الأسفار المقدسة عند اليهود وأثرها في انحرافهم عرض ونقد

محمود قدح

مقدمة

الأسفار المقدسة عند اليهود وأثرها في انحرافهم عرض ونقد تأليف د. محمود عبد الرحمن قدح عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مقدمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذه دراسة موجزة عن موضوع (الأسفار المقدسة عند اليهود - عرض ونقد - وأثرها في انحرافهم) سرت فيها على خطى علمائنا المتقدمين- الذين قاموا بهدي من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ببيان مواطن التحريف والتبديل في كتب أهل الكتاب - إقامة للحجة وإلزاماً للبينة ومجادلة بالتي هي أحسن - ليحيى من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة - وتحذيراً لإخواننا المسلمين من كيد أعدائنا. قال تعالى: {لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالّذِينَ أَشْرَكُواْ..} 1، لأن اليهود أعداء الحق والفضيلة والخير منذ ظهورهم قال تعالى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُون كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} 2. واليهود أعداؤنا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، فحينما بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سارع اليهود إلى تكذيبه وإنكار رسالته مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم،

_ 1 سورة المائدة، آية 82. 2 سورة المائدة، آية 78-79.

بل قالوا لقريش عبدة الأصنام بأنهم أهدى سبيلاً من محمد صلى الله عليه وسلم، وحاربوا النبي صلى الله عليه وسلم بشتى الوسائل بالشبهات والشكوك والكيد والنفاق، والاغتيال والقتال والسحر والسم. وهم أعداؤنا حاضراً باحتلالهم أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثالث المساجد التي تشد الرِّحال إليها وقتلهم المسلمين وتشريدهم واحتلالهم ديارنا. وأعداؤنا مستقبلاً فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن المسيح الدجال سيتبعه عند خروجه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، فهم جند الدجال وأعوانه، كما أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأنه: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر -وراءه يهودي-: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله" 1. وهم أعداء السلام وأصحاب الفتن والخصام قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيراً مّنْهُم مّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِين َ} 2. وقد بينت في هذه الدراسة بعض الأسس والمرتكزات الدينية التي ينطلق منها اليهود في فسادهم وعداوتهم الفضيلة والناس جميعاً، وبذلك تتضح الرؤية في التعامل معهم والحذر والتحذير منهم. وقسمت الدراسة إلى ثلاثة مباحث كالآتي:

_ 1 أخرجه البخاري (انظر: فتح الباري 6/103) ، ومسلم 4/2238،2239، عن أبي هريرة رضي الله عنه. 2 سورة المائدة، آية 64.

- المبحث الأول: الإيمان بالكتب الإلهية. - المبحث الثاني: الأسفار المقدسة عند اليهود عرض ونقد. - المبحث الثالث: أثر الأسفار المقدسة في انحراف اليهود. وبالله التوفيق والسداد -وكتبه -د. محمود بن عبد الرحمن قدح

الإيمان بالكتب الإلهية

الإيمان بالكتب الإلهية مدخل ... المبحث الأول: الإيمان بالكتب الإلهية إن من حكمة الله عز وجل ورحمته بعباده أن بعث أنبياء ورسلاً لهدايتهم ودعوتهم إلى الخير، وإقامة حجته على خلقه، وأنزل عليهم كتباً ليبيّنوا للناس ما أنزل إليهم من الهدى والنور، وما تتضمنه من أحكام الله عز وجل العادلة، ووصاياه النافعة، وأوامره ونواهيه الكفيلة بإصلاح البشرية وإسعادها في الدنيا والآخرة. وتمهيداً لموضوع دراستنا (الأسفار المقدسة عند اليهود وأثرها في انحرافهم - عرض ونقد) ، فإنه يجدر بنا أن ندرس بإيجاز ثلاث مسائل مهمة لنتبين موقف الإسلام من الكتب الإلهية، وهي: 1 - الإيمان بالكتب السماوية. 2 - وقوع التحريف والتبديل في الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم. 3 - حكم قراءة المسلم في التوراة والأناجيل المحرّفة.

الإيمان بالكتب الإلهية السماوية

المطلب الأول: الإيمان بالكتب الإلهية السماوية إن من أركان الإيمان الستة الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عز وجل على أنبيائه ورسله، وبأنها حق وصدق وهدى ونور وبيان وشفاء ورحمة للخلق وهداية لهم ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة.

والإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه كالقرآن الكريم الذي نُزّل على محمد صلى الله عليه وسلم والإنجيل الذي نُزّل على عيسى صلى الله عليه وسلم، والزّبور الذي نُزّل على داود صلى الله عليه وسلم، والتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم، وصحف إبراهيم صلى الله عليه وسلم.1 والإيمان بأن لله كتبا أنزلها على أنبيائه لا يعرف أسماءها وعددها إلا الله، قال عز وجل: {كَانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ ليَحْكُمَ بَينَ النّاسِ فِيما اختَلَفُوا فِيهِ وَما اخْتَلَفَ فيه إلاّ الّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم البَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُم فَهَدَى الله الَّذِينَءَامَنُوا لمِا اختَلَفُوا فِيهِ مِن الحَقِّ بإذْنِهِ والله يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2. وأما كيفية إيماننا بالكتب السماوية، فإنا نؤمن بالكتب السماوية السابقة إيماناً مجملاً، يكون بالإقرار بها بالقلب واللسان، وأن منها ما فُقد واندثر، ومنها ما حُرِّف وغُيِّر، وأنها منسوخة بالقرآن الكريم. وأما القرآن الكريم فنؤمن به إيماناً مفصلاً، يكون بالإقرار به بالقلب واللسان، وإتباع ما جاء فيه، وتحكيمه في كل كبيرة وصغيرة، وأن الله تعالى قد

_ 1 ورد أن الكتب السماوية المعروفة بأسمائها قد أنزلت في شهر رمضان المبارك في حديث واثلة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت صحف إبراهيم أوّل ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستٍ مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". أخرجه الإمام أحمد 4/107، وابن عساكر. قال الهيثمي في المجمع 1/197: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عمران بن داود القطان، ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وبقية رجاله ثقات". قال الشيح الألباني: إسناده حسن، رجاله ثقات، وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً نحوه أخرجه ابن عساكر. (انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/104 ح1575) . 2 سورة البقرة، آية 213.

تكفَّل بحفظه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه كلام الله منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه ناسخ لما قبله من الكتب السماوية، قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ... } 1، أي حاكماً عليه، وعلى هذا فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السماوية إلاَّ ما أقره منها القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة2.

_ 1 سورة المائدة، آية 48. 2 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص350، شرح لمعة الاعتقاد ص77-85 لابن عثيمين، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ص149-151.

وقوع التحريف في الكتب السماوية السابقة عل القرآن الكريم

وقوع التحريف في الكتب السماوية السابقة عل القرآن الكريم ... المطلب الثاني: وقوع التحريف في الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم. لقد تضافرت الأدلة والبراهين على تحريف أهل الكتاب للتوراة والإنجيل وغيرها من الكتب المتقدمة، والآيات القرآنية كثيرة في ذلك منها: قوله تعالى: { ... قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ نُوراً وَهُدًى لّلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ... } 1، وقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاّ قَلِيلاً مّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنّ اللهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ وَمِنَ الّذِينَ قَالُواْ إِنّا نَصَارَىَ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ} 2.

_ 1 سورة الأنعام، آية 91. 2 سورة المائدة، آية 13-15.

وقد أجمع المسلمون على وقوع التحريف في التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السابقة، إما عمداً وإما خطأً في ترجمتها أو في تفسيرها أو تأويلها، إلا أن علماء المسلمين قد اختلفوا في مقدار التحريف فيها: فقال بعضهم: إن كثيراً مما في التوراة والإنجيل باطل ليس من كلام الله. ومنهم من قال: بل ذلك قليل. وقال بعضهم: لم يحرف أحد شيئاً من حروف الكتب وإنما حرفوا معانيها بالتأويل. وقال بعضهم: كانت توجد نسخ صحيحة للتوراة والإنجيل بقيت إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونسخ كثيرة محرفة. وقال الجمهور: بأنه بُدِّل بعض ألفاظها وحُرِّف1. والذي أراه - والله أعلم - أن تحريفاً كثيراً قد وقع في كتبهم إلا أنه لا تزال فيها بقايا من الوحي الإلهي وهي كثيرة أيضاً، ولا سبيل لمعرفتها إلا بموافقتها لما في القرآن الكريم والسنة الصحيحة. وأما أنواع التحريف في كتبهم فهو: تحريف بالتبديل، وتحريف بالزيادة، وتحريف بالنقصان، وتحريف بتغيير المعنى دون اللفظ، والشواهد على ذلك كثيرة. وإلى جانب التحريف فإن هناك وسائل أخرى ذكرها القرآن الكريم لا تقل خطورة في تأثيرها عن التحريف والتبديل، ومن هذه الوسائل2 ما يلي:

_ 1 للتوسع انظر: مجموع الفتاوى 13/102-105، الجواب الصحيح 1/356، 367، 2/5، 3/246 للإمام ابن تيمية، وهداية الحيارى 105 لابن القيم، تفسير ابن كثير 1/520، فتح الباري 17/523-526. 2 انظر: علاقة الإسلام باليهودية ص43-45، د. محمد خليفة.

1- الإخفاء: قال تعالى: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ... } 1، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءكُمْ مّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ} 2. 2- الكتمان: قال تعالى: {الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقاً مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 3، وقال تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} 4. 3- إلباس الحق بالباطل: قال تعالى: {يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 5، وقال تعالى: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 6. 4- الكذب والتكذيب: قال تعالى: {قُلْ فَأْتُواْ بِالتّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} 7، وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ..} 8.

_ 1 سورة الأنعام، آية 91. 2 سورة المائدة، آية 15. 3 سورة البقرة، آية 146. 4 سورة آل عمران، آية 187. 5 سورة آل عمران، آية 71. 6 سورة البقرة، آية 42. 7 سورة آل عمران، آية 93-94. 8 سورة آل عمران، آية 78.

5- لوي الألسنة بالكتاب: قال تعالى: {وَإِنّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون} 1. 6- التعطيل: المقصود به تعطيل أحكام التوراة والإنجيل وعدم إقامتها والعمل بها. قال تعالى: {وَلَوْ أَنّهُمْ أَقَامُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رّبّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مّنْهُمْ أُمّةٌ مّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ} 2، وقال تعالى: {قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىَ شَيْءٍ حَتّىَ تُقِيمُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رّبّكُمْ…} 3. وقال تعالى: {مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُواْ التّوْرَاةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} 4. 7- الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر: قال تعالى: { ... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ... } 5. 8- الإهمال: قال تعالى: {وَلَما جَآءَهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ اللهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} 6.

_ 1 سورة آل عمران، آية 78. 2 سورة المائدة، آية 66. 3 سورة المائدة، آية 68. 4 سورة الجمعة، آية 5. 5 سورة البقرة، آية 85. 6 سورة البقرة، آية 101.

وكذلك قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَاشْتَرَوْا بِهِ ثمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} 1. 9- الظن: قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاّ أَمَانِيّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ} 2. 10- النسيان 3: قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ ... } 4. 11- التزوير: قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ للذِينَ يَكْتُبُون الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا يَكْسِبُونَ} 5. وتوضح هذه الوسائل مجتمعة الطرق التي تحوّلت بها التوراة والإنجيل وغيرها من كتب إلهية سماوية إلى كتب بشرية خطها رجال الدين من اليهود والنصارى بأيديهم.

_ 1 سورة آل عمران، آية 187. 2 سورة البقرة، آية 78. 3 انظر: علاقة الإسلام باليهودية ص43-45 د. محمد خليفة حسن. 4 سورة المائدة، آية 13. 5 سورة البقرة، آية 79.

حكم قراءة المسلم في التوراة والإنجيل المحرفة وما شابهها

حكم قراءة المسلم في التوراة والإنجيل المحرفة وما شابهها ... المطلب الثالث: حكم قراءة المسلم في التوراة والأناجيل المحرفة وما شابهها. بعد أن علمنا من المطلبين السابقين أن الكتب السماوية السابقة قد حرّفت وبُدّلت ونُسخت بالقرآن الكريم، فإن سؤالاً مهماً يتبادر إلى الذهن هو: ما حكم إطلاع المسلم وقراءته الكتب المقدسة عند أهل الكتاب؟

وبالرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة المتعلقة بهذه المسألة نجد أدلة ظاهرها التعارض، فبعضها يفيد الجواز والآخر يفيد المنع، وسأبدأ بأدلة المنع ثم أدلة الجواز ثم أبين ما يترجح منها مستعيناً بالله عز وجل. - أما أدلة المنع من قراءة كتب أهل الكتاب فهي: - عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب، فقال: "أمتهوكون1 فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" 2. - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} 3 الآية"4

_ 1 التَّهوك كالتهور، وهو الوقوع في الأمر بغير رويّة، وقيل: التحيّر. انظر: النهاية في غريب الحديث 5/282 لابن الأثير. 2 أخرجه الإمام احمد 3/387 والدارمي 1/115، وابن أبي شيبة ح26421، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/42، والبزار وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان. قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13/334: "رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفاً". وبمثله قاله الهيثمي في المجمع 1/179. قال الشيخ الألباني: وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف، ولكن الحديث حسن عندي لأنه له طرقاً كثيرة عند اللالكائي والهروي وغيرهما. (انظر: المشكاة ح177، والإرواء 6/34 ح1589) 3 سورة البقرة: 126. 4 أخرجه البخاري (انظر: فتح 5/291، 8/170) ، والبيهقي في السنن الكبرى 10/) 163.

- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحْدَثُ الأخبار بالله تقرؤنه لم يُشبْ؟! وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدَّلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} 1، أفلا ينهاكم بما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم رجلاً قطُّ يسألكم عن الذي أنزل عليكم2. - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لا تسألوا أهل الكتاب، فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم، فتكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل" 3. - وأما أدلة جواز الإطلاع على كتب أهل الكتاب فمنها: قال تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْجَاءَكَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْترين 4} 5. وقال تعالى: {وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىَ بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} 6.

_ 1 سورة البقرة، آية 79. 2 أخرجه البخاري (انظر: فتح الباري 5/291) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/41) . 3 أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/41، وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه عبد الرزاق من طريق حريث بن ظهير فذكره، وأخرجه سفيان الثوري من هذا الوجه، وسنده حسن. (انظر: فتح الباري 6/334) . 4 المراد من قوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ} على سبيل الفرض والتقدير، إذ الشك لا يتصور منه صلى الله عليه وسلم أبداً لعصمته، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أشك ولا أسأل"، كذا قاله ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير والحسن البصري. (انظر: تفسير ابن كثير 2/448) . 5 سورة يونس، آية 94. 6 سورة الرعد، آية 43.

قال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} 1. - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عَلَيَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" 2. والتحديث عن بني إسرائيل يقتضي النظر في كتبهم. - وعن عطاء بن يسار قال: "لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً3 للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ... الخ"4. - وورد أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدِّث منهما5.

_ 1 سورة الزخرف، آية 45. 2 أخرجه البخاري. (انظر: فتح الباري 6/496) ، والإمام أحمد 2/159، والترمذي ح2669، والدارمي 1/136، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/40. 3 وحرزاً: أي حافظاً، وأصل الحرز، الموضع الحصين، يقال: أحرزت الشيء أحْرزُه إحرازاً، إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. انظر: النهاية في غريب الحديث 1/366، فتح الباري 4/343. 4 رواه البخاري (انظر: فتح الباري 4/343) ، وأحمد 2/174. 5 انظر: مجموع الفتاوى (مقدمة في أصول التفسير) 13/366، فتح الباري 1/207، قال ابن تيمية: وقد فهم الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو من الحديث السابق الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ... حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ... " الإذن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذلك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/366،367.

وإزاء هذه النصوص التي ظاهرها التعارض بين النهي والجواز في النظر في كتب أهل الكتاب، فقد ذكر العلماء أقوالاً في الترجيح والجمع بين تلك النصوص: قال الحافظ ابن حجر في شرحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ... " أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار1. وقال بعضهم: إن الأمر بالإباحة والجواز ليس على إطلاقه، فإن جاء ما في كتبهم موافقاً لما في شرعنا صدّقناه وجازت روايته، وما جاء مخالفاً لما في شرعنا كذّبناه وحرمت روايته إلا لبيان بطلانه، وما سكت عنه شرعنا توقفنا فيه فلا نحكم عليه بصدق ولا بكذب وتجوز روايته، وتذكر للاستشهاد لا للاعتقاد2. والأولى في هذه المسألة الجمع بين النصوص المتعارضة، لأن فيه العمل بالنصوص كلها، أما القول بالنسخ ففيه الأخذ ببعض النصوص وترك لبعضها، وطريقة الجمع بينها تكون بالتفصيل في المسألة على النحو الآتي: 1- حكم المقروء من كتب أهل الكتاب.

_ 1 انظر: فتح الباري 6/498. 2 انظر: فتح الباري 6/499، 12/334.

2- حال القارئ لها. 3- قصد القارئ ونيته من القراءة فيها. 1- فأما بالنسبة لحكم المقروء منها فإنه على ثلاثة أنواع: أ - نوع يجوز تصديقه وروايته، وهو ما جاء في كتبهم موافقاً لما في شرعنا. ب - ونوع يحرم روايته إلا بشرط تكذيبه وبيان بطلانه، وهو ما جاء في كتبهم مخالفاً لما في شرعنا. ج - ونوع يتوقف فيه، لا يحكم عليه بصدق ولا بكذب وتجوز روايته وتذكر للاستشهاد لا للإعتقاد، وهوما سكت عنه شرعنا. 2- وأما حال القارئ لكتبهم فإنه يجوز لأهل العلم من الراسخين في الإيمان والعلم وعلى هذا الصنف من الناس نحمل نصوص الجواز والإباحة في قراءة كتب أهل الكتاب، ولا يجوز لمن لم يكن من الصنف الأول كالعامي الغرِّ والشاب الغمر من الناس ومن في حكمهم فهؤلاء تحمل عليهم نصوص المنع وعدم الجواز. 3- وأما بالنسبة لقصد القارئ ونيته ممن يجوز لهم القراءة، فإنه لا يجوز للقارئ إذا كان النظر فيها على وجه التعظيم والتفخيم لها، أو إذا كان يتشاغل بذلك دون غيرها مما هو مطلوب من علوم الشرع. وأما إذا كان قصد القارئ معرفة ما في كتبهم من الشر لتوقيه وتحذير الناس منه، أو الرد على المخالف وإلزام اليهود والنصارى بطلان دينهم وتحريف كتبهم ونسخ شريعتهم والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرج من البشارات في كتبهم، فهذا جائز يدل عليه النصوص الشرعية وفعل الأئمة كابن حزم وابن تيمية وابن القيم وغيرهم في النقل من كتب أهل الكتاب، ولولا اعتقاد الأئمة جواز النظر فيها لما فعلوه وتواردوا عليه.

وذلك القصد داخل ضمن ما أمرنا به الله عز وجل في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بمِنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ} 1. وقوله تعالى: {وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} 2. والمجادلة المحمودة التي أمرنا بها هي التي تكون عن علم وبصيرة وهدي وذلك يقتضي النظر في كتبهم لإلزامهم الحجة وإقامة البينة عليهم والله أعلى وأعلم3.

_ 1 سورة النحل، آية 125. 2 سورة العنكبوت، آية 46. 3 للتوسع في هذا الموضوع يراجع: مصنف ابن أبي شيبة 5/312، 318، جامع بيان العلم 2/40-42 للإمام ابن عبد البر، مجموع الفتاوى 13/366 للإمام ابن تيمية، فتح الباري 6/498، 13/333-335، 523-526 للحافظ ابن حجر، الإسرائيليات في التفسير والحديث - د. محمد الذهبي، الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير- د. محمد أبو شهبة، الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير - د. رمزي نعناعة.

الأسفار عند اليهود عرض ونقد

الأسفار عند اليهود عرض ونقد التعريف بالأسفار المقدسة عند اليهود ... المبحث الثاني الأسفار المقدسة عند اليهود - عرض ونقد المطلب الأول: التعريف بالأسفار المقدسة عند اليهود. إن الكتب المقدسة عند اليهود تنقسم على وجه الإجمال إلى قسمين هما: الأول: التوراة وما يتبعها من أسفار الأنبياء المقدسة عند اليهود، وهذا القسم يسميه اليهود بعدة أسماء منها: 1- أهمها وأشهرها (التناخ) ويكتبونها بالعبرية (ت، ن،ك) وهي حروف اختصار من الألفاظ (توراة) ، نبوئيم (الأنبياء) ، كتوبيم (الكتب) وهي الأجزاء الثلاثة الكبيرة التي يتألف منها العهد القديم كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. 2- (المقرا) ومعناه: النص المقروء، لأنهم مطالبون بقراءته في عباداتهم والرجوع إلى الأحكام الشرعية فيها التي تنظم حياتهم. 3- (المِسُورَه) أو (المِسُورِتْ) وهو عندهم صفة علمية خاصة، يعنون بذلك النص المقدس المروي عن الأسلاف رواية متواترة - على حد زعمهم - ارتضتها أجيال العلماء ورفضت ما عداها1. الثاني: التلمود: الذي يعتبره اليهود مصدراً من مصادر التشريع اليهودي ومن أسفارهم المقدسة لديهم، ويتكون من جزئين أحدهما يسمى المِشْنا أو المشْنَة، والثاني الجمارا أو الجمارة.

_ 1 انظر: الفكر الديني اليهودي ص62،63 د. حسن ظاظا.

وهناك أسفار أخرى كثيرة عند اليهود لم تدخل ضمن الأسفار القانونية التي يتكوّن منها كتاب اليهود المقدس، وإن كانوا يحيطون تلك الأسفار الغير معترف بها -ويسمونها بـ (الكتب غير القانونية) أو (الأبوكريفا) - بكثير من العناية والاهتمام ويجعلونها استمراراً لتاريخهم. وسوف نبدأ الحديث - إن شاء الله تعالى - بشيء من التفصيل عن القسم الأول عرضاً ونقداً ثم نتلوه بالقسم الثاني. فأما القسم الأول: فإنه يندرج تحت ما يسمّى بـ (الكتاب المقدس) The Bible الذي يبذل النصارى جهوداً جبارة وخبيثة في سبيل ترجمته بمختلف اللغات واللهجات ونشره وتوزيعه في جميع أنحاء العالم. وهذا الكتاب المزعوم بأنه مقدس ينقسم إلى قسمين رئيسين هما: الأول: يسمى (العهد القديم1 أو العتيق) Old Testament ويحتوي على الأسفار المنسوبة إلى موسى والأنبياء من بعده الذين كانوا قبل عيسى عليهم الصلاة والسلام. الثاني: يسمى (العهد الجديد) New Testament ويحتوي على الأناجيل وما يتبعها من الأسفار المنسوبة إلى الحواريين وتلامذتهم. وهذا التقسيم والتسمية من النصارى الذين يقدسون العهد القديم والجديد، ومجموعهما هو الكتاب المقدس عندهم، ويعتقدونه وحياً كُتب بإلهام من الروح القدس لمؤلفيها. 1 العهد: هو الميثاق، ومعنى ذلك أن هذه الأسفار تعتبر ميثاقاً أخذه الله على الناس ليؤمنوا ويعملوا به، وأخذ هذا المعنى من سفر الخروج في التوراة 24/8 وفيه (وأخذ موسى الدم ورشه على الشعب وقال: هو ذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال) .

أما اليهود فإنهم لا يقدسون إلا العهد القديم فقط، وهو الكتاب المقدس عندهم، ولا يعترفون بالعهد الجديد ويكفرون به لكفرهم بالمسيح عليه الصلاة والسلام وقولهم بأنهم قتلوه وصلبوه، لذلك سوف تتركز دراستنا في هذا البحث على العهد القديم أو ما يسميه اليهود بـ (التناخ، أو المقرا، أو المسورت) ويشتمل على ستة وثلاثين سفراً يقسمه اليهود باعتبار محتوياته إلى ثلاثة أقسام رئيسة. ومما يجدر التنبيه إليه أن اليهود والنصارى قد وضعوا مصطلحات خاصة بكتبهم المقدسة لديهم ليسهل عليهم الوقوف والرجوع إلى نصوصها، ومن تلك المصطلحات: السفر: ويعني (الكتاب أو الباب) ، وجمعه أسفار، وله عنوان أو مسمى، فيقال مثلاً: سفر التكوين، سفر أرميا ونحوه. الإصحاح: ويعني (الفَصْل) ، حيث إن السفر يشتمل على عدّة إصحاحات، ولكل إصحاح رقم، فيقال مثلاً: الإصحاح الأول، الإصحاح الثاني، وهكذا. وقد يرمز للإصحاح بالرمز (صح) . الفقرة: وتعني (العبارة أو النص) ، فالإصحاح الواحد يحتوي على عدة فقرات أو نصوص مرقّمة. كما تختصر تلك المصطلحات في عدة رموز، مثاله: (تك 7/21-35) ، ومعناه سفر التكوين، الإصحاح السابع، الفقرات من الفقرة الحادية والعشرين إلى الفقرة الخامسة والثلاثين.

تقسيم اليهود لأسفارهم المقدسة (العهد القديم) بحسب محتوياته (1) التوراة: ويشتمل على خمسة أسفار هي: 1- سفر التكوين (50 إصحاحاً) 2- سفر الخروج (40 إصحاحاً) 3- سفر اللاويين (27 إصحاحاً) 4- العدد (36 إصحاحاً) 5- التثنية (34 إصحاحاً) (2) أسفار الأنبياء أسفار الأنبياء الأول (المتقدمين) وهي: 1- سفر يشوع (يوشع بن نون) (24 إصحاحاً) 2- سفر القضاة (21 إصحاحاً) 3- سفر صموئيل الأول (31 إصحاحاً) سفر صموئيل الثاني (24 إصحاحاً) 4- سفر الملوك الأول (22 إصحاحاً) سفر الملوك الثاني (25 إصحاحاً) أسفار الأنبياء الأُخر (المتأخرون) وهي: 1- سفر أشعيا (66 إصحاحاً) 2- سفر ارميا (52 إصحاحاً) 3- سفر حزقيال (48 إصحاحاً) 4- أسفار الأنبياء الصغار أو الاثني عشر نبياً وهي: 1/ سفر هوشع (14إصحاحاً) 2/سفر يوئيل (3 إصحاحات) 3/ سفر عاموس (9إصحاحات) 4/ سفر عوبديا (إصحاح واحد) 5/ سفر يونان (4 إصحاحات) 6/ سفر ميخا (7 إصحاحات) 7/ سفر ناحوم (3 إصحاحات) 8/ سفر حبقوق (3 إصحاحات) 9/ سفر صفنيا (3 إصحاحات) 10/ سفر حجاي (إصحاحان) 11/سفر زكريا (14 إصحاحاً) 12/ سفر ملاخي (4 إصحاحات) (3) الكتب (كتب الحكمة) : وتشتمل على الأسفار الآتية: 1- مزامير داود (150 مزموراً) 2- أمثال سليمان (31 إصحاحاً) 3- سفر أيوب (42 إصحاحاً) 4- نشيد الأناشيد (8 إصحاحات) 5- سفر روث (راعوث) (4 إصحاحات) 6- مراثي أرميا (5 إصحاحات) 7- سفر الجامعة (12 إصحاحاً) 8- سفر إستير (10 إصحاحات) 9- سفر دانيال (12 إصحاحاً) 10- سفر عزرا (10 إصحاحات) 11- سفر نحميا (13 إصحاحاً) 12- سفر أخبار الأيام، وينقسم إلى قسمين: أخبار الأيام الأول (29 إصحاحاً) ، أخبار الأيام الثاني (36 إصحاحاً)

_ 1 انظر: قاموس الكتاب المقدس ص467، الفكر الديني اليهودي ص12،32،45-47. د. حسن ظاظا.

وهذه النصوص غير القانونية أو الكتابات الخارجة أو الأسفار المخفية هي كالآتي1: 1- أسفار تاريخية تشمل: سفر أسدراس الأول، سفر المكابيين الأول والثاني، وإضافات إلى سفر دانيال (وهذه الإضافات هي نشيد الثلاثة الفتية المقدسين، وتتمة سفر دانيال، وقصة سوسن العفيفة، وقصة بيل) ، وبقية سفر أستير، ورسالة أرميا، وصلاة منسي. 2- أسفار قصصية تحوي أساطير وهي: سفر باروخ، وسفر طوبيت، وسفر يهوديت. 3- أسفار رُوءوِيَّة: أسدراس الثاني. 4- سفران تعليميان وهما: سفر حكمة سليمان، وسفر حكمة يشوع بن سيراخ.

عرض موجز لمحتويات الأسفار

المطلب الثاني: عرض موجز لمحتويات الأسفار: القسم الأول: التوراة: في اللغة: كلمة عبرانية بمعنى الشريعة والتعليم، وتسمى بكتب موسى أو الأسفار الخمسة أو الناموس (ومعناه القانون) أو البنتاتيك Pentateuch (وهي كلمة يونانية تعني الأسفار الخمسة) 1. وأما في اصطلاح اليهود والنصارى: فالتوراة هي الأسفار الخمسة (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية) التي كتبها موسى عليه الصلاة والسلام. وأما في اصطلاح المسلمين: فالتوراة2 هي الكتاب الذي أنزله الله عز وجل على رسوله موسى عليه الصلاة والسلام فيه الهدى والنور للناس، ولكن اليهود حرّفوه وبدلوه، وقد نسخه الله بالقرآن الكريم المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين (ز) . محتويات الأسفار الخمسة بإيجاز: 1- سفر التكوين: ويقع في (50) إصحاحاً، وفيه قصة خلق العالم وتكوينه، وقصص آدم عليه الصلاة والسلام وذريته ونوح عليه الصلاة والسلام وإبراهيم عليه الصلاة والسلام وذريته، وينتهي باستقرار بني إسرائيل في مصر ووفاة يوسف عليه الصلاة والسلام. 2- سفر الخروج: ويقع في (40) إصحاحاً، وفيه قصة موسى عليه الصلاة والسلام وخروجه ببني إسرائيل من مصر، وتاريخ بني إسرائيل في أرض التيه، وفيه الوصايا العشر وطائفة من الأحكام والتشريعات. 1 انظر: قاموس الكتاب المقدس ص235،339،609،801،808، السنن القويم في تفسير العهد القديم 1/1. 2 ورد في الصحيحين وغيرهما أن الله عز وجل كتب التوراة بيده. (انظر: صحيح البخاري مع الفتح 11/505، 13/422، وصحيح مسلم 4/2032-2044) .

3- سفر اللاّويين: ويقع في (27) إصحاحاً، شغل معظمه بشئون العبادات وخاصة ما تعلق منها بالأضحية والقرابين والطقوس الكهنوتية التي كانت موكولة إلى سبط لاوي بن يعقوب، ومن ثمّ نسب إليهم. 4- سفر العدد: ويقع في (36) إصحاحاً، وقد شغل معظمه بالعدِّ والإحصاء عن قبائل بني إسرائيل وجيوشهم وكثير مما يمكن إحصاؤه من شئونهم، ويتخلل ذلك بعض الأحكام. 5- سفر التثنية: ويقع في (34) إصحاحاً، وقد أعيد فيه ذكر الوصايا العشر مرة ثانية، وفيه الأحكام والتشريعات المتنوعة، وينتهي هذا السفر بوفاة موسى عليه الصلاة والسلام ودفنه، وبه تنتهي التوراة. وأسماء هذه الأسفار الخمسة مأخوذة عن نسخة التوراة باللغة اليونانية، أما في النسخة العبرية للتوراة المعتمدة عند اليهود فإن هذه الأسفار تسمّى بالكلمات التي في بداية كل سفر منها كالآتي: - سفر التكوين، يسمى (براشيت) أي [في البدء] . - وسفر الخروج يسمى (اله شموت) أي [وهذه أسماء] . - وسفر اللاويين يسمى (ويقرا) أي [ودعا] . - وسفر العدد يسمى (بمدبر) أي [في البرية] . - وسفر التثنية يسمى (اله هدبريم) أي [هذا هو الكلام] 1. القسم الثاني: أسفار الأنبياء، وتنقسم إلى قسمين هما:- (1) أسفار الأنبياء الأول (المتقدمين) : وتتضمن تاريخ بني إسرائيل وما جرى لهم من الحوادث منذ دخولهم فلسطين بقيادة يشوع (يوشع) فتى موسى

_ 1 انظر: السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم 1/1.

عليهما الصلاة والسلام إلى خروجهم منها في السبي البابلي، ومنها حوادث عهد القضاة وعهد الملوك وعهد انقسام مملكة بني إسرائيل وبناء هيكل سليمان عليه السلام وتدميره في الغزو البابلي، ويتخلل ذلك بعض الوصايا والأحكام والتشريعات. (2) - أسفار الأنبياء الأُخر (المتأخرين) : وتتضمن تاريخ بني إسرائيل وتراثهم أثناء فترة السبي البابلي ثم عودة بعضهم إلى فلسطين تحت ظل الحكم الفارسي ثم إعادة بناء هيكل سليمان مرة ثانية، وبها بعض الوصايا والنبؤات والأحكام. القسم الثالث: أسفار الكتب أو كتب الحكمة، وهي مجموعة أسفار يغلب عليها الطابع الأدبي شعراً أو نثراً وبعضها يتضمن تراثاً من القصص والحكم والمواعظ والأدعية، وفيها تمجيد بطولاتهم في الاستقرار بفلسطين. ومن أسفار الكتب سفرا أخبار الأيام الأول والثاني وفيهما تلخيص للوقائع التاريخية الواردة في الأسفار السابقة منذ بدء الخليقة إلى عودة اليهود من السبي البابلي في أيام قورش ملك الفرس (أي بدءاً من أسفار التوراة إلى آخر أسفار الأنبياء الأُخر) . ومما تجدر الإشارة إليه أن لليهود أسفاراً مقدسة أخرى تسمى بـ (الأبوكريفا Apocrypha) أي الكتب غير القانونية أو المخفية التي لم تقبل عندما تقرر تسجيل أسفار العهد القديم في وضعها الذي ذكرناه كأجزاء معتمدة من هذا الكتاب المقدس عندهم، ويسميها بعض الباحثين من اليهود (الكتابات الخارجة) ، ولكن بأية سلطة وبناء على أي مقياس أخرجت هذه النصوص؟!؟! 1

_ 1 انظر: الفكر الديني اليهودي ص62 د. حسن ظاظا، بتصرف بسيط.

((وبعض هذه الأسفار الخفية غير مقدس ولا معتمد في نظر اليهود، بينما بعضها الآخر مقدس أي معترف بأنه موحى به ومعتمد في نظرهم، ولكن رأى أحبارهم وجوب إخفائه وقرروا أنه لا يجوز أن يقف عليه الجمهور ولا أن يدرج في أسفار العهد القديم، وإلى هذا يشير الله عز وجل في القرآن الكريم فقال تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ اللهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ نُوراً وَهُدًى لّلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ... } 1، وإذ يقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} 2، وإذ يقول: {إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَىَ مِن بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولََئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ} 3، وإذ يقول: {إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولََئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاّ النّارَ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4. ومن هذا يظهر أن السفر قد يكون خفياً ومقدساً في آن واحد عند اليهود. وفي هذا يختلف الاصطلاح اليهودي بعض الاختلاف في مدلول كلمة ((الخفي)) عن الاصطلاح المسيحي. فالمسيحيون يطلقون كلمة ((الخفي)) apocryphe على كل سفر يرون أنه غير مقدس أي غير موصى به)) 5.

_ 1 سورة الأنعام، آية 90. 2 سورة المائدة، آية 15. 3 سورة البقرة، آية 159. 4 سورة البقرة، آية 174. 5 انظر: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام ص23.

نقد التوراة المحرفة وما يتبعها من الأسفار

المطلب الثالث: نقد التوراة المحرفة وما يتبعها من الأسفار لقد ذكرنا فيما سبق بعض آيات القرآن الكريم الصريحة في أن اليهود قد حرفوا التوراة وغيرها من كتب الله المنزلة على أنبيائه من بني إسرائيل، ولقد انطلق علماؤنا المسلمون من تلك الآيات وغيرها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في نقدهم للتوراة وما يتبعها من الأسفار المقدسة عند اليهود، واستخرجوا منها الأدلة والشواهد على تحقيق ما ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم من وقوع التحريف والتبديل والكذب في كتبهم، ونستطيع أن نقرر بكل ثقة أن الأسبقية في نقد التوراة والأناجيل والكتب الأخرى المحرفة كان لعلمائنا المسلمين بهدي من القرآن الكريم الذي وضع أصول ذلك النقد

_ 1 انظر: قاموس الكتاب المقدس ص19، الفكر الديني اليهودي ص65، الأسفار المقدسة ص23.

الهادف إلى إظهار الحق وإزهاق الباطل، وقد تأثر أحبار اليهود والنصارى ومفكريهم بالمسلمين في دراساتهم النقدية للتوراة والأناجيل ومن ثم تجرؤا على المشاركة في تلك الدراسات النقدية لكتبهم المقدسة بعد أن تخلصوا من طغيان الكنيسة وسيطرتها واستطاعوا إعلان نتائج دراساتهم التي سبقهم إلى كثير منها علماؤنا المسلمون بقرون عديدة1. وفي هذه الدراسة الموجزة جداً سنحاول أن نبين الخطوط العريضة والعناوين الرئيسة في نقد أسفار العهد القديم وخاصة التوراة، وستتركز على ناحيتين: الأولى: نقد سند كتبهم المقدسة وعدم صحة نسبتها إلى أنبيائهم، الثانية: نقد المتن وبيان ما فيه من مواطن التحريف والتبديل والخطأ. الناحية الأولى: نقد السند. لقد أرشدنا القرآن الكريم إلى طريقة المجادلة والرد على دعاوى اليهود والنصارى وبيان بطلانها وهي مطالبتهم بالحجة والدليل على مزاعمهم قال تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تِلْكَ أَمَانِيّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 2.

_ 1 لعل أول من قام بنقد التوراة من اليهود هو الحبر اليهودي إبراهيم بن عزرا الغرناطي (ت562هـ) إلا أنه لم يجرؤ على المجاهرة بذلك في زمنه ولكنه أشار إلى نقده بعبارات غامضة، إلى أن ظهر الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا (ت1073هـ - 1677هـ) الذي فسر عبارات ابن عزرا الغامضة في نقد التوراة وجهر بذلك وأضاف أدلة أخرى في ذلك النقد (انظر: رسالة في اللاهوت والسياسة - لسبينوزا) ولا يخفى أن ابن عزرا قد تأثر بعلماء المسلمين الذين كان يعيش بينهم وخاصة العلامة ابن حزم (ت456هـ) في كتابه الفصل في الملل والنحل في نقده للتوراة والأناجيل وغيرها. (انظر: في مقارنة الأديان بحوث ودراسات ص71،72 د. محمد الشرقاوي) . 2 سورة البقرة، آية 111.

وبما أن اليهود وكذلك النصارى يزعمون أن التوراة الحالية كتبها موسى بيده وأن أسفارهم الأخرى كتبها أنبياؤهم أو أشخاص أوحي إليهم بها، فإنا نطالبهم بالأدلة والبراهين التي تثبت صحة نسبة التوراة المحرفة إلى موسى عليه الصلاة والسلام وكذلك سائر أسفارهم المنسوبة إلى أنبيائهم {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} ! ومن الأدلة التي نطالبهم بها:- 1- النسخة الأصلية للتوراة التي كتبها موسى عليه الصلاة والسلام أو أملاها على غيره، وكذلك النسخ الأصلية لأسفارهم الأخرى. 2- السند المتصل المتواتر بنقل الثقات العدول الذي يثبت سلامة النص الحالي لأسفارهم من التحريف والتبديل. وتأتي الإجابة لطلبنا من أحبار اليهود والنصارى وباحثيهم بأنهم لا يملكون النسخ الأصلية للتوراة أو غيرها من الأسفار، وإن أقدم مخطوطة لديهم لأسفارهم تعود إلى القرن الرابع الميلادي، علما بأن موسى عليه الصلاة والسلام قد عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد على الأرجح، وآخر نبي من أنبيائهم في العهد القديم عاش في القرن الرابع قبل الميلاد1. يقول مؤلفوا قاموس الكتاب المقدس: ولكن لا توجد لدينا الآن هذه المخطوطات الأصلية [للعهد القديم والجديد] التي دوّنها كتبة الأسفار المقدسة2.

_ 1 تحدّى الشيخ رحمة الله الهندي بعض القسيسين في محفل المناظرة أن يأتوا بالسند المتصل لأسفارهم فاضطروا للإعتراف بأنهم لا يملكون سنداً متصلاً لأسفارهم. (انظر: إظهار الحق ص83،84) . 2 انظر: ص844 من قاموس الكتاب المقدس.

ويعلل اليهود والنصارى فقدان النسخ والسند لكتبهم المقدسة بكثرة حوادث الاضطهاد والنكبات التي نزلت بهم خلال تاريخهم الطويل. ومن تلك الحوادث: الغزو الآشوري عليهم في سنة 722ق. م1، ثم الغزو البابلي الشهير سنة 586ق. م ونتج عنه تدمير الهيكل وأخذ بني إسرائيل سبياً إلى بابل2، ثم الإضطهاد اليوناني ومن بعده الإضطهاد الروماني الذي استمر لعدة قرون3، وقد نتج عن هذه الإضطهادات إحراق أسفارهم وإتلافها ومنع قراءتها وقتل أحبارهم وعلمائهم. ونضيف سبباً آخر مهماً لضياع أسفارهم وانقطاع أسانيدهم هو كثرة حوادث الردة والشرك في بني إسرائيل وكفرهم بالله عز وجل وإهمالهم للتوراة وغيرها، وهي مذكورة في أسفارهم المقدسة لديهم ومنها ما ورد في سفر القضاة 2/11-15: "وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرب، تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروت، فحمي الرب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم، حيثما خرجوا كانت يد الرب عليهم للشر كما تكلم الرب وكما أقسم الرب لهم". وقد تكررت الردة والشرك بالله من بني إسرائيل مرات عديدة في عهد القضاة4.

_ 1 انظر: سفر الملوك الثاني، الإصحاح (2) ، قاموس الكتاب المقدس ص78. 2 انظر: سفر الملوك الثاني، الإصحاحين (24،25) ، وسفر أخبار الأيام الثاني، الإصحاح (36) ، قاموس الكتاب المقدس ص458. 3 انظر: سفر المكابيين الأول والثاني، تاريخ الإسرائيليين ص32-71، شاهين مكاريوس. 4 انظر: سفر القضاة، الإصحاحات (3،4،6،10،13،17) .

ثم تكرر ذلك منهم في عهد الملوك، فقد ورد في سفر الملوك (12/28-33) : "أن يربعام استشار الملك وعمل عجلي ذهب وقال لهم: كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم، هو ذا آلهتكم يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر، ووضع واحداً في بيت إيل وجعل الآخر في دان، وكان هذا الأمر خطية، وكان الشعب يذهبون إلى أمام أحدهما حتى إلى دان ... "1. وما ذكرناه مما يجعل كل عاقل منصف منهم يرتاب ويشك في صحة نسبة التوراة الحالية إلى موسى وسلامتها من التحريف والتبديل!!! وكانت تلك الأسباب وغيرها قد دفعت بالكثيرين من محققي اليهود والنصارى إلى الاعتراف بأن أسفار العهد القديم مشكوك في أمر مؤلفيها، وإليك مختصر لما يقوله محرروا طبعة سنة 1971م الإنجليزية من كتابهم المقدس لديهم، وهي آخر طبعة معدّلة من كتابهم وآخر طبعة حتى الآن، يقول المحررون2: - سفر التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية: مؤلفه موسى على الأغلب. - سفر يشوع: معظمه منسوب إلى يشوع. 1 وتكرر منهم الشرك والردَّة عن دين الله الحق مرات عديدة في عهد الملوك. - انظر: سفر الملوك الأول، الإصحاحات (19،22) ، وسفر الملوك الثاني، الإصحاحات (1/13،14،15،16،17،21،22،23،24) . بل وصل بهم الكفر إلى حد وصف نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام بالكفر وعبادة غير الله - والعياذ بالله -. - انظر: سفر الملوك الأول، الإصحاح (11) . 2 نقلاً من كتاب (التحريف في التوراة، ص3 د. محمد الخولي، ووجدت أيضاً تلك الاعترافات بجهالة مؤلفي أسفارهم في مقدمة الكتاب المقدس (المدخل) طبع المطبعة الكاثوليكية سنة 1988م بلبنان، وفي كتاب (رسالة في اللاهوت والسياسة) - تأليف الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا، وكتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم، وقاموس الكتاب المقدس في التعليق على تلك الأسفار.

- سفر القضاة: مؤلفه صموئيل على الاحتمال. - سفر راعوث: مؤلفه غير محدد ولكن ربما يكون صموئيل. - سفر صموئيل الأول: المؤلف مجهول. - سفر صموئيل الثاني: المؤلف مجهول. - سفر الملوك الأول: المؤلف مجهول. - سفر الملوك الثاني: المؤلف مجهول - سفر أخبار الأيام الأول: المؤلف مجهول، ولكن ربما جمعه وحرره عزرا. - سفر أخبار الأيام الثاني، المؤلف مجهول، ولكن ربما جمعه وحرره عزرا. - سفر عزرا: من المحتمل أن عزرا كتبه أو حرره. - سفر أستير: المؤلف مجهول. - سفر المزامير: المؤلف الرئيسي داود، لكن معه آخرون وبعضهم مجهولون. - سفر الأمثال والجامعة ونشيد الأناشيد: المؤلف مجهول، ولكنها عادة تنسب إلى سليمان. - سفر أشعياء: ينسب معظمه إلى أشعيا، ولكن بعضه من المحتمل كتبه آخرون. - سفر يونان: المؤلف مجهول. - سفر حبقون: لا يعرف شيء عن مكان أو زمان ولادته. وبعد هذا الاعتراف منهم فإن الأمر لا يحتاج إلى زيادة تعليق منا. ومن الأدلة أيضاً على عدم الوثوق بالتوراة الحالية ما ورد في سفر الملوك الثاني 22/8-13 في عهد الملك يوشيا من ملوك مملكة يهوذا، أن التوراة قد فقدت وضاعت من بني إسرائيل سنوات عديدة، ثم ادعاء العثور عليها على يد الكاهن في الهيكل، ولا نسلم لهم بأن التوراة التي عثر عليها هي توراة موسى إذ

أن اتهام الكاهن بالتزوير قائم في مسايرته لرغبة الملك في العودة إلى التوحيد بعد ارتداد وكفر من سبقه من آبائه، إضافة إلى أن هذه النسخة من التوراة قد فقدت أيضاً في الغزو البابلي وحوادث الحروب الأخرى. ومن الأدلة القاطعة على عدم صحة نسبة التوراة الحالية إلى موسى عليه الصلاة والسلام نصوص التوراة نفسها، وإليك بعض الشواهد: - خاتمة التوراة في سفر التثنية 34/1-12 وفيه "فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب ودفنه في الجواء ... ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوماً، فكملت أيام بكاء مناحه موسى، ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يديه فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الرب موسى، ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه ... ) وبذلك ينتهي كتاب التوراة. ولا أعتقد أن عاقلاً يجرؤ على القول أن كاتب هذا الكلام هو موسى عليه الصلاة والسلام!!! - إن بعض نصوص التوراة تتحدث عن موسى بضمير الغائب وبصيغة لا يمكن التصديق بأن كاتبها هو موسى، ومن تلك النصوص: (تحدث الله مع موسى) (وكان الله مع موسى وجهاً لوجه) (وكان موسى رجلاً حليماً جداً أكثر من جميع الناس) 1 (فسخط موسى على وكلاء الجيش) 2 (موسى رجل الله)

_ 1 العدد 25/3. 2 العدد 31/14. 3 التثنية 13/1.

تاريخية فقط. ويخالفها جمهور اليهود الذين يقبلون أسفار العهد القديم المذكورة. ويختلف مع اليهود أيضاً طائفة الكاثوليك من النصارى في قبول ورفض بعض أسفار العهد القديم. الناحية الثانية: نقد المتن. قال الله عز وجل: {أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} 1. وقال تعالى: {إِنّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} 2. وقال تبارك وتعالى: {إِنّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} 3. في ضوء هذه الآيات الكريمة - التي وضحت بعض خصائص الوحي الإلهي المنزل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - نبين بعض مواطن الاختلاف والتناقض والباطل الذي يدل على وقوع التحريف والتزوير في أسفار اليهود، وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدم ويمكننا تلخيص أبرز الانتقادات الموجهة إلى متن الأسفار في العناوين الرئيسة الآتية وتندرج تحتها عشرات الأمثلة والشواهد، وسنكتفي بذكر بعضها: (1) - الاختلاف بين نسخ التوراة المختلفة: إن التوراة الحالية ليست نسخة واحدة مجمعاً عليها من اليهود والنصارى، وإنما هي ثلاث نسخ مختلفة: التوراة العبرية، التوراة السامرية، التوراة اليونانية.

_ 1 سورة النساء، آية 82. 2 سورة النحل، آية 90. 3 سورة النساء، آية 58.

تاريخية فقط. ويخالفها جمهور اليهود الذين يقبلون أسفار العهد القديم المذكورة. ويختلف مع اليهود أيضاً طائفة الكاثوليك من النصارى في قبول ورفض بعض أسفار العهد القديم. الناحية الثانية: نقد المتن. قال الله عز وجل: {أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} 1. وقال تعالى: {إِنّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} 2. وقال تبارك وتعالى: {إِنّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} 3. في ضوء هذه الآيات الكريمة - التي وضحت بعض خصائص الوحي الإلهي المنزل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - نبين بعض مواطن الاختلاف والتناقض والباطل الذي يدل على وقوع التحريف والتزوير في أسفار اليهود، وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدم ويمكننا تلخيص أبرز الانتقادات الموجهة إلى متن الأسفار في العناوين الرئيسة الآتية وتندرج تحتها عشرات الأمثلة والشواهد، وسنكتفي بذكر بعضها: (1) - الاختلاف بين نسخ التوراة المختلفة: إن التوراة الحالية ليست نسخة واحدة مجمعاً عليها من اليهود والنصارى، وإنما هي ثلاث نسخ مختلفة: التوراة العبرية، التوراة السامرية، التوراة اليونانية.

_ 1 سورة النساء، آية 82. 2 سورة النحل، آية 90. 3 سورة النساء، آية 58.

فالتوراة السامرية تؤمن بها فرقة السامرة من اليهود، والتوراة العبرية يعترف بها جمهور اليهود وفرقة البروتستانت من النصارى، والتوراة اليونانية تعترف بها فرقة الكاثوليك من النصارى، وكل فرقة لا تعترف بالنسخة الأخرى. وتوجد اختلافات جوهرية وتناقضات صريحة بين النسخ الثلاث مثال ذلك: - أن قبلة اليهود ومكان بناء مذبح الرب في التوراة العبرية واليونانية (تثنية 27/4) جبل عيبال بأورشليم (بيت المقدس) ، وفي التوراة السامرية (تثنية 27/4) أن القبلة جبل جريزيم بمدينة نابلس. - ورد أن مجموع الأعمار (الفترة الزمنية) من عهد آدم إلى إبراهيم عليهما الصلاة والسلام في التوراة العبرية يبلغ (2023) سنة، وفي التوراة السامرية يبلغ مجموع الأعمار (2324) سنة، وفي التوراة اليونانية يبلغ (2200) سنة!! وهناك اختلافات أخرى كثيرة من حيث الألفاظ والإملاء والقواعد النحوية وغيرها1. (2) - الاختلاف بين أسفار التوراة بعضها ببعض وبين الأسفار الأخرى مثال ذلك:- - ورد في سفر التكوين 6/3 أن الله غضب على البشر لطغيانهم في عصر نوح عليه الصلاة والسلام فقضى بأن عمر الإنسان لا يتجاوز (120) عاماً، وهذا النص يختلف مع ما ورد في التوراة أيضا في سفر التكوين 11/10-32 من أن سام بن نوح عاش 600 سنة، وابنه أرفكشاد عاش 438 سنة، وشالح

_ 1 انظر: للتوسع كتاب (نقد التوراة العبرية والسامرية واليونانية) - د. أحمد السقا، وكتاب (السامريون واليهود) ص93-95 د. سيد فراج راشد.

عاش 433 سنة، وعابر عاش 464 سنة وغيرهم كثير ممن تجاوزت أعمارهم 120 سنة!! - ورد في سفر التكوين 7/12 أن طوفان نوح عليه الصلاة والسلام استمر مدة أربعين يوماً وليلة، ولكن ينقضه ما ورد في نفس السفر والإصحاح 7/24 أن الطوفان استمر مدة مائة وخمسين يوماً!! - ورد في سفر التكوين 8/4-5 (واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط، وكانت المياه تنقص نقصاً متوالياً إلى الشهر العاشر، وفي الشهر العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس الجبال) وفي هذا اختلاف واضح، لأنه إذا ظهرت رؤوس الجبال في الشهر العاشر فكيف تكون سفينة نوح قد استقرت على جبال أراراط (أرمينيا) في الشهر السابع، أي قبل شهرين ونصف من ظهور رؤوس الجبال؟!! - ورد في سفر الخروج 20/5 وسفر التثنية 5/9 أن الأبناء يؤاخذون بذنب الآباء حتى الجيل الثالث والرابع، ولكن ورد في سفر حزقيال 18/20 وفي سفر أرميا 31/30 أن الأبناء لا يعاقبون بذنب الآباء. وفي هذا تناقض لأن اليهود لا يقولون بنسخ أحكام التوراة. - ورد في سفر التكوين 46/21 أن أبناء بنيامين بن يعقوب عددهم عشرة أبناء، ولكن ورد في سفر أخبار الأيام الأول 7/6 أن أبناء بنيامين ثلاثة، وفي نفس السفر 8/1-2 أن أبناء بنيامين خمسة فقط!!! - ورد في سفر صموئيل الثاني 24/13 (فأتى جاد داود وأخبره وقال له: أتأتي عليك سبع سنين جوعاً في أرضك أم تهرب أمام أعداءك ثلاثة أشهر وهم في أثرك) ويناقضه ما ورد في سفر أخبار الأيام الأول 21/11 (فأتى جاد داود وقال له: كذا قال الرب تخير إما ثلاث سنين جوعاً، وإما ثلاثة أشهر تهرب فيها

أمام أعدائك وسيف أعدائك يدركك) فهل هي سبع سنوات جوعاً أم ثلاث سنوات؟؟!!! - ورد في سفر صموئيل الثاني 8/4 (فأخذ داود منه ألفاً وسبعمائة فارس وعشرين ألف راجل) ولكن تكرر الخبر في سفر أخبار الأيام الأول 18/4 كالآتي (فأخذ داود منه ألف مركبة وسبعة آلاف فارس وعشرين ألف راجل) . - ورد في سفر الملوك الأول 4/26 (وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته واثنا عشر ألف فارس) ولكن تكرر الخبر في سفر أخبار الأيام الثاني 9/25 كالآتي: (وكان لسليمان أربعة آلاف مذود خيل ومركبات واثنا عشر ألف فارس) . - ورد في سفر الملوك الثاني (كان أخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة حين مَلَكَ ومَلَكَ سنة واحدة في أورشليم) وتكرر الخبر في سفر أخبار الأيام الثاني 22/2 بصورة مختلفة (كان أخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين مَلَكَ، ومَلَكَ سنة واحدة في أورشليم) !!! والأعجب من ذلك ما ورد في أخبار الأيام الثاني نفسه 21/5 (أن يهورام -والد أخزيا- كان ابن اثنين وثلاثين سنة حين مَلَكَ، ومَلَكَ ثمان سنين في أورشليم) فكيف يكون الابن أكبر سنا من أبيه؟!! - ورد في سفر الملوك الثاني 24/8 (كان يهوياكن ابن ثماني عشرة سنة حين ملك، وملك ثلاثة أشهر في أورشليم) وتكرر الخبر باختلاف في سفر الأيام الثاني 36/9 (كان يهوياكن ابن ثماني سنين حين ملك، وملك ثلاثة أشهر وعشرة أيام في أورشليم) . (3) - الاختلاف مع الحقائق العلمية والتاريخية، مثال ذلك:- - ورد في سفر التكوين 1/6-8 (وقال الله: ليكن جلد في وسط المياه، وليكن فاصل بين مياه ومياه، فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد

والمياه التي فوق الجلد، ودعا الله الجلد سماء، وكان مساء وكان صباح اليوم الثاني) يقول موريس بوكاي: أسطورة المياه هنا تستمر بانفصالها إلى طبقتين بواسطة الجلد الذي سيجعل الطبقة العليا عند الطوفان تنفذ من خلاله لتنصب على الأرض، إن صورة انقسام المياه هذه إلى كتلتين غير مقبولة علمياً اهـ1. - ورد في سفر التكوين 15/13 أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر ستكون (400 سنة) ولكن ورد في الخروج 12/40 أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر كانت (430) سنة، وكلا التاريخين يختلفان مع الحقيقة التاريخية التي اعترف بها أحبارهم ومفسرو أسفارهم من أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر لا تزيد عن (215) سنة2، بدليل حساب عمر إسرائيل (يعقوب) عليه الصلاة والسلام عند دخوله مع بنيه أرض مصر، ثم أعمار الأجيال إلى زمن خروج بني إسرائيل من مصر مع موسى عليه الصلاة والسلام. (4) - وجود الأقوال القبيحة والتهم الشنيعة والأوامر الباطلة والتعاليم الفاسدة والقصص البذيئة - في أسفارهم - التي تستحيل أن تكون وحياً من عند الله عز وجل، مثال ذلك:- - ورد في سفر التكوين 2/1-3 أن الله - سبحانه وتعالى - لما خلق الخلق في ستة أيام فإنه تعب واستراح في اليوم السابع. - ورد في سفر التكوين 9/20-27 وصف نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام بأنه شرب الخمر حتى سكر وتعرّى في خبائه وأبصر ابنه الأصغر حام عورته.

_ 1 انظر: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ص42 وللتوسع في معرفة مواضع الاختلاف مع الحقائق العلمية، راجع الكتاب المذكور من ص39 إلى ص61. 2 انظر: السنن القويم في تفسير العهد القديم 1/363، إظهار الحق ص 135، 243 - 244، نقد التوراة ص128.

- ورد في سفر التكوين 19/30-39 قذف نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام بالزنا، حيث زعموا - لعنهم الله - أن ابنتيه سقتاه خمراً وضاجعتاه حتى أولد منهما نسلاً - والعياذ بالله من هذا الكفر. - ورد في سفر التكوين 27/1-30 وصف يعقوب عليه الصلاة والسلام بأنه خدع أباه إسحاق عليه السلام واحتال وكذب عليه حتى ينال دعوته وبركته قبل أخيه عيسو. - ورد في سفر الخروج الإصحاح (32) وصف هارون عليه الصلاة والسلام بأنه صنع العجل لبني إسرائيل وأمرهم بعبادته. - ورد في سفر يشوع 6/17،21 أن الله أمر يوشع عليه السلام عند إستيلائه على مدينة أريحا أن يقتل في المدينة كل رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف، وقد فعل يشوع ذلك حسب زعمهم، والله عز وجل منزه عن ذلك لأنه تعالى يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن البغي. - ورد في سفر صموئيل الإصحاح (2) وصف داود عليه الصلاة والسلام بأنه زنا بزوجة قائده واحتال في قتله لكي يتزوج بزوجته من بعده. - ورد في سفر الملوك الأول 11/1-6 وصف سليمان عليه الصلاة والسلام بأنه تزوج نساءً وثنيات، وبأن نساءه أضللنه حتى أشرك بالله وعبد أصنام نسائه الوثنيات في شيخوخته. - ورد في سفر حزقيال الإصحاح (33) قصة زنا أهولة وأهوليبة وفجورهما بأسلوب جنسي فاضح قبيح بذيء. - ورد في سفر نشيد الأناشيد المنسوب إلى سليمان عليه الصلاة والسلام شعر جنسي وغزل فاحش وكلام بذيء يستحى من ذكره وتسطيره. - ورد في سفر هوشع 1/2-9 أن الله - سبحانه وتعالى - أمر نبيه هوشع أن يأخذ لنفسه امرأة زانية وينجب منها أولاد زنى. تعالى الله عز وجل عما يقول

الكافرون علواً كبيراً، وتَنَزَّه الله عز وجل عن هذا الكفر، فإن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. ونكتفي بهذا القدر اليسير جداً من فضائح كتبهم الكثيرة، فلا عجب أن يكون حال محققيهم ومفكريهم كما وصفهم الله عز وجل بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنّهُمْ لَفِي شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ} 1.

القسم الثاني من الأسفار المقدسة عند اليهود: التلمود

المطلب الرابعً: القسم الثاني من الأسفار المقدسة عند اليهود: التلمود - التلمود في اللغة: Talmud كلمة عبرية مستخرجة من كلمة (لامود Lamud) وتعني تعليم أو تعاليم. - وفي الاصطلاح: كتاب تعليم ديانة وآداب اليهود، أو كتاب فقه اليهود، أو الكتاب العقائدي الذي يفسر ويبسط كل معارف اليهود وتعاليمهم2. ولم يرد اسم التلمود في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة - فيما أعلم - ولكن أشار القرآن الكريم إليه بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لّلّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هََذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا يَكْسِبُونَ} 3.

_ 1 سورة فصلت، آية 45. 2 انظر: تاريخ الإسرائيليين ص111 شاهين مكاريوس، قاموس الكتاب المقدس ص222، فضح التلمود ص21 للقسيس برانايتس. 3 سورة البقرة، آية 79.

ووردت الإشارة إليه أيضا في السنة النبوية المطهرة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فاتبعوه وتركوا التوراة" 1. وتلك هي حقيقة التلمود وأنه ليس وحياً من الله، وإنما هو تفاسير وشروحات واجتهادات واستنباطات أحبار اليهود لنصوص التوراة ولأقوال منسوبة مكذوبة على موسى عليه الصلاة والسلام دُوِّنت وجمعت في القرن الثاني الميلادي2 - كما سنبينه إن شاء الله تعالى -. أقسام التلمود: ينقسم التلمود إلى قسمين رئيسين هما: (المشنا) و (الجمارا) وتعريفهما كالآتي: (1) - المشْنا (المشْنة) : ومعناه (التكرار) أو (الشريعة المتكررة) ، وهو بمثابة المتن، وهو عبارة عن مجموعة من الشرائع والتقاليد والروايات اليهودية المختلفة المروية على الألسنة لقرون عديدة إلى أن دوّنها الحاخام (يهوذا هاناسئ) في نهاية القرن الثاني بعد الميلاد (200م) . ويزعم اليهود بأن تلك الشرائع والروايات قد تلقاها موسى من الله ثم نقلها موسى مشافهة إلى هارون ويوشع واليعازر الذين نقلوها بدورهم إلى الأنبياء الذين نقلوها أيضاً إلى أحبار اليهود علمائهم وتناقله بعد ذلك الأجيال من الأحبار جيلاً بعد جيل عن طريق المشافهة إلى أن جمعها ودوّنها الحاخام

_ 1 رواه الطبراني في الأوسط والكبير، قال الهيثمي في المجمع 1/150،192: رجاله ثقات. وقال الشيخ الألباني: حديث حسن (انظر: صحيح الجامع الصغير ح2044) . 2 انظر: فضح التلمود ص22، قاموس الكتاب المقدس ص222، الكنز المرصود في قواعد التلمود ص47،48، دروس اللغة العبرية ص41-43.

(يهوذا هاناسئ) ، ولذلك فإن اليهود يسمون المشنة بـ (التوراة الشفوية) أو (الشريعة الشفاهية) وقد كتبت باللغة العبرية1. وتنقسم المشنا إلى ستة أقسام كالآتي: 1- كتاب (زراعيم) أي البذور أو الإنتاج الزراعي: ويحتوي على (11) فصلاً يتضمن القوانين الدينية الخاصة بالأرض والزراعة، ويبدأ بتحديد الصلوات المفروضة والبركات أو الأدعية. 2- كتاب (مُوعد) أي العيد، ويحتوي على (12) فصلاً يتضمن الأحكام الدينية والفرائض الخاصة بالسبت وبقية الأعياد والأيام المقدسة. 3- كتاب (ناشيمْ) أي النساء، ويحتوي على (7) فصول، فيه النظم والأحكام الخاصة بالنساء كالزواج والطلاق. 4- كتاب (نزيقين) أي الأضرار أو الجنايات، ويحتوي على (10) فصول، ويشتمل على جزء كبير من الشرائع المدنية والجنائية، بما في ذلك القصاص والعقوبات والتعويضات. 5- كتاب (قُدَّاشيم) أي المقدسات، ويحتوي على (11) فصلاً، وفيه الشرائع الخاصة بالقرابين وخدمة الهيكل.

_ 1 يمكن القول بأن (المشنا) عند اليهود بمثابة السنة النبوية عند المسلمين. - انظر: الفكر الديني اليهودي ص66-69، التلمود تاريخه وتعاليمه ص11-13. ويقول المؤرخ اليهودي شاهين مكاريوس في تعريف المشنة: المشنة خلاصة الشريعة الشفاهية، أي غير المكتوبة، أو مجموعة قوانين اليهود السياسية والحقوقية والمدنية والدينية، وهي عبارة عن الكلمة للشريعة الموسوية المكتوبة وتفسير لها، وأكثرها مبني على تقاليد قديمة وحديثة، حتى إن بعضهم يقول: إن هذه التقاليد وُجدت منذ خروج بني إسرائيل من مصر وتيههم في البرية، وأكثرها مكتوب بالعبرانية القديمة. - انظر: تاريخ الإسرائيليين ص111،112 بالحاشية.

6- كتاب (طهاروت) أي الطهارة، ويحتوي على (12) فصلاً، يتضمن الأحكام الخاصة بما هو طاهر وما هو نجس، وما هو حلال وما هو حرام من المأكولات والمشروبات وغيرها. وبذلك يكون المشنا مكوّناً من (63) فصلاً، وعندما أكمل الحاخام يهوذا هناسي تقييد المشنا في القرن الثاني الميلادي، فقد تركزت جهود أحبار اليهود على شرحه وتبسيط واستنباط الأحكام منه، ومن تلك الشروحات والحواشي الكثيرة على المشنا تكوّن القسم الثاني من التلمود وهو (الجمارا) . (2) - الجمارا (الجمارة) : ومعناه (التكملة) أو (الإكمال) . وهو عبارة عن مجموعة شروحات وتعليقات واستنباطات ومناقشات الأحبار على (المشنا) وأساطير وخرافات وأقوال مروية عن حاخامات اليهود من طائفة الربانيين في موضوعات شتى وعصور مختلفة منذ القرن الثالث الميلادي إلى نهاية القرن الخامس الميلادي. وقد كتبت باللغة الآرامية. والجمارا نوعان: جمارا بابل، وجمارا أورشليم، وهذا التقسيم يرجع إلى اختلاف مركز البحث العلمي والديني لليهود ومكان تمركز أحبارهم. فأما جمارا بابل:- فهو عبارة عن شروحات وحواشي أحبار اليهود على (المشنا) في بابل (العراق) - حيث استمر تجمع اليهود هناك كجالية أجنبية منذ السبي البابلي - من سنة 219 ق م. إلى سنة 500م. وأما جمارا أورشليم:- فهو عبارة عن شروحات وحواشي أحبار اليهود على (المشنا) في أورشليم (فلسطين) - ممن بقي هناك من فلول اليهود أو ممن جاؤا إليها متسللين - من سنة 219ق. م إلى سنة 759م. وبناءاً على ذلك فقد ظهر تلمودان هما:-

الأول: تلمود بابل: وهو مكوّن من (المشنا) و (جمارا بابل) ويسمى أيضاً بالتلمود الشرقي، وهو المتداول بين اليهود والمراد عند الإطلاق. الثاني: تلمود أورشليم: وهو مكوّن من (المشنا) و (جمارا أورشليم) . ويسمى أيضا بالتلمود الغربي. ويتميز التلمود البابلي عن الأورشليمي أنه يغطي بشرحه كل نص المشنا (الأقسام أو الكتب الستة) ، أما التلمود الأورشليمي فإنه ظل ناقصاً لا يشرح إلا بعض المشنا (الثلاثة كتب الأولى) ، كما أن أحبار اليهود في بابل كانوا يحظون بثقة أرسخ من ناحية التبحر في الفكر اليهودي مما كان يحظى به أحبار اليهود في فلسطين. لذلك فإن التلمود البابلي يتمتع بتقدير أعظم في أعين اليهود من التلمود الأورشليمي، وهو المتداول بين اليهود والمراد عند الإطلاق1. - طبعات التلمود: طبع التلمود طبعات كثيرة أهمها الطبعة الأولى الكاملة للتلمود البابلي بمدينة البندقية (فبنيسيا بإيطاليا) في اثنى عشر مجلداً من القطع الكبير من سنة 520م إلى سنة 1523م. وطبع كذلك تلمود أورشليم في مدينة البندقية سنة 1523-1524م في مجلد واحد ضخم2. ولما نشر التلمود في طبعته الأولى واطلع عليه النصارى أفزعهم ما فيه من السباب والشتائم ضد المسيح والنصارى وما فيه من العقائد الأخرى الخطيرة، فثاروا ضد اليهود واضطهدوهم، فقرر أحبار اليهود حينئذ تحريف التلمود بأن

_ 1 انظر فيما سبق: تاريخ الإسرائيليين ص111-116، الفكر الديني اليهودي ص66-93، فضح التلمود ص22-38، التلمود تاريخه وتعاليمه ص11-49. 2 انظر: التلمود تاريخه وتعاليمه ص27.

تترك مكان الألفاظ المسيئة لمشاعر النصارى على بياض أو تعوض بدائرة بشرط أن هذه التعاليم لا تعلّم إلا في مدارسهم فقط، لذلك جاءت الطبعات التالية للطبعة الأولى ناقصة وفيها تحريفات كثيرة، يقول محررو دائرة المعارف اليهودية العامة: إن أحد أهم الأسباب لعدم بقاء مخطوط كامل (لتلمود بابل) هو التعصب الديني المغالي للمسيحية في العصور الوسطى، الذي دفع الكثيرين إلى إشعال النيران - أحياناً - في العربات المحمّلة بالتلمود المطبوع أو المخطوط. اهـ1. ويجري في إسرائيل إعادة طبع النسخة العبرية الأصلية من تلمود بابل بإشراف الحاخام آدين شتاينز التز، وسيطبع منها - كما أعلن - ستة آلاف نسخة فقط، مما يدل على حرص القائمين على الدين اليهودي على المحافظة على سرية التلمود2. - منزلة التلمود عند اليهود: يعتقد جمهور اليهود أن التلمود كتاب مقدس، ويعتبرونه من مصادر التشريع اليهودي، وقد ذكرنا فيما سبق أن اليهود يسمون (المشنا) بالتوراة الشفوية وينسبونها إلى موسى عليه السلام. غير أن اليهود قد غلوا في تقديس التلمود أكثر من التوراة نفسها، فقد ورد في التلمود (أولئك الذين يكرسون أنفسهم لقراءة الكتاب المقدس (التوراة) يؤدون فضيلة لا ريب فيها لكنها ليست كبيرة، وأولئك الذين يدرسون المشنا يؤدون فضيلة سوف ينالون المكافأة

_ 1 نقلاً من (التلمود تاريخه وتعاليمه ص28) . 2 انظر: التوراة تاريخها وغاياتها ص82،83 سهيل ديب، بتصريف بسيط.

عليها، لكن أولئك الذين يأخذون على عاتقهم دراسة الجمارة يؤدون فضيلة سامية جداً) 1. وورد فيه أيضاً: (من احتقر أقوال الحاخات استحق الموت أكثر ممن احتقر أقوال التوراة، ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط، لأن أقوال علماء التلمود أفضل مما جاء في شريعة موسى) 2. لذلك وصف الله عز وجل اليهود بقوله: {اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهَاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 3. وبقوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّ كَثِيراً مّنَ الأحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها في سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُم بِعَذابٍ أَلِيمٍ} 4.

_ 1 انظر: فضح التلمود ص41. 2 للمزيد من تلك النصوص الدالة على قداسة التلمود عند اليهود راجع: الكنز المرصود في قواعد التلمود ص50-53 د. روهلينج، فضح التلمود ص41-42 برانايتس. 3 سورة التوبة، آية 31. 4 سورة التوبة، آية 34.

نقد التلمود

المطلب الخامس: نقد التلمود. أما عن نقد التلمود وبيان بطلانه وتزويره وإظهار زيف ادعائهم نسبته إلى موسى عليه الصلاة والسلام، فإننا سوف نوجز الحديث عنه، لأننا قد بينا فيما

سبق أن التوراة نفسها - الحالية - لا تربطها بموسى عليه الصلاة والسلام إلا علاقة ضعيفة جداً1. وتكفينا في بيان حقيقة التلمود شهادة المؤرخ اليهودي شاهين مكاريوس في تعريف التلمود، حيث قال: "والتلمود مجموعة تفاسير وشروح وأخبار وإضافات وأحكام وضعها حكماؤهم وربانييهم والمجتهدون منهم، وهو كبير الحجم يزيد عن عشرين مجلداً وضعت في عصور مختلفة وأحوال متباينة، وهو يتألف من المشنة والجمرة، وذلك أنه لما كثرت التقاليد وتشعبت أطرافها، وازداد عدد الكتاب والمجتهدين الناظرين في هذه الشريعة وكثرت الأحكام الصادرة من المجامع في الشؤون المختلفة، قام سمعان بن جاملئيل وتلامذته على تنسيق تلك التقاليد والنظر فيها، فجمعوا ما تيسر لهم جمعه منها، وعكفوا على غربلته وتبويبه، وظلّ العمل سائراً كذلك إلى أن أتمه يهوذا اهاناسي (أعني الرئيس) وتلامذته نحو سنة 316 ب. م، فجاء ستة أقسام تحتوي على 63 مبحثاً، فيها 524 فصلاً"2. كما يعترف شاهين مكاريوس اليهودي بوقوع التحريف حتى في التلمود المختلق، فقال: "وأما التلمود البابلي، فكان الفراغ الأول منه نحو أواخر القرن الخامس، ولم يمض زمن طويل حتى اعتور التلمود تحريف وأُدخل فيه تقاليد لم تكن هناك، وأضيف إليه تفاسير وشروح وفتاوى جديدة، وسبب ذلك أن التلمود لم يكن قد قيّد بعد في الكتب والدفاتر، فكان تحريفه سهلاً، ثم إن انتشار اليهود في أنحاء الأرض وكثرة المدارس والجمعيات اليهودية التي نشأت معهم أينما حلّوا، جعلت فرقاً في أحوالهم بحسب تباين تلك الأحوال، فكانت الأحكام الصادرة من هذه الجمعيات في المكان الواحد تباين في بعض

_ 1 انظر: الفكر الديني اليهودي ص66. 2 انظر: تاريخ الإسرائيليين ص113.

الأحايين أحكام جمعيات أخرى في مكان آخر، ولما كثر التحريف والزيادة قام أحد علمائهم المشهورين وعني بتأليف التلمود ثانية بمعونة تلامذته ومريديه وكتبته، وقضى ستين سنة في التحبير والتحرير والتنقيب والتهذيب، وجاء بعده غيره فسعى سعيه واقتفى خطواته، فتمّ بذلك هذا العمل وجاء كتاباً كبيراً كما تقدم الكلام، وهو بمثابة انسكلوبيذيا كبيرة"1. ويؤكد لنا ذلك المهتدي السموآل بن يحيى المغربي (المتوفى سنة 570هـ) - وكان من أحبار اليهود فأسلم - في كتابه (إفحام اليهود) في بيانه لحقيقة التلمود بقوله: ((وكانت اليهود في قديم الزمان تُسمي فقهاءها بالحكماء، وهم الذين يدعون (الحاخاميم) ، وكانت لهم في الشام والمدائن مدارس، وكان لهم ألوف من الفقهاء، وذلك في زمان دولة النبط البابليين، والفرس، ودولة اليونان، ودولة الروم، حتى اجتمع الكتابان اللذان اجتمع فقهاؤهم على تأليفهما، وهما (المِشْنا، والتلمود) . فأما المِشْنا، فهو الكتاب الأصغر، وحجمه نحو ثمانمائة ورقة. وأما التلمود، فهو الكتاب الأكبر، ومبلغه نحو نصف حمل بَغْلٍ لكثرته، ولم يكن الفقهاء الذين ألّفوه، في عصر واحد، وإنما ألّفوه في جيل بعد جيل. فلما نظر المتأخرون منهم إلى هذا التأليف، وأنه كلما مرّ عليه جيل زادوا فيه، وأن في هذه الزيادات المتأخرة ما يناقض أوائل هذا التأليف، علموا أنهم إذا لم يقطعوا ذلك ويمنعوا من الزيادة فيه، أدى إلى الخلل الظاهر والمتناقض الفاحش، فقطعوا الزيادة فيه، ومنعوا من ذلك، وحظروا على الفقهاء الزيادة فيه، وإضافة شيء آخر إليه، وحرّموا من يضيف إليه شيئاً آخر، فوقف على ذلك المقدار"2.

_ 1 انظر: تاريخ الإسرائيليين ص113-114. 2 انظر: إفحام اليهود ص161-162.

ثم قال أيضاً: "ثم إن اليهود فرقتان: إحداها: عرفت أن أولئك السلف الذين ألّفوا (المشنا) و (التلمود) وهم فقهاء اليهود، قوم كذّابون على الله تعالى وعلى موسى النبي (عليه السلام) ، أصحاب حماقات ورقاعات هائلة!! من ذلك، أن أكثر مسائل فقههم ومذهبهم يختلفون فيها، ويزعمون أن الفقهاء كانوا إذا اختلفوا في كل واحدة من هذه المسائل، يوحي الله إليه بصوت يسمعه جمهورهم، يقول: (الحق في هذه المسألة مع الفقيه فلان) ، وهم يسمون هذا الصوت (بث قول) " 1. أما عن تلمود أورشليم، فيقول محرر دائرة المعارف اليهودية العامة: "النص الحالي لتلمود فلسطين في حالة فاسدة جداً، والنساخ الذين نقلوه لم يترددوا في تصحيحه كلما وجدوا أن المعنى بعيد عن إدراكهم، وقد تكرّر وقوع ذلك كثيراً بسبب أسلوب التلمود البليغ، وبسبب لغة النص غير المألوفة. ومشكلة النص هذه أدت إلى زيادة هذه الأخطاء، التي يقع فيها النساخ، مثل وقوع التباس بين حروف متشابهة، وحذف حروف، وترك سطور، وإساءة فهم الرموز"2. وتلمود فلسطين مكتوب بالعبرية أو الآرامية الغربية، ويشمل على ما يقرب من 750.000 كلمة، 15 بالمائة منها هاجّادا Haggadah، أي القصص والحكايات اليهودية، وهذه القصص الخرافية هي أساس الإسرائيليات3.

_ 1 انظر: إفحام اليهود ص171. 2 انظر: التلمود تاريخه وتعاليمه ص25. 3 انظر: المرجع السابق.

ومما يدلنا أيضاً على زيف التلمود وتزويره، اختلاف اليهود فيما بينهم على قداسته، بل إنكار طوائف كثيرة منهم قديماً وحديثاً لكتاب التلمود، ومن تلك الطوائف والفرق اليهودية. - فرقة القرائين1، حيث يقول شاهين مكاريوس عنهم: "وفي القرن الثامن بعد الميلاد قام أحد العلماء في بغداد وتبعه فرقة رفضت التلمود، واكتفت بما في التوراة بغير تفسير، وهذه الفرقة تسمى اليهود القرائين"2. - ومنها فرقة السامريين، ويقول عنهم شاهين مكاريوس: "والسامرة يتمسكون بالتوراة ويرفضون التقليد (يعني التلمود) ، وقد بقي منهم إلى عصرنا الحاضر نحو ثلاثمائة، وهم في نابلس"3. - ومنها فرقة الصدوقيين، وعنهم يقول شاهين: "هم أشراف اليهود ورجال الكهنوت منهم، واتخذوا لقبهم من اسم زعيمهم صدوق الكاهن الذي عاش في القرن الثالث الميلادي، وقد كان الفريسيون4 غير راضين عنه لاعتقادهم أن أفكاره مضادة للتوراة، وكان له زميل اسمه (بينوس) قام بفرق أخرى، وعلّم بالاكتفاء بما في التوراة وعدم الالتفات إلى التلمود"5.

_ 1 القراؤون (العنانية) : نسبة إلى عِنان بن داود، ويخالفون سائر اليهود في أحكام السبت والأعياد، وكانوا يقيمون في مصر والشام وتركيا وغيرها، ويتركزون حالياً حول الرملة. - انظر: تاريخ الإسرائيليين ص119، الفكر الديني اليهودي ص247. 2 انظر: تاريخ الإسرائيليين ص114. 3 انظر: تاريخ الإسرائيليين ص122. 4 الفريسيون: الذين امتازوا عن العامة، وهم طائفة علماء الشريعة من الربانيين قديماً والمتشددين منهم والمتمسكين بالتلمود. - انظر: تاريخ الإسرائيليين ص117، الفكر الديني اليهودي ص210-212. 5 انظر: تاريخ الإسرائيليين ص119،120، الفكر الديني اليهودي ص214-216.

- ومنها فرقة الأصبهانيين (العيسويين) 1، وفرقة البنيامينيين2، وغيرهم3. وأما عن متن التلمود ومحتوياته، فتكفينا الإشارة أيضاً إلى بعض مبادئ التلمود وتعاليمه الباطلة التي يتبين منها أن التلمود ليس وحياً من عند الله عز وجل؛ لأن الله تبارك وتعالى يأمر بالعدل والإحسان، ولا يأمر بالفحشاء والمنكر والبغي. - بعض مبادئ التلمود وتعاليمه الفاسدة: 1- الاستهزاء بالله - عز وجل - ووصفه بالنقائص وصفات العيب والتجسيم والعنصرية. 2- شتم المسيح عليه الصلاة والسلام وسبّه وأمّه مريم عليها السلام بأقبح السباب وأقذع الشتائم وأشنع الأوصاف. 3- استعلاء الشعب اليهودي وتفوقه وبأنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الدنيا خلقت لهم. 4- أن من عدا اليهود من البشر حيوانات خلقهم الله في صورة البشر لأجل خدمة اليهود ويسمونهم بـ (الجوييم) أو (الأمميين) .

_ 1 الأصبهانية (العيسوية) : أتباع إسحاق بن عوبديا، المعروف بأبي عيسى الأصفهاني، وكان في زمن المنصور العباسي (750-754م) ، وكان ينكر التلمود، وأدخل تعليمات كثيرة على الأحكام اليهودية. - انظر: الملل والنحل 1/215، الفكر اليهودي الديني ص115،244. 2 البنيامينية: أتباع بنيامين بن موسى النهاوندي الفارسي (830-860م) ، وهي فرقة متشعبة من طائفة القرائين (العنانيين) ويخالفونهم في بعض المسائل والأحكام، وينكرون التلمود. - انظر: الملل والنحل 1/217، إفحام اليهود ص171. 3 انظر: الملل والنحل 1/215، الفكر الديني اليهود ص115،244.

الحقد والكراهية لجميع الأميين. 5- إباحة الربا الفاحش مع غير اليهود بل استحبابه والحث عليه. 6- جواز التعامل بالغش والخداع مع الأمميين (غير اليهود) والحث على إلحاق الأذى بهم والسرقة منهم وغير ذلك من القبائح والمفاسد التي يجوز فعلها مع الأمميين ولا يجوز فعلها مع اليهود. 7- لا ينبغي لليهودي أن يرد الأشياء التي يفقدها الأجانب (غير اليهود) ، ولا يجوز للطبيب اليهودي أن يعالج الأجانب إلا بقصد الحصول على المال أو للتمرن على المهنة. 8- من يتجرأ على الاعتداء على اليهودي فإن مصيره القتل، وأي يهودي يشهد ضد يهودي آخر أمام أجنبي ولصالحه فإنه يلعن ويسب فيه علانية أمام اليهود. 9- ينتظرون مسيحاً مخلصاً في آخر الزمان من نسل داود يقيم مملكة اليهود ويعز دينهم ويذل ويبيد أعداءهم. 10- لا قيمة للعهود والمواثيق والأيمان عند اليهودي مع الأجنبي (الأممي) ، ولليهودي أن يتحرر منها متى شاء. 11- لا قيمة لأعراض غير اليهود، فلليهود الحق في اغتصاب النساء غير اليهوديات، وليس للمرأة اليهودية أن تبدي أية شكوى إذا زنا زوجها بأجنبية (غير يهودية) ، كما أن اللواط بالزوجة جائز لليهودي. 12- أن السلطة في الأرض لليهود، وعليهم أن يبذلوا جهدهم في سبيل ذلك بشتى الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة. 13- طرق استخدام السحر وتعاليمه1.

_ 1 للتوسع في دراسة التلمود وتعاليمه وفضائحه، راجع ما يأتي: - الكنز المرصود في قواعد التلمود -الدكتور روهلينج، فضح التلمود -للقسيس أي. بي. برانايتس، التلمود -د. جوزيف باركلي، التلمود تاريخه وتعاليمه -ظفر الإسلام خان، كنوز التلمود - ترجمة محمد خليفة التونسي؛ الفكر الديني اليهودي -د. حسن ظاظا. وسوف يأتي تفصيل هذه المبادئ والتعاليم الباطلة في التلمود وذكر الشواهد عليها في الفصل الثاني - إن شاء الله تعالى -.

تلك بعض تعليمات التلمود الخطيرة على الإسلام والناس جميعاً، لذلك قال د. باركلي: "بعض أقوال التلمود مغال، وبعضها كريه، وبعضها الآخر كفر، ولكنها تشكل في صورتها المخلوطة أثراً غير عادي للجهد الإنساني وللعقل الإنساني وللحماقة الإنسانية"1.

_ 1 نقلاً من التلمود تاريخه ص91 ظفر الإسلام.

أثر الأسفار المقدسة في انحراف اليهود

أثر الأسفار المقدسة في انحراف اليهود إنحراف بالإيمان بالله عز وجل ... المبحث الثالث: أثر الأسفار المقدسة في انحراف اليهود إن تحريف الأسفار المقدسة وتزويرها والادعاء بأنها من عند الله عز وجل أمر خطير، ينتج عنه انحراف في العقيدة والشريعة والأخلاق، لأن تلك الأسفار هي المصدر لكل ذلك، وهذا ما حدث لليهود - لعنهم الله - حينما تجرأ بعض أحبارهم وخبثائهم في ارتكاب جريمة تحريف التوراة وأسفار أنبياء بني إسرائيل، وتزوير التلمود والكتب، والادعاء بأنها من وحي الله عز وجل، فقد نتج عنه انحراف أتباع التوراة والديانة اليهودية في عقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم، وسوف نستعرض من خلال القرآن الكريم - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - ومن خلال الأسفار المقدسة عند اليهود بعض انحرافاتهم وضلالاتهم. المطلب الأول: انحرافهم في الإيمان بالله عز وجل: 1 - زعموا أن (عزير) ابن الله، وردّ الله عليهم بقوله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ} 1. 2 - تشبيه الله عز وجل بصفات خلقه: ورد في التوراة المحرفة أن بني إسرائيل رأوا إله إسرائيل وتحت رجليه حجر من العقيق الأزرق2.

_ 1 سورة التوبة، آية 30. 2 انظر: سفر الخروج 24/10.

وفي سفر دانيال 7/9،10 أن إلههم في صورة آدمي وأنه شيخ، أبيض الرأس واللحية - نعوذ بالله من هذا الكفر - وقد قال الله عز وجل عن نفسه تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1. 3 - وصف الله عز وجل بصفات العيب والنقائص: ورد في أسفار التوراة المحرفة أن الله تعالى تعب لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام واحتاج إلى الراحة "فأكملت السماوات والأرض وكل جندها وفرغ الرب في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل" 2، فردّ الله عليهم بقوله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتةِ أَيّامٍ وَمَا مَسّنَا مِن لّغُوبٍ} 3. - وزعموا أن يد الله مغلولة فرد عليهم الله عز وجل بقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ ... } 4. - وزعموا أن إلههم يندم ويحزن5، وينسى ويتذكر6، ويجهل كل ذلك في توراتهم المحرفة والعياذ بالله. - ورد في تلمودهم أن إلههم يلعب مع الحوت الذي خلقه، ويبكي حتى تسقط دموعه حزناً على ما فعله بأبنائه اليهود، وأنه يكفر عن ذنوبه وأيمانه7 - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -. 4- يصفون إلههم بالعنصرية وأنه إله بني إسرائيل فقط8.

_ 1 سورة الشورى، آية 11. 2 انظر: سفر التكوين 2/1-3. 3 سورة ق، آية 38. 4 سورة المائدة، آية 64. 5 انظر: سفر التكوين 6/5-8. 6 انظر: سفر الخروج 2/24، 6/5. 7 انظر: الكنز المرصود في قواعد التلمود ص55-57. 8 انظر: سفر العدد 16/9.

انحرافهم في الإيمان بالنبوة والأنبياء

المطلب الثاني: انحرافهم في الإيمان بالنبوة والأنبياء 1- إضطراب مفهوم النبوة في أسفارهم المحرفة وغموضه، فلفظة (النبي) تطلق في أسفارهم على النبي الصادق المرسل من الله1، وعلى النبي الكاذب2، وعلى كهنة الهيكل3، وعلى العالِمْ الحبْر4، وعلى الساحر والمنجم5، وعلى كهنة الآلهة الوثنية6. 2- اختلاط مفهوم النبوة والوحي عندهم بالكهانة والتنجيم والسحر والرؤيا والخيالات. 3- يجعلون بعض النساء أنبياء، كمريم أخت موسى وخلدة ورفقة وغيرهن7. 4- يتهمون بعض أنبيائهم بارتكاب الكبائر من الذنوب كالزنا والقتل والشرك بالله وقد تقدمت الشواهد على ذلك8. 5- يكفرون ببعض الأنبياء ويقتلون البعض الآخر، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ الْكِتَابَ وَقَفّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىَ أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} 9.

_ 1 انظر: سفر التكوين 20/7. 2 انظر: سفر أرميا 5/31. 3 انظر: سفر الأيام الأول 25/1. 4 انظر: سفر أشعيا 9/14. 5 انظر: سفر حزقيال 13/19. 6 انظر: سفر الملوك الأول 18/19، والملوك الثاني 3/10-13. 7 انظر: سفر الخروج 15/20، وسفر القضاة 4/4. 8 انظر: ص56. 9 سورة البقرة، آية 87.

6- إنكارهم نبوة ورسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم يعرفون نبوته وصدقه كما يعرفون أبناءهم. قال تعالى: {الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقاً مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1.

_ 1 سورة البقرة، آية 146.

انحرافهم في الإيمان بالتوراة وكتب الله المنزلة في أنبيائه الكرام

انحرافهم في الإيمان بالتوراة وكتب الله المنزلة في أنبيائه الكرام ... المطلب الثالث: انحرافهم في الإيمان بالتوراة وكتب الله المنزلة على أنبيائه الكرام. حينما تجرأ اليهود على تحريف التوراة وغيرها من الكتب السماوية فقدت قدسيتها في نفوسهم واستهانوا بها وأصبحوا كما قال عز وجل عنهم: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ الله المَسِيحَ ابنَ مَرْيَم وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُون} الآية1. وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لم يحَمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يحَمِلُ أَسْفاراً بِئسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ الله والله لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالمِينَ} 2. وكانوا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فاتبعوه وتركوا التوراة" 3.

_ 1 سورة التوبة، آية 31. 2 سورة الجمعة، آية 5. 3 تقدم تخريجه في ص62.

انحرافهم في الإيمان بالملائكة

المطلب الرابع: انحرافهم في الإيمان بالملائكة. يحقدون على الملائكة ويزعمون أن جبريل وميكائيل من أعدائهم قال الله عز وجل: {مَن كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنّ اللهَ عَدُوّ لّلْكَافِرِينَ} 1. قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري - رحمه الله: "أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدوٌ لهم وأن ميكائيل ولي لهم"2. وعن أنس رضي الله عنه "أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني أسألك عن أشياء لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أخبرني به جبريل آنفاً". قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة. قال: ... الحديث" 3.

_ 1 سورة البقرة، آية 98. 2 انظر: تفسير الطبري 1/431، وتفسير ابن كثير 1/133. 3 أخرجه البخاري (انظر: فتح الباري 7/272) .

انحارفهم في الإيمان باليوم الآخر

انحارفهم في الإيمان باليوم الآخر ... المطلب الخامس: انحرافهم في الإيمان باليوم الآخر. 1- تنكر بعض فرق اليهود كالصدوقيين قيام الأموات وتعتقد أن العقاب والثواب يحصلان في الدنيا، وبعض فرقهم تعتقد أن اليوم الآخر هو ظهور المسيح المنتظر وإقامة مملكة اليهود العالمية في الدنيا1.

_ 1 انظر: قصة الحضارة 2/345، 346 وِلْ ديورانت، بتصرف.

2- من يؤمن من اليهود باليوم الآخر فإن إيمانه لا يخلو من انحراف كما أخبرنا القرآن الكريم فقال عز وجل: {وَقَالُواْ لَن تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مّعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ بَلَىَ مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيَئَتُهُ فَأُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أُولََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لما فُتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاةٌ فيها سُم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود"، فجمعوا له، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أسألكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه"؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أبوكم"؟ قالوا: أبونا فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبتم، بل أبوكم فلان". فقالوا: صدقت وبررت، فقال: "هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه"؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أهل النار"؟ فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبداً"، ثم قال لهم: "هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه"؟ قالوا: نعم. فقال: "هل جعلتم في هذه الشاة سُمّاً؟ فقالوا: نعم. فقال: "ما حملكم على ذلك"؟ فقالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك2.

_ 1 سورة البقرة، آية 80-82. 2 أخرجه البخاري: (انظر: فتح الباري 10/244،245) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن اليهود كانوا يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً في النار، وإنما سبعة أيام فنزلت: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَة ... } الآية1. ويرى الحاخامات أن الجحيم له أبواب ثلاثة، باب في البرية، وباب في البحر، وباب في أورشليم. ومن تعاليم التلمود أيضاً أن نار جهنم لا سلطان لها على مذنبي بني إسرائيل، ولا سلطان لها على تلامذة الحكماء (الحاخامات) 2. 3- تحريفهم التوراة وغيرها من كتب الله المنزلة على أنبيائه في إخفاء وحذف نصوص إثبات اليوم الآخر فيها، فإن أسفارهم المقدسة لديهم تكاد تكون خالية منها. وقال تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تِلْكَ أَمَانِيّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 3. 4- أما تلمودهم فتبدو العنصرية واضحة في أن الجنة لليهود فقط دون غيرهم وأن حاخاماتهم يدخلونها4. 5 - أما مسألة الجنة، فقد قال أحد الحاخامات: الجنة ليست مثل هذه الأرض، لأنه لا أكل فيها ولا شرف ولا زوج ولا تناسل ولا تجارة ولا حقد ولا ضغينة ولا حسد بين النفوس، بل الصالح سوف يجلس وعلى رأسه تاج وسيتمتع برونق السكينة5.

_ 1 قال الحافظ ابن حجر: سنده حسن، انظر: فتح الباري 10/246. 2 انظر: التلمود ص30 د. جوزيف باركلي، نقلاً من التلمود تاريخه ومعالمه ص79 ظفر الإسلام خان. 3 سورة البقرة، آية 111. 4 انظر: الكنز المرصود ص68،69. 5 التلمود تاريخه وتعاليمه ص78 ظفر الإسلام.

ويتناقض هذا مع ما ورد في التلمود أيضاً1: أن مأكل المؤمنين في النعيم هو لحم زوجة الحوت المملحة التي قتلها إلههم، ويقدم لهم أيضاً على المائدة لحم ثور بري كبير جداً، كان يتغذى بالعشب الذي ينبت في مائة جبل، ويأكلون أيضاً لحم طير كبير لذي الطعم جداً، ولحم إوز سمين للغاية، أما الشراب فهو من النبيذ اللذيذ القديم المعصور ثاني يوم خليقة العالم2.

انحرافهم في نظرتهم للبشر (الإنسان)

المطلب السادس: انحرافهم في نظرتهم للبشر (الإنسان) . ينقسم الناس في نظر اليهود إلى قسمين لا ثالث لهما: 1- القسم الأول: الطبقة الممتازة وهم اليهود الذين يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم خلقوا من روح الله، وقد ردّ الله عليهم ادعاءهم ذلك بقوله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ ... } 1. - وقد ورد في التلمود أن أرواح اليهود جزء من الله كما أن الابن جزء من والده، وأن أرواحهم عزيزة عند الله بالنسبة لباقي الأرواح، لأن أرواح غير اليهود هي أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات2. 2- القسم الثاني: وهم من عدا اليهود من الناس فهم في نظر اليهود حيوانات خلقهم الله لخدمة اليهود، وصبغهم الله بالصبغة البشرية ليسهل لليهود التعامل معهم وأنه لا قيمة لأرواح غير اليهود أو أعراضهم أو ممتلكاتهم ولا

_ 1 سورة المائدة، آية 18. 2 انظر: الكنز المرصود في قواعد التلمود ص66-73.

حرمة لها1. قال تعالى: { ... ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الاُمّيّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 2، و (الأميين) هم من عدا اليهود3. لذلك يعتقد اليهود أن سرقة الأممي (غير اليهودي) تعتبر واجبة وكذلك غشه وخيانته وهتك عرضه والتعامل معه بالربا الفاحش وقتله إن أمكن وفعل كل سوء له، ولا قيمة للعهود والمواثيق التي يعقدها اليهود مع غيرهم ما لم يكن لليهود مصلحة في ذلك4. - فورد في التلمود أنه "مسموح غش الأمي، وأخذ ماله بواسطة الربا الفاحش لكن إذا بعت أو اشتريت من أخيك اليهودي شيئاً فلا تخدعه ولا تغشه". - وفي التلمود "إن الله لا يغفر ذنباً ليهودي يرد للأمي ماله المفقود، وغير جائز رد الأشياء المفقودة من الأجانب". - وفي التلمود "اقتل الصالح من غير الإسرائيليين، ويحرم على اليهودي أن ينجي أحداً من باقي الأمم من هلاك، أو يخرجه من حفرة يقع فيها، لأنه بذلك يكون حفظ حياة أحد الوثنيين". - وقال الحاخام ميموند: إن لليهود الحق في اغتصاب النساء الغير مؤمنات، أي الغير يهوديات5.

_ 1 انظر: المرجع السابق ص73-77. 2 سورة آل عمران، آية 75. 3 قال الإمام ابن كثير: أي إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون: ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين، وهم العرب، فإن الله قد أحلها لنا. انظر: تفسير ابن كثير 1/382. 4 انظر: الكنز المرصود ص81-90. 5 انظر للاستزادة: الكنز المرصود في قواعد التلمود ص66-73، 80-100، فضح التلمود ص125-149.

انحرافهم في نظرتهم للكون

المطلب السابع: انحرافهم في نظرتهم للكون. يعتقد اليهود - ما داموا أنهم أبناء الله وأحباؤه - أن هذا الكون وما فيه خلق لهم ولأجلهم فعلى اليهود امتلاكه وتسخيره لمصالحهم، وكل ما ليس ملكاً لهم أو تحت أيديهم فهو حق مغتصب منهم عليهم استعادته بشتى الوسائل والطرق. فقد ورد في التلمود أن الحاخام ألبو قال: سلط الله اليهود على أموال باقي الأمم ودمائهم. وقال الحاخام ممياند مفسراً لما جاء في التوراة (لا تسرق) : إن السرقة غير جائزة من الإنسان أي من اليهود، أما الخارجون عن دين اليهود فسرقتهم جائزة1.

_ 1 انظر: للإستزادة الكنز المرصود ص66، 78-90.

انحرافهم في الإيمان بالمسيح المنتظر

المطلب الثامن: انحرافهم في الإيمان بالمسيح المنتظر. من أركان الاعتقاد اليهودي الإيمان بمجيء المسيح المنتظر من سلالة آل داود الذي سيخلصهم من الذل ويحكم العالم ويقيم مملكة اليهود العالمية، وحقيقة المسيح الذي ينتظره اليهود أنه المسيح الدجال الأعور كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة 1 " 2. فاليهود لعنهم الله هم جنود الدجال وأعوانه في آخر الزمان وأنه سيخرج فيهم.

_ 1 الطيالسة: جمع طيلسان، والطيلسان، أعجمي معرب، قال في معيار اللغة: ثوب يلبس على الكتف، يحيط بالبدن ينسج للبس، خال من التفصيل والخياطة. 2 أخرجه مسلم 4/2266 عن أنس رضي الله عنه.

انحرافهم في عبادتهم وشعائرهم

المطلب التاسع: انحرافهم في عبادتهم وشعائرهم. تقدم ذكر بعض انحرافاتهم في تشريعاتهم، في نظرتهم إلى البشر والتعامل معهم بالغش والخداع والكذب، كما أن حاخاماتهم وأحبارهم يحلّون لأتباعهم ما حرّم الله ويحرمون ما أحل الله عز وجل، قال تعالى: {اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللهِ ... } 1. يقول د. حسن ظاظا - أستاذ اللغة العبرية -2: "وحتى الطقوس والعبادات اليهودية تطورت جنباً إلى جنب مع تطور العقائد، ولسنا نريد أن نقول في هذا الموضوع الحساس برأينا، بل نقتطف اللباب من المقدمة التي كتبها أحد علماء الشريعة اليهودية المصريين، وهو الدكتور هلال يعقوب فارحي لترجمته لمجموع نصوص الصلوات اليهودية الذي سماه (سِدُّور فارحي) - ثم ينقل منه د. حسن ظاظا مقتطفات مطولة نذكر منها: "أما زمن وضع الصلاة المستعملة في وقتنا الحاضر فيختلف حسب أقسامها. إنما القسم الأساسي والأهم فيها وهو الشِمَاع والشِمُونه عِسْرِهِ، ينسب إلى عزرا ومائة وعشرين رجلاً من الشيوخ والعلماء، والأنبياء، ومن ضمنهم النبي دانيال وحجي وزكريا وملاخي3. فإن عزرا بعد خراب الهيكل الأول وإبطال الذبائح والتقدمات رأى وجوب وضع صلوات هؤلاء الرجال المعروفين برجال الكنيسة الكبرى ووضعوا القسم الأساسي من الصلاة المذكور آنفاً. وهو المنبع عند كافة الإسرائيليين، ولم يتغير أساساً إلى الآن إلا في بعض تغييرات لفظية، وإضافة بعض فصول وأناشيد منتخبة من التوراة والمشنا

_ 1 سورة التوبة، آية 31. 2 انظر: الفكر الديني اليهودي ص141-190. 3 بركات (2/4) .

والتلمود، وأغاني روحية مثل (أدُونْ عولام) 1. وما أشبه لسلمون جابيرول ورِبِّي يهوذا الليفي، وإبراهيم وموسى عزرا2، لتلائم الأوقات والمواسم، أضيفت مؤخراً لغاية الجيل السادس عشر" 3. ثم يعلّق د. حسن ظاظا على ما نقله من المقتطفات السابقة، فيقول: وإذ قد تبين لنا من شرح الدكتور هلال فارحي هذا أن أساس التدين اليهودي نفسه، وهو الصلاة الموسوية الموصوفة في كتب الشريعة اليهودية، لا تمت إلى ما كان من طقوس الصلاة الموسوية، فإننا نريد أن نشير أيضاً إلى أن الأعياد الدينية الإسرائيلية ضعيفة الصلة هي كذلك بموسى وشريعته، بل إن كثيراً منها يرجع إلى مناسبات وذكريات تاريخها متأخر عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام بكثير4. ومن تلك الأعياد اليهودية المحدثة: عيد البوريم أو عيد النصيب، ويسميه الكتاب العرب (عيد المسخرة أو عيد المساخر) ، والسبب في ذلك ما جرت به بعض التقاليد اليهودية الشعبية في هذا العيد من إسراف في شرب الخمر، ولبس الأقنعة والملابس التنكرية على طريقة المهرجان (الكرنفال) . وهذا العيد أيضاً لا يمت بصلة إلى رسول الله موسى عليه الصلاة والسلام، ولا إلى شريعته، بل هو احتفال تذكاري متصل بملابسات ممهدة للعودة من السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد، بناء على وعد صدر من ملك الفرس إلى ممثلي الجالية اليهودية بالعراق، وهو احتفال أشد التصاقاً بالسياسة منه بالدين.

_ 1 معناها (رب العالم) . 2 كل أولئك من أدباء اليهود وشعرائهم في الأندلس الإسلامية في العصور الوسطى. 3 انظر: الفكر الديني اليهودي ص145. 4 المرجع السابق ص151.

وبالرغم من وضوح مناسبة هذا العيد من الناحية السياسية والتأريخية، فإن التلمود يزعم أنه كان معروفاً محتفلاً به منذ أيام يوشع بن نون لأسباب مماثلة - كما يقول - للأحداث التي وقعت لليهود وفي السبي البابلي1. وبعد أن يذكر د. حسن ظاظا عدداً من الأعياد اليهودية وتأريخها وبعض طقوسها يخلص إلى النتيجة الآتية حيث يقول: مما سبق يتبين أن أعياد اليهود معظمها لا يرجع إلى عهد موسى، بل هو أحدث من ذلك بكثير، وربما كانت أعياد الحج ترجع إلى أشياء تماثلها في الشريعة الموسوية القديمة، وأعياد الحج عندهم هي الفصح والحصاد والظلل2. ومن انحرافاتهم في الشريعة أيضاً مزاولتهم للسحر، حيث يزاول أحبارهم ورؤساؤهم أعمال السحر والدجل مما هو مدون في كتابهم (الكابالا) أحد كتبهم السرية التلمودية، وقد عُرف اليهود بمزاولة السحر والشعوذة قديماً وحديثاً. قال تعالى: {وَاتّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشّيَاطِينُ عَلَىَ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلََكِنّ الشّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِن أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إنَّما نحن فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُر فَيَتَعَلَّمونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقونَ بِهِ بَين المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُم بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بإِذْنِ الله وَيَتَعَلَّمونَ مَا يَضُرُّهُم ولا يَنْفَعُهُم وَلَقَدْ عَلِمُوا لمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ في الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُم لَو كَانُوا يَعْلَمُون} 3، وفي السنة النبوية أن لبيد بن الأعصم اليهودي - لعنه الله - قد سحر النبي صلى الله عليه وسلم في

_ 1 الفكر الديني اليهودي ص172-173. 2 المرجع السابق ص190. 3 سورة البقرة، آية 102.

مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، وشفاه الله عز وجل من السحر بالمعوذتين1. والتلمود يمتلئ بطقوس السحر والشعوذة والعرافة، فيقول الحاخام راوهنا: كل منا يوجد عن شماله ألف (من العفاريت) ، ويوجد عن يمينه عشرة آلاف. وقال ربَّا: إن الازدحام أثناء الموعظة بالكنيس بسببهم (العفاريت) ، واستهلاك ملابس الحاخام (الإبلاء) بسبب احتكاكهم بها، والأقدام المكسورة بسببهم. ثم يصف الحاخام بعض الطرق السحرية لمن أراد مشاهدة العفاريت2. ولا يزال اليهود يمارسون السحر إلى يومنا هذا، بل تتميز ظاهرة الشعوذة لدى الإسرائيليين أن الأشخاص الذين يمارسونها في الأساس هم رجال دين من الحاخامات، أما جمهورهم فهو من مختلف قطاعات الشعب وعلى جميع المستويات، ويشتهر في إسرائيل حالياً عدد كبير من الحاخامات الذين يمارسون السحر، حيث يحتاج المرء لتحديد موعد مع أحد هؤلاء الحاخامات إلى وقت طويل، وتشاهد أحياناً طوابير من الناس أمام مقراتهم بانتظار دور للدخول، ويعتبر الحاخام (إسحاق كادوري) واحداً من أشهر هؤلاء الحاخامات الذي بالإضافة إلى كون قائمة زبائنه طويلة جداً فإنها تتضمن نخبة من ألمع الأسماء في الحياة السياسية والعسكرية والإجتماعية عامة في إسرائيل ومن بينهم رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، ووزير الداخلية السابق آربيه درعي، ووزير الإسكان بنيامين اليعازر وغيرهم3.

_ 1 أخرجه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها (انظر: فتح الباري 10/221) . 2 انظر: التلمود تاريخه وتعاليمه ص76 ظفر الإسلام. 3 نقلاً من مقال (إلياس نصر الله) في مجلة الشرق الأوسط العدد (464) بتاريخ 17-23 مايو 1995م بتصرف بسيط وإختصار.

ومن تعاليمهم السرية في كتبهم تقديم ذبيحة أو أضحية بشرية في أعيادهم حيث يخلط الدم البشري المستنزف بطريقة بشعة مع عجين الفطير الذي يؤكل في عيد الفصح1، وذلك من أشنع وأفظع ما يرتكبه أحبارهم باسم الدين، وقد افتضح اليهود في عدد من حوادث الإختطاف والقتل لذلك الغرض البشع المشين2. تلك إشارات موجزة ولمحات خاطفة عن بعض انحرافات اليهود وأفكارهم الخبيثة وعقائدهم الفاسدة التي نتجت عن التوراة المحرفة وما يتبعها من أسفارهم الأخرى المبدّلة ومن إيمانهم بالتلمود المكذوب ومن إتباعهم لأحبارهم وحاخاماتهم فيما يأمرونهم به من التحليل والتحريم، فاليهودية ديانة كهنوتية بمعنى أن الحاخامات والكهنة هم الذين يضعون لليهود شرائعهم كشأن الديانة النصرانية، ومن هنا جاء تقديس الحاخامات ورجال الدين اليهودي واعتقاد عصمتهم، ومجمع أحبارهم يسمى (السنهدرين) ويسمى الآن (الكهيلا) له دور كبير في حياة اليهود الدينية والاجتماعية والسياسية. ومن ذلك المجمع الكهنوتي لحاخامات اليهود المتمسكين بتعاليم التوراة المحرفة والتلمود الخبيث انبثقت أخطر وأخبث خطة عرفها العقل البشري

_ 1 عيد الفصح: اسم عبري معناه (عبور) ، ويعرف أيضاً باسم (عيد الفطير) ، ويبدأ العيد مساء الرابع عشر من شهر ابيب (المعروف بعد السبي بشهر نيسان) ، وهو من أعظم أعياد اليهود وأجلّها، حيث يعيدون ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر ونجاتهم من فرعون، ويأكلون فطيراً غير مختمر وجدياً مشوياً وأعشاب مُرّة. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص678،679. 2 انظر في ذلك قصة حادثة قتل الأب توما وخادمه في سوريا وغيرها من قصص الذبائح البشرية عند اليهود في المراجع الآتية: دم لفطير صهيون - نجيب الكيلاني، وخطر اليهودية العالمية - عبد الله التل، وأضواء على اليهود - مصطفى السعدني، وكتاب شارل لوران في حادثة قتل الأب توما وخادمه (ملحق بالكنز المرصود) ورسالة (إظهار سِرِّ الدم المكنون) للحاخام ناوفيطوس.

للاستيلاء على العالم والتحكم فيه وإفساد الدين والأخلاق وهو ما يعرف بـ (برتوكولات حكماء صهيون) وعنها انبثقت المؤسسات والمنظمات والنوادي اليهودية الصهيونية السرية التي عاثت في الأرض فساداً كالماسونية، والروتاري، واللّيونزكِلَبْ (نوادي الأسود) ، وجمعية بنايْ بِرْث (أبناء العهد) وغيرها مما تتنوع فيها الأسماء ولكن يبقى المضمون والهدف واحد وهو خدمة الأهداف الصهيونية اليهودية الرئيسة وهي على ثلاث مراحل: الأولى: تجميع اليهود وإقامة دولة ووطن لهم في فلسطين، وقد نجحوا في ذلك بتعاون مع القوى الاستعمارية الصليبية الحاقدة. الثانية: توسيع دولة إسرائيل لتصبح (إسرائيل الكبرى) لتشمل الأراضي الواقعة بين النيل والفرات وتشمل المدينة المنورة وخيبر. الثالثة: المملكة اليهودية العالمية، حيث يخضع العالم لسيطرة اليهود وتكون أورشليم عاصمة المملكة العالمية التي يحكمها ملك يهودي. تلك بعض نتائج وآثار الانحرافات العقدية والتشريعية عند اليهود، وتأثيرها في علاقتهم مع الآخرين، بل خطر اليهود على الآخرين، وهذا ما سنبينه - إن شاء الله تعالى - في دراسة قريبة عن هذا الموضوع بعنوان (خطر اليهود على الإسلام والعالم) . ويتخذ اليهود جميع الوسائل والطرق في إثارة الفتن والحروب ونشر الفساد الأخلاقي والدعوة إلى الإباحية والإجهاض والزنا وإشاعة الربا والفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والديني في سبيل تحقيق أهدافهم وأحلامهم وهم في حقيقتهم أحقر وأجبن وأضعف من أن يحققوا شيئاً من ذلك ولكنهم انتهازيون يستفيدون من الأحداث والاضطرابات والفتن في تحقيق أهدافهم ولا

يتناهون عن منكر في سبيل ذلك قال الله عز وجل: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} 1. فكان عقاب الله عز وجل عليهم بقوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوَاْ إِلاّ بِحَبْلٍ مّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مّنَ النّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مّنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} 2. وقد يقول قائل: إنهم الآن أصحاب عز وملك وسلطان بعد أن أصبح لهم كيان دولي بإنشاء (دولة إسرائيل) . والجواب أنهم مع قيام هذه الدولة يعيشون تحت حماية غيرهم من دول الكفر الكبرى، فهي التي تحميهم، وتمدهم بأسباب الحياة والقوة، فينطبق على هذه الحالة - أيضاً - أنها بحبل من الناس. فاليهود لا سلطان لهم، ولا عزة تكمن في نفوسهم، ولكنهم مأمورون مسخرون أن يعيشوا في تلك البقعة من الأرض، لتكون مركزاً لتلك الأمم التي تعهدت بحمايتهم ليقفزوا منه إلى محاربة المسلمين، إذا أتيحت لهم فرصة. ولو أن المسلمين غيروا ما بأنفسهم، وتمسكوا بشريعتهم، واجتمعت قلوبهم، وتوحدت أهدافهم لكانت تلك الدولة ومن يحميها في رعب من المسلمين. والأمل في الله، أن يتنبه المسلمون إلى ما يحيط بهم من أخطار فيدفعوها، ويعتصموا بحبل الله لتعود لهم قوتهم وهيبتهم3 إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

_ 1 المائدة، آية 78،79. 2 سورة آل عمران، آية 112. 3 انظر: بنو إسرائيل في القرآن والسنة ص675-677 د. محمد سيد طنطاوي.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع القرآن الكريم. 1 - أبحاث في الفكر الديني اليهودي - د. حسن ظاظا، الطبعة الأولى دار القلم، بيروت، 1407 هـ. 2 - الإسرائيليات في التفسير والحديث - د. محمد الذهبي. 3 - الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير - د. رمزي نغاعة. 4 - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير - د. محمد أبو شهبة 5 - الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام - د. علي عبد الواحد وافي، دار النهضة مصر، القاهرة. 6 - إظهار الحق -الشيخ رحمة الله الهندي، تحقيق د. أحمد السقا، دار التراث العربي، القاهرة. 7 - أضواء على اليهود - مصطفى السعدني. 8 - إفحام اليهود - السموأل بن يحيى المغربي، تحقيق: د. محمد الشرقاوي، الطبعة الأولى، دار الهداية - مصر، 1406هـ. 9 - بنو إسرائيل في القرآن والسنة - د. محمد سيد طنطاوي، الطبعة الأولى، الزهراء للإعلام العربي - القاهرة، 1407هـ. 10 - تاريخ الإسرائيليين - شاهين بك مكاريوس - مطبعة المقتطف، مصر 1904م. 11 - التحريف في التوراة - د. محمد علي الخولي، الطبعة الأولى، مطبعة النرجس - الرياض، 1411هـ. 12 - تفسير القرآن العظيم - للإمام ابن كثير- طبعة الأولى، دار المعرفة، بيروت، 1407هـ. 13 - التلمود تاريخه وتعاليمه - ظفر الإسلام خان، الطبعة الرابعة، دار النفائس، بيروت، 1401 هـ.

14 - جامع بيان العلم وفضله، للإمام ابن عبد البر. 15 - جامع البيان في تأويل آي القرآن، للإمام أبي جعفر الطبري، الطبعة الثالثة، مطبعة الحلبي، مصر، 1388 هـ. 16- الجامع الصحيح - للإمام مسلم النيسابوري - تحقيق محمَّد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الأولى سنة 1375 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 17- الجامع الصحيح - للإمام محمد بن إسماعيل البخاري - مطبوع مع فتح الباري شرح صحيح البخاري. 18 - الجامع الصحيح - للإمام محمَّد بن عيسى الترمذي - تحقيق أحمد محمَّد شاكر، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1356 هـ / 1937 م. 19- جريدة الشرق الأوسط - الصادرة من لندن. 20 - الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح - لشيخ الإسلام ابن تيمية، نشر السيد علي صبح المدني، مطابع المجد التجارية، جده. 21 - دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة - د. موريس بوكاي، دار المعارف، القاهرة. 22 - رسالة في اللاهوت والسياسية - باروخ سبنوزا، ترجمة د. حسن ضيفي، الهيئة المصرية للتأليف، القاهرة، 1971م. 23 - السامريون واليهود - د. سيد فراج راشد، دار المريخ للنشر، الرياض. 24 - سلسلة الأحاديث الصحيحة - للشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت. 25 - سنن الدارمي - لأبي محمَّد عبد الله الدارمي، دار إحياء السنة النبوية، بيروت. 26 - السنن الكبرى - للحافظ البيهقي. 27 - السنن القويم في تفسير العهد القديم - مجموعة من اللاهوتيين - مجمع الكنائس في الشرق الأدنى، بيروت، 1972م.

28- شرح العقيدة الطحاوية - للإمام ابن أبي العز الحنفي، الطبعة الرابعة، المكتب الإسلامي - بيروت، 1391هـ. 29 - صحيح الجامع الصغير وزياداته - للشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت، 1406هـ. 30 - علاقة الإسلام باليهودية - د. محمد خليفة حسن، دار الثقافة للنشر - القاهرة، 1988م. 31 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني دار المعرفة، بيروت. 32 - فضح التلمود - الأب آي. بي. برانايتس. ترجمة زهدي الفاتح الطبعة الثانية، دار النفائس، بيروت، 1403هـ. 33 - في مقارنة الأديان بحوث ودراسات - د. محمد الشرقاوي. 34 - قاموس الكتاب المقدَّس. مجموعة من اللاهوتيين، القاهرة. 35- قصة الحضارة - ول ديورانت، الطبعة الثالثة، القاهرة 1973م. 36- الكتاب المقدَّس - طبعة دار الكتاب المقدَّس، القاهرة. 37- الكتاب المقدَّس - منشورات دار المشرق، بيروت، 1983م. 38- الكنز المرصود في قواعد التلمود - د. روهلنج، ترجمة: د. يوسف نصر الله، الطبعة الأولى، دار القلم، بيروت، دمشق 1408هـ /1987م. 39 - كنوز التلمود، ترجمة محمد خليفة التونسي. الطبعة الأولى، دار البيان، الكويت، 1409هـ. 40 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ. 41 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مكتبة المعارف - بيروت ن 1406هـ. 42- مجموع الفتاوى - لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى، مطابع الرياض.

43- مشكاة المصابيح للتبريزي (محمَّد بن عبد الله الخطيب) ، تحقيق الشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1399هـ. 44- مصنف ابن أبي شيبة، الطبعة الأولى، دار التاج، بيروت، 1409هـ. 45 - الملل والنحل - عبد الكريم الشهرستاني - تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة - بيروت، 1402هـ. 46 - نقد التوراة العبرية والسامرية واليونانية - د. أحمد السقا. 47 - النهاية في غريب الحديث - لابن الأثير، تحقيق: محمود الطناحي وطاهر الزاوي، نشر أنصار السنة المحمدية - باكستان. 48 - هداية الحيارى في الرد على اليهود والنصارى للإمام ابن قيم الجوزية، تحقيق د. أحمد السقا، الطبعة الثانية، المكتبة القيمة، القاهرة، 1399هـ. 49 – اليهودية – د. أحمد شلبي، الطبعة السابعة، مكتبة النهضة المصرية، 1984 م.

§1/1