِ ومَا أَشبهَ ذلكَ مِمّا تقعُ بهِ الفائدةُ ويزولُ اللبسُ فإذَا اضطرَ الشاعرُ فلَهُ أَن يقيمَ الصفةَ مقامَ الموصوفِ و"الذي" وضعتْ ليوصفَ بِها معَ صلتِها فَمِن قبيحِ ما جاءَ في ضرورةِ الشّاعر قولُه: مِنْ أَجلكِ يالتي تَيُّمْتِ قَلبي ... وأنْتِ بَخيلةٌ بالوُدِّ عَني1 فأَدخلَ "يا" علَى "التي" وحرفُ النداءِ لا يدخلُ علَى ما فيهِ الأَلفُ واللامُ إلا في اسمِ اللهِ عز وجلَّ وقَدْ مضى ذِكرُ ذَا فشبهَ الشاعرُ الألفَ واللامَ في "التي" باللامِ التي في قولِكَ "الله عز وجَلَّ" إذ كانتا غيرَ مفارقتينِ للإسمينِ.

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 310 على دخول ياء النداء على "التي" للضرورة الشعرية وقال: شبهة بيا الله. وتيمت: استعبدت، وعني: بمعنى على. ومن أجلك: صلة المحذوف، أي: قاسيت ما قاسيت، ويروي: وأنت بخيلة بالوصل عني. والشاهد من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. وانظر: المقتضب 4/ 241 وشرح السيرافي 1/ 196. وابن يعيش 2/ 8 واللسان "لتاء"، والخزانة 1/ 358.

مما جاء كالشاذ وهو وضع الكلام في غير موضعه وتغيير نضده

الثالثُ: مما جاءَ كالشاذِّ وهوَ وضعُ الكلام فِي غيرِ مَوضعهِ وتغيير نضده: أَحسنُ ذلكَ قلبُ الكلامِ إذَا لَمْ يُشكلْ فِمِنْ ذلكَ قولُه: تَرى الثَوْرَ فيها مُدخلَ الظِّلَّ رأَسَهُ ... وسَائرهُ بَادٍ إلى الشَمْسِ أَجْمَعُ1 فالمعنى: مُدْخِلُ رأسهِ الظلّ ولكنْ جعلَ الظلَّ مفعولًا على السعةِ وأَضافَ إليهِ والنحويونَ يجيزونَ مثلَ هذَا في غيرِ ضرورةٍ فيقولونَ: "يَا سارِقَ الليلةِ أَهلَ الدارِ2 فَأمَّا الذي يبعدُ فنحو قولِهِ: مِثلُ القَنَافذِ هَدّاجونَ قَدْ بَلَغَتْ ... نَجْرانَ أَو بَلَغتْ سَوآتِهم هَجَرُ3

_ 1 من شوزاهد الكتاب 1/ 93 على إضافة "مدخل" إلى الظل، ونصب الرأس به على الاتساع والقلب، وكان الوجه أن يقول: مدخل رأسه الظل لأن الرأس هو الداخل في الظل، والظل المدخل فيه. ولذا سماه سيبويه: الناصب في تفسير الشاهد، ولم ينسب هذا الشاهد لقائل معين. وصف هاجرة لجأت قد ألجأت الثيران إلى كنسها فترى النور مدخلا رأسه في ظل كناسه لما يجد من شدة الحر، وسائره بارزة للشمس. وقد أورد الفراء هذا الشاه د عند تفسيره لقوله تعالى: {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} إبراهيم 47. وانظر معاني القرآن 2/ 80 وأمال السيد المرتضي 1/ 155 وشرح السيرافي 1/ 245 والهمع 2/ 123. وروايته: وسائره باد إلى الشمس أكتع. وال درر اللوامع 2/ 156. 2 هذا الرجز مر تفسيره في هذا الجزء. 3 الشاهد فيه نصب الفاعل ورفع المفعول، فالسوآت منصوب وهو فاعل م عنى، وهج ر مرفوع وهو مفعول به عكس الأول، فالسوأة: هي البالغة إلا أنه قلبها قلبا في المعنى. فجعل ما حقه أن يكون فاعلا مفعولا، وما حقه أن يكون مفعولا فا علا، ومثل هذا: خرق الثوب المسمار وكسر الزجاج الحجر. ويروي: على العيارات هداجون قد ... بلغت نجران.. والعيارات: جمع عير، وهو حمار الوحش، وا لقنافذ: جمع قنفذ، وهو معروف يضرب به المثل في سرى الليل، يقال: أسرى من قنفذ، وهداجون: من الهدج، وهو مشي رويد في ضعف أو هو مقارب الخطو في الإسراع من غير إرادة، ونجر أن مدينة كبيرة اليمن من ناحية مكة شمال صنعاء. وهجر: مدينة كانت قاعدة البحرين بينها وبين اليمامة عشرة أيام. والسوآت: الفواحش والقبائح. والبيت من قصيدة للأخطل يهجو جريرا. وانظر: الجمل للزجاجي/ 211 والمغني/ 781 واللسان "نجر"، والهمع 1/ 165 والدرر اللووامع 1/ 144 والمحتسب 2/ 1218 والديوان/ 99.

فجعلَ "هَجَر" في اللفظِ هِيَ التي تبلغُ السوآتِ لأَنَّ هذَا لا يشكلُ ولا يحيلُ والفرقُ بينَ هَذا وبينَ البيتَ الذي قَبْلَه أَنَّ ذاكَ قُدِّمَ فيهِ المفعولُ الثاني على المفعولِ الأولِ وَهْوَ غيرُ مُلْبسِ فَحَسُنَ لأَنَّهُ يجوزُ أنْ تضيفَ "مدخلَ" إلى "رأسِه" ولا تذكرُ "الظلّ" وتضيفهُ إلى "الظلّ" ولا تذكرُ "رأَسَهُ" وهذَا خِلافُ ذلكَ لأَنكَ جعلتَ الفاعلَ فيهِ مفعولًا والمفعولَ فاعلًا وينشدونَ في مثلهِ1: "وتَشْقَى الرِّماحُ بالضَّياطِرةِ الحُمْرِ......" وإنّما يشقى الرجالُ وقَدْ يحتملُ المعنى غيرَ ما قالوا "قد شقى الخزُّ بفلانٍ" إذْ لم تجعلْهُ أَهلًا لَهُ فهذَا على السعةِ والتمثيلِ يكونُ المعنى: قَدْ شَقيَ الرمحُ بأبدانِ هؤلاءِ وكقولِهم: أتعبتُ سيفي في رقابِ القومِ إني فعلتُ بهِ ما إذا فَعَل بِمَنْ يجوزُ عليهِ التَّعَبُ تَعِبَ. فأَمَّا قَولُ الله عزَ وجَلّ:

_ 1 هذا عجز بيت، وصدره: ونركب خيلا لا هوا دة بينها ... وتشفي الرماح ... والشاهد فيه على التقديم والتأخير، وذلك أن الضياطرة هم الذين يشقون بالرماح لقلتهم بها، والوجه الثاني: أن الرماح تشقي بالضياطرة لأنه لم تجعلهم أهلا للتشاغل بها، وحقر شأنهم جدا فجعل طعنهم بالرماح شقاء للرماح كما يقال: شقي الخز بجسم فلان، إذا لم يكن أهلا للبسة. والضياطرة: واحدهم: ضيطر وضيطار، وهو الضخم العظيم، والهوادة: اللين والبيت لخداش بن زهير. وانظر: الكامل للمبرد/ 364 وشرح السيرافي 1/ 245. وأمالي السيد المرتضي 2/ 116. واللسان 5/ 160.

{مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ} 1 فَقَدْ احتملَهُ قومٌ علَى مثلِ هَذا وقالوا: إنَّما العصبةُ تنوءُ بالمفاتيحِ وتحملُها في ثِقْلٍ. قالَ أبو العباس: وليسَ هكذا التقديرُ إنَّما التقديرُ: لتنوء بالعصبةِ: أَي: تجعلُ العصبةَ مثقلةَ كقولِكَ: انْزلْ بِنَا أَي: اجعلنَا ننزل معكَ [وكقولِكَ: ارْحَلْ بِنَا يا فلانُ أَي: اجعلْنَا نرحلُ مَعك] 2 ومثلهُ قولُ ابن الخطيمِ: دِيارُ التي كَادتْ ونَحنُ علَى مِنَىً ... تَحلُّ بِنَا لَوْلاَ نَجَاءُ الرَّكَائِبِ3 أي: تجعلنا نحلُّ لا أَنَّها هيَ تنتقل إلينا ومِنْ هَذا البابِ قَولُ الشَاعرِ: صَدَدْتِ فأطْوَلْتِ الصُّدودَ وقَلّما ... وصالٌ علَى طُولٍ الصُّدودِ يَدُومُ4 والكلامُ: قَلَّ ما يدومُ وِصالٌ ولَيْسَ يجوزُ أَن يرفع "وصالٌ" بيدومُ وقَد أَخَّرهُ ولكنْ يجوزُ هَذا عندي على إضمارِ "يكونُ" كأنهُ قالَ: قُلَّ ما يكونُ وصالٌ يدومُ على طولِ الصدودِ وحَقّ "مَا" إذا دخلتْ كافةً في مثلِ هذا الموضعِ فإنَّما تدخلُ ليقعَ الفعلُ بعدَها وكذلكَ يكونُ معَ الحرفِ نحو: {رُبَّمَا يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا} وإنّما يقومُ زيدٌ وما أَشبهَ ذلكَ مِما لا

_ 1 القصص: 76. 2 ما بين القوسين ساقط في "ب". 3 البيت لقيس بن الخطيم ورواية الديوان: ديار التي كا دت ونحن على منى ... أي: كادت تحل بنا ربكابنا فنقيم عندهم من حبنا لها وقيل: تجعلنا حلالا ونحن حرام. وانظر شرح السيرافي 1/ 248 والكامل/ 390. وجمهرة أشعار العرب/ 123. والدايون/ 10. 4 مر تفسير هذا الشاهد في هذا الجزء. 5 الحجر: 2.

يجوزُ أَن يليَهُ الفعلُ فإذَا كُفَّ "بِمَا" وبُنيَ معهَا وَلِيَهُ الفِعْلُ ومِنْ هَذا البابِ قولُ الفرزدق: وَمَا مِثْلُه في النَّاسِ إلا مُمَلكاً ... أَبو أُمهِ حَيٌّ أَبوهُ يُقَاربُه1 يريدُ: مَا مثلُه في الناسِ حَيٌّ يقاربهُ إلا مُملكٌ أَبو أُمِ ذلكَ المملكِ أَبوهُ ولكنْ نصبَ مملكًا حيثُ قَدَّمَ الاستثناءَ ومِنْ هذَا فصلُهم بالظرفِ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ نَحو قولِه: "كَمَا خَطَّ الكتابُ بكفِّ يَوماً ... يهوديٍّ يقارِبُ أَو يُزِيلُ2 وكقول الآخر: للهِ دَرُّ اليومَ مَنْ لامها3

_ 1 إنما أراد: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبوه. فتعسف هذا التعسف، ووض أشياء في غير مواضعها، وهذا من شواهد البلاغة، يذكر للتعقيد الفظي، وقد مدح الشاعر بهذا خال هشام بن عبد الملك فقال: ما في الناس حي يقارب خال هشام إلا هشام الذي أبو أمه أبه، يعني أن جد هشام لأمه هو أبو هذا الممدوح، ونصب مملكا لأنه استثناء مقدم، كما قال: مالي إلا أباك صديق. إذا أردت: مالي صديق إلا ابوك. وانظر: الضرائر/ 14. والأغاني 19/ 15 وروايته "مملك" بالرفع والموشح/ 228. وشرح السيرافي 1/ 248، والديوان/ 108. 2 مر تفسير هذا الشا هد في الجزء الثاني. 3 مر تفسير في هذا الجزء.

هو إبدال حرف اللين من حرف صحيح

الرابعُ: هو إبدالُ حرفِ اللينِ مِنْ حرفٍ صحيحٍ: اعلَمْ: أَنَّ الشاعرَ يضطر فيبدلُ حروفَ اللينِ مِنْ غيرِها كَما قَالَ: لهَا أَشاريرُ مِنْ لَحْمٍ تُتمِّرُهُ ... مِنَ الثَّعِالي وَوَخْزٌ مِنْ أرانِيها1

_ 1 من شواهد سيبويه 1/ 334 على إبدال الياء من ياء "الثعالب والأرانب"، شذوذا وجعله بعضهم من باب الترخيم عند الضرورة بتعويض الياء. وعند المصنف من باب الإب دال لا من باب التخريم. والأشارير: جمع إشرارة هي قطعة من اللحم تقدد للادخار. وتتمره: تجففه. والوخز: شيء ليس بالكثير. وأصل الوخز: الطعن، وقيل: الوخز الخطيئة بعد الخطيئة. والأراني والثعالبي: اصلها: ثعلب وأرنب أبدلت الياء الموحدة فيهما. وصف الشاعر: فرخة عقاب تسمي غبة كانت لبني يشكر. والبيت لأبي كاهل النمر بن تولب اليشكري. وانظر: الضرائر/ 153 والشعر والشعراء/ 49 و101. والوشح/ 155. ومعج م المقاييس 1/ 355. واللسان "تمر". والمفصل لمزمخشري/ 365. والتهذيب 4/ 329، والهمع 1/ 181. والدر اللوامع 1/ 157. وشرح السيرافي 3/ 80 والجمهرة لابن دريد 2/ 13. ومجالس ثعلب/ 299.

يريدُ "الثعالبَ وأرانبَها" فكانَ الشعرُ ينكسر لو ذكرَ "الباءَ" في الثعالبِ وتفسدُ القافيةُ لأَنَّ رويَهُ الياءُ فابدلَ الباءَ لأَنَّ الحركةَ لا تدخلُها فينكسرُ الوزنُ فكذلكَ أَبدلَ ياءً في "الحَمِي" وهو يُريدُ "الحَمامَ" ومِنْ قبيحِ ما جَاءَ في الضرورةِ عندَ النحويينَ. قالَ أبو بكر1: وهو عندي لا يجوز ألبتَة بوجه من الوجوه شعر ينشدونه يجعلون فيه الألف التي هي بدل من التنوين بمنزلة هاء التأنيث فيظهرون الياء قبلها كما يقولون: شقاية وشقاوة وذلك قوله2:

_ 1 في الأصل "أبو العباس" والتصحيح من "ب". 2 هذه الأبيات وردت في اللسان مع قليل من التحريف منسوبة الأعصر بن سعد ابن قيس عيلان واسمه منبه بن سعد. وقيل: هو للمستو غر بن ربيعة. والشاهد فيها: شبه الف النصب: في العظايا والشفايا بهاء التأنيث نحو: عظاية وصلاية، فصح حال لياء وإن كانت طرفا، فكما أن الهاء فيهما صححت الياء قبلها. فكذلك ألف النصب التي في: العظايا والشفايا، صححت الياء قبلهما. والعظاء: واحدها عظاية وهي دويبة، ويحترش: يحرك جحرها ليغريها، بالخروج لتخرج فيصيدها. وانظر: الخصائص 1/ 292 وفيه يحترش بدلا من يلتمس ويسفي بدلا من "يعيط" وحماسة البحتري/ 324 والشعر والشعراء 1/ 51. والمنصف 1/ 155، ومعجم الشعراء/ 466. وشرح السيرافي 1/ 234. والمخصص 15/ 117 والمحتسب 1/ 77 واللسان 18/ 218 و16/ 230. والخزانة 2/ 266. وطبقات ابن سلام/ 12 طبعة أوروبا. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 159.

إذَا ما المرءُ صُمَّ فَلَم يُكَلَّمْ ... وأَعيَا سَمْعُهُ إلا نَدَايا ولاعَبَ بالعَشي بني بنيهِ ... كفعلِ الهرِّ يَلْتَمِسُ العظَايَا يلاعبُهم ووَدوا لو سَقوهُ ... فأَبعدهُ الإِلهُ ولا يُؤتَى مِنَ الذِّيفانِ مُترَعةً إنَايَا ... ولا يُعَطّى مِنَ المَرضِ الشِّفَايَا قالَ أبو العباس: فَمَنْ أَجازَ هذا فلا ضرورةَ لَهُ في إجازتهِ إلا الروايةُ وَهوَ أَحقُّ كلاَمٍ بِالرفعِ وأَولى قَولٍ بالردِّ وإنَّما حقٌّ هَذا الشعرِ أَنْ يكونَ مهموزًا فيقولُ: ولا يُعَطّى مِنَ المرض الشِّفَاءَ وكذلكَ العَظَاءَ وَأَعْيَا سمعهُ إلا النداءَ ومِنْ ذلكَ إبدالُ الهمزةِ في الموضعِ الذي لا1 يقومُ فيهِ الشعرُ بتحقيقهِ ولا تخفيفهِ2 فإنْ كانَ مفتوحاَ جُعِلَ ألفًا وإنْ كانَ مكسورًا جُعِلَ ياءً وإنْ كانَ مضمومًا جُعِلَ واوًا نحو قول الفرزدقِ: رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ البغالُ عَشِيَّةً ... فأرْعَى فَزَارةُ لاَ هَنَاك المَرْتَعُ3

_ 1 لا: ساقطة في "ب". 2 قال المبرد في المقتضب 1/ 166 "ولو جاز أن تقلب الهمزة إلى حروف اللين لغير علة لجاز أن تقلب الحروف المتقاربة المخارج في غير الإدغام، لأنها تنقلب في الإدغام كما تنقلب الهمزة لعلة". وانظر: الكتاب 2/ 170. 3 من شوا هد سيبويه 2/ 170 على إبدال الهمزة ألفا للضرورة، وإن كان حقها أن تجعل بين بين، لأنها متحركة، أراد: لا هناك. وقيل هذا: حين عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووليها عمر بن هبيرة الفزاري فهاجم الشاعر ودعا قومه بأن لا تهنأهم النعمة بولايته. وراحت: بمعنى: رجعت، واوراح والغدو، عند العرب يستعملان في المسير، أي وقت كان من ليل أو نهار، وأراد بغال البريد التي قدمت بمسلمة عن عزله. والمرتع: مصدر ميمي، فزا رة منادي. وانظر: المقتضب 1/ 167. الكامل/ 478، والخصائص 3/ 152. والحجة 1/ 301. وشرح السيرافي 1/ 234. والمقرب لابن عصفور/ 175 وابن يعيش 9/ 113. والأضداد لابن الانباري/ 209. والرواية: راحت بمسلمة الركا ب والمحتسب 2/ 173. والديوان/ 508.

وقالَ حسانُ بن ثابت: سَاْلَتْ هُذَينٌ رسولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذيلُ بمَا قَالتْ ولَم تُصِبِ1 وقالَ زيدٌ بن عمرو بن نُفيلٍ: سَاْلَتاني الطَّلاقَ إنْ رأتاني ... قَلّ َمالي قَدْ جِئْتُمَاني بِنُكْرٍ2 فهذانِ لَيْسَ من لغتِهما ... سِلْتُ أسأْلُ وسِلْتُ أسْالُ" لغة 4 مِنْ

_ 1 من شواهد سيوبيوه 2/ 130 و2/ 170 على إبدال الهمزة ألفًا للضرورة، والأ صل سألت. قال المبرد: وأما قول حسان: سألت هذيل.. فليس من لغته سلت أسأل مثل خفت أخفان لأن هذا من لغة غيره. والفاحشة: التي سالتها هذيل، أن يحل لها ارسول الزنا. وانظر: المقتضب 1/ 167. والكامل/ 288. وشرح السيرافي 1/ 234. والمحتسب 1/ 90 وابن يعيش 9/ 114. وشواهد الشافية/ 399. والخصائص 3/ 152، والديوان/ 63 والبيت مفردا. 2 من شواهد سيبويه 2/ 170 على إبدال الألف في "سأل" من الهمزة واسشتهد به 1/ 290 وكذلك فعل المصنف في الجزء الأول مع بيت أخر هو: ويكأن من يكن له نشب يح بب ... ومن يفتقر يعش عيش ضر على أسماء الأفعال ترد للتندم ويكأن، مركبة عند الخليل وسيبويه من وفي التعجبية وكأن المخففة من المثقلة. والبيتان لعمرو بن نفيل. وانظر الخصاص 3/ 41. والمحتسب 2/ 155. وشرح السيرافي 1/ 234. وابن يعيش 4/ 76 والخزانة 3/ 95. والهمع 2/ 106. 3 في الكتاب 2/ 170 وبعد ذكر الأبيات الثلاثة التي مرت: فؤهلاء ليس من لغتهم: سلت ولا يسأل، وهو يعني: الفرزدق وحسان وابن نفيل. وأما ابن السراج فقال: فهذان، ولعله يريد: حسانا، وزيد بن نفيل. 4 انظر: الكتاب 2/ 170 وبلغنا أن "سلت تسأل" لغة، ولم يذكر لأ ية قبيلة هي.

غيرِ هَذا الأَصلِ "كخِفْتُ أَخاف" في التقديرِ والوزنُ ليسَ مِنْ أَصلِ الهمزةِ ويقولُ: هُمْ يتساولانِ كقولِكَ: يَتقاولانِ ومِنَ الهمزةِ المبدلةِ للضرورةِ: لاَ يرهبُ ابنُ العمِّ مَتَى صَوْلَتي ... ولا أَخْتَتِي مِن صَوْلةِ المُتَهَدّدِ1 وإنَّما يقالُ "اخْتَتأتُ إذا استترتُ مِنْ خضوعٍ وفَرَقٍ".

_ 1 الشاهد في "اختتئ" فقلت من الهمزة ياءين احتاج إلى تسكينها، وإنما جعل هذا في ضرورة الشعر لأن الهمزة المتحركة إذا كان قبلها فتحة أو كانت مضمومة وفيها كسرة كان تلييينها أن تجعل بين بين ولا تبطل حركتها. وانظر: شرح السيرافي 1/ 234. والمقرب لابن عصفور/ 175. واللسان 1/ 56. وديوان طرفة/ 153 مما نسب إليه.

تغير وجه الإعراب للقافية

الخامسُ: تغيرُ وجهُ الإِعرابِ للقافيةِ: مِنْ ذلكَ إدخالُ الفاءِ في جوابِ الواجبِ ونصبُ ما بعدَها1 وهذَا لا يجوزُ في الكلامِ وإنَّما ينصبُ ما بعدَها إذا كانَ مخالفًا لما قبلهَا وذلكَ إذا كانتْ جوابًا لأمرٍ أَو نهيٍ أَو تَمنٍّ أَو استفهام أَو نفيٍ قالَ الشاعرُ: سأَتركُ مَنْزِلي لبَني تَمْيمٍ ... فألحقُ بالحِجَازِ فاسترِيحَا وقالَ طرفةُ: لَنا هضْبَةٌ لاَ يَدْخلُ الذَّلُّ وسطَها ... ويأوي إليها المُستِجيزُ فَيُعصَما2

_ 1 ونصب ما بعدها: ساقط في "ب". 2 من شواهد سيبويه 1/ 423 على نصب "فيعصما" للضرورة تشبيها له بغير الواجب والنصب بالفاء، يجوز، لأن النصب إنما هو بإضمار "أن" بعد الفاء عوضا منها، فنسب النصب إليه. ويوري: ليعصما. وحينئذ لا ضرورة فيه وكني بالهضبة عن عزة قومه ومنعتهم. والهضبة: الجبل. ونسب سيبويه وابن السراج البيت إلى طرفة ولم يوجد في ديوانه، وهناك قصيدة في الديوان على هذا الروي في هجاء صهره/ 117 ومن البحر الطويل أيضا ونسبه صاحب اللسان للأعشى. وليس في ديوانه. وانظر: المقتضب 2/ 24. وشرح السيرافي 1/ 253 والمقرب لابن عصفور 189 والمحتسب 1/ 197. واللسان 12/ 310 وديوان طرفة/ 159 مما نسب إليه.

وإنّما كانَ النصبُ فيما خالفَ الأَولَ على إضمار "أَنْ" إذا قالَ: ما تأتني فتُكرِمَنِي كأَنَّه قالَ: ما يكونُ مِنكَ إتيانٌ فأَنْ تكرِمَني فإذَا قالَ: أَنتْ تأتيني فتكرُمني فهوَ كقولِكَ: أَنتَ تأتيني وأَنْتَ تكرِمُني فإذَا نَصَبَ للضرورةِ كانَ التقديرُ: أَنْتَ يكونُ مِنكَ إتيانٌ فأَنْ تكرمَني ومِنَ الضروراتِ وهوَ مِنْ أَحسنِها في هَذا البابِ. وقاَلَ أبو العباس: لو تَكلمَ بها في غيرِ شعرٍ لجازَ ذلكَ قولهَ1:

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 145 على حذف الفعل الناصب "للأفع وان" وإنما نصب الأفعوان والشجاع، لأنه قد علم أن القدم هَهُنَا مسالمة، كما أنها مسالمة، فحمل الكلام على أنها مسالمة، ورواه الكوفيون بنصب: الحيات، وذهبوا إلى أنه أراد "القدمان" فحذف النون. والشجاع: ضرب من الحيات، الشجعم: الطويل، والأفعوان: الذكر من الحيات ويريد بذات قرنين: حية لها قرنان من جلدها، والضموز: الساكتة المطرقة التي لا تصفر لخبثها، فإذا عرض لها إنسان ساورته وثبا، والضرزم: المسنة وذلك أخبث لها. وصف الشاعر راعيا للإبل بخشونة القدمين وغلظ جلد هما حتى لا تستطيع الحيات أن تؤثر فيهما. وقد نسب سيبويه هذا الرجز إلى عبد بين عبس، ونسبه الأعلم للعجاج وهو في ديوانه مما نسب إليه. ونسبة صاحب اللسان إلى مساور بن هند العبسي. وانظر: الخصائص 2/ 430 والحجة لأبي على 1/ 91. والجمهرة لابن د ريد 3/ 375. والمنصف 3/ 96. والجمل الزجاجي/ 214. وتوجيه إعراب أبيات ملغزة الإعراب للفارقي/ 244. والحماسة 2/ 329 وشرح السيرافي 1/ 253. والمقتضب 3/ 283. واللسان "شجع" والروض الآنف 2/ 183. والخزانة 4/ 596. وديوان العجاج/ 89. مما نسب إليه.

قَد سَالمَ الحياتِ منهُ القَدَمَا ... الأُفعُوانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَمَا وذاتَ قَرنينِ ضَمُوزًا ضِرْزَمَا لأَنهُ حينَ قالَ: ساَلمَ الحياتِ منهُ القَدَما عُلِمَ أَنَّ القدمَ مُسَالِمةٌ كَما أَنَّها مُسَالَمَةٌ فنصبَ الأُفعوانَ بأَنَّ القدمَ سَالمتْها لأَنكَ إذا قُلتَ: سَالمتُ زيدًا وضَاربتُ عمرًا فَقَدْ كانَ مِنكَ مِثلُ ما كانَ إليكَ فإنَّما صَلُحَ هَذَا لإستغناءِ الكلامِ الأولِ فحملت ما بعدَهُ بعدَ اكتفاءِ الكلامِ علَى ما لا ينقضُ معناهُ وقَدْ قرأَ بعُضُ القراءِ: {وَكَذلِكَ زُيِّنَ لكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ أوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهم} 1 لمّا استغنى الكلامُ بقولِه: قَتْلُ أولادِهم حملَ الثاني على المعنى أَي: "زَينهُ شركاؤُهم" فَعَلى هذا تقولُ: ضُرِبَ زيدٌ عبدُ الله لأَنكَ لمّا قلتَ: ضُرِبَ زيدٌ عُلِمَ أَنَّ لَهُ ضاربًا فكأَنكَ قلتَ: ضَربهُ عبدُ الله. وعلَى هذَا ينشد2:

_ 1 الأنعام: 137 وقراءة "زين" بالبناء للمفعول ورفع "قتل" ورفع شركاؤهم" من الشواذ، نظر: ابن خالوية/ 40-41 والبحر المحيط 4/ 229. قال ابو حيان: وقراءت فرقة منهم السلمي والحسن وأبو عبد الملك قاضي الجند صاحب ابن عامر "زين" مبنيا للمفعول، "قتل" مرفوعات مضافا إلى أولادهم "شركاؤهم مرفوعا على إضمار فعل، أي: زينة شركاؤهم، هكذا خرجه سيبويه. وفاعلا بالمصدر أي قتل أولادهم. وانظر: الكتاب 1/ 146 والمقتضب 2/ 281. 2 من شواهد سيبويه 1/ 145، 83، 199، على رفع "ضارع"بفعل محذوف، وهذا على رواية "ليبك" بالبناء للمفعول، وقد روي بالنباء للفاعل، فيكون "يزيد"، مفعولا به، وضارع الفاعل، ولا حذف في الكلام. وعجزه: ومختبط مما تطيح الطوائح. وبكته: أي: بكيت عليه، بخلاف حرف الجر لكثرة الس اتعمال، والضارع: الذليل ولامختبط: الذي يأتيك للمعروف من غير وسيلة، وأصله من خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها. تطيح: تذهب وعقلك، والطوائح: بمعنى: المطيحات، يقال: طوحته الطوائح، أطاحته أي: ذهبت به، ولا يقال: المطوحات. لخصومة: متعلق بضارع وا للام للتعليل أو بمعنى عند. ونسبت البيت للبيد بن ربيعة العامري ويوجد في ديوانه/ 50 طبعة ليدن أبيات منها الشاهد: لعمي لئن أمضى يزيد بن نش هل ... حشا جدت تسف عليه الروائح وينسب أيضا لنشهل بن حري في رثاء أخيه يزيد بن نهشل، ونسب لمزرد بن ضرار وليس في يوانه، وينسب للح ارث بن نهيك. وانظر: المقتضب 3/ 271. وشرح السيرافي 1/ 254. والخصا ئص 2/ 353، 376 والمحتسب 1/ 230 وابن يعيش 1/ 80 والشعر والشعراء/ 99. والمفصل للمزمخشري/ 22 والتصحيف للعسكري 208 والكافية للرضي 1/ 67. وشواهد الكشاف/ 65.

لِيُبكَ يَزيدٌ ضَارعٌ لِخُصومَةٍ ومِنْ هَذا البابِ قولُ القطامي: فكرتْ تَبتغيهِ فَوَافَقَتْهُ ... علَى دَمِه وَمَصْرَعِهِ السِّبَاعَا1 لأَنهُ لمَّا قَالَ: وافقتهُ عُلم أَنَّها قَد صَادفتِ السباعَ معهُ فكأَنَّهُ قالَ: صادفتِ السباعَ علَى دمهِ ومصرعِه ومثلُ ذلكَ: وَجَدْنَا الصالحينَ لَهُم جَزاءٌ ... وَجَنَّاتٍ وعَيْنًا سَلْسَبيلاَ2

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 143 عل نصب "السباع" بإضما ر الموافقة لما جري من ذكرها في صدر البيت. والتقدير: فكرت تبتغيه فوافقته ووافقت السباع على دمه ومصرعه. وعند ابن جني على حذف المضاف، أي: وافقت آثار السباع. والبيت للقطامي في وصف بقرة وحشية فقدت ولدها فطلبته فوجدت السباع قد اغتالته. وخطأ المبرد هذه الرواية ويرى أن الرواية الصحيحة. فكرت ع ند فيقتها إليه فألفت عند مصرعه السباعا وانظر: الخصائص 2/ 426. والنوادر/ 204. والمحتسب 1/ 210 وشرح السيرافي 2/ 73. والديوان/ 45. 2 من شواهد سيبويه 1/ 146 على حمل الجنات والعين على المعنى ونصبهما بإضمار "فعل" والتقدير: وجدنا لهم جنات وعينا سلسبيلا. 3 من شواهد سيبويه 1/ 146 على حمل الجنات والعين على المعنى ونصبهما بإضمار "فعل" التقدير: وجدنا لهم جنات وعينا سلسبيلا. قال سيبويه. لأن الوجدان مشتمل في المعنى على الجزاء. فحمل الآخر علي المعنى. ولو نصب الجزاء لجاز، وكان الظاهر المتبادر رفع جنات وما بعده عطفا على جزاء. والسلسبيل: السهل العذب وقيل: هو اسم عين في الجنة، وذكر بعضهم أن ذلك مركب من قوله: سل سبيلا، وقيل: هو اسم لكل عين سريعة الجري. ونسب البيت إلى عبد العزيز الكلابي. وانظر: المقتضب 3/ 384. وشرح السيرافي 2/ 73.

أَي: وجدنا لَهم عينًا فلهذَا بابٌ في الضروراتِ غيرِ ضَيقٍ ومِمّا يَقْربُ مِنْ هذا الباب قوله1: أَقامتْ علَى رَبْعَيهما جَارَتا صَفاً ... كُميتَا الأَعالِي جَوْنَتا مُصطَلاهُما وإنَّما الكلامُ: "جُوْنَا المُصطَليَينِ" فردهُ إلى الأَصلِ في المعنى لأَنَّكَ إذَا قلتَ مررتُ برجلٍ حَسنِ الوجهِ فمعناهُ2: حَسُنَ وجهُهُ فإذَا ثنيتَ قلتَ: برجلينِ حَسَن الوجوهِ فإنْ رددتهُ إلى أصلِه قلتَ: برجلينِ حَسَن وجوههُما فإذا قلتَ: وجوُههُما لم يكن في "حَسَنٍ" ذكرُ ما قبلَهُ وإذا أَتيتَ بالألفِ واللامِ وأضفتَ الصفةَ إليها كانَ في الصفةِ ذكر الموصوفِ فكانَ حَقٌّ هذا الشاعر لما قالَ: مُصْطَلاهُما أَنْ يُوَحدَ الصفةَ فيقولُ: جَونٌ مُصْطَلاهُما.

_ 1 من شواهد الكتاب 1/ 102 على قبح إضافة الصفة مجردة من الألف واللام إلى مضاف لضمير، وإن جواز ذلك خاص بالضرورة، شبهوه بحسنه الوجه، وذلك ر دئ، لأنه بالهاء معرفة، كما كان بالألف واللام، وهو من سبب الأول كما أنه من سببه الألف واللام. وجارتا صفا: الأفيتان: والصفا: الجبل وهو الثالث إليهما، وهو قوله: كمتا الأعالي يعني، أن الأعالي من الافثفتين لم تسود لبعدها عن مباشرة النار فهي على لون الجبل، وجونتا مصطلاهما: يعني: مسودتي المصطلي وهو موضع الوقود منهما وصف دفتي دارين خلتا من أهلهما- والربع- موضع النزول. والبيت للشماخ. وانظر: الخصائص 2/ 420 وشرح السيرافي 1/ 255 ومعجم المقاييس 1/ 385. وشواهد الإيضاح لابن بري/ 117 والتذييل والت كميل 1/ 207 وابن يعيش 6/ 83 والعيني 3/ 587 والصاحبي لابن فارس/ 179. والديوان/ 86. 2 في "ب" فمعنى.

تأنيث المذكر على التأويل

السابع: تأَنيثُ المذكرِ علَى التأويلِ: مِنْ ذلكَ قولُ الشاعر: فكانَ مِجَنّى دونَ مَنْ كنتُ أتقَّي ... ثَلاثُ شُخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ1 فإنَّما أَنَّثَ الشخوصَ لقصدهِ النساءَ فحملهُ2 على المعنى ثُمَّ أبانَ عَنْ إرادتِهِ وكشفَ عَنْ معناهُ بقولِه: كاعبانِ ومُعصرُ ونظيرُ ذلكَ قوله3:

_ 1 من شوا هد الكتاب 2/ 175 عل تأنيث الشخص مراعاة لمعناه، لأنه أراد به المراة، أنث الشخوص ناث، فلو قال: ثلاثة شخوص كان أجود لان الشخص ذكر وأن كان لأنثى، ويروي: فكان نصري. والمجن: الترس، والكاعب: الجارية حين يبدو ثدياها للنهود. والبيت لعمر بن أبي ربيعة. وانظر: الكامل/ 385 وشرح السيرافي 1/ 225 والأغاني 1/ 83 والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 128. والحماسة/ 167. والخصائص 2/ 417. والمقتضب 2/ 148. والخزانة 3/ 313. والديوان/ 85. 2 فحمله: ساقطة في "ب". 3 من شواهد الكتاب 2/ 174 على تأنيث البطن وحذف الهاء من العدد المضاف إليها حملا على معنى القبائل، لأنه أراد من البطن القبيلة، وقد بين ذلك قوله: من قبائلها العشر. هجا رجل أدعي نسبه في بني كلاب فذكر أن بطونهم عشرة، ولا نسب له معلوم في أحدهم. نسب هذا الشاهد إلى النواح الكلابي. وقال سيبويه: هو إلى رجل من بني كلاب، وانظر: المقتضب 2/ 148. ومعاني القرآن 1/ 126. والتمام في اشعار هذيل/ 129، والصاحبي لابن فارس/ 213، والمخصص لابن سيده 17/ 117، والكامل/ 384، وشرح السيرافي 1/ 255، والخصائص 2/ 417.

وإنَّ كِلابًا هذهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ ... وأَنتَ بَرِيءٌ مِنْ قبائِلها العَشْرِ فقالَ: عَشْرُ أَبطنٍ يريدُ: قَبَائلُ وأَبانَ في عجزِ البيتِ ما أرادَ فأَمَّا في النعوتِ فإنَّ ذلك جَيدٌ بَالغٌ تقولُ: عندي ثلاثةُ نَسَّاباتٍ وعَلاّماتٍ لأنَّكَ إِنَّما أَردتَ1: عندي ثلاثةُ رجالٍ ثُمَ جئتَ2 بنَسَّاباتٍ نعتًا لهم فهذَا الكلامُ الصحيحُ وقد قرأتِ القراءُ: {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 3 لأَنَّ العددَ وَقعَ على حَسَناتٍ أَمثالَها. قالَ محمد بن يزيد: ومن الشيءِ الذي في الشعرِ فيكونُ جميلًا ومجازهُ مجازُ الضروراتِ عندَ النحويينَ وليس عندَه كذلكَ قولُهم في الكلامِ: ذهبتْ بعضُ أَصابعهِ لأَنَّ بعضَ الأصابعِ إصْبعٌ فحملهُ على المعنى4 قالَ جريرُ: لَمَّا أَتىَ خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سَورُ المَدِينةِ والجبالُ الخَشَّعَ5

_ 1 في "ب" تريد. 2 جئت: ساقطة في "ب". 3 الأنعام: 160، وانظر: شرح الكافية 2/ 139 والكتاب 2/ 175. والمقتضب 2/ 149. 4 انظر: الكامل للمبرد/ 312 ومن كلام العرب: ذهبت بعض اصابعه لأن بعض الأصابع إصبع. 5 من شواهد الكتاب 1/ 25 على اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه وصف الجبال بالخشية باعتبار ما آلت إليه. والسور: كل ما علا، وبها سمي سور المدينة سورا، وعلي هذا لا شاهد في البيت والبيت من قصيدة لجرير في هجاء الفرزدق. والمعنى: لما وافي خبر قتل الزبير إلى مدينة الرسول "صلى الله عليه وسلم" تواضعت هي وجبالها حزنا له وهذ مثل. ورواية الديوان: تهدمت بدلا من تواضعت. وانظر: المقتضب 4/ 198. ومعاني الفراء 2/ 37. والصاحبي/ 224 والخصائص2/ 418. والكامل/ 312 والنقائض/ 969 والمذكر والمؤنث لابن الأنباري/ 317، ومجا ز القرآن 1/ 197 واللسان "سور" ومقاييس اللغة 2/ 183. وشرح السيرافي 1/ 321 والجمهرة لابن دريد/ 338-339 والاضداد لابن الأنباري 296 والديوان/ 345.

لأَنَّ السورَ من المدينة وقَالَ أَيضًا: رأتْ مَرَّ السِّنينَ أَخّذْنَ مِنّي ... كما أَخذَ السِّرارُ مِنَ الهِلاَلِ1 فَقالَ: أَخذنَ فردهُ إلى السنينِ ولم يردهُ إلى مرِّ لأَنَّهُ لا معنَى للسنين إلا مَرها ومثلُه قولُ الأعشى: وتَشرقُ بالقولِ الذي قَدْ أَذْعْتَهُ ... كَما شَرَقتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ2 لأَنَّ صدَر القناةِ من القناةِ. قالَ محمد بن يزيد: يردُّ عَلَى مَن ادّعى أَنَّ هذَا مجراهُ3 مجرى الضرورةِ القرآن أفصحُ4 اللغاتِ وسيدُها وما لا تعلقُ بهِ ضَرورةٌ ولا

_ 1 استشهد به على اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه. وفيه اكتسابه الجمعية، فإن مر مفرد والسنين جمع، فاكتسب مر الجمعية من السنين وكذلك قال: أخذن مني، وإلا لقال: أخذ، وفيه شاهد آخر على أن بعض بني تميم وبني عامر يلزم الياء ويجعل الإعراب على النون وعليه فنون السنين في البيت مكسورة. والبيت الجرير في هجاء الفرزدق. وانظر: المقتضب 4/ 200 ومعاني القرآن 2/ 37. والصابي/ 213 والكامل 312 والتهذيب 1/ 135 واللسان "خضع" والديوان/ 426. 2 من شواهد سيبويه 1/ 25 على اكتساب المضاف إلى التانيث. فقد أنث الصدر وهو مذكر، لأنه مضاف إلى مؤنث هو منه، والخبر عنه كالخبر عما أضيف إليه، لأن المعنى في شرقت القناة وشرق صدر القناة واحد. وشرق: غصن وأذعته: أفشيته. والقناة: الرمح. يخاطب الشاعر: عمير بن عبد الله وكانت بينهما مهاجاة، فيقول له: يعود عليك مكروه ما أذعت عني من القول ونسبته إلى من القبيح فلا تجد منه مخلصا. وانظر: المقتضب 4/ 197 والكامل/ 312. والخصائص 2/ 417. والمذكر والمؤنث لابن الأنباري/ 316 وشرح الحماسة 2/ 370 وشعراء النصرانية/ 377، وشرح السيرافي 1/ 321 والجمهرة 2/ 339. 3 في "ب" أن يجري هذا مجرى. 4 أفصح: ساقط من "ب".

يلحقهُ1 تجوزٌ. قالَ الله عز وجلَ: {إنْ نَشَأْ نُنَزِّلُ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ آيةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لهَا خَاضِعِينَ} 2. فَخبَّرَ عَنْهم وتركَ الأَعناق. وقَالَ: قال أَبو زيدٍ: وقَد3 قالَ غيرهُ: الأعناقُ: الجماعاتُ مِنْ ذلكَ قولُكَ4: جَاءني عُنُقٌ مِنَ الناسِ أي: جماعةٌ كمَا قالَ القائلُ5 لعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهُ: أَبلغْ أَميرَ المؤمنينَ أَخَا العراقِ إذا أَتيْتَا ... أنَّ العِرَاقَ وأهلَه عُنُقٌ إليكَ فَهَيْتَ هَيْتَا6 قالَ: فهذاَ قولٌ والأولُ هو الذي يعملُ عليهِ. قالَ أَبو بكر: والذي عندي في ذلكَ أَنَّ الآية ليستْ نظيرةَ الأَبياتِ التي ذكرتْ لأَنَّ تلك بُنيَ فيها اسمٌ7 مؤنثٌ8 على فِعْلٍ مؤنثٍ والآية9 قد جَاءتْ باسمٍ مذكرٍ بعدَ

_ 1 يلحقه: ساقط من "ب". 2 الشعراء: 4 وانظر الكامل/ 312. 3 في الكامل/ 312 وكان أبو زيد الأنصاري يقول: أعناقهم: جماعتهم، تقول: أتاني عنق من الناس. 4 قولك: ساقط من "ب". 5 قال القائل: ساقط من "ب". 6 الشاهد فيه عنق: بمعنى جماعات أو طوائف، إذا جاءوا فرقا كل جماعة منهم عنق وأراد الشاعر هنا أن هم أقلوا إليك بجماعاتهم، أي: مالون إليك ومنطروك ويروي: سلم إليك.. ولم ينسب هذا الشاهد لقائل معين. وانظر: معاني القرآن 2/ 40 والخصائص 1/ 279 والمحتسب 1/ 337. واللسان 12/ 145 "عنق" والتهذيب 1/ 252. 7 اسم: ساقط من "ب". 8 فعل مؤنث: ساقط من "ب". 9 كلمة الآية: ساقطة من "ب".

مؤنثٍ في اللفظِ فردَ1 "خاضعينَ" إلى أَصحابِ الأَعناقِ ومِنْ ذلكَ قَولُ ذي الرمةِ: مَشَينَ كَمَا اهْتزَّت رِماحٌ تَسَفَّهتْ ... أَعاليهَا مَرُّ الرياحِ النَّواسِمِ2 ومِنْ ذَلك3 قَولُ الراجز: مُرُّ الليالي أَسَرَعتْ في نَقْضِي ... أَخَذْنَ بَعْضِي وَتَرْكنَ بَعْضِي4 فَقَد ذكرتُ5 في كُل حَدٍّ مِنَ الحدودِ6 ما أَجازتهُ الضرورُ7. هذَا آخرُ الأصول بحمدِ الله ومنتِه والحمدُ لله الواحد العدلِ ذي الجلالِ والمنةِ والفضلِ والصلواتُ على رسولِه محمدٍ وآلهِ

_ 1 فرد: ساقط من "ب". 2 مر تفسير هذا الشاهد في نفس جزء. 3 ومن ذلك: ساقط في "ب". 4 من شواهد الكتاب1/ 26، على اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه، وكذلك اكتساب المضاف التأنيث والجمعية من المضاف إليه. ويروي: إن الليالي أسرت في نقضي، ولا شاهد فيه حينئذ. وينسب هذا الشاهد إلى العجاج، وهو موجود في ديوانه مما نسب إليه، وكذلك ينسب إلى الأ غلب العجلي، ومعناه: مرور الليالي على هدمني وأبلاني فصرت إلى الضعف بعد القوة، فكأنما نقضت بعد الإبرام. وانظر: المقتضب 4/ 199 والبيان والتبيين للجاحظ 4/ 60 والمعمرين/ 87 والأغاني 18/ 64 والمخصص 17/ 78 والعيني 3/ 395 والخزانة 2/ 168، والديوان/ 80م ما ينسب إليه. 5 في: ساقطة في "ب". 6 الحدود: ساقطة في "ب". 7 في "ب" الضرورات.

فُرغَ من انتساخِه ثالثَ عَشَر شَهْر رمضانَ سنة إحدى وخمسينَ وستِّ مئةٍ شاكرًا على نعمهِ وأَفضالهِ ومصلِّيًا علَى النبي وآلهِ. قوبلَ بنسخةٍ مقروءةٍ علَى الشيخِ أبي الحسنِ علي بن عيسى النحوي رحمهُ الله كتبهُ محمود بن أبي المفاخر محمود غفر الله ذنوبه وستر عيوبهُ والحمدُ لله رَبِّ العالمينَ وصلَّى الله علَى سيدِنا محمدٍ وآلهِ الطاهرينَ.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع: أولا: المطبوعة: 1- الأثار الفكرية لعهد الله فكرين مطبعة بولاق- الطبعة الأولى. 2- إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر: تحقيق الشيخ الضياغ- مطبعة عبد الحميد حنفي. 3- إحياء النحو للأستاذ إبراهيم مصطفي- لجنة التأليف والترجمة والنشر. 4- أخبار النحو يين البصريين للسيرافي، تحقيق الأستاذين الزيني وخفاجة – مطبعة الحلبي. 5- أدب الكاتب لابن قتيبة، تحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد – المطبعة الرحمانية بمصر. 6- أراجيز العرب: جمع السيد محمد توفيق البكري، الطبعة الثانية، 1313هـ. 7- الأوراق للصولي- القاهرة 1934م. 8- أسرار العربية لابن الأنباري، تحقيق الاستاذ محمد بهجة البيطار، مطبة الترقي بدمشق. 9- الأشباه والنظائر، لجلال الدين السيوطي، الطبعة الثانية، دائرة المعارف العثمانية. 10- الاشتقاق لابن دريد، تحقيق الاستاذ عبد السلام هارون- مطبعة السنة المحمدية 1958.

11- إصلاح المنطق لابن السكيت، تحقيق الاستاذ عبد السلام هارون وأحمد محمد شاكر، دار المعارف ط2 سنة 1956م. 12- الأصمعيات للاصمعي، تحقيق الاستاذ عبد السلام هارون. 13- الإصابة في تميزي الصحابة، لابن حجر العسقلاني، المطبعة الشرقية، القاهرة، 1907. 14- الأضداد لمحمد بن القاسم الأنباري، تحقيق أبي الفضل إبراهيم، الكويت 1960م. 15- إعراب ثلاثين سورة لابن خالوية- مطبعة دار الكتب. 16- الأغاني، لأ بي الفرج الاصفهاني – مطبعة دار الكتب- الطبعة الاولى 1927م. 17- الاقتضاب، شرح أدب الكتاب للبطليوسي، تحقيق الاستاذ عبد الله البستاني، المطبعة الأدبية- بيروت. سنة 1901م. 18- امراء البيان لمحمد كرد على- مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1937م. 19- أمالي الزجاجي، المؤسسة العربية، القاهرة 1962م. 20- أمالي السيد المرتضي، أبو القاسم على بن الطاهر، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى سنة 1325هـ. 21- أمإلى ابن الشجري- طبعة حيدر آباد، الطبعة الأولى سنة 1349 هـ. 22- الامال لابن على إسماعيل بن القاسم القالي- الطبعة الثانية- دار الكتب 1926م. 23- إنباه الرواة للقفطي، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم- دار الكتب 1369هـ. 24- الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الابناري، تحقيق محي الدين عبد الحميد الطبعة الأولى. 25- الإيضاح في علل النحو الز جاجي، تحقيق الدكتور مازن المبارك.

26- البحر المحيط، لأبي حيان الاندلسي- مطبعة السعادة 1328هـ. 27- البخلاء للجاحظ- الطبعة الأولى- مطبع الجمهور بمصر سنة 1323هـ. 28- بغية الوعاة لجلال الدين السيوطي- مطبعة السعادة. 29- البيان والتبين للجاحظ تحقيق عبد السلام هارون- مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1948م. 30- تاج العروس في شرح القاموس لمحمد مرتضي الحسيني الواسطي الزبيدي- الطبعة الأولى 1306 وطبع الأميرية 1307هـ. 31- تاريخ الأدب العربي- كارل بروكلمان ط. ليدن 1937، ترجمة عبد الحليم النجار، دار المعارف بمصر. 32- تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان، مطبعة الهلال 1931م. 33- تاريخ علوم اللغة للاستاذ طه الراوي- الطبعة الأولى، م طبعة الرشيد بغداد 1369هـ. 34- تاريخ ابن الوردي المتوفي 749هـ- القاهرة 1285هـ. 35- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، مطبعة السعادة سنة 1349هـ. 36- تثقيف اللسان لابن مكي الصقلي، تحقيق الدكتور عبدا لعزيز مطر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سنة 1966. 37- تصريف المازني لأبي عثمان المازني، تحقيق إبراهيم مصطفي وعبد الله امين، مطبعة البابي الحلبي. 38- التمام في تفسير أشعار هذيل، لابن جني، تحقيق الدكتور أحمد مطلوب، مطبعة العاني. 39- توجيه إعراب أبيات ملغزة الإعراب للفارقي، تحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني- مطبعة الجامعة السورية. 40- تهذيب إلاصلاح المنطق للتبرزيي، مطبعة السعادة. 41- تهذيب اللغة لابي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق الاستاذ عبد الله دريوش- الدار المصرية للتأليف والترجمة.

42- جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري- تحقيق أبي الفضل إبراهيم- الطبعة الأولى سنة 1964م. 43- جمهور اللغة لأبي بكر بن دريد، دائرة المعارف العثمانية- حيدر أباد- الدكت 1344هـ. 44- الحجة لأبي على الفارسي، تحقيق الدكتور عبد الفتاح شلبي. 45- حسن الصحابة في شرح اشعار الصحابة، جمع الأستاذ على فهمي- مطبعة دار السعادة. 46- الحيوان للجاحظ، تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون- مطبعة مصطفي البابي الحلبي سنة 1940م. 47- حياة الحيوان للدميري كمال الدين، المطبعة المشرفية والميمنية. ودار الطبا عة 1292هـ. 48- خزانة الأدب للبغدادي – طبعة بولاق سنة 1299هـ. 49- الخصائص لأبي الفتح ابن جني، تحقيق الاستاذ محمد على النجار، مطبعة دار الكتب- سنة 1956م. 50- ديوان الأخطل- بيروت 1891م. 51- ديوان الأعشي الكبير، تحقيق الدكتور محمد حسين، المطبعة النموذجية. 52- ديوان أمية بن أبي الصلت، بيروت 1353هـ المطبعة الوطنية. 53- ديوان جرير تحقيق الأستاذ الصاوي 1353هـ والمطبعة العلمية بمصر 1313هـ. 54- ديوان حاتم الطائي، مطبعة التقدم، ودار صادر بيروت. 55- ديوان حسان بن ثابت، تحقيق الأستاذ العثماني- مطبعة السعادة. 56- ديوان حميد بن ثور، تحقيق الاستاذ عبد العزيز الميمني، مطبعة دار الكتب سنة 1369هـ. 57- ديوان رؤبة. لايبسك. سنة 1902م. 58- ديوان ذي الرمة نشر كبرج سنة 1919 طبع بيروت. 59- ديوان زهير بن أبي سلمى- مطبعة دار الكتب سنة 1363هـ.

60- ديوان الشماخ، تحقيق الأستاذ أحمد بن الأمين الشنقيطي- مطبعة السعادة سنة 1327هـ. 61- ديوان طرفة- دار صادر بيروت- وشرح الأعلم- سنة 1900م. 62- ديوان عبد الله بن قيس الرقيات، تحقيق الأستاذ محمد يوسف نجم. دار صادر بيروت. 63- ديون العجاج لايبسك. 64- ديوان علقمة بن عبدة من مجموعة خمسة دواوين. وشرح ديوانه للأعلم الشنتمري. 65- ديوان عمر بن أبي ربيعة، تحقيق الشيخ محي الدين – مطبعة السعادة، ونشر مكتبة اللبابيدي- بيروت. 66- ديوان العباس بن مرداس، تحقيق الدكتور يحيى الجبوري، وزارة الثقافة والإرشاد بغداد. 67- ديوان الفرزدق تحقيق الأستاذ الصاوي سنة 1354هـ. 68- ديوان القطامي، تحقيق الاستاذ إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب- دار الثقافة بيروت. 69- ديوان قيس بن الخطيم، تحقيق الدكتور ناصر الأسد- نشر دار العروبة. 70- ديوان لبيد بن أبي ربيعة، تحقيق الأستاذ إحسان عباس، مطبعة الكويت. 71- ديوان النابغة الذبياني – الطبعة الأولى- دار الكتب 1932م. 72- ديوان الهذليين- دار الكتب سنة 1367هـ. 73- ذيل تجارب الأ مم لابن مسكويه- مصر- سنة 1334هـ. 74- الرماني النحوي للدكتور مازن المبارك- الطبعة الأولى- مطبعة جامعة دمشق 1963. 75- رسالة الغفران لعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ- دار المعارف 1950م.

76- رسالة الصديق والصداقة لأبي حيان التوحيدي، قسطنطينية 1301هـ. 77- أبو زكريا الفراء- الدكتور أحمد مكي الأنصاري- المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب – القاهرة- 1964م. 78- الزمخشري للدكتور أحمد محمد الحوفي، الطبعة الأولى 1966 مطبعة البيان. 79- سر صناعة الإعراب لأبي الفتح ابن جني، تحقيق الأستاذ مصطفي الساق- مطبعة الحلبي سنة 1954م 80- سمط اللآلي في شرح آمالي القالي أبو عبيد البكري، تحقيق عبد العزيز الميمني، مطبعة التأليف والترجمة- القاهرة سنة 1936م. 81- شرح الأبيات المشكلة الإعراب للحسن بن اسد الفارقي، تحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني – مطبعة الجامعة السورية. 82- شرح ديوان الحماسة للمرزوقي، نشر عبد السلام هارون وأحمد أمين- الطبعة الاولى سنة 1951م. 83- شرح ديوان زهير صنمة أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب- مطبعة دار الكتب المصرية سنة 1942. 84- شرح سقط الزند لجنة إحياء آثار ابي العلاء- مطبعة دار الكتب العربية 1946م. 85- شرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري، تحقيق عبد السلام هارون – دار المعارف سنة 1963م. 86- شرح المعلقات السبع للزوزني- المكتبة التجارية بالقاهرة سنة 1384هـ. 87- شرح الكافية للرضي الإستراباذي- المطبعة العامرة سنة 1275هـ. بالاستانة. 88- شرح المعلقات العشر للتبريزي- مطبعة السعادة تحقيق محي الدين عبد الحميد. 89- شرح المفصل لابن يعيش- إدارة الطباعة المنيرية.

90- شذارت الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد- نشر مكتبة القدس 1350. 91- الشعر والشعراء لابن قتيبة- تحقيق أحمد شاكر- دار إحياء الكتب العربية الطبعة الأولى. 92- شواهد الألفية للعاملي، سراج الدين على الموسوي- المطبعة العلوية- النجف- سنة 1343هـ. 93- الصاحبي في فقه اللغة لأحمد بن فارس- المطبعة السلفية- القاهرة- 1910م. 94- الصحاح للجوهري إسماعيل بن حماد- طبعة دار الكتب العربي سنة 1956م. 95- طبقات النحوين واللغويين للزبيدي، تحقيق أبي الفضل إبراهيم- مطبعة السعادة. 96- طبقات القراء لابن الجزري- نشر براجستراسر- مطبعة السعادة 1933م. 97- ظهر الإسلام- للاستاذ أحمد أمين- مصر سنة 1952م. 98- العبر في اخبار من غبر للذهبي، تحقيق فؤاد سيد 1961 الكويت. 99- العقد الفريد لابن عبد ربه، تحقيق الأستاذ أحمد أمين- مطبعة ل جنة التأليف والترجمة. 100- أبو على الفارسي-الدكتور عبد الفتاح شلبي- نهضة مصر- 1388هـ. 101- عيون الأنباء في طبقات الاطباء لابن ابي اصبيعة. الطبعة الأولى سنة 1299هـ. 102- غيث النفع في القراءات السبع للصفاقي بهامش شرح الشاطبية مطبعة الحلبي سنة 1346هـ. 103- الفاخر لأبي طالب المفضل بن سلمة، تحقيق عبد العليم الطحاوي سنة 1960، عيسي البابي الحلبي.

104- الفهرست لابن النديم- المطبعة الرحمانية- سنة 1348هـ. 105- الكامل لمحمد بن يزيد المبرد- طبعة لايبسك. 106- كتابة سيبويه- مطبعة بولاق بمصر سنة 1317هـ. 107- كتاب الفا خر للمفضل بن سلمة بن عاصم الكوفي- ليدن سنة 1915م. 108- الكشاف الزمخشري- نشر المكتبة التجارية- الطبعة الأولى 1367هـ. 109- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون للحاجي خليفة- طبع اسطنبول سنة 1943. 110- اللباب في معرفة الأنساب ابن الأثير – القاهرة 1957م. 111- لسان الميزان- لابن حجر العسقلاني الطبقة الأولى حيدر آباد الدكن 1329هـ. 112- لسان العرب لا بن منظور- الدار المصرية للتأليف والترجمة. 113- مجالس العلماء للزجاجي- تحقيق عبد السلام هارون، الكويت 1962. 114- مجالس ثعلب، تحقيق عبد السلام هارون، مطبعة دار المعارف - الطبعة الأولى سنة 1949م. 115- مجمع الأمثال للميداني، تحقيق الشيخ محمد محي اللدين، مطبعة السنة المحمدية. 116- المحتسب لابي الفتح بن جني، تحقيق الأستاذ على ناصف النجدي وعبد الفتاح شلبي- القاهرة سنة 1969م. 117- المخصص لأبي الحسن على بن إسماعيل بن سديه، الطبعة الأميرية- بولاق 1316هـ. 118- مدرسة الكوفة- الدكتور مهدي المخزومي- الطبقة الثانية 1377هـ. 119- مراتب النحويين- لابي الطيب اللغوي، تحقيق الأستاذ ابي الفضل إبراهيم مطبعة نهضة مصر.

120- المزهر لجلال الدين السيوطي- تحقيق أبي الفضل إبراهيم وأحمد جاد المولى دار إحياء الكتب العربية - البابي الحلبي. 121- المسلسل في غريب اللغة لأبي طاهر محمد بن يوسف التميمي، تحقيق محمد عبد الجواد، وزارة الثقافة - القاهرة سنة 1387هـ. 122- معاني القرآن لأبي زكريا وضع محمد فؤاد عبد الباقي - دال الكتب الحديثة. 123- معجم ألفاظ القرآن وضع محمد فؤاد عبد الباقي- دار الكتب الحديثة. 124- معجم الأدباء لياقوت الحموي- مطبوعات دار المأمون 1936م. 125- معجم الشعراء للمرزباني تحقيق أحمد عبد الستار فراج 1960م. 126- معجم البلدان لياقوت الحموي- دار صادر بيروت، وطبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1906م. 127- معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس، تحقيق عبد السلام هارون- مطبعة إحياء الكتب العربية سنة 1366. 128- المعرب من الكلام الأعجمي– منصور بن أحمد الجواليقي، تحقيق أحمد محمد شا كر، دار الكتب سنة 1361هـ. 129- مغني اللبيب لابن هشا م، تحقيق محي الدين عبد الحميد- مطبعة محمد المصطفي. 130- مفتاح السعادة، لأحمد بن مصطفي المسمي طاش كبرى زادة- الطبعة الأولى- حيدر آباد الدكن - الهند. 131- مفتاح العلوم للسكسكي - الطبعة الأولى - المطبعة الأدبية بمصر. 132- المفصل للمزخشري - الطبعة المصرية. 133- المفضليات، تحقيق عبد السلام هارون وأحمد شاكر- مطبعة دار المعارف ط: الثانية. 134- المقتضب لأبي العباس محمد بن يزيد تحقيق الاستاذ عبد الخالق عضيمة- لجنة إحياء التراث الإسلامي سنة 1388هـ.

135- المنتظم لابن الجوزي حيدر آباد الدكن- سنة 1307هـ. 136- من أسرار العربية، الدكتور إبراهيم أنيس، مطبعة لجنة البيان 1951م. 137- الموجز لابن السراج، تحقيق مصطفي الشويمي، مؤسسة بدارن للطباعة والنشر بيروت سنة 1965. 138- الموشح للمرزباني تحقيق محمد على البيجاوي. القاهرة 1965. 139- نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة مصطفي الطنطاوي الطبعة الرابعة سنة 1274هـ. 140- نزهة الألباب في طبقات الأدباء لابن الأنباري- القاهرة سنة 1294هـ. 141- النشر في القراءات العشر لابن الجزري- تحقيق الضباع- نشر المكتبة التجارية. 142- النقائص بين جرير والفزدق لأبي عبيدة تحقيق الأستاذ الصاوي سنة 935م. 143- النوادر لأبي زيد الأنصاري- المطبعة الكاثولويكية- بيروت سنة 1894م. 144- همع الهومع- لجلال الدين السيوطي- مطبعة السعادة 1327هـ. 145- الوحشيات لأبي تمام، تحقيق الأستاذ عبد العزيز الميمني ومحمود شاكر- مطبعة المعارف. 146- وفيات الأعيان لابن خلكان، تحقيق محيي الدين عبد الحميد- مطبعة السعادة 1948م. 147- يتمية الدهر للثعالبي- الشام 1303هـ.

ثانيا المراجع المخطوطة

ثانيا: المراجع المخطوطة. 1- ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان مخطوط بدار الكتب رقمة 828 نحو. 2- أخبار المحمدين من الشعراء اللقفطي، مخطوط بدار الكتب رقم 2217هـ. 3- إشارة التعيين إلى تراجم النحاة واللغوين لأبي المحاسن الشافعي رقم 1612 تأريخ. 4- الإغفال لأبي على الفارسي- مخطوط بدار الكتب – رقمه 875 تفسير. 5- الانتصار لابن ولاد مخطوط بدار الكتب- الخزانة التيمورية. 6- الإيضاح في شواهد الإيضاح للقيسي- مخطوط رقمها "125" سكوريال. 7- تحفة الوزراء للثعالبي مخطوط بدار الكتب رقمه 5 نحو. ش. 8- التذييل والتكميل على التسهيل- مخطوط بدار الكتب رقم 6061 هت. 9- التيسر لأبي عمر الداني- مخطوط بدار الكتب رقمه 14 قراءات. 10- شرح الرماني لكتاب سيبويه مصورة بمجمع اللغة العربية رقمه 181 نحو. 11- شرح السيرافي لكتاب سيبويه مخطوط بدار الكتب رقمه 136 نحو. 12- شرح شواهد ال إيضاح لابن بري- مخطوط بدار الكتب رقمه 30 نحو. 13- شرح الإيضاح للرهاوي- مخطوط بدار الكتب رقمه 1911 نحو.

14- طبقات النحويين واللغويين لابن قا ضي شهبة- نسخة مخطوطة بدار الكتب رقمه 2146 تأريخ. 15- عقد الجمان للعيني- القسم الثالث- مصورة بدار الكتب 1584 تأريخ. 16- عيون التواريخ- لابن شاكر الكتبي- مخطوط بدار الكتب رقمه 1497 تأريخ. 17- المسائل البغدادية لأبي على الفارسي رقمه 2516 معهد مخطوطات الجامعة العربية. 18- المسائل البصرية لأبي على الفارسي مخطوط رقمه 2516 في معهد الجامعة العربية. 19- نشر النظم وحل العقد للثعالبي مخطوط بدار الكتب رقمه 5 نحو. ش.

فهرس

فهرس: باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع 5 باب المؤنث 8 باب ما كان من الأسماء على أربعة من غير زيادة 11 ذكر تكسير الصفة: باب الثلاثة منها 13 باب تكسير ما كان في الصفات عدد حروفه أربعة أحرف بالزيادة 16 باب ما ألحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة من الصفات 21 باب تكسير ما جاء من الصفة علي أكثر من أربعة أحرف. 23 باب ما كان من الأسماء عدة حروفه خمسة وخامسه ألف التأنيث 26 باب ما جمع علي المعنى لا علي اللفظ. 27 باب ما جاء بناء جمعه علي غير ما يكون في مثله 29 باب ما هو اسم يقع علي الجمع ولم يكسر عليه واحدة وهو من لفظة 31 باب جمع الجمع 32 باب ما لفظ به مثني كما لفظ بالجمع 34 باب ما كان من الاعجمية علي أربعة أحرف وقد أعرب. 35 باب التحقير 36 ذكر تحقير ما كان الألف بدلا من عينه. 37 ما لا زيادة فيه وهو الرباعي 39 ما لا زيادة فيه وهو الخماسي 39

ما كان من الأسماء فيه زيادة 39 ما يحذف في التحقير من بنات الثلاثة من الزيادات 42. ما تحذف منه الزوائد من بنات الثلاثة 45 اسم من الثلاثي فيه زائدتان 46 كل اسم من بنات الثلاثة تثبت فيه زيادته في التحقير 49 ما يحذف من زوائد بنات الأربعة كما تحذفها في الجمع 50 تحقير ما أوله الف الوصل وفيه زيادة من بنات الأربعة 52 ما كسر عليه الواحد للجمع 52 تحقير الاسم المنقوص 54 الأبواب المنفردة تسعة 58 الأول: تحقير كل حرف كان فيه بدل 58 الثاني: تحقير الأسماء التي يثبت الإبدال فيها 59 الثالث: تحقير ما كان فيه قلب يرد ما قلب منه الي الأصل 60 الرابع: تحقير كل اسم كان من شيئين ضم أحدهما الي الآخر 60 الخامس: الترخيم في التصغير 60 السادس: ما جري في الكلام مصغرا فقط 61 السابع: ما يحقر لدنوه من الشيء وليس مثله. 61 الثامن: ما لا يحقر 62 ذكر النسب. 63 الأول: اسم نسب إليه فسلم بناؤه ولم يغير فيه حركة ولا حرف 64 الثاني: اسم غير من بن ائه حركة ف جعل المكسور فيه مفتوحا 64 ما يقلب فيه الحرف الذي قبل ياءي النسب من حروف العلة 65 ما زاد علي الثلاثة 66 النسب الي المثنى والمجموع علي حد التثنية. 68 الإضافة الي كل اسم آخره ياءان مدغمة حداهما في الأخرى 73

الإضافة إلى كل اسم أخره ألف زائدة لا ينون وهو على اربعة أحرف 74 الإضافة إلى اكل اسم كان أخره ألف وكان على خمسة أحرف 75 الأضافة إلى ما فيه الزوزائ من بنات الحرفين 77 باب ما غير في السنب وجاء على غير القياس التي تقدم 80 هذا باب المصدر وأسماء الفا علين 85 ذكر ما جاء من المصادر والصفات والأفعال على بناء واحد 89 باب ما يختلط فيه فعل يفعل كثيرا وهو ما كان من الرفعة والضعة 100 باب فعل يفعل من حروف الحلق 102 باب نظائر الثلاثي الصحيح من المعتل 106 باب ذكر المصادر التي تضارع الأسماء 109 باب ذكر الأفعال التي فيها زوائد من بنات الثلاثة ومصادرها 113 باب دخول فعلت على فغلت لا يشركه في ذلك أفعلت. 121 باب دخول التاء على فعل 122 باب افتراق فعلت وأفعلت 124 باب مصادر ما لحقته هذه الزوائد 130 باب ما لحقته الهاء عوضا 132 باب ما جاء المصدر فيه من غير الفعل، لأن المعنى واحد 134 باب ما يكثر فيه المصدر من فعلت 136 باب ما لاى يجوز أن تعديله من الثلاثي والرباعي 138 باب نظير ضربته ضربة من هذه الأبواب كل المصادر 140 ذكر المشتق من ذوات الثلاثة على مثال المضارع مما أوله ميم 140 باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو التي فيه لامات 145 باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو فيه فاء 146 باب ما يكون مفعلة بالفتح والياء لازمه له 148 باب نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة بزيادة أو غير زيادة 149

باب ما عالجت به 151 باب ما لا يجوز فيه ما أفعله 152 باب ما يستغني فيه عن ما أفعله فعله وعن أفعل منه بقولهم أفعل منه فعلا 153 باب ما أفعله على معنيين: أحدهما على معنى الفاعل والآخر على معنى الضعة 154 با ما تقول العرب ما أفعله ولي فيه فعل، وإنما يحفظ حفظا ولا يقاس عليه 155 باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة 156 باب ما يسكن اتسخفافا في الاسم والفعل 158 باب الإمالة 160 ذكر ما يممنع الألف من الإمالة 163 باب الراء 167 ذكر التفحة المم الة نحو الكسرة 169 ذكر عدة ما يكون عليه الكلم 171 ما جاء على حرفين 174 باب ما جاء على ثلاثة أحرف 176 الأبنية وأقسامها: الثلاثي، والرباعي، والخماسي 179 أبنية الأسماء الرباعية 181 أبنية الأسماء الخماسية 184 لحاق الألف ثالثة في غير الجمع مع غيرها من الزوائد 194 لحاق الألف رابعة مع غيرها من الزوائد 195 لحاق الألف خامسة مع غيرها من الزوائد 199 لحاق الألف خامسة وبع دها حرف ليس من حروف الزوائد 199 لحاق الألف خامسة للتأنيث 199 لحاق الألف خامسة وبعدها همزة للتأنيث 200

لحاق الألف سادسة للتأنيث مع غيرها 201 لحاق الألف خامسة وبعدها نون 201 لحاق الألف سادسة وبعدها همزة للتأنيث 203 ما زيد ت فيه الياء من الأسماء الثلاثية 203 ما زيدت فيه النون 205 ما زيدت فيه التاء من الأسماء الثلاثية 206 باب الزيادة بتكرير حرف من الأصل في الثلاثي 211 ما لحقته الزوائد من بنات الأربعة 214 باب ما الزيادة فيه تكرير في الرباعي لحقاها من موضع الثاني 221 ما لحقته الزيادة من بنات الخمسة وجاءت الزوائد في بنات الخمسة أقل بحر ف فزوائده ثلاثة 221 باب أبنية ما أعرب من الأعجمي 223 ما ذكر أنه فات سيبويه من الأبنية 224 ذكر ما ثبت العرب من الأفعال 226 ما ألحق من الرباعي 229 بناء الأفعال من بنات الأربعة بلا زيادة 230 ما فيه زيادة من الرباعي وألف الوصل 231 ذكر التصريف 231 إبدال الألف من الواو وهي عين 253 ما الواو فيه ثانية وهي في موضع العين في الاسم 253 إبدال الهاء من الواو وهي فاء 254 إبدال الألف من النون 255 إبدال الياء من الواو 255 إبدال الياء من الألف 261 إبدال الياء من الواو وهي فاء 261 إبدال الياء من الواو وهي عين 262

إبدال الياء من المدغم عينا 263 إبدال الياء من الواو تشبيه بما يوجب القلب 264 إبدال الواو من الياء 266 إبدال الواو مكان الهمزة 267 إبدال الفاء ابدلوها من الواو والياء 268 إبدال التاء من الياء 269 الشذوذ 270 إبدال التاء في افتعل وفعلت 272 أبدال الطاء 270 إبدال الميم 273 إبدال اللام 275 التحويل والنقل 277 ذكر ما يتم ويصحح ولا يعل 286 باب ما يكسر عليه الواحد 289 باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا إ ذا كسر المجمع على الأصل 292 باب فعل من فوعلت من قلت وفعلت من بعت 293 باب ما الهمز فيه في موضع اللام من بنات الياء وزالواو 296 باب ما يخرج على الأصل إذا لم يكن حرف إعراب 299 باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء قلبت الهمزة ياء والياء ألفا 301 ما بني على أفعلاء وأصله فعلاء 302 جمال الأصول التي لا بد من حفظها لاستخراج المسائل بجميع أقسامها 302 باب الياء المتحركة 304 ذكر تكرر هذه الحروف المعتلة واجتماع بعضها مع بعض 311 مسائل التصريف 316

ما قيس على كلام العرب وليس من كلامهم 351 مما قيس من المعتل على الصحيح 358 المسائل المبنية من الياء 359 المسائل المبنية من الواو 366 المسائل المبنية من الهمزة 377 باب اجتماع الحروف المعتلة في كلمة 383 باب ما ذكره الأخفش من المسائل على مثال مرمريس 393 باب من مسائل الجمع 396 باب الإدغام 399 مخارج الحروف ستة عشر 400 أصناف هذه الحروف أحد عشر صنفا 401 ذكر الإدغام 405 إدغام الحرفين اللذين تضع لسانك لهما موضع واحدا 405 أن يكون الحرفان من كلمتين منفصلتين 410 الذي لا يجوز إدغامه 412 ما أدغم للتقارب 413 ذكر ما يدغم في مقاربه 413 ما يدغم من حروف الحلق 414 الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا 422 باب الصاد والزاي والسين 424 إدغام مخرج في مخرج يقاربه 425 ذكر ما امتنع من الحروف المتقاربة 427 باب الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه 429 باب ما يقلب فيه السين صادا في بعض اللغات 431 باب ما كان شاذا مما خففوزا على ألسنتهم وليس بمطرد 432 باب ضرورة الشاعر 435

ذكر الذي يحسن من ذلك ويقاس عليه 435 مما يستحسن للشاعر إذا اضطر أن يحذفه 447 تخفيف المشدد في القوافي 448 ذكر ما جاء كالشاذ الذي لا يقاس عليه 450 إجراؤهم الوصل كالوقف 451 حذف الفاء من جواب الجزاء 461 ما حذف منه المنعوت وذكر النعت 462 مما جاء كالشاذ وهو وضع الكلام في غير موضعه وتغيير نضده 463 إبدال حرف اللين من حرف صحيح 467 تغيير وجه الإعراب للقافية 471 تأنيث المذكر على التأويل 476

§1/1