الأسهم - حكمها وآثارها

صالح السلطان

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة جاء الإسلام تامًّا ومتكاملًا، بشرائعه وقيمه وأصوله، قائمًا برعاية أفراده، وصيانة حقوقهم، وبيانها جلية واضحة، ودعاهم إلى السعي في الأرض: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، وأمرهم بالعمل والأكل من الطيبات: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]، وحذَّرهم من الحرام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]. واستثمار المال وتنميته في طرقه المشروعة هو نوع من العمل المأمور به: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ} [القصص: 77]. وإذا كان الإسلام أمر بالاستثمار، فإنه حدده بالحلال، وجعله أصلًا له: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وترك للعباد تعيين طرق هذا الاستثمار بناء على هذا الأصل، وجريا على قواعده؛ فتنوعت طرق العباد في استثمارهم في كل زمان ومكان، وَجَدَّ لهم في هذا الزمان من المعاملات ما لم يكن معروفًا فيما مضى (¬1). وكان من هذه المعاملات: الأسهم؛ استثمارًا في ريعها، ومضاربة على فروق الأسعار فيها؛ بل صارت هذه المعاملة أشهر هذه ¬

(¬1) وإن كان أصله موجودا في كتاب الشركة من أبواب الفقه.

المعاملات، ودخل فيها الكثير، وشغلت بالهم، واستغرقت أموالهم، وصارت حديث مجالسهم، ومحل حواراتهم. ولما كان لها هذه الأهمية، وكانت تستغرق هذا الجزء الكبير من الاستثمار في السوق المالية، وكثر الحديث حولها، وتعددت الآراء في حكمها، واختلفت اختلافا متباينا، وكنت أرى أن تلك القواعد التي استدل بها المجيزون لها وجاهتها من حيث الجملة قبل إمعان النظر والتدقيق فيها ـ بدأت في مراجعة هذه المسألة ـ بل النازلة ـ ومراجعة ما كتب فيها، تحليلًا أو تحريمًا (¬1)، فبدأت الكتابة فيها مستمدًّا العون والتوفيق من الله؛ مشاركةً في إثراء هذا الموضوع، وتحديدًا لمسائله، وتحليلًا وتقويمًا لأدلته، وبيانًا لما يرد عليها؛ متحريًا في ذلك موافقة الأصول، ومحقِّقًا في تحرير المقاصد وكيفية مراعاتها، مستفيدًا وموثقًا مما كتبه العلماء المتقدمون والمعاصرون. وقد قسَّمْتُ هذا البحث إلى تمهيد ومباحث: التمهيد: في التعريف بالأسهم وأنواعها. وفيه مسائل: المسألة الأولى: في تعريف الأسهم والمقصود بها. المسألة الثانية: في خصائص الأسهم. المسألة الثالثة: في قيمة الأسهم وأقسامها. المسألة الرابعة: في أنواع الأسهم. المسألة الخامسة: في محل العقد في بيع الأسهم. المسألة السادسة: بيع الأسهم قبل تداولها. المبحث الأول: حكم المساهمة في هذه الشركات؛ وفيه مسائل: المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة. المسألة الثانية: في فروع متعلقة بحكم هذه المسألة. ¬

(¬1) واستغرق ذلك مني وقتا طويلا حتى تصورتها تصوُّرا أحسبه جيدا وبيِّنًا.

المسألة الثالثة: إذا دخل في شركة ثم تبين له وجود استثمار محرم. المبحث الثاني: المعقود عليه في المضاربة على الأسهم. المبحث الثالث: تصرفات المضاربين في سوق الأسهم وحكمها. المبحث الرابع: حقيقة المضاربة في سوق الأسهم. المبحث الخامس: في آثار المضاربة على الأسهم. الخاتمة. الفهارس. * * * * *

التمهيد

التمهيد وفيه ست مسائل: المسألة الأولى: تعريف الأسهم المسألة الثانية: خصائص الأسهم المسألة الثالثة: قيمة السهم المسألة الرابعة: أنواع الأسهم المسألة الخامسة: محل العقد في بيع الأسهم المسألة السادسة: بيع الأسهم قبل تداولها

المسألة الأولى: تعريف الأسهم

تمهيد المسألة الأولى: تعريف الأسهم في اللغة: جمع سهم، وهو: النصيب المحكم، والسهم: الخط، والجمع سهمان وسهمة، والسهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر، وهي القداح .... ثم كثر حتى سمي كلُّ نصيب سهمًا. وفي الاصطلاح عُرِّفَ بتعريفات عدة، منها: 1 - السهم هو: النصيب الذي يشترك به المساهم في الشركة .... ويتمثل في صَكٍّ يعطى للمساهم، يكون وسيلة في إثبات حقوقه في الشركة (¬1). 2 - وعُرِّفَ بأنه: الجزء الذي ينقسم على قيمة مجموع رأس مال الشركة المثبت في صَكٍّ له قيمة اسمية، وتُمَثِّلُ الأسهمُ في مجموعها رأسَ مال الشركة، وتكون متساوية القيمة (¬2). ¬

(¬1) الشركات التجارية، للدكتور علي حسن يونس، ص539. وانظر: أحكام السوق المالية. مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، الجزء الثاني، ص1286، د. محمد عبد الغفار الشريف. (¬2) شركة المساهمة في النظام السعودي، د. صالح المرزوقي، ص333. وانظر: الشركات للبابلي، ص178.

المسألة الثانية: خصائص الأسهم

المسألة الثانية: خصائص الأسهم تَتَّصِفُ الأسهم بالخصائص الآتية: 1 - التساوي في القيمة الاسمية التي تصدر بها الأسهم؛ فلا يجوز نظامًا أن يكون لبعض الأسهم قيمة أعلى من قيمة البعض الآخر. والتساوي في القيمة يترتب عليه التساوي في الحقوق والالتزامات؛ سواء من حيث توزيع أرباح الشركة، أو موجوداتها بعد تصفيتها، أو في التصويت، أو في تَحَمُّلِ الديون والالتزامات المترتِّبة على الشركة، والشريك يسأل عن ديون الشركة بمقدار أسهمه التي يملكها فقط (¬1). 2 - أنها غيرُ قابلة للتجزئة؛ بمعنى أنه لا يصح أن يملك جزءًا من سهم، ويجوز أن يشترك أكثر من واحد في ملكية سهم؛ لكن يُمَثِّلُهم تجاه الشركة شخص واحد، وكذلك الحال لو مات المالك للأسهم؛ فيتعيَّن على الورثة اختيار من يمثِّلُهم في الجمعية العمومية، وفي كل ما يتعلق بحقوق هذا السهم. 3 - أنها قابلة للتداول بالطرق التجارية بيعًا وشراءً ورهنًا وغيرها؛ بمعنى أنه يمكن انتقالها إلى شخص آخر بعيدًا عن سلطة الشركة، وسواء كان السهم صادرًا لحامله من غير اسم، أو كان السهم إذنيًّا - أي يصدر لإذن أو أمر المساهم - فيتم تداولُه بطريق التظهير (¬2). ¬

(¬1) بمعنى أن مسؤولية مالك الأسهم بقيمة أسهمه فقط، ولا يطالب المساهم بما يزيد عن هذه القيمة مهما بلغت ديون الشركة ونقصت موجوداتها. (¬2) انظر: أحكام الأسواق المالية، هارون، ص31، المعاملات المالية المعاصرة للزحيلي، ص 363 - 364، الشركات، للخياط: 2/ 94 - 95.

المسألة الثالثة: قيمة السهم

المسألة الثالثة: قيمة السهم السهم له أكثر من قيمة؛ فقيمة السهم تطلب باعتبارات متعددة؛ فله قيمة اسمية، وقيمة إصدار، وقيمة دفترية، وقيمة حقيقية، وقيمة سوقية، وبيانها على النحو التالي: 1 - القيمة الاسمية: هي القيمة التي تمت الموافقة عليها من الجهة المختصَّة، ويتم بها طرح السهم للمكتتبين، وتكون مدوَّنةً على الصَّكِّ (السهم)، ويحسب على أساسها مجموع رأس مال الشركة؛ فهي قيمة ثابتة، ويتساوى فيها جميع المساهمين، ولا يجوز إصدار الأسهم بأقل من قيمتها الاسمية. 2 - القيمة الدفترية: وهي قيمة السهم طبقا لدفاتر الشركة المحاسبية، وهذه القيمة تحسب بقسمة حقوق المساهمين على عدد الأسهم المصدرة، وتتكون من: حقوق المساهمين من رأس المال المدفوع، والاحتياطات، والأرباح المجمعة. 3 - القيمة الحقيقية: هي النصيب الذي يستحقه السهم في جميع موجودات الشركة وأرباحها بعد حسم ديونها؛ فإذا ربحت الشركة وصار لها أموال احتياطية وأصول، فإن القيمة الحقيقية للسهم ترتفع وتصبح أعلى من القيمة الاسمية، ولو خسرت لحدث العكس. 4 - قيمة الإصدار: هي القيمة التي تصدر بها الأسهم، وعادة يصدر السهم بقيمته الاسمية، ولا يجوز إصدار السهم بأقل من قيمته الاسمية طبقًا لنظام الشركات بالمملكة العربية السعودية، وإن جاز إصداره بأكثر من قيمته

المسألة الرابعة: أنواع الأسهم

الاسمية، وفي هذه الحالة يطلق على فرق القيمة علاوة إصدار، وبالتالي فإن قيمة الإصدار تساوي القيمة الاسمية للسهم زائدًا علاوة الإصدار (¬1). 5 - القيمة السوقية: هي قيمة السهم في سوق الأسهم، وهذه القيمة متغيرة ـ وقد تتغير في ثوان أو دقائق ـ بحسب قوة العرض والطلب وأحوال السوق وسمعة الشركة، ومدى قوة مركزها المالي وسلامته. وتظهر هذه القيمة في شاشات الأسهم التي تديرها إدارة سوق المال (¬2). المسألة الرابعة: أنواع الأسهم تتنوع الأسهم إلى أنواع عدة باعتبارات مختلفة: أولا: من حيث الشكل الذي تظهر به تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: السهم الاسمي، وهو السهم الذي كتب باسم صاحبه، كما هو مُدَوَّن في سجلات الشركة، ونقل ملكيته يكون بطريق القيد في سجل المساهمين في الشركة. ¬

(¬1) وهذه العلاوة إذا كانت مقدرة تقديرا مناسبا لتغطية مصاريف الإصدار فهي جائزة وإلا فلا. جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة بشأن الأسهم، رقم 63 (1/ 7)، عام 1412هـ - 1992م ما يلي: 9 - إصدار أسهم مع رسوم إصدار: إن إضافة نسبة معينة مع قيمة السهم لتغطية مصاريف الإصدار لا مانع منها شرعا ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديرا مناسبًا. 10 - إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار: يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا صدرت بالقيمة الحقيقية للأسهم القديمة حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة، أو بالقيمة السوقية. نقلًا عن المعاملات المالية المعاصرة للزحيلي ص382. (¬2) الاستثمار بالأسهم في السوق السعودي، د. عيد الجهني ص35 - 36، المعاملات المالية المعاصرة، للزحيلي، ص363.

القسم الثاني: السهم لحامله، ويكون مِلْكًا لحامله، ولا يكتب عليه اسم صاحبه، وملكيته تكون بحيازته. القسم الثالث: السهم الإذني أو للأمر، وهو ما يسبق اسم صاحبه بعبارة: لإذن أو لأمر، ونقل ملكيته تكون بتظهيره؛ وذلك بكتابة اسم المالك الجديد، وتوقيع المالك السابق، دون الحاجة إلى الرجوع إلى سجلات الشركة. ثانيا: من حيث الحقوق التي تعطيها لصاحبها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أسهم عادية، وهي التي تعطى عادة لغالب المساهمين، وتخولهم حقوقا متساوية، ويوزع على أصحابها الأرباح التي تبقى بعد أرباح الأسهم الممتازة. القسم الثاني: أسهم ممتازة، وهي الأسهم التي تختص ببعض المزايا التي لا تتمتع بها الأسهم العادية؛ كالأولوية في توزيع الأرباح بنسبة معينة كـ 5 % من قيمته، وحق استعادة قيمة السهم بكاملها عند التصفية، وما يبقى فللأسهم العادية بالتساوي، وأحيانًا بزيادة الأصوات، أو الأولوية في الاكتتاب عند تقرير زيادة رأس المال (¬1). ¬

(¬1) تخصيص بعض الأسهم بشيء من هذه الامتيازات لا يجوز شرعا؛ لمنافاته للعدالة بين المساهمين التي هي أصل الاشتراك، ولما فيه من الظلم بتخصيص البعض بشيء من المال من غير مسوغ شرعي، وما ينشأ عن ذلك من الغرر الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة عن مسلم، رقم (2783)، وذكر بعض صور الغرر التي فيها تخصيص لأحد المتشاركين ناهيا عنها؛ حيث روى مسلم في صحيحه: (عن حنظلة بن قيس الأنصاري قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق، فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بما على الماذينات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، لم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به). صحيح مسلم، رقم (2888). وانظر في منع تخصيص أحد من الشركاء بشيء معين دون غيره، المغني 5/ 23. الماذينات: هي ما ينبت على حافتي سبيل الماء. وأقبال الجداول: هو منابع الجداول، والجدول النهر الصغير.

ثالثا: من حيث إرجاعها إلى أصحابها وعدم إرجاعها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أسهم رأس مال؛ وهي: الأسهم التي تستهلك قيمتها؛ بمعنى: أنها لا تعود إليه إلا عند فسخ الشركة أو انقضائها وتصفيتها لأي سبب من الأسباب. القسم الثاني: أسهم تمتع؛ وهو: الصَّكُّ الذي يتسلمه المساهم بعد أن يستهلك قيمة سهمه (¬1). ويتأخر حق صاحبه في الربح وعند التصفية عن أصحاب الأسهم غير المستهلكة حسب نظام الشركة (¬2). والمراد باستهلاك السهم هو: رد قيمته الاسمية إلى المساهم قبل انقضاء الشركة، وقد يكون الرد له دفعة واحدة، وقد يكون تدريجيا (¬3). ¬

(¬1) الاستهلاك يجوز في حالة واحدة: إذا كان لجميع المساهمين، وبنسبة واحدة من كل سهم، وفيما عدا ذلك لا يجوز؛ لما فيه من تخصيص بعض المساهمين بشيء من المال من غير مخصص ولا مسوغ شرعي؛ ففيه ظلم وأكل للمال بالباطل وإضعاف لحقوق دائني الشركة، وهذا غرر بيِّن بهم؛ إذ لا يجوز أن يستحق ربحا بعد استهلاك سهمه؛ لأن الربح يُستحق إما بالمال أو العمل أو الضمان، ولا يوجد شيء من ذلك في صاحب السهم المستهلك. (¬2) انظر: الشركات، للخياط 2/ 96 - 98، شركة المساهمة، للمرزوقي، ص353 وما بعدها، الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية، د. عبد الستار أبو غدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، الجزء الثاني، ص 109 - 110. (¬3) يحدث استهلاك الأسهم في بعض الحالات؛ مثل ما إذا كانت موجودات الشركة مما يستهلك؛ كمنجم أو محجر أو سفن بحرية؛ فالمنجم أو المحجر يفنى والسفن تبلى بعد مدة من الزمن، فتصبح غير صالحة للاستعمال، فإذا انتظرت الشركة إلى حين فناء المنجم أو المحجر أو إلى أن تبلى السفن فإنها لا تجد عندئذ موردا تدفع منه قيمة الأسهم، ولذلك تعمل الشركة على دفع جزء من أسهمها عاما بعد عام، حتى إذا انقضت مدة بقائها تكون قد استهلكت جميع الأسهم، وإن كان مشروع الشركة يقوم على حقوق مؤقتة - كما إذا كانت حاصلة على امتياز حكومي - تؤول بانتهائه جميع منشآتها إلى الدولة؛ مثل شركة الكهرباء والبترول والماء وسكك الحديد؛ إذ يتفق عادة على منح الامتياز الحكومي لمدة معينة تؤول بعدها جميع موجودات الشركة إلى الحكومة بغير مقابل، أو بمقابل ضئيل؛ ففي هذه الحالات يسمح استهلاك الأسهم للمساهمين بالحصول على قيمة أسهمهم. وقد أجاز النظام السعودي استهلاك الأسهم بالشروط الآتية: 1 - إذا نص في نظام الشركة على استهلاك الأسهم أثناء قيام الشركة م:104. 2 - أن يكون مشروعها يهلك تدريجيا أو يقوم على حقوق مؤقتة م: 104/ 1. 3 - لا يكون استهلاك الأسهم إلا من الأرباح، أو من الاحتياطي م: 104/ 2 فتخصص الشركة كل عام جزءا من الأرباح أو من الأموال الاحتياطية لرد قيم الأسهم، ولا يجوز أن يكون الاستهلاك من رأس المال؛ إذ يجب أن يكون رأس المال كاملًا؛ لضمان حقوق الدائنين؛ أما إذا لم تنتج الشركة في عام ما أرباحا ولم يكن لديها احتياطي وجب أن تقف عملية الاستهلاك. انظر: شركة المساهمة، للمرزوقي، ص 362 - 363.

حصص التأسيس: هي: "نصيب مقدر في أرباح الشركة؛ فمثلًا تمنحه الشركة بموجب نظامها لبعض الأشخاص أو الهيئات مقابل ما يقدمونه من براءة اختراع أو التزام حصل عليه شخص اعتباري عام" (¬1). وهذه الحصص تعطى أيضًا للمؤسسين للشركة؛ مكافأة لهم على جهودهم التي بذلوها في تأسيس الشركة. فما حكم هذه الحصص؟ لابد من بيان الآتي: أولا: رأس مال الشركة المساهمة: هو ما جمعته من أموال نقدية وعينية من المساهمين، ولا يتكون إلا من هذين النوعين، وبالنظر إلى ¬

(¬1) شركة المساهمة، د. صالح المرزوقي، ص372. وانظر: الشركات للخياط 2/ 229، أحكام السوق المالية، د. محمد عبد الغفار الشريف، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السادس، 2/ 1290.

ذلك نجد أن حصص التأسيس لا دخل لها أصلا في تكوين رأس مال الشركة. ثانيا: أن نظام الشركات نص على جواز دفع جزء مقدر من الأرباح كنصيب ثابت لهؤلاء مقابل تأسيس الشركة. الأصل أن الربح في هذه الشركات يستحق بمال يقدمه الشريك أو عمل يقدمه المضارب ـ المدير ـ خلال فترة المضاربة، هذا هو الأصل، وأصحاب حصص التأسيس لم يقدموا شيئًا من ذلك؛ فلم يقدموا مالا ولا عملا مستمرا مع أن العمل لا يجوز الاشتراك به في شركات المساهمة؛ حتى عند القانونيين (¬1)؛ فكيف يستحقون نصيبًا مستمرًّا من الربح مقابل ما قدَّموه، وكأن ما قدمه أصحاب هذه بيع لها على الشركة، والأصل في الثمن أن يكون معلومًا؛ لأن الجهالة غرر، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر (¬2)، ووجه كونه مجهولا ظاهرٌ؛ لأنه لا يدري هل يحصل ربح أو لا، وإذا حصل فما مقداره .... ؟! والحكم الصحيح فيها: أنه يستحق مبلغا مقطوعا متفقا عليه مقابل ¬

(¬1) الشركات، علي حسن يونس، ص546. وانظر: الأسواق المالية، د. علي القرة داغي، مجلة الفقه الإسلامي، العدد السابع، 1/ .... . (¬2) وقد أدركت بعض القوانين خطأ إنشاء حصص التأسيس، وهذا الإدراك ناتج عما لمسوه فيها من مخالفتها لمقتضى العدالة، وليس ناشئا عن شعور لمخالفتها لأحكام الشرع القويم، فقررت إلغائها. ومن هذه القوانين: القانون التجاري السوري، وقانون الشركات الأردني، والقانون اللبناني، والقانون الفرنسي الجديد؛ إذ اعتبرت هذه القوانين حصص التأسيس باطلة. يقول الدكتور كامل ملش في كتابه الشركات، ص262: إن حصص التأسيس قد ظهرت عيوبها وأخطارها في جميع البلاد، وأدت إلى نتائج سيئة جدا، ولهذا نرى كثيرين وعلى رأسهم أسكارا يطالبون بإلغائها. وانظر: شركة المساهمة في النظام السعودي، د. صالح المرزوقي، ص 383.

المسألة الخامسة: محل العقد في بيع الأسهم

ما قدمه، وإن لم يتفق على مبلغ مقطوع فإن أصحاب الخبرة يقيِّمون هذا الجهد أو العمل، وما يُقيَّم به يكون هو النصيب المستحق، كما يُقيَّم ثمن المثل ومهر المثل وأجرة المثل، وهذا أصل شرعي. وبعد تقييمه يكون هو بالخيار بين أخذ هذا المبلغ المقطوع، أو أخذ ما يعادلها من أسهم، ويكون كسائر الشركاء في استحقاق الأرباح وتحمل الخسائر، وجواز التداول وغير ذلك من خصائص الأسهم. وبهذا يتحقق العدل، ويرتفع الغرر، ويندرج تحت أصول المعاملة في الشركات. المسألة الخامسة: محل العقد في بيع الأسهم إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم: هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق من تلك الحصة (¬1). المسألة السادسة: حكم بيع الأسهم قبل تداولها الأسهم إما أن تكون أموالا نقدية، أو ديونا، أو أعيانا، أو مختلطة منها: 1 - فإن كانت لا تزال نقودا، فإنه يعتبر بيعها مبادلة نقد بنقد، وتجري عليها أحكام الصرف إذا بيت بجنسها أو بغير جنسها (¬2). 2 - وإذا كانت الأموال ديونًا في الذمم، فإنه يطبق عليها أحكام التعامل بالديون؛ فلا يجوز بيع الدَّيْن المؤجَّل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه؛ لإفضائه إلى الربا، كما لا يجوز بيعه بنقد ¬

(¬1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي، جدة، قرار رقم (7) 1/ 65. (¬2) انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، بجدة، بشأن سندات المقارضة، قرار، رقم (5) د4/ 08/88، الدورة الرابعة، المجلد الثالث، ص2159 - 2162.

مؤجل من جنسه أو من غير جنسه على المدين وغير المدين؛ لأنه من باب بيع الكالئ بالكالئ المتفق على تحريمه؛ حيث يؤول إلى الربا، ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئا عن قرض أو بيع آجل (¬1). ويجوز بيعها بأموال أو عروض لا تتحد معها في علة الربا. 3 - إذا أصبح المال موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، فإنه يجوز تداولها بالسعر المتفق عليه؛ على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع. هذا الأصل في حكم بيع الأسهم قبل تداولها؛ لكن هناك أمر ينبغي مراعاته وعدم إغفاله عند بيان الحكم في هذه المسألة؛ وهو الاسم التجاري للشركة المساهمة؛ فإن له قيمة مالية كبيرة؛ حيث يستغرق تسجيل الاسم وقتا وجهدا كبيرا ومالا. حيث يمكن بيع هذا الاسم بمال ربما يساوي الأموال المطروحة للاكتتاب أو يزيد أو ينقص؛ فلابد من مراعاة هذه الحقوق، ولابد من تقييمها من أصحاب الشأن؛ حتى يتسنَّى الحكم في جواز البيع قبل التداول؛ أما إطلاق القول بعدم الجواز إذا كانت الأموال نقودا أو ديونا أو منهما - فغير سائغ شرعا مع مالية الاسم التجاري في عرف السوق، وقد يكون لها موجودات ولديها موظفون عاملون يتقاضون رواتب، ولا شك أنهم داخلون في حساب مالية الشركة. ¬

(¬1) انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، بجدة بشأن بيع الدين، رقم (92) 4/ 11، الدورة الحادية عشرة، المجلد الأول، ص427 - 430.

المبحث الأول حكم المساهمة في هذه الشركات

المبحث الأول حكم المساهمة في هذه الشركات وفيه مسائل: المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة المسألة الثانية: في فروع متعلقة بحكم هذه المسائل المسألة الثالثة: إذا دخل في شركة ثم تبين له وجود استثمار محرم

المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة

المبحث الأول حكم المساهمة في هذه الشركات المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة الحديث هنا في بيان حكم الأسهم استثمارا ومضاربة ليس في الشركات التي تستثمر في أمور محرمة كشركات صناعة الخمور، أو المصارف الربوية؛ وإنما هو في حكم الشركات التي أصل نشاطها مباح، لكنها تمارس أعمالا محرمة كالاقتراض بفوائد من أجل زيادة نشاط الشركة الاستثماري، أو تقوم بإيداع بعض أموالها في المصارف الربوية وتأخذ على هذه الأموال فوائد ربوية، كما هو حال كثير من الشركات الصناعية والخدماتية وغيرها. فهل يجوز الاتجار في أسهمها استثمارا ومضاربة أم لا؟ على قولين: القول الأول: تحريم الاتِّجار فيها مطلقا: وهو قول جماهير أهل العلم، والقول الذي صدرت به قرارات المجامع الفقهية (¬1)، واللجنة العلمية الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬2)، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي (¬3)، والهيئة الشرعية لبنك دبي ¬

(¬1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السابع 1/ 712، وقرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ص279 في 20/ 8/1415هـ. (¬2) فتاوى اللجنة 13/ 407. (¬3) الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، فتوى، رقم (532).

الإسلامي (¬1)، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني (¬2)، وبه قال عدد من الفقهاء المعاصرين (¬3)، وقول أئمة السلف على التحريم، أو دال عليه. قال في الجامع الصغير (¬4): (وكذلك مفاوضة الحر والمكاتب، وكذلك مفاوضة العبدين والمكاتبين، وكذلك مفاوضة الصبي التاجر والبالغ، ومفاوضة الحرين الكبيرين المسلمين أو الذميين صحيح؛ لوجود شرائط المفاوضة، وأما بين المسلم والذمي لا يصح عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف). (واشترط أن يتساويا في الدين؛ لأن الاختلاف فيه يؤدي إلى الاختلاف في التصرف؛ فإن الكافر إذا اشترى خمرا أو خنزيرا لا يقدر المسلم أن يبيعه، ومن شرطها أن يقدر على بيع جميع ما اشتراه شريكه؛ لكونه وكيلا له في البيع والشراء، وكذا المسلم لا يقدر على شرائهما، كما يقدر الكافر عليه؛ ففات الشرط، وهذا عندهما. وقال أبو يوسف: تجوز). وجاء في المدونة (¬5): (في شركة المسلم النصراني والرجل المرأة قلت: أتصلح شركة النصراني المسلم، واليهودي المسلم في قول مالك؟ قال: قال: لا، إلا أن يكون لا يغيب النصراني واليهودي على شيء، في شراء ولا بيع ولا ¬

(¬1) فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي، فتوى، رقم (49). (¬2) فتاوى هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني، فتوى، رقم (16). (¬3) منهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن بيه، والدكتور الصديق الضرير، والدكتور علي السالوس. (¬4) 1/ 427. وانظر: تبيين الحقائق 3/ 314، وخلاف أبي يوسف في مبدأ المشاركة لا فيما إذا ثبت تعامله بالربا فهو لا يقول بجواز مشاركته قطعا. (¬5) 9/ 51. وانظر: مواهب الجليل 5/ 118 - 119، منح الجليل 6/ 250 - 251.

قبض ولا صرف ولا تقاضي دين إلا بحضرة المسلم معه؛ فإن كان يفعل هذا الذي وصفت لك وإلا فلا). قال في المهذب (¬1): (ويكره أن يشارك المسلم الكافر؛ لما روى أبو جمرة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لا تشاركن يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا! قلت: لم؟ قال: لأنهم يربون، والربا لا يحل) (¬2). قال في المغني (¬3): (قال أحمد: يشارك اليهودي والنصراني، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه، ويكون هو الذي يليه؛ لأنه يعمل بالربا. وبهذا قال الحسن والثوري). وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم فثمنه حلال؛ لاعتقادهم حله، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وَلُّوهم بيعها وخذوا أثمانها. فأما ما يشتريه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة، فإنه ¬

(¬1) 1/ 345. وانظر: روضة الطالبين 4/ 275، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان 1/ 206. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب البيع والأقضية، في مشاركة اليهودي والنصراني، رقم (19980) 4/ 268، والبيهقي في السنن كتاب البيوع، باب كراهية مبايعة من أكثر ماله من الربا أو من المحرم، رقم (10604) 5/ 335. والحديث روي مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن عطاء، نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مشاركة اليهودي والنصراني ولا يصح. قال ابن القيم: وهذا الحديث على إرساله ضعيف السند. انظر: أحكام أهل الذمة 1/ 556. (¬3) 5/ 3. وانظر: الإنصاف 5/ 407، مطالب أولي النهى 3/ 495، شرح منتهى الإرادات 2/ 207.

يقع فاسدا، وعليه الضمان؛ لأن عقد الوكيل يقع للموكِّل، والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير، فأشبه ما لو اشترى به ميتة، أو عامل بالربا ... وقال إبراهيم بن هانئ: سمعت أبا عبد الله قال في شركة اليهودي والنصراني: أكرهه، لا يعجبني؛ إلا أن يكون المسلم الذي يلي البيع والشراء. وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن مشاركة اليهودي والنصراني، قال: شاركهم، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه يكون هو يليه؛ لأنه يعمل الربا) (¬1). قال ابن القيم: (قلت: الذين كرهوا مشاركتهم لهم مأخذان: أحدهما: استحلالهم ما لا يستحله المسلم من الربا والعقود الفاسدة). قال في المحلى (¬2): (مسألة: ومشاركة المسلم للذِّمِّيِّ جائزة، ولا يَحِلُّ للذِّمِّيِّ من البيع والتصرف إلا ما يحل للمسلم؛ لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بالمنع من ذلك). ويلاحظ أنه قيّد الجواز بالمعاملات الجائزة عند المسلمين، وإلا فلا تحل. فهذه نصوص أئمة وفقهاء المذاهب في منعهم وكراهتهم لمشاركة أهل الذمة لأنهم يربون؛ أي: لاحتمال إجرائهم عقودا ربوية في غيبة شريكهم المسلم؛ فكيف الحال بمن يدخل في شركة يعلم علم اليقين أنها تجري عقودا ربوية قرضا وإقراضا، ويقدم ماله لها على سبيل المشاركة والتوكيل طواعية واختيارا؟! ¬

(¬1) أحكام أهل الذمة 1/ 556. (¬2) 8/ 125.

القول الثاني: التفريق بين ما كانت نسبة الاستثمار المحرم فيه كثيرة فيحرم

فهذا الذي لا يُشَكُّ في تحريمه عندهم، والمنع منه، ووقوعه فاسدًا، كما صرح بذلك ابن قدامة وغيره. القول الثاني: التفريق بين ما كانت نسبة الاستثمار المحرم فيه كثيرة فيحرم، وبين ما كانت فيه قليلة، فيجوز: مع أن الورع تركها، مع اختلاف أصحاب هذا القول في تحديد هذه النسب، وكذلك اختلافهم في تطبيق هذه النسب على الاستثمار في عائد المساهمة وعلى المضاربة، أو في قصره على الاستثمار في العائد فقط دون المضاربة. وهو قول طائفة من المعاصرين؛ منهم: الشيخ عبد الله بن منيع، والدكتور علي القره داغي، والشيخ مصطفى الزرقا (¬1)، والدكتور تقي الدين العثماني، والدكتور نزيه حماد (¬2)، وعدد من الهيئات الشرعية، منها: الهيئة الشرعية لشركة الراجحي (¬3)، والهيئة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني (¬4) والمستشار الشرعي لدلة البركة (¬5). أدلة القول الثاني: استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية: 1 - حديث ابن عمر: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما ¬

(¬1) وقيده بالشركات الكبرى الحيوية التي تحتاجها الأمة، والتي تؤدي خدمات عامة، مثل: الكهرباء، والمواصلات، ونحوها. انظر: المعاملات المالية، لشبير، ص209، 210. (¬2) انظر: بحوث في الاقتصاد الإسلامي، ص219 وما بعدها، الأسواق المالية للقره داغي، ص20، مجلة النور، عدد (183)، عام 1421هـ. (¬3) قرارات الهيئة 1/ 241. (¬4) الفتاوى الشرعية للبنك الإسلامي الأردني. (¬5) الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية بمجموعة دلة البركة، فتوى، رقم (37).

يخرج منها من ثمر أو زرع»، وفي لفظ: «أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما خرج منها» (¬1). والجواب عنه من وجوه: 1 - أن الحديث لا يدل على كل المدعى به، فلا دلالة فيه على مشاركة من يأخذ الأموال ويودعها في البنوك ونحوها، ويأخذ عليها فوائد ربوية، كما هو الحال في هذه الشركات موضوع البحث. 2 - أن الحديث ليس فيه أنهم اعتملوها - زرعوها - من مال حرام يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بأن اقترضوا بالربا، وزرعوا به، ودفعوا الفوائد منه، وأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وكون الربا يوجد في معاملاتهم الأخرى لا مدخل له في هذا العقد، وفرق بين معاملة من يرابي وبين مشاركته في تصرفه المحرم. 3 - أن هذه المزارعة ليست مشاركة من كل وجه؛ بل هي معاملة فيها شبه بالمشاركة في الناتج فقط؛ وأما الأصل فهو للمسلمين، وفيها شبه بالإجازة بجزء من الخارج، ومن ثم فليس فيها شيوع المالين معا واختلاطهما، أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم مالا ليتاجروا به مع أموالهم، كما هو الحال في الشركات المساهمة؛ حيث يشارك في رأس مال الشركة وربحها ويكون ماله شائعًا في الشركة. 2 - استدلوا ببعض القواعد الفقهية على النحو الآتي: القاعدة الأولى: يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالا (¬3): لهذه القاعدة مجموعة تطبيقات منها: ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب المزارعة بالشطر رقم 2203، 2206. (¬2) وهذا الذي فهمه ابن حزم، وهو ممن استدل بهذا الحديث على الجواز. المحلى 8/ 125. (¬3) بحوث في الاقتصاد الإسلامي، ص227، الاستثمار في الأسهم، د. علي القرة داغي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد التاسع 2/ 82.

جواز بيع العبد مع ما له من مال؛ فيبيعه سيده ومعه ماله بثمن نقدي، هذا الثمن هو ثمن العبد وماله، فهذا المال للعبد يعتبر تبعا للعبد الذي يجوز بيعه استقلالا، ولا يجوز بيع ماله استقلالا إلا بشروط الصرف، ولتبعيته للعبد جاز بيعه بغضِّ النظر عن توفر شروط الصرف في هذا المال. والأصل في جوازه حديثا ابن عمر في بيع العبد ومعه مال، وبيع الثمر قبل تأبيره. ومنها: جواز بيع الحامل؛ سواء أكانت أمة أو حيوانا، ولا يخفى أنه لا يجوز بيع الحمل في بطن أمه إلا أن يكون تبعا غير مقصود فيجوز ذلك؛ إذ يغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال (¬1). ¬

(¬1) وبمثل هذه القاعدة استدل الدكتور يوسف الشبيلي فقال: "فإذا كان الحرام الذي فيه يسيرا وتابعا غير مقصود فإن ذلك لا يقتضي حرمة السهم كله؛ بناء على القاعدة الشرعية: "أن اليسير التابع مغتفر"، لاسيما مع عموم البلوى، وهذا كالنجاسة اليسيرة إذا وقعت في الماء فلم تغيره فإنه يبقى على طهوريته، وكالسلع التي لا تخلو من يسير محرم؛ فإنه لا يحرم شراؤها وبيعها؛ لوجود ذلك اليسير؛ مثل الصحف التي قد يوجد بها الصور المحرمة، وكعقود الخدمات العامة مثل: الكهرباء والاتصالات والنقل ونحوها؛ فإن من المعلوم أن بعض من يستفيد من هذه الخدمات قد يستعين بها على المعصية، ومع ذلك فلا تحرم هذه الخدمات، ولا يعد العمل بها من الإعانة على المعصية؛ لأن استخدامها في المعصية يسير بالنظر إلى جملة المستفيدين من هذه الخدمات. ويجاب بأن الفرق بينهما ظاهر من وجهين: أحدهما: أن النجاسة وقعت بغير قصد في الغالب؛ بخلاف الاستثمار المحرم؛ فإنه مقصود أصلا. الثاني: أن النجاسة قد زالت ولم يبق لها أي أثر مطلقا، ولو بقي أثرها لما صح استعمال الماء بالإجماع؛ بخلاف هذه الاستثمارات المحرمة قرضا أو إقراضا؛ فإنها باقية بأصلها مؤثرة بذاتها. وأما السلع التي لا تخلو من يسير محرم كالصور، ففي بيعها خلاف، وعلى القول بالجواز ـ وهو الراجح ـ فلأنها غير مقصودة لبائعها ولا مشتريها غالبا، وقد يكون محتاجا لهذه الصحف؛ بخلاف الاستثمارات المحرمة؛ فإنها مقصودة لأرباب الشركات، والاستثمار في مثل هذه الشركات لا يتحقق فيه معنى الحاجة كما سيأتي. وأما القياس على عقود الخدمات فبعيد؛ حيث لا أثر لمستخدميها في المعصية على من يستخدمها في المباح، ولا علاقة له به؛ بل يقتصر أثر المحرم عليه؛ بخلاف الاشتراك في مثل هذه الشركات؛ حيث تختلط الأموال اختلاطا شائعا وتؤخذ الفوائد المحرمة عليها جميعا، أو تخلط بالمال المحرم وتصطبغ به وتدفع الفوائد منها جميعا؛ فالحرام متأصل في مال كل مستثمر مع اختياره؛ حيث رضي بالمساهمة أو المضاربة في أسهم هذه الشركات. انظر: صناديق الاستثمار بالأسهم المحلية. مقال منشور في موقع الإسلام اليوم بتاريخ 4/ 3/1426هـ.

ويمكن اعتبار بيع سهم في شركة تجاوز مجلس إدارتها صلاحيته الشرعية؛ فتأخذ الربا من البنوك الربوية، أو تعطيه حيث يعتبر ذلك يسيرا ومغموسا في حجم الشركة ذات الأغراض المباحة. يمكن اعتبار ذلك من جزئيات هذه القاعدة؛ إذ الغالب على هذه الشركة الاستثمار بطرق مباحة، وما طرأ عليها من تجاوز إداري آثم في الأخذ من البنوك بفائدة أو إعطائها بفائدة يعتبر يسيرا، وهو في حجم السهم المباع تبعا، ويغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال. يناقش من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: إثبات دعوى الحجة، وهي لا تثبت؛ لأمرين: 1 - أن زيادة رأس المال من أجل التوسع في النشاط ليس حاجة تستدعي الولوغ في المحرم المجمع على تحريمه. 2 - أنه يمكن للشركة زيادة رأس مالها عن طريق تمويل إسلامي، أو عن طريق اكتتاب جديد، وطرق زيادة رأس المال الحلال أكثر من أن تحصى. الوجه الثاني: القول بأنه تبع غير مسلَّم؛ بل هو مقصود لأرباب الشركة وإدارتها

ومستقل بذاته، ولو كان غير مقصود لما استقل بعقد تأخذ الشركة فيه قرضا ربويا أو فائدة ربوية مقابل إيداع الفائض لديها. وشتان ما بين تصرُّف الشركة الربوي، وبين من يشتري عبدا يقصده ويكون له مال، ولذلك لو صرح بقصده المال لما صح العقد بإجماله. الوجه الثالث: أن تجويز هذه الأسهم بناء على اندراجها تحت هذه القاعدة مجرد اجتهاد ظني منازع فيه، وأدلة تحريم الربا - قليله وكثيره - صحيحة صريحة قطعية الدلالة والثبوت، والمساهم مكَّن الشركات من المراباة بأمواله، وأخذ الفوائد الربوية عليها باختيارها، وكذلك خلطها بأموال ربوية تقترضها وتستثمرها؛ ومن ثَمَّ فلا مجال لاجتهاد في مقابل نص؛ إذ الاجتهاد في مقابل النص غير سائغ بالإجماع. القاعدة الثانية (¬1): الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة (¬2): هذه القاعدة ذكرها كثير من علماء الفقه والأصول، وذكروا لها جزئيات؛ منها: إباحة العرايا للحاجة العامة؛ بالرغم من أن العرايا بيع مال ربوية بجنسه غير متحقق تماثلهما. وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم" (¬3). ¬

(¬1) من القواعد التي استدل بها المجيزون. (¬2) بحوث في الاقتصاد الإسلامي، ص229 - 231، الاستثمار في الأسهم علي القرة داغي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (د9) 2/ 83، العدد التاسع. (¬3) مجموع الفتاوى 29/ 49.

وقال: "ويجوز للحاجة ما لا يجوز بدونها كما جاز بيع العرايا بالتمر" (¬1). وقال: "الشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر؛ بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك" (¬2). وقال الزركشي: "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس" (¬3). ويناقش من سبعة أوجه: 1 - هذه القاعدة أصلا هي محل خلاف، وقد ذكر بعض الشافعية أن أكثر العلماء على خلافها فقال: (الأكثر: أن الحاجة لا تقوم الضرورة) (¬4). 2 - بيان معنى الحاجة والمقصود بها، وهل هو متحقق هنا: قال الشاطبي في بيان معنى الحاجة: (ما يفتقر إليها من حيث التوسعة، ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة). فهل الحاجة بهذا المعنى موجودة؟! وهل أفراد المجتمع يدخل عليهم الحرج والمشقة بترك المساهمة والمضاربة في هذا النوع من الشركات؟! وأين هذا الحرج قبل وجود هذه الشركات قبل وقت قريب جدا؟! ¬

(¬1) مجموع الفتاوى 29/ 480. (¬2) مجموع الفتاوى 29/ 227. (¬3) المنثور في القواعد 2/ 34. (¬4) المواهب السنية شرح الفوائد البهية 1/ 288.

بل إن القاعدة حتى عند القائلين بها ليست على إطلاقها؛ بل هي مقيدة بما لم يرد فيه نص يمنع منه بخصوصه. ففي شرح القواعد الفقهية (¬1): (... والظاهر أن ما يجوز للحاجة إنما يجوز فيما ورد فيه نص يجوِّزه، أو تعامل، أو لم يرد فيه شيء منهما، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه، وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وجعل ما ورد في نظيره واردا فيه .... وأما ما ورد فيه نص يمنعه بخصوصه فعدم الجواز فيه واضح، ولو ظننت فيه مصلحة؛ لأنها حينئذ وهم ....). والربا وردت فيه نصوص قطعية تمنع فيه بخصوصه قليله وكثيره ... ومن ثم فلا يدخل تحت قاعدة الحاجة حتى عند القائلين بها. 3 - لو سلم بوجود الحاجة إلى المساهمة في هذه الشركات ـ وهو غير مسلَّم ـ فيجاب عنه من ثلاثة وجوه: أ- أنه لا يتعين ارتفاع حاجته إذا ساهم فيها؛ بل إن احتمال الخسارة فيها وارد، بل قوي جدا، ومن ثم فحاجته لا ترتفع؛ بل قد تزداد. يؤكد ذلك واقع ما يجري في الأسواق من مضاربات مشبوهة وغير نزيهة، والتلاعب بصغار المضاربين والتغرير بهم مما زاد من معاناتهم، ولم يرفع حاجتهم ويحقق مرادهم وطموحهم. ب- أن وجود شركات لا تمارس أعمالا ربوية يمكن الاستثمار فيها، وهذا ينفي وجود الحاجة إلى المشاركة في هذه الشركات المشبوهة. ج- لو سلم بالحاجة إلى المساهمة في هذه الشركات ـ وهو غير مسلم ـ فإن الإقراض بالربا الذي تمارسه هذه الشركات محرم لا ¬

(¬1) للشيخ أحمد الزرقا، ص210.

تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض الذي تمارسه هذه الشركات محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه عن المقترض إلا إذا دعت الضرورة، ولا ضرورة لهذه الشركات لهذه القروض؛ ومن ثم فالداخل في هذه الشركات داخل في هذا التحريم. هذا ما اتفق عليه علماء مؤتمر البحوث الإسلامية الثاني في مصر في قرار مجمع البحوث الإسلامية (¬1). 4 - أن زيادة رأس مال المرء والتوسع فيه ليس حاجة ولا مقصودا للشارع: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ وإنما أباح منها ما لا يشغل عن المقصود الأسمى، فقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ}، ثم قال: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، وهذا لا يعني عدم أهمية المال في حياة الأمة؛ وإنما يعني وجوب العناية به وتنميته وتقويته؛ حتى تكون الأمة قادرة على الجهاد والبناء والمعرفة والتطور. لكن لا يكون هو الهدف المطلق؛ بحيث تصادَمُ من أجلِه النصوص وتُعَطَّلُ القواعد والأصول. 5 - أن استثمار المال ليس مقصورا على أسهم خالطها الحرام، وشاع فيها، حتى أصبح لا يمكن تمييزه؛ بل مجالات استثمار المال في وجوه مباحة أرحب وأوسع. 6 - أن الفرق بين الاستثمار في هذه الشركة وبين العرايا واضح وبَيِّنٌ؛ إذ إن حاجة الناس للرطب في وقته ظاهرة وماسَّة لجميع الناس؛ لأنهم يقتاتونه ويطعمونه؛ بل قد يكون مما به قوامهم، وهو خاص ¬

(¬1) انظر: بحث الربا، للدكتور أحمد بزيع الياسين "الربا"، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة الثالثة، المجلد الثالث، ص1822.

بالعرايا بالنص، فلا يجوز العدول به إلى غيره، ولذلك قال زيد بن ثابت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر، ولم يرخص في غير ذلك (¬1). ومع ذلك لم يجوِّز المفاضلة المتيقَّنة؛ بل سَوَّغَ المساواة بالخرص في القليل الذي تدعو إليه الحاجة (¬2). بخلاف المساهمة والاستثمار في هذه الشركات؛ فالحاجة فيه إن وجدت فهي يسيرة لا تستدعي هذا القياس؛ وذلك لتعدد مجالات استثمار المال وطرق تنميته. وأما النقل المذكور عن شيخ الإسلام، فهو من أبعد ما يكون عن هذه المسألة، وهو تحميل لقوله بما لا يحتمله، ولا يقوله رحمه الله؛ فإنَّه بَيِّنٌ أن الحاجة راجحة، وهي غير موجودة هنا، وبَيِّنٌ أن هذا الكلام يكون فيما فيه نوع غرر، لا فيما خالطه الربا المجمع على تحريمه، وشاع فيه؛ بل شدَّد في كل ما فيه ربا تشديدا بَيِّنًا لا يحتمل التأويل، كما شدد فيه القرآن، فقال رحمه الله: "وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا والميْسِر؛ فذكر تحريم الربا الذي هو ضِدُّ الصَّدقة في آخر "سورة البقرة" و "سورة آل عمران" و "الروم" و "المدثر". وذم اليهود عليه في "سورة النساء" وذكر تحريم الميسر في "سورة المائدة". وقال: "وأما الربا: فتحريمه في القرآن أشد، ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكبائر كما ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 763 كتاب البيوع/ باب بيع المزابنة رقم 2072، ومسلم في صحيحه 3/ 1168، كتاب البيوع/ باب تحريم بيع الرطب بالتمر في العرايا رقم 1536. (¬2) مجموع الفتاوى 29/ 26.

خرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكر الله أنه حرم على الذين هادوا طيبات أحلت لهم بظلمهم وصَدِّهم عن سبيل الله وأخذهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأخبر سبحانه أنه يمحق الربا كما يربي الصدقات، وكلاهما أمر مجرَّبٌ عند الناس". وقال: ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه؛ فإن تحريمه أشدُّ ضررًا من ضرر كونه غررًا؛ مثل بيع العقار جملة، وإن لم يعلم دواخل الحيطان والأساس ... فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضمنا وتبعا ما لا يجوز من غيره. ولما احتاج الناس إلى العرايا أرخص في بيعها بالخرص ولم يجوِّز المفاضلة المتيقنة؛ بل سَوَّغَ المساواة بالخرص في القليل الذي تدعو إليه الحاجة إذا تَبَيَّنَ ذلك؛ فأصول مالك في البيوع أجود من غيره ... والإمام أحمد موافق لمالك في ذلك في الأغلب؛ فإنهما يحرمان الربا ويشددان فيه؛ لما تقدم من شدة تحريمه وعِظَمِ مفسدته، ويمنعان الاحتيال عليه بكل طريق وإن لم تكن حيلة، وإن كان مالك يبالغ في سَدِّ الذرائع ما لا يختلف قول أحمد فيه، أو لا يقوله، لكنه يوافقه بلا خلاف عنه على منع الحيل كلها ... ففي الجملة: أهل المدينة وفقهاء الحديث مانعون من أنواع الربا منعا محكما مراعين لمقصود الشريعة وأصولها. وقولهم في ذلك: "هو الذي يؤثر مثله عن الصحابة، وتدل عليه معاني الكتاب والسنة" (¬1) اهـ، فهذا كلام الأئمة في منع الحيل عليه فكيف بالدخول الصريح فيه؟! وأين في كلام شيخ الإسلام ما يدل على الربا وجواز الدخول فيه عند الحاجة؟! ¬

(¬1) مجموع الفتاوى 29/ 22 - 31 ملخصا ومختصرا.

بل قال في القواعد النورانية: (فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه معصية ـ هي ترك واجب أو فعل محرم ـ لم يحرم عليهم ....)، ووجود الربا في عقود هذه الشركات قرضا وإقراضا أليس معصية وفعلا محرما؟!! 7 - إذا كانت الضرورة تقدر بقدرها، كإساغة اللقمة بالخمر لمن غص ولم يجد غيرها، وكإباحة الأكل من الميتة مما يسد الرمق، ولا يتجاوزه إلى الشبع لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، فما بالك بالحاجة التي هي أدنى من الضرورة، هل يسوغ بأن تتعدى قدرها إلى أن تجعل تشريعا عاما (¬1). وما ذكروه من أن حاجة الدولة تقتضي توجيه الثروة الشعبية إلى استخدامها فيما يعود على البلاد والعباد بالرفاهية والرخاء صحيح؛ فإنشاء الشركات، وتعدد أغراضها يحقق المصلحة للدولة، وللأفراد، وللمجتمع؛ لكن لا يتوقف هذا على التعامل بالربا؛ بل يتحقق بدونه. وإقبال الناس الشديد على الاكتتاب في أسهم الشركات وتزاحمهم عليه، يؤكد ذلك أعظم تأكيد، ويبين عدم الحاجة إلى الاقتراض الربوي. القاعدة الثالثة (¬2): اختلاط جزء محرم بالكثير المباح (¬3): هذه المسألة ذكرها علماء الفقه والأصول، وتوصل غالبهم إلى القول بجواز التصرف في هذا المال المختلط إذا كان المحرم فيه قليلا، فيجوز بيعه وشراؤه وتملكه وغير ذلك من أنواع التصرفات الشرعية، وأسهم الشركات التي هي موضوع بحثنا من هذا النوع؛ فإن جزءا يسيرا ¬

(¬1) حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقرض بفوائد، ص122. (¬2) من القواعد التي استدل بها المجيزون. (¬3) بحوث في الاقتصاد الإسلامي، ص231، الأسواق المالية ص210.

فيها حرام والباقي منها ـ وهو الكثير ـ مباح، وأصل الحرمة جاءت من أخذ التسهيلات الربوية أو إعطائها. وفيما يلي بعض من نصوصهم في ذلك؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الحرام إذا اختلط بالحلال فهذا نوعان: أحدهما: أن يكون محرما لعينه كالميتة، فإذا اشتبه المذكَّى بالميت حُرِّما جميعا. والثاني: ما حرم لكونه أُخذ غصبا، والمقبوض بعقود محرمة؛ كالربا والميسر؛ فهذا إذا اشتبه واختلط بغيره لم يحرم الجميع؛ بل يميز قدر هذا من قدر هذا، فيصرف هذا إلى مستحقه وهذا إلى مستحقه" (¬1). ويناقش ما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية على النحو الآتي: 1 - قوله: أحدهما: "أني كون محرما لعينه كالميتة، فإذا اشتبه المذكى بالميتة حرما جميعا". يناقش هذا الاستدلال: بأن فيه تجنيا على شيخ الإسلام، وتحميلا لأقواله ما لا تحتمله! فأين في كلامه ما يدل على مشاركة من يرابي قرضا وإقراضا مع رضاه بذلك، وشيوع أرباح العقود الربوية واختلاطها بأمواله على وجه لا يمكن تمييزه، وهو الذي يرى وجوب التمييز، وهل يجتمع التمييز مع تركها مشاعة والاتجار بها على وجه الشيوع. اهـ. 2 - وقوله: "ما حرم لكونه غصبا أو المقبوض بعقود محرمة كالربا والميسر"، يناقض بأنه لا دلالة فيه؛ لأنه إذا كان تمييزُ المحرم وإخراجه ¬

(¬1) مجموع الفتاوى 29/ 276.

مطلوبا، فكيف يقال بجواز الدخول فيه، وقد نص الشارع على تحريمه؟! وأما الجواب على ما استدلوا به لهذه القاعدة فيقال: بأن ما نقلوه استدلالا لهذه القاعدة أو تطبيقا لها لا يخرج عن أمور: 1 - إما أن تكون هذه النصوص لا دلالة فيها؛ كالمنقول عن شيخ الإسلام وابن القيم وابن رشد في كيفية التعامل مع المال إذا اختلط المباح منه بالحرام، وأنه لابد من تمييزهما، وأنهما لا يتركان على الشيوع والشركة، كما تقدم. جاء في أحكام أهل الذمة: "إن عمر بن الخطاب قال: "ولوهم بيعها وخذوا أثمانها". قال ابن القيم: "وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم جاز لهم شركتهم في ثمنه، وثمنه حلال؛ لاعتقادهم حله، (هذا معنى معاملتهم)، وما باعوه واشتروه بمال الشركة فالعقد فيه فاسد؛ فإن الشريك وكيل، والعقد يقع للموكل، والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير" (¬1)، وهذا يدل على فساد عقد شراء الأسهم المشتملة على الربا على كلام ابن القيم الذي حمَّلوا قوله ما لا يحتمله، ولا يقوله رحمه الله. 2 - وإما أن تكون في مسائل خالفهم فيها غيرهم، ودلالة قول المجيزين ضعيفة، لا تنهض في مقاومة أدلة تحريم الربا الصريحة التي لا تفرق بين ما كان خالصا وبين ما كان مختلطا مع غيره، وبين ما كان كثيرا وما كان يسيرا مغموسا في الحلال؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع» (¬2)، فهو عام في وضع كل ربا، والمنع من عقده والدخول فيه. ¬

(¬1) أحكام أهل الذمة 1/ 275. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه 3/ 886 كتاب الحج/ باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم 1318 من رواية جابر بن عبد الله.

3 - أن اليسير لا يمكن ضبطه، ويتغير بسرعة حسب خطط الشركة واستراتيجياتها؛ لأن من استباح استثمار المحرم القليل لا يمتنع عن الكثير؛ فإنه لا فرق بينهما عند من يعقد هذه العقود الربوية. 4 - أن نظام الشركات في كل دولة ينص على وجوب اقتطاع جزء معين من الربح كـ 10 % كاحتياطي من الربح، وللجمعية العمومية للشركة أن توقف هذا الاقتطاع إذا بلغ الاحتياطي نصف رأس المال كما ينص عليه النظام السعودي التجاري؛ وهو مبالغ كبيرة جدا، والغالب استثماره في فوائد محرمة عند من يمارس أعمالا ربوية، ومن ثم فدعوى اليسير المحرم فيها نظر؛ لاسيما مع عدم الشفافية والوضوح في ميزانيات بعض الشركات، وسرعة تغيرها. القاعدة الرابعة (¬1): للأكثر حكم الكل: قد يعبر عن هذه المسألة بتعبير آخر وهو الحكم للأغلب، وهذه المسألة ذكرها علماء الفقه والأصول، وخرجوا عليها مجموعة من الجزئيات، ومنها بيع العبد وله مال، وبيع الحامل وغيرهما. وفيما يلي جملة من نصوصهم في هذه المسألة: قال البعلي الحنبلي: الأكل من مال من ماله حرام هل يجوز أم لا؟ في المسألة أربعة أقوال ... الثالث منها إذا كان الأكثر الحرام حرم، وإلا فلا؛ إقامةً للأكثر مقام الكل. قطع به ابن الجوزي في المنهاج. اهـ (¬2). ¬

(¬1) من القواعد التي استدل بها المجيزون. انظر: بحوث في الاقتصاد الإسلامي، للشيخ عبد الله بن منيع، ص234 - 235، الاستثمار في الأسهم، د. علي القرة داغي، مجلة الفقه الإسلامي، العدد التاسع 2/ 83. (¬2) القواعد والفوائد، ص96 - 97.

وقال البهوتي: لا يحرم ما كان من حرير وغيره إذا استويا ظهورا ووزنا، أو كان الحرير أكثر وزنا والظهور لغيره، وكذا إذا استويا ظهورا؛ لأن الحرير ليس بأغلب، وإذا انتفى دليل الحركة بقي أصل الإباحة. وقال أيضا: إن ما غالبه حرير ظهورا يحرم استعماله كالخالص؛ لأن الأكثر ملحَق بالكل في أكثر الأحكام. اهـ (¬1). وقال الحصني الشافعي: إذا رُكِّب الحرير مع غيره مما يباح استعماله كالكتان وغيره ما حكمه؟ يُنْظَر؛ إن كان الأغلب الحرير حرم، وإن كان الأغلب غيره حَلَّ؛ تغليبًا لجانب الأكثر؛ إذ الكثرة من أسباب الترجيح. اهـ (¬2). ويمكن أن يكون من جزئيات هذه المسألة: بيع الشجر وعليه ثمره الذي لم يبد صلاحه؛ إذ لا يخفى أنه لا يجوز بيع الثمر إلا بعد بُدُوِّ صلاحه، ولكن لما كانت الثمرة تابعة للأصل، وهي قليلة القيمة، بجانب قيمة الأصل - جاز ذلك؛ إذ الحكم للأغلب، ويجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا، ولهذه المسألة جزئيات كثيرة في أبواب العبادات والمعاملات. ونظرا إلى أن الغالب على الأسهم موضع البحث الإباحة، والحرام فيها قليل بالنسبة لإباحة غالبها، فإن تخريج حكم التعامل بهذه الأسهم بيعا وشراء وتملكا على المسألة الحكم للأغلب ظاهر لا يحتاج إلى مزيد من التوجيه والتحرير، وما قدَّمْناه من نصوص فقهية قد يكفي في القناعة بجواز تملك ذلك وبيعه وشرائه؛ ما دام الغالب والأكثر فيها مباحا. ويناقش هذا الاستدلال من وجوه: ¬

(¬1) كشاف القناع 1/ 281. (¬2) كفاية الأخيار 1/ 100.

1 - أن هذا الكلام الذي ذكروه قاعدةً ليس على إطلاقه في كل شيء؛ فالخمر مثلا ولو كان قليلا جدا لا يجوز تناوله إذا اختلط بمباح وقد بقي أثره؛ فكذلك خلط الأموال بالأموال المحرَّمة واستثمارها معا، أو أخذ الفوائد عليها معا، وهذا أعظم وأخطر. قال الغزالي: "والحرام المحض: هو ما فيه صفة محرَّمة لا يُشَكُّ فيها؛ كالشدة المطربة في الخمر، والنجاسة في البول، أو حصل بسبب منهيٍّ عنه قطعا كالمحصَّل بالظلم والربا ونظائره" (¬1). 2 - قال الدكتور صالح المرزوقي (¬2): "هذه القاعدة لم أجدها بهذا النص في كتب القواعد التي اطلعت عليها، ولم يحلنا الباحثون أصحاب هذا الرأي على المصادر التي تثبت أنها قاعدة، والراجح عندي أنها ليست كذلك، وأن الفقهاء يوردون هذا القول تعليلا لمسألة يعرضونها، وقريب منه في اللفظ قولهم: "العبرة للغالب الشائع لا للنادر". وفرق بين هذه القاعدة، وذلك التعليل؛ فقاعدة: "العبرة للغالب الشائع لا للنادر" تُعَبِّرُ عن بعض شرائط العرف لكي يعتبر، وهي شرائط الغلبة والشيوع؛ بمعنى أن يكون حاصلا في أكثر الحوادث أو عند أغلب الناس، وأن يكون اشتهار العمل بذلك العرف وانتشاره بين الناس (¬3). وإذا كان العرف - وهو من الأدلة المعتبرة ـ لا يصحُّ الاحتجاجُ به إذا صادم نَصًّا (¬4) فمن باب أولى عدم الاحتجاج بما ذكر أنه قاعدة ¬

(¬1) إحياء علوم الدين 2/ 98. (¬2) حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقرض بفوائد، ص133. (¬3) المدخل الفقهي 2/ 874، ف504. (¬4) الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، للدكتور محمد صدقي البورنو، ص170 - 171.

شرعية وهي: للأكثر حكم الكل؛ لأنه صادم نصوص تحريم الربا. وهي مردودة بقاعدة: "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام" (¬1). 3 - ما ذكروه من نصوص عن الفقهاء؛ فهو أبعد ما يكون عن الشركات المختلطة، وبيان ذلك: أ- ما نقلوه عن البعلي الحنبلي من الأكل ممن في ماله حرام؛ فهو في الأكل وحرامه عليه هو، وأما مخالطتُه ومشاركتُه في الحرام، فهي مشاركة له في الحرام، وإقرار له بهذه المعاملة. ب- ما نقلوه عن البهوتي؛ فيجاب عنه من وجهين: 1 - أنه ليس محل اتفاق؛ بل من أهل العلم من يرى التحريم؛ لعموم أدلة تحريم الحرير. 2 - أنه لا دلالة فيه أيضا؛ لأن الحرام متميزٌ عن الحلال، وخرج به عن مسمى الحرير المحرم؛ بخلاف هذه الشركات؛ فإن الأموال فيها مختلطة اختلاطًا شائعًا غير متميز؛ فالربا متأصلٌ فيها، وغير خارج عن مسماها؛ بل مؤثر في قوة استثمارها ومحرك له، وفيه دفع المال للبنوك، وأخذ للفوائد عليها، وهذا غير خلط الحلال بالحرام. ج- وأما بيع الثمر، فأبعد ما يصلح للاستدلال؛ لأن البيع واقعٌ على الشجر، وهو المقصود بالبيع، والثمر جاء تبعا ولا أثر له؛ بخلاف العقود الربوية قرضا وإقراضا؛ فإنها أصيلة في هذه العقود ومقصودة منها؛ فالفرق بينهما كان بين المشرق والمغرب. ومن ثم فالقول: "بأن تخريج حكم التعامل بهذه الأسهم بيعا ¬

(¬1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص150.

وتملكا وتمليكا على قاعدة الحكم للأغلب ظاهر لا يحتاج إلى مزيد من التوجيه والتحرير .... " هو من أبعد ما يكون عن هذه القاعدة لو سَلِمَتْ هذه القاعدة. القاعدة الخامسة (¬1): ما لا يمكن التحرز منه فهو عفو: هذه المسألة ذكرها علماء الفقه والأصول، وفرعوا عليها الكثير من الجزئيات في العبادات والمعاملات، واعتبروا ما ينطبق عليها من الأمور المعفو عنها (¬2) .... ويناقش: بأن معنى القاعدة: ما لا يمكن التحرز منه - أي: لمشقته ولحوق الضيق والحرج والعنت بتركه - فهو معفوٌّ عنه؛ فهل الاتجار والاستثمار في هذه الشركات ينطبق تحت هذه القاعدة أصلا؟ هذا غير مسلَّم؛ لأنه يمكن التحرُّز من الربا المحرم بعدم الدخول فيه أصلا، وبعدم الدخول في هذه الشركات، والاقتصار على شركات مباحة، أو الاستثمار في مجالات أخرى غير الأسهم، وفي المباح غنية عن الحرام، وامتثال لأمر الله بالبعد عن الحرام والمتشابه، والاستدلال بهذه القاعدة غريب جدا، وكأنه لا يوجد إلا هذه الشركات يستثمر المسلم فيها أمواله. أدلة القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية: أولا: من الكتاب: 1 - آيات سورة البقرة: {الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ ¬

(¬1) من القواعد التي استدل بها المجيزون. (¬2) بحوث في الاقتصاد الإسلامي، ص235.

مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]. {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276]. {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]. {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]. في هذه الآيات بيَّن الله حالَ آكلِ الربا ومتعاطيه، وعقوبة من لم يتب منه، ثم أتبع ذلك بِحَثِّ عباده المؤمنين على التقوى، وبترك ما بقي من الربا، وحذَّر وآذن من استمر على الربا بحرب من الله ورسوله. قال ابن كثير: ذكر الله أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات، فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم فقال: {الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]. أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه، وتخبط الشيطان له؛ وذلك أنه يقوم قياما منكرا. وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق. رواه ابن أبي حاتم (¬1). ¬

(¬1) تفسير ابن كثير 1/ 327.

وقال البغوي في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275]؛ أي: الذين يعاملون به، وإنما خص الأكل لأنه معظم المقصود من المال (¬1). وقال الزركشي: وترك الربا قاعدة الأمان، ومفتاح التقوى، ولهذا قال: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] إلى قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: 279]، ويشتمل على أنواع الحرام، وأنواع الخبائث، وضروب المفاسد، وهو نقيض الزكاة، ولهذا قوبل بينهما في قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، واجتنابه أصل في التصرفات المالية (¬2). وقال الشنقيطي: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]: صَرَّح في هذه الآية الكريمة بأنه يمحق الربا؛ أي: يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به، كما قال ابن كثير وغيره، وما ذكر هنا من محق الربا أشار إليه في مواضع آخر كقوله: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39]، وقوله: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} [الأنفال: 37] (¬3). واعلم أن الله صرح بتحريم الربا بقوله: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وصرح بأن المتعامل بالربا محارب من الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]. {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]. ¬

(¬1) تفسير البغوي 1/ 261. (¬2) البرهان في علوم القرآن 1/ 409. (¬3) أضواء البيان 1/ 160.

وصرح بأن آكل الربا لا يقوم ـ أي: من قبره يوم القيامة ـ إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسِّ؛ بقوله: {الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]. وأختم هذه النقول بقول الإمام الطبري؛ فإن فيه ردًّا على من قال بجواز المشاركة بهذه الشركات، ثم تطهير هذه المشاركة بإخراج ما فيها من مكاسب وفوائد ربوية. قال الإمام الطبري: فإن قال لنا قائل: أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الربا في تجارته ولم يأكله، أيستحق هذا الوعيد من الله؟ قيل: نعم، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكل؛ إلا أن الذين نزلت فيهم هذه الآية يوم نزلت، كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا؛ فذكَّرهم بصفتهم، معظمًا بذلك عليهم أمر الربا، ومقبِّحًا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم، وفي قوله جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ...} الآية. [البقرة: 278 - 279]- ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك، وأن التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الربا، وأنَّه سواء العمل به وأكله وأخذه وإعطاؤه، كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «لعن الله آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه إذا علموا به» (¬1). ¬

(¬1) تفسير الطبري 3/ 103.

2 - آيات سورة آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَاكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130]. في هذه الآية النهي الصريح عن تعاطي كل أنواع الربا؛ لأن "أل" لاستغراق الجنس، وبيان عاقبة متعاطيه بالخزي في نار جهنم؛ لأن الكاتب وكذلك الشاهد إذا كانا ملعونين، فمن يخلط ماله بمال من يرابي أو يدفع ماله لشركة تدفعه للبنوك وتأخذ عليه فوائد ربوية - أشد لعنا من باب أولى. قال الآلوسي: "خص الربا بالنهي لأنه كان شائعا إذ ذاك، وللاعتناء بذلك لم يكتف بما دل على تحريمه مما في سورة البقرة؛ بل صرح بالنهي وساق الكلام له أولا وبالذات؛ إيذانًا بشدة الخطر. والمراد من الأكل الأخذ، وعبر به عنه لما أنه معظم ما يقصد، ولشيوعه في المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع (¬1). وقال القرطبي: "وإنما خُصَّ الربا من بين سائر المعاصي لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]، والحرب يؤذن بالقتل؛ فكأنه يقول: إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم؛ فأمرهم بترك الربا لأنه كان معمولا به عندهم، والله أعلم (¬2). وقال النسفي: هذا نهي عن الربا؛ مع التوبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه؛ كان الرجل منهم إذا بلغ الدَّيْنُ محلَّه يقول: إما أن تقضي حقي أو تربي وتزيد في الأجل. واتقوا الله في أكله لعلكم تفلحون، واتقوا النار التي أعدت للكافرين؛ كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: ¬

(¬1) روح المعاني 4/ 55. (¬2) تفسير الطبري 4/ 202.

هي أخوف آية في القرآن؛ حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدَّة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال سبحانه: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]؛ فأمر سبحانه المؤمنين أن لا يأكلوا الربا، وأن يتقوا الله، وأن يتقوا النار التي أعدت للكافرين؛ فعلم أنهم يخاف عليهم من دخول النار إذا أكلوا الربا وفعلوا المعاصي، مع أنها معدة للكافرين لا لهم .... (¬2). وقال: فإن الله بيَّنَ بنصوص معروفة أن الحسنات يذهبن السيئات، وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ... وأن الربا يبطل العمل، وأنه إنما يتقبل الله من المتقين؛ أي: في ذلك العمل ونحو ذلك (¬3). وقال الشوكاني: "يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافا مضاعفة، وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الأولى والأخرى، ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها؛ فقال تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132]. قوله: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131] فيه الإرشاد إلى تجنب ما يفعله الكفار في معاملاتهم؛ قال كثير من المفسرين: وفيه أنه يكفر من استحل الربا. وقيل: معناه: اتقوا الربا الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار، ¬

(¬1) تفسير النسفي 1/ 178. (¬2) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير 15/ 368. (¬3) المرجع نفسه 12/ 348.

وإنما خص الربا في هذه الآية الذي توعد الله عليه بالحرب منه لفاعله" (¬1). وقال الأندلسي: "وحكى الماوردي وغيره عن قوم أنهم ذهبوا إلى أن أكلة الربا إنما توعدهم الله بنار الكفرة؛ إذ النار سبع طبقات: العليا منها - وهي جهنم - للعصاة، والخمس للكفار، والدرك الأسفل للمنافقين؛ قالوا: فأكلة الربا إنما يُعَذَّبون يوم القيامة بنار الكفرة، لا بنار العصاة، وبذلك توعدوا؛ فالألف واللام على هذا في قوله واتقوا النار إنما هي للعهد" (¬2). ثانيا: من السنة النبوية: دلت أحاديث كثيرة على عظم الربا عند الله وشدة عقوبته، من غير تفريق بين الكثير منه والقليل، وبين الآخذ منه والمعطي له، والمتسبب فيه، وشدة خطورته على المجتمع والأمة إذا تفشى فيها، كما هو الحال الآن، ومن هذه الأحاديث: 1 - ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات!»، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» (¬3). ¬

(¬1) فتح القدير 1/ 381. (¬2) المحرر الوجيز 1/ 507. (¬3) أخرجه البخاري، في كتاب الوصايا، باب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 101]، رقم الحديث (2615)، 3/ 1017، وفي كتاب الحدود، باب رمي المحصنات، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكيدها، رقم (89) 1/ 92.

2 - عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فردَّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا» (¬1). 3 - عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم» (¬2). 4 - وعن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل» (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب آكل الربا وشاهده وكاتبه، رقم (1979) 2/ 734. (¬2) أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا، رقم (2275) 2/ 765 بلفظ "الربا ثلاثة وسبعون بابا". وقال الألباني: صحيح، والحاكم في كتاب فضائل القرآن. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، رقم (2259) 2/ 43 واللفظ له، والبيهقي في الشعب، باب في قبض اليد عن الأموال المحرمة، رقم (5519) 4/ 392 وقال: هذا إسناد صحيح والمتن منكر بهذا الإسناد ولا أعلم إلا وهما وكأن دخل لبعض رواة الإسناد في إسناده. (¬3) أخرجه الحاكم في كتاب فضائل القرآن وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه، رقم (2262) 2/ 43، وأحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، رقم (3754) 1/ 395، قال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح، وأبو يعلى مسند عبد الله بن مسعود، رقم ..... ، والطبراني طرق حديث عبد الله بن مسعود مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم (10538) 10/ 223، والبزاز، أو مسند عبد الله بن مسعود، رقم (2042) 9/ 411، والبيهقي في الشعب، باب قبض اليد عن الأموال المحرمة، رقم (5511) 4/ 392.

5 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الآخذ والمعطي سواء في الربا» (¬1). 6 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا» (¬2). 7 - عن عبد الله بن سلام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام» (¬3). 8 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربع حق على الله أن لا يدخلهم الجنة، ولا يذيقهم نعيما: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه» (¬4). ¬

(¬1) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت ...»، أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا، رقم (2273) 2/ 763، قال الألباني: ضعيف. وابن شيبة في كتاب المغازي حديث المعراج حين أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (36574) 7/ 335، وأحمد في مسند بني هاشم، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، رقم (8625) 2/ 353، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف. (¬2) أخرجه الحاكم في كتاب فضائل القرآن، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، رقم (2307) 2/ 56. (¬3) أخرجه الطبراني في الأوسط، رقم (2682) 3/ 124، والدارقطني في كتاب البيوع، رقم (48) 3/ 16، وأحمد في مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث عبد الله بن سلام، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن سلام، والمنذري في الترغيب والترهيب، رقم (1159) ج1، وقال الألباني: ضعيف. (¬4) أخرجه الحاكم في كتاب فضائل القرآن، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، رقم (2260) 2/ 43، والبيهقي في الشعب، باب في قبض اليد عن الأموال المحرمة، رقم (5530) 4/ 397.

9 - عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تشترى الثمرة حتى تطعم، وقال: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله» (¬1). 10 - وعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل» (¬2). 11 - عن عمرو بن العاص سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسَّنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب» (¬3). وإذا كانت تلك الأحاديث قد دلت على عظم الربا وشدة عقوبته وخطورته على الأمة، فقد دلت أحاديث أخرى على شمول العقوبة لكل متعاط للربا، أخذا وإعطاء، بل وإعانة، حتى ولو بكتابة أو شهادة. 1 - عن جابر قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: «هم سواء» (¬4). ورواه مسلم أيضا من حديث ابن مسعود والبيهقي عن علي. وروى البخاري عن أبي جحيفة قال: لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا وموكله (¬5). ¬

(¬1) أخرجه الحاكم في كتاب البيوع رقم 2261 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه 2/ 43. (¬2) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى وإسناده جيد رقم 6581، مجمع الزوائد 4/ 2130. (¬3) أخرجه أحمد في مسند الشاميين بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (17856) 4/ 205، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف جدا، عبد الله بن لهيعة سيئ الحفظ. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة/ باب لعن آكل الربا ومؤكله رقم 1598، 3/ 1219. (¬5) أخرجه البخاري في كتاب البيوع/ باب موكل الربا رقم 1980، 2/ 735.

فهذا الحديث نص صريح في تحريم المشاركة في هذه الشركات، أو المضاربة في أسهمها من وجهين: أحدهما: أنه صرح بلعن الآكل وهو الآخذ، والموكل وهو المعطي؛ فيدخل في عمومه كل معط للربا، ومن يقدم ماله في هذه الشركات فهو معط أو آخذ. الثاني: أنه أدخل في اللعن الكاتب والشاهد، وفي هذا تنبيه على دخول كل من يشارك في الربا بأي نوع مشاركة أو إعانة. ودخول من يقدم أمواله لهذه الشركات لتودع جزءا منها مقابل فوائد ربوية من باب أولى؛ لأنه معط للربا. وكذلك من يشارك بأمواله من يقترض أموالا ربوية، وتخلط هذه الأموال معا، وتستثمر في نشاط هذه الشركة وتدفع الفوائد على هذه القروض من مجموع الأموال؛ حتى ولو أراد التطهير، فإن هذا لا يخرجه عن عموم هذا اللعن والتحريم. قال ابن القيم: "إن الربا لم يكن حراما لصورته ولفظه، وإنما كان حراما لحقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع؛ فتلك الحقيقة حيث وجدت وجد التحريم في أي صورة ركبت، وبأي لفظ عبر عنها؛ فليس الشأن في الأسماء وصور العقود، وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له" (¬1). ثم بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الربا تفشَّى في هذه الأمة، ولعل الواقع يدل على ذلك، وأن الإنسان سيأخذ المال غير مبال ممن أصابه أو اكتسبه، ثم عاقبة أمره إلى قلة وخسار: ¬

(¬1) إعلام الموقعين 3/ 148.

1 - فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا فإن لم يأكله أصابه من بخاره». قال ابن عيسى: «أصابه من غباره» (¬1). 2 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام». 3 - وعن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل» (¬2). ثالثا: الآثار عن الصحابة: كثيرة منها: 1 - روى النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [الصافات: 22]، قال: أمثالهم الذين هم مثلهم يجيء أصحاب الربا مع أصحاب الربا ...) (¬3). 2 - قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه لرجل: إنك بأرضٍ الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق فأهدى ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب في اجتناب الشبهات، رقم (3331) 3/ 323. قال الألباني: ضعيف، وابن ماجة في كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا، رقم (2278) 2/ 765، والحاكم في كتاب فضائل القرآن، وقال: وقد اختلف أئمتنا في سماع الحسن عن أبي هريرة فإن صح سماعه منه، فهذا حديث صحيح، رقم (2162) 2/ 13. أقول: لكنه لم يثبت سماعه. (¬2) سبق تخريجه ص 50. (¬3) أخرجه الحاكم في كتاب التفسير، تفسير سورة الصافات، رقم (3609) 2/ 467، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، قال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور في تفسير سورة الصافات: الآية 22 (بالزيادة الموجودة).

إليك حمل تبن، أو حمل شعير أو حمل قت، فلا تأخذه، فإنه ربا (¬1). ووجهه: أن الهدية إذا كانت من أجل حق في الذمة من باب الربا، ونهى عنها رضي الله عنه، فدفْع المال لمن يربي فيه أو يخلطه بأموال ربوية وينميها ويستثمرها أولى بالنهي وأشد وقوعا في الإثم والحرام. 3 - قال ابن مسعود: (ما هلك قوم إلا وقد فشا فيهم الربا والزنا) (¬2). 4 - أن رجلا سأل ابن عباس: هل يشارك اليهودي والنصراني؟ فقال: (لا تفعل؛ فإنهم يربون والربا لا يحل) (¬3). ووجهه: أنه نهاه عن المشاركة، وعلَّلَ النهي بأنهم يربون، والربا قد يوجد منهم في حال الشركة، وقد لا يوجد، فكيف بمن يقدِّم أمواله لشركة ترابي فيها، وتأخذ عليه فوائد ربوية، أو تخلطها بأموال اقترضتها بفوائد ربوية، أليس أولى بالنهي وأصرح بالتحريم وأنه لا يحل؟! ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه، رقم (3603) 3/ 1388. (¬2) أخرجه المروزي، ذكر السنن التي هي تفسير لما افترضه الله مجملا، رقم (177) 1/ 180، والداني، باب ما جاء فيما ينزل من البلاء ويحمل من العقوبة، رقم (323) 1/ 379، وفي مسند أحمد: «ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله». عن عبد الله بن مسعود، قال البيهقي في مجمع الزوائد 4/ 118: رواه أبو يعلى وإسناده جيد، رقم (9768)، وقال الألباني في غاية المرام: حسن، وفي صحيح الجامع، رقم (5510). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب البيع والأقضية في مشاركة اليهودي والنصراني، رقم (19980) 4/ 268، والبيهقي في كتاب البيوع، باب كراهية مبايعة من أكثر ماله من الربا أو من المحرم، رقم (10604) 5/ 335.

وبمثل فتوى ابن عباس أفتى طائفة من التابعين؛ منهم عطاء، وابن سيرين، وطاووس، ومجاهد، والضحاك (¬1). رابعا: الأدلة من الاعتبار والنظر المبني على الأثر: 1 - القاعدة المعروفة: (الشك في التساوي كتحقق التفاضل). فإذا كان مجرد وجود شك في تساوي البدلين يمنع من صحة المعاملة بحيث يلحقها فيما تحقق فيه التفاضل ـ كما تدل على ذلك أدلة تحريم المزابنة والمحاقلة (¬2)؛ فوجود الربا المحقق من باب أولى؛ كما في أسهم الشركات التي تقترض بفوائد، أو تودع أموال المساهمين أو الفائض منها في البنوك وتأخذ عليها فوائد ربوية، وأموال المساهمين شائع بعضها في بعض لا يمكن تمييزه؛ فالمساهمة في مثل هذه الشركات أو المضاربة بأسهمها تمكين لهذه الشركات من تشغيلها بفوائد ربوية، أو خلطها بأموال مقترضة بفوائد ربوية؛ فالربا متأصل فيها من كل ناحية. 2 - كل عقد يدخله الربا فهو باطل أو فاسد باتفاق المذاهب، وبطلانه أو فساده من وجهين: الوجه الأول: أنه منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، أو وصفه الملازم له، وهو هنا قد عاد إلى وصف الملازم ـ وهو الربا ـ ¬

(¬1) مصنف ابن أبي شيبة 4/ 296. (¬2) كحديث أبي سعيد: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة والمحاقلة»، والمزابنة: اشتراء التمر بالتمر في رؤوس النخل. أخرجه البخاري 2/ 763، كتاب البيوع، باب بيع المزابنة، ومسلم في صحيحه 3/ 1179، حديث رقم (1546)، وحديث جابر: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة والمحاقلة»، والمحاقلة أن يباع الحقل بكيل معلوم. أخرجه مسلم 3/ 1175، حديث رقم (1536).

لاسيما وقد اقترن به ما يدل على الفساد، وهو عدم ثبوت الملك ووجوب الرد، كما تقدم في الآيات السابقة. قال القرطبي: التاسعة عشر: عقد الربا مفسوخ، لا يجوز بحال؛ لما رواه الأئمة، واللفظ لمسلم عن أبي سعيد قال: جاء بلال بتمر بَرْنِيٍّ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أين هذا؟» فقال بلال: تمرٌ كان عندنا رديء فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله عند ذلك: «أوه، عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به». وفي رواية: «هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا». قال علماؤنا: فقوله: «أوه عين الربا»، أي: هو الربا المحرم نفسه، لا ما يشبه، وقوله: «فردوه» يدل على وجوب فسخ صفقة الربا، وأنها لا تصح بوجه، وهو قول الجمهور (¬1). وقال ابن حجر معلقًا على حديث: «من عمل عملا ليس علينا أمرنا فهو رد» .... قال: "وفيه رد المحدثات وأن النهي يقتضي الفساد؛ لأن المنهيَّات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها" (¬2). قال في اللمع: (فصل: والنهي يدل على فساد المنهي عنه في قول أكثر أصحابنا) (¬3). الوجه الثاني: أنه قد اختل شرط من شروط صحة العقد؛ وهو أن يكون المعقود عليه مباحا؛ وهو ما يعبر عنه الفقهاء: "أن تكون العين المعقود عليها أو على منفعتها مباحة النفع مع غير حاجة"، والربا محرم بالإجماع، وأدلة تحريمه من الكتاب والسنة صريحة قطعية متواترة، والشركات التي تودع ¬

(¬1) تفسير القرطبي 3/ 358. (¬2) الفتح: 5/ 303. (¬3) 1/ 25. وانظر: المستصفى 1/ 221، وتحقيق المراد 1/ 74، 91 - 92.

أو تقترض بفوائد قد اختلت عقودها؛ لفقدانها هذا الشرط وهو الإباحة. والعقود الفاسدة لا يثبت فيها الملك، ولا يصح التصرف فيها، قال في الإنصاف (¬1): "المقبوض بعقد فاسد لا يملك به، ولا ينفذ تصرفه على الصحيح من المذهب". جزم به المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره. وقال في المغني: "فأما ما يشتريه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة، فإنه يقع فاسدا، وعليه الضمان؛ لأن عقد الوكيل يقع للموكل، والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير، فأشبه ما لو اشترى به ميتة، أو عامل بالربا". وقال في بدائع الصنائع (¬2): "ولأن اشتراط الربا في البيع ونحو ذلك معصية، والزجر عن المعصية واجب، واستحقاق الفسخ يصلح زاجرا عن المعصية؛ لأنه إذا علم أنه يفسخ فالظاهر أنه يمتنع عن المباشرة"، وقال فيه: "والملك الخبيث لا يفيد إطلاق الانتفاع؛ لأنه واجب الرفع" (¬3). 3 - أن الشارع حرم الربا من كل وجه، وحرم كل وسيلة أو فعل يتوصل به إلى الربا، كما في بيع العينة (¬4) ونحوها؛ فلاشك أن تحريم ¬

(¬1) 4/ 362. (¬2) 5/ 300. (¬3) وفي البحر الرائق 5/ 282 ومنها ـ أي شروط البيع ـ الخلو عن شبهة الربا. وفي الدر المختار: وبطل بيع مال غير متقوم أي غير مباح الانتفاع به 52/ 55. (¬4) انظر: فتح القدير لابن الهمام 7/ 148، البحر الرائق 6/ 216، القوانين الفقهية لابن جزي 1/ 171، إرشاد الفحول 1/ 412 - 413، وبيع العينة مأخوذ من العين وهو المال الحاضر؛ لأنه يبيع به، وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة. وفي الاصطلاح: هو أن يبيع الرجل من الرجل السلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. انظر: تفسير القرطبي 2/ 59، الدر المختار 5/ 325، فتح الباري 4/ 401، الكافي لابن قدامة 2/ 25، الإنصاف 4/ 335، الدراري المضيئة 1/ 208، سبل السلام 3/ 42، التعريفات 1/ 69. ويطلق عليها المالكية بيوع الآجال. انظر: الكافي لابن عبد البر 1/ 325، الشرح الكبير للدردير 3/ 76. ومن أدلة تحريم بيع العينة: حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم». وما رواه أبو إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت: يا أم المؤمنين، إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بتسعمائة درهم نقدا، فقالت عائشة: بئسما اشتريت وبئسما شريت، أخبري زيدا أن قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب.

العقد المتصل به الربا من باب أولى، وهو آكد وأقطع في التحريم، ومن ذلك هذه الأسهم محل البحث. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكر بعض الحيل الربوية: (فهذا ونحوه من الحيل لا تزول به المفسدة التي حرم الله من أجلها الربا ...)، ثم قال: (ودلائل تحريم الحيل من الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار كثيرة، ذكرنا منها نحو ثلاثين دليلا .... ومن ذرائع ذلك مسألة العينة) (¬1). وقال الشيخ عبد الله بن بيَّه: (وتحريمه من باب تحريم المقاصد وتحريم الوسائل؛ أما تحريم المقاصد فلأنه ممارسة للربا في شكل بيوع فاسدة، وتعاطي البيع الفاسدة في حد ذاته محرم مهما كانت نية المتعاطي في جبره. قال السيوطي: "تعاطي البيوع الفاسدة حرام" (¬2)، وممنوعة منع الوسائل والآلات؛ لأنها تعاون على الإثم؛ قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. لأنها وسيلة إلى استمراء الربا والانغماس في حمأته، وقد يؤول ¬

(¬1) مجموع الفتاوى 29/ 28 - 30 ملخصا. (¬2) الأشباه والنظائر، ص287.

الأمر إلى ورثة لا يهتمون حتى بإخراج الأرباح الناشئة عن "المعاملات الربوية" (¬1) أو لا يعلمون بها وبمقدارها (¬2). الترجيح: القول الأول هو القول الراجح الذي تدل على قوته ورجحانه الأدلة من الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة فمن بعدهم؛ بل إن حديث جابر في لعن آكل الربا، ومؤكِله، وكاتبه، وشاهديه (¬3) نص ـ فيما يظهر لي والله أعلم ـ على التحريم؛ فإذا كان كاتب الربا والشاهد عليه ملعون بنص هذا الحديث، فما الحال فيمن يقدِّم ماله لشركة تتاجر فيه، أو بجزء منه بالفوائد الربوية أو تخلطه بمال ربوية تتاجر فيه؟! إضافة إلى قوة الأدلة التي استدل بها لهذا القول، مع مناقشة جميع أدلة القول الثاني القائل بالجواز، وعدم سلامتها، وبقائها بعد المناقشة في مقابل أدلة القول بالتحريم. ولو لم يكن في قول القائلين بالجواز إلا وجود الشبهة في هذا القول لكان كافيا، كما صرح بذلك كثير منهم، وقالوا بوجوب تحري الكسب الطيب والبعد عن الخبيث، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وفي حديث النعمان بن بشير تأكيد لهذا المعنى؛ قال رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما مشبَّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن ¬

(¬1) توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، ص58 - 59. (¬2) وقد ذكر الأستاذ إبراهيم السكران في بحثه: "الأسهم المختلطة" أدلة لهذا القول، وأورد عليها بعض المناقشات ... وقد قمت بالتعليق على هذا البحث في مبحث مستقل، ونظرا لطول هذا التعليق فقد جعلته في ملحق في آخر البحث قبل الخاتمة. (¬3) سبق تخريجه ص52.

وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه» (¬1). قال الشيخ عبد الله بن بيه (¬2): (ولم نجد نقلا يجيز الدخول معه في شركة مع العلم بأنه يتعاطى الربا، ولا نعلم أحدا أقرَّه على الاشتراك معه إذا اكتشف ذلك التعامل؛ لأنه لا يجوز أن يبقى المسلم متلبسا بمعاملته الربوية ليدفع قسطا من أرباحه تخلصا من الحرام، وإنما يجب أن يكون دفع هذا القسط علامة على التوبة على أن لا يعود؛ قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92]. ولتأكيد وتأصيل ما ذهبنا إليه نذكر ثلاثة قواعد في شكل مبادئ: المبدأ الأول: إن الشريك يده هي نفس يد الآخر؛ بحيث أن أي عمل يعمله الآخر بالشركة هو عمله هو، لا فرق بينهما، أشار إلى ذلك ابن قدامة، فهو وكيل عنه. المبدأ الثاني: هو شيوع الحرام في مال الشركة، مما يجعلها متلبسة بالحرام، حتى ولو أعطى قسطا من الربا؛ حيث يظل ماله مخلوطا ببقية مال الشركة الذي ينتشر فيه الحرام؛ فإن ذلك لا يطهره؛ لأن المعاملات الربوية هي معاملات فاسدة، وبالتالي فإن المال مرهون بمعاملات فاسدة ينتشر فيها الحرام. المبدأ الثالث: إن الشركة كالوكالة، والوكالة لا تجوز على محرم، قال السيوطي: "قاعدة: من صحت منه مباشرة الشيء صح توكيله فيه غيره وتوكله عن غيره، وإلا فلا" (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع/ باب الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات رقم 1946، 2/ 723، وأخرجه مسلم في كتاب المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات رقم 1599، 3/ 1219 ... (¬2) توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، ص56 - 58. (¬3) الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص463.

المسألة الثانية: في فروع متعلقة بهذا الحكم

وأختم الترجيح بقرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم 63 (1/ 7) عام 1412هـ - 1992م في جدة، وفيه: "الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات؛ كالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة". * * * * * المسألة الثانية: في فروع متعلقة بهذا الحكم الفرع الأول: التطهير هل يرفع التحريم. الفرع الثاني: مساهمة من يقدر على التغيير في هذه الشركات ويزيل ما فيها من حرام. الفرع الثالث: المساهمة فيها إذا خيف من استيلاء غير المسلمين على هذه الشركات. الفرع الأول: التطهير هل يرفع التحريم: إن القول بوجوب التطهير إقرار بوجود الربا، والربا محرم بالإجماع، والإخراج للجزء المحرم لا يبيح الدخول في المحرم، والتوبة من المحرم واجبة، ومن يقيم على المحرم فليس تائبا منه؛ إذ من شروط التوبة النصوح: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على أن لا يعود؛ فهل هي موجودة؟! الجواب: لا، وهو لا يزال يقدم ماله لشركة ترابي فيه، وتأخذ عليه فوائد ربوية، أو تخلطه بأموال ربوية، فهو لم يقلع عن الذنب، ولم يندم حقيقة على ما فات، مع إقامته على المحرم، فكيف بالشرط الثالث: العزم على ألا يعود وهو مقيم عليه، والتطهير لازم له؛ لأنه منهي عن أكل الربا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَاكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130]؛

لكنه لا يرفع ذنب الإقدام على المحرم ما دام متلبِّسًا فيه؛ فلا تلازم بين التطهير وكونه مقيمًا على الذنب؛ قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17 - 18]. قال الطبري: (يعني بذلك جل ثناؤه: وليست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار على معاصي الله ...). وقال القرطبي في قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [النساء: 18]: يعني: قبول التوبة للذين أصروا على فعلهم ... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (التوبة نوعان: واجبة ومستحبة؛ فالواجبة هي التوبة من ترك مأمور أو فعل محظور، وهذه واجبة على جميع المكلفين كما أمرهم الله بذلك في كتابه وعلى ألسنة رسله) (¬1). وقال ابن رجب: (.... التوبة النصوح أن لا يعود إلى الذنب أبدا؛ فمتى عاد إليه كان كاذبا في قوله: وأتوب إليه) (¬2). يؤكد هذا المعنى قوله تعالى في آيات الربا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]. فن أقام في هذه الشركة التي تمارس أعمالا ربوية مع علمه بذلك، فإنه لم ينته ـ حتى ولو قام بالتطهير ـ بل ما زال عائدا في الربا ¬

(¬1) جامع الرسائل، رسالة في التوبة 1/ 227، تحقيق محمد رشاد سالم. (¬2) جامع العلوم والحكم، ص396.

الفرع الثاني: مساهمة من يقدر على التغيير فيها

المتوعد عليه في الآية والأحاديث المتقدمة التي لعن فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل من يشارك في الربا بأي وجه، حتى ولو كان مجرد كتابة أو شهادة، فكيف بمن لا يزال مقيما عليه!! الفرع الثاني: مساهمة من يقدر على التغيير فيها (¬1): الشركات التي أصل نشاطها مباح لكنها تمارس أعمالا محرمة كالإقراض والاقتراض بفائدة، يجوز لمن كان قادرا على تغييرها الدخول فيها وشراء أسهمها بنية التغيير وإبعادها وتطهيرها من الأعمال المحرمة ـ فيما يظهر؛ لكن بشرط أن تكون القدرة متيقنة مجزوما بها، فإن كانت متوقعة أو عنده شك في قدرته على التغيير، فلا يجوز له الدخول فيها. ودليل جواز الدخول مع القدرة على التغيير ما يترتب على التغيير والتطهير من درء مفاسد الحرام وجلب مصالح الحلال، والشريعة جاءت بدرء المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكثيرها، ولاشك أن في تطهير هذه الشركات من الحرام وقصرها على الحلال تحصيلا لهذه المصالح وتكميلا لها وتزكية وتطييبا لأموال الناس وأعمالهم. كما أن في هذا تحقيقا لمبدأ التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالْتَّقَوَى} [المائدة: 2]، وإبعاد الحرام عن معاملات الناس وتطهيرها منه من أعظم جوانب هذا التعاون وآكده تحقيقا. وهذا يكون إن شاء الله بتكاتف جهود الخيِّرين وتعاضدهم ودخولهم ¬

(¬1) على القول الأول القائل بتحريم المساهمة في هذه الشركات وهذا خاص بمن يساهم بقصد الاستثمار وليس بقصد المضاربة، لأن الإصلاح بالنسبة للمضارب غير ممكن؛ حيث سرعة البيع والشراء وعدم الاستقرار على أسهم شركة معينة.

الفرع الثالث: حكم المساهمة في هذه الشركات إذا خيف استيلاء غير المسلمين عليها

بقوة في هذه الشركات ومجالس إدارتها، عن طريق شراء غالبية أسهمها والتأثير في سياستها وقراراتها كما حدث من بعض رجال الأعمال (¬1). وقد جاء النص في فتاوى الندوة السادسة للبركة (1989م) على مشروعية الإقدام على شراء أسهم الشركات، (مهما كان غرضها الأصلي)؛ بقصد أسلمة معاملاتها؛ بل اعتبر ذلك مطلوبا؛ لما فيه من زيادة مجالات الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية. كما جاء في قرار ندوة مشتركة بين مجمع الفقه الإسلامي، والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب (1993م): "إن الإسهام في الشركات المساهمة التي تتعامل بالربا بقصد إصلاح أوضاعها بما يتفق مع الشريعة الإسلامية من القادرين على التغيير مشروع، على أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن" (¬2). الفرع الثالث: حكم المساهمة (¬3) في هذه الشركات إذا خيف استيلاء غير المسلمين عليها: تتفاوت الدول في طرح أسهم الشركات لغير مواطنيها ممن تجيز أنظمتها مثل هذا الطرح، تتفاوت في نسبة ما يطرح لغير مواطنيها. وفي حالة طرح نسب عالية (¬4) يخشى معها استيلاء الأجانب على ¬

(¬1) مثل رجل الأعمال سليمان الراجحي في شركة نادك الزراعية، وما حصل من رجل الأعمال صالح كامل في شركات متعددة، فجزاهما الله خيرا، والأمة تطمح في المزيد. (¬2) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة، العدد التاسع، 2/ 117. (¬3) المقصود بالمساهمة هنا: الاستثمار، وأما المضاربة فلا أثر لفعل المضارب في دفع هذا الخوف. (¬4) يتخوف الكثير من التابعين في الأوساط الاقتصادية وغيرها من سلبية مثل هذا الانفتاح من أن يؤدي إلى خلق نوع من عدم الاستقرار وعودة إلى عصور الاستعمار والتسلط، أو إحداث هزات اقتصادية خطيرة إذا ما تمت مثل هذه القرارات وتوسع فيها بحيث أصبحت الغلبة في الملكية ممكنة لغير المواطنين. وعلى الحكومات أن تدرس هذه القرارات دراسة متأنية ومتوازنة مراعية فيها المصالح العليا للبلد، وأن تكون مضبوطة بضوابط وأنظمة تمنع من مثل هذه السلبيات وتحد من هذه المخاوف، ولابد من مشاركة المتخصصين في الأنظمة والاقتصاد في مثل هذه الدراسات، ولعل فيما حدث في أسواق جنوب شرق آسيا قبل أعوام خير شاهد على مثل هذه المخاوف.

القسم الأول: الشركات المؤثرة في اقتصاد البلد

هذه الشركات، والتحكم في قراراتها واستراتيجياتها، فيما لو كانت هذه الشركات من النوع الذي يمارس أعمالا محرمة، وتخلى المسلمون من أبناء البلد عن المساهمة فيها آخذا بالرأي القائل بحرمة المساهمة في مثل هذه الشركات؛ فهل مثل هذه المخاوف تغير في الحكم. أعتقد أنه لبيان الحكم في هذه المسألة لابد من التفريق بين الشركات والتمييز بينها وتقسيمها إلى قسمين: 1 - شركات مؤثرة في اقتصاد البلد. 2 - شركات غير مؤثرة. القسم الأول: الشركات المؤثرة في اقتصاد البلد: كالشركات الصناعية الكبرى، أو شركات الخدمات التي تمس كل مواطن، ويحتاج إلى خدماتها؛ ففي حال فتح باب المساهمة فيها لغير مواطني البلد وقيام خوف كبير على الاستيلاء عليها، ومن ثم توقُّع أضرار عامة بالمواطنين؛ لاسيما إذا لم تحدد نسبة الاكتتاب لغير المواطنين؛ بل وفي ظل ظاهرة سيطرة الأجانب في عدد من البلدان الإسلامية على معظم الأنشطة الاقتصادية، وفي ابتعاد المسلمين، ستزداد هذه السيطرة، وسيصعب كسر هذه الحلقة حول

الاقتصاد الوطني، ومساهمة المسلمين في هذه الشركات هي خطوة مهمة جدا في سبيل استعادتهم لملكية وإدارة الاقتصاد، وعدم تركه في أيدي غير المسلمين، أو على الأقل في سبيل تحقيق التوازن ووجود حصة لهم في الاقتصاد الوطني تتناسب مع نسبتهم في مجموع السكان كأكثرية إسلامية (¬1). فهل يقال بجواز الاكتتاب والمساهمة فيها والتخلص من المحرم حتى لا تبقى البلد رهينة تحكم خارجي يلحق بها ضررا بيِّنًا، أو يقال بعدم الجواز آخذا بالعمومات؟ تقدم في الفرع الأول: جواز دخول من عنده قدرة متيقنة ومجزوم بها في الشركات بنية تغييرها؛ مراعاة لتقليل المفاسد ودرئها وجلب المصالح وتكثيرها، وإذا كان هذا يتعلق بتصحيح وضع شركة معينة وقد يكون تأثيرها محدودا. فإذا كان الأمر يتعلق بدرء مفسدة عليا عن الوطن وجلب مصلحة له، تمنع من الهيمنة والسيطرة على اقتصاده ومصالحه؛ فإن القول بالجواز هنا متجه؛ بل هو أولى؛ لكن كل هذا بشرط أن تكون المفاسد المذكورة متحققة أو غالبة في التحقق؛ حتى يمكن إعمال قواعد "درء المفاسد وجلب المصالح"؛ فإنها أصل من أصول الشرع. أما إذا كانت مجرد مخاوف أو احتمالات، أو لا وجود لها؛ لأن النسبة المسموح بها لغير المواطنين لا تمكنهم من السيطرة عليها والتحكم في سياستها وقراراتها - فإنه لا يجوز الدخول فيها؛ ¬

(¬1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة التاسعة، العدد التاسع 2/ 42 - 43، د. منذر قحف.

القسم الثاني: الشركات غير المؤثرة

أخذا بتلك العمومات المانعة المحكمة، ومفسدة الولوغ في الربا وأثره السيئ على الأفراد والمجتمعات أعظم من أن تدفع بمجرد احتمالات ودعاوى لا وجود لها عند التحقيق، وفي واقع الأمر. والله أعلم. القسم الثاني: الشركات غير المؤثرة: كالشركات الصغيرة في حجمها، أو في إنتاجها، أو في تأثيرها في السوق واقتصاد البلد، ومساهمة غير المواطنين لا تؤثر سلبا، ولو وجد مفسدة فهي قليلة ومغمورة لا تعادل مفسدة الولوغ في الربا من أجل درئها؛ فإنه لا يجوز الدخول فيها لعدم قيام الأسباب المؤثرة التي تراعى فيها المصالح وتدرأ فيها المفاسد، وتَمَسُّكًا بتلك العمومات المحكمة الصريحة في المنع من كل ربا قليلا كان أو كثيرا. * * * * * المسألة الثالثة: إذا دخل في شركة، ثم تبيَّن له وجود استثمار محرم فيها إذا دخل في شركة تستثمر في محرم فعليه الخروج منها متى علم بالمحرم؛ لكن إن دخل فيها بمقتضى فتوى أو قول لمن يثق بعلمه ودينه ثم أراد الخروج، فإنه يخرج منها ويتخلص فقط ما فيها من فوائد ربوية؛ لأنها حرام بالنصوص المتقدمة. وهذا الذي أراده شيخ الإسلام بتلك النصوص التي نقلها القائلون بجواز الاستثمار في هذه الأسهم، يقول رحمه الله: (ما حرم لكونه غصبا أو المقبوض بعقود محرمة كالربا والميسر، فهذا إذا اشتبه واختلط بغيره لم يحرم الجميع؛ بل يميز قدر هذا من قدر هذا، فيصرف هذا إلى مستحقه،

وهذا إلى مستحقه) (¬1). وما عدا ذلك من أرباح فإنها تطيب له، قال شيخ الإسلام: (.... وهكذا من كان قد عامل معاملات ربوية يعتقد جوازها، ثم تبين له أنها لا تجوز، وكانت من المعاملات التي تنازع فيها المسلمون، فإنه لا يحرم عليه ما قبضه بتلك المعاملة على الصحيح) (¬2). وقال في موضع آخر: (وما اكتسبه الرجل من الأموال بالمعاملات التي اختلفت فيها الأمة - كهذه المعاملات المسؤول عنها وغيرها - وكان متأولا في ذلك، ومعتقدا جوازه لاجتهاد، أو تقليد، أو تشبُّه ببعض أهل العلم، أو لأنه أفتاه بذلك بعضهم، ونحو ذلك - فهذه الأموال التي كسبوها وقبضوها ليس عليهم إخراجها؛ وإن تبين لهم بعد ذلك أنهم كانوا مخطئين في ذلك، وأن الذي أفتاهم أخطأ؛ فإنهم قبضوها بتأويل، فليسوا أسوأ حالا مما اكتسبه الكفار بتأويل باطل. لكن عليهم إذا سمعوا العلم أن يتوبوا من هذه المعاملات الربوية، ولا يصلح أن يقلد فيها أحدا ممن يفتي بالجواز ...) (¬3). وإن كان قد دخل بها وهو يعلم أنها تستثمر في محرم غير آخذ بقول أو فتوى ترى الجواز، فيجب عليه التخلص مما فيها من فوائد ربوية (¬4) كما تقدم، وما عدا ذلك من أرباح فقيل: يتخلص منها. لأنه ¬

(¬1) مجموع الفتاوى 29/ 276. (¬2) مجموع الفتاوى 29/ 267. (¬3) 29/ 443 - 445. (¬4) وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وجوب التخلص من هذه الأرباح المتجمعة من الفوائد، لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 275]، ووجهه: أن الله قد عفى عما سلف، والمحرم ما لم يقبض من المستدين ونحوه وإن كان الأفضل في حقه التخلص منه. وجماهير أهل العلم على وجوب التخلص من الربا لعموم: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279]، ووجهه: أنه تعالى قصر الحق على رأس المال، وقول الجمهور أحوط وأبرأ، وقالوا: إن معنى {فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] أي: مما أكل وأخذ قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك، ويؤيد ذلك الأثر عن عائشة في قصة أم ولد زيد بن أرقم ـ المتقدمة ص59. انظر: تفسير الطبري 3/ 101، وابن كثير 1/ 436، تفسير أبي مسعود 1/ 266، تفسير النسفي 1/ 134.

دخل عالما بالتحريم معتقدا بطلان عقده، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬1)، ومشاركة من يرابي ليس عليها أمر الله ورسوله؛ فتكون مردودة مع ما يترتب عليها؛ لأن ما نشأ عن باطل فهو باطل. قال في الإنصاف (¬2): المقبوض بعقد فاسد لا يملك به ولا ينفذ تصرفه على الصحيح من المذهب، جزم به المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره (¬3). ومقتضى قول شيخ الإسلام المتقدم: (المقبوض بعقود محرمة كالربا والميسر إذا اشتبه واختلط بغيره لم يحرم الجميع؛ بل يميز قدر هذا من قدر هذا، فيصرف هذا إلى مستحقه وهذا إلى مستحقه). مقتضى هذا القول: أن الأرباح الناشئة في أمواله من غير فوائد ربوية - أنها تطيب له؛ لأن أصل كسبها حلال وطيب. ¬

(¬1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، رقم (3243)، وأخرجه هو والبخاري بلفظ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد». صحيح البخاري، كتاب الصلح، رقم (2499)، وصحيح مسلم، كتاب الأقضية، رقم (3242). (¬2) 4/ 362. (¬3) انظر: بدائع الصنائع 4/ 582، 585، البحر الرائق 5/ 277، المغني 5/ 109، تفسير القرطبي 3/ 355 - 356.

وهذا القول هو الراجح فيما يظهر؛ بناء على هذا الأصل؛ لكن يخرج شيئا من هذا الكسب إن كانت الشركة اقترضت قروضا ربوية، واستثمرتها مع أموال المساهمين؛ لأن الربح ناشئ من مجموع هذه الأموال، ولو خسرت الشركة لدفعت الفوائد على القروض من مجموع هذه الأموال، وهذا المخرج تطييب لكسبه وإبراء لذمته. * * * * *

المبحث الثاني المعقود عليه في المضاربة

المبحث الثاني المعقود عليه في المضاربة (أو بمعنى آخر: المضارب ماذا يبيع ويشتري؟)

المبحث الثاني المعقود عليه في المضاربة (أو بمعنى آخر: المضارب ماذا يبيع ويشتري؟) الاشتراك في الشركات المساهمة التي أصل نشاطها مباح الأصل فيه الحل؛ بناء على عمومات الأدلة الدالة على هذا الأصل من الكتاب والسنة، وبه صدرت قرارات المجامع الفقهية. ومع أننا نقول بهذا الأصل - وهو القول الصحيح الموافق للدليل - إلا أنه ينبغي النظر في العقود التي تجرى وتعقد على هذه الشركات ومدى موافقتها لشروط البيع التي لا يصح العقد إلا بها. فالمساهم حينما يساهم في هذه الشركات ـ سواء كان في ابتداء تأسيسها أو بعد ـ وهو يريد الحصول على عائد الأرباح السنوي لهذه الأسهم، فإن هذه المساهمة صحيحة إذا كانت هذه الشركة من الشركات المباحة التي لا تمارس أعمالا محرمة. لكن الكلام هنا على المضارب الذي يشتري أسهم هذه الشركات ليضارب بها، فيشتري أسهم هذا الشركة، وبعد لحظات أو أكثر يبيعها ويشتري أسهم شركات أخرى ... وهكذا. فهنا تساؤل: هذا المضارب حينما يشتري هل يعي حقيقة ما يشتري، وأن ما يشتريه بهذه المبالغ المرتفعة جدا يمثل سهما حقيقيا يستحق هذا المبلغ بل قد يزيد؟! أو أن ما يشتريه هو مجرد مضاربة على سهم مرتفع لا يمثل حقيقة جزءا من أملاك الشركة وأصولها؛ بحيث لو أوقفت الشركة لسبب ما

وتمت تصفيتها لم يمثل هذا السهم إلا جزءا يسيرا جدا من قيمته السوقية التي تم التعاقد عليها؛ فكأنه أشبه بالمضاربة على المؤشر المجمع على تحريمه (¬1). إن الحكم هنا ينبغي أن يكون مبنيًّا على معرفة نشاط الشركة ومركزها المالي وقوتها الائتمانية. فالشركة التي لها نشاط بارز وظاهر في مجالها ورائدة فيه ويمكن أن تكون قيمة السهم ممثلة لحقيقته في موجودات الشركة وقيمتها المعنوية ومركزها المالي - فالمضاربة فيها ـ فيما يظهر ـ صحيحة على القول بجواز هذه المضاربات أصلا. وأما الشركة التي تظهر خسارة في ميزانياتها وشحًّا في موجوداتها وإنتاجها بحيث يعلم أن قيمة السهم السوقية لا تمثل حقيقة هذا السهم، وإنما هي أثر ارتفاع غير مبرر نتيجة مضاربة غير نزيهة - فإن هذا عقد على ما يشبه المعدوم أو غير المقدور عليه؛ فالغرر فيه ظاهر. ولو سألت أحد المضاربين على هذه الأسهم: ما حقيقة ما تشتريه؟ وهل له قيمة أو هل هذه قيمته؟ لأجابك بـ: لا. أو: لا أدري. وهل يعقل أن يشتري الإنسان شيئا يخسر أو تقل قيمته كثيرا عما اشترى به، ولو عرض عليه مصنع أو مزرعة أو سوق مركزي قيمته أو قيمة موجوداته أقل بكثير من الثمن المعروض، أو يسجل خسارات متتابعة لكان شراؤه سفها؛ بل لا تجد له مشتريا. ¬

(¬1) المؤشر: هو رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة، يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق معينة، وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق العالمية. ولا يجوز بيع وشراء المؤشر لأنه مقامرة بحتة، وهو بيع شيء خيالي لا يمكن وجوده، قرار رقم (17) 1/ 65 من قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة.

إذا فكيف يضارب على أسهم شركات خاسرة أو قيمتها السوقية كبيرة ومبالغ فيها من أجل عمليات جني أرباح وتغرير بالآخرين. فالمضاربة في هذه الأسهم فيها مخاطرة كبيرة جدا (¬1) تشبه المقامرة من بعض الوجوه؛ فالقول بالتحريم له وجه من جهة أنها تشبه بيع المعدوم (¬2)، وفيها شبه بالمقامرة؛ لشدة المخاطرة فيها. * * * * * ¬

(¬1) وما حصل من هبوط حاد للأسهم في هذه الشركات أدى إلى خسارة فادحة وكبيرة للمساهمين يؤكد هذا المعنى. (¬2) وقد جعل ابن القيم وغيره بيع المعدوم في بعض صوره التي تشبه هذه الصورة من المخاطرة والقمار. انظر: إعلام الموقعين 2/ 6.

المبحث الثالث تصرفات المضاربين في سوق الأسهم

المبحث الثالث تصرفات المضاربين في سوق الأسهم

المبحث الثالث تصرفات المضاربين في سوق الأسهم الإسلام بشرائعه وتعاليمه وآدابه جاء مهتما اهتماما بالغا بالجوانب الأخلاقية في حياة الناس وتعاملاتهم وعلاقاتهم. وكانت الآيات القرآنية وكذلك الأحاديث النبوية نبراسا في إظهار هذه الجوانب، والحث على التخلق والالتزام بها؛ مراعاة لسمو الفرد، وتحقيقا للعدل بين أفراد المجتمع، ودفعا للضرر عن الجميع، وتطهيرا للأمة عن الوقوع في المحرم والمشتبه، وظهر هذا الاهتمام والتوجه في ملامح كثيرة منها: 1 - الإيمان وحسن الخلق: أو ما يطلق عليه البعض (¬1) "الرقابة الذاتية" ... لاسيما فيما يتعلق بالمعاملات؛ فالمسلم يعلم علم اليقين أن الله معه، مطلع على تصرفاته، ولا يخفى عليه شيء من أمره: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]. وقرن الإيمان بالعمل الصالح في آيات كثيرة؛ تجسيدا لمؤشرات ¬

(¬1) أحكام الأسواق المالية، لهارون، ص119 نقلا عن الحرية الاقتصادية، لبسيوني، ص641.

القيم والجوانب الروحية (¬1)؛ حيث ربطت بين العمل الصالح والإيمان والحياة الطيبة في الدنيا ودخول الجنة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]؛ كما بيَّنت العلاقة بين العمل الصالح والكسب الطيب وأكل الحلال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]. والأعمال الصالحة إنما تنشأ عن التقوى - وهي خشية الله ومراقبته، ومن ثم فالمسلم المتعامل في السوق وفي غيره حريص أشد الحرص على تحقيق المصلحة لنفسه ولغيره، وحذر كل الحذر من أن يلحق الضرر بالآخرين؛ فلا غش ولا خداع ولا غبن ولا نجش، بل صدق ونصيحة وأمانة وثقة ووضوح وشفافية. 2 - المحافظة على الشعائر: فلا ينشغل بتعامله عن أداء الشعائر المكتوبة من صلاة وغيرها: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: 37]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]. {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77]. بل يقدم هذه الشعائر، ويجعلها حاضرة في قلبه، منيرة له طريقه في دنياه وأخراه. ¬

(¬1) المرجع السابق نقلا عن ضوابط تنظيم الاقتصاد، ص75.

3 - العدل والإحسان: والعدل: هو التسوية في الحقوق بين الناس، وترك الظلم، وإيصال كل ذي حق إلى حقه. والإحسان: تجاوز العدل إلى الفضل (¬1)؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]. قال ابن مسعود: "هذه أجمع آية في القرآن لخير يمتثل ولشر يجتنب" (¬2). وقال العز بن عبد السلام: (.... أجمع آية في القرآن للحث على المصالح كلها والزجر عن المفاسد بأسرها) (¬3). وقال شيخ الإسلام: (فمن العدل فيها ما هو ظاهر يعرفه كل أحد بعقله ... كتحريم تطفيف المكيال والميزان ووجوب الصدق والبيان وتحريم الكذب والخيانة والغش ....) (¬4). وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: (.... ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات بإيفاء ما عليك؛ فلا تبخس لهم حقا، ولا تغشهم، ولا تخدعهم وتظلمهم؛ فالعدل واجب والإحسان فضيلة؛ كنفع الناس بالمال والبدن والعلم وغير ذلك من أنواع النفع) (¬5). ¬

(¬1) تفسير النسفي 2/ 268. وانظر: النظريات الفقهية للدريني، ص164. (¬2) تفسير القرطبي 10/ 147. (¬3) قواعد الأحكام 2/ 161. (¬4) مجموع الفتاوى 28/ 285. وانظر فيما تقدم: الأسواق المالية، د. محمد صبري هارون، 119 - 122. (¬5) تفسير السعدي 1/ 447.

4 - الأمانة: في اللغة ضد الخيانة (¬1)، وذهب الجمهور إلى أن الأمانة كل شيء يؤتمن الإنسان عليه من أمر ونهي وشأن دين ودنيا (¬2). قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]؛ فالآية ظاهرة في أداء الأمانة عموما، وبمفهومها نهي عن الخيانة؛ أي: خيانة قولية أو فعلية. 5 - الصدق نقيض الكذب: وقد أمر الشارع بالصدق ورغب فيه وذم الكذب وحذر من عاقبته، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. قال القرطبي: (حق من فهم عن الله وعقل عنه أن يلازم الصدق في الأقوال والإخلاص في الأعمال، والصفاء في الأحوال؛ فمن كان كذلك لحق بالأبرار، ووصل إلى رضا الغفار؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا». والكذب على الضد من ذلك؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (¬3). ¬

(¬1) لسان العرب 13/ 21. (¬2) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4/ 402. (¬3) انظر: تفسير القرطبي 8/ 1261، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الآداب، باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا ......}، رقم (5629، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، رقم (4719) من حديث ابن مسعود.

وفي مجال المعاملات خاصة حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الكذب فقال: «إن التجار هم الفجار»، قيل: يا رسول الله، أوليس قد أحل الله البيع؟ قال: «بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون ويأثمون» (¬1). وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى الناس يتبايعون فقال: «يا معشر التجار»، فاستجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: «إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬2). هذه أبرز ملامح اهتمام الإسلام بأفراده وما ينبغي أن يتصفوا به من الصفات والسمات في شؤون حياتهم في صفاء الفرد ونقائه وتأثيره في تعاملاته مع الآخرين، ومن ثم تحقق السعادة والرخاء والأمن والطمأنينة بين المتعاملين وغيرهم من أفراد المجتمع. وفقدانها أو بعضها يؤثر سلبا بلا شك، ويؤدي إلى التفكك والتشاحن والتناحر والاستئثار وربما الإقصاء والإنهاء، فهل هذه الصفات والسمات التي جاءت بها الشريعة وجعلتها نبراسا للمتعاملين في كل زمان ومكان ومع كل طائفة توجد في سوق التعامل بالأسهم؟! إن المتأمل في حال السوق وفي حال بعض المضاربين يجدها مفقودة أو نادرة، وقد حل محلها ضدها، من الظلم وأكل المال بالباطل والنجش ونشر الأخبار الكاذبة والدعايات المغرضة ... وبيانها كالآتي: ¬

(¬1) رواه أحمد في المسند، رقم (14982). (¬2) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب البيوع عن رسول الله، باب ما جاء في التجار وتسمية النبي إياهم، رقم (1131)، وابن ماجة في سننه، كتاب التجارات، التوخي في التجارة، حديث رقم (2173)، والدارمي في سننه، كتاب البيوع، باب في التجار، رقم (2426).

1 - النجش (¬1): وهذا يحدث كثيرا، وبصورة متعددة ومنظمة تبرز عبر عروض يقدمها من محافظه ومحافظ أخرى يديرها أو يشرف عليها، ويتم تدوير الأسهم فيها موهما غيره من المضاربين بتحرك هذا السهم وقوة الطلب عليه، حتى يرتفع السهم ويقبل صغار المستثمرين بالتهافت عليه فيقوم ببيع أسهمه الكثيرة، وقد يهوى السوق فيقوم بشرائها ... وقد يكون العكس وعبر بث إشاعات مغرضة وكاذبة مخيفة عن سهم معين فيتدافع الناس ببيعه فيقوم بشرائه، أو تكون الإشاعات الكاذبة عن أسباب تؤدي إلى ارتفاعه حتى يقوم ببيع ما يملكه من أسهم ... وصور النجش كثيرة، جماعها رفع السعر أو خفضه من أجل التغرير بالآخرين، حتى يتمكن من البيع أو الشراء، وعن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تناجشوا» (¬2)، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النجش» (¬3). وقال ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن. قال البخاري: وهو خداع باطل، لا يحل. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الخديعة في النار، ومن عمل ¬

(¬1) أصله: الاستثارة، وهو لغة: الختل وهو الخداع. لسان العرب 6/ 351، تاج العروس 17/ 403، غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 199. النجش: هو أن يزيد في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها وإنما يغري بذلك غيره. انظر: صحيح البخاري 2/ 753، بتحقيق مصطفى ديب البغا، صحيح مسلم 2/ 1033، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، التمهيد 18/ 193، فتح الباري 4/ 355، غريب الحديث لابن الجوزي 2/ 394، أنيس الفقهاء، ص212. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب النكاح/ باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك 1413، 3/ 1022. (¬3) قال ابن حجر في الفتح 4/ 355: إسناده لا بأس به.

عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬1). ومعنى قول ابن أبي أوفى (الناجش آكل ربا خائن): أي: كآكل الربا في كونه عاصيا، مع علمه بالنهي عن فعله، وخيانته: غشه وخداعه (¬2). قال الغزالي: (فهذه المناهي تدل على أنه لا يجوز أن يلبس على البائع والمشتري في سعر الوقت، ويكتم منه أمرا لو علمه لما أقدم على العقد (¬3)، ففعل هذا من الغش الحرام المضاد للنصح الواجب) (¬4). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى عن النجش وقال: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض». وهذا كله دليل على وجوب مراعاة حق المسلم، وترك إضراره بكل، إلا أن يصدر منه أذى، وعلى المنع من نيل الغرض بخديعة المسلم" (¬5). وفي صحة العقد مع النجش خلاف، ومذهب الإمام أحمد وطائفة من أهل الحديث بطلانه ورده. وصحح ابن رجب أنه يصح، ويقف على إجازة من حصل له ظلم بذلك، وقاسه على إثبات النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيار في المصراة وتلقي الركبان (¬6)، وهو مذهب مالك (¬7)، وهو قول وجيه، ويتأكد في صور ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع/ باب النجش رقم 2035، 2/ 753، ومسلم في كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، رقم 1516، 3/ 1156. (¬2) صحيح البخاري مع الفتح 6/ 140. (¬3) كأن الغزالي يتحدث عما يحدث في سوق الأسهم الآن. (¬4) إحياء علوم الدين 2/ 78. (¬5) الفتاوى الكبرى 3/ 238. (¬6) جامع العلوم والحكم 1/ 62 - 63. وانظر: المحلى 8/ 449. (¬7) انظر: الاستذكار 6/ 527، مواهب الجليل 4/ 378، الشرح الكبير للدردير 3/ 68.

النجش الحديثة؛ حيث يحدث النجش من العاقد نفسه الذي هو أشد ضررا وأقبح شكلا؛ حيث الكذب والغدر وحصول الضرر المؤكد الذي نتائجه مؤكدة لا تخفى، لكن هل يمكن إثبات هذا الخيار في مثل هذه المعاملات؟ سيما مع عدم وضوح من يمارس النجش، وأنه نجش جماعي في أكثر صوره؛ فالقول ببطلان هذه العقود من باب السياسة الشرعية قول متوجه؛ بل ويتأكد تغريم من يمارس هذا العمل بقدر ما حصل من ضرر للآخرين بسببه؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار» (¬1). ومن القواعد الشرعية: (الضرر يزال)، وإزالة الضرر تكون بتغريمه ما سببه من ضرر مع إيقافه عن التعامل في السوق بيعا وشراء، وبهذا يمكن حماية جميع المتعاملين في السوق، وحفظ حقوقهم وردع المتجاوزين والمتلاعبين. 2 - الغبن والتغرير والاحتكار: ومن أبرز صوره في المضاربة على الأسهم أن ينفرد بعض المضاربين ببعض الأخبار عن بعض الشركات عن طريق خاص في الشركة، وربما دفع مالا مقابل هذه الأخبار، وهذه الأخبار من قرارات أو أرباح أو خسائر يترتب عليها ارتفاع السهم أو هبوطه، فيشتري أو يبيع بما يتناسب مع هذه الأخبار قبل بلوغها لسائر المتعاملين؛ فيترتب على ذلك أضرار كبيرة بهم، إما غبنا وتغريرا وظلما في حال بيعه ثم هبوط الأسعار؛ بل هذا نوع عيب في المبيع، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه في رواية عبادة بن الصامت في كتاب الأحكام/ باب من بنى في حقه ما يضر بجاره رقم 2240، وقال الألباني: صحيح. وأحمد من رواية ابن عباس رقم 2862، 1/ 212، وقال الأرناؤوط: حسن. وروي عن جمع غفير من الصحابة.

«المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له» (¬1). ومن يبيع سهما على غيره وهو يعلم خبرا سيئا أو سلبيا ولا يبينه لمشتري السهم إلا كان كاتما للعيب ... أو يترتب على ذلك غبن وتغرير واحتكار في حال شرائه بثمن بخس، ثم ترتفع الأسعار بعد ظهور هذه الأخبار وانتشارها ... 3 - وكل ما سبق هو نوع من أنواع الغش والتدليس التي نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحذر منها بقوله: «من غش فليس منا» (¬2). ويترتب عليها ظلم الناس، وأكل أموالهم بالباطل؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار» (¬3). وعقود وجد فيها بعض هذه العيوب: (الغش والنجش، الغبن والتغرير وأكل المال بالباطل ....)، أو وجدت فيها مجتمعة - لاشك في حرمتها؛ بدلالة الكتاب والسنة والإجماع (¬4)، فكيف إذا اجتمع معها الربا أو شبهته، وكيف يطيب لمسلم يرجو ما عند الله والدار الآخرة ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات باب من باع عيبا فليبينه رقم 2246، 2/ 755، وقال الألباني: صحيح، والحاكم في كتاب البيوع وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه رقم 2152، 2/ 10. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الإيجار/ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من غشنا فليس منا» رقم 102، 1/ 99. (¬3) سبق تخريجه ص85. (¬4) قال ابن عبد البر في التمهيد 13/ 348: (وأجمعوا أن فاعله ـ أي النجش ـ عاص لله إذا كان بالنهي عالما).

وينتظر لقاء ربه أن يأكل مالا اكتسبه بهذه الطرق، ويؤكله غيره ممن تحت ولايته. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}». ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» (¬1). إن المنهج الإسلامي للاستثمار يقوم على استعمال الأموال فيما يحقق مصالح الناس، ويزيد من تمتعهم بالطيبات كمًّا ونوعا، ولا يقوم على مجرد الاسترباح مهما كان هدفه وأيا كان موضوعه (¬2). وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]. * * * * * ¬

(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، رقم (1686). (¬2) الاستثمار في الأسهم، د. منذر قحف، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد التاسع 2/ 17.

المبحث الرابع حقيقة المضاربة في سوق الأسهم

المبحث الرابع حقيقة المضاربة في سوق الأسهم

المبحث الرابع حقيقة المضاربة في سوق الأسهم المتابع للتعاملات التي تجري في سوق الأسهم يتبادر إليه مجموعة من الاستفسارات والإيرادات منها: الأول: هل يوجد بالفعل تلك السيولة ـ التي أرقامها فلكية ـ تريليونات تغطي هذه الأسهم؟ أم هي مجرد أرقام، وكأنه بيع لأسهم في الهواء لا حقيقة لها؟ وهل توجد هذه الأموال في البنوك التي يتم عن طريقها تداول الأسهم؟ فلو طلب باعة هذه الأسهم تحويل هذه القيمة الكبيرة إلى حساباتهم فهل هذا ممكن؟ أم أنه مجرد تدوير بأموال لا وجود لها؟ وإذا كانت هذه الأموال لا وجود لها، فما حكم تبايع تلك الأسهم التي هي محل العقد بأموال لا وجود لها؟! الثاني: الأسهم التي تتم عليها عمليات المضاربة (¬1)، هل هي تمثل بالفعل جزءا من موجودات الشركة، أم هي ورقة مستقلة منسوبة لتلك الشركة؟ فما هو رصيد هذه الورقة في الواقع؟ لابد من التفريق بين أسهم الاستثمار - فهي تمثل جزءا من موجودات الشركة وأصولها - وبين أسهم المضاربة التي هي محل خلاف قوي، ويقوي القول بأنها ورقة مالية مستقلة (¬2) ما يلي: ¬

(¬1) وليس الاستثمار. (¬2) الاستقلال هنا ليس استقلالا مطلقا ـ لأن الورقة تنسب إلى الشركة ولو أوقف التعامل بأسهم هذه الشركة لما صح تداولها ـ وإنما هو استقلال خاص من جهة عدم تأثر هذه الورقة بالشركة المنسوبة إليها غالبا.

1 - واقع المضاربة عليها؛ فالمضارب قد لا يعرف شيئا عن الشركة، ولا عن ميزانياتها وأرباحها وخسائرها ومركزها المالي. 2 - ما يحدث من مضاربات حادة وبأسعار مرتفعة على أسهم شركات تظهر ميزانياتها بطء في تقدمها، وقد تظهر خسائر متكررة، وقد يكون العكس؛ فتجد ضعفا في التداول، وكسادا على أسهم شركات قوية في نشاطاتها وميزانياتها، وتحقق أرباحا متكررة وبنسب جيدة، وقد ينعكس الحال فجأة في التداول، وقد يكون خلال لحظات، وواقع التداول في سوق الأسهم شاهد قوي على ذلك. وإذا كان التخريج على أنها ورقة مالية قوي، فهل لهذه الورقة حقيقة؛ بمعنى: هل المعقود عليه له مالية محسوسة؟ أليس هذا يشبه إلى حد كبير البيع على المؤشر المجمع على تحريمه؟ 3 - أن المضارب على هذه الأسهم لا تعنيه الشركة لا من قريب ولا من بعيد؛ وإنما يعنيه المضاربة على السهم بعيدا عن كل شيء. وإذا كان كذلك، فإنه قد يقوي قول من يقول أن التعامل حقيقة إنما هو بقيمة هذه الورقة وثمنها ليس إلا، وأن العملية لا تعدو أن تكون متاجرة بأثمانها، وهذه الورقة مجرد غطاء لهذه العملية، والعبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني. وإذا كان كذلك فهل شروط تبادل الأثمان متحققة؟ الثالث: السوق بدأ بطريقة غير نزيهة يغلب عليها الخداع في رفع المؤشرات وهبوطها (¬1)؛ فالارتفاع ليس لعوامل طبيعية ـ كما يحدث في سائر المبادلات التجارية المبنية على العرض والطلب غالبا ـ بل لعوامل ¬

(¬1) يؤكد ذلك نظرة لمؤشر شركة معينة في اليوم الأول؛ انظر قائمة (أفضل طلب) في حال الارتفاع كم هي الأسهم المطلوبة، وبعد يوم - وقد يكون بعد ساعة - انظر إليها إذا بدأ النزول؛ النتيجة (صفر).

غائبة مجهولة لدى الكثير، ولاسيما الصغار، وهي في غاية الخطورة (¬1)، ودائما أيدي صغار المساهمين على قلوبهم - كما يقال ـ من أي هبوط حاد لا يتمكنون معه من إجراء أي عملية بيع؛ فهو على مخاطرة كبيرة قد تذهب بأمواله أو جُلِّها في أي لحظة (¬2). وهذا فيه جمع بين الغرر، وفيه شبه كبير جدا بالقمار؛ نظرا لعظم المخاطرة فيه، والتي يبقى فيها دائما على خطر أن يغنم أو يغرم غرامة كبيرة (¬3). ولهذه المحاذير وغيرها مال بعض فقهاء العصر فيها إلى المنع، منهم الدكتور الصديق الضرير (¬4) عضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة؛ بل إن الشيخ عبد الله بن منيع كتب مقالا في موقع الإسلام اليوم بتاريخ 10/ 3/1427هـ يقطر أسى ومرارة من واقع المضاربة وتأثيره على الأفراد والاقتصاد يوحي بأنه يميل إلى المنع منها. قد يكون الكثير غافلًا في خضم هذا التداول المحموم على الأسهم عن مثل هذه الطروحات، وأحيانا قد لا يريد أن يسمعها، ولا يريد أن يسمع إلا من يقول افعل ولا حرج، ولو غير هذا الذي أفتاه رأيه لتنكر عليه وعلى آرائه، واستمر على قوله الذي تركه، أو بحث وتعلق بأي شيء قد يدل على الجواز. ¬

(¬1) لأن تلك الأسعار لا تمثل سعرا حقيقيا للسهم، تكون العواقب فيه غير مدروسة والمخاطر متوقعة. (¬2) لاسيما إذا كان قد أخذ تمويلات بنكية كما حصل للكثير. (¬3) قال شيخ الإسلام في كتابه العقود، ص229: (.... ثم إذا كان فيها أخذ أحدهما المال بيقين والآخر على خطر بالأخذ والفوات؛ فهو مقامر؛ فهذا هو الأصل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو المعقول الذي تبيَّن به أن الله أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وشرع للعباد ما يصلحهم في المعاش والمعاد .....). (¬4) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، العدد السابع 1/ 270 قال: (.... وأنا أميل فيه إلى المنع ... لأن هذه تجارة يصعب الالتزام فيها بأحكام الشريعة الإسلامية، ولا مصلحة فيها للمجتمع؛ بل قد تعود عليه بأضرار بالغة).

(والسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه هو: هل تتفق المجازفة على أسعار الأسهم مع المنهج الإسلامي في الاستثمار؟ وهل يقبل الشرع الحنيف الاسترباح بهذا النوع من العمل غير المنتج؟ وهل ينبغي التمييز بين الاستثمار الصحيح في الأسهم وبين استعمال المال عبثا في المجازفة على أسعارها؟ وبالتالي هل ينبغي وضع قيود على أسواق الأسهم بحيث تقتصر المبايعات على أولئك الذي يرغبون في الاستثمار بالمعنى الذي يؤدي إلى إنتاج الطيبات والمنافع ....) (¬1) اهـ. إن معاملة تشوبها هذه الشوائب وتحيط بها من كل جانب، حريٌّ بكل مسلم اجتنابها (¬2)، وباقتصادنا التطهر منها، أو ضبطها بضوابط الشرع وأصوله، وعلى جهات البحث العلمي من مراكز ومجامع فقهية أن تقوم بواجبها في دراسة هذه النازلة، وإبداء الرأي الجماعي فيها بدلا من آراء فردية قد يعتريها ما يعتريها من القصور، وقد تكون مثل هذه الطروحات بداية لتفكير جاد في دراسة جماعية متكاملة. * * * * * ¬

(¬1) مجلة الفقه الإسلامي بجدة، الدورة التاسعة، العدد التاسع 2/ 40، د. منذر قحف. (¬2) وانظر إلى رسول الهدى حينما ترك التمرة وقال: «لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها»، فتركها لمجرد وجود احتمال أن تكون من محظور عليه. البخاري (1914)، ,مسلم (1781). وهذا أبو بكر يستفرغ ما أكل من طعام أهداه له غلامه لما علم أنه قد أخذه من أجل كهانة تكهنها في الجاهلية - البخاري (3554) - مع أنه حلال لأبي بكر، وتلك الكهانة غير صحيحة، وليس من الكهانة كما ذكر له غلامه.

المبحث الخامس آثار المضاربة على الأسهم

المبحث الخامس آثار المضاربة على الأسهم

الجانب الاقتصادي

المبحث الخامس آثار المضاربة على الأسهم سوق الأسهم السعودية يعتبر من الأسواق التي نمت نموا سريعا خلال فترات متقاربة، حتى صار في مصاف الأسواق العالمية من حيث المبالغ العالية والصفقات التي تم ويتم إبرامها في تداولات السوق. وبالرغم من هذا النمو الكبير إلا أن هذا الصعود المتسارع أثَّر سلبا في مجالات متعددة كان تأثيرها كبيرا وخطيرا؛ فعلى الجانب الاقتصادي ظهرت آثاره السلبية في عدة جوانب، منها: تقليص حجم الأموال الموجَّهة للاستثمارات المباشرة: وهذا ظاهر في ركود النشاط الصناعي والزراعي بل والتجاري، والتوسع فيه؛ فقبل فترة كنت تطالع عبر وسائل الإعلام ودوريات وزارة التجارة والغرف التجارية والصناعية الكثير من المشاريع الجديدة، أو التوسع في مشاريع قائمة يكون إنتاجها مؤثرا في زيادة الناتج القومي للبلد والمنافسة الخارجية في المنتجات والاستغناء عن الاستيراد، أو التقليل منه عبر مشاريع صناعية وزراعية وتجارية صغيرة وكبيرة؛ فأين هذه المشاريع الآن؟! وأين ما كنا نرجو من أن تستوعب هذه المشاريع الأيدي العاملة التي تعاني من بطالة مقنعة، وكنا نرجو أن توفر هذه المشاريع آلاف الفرص الوظيفية للباحثين عنها من كوادرنا الوظيفية القادرة، والتي أصيبت بخيبة أمل مع هذا التوجه الجامح للمضاربة على الأسهم، في

ظل صمت من الجميع عن التوعية بهذه المخاطر التي لم يفق الناس من هولها وصدمتها إلا بعد حلولها. حينها بدأ التفكير في معالجة آثارها والتوعية بها! بل وأين المشاريع الرائدة المرجو التوسع فيها في مجال العقار في تشييد المساكن في أرجاء الوطن التي صار قلتها وشُحُّها ظاهرة بعد أن وجهت أموال كل هذه المشاريع للمضاربة في الأسهم طمعا في معدلات ربحية عالية في أوقات قصيرة. وهذا كله ـ بلا شك ـ أثَّر على حيوية ونمو الاقتصاد الوطني حين تعطلت المسارات المنتجة التي لها قيمة مضافة للناتج المحلي. متطلبات التنمية المختلفة وأثر المضاربة: المتابع للتداولات اليومية يشاهد مليارات الريالات يتم تداولها يوميا، والغرض من هذه التداولات جني أرباح آنية ليس إلا، وليس لهذه التداولات أي مردود إيجابي أو قيمة مضافة للناتج المحلي؛ بل هي معوِّق من معوقاته كما تقدم. تمويل الأغراض التنموية: إن اتجاه شريحة من المضاربين وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة للمضاربة في بورصة الأسهم المحلية ذات المردود المضطرب أضعف بشكل ظاهر وبيِّن من توفير التمويلات اللازمة لإنشاء الشركات، أو النهوض بها وتطوير خططها الإنتاجية واستراتيجياتها بعيدة المدى التي تخدم حقيقة أغراض التنمية بكل أشكالها ومظاهرها، وتحقَّق ـ في نفس الوقت ـ التصحيح المطلوب في السوق؛ وذلك بالتوازن في المنتجات بين العرض والطلب؛ مما يحدُّ قطعا من التضخم الذي هو أحد عوامل الضعف الاقتصادي والهيمنة من الآخرين.

من واقع نتائج مؤشرات سوق المال السعودي - بل والخليجي - وتسارع مواطني هذه الدول في دخول السوق بعيدا عن الخبرة في التداول، ومع الهزات المتكررة التي حصلت في هذه الأسواق - ظهرت صور وأرقام مخيفة بل ومدمرة (¬1) في سقوط الكثير من صغار المستثمرين والقضاء على أموالهم، وتكدُّس الأموال في أيدي قلة من المستثمرين، وهذا ـ بلا شك ـ خلاف المنهج الرباني؛ وهو أن المال دولة بين الناس، وليس بين شريحة معينة؛ كما قال تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]. قال ابن الجوزي في تفسيره (¬2): (والمعنى: لئلا يتداوله الأغنياء بينهم، فيغلبوا الفقراء عليه). وقال أبو السعود (¬3): (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم يتكاثرون به ...). وتجمُّع الأموال وتكدُّسها في يد قلَّة يؤدي إلى خلل في التركيبة الاقتصادية، يكون وَقْعُها وأثرُها سيئًا على التركيبة الاجتماعية؛ حيث تتجلَّى الطبقية في أسوء صورها؛ حيث يشعر أولئك الذين خسروا أموالهم أن هؤلاء هم سبب مصيبتهم، وما آل إليه حالهم، وهذا مما يولد الكره تجاه الآخر وظهور التفكك في المجتمع. في ظل غياب مفهوم الوعي لدى الشركات عن الهدف الأسمى من إنشائها؛ وهو النهوض بواجباتها في تدفق إنتاجها إلى الأسواق، والحرص على التنافس في الجودة وكب سوق محلية وعالمية في هذا المنتج. ¬

(¬1) مما حدا بتدخل الدولة في المملكة أكثر من مرة؛ لتصحيح الخلل فيه وإعادة التوازن ومحاولة رأب الصدع الذي أثر على الكثير. (¬2) زاد المسير 8/ 211. (¬3) تفسير أبي السعود 8/ 228.

وفي ظل غياب الرقابة المسؤولة عن هذه المتابعة والمحاسبة على ذلك عمد كثير من الشركات إلى إيقاف نشاطها الرئيس أو تقليله أو إيقاف مشاريع توسعية واستثمار أموال الشركة ـ المعدة للإنتاج أصلا ـ في سوق الأسهم؛ نتيجة انبهار بمكاسب خيالية في السوق ربما تعادل مكاسب سنين - بل عقود ـ لو استثمرت في نشاط الشركة الأصلي، وهذا كان له تأثيره السيئ من جهة ضعف أو تباطؤ نشاط الشركة الأصلي صناعيا كان أو زراعيا أو غير ذلك، وهذا طبعا يؤدي إلى اختلال الميزان التجاري للدولة عموما بين صادراتها ووارداتها، وهو تأثير سلبي بلا شك. وهذا مع الأسف عَكْسُ ما يحدث عند غيرنا حينما تستخدم الأسواق لتوفير السيولة النقدية لبناء شركات إنتاجية ومشاريع مثمرة؛ فضلًا عن إلغاء لوظائف يمكن أن تساهم في حل مشكلة البطالة لو كانت هذه الوظائف موجودة، ومن جهة أخرى أدى إلى تدفقات نقدية هائلة سَبَّبَتْ ضغطا في مضاربات السوق كان ضحيتها في الغالب صغار المستثمرين. وكذلك حينما استثمرت الفائض من أموالها، أو جزءا من المُعدِّ للاستثمار في شراء أو تأسيس شركات أخرى؛ فأدى ذلك إلى حرمان المواطنين وتفويت الفرص عليهم في الاستثمار في هذه الشركات. ومن هنا فلابد للجهات المسؤولة من منع هذه الازدواجية في الاستثمار، وقصر استثمار كل شركة في مجال نشاطها حتى تكون النتائج إيجابية للجميع وللسوق المحلية والاقتصاد الوطني. ما حصل من دخول الشركات في سوق الأسهم ـ وهو غير مجال نشاطها ـ ربما يعرضها إلى خسائر كبيرة ـ كما حصل لبعضها ـ وهذا يؤدي إلى فقد الثقة بها، والنتيجة خسارة المساهمين في حال هبوط سعر

السهم، أو عجزها، أو ضعفها في مجال إنتاجها، وربما أدى ذلك إلى تراكم ديون تثقل كاهلها، أو تؤدي إلى إفلاسها. ومع هذه الزيادة الضخمة في حجم التداول وقتا بعد آخر إلا أن هذه الزيادة لا يقابلها زيادة تذكر في عدد الشركات المدرجة في السوق؛ بمعنى أن الأمر لا يعدو أن يكون تدويرا لأسهم هذه الشركات (¬1) من خلال ضخِّ أموال إضافية تنسحب من قنوات استثمارية أخرى، وهذا خطير جدا؛ فضلا عن إمكانية احتواء المضاربة في السوق من قبل فئة تستطيع التحكم في المضاربة فيه، وهذا شيء طبيعي مع قلة الشركات، والتلاعب بأسعار أسهمها صعودا ونزولا في ظل غيبة رقابة صحيحة واعية صادقة، وفي ظل عدم استراتيجية مدركة لمعنى تعدُّد الشركات وسن تشريعات تزيد في تعقيد إجراءات تسجيلها وعدم تسريعه (¬2). ولعل في الأسواق العالمية خير شاهد على ما ذكرنا؛ حيث آلاف الشركات المدرجات في بورصاتها، والتي استقطبت المستثمرين من كل ¬

(¬1) انظر: مقال "الأسهم السعودية حتى لا يطول النزيف" محمد عبد الله القطري، جريدة الاقتصاد، بتاريخ 26/ 3/1427هـ. وانظر: مقال الدكتور محمد القنيبط في جريدة الرياض، عدد (13640) الجمعة 25 رمضان 1426هـ، بعنوان: "السوق المالية مشوهة وتدار بريموت الشائعات"، ومن الأمور الأخرى المهمة ما نراه من التضخُّم الحاد لأسعار الأسهم وعدم عكسها لربحية الشركات وطغيان الجانب المضاربي على الاستثماري، وكذلك العلاقة الشائكة بين حجم السيولة وعدد الشركات؛ حيث توجد سيولة ضخمة تطارد عددا محدودا جدا مع انحسار واضح في الأوعية الاستثمارية الأخرى. (¬2) أشار المصرفيون المجتمعون في منتدى الاستثمار البنكي العالمي الذي أقيم في جدة إلى أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الأحداث التي تشهدها السوق هو ضعف البدائل الاستثمارية وبطء التشريعات التي تعمل بها السوق سنوات طويلة، وأكَّد المتحدِّثون أن المصرفية الإسلامية ستكون التوجه المقبل للبنوك العالمية ... جريدة الاقتصاد (4584) في 2/ 4/1427هـ فهد البقمي.

آثارها الاجتماعية

جهة في ظل رقابة صارمة، وشفافية عالية، وإجراءات مرنة واضحة. هذه جملة من آثار المضاربة الاقتصادية. وأما آثارها الاجتماعية فمن أبرزها: - البطالة - كما تقدم الإشارة إلى شيء من ذلك - نتيجة توجيه الأموال إلى سوق الأسهم؛ فأدى ذلك إلى قلة أو ندرة الأعمال والوظائف في الشركات والمؤسسات؛ نظرا لتوقف التوسع في تأسيسها، أو تأجيل بعض خططها التوسعية التي تستوعب الكثير من الأفراد، أو وقف بعض أنشطتها وضخ الفائض من أموالها في هذا السوق. ووجود البطالة في المجتمع وارتفاع نسبته له آثاره السلبية الخطيرة في حياة أفراده وسلوكياتهم وأمن المجتمع. - الإخلال بالأعمال الوظيفية القائمة في القطاعين العام والخاص؛ نتيجة المتابعة المستمرة لسوق الأسهم من شريحة كبيرة من الموظفين، حتى لا تكاد تراجع دائرة إلا وتجد فيها من يتابع هذا السوق. وهذا أَثَّرَ سلبًا في الأداء الوظيفي، فأدى إلى اهتزازه؛ مع ما يترتب على ذلك من تأخير في إنجاز الأعمال والحقوق المناطة بالموظف، وهذا بلا شك يؤدي إلى خسائر اقتصادية للدولة والمواطن؛ فضلا عما يشعر به المراجع من أسى نفسي من هذا الواقع. ومن حيث كسب الموظف المتابع للسوق فإنه يشوبه ما يشوبه من الإثم والحرمة نتيجة إخلاله وتفريطه، ولا يخفى ما يترتب على الكسب المحرم من بعد وانقطاع للصلة بين العبد وربه، وبالتالي أزمات مختلفة، مع حرمان من سعادة حقيقية ينالها الناصحون البعيدون عن المحرمات والمتشابهات. - سقوط كثير من أفراد المجتمع من صغار المستثمرين وغيرهم؛

نتيجة عدم وعي لحقيقة السوق ومخاطره وطريقة التعامل فيه، مع ما يحصل من مضاربات غير نزيهة مصحوبة بأعمال غير أخلاقية من نجش وإشاعة (¬1) لأخبار كاذبة موهمة بارتفاع أو هبوط. كل ذلك أدَّى إلى خسائر فادحة لكثيرين (¬2)، أو ما يسمى (بانكسارهم) في هذا السوق، ترتب عليه تراكم ديون كبيرة على أسر كثيرة، ساعد على ذلك تمويلات بنكية جشعة غير مدروسة أو عابئة بنتائجها على المجتمع، همُّها تحقيق أرباح مضمونة دون مخاطر. ثم القيام ـ وبسرعة ـ بتسييل هذه المحافظ؛ حفاظا على حقوقهم؛ زعموا فأدى ذلك مع تلك الخسائر إلى هبوط حاد في سوق الأسهم، وتلك مصيبة أخرى؛ ناهيك أن بعض هؤلاء المستثمرين ربما قد باع كلٌّ ما يملك من مسكن أو مركب أو حُلِيٍّ؛ طمعًا فيما يراه من وهج الأسهم وأرباحها العالية، فأصبح بلا شيء بعد أن كان يملك كل شيء؟! ¬

(¬1) انظر: مقال الدكتور محمد القنيبط المتقدم؛ يقول عن الملاحظات التي تسترعي انتباهه بخصوص سوق الأسهم بالذات؛ فقال: إنها كثيرة، ولكن يلفت انتباهي المفعول القوي جدا للشائعات التي بعضها شائعات مقصودة لتحقيق أهداف محددة، ولن يفوتني كذلك ملاحظة التأثير المربك لمنتديات الأسهم على عمليات التداول، وكيف أنها أصبحت مصدرا مشوَّهًا للمعلومات في السوق؛ حيث يبرز غياب المعلومات وعدم توفرها في الوقت المناسب لجميع الأطراف؛ كما تنتشر "تجارة المعلومات الداخلية" بكثافة واضحة، وتؤثر على الشفافية والعدالة. (¬2) في جريدة الرياض في عددها (13752) يوم الجمعة 18/ 1/1427هـ تقرير خالد العويد، وأدى الانخفاض السريع إلى إحداث حالة ذعر وخوف لدى المتداولين من حدوث نزول تصحيحي شامل جعلهم يتدافعون على البيع مع عبور المؤشر إلى مستوى جديد، وشمل التراجع غالبية الشركات في السوق نتيجة ردة الفعل المتوقعة من غالبية المتعاملين الذين كانوا يعيشون قلقا في الأيام الماضية على خلفية الارتفاع المتواصل للشركات، الأمر الذي جعل القيمة السوقية للسوق تنخفض (80.2) مليار في دقائق.

وأصبح أسير ديون استحوذت على حيز كبير من مدخلاته بعد أن أجهزت على أملاكه ومدخراته (¬1) (¬2)، وإن كانوا يتحملون جزءا مما حصل لهم نتيجة قراراتهم الخاطئة وغير المدروسة. ¬

(¬1) وقد جاء الإسلام مشدِّدًا على إبراء الذمة من الدَّين؛ فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتُكَفَّر عني خطاياي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم؛ إن قتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر»، ثم قال: كيف قلت؟ فأعاد عليه، فقال: «نعم، إلا الدَّين؛ فإن جبريل أخبرني بذلك». أخرجه مسلم. وعن أبي قتادة قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل ليصلي عليه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «صلوا على صاحبكم؛ فإن عليه دينا». فقلت: هو علي يا رسول الله. قال: «بالوفاء؟»، قلت: بالوفاء. فصلى عليه. قال الحافظ ابن حجر: (قال العلماء: كأن الذي فعله عليه الصلاة والسلام مِنْ تَرْكِ الصلاة على من عليه دين ليحرض الناس على قضاء الديون في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منه ....) فتح الباري 4/ 478. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من الاستعاذة من الدَّين، وهذا يؤكد التحذير من الاقتراض لغير حاجة وكراهته؛ فعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم». فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل إذا غرم حدَّث فكذب ووعد فأخلف». رواه البخاري في صحيحه. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء». رواه النسائي برقم (5380). (¬2) في جريدة الرياض، عدد (13750)، الأربعاء 16 محرم 1427هـ: (حذَّر صندوق النقد الدولي الجهات المالية السعودية من تضخم الأسعار في سوق الأسهم السعودية؛ مطالبًا بإجراءات سريعة في الحدِّ من القروض الممنوحة للاستثمار في سوق الأسهم والقروض الاستهلاكية، وهو ما صدر مؤخَّرًا من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي في تحديد نسبة القروض ...) مقال كتبه عبد العزيز الرّبعي.

آثارها الشرعية

- ونتيجة طبيعية لهذه الخسائر والديون: أزمات صحية خطيرة ونفسية؛ نتج عن بعضها وفيات وأمراض وعاهات مستديمة، وقد يصاحبها ضعف للإيمان وعدم علم ووعي بحقائق القدر والابتلاء وهنا يعظم المصاب. وهذا كله له أثره السيئ على الفرد وأسرته، وينعكس سلبا على المجتمع الذي يعيش فيه، وربما صار عالة متسوِّلًا بعد أن كان باذلا منتجًا. - الظهور السريع للبعض أدَّى إلى اختلال في النظرة للحياة وكيفية التعامل مع الغير القريب والبعيد، وظهور النظرة الاستعلائية تجاه الآخر، وربما الطبقية. في جريدة الرياض (¬1) في تقرير للكاتب محمود المهيني: " ... أصدقاؤك الذين قضوا أعواما طويلة وهم يبحثون عمن يقرضهم ... آخر الشهر أصبحت أرصدتهم تضم خمسة أو ستة أرقام، هذا ليس بالشيء القليل، وعلى الأقل أنهم لم يعودوا يتعاملون معك، أو لن تتعامل معهم كما في السابق، دائرتك الصغيرة ستختض وتنقلب على رأسها، وهذا ما بدا يشعر به الكثير من الناس؛ سواء مع أصدقائهم أو حتى مع أنفسهم". وأما آثارها الشرعية: - فقد ظهرت جلية في تغير سلوكيات البعض، وفي التفريط في أداء العبادات وفقدان الخشوع وحضور القلب؛ حيث اشتغل بالأسهم، وهذا أمر خطير والوسيلة إلى الحرام حرام. - التساهل في الحلال والحرام، وهذا ظاهر في المضاربة في أسهم شركات محرمة مجمع على تحريمها، أو مختلطة، وأين الورع والبعد عن ¬

(¬1) عدد (13514) الجمعة 17 جمادى الأولى 1426هـ.

المتشابهات، فضلا عما يحدث من البعض من نجش وغبن وإشاعات كاذبة ترتب عليها أضرار فادحة كما تقدم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار» (¬1)، «من غش فليس منا» (¬2). الإخلال بالأعمال الواجبة من وظائف خاصة وعامة كما تقدم، وما يترتب على ذلك من كسب حرام .. هذه بعض آثار المضاربة في سوق الأسهم، وهي بلا شك آثار سلبية على الفرد والمجتمع؛ بل وعلى اقتصاد البلد ككل، وهذا ضررٌ بَيِّنٌ وظاهرٌ ومفاسده غالبةٌ جليةٌ .. ومن القواعد العامة "أن الضررَ يُزالُ"، فكيف إذا كان متعلقا بمصلحة الأمة، ويتعلق باقتصادها الذي هو عصب حياتها بعد إيمانها (¬3). ومن ثَمَّ فلابدَّ من وقفة مع هذه المخرَجات التي أفرزتها هذه المضاربات، وتقييمها وفق مبادئ عامة مبنيَّةٍ على درء المفاسد وجلب المصالح شرعيا واقتصاديا واجتماعيا .. وهل يصح بالأمة ويليق بها أن تسير في اتجاه يؤدي إلى تدويل المال في فئة قليلة على حساب الكثرة الكاثرة منها بعيدا عن الضوابط الشرعية والأخلاق المرعية! وعلى الجهات الرسمية أن تقوم بواجبها في ضبط هذه المضاربات وتقويمها وتحديدها بما لا يتعارض مع المصالح العامة للفرد وللوطن، والعمل على تنمية الموارد الاستثمارية الأخرى وتشجيعها وزيادة الحوافز ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص85. (¬2) تقدم تخريجه ص86. (¬3) ذكر لي بعض أساتذة الاقتصاد أن اجتماع هذه السلبيات المتقدمة كاف في إيقاف هذه المضاربات حتى تعد صيغة منظمة لها لا تتعارض مع مصلحة الاقتصاد العليا.

على الإنتاج والاستثمار (¬1). إن ترك الأمر على ما هو عليه مع ظهور هذه السلبيات الكثيرة يقوي قول من قال من علماء العصر بالمنع من هذه المضاربات؛ إعمالا لقواعد الضرر ودرء المفاسد. ومن ثم فلابد لعلماء الأمة ومجامعها الفقهية من دراسة لكافة جوانبها، واستكتاب المختصين من علماء الشريعة والاقتصاد والقانون، وعقد الندوات المستمرة، والخروج بنتيجة مؤصلة ظاهرة لا لبس فيها. وقد صدرت قرارات من مجمع الفقه الإسلامي ـ بجدة ـ بعد بحوث ودراسات كتبها وناقشها جمع من علماء العصر في الفقه والاقتصاد من دول إسلامية عدة بعنوان (الأسواق المالية الإسلامية)؛ فلابد من تفعيل هذه القرارات وغيرها، وجعلها منطلقا لهذا الغرض، وتطوير ما يحتاج إلى تطوير في ضوء ما يستجد من معاملات وأحداث. وليس بالضرورة إذا أردنا أن نتطور أن نكون نسخة من الغرب أو الشرق في تشريعاتنا وتنظيماتنا؛ فلنا تميزنا في أصولنا وقيمنا، وهي الضمان بإذن الله لتطورنا وتقدمنا، وتحقيق العدالة والشفافية في أسواقنا. * * * * * ¬

(¬1) ومقارنة بالأسواق العالمية حيث النمو والازدهار، فإنك تلحظ أنها لم تؤثر سلبا على اقتصاديات تلك الدول؛ حيث ظلت دولا منتجة مسيطرة على حيز كبير من السوق العالمية، مستفيدة من تلك التدفقات النقدية في سوق الأسهم في تطوير مشاريعها الاقتصادية وغيرها وتنميتها.

ملحق خاص

ملحق خاص .. في بحث للأستاذ إبراهيم السكران بعنوان (الأسهم المختلطة) ذكر قسما نَقَدَ فيه نظريةَ الأسهم النقية، وأعتقد أنه وُفِّقَ فيه كثيرا. ثم انتقل إلى الأسهم المختلطة وبَيَّنَ فيها أقوال المعاصرين فيها. ثم ذكر أنه لا يمكن الفصل فيها إلا بتحرير أصل شرعي؛ وهو العلاقة بين أصحاب الأموال المختلطة مثل التاجر الكافر ... وذكر أنه قد حصل خلط بين ثلاث مراتب متفاوتة الأحكام والآثار، وهي مرتبة (عموم المعاملة) ومرتبة (المشاركة بالحصة) ومرتبة (المشاركة بالتصرف)، وهذا أدى إلى عدم تصور دقيق لأصل الخلاف في المسألة، ثم أفاض في أقوال الفقهاء في هذه المراتب. وقد أجاد في مرتبة (عموم المعاملة)، وكذلك في مرتبة (المشاركة في الحصة)، وذكر أنه لا يلزم من الجواز فيهما الجواز في المساهمة في الشركات المختلطة؛ لأن مركز مناطات الفريق الذي يرى التحريم مرتبطٌ أساسًا بمرتبة (المشاركة بالتصرف)، وليس المشاركة بالحصة ولا عموم المعاملة. وقد أجاد في هاتين المرتبتين: وفي مرتبة (المشاركة بالتصرف) نقل نصوصًا عن الفقهاء تدل على جواز المشاركة في الأصل أو المنع منها وجوازها إذا وقعت، ثم ذكر أن الشركات المختلطة في هذا العصر تنتمي إلى هذه المرتبة وتدخل تحت قول هؤلاء المجيزين.

وهنا بعض الملاحظات على ما ذكره في هذه المرتبة: 1 - كل النصوص التي ذكرها ليس فيها أن الشريك الذمي ونحوه يرابي بأموال الشركة ويأخذ عليها ربا (فائدة)، أو يقترض على الشركة ويدفع فائدة؛ بل ليس فيها أنه يجوز الدخول معه إن كان يعلم أنه يرابي بأموال الشركة. ففي الاستشهاد بها تحميل لها بما لا تحتمله ولا يقوله أولئك الفقهاء أصلا، وهم الذين يسدون كل الذرائع الموصلة للربا كما هو المشهور عن المالكية والحنابلة. - ويقول: ويلاحظ المتابع لبعض الدراسات الفقهية في هذا الموضوع أنها تسوق أدلة القول الذي رأى الإباحة والقواعد الفقهية التي اتكأ عليها ثم تناقشها ... وفي تقديري أن المفترض كان يجب أن يكون عكس ذلك تماما ... بمعنى أن تكون المناقشة أساسا لأدلة الفريق الذي رأى المنع، فإذا صحت أدلته ثبت التحريم، وإن ضعفت أدلته بقيت الإباحة على ما كانت عليه؛ لعدم وجود الدليل الذي يطيق رفعها عن الأصل. والمستند الجوهري الذي تنطلق منه هذه الرؤية المنهجية هي أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة؛ وهذا يعني أن من رأى إباحة معاملة من المعاملات فإنه لا يطالب بالدليل؛ لأنه باق على الأصل، وإنما يطالب فقط الإجابة الصحيحة على أدلة التحريم؛ لأنها الناقلة عن الأصل. وأقول: إن هذا غريب منه من وجهين: 1 - هل يعتقد أن ما انتبه له خفي على كل أولئك الفقهاء المعاصرين في تلك الهيئات والمجامع؟ 2 - أن ذلك الأصل الذي ذكره لا خلاف فيه؛ ولكنه عند الجميع في المعاملات المباحة. وأما المعاملات الربوية فالأصل فيها التحريم {وَحَرَّمَ الرِّبَا}، والعقود

الربوية التي تجري في تلك الشركات لاشك أن الأصل فيها التحريم وأنها عقود فاسدة كما تقدم في أدلة القول الأول، وهي عقود أثَّرت في مالية تلك الشركات، ونصوص المنع من الربا مطلقا قليله وكثيره صريحة قطعية في الكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ فمن قال بالتحريم فقد مشى على هذا الأصل. ومن ثم فإن تلك المنهجية التي سلكها الفقهاء المعاصرون هي المنهجية الصحيحة ... فأعتقد أن الباحث التبس عليه الأمر، وهذا الالتباس ناشئ من الالتباس الذي وقع فيه في فهمه لنصوص الفقهاء المتقدمة، والتي تقدم الجواب على عدم دلالتها على ما ذكره من الجواز، وإلا فما فائدة {وَحَرَّمَ الرِّبَا} إذا قلنا أن الأصل في المعاملات الحل، ولو كان فيها عقود ربوية مقصودة ومتأصلة فيها؟! ومن هذا المنطلق رأى أن قولَ من يقول بالإباحة في القسم المختلط من الشركات ليس في حاجة إلى استدلال؛ لأن معهم الأصل، وإنما الذي يحتاج إلى الاستدلال من يقول بالتحريم؛ لأنه مخالف للأصل، ثم ذكر عشرة اعتراضات للمحرمين وأجاب عليها: 1 - الاعتراض الأول: أنه تجوز المعاملة دون المشاركة؛ لأن المشاركة من الإعانة على الإثم؛ أما عموم المعاملة كالمبايعة والمؤاجرة والمهاداة فليس فيها إعانة على الإثم والعدوان. 2 - الاعتراض الثاني: أن مُدَرَاءَ الشركة المختلطة قد ثبت أنهم ممن لا يتحرز عن المعاملات المحرمة تمويلا أو استثمارا أو نشاطا، وعليه فلا يجوز مشاركتهم طالما كانوا بهذه الصفة؛ لأن مشاركتهم ذريعة غالبة للمال المحرم. 3 - الاعتراض الثالث: أنه حتى لو قلنا بمشروعية مشاركة غير المسلمين، فإن ذلك عائد إلى أن المعاملات المحظورة التي يمارسونها

هي مما يجوز لهم في شرعهم، ولذلك فلا بأس بمشاركتهم فيها؛ كما أباح لنا الشارع ذبائح أهل الكتاب بالرغم من أنه يغلب عليهم ترك التسمية الشرعية، ولذلك فلا يجوز قياس المسلم المقصر على الكتابي. 4 - الاعتراض الرابع: أن المساهم شريكٌ، وعليه فإنه يكون موكَّلًا، وتكون إدارة الشركة وكيلًا عنه؛ لأن مبنى المشاركة على الوكالة، وبالتالي فإن الأموال المحظورة اليسيرة التي تسربت إلى الشركة تنسب شرعا وفقها إلى المساهم ويعتبر مقرا لها وراضيا بها؛ لأنها من تصرفات وكيله، حتى ولو تخلص من نسبتها. 5 - الاعتراض الخامس: أن الشريعة لا تفرِّق في المال الحرام بين الكثير والقليل، ولا بين المستقبل والتابع؛ بل إذا اختلط الحلال بالحرام فإنه يجب اجتنابه كله، كما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه» (¬1). 6 - الاعتراض السادس: أنَّ النصوصَ المنقولة عن الفقهاء في التفريق بين الكثير والقليل، أو بين المستقل والتابع، إنما يعنون بها ما مضى من الأموال السابقة لا فيما يستقبل منها، أو بمعنى آخر: إنما يفرق الفقهاء بين الكثير والقليل في (المعاملات السالفة) وليس (المعاملات المستأنفة). 7 - الاعتراض السابع: أن المال الحرام غالبٌ على قيمة السهم؛ لأن قيمة السهم تعتمد بشكل أساسي على إيراداته، وإيراداته تعتمد بشكل أساسي على التمويلات الربوية، وعليه فإن قيمة السهم مرتبطة ارتباطا تامًّا بالمال المحرم، ومنعكسة عنه وصادرة منه. 8 - الاعتراض الثامن: أن الأرباح المحرمة شائعة في أموال ¬

(¬1) رواه البخاري (6858)، ومسلم (1237).

الشركة، وعلى ذلك فلا يستطيع الإنسان أن يتخلص من العنصر المحرم في الإيرادات أصلا إذ لا يمكن إخراج نظيرها من كل وجه. 9 - الاعتراض التاسع: أنه حتى لو تخلص الإنسان من النسبة اليسيرة المحرمة في آخر قائمة مالية، فإنه لا يستطيع أن يتخلص من النسبة المحرمة في القوائم المالية السابقة. 10 - الاعتراض العاشر: أن المصلحة المفترضة في المشاركة في هذه الشركات المساهمة هي مصلحة ملغاة وغير مرعية؛ لأنه لم يشهد الشارع لجنسها بالاعتبار؛ فلم يُعهد من الشارع أن تسامح في يسير من المال الحرام رعاية لمصلحة أخرى. وسنحاول فيما يلي تحليل ومناقشة هذه الاعتراضات العشرة فيما يلي: مناقشة الاعتراض الأول هذا الاعتراض الذي مضمونه التفريق بين المعاملة والمشاركة؛ بحيث يجوز مثلا معاوضة صاحب المال المختلط بثمن البيع، وأجرة المنفعة، وعمولة الوكالة، أو قبول الهدايا والهبات، دون مشاركته في مال الشركة؛ لأنه من الإعانة على الإثم والمساعدة على المعصية - في تقديري أنه اجتهاد غير دقيق؛ لعدم اطراد مناطه؛ ذلك أن مطلق المعاملة يتضمن معنى المعاونة أيضا ... ويجاب: بأنه ليس هذا مناط التفريق؛ بل مناط التفريق أنه في المشاركة مالك الأسهم وكيل عن صاحبه، فكل تصرف في الشركة من عقود جائزة أو محرمة فهي منسوبة إليه؛ كما قال ابن قدامة: وهذا النص عنه قد استدللت به؛ فيلزم الاستدلال بجميع ما فيه. قال: (فأما ما يشتريه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو

المضاربة، فإنه يقع فاسدا، وعليه الضمان؛ لأن عقدَ الوكيل يقع للموكل، والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير، فأشبه ما لو اشترى به ميتة أو عامل بالربا). مناقشة الاعتراض الثاني أما الاعتراض الثاني الذي مضمونه أن مُدَرَاءَ الشركة لا يتحرزون عن المعاملات المحرمة - وعليه فإنه لا يجوز مشاركتهم - فهو اعتراض غير دقيق؛ ذلك أنه من المستقر في نصوص الشريعة أن اليهود من أكثر الناس استحلالا للربا وأكل المال بغير طرقه الشرعية كالقمار والخمور والرشوة والغش والاحتيال وغيرها، وقد عاملهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وشاركهم في خيبر ... فهذا دليل على جواز المشاركة، وقد تقدم الجواب عن هذه المشاركة وأنه لا دلالة فيها من ثلاثة وجوه (¬1). مناقشة الاعتراض الثالث أما الاعتراض الثالث الذي مضمونه أنه إنما جازت مشاركة اليهودي لأنه يستحل هذه الأموال المحرمة ويتأول جوازها، فالشريك اليهودي يرى أن أموال الربا والقمار ونحوها أموال مباحة، وهذا بخلاف الشريك المسلم المنتهك لهذه الأموال؛ لأنه يعتبرها حراما، وعليه فلا يجوز قياس الشريك المسلم المرابي المحرم عليه الربا على الشريك اليهودي المرابي الذي يستبيح الربا؛ ففي تقديري أن هذا اعتراض فاسد من وجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن الربا لم يبح لليهود أصلا؛ بل هم منهيون عنه، كما قال تعالى في سورة النساء: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}. ¬

(¬1) انظر ص27.

ويجاب بأنه لم يذكر من قال بهذا الاعتراض، وأظنه اعتراضا افتراضيا؛ فإنه لا يقول به أحد، بل هو مبني على ما فهمه من صحة مشاركة اليهودي المرابي، وهو فهم غير دقيق ـ كما تقدم؛ فإنه ليس في تلك النصوص جواز مشاركة من يرابي بأموال الشركة ـ يهوديا أو غير يهودي - بل فيها الدلالة على فساد تلك العقود؟! قال ابن القيم (¬1): "وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم جاز لهم شركتهم في ثمنه، وثمنه حلال؛ لاعتقادهم حله، وما باعوه واشتروه بمال الشركة؛ فالعقد فيه فاسد؛ فإن الشريك وكيل والعقد يقع للموكل، والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير". فهل العقود الربوية التي تجريها هذه الشركات المختلطة عقود فاسدة وملغاة أم أنها صحيحة عنده ومعتبرة، مع ملاحظة أن النصوص المنقولة عن الفقهاء فيما إذا كانت الشركة قائمة وطرأت عليها مثل هذه المعاملات المحرمة، وليست في الدخول في شركات يعلم أنها تمارس عقودا محرمة - مجمع على تحريمها؛ فإنه لم يرد عن الفقهاء نص بجواز الدخول فيها؟ ثم قال: الوجه الثاني: أنه إن كان قد جاز التسامح مع الشريك الكتابي لأنه يتأول في دينه جواز فوائد الربا وإيرادات الخمور وصفقات القمار وأثمان الخنازير، فإنه من باب أولى أن يجوز التسامح مع المسلمين المتأولين للأموال المحظورة، مثل بعض مؤسسات المسلمين الربوية؛ لأن كثيرا من روَّادها يتأول جواز الفوائد البنكية أصلا باعتبار التفريق بين الربا الإنتاجي والربا الاستهلاكي، وأن ربا القرآن القطعي هو ربا الديون لا ربا القروض. ويجاب بأن هذا قول ضعيف مخالف لإجماع المتقدمين ¬

(¬1) انظر: أحكام أهل الذمة 1/ 560، وانظر كلامه ص53 حيث حرم كل عقد فيه الربا، وكلام الغزالي ص41.

والمعاصرين، ونصوص تحريم الربا القطعية الدلالة والثبوت؛ فكيف يقال بالتسامح مع المتأولين للأموال المحظورة بناء على قول ساقط مخالف لإجماع المجامع الفقهية؟! وهل التأويل يرد النص الصريح المجمع على مدلوله؟ وهل كل من يُجري هذه العقود يتأول جوازها كما ذكرت؟! ثم يقول: الوجه الثالث: أن النظر والاعتبار في مآلات هذا القول يكشف ما يرد عليه من اللوازم الفاسدة، وما يترتب عليه من النتائج الوخيمة؛ ذلك أنه لو كان يجوز المشاركة مع الشريك الكتابي حتى ولو تعامل بالأموال المحرمة لأنه يستبيحها ويتأولها، بينما لا يجوز المشاركة مع الشريك المسلم المتعامل بيسير الأموال المحرمة لأنها محرمة عليه - لآل الأمر إلى أنه لا يجوز المساهمة إلا في الشركات الأجنبية التي يملكها غير المسلمين، أما شركات المسلمين فلا يجوز المساهمة فيها! يجاب عليه بما أجيب به على الوجه الأول من أنه مبني على فهمه الخاطئ بجواز تلك المشاركة ... مناقشة الاعتراض الرابع أما الاعتراض الرابع الذي مضمونه أن المساهم شريك، وبالتالي فإن العلاقة بين (المساهم) و (مجلس الإدارة) هي (علاقة نيابية)؛ لأن مبنى الشركة على الوكالة والنيابة كما نص الفقهاء، وعليه فإن القروض والاستثمارات الربوية التي يتخذها مجلس الإدارة تنسب شرعا للمساهم؛ لأنها تصرفات وكيله ونائبه: فالحقيقة أن هذا الاعتراض مبنيٌّ على ركيزتين أو مبدأين فقهيين بحيث لا يمكن استخلاص الجواب عنه إلا من خلال تحليلها بشكل منفرد. وذكر مرتبتين: مرتبة أطلق عليها (النيابة المحضة) وهي التي تسري فيها التصرفات إلى المنوب عنه الموكل.

والثانية: المشوبة أو القاصرة، وهي التي قام بها مانع يمنع من ترتب آثار النيابة الأصلية عليها، ونتيجة لهذا المانع فإن المنوب عنه قد يعفى من سراية تبعة التصرفات .. ومثَّل لذلك بالوصي على اليتيم وناظر الوقف؛ حيث لا تسري كل تصرفاتهم على اليتيم أو الواقف، واستدل ببعض نصوص للفقهاء. ويلاحظ أن جميع النصوص التي استشهد بها ليس فيها ذكر للشريك ودخوله في هذا القسم لا من قريب ولا من بعيد؛ فكيف يستدل بهذه النصوص العامة ويترك نصوصهم الخاصة في هذا الموضوع التي تدل على أن الشريك وكيل عن شريكه في تصرفاته، كما ذكر ابن قدامة الذي استدل بنصه، وكذلك ابن القيم. ثم يقول: (ولو انتقلنا إلى الشق الثاني أو المبدأ الثاني الذي يتكون منه هذا الاعتراض وهو أن المساهم شريك تام، فالحقيقة أن تحليل طبيعة علاقة المساهم بمجلس الإدارة في الشركات المساهمة الحديثة يكشف أن هناك تبدلات جوهرية في طبيعة الشريك في هذه الشركات المساهمة وتحولات مضمونية في مفهوم المشاركة - حَوَّلَت المساهم من كونه شريكا مطلقا مكافئا في شركة حرة ومحدودة إلى كونه مجرد مشترك في مؤسسة تجارية عامة، أو مجرد عضو في منظمة ذات شخصية اعتبارية خاصة وذمة مالية منفردة، ونظام مسبق، وإدارة مستقلة خارجة عن هيمنة الإرادة الفردية للمساهم. وقد أكد فقهاء القانون المدني بشكل عام، وفقهاء القانون التجاري بشكل خاص، على هذه الطبيعة الجديدة للشركة المساهمة، والتي حولت الشركة من (عقد) يتفق عليه جميع الأطراف، ويحقق به العاقدون صفتهم كشركاء إلى (نظام قانوني) يسري على كل من يرغب الانضمام، ولا يمتلك المساهم العادي أية سلطة في تغيير سياساته أو صياغة قراراته الاستثمارية، وإنما ليس له إلا الإفصاح عن الرغبة في الانخراط في هذه المنظومة وتحمل آثارها التبعية أو الخروج منها بلا غنم ولا غرم فقط.

الجواب عليه: هو هل طبيعة الشركة وتغير شكلها القانوني وتغير العلاقة بين أعضائها، هل يغير في الأحكام الشرعية فيحل الحرام بحيث يجوز له الإقدام على المحرم بدخوله باختياره في منظومة شركة تمارس أعظم الأعمال حرمة بماله وهو الربا، وهو يعلم عدم قدرته على المنع من التصرفات المحرمة. ثم هناك إيرادات واستفسارات على القول بتغيير الطبيعة القانونية للشركة على النحو التالي: أنه لابد من تحديد علاقة المساهم بالشركة؛ فهو شريك فيها قطعا، وإذا كان شريكا فما هي علاقتها هي هل هي علاقة منقطة؟ هل المديرون يتصرفون بإداراتهم فقط، إذ لا يصح أن يطلق عليه شريك؟ لو تصرفوا تصرفا فيه تعد أو تفريط، أليس من حق المساهمين محاسبتهم؟ إذًا فالمساهمون مفوضون لهم بإدارة الشركة من غير تعد ولا تفريط، وهذه هي حقيقة الوكالة، ولا نزاع بين الفقهاء فيها، فلماذا يحاول تطويع الأحكام بما يتلاءم مع النظريات الاقتصادية الأخرى؟! أليس الأجدر إلزام الشركات بقواعد الشرعية وأصولها؟! ثم يقول: فإذا كنا لا نستطيع أن نقول للمساهم: التزم بالدخول مع إدارة سالمة من المآخذ الشرعية من جميع الوجوه. تعيَّن القول بجواز المساهمة في الشركات المختلطة إذا كان المخالِطُ مغمورا. فطالما أن المساهم لا يمتلك سلطة إدارة الشركة، وليست له الحقوق التقليدية المعروفة للشريك في الفقه الإسلامي، فعليه فإنه لا يجوز إسقاط كامل الالتزامات والمسؤوليات التقليدية للشريك عليه؛ لأن

الالتزامات فرع عن الحقوق، والمسؤولية تبع للسلطة؛ وبالتالي فهو غير مسؤول عن أصل الانحرافات الجزئية التي تتخذها إدارة الشركة بغير رضاه؛ لأنه مسلوب الحق في إدارتها، وإنما يكون مسؤولا عن أمرين: لو غلبت الانحرافات على إدارة الشركة وبقي فيها، ولو علم بالانحرافات الجزئية ولم يتخلص من آثارها. والجواب عليه كالآتي: 1 - أنه لا يلزم من عدم القدرة على الدخول مع إدارة سالمة من المآخذ الشرعية أن يتعين القول بجواز المساهمة في الشركات المختلطة إذا كان المخالط مغمورا؛ للآتي: أ- لعدم الدليل على هذا التلازم؛ بل الدليل بخلافه وهو حرمة الإقدام على الربا مطلقا ـ قليلا كان أو كثيرا ـ كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة من الكتابين .. ب- أن الاستثمار للأموال ليس مقصورا في أسهم هذه الشركات فقط؛ بل مجالات الاستثمار أكثر وأوسع من أن تحصر، وهذا أمر مسلم وواقع مشاهد. ج- أن التحديد بالجواز ـ إذا كان المخالط مغمورا - يتناقض مع ما ذكرته في ص25 من أن "الشركات المساهمة ستبقى على هذه السياسة المالية في الفترة القادمة؛ بل المعلوم بالظن في الغالب عكس ذلك؛ وهو أنه لو ارتفع سعر الفائدة لعادت وأودعت بالفائدة الربوية ... وهذا يعني أنها قد تودع الكثير. 2 - وأما القول بأن المساهم طالما أنه لا يمتلك سلطة إدارة الشركة فإنه لا يجوز إسقاط كامل الالتزامات والمسؤوليات التقليدية عليه .... فالجواب: بأنه لا تلازم بينهما، ولا يلزم من عدم الإسقاط جواز الدخول؛ لأن الدخول حصل برضاه واختياره، ويترتب عليه إقدام على

الدخول في الربا المحرم، حتى ولو زعم أن ما يحصل بغير اختياره؛ لأن أصل الدخول فيها إنما كان باختياره هو ولم يلزمه أحد، وكان بإمكانه البحث عن استثمار آخر لا يخالطه المحرم. 3 - وأما القول بأنه يكون مسؤولا لو غلبت الانحرافات على إدارة الشركة وبقي فيها .... فالجواب: بأن هذا يتناقض مع المبدأ الذي قررته (ص64 - 66) وهو ما ذكره علماء القانون من طبيعة هذه الشركة وأنها أقرب إلى (نظام قانوني) يسري على كل من يرغب الانضمام، ولا يمتلك المساهم العادي أي سلطة في تغيير سياساته أو صياغة قراراته الاستثمارية .... فإن هذا المبدأ الذي قررته ورضيته لا فرق فيه ولا يفرق بين الانحرافات الكثيرة أو القليلة؛ فإذا كنت قيَّدته بالقليل والمغمور بناء على قاعدة اليسير والتابع، وهي القاعدة التي سبق الجواب عليها ـ فلماذا تلزم غيرك من المانعين من هذه المساهمات بمضمونه وطبيعته القانونية التي تلغي دور الشريك وتسلبه حقوقه؟! أليست هذه انتقائية لما تريده ـ دون غيرك ـ من هذه الطبيعة القانونية، فإما أن تعمل بمنظومة هذه الطبيعة القانونية مطلقا من غير تقييد ولا تفريق بين قليل وكثير، أو تترك لغيرك نقد هذه الطبيعة وعدم الأخذ بها مع أنك أجزت تقييدها؟! وقد تقول: إن الكثير محرم. فيقول لك: إن الإقدام على الدخول مع العلم بوجود الربا محرم أيضا. ثم قال: وخلاصة الجواب على هذا الاعتراض ـ والله أعلم ـ أن تقول: أن الأصل في النيابة أن تسري تبعة التصرفات إلى المنوب عنه، إلا إذا شاب النيابة مانع ترتب عليه تخلف آثار النيابة التقليدية،

والمتحصل في طبيعة المساهم قيام المانع؛ وهو أن الأنظمة السارية التي سَنَّها ولي الأمر مَنَحَتْ مجلسَ الإدارة صلاحيات التصرفات وسلبت المساهم بصورته الفردية منها. والجواب: هل ولي الأمر يملك أن يسن حراما؟! وإذا سن حراما تجوز موافقته؟! إن ولي الأمر لم يسن نظاما يجيز ممارسة الحرام من القرض والإقراض الربوي، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أَحَلَّ حراما أو حَرَّمَ حلالا» (¬1). وهل هذه التشريعات تجيز الولوغ في الربا المجمع على تحريم تعاطيه بأي وجه؟! وهل يقال: إن القول بالجواز مراعاة لمقاصد الشريعة، مع أن الشارع شَدَّدَ في الربا تشديدا عظيما كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2)؟! مناقشة الاعتراض الخامس أما الاعتراض الخامس الذي مضمونه أن الشريعة لا تفرق بين الكثير والقليل أو بين المستقل والتابع في الأموال المحرمة، ففي تقديري أن هذا التصور غير دقيق؛ بل الصواب ـ والله أعلم ـ أن قاعدة الشريعة المستقرة في الأموال والأعيان المختلطة هي إلحاق الحكم بالغالب المقصود بالأصالة، فإذا كان الحلال هو الغالب المقصود بالأصالة والمحظور مجرد تابع يسير جازت المعاملة، وإذا كان الحرام هو الغالب ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في كتاب الأقضية باب في الصلح رقم 3594، 3/ 304، والترمذي في كتاب الأحكام باب ما ذكر في الصلح بين الناس، وقال حسن صحيح رقم 1352، 3/ 634 وقال الألباني: صحيح. (¬2) انظر ص34 - 36.

المقصود بالأصالة والحلال مجرد تابع يسير حرمت المعاملة، وهذا هو الذي قرره جمهور الفقهاء وعامة المحققين. وقد سبق الجواب عليه عند مناقشة قاعدة (اختلاط جزء محرم بالكثير المباح) (¬1)، وقاعدة (يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا) (¬2). وقد استدل بالحديث المشهور الذي رواه أهل السنن من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» (¬3)، فلم يقل - صلى الله عليه وسلم -: اجتنبوه كله لاختلاطه بالمحرم. بل أباحه إذا كانت الغلبة للطاهر. والجواب عنه بأنه لا أثر للمحرم هنا؛ لكن لو وجد أثر النجاسة فإنه يحرم بالإجماع؛ بخلاف المعاملات الربوية المحرمة في هذه الشركات؛ فإن أثرها واضحٌ وهي مقصودة للشركة وليست تابعة ... مناقشة الاعتراض السادس أما الاعتراض السادس الذي مضمونه أن تفريق الفقهاء بين الكثير والقليل إنما يراد به المعاملات السالفة لا المعاملات المستأنفة، باعتبار أنه من غير المظنون ولا من اللائق أن يقر الفقهاء بوقوع العقود الفاسدة في المستقبل كالربا والقمار، ففي تقديري أن هذا الاعتراض الذي ارتكز عليه بعض الباحثين المعاصرين ناشئ عن فرضية فكرية أكثر من كونه تحليلا فقهيا. ¬

(¬1) انظر ص36 وما بعدها. (¬2) انظر ص28 وما بعدها. (¬3) رواه أحمد (5218)، وأبو داود (61)، والترمذي (67)، والنسائي (52)، وابن ماجه (517)، بلفظ: «إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء»، وابن خزيمة (92)، وابن حبان (117)، والحاكم (132)، والدارقطني 1/ 31. انظر: تهذيب السنن 1/ 56، والتلخيص الحبير 1/ 25، صححه الألباني في الإرواء 1/ 60.

فهذا الاعتراضُ محضُ استبعاد ذهنيٍّ وَلَّدَه قصورٌ في مطالعة واستقصاء وتحليل معالجات الفقهاء لإشكالية المشاركة مع أصحاب الأموال والتصرفات المختلطة، وهم الذين لا يتحرزون عن العقود الفاسدة شرعا؛ ذلك أن نصوص الفقهاء التي أشرنا إليها في الفقرات السابقة أظهرت أن الفقهاء يفرقون أساسا بين شركة أصل نشاطها محرم، وبين شركات أصل نشاطهم مباح؛ إلا أن إدارة الشريك المقصِّر يشوبها باليقين أو الظن الغالب بعض المخالفات الشرعية اليسيرة الخارجة عن إرادة الشريك المحافظ ... وقد استدل بكلام ابن قدامة وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم فثمنه حلال لاعتقادهم حله ..... فأما ما يشتريه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة فإنه يقع فاسدا، وعليه الضمان؛ لأن عقد الوكيل يقع للموكل، والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير، فأشبه ما لو اشترى به ميتة أو عامل بالربا .... ويجاب عنه من وجوه: الأول: أنا لا نرى سلامة هذا الاعتراض وصحته؛ فإنه لا فرق بين المعاملات السالفة والمعاملات المستأنفة؛ فالمحرم يجب الخروج منه ويحرم الدخول فيه؛ بدلالة: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}، وبدلالة: {لَا تَاكُلُوا الرِّبَا}، و «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا ومؤكله». الثاني: أنه لا يقال إن تلك الشركات باطلة في جملتها، وإنما يقال: يجب أن يخرج من تلك الشركات، وأما ما ذكرته سابقا فإنه من أبعد ما يكون عن كلام ابن قدامة الذي يجعل الشريك وكيلا، ويجعل تلك العقود فاسدة. ثم يقال: هل العقود المحرَّمة التي تجريها الشركات المساهمة باطلة عندهم أو يستطيع إبطالها أو تخليصها من الحرام؟ فكيف يبقى فيها؟

وهل في كلام ابن قدامة وغيره أنه يبقى فيها مع علمه وعجزه عن التغيير وهو لا يثبت ملكه عليه كما قال ابن قدامة؟! وهل الأصل في المسلم إجراء العقود الفاسدة والمضي فيها؟ وهل تأخذ بكل كلام ابن قدامة أو ابن القيم الذي فيه أن الشريك وكيل والعقد يقع للموكل؟! الثالث: كل النصوص التي نقلت إنما هي في الخمر والخنزير الذي يعتقد صحته، وليس فيما يعتقد تحريمه، وانظر كلام الكاساني وابن عابدين (¬1) من فقهاء الحنفية فيمن يجري عقودا باطلة؛ ففي هذه النقول إثبات لخطئك في فهم مذاهب العلماء أدى ذلك إلى تلبيس وتحميل لأقوالهم ما لا تحتملها، وهذا خلط عجيب. مناقشة الاعتراض السابع أما الاعتراض السابع الذي مضمونه أن المال الحرام غالب على قيمة السهم لأن قيمة السهم انعكاس لإيراداته، وإيراداته تعتمد بشكل أساسي على التمويلات الربوية؛ ففي تقديري أن هذا الاعتراض نابع من عدم تصور طبيعة العوائد التي تخلقها الأسهم؛ سواء من حيث مصدرها أو من حيث العوامل المؤثرة على ارتفاع قيمتها ... ويجاب: ما ذكره الباحث صحيح؛ فإن العوائد على الأسهم نتيجة عوامل كثيرة وليس فقط العامل الربوي، ولكن نقول: متى وجد الحرام لم تصح المعاملة؛ سواء غلب أو لم يغلب للعمومات كما تقدم. مناقشة الاعتراض الثامن أما الاعتراض الثامن الذي مضمونه أن الأرباح المحرمة شائعة في أموال الشركة، وعلى ذلك فلا يستطيع الإنسان أن يتخلص من العنصر ¬

(¬1) انظر ص58.

المحرم في الإيرادات أصلا إذ لا يمكن إخراج نظيرها من كل وجه - فالصواب ـ والله أعلم ـ أن هذا الاعتراض اعتراض ضعيف مخالف لقاعدة الشريعة المستقرة في الأموال والأعيان المختلطة؛ فإن الشارع إذا اجتمع الحلال والحرام لم يحكم بتحريم الجميع؛ بل يأمر بإخراج قدر المال المحرم بما يغلب الظن إخراجه به. ولذلك فإن كثيرا من المحققين ذهبوا إلى أنه إذا اختلط معقود عليه مشروع بمعقود عليه فاسد في عقد واحد لم يمنع الجميع باعتبار أن العقد شائع فيهما؛ بل ذهبوا إلى القول بتفريق الصفقة، كما روى الشيخان (¬1) أن البراء بن عازب اشترى هو وشريكه شيئا يدا بيد ونسيئة، قال: وسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: «ما كان يدا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فذروه». فأرشدهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تفريق الصفقة بإمضاء المال الصحيح وترك المال الفاسد، ولم يحكم بشيوع الصفقة في المعقود عليه جميعه، ويقول الفقيه ابن القيم تعليقا على هذا الحديث: (وهو صريح في تفريق الصفقة ....). ويجاب: بأن هذا الاعتراض غير صحيح كما ذكر الأخ الباحث، والاعتراض إنما هو في بيان معنى الشيوع وتأثيره؛ فمعنى الشيوع: أن الاستثمار المحرم مؤثر فيهما معا لاختلاطهما على وجه لا يمكن التمييز فيه؛ فأثر الحرام في مال الشريك ظاهر يؤكده أن الفوائد على القروض التي على الشركة تدفع من مجموع هذه الأموال، ولو خسرت الشركة خسارة فادحة لسددت الفوائد الربوية والقروض الربوية من أموال المساهمين، وهذا بيِّنٌ وظاهر، وهذا معنى تأثر شيوع المالين. ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب التجارة في البر رقم 1955، 2/ 276، ومسلم في صحيحه في كتاب المساقاة باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينا رقم 1589، 3/ 1212.

ولا نعني أن الشيوع يمنع من إخراج الفوائد المحرمة؛ لأنه لا يمكن إخراج نظيرها من كل وجه كما ذكرت عن البعض ... فإن نصوص العلماء في التمييز بين قَدْرِ المحرمِ وقدر الحلال ظاهرة، وإنما الكلام في التأثير كما تقدم. مناقشة الاعتراض التاسع وأما الاعتراض التاسع الذي مضمونه أنه حتى لو تخلص الإنسان من النسبة اليسيرة المحرمة في آخر قائمة مالية فإنه لا يستطيع أن يتخلص من النسبة المحرمة في القوائم المالية السابقة، فالواقع أن هذا الاعتراض يتضمن إجمالا سنحاول تفصيله في العنصرين التاليين: 1 - الإيرادات المختلطة قبل المساهمة: بمعنى الإيرادات التي تخلقها الحصة قبل شراء المساهم لها، ويكون فيها نسبة يسيرة من أموال غير مشروعة؛ فهذه الإيرادات في الحقيقة لم يستلمها المساهم الجديد أصلا، وعليه فليس عليه التخلص من شيء لم يستلمه. 2 - الحصة المختلطة قبل المساهمة: بمعنى النسبة اليسيرة التي كوَّنَتْها الشركة في موجوداتها بتعاملات غير شرعية؛ فهذه النسبة هي في الحقيقة تعود إلى قاعدة (المحرم لكسبه)؛ فإذا اشترى المساهم الجديد هذه الحصة المختلطة الشائعة في مكونات الشركة بعقد شرعي صحيح فإنها تصبح بالنسبة له أموالا مباحة، وقد سبق إيراد الأدلة الشرعية على تصرفات الشارع حيال المحرم لكسبه؛ فهذا الاعتراض أدخل بباب المعاملة منه بباب المشاركة؛ لأنه يتحدث عن شراء حصة مختلطة سابقة، وليس المشاركة في أرباح مستقبلية مختلطة. وبالجملة فإن المساهم لا يسأل إلا عن الموجودات والإيرادات التي تكونت بعد دخوله في المساهمة؛ أما ما كان قبل مساهمته فإما أن

يكون إيرادا لم يتسلمه فلا حكم له، أو حصة شائعة في مكونات الشركة انتقلت إليه بعقد شرعي صحيح. ويجاب: هذا كله صحيح، وليس هذا الاعتراض ـ فيما يظهر؛ إنما الاعتراض أنه يدخل؛ سواء قلنا أنه مشترك أو مشارك؛ وهي مدينة بقروض ربوية تسدد من مجموع الأموال، أو دائنة بقروض ربوية تأخذ عليها فوائد وهو يعلم ثم يدخل. مناقشة الاعتراض العاشر أما الاعتراض العاشر الذي مضمونه أن مصلحة مشاركة المسلمين في الشركات المساهمة مع وجود أموال محرمة تبعية هي مصلحة ملغاة وغير مرعية لأنه لم يشهد الشارع لجنسها بالاعتبار - فلم يعهد من الشارع أن تسامح في يسير المال الحرام رعاية لمصلحة أخرى؛ فالصواب ـ والله أعلم ـ أن هذا الاعتراض اعتراض ضعيف؛ فاستيعاب تصرفات الشارع يؤكد دون شكٍّ أن الشارع ليس معنيًّا فقط بتقرير المصلحة والمفسدة؛ ولكنه معنيٌّ بشكل أساسيٍّ بالموازنة بين أعظم المصلحتين وأدنى المفسدتين. ويجاب: أن ما ذكرته لا يصح أن يكون مناقشة لهذا الاعتراض؛ لأن المعترض يقول: أثبت أن مصلحة المشاركة آكد من المفاسد العظيمة المتيقنة في المعاملات الربوية، فهل الأعظم مراعاة التسامح بارتكاب المحرم "الربا" المجمع على تحريمه من أجل كسب في شركة يمكنه الاستثمار في غيرها، وقد لا يربح في هذه الشركة التي دخل فيها؟! وماذا لو تواطأ المسلمون أو أكثرهم على مقاطعتها ـ استثمارا أو مضاربة ـ حتى تترك المعاملات المحرمة؟! أليس هذا أجدى من محاولة الاجتهاد في تحليل محرم قطعي آذن الله بالحرب على فاعله المصر على فعله .... ؟!

ثم مثل لتسامح الشارع بيسير الربا بالآتي: 1 - في العرايا ـ مع أن العرايا من باب التفكه وليست حاجة أو ضرورة، وإنما هو مقصد كمالي. واستدل ببعض نصوص الفقهاء على أنه مقصد كمالي ... ثم قال: "وهذا بمجموعه كله يدل على عمق مراعاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمصالح المسلمين العامة إذا عارضتها موانع شرعية يسيرة غير راجحة .... ويجاب عنه من وجهين: 1 - عدم التسليم بأن هذا من باب التفكه فقط؛ بل الحاجة فيه ظاهرة؛ أن يأكل مثل ما يأكل الناس ويقتاتون؛ فإن مخالفة ما عليه أكثر الناس فيه حرج على النفس ومشقة؛ وهذا هو ضابط الحاجة. 2 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - راعى قواعد الربا، فاشترط المساواة بالخرص. قال شيخ الإسلام: (ولم يجوِّز المفاضلة المتيقنة؛ بل سَوَّغَ المساواة بالخرص في القليل الذي تدعو إليه الحاجة) (¬1)، فشيخ الإسلام يؤكد الحاجة. وهذا يدل على أن دعوى التفكه محل نظر، ويؤكد مراعاة قواعد الربا، بقوله: "سوغ المساواة بالخرص"، يؤكد ذلك قول راوي الحديث زيد بن ثابت: «ولم يرخص في غير ذلك» (¬2)؛ مما يدل على أنه حكم خاص لا يصلح الإلحاق به أو القياس عليه، ومن ثم فليس لشيخ الإسلام أي قول في تصحيح معاملة ربوية أو تبرير التعامل بها أو الاجتهاد في تصحيحها؛ بل يشدد في كل ما يتصل بالربا أعظم تشديد في ذلك كما تقدم (¬3) تبعا لتشديد القرآن والسنة. ويفرق بينه وبين الغرر فيراعي فيه المصلحة والمفسدة (¬4). ثم استدل بحديث ابن عمر: «من ابتاع عبدا وله مال فماله للذي ¬

(¬1) مجموع الفتاوى 29/ 26. (¬2) سبق تخريجه ص34. (¬3) انظر ص34 - 36. (¬4) انظر: الفتاوى 29/ 25 - 27.

باعه إلا أن يشترطه المبتاع». ومع أن ذلك يؤول إلى أن يكون النقدان متفاضلين فتسامح في هذه القاعدة الربوية؛ لأنه المال ليس مقصودا للمشتري وإنما هو تبعي ... وقد تقدم الكلام عليه عند مناقشة قاعدة (يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا) (¬1)، وبيَّنا أن بينهما فرقًا ظاهرًا؛ لأنه ما تجريه الشركات من عقود ربوية ليس تبعا؛ بل هو مقصود لها وتنظر إلى نتائجه في ميزانيتها؛ فكيف يقاس المقصود المراعى في العقد على ما ليس بمقصود؟ ثم ذكر أن الشارع أجاز للمشتري إذا اشترى نخلا وفيها تمر ولم يبد صلاحه أن يشترط المشتري ثمرتها حتى ولو لم يبد صلاحها بعد؛ لأن الثمرة ليست مقصودة؛ بل هي تابعة للنخل، فأجاز ذلك مع ما فيه من غرر وجود الثمرة وعدم وجودها ... واستشهد على ذلك بكلام شيخ الإسلام الذي ذكر فيه: "أن الشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع غرر". وهذا النقل عجيب؛ لأن شيخ الإسلام فَرَّقَ بين الربا والغرر، فذكر تشديد الشارع في الربا وسَدِّ كل الطرق الموصلة إليه ثم ذكر الغرر .... فلماذا يبتر كلام شيخ الإسلام الصريح في التحريم ويذكر الغرر الذي يتسامح بيسيره ثم يقاس عليه يسير الربا؟! فهذا شيء غريب؛ فالأولى نقل النص بتمامه حتى يعرف موقف شيخ الإسلام من الربا والمعاملات الربوية، وكيف بَيَّنَ رحمه الله مراعاة الشارع لقواعد الربا في العرايا حين شرع المساواة بالخرص، لا أن ينقل كلاما موهما؟! ثم قال: ورد في كتاب الله الإشارة إلى أنه تغلب في عقود المشاركات أسباب العناصر المحرمة، كما ورد في سورة ص: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24]، والخلطاء هم الشركاء، ومع ¬

(¬1) ص29 وما بعدها.

ذلك فإن الشارع لم يمنع عقد المشاركة من أصله؛ بل أباحه لما في تشريع عقود المشاركات من مصالح شرعية، واغتفر هذه المفسدة التبعية رعاية للمصلحة الراجحة. الجواب عنه: هذا استدلال غريب؛ فإن الآية سيقت لبيان الحال على سبيل الذم مع إمكان التصحيح برفع الظلم فقط. وكذلك تلك الشركات يمكن تصحيحها برفع ما فيها من ظلم بتصحيح ما فيها من عقود ربوية وإبدالها بمرابحات وعقود أخرى شرعية. ثم قال: إن الشارع أشار إلى أن الأسواق التجارية عموما هي من مظانِّ تسرب الأموال المحظورة، وأنها لا تسلم غالبا من عناصر وممارسات محرمة، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن قيس بن أبي غرزة قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب فشوبوها بالصدقة»، وفي رواية: «يا معشر التجار إنه يشهد بيعكم الحلف والكذب فشوبوه بالصدقة»، ومع ذلك فإن الشارع لم يأمر بإقفال هذه الأسواق؛ بل شرع المشاركة فيها واغتفر ما فيها من العقود الفاسدة اليسيرة التبعية رعاية للمصلحة الراجحة، وأمر التاجر بكفارة ما لا يمكن التحرز منه عبر التخلص والتصدق بجزء من الأرباح. والجواب عنه: هذا غريب أيضا؛ فهل قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أسواقكم يخالطها الربا ... بل قال: اللغو والكذب ونحوه مما لا يمكن ولا يصح أن يقاس عليه؛ هذه الكبيرة العظيمة التي آذن الله عليها بالحرب، وبيَّن أن آكله لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، وبيَّن رسوله أنه من السبع الموبقات، وأن أكل ربا موضوع قليلا أو كثيرا، وأن عقده مفسوخ مردود. ثم قال: وبعض الناس يجد في نفسه من هذه الأصول الشرعية شيئا، ولا تطاوعه نفسه على الالتزام بموجبها في تفريع الأحكام، وهذه

الغضاضة ليست من الدين في شيء؛ بل هذا التلكؤ على التحقيق قصور خفي في التسليم لكامل تصرفات الشارع؛ فإن الذي نهانا عن أصول العقود الفاسدة هو الذي شرع لنا التسامح في يسيرها مراعاة للمصلحة الراجحة؛ كمصالح المسلمين العامة التي تمس شريان اقتصادهم، ولا يجوز للفقيه أن يتحكم في نصوص الوحي ما يؤخذ منها وما يهجر، كما لا يجوز له أن يفتي بوجوب التورع عن معاملات فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن ذلك يتضمن معنى الاستعلاء على هديه - صلى الله عليه وسلم - وازدراء سيرته الشريفة؛ بل الواجب على الفقيه المؤمن أن يسلم بكامل أحكام وتصرفات الشارع حظرا وإباحة؛ فإن تبعيض الأحكام الشرعية من شيم أحبار اليهود التي نهى الله فقهاء المسلمين عن سلوكها، كما قال تعالى عنهم في سورة البقرة: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ...} الآية [85]. والجواب عنه: بأن ما ذكرته من أصول شرعية ليس فيها جميعا ما يدل على التسامح بالربا مطلقا، بل وتحميل لها بما لا تحتمله، وإسقاط للتهم على المتمسك بالأصول الجارية على مقتضى القواعد الموافق لهديه - صلى الله عليه وسلم - وليس المستعلي عليه. وقد يكون لا أقول الاستعلاء؛ بل ربما محاولة تطويع النصوص لما لا تحتمله مجاراة للواقع. ومن ثم فعدم مطاوعة النفس ووجد الغضاضة التي ذكرتها هي أبعد ما يكون عمن سبر النصوص كلها ومشى على وفقها وحمل كلام الأئمة بعضه على بعض، ونقله كله واستدل به وَبَيَّنَ عدم تناقضه؛ خلافا لمن ينقل ما يرى أنه يوافقه، ويترك البعض الآخر، كما في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد يكون ذلك لعدم اطلاعه عليه؛ فإن هذا هو الظن بالمسلم. * * * * *

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تسمو النفوس الطيبات، أحمده على إتمام هذا البحث، وأشكره على سائر النعم المتتاليات، وأصلي وأسلم على معلم البشرية ومزكيها ومبين الحلال من الحرام، المحذر من الوقوع في المشتبهات، فضلا عن اقترافات المحرمات. وبعد: فإن الأسهم من أدق المعاملات وأكثرها شيوعا وأخطرها تداولا وأشدها ارتفاعا وهبوطا، والناس في معرفة أحكامها وتعلُّمها في تفاوت بَيِّنٍ؛ فمنهم العارف كثير السؤال تورعا عن الوقوع في الحرام وبعدا عن المتشابه، ومنهم المقصر في ذلك؛ هم درجات؛ فمنهم الجاهل بأحكامها ومنها المتأول، وربما تأول بما يوافق هواه أو بحث وتعلق بكل قول ولو كان القائل به قليل، حتى ولو اعتقد مخالفته الدليل. ومنهم من دخل فيها من غير سؤال ولا تمييز بين حلال ولا حرام، فولغ فيها حتى عمي لسان حاله، يقول مقال الجاهلين: "الحلال ما حل في الجيب" غافلا أو متغافلا عن: {الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]. وعن: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]، وعن: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]، وعن: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276].

والأسهم منها ما لا يختلف في تحريمه وهو أسهم الشركات التي أصل نشاطها محرم، ومنها ما هو حلال بيِّنٌ، وهي أسهم الشركات التي أصل نشاطها مباح ولم تدخل في معاملات محرمة، وبينهما درجة هي محل خلاف؛ وهو ما كان أصل نشاطها حلال ووجد في نشاطها حلال، ووجد في نشاطها أعمال محرمة قرضا بالربا وإقراضا له، والجمهور على تحريمها، وهو القول الذي تدل عليه ظواهر الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة؛ فضلا عن المعقول المبني على مراعاة مقاصد الشريعة. وقول من خالفه مبني على استدلال بقواعد لا تنهض على معارضة صريح تحريم الربا مطلقا قليله وكثيره ... إن هناك فرقا بين المستثمر في عائد السهم وبين المضارب على فروق الأسعار في مسائل عدة؛ فالمستثمر استثمر أمواله في موجودات الشركة وأصولها، وهي موجودة ولها قيمتها؛ بخلاف المضارب؛ فقد يضارب على أسهم شركات خاسرة أو لا قيمة لها تقارب قيمتها السوقية؛ فهو يضارب على فروق الأسعار، وفيه شبه قوي بالمضاربة على المؤشر المجمع على تحريمه، وفيه مخاطرة تشبه القمار إلى حد كبير، وقد يكون بمنزله بيع المعدوم. - أن المضاربة عموما في أسواق الأسهم يعتريها شبه كثيرة؛ منها أن هذه المضاربة لا تعدو أن تكون على أوراق مالية مستقلة عن الشركة المنسوبة إليها بدلالة البون الشاسع بين قيمتها السوقية وقيمتها الحقيقية، وهذه الورقة وسيلة لهذا البيع، وإلا فالواقع أنه مبادلة مال بمال، وهذا قول له وجه قوي يشهد له واقع الحال. - ومنها شدة المخاطرة الناشئة عن التقلب الحاد في الأسعار نتيجة التلاعب بأسعار السوق، هذه المخاطرة التي يدخل فيها المضارب وهو

على وجل كبير من أن يغرم ويفقد أمواله أو جلها؛ بل خطورتها أشد من المقامر الذي قد لا يقامر إلا في القليل من ماله. - ومنها أن الغش والتغرير ونشر الأخبار الكاذبة والمخادعة صار وسيلة معتادة عند كثير من المتعاملين. - أن المضاربة لا تعدو أن تكون تدويرا للأموال ومحلا للإتجار بها، وهذا يخالف ما قصدت به الأثمان (¬1)، وأبعدت عن مجال استخدامها الصحيح في تنمية اقتصاد البلد وتنويع موارده ودعم برامجه، وتنويع مصادر دخله وتعدد وسائل الإنتاج؛ فضلا عن تأثيراتها الاجتماعية من تفاقُم حالة البطالة حينما حجبت هذه الأموال عن مشاريع منتجة تستوعب أعدادا كبيرة في العمل فيها، وإعالة أسرهم وسد فاقتهم، مع ما ترتب عليها من خلل عندما ذهب كثير من صغار المستثمرين ضحية تلك المضاربات فأغرقتهم الديون وأثقلت كاهلهم بعد أن استنزفت سائر ممتلكاتهم .... مع تأثيراتها النفسية والصحية الحادة والمؤلمة على الكثير؛ فضلا عن تأثيراتها الشرعية من الإخلال بكثير من الشعائر، والواقع شاهد على ذلك. ¬

(¬1) قال ابن القيم في إعلام الموقعين 2/ 137: (فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي به يُعْرَفُ تقويمُ الأموال؛ فيجب أن يكون محدودا مضبوطا لا يرتفع ولا ينخفض؛ إذ لو كان الثمنُ يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات؛ بل الجميع سلع، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورة عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء، ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوم هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات الناس، ويقع الخلف، ويشتد الضرر، كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم، ولو جعلت ثمنا واحدا لا يزداد ولا ينقص بل تقوم به الأشياء ولا تقوم هي بغيرها لصلح أمر الناس). وانظر: إحياء علوم الدين، للغزالي 4/ 94.

وهذا يستدعي إعادة النظر في هذه المضاربات وضبطها بضوابط الشرع وقواعده ومراعاة مقاصده (¬1). هذه جمل مستفادة من هذه الدراسة راجيا أن تكون بداية لدراسات متعددة وبحوث متعمقة في هذا الموضوع الكبير، يشارك فيها المختصون المعنيون بمثل هذه الدراسات. وختاما، أسأل الله أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه صوابا على وفق سنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. * * * * * ¬

(¬1) يقول مايكل سبنسير: (وبعد سلسلة من التوقعات، والانطلاقات المخيفة انهار السوق في النهاية في 24 أكتوبر / تشرين أول 1929م، وتلاشى ما يزيد على 10 مليارات دولار من أموال المستثمرين قبل ظهر ذلك اليوم، وتجمعت حشود هائلة من المستثمرين الغاضبين، والمذعورين في قاعة الزوار في بورصة نيويورك لمشاهدة الفشل التام، وبحلول الظهر كان السوق في حالة "موت حلزوني" حيث كان المستثمرون في كل أنحاء العالم مذعورين بسبب حجم الخسارة المالية. وبحلول 29 أكتوبر / تشرين أول 1929م كانت جميع أرباح السوق عن العام السابق قد تبددت، وفي النهاية هبط السوق 89 % بعد أن حقق أقصى ارتفاع له في عام 1929م وهو 381 نقطة، وبعد الانهيار حاول رجال الاقتصاد اكتشاف الخطأ الذي حدث، وكان من الواضح أن العديد من الناس لم يدركوا الإشارات الدالة على الارتفاع غير الحقيقي للأسعار في السوق).

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع - الاستثمار بالأسهم في السوق السعودي: د. عيد الجهني، مطابع الشريف. - الاستذكار: لابن عبد البر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، تحقيق سالم عطا، محمد معوض. - الأشباه والنظائر: للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ، الطبعة الأولى. - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: علي بن سليمان المرداوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق محمد حامد الفقي. - البحر الرائق شرح كنز الدقائق: لابن نجيم، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية. - البحر الزخار (مسند البزار): أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي، مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم. - التعريفات: للجرجاني علي بن محمد بن علي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405هـ، تحقيق إبراهيم البياري. - التمهيد: لابن عبد البر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387هـ، تحقيق مصطفى العلوي، محمد البكري. - الجامع الصحيح المختصر (صحيح البخاري): محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير، اليمامة، 1407هـ - 1987م، د. مصطفى ديب البغا. - الجامع الصحيح (سنن الترمذي): محمد بن عيسى الترمذي، دار إحياء التراث العربي، أحمد محمد شاكر وآخرون. - الجامع الصغير: محمد بن الحسن الشيباني، عالم الكتب، بيروت، 1406هـ، الطبعة الأولى. - السنن الكبرى: أحمد بن شعيب النسائي، كتبة المطبوعات، دار الكتب الإسلامية، 1406هـ - 1986م، عبد الفتاح أبو رغدة، د. البنداري.

- الشرح الكبير: للدردير أبو البركات أحمد الدردير، دار الفكر، بيروت، تحقيق محمد عليش الشركات التجارية، محمود محمد بابلي، طبع المؤسسة العلمية للوسائل التعليمية، حلب، 1398هـ. - الشركات التجارية: علي حسن يونس، مطبعة الاعتماد، القاهرة. - الشركات: د. عبد العزيز خياط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1403هـ. - الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي. - الفتاوى الكبرى: لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار المعرفة، بيروت، تحقيق قدم له حسين مخلوف. - القواعد والفوائد الأصولية: علي بن عباس البعلي الحنبلي، مطبعة السنة المحمدية، 1375هـ، تحقيق محمد حامد الفقي. - القوانين الفقهية: لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي. - الكافي في فقه أهل المدينة: لابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407هـ، الطبعة الأولى. - الكافي: لابن قدامة أبو محمد عبد الله بن أحمد، المكتب الإسلامي، بيروت. - اللمع في أصول الفقه: لأبي إسحاق الشيرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ، الطبعة الأولى. - المحلى: لابن حزم، دار الآفاق الجديدة، بيروت، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي. - المدخل الفقهي العام: مصطفى الزرقا، الطبعة التاسعة، دمشق، 1967م. - المدونة الكبرى: مالك بن أنس، دار صادر، بيروت. - المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبد الله، دار الكتب العلمية، 1411هـ 1990م، مصطفى عبد القادر عطا. - المستصفى في علم الأصول: للغزالي أبو حامد محمد بن محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413هـ، الطبعة الأولى، تحقيق محمد عبد الشافي. - المسند: عبد الله الزبير أبو بكر الحميدي، دار الكتب العلمية، مكتبة المتنبي، حبيب عبد الرحمن الأعظمي. - المعاملات المالية المعاصرة: أ. د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1423هـ. - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، مكتبة العلوم والحكم، 1404هـ - 1983م، حمد بن عبد المجيد السلفي.

- المغني: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الفكر، بيروت، 1405هـ، الطبعة الأولى. - المنثور في القواعد: للزركشي محمد بهادر، نشر وزارة الأوقاف، الكويت، الطبعة الأولى، 1402هـ، طبع مؤسسة الفليج، الكويت. - المهذب: إبراهيم بن علي الشيرازي، دار الفكر، بيروت. - المواهب السنية في شرح الفوائد البهية، دار البشائر الإسلامية، 1411هـ. - النظريات الفقهية: للدريني، محمد فتحي، مطبعة خالد بن الوليد، 1402هـ. - الوجيز في إيضاح القواعد: محمد البورنو. - أحكام الأسواق المالية: د. محمد صبري هارون، دار النفائس، عمان، 1419هـ. - أحكام أهل الذمة: لابن القيم، رمادي للنشر، دار ابن حزم، الدمام، بيروت، 1418هـ، الطبعة الأولى، تحقيق يوسف البكري، شاكر العروري. - أضواء البيان: محمد الأمين المختار الشنقيطي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1415هـ. - أنيس الفقهاء: قاسم بن عبد الله القونوي، دار الوفاء، جدة، 1406هـ، تحقيق د. حمد الكبيسي. - إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي، دار المعرفة، بيروت. - إرشاد الفحول: للشوكاني محمد بن علي، دار الفكر، بيروت، 1386هـ، الطبعة الثانية. - إعلام الموقعين: لابن القيم، دار الفكر، بيروت، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. - بحوث في الاقتصاد الإسلامي: الشيخ عبد الله بن منيع، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى. - بدائع الصنائع: للكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982م، الطبعة الثانية. - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: الحارث بن أبي أسامة، الحافظ نور الدين الهيثمي، مركز الخدمة السنية والسيرة النبوية، د. حسين أحمد صالح الباكري. - تاج العرو: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، دار الهداية، تحقيق مجموعة المحققين. - تبيين الحقائق: عثمان بن علي الزيلعي، دار الكتب الإسلامي، القاهرة، 1313هـ.

- تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد: خليل بن كيكلدي العلائي، دار الكتب الثقافية، الكويت، تحقيق محمد إبراهيم السلفيتي. - تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم): لابن كثير إسماعيل بن عمر، دار الفكر، بيروت، 1401هـ. - تفسير البغوي، دار المعرفة، بيروت، تحقيق خالد عبد الرحمن العك. - تفسير الثعالبي (الجواهر الحسان ...): عبد الرحمن بن محمد الثعالبي، مؤسسة الأعلمي، بيروت. - تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن ...): عبد الرحمن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1421هـ، تحقيق ابن عثيمين. - تفسير الطبري (جامع البيان): محمد بن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405هـ. - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): للقرطبي محمد بن أحمد، دار الشعب، القاهرة. - تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم ...): لأبي السعود محمد بن محمد العمادي. - توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال: الشيخ عبد الله بن بيه، المكتبة المكية، الطبعة الأولى، 1418هـ. - جامع الرسائل: لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم. - جامع العلوم والحكم: لابن رجب عبد الرحمن بن شهاب البغدادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1417هـ، الطبعة السابعة، تحقيق شعيب الأرناؤوط، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - روح المعاني في تفسير القرآن: لأبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - روضة الطالبين: الإمام النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1405هـ، الطبعة الثانية. - سبل السلام شرح بلوغ المرام: محمد بن إسماعيل الصنعاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - سنن ابن ماجة: ابن ماجة، دار الفكر، محمد فؤاد عبد الباقي. - سنن البيهقي الكبرى: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر (البيهقي)، مكتبة دار الباز، 1414هـ - 1994م، محمد عبد القادر عطا. - سنن الدارقطني: علي بن عمر، دار المعرفة. - سنن الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي، دار الكتاب العربي، خالد السبع العلمي.

- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث، دار الفكر، محمد محيي الدين عبد الحميد. - شرح القواعد الفقهية: أحمد ابن الشيخ محمد الزرقا، دار القلم، دمشق، 1409هـ، الطبعة الثانية، صححه وعلق عليه مصطفى أحمد الزرقا. - شرح منتهى الإدارات: منصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب، بيروت، 1996م، الطبعة الثانية. - شركة المساهمة في النظام السعودي، د. صالح بن زابن المرزوقي البقمي، مطابع الصفا، مكة، 1406هـ، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى. - صحيح ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، مؤسسة الرسالة، 1414هـ - 1993م، شعيب الأرناؤوط. - صحيح ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري، المكتب الإسلامي، 1390هـ - 1970م، د. محمد مصطفى الأعظمي. - صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار إحياء التراث العربي، محمد فؤاد عبد الباقي. - غاية البيان شرح زيد بن رسلان: محمد بن أحمد الرملي الأنصاري، دار المعرفة، بيروت. - غريب الحديث: لابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ، وتحقيق د. عبد المعطي القلعجي. - غريب الحديث: لابن قتيبة عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، مطبعة العاني بغداد، 1397هـ، تحقيق عبد الله الجبوري. - فتاوى اللجنة الدائمة، المملكة العربية السعودية. - فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي. - فتاوى هيئة الرقابة الشرعية، للبنك الإسلامي السوداني. - فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر أحمد بن علي العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، تحقيق محب الدين الخطيب. - فتح الجليل شرع مختصر خليل: محمد عليش، دار الفكر، بيروت، 1409هـ - 1989م. - فتح القدير: لابن الهمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية. - فتح القدير: للشوكاني محمد بن علي، دار الفكر، بيروت. - قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي.

- قرارات الهيئة الشرعية: مصرف الراجحي. - قواعد الأحكام في مصالح الأنام: للعز بن عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت. - كتب وفتاوى ورسائل ابن تيمية: مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، تحقيق عبد الرحمن بن قاسم. - كشاف القناع: منصور بن يونس البهوتي، دار الفكر، بيروت، 1402هـ، تحقيق هلال مصيلي. - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار: أبو بكر بن محمد الحصيني الشافعي، دار الخير، دمشق، الطبعة الأولى، تحقيق علي بلطجي. - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين، مؤسسة الرسالة. - لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى. - مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الفكر، 1412هـ، عبد الله الدرويش. - مجموع الفتاوى: شيخ الإسلام ابن تيمية، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي. - مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، مؤسسة قرطبة. - مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود الفارسي البصري الطيالسي، دار المعرفة. - مسند أبي يعلى: أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى، دار المأمون للتراث، حسين سليم أسد. - مصنف ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، مكتبة الرشد، 1409هـ، كمال يوسف الحوت. - مصنف عبد الرزاق الصنعاني: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المكتب الإسلامي، 1403هـ، حبيب الرحمن الأعظمي. - مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى: مصطفى السيوطي الرحيباني، المكتب الإسلامي، دمشق، 1961م. - مواهب الجليل شرح مختصر خليل: للحطاب محمد بن عبد الله المغربي، دار الفكر، بيروت، 1398هـ. - موطأ الإمام مالك: مالك بن أنس، دار إحياء التراث العربي، محمد فؤاد عبد الباقي.

§1/1